شرح الطحاوية للراجحي

عبد العزيز الراجحي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن العلم الذي سندرسه معكم -إن شاء الله- هو في العقائد، وشرح متن العقيدة الطحاوية في كل ليلة -إن شاء الله- من ليالي هذه الدورة المباركة، وستكون المدة (مدة الدرس) في الغالب ساعة قد تزيد أحيانا وقد تنقص أحيانا، في الغالب ستنتهي في الساعة العاشرة -إن شاء الله-. لكن قد تزيد المدة أحيانا؛ نظرا لكون البحث يحتاج إلى استكمال، وقد تنقص، ثم تكون بعدها الأسئلة -إن شاء الله- وقد مضى على وفاة سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمة الله عليه- نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجمعنا به في دار كرامته، قد مضى على وفاته شهر نسأل الله أن يغفر له، وأن يتغمده برحمته، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. وأسأل الله -سبحانه وتعالى- وسوف يكون الشرح شرح العقيدة الطحاوية -إن شاء الله- سوف يكون شرحا متوسطا، أسأل الله أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعل هذا العمل نافعا لعباد الله، وأسأله -سبحانه وتعالى- أن ينفع به الغائب والحاضر، وأن يجعله من العمل الذي لا ينقطع إنه جواد كريم. هذا العلم الذي ندرسه وهو علم العقائد ودراسة العقيدة الطحاوية يتعلق بعلم الأصول هو علم الأصول، وعلم الأصول بالنسبة (علم أصول الدين) بالنسبة إلى غيره هو أشرف العلوم، فهو أشرف العلوم، علم أصول الدين أشرف العلوم؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم هو الله -سبحانه وتعالى-، والعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فالعلم يشرف بشرف المعلوم، والمعلوم هو الله سبحانه، العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله. فتبين بهذا أن علم أصول الدين أشرف العلوم؛ لأن شرف العلم إنما يكون بشرف المعلوم، والمعلوم هو الله -سبحانه وتعالى-، فعلم أصول الدين يتعلق بالعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذا هو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروض؛ ولهذا لما كتب الإمام أبو حنيفة النعمان -رحمه الله- أوراقا جمعها في أصول الدين سماها الفقه الأكبر، وأما فقه فروع الدين فهو الفقه الأصغر، فيكون العلم علمين: علم أصول الدين وهذا هو الفقه الأكبر، وعلم فروع الدين وهذا هو الفقه الأصغر. علم أصول الدين هو علم العقائد، العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله هذا العلم الأكبر، وهذا هو الفقه الأكبر، والثاني فقه الفروض، وهو العلم بالأوامر والنواهي والحلال والحرام. فيكون العلم علمين: علم أصول الدين وهذا هو الفقه الأكبر، وعلم فروع الدين وهذا هو الفقه الأصغر، وإن كان لشيخ الإسلام -رحمة الله عليه- ابن تيمية، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه- له كلام فيه تقسيمه إلى أصول وفروع. وعلم أصول الدين وهو العلم بالله وأسمائه وصفاته الحاجة إليه فوق كل حاجة، حاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة، وحاجتهم إليه أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، بل أشد من حاجتهم إلى النفس الذي يتردد بين جنبي الإنسان؛ لأن الإنسان إذا فقد الطعام والشراب وفقد النفس مات الجسد، والموت لا بد منه، ولا يضر موت الجسد إذا صلح القلب، أما إذا فقد العلم بالله وأسمائه وصفاته والعلم بشرعه ودينه مات قلبه وروحه. وبهذا يتبين أن حاجة العباد إلى علم أصول الدين والعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ وذلك لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة ولا سعادة إلا بأن تعرف ربها وخالقها، وفاطرها، ومعبودها بأسمائه وصفاته وأفعاله. ويكون مع ذلك أحب إليها من كل شيء، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه. هذا هو نعيم القلوب وروحها وطمأنينتها وسعادتها أن تعرف ربها وخالقها وفاطرها ومعبودها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك أحب إليها من كل شيء، ويكون مع ذلك سعيها وعملها فيما يقربها إليه -سبحانه وتعالى-. ولما كانت العقول عقول البشر لا تستقل بمعرفة هذا الأمر وهو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، لا تستقل بمعرفة ذلك على التفصيل اقتضت حكمة الله ورحمته بعباده أن أرسل الرسل يعرّفون بالله، ويدعون إلى الله، ويبشرون من أجابهم، وينذرون من عصاهم وخالفهم، وجعل -سبحانه وتعالى- مفتاح دعوة الرسل وزبدة رسالتهم معرفة المعبود -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته وأفعاله، وعلى هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها، وعلى هذه المعرفة تبنى مطالب هذه الرسالة كلها من أولها إلى آخرها، على معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها، هذا هو الأصل العظيم أصل الدين، أصل الدين أن تعلم ربك، أن تعلم الله، أن تعرف ربك بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان:

الأصل الأول: معرفة شريعة الله المتضمنة معرفة الطريق الموصل إلى الله، معرفة الطريق الموصل إلى الله، وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه تعرف الطريق الموصل، وذلك بأن تعرف الطريقة الموصلة إلى الله، ما هو الطريق الموصل إلى الله؟ هي شريعة الله المتضمنة لأمره ونهيه. والأصل الثاني: معرفة حال السالكين والسائرين إلى الله ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم المقيم. هذه هي الأصول الثلاثة العظيمة، وأصلها وأساسها معرفة الله، والعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، والثاني: معرفة الطريق الموصل إلى الله وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه، والثالث: معرفة حال الناس وجزائهم في الآخرة، وهذه هي أقسام العلم النافع، هذه الثلاثة هي أقسام العلم النافع، وليس هناك قسم رابع. أقسام العلم النافع ثلاثة: القسم الأول: معرفة الله والعلم بالله ومعرفته بأسمائه وصفاته وأفعاله. الثاني: معرفة دين الله وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه. الثالثة: معرفة جزاء الناس وحالهم بعد الموت، ماذا يكون جزاء المتقين المؤمنين الموحدين؟ الجنة، وجزاء الكفار والعصاة النار، ويتبع ذلك معرفة ما يكون في أمور البرزخ من سؤال منكر ونكير، ومن عذاب القبر ونعيمه. ومعرفة العلم بأحكام البعث والنشور، والوقوف بين يدي الله عز وجل وتطاير الصحف، ووزن الأعمال والأشخاص والورود على الحوض، والمرور على الصراط، ثم الاستقرار في الجنة أو في النار. هذه هي أقسام العلم النافع الثلاثة وليس هناك قسم رابع كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في الكافية الشافية: والعلم أقسام ثلاث ما لها *** من رابع والحق ذو تبيان علم بأوصاف الإله وفعله *** وكذلك الأسماء للرحمن والأمر والنهي الذي هو دينه *** وجزاؤه يوم الميعاد الثاني هذه أقسام العلم ثلاثة: "علم بأوصاف الإله وفعله" هذا الأول. "والأمر والنهي الذي هو دينه" هذا الثاني "وجزاؤه يوم الميعاد الثاني" هذا الثالث. وأعرف الناس بالله أتبعهم للطريق الموصل إليه، والطريق الموصل إلى الله كما سبق هي شريعته -سبحانه وتعالى- المتضمنة لأمره ونهيه. فأعرف الناس بالله أتبعهم للطريق الموصل إليه الذي يمتثل الأوامر، ويجتنب النواهي، ويعمل بشرع الله ودينه، هذا هو أقوم الناس، وأتبعهم أتبع الناس للصراط المستقيم؛ ولهذا سمى الله -سبحانه وتعالى- كتابه المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو القرآن العظيم روحا؛ لتوقف الحياة الحقيقية عليه، وسماه نورا؛ لتوقف الهداية عليه قال سبحانه: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) } . سماه الله شفاء قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} والله -سبحانه وتعالى- أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين، وأوضح الحجة للمستغفرين، ومضى على طريقه صلى الله عليه وسلم الصحابة، السلف الصالح الصحابة والتابعون والأئمة من بعدهم، فاهتدوا بهديه صلى الله عليه وسلم وترسموا خطاه، وآمنوا بالله وبملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر والقدر خيره وشره، وامتثلوا أوامر الله، واجتنبوا نواهيه، واستناروا بنور الله، فكانوا على الهدى المستقيم. وهم أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعون وتابعوهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين هم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحق، وهم الطائفة المنصورة، ثم لما بَعُدَ العهد، خلف من بعدهم خلوف، غيروا وبدلوا وتفرقوا في دينهم شيعا وأحزابا، ولكن الله -سبحانه وتعالى- حفظ على هذه الأمة أصول دينها، كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم) وفي لفظ آخر: (لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى) . فتصدى العلماء والأئمة لإيضاح أصول الدين وفروعه، والرد على أهل البدع بدعهم وإيضاح الحق، فنصر الله بهم الحق وألفوا المؤلفات، وكتبوا الردود، ألفوا المؤلفات في عقائد ... في عقيدة السلف الصالح. ومن هؤلاء الأئمة الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأسدي الطحاوي نسبة إلى قرية طحا من صعيد مصر المولود سنة تسع وثلاثين ومائتين، والمتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ألف هذه الرسالة في العقيدة المعروفة بالعقيدة الطحاوية مؤلفها أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأسدي الطحاوي.

ألف هذه الرسالة في عقيدة السلف الصالح، وتلقتها الأمة بالقبول، وتلقاها العلماء بالقبول سلفا وخلفا، وفي هذه الرسالة بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، وإن كان قد يلاحظ على هذه الرسالة ملحوظات يسيرة قد تتمشى مع معتقد المرجئة، نبه عليها العلماء، وسيأتي التنبيه عليها -إن شاء الله-، وهناك أيضا عبارات مشتبهة وفيها إيهام، لكن القاعدة في هذا أن العبارات المشتبهة تفسر بالعبارات الواضحة؛ لأن القاعدة عند أهل العلم أن النصوص المشتبهة من كتاب الله عز وجل تفسر بالنصوص الواضحة المحكمة وترد إليها. هذه هي طريقة أهل العلم الراسخين في العلم يردون المتشابه إلى المحكم، ويفسرون النصوص المتشابهة من النصوص المحكمة فيتضح الأمر، وكذلك أيضا النصوص المتشابهة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسر بالنصوص الواضحة المحكمة فيزول الاشتباه، وكذلك أيضا النصوص المشتبهة في كلام أهل العلم تفسر بالنصوص الواضحة من كلامهم، ولا يتعلق بالنصوص المتشابهة لا يتعلق بالنصوص المتشابهة ويترك النصوص المحكمة الواضحة إلا أهل الزيغ والظلام، كما قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) } . قد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: " (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) "، ثم قرأت هذه الآية، فأهل الزيغ يتعلقون بمتشابهه ويتركون المحكم، فمثلا إذا تعلق النصراني بقول الله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) } وقال: نحن ضمير الجمع، وهذا يدل على أن الآلهة ثلاثة، يقول أهل الحق: أنت من أهل الزيغ هذه من النصوص المشتبهة، الواجب عليك أن تردها إلى النصوص الواضحة المحكمة، كقول الله عز وجل {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) } {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} . عليك أن ترجع هذا النص المشتبه إلى النص المحكم، "نحن" يقولها في لغة العرب يقولها الواحد المعظم لنفسه، وهكذا هذا مثال. ومثال ذلك أيضا من السنة النبوية قد يتعلق بعض دعاة السفور (سفور النساء) ببعض النصوص المشتبهة ويقولون: إن مثلا حديث الخثعمية في صحيح البخاري في حجة الوداع (جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله وكان رديفه الفضل، فجعل ينظر إليها، وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الطرف الآخر) . قالوا: هذا يدل على أن المرأة سافرة كاشفة الوجه، وهذا يدل على أن المرأة يجوز لها كشف الوجه، وأن كشف الوجه ليس بواجب، ويستدلون أيضا بحديث أسماء أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنها بوجهه، وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه) . قالوا: هذا يدل على أيش؟ يدل على كشف الوجه، نقول لهم: أنتم من أهل الزيغ، أنتم تعلقتم بالنصوص المتشابهة، لماذا تركتم النصوص المحكمة الواضحة تركتم قول الله عز وجل {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} والحجاب ما يحجب المرأة عن الرجل، الحجاب يكون جدارا، ويكون بابا، ويكون غطاء على الوجه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} . وكذلك ثبت في صحيح البخاري في قصة الإفك لما سار الجيش، وترك عائشة -رضي الله عنها- قالت: (جلست في مكان الجيش لعلهم يفقدونها ثم يرجعون، وكان صفوان بن المعطل السلمي قد جاء متأخرا فلما رأى سواد إنسان عرفها، وجعل يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون -استرجع- وكانت نائمة حيث قالت: فاستيقظت باسترجاع صفوان، فخمرت وجهي بجلبابي، وكان يعرفني قبل الحجاب) وهذا في صحيح البخاري قولها: " (فخمرت وجهي بجلبابي) " صريح في تغطية الوجه وكان يعرفني قبل الحجاب" دليل على أن النساء قبل الحجاب يكشفن الوجوه، وأما بعد الحجاب فكن يسترن الوجوه.

وفي سنن أبي داود عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حازونا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه) فنقول لهم: كيف تتعلق بحديث أسماء وحديث الخثعمية وتتركون هذه النصوص المحكمة، عليك أن تفسر حديث الخثعمية بما يتناسب مع هذه النصوص، ثم حديث أسماء هذا ضعيف، وفيه علل كثيرة؛ فهو منقطع؛ لأنه من رواية خالد بن دريك عن عائشة، وخالد بن دريك لم يسمع عن عائشة، ثم هو منكر.. المتن منكر لا يمكن أن تكون أسماء بنت أبي بكر وهي أخت عائشة وامرأة الزبير وامرأة عاقلة دينة تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في ثياب رقاق، هذا لا يمكن تصف البشرة فهو فيه علل متعددة كثيرة. ومن رواية أيضا سعيد بن بشير وهو ضعيف أيضا، ولو صح جدلا لكان محمولا على ما قبل الحجاب، فالمقصود من هذا أن أهل الزيغ يتعلقون بالنصوص المتشابهة، ويتركون النصوص المحكمة، وأما الراسخون في العلم فإنهم يأخذون بالنصوص المحكمة، ويرجعون إليها النصوص المتشابهة. ومن ذلك أيضا في القرآن الكريم؛ لأهمية هذا المثال أن نصوص العلو محكمة يأتي أهل الزيغ، ويتعلقون بنصوص المعية {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} {لَا تَحْزَنْ إِن اللَّهَ مَعَنَا} {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) } . يأتي أهل البدع وأهل الزيغ ونفاة الصفات فيقولوا: هذا دليل على أن الله مختلط بالمخلوقات، وأن الله معهم، نقول لهم: أنتم أهل الزيغ لماذا تركتم النصوص المحكمة نصوص العلو والمعية {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في سبعة مواضع {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} {إِن رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} . حتى إن نصوص العلو تزيد على ثلاث آلاف أفراد، وعلى ثلاث آلاف دليل كلها صريحة في أن الله فوق السماوات، فوق عرشه، مستو على عرشه، بائن من خلقه، ثم تتعلق بنصوص المعية، المعية لا تفيد الاختلاط في لغة العرب أقول: لا تزال العرب تقول: ما زلنا نسير والقمر معنا، هذا معروف في لغة العرب، والقمر فوقك، وتقول: فلان معه كذا، وقد يكون فوق رأسه. فالمقصود أن طريقة أهل الزيغ يتعلقون بالنصوص المتشابهة، ويتركون النصوص المحكمة، أما طريقة الراسخين في العلم فإنهم يفسرون يأخذون بالنصوص المحكمة ويرجعون إليها النصوص المتشابهة ويفسرونها بها، فيزول الإشكال، وهكذا كلام أهل العلم فإذا رأيت كلاما لعالم اشتبه عليك مشتبه ترجع إلى كلامه الواضح تفسر به كما سيأتي في بعض كلام أبي جعفر الطحاوي، وهذه العقيدة الطحاوية كما سبق تلقاها العلماء بالقبول، وشرحت بشروح متعددة، لكن هذه الشروح لا تتمشى مع معتقد أهل السنة والجماعة. وأحسن شروح لها هو شرح العقيدة المعروفة الآن التي منتشر المطبوع الذي ألفه علي بن علي بن أبي العز الحنفي المولود سنة سبعمائة وواحد وثلاثين، والمتوفى سنة سبعمائة واثنين وتسعين، هذا أفضل الشروح وأحسنها، قد ذكر -رحمه الله- في مقدمتها: أن العقيدة الطحاوية شرحت شروحا متعددة إلا أنها لا تتمشى مع معتقد أهل السنة والجماعة، فأراد أن يشرحها شرحا يتمشى مع معتقد أهل السنة والجماعة. وطريقتنا -إن شاء الله- أننا لا نقرأ الشرح، وإنما نشرح المتن شرحا يكون متوسطا، أو أقل من المتوسط يحصل به الفائدة، والمقصود -إن شاء الله- وإلا لو أراد الإنسان أن يتوسع يحتاج إلى وقت طويل، لكن سيكون -إن شاء الله- الشرح شرحاً مناسبا، يكون فيه بيان معتقد أهل السنة والجماعة، وبيان ما يخالفه من أهل البدع، ليس طويلا فيمل وليس قصيرا مخلا، وإنما يكون -إن شاء الله- متوسطا، ونقرأ جملة جملة، ثم نشرح.

من قوله (الحمد لله رب العالمين) إلى قوله (ويدينون به رب العالمين)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ أَبُو جَعْفَرٍ الْوَرَّاقُ الطَّحَاوِيُّ -بِمِصْرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا ذِكْرُ بَيَانِ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، عَلَى مَذْهَبِ فُقَهَاءِ الْمِلَّةِ: أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ الْكُوفِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ- وَمَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَيَدِينُونَ بِهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) } {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) } {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) } فالعقيدة الصحيحة السليمة تصحح جميع الأعمال، وتعصم الدم والمال، والعقيدة الفاسدة المنحرفة تهدر الدم والمال، وتفسد جميع الأعمال. ومن ثم اتجهت جهود الأنبياء والمصلحين إلى إصلاح عقائد المجتمعات قبل كل شيء، كل نبي أرسله الله يدعو قومه إلى إصلاح العقيدة {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} كما أخبر الله عن نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاثة عشر عاما يدعو الناس إلى إصلاح العقيدة ويقول لقومه: (قولوا لا إله إلا الله) ولم يصنع شيئا، ولم يجد شيئا من التشريعات إلا الصلاة؛ لعظم شأنها فإنها فرضت قبل الهجرة بسنة أو بسنتين أو بثلاث، كل هذه المدة يدعو قومه إلى إصلاح العقيدة، ويقول: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) . ثم لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وثبتت العقيدة نزلت بقية التشريعات، شرع الأذان، شرعت صلاة الجماعة، فرض الزكاة، فرض الصوم، فرض الحج، فرض الجهاد، شرع الله إقامة الحدود، حد الزنا، حد السرقة، حد شرب الخمر… وهكذا. وتبين بهذا أن العقيدة هي الأساس الذي تبنى عليه الأعمال، وهي التي تعصم الدم والمال، والعقيدة الصحيحة تصحح جميع الأعمال نعم.

قوله: نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: أن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله

نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ: أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ.

ثانيا: الإيمان بربوبية الله واعتقاد أن الله هو الرب وغيره مربوب، فهو الرب هو رب العباد وغيره مربوب كما قال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ الْعَالَمِينَ (2) } هو رب العالمين، وكل ما سوى الله عالم، والله تعالى رب هؤلاء العالم، وغيره مربوب. ثالثا: إثبات أن الله هو الخالق وغيره مخلوق، كما قال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) } . رابعا: اعتقاد أو إثبات أن الله هو المالك وغيره مملوك، فهو مالك كل شيء وغيره مملوك. خامسا: اعتقاد وإثبات أن الله هو المدبر وغيره مدبَّر، فهو مدبر الخلق وهو المحيي وهو المميت وهو الرازق وهو الرزاق، وهو منزل المطر، مسبب الأسباب، يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع، ويقبض ويبسط، فهو مدبر سبحانه وغيره مدبَّر. بهذا يكون الإنسان وحد الله في ربوبيته، أثبت وجود الله واعتقد أن الله واجب الوجود لذاته، وأثبت ربوبية الله واعتقد أنه هو الرب وغيره مربوب، وأثبت أن الله هو الخالق وغيره المخلوق، وأثبت أن الله هو المالك وغيره المملوك، وأثبت أن الله هو المدبِّر وغيره المدبر، ومع ذلك لا يكفي هذا التوحيد في الإيمان والنجاة من النار، ولا يكون الإنسان مسلما بهذا التوحيد. هذا النوع من التوحيد أقر به الكفار، مشركو قريش. قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} يقول سبحانه: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) } {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) } {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) } {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) } . إذن هذا النوع من التوحيد أقر به كفار قريش، ومع ذلك لم يدخلوا في الإسلام، بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم وأموالهم؛ لأنهم لم يأتوا بلازمه وهو توحيد الألوهية والعبادة. الثاني: توحيد الأسماء والصفات، وهو الإيمان والإقرار بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا التي ثبتت بالكتاب والسنة، والإيمان بها وإثباتها لله على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. والأسماء والصفات توقيفية ليس لأحد أن يخترع لله أسماء وصفات من عند نفسه، بل الأسماء والصفات توقيفية، ما ثبت بالكتاب والسنة أنه اسم لله أو وصف أثبتناه له، وما لم يثبت بالكتاب والسنة نتوقف لا نثبته، فلا بد من الإيمان والإقرار والعلم بما لله من الأسماء والصفات على الوجه اللائق بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل. وهذا النوع أيضا من التوحيد أقر به كفار قريش، كانوا يقرون، كان المشركون يقرون بجنس هذا النوع، ولم يوجد عندهم منهم إنكار لشيء من الأسماء والصفات إلا في اسم الرحمن خاصة، فأنزل الله {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} . ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب الكتاب في صلح الحديبية وقال للكاتب: (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. قال سهيل الذي صالح النبي صلى الله عليه وسلم بالمشركين: اكتب باسمك اللهم، فإننا لا نعرف الرحمن ولا الرحيم) . قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: والظاهر أن إنكارهم لاسم الرحمن إنما هو من باب التعنت والعناد، وإلا فقد وجد في أشعار الجاهلية ما يثبت اسم الرحمن لله عز وجل كما قال الشاعر: وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق فإنكارهم للرحمن من باب التعنت والعناد، ولم يعرف عنهم إنكار شيء منها من الأسماء إلا في اسم الرحمن خاصة، وهذا النوع من التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات لا يكفي بالإيمان والإسلام، ولا يدخل الإنسان في الإسلام حتى يقر بلازمه، وهو توحيد الألوهية والعبادة. يعني هذا النوع من التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات كالنوع السابق كتوحيد الربوبية لا يكفي في كون الإنسان مسلما مؤمنا موحدا، ولكن في نجاته من النار ودخول الجنة حتى يوحد الله في ألوهيته. النوع الثالث: توحيد الألوهية والعبادة، وهو توحيد الله بأفعال العباد.

النوع الأول: وهو توحيد الربوبية توحيد الله بأفعال الرب، الخلق والرزق والإماتة والإحياء هذه أفعال الله، فأنت توحد الله بأفعاله هو، توحيد الله بأفعاله، توحيد الربوبية توحيد الله بأفعاله. أما توحيد الألوهية فهو توحيد الله بأفعال العباد بأفعالك أنت أيها الإنسان من صلاة وزكاة وصوم وحج وبر للوالدين وصلة للرحم، هذه أفعالك أنت وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكف نفسك عن المحرمات تتقرب بها إلى الله، توحد الله بها بأن تتقرب إلى الله، وتخلصها لله، وتريد بها وجه الله والدار الآخرة، هذا هو توحيد العبادة. وتوحيد العبادة هو أول دعوة الرسل وآخرها، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله، وهو أول دعوة الرسل وآخرها كما أخبر الله تعالى عن الأنبياء. قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وقال سبحانه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) } . هذا التوحيد توحيد الألوهية هو أول الدين وآخره، وظاهره وباطنه، وأول دعوة الرسل وآخرها، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله، وأول ما يدخل به المسلم في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) . وهذا التوحيد لأجله خلق الله الخليقة، ولأجله أرسل الله الرسل، ولأجله أنزل الله الكتب، ولأجله قام سوق الجهاد، ولأجله حقت الحاقة، ولأجله وقعت الواقعة، ولأجله انقسم الناس إلى شقي وسعيد، إلى كفار ومؤمنين، وهذا التوحيد هو الغاية المحبوبة لله والمرضية له، هو الغاية المحبوبة لله، والغاية التي ترضي الله عز وجل هذا التوحيد. وهذا التوحيد هو الذي وقعت فيه الخصومة بين الأنبياء والرسل في قديم الدهر وحديثه، الأنبياء والرسل إنما نازعهم وخاصمهم مخاصمة منهم في هذا التوحيد، بخلاف توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات فهما توحيدان فطريان قد أقر بهما جميع الخلق إلا من شذ، إلا بعض الطوائف التي شذت وانتكست فطرتها، وعميت بصيرتها. وإلا فجميع الخلائق يقرون بتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، والنزاع والخصومة بين الأنبياء والرسل في هذا التوحيد، وهو توحيد الألوهية والعبادة، والتوحيد توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات هما الوسيلة والغاية تفيد العبادة والألوهية توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات أن تعرف ربك، وتعلم ربك بأسمائه وصفاته وأفعاله فإذا عرفت ربك عبدته، وتقربت إليه، وأخلصت العبادة له، فتوحيد الربوبية والأسماء والصفات أن تعلم ربك بأسمائه، وتعرف ربك بأسمائه وصفاته وأفعاله، تعرف معبودك ثم تعبده وتخلص له العبادة. ومن العلماء من قسم التوحيد إلى قسمين، كشيخ الإسلام وابن القيم قالوا: التوحيد ينقسم إلى قسمين، وهذا التقسيم بالنسبة إلى الخبر والإنشاء، بالنسبة إلى الخبر والإنشاء قالوا: ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: توحيد في المعرفة والإثبات. والقسم الثاني: توحيد في الطلب والقصد، توحيد في المعرفة والإثبات وهذا يشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، يقال له توحيد في المعرفة والإثبات، ويقال له التوحيد القولي، ويقال له التوحيد الاعتقادي، ويقال له التوحيد العلمي الخبري. والثاني: توحيد الإرادة والطلب وهو توحيد العبادة. قال العلماء: إن التوحيد الأول وهو التوحيد في المعرفة والإثبات كما ذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله- وغيره هو إثبات حقيقة ذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمته، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع كل الإفصاح، كما في أول سورة الحديد، وسورة طه، وآخر سورة الحشر، وأول سورة الم تنزيل السجدة، وسورة الإخلاص بكمالها. وكما في قوله -سبحانه وتعالى-: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) } .

أول سورة الحديد فيها: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) } أول سورة طه فيها: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) } . أول سورة الم تنزيل السجدة كذلك: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وهكذا سورة الإخلاص بكمالها. والنوع الثاني: التوحيد الإرادي الطلبي مثل ما تضمنت سورة قل يا أيها الكافرون {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) } ومثل ما تضمنته الآية الكريمة آية آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) } . وكذلك أيضا ما تضمنت سورة يونس أولها وأوسطها وآخرها {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) } . في آخرها: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) } . جملة سورة الأنعام أنكر الله تعالى على المشركين شركهم: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذرأ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ} قال بعد ذلك: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) } ثم قال: {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} . وغالب سور القرآن متضمنة لنوعي التوحيد، بل كل سورة في القرآن متضمنة، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وهذا هو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى توحيده، ونهي عن الشرك وعبادة غيره، وهذا هو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته وذلك من حقوق التوحيد ومكملاته. وإما خبر عن أهل التوحيد وما حصل لهم في الدنيا من النصر والعز، وما يكرمهم به في الآخرة من الثواب فهذا جزاء من حقق التوحيد، وإما خبر عن أهل الشرك وما أصابهم في الدنيا من النكسة والهزيمة، وما يكون في الآخرة وما تكون عاقبتهم وما يحصل لهم في الآخرة من العذاب والنكال، وهذا جزاء من خرج عن التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وجزاء أهله، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم.

والفاتحة (سورة الفاتحة) كذلك كلها توحيد: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) } توحيد {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} توحيد {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) } توحيد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) } توحيد {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} توحيد متضمن للهداية لطريق المنعم عليهم وهم أهل التوحيد {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } هم الذين فارقوا التوحيد، فهذا التوحيد. فالقرآن كله من أوله إلى آخره على هذا بهذا التفصيل كله في التوحيد وحقوقه وجزاء أهله، وفي شأن الشرك وأهله وجزائه، والتوحيد توحيد الربوبية نفاة الصفات أدخلوا فيه أدخلوا في هذا التوحيد نفي الصفات، المعطلة للجميع وغيرهم وقالوا: إن معنى التوحيد نفي الصفات، وقالوا: إن إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب، والواجب عندهم يسمون الله الواجب، ويسمون المخلوق الممكن. قالوا: إن إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب. ففرارا من ذلك قالوا: نفي الصفات حتى لا يكون واجب إلا واحد، إنما له سمع وبصر وعلم وقدرة صار الواجب متعددا، وهذا من أبطل الباطل، هذا من الفساد؛ فإن إثبات ذات مجردة عن جميع الصفات والأسماء لا توجد في الخارج، لا يوجد شيء في الخارج إلا له اسم وصفة، فإذا نفيت الأسماء والصفات عن شخص فلا يمكن أن يوجد. فإذا قلت: هناك شيء موجود لكن ليس له طول ولا عرض ولا عمق وليس فوق ولا تحت ولا خلف ولا يمين ولا شمال لا وجود له إلا في الذهن، وهؤلاء سلبوا الأسماء والصفات عن الرب، معنى ذلك أنهم لم يثبتوا ربا ولا خالقا إنما كل شيء في الذهن والعياذ بالله، وقد أفضى هذا التوحيد ببعضهم إلى أن وصلوا إلى الحلول والاتحاد -نعوذ بالله- حتى قالوا: إن الوجود واحد، وقالوا بالحلول والاتحاد، ووقعوا في شر من مذهب النصارى؛ فإن النصارى خصوا حلول الرب بالمسيح عيسى ابن مريم، وهؤلاء الجهمية الغلاة قالوا: إن الله حال في كل مكان تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. فلما وصلوا إلى القول بالحلول والاتحاد، وقالوا: إن الوجود واحد تفرع عن هذا التوحيد -اللي يسمونه توحيدا وهو من أعظم الشرك- تفرع عن ذلك القول بأن الوجود واحد، وقالوا: وتفرع عن هذا القول بأن فرعون على الصواب وأنه مصيب حينما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } وقالوا: إن عُبّاد الأصنام على الحق والصواب، وأنهم إنما عبدوا الله ولم يعبدوا غيره، وقالوا: لا فرق في التحريم بين الأم والأخت والأجنبية، ولا بين الزنا والخمر، ولا بين الماء والخمر، ولا بين الزنا والنكاح. وقالوا: الكل من عين واحد، بل هو العين الواحد، ومن فروع الاتحادية قالوا: إن الأنبياء ضيقوا على الناس، وبعّدوا عليهم المقصود، والأمر وراء ذلك كله، فهذا -والعياذ بالله- سببه أن هؤلاء أعرضوا عن كتاب الله وسنة رسوله، وتركوا كتاب الله وراءهم ظهريا فتولتهم الشياطين، فقالوا هذه المقالات التي سودوا بها الأوراق، وأضلوا بها الناس، وتكلموا بالكفر الصراح -نسأل الله السلامة والعافية-.

قوله: ولا شيء مثله

وَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ.

قوله: ولا شيء يعجزه

وَلَا شَيْءَ يُعْجِزُهُ.

فالأسماء والصفات إثبات الأسماء والصفات تأتي مفصلة، وهذه أسماء لله وهي متضمنة للصفات {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) } . هذا من الإثبات المفصل، الأسماء والصفات تأتي مفصلة، أما النفي فيأتي مجملا، أما أهل الكلام وأهل البدع فعكسوا، فإنهم يأتون بإثبات مجمل ونفي مفصل، فإنهم يأتون بنفي مفصل وإثبات مجمل، فإذا أرادوا أن يصفوا الله إذا أرادوا أن ينفوا النقائص عن الله يأتوا بالتفصيل، النفي المفصل والإثبات المجمل، فيقول ليس بذي جثة، وليس بذي أعضاء، وليس بذي لون ولا رائحة ولا طعم ولا مجثة ولا كذا ولا كذا ولا لحم ولا دم ولا عرق… إلى آخره تفصيلات بنفي النقائص والعيوب. أما الإثبات فإنهم يأتون بإثبات مجمل، عكسوا ما دل عليه الكتاب والسنة، وهذا النفي في نفي النقائص والعيوب مع كونه مخالفا للكتاب والسنة ففيه إساءة أدب مع الله عز وجل فإن الأدب والكمال أن تنفي النقائص إجمالا ولا تعددها ولله المثل الأعلى، لو أراد إنسان أن يمدح أميرا، أو ملكا، أو رئيسا فيقول له: أنت لست بزبال، ولست بحجام، ولست بكساح، ولست بكذا هذا يؤدب إذن، يؤدب ويعزر وإن كان صادقا، فهو صادق فالملك والأمير ليس بزبال ولا حجام ولا بكساح ولا جزار ولا كذا لكن هذا فيه إساءة أدب. وإنما الكمال أن تأتي بالنفي المجمل فتقول: أنت لست مثل أحد من رعيتك، أنت أعلى منهم وأجل وأكمل، فهذا يكون مدحا، إذا كان هذا في حق المخلوق ففي حق الخالق أولى، فإذن منهج الكتاب والسنة في الإثبات والنفي أن يكون النفي مجملا، نفي النقائص والعيوب يكون مجملا، والإثبات يكون مفصلا، إثبات السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة، وقد يأتي النفي مفصلا للرد على أهل البدع. لقوله -سبحانه وتعالى-: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) } للرد على الكفرة الذين نسبوا الولد إلى الله {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) } هذا لأجل الرد عليهم، أما أهل البدع فإنهم ينفون نفيا مفصلا ويثبتون إثباتا مجملا، فينبغي للمسلم أن يعلم ما دل عليه الكتاب والسنة، وأن يحذر طريقة أهل البدع. نعم.

قوله: ولا إله غيره

وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ

ولا بد من الإخلاص المنافي للشرك. إذا قال هذه الكلمة لا إله إلا الله، ولم يخلص أعماله لله، فإن وقع في عمله شرك بطلت هذه الكلمة وانتقضت فالشرك ينقضها ويحبط جميع الأعمال. قال سبحانه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) } وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) } وقال سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) } . لا بد من الإخلاص. إذا وقع الشرك في عمل العبد بطل توحيده وإيمانه وانتقض كما لو توضأ وأحسن الوضوء وتطهر وأحسن الطهارة ثم أحدث، خرج منه بول أو غائط أو ريح بطلت الطهارة، كذلك كلمة التوحيد إذا قالها عن غير إخلاص في عمله شرك فإن شركه ينقض التوحيد. لا بد من علِمْ ٍمناف للجهل، ويقين مناف للشك والريب، وصدق مانع من النفاق وإخلاص مناف للشرك، ولا بد من المحبة لهذه الكلمة ولأهلها والسرور بذلك، ولا بد من الانقياد بحقوقها، وهى الأعمال الواجبة بفعل الواجبات، وترك المحرمات. المنقاد يكون منقادًا ضد حقوقها، ولا بد من القبول المنافي للترك فقد يقولها بعض الناس لكن لا يقبلها ممن يدعون إليها تعصبا وتكبرا إذا وجدت هذه الشروط، فإن هذه الكلمة تكون صحيحة، ويكون قالها عن تحقيق.لا بد من إخلاص التعلق بالله عز وجل. أما مَن قالها بلسانه ولكنه ينقضها بأفعاله، أو قالها وقلبه مكذب فإنها لا تنفع، ولا بد أيضا أن يوحد الله في ربوبيته وفى أسمائه وصفاته كما سبق في البارحة.أنواع التوحيد الثلاثة متلازمة. توحيد الربوبية، وتوحيد الله بأفعاله هو، وتوحيد الألوهية، توحيد الله بأفعالك أنت أيها العبد، وتوحيد الأسماء والصفات كذلك. هذه الأنواع الثلاثة متلازمة، كلها مطلوبة، لا بد أن توحد الله في ربوبيته، وتوحد الله في أسمائه، وصفاته، وتوحد الله في عبادته وألوهيته. مَن لم يأت بنوع من هذه الأنواع فلا يصح التوحيد من لم يوحد الله في ربوبيته فهو كافر ولو زعم أنه يعبد الله، ولا يمكن أن يعبد الله وهو لا يوحد الله في ربوبيته، كذلك من زعم أنه يوحد الله في أسمائه وصفاته، ولكنه لم يوحد الله في عبادته لم يكن موحدًا. هذه الأنواع الثلاثة متلازمة، توحيد الألوهية متضمن بتوحيد الربوبية بمعنى أن مَن عَبَدَ الله وأخلص التعلق بالله عز وجل فلا بد أن يكون قد وحَّد الله في ربوبيته في ظل ذلك لا بد يوحّد الله في ربوبيته إنما عبد الله لاعتقاده أن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت الذي بيده النفع والضر. فإِذًا توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، أما توحيد الربوبية فإنه مستلزم لتوحيد الألوهية، بمعنى أن مَن وحَّد الله في ربوبيته، واعتقد أن الله هو الخالق، والرازق، المدبر، المحيي، المميت، فإن هذا الاعتقاد، وهذا التوحيد يوجب له أن يوحد الله في ألوهيته ولكن ليس واحد يلتزم بما يلزمه يلزم مَن يوحِّد الله في ربوبيته أن يوحد الله في ألوهيته. لكن ليس كل واحد يلتزم بما لزمه. والدلالات عند العلماء من أهل الأصول ثلاث دلالات: 1- دلالة التضمن. 2- دلالة المطابقة. 3- دلالة الالتزام. قلنا: إن توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فما معنى الاستلزام؟ وما معنى التضمن؟ وما معنى المطابقة؟. دلالة التضمن: هو دلالة الشيء على جزء معناه أو على بعض معناه. ودلالة الالتزام: دلالة الشيء على خارج معناه. ودلالة المطابقة: دلالة الشيء على جميع معناه. فمثلا مَن عَبَد الله فإنه وحد الله في ربوبيته ووحد الله في ألوهيته، فتكون دلالة توحيد العبادة دلالة مطابقة، لأنه دل على جميع ما نهى؛ لأن توحيد العبادة يشمل أمرين: يشمل توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، فدلالة العبادة على توحيد الربوبية، والألوهية دلالة مطابقة، ودلالة توحيد العبادة على توحيد الربوبية دلالة تضمن؛ لأنه يدل على جزء معناه، فتوحيد الربوبية جزء من معنى توحيد الألوهية، ودلالة العبادة والألوهية على الربوبية والألوهية دلالة مطابقة هي دلالة الشيء على جميع معناه. أما دلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية فهي دلالة التزام؛ لأنه خارج عن معناه مثل دلالة التوبة على التائب فالتوبة غير التائب دلالة الوالد على الولد، فالولد غير الوالد شيء خارج عنه، فتوحيد الربوبية غير توحيد الألوهية. فدلالة توحيد الربوبية على دلالة توحيد الألوهية دلالة التزام هو شيء خارج عن معناه. أما دلالة الألوهية على الربوبية فهي دلالة تضمن لأنه في ظل الألوهية توحيد الربوبية، هذه الثلاث دلالات تسمى دلالة التضمن، ودلالة الالتزام، ودلالة المطابقة.

فدلالة الالتزام دلالة الشيء على خارج معناه كدلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية، ودلالة التضمن هي دلالة الشيء على جزء من معناه كدلالة توحيد الألوهية على توحيد الربوبية، ودلالة المطابقة: دلالة الشيء على جميع معناه كدلالة الألوهية على الربوبية والألوهية. ومعنى الإله كما سبق هو المعبود، وبعض أهل الكلام كالأشاعرة وغيرهم أخطئوا في تفسير الإله، فقالوا: الإله فيه تقدير الخبر، قالوا: لا إله موجود إلا الله، وفسروا الإله بالخالق، وهذا خطأ، لو كان المعنى لا خالق إلا الله لما حصل نزاع بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش، ولما حصل نزاع بين الرسل وأممهم، لأن الأمم يقرون بأنه لا خالق إلا الله. وبعض أهل الكلام كالأشاعرة وغيرهم يقولون: معنى لا إله إلا الله: لا خالق إلا الله، أو لا قادر على الاختراع إلا الله، وهذا غلط كبير؛ لأنه لو كان معنى لا خالق إلا الله لما حصل نزاع وقتال وجهاد من الرسل للكفرة؛ لأن الكفرة يقرون بأنه لا خالق إلا الله، لا خالق إلا الله، هذا لا إشكال فيه عندي. ولا يتبين عظمة هذه الكلمة "لا إله إلا الله" وأنها كلمة التوحيد التي تنفي الشرك إلا بتفسير الإله بالمعبود، وتقدير الخبر بحق لا إله بحق إلا الله. لا معبود بحق إلا الله، وبهذا يتبين عظمة هذه الكلمة لأن الآلهة موجودة، ولكنها آلهة باطلة، قال سبحانه: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} إذًا لهم آلهة، وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) } . إذًا فيه معبودات؛ اليهود، الكافرون لهم معبود يعبدون الأصنام، والأوثان، لهم إله، وجميع الكفرة كل إنسان له معبود، لكن، وكل إنسان له دين، لكن المعبود بحق هو الله. ما سواه إلا باطل، قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} . وكل إنسان له دين. الكفار لهم دين لكن دين باطل؛ ولهذا قال سبحانه: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) } وقال الله عن أهل الكتاب إنهم قالوا: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} فلهم دين لكن دين باطل، والدين الحق هو دين الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} . فتفسير الإله بالخالق تفسير باطل. الذين فسروا هذا الكلام كالأشاعرة وغيرهم؛ لأنه لو كان الإله هو الخالق لما حَصَلَ خلاف بين الأنبياء وبين أممهم، ولما حصل قتال. ولا يتبين عظمة هذه الكلمة، وأن كلمة التوحيد التي تنفي الشرك إلا بتفسير الإله هو المعبود، وهذا معناها في اللغة العربية الإله هو المعبود، وإله اسم لا النافية للجنس من أخوات إن تنصب الاسم، وترفع الخبر، وإله اسمها. والخبر محذوف تقديره لا إله حق، لا معبود حق إلا الله.

قوله: قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء

قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بِلَا انْتِهَاءٍ

وقال -سبحانه وتعالى-: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) } "والأقدمون" مبالغة في القديم وقال سبحانه: {فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) } ومنه سُمِّيت القَدَم قدم الإنسان؛ لأنها تتقدم بدن الإنسان والفعل يأتي متعديا ولازما. أخذني ما قدم وما حدث.ويقال: قدم هذا يَقْدُمُه يعنى تقدمه، وقال سبحانه في فرعون: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يعنى يتقدمهم في النار. ومنه: قول القديم والجديد في الشافعي، فالقول القديم ما أخذ به في العراق، والقول الجديد ما أخذ به في مصر فسمى القديم بالنسبة للقول الجديد، فالمقصود أن كلمة القديم ما تريد التقدم على كل شيء مع أنها لم ترد في الكتاب والسنة اسم القديم فهو لا يفيد التقدم على كل شيء، وإنما يفيد التقدم النسبي إذا نَسَبْته إلى ما بعده صار قديما، وإذا نسبته إلى ما بعده صار جديدا بخلاف الأول والآخر. فإن الأول يفيد أن الله -سبحانه وتعالى- هو الأول الذي ليس لأوليته بداية كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء) والآخر هو الذي ليس لآخريته نهاية، كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (وأنت الآخر فليس بعدك شيء) . ولا يرد على هذا كون الجنة والنار باقيتان، وكون الناس إذا بُعِثوا يبقون؛ لأن وجودهم إنما بإيجاد الله لهم؛ لأن بقائهم بإبقاء الله لهم نعم.

قوله: لا يفنى ولا يبيد

لَا يَفْنَى وَلَا يَبِيدُ

قوله: ولا يكون إلا ما يريد

وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا يُرِيدُ

الإرادة الكونية مرادفة للمشيئة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. وأمَّا الإرادة الدينية الشرعية فهي مذكورة في قول الناس: هذا يفعل ما لا يريده الله يعني يفعل ما لا يحبه الله؛ ولهذا لو قال الإنسان: والله لأفعلن كذا -إن شاء الله- ثم لا يفعل لا يحل، حتى ولو كان الذي لم يفعله واجبا أو مستحبا. لو قال: والله لأصلين الضحى -إن شاء الله- ثم لم يصل لا يحل يتعلق بالمشيئة لم يشأ الله أن يصلى. لكن لو قال والله لأصلين الضحى إن أحب الله ثم لم يصل فعليه كفارة يمين؛ لأن الله يحب أن تصلى الضحى. ففرق بين الإرادتين الكونية والقَدَرية، والله -سبحانه وتعالى- هدى أهل السنة والجماعة إلى ذلك.أما المعتزلة والقَدَرية ما عندهم إلا إرادة واحدة، وهى الإرادة الدينية الشرعية وعموا عن الإرادة الكونية فضلوا سواء السبيل. ما عندهم إلا إرادة كونية، إرادة دينية شرعية. والجبرية ما عندهم إلا إرادة واحدة، وهى الإرادة الكونية. وأنكروا الإرادة الدينية الشرعية فضلوا، وأهل السنة والجماعة أخذوا نوعي الإرادة. القدرية والمعتزلة قالوا: ما عندنا إلا إرادة دينية شرعية واستدلوا بالنصوص التي أثبتت الإرادة الإرادة الشرعية، وأغمضوا أعينهم عن النصوص التي تثبت الإرادة الكونية والجبرية من الجهمية والأشاعرة أثبتوا الإرادة الكونية واستدلوا بالنصوص، وأغمضوا أعينهم عن الأدلة التي تثبت الإرادة الدينية الشرعية. وأهل السنة والجماعة -هداهم الله- أخذوا أدلة القدرية والمعتزلة التي يثبتوا فيها الإرادة الدينية الشرعية وقالوا: هذه حق، وأخذوا الأدلة التي أثبتها الجبرية في الإرادة الكونية وقالوا: هذه حق. وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتنافوا؛ يصدق بعضه بعضا، هذه حق، وهذه حق. فالإرادة نوعان، -فهداهم الله-. فالإرادة الدينية والشرعية تتضمن المحبة والرضا، والإرادة الكونية القدرية هي المشيئة الشاملة؛ ولأن من قال: إنه ليس هناك إلا إرادة دينية وشرعية يلزموا ملازم، وقال لهم شبه، المعتزلة يقولون له قلنا: إن الله قدَّر المعاصي، وعذَّب عليها فصار غالبا ففرارا من ذلك أنكروا أن يكون الله أراد المعاصي فألزمهم أهل السنة بأنكم فررتم من شيء ووقعتم في شر مما فررتم منه، وقعتم في كونه يقع في ملك الله ما لا يريده تقع المعاصي والله لا يريدها، هذا شرط المذهب وأيضا يلزمكم على ذلك أن تكون إرادة العاصي والكافر تغلب إرادة الله، الله أراد من العاصي عند القدرية الإيمان وهو أراد الكفر، فوقعت إرادة العبد، ولم تقع إرادة الله، هذا من أباطيلهم. أما أهل السنة فقالوا كل شيء في هذا الوجود أراده الله كونا وقَدَرا الكفر والمعاصي وغيرها، ولكن له حكمة. لله الحكمة البالغة في ذلك، لكنه لا يريد الكفر والمعاصي دينا وشرعا، ولا يحبها بل يبغضها وينهى عن ذلك، فالله تعالى له الحكمة البالغة، ومن حكمه وأسراره من إيجاد الكفر والمعاصي ظهور قدرة الله على إيجاد المتقابلات والمتضادات، فالكفر يقابل الإيمان، والمعصية تقابل الطاعة، كما أن الليل يقابل النهار. ومنها ظهور العبوديات المتنوعة التي لولا تقدير الله للكفر والمعاصي لما حصلت المعاصي منها: انقسام الناس إلى شقي وسعيد، والى مؤمن وكافر؛ ولأن الله تعالى خلق للجنة أهلها، وخلق للنار أهلها، ووعد الجنة بأهل، ووعد النار بأهل. وفى الحديث أن الله قال للجنة: (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، وأنت النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علَيَّ ملؤها) . ومنها ظهور العبوديات التي يحبها الله كعبودية الجهاد في سبيل الله، وعبودية الولاء والبراء وعبودية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لو لم يكن هناك كفر ولا كفار ولا عصاة أين هذه العبودية؟ أين عبودية الجهاد في سبيل الله؟ أين عبودية الجهاد والصبر؟ أين عبودية الولاء والبراء؟ أين عبودية الحب في الله والبغض في الله؟ وهكذا. هذه حِكَم وأسرار، الله تعالى قدرها لا لذاتها بل لما يترتب عليها من الحِكَم، وكون الكفر والمعاصي يحصلوا ضررا على الأشخاص الذين قدر عليهم هذا ضرر نسبي، ضرر نسبي لا يضاف إلى الله، والذي يضاف إلى الله إنما هو الخَلْق، والإيجاد، والتقديم. وهذا الخلق والإيجاد مبني على الحكمة فلا يسمى شرا بالنسبة إلى الله، ولكن يسمى شرا بالنسبة إلى العبد الذي أضره وأساء إليه، أما بالنسبة إلى الله فلا يضاف إليه الذي يضاف إلى الخلق والإيجاد والتقدير، وهو مبني على الحكمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (والشر ليس إليك) . فالمقصود أن قول المصنف -رحمه الله-: ولا يكون إلا ما يُرِيد يبين معتقدات أهل السنة والجماعة في إثبات الإرادة الكونية الشاملة والرَّد على المعتزلة الذين أنكروا الإرادة الكونية القدرية، وأنهم ضلوا كما أن الجبرية أنكروا الإرادة الشرعية، وضلوا في عدم إثباتهم للإرادة الدينية الشرعية.

وهدى الله أهل السنة والجماعة فأثبتوا الإرادة بنوعيها، وعملوا بالنصوص من الجانبين {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) } أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم نعم.

قوله: لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام

لَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَفْهَامُ

قوله: ولا يشبه الأنام

وَلَا يُشْبِهُ الْأَنَامَ

الأسئلة

الأسئلة:

س: -أحسن الله إليكم- يقول السائل: لو تخلف شرط من شروط لا إله إلا الله وتحقق الباقي فهل تنفع صاحبها؟ . ج: لا بد من اجتماعها. من لم يحب، تخلف العلم صار جاهلا ما نفع، تخلف الإخلاص صار مشركا ما نفع، تخلف اليقين صار شاكا ما نفع، تخلف الصدق صار منافقا ما ينفع، تخلفت المحبة صار يكره أهل الإيمان وأهل التوحيد ما نفعه، خالف القبول ما قبل هذه الكلمة ما نفعه. خالف الانقياد؛ ما انقاد بحقوقها قال لا إله إلا الله لكن ما قبلها، ما انقاد بحقوقها لا بد من الشروط هذه. س: -أحسن الله إليكم-، ما جاء في دعاء الدخول إلى المسجد " وسلطانه القديم " ألا يدل على صفة القديم؟. ج: هذا وصف السلطان، وصف السلطان. نعم. س: يقول السائل: هل الدائم من أسماء الله عز وجل؟. ج: ما أذكر هذا، يحتاج إلى ثبوت. نعم. س: وهل يصح إطلاق اسم الأول بدون تقيده بالآخر، وكذا الظاهر والباطن، وهل يجوز أن يتسمى الإنسان بعبد الباطن أو عبد الظاهر؟. ج: نعم يجوز. لكن هذه الأسماء متقابلة، اسمان متقابلان، الذي لا يطلق منه، مثل الخافض الرافع، النافع الضار، ما يطلق النافع فقط، النافع الضار، الخافض الرافع، المعطي المانع. أما الأول نعم وحده، الأول والآخر، عبد الأول، عبد الآخر لا بأس. نعم. س: -أحسن الله إليكم-، يقول السائل: عند دعوة إنسان إلى الدين الحنيف فما الرد عليه إذا قال: إن الله أراد لي ما أنا فيه من ضلال، كيف نرد عليه من الشرع؟. ج: هذه مسألة القدر سيأتي البحث فيها، نقول: إن الله تعالى ... أنت مكلف بالشريعة إن الله، تعالى أمرك بالإيمان والتوحيد والطاعة، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لعباده، فأنت مخلوق لعبادة الله، أما القدر فهو سر الله في خلقه هذا من شئون الله ليس من شئونك. أنت عبد مأمور بالإيمان، والتوحيد والطاعة والالتزام بالشريعة، وأنت عندك عقل، وعندك سمع وبصر تستطيع ... لست ... ولا ممنوع ولا مسلوب العقل. أما تحتج بالقدر ليس حجة لك، لو كان القدر حجة لك لكان حجة للكفرة؛ قوم نوح، وقوم شعيب وقوم صالح، وكان حجة للكافر والسارق والزاني. ليس حجة. نعم. س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: كيف يجمع بين نفي تشبيه الله بخلقه مع ورود الحديث وفيه: (أن الله خلق آدم على صورته؟) . ج: ما فيه تشبيه هذا خلق الله آدم على صورته كما ثبت في الصحيح، هذا إثبات الصورة لله، وهذا يقتضي نوعا من المشابهة، كما حقق الشيخ ابن تيمية، نوع من المشابهة، وهي مشابهة في مطلق الصورة لا في الجنس والمقدار، نوع من المشابهة. والمشابهة في مطلق الصورة، لكنه ليس، لا يقصد مشابهة مماثلة في الجِنس ولا في المقدار، وشيخ الإسلام له كتاب عظيم في هذا بيان تلبيس الجهمية، وحفظ في رسالة كاملة "دكتوراه" وهو الآن تحت الطبع، أو انتهى من الطبع، على وشك الخروج -إن شاء الله- كتابه العظيم (بيان تلبيس الجهمية) نعم. السؤال الأخير: يقول السائل: أنتم أشرتم بإصبعكم حفظكم الله أن الله يجعل الجبال على إصبع، وأشرتم بهذا، فهل هذا جائز؟. ج: نعم من باب تحقيق الصفة كما ثبت أن النبي قال: إن الله كان سميعا بصيرا أشار إلى أذنه وعينه من باب تحقيق الصفة، ليس المراد التشبيه. نعم.

قوله: حي لا يموت، قيوم لا ينام

حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لَا يَنَامُ

قوله: خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة

خَالِقٌ بِلَا حَاجَةٍ، رَازِقٌ بِلَا مُؤْنَةٍ.

قوله: مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة

مُمِيتٌ بِلَا مَخَافَةٍ، بَاعِثٌ بِلَا مَشَقَّةٍ.

قوله: ما زال بصفاته قديما قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا

مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ، لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ، وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا.

ثالثا: أن قولكم: إن الكلام والفعل كان ممتنعا على الرب ثم انتقل فجأة فصار ممكنا، ما الذي جعله ينقلب من الامتناع إلى الإمكان إذا كان الرب فعَّالا وكان الرب كاملا -سبحانه وتعالى- وكان له الكمال ولم يتجدد له شيء فما الذي جعل الكلام والفعل ممتنعا ثم جعله ممكنا؛ ولأنه ما من وقت يقدر، الإمكان، ما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت قبله إلى ما لا نهاية. فلا تستطيعون أن تحددوا وقتا يكون بدءا للفعل والإمكان، وثالثا أنه يلزمكم على هذا أن العالَم ليس حادثا، والعالَم حادث، والحادث ممكن، والمعنى ممكن أنه يجوز أن يوجد، ويجوز ألا يوجد إذا أراد الله إيجاده أوجده، وإذا لم يرد فلا إذا أراد الله شيئا من خلقه وُجدوا إذا لم يرد لا يوجد. وقولكم: إن الرب هو الأول، نعم إن الرب هو الأول الذي ليس قبله شيء، وكون الحوادث متسلسلة في المستقبل لا يمنع أن يكون الله هو الأول؛ لأننا نقول: كل فرد من أفراد الحوادث مسبوق بالعدم موجود بإيجاد الله له كل فرد من أفراد الحوادث والمخلوقات مسبوق بالعدم، والله تعالى أوجده بعد أن كان معدوما. وإذا وصفنا بهذا الوصف لا يلزم هذه الفترة. فنقول: الحوادث متسلسلة في الأزل في الماضي إلى ما لا نهاية. وأيضا من الردود أنكم خالفتم النصوص فإن النصوص فيها أن الرب فعَّال {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) } {كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) } {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) } . ولأنكم بهذا تنقصتم الرب -سبحانه وتعالى- حيث نفيتم عنه صفة الكمال، وهو الفعل والكلام، وهذه تسمى مسألة تسلسل الحوادث. الحوادث: المخلوقات، النبات، الحيوان، الأشجار، والطيور والحيوانات والسماوات والأرضين ... إلى غيرها تسمى حوادث هذه هي الحوادث المتسلسلة. قال أهل السنة: الحوادث متسلسلة في الماضي بمعنى أن الرب لم يزل يفعل ويخلق خلقا بعد خلق إلى ما لا نهاية في الأزل، ولكن كل فرد من أفراد هذه المخلوقات مسبوق بالعدم، موجود بإيجاد الله له، ليس له من نفسه وجود ولا عدم، الله أوجده بعد أن كان معدوما. كل فرد من أفراد ... أما نوع الحوادث فهو متسلسل إلى ما لا نهاية، كما أن الحوادث متسلسلة في المستقبل إلى ما لا نهاية، فكما أن تسلسل الحوادث في المستقبل لا يمنع أن يكون الله هو الآخر فكذلك تسلسلها في الماضي لا يمنع أن يكون الله هو الأول؛ لأن الحوادث متسلسلة في المستقبل بالاتفاق حتى أهل البدع وافقوا على أن الحوادث متسلسلة في المستقبل؛ لأن الله لا يزال يُحْدِث لأهل الجنة نعيما بعد نعيم إلى ما لا نهاية. والمقصود أن معنى الحوادث متسلسلة، الحوادث: يعني المخلوقات، متسلسلة يعني مستمرة. الصور العقلية التي يتصورها العقل أربع صور: الصورة الأولى: الحوادث متسلسلة في الماضي وفي المستقبل. الصورة الثانية: الحوادث غير متسلسلة لا في الماضي ولا في المستقبل. والصورة الثالثة: الحوادث متسلسلة في المستقبل لا في الماضي. الصورة الرابعة: الحوادث متسلسلة في الماضي لا في المستقبل. هذه صور عقلية، ثلاث صور قال بها الناس، وصورة لم يقل بها أحد، الحوادث متسلسلة في الماضي وفي المستقبل هذا قول أهل السنة والجماعة، وهذا هو الصواب والذي تدل عنه النصوص. الحوادث غير متسلسلة لا في الماضي ولا في المستقبل هذا قول جهم بن صفوان والحذير بن علاف، وأنكر عليه ذلك أهل السنة وبَدَّعُوه وصاحوا به. الحوادث متسلسلة في المستقبل دون الماضي هذا قول كثير من أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من الشيعة. الحوادث متسلسلة في الماضي لا في المستقبل ما قال به أحد، صورة عقلية ما قال بها أحد. تكون الصور أربع. ثلاث صور قال بها أحد وصورة لم يقل بها أحد. يقول الشيخ الطحاوي -رحمه الله-: "مازال من صفاته القديم قبل خلقه" أراد بذلك الرد على أهل الكلام وأهل البدع الذين يقولون: إن الحوادث غير متسلسلة في الماضي، وإن هناك فترة عطلوا فيها الرب عن الكلام والفعل. ولهذا قال لهم أهل السنة: ما الفرق بين تسلسل الحوادث في الماضي وفى المستقبل أنتم وافقتم على أن الحوادث متسلسلة في المستقبل، وأن الرب لا يزال يزيد أهل الجنة نعيما إلى نعيم، إلى ما لا نهاية، وهذا لا يمنع أن يكون سبحانه هو الآخر الذي ليس بعده شيء، وكذلك تسلسل الحوادث في الماضي لا يمنع أن يكون الله هو الأول الذي ليس قبله شيء؛ لأننا نقول كل فرد من أفراد الحوادث مسبوق بالعدم مخلوق بعد أن لم يكن أوجده الله بعد أن كان معدوما، ويكفينا ما نذكر فترة ... ونقول: نوع الحوادث متسلسل ومستمر في الماضي كما أن نوع الحوادث متسلسل ومستمر في المستقبل. والصفات -كما سبق- الذاتية والفعلية ثابتة للرب -سبحانه وتعالى- بخلاف أهل البدع، فإنهم أنكروا الصفات الذاتية والفعلية كالجهمية والمعتزلة، وأما الكُلابية فإنهم أثبتوا الصفات الذاتية وأنكروا الصفات الفعلية فتكون المذاهب ثلاثة:

أهل السنة أثبتوا الصفات الذاتية والفعلية. أهل البدع من الجهمية والمعتزلة نفوا الصفات الذاتية والفعلية، عبد الله بن سعيد كلاب زعيم الكلابية أثبت الصفات الذاتية، ونفى الصفات الفعلية وشبهته في ذلك يقول: لئلا تحل الحوادث بذات الرب يسمونها مسألة حلول الحوادث. يقولون: (الكلابية والأشاعرة) : لو أثبتنا الصفة الفعلية من الغضب والرضا والكراهة والسخط والقبض والبسط والإحياء والإماتة والخفض والرفع والطي والاستواء والنزول لَلَزِمَ من ذلك حلول الحوادث بذات الرب، والله منزه عن حلول الحوادث. قال أهل السنة: ما مرادكم بحلول الحوادث؟ هذا القول وهو حلول الحوادث قول مُجْمَل لا بد فيه من التفصيل، إن أردتم بحلول الحوادث أن الله يحل في بذاته شيء من مخلوقاته هذا ما حصل فالله -سبحانه وتعالى- لا يحل في ذاته شيء من مخلوقاته. وإن أردتم بأن الله تجدد له صفات لم يكن متصفا بها خلقها لنفسه أو سماه بها الناس فهذا باطل، وإن أردتم بحلول الحادث نفي أن يكون الله يغضب ويرضى ويكره ويسخط، ويستوي، ينزل كما يشاء، ويكون متصفا بالاستواء، بالنزول، بالطي، بالقبض والبسط والخفض والرفع، هذا باطل هذه المعاني. وهذه الصفات ثابتة لله ولا ننفيها عن الله بتسميتكم إياها بأنها حلول الحوادث، بل نقول: هذه الصفة ثابتة لله وقولكم: إن تسميتكم لها بحلول الحوادث هذا باطل. ويتبع هذا البحث مسائل: المسألة الأولى الصفة، هل هي زائدة على الموصوف أو غير زائدة، وهل الصفة غير الموصوف أو الصفة هي الموصوف؟ هل الصفة زائدة على الموصوف أو غير زائدة؟ وهل الصفة غير الموصوف أو ليست غيرها؟ والجواب أن هذا مفهوم مجمل لا بد فيه من التفصيل فلا يقال: إن الصفة غير الموصوف، ولا يقال: إنها هي الموصوف، ولا يقال: الصفة زائدة على الموصوف، ولا يقال غير زائدة بل لا بد من التفصيل، بل يقال: إن أردتم بذلك أن الرب -سبحانه وتعالى- له ذات منفصلة عن الصفة فهذا قول باطل. قول الصفة غير الموصوف، وأن ذات الرب -سبحانه وتعالى- غير متصفة بالصفات، وأن هناك ذات مجردة منفصلة عن الصفات فهذا باطل. وإن أردتم أن الصفات لها معنى يفهم منها غير ما يفهم من الصفات فهذا صحيح، لكن ليس هناك ذات منفصلة عن الصفات، بل الذات لا بد أن توصف بالصفات، فليس هناك ذات مجردة إلا في الذهن. فإن أردتم أن هناك ذاتا مجردة منقطعة عن الصفات فهذا باطل فلا يقال: إن الصفات غير ذلك، وإن أردتم أن الذات متصلة بالصفات فهذا معنى صحيح. وهناك فرق بين أن يقال: الصفات غير الذات وبين أن يقال: الصفات غير الله، فالقول بأن الصفات غير الله باطل؛ لأن الله -تعالى- لأن اسم الله اسم له -سبحانه وتعالى- متصف بصفاته اسم للذات المقدسة لأسمائه وصفاته، أما الصفات غير الرب -سبحانه وتعالى- نعم الصفات لها معان غير معنى الذات. أما الرب، فلا يقال إن الله، إن صفات الله غير الله، ما يقال: إن صفات الله غير الله؛ لأن الله -تعالى- اسم الرب -سبحانه وتعالى- اسم الله، اسم لذاته -سبحانه وتعالى- متصفا بالصفات؛ ولهذا استعان النبي صلى الله عليه وسلم بالصفات: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ولا يعوذ بمخلوق عليه الصلاة والسلام (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك) (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) استعان بالعظمة (أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات) هذا استعانة بالله، فالصفات لا تنفصل عن الذات. فالله -تعالى- هو الذات المقدسة المتصفة بالصفات، فالله -تعالى- بذاته وصفاته وأسمائه هو الخالق وغيره مخلوق، فإن أريد أن هناك ذات منفصلة مجردة عن الصفات فهذا باطل، وأن أريد أن الذات متصلة بصفاتها، نعم فهذا صحيح. وكذلك أيضا من المسائل: المسألة الثانية: قولهم: الاسم. هل الاسم غير المسمى أو عين المسمى؟ هل الاسم هو المسمى أو غير المسمى؟ يقولون: اسم الله هل هو المسمى أو غير المسمى؟ أيضا فيه تفصيل، فلا يقال: إنه هو المسمى، ولا يقال غير المسمى بل فيه تفصيل، فإن أريد الاسم هو المسمى تارة يراد بالاسم المسمى، كما تقول: قال الله كذا كما تقول: سمع الله لمن حمده. فالاسم يراد به المسمى، وتارة يراد به اللفظ الدال على المسمى، كما تقول الله اسم عربي والرحمن اسم عربي، الرحمن اسم من أسماء الله، هذا مراد اللفظ الدال على المسمى، أما إذا قال الله، سمع الله لمن حمده فالاسم يراد به المسمى فلا بد من التفصيل في هذه المسائل. وكذلك قولهم: الصفة لا هي غير الموصوف، ولا هي عين الموصوف. أيضا له معنى الصفة لا هي غير الموصوف ولا عين الموصوف. ليست غير الموصوف؛ لأنه لا يوجد في الخارج ذات إلا متصل بالصفات، ولا هي عين الموصوف؛ لأن الصفة لها معنى غير معنى الذات.

وعلى كل حال فهذه المباحث مباحث عظيمة، ولولا أن أهل الكلام وأهل البدع تكلموا بالكلام الباطل لما تكلم أهل العلم بذلك، ولكن إن كان السلف والسابقون كانوا في عهدهم ذلك، لكن لما تكلم أهل البدع بالكلام الباطل وملئوا بها الأوراق والكتب، اضطر أهل العلم إلى رد الكلام الباطل. ومن ذلك قول الطحاوي -رحمه الله-: "إنه لم يزل متصفا بصفاته قبل خلقه، وكما كان في صفاته أزليا كذلك لم يزل بصفاته أبديا". المعنى أن الله -تعالى- متصف بصفاته بالأزل إلى ما لا نهاية في القدم فهو الأول -سبحانه وتعالى- بذاته وصفاته ليس قبله شيء، وهو الآخر -سبحانه وتعالى- ليس بعده شيء. ما زال في صفاته قديما قبل خلقه. قلنا: إن مذهب أهل السنة والجماعة أن الرب -سبحانه وتعالى- لم يزل متصفا بصفاته الذاتية والفعلية، وأن الرب لم يزل فعالا؛ لأن الفعل من كمال ذاته المقدسة، والرب لم يزل يفعل، ويخلق الخلق من بعد خلق، إلى ما لا نهاية في الأزل. ولا ينفي أن يكون -سبحانه وتعالى- هو الأول الذي ليس قبله شيء، فهو الأول ليس قبله شيء، ولكنه -سبحانه وتعالى- متصف بصفات الكمال، والفعل صفة الكمال {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) } . فلم يزل يفعل، ويخلق بعد خلقه؛ لأن نوع الحوادث دائمة في الماضي، كما أنها دائمة في المستقبل، وهذا ما يسمى بتسلسل الحوادث في الماضي، ولكن كل فرد من أفراد هذه الحوادث والمخلوقات مسبوق بالعدم، كائن بعد أن لم يكن، وليس لها من نفسها وجود أو عدم، بل الله يوجدها بعد أن كانت معدومة. والله هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهي موجودة باختياره -سبحانه وتعالى- وإرادته، وليس هناك فترة يعطل فيها الرب، هذا هو قول أهل السنة والجماعة الذي تشهد له النصوص. أما أهل الكلام كالجهمية والمعتزلة وغيرهم فأثبتوا فترة عطلوا فيها الرب عن الفعل والكلام، وزعموا بذلك أنهم يريدون أن يثبتوا أن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه إذا قيل: إن الحوادث متسلسلة ودائمة في الماضي يذهب بذلك أن لا يكون الله هو الأول. وهذا باطل؛ فإن أهل الكلام يثبتون فترة يعطلون فيها الرب، وأهل السنة لا يثبتون فترة، ويقولون إن الحوادث متسلسلة ودائمة، لكنها مخلوقة بعد أن لم تكن، خلقها الله بإرادته واختياره. أما مذهب الفلاسفة كأرسطو والفارابي وابن سينا وغيرهم من الفلاسفة المتأخرين، وهم الذين يسمون الفلاسفة الإلهيين، فإنهم قالوا: إن المخلوقات والحوادث مقارنة للرب، ملازمة له في الأزل وفي الأبد. قالوا: إنها مقارِنة للرب، فلم يثبتوا أن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، بل قالوا: إنها مقارنة له في الزمان، فهذه المخلوقات مقارنة له في الزمان، هذا أزلا وأبدا، وهي لازمة له، لا يستطيع الانفكاك عنها، ليست مخلوقة باختياره وإرادته، بل هي لازمة له أزلا وأبدا؛ لأنه علتها، وهي المعلولة، وتقدمه عليها إنما هو كتقدم العلة للمعلول، وهي لازمة له كلزوم النور للسراج والمصباح، لا يستطيع الفكاك عنها، فهي لازمة له أزلا وأبدا. ولم يثبت أرسطو وجودا لله إلا من جهة كونه مبدأ للكثرة، وعلة غائية لحركة الفلك، بل هذه الكثرة وهذه المخلوقات مبدؤها الله، أي كأنه جزء منها -أعوذ بالله-، وهو العلة لها، محرك لها. كفرهم العلماء، كفرهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وقال: أنتم أنكرتم أن يكون الله متقدما في الزمان، وأنكرتم أن يكون الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، حينما قلتم: إن الحوادث والمخلوقات مقارنة للرب في الزمان، أنكرتم أن يكون الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، ولم تثبتوا أن هذه الحوادث مخلوقة لله بقدرته ومشيئته، وقلتم: إنها لازمة له أزلا وأبدا، فأنكرتم تقدمه في الزمان، فكانوا بذلك كفارا. ثم ناقش العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، ناقشوا أهل البدع -أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة- قالوا: أنتم خالفتم الفلاسفة، فأثبتم فترة حتى تثبتوا أن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، ولم تقولوا كقول الفلاسفة: إن المخلوقات مقارِنة لله في الزمان. لكنكم حينما أنكرتم العلو -علو الرب على خلقه واستواءه على العرش- وقلتم: إن الله مختلط بالمخلوقات، على قول بعض الجهمية، أنكروا العلو والاستواء، وقالوا: إنه مختلط بالمخلوقات -تعالى الله عما يقولون-. وقال بعضهم، ونفى بعضهم عنه الوصفين المتقابلين فقالوا: لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا مباين له، ولا محايز له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه. فالجهمية الأولى قالوا بالحلول -بحلول الرب-، والجهمية المتأخرون قالوا بنفي النقيضين: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايز له، ولا متصل به ولا منفصل عنه. ماذا يكون؟ عدم، بل ممتنع، فالطائفتان -الجهمية الأولى والثانية- كلاهما لم يثبت أن الله فوق المخلوقات، وأنه مستو على العرش، بائن من خلقه.

قال شيخ الإسلام: أنكرتم أن يكون الله متقدما في المكان، فلم تثبتوا أن الله هو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، كما أن الفلاسفة أنكروا تقدم الله في الزمان، وأن يكون هو الأول الذي ليس قبله شيء، فأنتم أنكرتم تقدم الله في المكان، فلم تثبتوا أن الله فوق المخلوقات، فصرتم بهذا مماثلين للفلاسفة. الفلاسفة أنكروا تقدم الله في الزمان، فلم يثبتوا أن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، وأنتم أنكرتم تقدم الله في المكان، فلم تثبتوا أن الله هو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، والله تعالى وصف نفسه بهذه الصفات الأربع، وبهذه الأسماء الأربعة متقابلة: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) } . ففسرها النبي صلى الله عليه وسلم فسر الأولية بنفي تقدم شيء عليه، وفسر الآخِر بنفي أن يكون بعده شيء، وفسر الظاهر بنفي أن يكون فوقه شيء، فقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) . فما الفرق بين كفركم وكفر الفلاسفة؟ الفلاسفة كفروا لأنهم أنكروا تقدم الله في الزمان، وأنتم كفرتم لأنكم أنكرتم تقدم الله في المكان. فهذه فائدة مهمة في بيان ما عليه أهل البدع من الجهمية والمعتزلة، في إنكراهم علو الله على عرشه، وأنه مماثل لإنكار الفلاسفة، فالفلاسفة أنكروا تقدم الله في الزمان، وهؤلاء أنكروا تقدم الله في المكان. المسألة الثانية: سبق في مسألة "هل الصفات زائدة على الذات أو ليست زائدة؟ " وقلنا: إنه يفرق بين صفات الله وصفات غيره، فغير الله يقال إن الصفة زائدة على الذات، بمعنى أن لها معنى غير معنى الذات، وإن كان لا يتصور أن هناك ذاتا منفصلة عن الصفات، لكن يفهم من معاني الصفات ما لا يفهم من الذات، فإن أريد أن هناك ذاتا مجردة فهذا ليس بصحيح، وإن أريد أن الصفات لها معنى غير معنى الذات فهذا صحيح. أما الله -سبحانه وتعالى- فلا يقال: إن صفاته غير ذاته، بل الله -سبحانه وتعالى- بذاته وصفاته هو الله، الله بذاته وصفاته، مسمى الله يدخل فيه الذات والصفات، فلا يقال: إن الصفات غير الذات، فلا يقال: الله وعلمه الله وقدرته. ولهذا أنكر الإمام أحمد -رحمه الله- في الرد على الجهمية -كتاب الرد على الزنادقة- على أهل البدع لما قالوا: الله وقدرته، الله وعلمه، الله ونوره. قال: لا نقول هذا، لا نقول الله وعلمه، الله وقدرته، الله ونوره. بل نقول: الله بعلمه وقدرته ونوره، هو الحي الذي لا إله إلا هو، هو الله لا إله إلا هو بعلمه وقدرته. ولا نقول: الله وعلمه، الله وقدرته، الله ونوره؛ لأن الواو تفيد المغايرة، بل نقول: الله بعلمه وقدرته ونوره، هو الله الذي لا إله إلا هو.

قوله: ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم "الخالق"، ولا بإحداث البرية استفاد اسم "الباري

لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الْخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْخَالِقِ"، وَلَا بِإِحْدَاثِ الْبَرِيَّةِ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْبَارِي.

قوله: له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق ولا مخلوق

له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق ولا مخلوق

قوله: وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا استحق هذا الاسم قبل إحيائهم كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم

وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا استحق هذا الاسم قبل إحيائهم كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم

قوله: ذلك بأنه على كل شيء قدير

ذلك بأنه على كل شيء قدير

قوله: ذلك بأنه على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير

ذلك بأنه على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير

قوله: لا يحتاج إلى شيء

لا يحتاج إلى شيء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } .

قوله: خلق الخلق بعلمه

خلق الخلق بعلمه

قوله: وقدر لهم أقدارا

وقدّر لهم أقدارا

وبهذا القول نكتفي. أسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يوفقنا جميعا إلى العمل الصالح الذي يرضيه، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة: س: يقول السائل: هل ثبت اسم القادر كونه من أسماء الله الحسنى وما الدليل عليه؟ . ج: القادر القدير من أسماء الله {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) } أما القادر يحتاج إلى تأمل في وقت آخر إن شاء الله. نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: كثيرا ما يدعو الأئمة بهذا الدعاء في القنوت يا حنان يا منان فهل الحنان اسم من أسماء الله الحسنى؟ . ج: المنان نعم ورد (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد أنت المنان بديع السموات والأرض) أما الحنان ما أذكر شيئا على هذا، لكن أظن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ذكر هذا فيحتاج إلى بحث ومراجعة أما المنان فثابت. نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: سبق وأن ذكرتم أنه لا يجوز الدعاء بالصفات مثل يا رحمة الله ارحميني وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) فكيف الجمع بين القولين؟ . ج: الاستعاذة غير الدعاء الاستعاذة جائزة (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثابتة؛ لأن الله -تعالى- بذاته وصفاته هو المستعان به (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) (أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات) (أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) هذه كلها ثابتة والاستعاذة بالصفات استعاذة بالله؛ لأن الله بذاته وصفاته (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك) أدلة كثيرة بخلاف النداء والدعاء. الدعاء هذا هو الممنوع، والذي قال شيخ الإسلام: إنه ردة؛ لأنه يشعر بفصل الصفة عن الذات؛ ولأن فيه خطاب مناداة الله باسم الأنثى، ويشعر بأن الصفة متصلة بخلاف الاستعاذة، فإنه ثابت في أدلة كثيرة كما سمعت، وهو استعاذ بالله وأسمائه وصفاته وهذا توكيد هذا، ورد في أدلة كثيرة لا حصر لها، ومنه القَسَم كذلك بالعزة وقال الله عن إبليس {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) } وبقصة الرجل الذي هو آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا فيها "وعزتك" القسم بالعزة. نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: كيف نقول إن الحوادث متسلسلة في الماضي ورسول الله -صلى اله عليه وسلم- يقول: (كان الله ولا شيء معه) ؟. ج: نعم، (كان الله ولا شيء قبله …) الحديث، كان الله ولم يكن شيء قبله وكان الله ولم يكن شيء معه ولم يكن غيره، هذا مما استدل به شيخ الإسلام -رحمه الله- على أن الله هو الأول ليس قبله شيء ولا ينفي أن يكون فعالا هذا من صفاته هو فعال فهو الله، وليس معه شيء؛ لأن كل فرد من أفراد الحوادث مسبوق بالعدم لكن لا نثبت فترة نعطل فيها الرب ما في منافاة، كان الله وليس شيئا قبله هو الأول والآخر، هو الأول وليس قبله شيء، وكان الله وليس شيئا قبله، وهو فعال لم يزل يفعل، ولم يزل يخلق إلى ما لا نهاية. كل فرد من أفراد المخلوقات مسبوق بالعدم أوجده الله بعد أن لم يكن فالله هو الأول، وليس قبله شيء، سبحانه وتعالى وهو ليس قبله شيء -نعم- فلا منافاة. س: أحسن الله إليكم. هذا سائل يقول: أليس قوله تعالى {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} ... الآية دليلا على اسم القادر لله جل وعلا؟ . ج: بلى، هذه الآية دليل. نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: في قوله تعالى {* وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) } إشعار بفناء الجنة نريد كشف هذه الشبهة؟ . ج: ما فيه إلا ما شاء ربك في الجنة هذه في النار. غلطت يا أخي في قراءة الآية {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) } هذا في النار. أما في الجنة: {* وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) } قال بعدها: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) } يعني غير منقطع. وأما قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} فهذا قال أهل العلم: إن هذا الاستثناء إنما هو يرجع إلى موتهم في الدنيا، الموت الذي كتب عليهم أو حالتهم في البرزخ ولهذا قال بعدها: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) } يعني غير منقطع. نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: قد تأتيني بعض التخيلات كتخيل الرب أو العرش حتى أعتقد أني أخرج من الإسلام بها فبم تنصحوني؟ أيش- أعد يا شيخ عليَّ السؤال. يقول: قد تأتيني بعض التخيلات كتخيل الرب أو العرش حتى أعتقد أني أخرج من الإسلام بها فبم تنصحوني؟ .

ج: أنصحك بأن تقطع التفكير الخيالي في الله -تعالى- وتعلم أن الله -سبحانه وتعالى- فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، والله -تعالى- لا يماثله أحد من خلقه، وعليك أن تفكر بأسماء الله وصفاته؛ لأن العباد كما تدري يعلمون الله بأسمائه وصفاته، ولا يعلمون كنهه لا يعلم كنهه وكيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، ولهذا قال سبحانه: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) } أما تخيُّل العرش سهلٌ لعرش مخلوق. نعم. س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: ذكرتم البارحة الكلام في أنواع..؟ . ج: لا تلق الحديث، حديث أبي هريرة: (إن الشيطان يأتي للإنسان، ويقول له من خلق كذا؟ ومن خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟، قال النبي: فإذا وجد ذلك أحدكم فلينته) يعني يقطع التفكير وليستعذ بالله من الشيطان، وجاء في حديث آخر في غير الصحيح: (وليقرأ الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) . يقطع التفكير ويقول: آمنت بالله ورسله. الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فليقطع التفكير، ويقول: آمنت بالله ورسله. الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ويفكر في أسماء الله وصفاته. نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: ذكرتم البارحة الكلام في أنواع الإرادة، وبناء على ذلك فهل يجوز للشخص إذا سئل عن شيء لم يفعله من أمور العبادة أن يقول ما أراد الله ذلك؟ . ج: لا. لا يقول: ما أراد الله ذلك إلا أراد الإرادة الكونية، وأما إذا أراد الإرادة الدينية فلا؛ لأن الله أراد ذلك وأحب أن العبد أن يفعل الواجبات والمستحبات وبالمناسبة أن الإرادتين: الإرادة الكونية والإرادة القدرية من الفروق بينهما أن الإرادة الكونية لا تتخلف، لا يتخلف المراد بخلاف الإرادة الدينية فقد تتخلف، فإذا أراد الله كونا وقدرا للعبد أن يفعل لا بد أن يفعل لا يتخلف. فلا يتخلف أحد عن الموت إن أراد الله له الموت لا يتخلف. أما الإرادة الدينية فقد يقع مرادها، وقد لا يقع فالله -تعالى- أمر جميع الناس جميع المؤمنين قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} من الناس من صلى ومنهم من لم يصل ويجتمعان في حق المؤمن المطيع كأبي بكر فالله أراد له الإيمان كونا وقدرا، وأراد له الإيمان دينا وشرعا، وتتخلف الإرادة الدينية كما في أبي لهب فالله أراد من أبي لهب الإيمان شرعا ودينا لكنه ما أراد له كونا وقدرا فوقعت الإرادة الكونية. إذًا الإرادة الكونية لا يتخلف مرادها، والإرادة الدينية قد يتخلف مرادها. الإرادة أيضا الإرادة الكونية تتعلق بفعل المريد وهو الله، والإرادة الدينية تتعلق بفعل العبد، الله أراد من العبد أن يصلي وأن يصوم، فإن أراده كونا وقدرا وقع وإن لم يرد لم يقع نعم. س: أحسن الله إليكم. كيف يكون الجمع بين الآجال المضروبة، وبين حديث (وينسأ له في أجله…) وبين حديث (إن الدعاء والقدر ليعتلجان في السماء …) ؟ . ج: نعم هذه من المباحث الداخلة في هذا ذكرنا السائل قوله في الحديث: (إن صلة الرحم تزيد في العمر) وفي الحديث: (من أحب أن ينسأ له في أثره، من أحب أن يبسط له رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) (لا يزيد في العمر إلا الصلة) . فصلة الرحم تزيد في العمر بمعنى أن الله قدر هذا الشيء في سببه قدر أن هذا يطول عمره بصلة الرحم قدر الأمرين صلة الرحم وطول العمر، ولأنه لا بد من وقوع صلة الرحم لكن للسبب. فالقضاء ينقسم إلى قسمين قضاء مبرم هذا لا يتخلف وقضاء معلق بالسبب كما في حديث قدسي (أن الله -تعالى- قال: وإني إذا قضيت قضاء يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد …) يعني قضاء مبرما، أما القضاء غير المبرم المعلق بالسبب فهذا معلق بسبب يقع بسبب. فمثلا قدر الله على هذا أن يطول عمره بصلة الرحم وقدر أن هذا ينقص عمره بقطيعة الرحم، فالأمران مقدران طول العمر والصلة هذا هو السبب، والأمران مقدران قصر العمر والسبب الذي هو القطيعة. وأما قوله-تعالى- {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} والمراد وما ينقص من عمر معمر آخر {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} . كقوله: عندي درهم ونصفه يعني نصف درهم آخر ليس الدرهم الأول. مثل قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} .أي: من عمر معمر آخر إلا في كتاب، وكذلك أيضا الدعاء قد يكون سببا إذ قدر الله، كتب الله أن يحصل المقدور بهذا السبب يكون الأمران مقدران. نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: هل يجوز الحلف بمثل هذه العبارات: وحياة الله أو وعلم الله، أو مصحف الله، أو وكلام الله؟ .

ج: نعم وعلم الله، وحياة الله، وكلام الله. أما مصحف الله لا، ما يقال: ومصحف الله أو تقول والمصحف؛ لأن المصحف فيه كلام الله، وفيه غيره، فيه الورق، وفيه المداد، وفيه الكتابة فهو مخلوق فلا يقل: والمصحف يقول: وكلام الله، بكلام الله، وبعلم الله، بحياة الله، بصفاته، وبعزة الله مثل قول الله -تعالى-: {فَبِعِزَّتِكَ} وقول الرجل الذي هو آخر أهل الجنة خروجا من النار: (لا وعزتك لا أسألك غيره …) . نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: هل طبقة الموحدين في النار، تفنى بعد خروجهم منها أو لا؟ . ج: قال بعض أهل العلم: إنه ما جاء من الآثار فهو محمول على الطبقة التي فيها العصاة، وعلى كل حال فهم يخرجون من النار، وأما نار الكفار فهي باقية مستمرة -نسأل الله السلامة والعافية- نعم أبد الآباد. نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: إن الله قبل كل شيء، وهذا معلوم أليس هذا فيه أن هناك فترة كان الله ولم يكن شيء موجود سواه، أليس هذا يدل على أن الحوادث لها بداية، وليس لها نهاية؟ . ج: هذا كلام أهل البدع كما سمعتم، ولن نعيد الكلام مرة أخرى، نعيده مرة أخرى نرجع إلى الكلام السابق الآن ترجع إلى الشريط واسمع الكلام، أهل البدع يقولون فيه فترة، وأهل السنة يقولون ما فيه فترة كان الله ولم يكن شيء قبله ما يلزم يكون فيه فترة؛ لأن الرب فعال، والفعل صفة كمال، ولم يزل الرب يفعل تقول فيه فترة تجعل الرب تعطل الرب هات الدليل على هذه الفترة ما فيه دليل. وكون الله قبل كل شيء وهو الأول لا يمنع أن يكون فعالا في كل وقت، كل فرد من أفراد الحوادث مسبوق بالعدم كائن بعد أن لم يكن. نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: كيف نرد على من قال: إن صفات الأفعال حادثة الآحاد يلزم عليه أن يكون الله محلا للحوادث؟ . ج: لا يلزم؛ لأن هذا بالنسبة للمخلوق، صفات الخالق ليست كصفات المخلوق هذا يلزم بالنسبة للمخلوق، أما الله فلا يلزم؛ لأن الله ليس كمثله شيء كما أخبر عن نفسه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } نعم. س: أحسن الله إليكم. هذا سائل يقول: حدث اليوم مشكلة مع والدتي، وهي سريعة الغضب كثيرة الشتم واللعن، وقامت اليوم بعد غضب شديد بسب الله جل وعلا، وقالت بعبارة صريحة: الله يلعن الذي خلقك. فأنا الآن محتار ماذا أفعل معها، وما المطلوب مني بنصحها بعد هذا الذنب العظيم؟ . ج: لا حول ولا قوة إلا بالله إن كان الغضب سيطر عليها حتى إنها فقدت عقلها وفكرها فلا تؤاخذ، وإن كان معها شعور فهذا ردة عن الإسلام نعوذ بالله، عليها التوبة والاستغفار والندم، وعليك بعد ذلك أن تتوب إلى الله إن كنت تسببت في غضبها وإغضابها، وعليك أن تبتعد عن كل ما يغضبها، وأن تخرج من البيت، ليس لك أن تتسبب في غضبها، كيف تتسبب في غضبها، مهما كان لا تتسبب في غضبها، ولو في أمور مكروهة، فالمقصود أنها إن كان غاب عنها شعورها ولا تعقل فمرفوع عنها القلم؛ لأنها لا عقل لها (رفع القلم عن ثلاث…) وإن كان معها شعورها فهذه ردة نسأل الله السلامة والعافية، فالواجب التوبة، عليها التوبة والندم على ما مضى والعزم الجازم على عدم العود، وأنت أيضا تأثم، عليك إثم عظيم إن كنت متسببا في غضبها فعليك التوبة والاستغفار والندم على ما مضى ولا تعد في إغضابها مرة أخرى. نعم. س: أحسن الله إليكم السؤال الأخير يقول: ما هي أشهر كتب المعتزلة والأشاعرة في هذا الزمان حتى لا نقع فيها؟ . ج: الأحسن ألا تقرأ الكتب هذه، كتب المعتزلة والأشاعرة كثيرة عبد الجبار المعتزلي له الأصول الخمسة، جوهرة التوحيد في مذهب الأشاعرة وغيرها كتب لا حصر لها ولا داعي لذكرها، إنما عليك بقراءة كتب أهل السنة والجماعة. وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الجميع العلم النافع، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. نعم.

قوله: وقدر لهم أقدارا وضرب لهم آجالا

وقدر لهم أقدارا وضرب لهم آجالا

ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم

ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم

قوله: وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته

وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته

قوله: وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن

وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن

قوله: يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا

يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا

وهذه هي هداية ثابتة للرسل والأنبياء والمصلحين والدعاة كلهم يقدرون عليها قال الله -تعالى- للنبي صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) } أي ترشد وتدل وتبلغ وتدعو، هذه هداية يقدر عليها الرسول - عليه الصلاة والسلام- ويقدر عليها الدعاة والمصلحون يهدون الناس هداية الدلالة والإرشاد والبيان والتبليغ والدعوة هذه خاصة بالمكلفين من الإنس والجن وليست للحيوانات ولا الطيور، هذه هداية يعني بيان وإرشاد الناس إلى الأمر الذي خلقوا له بيان ما أوجب الله عليهم من توحيده وطاعته وترك معصيته. الله -تعالى- لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة حتى تقوم الحجة عليه وحتى يتبين له ما أوجب الله عليه، كما قال-تعالى-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} وقال -سبحانه-: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) } إذا بعث الرسول وأرشد الناس ودلهم على ما أوجب الله عليهم من التوحيد والطاعة واجتناب المعصية قامت الحجة عليهم. إذا قامت الحجة بعد ذلك استحقوا العذاب، إذا لم يعملوا، هذه هداية والبيان والدلالة والإرشاد، وهذه المرتبة ما أنكرها المعتزلة. النوع الثالث: هداية التوفيق والإلهام والتسديد وجعل الإنسان يقبل الحق ويرضاه ويختاره وخلق هداية القلب هذه خاصة بالله، لا يقدر عليها إلا الله، لا يقدر عليها أحد من الخلق لا الأنبياء ولا غيرهم وهذه هي المنفية عن النبي صلى الله عليه وسلم نفاها الله بقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} فهو لا يهدي يعني لا يخلق الهداية في القلب ولا يوفق ولا يلهم ولا يجعله يقبل الحق ويختاره ويرضاه إلا الله، ولو كانت هداية الدلالة والإرشاد لكان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد من أحب ومن أبغض. وقال سبحانه: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) } فالله -تعالى- يهدي ويضل، فالهداية والإضلال، بيد الله عز وجل والعبد هو الضال والمهتدي ولا بد في وقوع هذه الهداية من أمرين: الأمر الأول: الهداية من الله، يعني يهديه الله. والثاني: الاهتداء من العبد فإذا هداه الله واهتدى حصلت له الهداية بالتوفيق وكذلك الإضلال من الله، والعبد هو الضال إذا أضله الله فضل صار ضالا. فالهداية والإضلال بيد الله عز وجل وقد اتفقت رسل الله وكتبه المنزلة على أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وهذه المسألة مسألة الهداية والإضلال مسألة عظيمة؛ لأن أفضل ما يقدره الله على العبد وأجل ما يقسمه له هو الهداية وأعظم ما يبتلي الله به العبد وأعظم مصيبة تصيبه هو أن يقدر الله عليه الإضلال، وكل نعمة فهي دون نعمة الهداية، وكل مصيبة هي دون مصيبة الإضلال، فلذلك كانت الهداية والإضلال بيد الله عز وجل. هذه المرتبة أنكرها المعتزلة والقدرية أنكروها فأنكر عليهم أهل السنة وبدَّعُوهم وضللوهم، وهذا هو معنى قول المؤلف - رحمه الله-: "يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا ويضل من يشاء ويبتلي حكمة وعدلا ". المعتزلة والقدرية قالوا: الهداية والإضلال بيد العبد وليس بيد الله الهداية والإضلال أنكروا هذه المرتبة. أنكر عليهم أهل السنة وقالوا: النصوص واضحة لأن الله - سبحانه وتعالى- بيده الهداية والإضلال قال: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} لو كانت الهداية بيد العبد لما قيدها بالمشيئة {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} ولكن الله -سبحانه وتعالى- خص المؤمن بنعمة دينية دون الكافر، كما قال -سبحانه-: {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) } وقال -سبحانه-: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} . هذه النعمة اختص الله بها المؤمنين اختصهم بنعمة دينية جعلهم يقبلون الحق ويرضون به ويختارونه وألهمهم إياه وخلق الهداية في قلوبهم فصاروا مهتدين. وله الفضل والإحسان. والكافر أضله الله خذله وأضله الله وابتلاه - كل ذلك -عدلا منه حكمة بالغة -سبحانه وتعالى-.

فالهداية والإضلال بيد الله عز وجل. فالمؤمن اختصه الله بهذه النعمة الدينية دون الكافر والكافر خذله الله. والمعتزلة والقدرية أنكروا هذه المرتبة، وقالوا: الهداية والإضلال بيد العبد، وتأولوا النصوص بقوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} قالوا معناه: يهدي أي يسميه مهتديا ويبين لهم طريق الصواب فسروها بهداية الدلالة والإرشاد. ويضل من يشاء قالوا: يسميه ضالا أو يحكم عليه بالإضلال بعد أن يخلق الضلال من نفسه، وهذا من أبطل الباطل. القدرية يضربون مثلا في هذا، والله -تعالى- قال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} لكنهم يضربون مثلا يقولون: إن الله -تعالى- لم يهد أحدا ولم يضل أحدا، ولكن العبد هو الذي اختار الهداية بنفسه وخلق الهداية لنفسه، والكافر اختار الإضلال وخلق الإضلال لنفسه، واختار الإضلال لنفسه، والله -تعالى- لم يخص المؤمن بنعمة دينية ولم يخذل الكافر، وهذا مبني على شبهتهم السابقة. وهو أن لو هدى هؤلاء وأضل هؤلاء لكان هذا جورا، والله عادل لا يجور، وسبق الجواب على هذه الشبهة، وأن الله له الحكمة البالغة فيما يقدره، وأن الله عاقبهم لما لم يستجيبوا للحق بعد ظهوره ووضوحه عاقبهم كما سبق في الآية {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} فلما بين لهم ما يتقون واتضح لهم الأمر فلم يقبلوه أضلهم الله عقوبة لهم، وقال -سبحانه-: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وقال -سبحانه-: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) } . فقالوا: مِثْلُ الله في ذلك مِثْلُ رجل له ابنان أعطى كل واحد منهما سيفا، وقال لهما جاهدا به في سبيل الله فالأول أطاع والده وجاهد به في سبيل الله والثاني عصى والده وجعل يستعرض رقاب المسلمين ويقتل المسلمين. هذا اختار طريق الحق، وهذا اختار طريق الضلال من نفسه، هذا من نفسه وهذا من نفسه، والله -تعالى- ما خص الأول بهداية ولا خص الثاني بالإضلال. وهذا من أبطل الباطل فمرتبة الهداية هداية التوفيق والتسليم هذه خاصة بالله عز وجل وهذه أنكرها المعتزلة والقدرية وهي خاصة بالله. وأما الهداية الثانية -التي هي الدلالة والإرشاد- فهي حجة الله على خلقه، لا يعذب أحدا حتى يهديه هداية الدلالة والإرشاد كما سبق: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} {وَلَوْ شِئْنَا لآتينا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} . والآيات والنصوص في بيانها كثيرة كقوله سبحانه وتعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَن اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) } . والمرتبة الرابعة: الهداية إلى طريق الجنة والنار يوم القيامة، فالكفار يهديهم الله إلى النار، والمؤمنون يهديهم الله إلى الجنة، قال سبحانه وتعالى في الكفار: {* احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) } الآية من سورة الصافات. وقال سبحانه في المؤمنين: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) } فهذه هداية بعد قتلهم يهديهم إلى طريق الجنة، ويصلح بالهم في إلغاء خصومهم وقبول أعمالهم، فهذه مراتب الهداية. المرتبة الأولى الهداية العامة والمرتبة الرابعة ليس فيهما إشكال، إنما البحث في المرتبة الثانية، مرتبة الهداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والتسديد، هذا محل النزاع والخلاف بينهم وبين أهل السنة. أهل السنة يقسمون الهداية إلى قسمين: هداية دلالة وإرشاد، وهداية توفيق وإلهام. والقدرية والمعتزلة ليس عندهم إلا هداية واحدة: هداية الدلالة والإرشاد. وهداية التوفيق يردونها إلى هداية البيان والإرشاد، وهذا من أبطل الباطل، وهذا مبني على أصلهم الفاسد وهو قولهم بوجوب فعل الأصلح للعبد على الله قالوا: يجب على الله فعل الأصلح للعبد. وما دام يجب على الله فعل الأصلح للعبد قالوا: فلا يمكن أن يهدي الله أحدا ولا أن يضل أحدا. وهذا أيضا مبني على أصلهم الآخر، وهو القول بأن أفعال العباد مخلوقة لهم، فالعباد هم الذين خلقوا الهداية والضلال، هم الذين يخلقون الطاعات والمعاصي، ولو خص الله أحدا بالهداية وخذل أحدا لكان ظالما، والله عدل لا يجور. وكما سبق أن الله له حكمة بالغة -كما سبق- في بيان حكمة الله في تقدير الكفر والمعاصي وغيرها، وأن الذي ينسب إلى الله إنما هو الخلق، وهو مبني على الحكمة، والذي ينسب إلى العبد هو المباشرة والكسب.

ولهذا فإن الهداية والإضلال بيد الله، فالله تعالى يهدي ويضل، والعبد يباشر فيكون هو المهتدي وهو الضال، العبد هو المهتدي وهو الضال، والله يهدي ويضل {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) } ولا بد فيها من أمرين: الهداية والإضلال، هذا من الله، والعبد من هواه، الاهتداء والضلال، المباشرة والكسب. نعم.

قوله: وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله

وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله

قوله: وهو متعال عن الأضداد والأنداد

وهو متعال عن الأضداد والأنداد

قوله: لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره

لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره

قوله: آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلا من عنده

آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلا من عنده

قوله: وإن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى

وإن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى

ولما كان الأنبياء أكثر الناس عبودية لله كانوا أفضل الناس وأقرب الناس إلى ربهم عز وجل. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكمل الناس في عبوديته؛ ولهذا وصفه الله بالعبودية في المقامات الشريفة: وصفه بالعبودية في مقام الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} . وصفه بالعبودية في مقام الدعوة إلى الله: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) } . وصفه بالعبودية في مقام الوحي: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) } . وصفه بالعبودية في مقام التحدي: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} . فهذه أكمل المقامات، أشرف المقامات، وصف الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالعبودية، وهو أكمل الناس تحقيقا للعبودية -عليه الصلاة والسلام-، وهو أعبد الناس، وأتقى الناس، وأزهد الناس، وأخشع الناس، وأكرم الناس -عليه الصلاة والسلام-، وأكرم الناس، وأطوع الناس لربه عز وجل. والنبوة في ثبوتها كلام للناس، كثير من أهل الكلام والنظر، كثير من أهل الكلام ومن أهل النظر يثبتون النبوة بالمعجزات، فيرون أن المعجزات هي الدليل على النبوة. والمعجزات لا شك أنها من دلائل النبوة، لكن ليست دلائل النبوة محصورة في المعجزات، بل دلائل النبوة كثيرة، دلائل تدل على نبوة النبي كثيرة، منها المعجزات، وخوارق العادات التي يجريها الله على يد النبي، مثل الإسراء والمعراج. وكذلك من أعظم المعجزات أيضا القرآن الكريم من دلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-، ومنها نبع الماء بين أصابعه -عليه الصلاة والسلام-، وتكثير الطعام، إخباره عن المغيبات، ما يخبره الله عز وجل من دلائل نبوته. هذه من دلائل النبوة -المعجزات-، ولكن هناك أيضا دلائل كثيرة، حتى ألف العلماء مؤلفات كدلائل النبوة للبيهقي وغيره. والناس يعرفون الصادق من الكاذب في أمورهم وأمور دنياهم، والنبوة يدعيها أصدق الناس، ويدعيها أكذب الناس، والناس يفرقون بين الصادق وبين الكاذب. يعرفون الصادق من الكاذب في أخباره وأقواله وأفعاله، فلا بد أن يقول للناس كلاما، ولا بد أن يخبرهم بأخبار، ولا بد أن يفعل أشياء، فيعرف الناس الصادق من الكاذب. بل إن الناس يعرفون الصادق من الكاذب في غير دعوى النبوة، فأنت تعرف الصادق من الكاذب في بيعه وشرائه، تعرف المهندس الصادق، تعرف الطبيب الصادق الناصح؛ ولهذا تجد بعض الناس يشترى من فلان لأنه صادق، ولا يشتري من فلان لأنه كاذب. فإذا كان هذا في أمور الناس، يعرفون الصادق من الكاذب، فكيف لا يُعرف الصادق من الكاذب في دعوى النبوة؟! فالنبي يعرف الناس صدقه فيما يخبر به من الأخبار، وبما يفعله من أمور كلها مشتملة على علوم وأحوال يتبين بها صدقه، فصدق النبي ووفائه ومطابقة أقواله لأفعاله دليل على نبوته. ومن أمثلة ذلك: استدلال خديجة، استدلال خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم بما جبل الله نبيه على الصفات الحميدة على أنه الصادق، وبما جبله الله عليه من الأخلاق: الصدق والوفاء والشيم، بأن الله لا يخزيه؛ لأنه صادق. لما جاءه جبريل في أول البعثة في صورته التي خلق عليها، وقد ملأ ما بين السماء والأرض، رعب النبي صلى الله عليه وسلم رعبا شديدا، وجاء إلى زوجه خديجة، وقال: خفت أن يختلج عقلي. وهدَّأت من روعه وقالت: (كلا والله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق) فاستدلت بهذه الصفات العظيمة، وأن من جبله على هذه الصفات العظيمة لا يخزيه الله أبدا. والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه صادق، ولكن يخشى أن يكون عرض له عارض سوء، فبينت له خديجة أنه لا يمكن أن يعرض له عارض سوء؛ لأن الله لما جبله على هذه الصفات الحميدة فلا يخزيه -سبحانه وتعالى-، هذا من الأدلة التي يستدل بها على نبوة النبي، ادعى النبوة، وصدقته خديجة في الحال، استدلت على صدقه بهذه الأعمال. ومن ذلك أيضا: تصديق ورقة بن نوفل ابن عم خديجة، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب من الإنجيل بالعربية، فجاءت خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها، وقالت: اسمع من ابن أخيك. فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبره، فآمن به وصدقه في الحال، واعترف بنبوته، وقال: (هذا الناموس الذي كان يأتي موسى) الناموس هو صاحب السر، أو صاحب السر في الخير، وهو جبريل، هذا جبريل الذي ينزل على موسى، وآمن في الحال، وتمنى أن يكون جذعا، كان شيخا كبيرا قد عمي وطعن في السن، فتمنى أن يكون جذعا حين يخرجه قومه. قال: (ليتني كنت جذعا حين يخرجك قومك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوَمُخرجيّ هم؟! قال: نعم، لم يأت أحد بمثل ما أتيت به إلا عودي) .

فآمن - رضي الله عنه - فهو ممن آمن، جاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة، المقصود أن ورقة استدل بذلك على صدق النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك أيضا هرقل ملك الروم لما كتب له النبي صلى الله عليه وسلم له الكتاب يدعوه إلى الإسلام كتب له: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم أما بعد.. أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن أبيت فإن عليك إثم الأريسيين و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) } ) . قال في أول الكتاب: (السلام على من اتبع الهدى) فاهتم هرقل بهذا الكتاب اهتماما عظيما، وسأل في بلده: هل يوجد أحد من العرب؟ -وكان أبو سفيان في ذلك الوقت في الشام في تجارة ومعه أصحابه- فقيل: نعم هاهنا. فقال: علي به. فجيء بأبي سفيان ومعه قومه، ووضع أبا سفيان أمامه، ووضع أصحابه خلفه، وقال لترجمانه -ترجمة-: قل لهم: أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل؟ فقالوا: أبو سفيان. تقدم أبو سفيان وجعلهم خلفه، وقال لترجمانه: نسائل هذا الرجل مسائل فإن كذبني فكذبوه، ولهذا تحاشى أبو سفيان الكذب وهو في كفره وقال: لولا أن يؤثر علي الكذب لكذبت. فسأله أسئلة استدل بها على صدق النبي صلى الله عليه وسلم واعترف بنبوته، قال له: كيف هذا الرجل؟ (كيف نسب هذا الرجل؟ قال: هو ذو حسب فينا) . ثم أجاب لما سأله عشرة أسئلة أو أكثر، أكثر من عشرة أسئلة، أجاب على كل سؤال قال: (وكذلك الأنبياء تبعث في أحسابهم) . وسأله قال: (هل في آبائه من ملك؟ قالوا: لا. فقال: لو كان في آبائه من ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه) . وسأله (هل أتباعه ضعفاء الناس أو أشرافهم؟ فقالوا: ضعفاؤهم. فقال: وكذلك أتباع الرسل في أول الأمر) . وسأله (أتباعه هل يزيدون أو ينقصون؟ فقال: يزيدون. فقال: وكذلك أتباع الرسل) . وسأله فقال: (هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قالوا: لا. قال: وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب) . وسأله (كيف الحرب بينكم وبينه؟ قالوا: سجال ندال عليه ويدالون علينا) يعني مرة ننتصر عليه، ومرة ينتصر علينا فقال: (كذلك الرسل تبتلى في أول أمرها ثم تكون لها العاقبة) . وسأله (ماذا يأمركم؟ قال: يأمرنا بعبادة الله، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصلة والعفاف والصدق. قال: وكذلك الرسل) . ثم قال لهم: (إن هذا هو النبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، لكن ما أظن أنه فيكم، ولو أستطيع أن أصل إليه لغسلت عن قدميه) لولا ما أنا فيه من الملك لذهبت إليه وغسلت عن قدميه، (وإن كنت صادقا فسيملك موضع قدميَّ هاتين) . ثم أُخرج أبو سفيان وقومه، فقال لهم أبو سفيان حين خرج: (لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر) "أَمِرَ" يعني عظم، لقد أَمِرَ يعني عظم شأنه، "ابن أبي كبشة" نسبة إلى أحد أجداده الغامضين من جهة الرضاع، وكانت العرب إذا كانت تكره الإنسان تنسبه إلى جد غامض. قال أبو سفيان: (فما زلت موقنا أن الإسلام سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام وأنا كاره) . فهذا هرقل استدل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأدلة من غير خوارق العادات، من غير المعجزات. وكذلك النجاشي -رحمه الله ورضي عنه- لما جاءه الصحابة وهاجروا إليه سألهم، واستخبرهم خبر النبي صلى الله عليه وسلم واستقرأهم القرآن فقرءوا عليه، فقال لهم: (إن هذا والذي آتى به موسى من مشكاة واحدة) . وبهذا يتبين أن الأدلة على نبوة الأنبياء كثيرة، ليست خاصة بالمعجزات وخوارق العادات كما يزعمه بعض أهل الكلام والنظر من الأشاعرة وغيرهم، بل الأدلة -دلائل النبوة- كثيرة، منها المعجزات، ومنها خوارق العادات، ومنها معرفة حال الشخص وأخباره، يُعرف صدقه من أخباره، ومن أقواله، ومن أعماله، ومن وفائه وصدقه، ومن مطابقة أقواله لأعماله، كما سبق في هذه الأمثلة. ولكن أهل الكلام في هذا يخصون دلائل النبوة بالمعجزات، حتى إن المعتزلة أنكروا خوارق العادات التي تجري على أيدي المؤمنين، وخوارق العادات التي تجري على أيدي السحرة، قالوا: حتى لا يلتبس النبي بغيره. قالوا: خوارق العادات لا تجري إلا على أيدي نبي. أما خوارق السحرة أنكروها، مع أنها واقعة، وأنكروا الخوارق، كرامات الأولياء، قالوا: لو أثبتنا كرامات الأولياء وخوارق السحرة لالتبس النبي بغيره، ففرارا من ذلك أنكروا خوارق العادات، وقالوا: لا خوارق للعادة إلا على يد نبي. وهذا من أبطل الباطل، وهذا من جهلهم، ظنوا أنه ليس هناك دليل على نبوة النبي إلا خوارق العادات والمعجزات، ودلائل النبوة كثيرة. والأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- على مراتب ودرجات، فالرسل أفضل من الأنبياء، وهل هناك فرق بين النبي والرسول؟

نعم، هناك فرق بين النبي والرسول، من العلماء من قال: إن الفرق بين النبي والرسول أن كلا من النبي والرسول يوحى إليه، لكن الرسول يوحى إليه بشرع ويؤمر بتبليغه، والنبي يوحى إليه ولا يؤمر بتبليغه، فإذا أوحي إليه وأمر بتبليغه كان رسولا، وإن لم يأمر بتبليغه كان نبيا. ولكن هذا قول مرجوح، والصواب أن الفرق بين النبي والرسول: أن الرسول هو الذي يرسل إلى أمة كافرة فيؤمن به بعضهم ويكفر به بعضهم، نوح -عليه الصلاة والسلام- أرسل إلى الكفار، آمن به بعضهم وكفر به بعضهم، هود رسول، صالح رسول. والذين أرسلوا بشرائع يرسلون إلى أمم كافرة، وينزل عليهم شرائع، أوامر ونواهٍ، يؤمن به بعضهم، ويكفر به بعضهم، مثل نوح، وهود، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم. أما النبي فهو الذي يرسل إلى قوم مؤمنين -ما يرسل إلى الكفار- يرسل إلى قوم مؤمنين، ويكلف بالعمل بشريعة سابقة، فمثلا آدم -عليه الصلاة والسلام- نبي، لكنه نبي إلى بنيه، ولم يقع الشرك في زمانه، وشيث نبي. ولهذا كان نوح أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد وقوع الشرك، فنوح أول رسول بعثه الله بعد وقوع الشرك، ولأنه أرسل إلى بنيه وإلى غير بنيه، أما آدم قبله، وكذلك أيضا شيث قبله، لكن ما وقع الشرك، وقعت المعاصي كما قتل قابيل أخاه هابيل. ولهذا قال الله سبحانه: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ} {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} . قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ثم وقع الشرك، هذا معنى قوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} . وبالمثل داود وسليمان أنبياء؛ لأنهم كلفوا بالعمل بالتوراة جميعا إلى بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى، داود وسليمان وزكريا ويحيى كلهم كلفوا بالعمل بالتوراة حتى جاء عيسى، هؤلاء هم الأنبياء، فالأنبياء على هذا. فالصواب الذي أقره وحكمه أهل العلم: أن الرسول هو الذي يبعث إلى أمة من أهل الشرائع الكبيرة، الذين يرسلون إلى أمم، إلى أمة كافرة، يؤمن به بعضهم ويكفر بعضهم. والأنبياء هم الذين يوحى إليهم، ويرسلون إلى المؤمنين خاصة، ويكلفون بالعمل بشريعة سابقة. وإلى هنا نكتفي، وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصادق، وصلى الله على محمد وآله وأصحابه وسلم. سبق بالأمس الكلام على الفروق بين النبي وبين الرسول، وقلنا: إن الصواب أن الفرق بين النبي والرسول أن الرسول هو الذي يأتي بشريعة مستقلة، وأنه يرسل إلى قوم يؤمن به بعضهم ويكفر به بعضهم، كنوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد -عليهم الصلاة والسلام-. أما النبي فهو الذي يكلف بالعمل بشريعة سابقة، أو يرسل إلى مؤمنين، فأنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى -عليه الصلاة والسلام- كلهم كلفوا بالعمل بالتوراة، ويسمون أنبياء، داود وسليمان وزكريا ويحيى إلى آخره حتى جاء عيسى، وعيسى -عليه السلام- جاء بشريعة مستقلة، وهو تابع أيضا لما جاء في التوراة، ولكنه خفف بعض الأحكام وقال: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} . وجاء سؤال بالأمس في قصة يونس -عليه الصلاة والسلام-، وأنه أُرسل إلى أمة، وأنهم آمنوا، كان السؤال هل ينطبق هذا على يونس؟ نقول: نعم، ينطبق هذا على يونس؛ لأن يونس جاء بشريعة مستقلة. وثانيا: أن يونس في الأول ردوا عليه دعوته، ردوا عليه دعوته فغاضبهم نبيهم يونس، وتركهم وذهب، وركب البحر وهو مغاضب {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) } فلما ذهب ندم قومه، وتمنوا رجوعه، لما رأوا أسباب العذاب تمنوا رجوعه، ثم أرسله الله إليهم مرة أخرى فآمنوا كما قال صلى الله عليه وسلم (أرسله الله إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا) . فهم في الأول صدوا، ما آمنوا أولا أنه جاء بشريعة مستقلة، ثانيا: أنهم أولا ردوا عليه دعوته، ثم آمنوا بعد ذلك، وثالثا: أن الله استثنى عليهم -هذه الأمة- لأن الله -سبحانه وتعالى- إذا جاءت أسباب العذاب وانعقدت أسباب العذاب فلا يفيد الإيمان بعد ذلك، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) } .

إذا جاءت أسباب العذاب ونزل العذاب لا ينفع الإيمان، وكما حصل لفرعون فإن فرعون الذي ادعى الربوبية وقال {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } لما نزل به العذاب آمن، لكن ما نفع، قال الله تعالى: {* وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) } . فرعون الذي يقول للناس: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } قال: آمنت وأنا من المسلمين. لكن هل نفع؟ ما نفع قال الله: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) } لماذا؟ ما نفع لأن العذاب إذا نزل ما ينفع، إذا نزل العذاب وانعقدت أسباب العذاب ما ينفع الإيمان، كما في الآية الكريمة: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) } . قوم يونس استثناهم الله، مستثنون، استثناهم الله، انعقدت أسباب العذاب وآمنوا، فصح منهم الإيمان، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} إذن قوم يونس مستثنون {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) } . وبهذا يتبين أن أمة يونس ليست خارجة عن القاعدة، أرسلت بشريعة مستقلة، وردوا عليه دعوته في أول الأمر، ثم بعد ذلك آمنوا لما انعقدت أسباب العذاب، واستثناهم الله. المسألة الرابعة: هناك أيضا من دلائل النبوة -دلائل النبوة كما سبق كثيرة- من دلائل النبوة: ما أبقاه الله تعالى من الآثار، من آثار الأمم، فإن الله تعالى أبقى آثار الأمم المهلَكة، فإن الله تعالى ينصر المؤمنين، ويؤيدهم على القوم الكافرين. والكفار يهلكهم ويعاقبهم، وبقيت آثارهم متواترة، يعرفها الناس جميعا، متواترة كتواتر الطوفان الذي أغرق الله به قوم نوح، وغرق فرعون، وكذلك أيضا آثار الأمم المهلَكة كآثار قوم لوط، وقوم هود، وقوم صالح. ولهذا في سورة الشعراء يقول الله تعالى بعد كل قصة، لما ذكر قصة موسى، ثم قصة إبراهيم، ثم قصة نوح، ثم قصة هود، ثم قصة صالح، ثم قصة لوط، ثم قصة شعيب قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9) } . ومن دلائل النبوة: ما اشتملت عليه الشرائع التي جاء بها الأنبياء من العلوم والأعمال والأحوال العظيمة، وما اشتملت عليه من الرحمة للخلق، ودعوتهم إلى ما فيه خلاصهم ونجاتهم، ودعوتهم إلى ترك ما فيه هلاكهم، هي مشتملة على علوم وأحوال وصفات إذا تخلق بها الناس وعملوا بها حصلت لهم السعادة، وتحذر مشتملة على التحذير من أسباب الهلاك، ومن الأخلاق السيئة، والأخلاق الرذيلة، فهذه من دلائل النبوة. نعم.

الأسئلة

الأسئلة: س: أحسن الله إليكم، فضيلة الشيخ هل يلزم من كون الرسول أن يكفر به بعض أمته لأن يونس عليه الصلاة والسلام؟ - هل يلزم إيش؟ -هل يلزم من كون الرسول أو تعريفه أن يكفر به البعض، ويونس عليه السلام أرسله الله إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا؟ . ج: لكن في الأول ردوا دعوته، هذا هو المعروف الآن، لكن يصدق عليهم أنهم ردوا دعوته أول الأمر ثم آمنوا، نعم، هذا هو المعروف عند أهل العلم. وتجد الأنبياء كلهم هكذا، موسى، وعيسى، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم، وهود، وصالح، وشعيب كلهم كفر بهم كثير وآمن بهم قليل. فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تابعا كما قال صلى الله عليه وسلم (إني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعا) لكن هناك من لم يؤمن من أمته؛ لأن الرسول رسول إلى الثقلين -الجن والإنس- إلى قيام الساعة، وهذه الأمة -أمة الرسول عليه الصلاة والسلام- فيها أمة الإجابة وأمة الدعوة، أمة الدعوة الكفار.. نعم. س: أحسن الله إليكم. سائل يقول: يستدل بعض أهل السنة على منع تسلسل الحوادث في الماضي لما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (أول ما خلق الله القلم) فهل يدل على أن في المخلوقات أولا؟ . ج: أولا: مسألة التسلسل هذه من المسائل المجملة التي لم تأت في الكتاب والسنة، والمراد دوام الحوادث، المراد الدوام والاستمرار، وهذا الحديث: (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب) قال بعضهم: إنه أول المخلوقات. والصواب أن العرش سابق له، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى: والناس مختلفون في القلم الذي *** كتب القضاء به من الديان هل كان قبل العرش أو هو بعده *** قولان عند أبي العلا الهمذاني والحق أن العرش قبل لأنه *** قبل الكتابة كان ذا أركان فالصواب أن العرش مخلوق قبل القلم، أما قوله: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب) فالأولية مقيدة بالكتابة، والمعنى أنه قال له: اكتب عند أول خلقه (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب) والمعنى: قال له: اكتب أول ما خلقه، الأولية مقيدة بالكتابة.. نعم. أحسن الله إليكم. س: يقول السائل: في آخر كتاب "العقل والنقل" ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- الخلاف في علم الله: هل يتجدد أو لا؟ ورجح -رحمه الله- أنه يتجدد. فما المراد بتجدد علم الله سبحانه؟ . ج: ما أعرف، هذا يحتاج إلى تأمل والنظر في العبارة وما قبلها وما بعدها. نعم. س: أحسن الله إليكم يقول السائل: ما حكم قول "شاء القدر"، "وتدخلت عناية السماء" خاصة أن مثل هذه الألفاظ تكثر عند بعض الكتاب والمثقفين المعاصرين؟ . ج - نعم، الأولى تركه، الأولى أن يقول: "شاء الله" ولا يقول: "شاءت الأقدار"، الأولى تركه، والأولى أن يعبر بالتعبيرات التي وردت في النصوص التي جاء فيها: "اقتضت حكمة الله"، "واقتضت حكمة الله"، "وعناية الله"، جاء التعبير بها عند بعض السلف، ابن القيم ذكر هذا. أما قول: "شاءت الأقدار" هذا ما ورد، الأولى أن يلتزم الإنسان بألفاظ النصوص، ولا يأت بشيء من عند نفسه. نعم. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: ما الفرق بين القضاء والقدر، وما المراد بالحديث: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) ؟ . ج: هناك فروق بينهما ذكرها العلماء، وذكروا أنه قد يجتمعان وقد يفترقان، فالقضاء يطلق على أمور، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} قُضي الأمر: فُرغ منه، له معان عدة، ولكن قد يجتمعان ويراد بالقضاء القدر، وقد يفترقان، قد ذكر هذا الطحاوي ابن عامر في القضاء، يرجع إليه. أما الحديث: (لا يرد القدر إلا الدعاء) معناه: أن الله تعالى يقدر، الدعاء مقدر، فالله تعالى يجعل المقدور له سبب، وسببه الدعاء. وكما جاء في الحديث أن (القدر والدعاء والبلاء يعتلجان بين السماء والأرض فأيهما غلب) فالمعنى أن الله تعالى قد يستجيب لدعاء الشخص، ويجعل الله الدعاء سببا في حصول المقدور، ويكون هذا مقدر في الأزل، مثل صلة الرحم، ثم قدر أن يعافي الله هذا العبد من مرضه بدعائه، فالله قدر الدعاء وقدر العافية، وجعل الدعاء سببا في العافية، فيكون القدر سببا، وهو من القدر، هو من القدر الذي قدره الله. أي نعم. س: يقول السائل: هل يجوز لعن الكافر بعينه، وهل يفرق بين الحي والميت؟ . ج: لا ينبغي لعن الكافر الحي بعينه، بل يدعى له بالهداية، إلا من اشتد أذاه، أذية المسلمين، فلا بأس إذا اشتد أذاه كما آذى المسلمين فلا بأس. أما الميت فلا يلعن، قال النبي: (لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا) إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة للأحياء، كأن يحذر الإنسان من كفر هذا الكافر أو من بدعته، حتى لا يضر الناس، فلا بأس، هذا مستثنى، وأما بدون مصلحة فلا يسب الميت (لا تسبوا الأموات) يقول النبي: (لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا) .

وأما لعن الفاسق والكافر: فالفاسق لا يلعن بعينه، ولهذا لما جيء للنبي صلى الله عليه وسلم برجل شرب الخمر لعنه بعض الصحابة فقالوا: لعنه الله -أو أخزاه- ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله) . والمشروع أن يلعن العصاة على العموم، يقول: لعن الله من شرب الخمر، لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده، لعن الله الخمر، لعن الله شارب الخمر، لعن الله آكل الربا، أما فلان بن فلان آكل الربا لا تلعنه، فلان بن فلان السارق لا تلعنه، ادع له بالهداية. وكذلك الكافر بعينه لا تلعنه؛ لأنه قد يهديه الله، فادع له بالهداية، ويستثنى من هذا ما إذا اشتد أذاه، فلا بأس بلعنه إذا اشتد أذاه على المسلمين، فلا بأس كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الكفار، فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن دوسا عصت فادع الله عليهم، قيل: هلكت دوس. قال النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم اهد دوسا وأت بهم) فهداهم الله للإسلام. س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: هل أسلم النجاشي، وهل يعد صحابيا؟ . ج: نعم، أسلم النجاشي، أسلم لا شك في هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي لما مات كما ذكر البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي حين مات، وصلى عليه، ذهب بالصحابة إلى الصحراء وصلى عليه وكبر عليه أربعا وقال: (مات أخوكم) نعاه الرسول صلى الله عليه وسلم. صحابي لا، هو ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم من شرط الصحابي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. نعم. س: أحسن الله إليكم. السؤال الأخير يقول: إن من يرى واقع الكفار في هذا العصر يرى أنهم لا يسمعون عن الإسلام إلا كل أمر قبيح، ولم يتيسر لهم أن يعيشوا في مجتمعات مسلمة، وقد يقع في القلب شيء من أن ذلك ينافي عدل الله وحكمته، فهل هؤلاء الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة بشكلها الصحيح. -أعد السؤال.. إن من يرى واقع الكفار في هذا العصر يرى أنهم لا يسمعون عن الإسلام إلا كل أمر قبيح، ولم يتيسر لهم أن يعيشوا في مجتمعات مسلمة، وقد يقع في القلب شيء من أن ذلك ينافي عدل الله، فهل هؤلاء الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة بشكلها الصحيح معذورون أو لا، وما رأي فضيلتكم فيمن زعم بأن هذا ظلم من الله لهم، وهل يبلغ حد الكفر بقوله هذا؟ . ج: القول بأنه ما بلغتهم، هذا بعيد؛ لأن وسائل الإبلاغ ووسائل الإعلام كثيرة الآن، فالظاهر أن الدعوة بلغتهم، ولكن لو قدر أن هناك أحدا لم تبلغه الدعوة فهو في حكمه حكم الفترات، حكم أهل الفترات، والله تعالى يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) } . وأهل الفترات الذين لم تبلغهم الدعوة فيهم أقوال لأهل العلم، ذكر الحافظ رحمه الله في الفتح أقوالا، وذكر أيضا العلامة ابن القيم في أواخر "طريق الهجرتين" أرجحها: أنهم يمتحنون يوم القيامة، وأنهم يجرى لهم امتحان، وأنهم يخرج لهم عنق من النار ويردونها، فمن وردها كانت عليه بردا وسلاما، ومن عصى تبين فيه علم الله. وجاء هذا في أحاديث كثيرة لا تخلو من ضعف سرية وغيره، وأنه يؤتى بأهل الفترة وبالأصم وبالشيخ الهرم وبالمجنون، وأنهم يمتحنون، ولكن الأحاديث يشد بعضها بعضا فتكون من باب الحسن لغيره كما رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، هذا أصح ما قيل فيه، فيكون حكمه حكم أهل الفترات. وأما مسألة كونهم لم يتبين عدل الله فيهم: نعم الله تعالى يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) } فمن لم تبلغه الدعوة فإنه لا يعذب حتى تقوم عليه الحجة، وأهل الفترات يمتحنون. أما قوله: لم يتبين فيهم عدل الله، وأن هذا يصل لدرجة الكفر. نقول: لا، الجواب هو أن من لم تبلغه الدعوة لا يعذب حتى تقوم عليه الحجة، أمره إلى الله، والله تعالى عادل، وقد قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) } من لم تبلغه الدعوة ولم يبلغه الرسول ولم يبلغه القرآن لا يعذب، وهو معذور، وله امتحان آخر.. نعم. أحسن الله إليكم، ومتع بكم على طاعته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه وأتباعه. وفق الله الجميع على طاعته.

قوله: وإنه خاتم الأنبياء

وإنه خاتم الأنبياء

قوله: وإمام الأتقياء

وإمام الأتقياء

قوله: وسيد المرسلين

وسيد المرسلين

هذا باطل، الله تعالى في العلو فوق العرش، ومحمد -عليه الصلاة والسلام- في العلو، عرج به إلى العلو، إلى الله في العلو، ويونس في قعر البحار، فأين هذا من هذا؟ كيف يقال: إن قربهما واحد؟ وليس فيه نهي تفضيل محمد -عليه الصلاة والسلام- على يونس، وكيف يقال: إنه لا يفضل عليه ومحمد -عليه الصلاة والسلام- عرج الله به، عُرج به إلى السماء، فهو مقرب معظّم مبجل، ويونس ممتحن مؤدب مسجون في قعر البحار، فأين المعظم المقرب المبجل من الممتحن المؤدب؟ ولكن الحديث، صواب الحديث: (لا يقول أحدكم إني خير من يونس بن متى) وفي لفظ: (من قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب) وذلك لأنه لا ينبغي للإنسان أن يفضل نفسه على يونس، حتى لو كان فاضلا، فكيف إذا كان مفضولا؟ فكيف على نبي كريم يفضل نفسه عليه؟ وهذا لا يقوله نبي، ومن قال إنه خير من يونس بن متى حتى ولو كان فاضل التقدير لكان قوله هذا يحط من مرتبته، ويكون ناقصا، وتكون مرتبته نازلة، فلا يكون أفضل منه، هذا لو قاله أحد، من قال ذلك فهو كاذب. وهو من باب التقدير، وإن كان لا يقوله نبي كريم، يعني من قال هذا، لو قال هذا أحد فهو كاذب، وهذا من باب الشرط المقدر كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الشرك، ولكن الوعد والوعيد لبيان مقادير الأعمال. وسبب ذلك أن يونس -عليه الصلاة والسلام- لما ذهب مغاضبا والتقمه الحوت وهو مليم فسبح وقال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) } يظن بعض الناس أنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه يونس، وأنه لا يحتاج إلى الندم؛ لأنه لم يذنب كما أذنب يونس. وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم نهاه الله عن التشبه بيونس قال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} وأمره بالتشبه بأولي العزم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} . فقد يظن بعض الناس أنه خير من يونس بن متى، وأنه لا يحتاج إلى هذا المقام، إلى مقام الاستغفار والتسبيح، وهذا باطل؛ لأن كل أحد يحتاج إلى أن يستغفر من ذنبه، وكل أحد ظالم لنفسه. وقد أخبر الله عن الأنبياء كلهم، أولهم آدم، وآخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخبر الله عن آدم أنه قال عن الأبوين: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) } موسى أخبر الله عنه {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} . محمد -عليه الصلاة والسلام- وهو أشرف الخلق كما في حديث الاستفتاح: (وجهت وجهي) وقال: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) . فكل أحد يحتاج إلى ما احتاج إليه يونس فمن وقع في نفسه أنه خير من يونس بن متى فهو كاذب. نعم.

قوله: وحبيب رب العالمين

وحبيب رب العالمين

أما المحبة فيتسع قلبه لكثير يحب عائشة ويحب أبا بكر، وأسامة حِبُّه، وزيد أبوه، أسامة حِبُّه وابن حِبِّه فيتسع القلب لأكثر من واحد هذا بالنسبة للمخلوق للنبي صلى الله عليه وسلم أما الله -سبحانه وتعالى- أما الخلة بالنسبة لله فهي صفة لجلال وعظمة الله. والله -تعالى- يوصف من هذه المراتب بالإرادة والمحبة والمودة والخلة هذه الأربع يوصف بها الله أما بقية المراتب فلا، فلم يرد، والخلة هي نهايتها وكمالها وهى أنه تتخلل القلب وتصل إلى سويدائه ويمتلئ بها القلب، ولا يتسع لأكثر من واحد فالخلة لإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم هذا بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم امتلأ قلبه بخلة الله، أما الله فاتصافه بالخلة كسائر صفاته يليق بجلاله وعظمته لا تشبه صفاته صفات المخلوقين. نعم.

قوله: وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى

وكل دعوى النبوة بعده فَغَيٌّ وهوى

قوله: وهو المبعوث إلى عامة الجن

وهو المبعوث إلى عامة الجن

وقال سبحانه: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ} جميعا عموما، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار) هذه الأدلة تدل على عموم الرسالة. وأما قول بعض النصارى: إن النبوة خاصة بالعرب فيقال لهم: إذا أثبتم أنه رسول إلى العرب أثبتم أنه يلزمكم أن تثبتوا أنه رسول الله إلى الناس عامة ما دام أثبتم أنه رسول، فالرسول لا يكذب، وقد أخبر أنه رسول الله إلى الناس كافة فيلزمكم تصديقه وإلا فاكفروا ما دمتم أثبتوا أنه رسول، ولو إلى العرب فنقول الرسول هل يكذب الرسول؟ نقول: لا يكذب، نقول: إن الرسول أخبر أنه رسول الله إلى الناس كافة وما دام أثبت أنه رسول للناس كافة كما في الحديث: (وأرسلت إلى الخلق كافة) (فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) . وكذلك الآيات، فيلزمكم أن تؤمنوا بالقرآن، فإذا لم تؤمنوا بالقرآن… ففي القرآن النصوص واضحة في عموم الرسالة، فإذا لم تؤمنوا بالقرآن ولم تصدقوه كفرتم وإن صدقتموه في أنه رسول فصدقوا في إخباره بأنه رسول الله إلى الناس كافة. إي نعم.

قوله: وكافة الورى بالحق والهدى وبالنور والضياء

وكافة الورى بالحق والهدى وبالنور والضياء

قوله: وإن القرآن كلام الله

وإن القرآن كلام الله

والله -تعالى- يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} وكل كفر، فجزاء مَن كَفَرَ النار، نسأل الله السلامة والعافية، ليس بعد هذا كفر ليس فوق هذا إنكار كامل لوجود الله فإذن مذهبهم في القول بوحدة الوجود مذهبهم في الكلام مبني على القول بوحدة الوجود وأصل هذا المذاهب نشأ من إنكار مسألة المباينة والعلو أنكروا علو الله على الخلق، وأنكروا مباينته لهذه المخلوقات، قالوا: ليس منفصلًا عنها ولا مبينا لها ولا فوقها وقرروا هذه القاعدة، وهذا الأصل. فلما تقرر هذا عندهم وهو إنكار مباينة الله للمخلوقات، وإنكار العلو صاروا بين أمور ثلاثة: إما أن يقولوا: إنه معدوم لا وجود له، وهذا ما استساغوه؛ لأن الناس يكذبون، فقالوا: إن الله معدوم كذبوه، وهم منافقون زنادقة؛ لأن هؤلاء الاتحادية يظهرون الإسلام ويخفون الكفر؛ ويدعون الإسلام؛ ولهم مؤلفات تحقق وتنشر ككتاب "الدرة" وغيره تحقق ولهم مؤلفاتهم محققة توجد في كثير من الأقطار العربية وتطبع بورق ثقيل وخط واضح وتحقق. وهناك من يدافع عن ابن عربي يدافع عنه ويقول: إنه معذور لا تظنوا أن هذا المذهب ما هو موجود مذهب الاتحادية؟ موجود ومنتشر وهناك رجل في السودان على عهد النميري الحاكم الأول يقال له العربي ادعى أن الله حَلَّ فيه، وقال: إنه هو الله والعياذ بالله فلا تظنون أن مذهب الاتحادية ما هو موجود، وهم من أكثر خلق الله بل أكثر خلق الله. لهذا اقتضى العلماء لبيان هذا الكفر ويدعون أنهم أولياء الله وهم الخواص والعياذ بالله، هذا ابن العربي له مؤلفات وكتب "الفتوحات المكية" وله مؤلفات في الفقه فلا بد من بيان الشرح حتى لا ينطلي على بعض الناس، فلما أنكروا مباينته لخلقه وعلوه فصاروا بين واحد من ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن يقولوا بأن الله معدوم لا وجود له صراحة، وهذا ما استساغوه؛ لأن الناس يكشفون كفرهم؛ وهم زنادقة يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر فاستبعدوا هذا الأمر. الأمر الثاني: أن يقولوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مغاير له، ولا محايد له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه كما قال الجهمية الذين نفوا عن الله النقيضين قالوا هذا أيضا ما استساغوا هذا القول، وقالوا هذا غير متصور ولا يمكن تصور هذا. فاختاروا القول الثالث: وهو أن الله هو عين المخلوقات، فالخالق هو المخلوق والرب والعبد كل ما تروه هو الرب. قال ابن عربي: "سِرْ حيث شئت فإن الله ثَمَّ وقُل ما شئتَ به فالواسع الله، فكل شيء تراه هو الله، والله هو عين هذه المخلوقات، وهو عين هذه الموجودات". والشيء لا يحايد نفسه، ولا ينافيها فثبت عند هؤلاء الملاحدة أن الله عين هذه المخلوقات؛ فلما ثبت عندهم أن الله عين هذه المخلوقات، قالوا: إن كل كلام في الوجود هو كلامه سواء كان حسنا أو قبيحا، وسواء كان كفرا أو إيمانا، وكل اسم فهو له حسن أو قبيح، وكل صفة فهي له صفة نقص أو كمال، وهذا مذهب كفري شديد بل هم أعظم الناس كفرا، كفى أن يقال: يجرؤ عاقل أن يقول كل كلام يسمع في هذا الوجود كلام الله من الكفر والسب والشتم والغناء والباطل إلى غير ذلك. وهؤلاء كفرة لا يؤمنون بالله ولا بملائكته ولا بكتبه ولا برسله ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشره فهم أكثر الناس، نسأل الله السلامة والعافية، ومن فروع هذا المذهب أنهم يقولون: إن فرعون مصيب حينما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } وكذلك عباد الأصنام والأوثان يكونون على الحق هم على الحق والصواب، وكل من عبد شيئا فهو مصيب من عبد النار فهو مصيب، من عبد الصنم فهو مصيب، ومن عبد النيران فهو مصيب، ومن عبد العجل فهو مصيب كلهم مصيبون، وإنما الكفر بالتخصيص لا تنهى أحدا عن شيء فإذا خصصت شيئا، وقلت: لا يجوز عبادة إلا هذا الشيء فهذا هو الكفر التخصيص. وابن عربي له مُؤَلَف من مؤلفاته أنه يقول: إن فرعون مصيب حينما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } ويقول: إنه أُغْرِق لما أَغْرَقه الله لما أُغْرِق في البحر قال هذا الإغراق تطهير له الحسبان والوحي تطهير له؛ لأنه ظن أنه الرب وحده، وهذا غلط حينما قال {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } كل واحد رب فلما حسب هذا الحسبان أغرق تطهيرا له، هذا هو الحسبان ويقول معارضة لكتاب الله إن موسى -عليه الصلاة والسلام- لما أخذ برأس هارون ولحيته حينما عبدوا العجل يقول أخذ برأسه ولحيته يقول لماذا تنهاهم عن العجل وهم على الصواب. المؤلفات موجودة الآن، وهناك من يدافع عنها، نسأل الله السلامة والعافية، ومن فروع هذا المذهب أنه لا فرق بين الزنى والنكاح، ولا بين الخمر والماء، ولا بين الأم والأخت والأجنبية الكل واحد، ومن فروع هذا الأمر ضيقوا على الناس وبعدوا عليهم الأصول، والواقع وراء ذلك كله، نسأل الله السلامة والعافية.

فالمقصود أن هذا المذهب الكفري هو موجود موجودة مؤلفاته، نبه عليها العلماء، وهناك من يدعي أنهم على الصواب والاتحادية، وأنهم أولياء الله وهناك من يعتذر عنهم فلا بد أن يكون طالب العلم على حذر، وعلى إلمام بهذا المذهب الخبيث الذي هو أكفر مذهب في الأرض، نسأل الله السلامة والعافية، وبهذا القدر نكتفي لئلا نسترسل في الكلام، ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح، ونسأل الله للجميع السلامة والعافية من الفتن إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.

الأسئلة

الأسئلة: س: أحسن الله إليكم يقول السائل: ما قول أهل السنة والجماعة في مسألة حياة الأنبياء في قبورهم أهي حياة حقيقية أم برزخية؟ وإذا قلنا: إنها حقيقية فهي حجة للصوفية الذين يدعون الأنبياء والصالحين ويتوسلون إليهم بالدعاء بحجة أنهم أحياء وإذا قلنا: إنها برزخية لم يكن ثمة فرق بينهم وبين سائر المؤمنين نرجوا توضيح ذلك؟ أفادكم الله. ج: حياة الأنبياء حياة حقيقية برزخية؛ لكنها لا تشبه حياة الدنيا والروح لها تعلقات بالبدن تختلف فتعلق الروح بالبدن في الحياة الدنيا غير تعلقها به بالبرزخ، وغير تعلقها به في النوم، وغير تعلقها به في يوم القيامة، فالنائم روحه لها تعلق به. فالروح قد تذهب إلى مكان بعيد ولكنها قريبة، فإذا ضربت رجلك جاءت الروح بسرعة، وكما سيأتي في قصة موسى -عليه الصلاة والسلام- رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ليلة أسري به قائما يصلي، ورآه في السماء السادسة فالروح سريعة فهي حياة برزخية حقيقية، لكنها ليست كحياة الدنيا، والرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء ميتون، ولا يقال: إنهم أحياء قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) } وهذه الحياة البرزخية لا تنافي أنهم ميتون، ولذلك من دعا الأموات فهو كافر، ولو كان الميت حي الحياة البرزخية أنت منهي أن تدعو الميت، ولو كان له حياة برزخية، ولا إشكال في هذا. نعم. س: أحسن الله إليكم يقول السائل: إن الله لا يفتقر لوجود خلقه فهو الكامل بذاته وصفاته سبحانه، وبما أن الصفات لا تنفك عن الذات فالفعل ممكن الحدوث فهو موصوف به، وإن لم يحدث في وقت من الأوقات فلماذا يصرف النص عن ظاهره في قوله صلى الله عليه وسلم (كان الله وليس معه شيء) أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-. ج- السؤال يدل على عدم فهم السائل، الله تعالى متصف بفعله والفعل غير المفعول، والفعل وصفه -سبحانه وتعالى- قائم بذاته والمفعول المخلوق المنفصل فلا تخلط بين هذا وهذا، فالرب فعَّال صفة الفعل قائم بذاته، وهو غير المفعول المخلوق المنفصل المخلوق، السماوات والأرض مخلوقة لله، والخلق غير المخلوق والفعل غير المفعول فالخلق وصف الله، والفعل وصف الله، والمفعول المخلوق هو المفعول المنفصل، والله تعالى يوصف بأنه فعال، والمخلوقات منفعلة ليست هي الفعل وليست هي الخلق. نعم. س- أحسن الله إليكم يقول السائل: هل يجوز القول: ولا يسأل عن الله متى كان؛ لأن الله هو خالق الزمان؟ ج- نعم الله -تعالى- هو أول كل شيء، أول لا بداية له كما أن آخريته لا نهاية لها. نعم. س- أحسن الله إليكم يقول السائل: ما رأيكم بكتاب "عمر أمة الإسلام وظهور المهدي عليه السلام" وهو كتاب توصل فيه الباحث -وهو من جامعة عربية- إلى أن عُمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما بين ألف وأربعمائة إلى ألف وخمسمائة سنة استنادا لبعض أحاديث الصحيحة والآثار عن علماء الإسلام الأولين كالسيوطي وغيره؟ حفظكم الله. ج- ما رأيت الكتاب ولا قرأته، ولكن تحديد عمر الأمة تحديد باطل ليس هناك دليل، ولا أظن يثبت أن هناك تحديد بالسنين لكن الله -سبحانه وتعالى- جعل علامات للساعة وأشراط، وأشراط الساعة الكبار إذا ظهرت كلها فالساعة تعقبها {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} كما قال الله تعالى، أما التحديد بالمئات والآلاف فهذا لا دليل عليه ولا يثبت في هذا شيء. نعم. س- أحسن الله إليكم: جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عن موسى: (لا أدري هل أفاق قبلي أو لا؟ أم كان ممن استثناه الله) والسؤال من هم الذين استثناهم الله من الصاعقة. ج- الصواب أن هذا وهم من بعض الرواة كما نبه على ذلك محققون من أهل العلم والحديث كاالعلامة ابن القيم وغيره وأن صواب الحديث: (لا تفضلوني على مثلي فإن الناس يصعقون يوم القيامة فإذا موسى آخِذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدرى أفاق قبلي أم جُوزِيَ بصعقة يوم الطور) . وهذه الصعقة إنما هي صعقة في موقف القيامة، وسببها تجلي الله للخلائق لفصل القضاء حينما يتجلى الله لفصل القضاء خشية، ثم يفيقون فأول من يفيق النبي صلى الله عليه وسلم فيجد موسى قائما آخذ بقائمة العرش قال نبينا صلى الله عليه وسلم فلا أدري هل موسى صعق فأفاق أم أنه لم يصعق مجازاة له بصعقة يوم الطور وعلى كل حال فهي مَنْقَبَة لموسى، ولكن الفضيلة الخاصة لا تدل على الفضل العام وإنما هي منقبة لموسى أنه لما يزول الصعق، ويفيق نبينا صلى الله عليه وسلم يجد موسى قاعدا، قال: (ما أدري هل صعق فأفاق قبلي أم أنه لم يصعق مجازاة له بصعقة يوم الطور؟) .

أما رواية بعضهم (فلا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله) فهذا وهم بعض الرواة؛ لأن الصعق ليس فيه استثناء، لماذا يستثنى، ليس استثناء في صعقة الموت، قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} صعقة الموت حين ينفخ إسرافيل في آخر الدنيا، فيصعق الناس ويموتون ولكن هناك مَن يستثنه الله منها الأرواح لا تموت؛ لأنها باقية؛ وكذلك ما في الجنة من الحور وغيرها باقية هذا مما استثناهم الله. أما صعقة التجلي فليس فيها؛ فالصواب أنها لمن ثبت في حديث البخاري استثناء ولكن هذه اللفظة رأى بعض الرواة (ولا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثناهم الله) صواب، وصواب الحديث ما جاء في الرواية (أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور) أما لفظة (أفاق قبلي أم كان من الذين استثناهم الله) وهم من بعض الرواة كما نبه على ذلك المحققون من أهل العلم والحديث؛ وذلك؛ لأن الصعقة في يوم القيامة التي سببها التجلي لفصل القضاء ما فيها استثناء كل الناس يصعقون إنما الاستثناء في الصعقة التي تكون في آخر الدنيا صعقة الموت، نعم. والله أعلم. س- أحسن الله إليكم: ما معنى قول وهب بن منبه: "نظرت في القدر فتحيرت ونظرت فيه فتحيرت ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه وأجهل الناس بالقدر أفقهم به" لا سيما وقد كثر خوض الطلاب في القدر بلا فائدة بعد الدرس في القدر. ج- لسنا مكلفين بتفسير كلام وهب بن منبِّه، وهب بن منبِّه من العلماء التابعين ومنبه من العلماء الذين أسلموا من بني إسرائيل، قد يكون قوله صوابا، وقد يكون خطأ، ولسنا مُتَعَبَّدِين بأن نفسر كلامه، نعم فنحن نفسر كلام الله وكلام رسوله هذا من الصحة والقدر لا يجب للإنسان أن يخوض فيه، وكما سيأتي -إن شاء الله- في الطحاوية أن قول الطحاوي: "القدر سر الله في الخلق فمن سئل عن فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين" سيأتي -إن شاء الله- لا نستعجل. نعم. س-أحسن الله إليكم، هل النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من السموات والأرض ومن ميكائيل وجبرائيل وأفضل من العرش والكرسي وأفضل من كل شيء؟ ج- نعم ظاهر الأدلة أنه أفضل المخلوقات صلى الله عليه وسلم هذا وهو أفضل المرسلين، الصواب وأفضل الملائكة ومسألة تفضيل الأنبياء وتفضيل صالح البشر على الملائكة فيها كلام أهل العلم من العلماء، من قال: إن الأنبياء أفضل ومنهم من قال: إن الملائكة أفضل، ومنهم قال: إن صالح البشر أفضل. شارح الطحاوية قال: "إن هذه المسألة من فضول الكلام، فالأولى تركها". لكن حقق شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة وقال: "إني كنت أظن هذه المسألة من بدع الكلام فتبين لي أنها مسألة أثرية صحابية سلفية، وحقق القول بأن الأنبياء وسائر الرسل أفضل من الملائكة لكن هذا عند كمال حالهم عند دخول الجنة، وإن كان حال الملائكة قد يكون في الدنيا أفضل، لكن في النهاية حال الأنبياء وصالح البشر أفضل". نعم. س-أحسن الله إليكم في أي كتب السنة ورد لفظ (أعطيت ستا -وفيها وختم بي النبيون) فرواية الصحيحين (أعطيت خمسا لم يعطهن غيري) ولم يذكر فيها (وختم بي النبيون) ج- (أعطيت ست خصال) أخرجها مسلم عن شرح الطحاوية فارجع إليها. نعم. س-أحسن الله إليكم هل هناك فرق بين العارف والعالم عند الصوفية. ج- الصوفية عندهم العارف من المعرفة والعلم، الله تعالى يوصف بالعلم لا بالمعرفة؛ وسيأتي كلام الطحاوي -رحمه الله- وذلك بأن الله ما هو إله معرفة وأن هذا منتقد. نعم. س- يقول السائل: هل يجوز لنا أكل لحوم مَن يدعي وحدة الوجود. ج- نعم التحريم لا غيبة إلا لفاسق إذا أظهر فسقه ليس له غيبة، فإذا ما رأيت إنسان يحلق لحيته، وقلت فلان يحلق لحيته هل تكون غيبة؟ لا فهو الذي فضح نفسه إذا المجاهر بالمعصية لا غيبة له، والمجاهر بالبدعة أعظم، والمجاهر بالكفر أعظم وأعظم، فالتحذير من البدع والمنكرات، والتحذير من الكفر ما يسمى غيبة، هذا نصح لله ولرسله، والنصيحة واجبة، التحذير من الكفر والبدع هذا ليس غيبة، والتحذير من الشر حتى إن الميت كما جاء في الحديث: (لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا) لا يسب الميت لكن إذا كان في التحذير من بدعة الميت مصلحة للأحياء نحذر من بدعته حتى لا يتضرر الأحياء. نعم. س-هل يجوز لنا أكل لحوم ممَن يدعي وحدة الوجود؟

ج- إذا كانت لحوم تعني غيبتهم فقد سبق الجواب، هل يجوز أكل ذبيحتهم أما الذبائح فالكافر لا تصح ذبيحته أما اليهود والنصارى فَمُسْتَثْنَوْنَ، أهل الكتاب قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} هذا إذا عرفت أنهم يذبحون على الطريقة الشرعية أو جهلت الحال، أما إذا علمت أنه يذبح بالصعق أو بالكهرباء أو بالخنق هذا، لا تأكل أو يقول حين الذبح: باسم المسيح، فلا تأكل لكن إذا جهلت ما تدري فالأصل حلال للآية، وذلك؛ لأن اليهود وأهل الكتاب مستثنون فكفرهم أخف. أما الوثنيون وأما المجوس وأما المنافقون فهؤلاء أعظم وأعظم هؤلاء ذبائحهم ولحومهم لا تحل. س- توجد لدينا جامعة تابعة للصوفية تدرس أمورا كفرية، فما النصيحة التي تقدمونها لنا؟ وما الواجب علينا تجاه أصحابها؟ ج- الواجب الابتعاد بأنفسكم فلا تدرسوا في هذه الجامعة، وأن تحذروا المسلمين من الدخول فيها تحذروا الناس، وتبينوا ضلالها، وتبينوا أن ما هم عليه كفر وضلال نصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. نعم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تابع قوله: وإن القرآن كلام الله

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فإن مبحث الكلام مبحث عظيم، وهو من المسائل التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين المخالفين لهم كما سبق بيان ذلك، وقلنا: إن المسألة فيها ثمانية أقوال للناس في مسمى كلام الله عز وجل. المذهب الأول مذهب الاتحادية: سبق الكلام عليه بالأمس، والمذهب الثاني مذهب الفلاسفة وأتباعهم، الفلاسفة المَشَّاءون ومن تبعهم من متكلم ومن متصوف كابن سينا والفارابي وابن عربي وغيرهم، الفلاسفة مذهبهم في كلام الله عز وجل أنه خيرٌ فَاضَ من العقل الفَعَّال على النفس الفاضلة الذكية فحصل لها تصورات وتصديقات لحصر ما قبلت منه فكلام الله ليس حرفا ولا صوت، ولكنه معانٍ تفيض على النفوس الفاضلة الذكية. ويحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلته من هذا الفيض، وهذا المذهب في الكلام مبني على مذهبهم في القول بقِدَم العالم، وأن العالم لازم لله أزلا وأبدا، فالفلاسفة يذهبون إلى أن العالم لازم لله لا ينفك عنه في الأزل، ولا في الأبد كلزوم الضوء للسراج فلا يقولون: إن العالم حادث بل يقولون: إن العالم قديم كقدم الله وهذا المعنى إنكار لوجود الله وأنه واجب الوجود بذاته وأنه الأول الذي ليس قبله شيء فَبَنَوْا على هذا الأصل، وهو القول بقِدَم العالم أن الكلام معنى يفيض على النفس الفاضلة الذكية فيحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلت منه. وأصل هذا أنهم لم يؤمنوا بالرب الذي أخبر عن نفسه أنه الأول، وليس قبله شيء، والذي عرف اسمه الرسل الفعال لما يريد المتصف بالصفات القادر على كل شيء المتكلم بقدرته ومشيئته؛ لما لم يؤمنوا بالرب -سبحانه وتعالى- الذي وصف نفسه وسماها بأسماء وصفات؛ لما لم يؤمنوا بذلك قالوا: إن العالم قديم، ثم إن الكلام فضل فاض من العقل الفعال. وحقيقة هذا المذهب الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فهم لم يؤمنوا برسله فهم كفرة ملاحدة؛ لأنهم لم يؤمنوا بالله ربا وإلها ومعبودا بالحق، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه الغني بذاته الذي لا يحتاج إلى أحد، وأن له الكمال في أسمائه وصفاته فلم يؤمنوا به بالرب ولا بالملائكة ولم يؤمنوا بالكتب المنزلة ولم يؤمنوا بالرسل، ولم يؤمنوا باليوم الآخر، ولا بالبعث والنشور، ولا بالجنة والنار، ولم يؤمنوا بالقدر فهم كفرة ملاحدة، نسأل الله السلامة والعافية. وهم يلتقون مع الاتحادية الذين يقولون: الوجود واحد، العبد هو الرب، والرب هو العبد، وهؤلاء يقولون: إن العالم قديم ولازم للرب ولم يثبتوا ربا غنيا خالقا قادرا بمشيئته، وقالوا: إن الرب هو أول هذا العالم، وهو المحرك له، وهو العلة، وهو مبدأ هؤلاء الكفرة، وهو العلة الغائية لحركته هم بهذا يلتقون مع الاتحادية كلهم كفرة كلهم ملاحدة زنادقة، نسأل الله السلامة والعافية. هذان المذهبان كفريان، ولكن العلماء يذكرون هذه المذاهب؛ لأن الملاحدة تستروا باسم الإسلام، وهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والإلحاد، وكذلك الفلاسفة هناك من يظن من الناس أنهم على حق، وأنهم على صواب، وأنهم أهل علم، وأهل قواعد، وأصول فاغتر بهم كثير من الناس من أهل البدع، وظنوا أنهم على حق وصواب، هذان المذهبان كفريان. المذهب الثالث: مذهب السالمية أتباع هشام بن سالم الجواليقي وتبعهم بعض أتباع الأئمة الأربعة أو بعض من ينتسب للحديث ذهبوا إلى أن كلام الله ألفاظ ومعاني وحروف وأصوات قديمة في الأزل لم تزل ولا تزال ولا يقولون: إن الكلام متعلق بقدرة الله ومشيئته بل يقولون: إن الكلام قديم ألفاظه ومعانيه، والحروف والأصوات وما دامت الألفاظ قديمة فالحروف التي تؤلف هذه الأصوات قديمة، وما دامت المعاني قديمة، فالحروف التي تتألف من هذه الألفاظ قديمة. وهم يقولون: إن كلام الله نوعان نوع يصنع بواسطة ونوع يصنع بغير واسطة كما سُمِع بجبرائيل وبواسطة كما سَمِع محمدٌ صلى الله عليه وسلم كلام الله بواسطة جبرائيل، لكن الكلام وإن كان لفظا ومعنى، وإن كان بحرف وصوت إلا أنه قديم لم يزل ولا يزال ولا يزال الرب يتكلم في القدم والأزل، وأيضا حروف الكلمات كلمات الرب مقترنة لا يسبق بعضها بعضا. الباء مع السين مع الميم كلها يتكلم بها للرب دفعة واحدة هكذا يقولون.

وقالوا: إن الحروف إنما تسمع متعاقبة بالنسبة لسمع الإنسان وإلا فالحروف مقترنة وشبهتهم في ذلك؛ لأن هذا المذاهب مبني على أن الكلام لا بد أن يقوم بمتكلم وأن الرب ليس محلا للحوادث قالوا: لو قلنا: إن كلام الرب متعلق بقدرته ومشيئته لصار محلا للحوادث لصار يحفظ الكلام في ذاته فلا أقول: إن الكلام متعلق بقدرته ومشيئته بل يقولون: إن الكلام قديم في الأزل لم يزل ولا يزال وإن كانت حروف وأصوات لم يزل الرب يتكلم في القدم والأزل، لكن لا يتعلق الكلام بقدرته ومشيئته متى شاء تكلم بل يقولون: إن الكلام قديم أزلي لا يزال الرب يتكلم الحروف مقترنة. ولهذا يسمونهم بالأقرانية نسبة إلى الاقتران الذي ذكروا في الحروف، وأن الرب يتكلم بها دفعة واحدة الباء مع السين مع الميم ليست متعاقبة، تأتي السين بعد الياء قالوا لو قلنا: إن الحروف متعاقبة للزم ذلك أن يحدث الحرف الثاني في ذات الرب فيكون ذلك محل للحوادث، وهذا مذهب باطل. وقولهم: إن الكلام ألفاظ ومعان وحروف وأصوات قائمة بذات الرب فهذا حق، لكن قولهم: إنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته فهذا باطل، الرب لم يزل يتكلم الكلام قديم لكن ألفاظه لم تزل حادثة متعلق بمشيئته فهو يكلم جبريل ويكلم الملائكة ويكلم الأنبياء ويكلم الناس يوم القيامة، فالقول بأنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته تعطيل للرب من الكمال وتنقص للرب. فكذلك قولهم: إن الحروف مقترنة وأنه لا يسبق بعضها بعضا تخليط وهذيان مخالفٌ للحِسِّ، وما هو معلوم بالفطرة؛ لأن الكلمة إذا كانت مكونة من حرفين فلا يمكن للمتكلم أن يتكلم بالحرف الثاني إلا بعد الأول، ولا وجود للكلمة إلا بالتعاقب والقول بأنها غير متعاقبة تخليط وهذيان غير متصور، وقولهم: إنه يلزم من ذلك أن تحدث الحروف في ذات الرب، فهذا باطل؛ لأن هذا يلزم بالنسبة للمخلوق أما الخالق فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين؛ لأن الرب لا يشابه المخلوقين لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه. المذهب الرابع مذهب الكلابية: أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب يرون أن كلام الرب معنى قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت أن كلام الرب معنى قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت ولا يسمع، وهو لازم لذاته كلزوم السمع والبصر والعلم فالكلام معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يسمع وهو لازم لذات الرب كلزوم الحياة والسمع وللبصر وهو أربع معانٍ في نفسه: الأمر والنهى والخبر والاستفهام. وأما الحروف والأصوات فهذه الحكاية دالة على كلام الله وليست كلام الله وليس في المصحف كلام بزعمهم بل ما فيه إنما هو حروف وكلمات دالة على كلام الله، وليس هي كلام الله فكلامه الله في نفسه لا يسمع والحروف والأصوات حكاية دالة عليه، وهذا المذهب مبني بأن الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم، وعلى هذا أيضا أن الله ليس محلا الحوادث؛ لأنه لو كان حرفا وصوتا لكان محلا للحوادث ومرارا من ذلك قالوا ليس بحرف ولا صوت، وإنما هي حكاية دالة عليه. ويُنَاقش هؤلاء الكلابية: أنتم تقولون: إن الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله. فحكاية الشيء إنما تكون بالإتيان بمثل الشيء من غير زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير تقول: حكيت الحديث بعينه تريد أن الرواية مطابقة للحديث من غير زيادة ولا نقص، والحروف والأصوات ليست مطابقة للمعنى القائم بنفس الرب فكيف يقال: إنها حكاية لكلام الله. ثانيا: لو كانت الحروف والأصوات حكاية عن كلام الرب كما تزعمون فلزم من ذلك أن تكون صفات الله محكية، وله مثل وشبيه والله ليس له مثل ولا شبيه. ثالثا: لو كانت الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله، لكان الناس قد أتوا بكلام مثل كلام الله، وحينئذ يبطل تحديهم، وقد قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) } وقال أيضا: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) } . فلو كانت الحروف والأصوات حكاية لكلام الله لأتى الناس بمثل كلام الله، وهنا يبطل تحديهم أين عجزهم؟ ورابعا: لو كان الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله للزم عليه أن يحكي بحرف وصوت ما ليس بحرف ولا صوت، وهذا باطل ومذهب الكلابية مذهب باطل. المذهب الخامس: مذهب الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري يقولون: إن الكلام معنًى قائم بنفس الرب بمعنى واحد قائم بنفس الرب ليس بحرف ولا صوت لا يسمع لكنه معنى واحد، شيء واحد، لا يتنوع لأربع أشياء كما يقول الكلابية الذين يقولون بأن الكلام أربع أنواع: الأمر، والخبر، والنهي، والاستفهام.

أما الأشاعرة فيقولون: بأن الكلام معنًى واحد لا يتعدد ولا يتبعض ولا يتجزأ ولا يتكثر، بل هو معنًى واحد، والحروف والأصوات عبارة دالة عليه، فهذا يقول حكاية، وهذا يقول عبارة، وكونه أمر ونهى وخبر واستفهام قالوا: هذه الصفات الإضافية لهذا المعنى الواحد، ولكنها ليست أنواع بل صفات إضافية لذلك النوع الواحد فهو نوع واحد وهم صفات تضيف لهذا المعنى يكون الخطاب أمر يكون أمرا بالإضافة نهيا بالإضافة وخبرا بالإضافة واستفهاما بالإضافة فهي صفة إضافية كما أن الإنسان له صفات إضافية، فأنت شخص واحد توصف بأنك أب بالإضافة إلى أبنائك، وتوصف بأنك ابن بالإضافة إلى آباءك وتوصف بأنك خال بالنسبة لأولاد الأخت. وأنت شخص واحد فهذه الصفات إضافية تسمى أباَ وابنا وعما وخالا بالإضافة كذلك كلام الرب بمعنى واحد، وكونه أمرا ونهيا وخبرا واستفهاما من الصفات الإضافية، وقوله: توراة وإنجيل وقرآن وزبور، قالوا: هذا تقسيم للعبارة للدلالات، لا للمدلول، فالمدلول واحد، وهو المعنى القائم بنفس الرب بحسب العبارة كلام الرب معنى قائم بالنفس لكن إن عبرت عنه بالعربية فهو القرآن، وإن عبرت بالعبرانية فهو التوراة، وإن عبرت عنه بالسيريانية فهو الإنجيل، وإن عبرت عنه بالداودية فهو الزبور، وهو شيء واحد ومعنى واحد فقالوا: إن الحروف تقصير بالنسبة للدلالات والعبارات فالحروف والأصوات عبارة دالة عليه. وبعضهم يرى أنه لا فرق بين مذهب الكلابية والأشاعرة فبعض الأشاعرة يقول: إن المذهب واحد؛ لأن كُلًّا من المذهبين يتفق على أن الكلام معنى قائم بنفس الرب، واتفقوا على أن الحروف والأصوات دالة على كلام الرب فتكون الكلابية قالوا: حكاية والأشاعرة قالوا: عبارة لا يتعلق بغرض علمي فيكون مذهبا الأشاعرة والكلابية متقاربين، ومذهب الأشاعرة هو المذهب الذي يكاد يقنع العقل ويسمون أنفسهم بأهل السنة والجماعة. وفي بعض الأزمنة طبق الأمر أهل السنة إلا عدد قليل منهم فيسمونهم بأهل السنة أيضا فَمُهِم معرفة مذهب الأشاعرة. المذهب السادس مذهب الكرامية: وكان الترتيب أن يكون قبل مذهب الكلابية والأشاعرة وهم أتباع محمد بن كرام يقولون: إن كلام الله حروف وأصوات وألفاظ ومعان قائمة بذات الرب ويتعلق بقدرته ومشيئته، فالحروف ألفاظ ومعان وحروف وأصوات وكلام الله متعلق بمشيئته وقدرته يتكلم متى شاء إن شاء إلا أن الكلام حادث في ذاته كان الكلام ممتنعا عن الرب لا يقدر عليه، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا. فقولهم: إن كلام الرب ألفاظ ومعان، حروف أصوات قائم بذاته، ومتعلق بقدرته ومشيئته فهذا حق، وهو موافق لأهل السنة والجماعة لكن قولهم: إن كلام الرب حادث في ذاته فهذا باطل قالوا: إن الكلام كان ممتنعا عن الله، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا. كان هناك فترة أولا لا يقدر أن يتكلم ثم انتقل فجأة فصار يتكلم، وهذا مَبْنِيّ على أن القول بأن الكلام قديم يوجب أن تتسلسل الحوادث والموجودات. قالوا: لو قلنا بأن كلام الرب قديم ليس حادثا لزم التسلسل في الحوادث والموجودات ولو حدث طريق إثبات الأولية، فلا نستطيع أن نثبت أن الله هو الأول وليس قبله شيء ففرارا من ذلك قالوا: إن الكلام كان ممتنعا على الرب، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا، وهذا باطل أولا أن الكلام صفة كمال، وصفة الرب الكمال، فكيف يخلو الرب من هذا الكمال في وقت من الأوقات؟! وإذا خلا من الكمال صار ذلك نقصا، والله لا يوصف بالنقص كان الكلام ممتنعا أي كان عاجزا عن الكلام فوصفتم الله بالنقص، ونفيتم الكمال عنه، وكيف يكون كلامه ممتنعا، ثم يصير ممكنا؟ إذا كانت حال الرب سواء، ولم تتجدد له صفة الكلام، فكيف يكون الكلام ممتنعا كما قالوا، إذن ما الذي جعله ينقلب من الامتناع إلى الكلام إذا كان ممتنعا كما قالوا؟ إذن ما الذي جعله ينقلب من الامتناع إلى الكلام؟ فإذا كان الرب كاملا في صفاته وذاته وأسمائه، وفيها الكمال، ما الذي يجعل الرب يخلو من هذا الكمال في وقت من الأوقات، ويوصف بالنقص والعجز، وهم لم تتجدد له صفة الكلام ولم يستفدها من غيره، فالرب لم يزل ولا يزال متصفا بالكمال من صفاته وأسمائه. أما القول بأن الطريق ينسد بإثبات الأولية، فنقول: لا ينسد فالله هو الأول، وليس قبله شيء، وهو فعال -سبحانه وتعالى- ويتكلم ويخلق بالكلام، إنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له: كن فيكون، وكل فرد من أفراد المخلوقات مسبوق بالعدم، مخلوق بعد أن كان معدوما خلق الله بقدرته ومشيئته، وإذا وصف كل فرد من المخلوقات بهذا فلا يلزم من ذلك أن يكون هناك فترة يعطل فيها الرب. السابع وهو مذهب الجهمية: وتلقاه منهم المعتزلة فنسب إليهم يقال مذهب الجهمية ومذهب المعتزلة وهو القول بأن كلام الرب ألفاظ ومعان وحروف وأصوات متعلق بقدرته ومشيئته إلا أنه مخلوق خارج عن ذاته، خلقه الرب خارجا عن ذاته فصار به متكلما.

وقولهم: إن كلام الرب ألفاظ ومعان وحروف وأصوات متعلق بقدرته ومشيئته فهذا حق ولكن قولهم: إنه مخلوق فهذا باطل فقالوا: نحن نقول: إن كلام الرب ألفاظ ومعان وحروف وأصوات تتعلق بقدرته فيتكلم متى شاء إذا شاء إلا أن الكلام مخلوق، خلقه خارج عن ذاته فصار به متكلما هذه الحروف والأصوات خلقها خارجة عن ذاته فصار متكلما بها خلقها من الهواء فمن ذلك الجسم ابتدأ الكلام بدأ من الله لا من اللوح المحفوظ، ولا من الجسم. قالوا: إن الله -تعالى- لما نادى موسى من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة قالوا: إن الله خلق الكلام في الشجرة فهي التي قالت: إنما أرى الله رب العالمين، فإذن يقولون: إن الكلام مخلوق خارج ذاته وإن كان ألفاظا ومعان وحروفا وأصوات بمشيئته إلا أنه مخلوق، وهذا المذهب مبني على نفس الصفات عن الرب لئلا يذهب إلى التشبيه والتجسيد مبني على أنه يلزم لإثبات الصفات للرب التشبيه والتجسيد ومشابهة المخلوقات، ففرارا من ذلك نفوا الصفات، نفوا الصفات فرارا من التشبيه والتجسيد. هذه سبعة مذاهب، وكلها باطلة وهي التي تدور في العالم لكن هذه المذاهب مذاهب الاتحادية، ومذاهب الفلاسفة، ومذاهب السالمية، ومذاهب الكرامية هذه كلها مذاهب باطلة واضحة البطلان وليست منتشرة انتشارا كبيرا، وقد رددنا عليها وبقية المذاهب المنتشرة والسائدة: الأشاعرة، والكلابية، فالأشاعرة والكلابية يكادان يكونان مذهبًا واحدًا مذهب الأشاعرة مذهب منتشر طبق الأرض حتى إن كثيرا من الفقهاء وغيرهم مذهبهم يتمشى مع مذهب الأشاعرة. الفقهاء من الحنابلة وغيرهم ومذهب أيضا كثير من الأحناف مذهبهم أشعري بعض الحنابلة حتى صاحب "الروض المربع" أول ما بدأ في الشرح: بسم الله الرحمن فسر الرحمة بالإنعام على طريقة الأشاعرة والإنعام ليست الرحمة، كثير من الفقهاء وغيرهم مذهبهم يتماشى مع مذهب الأشاعرة وقد يوافقهم بعض المحدثين في بعض كالحافظ ابن حجر -رحمه الله- فبعض الصفات أَوَّلَهَا على طريقة الأشاعرة الغضب والرضا والكلام وكذلك النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم يؤول الصفات على طريقة الأشاعرة. والسبب في هذا أن هؤلاء العلماء الفطاحل المحدثين لم يوفقوا لمن ينشئهم على معتقد أهل السنة والجماعة في سن الطلب ظنوا أن هذا هو الحق. المحصلة لهم أعمال عظيمة في خدمة الإسلام لكن هذه الأخطاء صدرت منهم عن اجتهاد لم يتعمدوا، ولم ينشئوا مع مذهب أهل السنة والجماعة، فإذا كان هؤلاء العلماء الكبار وقعوا في الغلط ولم يهتدوا إلى مذهب أهل السنة والجماعة، فإذا قرأت ما في الحديث تجد تأويلاتهم الكثيرة فتذكر أقوال كثيرة تأويل اليد خطأ وتأويل السنة والجماعة ولا يزل، فإذا كان بمعتقد أهل السنة والجماعة ولا يزال فإذا كان العلماء الفطاحل زلوا فأنت يخشى عليك أن تزل، فإذن مذهب الأشاعرة مذهب سائد، وكذلك المعتزلة والجهمية ومذهب أهل السنة والجماعة. تبقى هذه المذاهب الثلاث هي المنتشرة الآن. المذهب الثامن مذهب أهل السنة والجماعة: وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأتباعهم والأئمة وهم أتباع الرسل، وهذا الباب عن الرسل مذهبهم في كلام الرب أن الله موصوف بالكلام وأن الكلام من صفاته الذاتية لاتصافه به في الأزل فالله تعالى موصوف بالكلام أزلا وأبدا فهو من صفاته الذاتية لاتصافه سبحانه به في الأزل، ومن صفاته الفعلية لكون الكلام بمشيئة الرب واختياره فالكلام من صفاته الذاتية ومن صفاته الفعلية فهو من صفاته الذاتية؛ لأن نوع الكلام قديم ومن صفاته الفعلية؛ لأن الله يتكلم بقدرته ومشيئته ويتكلم بما شاء إذا شاء كيف شاء سبحانه، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما. وأن كلام الله ألفاظ ومعانٍ بحرف وصوت يُسْمَع وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما، وأن كلام الرب -سبحانه وتعالى- ليس حالا في المخلوقات ولا متحدا بهم، بل الرب بائن بذاته وصفاته من خلقه منفصل عنهم، والقرآن كلام الله لفظه ومعانيه ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف، وأما ألفاظ العباد وأصواتهم وحركاتهم وأداتهم وأفعالهم فكل ذلك مخلوق بأمر الله عز وجل. هذا معتقد أهل السنة والجماعة في الكلام أن كلام الله من صفاته الفعلية والذاتية أن الله متصف بالكلام أزلا وأبدا، ومن صفاته الذاتية لأنه مُتَّصِفٌ به في الأزل، ومن صفاته الفعلية لكون الكلام واقعا بمشيئته وقدرته هو يتكلم بما شاء كيف يشاء متى يشاء، وأن كلام الله ألفاظ ومعانٍ بحرف وصوت يسمع، وأن نوعه قديم، ولكن الصوت المعين قديم.

وأن الله بائن من خلقه في ذاته وصفاته، وأن كلام الله ليس حالا في المخلوقات بل هو بائن في ذاته وصفاته -سبحانه وتعالى- وكونه يتكلم بمشيئته وقدرته من لوازم ذاته المقدسة -سبحانه وتعالى- والقرآن كلام الله لفظه ومعناه ليس اللفظ دون المعنى، ولا المعنى دون اللفظ، أما ألفاظ العباد وحركاتهم وأدائهم فكل ذلك مخلوق بائن عن الله عز وجل. هذه المذاهب الثمانية هي أبرز المذاهب في كلام الرب، وهذه المذاهب تدور على أصلين: الأصل الأول هل كلام الرب واقع بمشيئته واختياره وقدرته أو بغير مشيئته واختياره، والأصل الثاني هل كلام الرب قائم بذاته ومتصف به أو هو خارج عن ذاته ومنفصل عنه. هذه المذاهب الثمانية كلها تدور على هذين الأصلين، الأصل الأول اختلفوا في ذلك فقال بعضهم: إن كلام الرب واقع بغير مشيئته واختياره، وهم أربعة طوائف: الأولى قالت: إن كلام الرب واقع بغير مشيئته واختياره، وهو معنى يفيض منه على نفس شريفة تتكلم به وهم الفلاسفة. وطائفة قالت: إن كلام الرب معنى قائم به ألفاظ ومعان وحروف وأصوات قديمة في الأزل لم تزل ولا تزال وهم السالمية. وطائفة قالت: بأن كلام الرب واقع بغير مشيئته واختياره وهو معنى قائم بنفسه جامع لأربعة معان: هي الأمر والنهي والخبر والاستفهام وهم الكلابية، وطائفة قالت: إن كلام الرب معنى قائم بنفسه وهو واحد لا يتبعض ولا يتعدد ولا يتكثر وهم الأشعرية هذه أربعة طوائف، وقال بعضهم: إن كلام الرب واقع بمشيئته واختياره، وهم أربعة طوائف: طائفة قالت: إن كلام الرب واقع بمشيئته واختياره، وهو الذي يتكلم به الناس كلهم وهو يسمع من جميع الناس وهم الاتحادية، وطائفة قالت: إن كلام الرب واقع بمشيئته واختياره وهو ألفاظ ومعان وحروف وأصوات إلا أنه حادث في ذاته كائن بعد أن لم يكن وهم الكرامية. وطائفة قالت: إن كلام الرب واقع بمشيئته واختياره وهو ألفاظ وحروف ومعان وأصوات إلا أنها مخلوقة خارجة عن ذاته وهم الجهمية والمعتزلة وطائفة قالت: إن كلام الرب قائم بذاته واقع بمشيئته واختياره وهو قديم النوع حادث الآحاد بحرف وصوت يُسْمَع وهم أهل السنة والجماعة. أما الأصل الثاني: وهو هل كلام الرب قائم بذاته ومتصف به أو خارج عن ذاته ومنفصل عنه، فاختلفوا فيه فقال بعضهم: إن كلام الرب خارج عن ذاته ومنفصل عنه، وهم ثلاثة طوائف: طائفة قالت: إن كلام الرب خارج عن ذاته ومنفصل عنه، وهو معانٍ تفيض على النفوس الفاضلة الذكية وهم الفلاسفة وطائفة قالت: إن كلام الرب خارج عن ذاته ومنفصل عنه، وهو الذي يتكلم به الناس كلهم حقه وباطله وهم الاتحادية. وطائفة قالت: إن كلام الرب خارج عن ذاته ومنفصل عنه وهو هذه الحروف والأصوات خلقها خارجة عن ذاته فصار بها متكلما، وقال بعضهم: واقع بذاته متصف به، وهم خمس طوائف: طائفة قالت: إن كلام الرب قائم بذاته متصف به وهو ألفاظ ومعان وحروف والأصوات لم تزل، ولا تزال، وهم السالمين. وطائفة قالت: إن كلام الرب قائم بذاته ومتصف به وهو ألفاظ ومعانٍ وحروف وأصوات إلا أنه حادث في ذاته كائن بعد أن لم يكن، وهم الكرامية. وطائفة قالت: إن كلام الرب قائم بذاته ومتصف به، وهو معنى جامع لا معانٍ هي الأمر والنهي والخبر والاستفهام، وهم الكلابية. وطائفة قالت: إن كلام الرب قائم بذاته ومتصف به وهو معنى واحد لا يتعدد ولا يتبعض ولا يتجزأ ولا يتكثر وهم الأشاعرة. وطائفة قالت: إن كلام الله قائم بذاته ومتصف به وهو قديم النوع حادث الآحاد وهم أهل السنة والجماعة فتبين بهذا أن هذه المذاهب ترجع لهذين الأصلين. والذين أثبتوا الصوت في كلام الله خمس طوائف: طائفة قالت: إن كلام الله بصورة وهو الذي يتكلم به للناس كلهم وهم الاتحادية. وطائفة قالت: إن كلام الله بالصوت وهذه الحروف والأصوات خلقها خارجة عن ذاته فصار بها متكلما، وهم الجهمية والمعتزلة. وطائفة قالت: إن كلام الله بالصوت حادث في ذاته كائن بعد أن لم يكن وهم الكرامية. وطائفة قالت: إن كلام الله بصوت، وهو ألفاظ معان لم تزل، ولا تزل في الأزل وهم السالمية، وطائفة قالت: إن كلام الله بالصوت قديم النوع وحادث الآحاد وهم أهل السنة والجماعة. والذين لم يثبتوا الصوت ثلاث طوائف: طائفة قالت: إن كلام الله ليس بصوت وهو معنى يفيض على النفس الشريفة فتتكلم بها وهم الفلاسفة. وطائفة قالت: إن كلام الله ليس بحرف ولا صوت لكنه معنى جامع لأربع معان: الأمر والنهى والخبر والاستفهام وهم الكلابية. وطائفة قالت: إن كلام الله ليس بصوت، وهو معنى واحد لا يتجزأ ويتعدد ولا يتبعض ولا يتكثر وهم الأشاعرة. هل الصوت المسموع من كلام الله هل يقال: إنه مخلوق أو غير مخلوق؟ هذا فيه تفسير إن أُرِيدَ به الصوت المسموع عن الله، فهذا كلام غير مخلوق، وإذا أريد به الصوت المسموع عن المبلغ ففيه تفصيل. وإن أريد به الصوت الذي روي به كلام الله فهذا مخلوق، وإن أريد به الكلام المُؤَدَّى بالصوت فهذا كلام الله.

ومسمى الكلام اختلفوا فيه هل اللفظ أو المعنى؟ قال بعضهم: إن مسمى الكلام حقيقة في المعنى مجاز في اللفظ وهم الأشاعرة، والأصل في الكلام المعنى، وأما اللفظ مجاز. وقيل: إن الكلام حقيقة في اللفظ مجاز في المعنى، وهذا مذهب المعتزلة، وقيل: إن الكلام حقيقة في كل من اللفظ والمعنى فإطلاقه على المعنى وحده حقيقة وإطلاقه على اللفظ حقيقة، وهذا مذهب ابن علي الجويني: وقيل إن الكلام حقيقة في اللفظ والمعنى على سبيل الجواز فإطلاقه على أحدهما إطلاقه على جزء معناه، وإطلاقه عليهم على سبيل الجمع إطلاق على كل معناه. وهذا هو الذي عليه أكثر العقلاء وهو: الصواب مسمى الكلام اللفظ والمعنى، ليس مسمى الكلام اللفظ فقط، كما تقول المعتزلة، ولا مسمى الكلام المعنى كما تقول الأشاعرة، ولا مسمى اللفظ وحده والمعنى وحده كما يقول ابن علي الجويني فمسمى الكلام اللفظ والمعنى. بسم الله الرحمن الرحيم وقيل: إن الكلام حقيقة في كل من اللفظ والمعنى، فإطلاقه على المعنى وحده حقيقة، وإطلاقه على اللفظ حقيقة، وهذا مذهب أبي علي الجويني، وقيل: إن الكلام حقيقة في اللفظ والمعنى على سبيل الجمع، فإطلاقه على أحدهما إطلاق على جزء المعنى، وإطلاقه عليهما على سبيل الجمع إطلاق على كل المعنى. وهذا هو الذي عليه أكثر العقلاء، وهو الصواب أن مسمى الكلام اللفظ والمعنى، ليس مسمى الكلام اللفظ فقط كما تقول المعتزلة، ولا مسمى الكلام المعنى كما تقول الأشاعرة، ولا مسمى اللفظ وحده والمعنى وحده كما يقول أبو علي الجويني. فالمسمى الكلام واللفظ والمعنى، لكي أتكلم أو كلام أو هذا الكلام اسم للفظ والمعنى. حقيقة مذهب أهل السُّنة والجماعة في كلام الرب عز وجل أن كلام الله محفوظ في الصدور مقروء بالألسن مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور معلوم في القلوب، مقروء مسموع بالآذان، وهو في هذه المواضع كلها حقيقة. فإذا قيل في المصحف كلام الله فُهم منه معنًى حقيقي، وإذا قيل فيه مداد كتب به فهم منه معنى حقيقي، وإذا قيل: في المصحف خط فلان الكاتب فهم منه معنى الحقيقية. وإذا قيل المداد في المصحف فالظرفية فيه غير الظرفية المفهومة من قولك: فيه السماوات والأرض وفيه محمد وعيسى، وهي غير الظرفية المفهومة من قولك: فيه خط فلان الكاتب، وهي غير الظرفية المفهومة من قولك: فيه مداد كتب به، وهي غير الظرفية المفهومة من قولك: في المصحف كلام الله. هذه كلها حقائق فالمصحف فيه كلام الله، وفيه خط فلان، وفيه مداد كتب به وفيه محمد وعيسى يعني ذكر محمد وعيسى وفيه السماوات والأرض أي ذكر السماوات والأرض. ومن لم يتنبه لهذه الفروق ضل ولن يهتدي إلى الصواب، وكذلك لا بد من الانتباه للفرد بين القراءة والمقروء فالقراءة فعل القارئ والمقروء كلام الرب. وقد استدل الإمام البخاري -رحمه الله- في كتابه الصحيح على أن أفعال العباد مخلوقة في نصوص التبليغ على أن أفعالهم -ومن ذلك كلامهم وأفعالهم وأصواتهم- كلها مخلوقة، استدل بنصوص التبليغ كقوله سبحانه: {* يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وقوله: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} وهذا من رسوخه في العلم، فإن ذلك يتضمن أصلين عظيمين ضل فيها أهل الزيغ: الأصل الأول: أن المبلغ ليس له من الكلام إلا مجرد التبليغ فليس مُنْشِئًا ولا محدثًا للكلام؛ إذ لو كان الكلام من عنده لكان مُنْشئًا محدثًا للكلام ولم يكن مبلغًا؛ فالمبلغ إنما يبلغ كلام غيره إذا قرأت: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) تقول هذا كلامك أو كلام الرسول؟ كلام الرسول. وإذا قرأت قول امرئ القيس:- قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل تقول هذا كلام امرئ القيس، أنت مبلغ عنه، والكلام لامرئ القيس ليس لك. (إنما الأعمال بالنيات) - الكلام للرسول ليس لك، فالمبلغ إنما يبلغ كلام غيره. الأصل الثاني: أن التبليغ فعل المبلغ وحقيقته أن يورد إلى الموصل إليه ما حمله إليه غيره فله مجرد التبليغ، قد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله- في الصحيح في كتاب التوحيد باب قراءة الفاجر والمنافق لا تجاوز حناجرهم، أراد من ذلك أن أفعال العباد وقراءتهم وأصواتهم مخلوقة، هم يقرءون كلام الله بأصواتهم فأصواتهم وقراءتهم هي أفعالهم، والمقروء كلام الله.

وحقيقة كلام الله الخارجية هي ما يسمع منه أو من المبلغ عنه حقيقة كلام الله الخارجية ما يسمع منه كما سمعه جبرائيل، وكما سمعه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكما سمعه موسى وكما يسمعون نص كلام الله يوم القيامة، فحقيقة كلام الله الخارجية هي ما يُسمع منه أو من المبلغ عنه، فإذا سمعه السامع فكلام الله له مسموع، وإذا علمه وحفظه فكلام الله له محفوظ، وإذا قرأه فكلام الله له مقروء، وإذا كتبه فكلام الله له مكتوب، وهو حقيقة في هذه المواضع كلها لا يصح نفيها، ولو كان مجازًا صح نفيه. ولو كان مجازًا لقيل ما قرأ القارئ كلام الله، وما كتب الكاتب كلام الله، وما سمع السامع كلام الله أو ما حفظ الحافظ كلام الله وهذا حق لأن ده فيه خطأ فهو حقيقة في هذه المواضع كلها. فكلام الله محفوظ في الصدور، معلوم في القلوب، مقروء بالألسن، مكتوب في المصاحف، والفرق بين كون القرآن في زبر الأولين، وبين كون القرآن في لوح محفوظ، وفي كتاب مكنون، وفي رق منشور واضح فإن معنى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) } يعني: ذكره ووصفه والإخبار عنه، وفي زبر الأولين في كتب الأولين، فالقرآن في الإنجيل والتوراة ذكره وخبره، والوصف عنه وليس المراد أن القرآن نزل في التوراة والإنجيل؛ لأن القرآن إنما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم كما أن فيه خبر النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ما ترى في رق منشور في لوح محفوظ في كتاب مكنون يعني مكتوب فيه؛ ولهذا قال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- في كتابه، في رسالة سماها "الفقه الأكبر" قال ما معناه: "وكلام الله في المصاحف مكتوب، وعلى الألسن مقروء، وفي القلوب محفوظ، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم منزل، ولفظنا في القرآن مخلوق والقرآن غير مخلوق، وما ذكر الله في القرآن عن موسى -عليه الصلاة والسلام -وعن إبليس وفرعون كذلك كلام الله إخبارًا عنهم، وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق. وكلام الله ليس ككلام المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويتكلم لا ككلامنا"، أو كما قال رحمه الله. والأدلة على ثبوت كلام الرب عز وجل وأن الله يتكلم بحرف وصوت، وأن الله موصوف بالكلام كثيرة منها قول الله عز وجل ... منها: تكلم الله -سبحانه وتعالى- كلام الله لأنبيائه ورسله، وكلام الله مع أهل الجنة قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) } وقال: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} وقال: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) } . ومن السنة ما ثبت في الحديث الذي رواه ابن ماجه: (بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم فإذا الرب -جل جلاله- قد أشرق عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، فلا يزالون في نعيم حتى يتوارى عنهم فطاب بركة ونورًا) أو كما جاء في الحديث، والحديث وإن كان فيه ضعف إلا أن له شواهد. ومن الأدلة على أن الله يتكلم، وأن الكلام قائم به قول الله -تعالى- {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عذابٌ أَلِيمٌ (77) } نفى التكليم عنهم عن أعدائه قال: لا يكلمهم أي لا يكلمهم كلام الله تكليم بل يكلمهم كلام سخط وغضب كما أخبر الله أنه يكلم أهل النار ويقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) } . ونفي الكلام عن أعداء الله يدل على أن الله يكلم عباده مقررًا، ولو كان لا يكلمهم لتساووا هم وأعدائه في عدم الكلام، أي: لو كان لا يكلم أعدائه فسخطه عليهم فهو يكلم أولياءه لرضاه عنهم. ومن الأدلة قول الله -تعالى- أو قول النبي في الحديث الصحيح: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر) فالنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بكلمات الله، فدل على أن كلام الله غير مخلوق كما تقول المعتزلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق. فالبخاري -رحمه الله- بَوَّبَ في صحيحه: باب كلام الرب مع أهل الجنة وغيرهم وذكر فيه عدة أحاديث. ومن الأدلة العقلية على أن الرب يتكلم والكلام قائم به: أن الكلام صفة كمال، والرب -سبحانه وتعالى- لا يخلو من الكلام فلا بد أن يتصف الرب بالكلام، فالكلام صفة كمال، فلا يخلو الرب من هذا الكمال، وعدم الكلام نقص ينزه عنه الرب كما قال الله -تعالى- عن العجل وعُبّاده: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} وقال في الآية الأخرى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) } .

فعلى أن عدم الكلام نقص يستدل به على عدم ألوهية العجل، فالعجل ما يتكلم، بنو إسرائيل عبدوا العجل قال الله -تعالى- {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ} . هذا نقص يستدل به على عدم ألوهية العجل، فنفي رجوع القول يدل على عدم ألوهية العجل، وبنو إسرائيل سكتوا ما قالوا: إن الله لا يتكلم فهم في هذه الخصلة أحسن من المعتزلة، المعتزلة قالوا: إن الله لا يتكلم، والكلام مخلوق، وأما بنو إسرائيل الذين عبدوا العجل ما قالوا: ربك لا يتكلم لما قيل لهم: إن العجل لا يتكلم ما قالوا: وربك لا يتكلم فكانوا في هذه الخصلة أحسن من المعتزلة. ومن الأدلة على أن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد قول الله -تعالى-: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) } وفي الآية الأخرى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ} فقوله "محدث" صريح في حدوث آحاد كلام الله، ولا يفهم من ذلك أن تحل الحوادث في ذات الرب؛ لأن كلام الله لا يماثل كلام المخلوقين، إنما كلام المخلوقين هو الذي يلزم منه الحدوث في ذواتهم، أما كلام الرب فلا يماثل كلام المخلوقين. ومن الأدلة أيضًا على أن كلام الله آحاده حادثة قول الله -تعالى-: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) } الله -تعالى- أخبر عن سماعه لكلام المجادلة بلفظ الماضي "سمع" وهذا يدل على أن المجادلة والجدال الذي حصل كان قبل نزول الآية. ثم نزلت الآية بعد المجادلة فدل هذا على نزول الآية، وأن الرب تكلم في هذه الآية بعد حصول الحادثة، وهي المجادلة. فالمرأة التي جاءت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم في زوجها هي خولة بنت حكيم لما ظاهر منها قالت: (أشكو إلى الله صبية إن ضممتهم إليّ ضاعوا أو إليه جاعوا وجعلت تجادل النبي فيقول: "ما أرك إلا حرمت عليه" فجاءت تشتكي إلى الله فقالت: أشكو إلى الله صبية (أولادها الصغار) إن ضممتهم إلي ضاعوا أو إليه جاعوا قالت عائشة -رضي الله عنها- إنه يخفى علي بعض الكلام من المرأة سبحان من وسع سمعه الأصوات) لكن الله سمع كلامها من فوق سبع سماوات وأنزل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} . فهذا دليل على أن آحاد كلام الله حادثة متى تكلم الله، قد سمع تكلم بعد حصول القصة بعد المجادلة، فهذا دليل على حدوث آحاد كلام الله، وأن كلام الله وإن كان قديم النوع لكن أفراده حادثة، ومثل قول الله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) } فالله أخبر عن خروج نبيه صلى الله عليه وسلم أول النهار بلفظ الماضي قد غدوت، وهذا يدل على سبق التبوؤ للخبر يعني أن النبي خرج أول النهار وبوأ المؤمنين مقاعد للقتال ثم أنزل الله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} فالتبوؤ والخروج سابق لنزول الآية، وهذا يدل على أن كلام الله أفراده حادثة. ومثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ} "ثم" تفيد الترتيب والتراخي، فالخلق والتصوير خلق آدم وتصويره سابق ثم تكلم الله قال للملائكة: اسجدوا لآدم. والأدلة في هذا كثيرة، والمعتزلة لهم شُبَهٌ في قولهم: إن كلام الله مخلوق وهي موجودة الآن ومنتشرة في فكر تراه، مذهب الأشاعرة والمعتزلة يدرس الآن في بعض البلدان العربية ولهم مؤلفات موجودة حتى كثير من المفسرين الآن غلطوا في هذا فالزمخشري كتابه "الكشاف" مبني على هذا حتى قال البلقيني: "استخرجت من الكشاف اعتزالًا بالمناقيش" بالمنقاش خفي منها أنه قال في قوله عز وجل {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ} قال: أي فوز أعظم من الجنة هو قصده بذلك إمكان رؤية الله يوم القيامة الرؤية أعظم نعيم وهو الجنة. إذا كانت كتب التفسير الآن موجود فيها مذهب المعتزلة فقد يقرأ طالب العلم وينطلي عليه فلا بد لطالب العلم أن يكون على إلمام ببعض الشبه، فمذهب المعتزلة ومذهب الأشاعرة مذهبان منتشران، ومذهب الأشاعرة أكثر ولهم شُبَه، ونحن حينما نستعرض يعني شيئًا من شبههم حتى يكون طالب العلم على شيء من الإلمام بشبههم والرد عليها. من شبه المعتزلة العقلية أنهم يقولون: إنه يلزم من إثبات الكلام لله التشبيه والتجزيء لو قلنا: إن الله يتكلم والمخلوق يتكلم تشابه الخالق والمخلوق والله ليس كمثله شيء.

والجواب عن هذه الشبهة أن نقول: إننا إذا قلنا: إن الله يتكلم، ولا نعلم كيف يتكلم زالت هذه الشبهة نقول: إن الله يتكلم ليس ككلام المخلوق يتكلم، ولا نعلم كيف يتكلم الله ليس له مثيل لا في ذاته، ولا في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله هو يتكلم، ولا نعرف كيف يتكلم قالوا: لو قلنا: إن الله يتكلم لزم من ذلك صوت يخرج من الرئة يكون أضراس يلزم من الكلام أضراس وأسنان ولسان ولثة وشفتان، والله منزه عن ذلك فلا نقول: إن الله يتكلم حتى لا يشابه المخلوقين الذين يتكلمون بألسنتهم ويخرج الكلام من الرئة. وكذلك أيضًا من الشفتين ومن الأضراس والحروف منها ما يخرج من الأضراس الخ ففرارًا من ذلك قالوا: لا يتكلم نقول: إن الله يتكلم ولا نعلم كيف يتكلم، ونحن نرى بعض المخلوقات تتكلم، ولا نرى كيف تتكلم فهذه الجلود تنطق يوم القيامة والأرجل والأيدي تشهد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ نختمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) } وقال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} هل الجلود والأيدي والأرجل لها لسان ولها شفتان ولها أضراس؟ قال تتكلم بلا بدون شيء بدون أضراس وأسنان ولا شفة ولا رئة كيف تتكلم؟ كيف تتكلم الجلود كيف تتكلم الأرجل؟ ما نعلم. كذلك ثبت تسبيح الحصا والطعام بين يدي النبي-صلى الله عليه وسلم- يسبح الحصا والطعام كيف يتكلم الحصا والطعام هل لها أضراس وأسنان، وقال: (إني أعرف الحجر يسلم علي بمكة -عليه الصلاة والسلام) -كذلك الجذع حنَّ وصاح وبكى مثل بكاء الصبي وجعل يهدئه فجعل يهدأ شيئًا فشيئًا كما يهدأ الصبي، الجذع له لسان؟ . إذا كانت بعض المخلوقات تتكلم، ولا نعلم كيف تتكلم فمن باب أولى أن الله يتكلم ولا نعلم كيف يتكلم، وعلى هذا تبطل هذه الشبهة من شبههم يقولون إن الله خلق الكلام في محل لا في محل عند بعضهم وفي محل آخر عند بعضهم مخلوق أضيف إلى الله نقول لهم: الذين يقولون: إن الكلام خلق لا في محل كيف يكون الكلام مخلوقًا لا في محل الكلام معنى من المعاني لا بد أن يقوم بغيره محال أن يكون الكلام مخلوقًا لا في محل. ونقول للطائفة الثانية الذين يقولون: إنه خلق في محل لكنه أضيف إلى الله فصار الله متكلمًا به نقول كيف يكون الكلام قائمًا بغير ذات الرب، ويكون متصلًا به، الكلام لا بد أن يكون بمتكلم كيف يقولون: إن الكلام مخلوق خارج عن ذات الله فصار الله به متكلمًا لو صح الله أن يوصف الله بكلامه صفات لم تقم به لصح أن يوصف فيما خلقه في غيره من المخلوقات من الصفات من الروائح والألوان والطعوم والطول والقصر لو صح أن يتكلم الله بكلام قام بغيره للزم أن يكون ما خلقه في غيره من الحيوانات، وما أحدثه من الجمادات كلامًا له كما فرض ذلك الاتحادية وهذا باطل. وكيف يوصف الله بصفة قامت بغيره لو صح أن يوصف الله بصفة قامت بغيره لو صح أن يوصف الشخص بصفة قامت بغيره لصح أن يقال للأعمى بصير، ولصح أن يقال للبصير أعمى؛ لأن الأعمى قام وصف البصر بغيره والبصير قام وصف العمى بغيره وهذا باطل لو كان الكلام بدأ من الله بدأ من غيره وقام به متكلمًا لكان قول فرعون {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } صدقًا وهذا باطل. ومن شُبَههم يقولون: إن الكلام كلام الله مخلوق لكنه أضيف إلى الله إضافة تشريف وتكريم، كما أن البيت بيت الكعبة أضيف إلى الله للتشريف بيت الله والناقة أضيفت إلى الله ناقة الله تشريف والعبد عبد الله أضيف إلى الله تشريف والروح أضيف إلى تشريف، كذلك الكلام أضيف إلى الله وإن كان مخلوقًا كغيره للتشريف والتكريم هذه من شبههم. والجواب أن هذه الشبهة باطلة وذلك أن المضاف نوعان: النوع الأول أعيان قائمة بذاتها كالبيت والعبد والرسول والروح قال عبد الله، روح الله عيسى روح الله وكلمته، هذا بيت الله ناقة الله هذه إضافة مخلوق إلى خالقه لأنها أعيان قائمة البيت عين قائم بنفسه، الناقة عين قائمة بنفسها، العبد عين قائم بنفسه الروح عين قائم بنفسها، فإذا أضيفت إلى الله فهي إضافة مخلوقة إلى خالقه، وهذه الإضافة للتشريف والتكريم وتقتضي هذه الإضافة التشريف والتكريم لما امتاز به ذلك المضاف من الصفات. النوع الثاني إضافة معاني وأوصاف لا تقوم بنفسها كالعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام هل هذه تقوم بنفسها هل الكلام ذات قائم بنفسه هل العلم ذات قائم بنفسه، هذه إضافة صفة إلى موصوف إضافة معاني إلى الموصوف وتقتضي هذه الإضافة اتصاف الموصوف بهذه الصفات وقيامها به وهذا فرق بديهي لا ينكره إلا من أنكر المحسوسات.

هذه من أبرز الشبه التي يشبه بها المعتزلة الذين يقولون: إن القرآن ليس كلام الله وإنما هو مخلوق خلقه في غيره فصار به متكلمًا، وبهذا القدر نكتفي ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله، يقول السؤال: فضيلة الشيخ س- أليس من الغلط أن تبين الحوادث للربط جملة لاحتمال هذا البحث معنى حق كما يحتمل معنى باطلًا، وعلى هذا فعلى من ينتسب إلى مذهب أهل السنة أن يستفصل عن المراد فإن أريد بحلول الحوادث أن الرب يشبه المخلوقين فإن هذا المعنى يحمل على الرب سبحانه، وإذا أريد يشبه المخلوقين فإن هذا المعنى يحمل على الرب سبحانه، وإن أريد بحلول الحوادث اتصاف الرب بصفات اختيارية فإن هذا المعنى يحمل بكون الرب سبحانه يتصف بصفات اختيارية متى شاء؟ . ج - نعم هذا قلناه، قلنا: إن قولهم يلزم من ذلك حلول الحوادث بالرب ارتبط بكل هذا في الدرس الماضي ذكرنا كل هذا أنه يستفسر إن أردتم أنه يتصف بقيام الحوادث وأنه يحل في شيء من مخلوقاته هذا باطل، وإن أردتم أنه يتصف بالصفات الاختيارية مثل الخلق والتصوير والطي والاستواء والنزول فهذه المعاني ثابتة لله ومتصف بها، ولا يضرنا تسميتكم إياها بأنها حوادث، نعم هذا التفصيل لا بد منه وبيَّنَا هذا. س- يقول السائل: كيف أجمع بين أن آحاد كلام الله حادثة كما في قصة المجادلة، وأن كلام الله حدث بعد سماع التي تجادل في زوحها، وبين أن القرآن نزل جملة واحدة في اللوح المحفوظ، ثم نزل منجمًا للحوادث؟ ج- أنت أجبت على السؤال نزل منجمًا على الحوادث منجم يعني نجومًا منجمًا على حسب الحوادث، وهذه من الحوادث، أما القول هذا مروي عن ابن عباس أن الكلام نزل جملة واحدة إلى اللوح المحفوظ هذا قول ابن عباس، وقد يقال إن هذا يتمشى مع مذهب الأشاعرة؛ لأن الأشاعرة كما سيأتي يقولون: إن الكلام معنى قائم بنفس الرب، وأن جبريل ما سمع كلام الله لكن الله اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر عنه وأحيانًا يقولون: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ فالقول فيه كلام. ورد عن ابن عباس أن القرآن أنزل جملة واحدة إلى بيت العزة، ثم أنزل منجمًا على حسب الحوادث فهذا فيه نظر. قول ابن عباس: وقوله ثم نزل منجمًا على حسب الحوادث هذا هو الجواب يعني أنه إذا حدثت حادثة تكلم الله كما في قصة المجادلة هذا هو التنزيل، التنزيل نزوله شيئًا بعد شيء كلام الله نزول القرآن شيئًا بعد شيء على حسب الحوادث نعم أحسن الله إليكم. س - هل كلام الأنبياء الموجود في القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ ج- مثل ما سبق عن الإمام أبي حنيفة يقول ما ذكر الله في القرآن عن موسى وعن الأنبياء هذا كلام الله إخبارًا عنهم ما في القرآن قال الله عن موسى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} هذا كلام الله إخبارًا عن موسى أما كلام موسى الذي يتكلم به مخلوق لكن ما أخبر الله في القرآن عن موسى فهذا كلام الله إخبارًا عن موسى ما أخبر الله في القرآن عن فرعون أنه قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } هذا كلام الله إخبارًا عن فرعون ما أخبر الله عن إبليس أنه قال امتنع عن السجود لآدم هذا كلام الله إخبارًا عن إبليس، أما كلام فرعون في زمانه هذا مخلوق، وكلام إبليس حينما يتكلم مخلوق، لكن ما ذكر الله في القرآن هذا كلام الله إخبارًا عنهم لا يلتبس الأمر. س - يقول السائل: هلا بينتم لنا الفرق بين قول السالبية في القرآن وقول الكلابية إذ إن ظاهرهما التشابه. ج- هناك فرق واضح، السالبية يقولون: القرآن كلام الله ألفاظ ومعان وحروف وأصوات، حرف وصوت موجود في الأزل لا يتعلق الكلام بقدرته ومشيئة تقول لم يزل الرب يتكلم {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} قد سمع الله قول التي تجادلك في الأزل مستمر الكلام هكذا يقولون ألفاظ ومعان وحروف وأصوات تسمع. أما الكلابية فهناك فرق بينهم من جهتين: الكلابية لا يقولون: إن كلام الله اللفظ والمعنى بس المعنى فقط، وكذلك الأشاعرة والسالبية يقولون اللفظ والمعنى. ثانيًا: أن الكلابية يقولون: إن كلام الله حرف وصوت يسمع والكلابية والأشاعرة يقولون: كلام الله ليس بحرف ولا صوت الحروف والأصوات هذه مخلوقة، والكلام معنى قائم بنفس الرب لا يسمع خبط خبط واضح نعم. أحسن الله إليك. س- يقول السائل: من المعروف أن القول بأن الكلام صفة ذاتية فعلية من كلام المتأخرين وكان المتقدمون يقولون بأنه صفة فعلية فهل هم مخطئون؟ ج - ما قالوها، ما قالوا هذا المتقدمون لم يبتلوا بأهل البدع فهم يقولون القرآن كلام الله ويسكتون لكن لما جاء أهل البدع وتكلموا بكلام الباطل بيَّن العلماء أن كلام الله قديم النوع وهو صفة ذاتية وحادث الآحاد نعم. أحسن الله إليكم س- يقول السائل ما معنى أن أفراد كلام الله حادثة؟

ج- على ظاهره أفراد الله يعني حينما يتكلم تأتي المجادلة وتكلمت، تكلم الله حدث الكلام تكلم الله يعني وقع في مشيئته وقدرته يكلم الله الناس يوم القيامة يكلم جبريل، أما نوع الكلام أزلي لم يزل الرب يتكلم. أحسن الله إليكم. س- يقول السائل: إن البعض يشككون في نسبة كتاب "الفقه الأكبر" للإمام أبي حنيفة النعمان؛ لأن فيه مسائل لم تكن في زمانه فما صحة ذلك؟ ج- ما أعلم هذا، التشكيك هذا كثير الطلبة المتأخرون يشككون في كل شيء. قالوا "الفقه الأكبر" ليس للإمام أحمد، وقالوا كذلك "الرسالة" ليست للإمام أبي حنيفة، رسالة "الصلاة" ليست للإمام أحمد، ورسالة "الزنادقة" ليست للإمام أحمد قال بعض البدع لا يريدون أن تثبت؛ لأن فيه ردا عليهم، هذا التشكيك يحتاج إلى دليل، أما كل من شكك، وقال: إن هذا ليس كلام لا يقبل منهم إلا بدليل نعم. أحسن الله إليكم. س- هل يجوز القول بأن الأشاعرة من الفرق الثلاث والسبعين التي مأواها النار بسبب مخالفتها لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل يخص ذلك علماءهم. ج- الله أعلم بهذا لكن الأشاعرة أقرب المذاهب إلى السنة وهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة. وأما مسألة كونهم متوعدون يختلف هذا قد يكون إنسان عالم اجتهد وأداه اجتهاده ولم يتعمد يكون معذور كالعلماء كالمحدثين فالحافظ ابن حجر والنووي وغيرهم رحمهم الله هؤلاء علماء خدموا السنة ونفعوا الأمة هل لهم هذه الهفوات هذه الأخطاء غير متعمدة اجتهدوا ولم ينشئوا من قبل مشايخهم على معتقد أهل السنة وأظن أن هذا هو الحق نعم. أحسن الله إليكم. س- هل رجع أبو الحسن الأشعري في ما فعل في كلام الله تعالى؟ ج- نعم رجع لكن بقيت عليه بعض الأشياء كما ذكرنا، في الجملة رجع، كما بين في كتاب "الإبانة" كان على طريقة الأشاعرة لكن أتباعه ما رجعوا لكن بقيت عليه بعض الأشياء نعم. أحسن الله إليكم. س- لماذا لا نستعمل كلمة أزلي في العبارة التالية: كلام الله أزلى النوع حادث الآحاد تفاديًا لاستعمال كلمة القِدَم التي لا تعبر عن أزلية الصفة خاصة وأنكم قد نبهتم عن كلمة قديم في حق الرب سبحانه. ج- نعم قديم هذا لا يوصف به الرب هذا مثلًا نقول سلطانه القديم هذا وصف وصف للكلام ليس أما وصف الرب معروف هو الأول ليس قبله شيء لكن العلماء يقولون قديم النوع في معنى أنه مراد، له ولهذا قلنا: إن الرب موصوف بالكلام أزلًا وأبدًا، أزلًا وأبدًا، هذا يعني العبارة يتساوى وسلطانه القديم. لذا نعرف أن الرب متكلم به لم يزل الكلام صفة له أزلًا وأبدًا نعم قديم النوع يعني ليس له بداية. أحسن الله إليكم. س- ورد في تفسير ابن كثير عند كثير عن قول الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) } قال المصنف: بأيد أي بقوة، فهل هو من تأويل الصفات؟ وهل يجوز جمع يد على أيد؟ ج - ليست منها ليست من تأويل الصفات ليست هذه من الصفات من أيد من أدى يأيد بقوة وقدرة إنما اليد التي يثبت في قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} أما هذا من آد يأيد من قوة بأيد! بقوة ليس المراد اليد التي هي الصفة. نعم وليس هذا من التأويل. أحسن الله إليكم وجمعنا بكم على طاعته وصلى الله وسلم على نبينا محمد وفق الله الجميع لطاعته.

تابع قوله (وإن القرآن كلام الله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فلا يزال الحديث موصولًا عن صفة الكلام وقلنا: إن هناك ثلاثة مذاهب منتشرة في مسألة الكلام انتشارًا عظيمًا، وهي مذهب أهل السنة والجماعة، ومذهب المعتزلة، ومذهب الأشاعرة. سبق الكلام على مذهب أهل السنة وأدلتهم، واستعرضنا بعض الشُّبَه للجهمية والمعتزلة الشبه العقلية؛ ولهم شبه شرعية بالأدلة بنصوص من الكتاب والسنة من شبه شرعية، استدلوا على ما ذهبوا إليه من أن القرآن مخلوق، وأن كلام الله مخلوق استدلوا بقول الله --عز وجل-: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فوجه الاستدلال أنهم قالوا: إن كل من صيغ العموم فتعم كل شيء {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ويدخل في هذا العموم صفة الكلام، ويدخل في هذا العموم صفة الكلام فيكون الكلام مخلوقًا فيكون القرآن مخلوقًا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} والقرآن شيء من الأشياء، وكلام الله شيء من الأشياء فيكون مخلوقًا. أجاب أهل السنة والجماعة عن هذه الشبهة بأجوبة: الجواب الأول: أن الخالق -سبحانه وتعالى- اسم الخالق يشمل الذات والصفات فصفاته ليست خارجة عن مسمى ذاته فالله -سبحانه وتعالى- بذاته وصفاته هو الخالق، وما سواه مخلوق، فهو الخالق بذاته وصفاته، وكلامه صفة من صفاته ليست خارجة عن مسمى اسمه فالله هو الخالق بذاته وصفاته وما سواه مخلوق. ويقال للمعتزلة: كيف أدخلتم كلام الله الذي هو صفة من صفاته في هذا العموم وأخرجتم أفعال العباد فقلتم: إن الله لم يخلقها مَن الذي أخرج أفعال العباد عن هذا العموم هذا يدل على أنكم أهل هوى، كيف أخرجتم من هذا العموم أفعال العباد {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} للذوات والصفات والأفعال وأفعال العباد داخلة في هذا العموم فتكون مخلوقة، فكيف أخرجتموها عن عموم الكل وأدخلتم في هذا العموم الكلام الذي هو صفة من صفاته؟ وهذا يدل على أن المعتزلة أصحاب هوى متناقضون كيف يدخلون في هذا العموم صفات الله، صفة الكلام الذي هو صفة من صفات الله الذي هو داخل في مسمى اسمه، ويخرجون عن هذا العموم أفعال العباد فيقولون: إنها ليست مخلوقة لله بل هو خالق لها، هذا يدل على أنهم أهل هوى. الجواب الثاني: أن الكلام صفة من صفات الله، به تكون المخلوقات فالله تعالى يخلق بالكلام قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) } وقد فرق الله -سبحانه وتعالى- بين الخلق والأمر فقال: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} فالخلق شيء والأمر شيء آخر، فلو كان الكلام مخلوقًا ولو كان الأمر مخلوقًا للزم أن يكون مخلوقًا بأمر آخر، والآخر بآخر إلى ما لا نهاية فيلزم التسلسل وهو باطل، ويتبين بهذا أن الكلام صفة من صفات الله به تكون المخلوقات؛ لأن الله يخلق كل شيء {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) } . والجواب الثالث: أن عموم كل في كل موضع بحسبه فلما قال الله عز وجل في الريح التي أهلك الله بها عاد {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} تدمر كل شيء هذه من صيغ العموم؛ لكن العموم في كل موضع بحسبه بدليل أن هناك بعض الأشياء ما دمرتها؛ ولهذا قال سبحانه: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} فالمساكن ما دمرتها الريح ولا دمرت الريح السماوات والأرض فالمعنى -والله أعلم- {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} يصلح للتدمير أو يستحق التدمير عادة. ومثل قول الله عز وجل عن ملكة سبأ: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} هناك أشياء ما أوتيتها، والمعنى -والله أعلم- وأوتيت من كل شيء يصلح للملوك، فكذلك عموم كل في هذه الآية الكريمة المراد الله خالق كل شيء مخلوق كل شيء المراد به المخلوقات، ولا يدخل في ذلك صفات الله، لا يدخل في ذلك الكلام؛ لأنه صفة من صفاته داخل في مسمى اسمه. الجواب الرابع: أن فرض مذهب المعتزلة أن تكون جميع الصفات مخلوقة من العلم والقدرة والحياة، وهذا صريح الكفر يعني فرض مذهبهم أن يقولوا كل الصفات مخلوقة، أليس الكلام صفة من صفات الله، فإذا كان الكلام مخلوقًا إذا يلزمكم أن تقولوا: جميع الصفات مخلوقة: العلم، والقدرة، والحياة ومن قال: إن حياة الله مخلوقة فهو كافر كفرًا صراح، إذن فرض مذهبهم يوصل إلى الكفر لكنه لا يلتزم بهذا، لو التزموا كانوا كفارًا صرحاء.

ومن شبههم الشرعية التي استدلوا بها قول الله -تعالى- {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) } {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} قالوا: "جعل" بمعنى خلق والمعنى إنا خلقناه قرآنا عربيا وهذا يدل على أن القرآن مخلوق أجاب أهل الحق عن هذا الاستدلال بأنه استدلال باطل؛ لأن جعل إنما تكون بمعنى خلق إذن تعدت إلى مفعول واحد لا إلى مفعولين إذا تعدت إلى مفعول واحد جعل تصدر عن خلق كقوله -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) } {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) } {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} . "جعل" بمعنى خلق في هذه الآيات، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} وخلقنا من الماء كل شيء حي، أما إذا تعدت إلى مفعولين فلا تكون بمعنى خلق وفي هذه الآية تعدت إلى مفعولين {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} كقوله تعالى: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} فلو فسرت جعل بمعنى خلق لفسد المعنى {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} هل يستطيع معتزلي أن يقول المعنى وقد خلقتم الله كفيلا، {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91) } هل يقول المعتزلي الذين خلقوا القرآن عضين {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} هل يمكن أن تفسر جعل بمعنى خلق لا يمكن، وكذلك في هذه الآية {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} لا تكون بمعنى خلق، وبهذا يبطل استدلال المعتزلة بهذه الآية. الدليل الثالث: استدلوا بقول الله عز وجل {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) } قالوا: هذا وجه الدلالة أن الله أخبر أن القرآن قول رسول، ودل على أن القرآن مخلوق، وليس كلام الله؛ لأن الله نسبه إلى الرسول قال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ} وهو مخلوق، والله خلق الرسول، وخلق كلامه فيكون القرآن مخلوقًا. أجيب عن هذه الشبهة بأجوبة: الجواب الأول: أن الله تعالى قال: {لَقَوْلُ رَسُولٍ} والرسول إنما يبلغ عن المرسل فلم يقل: إنه قول نبي، بل قال قول رسول الرسول لا ينشئ الكلام، وإنما يبلغ كلام غيره، فدل على أن الكلام كلام الله، والرسول يبلغ كلام الله، إنه لقول رسول الرسول يبلغ عن المرسل، ولهذا لم يقل: إنه نبي. الجواب الثاني: أن الرسول جاء في موضعين من كتاب الله عز وجل في موضع في سورة التكوير: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) } وهذا المراد به الرسول الملكي وهو جبريل، وجاء في سورة الحاقة {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) } وهذه المراد به الرسول البشري وهو محمد -عليه الصلاة والسلام -أي الرسولين أحدث نظم القرآن أي الرسولين على زعمكم أيها المعتزلة أحدث نظم القرآن إن أحدثه محمد امتنع أن يحدثه جبريل، وإن أحدثه جبريل امتنع أن يحدثه محمد. وهذا يدل على بطلان قولكم هذا يدل على أن المراد أن الرسول مبلغ والله تعالى تكلم بالقرآن وسمعه جبرائيل وبلغه إلى محمد ثم قرأه محمد -عليه الصلاة والسلام -وبلغه الأمة. رابعًا: أنه قال في وصفه {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) } في سورة التكوير والأمين ووصفه بالأمانة يدل على أنه يبلغ ما أرسل به كما أنزل لا يزيد ولا ينقص فجبريل يبلغه كما سمعه من الله عز وجل على ما أرسل به لا يزيد فيه ولا ينقص منه. خامسًا: أن قولكم: إن قول المعتزلة: إن محمد أحدث نظم القرآن هذا القول يجعله داخلًا في الوعيد الذي توعد الله به الوليد بن المغيرة الذين قال الله عنه {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) } الله قال توعد من قال بأن هذا القرآن قول البشر بأن يصليه سقر فمن قال إن القرآن قول محمد ومحمد بشر -عليه الصلاة والسلام -فهو داخل في هذا الوعيد ويكون المعتزلة داخلين في هذا الوعيد. ومن أدلة أهل السنة والجماعة على أن القرآن كلام الله أن الله أخبر بأنه منزل {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) } {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) } {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) } {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} .

فهذه النصوص صريحة في أن القرآن منزل، اعترض المعتزلة على هذه النصوص التي فيها أن القرآن منزل قالوا: إن الأخبار عن القرآن أنه منزل لا يمنع أن يكون مخلوقًا؛ لأننا نجد أن بعض المخلوقات أخبر الله عنها بأنها منزلة وهي مخلوقة، وقد اتفقتم معنا يا أهل السنة على أنها مخلوقة، فالله تعالى قال عن الحديد: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} فالله أخبر عن الحديد أنه منزل؛ ومع ذلك فهو مخلوق؛ وأنتم توافقوننا على هذا. وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أخبر الله عن الأنعام بأنها منزلة وهي مخلوقة وأنتم توافقننا على هذا قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أخبر الله أنه أنزل من السماء ماء، والمطر مخلوق وأنتم توافقننا على هذا، الحديد والأنعام والمطر مخلوقة مع أن الله أخبر أنها منزلة فكذلك القرآن مخلوق، ولو أخبر الله بأنه منزل، فلا يمنع أن يكون مخلوقًا. أجيب عن هذا الاعتراض أجاب أهل الحق أن هناك فرق بين إنزال القرآن وإنزال الحديد والأنعام والمطر. فإنزال القرآن صريح في الآيات أنه منزل من عند الله لا من غيره منزل من عند الله، تنزيل الكتاب من الله العزيز الحميد من الله {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) } {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} فهو صريح بأنه منزل من عند الله. أما الحديد فإن إنزاله مطلق ما أخبر الله أن الحديد منزل من عنده قال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} فهو مطلق وذلك أن الحديد إنما يؤخذ من الجبال والجبال عالية على وجه الأرض فإنزال الحديد يؤخذ من أعالي الجبال؛ وكلما كان أخذ الحديد من أعلى الجبل كان حديده أجود فهذا إنزال من الجبال {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} . والأنعام أخبر الله أنها منزلة {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} وذلك أن الأنعام إنما تخلق بالتوالد والتوالد يستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث فهذا إنزال الماء من أصلاب الذكور إلى أرحام الإناث، ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات على وجه الأرض فهذا إنزال. {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ} وأما إنزال المطر قال الله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} هو مقعد بأنه من السماء والسماء العلو من جهة العلو وأنزلنا من السماء ماء طهورًا، وفي الآية الأخرى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) } والمعصرات السحاب الآية الأخرى {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} والمزن هو السحاب فتبين بهذا الفرق بين إنزال القرآن وإنزال الحديد والأنعام والمطر، وذلك أن إنزال القرآن صريح بأنه منزل من عنده سبحانه بخلاف الحديد والأنعام والمطر. هذه أمثلة لشبه الأشاعرة حتى يكون طالبي العلم على بصيرة من هذا؛ لأنك لو فتحت "الكشاف" للزمخشري أو غيره تجد هذه التأويلات تجد هذه التأويلات فيكون طالب العلم على بصيرة من أمره إذا عرف بعض الأمثلة يقيس عليها بقية الأمثلة، وهذه موجودة ومُدَوَّنَة في الكتب وفي التفاسير، فطالب العلم حينما يبحث ويقرأ قد ينطلي عليه بعض هذه التأويلات فيكون على بصيرة، ومسألة الكلام من المسائل العظيمة المهمة. ننتقل إلى شبه الأشاعرة، الأشاعرة وهم طائفة كبيرة يسمون أنفسهم أهل السنة وتأويلاتهم موجودة ومنتشرة في الكتب التي بين أيديكم في كتب الفقه وغيرها في كتب الأصول، أصول الفقه وغيرها، كلها موجودة تأويلات الأشاعرة وقد يسمون أنفسهم أهل السنة، وهم ينافسون أهل السنة في كثير من الأزمان فلا بد للمسلم لطالب العلم على إلمام بحقيقة مذهب الأشاعرة وبيان بعض الشبه التي يركزون عليها حقيقة مذهب الأشاعرة في كلام الله عز وجل والقرآن يقولون: إن كلام الله معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت معنى قائم بنفس الرب عز وجل والله تعالى لا يُسْمَع منه الكلام بل الكلام معنى قائم بنفسه لا يسمع. وأما الموجود في المصاحف فهذا عبارة عن كلام الله عبر به جبريل أو عبر به محمد ويسمى ما في المصحف كلام الله مجازًا، ولهذا إذا قلت لبعض الأشاعرة عند التسامح يقول الأشاعرة: المصحف فيه كلام الله يقولون المصحف كلام الله، كلام الله في المصحف لكن عند المناظرة وبيان حقيقة المذهب يقولون: لا ليس في المصحف كلام الله لكن نسميه كلام الله مجازًا؛ لأنه تأدى به كلام الله؛ ولأنه دليل على كلام الله؛ أما كلام الله فهو معنى قائم بنفسه ولهذا -والعياذ بالله- بعضهم قد يدوس في المصحف بين قدميه ويقول ليس فيه كلام الله نسأل الله السلامة والعافية.

فإذن حقيقة مذهب الأشاعرة أن كلام الله معنى قائم بنفسه، وأما النظم المسموع المقروء في المصاحف فهو دليل على القرآن مخلوق فعلى هذا يكون القرآن من شيئين أو كلام الله من شيئين، شيء له نصفان، نصفه غير مخلوق وهو المعنى القائم بنفس الرب والحروف والكلمات مخلوقة فيقولون نصفه مخلوق ونصفه غير مخلوق نصفه مخلوق وهو الحروف والكلمات التي يقرؤها القارئ ونصفه غير مخلوق وهو المعنى القائم بنفس الرب كيف عرف جبريل ما في نفس الله قالوا: لهم أقوال في ذلك بعضهم يقول: إن الله اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه اضطرارًا فعبر عنه فهذا عبارة عبر بها جبريل، الله اضطره ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر عنه يعني مثل، مثال ذلك أن يكون عندك أخرس لا يتكلم فيشير إليك بالإشارة ثم تكتب إشارته تفهم إشارته وتكتبها هذا، والعياذ بالله، جعل الله كالأخرس نسأل الله العافية عاجز عن الكلام. وبعضهم يقول: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ وبعضهم يقول: فهمه من الرب؛ لأن الله اضطره ففهم المعنى القائم بنفسه؛ فإذن حقيقة مذهب الأشاعرة أن نصفه مخلوق، وهو الحروف والكلمات ونصفه غير مخلوق، وهو المعنى القائم بنفسه، وهذا يوافق نصف مذهب المعتزلة، المعتزلة يقولون: القرآن مخلوق لفظه ومعناه اللفظ والمعنى مخلوق، والأشاعرة يقولون: معناه غير مخلوق، ولفظه مخلوق. فهم يوافقون المعتزلة في نصف مذهبهم كما أن الأشاعرة يشابهون النصارى في مسألة اعتقادهم في عيسى، فإن النصارى يعتقدون أن عيسى مكون من شيئين جزء من الإله وجزء من الناس اتحدا وامتزجا فصارا شيئًا واحدًا يقال له المسيح المسيح عيسى ابن مريم فيه جزء من الإله وجزء من الناس امتزجا وصارا هذا هو المسيح عندهم. والأشاعرة له شبه بهذا المذهب، فإن الأشاعرة يقولون: إن كلام الله معنى قائم بنفسه، وأما الألفاظ والحروف والكلمات دليل يفهم بها المعنى القائم بنفس الرب فإفهام المعنى القديم الذي هو في نفس الرب بواسطة الألفاظ والحروف والكلمات يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى، عيسى النصارى قالوا: امتزج اللاهوت بالناسوت والأشاعرة قالوا: إن القرآن معنى قائم بنفس الرب لكنه لا يفهم إلا بواسطة الألفاظ التي يتكلم بها الآدميون فإفهام المعنى القديم بواسطة اللفظ الذي يتكلم به الآدميون يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى. كما أن قول الأشاعرة: إن محمدًا أحدث لفظ القرآن؛ لأنهم يقولون إما أحدثه جبريل أو محمد يشبه قول الوليد بن المغيرة عن القرآن إنه قول البشر قال: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) } ويتناولهم هذا الوعيد فإن الوليد بن المغيرة قال: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) } والأشاعرة قالوا: هذا الذي في المصحف قول البشر فيدخلون في هذا الوعيد من أدلة الأشاعرة على أن القرآن معنى قائم بالنفس لا يُسْمَع ليس بحرف ولا صوت ولا لفظ استدلوا بقول الله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) } . قالوا: وجه الدلالة أن الله قال: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} فدل على أن القول إنما يكون في النفس وأما الألفاظ والحروف والأصوات فليست من القول؛ لأن الله قال: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} فدل على أن كلام الله معنى قائم بنفسه. وأجيب عن هذا الاستدلال بجوابين: الجواب الأول جواب بالمنع والجواب الثاني جواب بالتسليم. الجواب الأول جواب بالمنع، وهو أن نقول: نمنع أن يكون المراد في الآية في قوله: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} المعنى القائم بالنفس، وإنما المراد القول سرًا {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} يعني يقولون سرا يتكلمون بألسنتهم سرا كما قاله أكثر المفسرين، وذلك أن اليهود كانوا يأتون النبي ويقولون سام عليك، والسام الموت، وهم يظهرن أنهم يلقون السلام فيحلفون لله ويقولون سام عليك يعني الموت ثم إذا خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم البعض سرًا لو كان نبيًا عذبنا بقولنا له ما نقول، فأنزل الله {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} يعني يقولون سرًا فيما بينهم وبين بعضهم إذا خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم لو كان نبيًا لعذبنا بقولنا؛ لأننا نقول سام عليك وهذا هو الذي عليه أكثر المفسرين ويؤيده ما ثبت في الصحيحين في الحديث القدسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم من ذكرني في نفسه) معناه تكلم سرًا ذكر الله سرًا بدليل قوله: (ومن ذكرني في ملأ) (من ذكرني في نفسه) يعني سرًا ذكرته في نفسي (ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه) .

الجواب الثاني: جواب بالتسليم وهو أن نقول سلمنا جدلًا ومعنى التسليم أن توافق الخصم من هذه الجهة لترد عليه من جهة أخرى هذا معنى التسليم عندنا معنى التسليم يعني أن توافق الخصم على ما يقوله من هذه الجهة لترد عليه من جهة أخرى مثل الفارس الذي يأتي إلى العدو وقد تحصن بحصن فينصرف يوهم العدو بأنه منهزم فإذا خرج العدو كر عليه فضربه، سلمنا أن قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} قول في النفس وأنه ليس فيه حروف ولا كلمات. سلمنا جدلًا لكن الآية مقيدة بأنه قول في النفس، وإذا قيد القول بأنه في النفس تقيد وإذا قيد تقيد، ويقولون في أنفسهم ونظيره الحديث الصحيح: (إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل) فإذا قيد القول بأنه في النفس تقيد هل قيد كلام الله أنه في النفس {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) } هل قال الله: وكلم الله موسى في نفسه {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} هل قال: وكلمه في نفسه، فإذا قيد القول بأنه في النفس تقيد أما إذا لم يتقيد فلا يكون القول في النفس، وإنما يكون قولًا يتكلم به المتكلم حروف وألفاظ وكلمات. ومن الأدلة التي يركز عليها الأشاعرة وهي منتشرة وموجودة في الكتب الاستدلال ببيت من الشعر منسوب إلى الأخطل. إن الكلام لفي الفؤاد وإنما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلًا وجه الدلالة: قالوا: إن هذا بيت عربي، والقرآن نزل بلغة العرب، وأثبت الشاعر العربي أن الكلام إنما يكون في الفؤاد أي: في النفس، وأما ما يكون في اللسان الحروف والكلمات، واللفظ فهذا دليل على الكلام الذي في النفس فدل على أن كلام الله معنى قائم بنفسه لا بحرف ولا صوت إن الكلام لفي الفؤاد. الكلام في الفؤاد، وأما اللسان فهو دليل على ما في الفؤاد، والقرآن نزل بلغة العرب وهذا شاعر عربي أثبت أن الكلام إنما يكون في النفس، أما الألفاظ والحروف والأصوات فهي دليل عليه، فدل هذا على أن كلام الله معنى قائم بنفسه ليس بحرف ولا صوت، وهذا هو الذي نقرره هكذا يقول الأشاعرة أجاب أهل الحق عن هذا الاستدلال في أجوبة. الجواب الأول: أنا لا نسلم أن هذا البيت للأخطل فهذا البيت مصنوع مختلق لا يوجد في ديوان الأخطل وكثير من النحويين ينكرون نسبته إليه فكيف تستدلون ببيت مصنوع مختلق لا أساس له من الصحة منسوب إلى الأخطل خطأ غلط أنتم نسبتموه إلى الأخطل، والأخطل ما قاله بدليل أنه لا يوجد في ديوانه، وبدليل أن النجاة وأهل اللغة أنكروا نسبته إليه وبهذا يبطل استدلاتكم تصنعون بيتًا ثم تستدلون به على كلام الله وكلام رسوله هذا الجواب الأول. الجواب الثاني: سلمنا وهذا التسليم كما سبق من جهة للرد من جهة أخرى سلمنا بصحة البيت وأن الأخطل قاله لكنه قول واحد من أهل اللغة فلا يقبل حتى يوافقه أهل اللغة، وإذا كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل حتى يصح سنده وتعدل رواته ولا يكون شاذًا ولا معللًا فكيف ببيت من الشعر لا يدرى من قاله بيت من الشعر قاله واحد لكن ما وافقه أهل اللغة فيكون شاذًا. حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام -إذا جاء مخالفا للأصول صار علة ما يقبل؛ لأن من شرط الصحيح أن يكون السند متصل، وأن يكون الرواة عدول ثقات، وأن لا يكون الحديث شاذ ولا معلل وهذا بيتي شاذ لا يقبل. الجواب الثالث: سلمنا صحة البيت وسلمنا نسبته إلى الأخطل سلمنا قبول أهل اللغة له لكن ليس مقصود الشاعر بقوله: إن الكلام لفي الفؤاد. الكلام العاري عن الألفاظ والحروف والكلمات بل مقصود الشاعر أن الكلام الحقيقي هو الذي يهيئه الإنسان في نفسه ويزنه بعقله قبل أن ينطق به ويتروى إن كلامنا في الرد على الكلام الحقيقي الكلام الموزون. الكلام الذي يتروى فيه صاحبه ويهيئه في نفسه ويزنه في عقله قبل أن ينطق به هذا هو الكلام الحقيقي، أما الكلام الذي يجري على اللسان من دون تَرَوٍ ومن دون نظر فهذا يشبه كلام النائم والهاذي لا قيمة له اللسان إذا أراد أن يتكلم يتكلم بكلام موزون وبكلام مهيأ، ولهذا روي البيت برواية أخرى وهي أقرب إلى الصحة. إن البيان لفي الفؤاد وإنما ***.................... إن البيان لفي الفؤاد وهذا أقرب للصحة. رابعًا: سلمنا صحة البيت وأنه للأخطل وسلمنا موافقة أهل اللغة له وسلمنا أن المراد بالبيت الكلام النفسي العاري عن الحروف والألفاظ لكنه قول نصراني الأخطل نصراني قول نصراني، والنصارى قد ضلوا في معنى الكلام فإن النصارى زعموا أن المسيح هو كلمة الله كلمة كن نفس الكلمة قال النصارى: إن عيسى نفس الكلمة.

وأهل السنة يقولون: ليس نفس الكلمة عيسى مخلوق بالكلمة، وليس نفس الكلمة: {إِن مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) } إذن عيسى مخلوق بالكلمة، هذا عند أهل الحق النصارى يقولون عيسى نفس الكلمة النصارى هم أنفسهم ضلوا في معنى الكلام فكيف تستدل بقول نصراني ضل أفيستبدل بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام على معنى الكلام؟ كيف نستدل بقول نصراني ضل في معنى الكلام على معنى الكلام؟ ويترك ما يعرف بمعنى الكلام من النصوص واللغة. سادسًا: سلمنا جدلًا الاستدلال بقول النصارى لكن البيت يلزم عليه معنى فاسدًا وهو أن يسمى الأخرس متكلمًا، يلزم على البيت لو سلمنا الاستدلال به معنى فاسدا وهو التسمية الأخرى متكلمًا، لقيام الكلام بنفسه، وإن لم يتكلم به يلزم عليه أن يسمى الأخرس متكلما لقيام الكلام بنفسه، وإن لم ينطق به والأخرس لا يسمى متكلمًا لا شرعًا ولا عقلا ولا لغة ولا حسًا، وبهذا يبطل استدلال الأشاعرة بهذا البيت. ومما ناقش به أهل الحق الأشاعرة أنهم قالوا: الأشاعرة يقولون: إن الكلام معنى واحدًا لا يتعدد ولا يتجزأ ولا يتكثر معنى واحدًا، والتعدد والتجزؤ والتكثر في الدلالات والعبارات. قالوا لهم: الله تعالى أخبر أن موسى سمع كلام الله فهل سمع موسى جميع المعنى أو بعض المعنى هل سمع موسى جميع المعنى، أو بعض المعنى إن قلتم سمع جميع المعنى فقد زعمتم أن موسى سمع جميع كلام الله، وهذا باطل، وإن قلتم سمع بعض كلام الله فقد قلتم بالتبعض وأبطلتم مذهبكم بأنفسكم، لا محيد لكم عنهما، إن قلتم سمع جميع المعنى فقد زعمتم أن موسى سمع جميع كلام الله، وإن قلتم سمع البعض فقد قلتم بالتبعض وهذا خلاف مذهبكم. ومن المناقشات أن يقال: لو كان الكلام معنى قائما بالنفس كما تزعمون أيها الأشاعرة وأن الدلالات والعبارات هي التي تختلف للزم على ذلك ملازم فاسدة منها: أولًا: أن يلزم على قولكم: إن الكلام معنى قائم بالنفس وأنه لا يتعدد ولا يتبعض أن يكون معنى قوله {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} هو معنى قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} وأن يكون معنى قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} هو معنى قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} وأن يكون معنى آية الدين هو معنى آية الربا، وأن يكون معنى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) } هو معنى {تَبَّتْ يَدَا} وهذا باطل. ثالثًا: لو كان الكلام معنى قائم بالنفس وأن المصحف ليس فيه شيء من كلام الله لجاز للمُحْدِث مس المصحف، وهذا خلاف ما أجمع عليه الأئمة الأربعة أنه يجب على المحدث أن يتوضأ لِمَسِّ المصحف، كما جاء في الحديث الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (ألا يمس القرآن إلا طاهر) . فلو كان المصحف ما فيه كلام الله لجاز للمحدث مسه ولو كان القارئ ما يقرأ كلام الله لجاز للجنب أن يقرأ وهو لم يغتسل وكذلك الحائض عند كثير من الفقهاء على الخلاف في المسألة لو كان الكلام معنى قائم بالنفس للزم أن يسمى الأخرس متكلمًا والأخرس لا يسمى متكلمًا، ويقال للأشاعرة: إن النصوص الكثيرة تبطل قولكم: إن الكلام معنى قائم بالنفس إن كلام الله معنى قائم بنفسه منها قول الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) } الإشارة إلى أين تعود {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ} هل الإشارة تعود إلى ما في نفس الله؟ أو تعود إلى القرآن المتلو المسموع المكتوب في المصاحف لا شك أن الإشارة تعود إلى القرآن المتلو بالألسن المكتوب في المصاحف؛ لأن ما في نفس الله غير مشار إليه ما في نفس الله غير مشار إليه ولا متلو ولا مسموع. وكذلك قوله: لا يأتون بمثله الضمير يعود إلى ما في نفس الله، أو إلى ما في هذا القرآن المتلو المكتوب في المصاحف، لا شك أنه يعود إلى ما في المصحف؛ لأن ما في نفس الله لا حيلة إلى الوصول إليه فهو غير متلو، وغير مسموع كذلك أيضًا قول الله عز وجل {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} . صريح في أن الذي يسمعه المشرك كلام الله، ولم يقل حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله كما تقولون حتى يسمع كلام الله، دل على أن السامع إنما يسمع كلام الله والقارئ إنما يقرا كلام الله كذلك أيضا من الأدلة ما ثبت في الأحاديث الصحيحة: (أن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة) وحديث (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتهليل قراءة القرآن) أو كما ورد.

وقد أجمع العلماء على أن الإنسان المصلي لو تكلم عامدًا بغير مصلحتها بطلت صلاته، وقد أجمعوا أيضًا على أنه لو حدث نفسه بشيء في صلاته، وأن ما يقوم في القلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة فحديث النفس الذي يكون في القلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة وإنما يبطله عندما يتكلم بلسانه عامدًا لغير مصلحتها، فدل على أن الكلام إنما هو لفظ ومعنى، والكلام الذي يتكلم به اللسان بلسانه دل على أن كلام الله لفظ ومعنى وأن الله تكلم به بحرف وصوت يسمع. ومن الأدلة أيضًا ما ثبت في الصحيحين عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل) ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين حديث النفس وبين الكلام، وأخبر أن الله عفا عن حديث النفس وأن ما تكلم به الإنسان بلسانه لا يعفى عنه فدل على أن الكلام لفظ ومعنى حروف وأصوات. ومن الأدلة أيضًا ما ثبت في السنين من حديث معاذ - رضي الله عنه - لما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أدلك على ملاك ذلك كله …) في حديث معاذ الطويل لما سئل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله الرجل (… عن عمل يدخله الجنة ويبعده عن النار قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله ثم أخذ بلسان نفسه ثم قال: كف عليك هذا قال معاذ فقلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوهم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إنما يؤاخذ بما يتكلم به بلسانه فدل على أن الكلام ألفاظ ومعاني حروف وأصوات وكذلك كلام الله عز وجل تكلم به كلام الله اسم للمعنى واللفظ جميعًا والله تكلم به وحرف وصوت يسمع بهذا يتبين أن مسمى كلام الله المعنى واللفظ جميعًا، وأن كلام الله بحرف وصوت يسمع والحق أن التوراة والإنجيل والزبور والقرآن كلهم من كلام الله وكلام الله لا يتناهى، ولو كان البحر ومد بسبعة أبحر وجعل ما في الأرض من الأشجار كله أقلام والبحار مداد يكتب به لتكرث الأقلام ونفذت مياه البحر وما نفذت كلمات الله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) } {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) } . فهذه المسألة مسألة الكلام مسألة عظيمة اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين المخالفين لهم، والتبس الأمر على كثير من الناس، ولا سيما مذهب الأشاعرة ثم مذهب المعتزلة فينبغي لطالب العلم أن يعتني بهذا الأمر، وأن يعتني بالنصوص، وأن ينبغي لطالب العلم أن يعتني بهذا الأمر، وأن يعتني بالنصوص، وأن يتأمل حينما يقرأ في الكتب حتى لا يلتبس عليه معتقد أهل السنة والجماعة المأخوذ من نصوص الكتاب والسنة من كتاب الله وسنة رسوله في مذهب المعتزلة والأشاعرة المبني على الأراء والأهواء والشهوات. نعم اقرأ وإن القرآن كلام الله. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الطحاوي -رحمه الله تعالى-: "وإن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولًا". وإن القرآن كلام الله، الطحاوي الآن يقرر مذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله يعني لفظه ومعناه، هذا هو الأصل، فالكلام هي لفظة تشمل اللفظ والمعنى، وإن القرآن كلام الله لفظ ومعنى منه بدا. هذا فيه الرد على المعتزلة والرد على الأشاعرة فإن المعتزلة لا يقولون منه بدا يقولون بدا من شيء آخر بدأ من الشجرة أو بدأ من الهواء أو بدأ من اللوح المحفوظ خلقه الله في اللوح المحفوظ فأضافه إليه إضافة تشريف وتكريم وكذلك الأشاعرة لا يقولون منه بدا بل يقولون: لم يبد منه شيء، الكلام معنى قائم بنفسه لم يبد ما سمع منه ما سمع جبريل كلامًا ولا لفظًا ولا حرفًا ولا صوتًا وإنما جبريل هو الذي أحدث لفظ القرآن أو أحدثه محمد لأنه فهم المعنى القائم بنفس الرب اضطره الله ففهم المعنى أو أن الله خلقه في الهواء وأخذه من الهواء. وأهل السُّنة يقولون: القرآن منزل غير مخلوق منه بدا وإليه يعود، فالقرآن كلام الله منزل نزله الله {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) } غير مخلوق كما تقوله المعتزلة منه بدا، بدا من الله {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى} وإليه يعود في آخر الزمان في آخر الزمان. من أشراط الساعة الكبار التي تعقبها الساعة مباشرة أشراط الساعة كما هو معروف عشرة:

أولها: خروج المهدي في آخر الزمان يبايع له اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته أبو عبد الله محمد المهدي، يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، يبايع له في وقت ليس للناس فيه إمام، فيه أحاديث كثيرة بعضها صحيح وبعضها ضعيف وبعضها موضوع فهي ثابتة. ثم يخرج الدجال في زمنه يدعي الصلاح، ثم يدعي النبوة ثم يدعي الربوبية، ثم ينزل عيسى ابن مريم يقتله، ثم يخرج يأجوج ومأجوج ثم بعدها تتتابع أشراط الساعة، تهدم الكعبة -والعياذ بالله- ثم يصلي الناس إلى الجهة ثم ينسوا الجهة وينزع القرآن من الصدور ومن السطور في آخر الزمان؛ إذا ترك الناس العمل به نزع من صدورهم من صدور الرجال، ونزع من المصاحف، فيصبح الناس لا يجدون في صدورهم آية ولا في المصاحف آية -نعوذ بالله- إذا ترك الناس العمل به. هذه هي أشراط الساعة. ومنها الدخان الذي يملأ الأرض، ومنها طلوع الشمس من مغربها، ومنها الدابة، ثم يعقب ذلك نار تخرج من قعر عدن تسوق، الناس إلى المحشر فهو شرط من أشراط الساعة، وقوله: "وإليه يعود" يعني يعود إلى الله في آخر الزمان، فالقرآن منزل غير مخلوق منه بدا، بدا من الله، وإليه يعود في آخر الزمان يعود إلى الله حينما يترك الناس العمل به فينزع من صدور الناس ومن المصاحف -نسأل الله السلامة والعاقبة- نعم.

قوله: منه بدا بلا كيفية قولا وأنزله على رسوله وحيا

منه بدا بلا كيفية قولًا وأنزله على رسوله وحياً

قوله: وصدقه المؤمنون على ذلك حقا

وصدقه المؤمنون على ذلك حقًا

قوله: وأيقنوا أنه كلام الله -تعالى- بالحقيقة

وأيقنوا أنه كلام الله -تعالى- بالحقيقة

قوله: ليس بمخلوق ككلام البرية

ليس بمخلوق ككلام البرية

قوله: فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر

فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر

قوله: وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: {سأصليه سقر (26) }

وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) }

قوله: فلما أوعد الله بسقر لمن قال {إن هذا إلا قول البشر (25) } علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر.

فلما أوعد الله بسقر لمن قال {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) } علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر.

قوله: ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر

ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر

قوله: فمن أبصرها فاعتبر وصمت لقول الكفار انزجر وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر

فمن أبصرها فاعتبر وصمت لقول الكفار انزجر وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر

الأسئلة

الأسئلة: س: ما هي غاية أهل الأهواء من قولهم: إن القرآن مخلوق؟ وماذا سيتوصلون إليه من قولهم؟. ج: المعتزلة لما قالوا: إن القرآن مخلوق؛ لأنهم شبهتهم كما هو معروف يقولون: إنه يلزم من إثبات الصفات لله التشبيه والتجسيد وقيام الحوادث به فلو قلنا: إن الله يتكلم والقرآن غير مخلوق صفة من صفاته لشابه المخلوقين ولصار جسمًا؛ لأن الأجسام هي التي تتكلم ففرارًا من التشبيه والتجسيد، وكذلك قالوا: لو كان الكلام صفة قائمة لله لصار الله محلًا للحوادث تحدث الكلام في ذاته هذه غايتهم له شبهة شبهتهم أنه يلزم من إثبات الصفات لله التشبيه والتجسيم وقيام الحوادث به كما سبق. س: أحسن الله إليكم يقول السائل: هل يثبت كتاب الحيدة للكناني؟. ج: كتاب الحيدة لعبد العزيز الكناني بعض الناس يقول: إنه لا يثبت لكن بعض العلماء نسبوه إليه كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم كابن القيم وغيره، فالأصل ثبوته لكن بعضهم ذكر عن الذهبي أنه ذكر أنه لا يثبت، لكن هذا مشهور نسبته إلى الكناني، وهذا يحتاج إلى مراجعة، قد يكون هناك الذين قالوا: إنه لم يثبت عندهم لكنه ثبت عند غيرهم من طرق أخرى، فالأئمة والعلماء لازالوا ينسبون هذا الكتاب للإمام عبد العزيز الكناني. س: أحسن الله إليكم يقول السائل: هلا أوضحتم المفعولين في قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} ؟. ج: المفعول الأول الهاء في جعلناه والثاني قرآنًا وعربيًا وصف صفة له، المفعول الأول الهاء الضمير في جعلناه والمفعول الثاني قرآنًا. س: يقول السائل: ما مدى صحة تسميتهم بالأشاعرة مع أن أبا الحسن الأشعري رجع عن مذهبهم؟. ج: الأشعري رجع في الجملة لكن بقيت عليه بعض الأشياء، لكن هم لم يرجعوا أتباعه تمسكوا بما كان عليه سابقًا فبقوا على المذهب أما هو رجع في الجملة، وبقيت عليه بعض الأشياء. س: يقول السائل: في كلام الشارح عن مسألة القول بخلق القرآن لم أره ذكر الأشاعرة أو سماهم في شرحه فلماذا؟. ج: إذا ذكر المذهب معروف أن هذا مذهبهم ناقشهم مناقشات كثيرة ما أدري يحتمل أنه سماهم، وإذا لم يسهم يكفي أوصافهم معروفة، ابن القيم يقول: في بعضهم من لم نسمهم لكثرتهم؛ لأن أبا العز نقل هذه النقول عن شيخ الإسلام وابن القيم وابن كثير نقلا حرفيًا. س: يقول السائل: قد قررنا أن مذهب أهل السنة أن كلام الله -تعالى- ألفاظ ومعاني وحروف وأصوات، فما الدليل على العبارة الأخيرة الحروف والأصوات لا سيما أنها لم ترد في النصوص؟. ج: الدليل أحاديث كثيرة: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) } التكليم ونادى، والنداء إنما يكون من لازمة الصوت؛ لأن النداء من بعد {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} والكلام في الأصل التكليم لا بد من صوت وكذلك ما جاء في الحديث: (إن الله ينادي آدم يوم القيامة بصوته، إن الله ينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب) وهذا لا يكون إلا كلام الله، أما كلام المخلوق فالقريب يسمع أكثر من البعيد، أما كلام الله ينادي يصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب على حد سواء والأدلة في هذا كثيرة، القول والكلام والنداء من معناها الصوت في حديث المظالم: (إن الله ينادي بصوت….) والأدلة في هذا كثيرة، وفي الحديث: (إن الله ينادي آدم يوم القيامة يقول: يا آدم يقول: لبيك وسعديك فيقول: أخرج من ذريتك بعث النار -في الصحيحين- فيقول: يا رب كم؟ يقول: من كل ألف تسعمائة وتسعين في النار وواحد في الجنة) هذا جاء في الحديث تسعمائة وتسعين بالنص، يكون على تقدير تسعمائة وتسعة وتسعين في النار وواحد في الحنة، فهذا صريح والأدلة في هذا كثيرة في مسألة الصوت. س: يقول السائل: اختلافات الأشاعرة عن الحنابلة أليست من الاختلاف والاجتهاد السائغ الذي لا يخرجهم عن أهل السنة والجماعة والفرقة الناجية خصوصًا أن معهم أئمة من العلماء قديمًا وحديثًا. ج: ما في مقارنة بين الأشاعرة والحنابلة، الحنابلة هذا مذهب في الفروع، الحنابلة والشافعية والمالكية هذا مذهب فقهي، أما الأشعري هذا مذهب في الأصول في الاعتقاد قد يكون الأشعري حنبلي، وقد يكون شافعي، وقد يكون مالكي، وقد يكون حنفي لا تقارن بين الحنبلي وبين الأشعري، الأشعري قارن بينه وبين السني، فاختلافهم عن الحنابلة، واختلافهم عن الشافعية، واختلافهم عن المالكية، واختلافهم عن الحنفية هذه المذاهب الأربعة مذاهب في الفروع في الفقه، أما الأشعري قابله بالسنة، والمعتزلة بصرف النظر عن مذهبه قد يكون أشعري وحنفي، وقد يكون أشعري وحنبلي، والخلاف ما هو اختلاف عن اجتهادات لكن الاختلاف في مسائل عقدية كما سمعتم.

س: يقول السائل: إن بعضهم يقول في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} يقولون: إن المراد بكلمات في الله هو كلامه الكوني مثل قوله صلى الله عليه وسلم (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فهل هذا صحيح؟ وهل يقسم الكلام إلى كوني وشرعي؟. ج: نعم صحيح الكلام كوني وشرعي الكوني مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) } والشرعي مثل القرآن والتوراة والإنجيل الذي كلم الله به وشرعه لعباده. س: يقول السائل: ما رأي فضيلتكم فيمن يقول: إن القرآن من صنع الله -تعالى-؟ ج: هذا غلط القرآن كلام الله ما يقال: من صنع الله {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} الصنع هذه كلمة موهمة؛ لأن الصنع يطلق على الخلق، المقصود القرآن كلام الله ليس له أن يعبر بهذا التعبير الموهم يقول: القرآن كلام الله كما قال السلف كما قال أهل الحق، نعم. س: يقول السائل: ما أفضل الكتب التي عرضت لمسألة الكلام مع ذكر شبهة المخالفين والرد عليها على وجه التفصيل؟. ج: كتب أهل السنة كثيرة في هذا ذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى في مواضع، وابن القيم وشيخ الإسلام ردا عليهم -على الأشاعرة- من تسعين وجهًا في الرسالة التسعينية تسعين وجهًا، تسمى الرسالة التسعينية في مسألة الكلام هذه رسالة خاصة، وحققت الآن والرسالة في كلية أصول الدين، طبعت في ثلاث مجلدات الرسالة التسعينية، وابن القيم ذكر هذا في كثير من كتبه لا سيما في مختصر الصواعق وغيرها، نعم -وفق الله الجميع لطاعته- جزاكم الله خيرًا.

قوله: والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية

والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية

ج: إذا قيل: السلف الصالح المراد بهم الصحابة والتابعون والتابعون لهم بإحسان لكن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية وهم الطائفة المنصورة أما إذا قيل: السلفية هذه السلفية أو السلف فقط ما من خلف إلا وله سلف لكن إذا قيد السلف بالسلف الصالح، فالمراد بهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان؛ ولهذا بعض الناس يشكل عليه الجماعات السلفية وغير السلفية ينظر هذه السلفية إذا كانوا ملتزمين بما عليه السلف الصالح بما عليه الصحابة والتابعون بما عليه أهل السنة والجماعة بما عليه الفرقة الناجية فهم على الحق؛ لأن النبي قال لما بين الفرق وأن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل: من هي يا رسول الله قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) هذا هو الميزان، الميزان هو ما كان عليه الرسول --صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام السلف الصالح وهم أهل السنة والجماعة وهم الفرقة الناجية، ومن خالفهم فليس منهم ولو سمى نفسه بالسلفية أو سمى نفسه باسم آخر. أقوال المذاهب في رؤية الله في الآخرة والواجب على الإنسان أن يلزم الحق وأن يبحث عن ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيعمل به ويعمل بما قرره أهل السنة والجماعة من الحق المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالرؤية -رؤية الله في الآخرة- مسألة عظيمة من أشرف مسائل أصول الدين اختلف الناس في رؤية الله في الآخرة على ثلاثة مذاهب مشهورة: المذهب الأول: مذهب أهل السنة والجماعة وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن تبعهم من الأئمة أن الله يُرى في الآخرة بالأبصار عيانًا مواجهة لهم، وهذا مذهب الصحابة والتابعين والأئمة وتابعوهم وأئمة الدين كالأئمة الأربعة -أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد- وسفيان الثوري وأبي عمرو والأوزاعي والليث بن سعد وأبي يوسف وغيرهم من الأئمة والعلماء وكذلك أيضًا سائر الفقهاء وأهل الحديث كلهم على هذا الاعتقاد، وكذلك بعض الطوائف التي تنتسب إلى الحديث كالكرامية والسالمية، كلهم يثبتون أن الله يرى في الآخرة بالأبصار عيانًا مواجهة، فهم يثبتون رؤية الله بالإبصار ويثبتون أيضًا الفوقية، وأنهم يرون ربهم من فوقهم فهم يثبتون الأمرين يثبتون الفوقية والعلو ويثبتون الرؤية. المذهب الثاني: نفي الرؤية في الآخرة يقولون: الله لا يُرى في الآخرة لا يُرى بالأبصار، وليس له جهة وليس له مكان فهم نفوا الرؤية ونفوا الفوقية، وهذا مذهب الجهمية والمعتزلة والخوارج والإمامية، فإن الإمامية لهم قولان: القدماء من الأمامية وهم الرافضة يثبتون الرؤية، وجمهور المتأخرين ينفون الرؤية، فجمهور المتقدمين يثبتون الرؤية وجمهور المتأخرين ينفونها فيكون نفي الرؤية هو مذهب الجهمية والمعتزلة والخوارج، وجمهور المتأخرين من الإمامية ويسمون الإمامية؛ لأنهم يقولون: بإمامة اثني عشر إمامًا فهم ينفون الأمرين ينفون الرؤية وينفون الفوقية والعلو، فيقولون: إن الله ليس له مكان فليس فوق المخلوقات بل هو في كل مكان - نسأل الله السلامة والعافية- ويقولون: إن الله لا يُرى في الآخرة ينفون الأمرين عكس مذهب أهل السنة يثبتون الأمرين يثبتون الفوقية والعلو والرؤية بالأبصار فهو يُرى بالأبصار عيانًا في الآخرة وهؤلاء يقولون: لا يرى وليس له مكان ليس فوق ولا يُرى. المذهب الثالث: مذهب بين مذهب أهل السنة وبين مذهب الجهمية يقولون: إن الله يرى لا في جهة أثبتوا الرؤية ونفوا الفوقية والعلو فقالوا: يُرى لا في جهة وهذا مذهب طائفة من الكلابية والأشاعرة مذهب الأشاعرة أثبتوا الرؤية ونفوا الفوقية والعلو فهم مذبذبون بين هؤلاء وبين هؤلاء فهم أخذوا أثبتوا الرؤية فكانوا مع أهل السنة ونفوا العلو والفوقية فكانوا مع المعتزلة وتجدهم دائمًا في الغالب أن مذهب الأشاعرة مذبذب بين هؤلاء وبين هؤلاء، ولهذا يسميهم بعض العلماء خناثى لا أنثى ولا ذكر فهم في مبحث الرؤية كانوا مع أهل السنة في إثبات الرؤية وهم مع المعتزلة في نفي الفوقية والعلو، وكذلك في مبحث الكلام كما سبق يقولون: الكلام لفظ ومعنى المعنى حقيقة كانوا مع أهل السنة في أن المعنى حق، وكانوا مع المعتزلة في أن اللفظ مخلوق، فهم بين هؤلاء وبين هؤلاء فتكون المسألة فيها ثلاثة مذاهب: أهل السنة يثبتون الرؤية والفوقية، الجهمية والمعتزلة، والخوارج وجمهور الإمامية المتأخرين ينفون الرؤية والفوقية، الكلابية والأشاعرة يثبتون الرؤية وينفون الفوقية والعلو. أدلة أهل السنة في مسألة إثبات الرؤية وأهل السنة اعتصموا بالكتاب والسنة، واستدلوا بالنصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واستدلوا أيضًا بالإجماع والعقل الصريح؛ إذن أدلتهم استدلوا بالكتاب واستدلوا بالسنة واستدلوا بالإجماع واستدلوا بالعقل الصريح وأدلتهم كثيرة.

لكن من أدلتهم من القرآن الكريم قول الله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) } المؤمنون لهم ما يشاءون فيها أي: الجنة ولدينا مزيد هي رؤية الله في الآخرة، فسرها العلماء بأن المزيد هو رؤية الله في الآخرة. الدليل الثاني قول الله -تعالى-: {* لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} والحسنى المراد بها الجنة، والزيادة النظر وإلى وجه الله الكريم كما جاء تفسير ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم بأن (الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم) . الدليل الثالث من القرآن الكريم قول الله -تعالى-: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) } ناضرة الأولى بالضاد من النضرة والبهاء والحسن، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) } الثاني بالظاء من النظر بالعين، ووجه الدلالة من الآية على أن الله يرى في الآخرة أن الله -سبحانه وتعالى- أضاف النظر إلى الوجه أن الله أضاف النظر الوجه الذي هو محله وعداه بأداة إلى الصريحة في نظر العين وأخلى الكلام من قرينة تدل على خلاف موضوعه وحقيقته، فدل على أن المراد النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب -جل جلاله-؛ لأنه أضاف النظر إلى الوجه الذي هو محله وعداه بأداة إلى الصريحة في نظر العين، وأخلى الكلام عن قرينة تدل على خلاف موضوعه وحقيقته فدل على أن المراد النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب -جل جلاله- وذلك أن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديته بنفسه فإذا عدى بنفسه، النظر إذا عدي بنفسه معناه التوقف والانتظار كقوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} يعني توقفوا وانتظروا وإذا عدي بفي فمعناه التفكر والاعتبار كقوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وإذا عدي بإلى فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله: انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه وهنا إلى ربها ناظرة معناه النظر بالعين، الدليل الرابع قول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) } وجه الدلالة أن الله -سبحانه وتعالى- أخبر أن الكفار محجوبون عن الله فلا يرونه فدل على أن أولياءه يرونه، وإلا لو كان المؤمنون لا يرونه لتساووا هم والكفار في الحجب، فلما أن حجب الكفار دل على أن المؤمنين لا يحجبون وبهذا استدل الإمام الشافعي- رحمه الله- فقال: لما أن حجب هؤلاء في السخط دل أن أولياءه يرونه في الرضا، هذه أمثلة من الكتاب العزيز على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة،. وأما السنة فالأحاديث فيها متواترة رواها من الصحابة نحو ثلاثين صحابيًا فهي متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد رواها نحو ثلاثين صحابيًا ساقها العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح فهي متواترة ومن المعلوم أن المتواتر يفيد العلم القطعي فلا تجوز مخالفته ومع ذلك خالف الجهمية والمعتزلة هذه النصوص، وهي متواترة من أمثلتها ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (أن ناسًا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا: لا يا رسول الله قال: هل تضامون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا: لا يا رسول الله قال: فإنكم ترونه كذلك) . الدليل الثاني: ما ثبت في الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال: (كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم ترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته) . الدليل الثالث: حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وجنتان من فضة آنيتها وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن يروا ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) رواه الشيخان. الدليل الرابع: حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - وفيه: (وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له فيقول: ألم أبعث إليك رسولًا فيبلغك؟ فيقول: بلى يا رب فيقول: ألم أعطك مالًا وأتفضل عليك؟ فيقول: بلى يا رب) والشاهد في الحديث قوله: (وليس بينه وبينه حجاب) هذا صريح في الرؤية.

الدليل الخامس: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب الرومي - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أدخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم موعدا عند الله يريد أن ينْجزكموه فيقولون: ما هو؟ ، ألم يبيض وجوهنا؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ قال: بلى فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة) رواه الإمام مسلم في صحيحه، هذه أمثلة من النصوص المتواترة، وهي كثيرة كما سبق رواها نحو ثلاثين صحابيًا في الصحاح والسنن والمسانيد، وهي صريحة في رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، ولما ساق العلامة ابن القيم -رحمه الله- هذه النصوص قال بعد ذلك فكأنك تشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ذلك ويبلغه للأمة ولا شيء أقر لأعينهم منه، وشهدت الجهمية والفرعونية والرافضة والقرامطة والباطنية وفرق الصابئة والمجوس واليونان بكفر من اعتقد ذلك وأنه من أهل التشبيه والتجسيد وساعدهم على ذلك كل عدو للسنة وأهلها، والله ناصر كتابه وسنة رسوله ولو كره الكافرون. الرد عل شبه نفاة الرؤية يقول: إن هؤلاء الجهمية والفرعونية والرافضة وغيرهم شهدوا بأن من أثبت الرؤية شهدوا بكفره شهدوا بأنه كافر وقالوا: إنه من أهل التشبيه والتجسيد، هل الجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم يكفرون من أثبت الرؤية من قال: إن الله يُرى في الآخرة يقولون:: كافر لماذا؟ قالوا: لأنه شبه الله بخلقه؛ لأنه جسد الذي يرى هو الجسم الذي يكون محدودا ومجسما الذين يكون محدود وجسم، أما الرب فلا يُرى فليس بجسم وليس محدود ليس له مكان يحصره فليس له مكان ولا يُرى، هكذا يقولون: فقالوا: من أثبت العلو وأن الله لو مكان وأثبت الرؤية فهو كافر لأنه مشبه ومجسم، فإذن هم أهل البدع يكفرون أهل السنة والجماعة ما موقف نفاة الرؤية من هذه النصوص؟ هل وقفوا مكتوفي اليدين؟ هل وقفوا مكتوفين؟ أو أجابوا عنها، أجابوا عن هذه النصوص من الكتاب والسنة تأولوها وحرفوها وقالوا: على لسان بشر المريسي بشر المريسي جهمي معتزلي جهمي قالوا: إن المراد بالرؤية في هذه الأحاديث الرؤية القلبية وهي العلم المراد الرؤية القلبية وهي العلم، فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (ترون ربكم كما ترون القمر) تعلمون أن لكم ربًا كما تعلمون أن هذا القمر قمرًا قالوا: المراد العلم (ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته) قالوا: المعنى تعلمون ربكم فيه لا تعتريكم فيه الشكوك والريب كما تعلمون في القمر أنه قمر وليس المراد الرؤية بالأبصار لكن أنتم أيها المشبهة يعنون أهل السنة توهمتم أن المراد الرؤية بالأبصار وهذا تشبيه منكم وتنقص للرب فليس المراد الرؤية بالبصر؛ لأن هذا تشبيه وتجسيد، وإنما المراد الرؤية بالقلب وقالوا: واللغة العربية تدل على ما قلنا فالعرب تقول للأعمى: ما أبصره! يعني ما أعلمه تقول للأعمى: ما أبصره! يعني ما أعلمه المراد العلم وتقول العرب: نظرت في المسألة وليس للمسألة جرم ينظر إليها وليس المراد الرؤية كما توهمون بالأبصار؛ لأن الله تفى ذلك عن نفسه بقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} والدليل على ما قلنا أن الرؤية بمعنى العلم نصوص كثيرة منها قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) } يعني ألم تعلم فدل على أن الرؤية في هذه النصوص المراد بها العلم هذا هو جواب نفاة الرؤية عن هذه النصوص. أجاب أهل السنة عن هذا الاعتراض بأجوبة: الجواب الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الرؤية في هذه الأحاديث برؤية البصر النبي صلى الله عليه وسلم قرن التفسير بالحديث فلم يدع لمتأول مقالًا فالتفسير مقرون بالحديث، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر) وهذا صريح في رؤية العين رؤية البصر الثاني أن تفسير الرؤية بالعلم تفسير مخالف لتفسير النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه لم يؤثر عن عالم لم يفسر الرؤية في هذه الأحاديث بالعلم إلا جاهل ظالم فكيف يترك تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم المقرون بحديثه إلى تفسير جاهل ضال ليس له مستند ولا يؤثر عن عالم؟ الجواب الثالث: أن أهل اللغة أجمعوا على أن اللقاء إنما يكون معاينة بالأبصار، فنقل أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب نقل إجماع أهل اللغة أن المراد باللقاء في قول الله عز وجل {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} أن اللقاء هو المعاينة بالأبصار بسند صحيح فأجمع أهل اللغة على أن اللقاء هو المعاينة بالأبصار.

رابعًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر) فأدخل كاف التشبيه على ما المصدرية الموصولة بترون التي تؤول مع صلتها بالمصدر، وهي الرؤية فيكون المعنى إنكم ترون ربكم كرؤية الشمس والقمر، وهذا ومعلوم أننا نرى الشمس والقمر بأبصارنا من فوقنا، فيجب أن تكون رؤية الله كذلك بالأبصار من فوق. الخامس: أننا لا ننكر أن الرؤية لها معان متعددة تكون الرؤية بالبصر وتكون الرؤية بالقلب وتكون الرؤية رؤية الحلم كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (رأيت ربي في أحسن صورة) يعني في النوم، فالرؤية تكون بالبصر وتكون الرؤية بالعلم، وتكون الرؤية رؤية الحلم في النوم، ولكن لا بد من قرينة تبين المعنى المراد، وأي قرينة فوق هذه القرينة فوق قوله صلى الله عليه وسلم (إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب) ؟ فهل هذا مما يتعلق برؤية البصر أو مما يتعلق برؤية القلب وهل يخفى هذا على ذي البصيرة؟. السادس: أن تفسير الرؤية بالعلم تفسير مخالف لتفسير النبي صلى الله عليه وسلم ومخالف للغة ويترتب عليه فساد المعنى مع ما فيه من المعاندة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن تفسيركم أيها النفاة للرؤية بالعلم تقولون: إنكم ترون ربكم كما ترون القمر أي: تعلمون أن لكم ربًا لا تشكون في ربوبيته كما لا تشكون في القمر أنه قمر، هذا الشك زائل عن المؤمنين وعن الكفار يوم القيامة؛ لأنه في موقف القيامة كل يعلم ريه حتى الكفرة حتى النفاة حتى من أنكروا وجود الله إذا كان يوم القيامة علموا بربهم وتيقنوا ربهم، فالشك في الربوبية زائل عن جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم والنبي صلى الله عليه وسلم خص المؤمنين بالرؤية وبشرهم هذه البشرى؟ ما قيمة هذه البشرى وما فائدة التخصيص إذا كان المراد بالرؤية العلم؟ لأن العلم حاصل لجميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم كلهم إذا وقفوا يوم القيامة عرفوا ربهم وعلموا ربهم ولا يشكون فيه، فما قيمة تخصيص المؤمنين بالرؤية؟ ما قيمة بشرى النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بأنهم يرون ربهم يوم القيامة؟ ما فائدة تخصيص المؤمنين بالرؤية؟ فتفسير الرؤية بالعلم في هذه الأحاديث مع كونه مخالفًا للغة يفسد فيه المعنى ولا يكون الحديث معنى سليمًا مع ما فيه من المعاندة للرسول صلى الله عليه وسلم. قال النفاة للرؤية لما أجيبوا بهذه الأجوبة قالوا: ألجأنا إلى نفي الرؤية إلى نفي رؤية الله في الآخرة حكم العقل بأن رؤيته -تعالى- محال لا يتصور إمكانها هذا هو الذي ألجأنا الذي ألجأنا إلى أن نفينا رؤية الله في الآخرة حكم العقل بأن رؤية الله -تعالى- محال لا يتصور إمكانها؛ لأنهم يرون كما سيأتي في أدلتهم أن الله ليس بجسم ولا داخل العالم ولا خارجه، وما كان كذلك لا تمكن رؤيته قالوا: حكم العقل هو الذي ألجأنا لهذا حكم العقل بأن رؤية الله محال لا يتصور وجودها ولا يتصور إمكانها، أجاب أهل السنة بأن هذه دعوى منكم خالفكم فيها أكثر العقلاء قولكم: إن العقل يحكم بأن الرؤية محالة هذه دعوى خالفكم فيها أكثر العقلاء، بل لو عرض على العقل السليم موجود قائم بنفسه لا يمكن رؤيته لحكم بأن هذا محال، فأكثر العقلاء يخالفونكم في هذا لو عرض على العقل السليم بأن هناك موجود قائم بنفسه لا تمكن رؤيته لحكم بأن هذا محال دليل أهل السنة من الإجماع قالوا: أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الأئمة والعلماء على أن الله -تعالى- يُرى في الآخرة بالأبصار أجمع على هذا الصحابة والتابعون قبل مجيء الجهمية والرافضة والمعتزلة والخوارج أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الأئمة على أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم عيانا في الآخرة، وما زال العلماء والأئمة وأهل السنة يتناقلون هذا الإجماع يرويه المتأخر عن المتقدم، والمتقدم يورثه للمتأخر يقدرون ذلك ويفتون بذلك ويقولون: بذلك ويتجملون بذلك ينقلون هذا بعضهم عن بعض ويتوارثونه جيلًا عن جيل وقرنًا بعد قرن بل كان من أكثر رجائهم وأجزل ثوابهم عند الله أنهم يرونه في الآخرة أعظم نعيم من الله يلقاه أهل الجنة هو رؤية الله في الآخرة، فأنتم أيها النفاة نفيتم أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة وهو الرؤية، وقد نقل البيهقي -رحمه الله- إجماع الصحابة على إثبات الرؤية وأن الصحابة أجمعوا على ذلك، ولا زال أهل السنة والجماعة والأئمة والعلماء يؤلفون المؤلفات ويعدون من أنكر الرؤية أنه معطل من أهل التعطيل، ومن تراجمهم باب إثبات الرؤية والرد على الجهمية ويعدون من أنكر الرؤية من أهل التعطيل، ومن مؤلفاتهم: باب الوعيد لمنكر الرؤية كما فعل شيخ الإسلام وغيره -رحمه الله- فثبت بهذا إجماع الصحابة ومن بعدهم من التابعين والأئمة والعلماء على إثبات رؤية الله في الآخرة قبل مجيء نفاة الرؤية،.

أما دليلهم من العقل قالوا: إن الرؤية أمر وجودي لا يتعلق إلا بموجود، وما من أكمل وجودا كان أحق بالرؤية من غيره والله -تعالى- أكمل وجودا من غيره فهو أحق أن يرى من غيره يوضح ذلك أن تعذر الرؤية إما لخفاء المرئي وإما لضعف وآفة في الرائي والله -تعالى- ليس به خفاء فهو أظهر من كل موجود، وإنما تعذرت رؤيته في الدنيا لضعف القوة الباصرة، فإذا كان يوم القيامة نشئ المؤمنون تنشئة قوية بجوارح وأبصار قوية يتحملون بها رؤية الله في الآخرة، أما في الدنيا فلا يستطيعون أن يروا الله لا يستطيع البشر لضعف بشريتهم أن يروا ربهم في الدنيا، ولهذا لما سأل موسى ربه الرؤيا قال: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} فلما تجلى الله للجبل تدكدك الجبل وخر موسى صعقًا، وإذا كان الإنسان في الدنيا الآن لا يستطيع أن يرى الشمس ويحد بها، وهي مخلوقة فكيف يستطيع أن يرى الله؟ بل إن الإنسان لا يستطيع أن يرى الملك على صورته إلا إذا قواه الله، قال الله -تعالى-: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا} {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ} يعني لمات لا يستطيع الإنسان أن يرى الملك على صورته والنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الملك على صورته رعب رعبًا شديدًا وذهب إلى زوجته، وقال: دثروني دثروني وقواه الله، فإذا كان الإنسان البشر لا يستطيعون أن يروا الملك على صورته ولا يستطيع أن يرى الشمس ويحدق فيها ويحدق فيها وهي مخلوق فيكف يستطيع أن يرى الله في الدنيا؟ لا يستطيع البشر أن يروا الله لكن في الآخرة ينشئهم الله تنشئة قوية بأجسام قوية وأبصار قوية يتحملون فيها رؤية الله عز وجل. هذه أدلة أهل السنة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، أما الكلابية والأشاعرة، فهم أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة والفوقية وهم أرادوا بذلك أن يجمعوا بين الاعتقادين بين اعتقاد نفي الجسمية عن الله وبين إثبات الرؤية لما ليس بجسم بالحس فأرادوا أن يثبتوا الرؤية؛ لأنهم لم يجرءوا على إنكارها ولم يستطيعوا إنكارها لكن أرادوا أن يبقوا مع المعتزلة في نفس الجهة والفوقية فهم لا يريدون أن يفارقوا المعتزلة، فكانوا مع المعتزلة في نفي الفوقية عن الله والعلو؛ لأن الله ليس بجسم والذي ليس بجسم ولا يكون المكان إلا للأجسام، والله ليس بجسم فلا يكون له مكان، فأرادوا أن يجمعوا بين الاعتقادين بين اعتقاد نفي الجسمية عن الله عز وجل وبين إثبات الرؤية لما ليس بجسم بالحس، فأرادوا أن يكونوا مع أهل السنة في إثبات الرؤية وأن يكونوا مع المعتزلة في نفي الجهة والفوقية فعجزوا عن ذلك فلجأوا إلى حجج السفسطائية وهي الحجج المموهة التي توهم أنها حجة وليست بحجة؛ لأن الحجج أقسام هناك حجج يقينية تفيد اليقين، هناك حجة تفيد اليقين، وهناك حجة دون اليقين، وهناك حجة موهمة مرائية وهي التي توهم أنها حجة وليست بحجة، وهذه كحجة الأشاعرة كما أن الناس أقسام، فمن الناس من هو فاضل تام الفضيلة ومن الناس من هو دون ذلك في الفضل، ومن الناس من هو مرائي يوهم أنه فاضل وليس بفاضل، فلما عجزوا عن ذلك قالوا: نثبت الرؤية وننفي الجهة والفوقية فقالوا: إن الله يُرى لا في جهة أين يُرى من فوق قالوا: لا من تحت قالوا: لا من أمام قالوا: لا خلف قالوا: لا عن يمين، قالوا: لا عن شمال قالوا: لا أين يُرى؟ قالوا لا في جهة هذا مذهب الأشاعرة أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة والفوقية. مناقشتهم ناقشهم أهل السنة بجوابين: الجواب الأول: وهو أن يقال: إنكم أيها الكلابية والأشاعرة انفردتم بهذا القول عن طوائف بني آدم وخرجتم به عن ضرورات العقل، فإنه في بدائه العقول أن كل مرئي لا بد أن يكن مواجهًا للرائي مباينًا له لا يمكن أن يكون هناك مرئي قائم بنفسه إلا بجهة للرائي لا بد أن يكون مباينًا للرائي مواجهًا له أما أن يوجد مرئي ليس في جهة هذا لا يعقل؛ ولهذا ضحك جمهور العقلاء من الكلابية والأشعرية حينما أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة قالوا: هذا لا يمكن ولا يتصور خرجتم بذلك عن ضرورات العقول خرجتم بذلك عما هو معروف في بدائه العقول لا بد للرؤية من جهة لا بد أن يكون المرئي مواجهًا للرائي مباينًا له، إما أن يكون هناك مرئي ليس له جهة، فهذا لا يعقل ولا يتصور؛ ولهذا أنكر على الكلابية والأشاعرة جميع طوائف بني آدم وضحكوا من إثباتهم الرؤية إنكارهم الجهة والفوقية قالوا: هذا لا يمكن ولا يتصور ولا يعقل، فإنه يلزم من الرؤية أن يكون المرئي بجهة من الرائي؛ ولهذا تسلط عليهم المعتزلة وقالوا: أنتم الآن وقعتم في الفخ كيف تثبتون الرؤية ولا تثبون الجهة؟ لا بد أن تثبتوا الجهة والفوقية فتكونوا أعداء لنا مع المشبهة أو تنفوا الرؤية فتكونوا معنا، أما أن تبقوا مذبذبين تثبتون الرؤية وتنكرون الجهة والفوقية فهذا غير معقول غير متصور ولا يمكن.

الجواب الثاني: الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم الصريحة الأخبار المتواترة الصريحة في أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: (هل تضارون في رؤية الشمس والقمر قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك) وفي الحديث الثاني (هل نرى ربنا قال: نعم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب وكما ترون القمر صحوا ليس دونه سحاب) وفي الحديث الآخر (ترون ربكم عيانًا) يعني مواجهة، فهذه النصوص صريحة في أننا نرى ربنا كما نرى الشمس والقمر كيف نرى الشمس والقمر من أي جهة نراها؟ من فوق وهو عيانا يعني معاينة مواجهة معاينة، فالأحاديث صريحة في هذا، وليس المراد من الأحاديث تشبيه الله بالقمر والشمس -تعالى الله- بل المراد تشبيه الرؤية بالرؤية والمعنى أننا نرى ربنا يوم القيامة رؤية واضحة لا لبس فيها من فوقنا كما أننا نرى الشمس والقمر رؤية واضحة لا لبس فيها من فوقنا، هو تشبيه للرؤية بالرؤية وليس تشبيهًا للمرئي بالمرئي، ليس المراد تشبيه الله بالشمس والقمر، فالله ليس له مثيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} سبحانه {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) } بل المراد تشبيه الرؤية بالرؤية. وبطل بهذا دعوى الكلابية والأشاعرة من أنه يمكن أن تكون هنا كرؤية بلا جهة لما ألزموا بذلك وألزمهم الخناق قالوا: عندنا دليل عقلي على أن الرؤية ممكنة بدون جهة قال الكلابية والأشاعرة: عندنا دليل من العقل يدل على أن الرؤية ممكن أن تكون من غير جهة وهو أن الإنسان يرى صورته في المرآة وليس في جهة، الإنسان يرى نفسه في المرآة وليس في جهة منها هذه رؤية بدون جهة، فكذلك الله يرى لا في جهة أجاب أهل الحق بأن هذا تلبيس منكم أيها الكلابية والأشاعرة هذا تلبيس منكم، فإن الإنسان لا يرى صورته الحقيقية في المرآة وإنما يرى خيال صورته تنطبع في الجسم الصقيل وهو أيضًا في جهة منها، أما ما يراه أمامه يرى خيال صورته تنطبع في الجسم الصقيل وهو في جهة منها، فتبين بهذا أن هذا الدليل العقلي الذي زعموه لا قيمة له، وبطل بهذا هذا المذهب وهو أنه يلزم الكلابية والأشاعرة أن يثبتوا الجهة والعلو حتى يكونوا من أهل السنة أو ينفوا الرؤية فيكونوا كالمعتزلة وأنه لا يمكن لهم البقاء على هذا المذهب، ومع ذلك فهم أقرب إلى الحق من المعتزلة؛ لأن من أثبت شيئًا من الحق فهو أقرب ولو كان متناقضا هم متناقضون، ولكن مع ذلك هم أقرب إلى الحق من المعتزلة النفاة؛ لأنهم أثبتوا الرؤية وهي حق، وإن كان يلزمهم أن يثبتوا الفوقية والعلو لكن مع ذلك هم أقرب للحق من نفاة الرؤية. أما نفاة الرؤية من الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية لهم شبة عقلية ولهم شبة شرعية أخشى أن يطول بنا المقام لعلنا نقتصر على هذا ونؤجل استعراض شبه النفاة للغد -إن شاء الله- ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن مسألة الرؤية مسألة عظيمة من أشرف مسائل أصول الدين كما سبق، ومن المسائل التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة، وبين المخالفين لهم من أهل البدع، وسبق البارحة أن سُقنا أدلة أهل السُنة والجماعة الذين يثبتون رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة. وأما النفاة الذين ينفون رؤية الله في الآخرة مثل الجهمية والمعتزلة، ومن تبعهم من الخوارج والإمامية فلهم شبه، شبه عقلية وشبه شرعية، والمراد بالشبه الأدلة لكن إذا كان المستدَل غير محق سمى شبها. شبها عقلية وشبها شرعية. والأصل الذي قادهم إلى هذا هو اعتمادهم على العقل، العقل هو الأساس عند المعتزلة عند النُّفاة، بلاؤهم إنما جاءهم من تقديم العقل على النقل والاعتماد على العقل، وجعل العقل أساس فهم، اعتمدوا على عقولهم، وتركوا كتاب الله وراءهم ظهريا، فلما اعتمدوا على العقل أولوا النصوص التي تدل على إثبات الرؤية؛ لأنهم اعتمدوا على عقولهم، فلما كان العقل هو الأصل هو الأساس عند النفاة حرفوا لأجله النصوص من كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يوافق عقولهم فمن شبه الرؤية العقلية. الدليل العقلى: أولًا: هو أنهم قالوا: إنه يلزم من إثبات رؤية الله أن يكون الله ذا جهة، ويلزم من كونه ذا جهة أن يكون جسمًا، أو أن يكون محدودًا ومتحيزًا، والله ليس في جهة جسمًا، وليس محدودًا، ولا متحيزًا، فالرؤية منتفية؛ لانتفاء لازمها، وهو الجهة قالوا: ولو أثبتنا الرؤية للزم بذلك أن يكون الله ذا جهة، ويلزم من كونه ذا جهة أن يكون جسما، ويلزم من كونه جسما أن يكون محدودًا وأن يكون متحيزا وهذا تنقصٌ للرب.

فالله ليس في جهة، مستغن عن الجهات، لا تحويه الجهات، والله ليس جسمًا، ولا محدودًا، ولا متحيزًا، فالرؤية منتفية؛ لأنتفاء لازمها، وهو الجهة، وقد يصوغون هذا الدليل بصياغة منطقية، فيصوغون الدليل مركبا من مقدمتين ونتيجة كما هو معروف عند أهل المنطق فيقولون في صياغة الدليل: الله ليس في جهة، وكل ما ليس في جهة لا يرى، فالنتيجة الله لا يرى هذا الدليل المنطقي، مكون من مقدمتين ونتيجة، والنتيجة مستخلصة من المقدمتين، الله ليس في جهة هذه المقدمة الأولى مكونة من مبتدأ، أو خبر. المقدمة الثانية كل ما ليس في جهة لا يرى النتيجة تؤخذ من المقدمتين وهو أنك تحذف مبتدأ الجملة الأولى وخبر الجملة الثانية فتأخذ النتيجة الله لا يُرى، وأنت إذا سلمت لهم المقدمتين ألزموك بالنتيجة يقولون: الله ليس في جهة إذا سلمت ثم يأتون بالمقدمة، وكل ما ليس في جهة لا يُرى، إذا سلمت ألزموك بالنتيجة أن الله لا يُرى، لكن الطريقة في هذا أنك تعارض المقدمة الأولى فلا تسلم بها أو تعارض المقدمة الثانية فلا تسلم بها، أو تعارض كلا المقدمتين حتى تبطل النتيجة. والجواب عن هذه الشبهة: أولًا: أن يقال: ما قولكم في الجهة؟ تقولون: إنه يلزم من إثبات رؤية الله أن يكون في جهة بالجهة.. هل مرادكم بالجهة أمر وجودي؟ أو أمر عدمي؟ هل مرادكم بالجهة أمر مخلوق؟ أو أمر عدمي؟ ومن المعلوم أنه ليس هناك في هذا العالم إلا الخالق والمخلوق، فإن أردتم بالجهة أمرا وجوديا يعني أمرا مخلوقا، فالله منزه أن يكون في جهة بهذا المعنى، فليس في شيء من مخلوقاته، وهو سبحانه لا.. لم يدخل في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، فهو بائن عن مخلوقاته -سبحانه وتعالى-، فإن أردتم بالجهة جهة وجودية مخلوقه تحويه وتحصره، وتحيط به إحاطة الظرف بالمظروف، فالله منزه عن الجهة بهذا المعنى؛ لأن الله ليس في جهة من خلقه، وليس في شيء من خلقه، ولا يحويه شيء من خلقه، ولا يحصره شيء من خلقه -سبحانه وتعالى- فهو أعظم، وأعلى، وأجل، وهو متميز عن خلقه منفصل بائن عنهم -سبحانه وتعالى-. فالله ليس في جهة بهذا المعنى، وإن أردتم بالجهة أمرا عدميا غير مخلوق أمرا عدميا، وهو ما فوق العرش؛ لأن هذه المخلوقات سقف عرش الرحمن ما فوق العرش ليس هناك أحد إلا الله، فإن أردتم بالجهة أمرا عدميا، وهو ما فوق العرش، فإن نفيكم الجهة بهذا المعنى باطل، فالله في جهة نفى في العلو بعد أن تنتهي المخلوقات إلى سقف عرش الرحمن الله في العلو فوق العرش، فإذًا لا بد من التفصيل، فإن أردتم بالجهة أمرا مخلوقا فالله ليس في جهة، وإن أردتم بالجهة أمرا عدميا، وهو ما فوق العرش، فالله في جهة وعلى هذا فقولكم: الله ليس في جهة في المقدمة الأولى، إن أردتم بالجهة أمرا عدميا. فنقول: المقدمة الأولى باطلة، قولكم الله ليس في جهة إن أريد به أمرا عدميا نقول: هذه المقدمة باطلة، ولا دليل على إثباتها بل نقول: الله في جهة بهذا المعنى؛ لأن الجهة أمر عدمي، والمعنى أن الله في العلو فوق العرش، وإن أردتم بالجهة أمرا وجوديا بطلت المقدمة الثانية، وهو قولكم: كل ما ليس في جهة لا يرى؛ لأنه لا يلزم أن يكون كل مرئي في جهة مخلوقة، فإن سطح العالم يمكن أن يُرى، وليس العالم في عالم آخر، كل ما ليس في جهة لا يرى يعني كل ما ليس في شيء مخلوق لا يرى هذا باطل؛ لأن سطح العالم لم يمكن أن يرى، وليس العالم في عالم آخر، وإلا لزم التسلسل يكون العالم في عالم، والعامل في عالم إلى ما لا نهاية، وإذا بطلت المقدمتين، أو بطلت إحداهما بطلت النتيجة، وهو من قولكم: الله لا يُرى هذا هو الدليل الأول العقلي. الدليل الثاني لنفاة الرؤية لله عز وجل قالوا: الله ليس بجسم، ولا هو داخل العالم ولا خارجه، وما كان كذلك لا تمكن رؤيته، ويقولون: الله ليس بجسم ولا داخل العالم ولا خارجه، وما كان كذلك لا تمكن رؤيته وأجيب عن هذا الدليل العقلى بأجوبة: الجواب الأول: أن إثبات ما لا يكون داخل العالم ولا خارجه أمر لا يمكن الإحساس به، والحكم الفطري يحيل إثبات شيء، أو أمر لا يمكن الإحساس به أن إثبات ما لا يكون داخل العالم ولا خارجه لا يمكن الإحساس به، والحكم الفطري يحيل وجود ما لا يمكن الإحساس به. الجواب الثاني: سلَّمنا وجود أمر، أو شيء لا يمكن الإحساس به فوجود ما يمكن الإحساس به أولى سلمنا وجود أمر، سلمنا التسليم هذا جدل سلمنا من جهة لنرد من جهة أخرى، سلمنا وجود أمر لا يمكن الإحساس، فوجود ما يمكن الإحساس به أولى، فمن أثبت موجودًا فوق العالم ليس بجسم يمكن الإحساس به، كان قوله أقرب إلى العقل ممن أثبت موجودا لا يمكن الإحساس به وليس داخل العالم ولا خارجه. الجواب الثالث: أن رؤية ما ليس بجسم ولا في جهة إما أن يحوزه العقل، وإما أن يمنعه، فإن جوَّزه فلا كلام، وإن منعه كان منع العقل لإثبات موجود لا داخل العالم، ولا خارجه أشد وأشد.

الجواب الرابع: أن رؤية الباري -تعالى- إما أن تكون ممكنة وإما أن لا تكون ممكنة فإن كانت ممكنة، بطل قولكم بإثبات موجود لا يمكن الإحساس به، وهو ما لا يكون لا داخل العالم ولا خارجه، وإن قلتم رؤيته غير ممكنة قيل لكم: فحينئذ هو غير محسوس، فلا يقبل فيه حكم الوهم، فإن قلتم رؤيته غير ممكنة قيل لكم: هو غير محسوس، وإن قلتم: رؤيته ممكنة، إما أن تكون رؤيته ممكنة، وإما أن لا تكون ممكنة. فإن كانت ممكنة بطل قولكم بإثبات موجود غير محسوس، وهو ما لا يكون داخل العالم ولا خارجه، وإن قلتم: غير ممكنة قيل لكم: فحينئذ هو غير محسوس فلًا يقبل فيه حكم الوهم، فثبت أنَّ رؤية الله -سبحانه وتعالى- مناسبة له، وليست كالرؤية المعهودة للأجسام، هذه الأدلة العقلية يصارع فيها الخصم بالأدلة التي يعتقدها دليل بدليل، دليل عقلي يرد عليه برد عقلي. أما أدلتهم الشرعية وشبههم الشرعية فاستدلوا بأدلة: الدليل الأول: استدلوا بقول الله -تعالى-: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) } ووجه الاستدلال قالوا: وجه الاستدلال أن الله نفي رؤية موسى له بلن فقال: " لن تراني " فلن تقتضي النفي المؤبد فدل على أن الله لا يُرى في الآخرة، أجاب أهل الحق عن استدلالهم. أولًا: نحن لا نوافق أن " لن " تقتضي النفي المؤبد، بل نقول بأن القول بأن لن تقتضي النفي المؤبد قول ضعيف مرجوح عند النحاة وأهل اللغة أن " لن " لا تقتضي النفي المؤبد بدليل تحديد الفعل بعدها في قول الله -تعالى-: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) } فلو كانت للنفي المؤبد لما حُدد الفعل بعدها، فلما حدد الفعل بعدها دل على أنها ليست للنفي المؤبد. ولهذا قال ابن مالك -رحمه الله -تعالى- ألفيته: ومن رأى النفي بلن مؤبدًا *** فقوله اردد وسواه فاعضدا يعني قوله ضعيف رد هذا القول لضعفه. الجواب الثاني: أن لن لا تفيد النفي المؤبد، ولا تفيد دوام النفي في الآخرة حتى ولو قيدت بالتأييد حتى، ولا جاء التأبيد بعدها، فهي لا تفيد دوام النفي بالتأبيد، والدليل على ذلك قول الله -تعالى- عن اليهود: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) } فأخبر الله عن الكفار أنهم لا يتمنون الموت بسبب ما قدمت أيديهم من الكفر، ولن يتمنوه قيدت " لن " بالتأبيد ثم أخبر الله أنهم تمنوا الموت في الآخرة. كما أخبر الله عن أهل النار أنهم قالوا: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} هذا هو تمني للموت، فتمنوه في الآخرة، فدل على أن لن لا تفيد دوام النفي في الآخرة حتى ولو قيدت بالتأبيد، فكيف إذا لم تقيد بالتأبيد. الجواب الثالث: أن نقول: إن الآية الكريمة وهي قول الله -تعالى- " لن تراني " لموسى {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} تدل على ثبوت الرؤية في الآخرة من وجوه متعددة. الوجه الأول: أن موسى -عليه الصلاة والسلام- سأل ربه الرؤية، ولو كانت الرؤية مستحيلة، وغير ممكنة لما سألها موسى -عليه الصلاة والسلام- وهو كليم الرحمن وأعلم الناس بربه في وقته، فهو لا يجهل الجائز في حق الله -تعالى-، فلما سأل موسى دل على أن الرؤية ممكنة ليست مستحيلة لا يتحمل الرؤية لا يستطيع. الوجه الثاني: أنه لو كانت الرؤية مستحيلة وغير ممكنة؛ لأنكر الله على موسى سؤاله رؤيته، كما أنكر الله على نوح سؤاله نجاة ابنه، فإن نوحًا -عليه الصلاة والسلام- لما أغرِق ابنه الكافر نادى ربه {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رب إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) } أنكر الله عليه فقال: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) } فلو كانت الرؤية غير جائزة؛ لأنكر الله على موسى سؤاله، كما أنكر على نوح سؤاله نجاة ابنه، لكن الله لم ينكر على موسى سؤاله، ولكنه لا يستطيع النظر، لا يستطيع رؤية الله في الدنيا ببشريته الضعيفة.

الوجه الثالث: أن الله -تعالى- أجاب موسى بما يدل على جواز الرؤية، ولم يجبه بما يدل على نفيها، لو كانت الرؤية غير جائزة لأجاب الله موسى بما يدل على نفي الرؤية واستحالتها فقال له: إني لا أرى " أو لا تمكن رؤيتي، أو لست بمرئي، وإنما أجابه قال: {لَنْ تَرَانِي} ولم يقل: إني لا أرى، أو لا تمكن رؤيتي، والفرق بين الجوابين ظاهر، كما تأمل تعدد فرق بين " لن تراني " أو لا يمكن أن أُرى، أو لا تجوز رؤيتي، أو لست بمرئي. الوجه الرابع: أن الله لم يعلق الرؤية بشىء مستحيل كالأكل، والشرب، والنوم؛ لأن هذا الأكل، والشرب، والنوم مستحيل على الله، وإنما علقه بشيء ممكن، وهو استقرار الجبل فقال: الله لموسى: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} والله قادر على أن يجعل الجبل مستقرًا، فلم يعلقه بشيء مستحيل، كالأكل، والشرب، والنوم، وإنما علقه بشيء ممكن، وهو استقرار الجبل، والله قادر على أن يجعل الجبل مستقرًا. الخامس: أن موسى -عليه الصلاة والسلام- لا يستطيع رؤية الله -تعالى- في الدنيا ببشريته، لضعف القوة البشرية عن تحمل رؤية الله -تعالى-، فإذا كان يوم القيامة نشأ الله المؤمنين تنشئة قوية يستطيعون بها الثبوت لرؤيته -سبحانه وتعالى-. السادس: أن الله تجلى للجبل وهو جماد، ولا ثواب له ولا عقاب عليه، فلأن يتجلى الله لرسله وأوليائه وعباده المؤمنين في دار كرامته من باب أولى. السابع: أن الله نادى موسى، وناجاه، وكلمه، ومن جاز عليه التكليم، وأن يسمع مخاطبه كلامه جاز عليه… جاز رؤيته في الآخرة أن الله نادى موسى، وناجاه، وكلمه، فمن جاز عليه النداء والتكليم، وأن يسمع مخاطبه كلامه جاز أن يراه من باب أولى في الدار الآخرة. الثامن: أن رؤية الله نعيم، وهو أعظم نعيم، والنعيم يكون لأهل الجنة ولا يكون لأهل الدنيا؛ فلذلك فلذلك منع موسى من رؤية الله؛ لأن الرؤية نعيم، أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة هو رؤية الله، كما جاء في الحديث؛؛ ولذلك أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة هو الرؤية، فإذا كشف الله -سبحانه وتعالى- الحجاب ورآه المؤمنون نسوا ما هم فيه من لذة، فهم في أعظم نعمة يعطاها أهل الجنة، فالرؤية نعيم، والنعيم لا يكون لأهل الدنيا، وإنما يكون لأهل الجنة؛ فلذلك نفى الله رؤية موسى له في الدنيا، وبهذا يبطل استدلال نفاة الرؤية بهذه الآية الكريمة. الدليل الثاني: استدلوا بقول الله -تعالى-: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) } . وجه الاستدلال: قالوا: إن الله نفى إدراك الأبصار له، فدل على أن الله لا يُرى في الآخرة، وهذا نفي للرؤية، والجواب أُجيبَ بجوابين: الجواب الأول: أن الله نفى الإدراك، ولم ينف الرؤية؛ وا لإدراك قدر زائد على الرؤية وهو أخص من الرؤية، والرؤية أعم، ونفي الأخص لا يدل على نفي الأعم، إن الله نفى الإدراك ولم ينف الرؤية، ففرق بين الرؤية وبين الإدراك، فالرؤية أعم من الإدراك، والإدراك أخص، ونفي الأخص لا يدل على نفي الأعم، والإنسان قد يرى الشيء لا يدركه؛ لأن الإدراك هو الإحاطة، فالله نفى الإدراك وهو الإحاطة، ولم ينف الرؤية، فأنت ترى السماء لكن هل تحيط بها رؤية؟ لا تحيط بها من جميع جهاتها ترى جزءا منها فأنت ترى السماء لكن هل تحيط بها رؤية وأنت ترى البستان الواسع لكن لا تحيط به رؤية، ترى الجبل ولا تحيط به رؤية، ترى المدينة أنت في مدينة الرياض الآن هل تحيط بها؟ لا تحيط بها من خلال الرؤية لا تحيط بها. وإذا كان الإنسان يرى بعض المخلوقات ولا يحيط بها رؤية، فكيف يحيط بالله -سبحانه وتعالى-؟ فالله -تعالى- يُرى ولا يحاط به رؤية كما أنه يُعلم ولا يحاط به علما -سبحانه وتعالى- فهو يُرى ولا يحاط به رؤية لكمال عظمته، وكونه أكبر من كل شيء. والدليل على أن نفي الرؤية غير نفي الإدراك، غير نفي الرؤية ما أخبر الله -سبحانه وتعالى- عن موسى -عليه الصلاة والسلام- حينما سار بالجيش وتبعه فرعون وقومه {* وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) } فسرى موسى بجيش وتبعه فرعون بجيشه فلما تراءى قال الله: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) } الرؤية ثابتة " فلما تراءى الجمعان ". الجمع الجمعان هما الجيشان: الجمع الذي يقوده موسى، والجمع الذي يقوده فرعون، {تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} رأى بعضهم الآخر ثبتت الرؤية {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) } لمحاطٌ بنا، فنفى موسى الإدراك فقال: كلا لستم بمدركين {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) } فإذًا الرؤية ثابتة تراءى الجمعان ولكن نفى موسى الإحاطة.

يعنى يقول قوم موسى -عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) } سوف يحيط بنا فرعون ماذا نفعل؟ البحر أمامنا، فإن خضناه غرقنا، وفرعون وجيشه خلفنا، فإن وقفنا أدركنا، ماذا نفعل؟ {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) } فقال موسى: "كل"الستم بمدركين {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) } فأمر الله موسى فضرب البحر بعصاه فصار يبسا في الحال، اثني عشر طريقًا فسلكه موسى وقومه، وتبعه فرعون وقومه، فلما خرج موسى من الجهة الثانية وتكامل جيش فرعون أمر الله البحر ينطبق عليهم، وأن يعود إلى حالته، فإذًا الرؤية ثابتة، تراءى الجمعان فموسى نفى الإدراك، ولستم بمدركين فدل على أن الإدراك قدر زائد على الرؤية وهو الإحاطة، فالله -تعالى- يُرى ولكن لا يحاط به رؤية، لكمال عظمته، وكونه أكبر من كل شيء. الجواب الثاني: أن الآية سيقت مساق المدح، الآية سيقت مساق المدح والمدح إنما يكون بالصفات الثبوتية، أو بالنفي الذي يتضمن إثبات ضده من الكمال لا بالنفي المحض الآية سيقت مساق المدح، الله أثنى على نفسه بأنه {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} الآية سيقت مساق المدح، والمدح إنما يكون بشيئين: الشيء الأول: الصفات الثبوتية كما يمدح نفسه بأنه بكل شيء قدير، وأحاط بكل شيء علمًا. والثاني: النفي الذي يتضمن إثبات ضده من الكمال، كنفي السنة والنوم بكمال قيوميته {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} هذا نفي، لكن يتضمن إثبات ضده من الكمال حياته وقيوميته. لا يعجزه شيء لكمال قوته، واقتدار نفي الموت لكمال حياته {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) } لكمال عدله، نفي الولد والشريك والصاحبة لكمال ربوبيته {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} لكمال علمه، فكذلك هذه الآية {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} لكمال عظمته، وكونه أكبر من كل شيء، فالنفي المحض فالنفي. فالكمال إنما يكون بالنفي الذي يتضمن إثبات ضده من الكمال كما في هذه الآيات، أو يكون بالصفات الثبوتية. أما النفي المحض الصرف فهذا لا يكون كمالًا؛ لأن المعدوم يوصف بالنفي الصرف المحض والمعدوم لا يمدح، فلو كان المراد من الآية نفي الرؤية فقط لما كان كمالًا، ولما كان مدحًا لو قيل: معنى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} لا تراه العيون، لم يكن في هذا مدح، المعدوم لا يُرى لو قال: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} لو قيل: كان معنى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} لو كان معنى الآية كما تقولون أيها النفاة {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} لا تراه العيون، لم يكن في هذا مدح؛ لأن المعدوم لا يُرى، فما فائدة هذا النفي؟ ولكن إنما يكون كمالًا إذا تضمن إثبات ضده من الكمال وهو إثبات الرؤية ونفي الإدراك، والمعنى تراه الأبصار ولكن لا تحيط به، ولا تدركه لكمال عظمته ولكونه أكبر من كل شيء -سبحانه وتعالى- فتبين أن الآية تدل على إثبات الرؤية ولكن المنفي هو الإدراك وهو الإحاطة لكونه -سبحانه- أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء. الدليل الثالث: استدلوا بقول الله -تعالى-: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) } وقال سبحانه: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} وقال سبحانه: {* وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) } قالوا: وجه الدلالة من هذه الآيات أن الله -تعالى- أنكر على من سأل رؤيته وذمه، أنكر على هؤلاء حينما سألوا رؤية الله وذمهم وعاقبهم بالصاعقة، والصيحة بالصاعقة لظلمهم، فدل على أن الله لا يُرى في الآخرة، لو كان الله يرى لما أنكر على هؤلاء الذين طلبوا رؤية الله، وذمهم وعاقبهم بالصاعقة {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) } {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} {* وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) } فإذًا الذين سألوا رؤية الله ذمهم الله وعاقبهم وأنكر عليهم وعاقبهم بالصاعقة لظلمهم فدل على أن الله لا يُرى في الآخرة، هذا استدلال.

والجواب الرد أن يقال: إن هؤلاء الذين ذمهم الله وعاقبهم وأنكر عليهم؛ لأنهم سألوا شيئًا ممنوعًا، سألوا رؤية الله في الدنيا إلحافًا ألحفوا في السؤال، سألوا رؤية الله إلحافًا، فذمهم وعاقبهم وأنكر عليهم وعاقبهم بالصاعقة. لكن لو سألوا رؤية الله في الآخرة لما ذمهم الله، فإن الصحابة -رضوان الله عليهم- سألوا النبي صلى الله عليه وسلم رؤية الله في الآخرة قالوا: (هل نرى ربنا؟ فقال: نعم، كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب) فلما سألوا رؤية الله في الآخرة أثبت ذلك، أثبت الرؤية وبشرهم بذلك، وحسَّنه لهم بشَّرهم بذلك بُشرى جميلة وأنهم يرون الله في الآخرة، لكن هؤلاء الذين أنكر الله عليهم وذمهم وعاقبهم؛ لأنهم سألوا شيئًا ممنوعًا في الدنيا، سألوا ممنوعًا؛ ولذلك عاقبهم الله بالصاعقة، وذمهم وعاب عليهم، لكن لو سألوا رؤية الله في الآخرة كما سأل الصحابة لما ذمهم الله، ولما أنكر عليهم بل لبشرهم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بشر الصحابة، وحسنها لهم، وبشرهم بشرى جميلة، فدل على أن الله يُرى في الآخرة، أما في الدنيا فلا يُرى -سبحانه وتعالى- وبهذا يبطل استدلال هؤلاء النفاة بأن الله لا يُرى في الآخرة، هذه أمثلة. ننتقل بعد ذلك إلى رؤية الله في الدنيا حكم رؤية الله في الدنيا: هل رؤية الله في الدنيا ممكنة؟ أو غير ممكنة؟ وهل هي واقعة؟ أو غير واقعة؟ تحرير محل النزاع: أولًا: اتفقت جميع الطوائف على أن الله يُرى في المنام كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تميمة أن جميع الطوائف اتفقوا على أن الله يُرى في النوم إلا الجهمية، فإنهم أنكروا ذلك لشدة إنكارهم للرؤية فمن شدة إنكارهم لرؤية الله أنكروا رؤيته في المنام، لكن رؤيته في المنام جائزة عند جميع الطوائف، ولا يلزم من ذلك أن يكون ما يراه الإنسان، وهو أن يرى الله -سبحانه وتعالى- على صفته التي هو عليها، بل إن رؤية الإنسان لله في المنام على حسب اعتقاده، فإن كان اعتقاده صحيحًا رأى ربه في حالة حسنة، في صورة حسنة، وإن كان اعتقاده فيه خلل رأى ربه في صورة مناسبة لاعتقاده. كما قال ذلك أبو العباس ابن تميمة -رحمه الله -تعالى- إذًا رؤية الله في المنام جائزة عند جميع الطوائف ما عدا الجهمية، رؤية الله في اليقظة هذا محل نزاع، رؤية الله في اليقظة: هل يمكن لأحد أن يرى الله في اليقظة في الدنيا؟ ذهبت المشبهة إلى أن الله يُرى في الدنيا، وأنه يُحاضر ويُسامر ويُصافح ويعانق وينزل عشية عرفة على جبل -قبحهم الله وأخزاهم- هؤلاء المشبه كفرة من غلاة الشيعة يقولون: إن الله على صورة الإنسان، وإن الله يشبه الإنسان في ذاته وصفاته هؤلاء كفرة أثبتوا أن الله يُرى في الدنيا -قبحهم الله-. كذلك بعض الصوفية قالوا: يمكن أن يكون الله في الخضرة إذا رأيت خضرة شيئًا أخضر، قالوا: لا ندري لعل ربنا يكون في هذه الخضرة -قبحهم لهم-، أما ما عدا المشبة فأجمعت الأمة على أن الله -تعالى- لا يراه أحد في الدنيا. أجمعت الأمة سوى المشبة على أن الله لا يراه أحد في الدنيا، ولم يختلفوا في ذلك إلا في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في رؤيته لربه ليلة المعراج هل رأى ربه؟ أو لم يرى ربه؟ واتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الأرض هذا بالإجماع، اتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الأرض، واتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعين قلبه لا بعين رأسه هذا محل اتفاق، والمراد بالرؤية بعين القلب العلم الزائد عن العلم العادي. والخلاف بين العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج خاصة هل رآه أو لم يره؟ فإذن أجمعت الأمة سوى المشبه على أن الله لا يراه أحد في الدنيا غير النبي صلى الله عليه وسلم وأجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الأرض وأجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعين قلبه، واختلفوا في رؤية النبي لربه بعيني رأسه ليلة المعراج في السماء، هل رآه؟ أو لم يره؟ على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة المعراج خاصة. القول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة بعيني رأسه، وإنما رآه بعين قلبه. القول الثالث: التوقف في المسألة. فتكون الأقوال والمذاهب ثلاثة: القول الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج في السماء بعينى رأسه، وهذا مروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وأتباعه وهي رواية عن الإمام أحمد -رحمه الله- واختار هذا القول النووى بشرح صحيح مسلم وأبو الحسن الأشعرى وأتباعه واختاره ابن خزيمة في كتاب التوحيد الإمام محمد بن إسحاق وابن خزيمة في كتاب التوحيد، واختاره أبو إسماعيل الهروي وكل هؤلاء رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة المعراج.

إذن هو رواية ابن عباس ورواية عن الإمام أحمد، واختاره النووي والأشعري أبو الحسن الأشعري وأبو إسماعيل الهروي ومحمد بن إسحاق وابن خزيمة في كتاب التوحيد، دليل واستدلوا بقول الله -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) } روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - هي رؤية عين أُريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، وفي رواية هي رؤيا عين رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه بعينه، ذكر ذلك الإمام محمد بن إسحاق وابن خزيمة في كتاب التوحيد، قالوا: فهذا الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه، هذه الآية: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا} قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به، وفي رواية رؤيا عين رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه بعينه. القول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرى ربه بعين رأسه ليلة المعراج وإنما رآه بعين قلبه، وهذا مروي عن عائشة -رضي الله عنها- فإنها قالت لمسروق لما سألها: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربَّه؟ قالت: لقد قفَّ شَعْري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمد رأى ربه فقد كذب. وفى رواية أنها قالت: من قال: إن محمد رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، وهذا مروي أيضًا عن ابن مسعود، وعن أبي هريرة واختلف فيه جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، بل هو قول جمهور العلماء، وهو الصواب كما سيأتي. واستدلوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعين رأسه بأدلة: الدليل الأول: فقول الله -تعالى-: {* وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) } فهذه الآية فيها بيان أنواع الوحي، وأن الله -تعالى- إذا كلم الرسول فإما أن يكون وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولًا، وإما أن يكون وحيًا يلقى في روعه، أو يكون من وراء جاب كما كلم الله موسى من وراء حجاب، وكما كلم محمدًا صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} فقول الله -تعالى-: {* وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} يدخل في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم فهو بشر {* وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فمحمد بشر كلمه الله من وراء حجاب، هو محجوب عن رؤية الله، كلمه الله بدون واسطة سمع كلام الله، وفرض الله عليه الصلوات خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم خففت ثم خففها الله إلى خمس صلوات، كلمة الله بدون واسطة لكن من وراء حجاب لم يره. نص الآية: {* وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} فالله كلم محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من وراء حجاب، لم يكشف الحجاب حتى يراه، وإنما كلمه من وراء حجاب نص الآية. الدليل الثاني: ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هل رأيت ربك؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: نور أنَّى أراه؟) في اسم استفهام بمعنى كيف ". والمعنى نور كيف أراه؟ المعنى أن الحجاب أن النور حجاب يمنعني من رؤية الله نور أنَّى أراه والنور حجاب بينى وبينه يمنعني من رؤيته فكيف أراه؟ هل رأيت ربك؟، قال: أنَّى أراه؟. وفي رواية: وفي لفظ: رأيت نورًا، وهو الحجاب. الدليل الثالث: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعرى - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور) وفي رواية: " النار " والمعنى واحد النار بمعنى النور، حجابه النور، وفي رواية النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. وجه الدلالة من قوله صلى الله عليه وسلم حجابه النور يعني الله -سبحانه وتعالى- احتجب بالنور لو كشفه يعني الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، هذا صريح في أن الله لو كشف الحجاب لأحرق من جميع خلقه، ومحمد صلى الله عليه وسلم من خلقه. حجابه النور وفي رواية النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، والنبي صلى الله عليه وسلم من خلق الله، فلو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجه الرب ما انتهى إليه بصره من خلقه.

هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه في ليلة المعراج؛ لأن الحجاب يمنعه من رؤية الله؛ لأنه احتجب عن جميع خلقه بالنور، هذه الأدلة كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه. وأما أهل القول الثالث الذين توقفوا قالوا: نتوقف يعني ما ندري لا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينى رأسه، ولا نقول: إنه لم يره، وهذا رواية القرطبي -رحمه الله- والقاضي عياض وغيرهما قالوا: نحن نتوقف لا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، ولا نقول: إنه لم ير، قالوا: الأن الأدلة متكافئة، أدلة هؤلاء تكافئ هؤلاء، وليس في المسألة دليل قاطع واستدل به هؤلاء وما يستدل به هؤلاء ظواهر قابلة للتأويل؛ فلذلك توقفوا ما تبين لهم الأمر، قالوا: نحن نتوقف لا نقول: رآه، ولا ما رآه؛ لأن هؤلاء لهم أدلة، وهؤلاء لهم أدلة، وأدلة هؤلاء محتملة التأويل، وأدلة هؤلاء محتملة التأويل، وبهذا لا نجزم بأحد القولين، فلا نقول: إنه يراه، ولا: إنه لم يره، فنتوقف في المسألة. والصواب في المسألة والراجح من هذه الأقوال القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه، هذا هو الصواب؛ لأن الأدلة التي استدلوا بها صريحة واضحة وكون القاضي والقرطبي ما تبين لهم هذه الأدلة هذا يدل على تفاوت الناس في الأفهام، الناس يتفاوتون في الأفهام هم لم يتبين، ولكن يتبين لغيرهم فقول الله -تعالى-: {* وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} صريح فالنبى صلى الله عليه وسلم وكلمه الله من وراء حجاب. وكذلك حديث أبي ذر (حجابه النور) وكذلك حديث " النار " وحديث أبي ذر (رأيت نورًا) صريح أدلة صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم محجوب عن ربه بالنور، وأن الله احتجب عن جميع خلقه، ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم وأن أي مخلوق لا يثبت لرؤية الله في الدنيا، وذلك؛ لأن الرؤية نعيم فلا تكون إلا لأهل الجنة فلا تكون للأنبياء، ولا لغيرهم فلا يمكن لأحد أن يرى الله في الدنيا أولًا؛ لأنه لا يستطع أن يثبت لرؤية الله فكيف يستطيع البشر أن يثبت لرؤية الله؟ فكيف يستطيع البشر أن يثبت لرؤية الله إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يثبت لرؤية الشمس وهي مخلوقة؟، هل تستطيع أن تثبت لرؤية الشمس؟ تحدق في الشمس بعينك تنعمي تعمى لو حدقت في الشمس، ذهب بصر عينك ما تستطيع أن ترى الشمس وهي مخلوقة فكيف يستطيع البشر أن يرى الله؟ بل إن البشر لا يستطيعوا أن يروا المَلَك على الصورة التي خلق عليها. ولهذا لما اقترح المشركون أن يكون الرسول من الملائكة أخبر الله أن هذا لا يكون، وقال -سبحانه وتعالى-: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ} يعني: لماتوا {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا} فيمكن مقارنته والأخذ عنه، فإذا كان الناس البشر لا يستطيعون أن يروا المَلَك على الصورة التي خلق عليها، فكيف يستطيعون أن يروا الله؟ والنبى صلى الله عليه وسلم ثبته الله حينما رأى جبريل في أول بعثه على الصورة التي خلق عليها، ثبته الله، وجاء يرجف فؤاده إلى زوجه وقال: خشيت على نفسي فإذا البشر لا يستطيعون أن يروا الملك، وهو مخلوق، فكيف يستطيعون أن يروا الله، إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يرى الشمس وهي مخلوقة ويحدق بها من شدة شعاعها فكيف يستطيع أن يرى الله؟، لا يستطيع الناس أن يروا الله في الدنيا، ولا يستطيع أحد من الرسل ولا غيرهم ولا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذا هو الصواب؛ ولأن الأدلة صريحة؛ ولأنه لا يوجد شيء من الأحاديث المعروفة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه. ليس هناك شيء من النصوص يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه ليلة المعراج ولم يقله أحد من الصحابة بل إن الأحاديث تدل على نفي الرؤية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وهو قول الله سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا} فالمراد به الآيات ليس المراد رؤية الله {لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به وعرج به ورأى الآيات أخبر الناس فصار فتنة واختبار لهم، حيث صدقه قوم، وكذبه آخرون. فإذًا المراد بالرؤية {لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا} الآيات فلما أراه الآيات أخبر الناس فصار فتنة واختبارا لهم حيث صدقه قوم وكذبه آخرون، ولهذا قال سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} أي اختبارا وامتحانا حيث صدقه قوم، وكذبه آخرون.

ومن الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج بعيني رأسه قول الله - تعالى-: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} وقوله: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) } وقوله: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) } فالله أخبر أنه رأى الآيات ورأى جبريل، ولو كان الله أراه نفسه لكان ذكر ذلك أهم وأولى من ذكر الآيات فالله -تعالى- أخبر أنه {الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا} هذه رؤية الآيات، وقال: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) } أي من الآيات، وقال: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) } أى: جبريل فلما نوه الله على رؤيته للآيات ورؤيته لجبريل دل على أنه لم يُره نفسه. ولو كان الله أراه نفسه لنوه عن ذلك؛ لأن رؤية الله أعظم وأعظم وأشرف وأجل من ذكر الآيات وذكر جبريل، فلما لم يذكر الله أنه رأى ربه وأنه أراه نفسه وإنما ذكر رؤية الآيات، وذكر رؤية الآيات، وذكر جبريل دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، ولو رأى لذكره الله، وبين؛ لأن ذكر ذلك أعظم وأهم وأشرف فكيف ينوه الله على رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم للآيات ورؤيته لجبريل، ولا ينوه عن رؤيته له -سبحانه وتعالى-؟ فدل على النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه، وإنما رآه بعين قلبه. أما ما روي عن ابن عباس، وما روي عن الإمام أحمد -رحمه الله- فإن الروايات التي رويت عن ابن عباس بعضها مطلق وبعضها مقيدة فما روي عن ابن عباس أنه قال: رآه، وفي رواية: أنه قال: رآه بفؤاده فيحمل المطلق على المقيد، فالروايات عن ابن عباس بعضها مطلق وبعضها مقيد بعضها فيها أنه رآه وبعضها قال: إنه رآه بفؤاده فيحمل المطلق على المقيد، فالرواية التي فيها أنه رآه تحمل على رؤية الفؤاد وأنه رآه بقلبه، وكذلك ما روي عن الإمام أحمد -رحمه الله- فإنه تارة يطلق الرواية، وتارة يقول: رآه بفؤاده، فيحمل المطلق على المقيد، وليس هناك رواية عن ابن عباس، وعن الإمام أحمد صريحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه، وإنما الروايات إما مطلقة وإما مقيدة برؤية الفؤاد، وإما مطلقة برآه أو مقيدة برؤية الفؤاد وفي رواية رآه بفؤاده، وهذا هو الصواب الذي عليه والذي عليه المحقوق أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه وإنما رآه بفؤاده، وما ورد من الآثار وما ورد عن السلف من إثبات الرؤية فهي المحمولة على رؤية الفؤاد على رؤية القلب، وما ورد من الآثار وما ورد من السلف من نفي الرؤية فهي محمولة على نفي الرؤية بالعين عن الرأس وبذلك تجتمع الأدلة بهذا. ما ورد من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه فهو محمول على أنه رآه بقلبه، وما ورد من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم فهو محمول نفي رؤيته بعين رأسه، وكذلك ما ورد عن السلف وعن العلماء بأن النبي صلى الله عليه وسلم رآه فهو محمولة على رؤية القلب والفؤاد، وما ورد عن الصحابة وعن السلف والعلماء والأئمة بأنه لم يره بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، فهي محمولة على أنه لم ير ربه بعين رأسه، وبذلك تجتمع الأدلة والآثار ولا تختلف كما بين ذلك أهل التحقيق أهل العلم من أهل التحقيق كشيخ الإسلام ابن تميمة -رحمه الله تعالى-، وهذا هو التحقيق في المسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير به بعين رأسه، وإنما رآه بعين قلبه، والرؤية بعين القلب في العلم العلم الزائد عن العلم العادي، وما جاء عن الإمام أحمد، أو عن ابن عباس، أو غيرهم من السلف، أو من الآثار من إثبات الرؤية فهي محمولة على رؤية الفؤاد، وما جاء عن ابن عباس، أو عن الإمام أحمد، أو عن السلف، أو عن الآثار من نفي الرؤية فهي محمولة على نفي الرؤية بالعين بعين رأسه، وبهذا تجتمع الأدلة ولا تختلف والله الموفق للصواب، وبهذا نأتى إلى.. ونكتفى بهذا القدر، وأسأل الله -تعالى- لي ولكم العلم النافع، والعمل الصالح وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.

الأسئلة

الأسئلة: س: ورد الحديث: (فاستحيا فاستحيا الله منه) وورد في الحديث الآخر: (ولا أحد أغير من الله) هل يوصف الله بالحياء والغيرة: أم لا؟. ج: نعم يوصف الله بالحياء قال الله -تعالى-: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} وقال -تعالى-: {* إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وفي الحديث (فاستحيا فاستحيا الله منه) وهو من الصفات التي تليق بالله عز وجل ولا يماثل فيها أحدًا من صفاته كسائر الصفات ولا يلزم منه ما يلزم من حياء المخلوق وكذلك الغيرة الغيرة كذلك من الأوصاف الفعلية قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:- (أتعجبون من غيرة سعد؟ أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرته ……) وفي الحديث الآخر (لا أحد أغير من الله ومن أجل غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) هذا في إثبات الغيرة لله كما يليق بجلاله وعظمته يوصف الله بالغيرة كسائر الصفات يوصف الله بالغيرة كسائر الصفات الفعلية مثل الغضب والرضا والسخط والمحبة والكراهية والغيرة والحياء كلها صفات تليق بجلال الله وعظمته، وهي الصفات الكاملة ليس فيها نقص لا يماثل فيها أحدًا من خلقه -سبحانه وتعالى-. س: هل يصح التسمي بعبد المنعم وعبد المحسن وعبد الناصر؟. ج: إذا ثبت أنه اسم من أسماء الله يجوز، عبد المحسن ثابت ولا يزال الأئمة والعلماء يعبّدون له وكذلك المنعم ما أذكر الآن الحديث الذي وردت فيه، لكن يغلب على الظن أنه ثابت والناصر جاء في: {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) } يحتاج إلى تأمل هل هو من أسماء الله أو ليس من أسماء الله". س: ما الفرق بين الاعتقاد واليقين؟ وهل لو عبر أهل السنة بقولهم: يقين أهل السنة بدل اعتقاد أهل السنة كان أولى؛ لأن الاعتقاد فيه شيء من عدم التثبت؟ . ج: الاعتقاد يفيد اليقين والاعتقاد من العقد والربط ومنه عقد البيع، ويطلق على التصديق الجازم والاعتقاد هو اليقين لكن إذا كان هذا الاعتقاد موافق للحق فهو اعتقاد صحيح وإذا كان باطلًا فهو اعتقاد باطل مثل يقين اليهود والنصارى على ما هم عليه هذا يقين باطل، يقين أهل البدع على ما هم عليه يقين باطل واعتقاد أهل الحق يقين اعتقاد صحيح، والاعتقاد ليس ظنًا إنما هو يقين س: هل يُرى الملائكة يوم القيامة؟. ج: الله تعالى أعظم وهو يُرى إذا كان يُرى الله -سبحانه وتعالى- فالملائكة من باب أولى {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) } كيف يدخلون عليهم وهم لا يرونهم ظاهر الأدلة أنهم يرونهم ورؤية الله أعظم نعيم يرضاه أهل الجنة رؤية الملك دون ذلك بكثير. س: ما رأيكم في وصف الله بالحمية فيقال: إن لله حمية على عباده المؤمنين؟ . ج: القاعدة عند أهل السنة والجماعة أن الأسماء الصفات توقيفية ليس لنا أن نسمي الله بأسماء مخترعة من عند أنفسنا ولا بصفة من الصفات فلا يقال: إن من صفات الله الحمية إلا بدليل، ولا أذكر وصفًا أن الله وصف نفسه أو وصفه رسوله بالحمية لكن أن الغيرة ثابتة. س: قد يقول قائل دفاعًا عن الزمخشري في كتاب الكشاف بالنسبة لرؤية الرب -سبحانه-: إن دخول الجنة يتضمن رؤية الرب، وبذلك فإن أقصى ما يتمناه العبد دخول الجنة؛ لأن بحصوله يرى الرب؟ ج: لا معروف عنه أنه ينفي الرؤية ويدافع عنها بشدة؛ ولهذا قال البلقيني: استخرجت منه اعتزالًا بالمناقيش؛ لأنها أشياء خفية منها أنه قال في قوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ} أي فوز أعظم من الجنة؟ وقصده بذلك إنكار الرؤية وهو معروف عنه؛ لأن يضم كلامه بعضه إلى بعض وينفي الرؤية. س: سبق أن الصفات لها نظران النظر إلى المعنى وهذا يثبته أهل السنة والجماعة، والنظر الثاني الكيفية هذه يفوضونها وبناء على ذلك كيف يحمل قول الإمام الطحاوي: فمن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر؟. ج: يعني من وصف الله بصفات البشر التي هي من خصائصهم بأن قال: إن صفات الله كصفات البشر وأن الله كالبشر أو قال: إن الله كالبشر في الحاجة أو في غير ذلك فمن خصائص البشر الفقر والحاجة والنقص في صفاتهم وأعمالهم، فمن قال: إن الله مثلهم كفر؛ لأن الله كامل في ذاته وصفاته ولا يوصف بنقائص البشر. س: في سؤال له آخر يقول: أليس ما قررناه سابقًا وهو وصف الله بصفات ثابتة ولو كانت صفاتًا للمخلوقين كالعلم والقدرة وأن المحذور هو عدم تفويض الكيفية فكيف التوفيق بين ما قررناه سابقًا وبين قول الإمام أو علام يحمل قوله؟.

ج: إن الصفات المشتركة مثل العلم ثابتة للخالق والمخلوق لكن من دون مشابهة من دون مماثلة، مقصود الطحاوي من قال: إن علم الله مثل علم المخلوق، وأما من قال: إن الله يوصف بالعلم والمخلوق يوصف العلم، والخالق علمه يخصه والمخلوق علمه يخصه فلا إشكال في ذلك، لكن من قال: إن علم الخالق مثل علم المخلوق أو قال: إن محبة الخالق مثل محبة المخلوق أو قال: إن يد الخالق مثل يد المخلوق هذا هو الذي يقصده الطحاوي هذا وصف الله بمعنى من معاني البشر أما من قال: إن الله له يد والمخلوق له يد، ولكن صفات الخالق تخصه وصفات المخلوق تخصه هذا ما وصف الله بمعنى من معاني البشر نزه الله، أما من قال: يد الله مثل أيدي المخلوقين، علم الله مثل علم المخلوقين سمع الله مثل سمع المخلوقين هذا وصف الله بمعنى من معاني البشر. س: ما الضابط للتأويل الذي به يدرأ به التكفير عن المبتدعة لا سيما وأن أكثرهم يكون معتمدًا على أدلة أو شبه؟. ج: المقصود أن يكون عنده شبهة لا يكون جحد، أما من جحد الصفات هذا كفر، أما من كان له شبهة يدرأ عنه التكفير بالشبهة، وقد يكفر لكن بالعموم مثل ما كفّر السلف فقالوا: من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر والمعتزلة يقولون: إن القرآن مخلوق، أما الشخص المعين فلان بن فلان، فهذا لا يكفر حتى تقام على الحجة يبين له ويوضح له الحق ثم يتبين له الحق ويصر يحكم بكفره بعد ذلك، أما إذا كان له شبهة وله تأويل ولم تقم عليه الحجة فلا يكفر. س: هذا السائل يذكر عنكم أنكم سبق أن أجبتم عن سؤال من قال للميت: ادع الله لي فقلت: إن فيه قولًا قويًا أنه شرك أكبر لِمَ لَمْ تجزموا بأنه شرك أكبر؟. ج: هذا؛ لأنه ما دعا الميت وطلب منه المدد أو طلب منه الاستغاثة إنما طلب منه شيئًا يخصه، وهذا فيه كلام ذكره البعض فيه كلام لشيخ الإسلام، وفيه كلام لبعضهم، والأقرب المنع إذا كان يدعوه يدعو الميت وهو عظام رميم مثل لو قال: يا فلان اشفع لي عند ربك، كذلك إذا قال: أعطني كذا أو كذا، فالأقرب عندي أن الحكم واحد، لكن المسألة فيها كلام لشيخ الإسلام وغيره تحتاج المسألة إلى تحرير حتى يجزم الإنسان. س: ما المقصود بالإمامية المتقدمين والإمامية المتأخرين مع التمثيل -أثابكم الله-؟. ج: الإمامية هم الرافضة لهم أسماء يقال لهم الرافضة؛ لأنهم رفضوا زيد بن علي حينما سألوه عن أبي بكر وعمر فقال: هما وزيرا جدي رسول الله فرفضوه فسموا بالرافضة وسموا بالإمامية؛ لأنهم يقولون: بإمامة اثني عشر يقولون:: اثني عشر أئمة منصوصين معصومين من سلالة على بن أبي طالب، وهم علي بن أبي طالب ثم الحسن بن علي ثم الحسين بن علي ثم علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد ثم علي بن محمد الهادي ثم الحسن بن علي العسكري ثم محمد بن الحسن المهدي المنتظر الذي دخل سرداب سامراء بالعراق سنة ستين ومائتين ولم يخرج إلى الآن قال شيخ الإسلام: مضى عليه أربع مائة سنة، ونحن نقول مضى عليه في زماننا الآن ألف ومائتا سنة، ولم يخرج هذه الأئمة يسمون بالإمامية؛ لأنهم يقولون: بإمامة اثني عشر، فالمتقدمون منهم يثبتون الرؤية جمهورهم والمتأخرون ينفوها. س: هلا أوضحتم الفرق بين ابن عربي وابن العربي الأشبيلي لما في ذلك من اللبس؟ . ج: ابن عربي محمد بن يحيي بن عربي بدون ألـ الطائي هذا رئيس وحدة الوجود، أما أبو بكر ابن العربي وكذلك آخر محمد بن العربي من غير ألـ فليس منهم محمد بن العربي هذا المفسر المعروف العالم المشهور هذا غيره، أما محمد بن يحيي بن عربي بدون ألـ هذا هو رئيس وحدة الجود واقرءوا تراجم هؤلاء، أما محمد ابن العربي بألـ، هذا ليس هذا غير هذا فيه ابن عربي أبو بكر بن العربي صاحب التفسير، وفيه غيره أيضًا ابن العربي آخر لكن هذا متقدم، ابن عربي في القرن السادس تقريبا أو السابع، لقبه محيي الدين ابن عربي وهو مميت الدين، هذا رئيس وحدة الوجود، أما ابن العربي بأل هذا آخر مفسر معروف. س: هل ثبت عن أحد من السلف أنه رأى الله في المنام كما ذكرت ذلك بعض الكتب، وما مدى صحة ذلك؟

ج: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن رؤية الله في المنام ثابتة، وأن جميع الطوائف أثبتوا الرؤية في المنام إلا الجهمية من شدة إنكارهم لرؤية الله حتى أنكروا رؤية الله في المنام، ويقول شيخ الإسلام --رحمه الله-: إن جميع الطوائف يثبتون الرؤية في المنام ولا شيء في ذلك لكن لا يلزم من ذلك أن يكون ما رآه الإنسان مشابه لله، بل يقول: إن رؤيته على حسب اعتقاده، فإذا كان اعتقاده صحيح رأى الله برؤية حسنة، وإذا كان اعتقاده غير صحيح رأى الله رؤية مناسبة لاعتقاده، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أصح الناس اعتقادًا، وأكمل الناس عبودية رأى الله في أحسن صورة كما في الحديث (رأيت ربي في أحسن صورة فوضع كفيه فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الناس -هذا الاختصام في الملأ الأعلى- فقلت: لا يا رب فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله فعلمت ما بعد ذلك) . المقصود أن الرؤية في المنام يقول شيخ الإسلام: ثابتة عند جميع الطوائف عدا الجهمية. س: ما الضابط الذي يفرق به بين الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة؟ . ج: الأسماء ما ورد إطلاقه على الله فهو اسم مثل العليم الحكيم السميع البصير، أما الصفة ما ورد على نص الصفة {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) } نقول: علمًا هذه صفة فما ورد على نص الصفة نقول: صفة وما ورد إطلاقه على الله فهو اسم {إِن اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) } {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) } {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) } {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) } {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) } هذه كلها أسماء أطلقت على الله، أما الصفة مثل {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) } {* وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} وهكذا الاسم يطلق ما يرد إطلاقًا على الله عز وجل والصفة ما ورد على لفظ الصفة والأسماء ليست أسماء جامدة، أسماء الله متضمنة الصفات، أسماء الله مشتقة ليست جامدة كل اسم يتضمن صفة، فالعليم يتضمن صفة العلم، القدير يتضمن صفة القدرة، الحليم يتضمن صفة الحلم، الرحيم يتضمن صفة الرحمة، الله يتضمن صفة الألوهية، وهكذا كل اسم يتضمن الصفة ليس جامدًا بل هو مشتق، الحي يتضمن صفة الحياة، وهكذا وفق الله الجميع لطاعته ورزقنا العلم النافع وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: قال المؤلف رحمه الله -تعالى-: والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية، سبق أن المؤمنين يرون ربهم أيضًا في موقف القيامة قبل دخولهم الجنة وهذا متفق عليه، واختلف في غير المؤمنين هل يرون ربهم أم لا يرونه على أقوال ثلاثة: القول الأول: أن أهل الموقف جميعًا يرون الله عز وجل مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفرة. القول الثاني: أنه لا يراه إلا المؤمنون، أنه يراه المؤمنون والمنافقون. القول الثالث: أنه لا يراه إلا المؤمنون خاصة، وكذلك هذه الأقوال في تكليم الله لأهل الموقف، نفس الأقوال الثلاثة، هل يكلم الله أهل الموقف؟ قيل: لا يكلم الله إلا المؤمنين، لا يكلمه سبحانه إلا المؤمنين، وقيل: يكون التكليم للمؤمنين وللكفرة ثم لا يكلمه الكفرة، وقيل: يكون التكليم للمؤمنين والمنافقين، هذه الأقوال الثلاثة تجري في التكليم. ويقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: والرؤية حق لأهل الجنة، ما لم يتسع من المؤلف لرؤية المؤمنين في موقف القيامة، والأحاديث ثابتة في رؤية المؤمنين لربهم في موقف يوم القيامة، وأنهم يرونه أربع مرات كما ثبت في بعض الأحاديث: يرونه في المرة الأولى، ثم في المرة الثانية يتحول في غير الصورة التي يعرفونه، فيكبرون ويقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا فيأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه، ثم في المرة الثالثة يتحول في الصورة التي يعرفونه فيسجدون له، حينما يجعل بينه وبينهم علامة، يجعل لهم علامة، وهي كشف الساق فيسجدون له، فإذا وقفوا رأوه ثم تحول رأوه في الصورة التي تحول مما الصورة التي رأوه فيها أول مرة، فيرونه أربع مرات -سبحانه وتعالى- في موقف القيامة، المؤمنون يرونه من قبل دخولهم الجنة، وأما بعد دخولهم الجنة فكذلك، فهناك أحاديث متواترة في هذا سبق، ورؤية الله -سبحانه وتعالى-.

الخلاصة في مبحث الرؤية أن رؤية الله -سبحانه وتعالى- بالأبصار جائزة عقلًا في الدنيا والآخرة؛ لأن كل موجود يجوز أنه يُرى، ومن الأدلة على جوازها عقلًا سؤال موسى ربه أن ينظر إليه {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} فموسى لا يسأل إلا جائزا في حق الله -تعالى-، وأما شرعًا: فهي جائزة وواقعة في الآخرة وممتنعة في الدنيا رؤية الله -تعالى- بالأبصار جائزة عقلًا في الدنيا والآخرة، وأما شرعًا فهي جائزة وواقعة في الآخرة وممتنعة في الدنيا. ومن أصلح الأدلة على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم رواه ابن خزيمة أيضًا في كتاب التوحيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) والأحاديث في رؤية المؤمنين لربهم متواترة كما سبق رواه عامة الصحابة نحو ثلاثين صحابيا. وقول المؤلف -رحمه الله-: بغير إحاطة، ولا كيفية يعني أن الله سبحانه يُرى، ولكن لا يحاط به رؤية لكمال عظمته وكونه أعظم من كل شيء وأكبر من كل شيء كما قال -سبحانه-: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} فهو يرى ولا يحاط به رؤيةً لكمال عظمته، وكونه أعظم من كل شيء، وإذا كانت بعض المخلوقات ترى ولا يحاط بها رؤية، فكيف بالخالق؟ الخالق أولى وأولى أن لا يحاط به فأنت ترى البستان، ولا تحيط به رؤية، وترى الجبل ولا تحيط به رؤية، وترى السماء ولا تحيط بها رؤية، وترى المدينة ولا تحيط بها رؤية وهي مخلوقات، فالخالق أولى ألا يحاط به رؤية كما أنه -سبحانه وتعالى- يُعلَم، ولا يحاط به علمًا كما قال -سبحانه وتعالى-: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) } ولا كيفية، أي لا نكيف لا نقول: يُرى على كيفية كذا، وعلى كيفية كذا.. أو أنا نراه وكيفية كذا تثبيت الرؤية، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم والله أعلم بالكيفية.

قوله: كما نطق به كتاب ربنا {وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة (23) }

كما نطق به كتاب ربنا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) }

قوله: وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو كما قال: " ومعناه على ما أراد ".

وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو كما قال: " ومعناه على ما أراد ".

قوله: لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا

لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا

قوله: فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه

فإنه ما سلم في دينه إلا من سلَّم لله عز وجل ولرسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وردَّ علم ما اشتبه عليه إلى عالِمه

قوله: ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام

ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام

ولهذا قال عبد الله بن المبارك الإمام المعروف -رحمه الله-: " وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانُها " والعلماء يضربون مثلًا للنقل مع العقل، يضربون مثلًا للنقل مع العقل وهو وذلك أن العقل مع النقل كالعاميِّ المقلّد مع العالم المجتهد، العقل كأنه عامي مقلد كالعامي المقلد، والنقل يعني النصوص كالعالم المجتهد، بل هو دون ذلك بكثير، فإن العاميِّ يمكنه أن يصير عالمًا ويتعلم، ولا يمكن للعالم أن يكون نبيًا رسولًا، فإذا عرف العامي المقلد عالمًا فدله، فدل عليه عاميًا آخر، إذا عرف العامي المقلد عالمًا فجاء عامي آخر يريد أن يستفتي فدله هذا العامي، دلّ عاميًّا آخر على العالم يستفتي، ثم اختلف المفتي والدال العامي الذي دله، فإن المستفتي يأخذ بقول من؟ بقول العالم ولا أم بقول العامي الذي دله؟ يأخذ المستفتي يجب عليه قبول المفتي دون الدال، فلو قال الدال العامي الدال: الصواب معي دون المفتي؛ لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفتي، فإذا قدمت قوله على قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفتي، فلزم القدح في فرعه، فيقول له المستفتى: أنت لما شهدت له بأنه مفتٍ، ودللت عليه وشهدت له بوجوب تقديمه دونك فموافقتي لك في هذا العلم المعين لا تستلزم موافقتك في كل مسألة وخطؤك فيما خالفت فيه المفتى الذي هو أعلم منك لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفت، هذا مع علمه بأن ذلك المفتي قد يخطئ، والعقل يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم في خبره عن الله -تعالى- لا يجوز عليه الخطأ فيجب عليه التسليم له والانقياد لأمره. نعم.

قوله: فمن رام علم ما حظر عنه علمه ولم يقنع بالتسليم فهمه حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان

فمن رام علم ما حُظر عنه علمه ولم يقنع بالتسليم فهمه حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان

قوله: فيتذبذب بين الكفر والإيمان والتصديق والتكذيب والإقرار والإنكار موسوسا تائها شاكا لا مؤمنا مصدقا ولا جاحدا مكذبا

فيتذبذب بين الكفر والإيمان والتصديق والتكذيب والإقرار والإنكار موسوسا تائهًا شاكًا لا مؤمنًا مصدقًا ولا جاحدًا مكذبًا

قوله: ولا يصح الإيمان بالرؤية لأهل دار السلام لمن اعتبرها منهم بوهم أو تأولها بفهم

ولا يصح الإيمان بالرؤية لأهل دار السلام لمن اعتبرها منهم بوهم أو تأولها بفهم

قوله: إذ كان تأويل الرؤية وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التاويل ولزوم التسليم عليه دين المسلمين

إذ كان تأويل الرؤية وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التاويل ولزوم التسليم عليه دين المسلمين

قوله: ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه

ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه

قوله: فإن ربنا -جلا وعلا- موصوف بصفات الوحدانية منعوت بنعوت الفردانية ليس في معناه أحد من البرية

فإن ربنا -جلا وعلا- موصوف بصفات الوحدانية منعوت بنعوت الفردانية ليس في معناه أحد من البرية

قوله: وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات

وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات

والجواب أن يقال: من المعروف أن الموجود شيئ إنما ينسب إلى الوجود فإن كان موجودا هو أشرف الموجودات فواجب أن ينتسب من الموجود المحسوس إلى الحيز الأشرف وهي السماوات ولشرف هذا الحيز قال الله -تعالى-: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) } أما إذا أردتم بنفي التحيز والحيز أن الله مستغن عن خلقه بائن منهم عال على خلقه فهذا حق لكن ينبغي التعبير بألفاظ النصوص كذلك يقولون: إن الله منزه عن الحدود ما مرادكم بالحدود؟. يقولون: بأن الله له حد أو ليس له حد بقول مجمل لا بد من استفصال الشيخ الطحاوي -رحمه الله- أراد بلفظ الحد الرد على المشبهة كداود والجواربي وأمثالهم من القائلين بأن الله جسم وأنه جثة وله أعضاء، لكن أهل الكلام جروا الطحاوي وأدخلوا في عباراته معنى باطلا فنقول مثلا ما مرادكم بالحد إذا قلتم: الله له حد أو ليس له حد، إن أردتم بالحد العلم والقول، والمعنى أن العباد يحدون الله ويعلمون لله حدا فهذا منتف بلا منازعة، فالعباد لا يعلمون لله حدا فالله -تعالى- له حد يعلمه والعباد لا يعلمون لله حدا كما قال سهل بن عبد الله وقد سئل عن ذات الله فقال: ذات الله موصوفة بالعلم غير مدركة بالإحاطة ولا مرئية بالأبصار في دار الدينا وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا إحاطة ولا حلول وتراه العيون في العقبى ظاهرا في ملكه وقدرته وقد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته ودلهم عليه بآياته فالقلوب تعرفه والعيون لا تدركه ينظر إليه المؤمن بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية. فإن أردتم بقولكم: إن لله له حدا وأن العباد قد يعلمون لله حدا فهذا باطل، وإن أردتم بنفي الحد وقلتم: إن الله ليس لله حدا يعني: أن البشر لا يعلمون حدا ولا يحدون شيئا من صفاته فهذا حق فإن السلف متفقون على أن البشر لا يعلمون لله حدا وأنهم لا يحدون شيئا من صفاته. قال أبو داود والطياليسي: كان سفيان وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحدون ولا يشبهون ولا يمثلون يروون الحديث ولا يقولون: كيف، وإذا سئلوا قالوا: بالأثر فمراد الشيخ الطحاوي -رحمه الله -تعالى- هنا أن يتعالى عن الحدود أن يتعالى على أنه يحيط أحد بحده؛ لأن المعنى أن الله متميز عن خلقه منفصل عنهم مباين لهم سئل عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: بم نعرف ربنا؟ قال بأنه على العرش بائن من خلقه قيل: بحد قال بحد يعني: أنه متميز عن خلقه منفصل لم يدخل في ذاته شيء من صفاته وفي خلقه ولا في خلقه شيء من ذاته، ومن نفى الحد بهذا المعنى معنى جعل الله فوق من المخلوقات. فإذا قال: ليس لله حد يعني: أن الله إذا قال لله حد يعني: بأن الله منفصل عن مخلوقاته بائن منهم فهذا صحيح، وإذا قال: ليس لله حد أراد بذلك أن الله خلق من المخلوقات فهذا باطل، وإذا قال: لله حد يعني: لله حد يعلمه فهذا صحيح، وإذا قال: ليس لله حد يعني: العباد لا يعلمون لله حدا فهذا صحيح فلا بد من التفسير كذلك الغايات قوله: يتعالى عن الحدود والغايات اصطلح نفاة الحكمة والتعليل من الجبرية وغيرهم من المعتزلة وغيرهم على تسمية الحكم والغايات التي يفعل من أجلها أغراضا فيسمونها الغاية فيقولون: إن الله منزه عن الغايات التي يتكلم ويفعل لأجلها ويفعل لأجلها غرضا وقالوا لضعفاء العقول: اعلموا أن ربكم منزه عن الأعراض والأغراض والأبعاض والجهات والتركيب والتجسيم والتشبيه، واستقر ذلك في قلوب المبلغين عنهم فيبقى السامع إذا صرحوا بذلك يبقى السامع متحيرا بين نفي هذه الحقائق التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له جميع رسله وسلف الأمة وبين إثباتهم، فنقول لهم: أنتم قلتم إن الله منزه عن الغايات فما مرادكم بالغايات إن أردتم بالغايات هذا المعنى من أنه سبحانه لا يفعل ولا يتكلم لحكمة ومصلحة ورحمة فهذا باطل، وإن أرتم بنفي الغايات أن الله لا يحتاج إلى أحد ولا يفعل لحاجة ولا يفعل لمؤثر لمؤثر يؤثر فيه وموجب يوجب عليه فهذا حق لكن ينبغي الاعتصام بألفاظ النصوص؛ لأنها أسلم.

كذلك قول الطحاوي: يتعالى عن الأركان والأعضاء والأدوات والجوارح، أهل الكلام لهم مصطلحات فيسمون إثبات الصفات لله تجسيما وتشبيها وتمثيلا ويسمون العرش حيزا وجهة، ويسمون الصفات أعراض ويسمون الأفعال حوادث، ويسمون الحكم والغايات التي يفعل لأجلها أغراضا، ويسمون إثبات الوجه واليدين أبعاضا فيقولون: الله منزه عن الأعراض والأغراض والأبعاض والجهات والتركيب والتجسيم والتشبيه فيستدلون بهذه الألفاظ الأركان والأعضاء والأدوات والجوارح على نفي بعض الصفات الثابتة بالأدلة القطعية كاليد والوجه، ولكن لا يقال لهذه الصفات: إنها أعضاء أو جوارح أو أدوات أو أركان؛ لأنها تحتمل معاني باطلة؛ لأن الركن جزء ماهية فيقال: إذا سميتها أركانا، والركن جزء ماهية والله -تعالى- هو الأحد الصمد لا يتجزأ ولا يتفرق {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) } وقولكم: الأعضاء فيها معنى التفريق والتبعيض أي: التقطيع وجعل الشيء أعضاء وهذا المعنى منفي، ومن هذا المعنى قول الله -تعالى-: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91) } والجوارح فيها معنى الاكتساب والانفتاح، والأدوات هي الآلات التي ينتفع بها في جلب المنفعة ودفع المضرة فكل هذه المعاني منتفية عن الله -تعالى- فإذا أريد بذلك بها ذلك فهو بحق، ولهذا لم يرد ذكرها في صفات الله لكن ينبغي التعبير بالألفاظ الشرعية؛ لأن الألفاظ الشرعية صحيحة المعاني سالمة من الاحتمالات الفاسدة فلا يجوز العدول عنها نفيا ولا إثباتا لئلا يثبت بها معنى فاسد أو ينفى معنى صحيح, كذلك إن أريد بنفي الصفات نفي الجوارح والأعضاء نفي الصفات الثابتة، إن أريد بها نفي الصفات الثابتة كالوجه واليدين فهذا باطل فهذه ثابتة كما قال أبو حنيفة رحمه الله في الفقه الأكبر: له يد ووجه ونفس كما ذكر الله -تعالى- في القرآن بذكر اليد والوجه والنفس فهو له صفة بلا كيف، ولا يقال: إن يده قدرته ونعمته؛ لأن فيها إبطال الصفة. وهذا الذي قاله الإمام أبو حنيفة ثابت بالأدلة القطعية قال الله -تعالى-: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} وقال -تعالى-: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} وقال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ صلى الله عليه وسلمèŒ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) } وقال سبحانه: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} وقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وقال: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) } وقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وقال في حديث الشفاعة: "لما يأتي الناس آدم فيقولون له: (…خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء) وقال صلى الله عليه وسلم (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) من خلقه هذا كله ثابت كذلك الجهة نفيها مجمل فلا يجوز إطلاق نفيه ولا إثباته إلا مع البيان التفصيلي كما سبق بالأمس الرد على نفاة الرؤية. كذلك أيضا قول الطحاوي -رحمه الله- ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات مراده -رحمه الله- أن الله لا يشبه المخلوقات، لكن أهل الكلام قالوا: مراده نفي العلو؛ لأن العلو من الجهات الست ولكن هذا ليس بصحيح بل مراده نفي جهة مخلوقة أن الله ليس في جهة مخلوقة بدليل أنه أثبت العلو، فيما بعد وقال: محيط بكل شيء وفوقه، لكن الطحاوي -رحمه الله- ينتقد لماذا عبر بهذه التعبيرات هذه التعبيرات التي تشتمل على حق وباطل كان الأولى بألا يعبر بهذه التعبيرات ويكتفي ويعتصم بنصوص الكتاب والسنة. ثم أيضا في قول الطحاوي -رحمه الله- لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات إشكال إشكالات الإشكال الأول أن إطلاق مثل هذا اللفظ مع ما فيه من الإجمال والاحتمال كان تركه أولى وإلا تسلط عليه الخصوم وألزموه بالتناقض في إثبات الإحاطة والفوقية ونفي جهة العلو يقولون: أنت يا طحاوي متناقض كيف أنت تقول: لا تحويه الجهات الست فتنفي العلو ثم تقول: محيط بكل شيء وفوقه وتثبت العلو ألزموه بالتناقض لكن نقول: إن الطحاوي ما يقصد مقصوده أن الله منزه عن الجهات الست المخلوقة فهو يقصد معنى صحيحا، لكن مع ذلك نقول: الأولى أن يعتصم الطحاوي وغيره بالألفاظ الشرعية حتى لا تسلط عليه الخصوم.

الإشكال الثاني: أن قول الطحاوي كسائر المبتدعات يفهم المبتدعات المخلوقات يفهم منه أنه ما من مخلوق إلا وهو محوي وهذا فيه نظر فإنه إن أراد أنه محوي بأمر وجوده فممنوع فإن العالم ليس في عالم آخر وإلا لزم التسلسل ليس كل شيء مخلوق محوي بمخلوق آخر فإننا نرى العالم ليس محويا بعالم آخر، وإن أراد أمرا عدميا فليس كل مبتدع في العدم بل منها ما هو داخل في غيره كالسماوات والأرض في الكرسي ونحو ذلك، ومنها ما هو منتهى المخلوقات كالعرش فسطح العالم ليس في غيره من المخلوقات قطعا للتسلسل. ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال بأن قول الطحاوي: كسائر المبتدعات بمعنى البقية لا بمعنى الجميع، ويؤيد هذا أن هذا أصل معناها أصل معناها البقية، ومنه السؤر وهو ما يلقيه الشارب في الإناء فيكون مراد الطحاوي بقول: كسائر المخلوقات كغالب المخلوقات لا جميعها إن السائر على الغالب أدل منه على الجميع فيكون المعنى أن الله -تعالى- غير محوي كما يقول أكثر المخلوقات، محويا بل هو غير محوي بشيء -تعالى- الله عز وجل والخلاصة أن الطحاوي -رحمه الله- أراد بذلك بهذه المعاني أراد بها معنى صحيحا وأن الله منزه عند الحدود والغايات والأركان والأعضاء مراده إثبات صفة الله عز وجل وأن الله لا يشابه المخلوقين، وأن الله ليس فيه شيء من مخلوقاته بدليل أنه أثبت العلو فيما بعد قال: محيط بكل شيء لكن تسلط عليه الخصوم لما أطلق هذه العبارات فكان الأولى بالطحاوي أن يعتصم بألفاظ النصوص حتى لا يوصف بالتناقض وحتى لا يتسلط عليه الخصوم نعم.

قوله: والمعراج حق وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ثم إلى حيث شاء الله من العلا وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى

والمعراج حق وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ثم إلى حيث شاء الله من العلا وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى

الفرق بين القول الأول والثاني الفرق بين من قال: إن الإسراء كان مناما وبين من قال: إن الإسراء كان بروحه هو أن من قال: إن الإسراء كان مناما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في نومه أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة من قبيل الحلم فيرى كأنه قد عرج به إلى السماء وذهب به إلى مكة وجسده باق وروحه باقية جسده باق وروحه أيضا لم تصعد ولم تذهب وإنما ملك الرؤيا ضرب له الأمثال هذا معنى الإسراء كذبا، ومن قال: إن الإسراء كان بروحه قال: إن الروح ذاتها أسري بها ففارقت الجسد ثم عادت إليه قالوا: وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إذ أن غيره لا تنال روح الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت، والقدر مشترك بين القولين الذي اتفقوا فيه هو أن الجسد باق كل من القولين بقول الجسد باق لكن من قال: إن الإسراء كان مناما قال: الروح أيضا باقية والملك هو الذي ضرب له الأمثال، ومن قال: الإسراء كان بروحه قال الجسد باق والروح هي التي صعدت وأسري بها ثم رجعت. الأدلة استدل أهل القول الأول القائلون بأن الإسراء كان مناما بدليل شرعي ودليل عقلي الدليل الشرعي استدلوا بحديث الإسراء والمعراج الذي رواه شريك بن أبي نمر فإنه قال في بعض ألفاظ حديث شريك: إنه ختم القصة بقوله: ثم استيقظت (ثم استيقظت وأنا في المسجد الحرام) لما ذكر الحديث الإسراء النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم استيقظت وأنا في المسجد الحرام) قالوا: هذا دليل على الإسراء كان مناما لكن أجاب عنها نقاد الحديث بأن هذه اللفظة غير ثابتة لما فيها هذه اللفظة غير ثابتة، والحديث الذي رواه شريك بن أبي نمر غلطه الحفاظ في ألفاظ من حديث الإسراء فهذه الألفاظ وهي قوله: (ثم استيقظت وأنا في المسجد الحرام) لم تثبت لا سيما وأن الأحاديث لم ترد بذكرها وشريك بن عبد الله بن أبي نمر له أغلاط غلطه الحفاظ في ألفاظ من حديث الإسراء ولهذا قال الإمام مسلم -رحمه الله- بعدما روى حديث شريك بن أبي نمر: أورد مسلم منه ثم قال: فقدم وآخر وزاد ونقص هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر. الدليل الثاني للذين قالوا: إن الإسراء كان مناما: عقلي قالوا: إن الأجسام الأرضية من طبيعتها الثقل فلا يعقل أن تصعد إلى السماء وليست في الروحانيات كالملائكة فإنها خفيفة بخلاف الروح، فإن من طبيعتها الخفة والجواب أن نقول هذا معارضة لمقصد العقل العقل لا يعارض النقل إذا صح النقل فلا يجوز لنا أن نعارضه الواجب التسليم والخضوع لكلام الله وكلام رسوله وأن نتلقاه بقبول وتسليم ولا نعارضه بعقولنا. وأيضا نقول لهم: لو لم يعقل صعود البشر أيضا نرد عليهم به بدليل عقلي نقارع الحجة بالحجة لو لم يعقل صعود البشر لما صح المقابل له وهو نزول الملائكة الأرض، فأنتم تقولون: الأجسام الأرضية من طبيعتها الثقل فلا يعقل أن تصعد إلى السماء نقول لكم: الملائكة من طبيعتها العلو والخفة فلا يعقل أن تنزل إلى الأرض، فلو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة، وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة والوحي وهذا كفر، وبهذا يبطل قول الذين قالوا: إن الإسراء بروحه -عليه الصلاة والسلام-. دليلهم على هذا هو الدليل العقلي الذي استدل به أهل القول الأول قالوا: أن الأجسام الأرضية من طبيعتها الثقل فلا يعقل أن تصعد إلى السماء بخلاف الروح فإن من طبيعتها الخفة فلا مانع من العروج بها. والجواب أن نقول: هذا معارضة للنصوص بالعقل والعقل لا يعارض النصوص، والواجب التسليم لله ولرسوله ثم أيضا لو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهذا كفر، ويرد على هذا القول أيضا بقول الله سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} والعبد يطلق على الروح والجسد وأيضا من أدلتهم استدلوا بها استدلوا بقول عائشة -رضي الله عنها-:

(ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أسري بروحه) فلا ينكر ذلك من قولها، وهذا إن صح عن عائشة فهو اجتهاد منها لا تعارض به النصوص. ويرد أيضا على من قال: إن الإسراء كان مناما أو الإسراء بالروح يرد عليهم أنه لو كان الإسراء مناما، وأن جسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه باق في مكة، ولو كان الإسراء بروحه وجسده باق لما بادرت كفار قريش إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ولا ما ارتدت جماعة ممن كان أسلم لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإسراء والمعراج لما أخبر بذلك ارتدت جماعة بسبب ذلك، وقالوا: لا يمكن أن يصعد بروحه لا يمكن كيف يسافر إلى بيت المقدس مسافة شهر في ليلة واحدة ثم يصعد إلى السماوات وبين كل سماء إلى سماء مسافة خمسمائة عام ويرجع في ليلة واحدة استبعدوا هذا -والعياذ بالله- فارتدوا، ولو كان مناما أو الإسراء كان مناما أو كان بروحه وجسده باق لما أنكروه ولما بادروا؛ لأنهم يصدقون بالرؤية يقال: جسده باق عندهم ولما كان هناك كبير شيء في النوم والله -تعالى- قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} والتسبيح إنما يكون في الأمور العظام، وهذا يدل على أن الإسراء بروحه وجسده فإذن الصواب أن الإسراء بروحه وجسده. وأما أهل القول الثالث فإذن لو كان الإسراء بالروح أو الإسراء مناما لما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وما ارتدت جماعة ممن كان أسلم؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث قريش حديث الإسراء والمعراج تهكموا به وسخروا منه، ولو كان الإسراء مناما أو بروحه دون جسده لما سخروا منه وتهكموا به؛ لأنهم يصدقون بالرؤيا ولا يستغربون صعود الروح مادام الجسد باقيا عندهم؛ ولأن الله قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} وهذا إنما يكون التسبيح عند الأمور العظام وهو الإسراء بروحه وجسده. أما أهل القول الثالث الذين قالوا: كان الإسراء مرة مناما ومرة يقظة أو مرة قبل الروح ومرة بعده أو مرتين مرة قبل الروح ومرة بعده أو مرتين أو مرة قبل الروح ومرتين بعده دليلهم قالوا: أرادوا أن يجمعوا بين حديث شريك وقوله حين ختم القصة: (ثم استيقظت وأنا في المسجد الحرام) وبين سائر راويات الحديث التي لم تذكر هذه الألفاظ هذه اللفظة المستيقظة فقالوا: إن الإسراء كان مرارا مرة مناما كما يفيده حديث شريك ومرة يقظة كما يفيد سائر الروايات، وبعضهم قال: مرة قبل الوحي ومرة بعده وبعضهم قال: ثلاث مرات مرة قبل الوحي ومرتين بعده جمعا بين الأدلة في زعمهم كلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة للتوفيق بين الأدلة في نظرهم، وهذا يفعله ضعفاء الحديث. والجواب عن شبهتهم أجاب عنها العلامة ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد أجاب عنها بما ملخصه قال: بأنه ثبت في حديث الإسراء والمعراج أن الله فرض على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول الأمر خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم جعل النبي صلى الله عليه وسلم يتردد بين ربه وبين موسى في السماء السادسة في كل مرة يأمره موسى -عليه الصلاة والسلام- بأن يسأل ربه التخفيف لأمته فيحط الله -تبارك وتعالى- عنه خمسا وعشرا حتى صارت إلى خمس صلوات ثم (نادى مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) فلو كان الإسراء والمعراج مناما للزم من ذلك أن يعيد الله فرضية الصلاة مرة ثانية خمسين ثم يحطها إلى خمس وهذا فاسد. وبهذا يبطل هذا القول أما أهل القول الرابع الذين قالوا: إن الإسراء مرة واحدة بجسده وروحه يقظة لا مناما في ليلة واحدة قبل البعثة قبل الوحي وبعد البعثة وقبل الهجرة، هذا القول تؤيده النصوص من الكتاب والسنة من ذلك هذا هو الصواب أن الإسراء مرة واحدة لا مرارا بروحه وجسده لا مناما ولا بالروح فقط يقظة لا مناما في ليلة واحدة الإسراء والمعراج بعد البعثة وقبل الهجرة من أدلة هذا القول قول الله -تعالى- {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} ووجه الدلالة أن العبد إذا أطلق فهو عبارة عن مجموع الجسد والروح {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} العبد اسم للروح والجسد كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح إذا أطلق وهذا يدل على أن الإسراء بروحه وجسده. ولهذا قال الطحاوي -رحمه الله-: وعرج بشخصه بشخصه أسري بشخصه وأسري بشخصه والشخص اسم للروح والجسد، فالطحاوي -رحمه الله- يثبت أن الإسراء بروحه وجسده كما عليه المحققون.

الدليل الثاني: ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم -رحمهما الله- بروايات متعددة أنه أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه إلى السماء وأنه اجتمع بالأنبياء وصلى بهم إماما وأنه التقى بعدد من الأنبياء في كل سماء وأن الله فرض عليه الصلاة خمسين ثم خففها إلى خمس بواسطة تردده بين ربه وبين موسى وأنه رأى جبريل عند سدرة المنتهى على صورته التي خلق عليها، وكل هذه الروايات ظاهرها أنه أسري بروحه وجسده -عليه الصلاة والسلام-. وبهذا يتبين أن الصواب أنه أسري بروحه وجسده عليه الصلاة والسلام وأنه لا بد للمسلم أن يؤمن بالإسراء والمعراج، ومن أنكر الإسراء كفر؛ لأنه مكذب لله ومن أنكر المعراج فلا بد من إقامة الحجة عليه، الفوائد الأصولية المستنبطة من حديث الإسراء والمعراج، هناك فوائد أصولية وهناك فوائد عامة، من الفوائد الأصولية المستنبطة من حديث الإسراء والمعراج أولا: جواز النسخ قبل التمكن من الفعل جواز النسخ قبل التمكن من الفعل حيث فرضت الصلاة خمسين أولا ثم نسخت بأن خففت إلى خمس وهذا في السماء قبل تمكن العباد من الفعل. ثانيا: الفائدة الثانية الأصولية: جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة حيث أعلم النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بفرضية الصلاة إجمالا بدون تفصيل لأركانها وشروطها وهيئاتها وأوقاتها، ثم لما جاء وقت الصلاة نزل جبريل فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وجاء وحدد له الأوقات أما الفوائد الأخرى العامة المستنبطة من حديث الإسراء والمعراج ففيه أولا إثبات العلو لله عز وجل من وجوه: حيث إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- عرج به إلى ربه عز وجل ثم جاوز السبع الطباق ثم لما كان يتردد بين ربه وبين موسى في كل مرة يعلو به جبرائيل إلى الجبار -تبارك وتعالى- فيه الرد على من أنكر العلو من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم. ثالثا: إثبات الكلام لله عز وجل حيث فرض الله -سبحانه- عليه الصلاة بدون واسطة وفيه الرد على من أنكر الكلام. رابعا: فضيلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعظم منزلته عند الله عز وجل حيث جاوز الأنبياء كلهم وجاوز السبع الطباق وصلى بالأنبياء إماما بعضهم استنبط أن رسول الله رآه بعين رأسه لكن هذا ضعيف كما سبق بالأمس. خامسا: مشاركة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لموسى -عليه الصلاة والسلام- في التكليم وأن التكليم ليس خاصا بموسى كما أن الخلة ليست خاصة بإبراهيم بل يشاركه فيها نبينا أيضا، فكما أن إبراهيم خليل الله فمحمد خليل الله وكما أن موسى كليم الله فمحمد كليم الله كلمه الله بدون واسطة ليلة المعراج. سادسا: شفقة موسى ورحمته بهذه الأمة حيث أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه التخفيف لأمته في الصلاة. سابعا: عظم مخلوقات الله -تعالى- وسعتها هذا يدل على عظمة الخالق. ثامنا: معجزة الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الإٍسراء والمعراج في ليلة واحدة تاسعا استشارة أهل الفضل والصلاح حيث التفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره. مسألة: والحكمة من تقديم الإسراء إلى بيت المقدس قبل المعراج ما الحكمة من تقديم الإسراء إلى بيت المقدس قبل المعراج الحكمة والله أعلم لإظهار صدق دعوى النبي صلى الله عليه وسلم المعراج حيث سألته قريش عن نعت بيت المقدس فنعته لهم وأخبرهم عن عيرهم التي مر عليها في طريقه، ولو كان عروجه إلى السماء من مكة لما حصل ذلك إذ لا يمكن اطلاعه ولا يمكن اطلاعهم على ما في السماء لو أخبرهم عنه، وقد اطلعوا على بيت المقدس فأخبرهم بنعته، وقيل: الحكمة أن يجمع صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة بين رؤية القبلتين أو؛ لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله، وحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أشراف الفضائل أو؛ لأنه محل الحشد وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية فكان المعراج منه أليق بذلك أو للتفاعل ليحصل وللتفاعل بحصوله أنواع التقديس له حسا ومعنى، أو ليجتمع بالأنبياء جملة وذهب بعض العلماء إلى أن الحكمة هي لتحصيل العروج مستويا بغير تعويج؛ لأن كعب الأحبار روى أن باب السماء الذي يقال له: مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس لكن هذا فيه نظر لورود أن في كل سماء بيتا معمورا وأن الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة فكان المناسب أن يصعد من الكعبة من مكة ليصعد إلى البيت المعمور بغير تعويج وهذا ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري. والبراق دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض طويل يضع خطوه عند أقصى طرفه وبهذا ننتهي من هذا البحث تعيد كلام المؤلف -رحمه الله- قال -رحمه الله- -تعالى-: والمعراج حق وقد أسري بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعرج به. قوله: المعراج حق يعني: ثابت وكذلك أسري بشخصه حق ثابت لا بد من الإيمان به نعم. وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء. عرج بشخصه يعني: الشخص اسم للروح والجسد هذا إلى السماء عرج بروحه وجسده نعم.

ثم إلى حيث شاء الله من العلا وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى. لا شك أن الله أكرمه في عروجه وصلاته بالأنبياء ورفعته فوقهم وأكرمه الله بتكليمه له وفرضه الصلاة عليه نعم {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) } نعم {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) } {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) } لم يزغ بصره ولم يكذب فؤاده عليه الصلاة والسلام بل كل ما رآه فهو حق نعم. فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى. عليه الصلاة والسلام فصلاة الله على عبده أحسن ما قيل فيها: إنها ما رواه أبو العالية ما رتبه في البخاري عن أبي العالية رضي الله ورحمه الله- أنه قال: (صلاة الله على عبده ثناؤه في الملأ الأعلى) . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وكان من حديث الإسراء أنه صلى الله عليه وسلم (أسري بجسده في اليقظة - على الصحيح - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكبا على البراق بصحبة جبرائيل عليه الصلاة والسلام فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقة باب المسجد، وقد قيل: إنه نزل ببيت لحم فصلى فيه ولا يصح عنه ذلك البتة، ثم عرج به من بيت المقدس في تلك الليلة إلى السماء الدنيا فاستفتح له جبريل ففتح له فرأى هناك آدم أبا البشر فسلم عليه فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الثانية فاستفتح له فرأى فيها يحيي بن زكريا وعيسى ابن مريم -عليهما الصلاة والسلام- فلقيهما فسلم عليهما فردا -عليه السلام- ورحبا به وأقرا بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الثالثة فرأى فيها يوسف -عليه الصلاة والسلام- فسلم عليه فرد عليه السلام ورحب به وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الرابعة فرأى فيها إدريس فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فرأى فيها هارون ابن عمران فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته، ثم عرج إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته فلما جاوزه بكى موسى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي؛ لأنه غلام بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي، ثم عرج به إلى السماء السابعة فلقي فيها إبراهيم فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته، ثم رفع إلى سدرة المنتهى ثم رفع له البيت المعمور، ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى وفرض عليه خمسين صلاة فرجع حتى مر على موسى فقال: بم أمرت؟ قال: بخمسين صلاة قال: إن أمتك لا تطيق ذلك ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار أن نعم. إن شئت فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار -تبارك وتعالى- وهو في مكانه) هذا نص البخاري في صحيحه. وفي بعض الطرق (فوضع عنه عشرا ثم نزل حتى مر بموسى فأخبره فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله -تبارك وتعالى- حتى جعلها خمسا فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف فقال: قد استحييت من ربي ولكن أرضى وأسلم، فلما نفذ نادى مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) .

قوله: والحوض الذي أكرمه الله -تعالى- به غياثا لأمته حق

والحوض الذي أكرمه الله -تعالى- به غياثا لأمته حق

ومنها حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - (إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس أشد بياضا من اللبن آنيته عدد نجوم السماء وكل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد فيقال: لقد بلغت وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة) . مسألة: الحوض قبل الصراط أو بعد الصراط في هذه المسألة قولان للسلف في هذه المسألة قولان: أحدهما أن الحوض يورد بعد الصراط يعني: يكون المرور على الصراط أولا ثم بعد المرور على الصراط يورد الحوض واختار هذا الحافظ ابن حجر -رحمه الله- والسيوطي -رحمهما ال-له واحتج هؤلاء بحديث النضر بن أنس، فإن ظاهره يقتضي ذلك وذلك أن النضر قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة قال: أنا فاعل قال: وأين أطلبك يا نبي الله؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فأنا عند الميزان قال: قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فأنا عند الحوض لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن يوم القيامة) . وكذلك أيضا من أدلتهم حديث لقيط واقد بني المنتفق فإن فيه أنه قال في آخر الحديث: (فتطلعون على الحوض) يعني: بعد المرور على الصراط القول الثاني: أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط وهذا هو الصواب هذا هو الصحيح لما يأتي من الأدلة من الشرع والعقل، منها من أدلة هذه القول الأحاديث التي تدل على منع المرتدين على أعقابهم وأنهم يذادون عن الحوض كحديث أنس - رضي الله عنه - (ليردن علي ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي، فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك) ومنها حديث سهل بن سعد الأنصاري - رضي الله عنه - (إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم - وزاد أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - فأقول: إنهم من أمتي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي) . فهذه الأحاديث تدل على أن الحوض يورد قبل الصراط من وجهين الأول: لو كان الورود على الصراط قبل الحوض لكان مثل هؤلاء المذادين الذين يذادون عن الحوض ويطردون لا يجاوزون الصراط؛ لأنهم إن كانوا كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه وإن كانوا عصاة وهم من المسلمين، فهؤلاء وإن كانوا عصاة وهم من المسلمين فجازوا الصراط لم يشفع لهم في دخول النار أو عفا الله عنهم بدون شفاعة، وإن لم يكن شفاعة ولا عفو دخلوا النار ولبثوا فيها بقدر عصيانهم وحينئذ يلزم حجبهم عن الحوض مع أنهم من المسلمين وهذا بعيد حجبهم عن الحوض لا سيما وعليهم سيما الوضوء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أعرفهم غرا محجلين من أثر الوضوء) . الثاني: لو كان الورود على الصراط قبل الحوض للزم ألا يحجب عن الحوض أحد؛ لأن من جاوز الصراط لا يكون إلا ناج مسلم ومثل هذا لا يحجب عن الحوض، ومن الأدلة من العقل أن الناس يردون الموقف عطاشا فمن المناسب ورود المؤمنين الحوض قبل مرورهم على الصراط، وأما حديث النضر بن أنس الذي استدل به أهل القول الأول على أن الصراط يكون قبل الحوض يجاب عنه بأجوبة: منها: أن المراد بالحوض فيه حوض آخر يكون بعد الجواز على الصراط لا يذاد عنه أحد كما جاء في بعض الأحاديث كحديث لقيط بن عامر وفيه: (ثم ينصرف نبيكم وينصرف على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمر فيقول: حس يقول ربك عز وجل أو أنه ألا فتطلعون على حوض نبيكم على أظمأ -والله- ناهلة عليها قط ما رأيتها، فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلا وضع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى) . ثانيا: أن الحوض نفسه يمتد إلى ما وراء الجسر كما يفيده حديث ليقط هذا وأن المؤمنين إذا جاوزوا الصراط وقطعوه دنا لهم الحوض فشربوه منه فإنه ورد أن طوله شهر وعرضه شهر، فإذا كان بهذا الطول والسعة فما الذي يحيل امتداده إلى ما وراء الجسر، وعلى هذا فيرده المؤمنون مرتين مرة قبل الصراط ومرة بعده جمعا بين الأدلة وهذا في حيز الإمكان ووقوعه موقوف على خبر الصادق. وهذا كلام العلامة ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد يقول: إذا كان الحوض بهذه السعة طوله شهر مسافته شهر فهذا يدل على أنه يمتد وأنه طويل وأنه يكون ما وراء الجسر وأن الناس يردونه مرة قبل الصراط ومرة بعد المرور على الصراط، وجمع بعض أهل العلم فقال: إن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين: أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر داخل الجنة وهو الكوثر وكل منهما يسمى كوثرا، ولكن هذا لا يصلح جوابا عن حديث النضر؛ لأنه صرح أنه يوم القيامة وأجاب الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عن هذا الجواب قال: وفيه نظر؛ لأن الكوثر نهر داخل الجنة وماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثرا لكونه يمد من نهر الكوثر.

وقال الحافظ أيضا: ظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها وهذا يدل على أن الحوض بعد الصراط؛ إذ لو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر فيه. وأجاب الحافظ عن الأحاديث التي تدل على منع المرتدين على أعقابهم قال: وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون من الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار، فجوابه أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون الجنة فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط، ولكن هذا تأويل بعيد. وأجاب السيوطي عن إشكال يرد على القول أن الحوض يورد بعد الصراط قال: فإذا قيل: إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة فلا يحتاجون إلى الشرب من الحوض، فالجواب بل هم محتاجون إلى ذلك؛ لأنهم محبوسون هناك لأجل المظالم فكان الشرب في موقف القصاص يعني: يكون الشرب على ما ذكر السيوطي بعد المرور على الصراط؛ لأنه ثبت أن المؤمنين إذا تجاوزوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار قيل: إنها طرف الصراط وقيل: إن الصراط خاص بالمؤمنين حتى يقتص بعضهم من البعض من الآخر المظالم التي بينهم، فإذا هذبوا ونقوا دخلوا الجنة. قال السيوطي -رحمه الله-: يكون في هذا المكان يكون هو الحوض في هذا المكان، ولكن هذا أيضا بعيد؛ لأن هذا التأويل يرده الأحاديث الكثيرة التي صرحت بأنه يزاد عن الحوض أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، وهذا يدل على أن الحوض في موقف الحساب لا في موقف قصاص المؤمنين بعضهم من بعض، وجمع بعض العلماء بين الأحاديث بجمع آخر وهو أنه يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم ويتأخر الشرب بعد الصراط لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار حتى يهذبوا منها على الصراط، قال بعض أهل العلم: وهو جمع حسن القول، وعلى هذا الجمع يكون هناك حوضان حوض قبل الصراط وحوض بعده أو أن الحوض نفسه يمتد إلى ما وراء الجسر كما سبق هذا في الجواب عن حديث النضر. هذه أقوال العلماء في الحوض هل قبل الصراط أو بعد الصراط ولكن يعني: الحافظ ابن حجر يقول: إنه الصراط وابن القيم -رحمه الله- يقول: لا مانع إذا صح الحديث يكون من وراء الجسر وبعض العلماء يقول: الناس محتاجون إلى أن يشربوا أيضا بعد الجسر. لكن سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -غفر الله له ورحمه وجمعنا به في الفردوس الأعلى- تنبه لأمر لم يتنبه له هؤلاء العلماء الذين قالوا إن الحوض قبل الصراط قال سماحة شيخنا -رحمه الله-: إن صحت الأخبار أنهم يردون بعد الصراط فهذا نهر يردونه في الجنة؛ لأن الصراط ممدود على متن جهنم يصعد الناس عليه إلى الجنة، فمن جاوز الصراط وصل إلى الجنة، والحوض في الأرض فلا يرجعون إلى الأرض مرة ثانية بعد صعودهم إلى الجنة يعني: كيف يكون الحوض بعد الصراط؟ الصراط ممدود على متن جهنم صعود يصعد الناس فيه من الأرض إلى السماء فإذا انتهوا وصلوا إلى الجنة ما فيه حوض هناك كيف وأين يكون الحوض؟ الحوض في موقف القيامة قبل الصراط قبل المرور على الصراط وهذا هو الذي تدل عليه الأحاديث وتدل على أنه، ويدل على ذلك أنه يذاد أقوام قد غيروا وبدلوا هذا يكون في موقف القيامة أما بعد المرور على الصراط انتهى الأمر، من سقط في النار سقط في النار، ومن تجاوز الصراط وصل إلى الجنة. لكن السيوطي يقول: يكون في مكان قبل دخولهم الجنة لكن هذا بعيد والصواب الذي تدل عليه النصوص أن الحوض يكون قبل الصراط هذا هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة. وهل الحوض قبل الميزان أو بعد الميزان؟ أيضا في المسألة قولان لأهل العلم: أحدهما: أن الميزان أسبق من الحوض حجة هذا القول ظاهر حديث النضر بن أنس فإنه قدم الميزان على الحوض الثاني: أن الحوض قبل الميزان، وهذا هو الراجح حجة هذا القول الأحاديث التي تدل على أنه يزاد عن الحوض أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، فلو كان ورود الحوض بعد الميزان لما حجب عنه أقوام؛ لأن هؤلاء الذي خفت موازينهم يعرفون أنه لا سبيل لهم إلى الشرب من الحوض فلا يردونه إطلاقا. ويدل على ذلك أيضا من العقل أن المعنى يقتضيه فإن الناس يخرجون من قبورهم عطاشا، فمن المناسب أن يكون الورود على الحوض قبل الميزان للحاجة الشديدة إلى الشرب فيقدم قبل الميزان. صفة الحوض: صفة الحوض كما وردت في الأحاديث الذي يتلخص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض أنه حوض عظيم ومورد كريم يمد من شراب الجنة من نهر الكوثر الذي هو أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج وأحلى من العسل وأطيب ريحا من المسك، وأنه في غاية الاتساع وأن عرضه وطوله سواء وأن كل زاوية من زواياه مسيرة شهر، وكلما شرب منه فهو في زيادة واتساع وأنه ينبت في خلاله من المسك والرفراف من اللؤلو وقضبان الذهب ويثمر ألوان الجواهر، -فسبحان الخالق الذي لا يعجزه شيء-.

مكان الحوض: بين القرطبي -رحمه الله- في التذكرة أن مكان الحوض لا يكون على هذه الأرض وإنما يكون في الأرض المبدلة {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} يكون في الأرض المبدلة التي تظهر لنزول الجبار -تعالى- فقال القرطبي -رحمه الله- ولا يخطر ببالك أنه في هذه الأرض بل في الأرض المبدلة أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم ولم يظلم على ظهرها أحد ولم يظلم على ظهرها أحد، قط تظهر لنزول الجبار -جل جلاله- لفصل القضاء. شبه المنكرين للحوض: قال القرطبي -رحمه الله- تبعا للقاضي عياض: مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به أن الله قد خص نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي؛ إذ قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة ينيف على الثلاثين منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين وفي غيرها بقية ذلك مما صح نقله، واشتهرت رواته، ثم رواه كلا من التابعين أمثالهم ومن بعدهم أضعاف أضعافهم، وهلم جرا وأجمع إلى إثباته السلف وأهل السنة من الخلف وأنكر ذلك طائفة من المبتدعة وأحالوه على ظاهره وغلوا في تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهره وحقيقته ولا حاجة إلى تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهره وحقيقته لا حاجة تدعو إلى تأويله، فحرفه من حرف إجماع السلف وفارق مذهب أئمة الخلف، والذي أنكره الخوارج وبعض المعتزلة، وممن كان ينكر الحوض عبيد الله بن زياد أحد أمراء العراق لمعاوية وولده الذي يطرد من الحوض ويذاد عنه دلت الأحاديث على أن الذين ارتدوا كالأعراب الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يطردون ويذادون، ولهذا أخبرنا هذه الحديث أنه (يذاد أقوام فيقول النبي أصحابي أصحابي) وفي لفظ (أصحابي أصحابي فيقال للنبي صلى الله عليه وسلم إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم) قال بعد السفاريني -رحمه الله-: إنه يطرد عن الحوض أقوام، أنواع جنس المفترين على الله وعلى رسوله من المحدثين في الدين كالخوارج وسائر أهل الأهواء والبدع المضلة، وثانيا: كل من يرتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به، وأشدهم من خالف جماعة المسلمين كالخوارج والروافض والمعتزلة، وثالثا: الظلمة المسرفون في الظلم في الظلم والجور وطمس معالم الحق وإذلال أهله، ورابعا: المتهتكون في ارتكاب المناهي والمعلنون في اقتراف المعاصي المستخفون بها. هذا قول السفاريني -رحمه الله- يرى أن هذه الأنواع كل هؤلاء يطردون عن الحوض، لكن ظاهر الأحاديث الصحيحة أن الذين يزادون إنما هم الكفرة المرتدون على أعقابهم المرتدون عن الديانة هذه هو ظاهر الأحاديث، أما هذه الأنواع التي ذكرها المفترون على الله الكذب وعلى رسوله الكفرة لا بأس، أما كون العصاة يذادون، فهذا محل نظر ويحتاج إلى دليل والله أعلم. نعم.

قوله: والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الأخبار

والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الأخبار

النوع الخامس: الشفاعة في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ليدخلوا الجنة ودليلها ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال (السابق يدخل الجنة بغير حساب) والمتصل برحمة الله والظالم نفسه وأصحاب الأعراف يدخلونها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. السادس: الشفاعة في قوم قد أمر بهم إلى النار لا يدخلونها ودليلها حديث حذيفة عند مسلم وفيه: (ونبيكم على الصراط يقول: رب سلم) السابع: الشفاعة في تخفيف العذاب عمن يستحقه وهي خاصة بأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودليلها ما ورد في طرق متعددة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (إن أبا طالب يحميك ويذود عنك ويؤويك فهل نفعته؟ قال نعم وجدته في غمرات من نار فأخرجته منها إلى ضحضاح من نار يغلي منها دماغه) أسأل الله السلامة والعافية. الثامنة: الشفاعة في أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن دخلوا النار ليخرجوا منها وهذا أدلته متواترة تواتر بهذا النوع الأحاديث من ذلك حديث أنس - رضي الله عنه - (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) وهذه شفاعة تتكرر من النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات كما ثبت في حديث أنس وأنه في المرة الأولى يقال: (أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، وفي الثانية يقال له: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، وفي الثالثة يقال له: أخرج من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، وفي الرابعة يقال له: يقول لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله أو أخرج منها من قال: لا إله إلا الله) فالمتفق عليه من الأمة الأربعة الأولى، وهذه الأربعة الأخيرة مختلف فيها خالف فيها الخوارج والمعتزلة وأنكروها جهلا منهم بصحة الأحاديث وعنادا ممن علم ذلك واستمر على بدعته الوعيدية، يعني: الخوارج والمعتزلة زعموا أن الشفاعة إنما هي للمؤمنين خاصة في رفع بعض الدرجات، والفائدة والحكمة من الشفاعة هي إكرام الشفيع في قبول شفاعته كما في الحديث: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء) وحكمة إلهام الناس التردد إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة يسألون الأنبياء أن يشفعوا لهم، ولم يلهموا لمجيء النبي صلى الله عليه وسلم من أول وهلة لإظهار فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم. أقسام الناس في الشفاعة ثلاثة: قسم غلوا في إثباتها فأثبتوها مطلقة وهم المشركون والنصارى والمبتدعون من الغلاة في المشايخ وبعض الصوفية فأثبتوا شفاعة الأصنام والأوثان ويجعلون شفاعة من يعظمونه عند الله كالشفاعة المعروفة في الدنيا. وقسم غلوا في نفيها فنفوا شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الكبائر، وهم الخوارج والمعتزلة. وقسم توسطوا وهم أهل السنة والجماعة فيقرون بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر وشفاعة غيره ويشترطون لها شرطين أخذوهما من النصوص: أحدهما: إذن الله للشافع أن يشفع ودليله قول الله -تعالى -: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} والثاني: والثاني رضى الله عن المشفوع له، ودليله قول الله -تعالى-: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وينفون الشفاعة التي تكون للمشرك عملا بقول الله -تعالى-: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} ويوفون الشفاعة التي تكون للمشرك عملا بقول الله --تعالى-: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) } مسألة: الأعمال الموعود عليها الشفاعة قال السفاريني -رحمه الله- إن الأعمال الموعود عليها الشفاعة خمسة: الأول: إخلاص التوحيد من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه ودليله حديث أبي هريرة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله. قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه) الثاني: الدعاء بما ورد بعد سماع النداء يعني: إجابة المؤذن والدعاء بما ورد ودليله حديث جابر: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة) الثالث: الصبر على لأواء المدينة وجدبها، ودليله حديث سعد بن أبي وقاص: (لا يصبر أحد على لأواء المدينة وجدبها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة) الرابع: الموت في أحد الحرمين، ودليله حديث سلمان (من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي وكان يوم القيامة من الآمنين) الخامس: الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم عشرا في الصباح وعشرا في المساء، ودليله حديث أبي الدرداء: (من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة) هذا الذي ذكره السفاريني -رحمه الله- لكن هذه الأنواع فيها نظر.

أما النوع الأول: وهو إخلاص التوحيد فهذا لا شك فيه أن من أخلص التوحيد لله فهو من أهل الشفاعة وهذا في الحديث في الصحيحين قال: (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه) كذلك الثاني إجابة نداء المؤذن إذا أجاب المؤذن وقال هذا الدعاء لكنه مقيد بإخلاص التوحيد يعني: إخلاص التوحيد هذا قيد، وأما الثالث الصبر على لأواء المدينة وجدبها فالحديث إن صح فهو محمول على الموحد الذي اجتنب الكبائر جمعا بين الأحاديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) لا بد من اجتناب الكبائر قال --تعالى-: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) } أما الموت في أحد الحرمين وهو في حديث سلمان (من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي وكان يوم القيامة من الآمنين) فلا أظن الحديث يصح ما أظن الحديث يصح، والموت في أحد الحرمين ليس باختيار الإنسان وهذا ليس من عمل الإنسان {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} ما أظن الحديث يصح، ولكن لو صح فهو محمول على المؤمن الموحد والمؤمن الموحد لا شك أنه من أهل الشفاعة أنه من أهل الشفاعة، وكذلك الصلاة على الرسول عشرا في الصباح وعشرا في المساء إن صح الحديث فهو محمول على من قال، على من فعل ذلك وكان من المؤمنين الموحدين. شبه المنكرين للشفاعة: وهم المعتزلة والخوارج أنكروا الشفاعة وأنكروا أن يخرج أحد من النار بعد دخولها استدلوا أولا بقول الله -تعالى-: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} وقول الله --تعالى-: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} وقول الله --تعالى-: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} دلت هذه الآيات على أن من دخل جهنم من أهل الكبائر يخلد فيها ولا تقبل فيه الشفاعة هكذا قالوا، الرد عليهم أن هذه الآيات مخصوصة بالكفار، ويؤيد هذا سياق الخطاب في الآية الأولى والثالثة، فإن الآية نزلت ردا على اليهود في زعمهم أن آباءهم يشفعون لهم. الدليل الثاني: استدلوا بقول الله --تعالى-: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) } ووجه الدلالة أنها دلت على أن صاحب الكبيرة لا تنفعه الشفاعة الرد عليهم من قبل أهل السنة أن الآية في الكفار بدليل وصفهم في الآيات السابقة لها في قوله -تعالى-: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) } إلى قوله: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) } الدليل الثالث: استدلوا بقول الله -تعالى-: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) } ووجه الدلالة أن الآية دلت على أن الظالم ليس له شفيع يطاع، والعاصي ظالم، الرد أن المراد بالظالمين الكفار؛ لأن الظلم إذا أطلق انصرف إلى الكفر إذا الكفر أعظم الظلم بدليل قول الله -تعالى-: {إِن الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) } الدليل الرابع: قول الله -تعالى-: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} ووجه الدلالة أن الآية دلت على أن من دخل النار فهو هالك لا تنفعه الشفاعة بل هو مبعد ممقوت غير مرضي عنه فلا يدخل في قول الله -تعالى-: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} لأن من أخزاه الله لا يرتضي الرد أن المراد بقوله: تدخل النار يعني: تخلد المراد إنك من تدخل النار يعني: تخلد والمخلد في النار هالك لا تنفعه الشفاعة؛ إذ الخلود في النار خاص بمن مات على الكفر. ويجاب عن الشبه الثلاث الأولى بجواب آخر وهو أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة المعروفة عند الناس على الإطلاق وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء بدون إذن فيقبل شفاعته، فأما إذا أذن له في أن يشفع فشفع لم يكن مستقلا بالشفاعة بل يكون مطيعا له تابعا له في الشفاعة وتكون شفاعته مقبولة ويكون الأمر كله للآمر المسئول كما قال الله --تعالى-: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} والذي يبين أن هذه هي الشفاعة المنفية قول الله -تعالى-: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} وقوله -سبحانه-: {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} وقوله: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}

والخلاصة أن المنفي الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك ومن شابههم من أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه كما يشفع الناس بعضهم عند بعض فيقبل المشفوع إليه شفاعة شافع لحاجته إليه رغبة ورهبة، وكما يعامل المخلوق المخلوق بالمعاوضة الكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين في الآخرة، ولكن قد يخف العذاب عن بعض الكفار بسبب نصرته ومعونته فإنه تنفعه الشفاعة في تخفيف العذاب لا في إسقاط العذاب بالكلية، وهذا خاص بأبي طالب وخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يتبين أن أدلة الخوارج والمعتزلة إنما هي الأدلة التي يستدل بها كلها في الكفرة. التوسل طلب الشفاعة والاستشفاع طلب الشفاعة وهي الانضمام وانضمام الأدنى إلى الأعلى ليستعين به على ما يطلبه ويروجه، الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره في الدنيا إلى الله في الدعاء بمعنى التوسل به إذا قال إنسان: أنا أتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو أنا أستشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا فما المراد بالتوسل والاستشفاع؟ وهل هو جائز أو غير جائز؟. الجواب: أن هذا مجمل فيه تفصيل؛ لأن التوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم يراد به ثلاثة أمور أمران متفق عليهما بين المسلمين والثالث مختلف فيه، أما الأمران المتفق عليهما التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى التوسل بالإيمان به وطاعته فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به وهو أصل الإيمان والإسلام. الثاني: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته وهذا أيضا جائز ونافع يتوسل به من دعا له وشفع وهذا كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته، ومن أنكر التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا، وإن كان الثاني أخفى من الأول التوسل بالنبي بمعنى التوسل بالإيمان به وطاعته هذا فرض أو التوسل بدعائه بمعنى أنه يدعو وأنت تؤمن كما في حياته وكما يكون يوم القيامة. الثالث: التوسل بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا غير قبره ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية. فالصواب: أن هذا ممنوع فإذا التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم التوسل بالإيمان به هذا فرض التوسل بدعائه في حياته ويوم القيامة هذا أيضا جائز التوسل بذاته هذا ممنوع، وأما حديث الأعمى الذي فيه قل: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة يا محمد إني أتشفع بك في رد بصري اللهم شفعه في) فالصواب أن الأعمى توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم يدعو النبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤمن فإذا التوسل بالذات هذا ممنوع وكذلك التوسل بالجاه كأن يقول: أتوسل بجاه فلان أو بحق فلان أو بحرمة فلان هذا ممنوع وهذا مبتدع. ولكن التوسل الشرعي إما بدعاء الحي الحاضر كأن يدعو وأنت تؤمن أو تتوسل بالإيمان والتوحيد -إيمانك بالله ورسوله وتوحيده- أو تتوسل بعملك الصالح كالثلاثة كما توسل الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة توسل أحدهم ببره لوالديه، والثاني توسل بعفته عن الزنا، والثالث توسل بأمانته هذا بعملك الصالح تتوسل بفقرك وحاجتك إلى الله لا بأس كقول موسى: {إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) } هذا لا بأس تتوسل بدعاء شخص حاضر تتوسل بالتوحيد والإيمان تتوسل بأعمالك الصالحة تتوسل بفقرك وحاجتك إلى الله تتوسل بأسماء الله وصفاته لا بأس، أما أن تتوسل بذاته فلان هذا ممنوع تتوسل بجاه فلان هذا ممنوع تتوسل بحرمة فلان هذا ممنوع تتوسل بحق فلان هذا ممنوع. وفي الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- في حديث الشفاعة. منهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فدفع إليه منها الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي.

اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: نوح إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وذكر كذباته نفسي نفسي نفسي. اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون أنت رسول الله اصطفاك الله برسالاته وبتكليمه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي. اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه قال: هكذا هو وكلمت الناس في المهد فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا. اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتونني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأقوم فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز وجل ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء ما لم يفتحه على أحد قبلي فيقال: يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأقول: يا رب أمتي أمتي يا رب أمتي أمتي يا رب أمتي أمتي فيقال: أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب ثم قال: والذي نفسي بيده لما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبُصرى) أخرجاه في الصحيحين بمعناه واللفظ للإمام أحمد. وقد جاء في حديث الصور التصريح بالشفاعة العظمى ومن مضمونه أنهم يأتون آدم ثم نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم يأتون رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فيذهب فيسجد تحت العرش في مكان يقال له: الفحص فيقول الله ما شأنك وهو أعلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول: (يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فاقض بينهم فيقول -سبحانه وتعالى-: شفعتك، أنا آتيكم فأقضي بينكم قال: فأرجع فأقف مع الناس) ثم ذكر انشقاق السماوات وتنزل الملائكة في الغمام ثم يجيء الرب -سبحانه وتعالى- لفصل القضاء والكروبيون والملائكة المقربون يسبحونه بأنواع التسبيح قال: (فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه ثم يقول: إني أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع أقوالكم وأرى أعمالكم فأنصتوا لي فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) . إلى أن قال: (فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم؟ إنه خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلا فيأتون آدم فيطلب ذلك إليه وذكر نوحا، ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتي الجنة فآخذ بحلقة الباب ثم أستفتح فيفتح لي فأُحيا ويرحب بي، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل فخررت له ساجدا فيأذن لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه ثم يقول الله -تعالى- لي: ارفع رأسك يا محمد واشفع تشفع وسل تعطه، فإذا رفعت رأسي قال الله وهو أعلم: ما شأنك؟ فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله عز وجل قد شفعتك وأذنت لهم في دخول الجنة) الحديث رواه الأئمة ابن جرير في تفسيره والطبراني وأبو يعلى الموصلي والبيقهي وغيرهما والله أعلم.

قوله: والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق

والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق.

هكذا جاء في الحديث والذي فيه الإشهاد على الصفة التي قالها أهل هذا القول، وردت في أحاديث عن ابن عباس رواه ابن عباس وابن عمر وتكلم فيها بعضهم، ومن الأدلة حديث ابن عباس الذي رواه الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم -عليه الصلاة والسلام- بنعمان وهو واد إلي جنب عرفة - يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلا قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} ) إلى آخر الآية وحديث عبد الله بن عمرو الذي يرويه مجاهد عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قال: أخذوا من ظهره كما يؤخذ المشط من الرأس فقال لهم: ألست بربكم قالوا: بلى قالت الملائكة: شهدنا {أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) } ) وأقوى ما يشهد لصحة هذا القول حديث أنس المخرج في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا؟ قال: فيقول: نعم قال: فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي شيئا) وقد روي من طريق أخرى (قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل) فيرد إلى النار وليس فيه في ظهر آدم. أدلة القول الثاني الذين يقولون: إن الله -تعالى- نصب الأدلة وأن الإشهاد بلسان الحال قالوا: الآية تدل على هذا القول من وجوه: أحدها: أنه قال في الآية: من بني آدم ولم يقل: من آدم. الثاني: أنه قال: من ظهورهم ولم يقل: من ظهره وهو بدل بعض أو بدل اشتمال وهو أحسن. الثالث: أنه قال: ذريتهم ولم يقل: ذريته. الرابع: أنه قال: وأشهدهم على أنفسهم ولا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به وهو لا يذكر شهادته إلا بعد خروجه إلى هذه الدار لا يذكر شهادته قبله. الخامس: أنه سبحانه أخبر أن حكمته بهذا الإشهاد إقامة للحجة عليهم لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فطروا عليها بدليل قول الله -تعالى-: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} سادسا: تذكرهم بذلك لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين ولا شك أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت هذا لا يذكره أحد منهم. سابعا: أن هناك حكمتين في هذا الإشهاد لئلا يدعوا الغفلة أو يدعوا التقليد في قوله: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} إذ الغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره، ولا تترتب هاتان الحكمتان إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة. الثامن: أن الله توعدهم بجحودهم وشركهم في ادعائهم التقليد في قوله: {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) } والله -سبحانه- إنما يهلكهم بمخالفة رسلهم وتكذيبهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل إذا أخبر أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون. التاسع: أنه سبحانه أخبر أنه أشهد كل واحد على نفسه واحتج عليه بهذا في غير موضع من كتابه كقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وإنما ذلك بالفطرة وهي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها وذكرتهم بها رسله بقولهم: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} العاشر: أنه جعل الإشهاد آية وهي الدلالة الواضحة المبينة المستلزمة لمدلولها وإنما يتضح ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، وهذا شأن آيات الرب تكون واضحة بينة مستلزمة لمدلولها قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) } ويؤيد ما قالوا ويؤيد هذا القول أحاديث منها رواية الحسن عن الأسود بن سريع من بني سعد قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات قال: فتناول القوم ذرية بعدما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد عليهم مما قال، وقال: ما بال أقوام يتناولون الذرية فقال رجل يا رسول الله أليسوا أبناء المشركين؟ فقال: إن خياركم أبناء المشركين ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها) قال الحسن: ولقد قال الله في كتابه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية ومنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة) وفي رواية: (على هذه الملة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تولد بهيمة جماء هل تحسون فيها من جدعاء)

ومنها حديث عياض بن حمار في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم) قالوا: والقول الأول يضعفه أمران إذ هو متضمن لها أحدهما كون الناس تكلموا حينئذ وأقروا بالإيمان وأنه بهذا تقوم عليهم الحجة يوم القيامة الثاني: أن الآية دلت على هذا، والآية لا تدل عليه بالوجوه العشرة السابقة. أما الآثار التي استدل بها أهل القول الأول، فأجاب عنها أهل القول الثاني بأنها تدل على أن الله -سبحانه- صور النسمة وقدر خلقها وأجلها وعملها واستخرج تلك الصور من مادتها ثم أعادها إليها وقدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له ولا تدل على أنها خلقت خلقا مستقرا واستمرت موجودة ناطقة كلها في موضع واحد ثم يوصل منها إلى الأبدان جملة بعد جملة كما قال ابن حزم: هذا لا تدل الآثار عليه كما أنها لا تدل على سبق الأرواح الأجساد سبقا مستقرا ثابتا، كما قال من قال: إن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد بل الرب يخلق منها جملة بعد جملة على الوجه الذي سبق به التقدير أولا فيجيء الخلق الخارجي مطابقا للتقدير السابق كشأنه -سبحانه- في جميع مخلوقاته فإنه قدر لها أقدارا وآجالا وصفات وهيئات ثم أخرجها إلى الوجود مطابقة لذلك التقدير السابق. فالآثار المروية إنما تدل على هذا المقدار وبعضها يدل على أن الله استخرج أمثالهم وصورهم وميز أهل السعادة من أهل الشقاوة عليهم هناك، وأما الآثار التي في بعضها الأخذ والقضاء بأن بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار كما في حديث عمر، وفي بعضها الأخذ وإبراء آدم إياهم من غير قضاء ولا إشهاد كما في حديث أبي هريرة السابق، والذي فيه الإشهاد على الصفة التي قالها أهل الأول قالوا: إنه موقوف على ابن عباس وابن عمر، وتكلم فيه أهل الحديث، ولم يخرجه أحد من أهل الصحيح غير الحاكم في المستدرك على الصحيحين وهو معروف بتساهله -رحمه الله- لكن قال المحقق الشيخ أحمد محمد شاكر: حديث ابن عباس وعمر صحيحان مرفوعان وتعليلهما بالوقف على ابن عباس وعمر غير سديد كما بين ذلك في شرحهما في المسند. بعد هذا هل بين هذين القولين تناف؟ أو هل يمكن الجمع بين هذين القولين؟ قال شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز -رحمه الله-: لا تنافي بين القولين فإن الأخذ للذرية من ظهر آدم والإشهاد عليهم كان تقدمة لبعثة الرسل، والحجة إنما قامت ببعثة الرسل فهم الذين ذكروهم بتلك الشهادة فقامت للرسل الحجة على الناس كما لو كان عند الإنسان شهادة ثم نسيها ثم ذكره أحد إياها وقال له: يا فلان اذكر أن عندك شهادة في وقت كذا على كذا وأيضا فإن الأخذ من ظهور بني آدم أخذ من ظهر آدم فإن ظهورهم ظهر له وعلى هذا فلا منافاة بين الأقوال وظاهر هذه الأحاديث، وهذه الأحاديث ظاهرة في أن الله -تعالى- استخرج ذرية آدم أمثال الذر الأرواح وأشهدهم ثم أعادهم -سبحانه وتعالى- وكون الإنسان لا يذكر الشهادة لا يستلزم أن يكون ذلك وقع، جاءت الرسل بعد ذلك وذكرتهم بالشهادة، والحجة إنما قامت ببعثة الرسل، وعلى ذلك فلا منافاة بين القولين نعم

قوله: وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة وعدد من يدخل النار جملة واحدة فلا يزداد في ذلك العدد ولا ينقص منه

وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة وعدد من يدخل النار جملة واحدة فلا يزداد في ذلك العدد ولا ينقص منه

الأولى: مرتبة العلم، وصفة العلم من الصفات الذاتية وهي تتناول الموجود والمعدوم والواجب والممكن والمبتدع، وذلك أن علم الله محيط بالأشياء على ما هي عليه لا محو فيه ولا تغيير ولا زيادة ولا نقص فإن الله يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف يكون؛ إذا علم الله يتناول الموجود ويتناول المعدوم ويتناول الواجب ويتناول الممكن ويتناول المبتدع أيضا، والأدلة على إثباتها من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصى واتفق عليه الصحابة والتابعون ولم يخالف فيها إلا مجوس هذه الأمة. المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة وهي أن الله كتب مقادير الخلائق وما هو كائن إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ والأدلة على إثباتها قول الله -تعالى- {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} وفي الحديث (أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب قال: وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) ومن الأدلة على المرتبتين الأوليين قول الله -تعالى- {أَلَمْ تَعْلَمْ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة وهي إثبات مشيئة الله النافذة الماضية إثبات نفوذ قدرته ومشيئته وشمول قدرته ومن الأدلة على إثباتها قول الله -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} وقول الله: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} الرابعة: مرتبة الخلق والإيجاد وهي إثبات خلق الله وإيجاده لكل شيء ومن الأدلة على إثباتها قول الله -تعالى-: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وقوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} هذه مراتب القدر العلم والكتاب والإرادة والخلق وقد نظمها بعضهم فقال: علم كتابة مولانا مشيئته وخلقه وهو إيجاد وتقدير وخلقه وهو إيجاد وتقدير مذاهب الناس في القدر ثلاثة: المذهب الأول: مذهب أهل السنة أن كل شيء بقضاء الله وقدره حتى العجز والكيس حتى العجز والكيس يعني: حتى العجز والجد والنشاط كله بقدر كل شيء بقضاء الله وقدره، مذهبهم أن كل شيء بقضاء الله وقدره حتى العجز والكيس وأن الله -تعالى- خلق أفعال العباد كما قال الله -تعالى-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) } وقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) } وأن الله -تعالى- يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ولا يرضاه ولا يحبه فيشاؤه كونا ولا يرضاه دينا وأنه لا حادث إلا، وقد قدره الله أزلا أي: سبق به علمه، ويعتقد أهل السنة أن الإرادة قسمان: كونية قدرية خلقية ترادف المشيئة ودينية شرعية أمرية ترادف المحبة، ويثبتون أن العبد فاعل حقيقة ولكنه مخلوق لله ومفعول له ولا يقولون: هو نفس فعل الله فيفرقون بين الخالق والمخلوق والفعل والمفعول ويعتقدون العبد تابعة لمشيئة الله في كل شيء مما يوافق ما شرعه وما يخالفه من أفعال العبد وأقواله، فالكل بمشيئة الله، فما وافق ما شرعه رضيه وأحبه، وما خالفه كرهه كما قال الله -تعالى-: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِن اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} المذهب الثاني: مذهب القدرية مذهب القدرية، ومن أصولهم نفي خلق الفعل مطلقا نفي خلق الفعل يقولون: أفعال العباد ليست مخلوقة لله أفعالهم من خير وشر وطاعة ومعصية لم يقدرها الله ولم يشأها ولم يخلقها، وغلاة القدرية والرافضة أنكروا أن الله عالم بالأزل، فالقدرية قسمان غلاة ومتوسطون، فالغلاة أنكروا المرتبتين الأوليين علم الله وكتابته، والمتوسطون أنكروا عموم المرتبتين الأخريين آمنوا بالعلم والكتابة اعترفوا صدقوا بالمرتبتين الأوليين ولكن جحدوا عموم المرتبتين الأخريين كما سيأتي، فغلاة القدرية القدامى -وهم قدامى- كمعبد الجهني الذي سأل ابن عمر عن مقالته وكعمرو بن عبيد، فإنهم ينكرون علم الله المتقدم وكتابته السابقة ويزعمون أن الله أمر ونهى وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه بل الأمر أنف أي: مستأنف، وهذا القول أول ما حدث في الإسلام بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين، وكان أول من أظهر ذلك بالبصرة معبد الجهني وأخذ عنه هذا المذهب غيلان الدمشقي فرد عليه بقية الصحابة كعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وواثلة بن الأسقع وغيرهم. فالقدرية ينقسمون إلى فرقتين: الأولى: تنكر أن الله سبق علمه بالأشياء مطلقا وتزعم أن الله لم يقدر الأمور أزلا ولم يتقدم علمه بها وإنما يعلمها إذا وقعت، وهؤلاء هم الغلاة قال العلماء: والمنكرون لهذا وهؤلاء الطائفة انقرضوا وهم الذين كفرهم الأئمة، مالك والشافعي وأحمد، وهم الذين قال فيهم الإمام الشافعي -رحمه الله-: ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصبوا وإن أنكروه كفروا.

الفرقة الثانية: المتوسطون أو عامة القدرية الذين أقروا بالعلم والكتاب المقرون بالعلم، وإنما خالفوا السلف في زعمهم أن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال يعني: يقولون: أفعال الله أفعال العباد ما شاءها الله ولا خلقها فيقولون: إن مشيئة الله عامة إلا أفعال العباد وخلق الله لكل شيء عام إلا أفعال العباد، وهذا المذهب مع كونه مذهبا باطلا أخف من المذهب الأول. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وهؤلاء مبتدعة ضالون لكنهم ليسوا بمنزلة أولئك وفي هؤلاء خلق كثير من العلماء والعباد يعني: يوجد من العلماء من اعتنق هذا المذهب ومنهم من أخرج له البخاري ومسلم في صحيحهما لكن من كان داعية إلى بدعته لم يخرجوا له، وهذا مذهب فقهاء الحديث كأحمد وغيره ومن كان داعية إلى بدعته فإنه يستحق التعزير لدفع ضرره عن الناس وإن كان في الباطن مجتهدا فأقل عقوبته أن يهجر فلا يكون له مرتبة في الدين فلا يستقضى ولا تقبل شهادته. انتهى كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-. فالقدرية والمعتزلة نفاة القدر يثبتون للعبد مشيئة تخالف مشيئة الله أي: تخالف ما أراده الله من العبد وشاءه ويزعمون أن العبد يخلق فعل نفسه استقلالا بدون مشيئة الله وإرادته شبهتهم قالوا: لئلا يلزم على ذلك أن يخلق المعاصي ويعذب عليها فشبهتهم قالوا: فالقدرية على أصل وهو أنه يجب على الله فعل الأصلح للعبد، فلو قلنا: وفعل الأصلح للعبد وهو أن يقدر لهم الطاعة لا المعصية فلو قدر المعصية وعذب عليها للزم عليه أن يخلق المعاصي ويعذب عليها. الرد عليهم نقول: أنتم في قولكم هذا كالمستجير من الرمضاء بالنار فإنهم هربوا من شيء فوقعوا في شر منه، فإنه يلزم على قولهم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله، فإن الله قد شاء الإيمان منه على قولهم، والكافر شاء الكفر فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله وهذا من أقبح الاعتقاد وهو قول لا دليل عليه بل هو مخالف للدليل النقلي والعقلي، وهل أضل ممن يزعم أن الله شاء الإيمان من الكافر والكافر شاء الكفر فغلبت مشيئة الكافر مشيئة الله؟. ثانيا: أنه يلزم على قولهم أنه يقع في ملك الله ما لا يريد. ثالثا: يلزم على قولهم على الإشراك في الربوبية وأن الله ليس ربا لأفعال الحيوانات أن الله ليس ربا لأفعال العباد ومذهبهم أن الله سبحانه ليس على كل شيء قدير وأن العباد يقدرون على ما لا يقدر عليه وأن الله -سبحانه- لا يقدر أن يهدي ضالا ولا يضل مهتديا، وهذا كما قال بعض العلماء: شرك في الربوبية مختصر؛ ولهذا ورد أن القدرية مجوس هذه الأمة لمشابهة قولهم لقول المجوس، فهم يثبتون مع الله خالقين للأفعال ليست أفعالهم مقدورة لله بل هي قادرة بغير مشيئة الله وإرادته ولا قدرة له عليها بل العباد خالقون لأفعالهم بدون مشيئة الله، والله لم يخلق أفعالهم وأنها واقعة بمشيئتهم وقدرتهم دون مشيئة الله، وأن الله لم يقدر ذلك عليهم ولم يكتبه ولا شاءه فشابهوا المجوس في كونهم أثبتوا خالقا مع الله؛ ولهذا سموا مجوس هذه الأمة وسموا قدرية لإنكارهم القدر. والرد عليهم: يرد عليهم بأن ربوبية الله سبحانه الكاملة المطلقة تبطل قول هؤلاء؛ لأن مقتضى ربوبية الله لجميع ما في هذا الكون من الذوات والصفات والحركات والأفعال، وحقيقة قول هؤلاء أن الله ليس ربا لأفعال الحيوانات ولا تناولتها ربوبيته وكيف تتناول ما لا يدخل تحت قدرة الله ومشيئة وخلقه؟ وهذا قول عامتهم ومتصوفتهم، وهذا القول هو قول شائع في القدرية يعني: هذا القول هذا المذهب إنما هو مذهب عامة القدرية. المذهب الثالث: مذهب الجبرية أن العبد ليس بفاعل أصلا بل هو مجبور على أفعاله وأفعاله واقعة باختياره وأن الفاعل منه سواه والمحرك له غيره فهو آلة محضة وحركاته بمنزلة هبوب الرياح وحركات المرتعش هذا قول عامة الجبرية، وأما متصوفتهم ممن يزعمون الترقي في مقام الشهود للحقيقة الكونية والربوبية الشاملة فيرون أن كل ما يصدر من العبد من ظلم وكفر وفسوق هو طاعة محضة؛ لأنها إنما تجري وفق ما قضاه الله وقدره فهو محبوب لديه مرضي عنه، فإنه إن خالف أمر الشرع فقد أطاع إرادته ونفذ مشيئته، وهؤلاء شر من القدرية النفاة وأشد عداوة لله ومناقضة لكتابه ورسله ودينه، وتسمى الجبرية قدرية لاحتجاجهم بالقدر وخوضهم فيه والتسمية على الطائفة الأولى أغلب والجبرية والقدرية في طرفي نقيض فالقدرية غلوا في نفي القدر حتى أخرجوا أفعال العباد عن خلق الله ومشيئته والجبرية غلوا في الإثبات حتى سلبوا العباد قدرتهم واختيارهم وزعموا أنهم لا يفعلون شيئا البتة، وإنما الله هو فاعل تلك الأفعال حقيقة فهي نفس فعله لأفعالهم والعبيد ليس لهم قدرة ولا إرادة ولا فعل البتة وأن أفعالهم بمنزلة حركات الجماد لا قدرة لهم عليها وإمامهم الجهم بن صفوان.

الرد عليهم أن هذا المذهب باطل ضرورة؛ لأننا نفرق بالضرورة بين حركة البطش وحركة المرتعش ونعلم أن الأول باختياره بالاختيار دون الثاني. ثانيا: ولأنه لو لم يكن العبد فعل أصلا لما صح التكليف ولا ترتب استحقاق الثواب والعقاب على أفعاله ولا إسناد الأفعال التي تقضي سابقة قصد إليه على سبيل الحقيقة، مثل صلى وصام وكتب بخلاف مثل طال واسود لونه وجرى النهر وذهبت الريح. ثالثا: النصوص القطعية تنفي ذلك وتنسب الأفعال إلى العباد قال الله -تعالى-: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) } وقال -سبحانه-: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} وقال -سبحانه-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} وقال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فالعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم حقيقة ولا يصح وصف الله بأفعال عباده، فالعبد هو الفاعل حقيقة بجعل الله له فاعلا، منشأ الضلال من شبه الجبرية أنهم يقولون: إننا نقول: إن العبد لا فعل له لئلا يقع في ملك الله ما لا يريد ولئلا يوجد خالق غير الله يعني: عكس شبهات القدرية. ما هو منشأ ضلال كل منهما؟ التسوية بين المشيئة والإرادة وبين المحبة والرضا هذا هو الضلال يعني: كل من القدرية سووا بين إرادة الله ومحبته وإن كان كل من الطائفتين لم يثبت إلا إرادة القدرية ما أثبته إلا الإرادة الدينية لكن قالوا: كل ما قضاه الله وقدره فهو محبوب له مرضي وأنكروا أن يكون هناك إرادة كونية، والجبرية قالوا: ليس هناك إلا إرادة كونية وكل ما قضاه الله وقدره فهو محبوب له مرضي. فإذا منشأ ضلال كل منهما التسوية بين المشيئة والإرادة وبين المحبة والرضا فسوى بينهما الجبرية والقدرية ثم اختلفوا، فالإرادة عند الجبرية واحدة وهي الكونية فقالوا: الكون كله بقضاء الله وقدره، فيكون محبوبا مرضيا حتى المعاصي والكفر والإرادة عند القدرية واحدة وهي الشرعية، فقالوا: ما شرعه الله فقد قدره وأمر به وأحبه وليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له فليست مقدرة ولا مقضية بل هي خارجة عن مشيئته وخلقه. الرد عليهم أن نقول: قد دل على الفرق بين المشيئة والمحبة الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة، أما المشيئة فمن الكتاب قول الله -تعالى-: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} وقال سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وقال: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} وقال: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} وأما نصوص المحبة والرضا فقال -سبحانه-: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) } وقال: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} وقال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) } عقب ما نهى عنه الشرك والظلم والفواحش والكبر، وفي الحديث: (إن الله كره لكم ثلاثا -قيل: وقال-: وكثرة السؤال وإضاعة المال) وفي المسند (يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته) ومذهب أهل السنة أن المشيئة والمحبة ليس مدلولهما واحدا ولا هما متلازمان بل قد يشاء الله ما لا يحبه، ويحب ما لا يشاء كونه، فالأول كمشيئته لوجود إبليس وجنوده ومشيئته العامة لجميع ما في الكون ما بغضه لبعضهم والثاني كمحبته لإيمان الكفار والفجار، ولو شاء ذلك لوجد ذلك كله فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ويرد على الطائفتين بقول الله -تعالى-: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) } أي: خلقكم والذي تعملون فدلت على أن أفعال العباد مخلوقة لله وعلى أن أفعال لهم حقيقة، ففيها الرد على الجبرية الذين يقولون: إن العبد لا فعل له وفيها الرد على القدرية الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه استقلالا ويرد عليهم بحديث حذيفة: (إن الله خالق كل صانع وصنعته) فالله سبحانه خلق الإنسان بجميع أغراضه وحركاته، وهؤلاء الجبرية والجهمية يخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها فيزعمون أن الله -تعالى- لا يفعل لعلة ولا لحكمة، وإنما هو محض مشيئة وصرف إرادة، وكان شيخهم الجهم بن صفوان يقف على الجذمة -قبحه الله- يقف على الجذمة يعني: المصاب بالجذام فيقول: أرحم الراحمين يفعل هذا! إنكارا للرحمة والحكمة.

ولهذا الأصل لوازم وفروع كثيرة فاسدة ذكرها ابن القيم -رحمه الله- من تسعين وجها والذي عليه أهل السنة والجماعة هو إثبات العلة والحكمة في أفعال الله وشرعه وقدره فما خلق شيئا ولا قضاه ولا شرعه إلا لحكمة بالغة وإن قصرت عنها عقول البشر، والأدلة الدالة على إثبات هذا الأصل كثيرة وأنه سبحانه حكيم شرع الأحكام لحكمة ومصلحة فما خلق شيئا عبثا ولا خلق شيئا سدى من ذلك قول الله -تعالى-: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} وقوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) } وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} وقال {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) } وقال: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) } وأهل السنة توسطوا فأثبتوا أن العباد فاعلون ولهم قدرة على أعمالهم ولهم إرادة ومشيئة وأن الله خالقهم وخالق قدرتهم ومشيئتهم فأفعال العبد تضاف إليه على جهة الحقيقة والله خلقه وخلق فعله {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) } فأخبر أن العباد يعملون ويصنعون ويؤمنون ويكفرون ويفسقون ويكذبون فللعبد مشيئة ولا تكون إلا بمشيئة الله {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} والله أعلم نعم اقرأ. قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وقد علم الله -تعالى- فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة وعدد من يدخل النار جملة واحدة. نعم، وهذه الإرادة هذه المرتبة الأولى من مراتب القدر أن الله علم ما يعمله العباد يعلم كل شيء سبحانه كما ثبت يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وهو يعلم أفعال عباده وحركاتهم وسكناتهم وأفعالهم وما يشاءن خلق ذلك وكتب ذلك علم ذلك وكتبه في اللوح المحفوظ قبل خلقه كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) فالله علم أفعال العباد وحركاتهم وسكناتهم وأعمالهم وخلق ذلك قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء نعم. فلا يزداد في ذلك العدد ولا ينقص منه. نعم، لا يزداد ولا ينقص منه مكتوب في اللوح المحفوظ قال -سبحانه-: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) } والإمام المبين هو اللوح المحفوظ قال -سبحانه-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} وهو اللوح المحفوظ، وقال -سبحانه-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) } وهو اللوح المحفوظ نعم. أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه. نعم كذلك أفعالهم وغير أفعالهم حركاتهم وسكناتهم كلها مكتوبة نعم. كل ميسر لما خلق له وكل ميسر لما خلق له. نعم كل ميسر لما خلق له، والأعمال بالخواتيم الله -تعالى- يسر أهل السعادة للسعادة يسر أهل الجنة للسعادة يعملون بعمل أهل الجنة يموتون على التوحيد والإيمان ويعملون بعملهم ويسر الكفرة للكفر يعملون بعمل أهل النار فيموتون على الكفر فيدخلون النار المؤمنون يسرهم للإيمان والتوحيد والعمل الصالح ويموتون على التوحيد فيدخلون الجنة والكفار يسرهم للكفر وللمعاصي فيموتون على الكفر فيدخلون النار -نسأل الله السلامة والعافية- نعم. الأعمال بالخواتيم والأعمال بالخواتيم. نعم، الأعمال بالخواتيم من ختم له بالتوحيد والإيمان صار من أهل الجنة، ومن ختم له بالكفر صار من أهل النار كما في الأحاديث الصحيحة من أحاديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وهو من أحاديث الأربعين النووية (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمة أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالله الذي لا إله إلا هو إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) .

هذا يدل على أن الأعمال بالخواتيم ولما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله هل ما يعمله العباد في شيء فرغ منه أو في شيء مستقبل؟ قال: بل في شيء فرغ منه كتب في اللوح المحفوظ قالوا: يا رسول الله ففيم العمل؟ أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل على الكتاب الأول؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: اعملوا فكل ميسر لما خلق له) أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ قول الله -تعالى-: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) } نعم.

قوله: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه

وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه

قوله: والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان

والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان

قوله: فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة

فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة

قوله: فإن الله -تعالى- طوى علم القدر عن أنامه

فإن الله -تعالى- طوى علم القدر عن أنامه

قوله: ونهاهم عن مرامه

ونهاهم عن مرامه

قوله: فمن سأل لما فعل فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين

فمن سأل لما فعل فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين

قوله: فهذا جملة من يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء الله -تعالى-

فهذا جملة من يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء الله -تعالى-

قوله: وهي درجة الراسخين في العلم

وهي درجة الراسخين في العلم

قوله: لأن العلم علمان: علم في الخلق موجود وعلم في الخلق مفقود

لأن العلم علمان: علم في الخلق موجود وعلم في الخلق مفقود

قوله: فإنكار العلم الموجود كفر وادعاء العلم المفقود كفر

فإنكار العلم الموجود كفر وادعاء العلم المفقود كفر

قوله: ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود

ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود

قوله: ونؤمن باللوح والقلم وبجميع ما فيه قد رقم

ونؤمن باللوح والقلم وبجميع ما فيه قد رقم

القلم الثالث: حين يرسل القلم إلى الجنين في بطن أمه فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة. القلم الرابع: الموضوع على العبد عند بلوغه الذي بأيدي الكرام الكاتبين الذين يكتبون ما يفعله بنو آدم كما ورد ذلك في الكتاب والسنة أعد. ونؤمن باللوح والقلم وبجميع ما فيه قد رقم. وهذا لا بد منه الإيمان لأن اللوح مذكور في الكتاب العظيم اللوح المحفوظ والقلم كذلك قال بعض العلماء إنه هو القلم الذي أقسم الله به في قوله -سبحانه-: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) } فيجب على المسلم أن يؤمن باللوح المحفوظ، وأن الله كتب فيه مقادير كل شيء ولا يختلف شيء عما كتب في اللوح المحفوظ، اللوح المحفوظ شامل عام لا يخرج عنه أي شيء، كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ {أَلَمْ تَعْلَمْ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} والمقادير الأخرى كلها مأخوذة منه راجعة إليه، ولهذا قال: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) } وكل من صيغ العموم والإمام المبين هو اللوح المحفوظ {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) } وهذا من الأدلة على إثباته أن نؤمن باللوح المكتوب الذي كتب فيه المقادير ونؤمن بالقلم الذي يكتب المقادير وبجميع ما فيه رقم رقم يعني: كتب يعني: نؤمن بجميع ما قد كتب به القلم، والقلم كتب في اللوح المحفوظ كل شيء كل شيء مكتوب فيه كل شيء مكتوب فيه كما قال -سبحانه-: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) } ومعنى رقم يعني: كتب يعني: نؤمن باللوح ونؤمن بالقلم ونؤمن بجميع ما كتب به القلم في اللوح نعم.

قوله: فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله -تعالى- فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله -تعالى- فيه ليجعلوه كائنا لم يقدروا عليه

فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله -تعالى- فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله -تعالى- فيه ليجعلوه كائنا لم يقدروا عليه

قوله: جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة

جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة

قوله: وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه

وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه

قوله: وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه

وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه

قوله: ليس فيه ناقض ولا معقب

ليس فيه ناقض ولا معقب

قوله: ولا مزيل ولا مغير

ولا مزيل ولا مغير

قوله: وذلك من عقد الإيمان وأصول المعرفة

وذلك من عُقَد الإيمان وأصول المعرفة

قوله: والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته

والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته

قوله: كما قال تعالى في كتابه: {وخلق كل شيء فقدره تقديرا (2) }

كما قال تعالى في كتابه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) }

قوله: وقال تعالى: {وكان أمر الله قدرا مقدورا (38) }

وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) }

قوله: فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما

فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما

قوله: لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سرا كتيما

لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سرا كتيما

قوله: وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما

وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما

قوله: والعرش والكرسي حق، وهو مستغن عن العرش وما دونه محيط بكل شيء وفوقه وقد أعجز عن الإحاطة خلقه

والعرش والكرسي حق، وهو مستغن عن العرش وما دونه محيط بكل شيء وفوقه وقد أعجز عن الإحاطة خلقه

كما في قوله سبحانه: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) } ووصفه بأنه كريم، كما في قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) } وكما تمدح -سبحانه- بأنه ذو العرش كما في قوله: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) } وقال سبحانه: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ صلى الله عليه وسلمèŒ الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} كما أخبر -سبحانه- أن للعرش حملة، فقال: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} وقال: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) } فأخبر أن للعرش حملة اليوم ويوم القيامة، وأن حملته ومن حوله يسبحون بحمد ربهم، ويستغفرون للمؤمنين كما أخبر -سبحانه- أن عرشه كان على الماء قبل أن يخلق السماوات والأرض، فقال -سبحانه-: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن للعرش قوائم، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جزي بصعقة يوم الطور) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العرش فوق الفردوس، الذي هو أوسط الجنة وأعلاها، وأن الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها، وفوقه عرش الرحمن، ففي الحديث: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العرش مقبب على هذا العالم مقبب كما في حديث الأعرابي (أتدري ما الله؟ إن عرشه فوق سماواته هكذا وأشار بيده مثل القبة) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التقدير بعد وجود العرش وقبل خلق السماوات والأرض. ففي حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) . فتلخص من مجموع هذه النصوص في أوصاف العرش ما يأتي: أولا: أن الله مدح نفسه بأنه رب العرش وذو العرش مما يدل على أهمية العرش وميزته على المخلوقات. ثانيا: وصف العرش بأنه عظيم، وأنه كريم، وأنه مجيد. ثالثا: وصف العرش بأن له حملة، وأن الملائكة تحف به من حوله. رابعا: أن العرش هو أعلى المخلوقات وسقفها، فهو فوق الفردوس الذي هو وسط الجنة وأعلى الجنة. خامسا: أن للعرش قوائم. سادسا: أن العرش مقبب على العالم. سابعا: أن العرش سابق وجوده على تقدير المقادير، وأن تقدير المقادير سابق خلق السماوات والأرض، هذا هو الصواب، وذهب بعض أهل الكلام إلى أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه، محيط بالعالم من كل جهة، وربما سموه الفلك التاسع والفلك الأطلس. يقول بعض أهل الكلام: إن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل جهة، يعني أن العرش مغلف لجميع العالم، فالعالم كله السموات والأرض كلها في جوف العرش هذا قاله بعض أهل الكلام، لكن هدا ليس بصحيح لأنه قد ثبت في الشرع أن له قوائم كما سبق في حديث الصحيحين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العرش مقبب ولم يثبت أنه مستدير مطلقا بل ثبت أنه فوق الأفلاك وأن له قوائم وفي علوه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلاها، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة) وعلى كل تقدير، فالعرش فوق المخلوقات سواء كان محيطا بالأفلاك أو غير ذلك، وهو فوق الكرسي، والكرسي فوق الأفلاك كلها، ونسبة الأفلاك وما فيها إلى الكرسي كحلقة في فلاة، قال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إذن العرش أعظم المخلوقات، ثم يليه في العظم الكرسي، وهو مخلوق عظيم، وقد نقل بعضهم أن الكرسي هو علم الله، لكن هذا قول ضعيف، ونسبته إلى ابن عباس لم تثبت، فإن علم الله وسع كل شيء كما قال تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} والله يعلم نفسه، ويعلم ما كان وما لم يكن، ولو فسر الكرسي بالعرش، ولو فسر الكرسي بالعلم في الآية لقيل وسع علمه السماوات والأرض، وهذا المعنى لا يكون مناسبا لا سيما، وقد قال تعالى: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي: لا يثقله ولا يترفه، وهذا يناسب القدرة لا العلم، وقال بعضهم: إن الكرسي هو العرش، لكن الأكثرون أنهما شيئان، إذن الأقوال ثلاثة، قيل: العرش مخلوق، قيل: إن الكرسي هو العرش، وقيل: إن الكرسي مخلوق آخر غير العرش، وقيل: إن الكرسي هو العلم.

والصواب أن الكرسي مخلوق آخر غير العرش، والصحيح أن الكرسي غير العرش، وهو موضع قدمي الرحمن جل جلاله. قال الإمام عثمان بن سعيد الدرامي -رحمه الله-: هذا الذي عرفناه عن ابن عباس صحيحا مشهورا، فالكرسي مخلوق عظيم، وهو موضع القدمين لله -سبحانه- كما روى ابن أبي شيبة والحاكم، وقال: على شرط الشيخين، عن ابن عباس في قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أنه قال: "الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله"، وذكر ابن جرير عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت في ظهر سلاسل من الأرض) . والله -سبحانه وتعالى- استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، وجاء ذكر استواء الله -سبحانه- على عرشه في سبعة مواضع من القرآن. الموضع الأول في سورة الأعراف قال تعالى: {إِن رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} . الموضع الثاني: في سورة يونس قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} . الموضع الثالث: في سورة الرعد، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} . الموضع الرابع: في سورة طه قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } . الموضع الخامس: في سورة الفرقان قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} . الموضع السادس: في سورة الم السجدة، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} . الموضع السابع: في سورة الحديد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} . والعلو صفة من صفات الله، والاستواء صفة من صفات الله، لكن هل هناك فرق بين العلو والاستواء، العلو صفة من صفات الله، والاستواء صفة من صفات الله، فما الفرق بينهما بين الصفتين؟ يتبين الفرق واضحا بين هاتين الصفتين من وجهين: الوجه الأول: أن العلو من صفات الذات، فهو ملازم للرب الرب لا يكون قط إلا عاليا، والاستواء من صفات الأفعال، وكان بعد خلق السماوات والأرض كما أخبر الله بذلك في كتابه، فدل على أنه -سبحانه- تارة كان مستويا على العرش وتارة لم يكن مستويا عليه، فاستواؤه على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض العرش مخلوق قديم، ولكن استواء الله على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض، فالاستواء علو خاص، فكل مستو على شيء عال عليه، وليس كل عال على شيء مستويا عليه. فالأصل أن علوه سبحانه على المخلوقات وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه بمشيئته وقدرته، ولهذا قال: ثم استوى. الثاني: أن العلو من الصفات المعلومة بالسمع والعقل هذا الفارق الثاني، العلو من الصفات المعلومة بالسمع والعقل، وأما الاستواء على العرش فهو من الصفات المعلومة بالسمع لا بالعقل، يعني أن العلو صفة العلو ثابتة بالعقل والشرع كل الناس يثبتون ويدركون أن الله في العلو حتى البهائم أما الاستواء على العرش هذا ما عرف إلا من الشرع، والعلو من الصفات الذاتية من الصفات التي اشتد فيها النزاع صفة العلو من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين المخالفين من أهل البدع، فهي من الصفات العظيمة. وقلت لكم إن هناك ثلاث صفات من أثبتها فهو من أهل السنة، ومن نفاها فهو من أهل البدعة، ما هي؟ الكلام صفة الكلام، صفة الرؤية، وصفة العلو هذه الصفات هي العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدعة من أثبتها، فهو من أهل السنة، ومن نفاها فهو من أهل البدعة، ولهذا الأشاعرة والجهمية والمعتزلة نفوا العلو، ونفوا الكلام، الأشاعرة أثبتوا الكلام معنى قائم بالنفس، وأثبتوا الرؤية لكن ما أثبتوا الفوقية، ما أثبتوا الجهة، قالوا: يرى لا في مكان. والعلو في اللغة العربية معناه الارتفاع، والمراد به شرعا: هو وصف ذاتي لله -سبحانه- وصف ذاتي لله -سبحانه-، وهو ثلاثة أنواع، علو الله ثلاثة أنواع: النوع الأول علو الذات ذاته -سبحانه- عالية، النوع الثاني علو القدر، قدره وشأنه عال، النوع الثالث علو القهر والغلبة والسلطان، فله -سبحانه- العلو المطلق بأنواعه الثلاثة علو ذاته فوق مخلوقاته، وعلو قدره وعظمته، وشأنه وعلو قهره وسلطانه، كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في الكافية الشافية: والفوق أنواع ثلاث كلها لله ثابتة بلا نكران

مذاهب الناس في العلو مذاهب الناس في العلو للناس في العلو أربعة مذاهب. المذهب الأول: افترق الناس في علو الله في العلو على أربعة أقوال: القول الأول: مذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء، مذهبهم أن الله فوق سمواته، مستوى على عرشه، بائن من خلقه أن الله فوق سمواته مستو على عرشه بائن من خلقه. المذهب الثاني مذهب معطلة الجهمية ونفاتهم، مذهب معطلة الجهمية ونفاتهم أن الله ليس هو داخل العالم ولا خارجه، ولا هو مباين له ولا محايد له ولا فوقه ولا تحته، فينفون عنه الوصفين المتقابلين الذين لا يخلو موجود عن أحدهما، وهذا يقوله أكثر المعتزلة ومن وافقهم من متأخري الأشاعرة، إذا ماذا يكون، يقولون: الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ولا محايد له، يعني: لا منفصل ولا منقطع ولا فوقه ولا تحته، ماذا يكون أشد من العدم يكون ممتنعا أعوذ بالله. المذهب الثالث: مذهب حلولية الجهمية الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان كما يقوله النجاري، فعلى هذا الجهمية لهم مذهبان: مذهب النفاة ومذهب الحلولية، النفاة ينفون الوصفين، والحلولية يقولون: حال في كل مكان. المذهب الرابع مذهب طوائف من أهل الكلام والتصوف، أن الله فوق العرش، وهو في كل مكان، فهم يقولون: هو بذاته فوق العرش، وهو بذاته في كل مكان، وهذا موجود في كلام طائفة من السالمية والصوفية. أدلة السلف والأئمة وأهل السنة على علو الله على خلقه بذاته أولا عرفنا أن العلو ثلاثة أقسام أو ثلاثة أنواع: النوع الأول: علو الله بالذات، والنوع الثاني: علو القدر والشأن، والنوع الثالث: علو القهر والسلطان، نوعان وافق فيهما أهل البدع، ونوع أنكروه ما هما النوعان اللذان وافقوا؟ علو القدر وعلو القهر، قالوا: نحن نوافق أن الله علو شأنه عال وقهره عال، أما كونه هو بذاته فوق، فهذا نخالفه، ولهذا أهل السنة إنما يستدلون على هذا النوع، فالسلف يستدلون أهل السنة والأئمة على أن علو الله على خلقه بذاته، استدلوا بالنقل الصحيح والعقل الصريح والفطرة السليمة. أما النقل الصحيح: فمن وجوه كثيرة الأدلة النقلية، يقول العلماء: أدلة العلو تزيد على ثلاثة آلاف دليل تزيد على ثلاثة آلاف دليل، لكن الآن نريد أن نأتي بقواعد يندرج تحتها أفراد كثيرة، نحن نأتي بنوع نوع من الأدلة أنواع أنواع الأدلة، ولكن كل نوع تحته أفراد: النوع الأول: التصريح والإخبار بأن الله استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه، كلها جاءت بلفظ على، وهي تدل على العلو والارتفاع، وهذا نص لا يقبل الاحتمال ولا الاشتباه في المعنى، هذا نوع كم تحته من أفراد سبعة أدلة سبعة، كلها ثم استوى على العرش، نحن الآن نأتي بقواعد أنواع ما نستطيع أن نحصر الأدلة، أكثر من ثلاثة آلاف، لكن نستطيع أن نأتي بالنوع الذي يدخل تحته أفراد. النوع الثاني: التصريح بلفظ العلو، وقد تكرر في الكتاب وصف الله بالعلي والأعلى، كقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) } {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) } وهذا يدل على ثبوت العلو لله بجميع أنواعه علو الذات وعلو القهر وعلو القدر علوالذات وعلو القدر وعلو القهر. الثالث: التصريح بالفوقية لله تعالى تارة مقرونة بمن، كقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} وتارة غير مقرونة، كقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} فالمقرون بمن نص في معناه لا يقبل التأويل وغير المقرون ظاهر في المراد، ولا يقبل تأويله ممن ادعاه؛ لأن الأصل الحقيقة ودعوى المجاز لا تقبل بغير دليل، ولا دليل هنا. هذه كلها أنواع ليس الأصل الحقيقة، ودعوى المجاز لا تقبل بغير دليل ولا دليل هنا. الرابع: هذه كلها أنواع ليس أفراد، التصريح بالعروج إليه، كقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} والعروج معناه الصعود إلى أعلى. الخامس: التصريح بالصعود إليه، كقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} والصعود إنما يكون إلى أعلى. السادس: التصريح برفع بعض المخلوقات إليه، كقوله في المسيح -عليه الصلاة والسلام-: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} وقوله: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} وقوله في العمل الصالح: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وثبت في الأحاديث والآثار ارتفاع دعوات المضطرين والمظلومين إلى الله، وذلك كله صريح في علو الله وفوقيته. السابع: التصريح بتنزيل الكتاب منه، كقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) } {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) } {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) } {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} والنزول إنما يكون ممن هو فوق، وممن هو عال، وهذا يدل على علو الله وارتفاعه.

الثامن: التصريح بأنه في السماء، كقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) } وقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاه: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمه) الحديث، و"في" إذا فسرت "السماء" بمعنى العلو، فهي للظرفية، وإذا فسرت السماء بالطباق المبنية فهي بمعنى على، كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وقوله: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} لأن الله سبحانه لا يحصره ولا يحيط به شيء من خلقه. التاسع: الإخبار عن رفعته وعظمته بأنه رفيع الدرجات، كقوله: تعالى في سورة غافر: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} فقوله: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} فعيل بمعنى مفعول، أي مرفوعة درجاته برفعته وارتفاعه وعلو شأنه، وليس رفيع هنا بمعنى رافع درجات المؤمنين، فيكون فعيل بمعنى فاعل، كما يقوله المعطلة؛ لأن السياق يأبى هذا القول. وذلك أن الله -سبحانه- وصف نفسه قبل هذا بالعلو في قوله: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) } ثم وصف نفسه بأنه رفيع الدرجات ذو العرش، فالأوصاف كلها راجعة إلى رفعته هو وارتفاعه على الخلق، لا إلى رفعه بعض خلقه، ونظير هذا قول الله -تعالى- في سورة المعارج: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) } أي المصاعد التي تصعد فيها الملائكة إليه جل سلطانه، وهي الدرجات الرفيعة، والقرآن يفسر بعضه بعضا. العاشر: التصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده، كقوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) } وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (206) } وقوله: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ) (38) } وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي) واختصاص هذه المخلوقات بأنها عنده دليل على علو الله على خلقه، وإلا لم يكن لتخصيص هذه الأشياء بأنها عنده فائدة، ولكان أشرف المخلوقات وأدناها في القرب عنه والعندية سواء. الحادي عشر: الإخبار بأن من أسمائه الظاهر، وتفسير أعلم الخلق به له بنفي فوقية شيء عليه كقوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} مع قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه واستفتاحه: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء..) فتفسير الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم للظاهر بنفي ضده تقرير لإثبات العلو، إذ الظهور والعلو متلازمان، فكل ما علا الشيء ظهر، وبان كما أنه كلما سفل الشيء خفي واستتر. الثاني عشر: إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه إلى السماء حين خطب الناس يوم عرفة مخاطب ربه بقوله: (اللهم اشهد ثلاث مرات) وذلك يدل على علو الله على خلقه، وإلا لم يكن لتخصيص السماء بالإشارة فائدة. الثالث عشر: ما ثبت في القرآن والسنة المتواترة من رؤية أهل الجنة لربهم عز وجل كقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) } وقوله صلى الله عليه وسلم (إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر لا تضامون في رؤيته) فالرؤية قطعية الثبوت بالأدلة المتواترة، والرؤية المعقولة عند جميع بني آدم تقتضي مقابلة الرائي للمرئى ومواجهته له. الرابع عشر: سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله بأين، كقوله صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله قالت: في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة) .

والسؤال عن الله بأين وإقرار الجارية على أن الله في السماء يدل دلالة قطعية على إثبات علو الله على خلقه، والرسول صلى الله عليه وسلم منزه عن أن يسأل سؤالا فاسدا، ومنزه -أيضا- عن أن يقر الجارية أيضا على جواب فاسد، ويلزم من يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب الجارية بما تعرف، وإن كان على خلاف الحقيقة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين الحق وأن يكون قد أقر على الخطأ وما شاه صلى الله عليه وسلم من ذلك يعني المعطلة هذا الحديث في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله قالت: في السماء قال: اعتقها فإنها مؤمنة) ماذا يجيب أهل البدع أهل البدع أهل البدع يقولون: لو رفعت إصبعك إلى السماء عند الجهمي والمعتزلي قطع أصبعك، يقول: لا تشير إليه هو في كل مكان، فاحذر أن ترفع أصبعك عند جهمي أو معتزلي، وليس عندك أحد يقطع أصعبك يقول: هذا تنزيه لله، هذا قذف الله جعلته محصور في مكان، فقيل لهم الرسول قال: أين الله؟ وأين يسأل عنها في المكان، قالوا: هذا الرسول صلى الله عليه وسلم سأل سؤالا فاسدا، هذا يخاطبها بقدر عقلها، هذه جارية جاهلة ما تفهم أعجمية، فهو يخاطبها على مقدار فهمها، وإلا مقصود الرسول أن يقول: من الله؟ مقصوده أن يقول: من الله؟ لكن قال: أين لأن من غير من يسأل بها عن الشيء، أما أين يسأل بها عن المكان، فقالوا: أين الله؟ مقصود الرسول أن يقول: من الله، لكن الجارية ما تفهم خاطبها بمقدار عقلها أعجمية، الرسول أفصح الخلق ما يقدر أن يقول: من الله طيب، ولما قالت: في السماء، قال الرسول: (أعتقها فإنها مؤمنة) قالوا: أقرها على جواب فاسد موافقة لعقلها. هذه أربعة عشر نوع من أيش؟ أربعة عشر نوع من الأدلة، وكل نوع تحته من تحته أفراد، هذه تعتبر قواعد المبتدعة، هل سكتوا اعترضوا على هذه الأدلة، وأجاب أهل السنة على اعتراضهم، وهناك أدلة عقلية لأهل السنة واعتراض وجواب عليه، وهناك أيضا أدلة من الفطرة واعتراض من النفاة وجواب عليه، وهناك أدلة أيضا عقلية لأهل البدع للنفاة وجواب عليهم. في مبحث العلو اعترض النفاة على الأدلة التي استدل بها أهل السنة والجماعة على علو الله على خلقه، وهي كما سبق أربعة عشر نوعا من الأدلة اعترض نفاة العلو على الأدلة العقلية التي تثبت علو الله على خلقه بذاته، وتأولوها بأن المراد بها علو وفوقية القدر والعظمة والشأن وعلو وفوقية القهر والغلبة والسلطان، تأولوها بأنها بأن المراد بها علو وفوقية القهر، علو وفوقية القدر والعظمة والشأن والخيرية والأفضلية وفوقية القهر والغلبة والسلطان لأن النفاة يثبتون هذين النوعين من العلو، وهو علو القهر وعلو القدر، والخلاف بينهم وبين أهل السنة في علو الذات قالوا: فمعنى قوله سبحانه: {فَوْقَ عِبَادِهِ} خير من عباده وأفضل، ومعنى كونه فوق العرش، خير من العرش وأفضل، قالوا: ونظير ذلك قول العرب: الأمير فوق الوزير، والدينار فوق الدرهم، والذهب فوق الفضة، قالوا: هذا يدل على أن المراد بالفوقية الخيرية الأمير فوق الوزير، يعني في الرتبة، والدينار فوق الدرهم، والذهب فوق الفضة في الرتبة، وليس المراد أن ذاك فوق ذاك. أجاب أهل الحق أن هذا الاعتراض بأجوبة: الجواب الأول: أن صرف الفوقية إلى فوقية الرتبة، أو إلى فوقية القهر، حمل حمل على المجاز حمل للفظ على مجازه، وهذا خلاف الأصل، إذ الأصل الحقيقة وحقيقة الفوقية علو ذات الشيء على غيره، والمجاز على خلاف الأصل؛ لأنه خلاف الظاهر، فلا يقبل إلا بدليل يخرجه عن حقيقته، كما في قوله تعالى حكاية عن فرعون أنه قال: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) } فهذه فوقية قهر وغلبة؛ لأنه قد علم أنهم جميعا مستقرون على الأرض، ولا يلزم مثل ذلك في قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} إذ قد علم بالضرورة أنه وعباده ليسوا مستوين في مكان واحد، حتى تكون فوقية قهر وغلبة. الجواب الثاني: أن تفضيل الله -سبحانه- على أحد من خلقه لم يذكر في القرآن ابتداء، وإنما ورد ذلك في سياق الرد على من اتخذ ذلك الشيء ندا لله -تعالى-، وعبده معه، وأشركه في إلهيته، فبين الله -سبحانه- أنه خير من تلك الآلهة، وذلك الند كقوله -تعالى-: {آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) } وقوله سبحانه: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) } وقوله حكاية عن سحرة فرعون: {إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) } وقوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) } وذلك لأنه يحسن في الاحتجاج على المنكر وإلزامه من الخطاب الداحض لحجته ما لا يحسن في سياق غيره، وهذا أمر واضح لا ينكره إلا غبي.

الجواب الثالث: أن تأويل الفوقية بالخيرية والأفضلية تأويل باطل، إن تأويل الفوقية والخيرية والأفضلية بهذه النصوص تأويل باطل تنفر منه العقول السليمة، وتشمئز منه القلوب الصحيحة، إذ ليس في ذلك تمجيد، ولا تعظيم ولا مدح، والرب -سبحانه- لم يتمدح في كتابه وعلى لسان رسوله ولا على لسان رسوله بأنه أفضل من العرش، وأن رتبته فوق رتبة العرش، وأنه خير من السماوات والعرش والكرسي، ولو تكلم أحد بمثل هذا الكلام في حق المخلوق لكان مستهجنا جدا، فلو قال شخص: الشمس أضوء من السراج، والسماء أكبر من الرغيف، أو أعلى من سقف الدار، والجبل أثقل من الحصى، ورسول الله أفضل من اليهود لعد ذلك من ساقط القول، بل هو من أرذل الكلام وأسمجه وأهجنه لما فيه من التنقص، كما قيل في المثل السائر ألم تر أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل يوما هو أمضى من العصا وإنما يصح أن يقال هذا المعنى في حق المتقاربين في المنزلة، وأحدهما أفضل من الآخر، وإذا كان يقبح كل القبح أن تقول: الجوهر فوق قشر البصل، ويضحك من ذلك العقلاء للتفاوت العظيم الذي بينهما فالتفاوت بين الخالق والمخلوق أعظم وأعظم. الجواب الثالث: أن الله أثبت لنفسه الفوقية المطلقة، وهي تشمل فوقية الذات وفوقية القدر وفوقية القهر، فمن أثبت البعض ونفى البعض، فقد جحد ما أثبته الله لنفسه، وتنقصه ولا يلزم من إثبات فوقية الله بذاته على كل شيء على السماء وعلى العرش، أن يكون هناك شيء يحويه أو يحصره أو يكون محلا له أو وعاء أو ظرفا، تعالى الله عن ذلك، بل هو -سبحانه - فوق كل شيء، وهو عال على كل شيء، وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق، وكل شيء مفتقر إليه، وهو الحامل بقوته وقدرته للعرش ولحملة العرش، وهو {اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) } . أما أدلة السلف والأئمة وأهل السنة على إثبات العلو من العقل الدليل الأول دليل العقل بطريقة السبر والتقسيم وطريقة السبر والتقسيم عند المناطقة وأهل الأصول، هو أن يحصر المستدل الأقسام التي يتصورها العقل، ثم يبطلها واحدا بعد واحد، ويبقي ما قام عليه الدليل. وصياغة الدليل هكذا: أن يقال: إن الله لما خلق الخلق لا يخلو إما أن يكون خلقهم داخل ذاته، أو خلقهم خارج ذاته، أو خلقهم لا داخلها ولا خارجها، هذه هي الأقسام التي يتصورها العقل. أما الأو ل وهو كونه خلقهم داخل ذاته، فباطل بالاتفاق بيننا وبين خصومنا، لأنه يلزم عليه أن يكون الرب محلا للحوادث والخسائس والقاذورات، تعالى الله عن ذلك، وهذا قول الحلولية وهو الكفر. وأما الثالث وهو كونه خلقهم لا داخل ذاته ولا خارجه، فهو ممتنع عقلا؛ لأنه يلزم عليه نفيه تعالى وعدم وجوده بالكلية؛ لأنه وصف له بارتفاع النقيضين، وهو وصف له بالعدم، وهو قول معطلة الجهمية ونفاتهم وهو كفر، فتعين الثاني، وهو كونه خلقهم خارج ذاته الكريمة، فلزمت المباينة، ويلزم حينئذ أن يكون عليا على خلقه مستويا على عرشه؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون مباينا لهم من فوقهم أو من تحتهم أو أمامهم أو خلفهم أو عن إيمانهم أو عن شمائلهم وأليقها بالله صفة العلو؛ لأنها من صفات المدح والكمال اعترض نفاة العلو اعترض نفاة العلو المعطلة على هذا الدليل، قالوا: نحن ننكر بداهته، لأنه أنكره جمهور العقلاء، فلو كان بديهيا لما كان مختلفا فيه بين العقلاء، بل هو قضية وهمية خيالية، وأجيب عن هذا الاعتراض أن يقال: إن العقل إن قبل قولكم فهو لقول الله أعظم قبولا، وإن رد العقل قولنا فلقولكم أعظم ردا، فإن كان قولنا باطلا في العقل، فقولكم أشد بطلانا، وإن كان قولكم حقا مقبولا في العقل، فقولنا أولى بأن يكون مقبولا في العقل، فإن دعوى الضرورة مشتركة، فإنا نقول: نعلم بالضرورة بطلان قولكم، وأنتم تقولون كذلك، فإذا قلتم تلك الضرورة التي تحكم ببطلان قولنا: هي من حكم الوهم لا من حكم العقل، قابلناكم بنظير قولكم وعامة فطر الناس ليسوا منا ولا منكم موافقون لنا على هذا. فإن كان حكم فطر بني آدم مقبولا ترجحنا عليكم، وإن كان مردودا غير مقبول بطل قولكم بالكلية، فإنكم إنما بنيتم قولكم على ما تدعون أنه مقدمات معلومة بالفطرة الآدمية، وبطلت عقلياتنا أيضا وكان السمع الذي جاءت به الأنبياء معنا لا معكم، فنحن مختصون بالسمع دونكم، فنحن مختصون بالسمع دونكم، والعقل مشترك بيننا وبينكم، والمراد بالسمع الأدلة الشرعية الكتاب والسنة، وقولكم إن أكثر العقلاء يقولون بقولنا وينكرون بداهة دليلكم، يقال: ليس الأمر كذلك، فإن الذين يصرحون بأن صانع العالم شيء موجود ليس هو فوق العالم، وأنه لا مباين له ولا حال في العالم طائفة من النظار، وهم قلة وأول من عرف عنه ذلك في الإسلام الجهم بن صفوان واتباعه.

الدليل الثاني من الأدلة العقلية لأهل السنة على علو الله على خلقه دليل بطريق الملازمة والاستثنائية، وهذا يسمى دليل بطريق الملازمة والاستثنائية، لو كان كذا لكان كذا، لكنه لا يكون كذا فيكون كذا صياغة الدليل هكذا لو لم يتصف الرب بفوقية الذات مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم، لو لم يتصف الرب بفوقية الذات مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم، لكان متصفا بضدها؛ لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده وضد الفوقية السفول، وهو مذموم على الإطلاق، وهو مستقر إبليس وجنوده، يعني يقال: لو لم يكن الرب متصفا بفوقية الذات لكان متصفا بضدها، وهو السفول، لكنه لا يتصف بالسفول، فدل على أنه متصف بالفوقية، اعترض نفاة العلو على هذا الدليل العقلي، فقالوا: لا نسلم أنه قابل للفوقية حتى يلزم من نفيها ثبوت ضدها، لا نسلم أنه قابل للفوقية حتى يلزم من نفيها ثبوت ضدها، وأجيب على هذا الاعتراض بجوابين، الجواب الأول لو لم يكن قابلا للفوقية والعلو لم يكن له حقيقة قائمة بنفسها، فمتى أقررتم بأنه ذات قائم بنفسه غير مخالط للعالم، وأنه موجود في الخارج ليس وجوده ذهنيا فقط لزم إثبات علوه وفوقيته. الجواب الثاني: لو لم يقبل العلو والفوقية، لو كان الرب لا يقبل العلو والفوقية، لكان كل عال على غيره أسفل منه، فإنما يقبل العلو فإن ما يقبل العلو أكمل مما لا يقبله، والعلو والفوقية صفة كمال لا نقص فيه، ولا يستلزم نقصا، ولا يوجب محذورا، ولا يخالف كتابا ولا سنة ولا إجماعا، فنفي حقيقته عين الباطل. أدلة السلف والأئمة وأهل السنة على إثبات العلو من الفطرة استدلوا بالفطرة الدليل الفطري أن يقال: هو أن الخلق جميعا بطباعهم وقلوبهم السليمة يرفعون أيديهم عند الدعاء إلى السماء، ويقصدون جهة العلو بقلوبهم عند التضرع إلى الله تعالى، وهذا أمر فطر الله عليه عباده من غير أن يتلقوه من الرسل يجدون في قلوبهم طلبا ضروريا يتوجه إلى الله، ويطلبه في العلو، فالجارية الأعجمية التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم (أين الله قالت: في السماء) إنما أخبرت عن الفطرة التي فطرها الله عليها، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وشهد لها بالإيمان. اعترض نفاة العلو على هذا الدليل باعتراضين. الاعتراض الأول: قالوا: إن رفع الإنسان يديه عند الدعاء إنما كان لكون السماء قبلة للدعاء كما أن الكعبة قبلة للصلاة، لا لأن الله في العلو، وأجيب عنه بأجوبة، الجواب الأول أن ادعاءكم أن السماء قبلة للدعاء، لم يرد بذلك كتاب ولا سنة، ولم يقله أحد من سلف الأمة، وهذا من الأمور الشرعية الدينية، فلا يجوز أن يخفى على سلف الأمة وعلمائها. ثانيا: أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل القبلة في دعائه في مواطن كثيرة فمن ادعى أن للدعاء قبلة فمن ادعى أن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة فهو مبتدع في الدين ومخالف لجماعة المسلمين. ثالثها: أن القبلة هي ما يستقبلها العابد بوجهه كما تستقبل الكعبة في الصلاة والدعاء والذكر والذبح، أما الموضع الذي ترفع الأيدي إليه فلا يسمى قبلة لا حقيقة ولا مجازا. رابعها: لو كانت السماء قبلة للدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها، وهذا لم يشرع. خامسا: أن أمر القبلة مما يقبل النسخ والتحويل، كما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وأمر التوحيد في الدعاء إلى الجهة العلوية مركوز في الفطر، لا يقبل التحويل. سادسها: أن المستقبل للكعبة يعلم أن الله تعالى ليس هناك بخلاف الداعي فإنه يتوجه إلى ربه وخالقه ويرجو الرحمة أن تنزل من عنده. الاعتراض الثاني للنفاة: قالوا: إن دليلكم منقوض بوضع المصلي جبهته على الأرض مع أن الله ليس في جهة الأرض، فكما أن المصلي يضع جبهته على الأرض، والله ليس في جهة الأرض، فكدلك يرفع يديه في الدعاء، والله ليس في العلو، وأجيب عنه بأن واضع الجبهة إنما قصده الخضوع لمن فوقه بالذل له والخشوع، وليس قصده بأن يميل إليه؛ لأنه تحته، هذا لا يخطر في قلب ساجد إلا ما حكي عن بشر المريسي -قبحه الله- أنه سمع وهو يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. شبهة نفاة العلو، شبه نفاة العلو نفاة العلو، لهم شبه لهم شبه عقلية، وليس عندهم أدلة شرعية.

الشبهة الأولى: قالوا: إن إثبات العلو يلزم منه أن يكون الله في جهة، وإذا كان في جهة كان محتاجا إلى تلك الجهة، وكان محدودا ومتحيزا، والله منزه عن ذلك منزه عن الجهة، ومنزه عن أن يحتاج إلى شيء، ومنزه عن كونه محدودا متحيزا، أجاب أهل الحق عن هذه الشبه بجوابين بجوابين، جواب إجمالي وجواب تفصيلي، الجواب الإجمالي: أن يقال: تنزيهكم الله عن الجهة إن أردتم أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه وتحصره إحاطة الظرف بالمظروف، فنعم هو أعظم من ذلك وأكبر وأعلى، فليس هو داخل المخلوقات، وإن أردتم بالجهة ما وراء العالم، فلا ريب أن الله فوق العالم مباين للمخلوقات. الجواب التفصيلي أولا: إن لفظ الجهة يراد به أمر موجود، ويراد به أمر معدوم، فإن أريد بالجهة، فإن أريد بالجهة أمر موجود جهة وجودية، وأن الله داخل السماوات، أو داخل العرش، فهذا باطل فإن الله لا يدخل في ذاته شيء من مخلوقاته، ولم يدخل في مخلوقاته شيء من ذاته، بل هو مباين للمخلوقات منفصل عنها، يعني إن أردتم بالجهة أمرا وجوديا العرش السماوات أو العرش، وأنه داخل فيها هذا باطل، وإن أردتم بالجهة أمرا عدميا، وأردتم بالعرش، ويراد بكونه فيها أنه عليها، كما قيل في قوله: إنه في السماء، أي: على السماء، وعلى هذا التقدير، فهو فوق الموجودات كلها، وهو غني عنها لم يكن عنده جهة وجودية يكون فيها، فضلا عن أن يحتاج إليها. فالخلاصة: أنه إن أريد بالجهة أمر وجودي، فالله ليس فيه شيء من مخلوقاته، وإن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم، فذاك ليس بشيء، ولا هو أمر وجودي حتى يقال: إنه محتاج إليه، أو غير محتاج إليه. ثانيا: إنما يكون محتاجا إلى الجهة، أن يقال: إنما يكون محتاجا إلى الجهة لو كان في جهة مخلوقة تحويه وتحصره وتحيط به، أما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم لم يلزم ذلك، بل لا يلزم من كون المخلوق فوق مخلوق آخر أن يكون محتاجا إليه، فإن الله خلق هذا العالم بعضه فوق بعضه، ولم يجعل عاليه محتاجا إلى سافله، فالهواء فوق الأرض، وليس محتاجا إليها، والسحاب فوقها، وليس محتاجا إليها، والسماوات فوق السحاب، والهواء والأرض، وليست محتاجة إلى ذلك، والعرش فوق السماوات والأرض وليس محتاجا إليها، فكيف يكون العلي الأعلى خالق كل شيء سبحانه وتعالى محتاجا إلى مخلوقاته، لكونه فوقها عاليا عليها. وثالثا: أن لفظ الجهة أن لفظ الجهة والحيز والحد والجسم والجوهر والعرض ألفاظ اصطلاحية فيها إجمال وإبهام، قد يراد بها معان متعددة، ولم ترد هذه الألفاظ في الكتاب والسنة بنفي ولا إثبات، ولا جاء عن أحد من سلف الأمة وأئمتها فيها نفي ولا إثبات، فالمعارضة بها ليست معارضة بدلالة شرعية، بل الأئمة الكبار أنكروا على المتكلمين وجعلوهم من أهل الكلام الباطل المبتدع، ومعروف موقف الإمام الشافعي رحمه الله وحكمه على أهل الكلام موقفه من أهل الكلام، وحكمه عليهم أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام، وصح عن إمام الأئمة في زمانه محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه قال: من لم يؤمن بأن الله فوق سمواته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وطرح على مذبلة. الشبهة الثانية لنفاة العلو: هذه الشبهة جاءت على لسان الرازي أبو عبد الله الرازي، يقول أبو عبد الله الرازي في صياغة هذا الدليل مكون من مقدمتين ونتيجة يقول: لو كان الله تعالى في جهة فوق لكان سماء ولو كان سماء لكان مخلوقا لنفسه وذلك محال فكونه في جهة فوق محال. المقدمة الأولى: لو كان الله في لو كان الله تعالى في جهة فوق لكان سماء أثبت هذه المقدمة بدليلين أو بأمرين: الأمر الأول أن الاشتقاق اللغوي للسماء من السمو وكل شيء سماك فهو سماء، وعرف القرآن متقدم عليه. الثاني: لو كان الأمر الثاني الذي يثبت في هذه المقدمة يقول أبو عبد الله الرازي: لو كان الله فوق العرش؛ لكان من جلس في العرش ونظر إلى فوق لم يرى إلا نهاية ذات الله تعالى، فكان نسبة نهاية السطح الأخير من ذات الله إلى سكان العرش كنسبة السطح الأخير من السماوات إلى سكان الأرض، فثبت أنه لو كان فوق لكان سماء، أما المقدمة الثانية: ولو كان سماء لكان مخلوقا لنفسه، دليلها أن السماء مخلوقة بنص القرآن قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} وقال {إِن رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} فلو كان سماء لكان مخلوقا لنفسه، وذلك محال، فكونه في جهة فوق محال. أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن هذه الشبهة بقوله لما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء

كان مفهوما من قوله: إنه في السماء، أنه في العلو، وأنه فوق كل شيء، وكذلك الجارية لما قال لها: (أين الله؟ قالت: في السماء) إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها، وإذا قيل العلو، فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به؛ إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله كما لو قيل: العرش في السماء فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق، وإن قدر أن السماء المراد بها الأفلاك كان المراد أنه عليها، كما قال تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وكما قال: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} وكما قال: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} ويقال: فلان في الجبل وفي السطح، وإن كان على أعلى شيء منه. ثانيا: ثم من توهم أن كون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به، فهو كاذب إن نقله عن غيره، وضال إن اعتقده في ربه، وما سمعنا أحدا يفهمه من اللفظ، ولا رأينا أحدا نقله عن واحد، ولو سئل سائر المسلمين: هل يفهمون من قوله سبحانه ورسوله: إن الله في السماء أن السماء تحويه؟ لبادر كل أحد منهم أن يقول: هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا وإذا كان الأمر هكذا، فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ، أن يجعل أحد ظاهر اللفظ شيئا محالا لا يفهمه الناس منه، ثم يريد أن يتأوله، بل عند المسلمين إن الله في السماء، وهو على العرش واحد، إذ السماء إنما يراد به العلو بمعنى أن الله في العلو لا في السفل، وقد علم المسلمون أن كرسيه سبحانه وسع السماوات والأرض، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبة له إلى قدرة الله وعظمته، فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقا يحصره ويحويه. ثالثا: وما في الكتاب والسنة كقوله سبحانه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} ونحو ذلك قد يفهم منه بعضهم أن السماء هي نفس المخلوق العالي العرش، العرش فما دونه، فيقولون: قوله: في السماء، يعني على السماء، كما قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي على جذوع النخل، وكما قال: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي على وجه الأرض ولا حاجة إلى هذا، بل السماء اسم جنس للعالي، لا يخص شيئا، فقوله: في السماء، أي في العلو دون السفل، وهو العلي الأعلى، فله أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، وليس هناك غيره العلي الأعلى سبحانه وتعالى.

قوله: ونقول: إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وكلم الله موسى تكليما إيمانا وتصديقا وتسليما

ونقول: إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وكلم الله موسى تكليما إيمانا وتصديقا وتسليما

قوله: ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين

ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين

أما أعداء الله من الفلاسفة وغيرهم، فلهم تفصيلات في هذه الأصول الستة، وحقيقتهم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا بالملائكة ولا بالكتب ولا بالرسل ولا باليوم الآخر ولا بالقدر خيره وشره، ومعتقدهم في ذلك وتفصيلاته يؤجل إن شاء الله.فيما بعد. أصول الإيمان عند الفلاسفة سبق الكلام على أصول الإيمان عند أهل السنة، وأن أهل الحق يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وأن هذه الأصول أصول الدين جاءت بها الرسل والكتب المنزلة، وأجمع عليها المسلمون، ومن أنكر شيئا منها فهو خارج عن ملة الإسلام، وليس في عداد المسلمين بإجماع المسلمين، لكن الفلاسفة المتأخرين أرسطو واتباعه وابن سينا ملاحدة زنادقة ينتسبون إلى الإسلام، وهم براء منه، وتأثر بهم كثير من أهل الكلام من المبتدعة وغيرهم، حتى إن ابن سينا يقدسه يعظمه كثير من الناس، ويسمونه الفيلسوف الإسلامي، وهو كما قال.. كما نقل عنه ابن القيم رحمه الله في غزل الأحوال أنه قال: أنا وأبي من دعوة الحاكم العبيدي، والحاكم العبيدي رافضي خبيث، لا يؤمن بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا اليوم الآخر ولا القدر. فالفلاسفة ينتسبون إلى الإسلام، والإسلام بريء منهم، ولم يجرءوا على على إنكار أصول الدين صراحة؛ لأنهم لو أنكروا أصول الإيمان لعرف الناس كفرهم ووضح كفرهم، لكنهم لبسوا لأنهم منافقون ذنادقة يتسترون بالإسلام، فهم يثبتون هذه الأصول في اللفظ، يقولون: أصول الدين خمسة الإيمان بالله ويدخل فيها الإيمان بالقدر والإيمان بالملائكة والإيمان بالكتب المنزلة والإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر في اللفظ، لكن في الحقيقة لا يثبتون هذه الأصول، فهم لم يؤمنوا في الحقيقة بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا باليوم الآخر. أما إيمانهم بالله وهو أصل الدين، فمذهبهم أن الله -سبحانه- موجود وجودا مطلقا يعني موجود في الذهن لا ماهية له ولا حقيقة، فلا يعلم جزيئات بأعيانها إذ لو علم جزيئات للحقه الكلل والتعب من تصور تلك المعلومات، ولكان كاملا بنفسه لا بغيره، بل يعلم الكليات، والكليات أمر ذهني ولا يسأل عندهم بقدرته ومشيئته، وليس له صفة البتة لا يثبتون له السمع ولا البصر ولا العلم ولا القدرة، وليس العالم مخلوقا لله بمشيئته وقدرته، بل العالم عندهم لازم لله أزلا وأبدا، لا يستطيع انفكاكا عنه، فليس العالم مخلوقا بقدرته ومشيئته، بل العالم مقارن لله ليس متقدما عليه ينكرون أن يكون متقدما عليه في الزمان، بل هو مقارن له، وهو العلة المحرك لهذا العالم، وهو أول هذا العالم، والعالم ملازم لله أزلا وأبدا، فهو لازم له كلزوم النور للسراج هذا مذهبهم في الإيمان بالله، وحقيقة مذهبهم الإيمان بالله أنهم لم يثبتوا وجودا الله إلا في اللفظ، وفي الذهن فقط، لم يثبتوا ربا هذا رب الفلاسفة، ربهم معدوم لا وجود له؛ لأن الموجود لا بد أن يتصف بصفة ولا بد أن يكون له اسم وهؤلاء يسلبون جميع الأسماء والصفات، فتبين بهذا أنه لا وجود له إلا في الذهن، وفي اللفظ وأما الملائكة، فإنهم لا يثبتون الملائكة على أنهم أشخاص محسوسة، تنزل وتذهب وترى وتجيء، وتخاطب الرسول وتصفه عند ربها، وتكتب أعمال العباد ولها وظائف كما جاء في الكتاب والسنة، بل يقولون: إنها هي العقول، وهي مجردات ليست داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا هي أشخاص تتحرك وتصعد وتنزل، وتدبر وتكلم وتكتب أعمال العبد، وتجيء وترى وتخاطب الرسول، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان، وإذا تقربوا إلى أهل الإسلام، وإذا تقرب بعضهم إلى أهل الإسلام قالوا: الملائكة هي القوى الخيرة الفاضلة التي في العبد والشياطين، هي القوى الشريرة الرديئة هذا إذا تقربوا إلى أهل الإسلام، وإلا فإنهم يقررون أن الملائكة عبارة عن أشكال نورانية، يتصورها النبي في نفسها أشباح وأشكال نورانية، وإذا تقربوا إلى أهل الإسلام قالوا: هي أمور عقلية، فالأمور العقلية تبعث على الخير وعلى الإحسان وعلى الشجاعة وعلى الإيثار. والشياطين هي القوى الشريرة الرديئة التي تبعث على الإيذاء وعلى الظلم وعلى الطغيان وعلى العدوان أمور عقلية ليست معنوية، هذا إذا تقربوا إلى أهل الإسلام وإلا فهم يقررون أنها أشخاص وأشباح وأشكال نورانية يتصورها النبي في ذاته، وأما الإيمان بالكتب فإنهم لا يثبتون الكلام لله عز وجل ولا يثبتون أن الله تكلم بكلام أنزله على أنبيائه ورسله، ولم يكن لله كلام لا يثبتون لله كلاما ولا كتبا أنزلها، ولا يصفون الله بالكلام فلا يكلم ولا يتكلم ولا قال ولا يقول والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر، يعني أمورا معاني تفيض معاني، ليس بحرف ولا صوت معاني تفيض من العقل الفعال على قلب بشر ذاك النفس طاهر متميز عن النوع الإنساني متميز عن النوع الإنساني بخصائص.

وهذا هو الرسول، وهو الإيمان بالرسل، فلا يؤمنون بأن الله تعالى اصطفى أنبياءه ورسله، بل يقولون: إن الرسالة ليست هبة من الله وليست محنة، بل هي صنعة من الصناعات وكسب يكسبه الإنسان وسياسة من السياسات، ولها ثلاث خصائص ثلاث خصائص من توافرت فيه فهو نبي، فالنبي رجل عبقري متميز عن غيره بهذه الخصائص. الخصيصة الأولى قوة الإدراك وسرعته؛ لينال من العلم أعظم مما يناله غيره رجل ليس عاديا، بل هو رجل عبقري ذكي عنده سرعة الإدراك والحفظ لينال من العلم أكثر مما يناله غيره. الثاني الصفة الثانية: قوة النفس أو قوة التأثير، ليؤثر بها في سيول العلم بقلب صورة إلى صورة، يعني يكون عنده قوة تأثير يشبه الساحر بحيث يقلب ما ارتسم في ذهنك من صورة إلى صورة، وأنت لا تشعر من قوة تأثيره من قوة نفسه، فإذا ارتسم في ذهنك صورة كذا وكذا، نوعها كذا وكذا استطاع أن يقلبها من صورة إلى صورة بقوة تأثيره وقوة نفسه. الصفة الثالثة: قوة التخيل وقوة التخيل قوة التخيل، حتى يتخيل الملائكة الذين هم العقول، يتخيلهم في صورة شيء محسوس أمامه، كأن أمامه رجل يخاطبه، فيتخيل أن الملائكة أشخاص، وقد يقوى الوهم فيسمع أصواتا تخاطبه. جزى الله فضيلة الشيخ خيرا على ما قدم، وجعله في ميزان حسناته. وأما الإيمان بالكتب فإنهم لا يثبتون الكلام لله عز وجل ولا يثبتون أن الله تكلم بكلام أنزله على أنبيائه ورسله، ولم يكن لله كلام، لا يثبتون لله كلاما ولا كتبا أنزلها، ولا يصفون الله بالكلام، فلا يكلم ولا يتكلم، ولا قال ولا يقول، والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر، يعني أمورا، معاني تفيض، معاني ليس بحرف ولا صوت، معاني تفيض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر متميز عن النوع الإنساني، متميز عن النوع الإنساني بخصائص، وهذا هو الرسول وهو الإيمان بالرسل، فلا يؤمنون بأن الله -تعالى- اصطفى أنبياءه ورسله، بل يقولون: إن الرسالة ليست هبة من الله، وليست محنة، بل هي صنعة من الصناعات، وكسب يكسبه الإنسان، وسياسة من السياسات، ولها ثلاث خصائص، ثلاث خصائص من توافرت فيه، فهو نبي، فالنبي رجل عبقري متميز عن غيره بهذه الخصائص. الخصيصة الأولى قوة الإدراك وسرعته؛ لينال من العلم أعظم مما يناله غيره، رجل ليس عاديا، بل هو رجل عبقري ذكي، عنده سرعة الإدراك والحفظ؛ لينال من العلم أكثر مما يناله غيره. الثاني… الخصيصة الثانية: قوة النفس أو قوة التأثير؛ ليؤثر بها في سيول العلم بقلب صورته إلى صورة، يعني يكون عنده قوة تأثير، يشبه الساحر بحيث يقلب ما ارتسم في ذهنك من صورة إلى صورة، وأنت لا تشعر من قوة تأثيره، من قوة نفسه، فإذا ارتسم في ذهنك صورة كذا وكذا، نوعها كذا وكذا، استطاع أن يقلبها من صورة إلى صورة بقوة تأثيره وقوة نفسه. الصفة الثالثة: قوة التخيل، وقوة التخييل قوة التخيل حتى يتخيل الملائكة الذين هم العقول، يتخيلهم في صورة شيء محسوس أمامه، كأن أمامه رجل يخاطبه، فيتخيل أن الملائكة أشخاص، وقد يقوى الوهم فيسمع أصواتا تخاطبه، وليس لذلك حقيقة، وقوة التخييل، يعني يستطيع أن يخيلها للآخرين، حتى يرونها ويسمعون خطابها، فإذا وجدت هذه الخصائص، فهو نبي، وقالوا: إن النبوة لا كل أحد يستطيع أن يدركها بالمراس والكسب والخبرة، وقالوا: إن النبوة ليست بالدرجة العالية، بل هناك ما هو أعلى منها؛ لأن النبوة سياسة العامة، ولكن الفلسفة أعلى منها لأنها سياسة الخاصة، ولهذا فإن بعض الفلاسفة لا يرضون بها بالنبوة، ويقولون هي مرتبة ليست عالية، وإنما أعلى منها الفلسفة، ولهذا طلب النبوة من تصوف على مذهب ابن هود وابن سبعين وغيرهما، هذا إيمانهم بالرسل، فالرسول أو النبي رجل عبقري، توفرت فيه هذه الخصائص، أما وهذه الخصائص أي تحصل بالاكتساب، ولهذا طلب النبوة من تصوف على مذهب هؤلاء كابن سبعين وابن هود وأضرابهما، قالوا والنبوة صنعة من الصنائع، بل من أشرف الصنائع كالسياسة، بل هي سياسة العامة عندهم، وكثير منهم لا يرضى بها، ويقول الفلسفة نبوة الخاصة، والنبوة فلسفة العامة. وأما الإيمان باليوم الآخر، فهم من أشد الناس تكذيبا وإنكارا له في الأعيان وفي الخارج، فعندهم أن هذا العالم لا يخرج، ولا تنشق السماوات، ولا تنفطر، ولا تنكدر النجوم، ولا تكور الشمس والقمر، ولا يقوم الناس من قبورهم، ويبعثون إلى جنة ونار، وكل هذا عندهم لا حقيقة له، بل هي أمثال مضروبة لتفهيم العوام، لا حقيقة لها في الخارج كما يفهم منها أتباع الرسل، يقول هذه من تخييلات هذا العبقري من سياسته، فيسوس الناس ويخبر أن هناك بعث وجزاء وجنة ونار حتى يتعايش الناس بسلام، وحتى لا يعتدي أحد على أحد، هذا من سياسته، وهو يكذب، لكن يكذب لهم ولا يكذب عليهم، قالوا: لا بأس هو يكذب لهم، ولا يكذب عليهم.

فرق بين من يكذب لك، ومن يكذب عليك، فهو يكذب للناس لأجل مصلحة الناس، وإلا فليس هناك بعث ولا جزاء ولا نشور ولا جنة ولا نار، هذا مذهب الفلاسفة في أصول الإيمان، وبهذا يتبين أنهم ملاحدة زنادقة، ينتسبون إلى الإسلام نفاقا، فيكون من المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار، ونعوذ بالله إذا ماتوا على ذلك، نسأل الله السلامة والعافية. الإيمان بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة الإيمان بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين. يعني هذه الأصول هي أصول الدين أصول الإيمان وأركان الإيمان، من لم يؤمن بها فهو كافر خارج من ملة الإسلام، الإيمان بالله والإيمان بالملائكة، الإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالقدر خيره وشره. نعم.

قوله: ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين

ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين

قوله: ولا نخوض في الله، ولا نماري في دين الله

ولا نخوض في الله، ولا نماري في دين الله

قوله: ولا نجادل في القرآن

ولا نجادل في القرآن

قوله: ونشهد أنه كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين، فعلمه سيد المرسلين محمدا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم

ونشهد أنه كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين، فعلمه سيد المرسلين محمدا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم

قوله: ولا نقول بخلقه ولا نخالف جماعة المسلمين

ولا نقول بخلقه ولا نخالف جماعة المسلمين

قوله: ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله

ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله

فيقولون: لا نطلق عليه.. لا نعطيه اسم الإيمان المطلق، ولا نسلبه مطلق الإيمان، فلا يعطى الإيمان المطلق، فلا يقولون: هو مؤمن ولا يقولون: ليس بمؤمن، عند أهل السنة العاصي كالزاني والسارق وشارب الخمر، ماذا يقولون له؟ يقولون: مؤمن، ما يقولون: مؤمن ويسكتوا، ولا يقولون: ليس بمؤمن، لا بد من التقييد في الإثبات والنفي، فإذا أثبت تقول: مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي ما تقول: ليس بمؤمن وتسكت، تقول: ليس بمؤمن حقا، ليس بصادق الإيمان، فالعاصي ومرتكب الكبيرة عند أهل السنة إذا قلت: مؤمن وسكت تكن مخطئا، وإذا قلت: ليس بمؤمن، وسكت تكن مخطئا، ماذا تعمل؟ قيد في النفي وفي الإثبات، في الإثبات تقول: مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، في النفي ليس بصادق الإيمان ليس بمؤمن حقا، أما الأدلة والمناقشات والردود يأتي الكلام عليها فيما بعد -إن شاء الله- ستسجل فيما بعد. أهل الكبائر، أهل الكبائر، حكم أهل الكبائر والفساق والعصاة وأهل البدع من أهل القبلة ومذاهب الناس فيهم، قلنا: إن للناس في هذا مذاهب سبق استعراض المذاهب. وإن المذهب الأول مذهب المرجئة، تنفي التكفير نفيا عاما، فتعمم النفي والسلب، فتقول: لا نكفر من أهل القبلة أحدا، وهذا قول غلاة المرجئة، ولهم شبة ومن شبههم وأدلتهم عموما نصوص الوعد. نصوص الوعد، مثل: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق) ومثل حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) . ومثل حديث البطاقة، وفيها: (يؤتى برجل فيخرج له تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر سيئا، ثم يخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة) ومنها أحاديث الشفاعة كحديث: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) وحديث أبي هريرة: (أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه) . ويناقش المرجئة في قولهم: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يناقش أصل مذهبهم أولا، نقول: قولكم: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، يرد عليه بأمرين: الأمر الأول: أن في أهل القبلة المنافق، أن في أهل القبلة المنافقين الذين يتظاهرون بالشهادتين، ويتجهون إلى القبلة في الصلاة والذبح، ويتظاهرون ببعض ما يمكنهم إظهاره من شعائر الإسلام، وفيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} فقولكم: لا نكفر من أهل القبلة أحدا بذنب، يلزمكم أن لا تكفروا المنافقين، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، هم من أهل القبلة. ثانيا: أنه لا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة والمحرمة، أو المحرمات الظاهرة المتواترة ونحو ذلك؛ فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرا؛ لأنه أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، أنكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج، أو أنكر تحريم الزنا أو تحريم الربا، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرا، ويرد أيضا عليهم بنصوص الوعيد، فإن نصوص الوعد تدل على بقاء الإيمان معهم، ونصوص الوعيد تدل على أن الإيمان يضعف وينقص، فقولكم: لا يتأثر إيمانه، هو كامل الإيمان، باطل ترده نصوص الوعيد. المذهب الثاني: مذهب الخوارج والمعتزلة، يطلقون التكفير، فيكفرون بالذنب، ويعتقدون ذنبا ما ليس بذنب، فإنهم يقولون: يكفر المسلم بكل ذنب، أو بكل ذنب كبير، ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب، وإن كانت متواترة، ويكفرون من خالفهم، ويستحلون منه الارتداد عندهم مالا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهم، وكفروا أهل صفين الطائفتين، في نحو ذلك من المقالات الخبيثة لهم، ومستندهم شبهتهم نصوص الوعيد، مثل حديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) .

فإن قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) } وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) } ويرد عليهم أولا بنصوص الوعد التي استدل بها المرجئة، فيرد على الخوارج بنصوص الوعد التي استدل بها المرجئة، فإنها تدل على بقاء الإيمان تدل على بقاء الإيمان، وأنهم لا يكفر، كما أنه يرد على المرجئة القائلين بأنه مؤمن كامل الإيمان بنصوص الوعد التي استدل بها الخوارج، تدل على أن الإيمان يضعف وينقص، ويرد أيضا على الخوارج في تكفيرهم أهل الكبائر، نقول: إن الله أمر بقطع يد السارق دون قتله، ولو كان كافرا مرتدا لوجب قتله، ولا يقام عليه الحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه) وقال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إسلام وزنا بعد إحصان وقتل نفس يقتل بها) وأمر الله بجلد الزانيين وجلد القاذف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلد شارب الخمر، ولم يقتله، فلو كان من ارتكب الكبيرة كافرا؛ لوجب قتله، ولا تقام عليه الحدود، ويرد عليهم أيضا بالإجماع الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر إذا صلوا إلى القبلة وانتحلوا دعوة الإسلام من قراباتهم المؤمنين الذين ليسوا بتلك الأحوال، فلو كان الزاني والسارق وشارب الخمر كافرا لما ورث، لما ورث من أقاربهم المستقيمين، فكونهم يرثون يدل على أنهم ليسوا كفارا، كما يقول هؤلاء الخوارج، ويرد عليهم أيضا أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن رجل يشرب الخمر، وكان اسمه حمارا، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلما أتي به إليه جلده، فأتي إليه مرة فلقيه فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله) فنهى عن لعنه في عينه، وشهد له بحب الله ورسوله مع أنه قد لعن شارب الخمر عموما (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها) لكن بالخصوص بعينه لا يلعن، ويرد عليهم -أيضا- بأن الله -تعالى- قال: {وَإِنْ طائفتان مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} وقد وصفهم الله بالإيمان والإخوة، وأمر بالإصلاح بينهم مع أنهم يقتتلون، وهذا من الكبائر، والقتال من الكبائر، فدل على أن على أن الكبيرة لا تخرجه من الإسلام. الطائفة الثالثة: الذين يفرقون بين البدعة بين الأقوال المبتدعه بين البدعة وبين الأقوال وبين الأعمال، فيقولون: إذا ارتكب إذا ارتكب بدعة، أو قال قولا مبتدعا، فإنه يكفر أما إذا أما إذا فعل كبيرة من كبائر الذنوب، فإنه لا يكفر. فيفرقون بين الأعمال وبين الاعتقادات البدعية، وهذا ينسب إلى طوائف من أهل الكلام والفقه والحديث، يفرقون بين الأعمال وبين الاعتقادات البدعية، فلا يكفرون الذين يعملون الكبائر ويكفرون أصحاب الاعتقادات البدعية، وإن كان صاحبها متأولا، فيقولون يكفر من قال هذا القول، يكفر من قال هذا القول لا يفرقون بين مجتهد بين مجتهد مخطئ وغيره، أو يقولون يكفر كل مبتدع، شبهتهم قالوا: إن البدعة مظنتها البدعة مظنتها النفاق والردة، فهي أصل البدع، مظنتها النفاق والردة، فهي أصل وسببه، فحملوا النصوص على هذا، وقالوا إنه إذا ارتكب بدعة أو قال قولا مبتدعا يكفر، أما إذا فعل كبيرة عملية فلا يكفر. ويرد عليهم. أولا أن البدع الاعتقادية من جنس الأعمال، لا فرق بينها، فإن الرجل يكون مؤمنا باطنا وظاهرا، لكن تأول تأويلا أخطأ فيه، إما مجتهدا وإما مفرطا مذنبا، فلا يقال: إن إيمانه يحبط بمجرد ذلك الاعتقاد أو العمل بغير دليل شرعي، بل هذا يوافق قول الخوارج والمعتزلة، ولا يقال: لا يكفر، بل يفرق بين المقالة والقائل. ثانيا: أن نصوص كثيرة قد دلت على أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وهذا يشمل الاعتقادات والأعمال، ولهذا فإن مذهب أهل السنة: ألا يقال لا نكفر أحدا بذنب، ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول: بأنا لا نكفر أحدا بذنب، بل يقال: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بكل ذنب، مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب الذين يعممون السلب، فيقولون يكفر بكل ذنب أو بكل ذنب كبير.

ثالثا: سلك أهل السنة مسلكا عدلا، هو الوسط، وهو الفرق بين الأقوال والقائل المعين، فالأقوال الباطلة المبتدعة المحرمة المتضمنة نفى ما أثبته الله ما أثبته الرسول، أو إثبات ما نفاه، أو الأمر بما نهى عنه، أو النهي عما أمر به، يقال فيها الحق ويثبت لها الوعيد الذي دلت عليه النصوص، ويبين أنها كفر، ويقال من قالها فهو كافر، وهذا عام لا يعين شخصا بعينه كالقول بخلق القرآن والوعيد في الظلم في النفس والأموال، فيقال من قال بخلق القرآن، فهو كافر، وأما الشخص المعين، فلا نشهد عليه أنه من أهل الوعيد، وأنه كافر إلا بأمر تجوز معه الشهادة، كأن يعلم بأنه منافق، أو ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويستتاب فلا يتوب؛ لأن الحكم عليه بالكفر بدون دليل من أعظم البغي، من أعظم البغي أن نشهد على معين أن الله لا يغفر له، ولا يرحمه، بل يخلده في النار، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت، كما بوب أبو داود في سننه باب النهي عن البغي، وذكر فيه قصة الرجلين المتواخيين من بني إسرائيل أحدهما مذنب والآخر مجتهد في العبادة فالشهادة …إلى آخر الحديث، وأن المجتهد كان يأتي المذنب، ويقول: (اتق الله فرآه يوما على ذنب، فقال له: اتق الله فغضب المذنب، فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا، فقال المجتهد: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الجنة، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال: من ذا الذي تألى علي ألا أغفر لفلان إني قد غفرت له، وأحبطت عملك، قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته) . فالشهادة على المعين بالكفر من البغي. وثانيا: لأن الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهدا مخطئا مغفورا له. وثالثا: يمكن أن يكون لم يبلغه ما وراء ذلك القول من النص من النصوص، فيكون معذورا لجهله بالنصوص. ورابعا: يمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله، كما غفر الله للذي قال: (إذا مت فاسحقوني، ثم أذروني) ثم غفر الله له من خشيته، وكان يظن أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته أو شك في ذلك. وهذا في الصحيحين قصة الرجل الذي من بني إسرائيل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه في البحر لما حضرته الوفاة جمع أهله وأخذ عليهم العهد والميثاق أن يحرقوه ويذروه، وقال: (إن قدر الله علي ليعذبني عذابا شديدا) وفي بعض ألفاظ الحديث أنهم سحقوه وأحرقوه، وأنه قال: (ذروا بعضي في البحر وبعضي في البر، ففعلوا ذلك فأمر الله البحر فجمع ما فيه، والبر فجمع ما فيه، فقال: قم فإذا هو قائم قال الله: ما حملك على ذلك، قال: خشيتك) قال: في الحديث (فما تلافاه بل رحمه) قال العلماء: إن هذا الرجل إنما فعل ذلك عن جهل ليس معاندا ولا مكذبا ولا متعنتا، ولكن فعله عن جهل، وحمله على ذلك الخوف العظيم، أما لو أنكر البعث أو أنكر ثم أيضا، هو لم ينكر البعث، بل هو معترف مقر بالبعث، ولم ينكر قدرة الله، لكن ظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة وأحرق وسحق وذري في البحر والبر، إنه يفوت على الله، وإلا فهو معترف ومصدق بأنه لو ترك على حاله لبعثه الله. وإن الله يقدر عليه، لكن هذه مسألة دقيقة خفيت عليه، ولهذا قال العلماء: وأن من أنكر أمرا دقيقا مثله يجهله؛ يكون معذور فلا يكفر في هذه الحالة، أما لو كان متعمدا أنكر البعث متعمدا عن عناد وعن تكذيب، فهذا لا شك في كفره، لكن هذا الرجل ما فعل ذلك عامدا ولا متعنتا، ولكن فعل ذلك عن جهل، وحمله عليه الخوف العظيم، فلهذا ما يحكم على الشخص المعين بالكفر إلا بعد التثبت ومعرفة حاله. وخامسا: قد يكون حديث الإسلام، وحديث عهد بالإسلام، قد يكون نشأ في بادية بعيدة عن الإسلام، ولكن التوقف في أمر الآخرة في أهل البدع لا يمنعنا أن نعاقبه في الدنيا، لمنع بدعته وأن نستتيبه فإن تاب وإلا قتلناه، إذا كان مستحقا للقتل، ثم إذا كان القول في نفسه كفرا، قيل: إنه كفر، والقائل له يكفر إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، أما معتقد أهل السنة والجماعة، فكما سبق أنهم لا يكفرون بالكبائر كما يفعل الخوارج والمعتزلة أو الخوارج، ولا يخرجونهم من الإيمان كما تفعل الخوارج، ولا يقولون: إنه كامل الإيمان كما تقول المرجئة، بل يقولون: إنه مؤمن، يثبتون له أصل الإيمان، وينفون عنه مطلق الإيمان، يثبتون أصل الإيمان، وهو مطلق الإيمان، وينفون عنه الإيمان المطلق، فيقولوا مطلق الإيمان ثابت له، والإيمان المطلق منفي عنه، فلا بد من التقييد، فيقولون هو مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن عاص، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وكذلك في النفي لا ينفون عنه الإيمان، ويسكتون، بل لا بد من التفصيل ليس بصادق الإيمان، ليس بمؤمن حقا، كما هو الأدلة على هذا كثيرة من الكتاب والسنة والله أعلم.

قوله: ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله

ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله

نرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفوا عنهم

نرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفوا عنهم

قوله: ويدخلهم الجنة برحمته

ويدخلهم الجنة برحمته

وقال بعض السلف: من عبد الله بالحب وحده، فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده، فهو خارجي، ومن عبده بالرجاء وحده، فهو مرجئي، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد، والله -سبحانه وتعالى- أثنى على المؤمنين الذين يعبدونه بالخوف والرجاء فقال -سبحانه- من الأدلة على مدح الله وثنائه على من جمع بين الخوف والرجاء قول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) } وقول الله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وقائماً يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ} وقوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} وقوله سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) } وقد دلت الادلة على مدح أهل الخوف والخشية والرهبة والثناء عليهم، قال الله تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) } وقال سبحانه: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) } وقال: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) } وقال سبحانه: {مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ} وقد مدح الله -سبحانه وتعالى- أهل الإحسان مع الخشية والخوف، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) } . ومن السنة ما في المسند والترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قلت: يا رسول الله، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} هو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال لا يابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه) قال الحسن -رحمه الله- عملوا والله بالطاعة واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا. نعم. الأسباب التي تسقط بها عقوبة جهنم عن فاعل السيئات ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم ولا نقنطهم. وهناك أسباب تسقط بها عقوبة جهنم عن فاعل السيئات، عرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة، يعني المؤمن، هناك أشياء إذا فعلها إحدى عشر تسقط بها عقوبة جهنم عنه. الأول: التوبة: والتوبة النصوح هي الخالصة، وهي الخالصة لا يختص بها ذنب دون ذنب، وكون التوبة سببا لغفران الذنوب وعدم المؤاخذة بها مما لا خلاف فيه بين الأمة، وليس شيء يكون سببا لغفران جميع الذنوب إلا التوبة، قال الله تعالى: {* قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) } وهذا لمن تاب. وقد أجمع العلماء على أن هذه الآية نزلت في التائبين، وقال بعدها: {لَا تَقْنَطُوا} وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} . الثاني: السبب الثاني الاستغفار، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) } لكن الاستغفار تارة يذكر وحده وتارة يقرن بالتوبة، فإن ذكر وحده دخلت معه التوبة، كما إذا ذكرت التوبة وحدها شملت الاستغفار، والتوبة تتضمن الاستغفار، والاستغفار يتضمن التوبة، فكل واحد منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق. وأما عند الاقتران، وأما عند اقتران أحدهما بالآخر، فيفسر الاستغفار بطلب وقاية شر ما مضى، والتوبة تفسر بالرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله، فهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، ونظير هذا الفقير والمسكين والإثم والعدوان والبر والتقوى والفسوق والعصيان والكفر والنفاق والإيمان والإسلام، كل هذه الأمور إذا أطلق أحدهما دخل فيه الآخر، وإذا اجتمعا صار لكل واحد منهما معنى. الثالث: الحسنات، قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقال صلى الله عليه وسلم (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) . رابعا: المصائب الدنيوية، وفي الحديث ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا غم ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه. خامسا: عذاب القبر، يعني قد يعذب الإنسان في قبره ثم تسقط عنه عقوبة جهنم.

سادسا: دعاء المؤمنين واستغفارهم في الحياة، وبعد الممات، قد يكون الإنسان مستحقا للعذاب، ثم يغفر الله له بسبب دعاء المسلمين واستغفارهم له. سابعا: ما يهدى إليه بعد الموت من ثواب صدقة أو قراءة أو حج أو نحو ذلك، إذا أهداه صدقة تصدق عنه، قد تسقط عنه عقوبة جهنم. ثامنا: أهوال يوم القيامة وشدائده، قد يخفف عنه تسقط عنه عقوبة جهنم، تصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة، فتسقط بها عقوبة جهنم عنه. تاسعا: اقتصاص المؤمنين بعضهم من بعض، حينما يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار بعد عبور الصراط إذا كان لك مظلمة على شخص، ثم أخذت حقك قبل دخول الجنة سقطت عنه عقوبة جهنم. عاشرا: شفاعة الشافعين قد يشفع له، فلا يدخل جهنم. حادي عشر: عفو أرحم الراحمين، قد يعفو الله عن بعض الناس بدون شيء، عفوه أرحم الراحمين من غير شفاعة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ويعفى لصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره، وإذا كان كذلك فلا يقطع لأحد معين من الأمة بالجنة أو النار، إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم لكن نرجو للمحسنين ونخاف على المسيئين نعم اقرأ العبارة قبل الآخر نعم.

قوله: ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم ولا نقنطهم

ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم ولا نقنطهم

الأسئلة

الأسئلة: س: فضيلة الشيخ يكثر السؤال عن رؤية الملائكة ربهم في الدنيا. ج: لا يرى الله أحد في الدنيا لا الملائكة ولا غيرهم ما يستطيع أحد يرى الله ما سمعت الحديث الذي مر مر ذا الحديث حديث أبي ذر: (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) الملائكة خلق من خلقه أو لا؟ كذلك لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه الملائكة وغيرهم سبحانه وتعالى، الله -تعالى- لا يراه أحد في الدنيا في اليقظة، لكن في النوم يمكن أما في اليقظة فلا يراه أحد، ما يستطيع أحد، ولا يستطيع أحد أن يثبت لرؤية الله، لما تجلى الله للجبل ماذا حصل للجبل؟، تدكدك وهو صخر جبال، الجبل الأصم القاسي تدكدك، فكيف بالمخلوق الضعيف. نعم. س: أحسن الله إليكم، هل ثبت في الكرسي حديث صحيح؛ لأن بعض العلماء يقول: إن أثر ابن عباس أخذه عن بني إسرائيل. ج: نعم حديث قوله: (الكرسي هوعلمه) هذا ما في الصحيح، أما قوله: (الكرسي موضع القدمين) يحتمل نقله ولكن ليس بصحيح، العلماء اعتمدوا هذا، ولكن سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز ابن باز -وفقه الله- كان يرى أنه يحتمل أن يكون أخذه من بني إسرائيل، وعلى هذا نقول: الكرسي مخلوق دون العرش، العرش مخلوق والكرسي مخلوق، أما العلماء كالدارمي وغيره، فهم اعتمدوا ما ثبت عن ابن عباس، أنه قال: (الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله) نعم. أما ما ورد عن ابن عباس أن الكرسي هو علمه، فهذا لم يثبت حقا ليس بصحيح الكرسي ليس هو العلم. نعم. س: أحسن الله إليكم، يقول: إن التفكر في عظم خلق العرش والكرسي يورث الخشية لله تعالى، فهل يصح أن يجعل الإنسان في ذهنه صورة تخيلية لهما. ج: ما دام الكرسي والعرش مخلوق ما يضر الكلام، لا ينبغي لك أن يعني تبحث في كنه الصفات، كنه ذات الرب كنه الصفات، أما المخلوقات لك أن تتصور ما تشاء، المخلوقات لا بأس مخلوق عظيم، لكن ما نعرف ما نعلم العرش مخلوق من أي شيء ما ندري ذات العرش، ما ندري ما ندري، هل هو حديد ولا ذهب ولا فضة ولا رصاص ولا هواء؟ ما ندري الله أعلم، إذا كان المخلوق ما ندري كيفية كنه ذلك، كيف بالخالق وكيف بصفاته، لكن تخيل أنه مخلوق عظيم، وأنه مقبب فوق العرش، وأنه سقف هذه المخلوقات إذا تخيلت ما يضرك التخيل، المخلوقات تخيل منها ما تشاء، لكن ليس لك أن يعني تشبه الخالق، وتمثل الخالق بشئ من مخلوقاته. ولا تكيف ذاته ولا تكيف صفاته سبحانه وتعالى. نعم. س: أحسن الله إليكم هل محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لذاته أم لله تعالى. نعم. ج: يقول هل محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لذاته أو لله تعالى، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله، تابعة لمحبة الله، الذي يجب لذاته هو الله سبحانه وتعالى، أما محبة الرسول فهي تابعة لمحبة الله، ومحبة المؤمنين كذلك، لكن محبة الرسول ينبغي أن تكون فوق محبة الأولاد فوق محبة النفس التي بين جنبيك، هكذا. نعم هذا هو الأكمل، وهذا هو الأفضل، أما إذا أحب أحدا أكثر، يعني قدم محبة غيره على محبة الرسول، يكون هذا نقص، نقص وضعف في الإيمان كما توعد الله من قدم شيئا من ذلك {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) } فمن قدم محبة الأبناء أو الأباء أو التجارة أو المساكن على محبة الله ورسوله فهو فاسق ضعيف الإيمان، فالكمال أن تقدم محبة الله ورسوله على كل شيء. نعم. س: أحسن الله إليكم يقول: إن العلو يختلف في الاتجاه بحسب كل إنسان على سطح الأرض فتكون جهة العلو في كل اتجاه ما هو توجيهكم لهذا القول. ج: نعم العلو ما كان فوق السماوات والأرضين الأفلاك بل الأفلاك كلها مالها إلا جهتان جهة علو وجهة سفل مالها إلا جهتان مثل الأرض الآن الأرض كروية الشكل الأرض هكذا كروية الشكل مثل أيش، مثل الحبحب من كل جهة الحبحب لها جهتان جهة العلو وجهة السفل، فهذه جهة العلو من جميع الجهات، فأنت هنا وفيه شخص هنا هو يتصور أنك تحته

وأنت تتصور أنك تحته، وهو يتصور أنك تحته، وكلكم على في العلو، كلكم على وجه الأرض، أما السفل فهو المركز في وسط الأرض بحيث لو انخرق من هنا خرق، وانخرق من هنا خرق، ونزل من هنا ونزل من هنا التقت رجلاهما في مركز واضح، هذا إذ الأرض والسماء ما لها إلا جهتان، جهة العلو والسفل، أما المخلوق المتحرك أنا وأنت والمخلوقات المتحركة لها ستة، أنا لي ست جهات أمام وخلف ويمين وشمال وفوق وتحت، هذا يكون لمن هذا للمخلوقات المتحركة، أنا الآن المسجد الآن أمامي هنا، فإذا تغيرت صار هذا هو الخلف وهذا هو الأمام على حسب الحركة، وإذا تغيرت صار هذا الأمام وهذا الخلف. المخلوقات المتحركة لها ست جهات فوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف، أما المخلوقات الثابتة السماوات والأراضين والأفلاك كلها ما لها إلا جهتان العلو والسفل، فالعلو ما كان على سطحها جميع الجهات هذا هو العلو، والسفل محط الأثقال بحيث إنه لو كان إنسان هنا وإنسان هنا، ثم خرق خرق من هنا، وخرق خرق من هنا التقت رجلاهما في المركز الذي هو محط الأثقال واضح، هذا لكن هذا على وجه الأرض، وفيه آخر على وجه الأرض هنا، أنت تتصور أنه تحتك، وهو يتصور أنت تحته، والواقع أنت على وجه الأرض، وهو على وجه الأرض، أنت في العلو، وهو في العلو، لكن هذا تتصورأنه تحتك لماذا لأنك متحرك بحيث لو انتقلت من مكان لآخر جئت هنا، صار بالعكس فأنت تتصور أنه تحتك، وهو يتصور أنت تحته، والواقع أن كلا منكما في العلو واضح هذا، فالجهات الأفلاك السماوات والأرض ما لها إلا جهتان العلو والسفل، وأما الحيوانات المتحركة هي التي لها ست جهات: فوق وتحت وأمام وخلف ويمين وشمال، وفق الله الجميع لطاعته ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على محمد وآله وسلم.

قوله: والأمن والإياس ينقلان عن الملة وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة

والأمن والإياس ينقلان عن الملة وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة

فاليائس اليائس من روح الله، يدعو الإنسان إلى عدم العمل؛ لأنه لا يرجو رحمة الله، فهو يرى أنه هالك، فلا فائدة في العمل، فلا يعمل وكذلك الآمن من مكر الله ليس عنده خوف، ليس عنده خوف يحسه على العمل، فالأمن من مكر الله إذا لم يكن عند الإنسان خوف، فلا يعمل ولا يبالي يفعل الجرائم والمنكرات ولا يبالي ولا يؤدي الواجبات، ولا ينتهي عن المحرمات؛ لأنه ليس عنده خوف يحجزه، وكذلك اليائس المتشائم يرى أنه هالك، وأنه لا يفيده أي عمل، فلا يعمل، فلا يؤدي الواجبات ولا ينتهي عن المحرمات، وإذا صدق اليائس من روح الله، إذا كان عنده إيمان وتصديق بالقلب. وكذلك الآمن من مكر الله، لا يفيده التصديق بالقلب الإيمان والتصديق بالقلب لا يفيد وحده؛ لأنه لا بد لهذا التصديق من عمل يتحقق به، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، إبليس مصدق قال رب أنظرني فرعون مصدق وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم لكن لا يعمل إبليس لم يعمل ليس عنده عمل امتنع عن السجود وفرعون ليس عنده عمل، فكونه يعرف ربه بقلبه تصديق مجرد هو المعرفة، كونه يعرف ربه بقلبه ولا يعمل، لا يكون هذا إيمانا؛ لأن الإيمان والتصديق بالقلب، لا بد له من إنقياد من إنقياد بالجوارح بالعمل حتى يتحقق هذا الإيمان، كما أن الذي يعمل يصلي ويصوم ويحج، لا بد لهذا العمل من تصديق في الباطن يصحح هذه الأعمال، وإلا صار كإسلام المنافقين المنافق يعمل، ولكن ليس عنده إيمان يصحح عمله فبطل عمله وإبليس وفرعون كلا منهما مصدق بالباطن وعارف، لكن لم يتحقق هذا التصديق بعمل ليس عندهم عمل. ولذلك صار اليائس من روح الله ما يعمل لأنه يرى أنه هالك، لا يؤدي الواجبات ولا يمتنع عن المحرمات، والآمن من مكر الله ليس عنده شيء من الخوف، فلا يعمل؛ لأنه لا ليس عنده شيء من الخوف إطلاقا، والذي ليس عنده شيء من الخوف لا يعمل لا يؤدي الواجبات، ولا يمتنع عن المحرمات، ولو زعم أنه يحب الله، وأنه مصدق، ما يكفي هذا لا بد من الخوف والرجاء، لا بد من الخوف حتى لا يكون الإنسان آمنا من مكر الله، ولا بد من الرجاء حتى لا يكون الإنسان يائسا من روح الله، فإذا فقد الخوف صار آمنا من مكر الله، وإذا فقد الرجاء صار يائسا من رحمة الله ولا يتم التوحيد والإيمان إلا بالمحبة والخوف والرجاء؛ ولهذا أثنى الله -سبحانه وتعالى- على عباده؛ لأنهم يعبدونه بالخوف والرجاء، قال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) } ويرجون رحمته ويخافون، رجاء وخوف، وقال سبحانه {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} هذا الخوف والرجاء الطمع هو الرجاء {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) } وقال سبحانه لما ذكر الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل واليسع وهود، قال بعد ذلك: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} هذا الرجاء ورهبا هذا الخوف، فإذا فقد الخوف وفقد الرجاء لم يكن هناك إيمان لا يكون هناك إيمان، ولا يكون هناك توحيد، التوحيد والإيمان لا بد فيه من ثلاث أركان. الركن الأول: المحبة في القلب، والمحبة ما تكون إلا عن تصديق. والثاني: الخوف الذي يحجب الإنسان عن محارم الله وعن الشرك. الركن الثالث: الرجاء الذي يحمل الإنسان إلى الطمع يدعو الإنسان إلى الطمع في ثواب الله وفي رحمة الله، فإذا لم يكن عنده خوف صار آمنا من مكر الله، لا يبالي بالمعاصي ولا بالكفر، وإذا كان يائسا من روح الله صار متشائما قانطا مسيئا للظن بالله، فلا يعمل لأنه يرى أن العمل لا يفيده، لأنه يرى أنه هالك وكونه يعبد الله بالتصديق بالحب فقط، هذا لا يكفي، ولهذا قال العلماء: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، هذه طريقة الصوفية من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، يعني خارجي من الخوارج خارجي، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد، إذا لا بد من المحبة والخوف والرجاء، ولهذا يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية: وعبادة الرحمن غاية حبه *** مع ذل عابده هما له قطبان وعليهما فلك العبادة دائر *** ما دار قام حتى دارت القطبان

فإذا عبادة الرحمن هي العبادة غاية الحب مع غاية الذل، وغاية الحب مع غاية الذل لا بد فيها من العبادة، يعني يتعبد الله بغاية الذل مع غاية الحب، فالذليل هو الخاضع لله الخائف الذي يتعبد لله، وهو ذليل والآمن من مكر الله ما ليس عنده ذل ما عنده ذل كما أن اليائس من رحمة الله أيضا ليس عنده طمع في ثواب الله، فكيف يكون مؤمنا، ولهذا اختار الأمن من مكر الله ينقل عن ملة الإسلام وكذلك اليأس من روح الله ينقل من ملة الإسلام، والحق بينهما بين الخوف والرجاء سبيل الحق لأهل القبلة بين الرجاء والخوف، وأن تعبد الله بالحب والخوف والرجاء تكون خائفا من الله حتى لا تسترسل في المعاصي، وتكون راجيا رحمة الله وثوابه حتى لا تيأس من روح الله، فلا بد من التعبد لله بالمحبة والخوف والرجاء وهذا هو معنى قول المؤلف: والأمن والإياس ينقلان من ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة. نعم.

قوله: ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه

ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه

كم نوع خمسة أنواع، لكن بشرط أن يكون الإنسان لم يفعل هذا ليس جاهلا جهلا يعذر فيه لو فعل الإنسان شيئا، وهو جاهل ما يدري كما لو عاش في بلاد بعيدة، ولا عرف أن الربا حرام، وأنكر تحريم الربا ما يكفر حتى يعرف يعرف، وتقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة كفر، أما إذا كان مثله لا يجهل هذا إنسان يعيش بين مسلمين، وأنكر ما يقبل منه، وقال أنا جاهل ما يقبل منه لا بد أن يكون مثله، يجهل هذا كذلك أيضا لا بد من القصد قصد الفعل، وقصد القول يقصد السجود للصنم، يقصد أن يتكلم بهذه الكلمة ولا يشترط أن يعتقد بقلبه، لو ما اعتقد بقلبه يشترط أن يكون قاصدا لهذا الفعل، أما إذا كان جرى على لسانه ما قصد، كقصة الرجل الذي فقد راحلته وعليها طعامه وشرابه، فلما وجدها قال من شدة الدهشة، ومن شدة الفرحة، (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) يخاطب ربه، هل هذا قاصد ليس قاصد جرت على لسانه من غير قصد بسبب الدهشة، ما قصد القول لا بد أن يكون قاصدا لو جاء إنسان، ووضع رأسه أمام صنم، ما رأى الصنم، ولا علم أنه صنم ليستريح، جبهته ورأسه وجعه فوضعها، يؤلمه فوضعها على الأرض، ما قصد ما علم أنه الصنم هذا، ما قصد، لكن إذا قصد السجود للصنم كفر بهذا العمل، ولو لم يجحد بقلبه، انتبهوا لهذه المسألة العظيمة. ترى فيه وفي أناس كثير الآن يقررون مذهب المرجئة، بعض العلماء الآن يقررون مذهب المرجئة، يقولون: لا يكون الكفر إلا بالقلب، ولا يكون الإيمان إلا بالقلب ويرجعون الجهل، ويرجعون النطق، يقولون: إذا سجد للصنم ما يكون كافرا، لكن هذا دليل على الكفر، دليل على ما في القلب إذا كان قلبه مكذبا صار كافرا، وإلا السجود ما هو كفر، السجود دليل على الكفر، إذا سب الله وسب الرسول، يقول هذا ليس بكفر، لكن دليل الكفر دليل على ما في قلبه، هذا قول المرجئة، يقول السجود نفس السجود كفر، ليس دليل على الكفر، نفس القول والسبب هو الكفر، نفس الشك كفر، انتبهوا لهذا. فالذي يقول: إن القول دليل الكفر، أو يقول: السجود للصنم دليل الكفر، هذا قول المرجئة المرجئة ما يكون عندهم كفر إلا ما كان في القلب يرجعون إلى القلب والإيمان، لا يكون إلا في القلب والكفر لا يكون إلا في القلب، وهذا غلط، الإيمان يكون تصديق في القلب وقول باللسان، النطق بالشهادتين كما سيأتي -إن شاء الله- في صفحة الإيمان بعده، ويكون أيضا عمل بالجوارح وبالقلب. والكفر أيضا كما سبق يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالعمل، ويكون بالشك، ويكون بالترك والإعراض هذه المسألة مسألة مهمة، ينبغي لطالب العلم أن يكون على بينة منها، هذا هو قول الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء وجماهير أهل العلم، أما القول بأن الكفر لا يكون إلا بالجحود، والإيمان لا يكون إلا بالقلب هذا هو غلط، غلط فيها المرجئة. والمرجئة طائفتان، كما سيأتي مرجئة محضة، الجهمية وغيرهم، ومرجئة الفقهاء وهم أبو حنيفة وأصحابه، كلهم غلطوا في هذا، والمؤلف الطحاوي مشى على قول المرجئة: الكفر لا يكون إلا بالقلب: والإيمان لا يكون إلا بالقلب، وهذا غلط كبير، وهناك من العلماء في العصر الحاضر من يقرر هذه المسألة في أشرطة وفي مؤلفات، يقررون مذهب المرجئة، يقولون: الإيمان لا يكون إلا بالقلب، والسجود للصنم إن هذا دليل على الكفر إذا كان القلب مكذبا صار كافرا، وإلا نفس السجود ما يكون كفرا، إذا سب الله وسب الرسول، هذا دليل على ما في قلبه ليس كفرا، ننظر إلى قلبه إن كان مكذبا جاحدا كفرناه، وإلا نقول هذا ليس بكفر هذا غلط كبير. نعم.

قوله: والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان

والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان

المذهب الخامس: مذهب الجهم بن صفوان وأبو الحسين الصالحي أحد رؤساء القدرية، ذهبوا إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب، أي معرفة الرب بالقلب، والكفر هو الجهل بالرب، يعني هو جهل الرب بالقلب، مذهب الجهم يقول الإيمان معرفة الرب بالقلب، إذا عرف ربه بقلبه، فهو مسلم، وإذا جهل ربه بقلبه فهو كافر، وهذا القول أظهر فسادا مما قبله أفسد ما قيل، وأظهر ما قيل في الفساد في مسمى الإيمان، هو مذهب الجهم ويلزم عليه، أي يلزم على مذهب الجهم أن فرعون وقومه كانوا مؤمنين، فإنهم عرفوا ربهم بقلوبهم، وعرفوا صدق موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام، ولم يؤمنوا بهما، ولهذا قال موسى لفرعون: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بصائر} وقال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) } فيكون إذا فرعون على مذهب الجهم مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه. وأيضا أهل الكتاب اليهود والنصارى مؤمنون على مذهب الجهم؛ لأنهم يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، فقال الله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} . وهؤلاء كفرة بإجماع المسلمين، ومع ذلك يلزم على مذهب الجهم أن يكونوا مؤمنين كذلك أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم يكون مؤمنا عند الجهم، لأنه عرف ربه حيث قال في قصيدته المشهورة. ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبة *** لوجدتني سمحا في ذاك مبينا بل إن إبليس يكون عند الجهم مؤمنا كامل الإيمان، فإنه لم يجهل ربه بل هو عارف بربه قال الله تعالى عن ابليس: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) } {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) } إذا ابليس عارف بربه. فيكون مؤمنا على مذهب الجهم، والكفر عند الجهم هو الجهل بالرب، الكفر عند الجهم، هو أن يجهل ربه بقلبه، يقول العلماء: ولا أحد أجهل من الجهل بربه، فإنه جعل ربه الوجود المطلق، ومعنى الوجود المطلق الذي لم يقيد باسم ولا صفة، لم يثبت وجودا لله الجهم إلا فى الذهن؛ لأنه سلب عن الله جميع الاسماء والصفات، ولا جهل أكبر من هذا، فيكون الجهم كافرا بشهادته على نفسه يكون الجهم كافرا من تعريفه، نأخذ من تعريفه أنه كافر؛ لأنه عرف الكفر: هو الجهل بالرب ولا أحد أجهل منه بربه، حيث جعل ربه الوجود المطلق الذي لا اسم له ولا صفة، فيكون الجهم كافرا بشهادته على نفسه. المذهب السادس: مذهب الخوارج يقولون: الإيمان جماع الطاعات كلها جميع الطاعات كلها إيمان، لكن من قصر في واحد منها كفر إذا عق والديه كفر، إذا شهد الزور كفر، إذا ترك طاعة من الطاعات خرج من الإيمان، ودخل في الكفر. المذهب السابع: مذهب المعتزلة قالوا: الإيمان جماع الطاعات كلها، كما قال الخوارج، لكن قالوا من قصر عن شيء منها فهو فاسق، لا مؤمن ولا كافر. المذهب الثامن: روى ابن القاسم عن مالك أن الإيمان يزيد، وتوقف في نقصانه، ولكن روى عنه عبد الرازق بن نافع أنه يزيد وينقص، وعلي هذا فمذهبه يوافق مذهب الجماعة من أهل الحديث، والحمد لله. والخلاصة في المذاهب في مسمى الإيمان: إنها ترجع إلي أن الإيمان هو إما أن يكون ما يكون بالقلب واللسان وسائر الجوارح، وهذا مذهب السلف والأئمة وأهل السنة والجماعة. المذهب الثاني: ما يكون بالقلب واللسان دون الجوارح، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة وكثير من أصحابه، وهذا المشهور عن الإمام أبي حنيفة وهذا الذي ذكره الطحاوي. المذهب الثالث: الإيمان ما يكون بالقلب وحده، وهو المعرفة وهذا مذهب الجهم أو التصديق، وهو مذهب الماتردية، ورواية عن الإمام أبي حنيفة، أو ما يكون باللسان، وهو مهذب الكرامية، طيب الأحناف الآن، الآن الأحناف أبو حنيفة وأصحابه يقولون: الإيمان هو التصديق، الآن النزاع الآن بين جمهور أهل السنة وبين أبي حنيفة وأصحابه. أما المذاهب الأخرى باطلة معروفة، مذهب الخوارج ومذهب المعتزلة ومذهب الجهم هذه المذاهب باطلة، لكن الذي يحصل به اللبس والاشتباه ولا سيما في هذا الزمن اشتبه على كثير من طلبة العلم حتى صاروا يفتون بمذهب الجهم، بعض العلماء أو بعض المحدثين في هذا العصر يفتي بمذهب أبي حنيفة بمذهب المرجئة، ويقول الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، والكفر هو ما يكون إلا في القلب. فلا بد لطالب العلم أن يكون على إلمام وبصيرة بشبه، لهم شبه من شبه الإمام أبي حنيفة، الأدلة التي استدلوا بها لهم أدلة، الدليل الأول للإمام أبي حنيفة للمرجئة على أن الإيمان لا يكون إلا بالقلب، قالوا: الإيمان في اللغة.

الدليل الأول: أن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق، الدليل إذا قالوا: اللغة دليلهم، اللغة العربية معني الإيمان هو التصديق إذا لا يكون الإيمان إلا بالقلب، قالوا عندنا دليلنا اللغة، الإيمان هو التصديق بالقلب، قال الله تعالى إخبارا عن إخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} أي بمصدق لنا، ومنهم من ادعى إجماع أهل اللغة على ذلك. إذا الدليل الأول قالوا: عندنا المعني اللغوي للإيمان هو التصديق، والدليل الآية الكريمة: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} أي بمصدق، إذا الإيمان هو التصديق، فلا يكون التصديق إلا بالقلب، أما قول اللسان وأعمال الجوارح، فلا تدخل في مسمى الإيمان أجاب الجمهور عن هذا الدليل بجوابين أحدهما بالمنع، والثاني بالتسليم. الجواب الأول بالمنع، قالوا: نمنع الترادف بين التصديق والإيمان، ولو صح الترادف في موضع، فلا يوجب ذلك الترادف مطلقا، إذ أن هناك فرقا بين الإيمان والتصديق من وجوه، أولا التعدية أنه يقال للمخبر إذا صدق المخبر في خبره صدقه، وصدق به، ولا يقال: آمنه ولا آمن به، بل يقال آمن له، كما في قوله تعالى: {* فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ} . الثاني: العموم والخصوص بين الإيمان والتصديق، فإن التصديق أعم من الإيمان، والإيمان أخص منه، فإن التصديق يستعمل لغة في الخبر عن الشاهد والغائب، وأما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن الغائب. الوجه الثالث: أن لفظ التصديق يقابله التكذيب، وأما لفظ الإيمان فيقابله الكفر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل هو أعم من ذلك، يشمل الكفر عن تكذيب، وعن جهالة وعن عناد. الجواب الثاني: جوابهم بالتسليم، قال أهل السنة: نسلم أن التصديق والإيمان مترادفان، لكن نقول: أولا: التصديق يكون بالأفعال كما يكون بالأقوال، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه) وقال الحسن البصري رحمه الله: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في الصدور وصدقه الأعمال. ثانيا: سلمنا أن الإيمان والتصديق مترادفان لكن الإيمان تصديق مخصوص، كما أن الصلاة وإن كانت دعاء، فهي دعاء مخصوص. ثالثا: سلمنا أن الإيمان التصديق، لكن التصديق التام بالقلب مستلزما لأعمال القلب والجوارح. رابعا: سلمنا أن الإيمان التصديق، لكن لفظ الإيمان باق على معنى التصديق لغة، لكن الشارع زاد في أحكامه. خامسا: سلمنا أن الإيمان هو التصديق، لكن الشارع استعمل لفظ الإيمان في معناه المجازي، فهو حقيقة شرعية في معناه الشرعي، هو حقيقة شرعية. سادسا: سلمنا أن الإيمان التصديق، لكن الشارع نقل لفظ الإيمان عن معناه اللغوي إلي معناه الشرعي، هذا كل الجواب عن الدليل الأول للأحناف. الدليل الثاني للأحناف على أن الإيمان هو التصديق، ولا يكون إلا بالقلب، قالوا: الإيمان ضد الكفر، الإيمان هو ضد الكفر، والكفر هو التكذيب والجحود، والتكذيب والجحود لا يكون إلا بالقلب، فكذلك التصديق لا يكون إلا بالقلب، ويؤيد ذلك قول الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} فدلت الآية على أن القلب هو موضع الإيمان. أجاب الجمهور قالوا: قولكم: إن الكفر هو التكذيب والجحود ممنوع، فإن الكفر لا يختص بالتكذيب والجحود، بل أن الكفر يكون تكذيبا ويكون مخالفة ومعاداة بلا تكذيب، فعلم أن الإيمان ليس التصديق فقط، ولا الكفر التكذيب والجحود فقط، فلو قال أنا أعلم أن الرسول صادق، ولكن لا أتبعه، بل أعاديه وأبغضه وأخالفه لكان كافرا، ولو لم يجحد كان كافرا أعظم الكفر. الدليل الثالث: هو الدليل العقلي قال الأحناف الإيمان لو كان الإيمان مركبا من قول وعمل كما تقولون يا جمهور أهل السنة، لو كان الإيمان مركبا من قول وعمل لزال كله بزوال أجزائه، إذ الحقيقة المركبة تزول بزوال بعض أجزائها كالعشرة، فإنه إذا زال بعضها لم تبقى عشرة، وكذلك الأجسام المركبة، إذا زال أحد جزئيه زال عنه سوء التركيب، فإذا كان الإيمان مركبا من قول وعمل وتصديق وأعمال ظاهرة وباطنة لزم زواله بزوال بعضها. أجاب الجمهور إن أردتم أن الحياة الاجتماعية لم تبق مجتمعة كما كانت فمسلم، ولكن لا يلزم من زوال بعضها زوال سائر الأجزاء، بل يلزم زوال الكمال كما أن بدن الإنسان إذا ذهب منه إصبع أو يد أو رجل لم يكن ليخرج عن كونه إنسانا بالاتفاق، وإنما يقال إنسان ناقص، فكذلك الإيمان يبقي بعضه ويزول بعضه. الدليل الرابع للأحناف: قالوا: إن الله تعالى فرق في كتابه بين الإيمان والعمل الصالح، فعطف العمل على الإيمان، والعطف يقتضي المغايرة، فقال تعالى في غير موضع: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فدل على أن العمل لا يكون داخلا في مسمى الإيمان.

أجاب الجمهور بأن اسم الإيمان ورد في النصوص على ثلاث حالات: تارة يذكر مطلقا عن العمل وعن الإسلام، وتارة يقرن بالعمل الصالح، وتارة يقرن بالإسلام، فإذا ذكر الإيمان مطلقا دخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة كما في حديث شعب الإيمان، وإذا قرن الإيمان بالعمل الصالح، وعطف عليه، فإن عطف الشيء على الشيء في القرآن وسائر الكلام يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع اشتراكهما في الحكم، والمغايرة على مراتب أعلاها أن يكونا متباينين. الثاني: أن يكون بينهما تلازم. الثالث: عطف بعض الشيء عليه. الرابع: عطف الشيء على الشيء باختلاف الصفتين، فهذا كله إذا قرن الإيمان بالعمل الصالح هناك أيضا. من أدلتهم دليل أيضاً خامس للأحناف، وهو حديث أبي هريرة استدلوا بحديث أبي هريرة، قال: (جاء وفد ثقيف إلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله الإيمان يزيد وينقص فقال لا الإيمان مكمل في القلب زيادته كفر ونقصانه شرك) ووجه الدلالة قالوا: هذا يدل على أن إيمان أهل السماوات والأرض سواء، وأن الإيمان الذي في القلوب، لا يتفاضل، وإنما التفاضل بينهم يكون بالعمل فقط. أجاب الجمهور بأن هذا الحديث لو صح لكان فاصلا في النزاع، لكن هذا الحديث كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- من رواية أبي الليث السمرقندي إلى أبي المطيع إلى أبي المهزم، سئل عنه الشيخ عماد الدين بن كثير، فأجاب بأن الإسناد من أبي الليث إلى أبي المطيع مجهولون، لا يعرفون، وأبو المطيع هو الحسن بن عبد الله بن الصرفي البلخي، وقد ضعفه أحمد بن حنبل ويحي بن معين والبخاري وأبو داواد والنسائي وأبو حاتم الرازي وأبو حاتم محمد بن حبان البستي والعقيلي وابن عدي والدارقطني وعمرو بن على الخلاف، وأما أبو المهزم فقد ضعفه غير واحد، وتركه شعبة بن الحجاج، وقال النسائي: متروك، واتهمه شعبة بالوضع، حيث قال لو أعطي فلسين لحدثهم سبعين حديثا، فهذا الحديث باطل، بل هو موضوع، كيف يستدل الأحناف بمثل هذا وأهل السنة، استدلوا بأدلة كثيرة تدل على هذا، تدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان أدلة كثيرة، لا حصر لها منها قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} جعلهم مؤمنين بهذه الأعمال حصر المؤمنين بالذين توجل قلوبهم عند ذكر الله مع الأعمال، ومنها قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) } ومنها قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) } ومنها قوله صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) كل هذه شعب بضع وسبعون شعبة، كلها إيمان ومنها حديث وفد عبد القيس لما جاءوا إلي النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن الإيمان قال: (آمركم بالإيمان بالله وحده أتدرون ما الإيمان بالله وحده شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) جعل هذا كله من الإيمان. حديث جبريل كذلك ذكر فيه الإيمان والإسلام، كذلك الأدلة كذلك من الأدلة الكثيرة التي تدل على أن الإيمان يزيد وينقص، كقوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}

{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا} {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) } من السنة قوله عليه الصلاة والسلام (النساء ناقصات عقل ودين) والدين إذا أطلق كالإيمان يشمل الإسلام كله، الأعمال كلها، وكذلك أيضا الأحاديث الأخرى والآثار عن الصحابة قول أبي الدرداء: من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينقص، ومنه قول عمر لأصحابه: هلموا نزدد إيمانا، فيذكرون الله تعالى، وكان ابن مسعود يقول في دعائه: اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها، وكان معاذ بن جبل يقول لرجل: اجلس بنا نؤمن ساعة، وكذلك روي مثله عن عبد الله بن رواحة، وصح عن عمار بن ياسر أنه قال: (ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: إنصاف من نفسه والإنفاق من إقتار وبذل السلام للعالم) ذكره البخاري في صحيحه معلقا، هذه كلها تدل على أن الإيمان يزيد وينقص. نعم. (والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان) هذا مذهب أبي حنيفة وهو مذهب المرجئة، وهو قول باطل أن الصواب أن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، هذا هو الذي عليه الصحابة والتابعون وأهل السنة والجماعة.

قوله: وجميع ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من الشرع والبيان كله حق

وجميع ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من الشرع والبيان كله حق

الناس لهم في تلقي النصوص طريقتان طريقة أهل السنة وطريقة أهل البدع، فمنهج أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والرافضة في تلقي الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة يقسمون الأخبار قسمين: متواتر وآحاد؛ فيقولون إن المتواتر وإن كان قطعي السند، فهو غير قطعي الدلالة؛ لأن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين والعلم، ولهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات. وأما الآحاد فقالوا: إنها أخبار الآحاد لا تفيد العلم واليقين، فلا يحتج بها من جهة متنها كما لا يحتج بها من جهة السند، فسدوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسماءه وصفاته وأفعاله، ثم أحالوا الناس على قضايا وهمية ومقدمات خيالية سموها قواطع عقلية وبراهين يقينية، وأما أهل السنة فإنهم يتلقون النصوص ويقبلونها ولا يعدلون عن النص الصحيح ولا يعارضونه بمعقول من المعقولات ولا بقول فلان عملا بقول الله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} . وخبر الواحد متي يفيد اليقين والعلم؟ يفيد خبر الواحد العلم اليقيني عند جماهير الأمة إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا، وليس بين سلف الأمة في ذلك نزاع، وهو أحد قسمي المتواتر إذ المتواتر قسمان ما رواه جماعة كثيرون يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب إلي أن ينتهي للمخبر عنه، وأسندوه إلي شيء محسوس سماع أو مشاهدة لا اجتهاد، والثاني خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول، والتفصيل في هذا يأتي إن شاء الله، فيما بعد نعم.

قوله: والإيمان واحد وأهله في أصله سواء

والإيمان واحد وأهله في أصله سواء

قوله: والتفاضل بينهم بالخشية والتقي ومخالفة الهوي وملازمة الأولى

والتفاضل بينهم بالخشية والتقي ومخالفة الهوي وملازمة الأولى

الثمرة الرابعة والمهمة: مسألة الاستثناء في الإيمان، وهو أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، فمرجئة الفقهاء من الأحناف يقولون: لا يجوز لك أن تستثني، حرام أن تقول أنا مؤمن إن شاء الله، لأنك تشك في إيمانك، تعرف نفسك أنك مصدق، فكيف تشك؟ فإذا قالوا: إن من قال: أنا مؤمن إن شاء الله فهو شاك في إيمانه، من قال: أنا مؤمن إن شاء الله، فهو شاك في إيمانه؛ لأن الإيمان هو التصديق أن تعرف نفسك أنك مصدق كما تعرف نفسك، أنك تحب الرسول، وأنك تبغض اليهود، هل تشك في إيمانك؟ هل تشك في الشيء الموجود؟ . قالوا: لا يجوز للإنسان أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، ومن قال أنا مؤمن إن شاء الله، فهو شاك في إيمانه، ويسمون أهل السنة الشكاكة، أما أهل السنة والجماعة، هم قالوا: المسألة فيها تفصيل، يجوز الاستثناء في الإيمان في بعض الأحوال، ولا يجوز في بعض الأحوال، فإذا قال: أنا مؤمن إن شاء الله، وقصده الشك في أصل إيمانه، وهو التصديق فهذا ممنوع. أما إذا قال: إن شاء الله، وقصده الاستثناء راجع إلي الأعمال أعمال الإيمان، الواجبات كثيرة، والمحرمات كثيرة، فلا يجزم الإنسان بأنه أدى ما أوجب الله عليه، ولا يجزم الإنسان بأنه ترك كل ما حرم الله عليه، ولا يزكي نفسه، فهو يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأن الأعمال متشبعة كثيرة، لا يجزم بأنه أدى كل ما عليه، بل هو محل للتقصير والنقص، ولا يجزم بأنه ترك كل ما حرم الله عليه، بل قد يقترف شيئا من ذلك، فهو يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنه لا يزكي نفسه؛ ولأن أعمال الإيمان متشعبة، فلا بأس أن يقول: إن شاء الله، كذلك إذا قال أنا مؤمن إن شاء الله، وقصده تعليق الأمر بمشيئة الله للتبرك باسم الله، فلا حرج، وكذلك إذا قال: أنا مؤمن إن شاء الله، وأراد عدم علمه بالعاقبة، فلا بأس أما إذا قال: أنا مؤمن إن شاء الله، وقصده الشك في أصل إيمانه، فهذا لا يجوز. وبهذا يتبن أن الخلاف بين الأحناف والجمهور له ثمرة، كذلك أيضا مما يتعلق بالإيمان مسألة الإسلام أيضا الإسلام، والخلاف في مسماه، الناس اختلفوا في مسمى الإيمان على ثلاثة أقوال: طائفة قالت: الإسلام هو الكلمة، أي الشهادتان، وهذا مروي عن الزهري، وبعض أهل السنة قالوا الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل، المذهب الثاني: طائفة قالوا الإسلام والإيمان مترادفان، وهذا مروي عن بعض أهل السنة، ويتزعمهم البخاري، وهو أيضا ذهب إليه الخوارج والمعتزلة. المذهب الثالث: أن الإسلام هو العمل والإيمان هو التصديق والإقرار، جعلوا الإسلام هو الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة، واستدلوا بحديث جبريل، والصواب في المسألة أن الإيمان والإسلام تختلف دلالتهما بحسب الإفراد والاقتران، فإذا أطلق الإسلام وحده دخل فيه الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وإذا أطلق الإيمان وحده دخل فيه الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وإذا اجتمعتا، فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، فإن جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فسره بالأعمال الظاهرة، ولما سأله عن الإيمان فسره بالأعمال الباطنة. هذا هو الصواب أن الإسلام إذا أطلق وحده دخل فيه الإيمان، والإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الإسلام، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة، أما الأدلة والمناقشات يأتي الكلام عليها إن شاء الله. قلنا إن الناس في مسمى الإسلام لهم أقوال: القول الأول: من يقول: إن الإسلام هو الكلمة والإيمان هو العمل، يقول: مسمى الإسلام هو الكلمة، يعني الشهادتين، وهذا مروي عن الزهري وبعض أهل السنة، قالوا الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، واحتج هؤلاء بقول الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} قالوا فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان هو الظالم لنفسه هو المقتصد، هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب وترك المحرم. والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، ولكن وجهة نظر الزهري هي أن من أتي بالشهادتين صار مسلما، يتميز عن اليهود والنصارى، تجري عليه أحكام الإسلام التي تجري على المسلمين. والزهري لم يرد أن الإسلام الواجب هو الكلمة وحدها؛ فإن الزهري أجل من أن يخضع لذلك، ولهذا فإن أحمد -رحمه الله- في أحد أجوبته لم يجب بهذا، خوفا من أن يظن أن الإسلام ليس هو إلا الكلمة، وقد رد محمد بن نصر على من قال بهذا القول، فقال من زعم أن الإسلام هو الإقرار، وأن العمل ليس منه فقد خالف الكتاب والسنة، فإن النصوص كلها تدل على أن الأعمال من الإسلام كحديث جبريل، وفيه بني الإسلام على خمس، وذكر الأعمال الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج.

وأما الاستدلال بالآية {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فليس فيها ما يدل على أن الإسلام هو مجرد الشهادة، وإنما فيها تقسيم الناس إلي مسلم ومؤمن ومحسن، فهذا موافق لحديث جبريل. المذهب الثاني القول الثاني القائلون من يقول: إن الإسلام مرادف للإيمان، وهذا يروي عن طائفة من أهل السنة ومنهم البخاري -رحمه الله- ذهب إلي هذا في صحيحه في كتاب الإيمان، وذهب إلي هذا أيضا الخوارج والمعتزلة، وعلى هذا فيكون يشمل الأعمال كلها، فالإسلام والإيمان عندهم واحد، وعلي هذا القول يذهب التفاوت والمقامات، احتج هؤلاء بقول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) } وجه الدلالة أن الله وصفهم بالإيمان والإسلام، وهم أهل بيت واحد، فدل على أنهما مترادفان، وأجيب بأن الآية لا حجة فيها لأن البيت المخرج كانوا متصفين بالإسلام والإيمان، ولا يلزم من الاتصاف بهما ترادفهما، وقالوا: إن حديث جبريل لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام قال: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله) قالوا: معني أن تشهد أن لا إله إلا الله، قالوا: على التقدير تقدير شعائر الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله لا مسماه، لكن يجاب بأن الأصل عدم التقدير. ومما أيضا يناقش به أهل هذا القول أنهم قالوا: الإسلام والإيمان مترادفان، ثم قالوا: إن الإيمان هو التصديق بالقلب، وقالوا: الإسلام والإيمان شيء واحد؛ فيكون الإسلام هو التصديق، وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة. ومن شبههم أنهم قالوا: إن الله سمى الإيمان بما سمى به الإسلام، وسمى الإسلام بما سمى به الإيمان كما في حديث جبريل، وحديث وفد عبد القيس، فحديث جبريل فسر الإسلام بالأعمال، وفي حديث عبد القيس فسر الإيمان بالأعمال، فإنه سأل ما الإيمان؟ قال: (الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله، آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده، شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان) وأجيب بأن الإسلام إذا أطلق وحده دخل فيه الأعمال، والإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الأعمال، أما إذا اجتمعا فيفرق بينهما. ومما يدل مما يشمل الفرق بين الإسلام والإيمان قول الله تعالى: {* قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} فنفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام، وهذا يدل على الفرق، وأما تسمية أحدهما بمسمى الآخر، فإنما يكون عند إفراد أحدهما، فيدخل فيه الآخر، وعند اجتماعهما يفرق بينهما، وأيضا يشهد الفرق بينهما حديث جبريل، فإنه فرق بينهما. وأما اعتراضهم على الآية آية الحجرات على الاستدلال بالآية، بأنما نقول: أسلمنا انقدنا ظاهرا، فهم منافقون في الحقيقة؛ لأن الله نفى عنهم الإيمان، هذا أحد قولي المفسرين في هذه الآية، وهو جواب البخاري -رحمه الله- أجاب بأن هذه الآية في المنافقين، لكن أجاب الجمهور بأن القول الآخر في الآية، وهو أرجح من القول الذي أخرجوه أنهم ليسوا مؤمنين كاملي الإيمان، بل هم ضعفاء الإيمان، لا أنهم منافقون كما نفي الإيمان عنهم، كما نفى عن القاتل والزاني والسارق ومن لا أمانة له. ويؤيد هذا القول سياق الآية من وجوه، فإن سورة الحجرات من أولها إلي هنا في النهي عن المعاصي وأحكام بعض العصاة ونحو ذلك، وليس فيها ذكر المنافقين، وكذلك أيضا ما قبل الآية وما بعدها حيث إن الله -سبحانه وتعالى- أثبت لهم الإيمان وأثبت لهم وقال: {لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ} {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ} أثبت لهم طاعة لله ولرسوله {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ} والمنافقون ليس لهم طاعة، لا تعتبر طاعة وليس لهم عمل حتى ينقص ثوابهم، ثم قال في آخر الآيات {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} فأثبت لهم الإسلام ولو كانوا منافقين لما أثبت لهم الإسلام. القول الثالث المذهب الثالث: قول بعض العلماء جعلوا الإسلام الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة، واستدلوا بحديث جبريل حينما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإسلام والإيمان حيث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأصول الخمسة، وأجيب بأن هذا عند الاقتران عند اقتران الإسلام بالإيمان.

والراجح والصواب في هذه المسألة أن مسمى الإسلام ومسمى الإيمان يختلف مسماهما عند الأفراد وعند الاقتران، فإذا قرن أحدهما بالآخر، فإنه فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، وإذا أطلق أحدهما دخل فيه الآخر كما في حديث وفد عبد القيس إذا أطلق الإيمان وحده دخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا أطلق الإسلام وحده شمل الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة، كما حديث جبريل. هذا هو الصواب وهو الراجح، وهذا هو التحقيق في هذه المسألة أن الدلالة تختلف بالتجريد والاقتران، ومن فهم هذا انجلت عنه إشكالات كثيرة في كثير من المواضع التي حاد عنها كثير من الطوائف، فإن الإسلام أصله هو الانقياد والطاعة والإيمان، أصله هو ما في القلب من الاعتقاد وحقيقة الفرق أن الإسلام دين، والدين مصدر دان يدين دينا، إذا خضع وذل. ودين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله هو الاستسلام لله وحده، فأصله في القلب هو الخضوع لله وحده بعبادته وحده دون ما سواه، والإسلام هو الاستسلام لله وهو الخضوع له والعبودية له، هكذا قال أهل اللغة: أسلم الرجل إذا استسلم فالإسلام في الأصل من باب العمل عمل القلب وعمل الجوارح، وأما الإيمان فأصله التصديق والإقرار، أصله تصديق وإقرار ومعرفة، فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب. والأصل فيه التصديق والعمل تابع له، فلهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بإيمان القلب وخضوعه وفسر الإسلام بالأعمال. نعم.

قوله: والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن

والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن

والأعمال داخلة في مسمى الإيمان، والأعمال داخلة في مسمى الكفر، استدل جمهور أهل السنة على هذا بأدلة كثيرة، منها قول الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) } فأثبت لهم إيمانا مع الشرك، والمراد بالشرك الذي لا يخرج من الملة، وهو الأصغر فدل على اجتماعهما في المؤمن، ومنها قوله تعالى: {* قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} فأثبت لهم إسلاما، أي طاعة لله ورسوله مع نفي الإيمان عنهم فدل على اجتماعهما، والمراد بالإيمان المنفي عنهم الإيمان المطلق الذي هو الكامل الذي يستحقون به الوعد الكريم من دخول الجنة والنجاة من النار، وإن كان معهم أصل الإيمان الذي يخرجهم من الكفر. ومنها قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} وقال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) } وقال تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} وقال تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا} وقال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} فهذه الأدلة تدل على تفاضل الناس في الإيمان وفي الكفر والنفاق الذي هو مبني في تفاضلهم في ولاية الله وفي تفاضلهم في عداوة الله، وأن الشخص الواحد قد يكون فيه قسط من ولاية الله بحسب إيمانه وتقواه وقسط من عداوة الله بحسب كفره ونفاقه. ومن الأدلة ما في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أوتمن خان، وإذا عاهد غدر) فدل على أن من الناس من يكون معه إيمان وفيه شعبة من النفاق، وقال صلى الله عليه وسلم (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) فدل على أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لا يخلد في النار، وإن كان معه الكثير من النفاق، فهو يعذب في النار على قدر ما معه من النفاق أو الشرك أو الكفر، ثم يخرج من النار. والمراد من الكفر والنفاق الشرك الأصغر، أما الأكبر فإنه ينافي الإيمان، ومنها ما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: (إنك امرؤ فيك جاهلية، فقال يا رسول الله، أعلى كبر سني. قال: نعم) وأبو ذر من خيار المؤمنين، ومع ذلك صار فيه شيء من الجاهلية، وثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهم الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة على الميت، والاستسقاء بالنجوم) فدل على وجود هذه الخصال في المؤمنين من هذه الأمة. وذكر البخاري عن ابن أبي مليكة أنه قال: (أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه) وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) وفي صحيح مسلم: (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) فدل على أنه يكون في المؤمن النفاق، وأنه قد يجتمعان في المؤمن قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} فجعل هؤلاء إلى الكفر أقرب منهم للإيمان، وهم مخلطون وكفرهم أقوى، وغيرهم يكون مخلطا وإيمانه أقوى، فهذه الأدلة كلها تدل على أنه يجتمع في الشخص الواحد شيء من شعب الإيمان، ومن شعب الكفر، ومن شعب النفاق، فيكون عدوا لله بحسب ما فيه من الشعب، ويكون وليا لله بحسب ما فيه من الإيمان.

أما مرجئة الفقهاء والأحناف، فقالوا لا يجتمع في المؤمن ولاية وعداوة كما لا يجتمع فيهم كفر وإيمان وشرك وتوحيد ونفاق وإيمان، حجتهم قالوا: لأن الكفر الحقيقي هو الجحود ولا يزيد ولا ينقص؛ لأنه شيء واحد، ولا يدخل العمل في المسمى، وماعداه فهو كفر مجازي غير حقيقي؛ لأن الكفر الحقيقي هو الذي ينقل عن الملة، وليس هو على مراده كما أن الإيمان هو التصديق، ولا يدخل العمل في مسمى الإيمان، فهو لا يزيد ولا ينقص، وما عداه، فهو إيمان مجازي سمي إيمانا؛ لتوقف صحته على الإيمان، أو لدلالته على الإيمان، أو للاستزادة من الإيمان؛ لأن الإيمان الحقيقي هو الذي يدخل في دائرة الإسلام، وهو التصديق، وليس على مراتب، فبنوا على ذلك ما ذهبوا إليه من أن الناس لا يتفاضلون في ولاية الله، بل المؤمنون متساوون في أصل الولاية، كما أنهم متساوون فيأصل الإيمان. فالولاية نظير الإيمان أهلها في أصلها سواء، والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، والولاية لا تزيد ولا تنقص، لكنها تكون كاملة وناقصة، فالكاملة تكون للمؤمنين المتقين كما قال تعالى: {أَلَا إِن أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} والناقصة تكون للمؤمنين العصاة الذين يقصرون في بعض الواجبات، أو يرتكبون بعض المحرمات، كما أن الناس لا يتفاضلون في عداوة الله؛ لأن الكفر ليس على مراحل، بل الكفر مرتبة واحدة، وهو الجحود، والكفار كلهم أعداء الله، فهم متساوون في أصل العداوة كما أنهم متساوون في أصل الكفر، ولكن هذا الخلاف هذا النزاع بين الجمهور جمهور أهل السنة وبين مرجئة الفقهاء، لا يترتب عليه فساد في الاعتقاد؛ لأن كلا من الطائفتين الجمهور ومرجئة الفقهاء اتفقوا على أن العاصي ومرتكب الكبيرة مذموم على رأسها، ومستحق للوعيد المترتب على ذلك الذم، كما وردت بذلك النصوص، ويجتمع فيه الطاعة والمعصية، وكذلك مرتكب الشرك والكفر والنفاق الأصغر مذموم على فعله، ويستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب، كما وافقوهم على أن فاعل الحسنات والطاعات محمود على طاعته، ويستحق الوعد الكريم الذي رتبته النصوص على تلك الطاعات والحسنات، لكن الخلاف بينهم في التسمية تسمية من قام به شعبة من شعب الكفر هل يسمي كافرا؟ . قال بذلك الجمهور، ومنع من ذلك الأحناف، وفي تسمية من قام به شعبة من شعب الشرك مشركا، هل يسمي مشركا؟ قال بذلك الجمهور ومنع من ذلك الأحناف، وفي تسمية من قام به شعبة من شعب النفاق منافقا، فقالوا لا يجتمعون، قالوا مرجئة الفقهاء: لا يجتمع كفر وإيمان وشرك وتوحيد ونفاق وإيمان، وبالتالي لا يجتمع فيه ولاية ولا عداوة، فالنزاع لفظي، لكن له آثار تترتب عليه، كما سبق في باب مبحث الإيمان أن الأحناف خالفوا النصوص معنى، وإن وافقوها لفظا، وكذلك أيضا يترتب فتحوا الباب للمرجئة المحضة، فقالوا: إن الأعمال ليست واجبة، وفتحوا الباب للفساق. وأيضا يترتب عليها الاستثناء في الإيمان، وفي الولاية أنا ولي لله إن شاء الله، الأحناف منعوا من ذلك قالوا: لا تقل: إن شاء الله، والجمهور فصلوا قالوا: إن أردت الشك في أصل ولايتك فلا، وأن لم ترد الشك، وأردت أن الأعمال المترتبة على أعمال الإيمان وأعمال الولاية كثيرة، لا يجزم الإنسان بأنه أدى ما عليه فلا بأس من الاستثناء، أو أراد التبرك باسم الله، أو أراد عدم العلم بالعاقبة فلا بأس. أما النزاع بين أهل السنة وأهل البدع، فهو نزاع معنوي يترتب عليه فساد في الاعتقاد هنا إذا جاءت البدع، انضم جمهور انضم الأحناف ومرجئة الفقهاء مع الجمهور، وصاروا صفا واحدا أمام أهل البدع، فيكون النزاع بين أهل السنة جمهورهم وأحنافهم مع أهل البدع نزاع معنوي، وذلك أن أهل البدع قالوا: لا يجتمع في المؤمن ولاية وعداوة كما لا يجتمع في المؤمن كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان، وهذا مبني على مذهبهم أن الناس لا يتفاضلون في الإيمان، ولا في الولاية لله، ولا في عداوتهم لله، بل هم متساوون في الإيمان، وفي الولاية وفي العداوة، لكن أختلفوا فذهب الخوارج والمعتزلة إلى أن من ارتكب كبيرة أو قامت فيه شعبة من شعب الكفر حبط إيمانه كله، ويخلد في النار، لكن قال الخوارج: يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر.

وقالت المعتزلة: يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، بل هو في منزلة بينهما يسمى فاسقا لا مؤمن ولا كافر، وذهبت المرجئة الغلاة إلي أن الكبائر وشعب الكفر لا تضر مع الإيمان ولا تؤثر فيه، بل المؤمن كامل الإيمان والتوحيد، فهو كامل الولاية، ولا يضره ارتكابه للكبائر وشعب الكفر شيئا، بل الناس قسمان مؤمن كامل الإيمان والولاية أو كافر وكافر كامل الكفر والعداوة، وأصل شبهة أهل البدع عموما في الإيمان الخوارج والمعتزلة والمرجئة والجهمية والماتريدية والكرامية، شبهتهم أن الإيمان شيء واحد، فلا يزول بعضه ويبقى بعضه، ولا يزيد ولا ينقص، بل إذا زال زال جميعه، وإذا ثبت ثبت جميعه؛ لأنه الحقيقة المركبة، والحقيقة المركبة تزول بزوال بعض أجزائها، لكن الخوارج والمعتزلة يقولون: الإيمان يتبعض ويتعدد، لكنه شيء واحد إذا زال بعضه زال جميعه، وهو جماع الطاعات كلها. وقالت المرجئة المحضة الكرامية والجهمية والماتريدية: الإيمان لا يتبعض ولا يتعدد، بل هو شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يذهب بعضه ويبقى بعضه لأنه في القلب فقط، وذهب مرجئة الفقهاء إلى أن الإيمان متعدد ومتبعض، لأنه تصديق وقول، لكنه شيء واحد، لا يزيد ولا ينقص إذ هو في القلب واللسان، وإذا ذهب بعضه ذهب جميعه، وذهب جمهور أهل السنة والسلف إلى أن الإيمان متعدد، وليس شيئا واحدا؛ لأنه قول وتصديق وعمل بالجوارح ويزيد وينقص ويزول بعضه، ويبقى بعضه، ويجتمع في القلب إيمان وكفر وطاعة ومعصية، وبهذا انفصلوا عن جميع الطوائف، وبهذا يتبين أن نزاع أهل البدع عموما مع أهل السنة عموما نزاع معنوي، يترتب عليه فساد في الاعتقاد والله أعلم. هذا هو الصواب أن المؤمنين قسمان: قسم ولي لله كامل الولاية، وهو المطيع، وقسم عدو لله من وجه، وولي لله من وجه، وهو المؤمن العاصي هذا هو الصواب الذي عليه جمهور أهل السنة. نعم. (وأكرمهم عند الله أطوعهم واتبعهم للقرآن) نعم هذا أكرم، أكرم المؤمنين أطوعهم وأتبعهم للقرآن، قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وقال -عليه الصلاة والسلام- (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) وفي لفظ (لا فضل لعربي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى) أو كما جاء في الحديث، فلا شك أن أكرم الناس عند الله أتقاهم وأكثرهم إيمانا واتباعا للقرآن وللسنة. نعم.

قوله: والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى

والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى

قوله: ونحن مؤمنون بذلك كله لا نفرق بين أحد من رسله

ونحن مؤمنون بذلك كله لا نفرق بين أحد من رسله

قوله: وأهل الكبائر من أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في النار، لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون

وأهل الكبائر من أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في النار، لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون

أما التعريفات السابقة، فكلها منتقدة، فمن قال: إن الكبائر سبع أو سبعة عشر أو سبعمائة أو سبعون، نقول: الجواب هذا مجرد دعوى وتحكم لا دليل عليه، ومن قال: إن الكبيرة لا تعلم أصلا أو أنها مبهمة أو أنها أخفيت كليلة القدر، نقول: إنما أخبر عن نفسه أنه لا يعلمها فلا يمنع أن يكون قد علمها غيره، ومن قال: إنها سميت كبائر بالنسبة إلي ما دونها، أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة، فإنه يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم إلى صغائر وكبائر، وهذا فاسد لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر. ومن قال: الكبيرة هي ما اتفقت الشرائع على تحريمه دون ما اختلفت، يقتضي أن شرب الخمر والفرار من الزحف والتزوج ببعض المحارم والمحرم بالرضاعة والصهرية ونحو ذلك ليس من الكبائر، مع أنها من الكبائر؛ لأن الشرائع لم تتفق على تحريمها، وأن الحبة من مال اليتيم والسرقة لها، والكذبة الواحدة الخفيفة ونحو ذلك من الكبائر باتفاق الشرائع على تحريمها مع أنها من الصغائر، وهذا فاسد. ومن قال: الكبيرة ما سد باب المعرفة بالله، أو قال: الكبيرة ذهاب الأموال والأبدان، فإنه يقتضي أن شرب الخمر وأكل الخنزير والميتة والدم وقذف المحصنات ليس من الكبائر مع أنها من الكبائر، وقد يقترن بالكبيرة ما يلحقها بالصغيرة، وقد يقترن بالصغيرة ما يلحقها بالكبيرة، فقد يقترن بالكبيرة من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغيرة، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبيرة. وهذا أمر مرجعه إلي ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه. نعم. (وأهل الكبائر من أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في النار لا يخلدون) هذا يريد الطحاوي ينتقد بقوله: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون، ناقش ابن أبي العز قال: قوله: "من أمة محمد" هذا يدل على أن أهل الكبائر قبل أمة محمد يعذبون في النار، وهذا ليس عليه دليل، بل النصوص دلت على أن الكبائر من هذه الأمة وغير الأمة لا يخلدون في النار، فقول الطحاوي: من أمة محمد، هذا القيد ليس عليه دليل، بل أهل الكبائر لا يعذبون سواء كانوا من أمة محمد أو من غير أمة محمد. نعم.

قوله: إذا ماتوا وهم موحدون وإن لم يكونوا تائبين

إذا ماتوا وهم موحدون وإن لم يكونوا تائبين

قوله: وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين

وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين

قوله: وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر عز وجل في كتابه: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}

وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر عز وجل في كتابه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

قوله: وإن شاء عذبهم في النار بعدله

وإن شاء عذبهم في النار بعدله

قوله: ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته

ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته

قوله: ثم يبعثهم إلي جنته

ثم يبعثهم إلي جنته

قوله: ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته

ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته

قوله: ولم ينالوا من ولايته

ولم ينالوا من ولايته

قوله: اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به

اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به

قوله: ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة

ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة

والرافضة لا يصلون إلا خلف الإمام المعصوم، فأهل السنة والجماعة يخالفون هؤلاء أما إذا لم يكن الإمام إمام الجمعة وإمام العيد، وليس إمام المسلمين إماما عاديا، وهو فاسق فهل تصلى خلفه، أولا تصلى خلفه إذا وجدت إماما فاسقا وإماما غير فاسق ثم صليت خلف الفاسق، وليس هناك ولا يترتب على هذا مفسدة يصلى خلف الفاسق في حالتين. الحالة الأولى: إذا كان إمام المسلمين، وليس للناس إمام غيره يصلي خلفه الجمعة والعيد والحج بعرفة، ومن صلى وحده وترك الصلاة خلفه، فهو مبتدع عند أهل السنة، الثاني: إذا كان هناك إمام غيره، ولكن إذا تركت الصلاة خلفه ترتب على ذلك مفسدة، كأن يحصل انشقاق للمسلمين، ويحصل فتن وإحن، فهل في هذه الحالة تصلى خلفه، أما إذا كان هناك إمام غيره، ولم يحصل مفسدة وصليت خلفه وتركت الصلاة خلف العدل، فاختلف العلماء في صحة الصلاة وعدمها، فالحنابلة والمالكية يرون أن الصلاة غير صحية، وإذا صليت خلف الفاسق، فإن الصلاة باطلة وتعيد الصلاة. وذهب الشافعية والأحناف إلي أن الصلاة صحيحة مع الكراهة، وهذا هو الصواب، الصواب أن الصلاة صحيحة مع الكراهة، والدليل على هذا ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يصلون لكم - يعني أئمة لكم - فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم) فهذا الحديث نص صحيح صريح في أن الإمام إذا أخطأ فخطؤه على نفسه، وأما المأموم فليس عليه شيء من خطئه. وكذلك أيضا ثبت عن الصحابة أنهم يصلون خلف الحجاج بن يوسف، وكان فاسقا ظالما وصلى الصحابة خلف عقبة بن أبي معيط، وكان أميرا للكوفة من قبل عثمان - رضي الله عنه - كان فاسقا يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم مرة الفجر، وهو سكران فصلى بهم الصلاة أربعا، ثم التفت عليهم، فقال هل تريدون أن أزيدكم، فقال المسور مازلنا معك منذ اليوم في زيادة، ثم أعاد الصلاة، ورفع أمره إلي الخليفة، فجلده وعزله. وكذلك أيضا ثبت في صحيح البخاري (أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان محصورا، قد أحاط به الثوار وأحاطوا ببيته لقتله هم فساق هؤلاء الثوار، ثم حضرت الصلاة فتقدم رجل من الثوار يريد أن يصلى بالناس فجاء شخص وسأل أمير المؤمنين عثمان فقال له: يا خليفة رسول الله يا خليفة، أيها الخليفة، يا أمير المؤمنين، إن الصلاة تقام الآن وسيصلي بنا رجل من الثوار، وهو فاسق فهل نصلي خلفه، فقال يابن أخي: إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم) هذه النصوص تدل على أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة، ولا تعاد، ولكن لا شك أن الصلاة خلف العدل أولى. وأما الذين قالوا: لا تصح فحجتهم في هذا أنهم قالوا: إن من صلى خلف الفاسق فقد أقره على المنكر الذي هو متلبس به، فتكون صلاته منهيا عنها فلا تصح؛ لأن الصلاة خلفه متلبسة بمنكر، لم ينه عنه فلا تصح الصلاة. وأما الذين قالوا لا تصح، فحجتهم في هذا أنهم قالوا: إن من صلى خلف الفاسق، فقد أقره على المنكر، الذي هو متلبس به، فتكون صلاته منهيا عنها، فلا تصح؛ لأن الصلاة خلفه متلبسة بمنكر لم ينه عنه، فلا تصح الصلاة. ولكن هذه المسألة، وهي كونه متلبسا بمنكر مسألة مهمة تحتاج إلى تقعيد، وهي القاعدة إذا عرفها طالب العلم استفاد فائدة عظيمة، وهي كون النهي المنهي عنه، هل هو متعلق بذات المنهي، أو بشيء خارج عنه؟ فإذا كان النهي متعلقا بذات المنهي، دل على فساد هذا المنهي عنه، وإذا كان النهي متعلقا بشيء خارج عن المنهي عنه؛ فإن الصلاة صحيحة هذا هو الذي عليه الحق، وعليه الجمهور. نطبق هذه القاعدة: مثلا على الصلاة في الدار المغصوبة، شخص دخل في دار مغصوبة وصلى فيها هل تصح الصلاة أو لا تصح؟ أو شخص غصب ثوبا ولبسه وصلى فيه، أو شخص لبس ثوب حرير وصلى فيه، أو شخص حمل صورة وصلى فيها، هل تصح أو لا تصح؟ المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، كما سنقول. الحنابلة والمالكية يرون الصلاة باطلة؛ لأن الإنسان إذا صلى في ثوب مغصوب، أو في دار مغصوبة أو في ثوب عليه صورة الصلاة باطلة؛ لأنه متلبس بشيء منهي عنه. والقول الثاني: أن الصلاة صحيحة مع الإثم؛ لأن الصلاة اجتمع فيها شيء، فله ثواب الصلاة، وعليه إثم الغضب إذا صلى في دار مغصوبة نقول: لك ثواب الصلاة، وعليك إثم الغصب صل في ثوب حرير لك ثواب الصلاة، وعليك إثم الحرير صل في ثوب فيه صورة لك ثواب الصلاة، وعليك إثم الصورة. واضح هذا. لكن لو كان النهي متعلقا بذات المنهي عنه، كما لو صلى في ثوب نجس، هل تصح الصلاة؟ لا تصح الصلاة؛ لأن الصلاة منهي عنها بالثوب النجس؛ لأنه يشترط لصحة الصلاة أن يكون الثوب طاهرا، والبقعة طاهرة، والجسم طاهرا، فإذا تلبست بالنجاسة ما صحت الصلاة؛ لأن هذا يتعلق بذات المنهي عنه، والصلاة منهي عنها إذا كان الإنسان متلبس بنجاسة.

طيب: ننظر في مسألتنا صلى خلف الفاسق، الذين قالوا لا تصح الصلاة خلفه قالوا؛ لأنه لم ينكر المنكر عليه. صلى عليه أقره على المنكر، والقول الثاني: يقولون: صحيح أقره على المنكر لكن إنكار المنكر ما يتعلق بالصلاة، يجب عليه إنكار المنكر في الصلاة وخارج الصلاة، فنقول له ثواب الصلاة، وعليه إثم ترك المنكر هذه القاعدة مفيدة، فمثلا الصلاة خلف الفاسق هل تصح أو لا تصح؟ الصواب أنها تصح خلف الفاسق لك ثواب الصلاة، وعليك إثم ترك إنكار المنكر، إذا كنت تستطيع واضح هذا كذلك لو صليت في ثوب فيه صورة، أو صليت في ثوب حرير، أو ما أشبه ذلك، وعلى هذا، فتكون إذا صلى الإنسان خلف الفاسق، فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم. بعض أهل العلم يقولون لا تصح، الحنابلة يقولون، يقول صاحب الروض المربع: لا تصح الصلاة خلف الفاسق مطلقا، سواء كان فسقه من جهة الأفعال، أو الاعتقاد إلا في جمعة، وعيد تعذرا خلف غيره لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (لا تؤمن امرأة رجلا، ولا أعرابي مهاجرا، ولا فاجر مؤمنا، إلا أن يقهره بسلطان، يخاف سوطه) كما لا تصح خلف كافر سواء علم بكفره في الصلاة، أو بعد الفراغ منها، وتصح خلف المخالف في الفروع. قال صاحب الحاشية -العنقري رحمه الله-: ولا تصح الصلاة خلف فاسق أي مطلقا، واختار الموفق والمجد اختصاص البطلان بظاهر الفسق، وقال في الفروع لا تصح إمامة فاسق مطلقا وفاقا لمالك، وعنه تكره، وتصح وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، كما تصح مع فسق المأموم، ومنه تعلم اتفاق العلماء على الكراهة، وإنما الخلاف في الصحة. واضح هذا. وبهذا يتبين أن الصواب في هذه المسألة: صحة الصلاة خلف الفاسق مع الإثم في ترك إنكار المنكر، إذا كنت تستطيع ذلك أما إذا لم يوجد إلا هذا الإمام؛ فإنك تصلي خلفه، ولا كراهة باتفاق أهل السنة، ومن صلى وحده، وترك الصلاة خلف الفاسق في هذه الحالة، فهو مبتدع مخالف لأهل السنة والجماعة، يصلي وحده، ولا يصلي خلفه أما إذا وجد جماعة أخرى، ولا يترتب على هذا مفسدة، فهذا هو محل الخلاف والأئمة أقسام: مثلا الإمام مستور الحال. وهو الذي لا يعلم منه بدعة وفجور، فالصلاة خلفه جائزة بالاتفاق، الصلاة خلف مستور الحال جائزة باتفاق الأئمة، ويجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة، ولا فسقا، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال الصلاة، خلف المبتدع الداعي إلى بدعته، والفاسق ظاهر الفسق من العلماء من فصل: فقال: إذا كان يدعوا إلى بدعته، فلا يصلى خلفه، وإذا كان لا يدعو صلى خلفه، وكذلك الفاسق إذا صار ظاهر الفسق، فلا يصلى خلفه، وإذا لم يكن ظاهر الفسق يصلى خلفه، والصواب أن الصلاة خلفه صحيحة بشرط أن تكون البدعة لا توصله إلى الكفر، وبشرط أن يكون الفسق ما يوصله إلى الكفر. أما إذا كان الإمام كافرا، فلا تصح الصلاة خلفه بالاتفاق كالقبوري، الذي يدعو غير الله، ويذبح للأولياء، أو يطوف بالقبور، أو ينذر هذا لا تصح الصلاة خلفه بالإجماع، وإذا صلى خلفه؛ فإنه يعيد الصلاة، إذا كان الإمام كافر ما تصح هذا. يوجد الآن إذا خرجت من المملكة تجد أئمة كفره، إمام يدعو غير الله إمام يدعو الأولياء، يطلب المدد، يذبح للقبور هذا كافر لا تصح الصلاة خلفه، مشرك لا تصح الصلاة خلفه بالإجماع، سواء علمت كفره في حال الصلاة، أو قبلها، أو بعدها، وإذا علمت؛ فإنك تعيد الصلاة ولو بعد مائة سنة، ما تصح الصلاة هذا الإمام الكافر أما إذا كانت بدعته وفسقه لا يوصله إلى الكفر، فهذا محل الخلاف. والصواب أن الصلاة خلفه صحيحة لحديث البخاري (يصلون لكم؛ فإن أصابوا، فلكم ولهم، وإن أخطئوا، فلكم وعليهم) وهناك أحاديث ضعيفة -أيضا- مقوية حديث.. (صلوا خلف كل بر وفاجر) وحديث (الصلاة واجبة عليكم مع كل أمير برا كان، أو فاجرا، وإن عمل بالكبائر) (الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان، أو فاجرا، وإن عمل بالكبائر) (صلوا خلف من قال لا إله إلا الله) (وصلوا على من مات من لا إله إلا الله) هذه أحاديث ضعيفة، لكن العمدة على صحيح البخاري. كذلك الآثار عن الصحابة في صحيح البخاري، أن عبد الله بن عمر كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف، وكذلك أنس بن مالك والحجاج كان فاسقا ظالما، وكذلك عبد الله بن مسعود وغيره يصلون خلف عقبة بن أبي معيط، وأيضا من المعنى أن الفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صلاة صحيحة، ومن صحت صلاته صحت الصلاة خلفه؛ ولأن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح، وتكميلها، وتعطيل المفاسد، وتقليلها بحسب الإمكان، فإذا لم يمكن صرف الإمام الفاسق، أو المبتدع عن الإمامة إلا بشر أعظم من ضرر ما أظهر من منكر، فلا يجوز شرعا دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمها.

وأما الصلاة على من مات من الفسقة والفجار، كذلك الصواب أنه يصلى خلفهم، وما جاء من الآثار، وما جاء من النصوص في ترك الصلاة على بعض الفساق كقاتل نفسه وقاطع الطريق والغال، ومن عليه دين، فهذا إنما يترك الصلاة خلفه الأعيان والوجهاء والعلماء، لا يصلون خلفه ردعا للأحياء حتى لا يفعلوا مثل ذلك، وأما عامة الناس؛ فإنهم يصلون عليه، وكذلك الشهيد الصواب أنه لا يصلى على الشهيد؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دفن شهداء أحد بدمائهم وثيابهم ولم يصل عليهم، هذا هو الصواب الشهيد لا يصلى عليه يدفن بثيابه ودمائه، ولا يصلى عليه؛ لأن شهادته عند الله؛ لأن الشهيد له أجر عظيم ولأنه يأمن الفتنة، جاء في الحديث (كفي ببارقة السيف على وجهه فتنة) ويأمن من الفتان، يأمن من فتنة القبر، ولا يصلى عليه لكن ما عداه؛ فإنه يصلى على كل مسلم إلا إذا علم أنه كافر، أو علم أنه نفاق منافق نفاق أكبر هذا لا يصلى عليه، إلا إذا لم يعلم؛ فإنه يصلى خلفه أما ما جاء من النصوص من أنه لا يصلى خلف بعض المبتدعة، فهذا لا يصلي عليه الأعيان، ووجهاء الناس زجرا وردعا للأحياء، حتى لا يفعلوا مثل فعله، ولكن لا يصلي عليه عامة الناس. نعم.

قوله: ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم

ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم

قوله: ولا نشهد عليهم بكفر، ولا بشرك، ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى

ولا نشهد عليهم بكفر، ولا بشرك، ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى

قوله: ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلا من وجب عليه السيف

ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلا من وجب عليه السيف

قوله: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمرنا، وإن جاروا. ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة

ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمرنا، وإن جاروا. ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة.

هذا قيد لكل دليل عام يأمر بطاعة ولي الأمر، إذا أمر بمعصية ولي الأمر، بأن تشرب الخمر، ما تطيعه لكن لا تخرج عليه، ولا تؤلب الناس عليه، ولا تنزع يدا من طاعته لكن لا تطيعه في هذه المعصية، أمرك بالتعامل بالربا لا تطيعه أمرك بأن تقتل نفسا معصية لا تطيعه، الأمير أمرك بالمعصية لا تطيعه، والدك إذا أمرك بمعصية لا تطيعه، الزوجة إذا أمرها زوجها بمعصية لا تطيعه، العبد إذا أمره سيده بالمعصية لا يطيعه لا أحد يطاع في معصية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) لكن كونك لا تطيع ولي الأمر في معصية، ليس معنى ذلك أنك تتمرد عليه، وأنك تخرج عليه، وأنك تؤلب الناس عليه لا المعنى أنك لا تطيعه في هذه المعصية، لكن ما عداها تسمع له، وتطيع كذلك الولد لا يتمرد على أبيه لكن إذا أمره بالمعصية لا يطيعه في المعصية، وما عداها يطيعه، الزوجة لا تتمرد على زوجها لكن إذا أمرها بالمعصية لا تطيعه، لكن تطيعه فيما عدا ذلك، العبد لا يتمرد على سيده، لكن إذا أمره بالمعصية لا يطيعه، لكن يطيعه فيما عدا ذلك. واضح. هذا ما أحد يطاع في المعاصي، المعاصي لا أحد يطاع فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وقال -عليه الصلاة والسلام- (إنما الطاعة في المعروف) وثبت في صحيح البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية، وأمر عليها رجلا من الأنصار، فلما كان في بعض الطريق أغضبوه، أغضبوا أميرهم، فقال لهم: اجمعوا حطبا، فجمعوا حطبا، ثم قال: أججوها نارا، فأججوها نارا، ثم قال ادخلوا فيها، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: أسلمنا، وجئنا إلى رسول الله خوفا من النار، فكيف ندخل في النار، فلم يدخلوا في النار، وتركوه حتى سكن غضبه، فلما وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه قال: لو دخلوا فيها، ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف) . هذا أمر بمعصية، قال: ادخلوا النار، هذه معصية لا يجوز لإنسان أن يحرق نفسه، (لو دخلوا فيها ما خرجوا منها) هذا وعيد (إنما الطاعة في المعروف) . ومن الأدلة حديث حذيفة الطويل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم، قلت: يا رسول الله، فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة، حتى يأتيك الموت، وأنت على ذلك) . ومن الأدلة حديث ابن عباس -رضي الله عنهما (من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة شبرا، فمات فميتته جاهلية) وفي رواية، (فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) هذا الحديث دليل على أن الخروج على ولاة الأمور من كبائر الذنوب، حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما) ومن أقوى الأدلة على أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور، حديث عوف بن مالك الأشجعي في صحيح مسلم، انتبهوا للحديث حديث عوف بن مالك الأشجعي في صحيح مسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (خيار أئمتكم الذين تحبونهم، ويحبونكم، وتصلون عليهم، ويصلون عليكم) . يعني: تدعون لهم، ويدعون لكم (وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم، ويلعنونكم، قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابزهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة) هذا صريح، والحديث دليل على أن ترك الصلاة كفر؛ لأنه قال: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) فمفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة، فهم كفار، يجوز الخروج عليهم، ثم قال (ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة) صريح بأنك إذا رأيت من ولاة الأمور شيئا تكرهه تكره المعصية، ولكن لا تخرج على ولاة الأمور. الحكمة من المنع من الخروج على ولاة الأمور، ولو فعلوا المعاصي، ولو فعلوا الكبائر، العلماء ذكروا هذه الحكمة، واستنبطوها من النصوص، وهذه الحكمة داخلة تحت قاعدة اجتماع المفاسد والمصالح، وأنه إذا القاعدة الشرعية، إذا وجد مفسدتان لا يمكن تركهما؛ فإننا نرتكب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى، وإذا وجد مصلحتان لا يمكن فعلهما نفعل المصلحة الكبرى، وندفع المصلحة الصغرى.

فمثلا يترتب على الخروج على ولاة الأمور مفاسد، من هذه المفاسد أنه تحصل الفوضى والفرقة والاختلاف والتناحر والتطاعن والتطاحن، وإراقة الدماء وانقسام الناس واختلاف قلوبهم وفشل المسلمين، وذهاب ريح الدولة، ويتربص بهم الأعداء الدوائر، ويتدخل الأعداء، وتحصل الفوضى واختلال الأمن، وإراقة الدماء، واختلال الحياة جميعا واختلال المعيشة، اختلال الحياة السياسية، اختلال الحياة الاقتصادية، اختلال الحياة التجارية، اختلال التعليم، اختلال الأمن تحصل الفوضى، وتأتي فتن تأتي على الأخضر واليابس، أمور عظيمة، هذه مفسدة عظيمة، أي هذه المفسدة، هي كون ولي الأمر فعل مفسدة، ظلم بعض الناس، أو سجن بعض الناس، أو شرب الخمر، أو ما وزع بعض المال، أو حصل منه فسق هذه مفسدة صغيرة نتحملها، يتحملها المسلم في أي مكان، وفي أي زمان، لكن الخروج عليه هذه مفاسد يترتب عليها فتن تأتي على الأخضر واليابس، فتن ما تنتهي. فالقاعدة قواعد الشريعة أتت بدرء المفاسد وجلب المصالح، وأتت بدرء المفاسد الكبرى وارتكاب المفاسد الصغرى، فكون الولي ولي الأمر حصل منه جور، أو ظلم، أو فسق هذه مفسدة صغرى لكن الخروج عليه يترتب على هذا مفاسد لا أول لها، ولا آخر واضح هذا وكذلك -أيضا- من الحكم أن ولاة الأمور إذا حصل منهم جور، فهذا نصبر عليهم، والصبر عليهم، فيه حقن لدماء المسلمين، ثم -أيضا- فيه تكفير للسيئات؛ لأن تسليط ولاة الأمور على الناس بسبب ظلم الناس، وبسبب فساد أعمالهم وكما تكونوا يولى عليكم، فإذا أراد الناس أن يدفع عنهم فساد ولاة الأمور، وأن يصلح الله لهم ولاة الأمور، فليصلحوا أحوالهم. ارجع إلى نفسك، أصلح نفسك تب إلى ربك، ولاة الأمور ما سلطوا عليك إلا بسبب معاصيك، كما قال -سبحانه وتعالى- فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة، وإصلاح العمل كما قال الله تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} وجور الولاة وظلم الولاة بسبب كسب الرعية، فإذا أراد الرعية أن يصلح الله لهم ولاة الأمور، فليصلحوا أحوالهم؛ وليتوبوا إلى ربهم، وقد قال الله عز وجل لخيار الخلق، وهم الصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء، قال الله لهم في غزوة أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} . لما حصلت النكسة والهزيمة على المسلمين في غزوة أحد، وقتل منهم سبعون قالوا كيف؟ يحصل هذا كيف يقتل من قال الله تعالى {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} في بدر أنتم في أحد قتل منكم سبعون، لكن في بدر أصبتم مثليها قتلتم سبعين وأسرتم سبعين {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} يعني: في أحد {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} في بدر {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} من أين جاءنا {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} من عند أنفسكم بسبب المعصية، التي حصلت من الرماة، لما أخلوا بالموقف، فإذا كان خيار الناس بعد الأنبياء يقال لهم {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} فكيف بنا الآن؟ ‍المصيبة التي حصلت على المسلمين في غزوة أحد يقول لهم الرب: {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} . فكذلك نحن إذا أصابتنا مصيبة من جور الولاة، من عند أنفسنا، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) } وجه الدلالة أن هذه الآية دلت على أن جور الولاة، بما كسبت أيدي الرعية، فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير، فليتركوا الظلم. وعن مالك بن دينار: أنه جاء في بعض كتب الله، أنا الله مالك الملك قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني، جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني، جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، لكن توبوا أعطفهم عليكم. فهذا المعنى صحيح، وإن كان إسرائيلي، وبعض الأئمة يقولون: له أصل، هذا الأثر، وعلى كل حال، فالخلاصة من هذا: أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور، مهما فعلوا من المعاصي والمنكرات، لكن النصيحة مبذولة من قبل أهل الحل والعقد، من قبل العلماء، هؤلاء ينصحون ولاة الأمور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أن الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم) لكن هذه المعصية، وهذا الجور لا يوجب الخروج بحال على الأئمة؛ لأن الخروج عليهم؛ لأنه من فعل أهل البدع من عقيدة أهل البدع من الروافض والخوارج والمعتزلة، فلا يجوز للمسلم أن يوافق الخوارج في معتقدهم، ولا أن يشابههم في أفعالهم. قال العلماء، ولا يجوز الخروج على ولي الأمر إلا بشرطين:

الشرط الأول: أن يقع منه كفر بواح، ومعنى كفر بواح يعني كفر واضح، لا لبس فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر (إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان) موصوف بثلاثة أوصاف: كفر بواح عندكم من الله فيه برهان. إذا كان المسألة فيها لبس أو فيها شك أو فيه اختلاف، لا يجوز الخروج لا بد أن يكون كفر، واضح صريح، لا لبس فيه عندكم من الله فيه برهان، هذا الشرط الأول أن يفعل ولي الأمر كفرا بواحا صريحا واضحا عندنا من الله فيه برهان. الشرط الثاني: أن يوجد البديل بأن يستطيع المسلمون أن يزيلوا ولي الأمر الكافر، ويولوا بدلا منه مسلما صالحا، أما إذا كان مثلا يزال كافر، ويؤتى بدله بكافر ما حصل المقصود، وكذلك -أيضا- بشرط القدرة يكون عندك قدرة على الخروج، أما إذا كان ما عندك قدرة، إذا خرجت تقتل، فلا حاجة إلى الخروج وكذلك إذا كان ما هناك ما يوجد بديل مثل الثورات الآن، ومثل الجمهوريات يحصل انقلاب من دولة كافرة، ويأتي دولة كافرة ما حصل المقصود، واضح هذا. إذن لا يجوز الخروج على ولي الأمر المسلم بحال من الأحوال، ولو فعل الكبائر والمنكرات، لكن النصيحة مبذولة والدعاء له، يدعى له كما سمعنا إن دعونا بالسنة يدعى لهم بالصلاح والمعافاة، ادعوا لولاة الأمور بالصلاح والمعافاة، ولا يجوز خلعهم بحال إلا إذا كفر كفرا بواحا صريحا عندنا من الله فيه برهان، ووجدت القدرة ووجد البديل المسلم البديل، أما إذا لم يوجد قدرة، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ما عند الناس قدرة على الخروج، تصبر حتى ولو كان كافرا، وتطالب بحقك، ولو كانت الدولة كافرة، والشرط الثاني: أن يوجد البديل المسلم أما إذا كان يزال كافر، ويؤتي بدله كافر ما حصل المقصود، ونحن والحمد لله قد وفق الله هذه البلاد لولاة مسلمين تحكم بشرع الله، وهذا من نعم الله علينا، وعلى هذه البلاد، فنسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والإسلام، وأن يوفق الله ولاة أمورنا لكل خير وصلاح، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، وأن يعيذهم من شرور أنفسهم، ومن سيئات أعمالهم، وأن يرزقنا جميعا النصح لهم والدعاء لهم، ومحبة الخير لهم، إنه على كل شيء قدير. نعم. ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمرنا، وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم. هذا معتقد أهل السنة والجماعة، لا نرى الخروج على الأئمة، وإن جاروا يعني: وإن ظلموا، ولا ننزع يدا من طاعتهم ما ننزع يدا من طاعتهم لا بالقول، ولا بالفعل، ما نؤلب الناس عليهم، ولا نتكلم في المنابر نقول للناس: كذا أو فعل ولاة الأمور كذا، أو اخرجوا عليهم؛ لأن هذا من أسباب الخروج، لما تكلم الثوار الذين انتقدوا أمير المؤمنين عثمان، تكلموا قالوا: إنه حصل كذا وحصل كذا وقرب أولياءه، وأتم الصلاة في السفر، وخفض صوته في التكبير وأخذ الزكاة على …… وصاروا ينشروا المعايب أمام الناس، تجمع السفهاء في الكوفة وفي البصرة وفي مصر، وجاءوا وأحاطوا ببيته وقتلوه بسبب الكلام، وتأليب الناس، فلا يجوز الخروج لا بالقول، ولا بالفعل لا بقتالهم بالسيف، ولا بالكلام، وتأليب الناس للخروج عليهم، بل ندعوا لهم بالصلاح والمعافاة، وندعوا لهم بصلاح البطانة. والنصيحة مبذولة من قبل أهل الحل والعقد، ويخاطب ولاة الأمور بما يليق بهم من الخطاب، هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة. نعم.

قوله: ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية

ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية

قوله: وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة

وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة

قوله: ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة

ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة

والواجب على المسلم عند اختلاف الأمة، الواجب عليه: لزوم جماعة المسلمين، والدليل على هذا حديث حذيفة الطويل، وفيه تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم وحديث العرباض بن سارية؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نصحه عند اختلاف الأمة بالتزام سنته وسنة الخلفاء الراشدين، حيث قال العرباض بن سارية - رضي الله عنه - (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع -لأنها حارة خالصة، ولها أثر في النفس- فماذا تعهد إلينا، فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة؛ فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة) . وهو دليل الوجوب اتباع السنة في قوله: (عليكم بسنتي) ولزوم الجماعة في قوله: (أوصيكم بالسمع والطاعة) وللتحذير من الشذوذ في قوله: (وإياكم ومحدثات الأمور) . نعم.

قوله: ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغص أهل الجور والخيانة

ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغص أهل الجور والخيانة

قوله: ونقول: "الله أعلم" فيما اشتبه علينا علمه

ونقول: "الله أعلم" فيما اشتبه علينا علمه

قوله: ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في الأثر

ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في الأثر

الجواب الأول: قالوا: نحمل قراءة الجر على المسح على الخفين، ونحمل قراءة النصب على غسل الرجلين مكشوفتين؛ لأن القراءة مع القراءة كالآية مع الآية، قالوا عندنا قراءتان قراءة النصب {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} قراءة النصب محمولة على غسل الرجلين المكشوفتين، وقراءة الجر {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} محمولة على المسح على الرجلين المستورتين بالخف، أو الجورب فعلى هذا قراءة النصب محمولة على غسل الرجلين المكشوفتين، وقراءة الجر محمولة على المسح على الخفين. الجواب الثاني: التوسع في لفظ امسحوا؛ فإن لفظ امسحوا في اللغة العربية يشمل المسح، ويشمل الغسل، ومعنى امسحوا المسح: يطلق على الغسل، يطلق على الإسالة والإفاضة وصب الماء، ويطلق على المسح كما تقول العرب: تمسحت للصلاة، تمسحت: يعني توضأت بالماء، فالمسح يطلق ويراد به الصب والإفاضة، ويطلق، ويراد به المسح، فنقول: إن كلمة امسحوا في اللغة العربية يشمل الأمرين، فنقول: امسحوا برءوسكم إصابة إصابة، وامسحوا بأرجلكم إسالة، وإفاضة، وكلمة امسحوا في اللغة العربية شاملة للأمرينن، كما تقول العرب تمسحت للصلاة؛ لأن امسحوا: المسح في اللغة العربية يطلق على الغسل، ويطلق على المسح الخاص، فالمعنى امسحوا برءوسكم إصابة بإمرار اليدين على العضو مبلولة بالماء، وامسحوا برءوسكم إسالة وصبا للماء، الرافضة ماذا أجابوا على قراءة النصب؟ الرافضة قالوا: نجيب على قراءة النصب {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} قالوا: أرجلكم معطوفة على محل برءوسكم؛ لأن رءوسكم محلها النصب إذا نزعت الخافض، الأصل {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} فإذا حذفت الباء صارت وامسحوا رءوسكم، قال الرافضة: نقول: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} معطوفة على محل رءوسكم، والمعطوف على المنصوب منصوب. أجاب أهل السنة: بأن العطف على المحل لا يجوز إلا إذا لم يتغير المعنى، وهنا يتغير المعنى، لا يجوز لغة العطف على المحل، شرطه أن لا يتغير المعنى إذا اختل المعنى، فلا يجوز، وهنا يختل المعنى إذا حذفت الباء تغير المعنى؛ لأن الباء تفيد معنى زائدا على المسح، وهو إمرار اليد على العضو مبلولة بالماء؛ لأن الباء للإلصاق، والمعنى ألصق بيدك شيئا من الماء، ثم امسح به الرأس، فإذا حذفت الباء وقلت: امسحوا رءوسكم دلت على أنك تمسح الرأس بدون ماء، وهذا يغير المعنى، وإذن، فلا يصح. أما لو كان لا يتغير المعنى، فيصح، ومثال ذلك قول الشاعر: فلسنا بالجبال ولا الحديدا ***................... الباء زائدة هنا يجوز أن تعطف على المحل، وتذكر المعنى، فلسنا الجبال، ولا الحديدان لكن الباء في الآية الكريمة ليست زائدة، بل هي تفيد معنى زائدا، وهو الإلصاق، وهو أن تلصق شيئا من الماء بيدك، فتمرها على الرأس، فإذا حذفت الباء تغير المعنى، وصار المعنى إمرار يدك على الرأس بدون ماء، وبهذا يبطل دعوى الرافضة. والرافضة يقولون: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} يقولون: المراد بالكعبين في كل رجل كعب واحد، وهو العظم الذي هو مجتمع الساق والقدم في ظاهر القدم، وأما أهل السنة فيقولون في كل رجل كعبان، وهما العظمان الناتئان من جانب القدم، كل رجل كعبان، لو نظرت إلى رجليك الآن تجد عظمين ناتئين من اليمين، ومن الشمال العظمان الناتئان، هما الكعبان، الرافضة أنكروا أن يكون في كل رجل كعبان. قالوا: ليس في كل رجل إلا كعب واحد، ما هو هو هذا العظم الذي بين مجتمع الساق والقدم، وهو عظم خفي ليس بارزا، لكن قال العلماء هذا غلط ليس في كل رجل كعب، بل في كل رجل كعبان بدليل القاعدة المعروفة اللغوية التي تقول: مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحادا. معنى هذه القاعدة مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحادا، المرافق قال الله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} قابل الجمع بالجمع، أيدي جمع والمرافق جمع، فقابل الجمع بالجمع، فالقسمة تقتضي آحادا تقتضي أن لكل يد مرفق، قابل الجمع بالجمع، أيديكم إلى المرافق، المرافق مجموعة، والأيدي مجموعة. عند القسمة: كل يد لها مرفق، لكن هل قال في الرجلين، وأرجلكم إلى الكعاب، أو قال إلى الكعبين؟ إلى الكعبين. لو كان في كل رجل كعب كما تقول الرافضة لقال الله وأرجلكم إلى الكعاب؛ لأن مقابلة القسمة بالقسمة تقتضي آحادا، فلما قابل الله الجمع بالتثنية، دل على أنه في كل رجل كعبان، وفي كل يد مرفق. واضح هذا؟. وبهذا يبطل مذهب الرافضة في القول في وجوب مسح ظهور القدمين، وعدم وجوب المسح على الخفين، والصواب ما عليه أهل الحق من أن الرجلين تغسلان، إذا كانتا مكشوفتين؛ فإن كانتا مستورتين بجورب، أو بالخف؛ فإنه يمسح عليهما إذا وجدت الشروط. نعم.

قوله: والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء، ولا ينقضهما

والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء، ولا ينقضهما

ثم أيضا الله تعالى قد عاب في كتابه من يدعو، ولا يستجاب له دعاؤه، فقال: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) } ومن دعا، ومن خاطب معدوما كانت حالته أسوأ من حال من خاطب موجودا، وإن كان جمادا، فمن دعاء المنتظر الذي لم يخلقه الله، كان ضلاله أعظم من ضلال هولاء الذين يعبدون الأصنام؛ لأن الذين يعبدون الأصنام يشاهدون أمامهم، وأيضا تدخل الشياطين، وتخاطبهم، وتجيب بعض الطلبات، فهم منتفعون، لكن الذي يخاطب معدوما لا ينتفع لا دنيا، ولا دين، ثم أيضا هذا المهدي المنتظر الذي يدعون إليه لا سبيل إلى معرفته، ولا معرفة ما يأمر به، وما ينهى عنه، فإن كان أحدهم لا يصير سعيدا إلا بطاعة هذا الذي لا يعرف أمره، ولا نهيه لزم أن لا يتمكن أحد من طريق النجاة والسعادة وطاعة الله، وهذا من أعظم تكليف ما لا يطاق، وهم من أعظم الناس إحالة له، وإن قيل إذا خرج؛ فإنه يأمر بما عليه الإمامية إذا لا حاجة إلى وجوده، ولا شهوده؛ فإن هذا معروف سواء كان حيا، أو ميتا، وسواء كان شاهدا، أو غائبا. وإذا كان معرفة ما أمر الله به الخلق ممكنا، بدون هذا الإمام المنتظر علم أنه لا حاجة إليه، ولا يتوقف عليه طاعة الله، ولا نجاة أحد، ولا سعادته، وحينئذ يمتنع القول بجواز إمامة مثل هذا، فضلا عن القول بوجوبه، وهذا أمر بين لمن تدبره، ولكن الرافضة من أجهل الناس. نعم.

قوله: ونؤمن بالكرام الكاتبين؛ فإن الله قد جعلهم علينا حافظين

ونؤمن بالكرام الكاتبين؛ فإن الله قد جعلهم علينا حافظين

قوله: ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين

ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين

ومن الأدلة -أيضا- قول الله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) } وفيه ثلاثة أدلة: أحدها: وصفها بالرجوع. الثاني: وصفها بالدخول. الثالث: وصفها بالرضى. فهذه ثلاثة عشر دليلا، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) ففيه دليلان: أحدهما: وصفه بأنه يقبض. الثاني: أن البصر يراه، وهذا شأن الجسم. ثانيا: قوله صلى الله عليه وسلم (نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة) فيه دليلان: أحدهما: كونه طائرا. الثاني: تعلقها بشجر الجنة وأكلها. ثالثا: قوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث بلال: (قبض أرواحكم، ثم ردها عليكم) ففيه دليلان: وصفها بالقبض والرد. ومن الأدلة: ما ثبت في عذاب القبر من خطاب ملك الموت لها، وأنها تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، وأنها تصعد، ويوجد منها من المؤمن كأطيب ريح، ومن الكافر كأنتن ريح، وأما الإجماع، فقد علم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد علم بالضرورة من أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء به وأخبر به الأمة، وأنه تنبت أجسادهم في القبور، فإذا نفخ في الصور، رجعت كل روح إلى جسدها، فدخلت فيه، فانشقت الأرض عنه، فخرج من قبره، ومن أدلة هذا الإجماع الحديث والآثار الدالة على عذاب القبر، ونعيمه إلى يوم البعث، ومعلوم أن الجسد يتلاشى، ويضمحل، وهذا من أدلة العقل. الأحاديث والآثار الدالة على عذاب القبر، ونعيمه إلى يوم البعث، فمعلوم أن الجسد يتلاشى، ويضمحل، وأن العذاب والنعيم مستمران إلى يوم القيامة، إنما هو على الروح، وكذلك من أدلة العقل أن هذا البدن المشاهد محل لجميع صفات النفس، وإدراكاتها الكلية والجزئية، ومحل للقدرة على الحركات الإرادية، فوجب أن يكون الحامل لتلك الإدراكات والصفات هو البدن، وما سكن فيه. وأما دليل الفطرة: فإن كل عاقل إذا قيل له ما الإنسان فإنه يشير إلى هذه البنية، وما قام بها لا يخطر بباله أمر مغاير لها مجرد ليس في العالم، ولا خارجه والعلم بذلك ضروري لا يكون شكا. ومن مباحث الروح: هل النفس، أو الروح شيء واحد، أو شيئان متغايران؟ اختلف الناس في مسمى النفس والروح هل هما مغايران، أو مسماهما واحد؟ فمن الناس من قال إنهما اثنان لمسمى واحد، وهذا قول الجمهور، ومن الناس من قال إنهما متغايران، والتحقيق أن كلا من النفس والروح تطلق على أمور، فيتحد مدلولهما تارة، ويختلف تارة، فالنفس تطلق على الروح، ولكن غالبا ما تسمى نفسا إذا كانت متصلة بالبدن، وأما إذا أخذت مجردة، فتسمية الروح أغلب عليها، وأما الروح فلا تطلق على البدن لا بانفراده، ولا مع النفس، والنفس تطلق على أمور. أولا: تطلق على الدم، فيقال: سالت نفسه أي دمه وفي الحديث (ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت، إذا مات فيه) . ثانيا: وتطلق على الروح يقال: خرجت نفسه، أي روحه، وتطلق على الجسد. قال الشاعر: نبئت أن بني تميم أدخلوا *** أبناءهم تامور نفس المنذر والتامور الدم، وتطلق النفس على العين يقال: أصابت فلانا نفس، أي عين. خامسا: وتطلق النفس على الذات بجملتها كقوله تعالى: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} وقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} وقوله: {تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} وقوله: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) } . والروح تطلق على أمور: تطلق الروح على القرآن كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} وتطلق الروح على جبريل كقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) } وتطلق الروح على الوحي، الذي يوحيه الله إلى أنبيائه ورسله، كقوله تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وتطلق الروح على الهواء المتردد في بدن الإنسان، وتطلق الروح على أخص من هذا كله، وهو داعي الطاعة وواعظ القلب، وهو قوة المعرفة بالله والإنابة إليه، ومحبته وانبعاث الهمة إلى طلبه، وإرادته، ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن، فالعلم روح، والإحسان روح، والمحبة روح، والتوكل روح، والصدق روح. والناس متفاوتون في هذه الروح، فمن الناس من تغلب عليه هذه الأرواح، فيصير روحيا، ومنهم من يفقدها، أو أكثرها، فيصير أرضيا بهيميا، وأما ما يؤيد الله به من القوة والثبات والنصر، فهي روح أخرى كما قال تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} فهذا معنى سادس، السابع: تطلق الروح على عيسى -عليه الصلاة والسلام- كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} الثامن: وكذلك القوى التي في البدن؛ فإنها -أيضا- تسمى أرواحا، فيقال: الروح الباسط، والروح السامع، والروح الشام.

والفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات، وإنما سمي الدم نفسا؛ لأن خروجه الذي يكون معه الموت يلازم خروج النفس، وإن الحياة لا تتم إلا به كما لا تتم إلا بالنفس، ويقال: فاضت نفسه، وخرجت نفسه، وفارقت نفسه كما يقال: خرجت روحه وفارقت روحه. ومن مباحث الروح: هل الروح قديمة، أو محدثة مخلوقة؟ في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنها قديمة غير مخلوقة. الثاني: أنها محدثة مخلوقة. الثالث: التوقف. فلا يقال إنها مخلوقة، ولا غير مخلوقة، استدل أهل القول الأول القائلون بأنها قديمة غير مخلوقة، احتجوا أن الله -سبحانه وتعالى-. أولا: أن الله تعالى أخبر أن الروح من أمر الله كقوله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} وأمره غير مخلوق وأجيب بأنه ليس المراد هنا بالأمر الطلب، الذي هو أحد أنواع الكلام، فيكون المراد أن الروح كلامه الذي يأمر به، فليس المراد به الأمر الكلامي حتى يكون قديما، وإنما المراد الأمر هنا المأمور، والمصدر يذكر، ويراد به اسم المفعول، وهذا معلوم مشهور، وهو عرف مستعمل في لغة العرب، وفي القرآن منه كثير كقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} أي مأموره الذي قدره وقضاه، وقال له: كن فيكون. الدليل الثاني: أن الله أضاف الروح إليه كقوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} كما أضاف إليه علمه وقدرته وسمعه وبصره ويده، فكما أن هذه الصفات ليست مخلوقة، فكذلك الروح. وأجيب بأن المضاف إلى الله -سبحانه- نوعان: صفات لا تقوم بأنفسها: كالعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، فهذه إضافة الصفة إلى الموصوف بها، فعلمه وكلامه وقدرته وإرادته وحياته صفات له غير مخلوقة، والثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح، فهذه إضافة المخلوق إلى خالقه، والمصنوع إلى صانعه، لكنها إضافة تقتضي تخصيصا، وتشريفا يتميز به المضاف عن غيره. أما أهل القول الثاني القائلون بأن الروح مخلوقة محدثة، فهذا هو الصواب، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة والأثر، وهو الذي ذهب إليه الصحابة والتابعون. ومن أدلة هذا القول: الإجماع: فقد أجمعت الرسل على أن الروح محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة، وهذا معلوم بالضرورة من دينهم، أن العالم محدث، وأجمع عليه السلف من الصحابة والتابعين، قبل قول هذه الفئة إنها قديمة حتى نبغت هذه النابغة، وزعمت أنها قديمة، وممن نقل الإجماع على ذلك محمد بن نصر المروزي وابن قتيبة وغيرهم. الدليل الثاني من الكتاب: قول الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ووجه الدلالة: أن هذا اللفظ عام لا تخصيص فيه بوجه ما، فيدخل في عمومه الروح، ولا يدخل في ذلك صفات الله؛ فإنها داخلة في مسمى اسمه، فالله تعالى هو الإله الموصوف بصفات الكمال بذاته وصفاته. ثانيا: قوله تعالى، الدليل الثاني من الكتاب قول الله تعالى لزكريا: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) } ووجه الدلالة: أن هذا الخطاب لزكريا -عليه الصلاة والسلام- لروحه وبدنه ليس لبدنه، فقط؛ فإن البدن وحده لا يفهم، ولا يخاطب، ولا يعقل، وإنما الذي يفهم، ويعقل، ويخاطب هو الروح. الدليل الثالث: قول الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) } ووجه الدلالة: أن الإنسان اسم لروحه وجسده. الدليل الرابع: قوله -عليه الصلاة والسلام- (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) ووجه الدلالة: أن الجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة. الدليل العقلي: هذه الأدلة من الكتاب، ومن السنة. الدليل الثالث: عقلي مأخوذ من الشرع، وهو أن الروح توصف بالوفاة والقبض والإمساك والإرسال، وهذا شأن المخلوق المحدث المربوط. أما أهل القول الثالث القائلون بالتوقف، توقف قوم فقالوا: لا نقول الروح مخلوقة، ولا غير مخلوقة، وهؤلاء لم يتبين لهم معاني النصوص، ولم يفهموها ولو تدبروها، وعرفوا معانيها، لظهر لهم أنها مخلوقة محدثة مربوبة. ومن مباحث الروح: هل الروح مخلوقة قبل الجسد، أم بعده؟ اختلف في الروح هل هي مخلوقة قبل الجسد أم بعده؟ هذه مسألة للناس فيها قولان معروفان، حكاهما شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وغيره. والقول الأول: أن الأرواح متقدم خلقها على خلق البدن، وممن ذهب إلى ذلك محمد بن نصر المروزي، وأبو محمد ابن حزم، وحكاه ابن حزم إجماعا. ومن أدلة هؤلاء -أولا- قول الله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} ووجه الدلالة: أن ثم للترتيب والمهلة، ودلت الآية على أن خلقنا مقدم على أمر الله للملائكة بالسجود لآدم، ومعلوم قطعا أن أبداننا حادثة بعد ذلك، فعلم أنها الأرواح.

ثانيا: استدلوا بقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ووجه الدلالة: أن هذا الاستنطاق والإشهاد، إنما كان لأرواحنا إذ لم تكن الأبدان حينئذ موجودة، كما يؤيد ذلك الأحاديث الكثيرة التي تدل على أخذ الميثاق والإشهاد عليه، مما يدل على أن الله جعلهم أرواحا، ثم صورهم واستنطقهم، فتكلموا، فأخذ عليهم العهد والميثاق. القول الثاني: إن الأرواح تأخر خلقها عن الأجساد، واستدل هؤلاء بما يأتي -أولا- قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} . ووجه الدلالة: أن هذا الخطاب للإنسان الذي هو روح وبدن، فدل على أن جبلته مخلوقة بعد خلق الأبوين. ثانيا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} . وجه الدلالة: أن الآية صريحة في أن جملة النوع الإنساني أبدانا وأرواحا بعد خلق أصله، وهذا الدليل أصح من سابقه، وهذا القول الثاني هذا، هو الصواب أن الأرواح مخلوقة بعد الأجسام. وأما أدلة الأولين القائلين بأن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد: أما استدلالهم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} فإن الله -سبحانه وتعالى- رتب الأمر بالسجود لآدم على خلقنا وتصويرنا، المراد خلق أبينا آدم، وتصويره، وجه الخطاب لنا؛ لأن آدم -عليه الصلاة والسلام- هو أصل البشر، ونظيره قول الله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ} خطاب لليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والمظلل عليه آباؤهم؛ لأن الأبناء لهم حكم الآباء. وأما استدلالهم بآية الميثاق {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية، فيجاب عنه بأن الآية لا تدل على خلق الأرواح قبل الأجساد خلقا مستقرا، وإنما غايتها أن تدل على إخراج صورهم وأمثالهم في صور الذر واستنطاقهم، ثم ردهم إلى أصلهم والذي صح إنما، هو إثبات القدر السابق، وتقسيمهم إلى شقي وسعيد. وأما الآثار المذكورة، فلا تدل -أيضا- على سبق الأرواح الأجساد سبقا مستقرا ثابتا، وغايتها أن تدل بعد صحتها وثبوتها على أن بارئها وفاطرها -سبحانه وتعالى- صور النسم وقدر خلقها وآجالها وأعمالها، واستخرج تلك الصور من مادتها، ثم أعادها إليها، وقدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له، ولا تدل على أنها خلقت خلقا مستقرا، ثم استمرت موجودة حية عالمة ناطقة كلها في موضع واحد، ثم ترسل منها إلى الأبدان جملة بعد جملة، كما قال ابن حزم نعم يجيء جملة بعد جملة على الوجه الذي سبق إليه التقدير أولا، فيجيء خلق الخارج مطابقا للتقدير السابق. ومن مباحث الروح: هل تموت الروح؟ أم الموت للبدن وحده؟ اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: تموت الروح، وتذوق الموت، واستدلوا بما يأتي: أولا: قول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائقة الْمَوْتِ} والروح نفس، فلا بد أن تذوق الموت. ثانيا: قول الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) } وقوله سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} قد دلت الآيتان على أنه لا يبقى إلا الله وحده، وهذا يدل على أن الروح تموت. ثالثا: قالوا إذا كانت الملائكة تموت، فالنفوس البشرية أولى بالموت، وهذا الدليل العقلي. رابعا: استدلوا بقول الله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} وقوله -تعالى- عن أهل النار أنهم قالوا: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} وجه الدلالة: الموتة الأولى هذه المشهودة، وهي للبدن والأخرى للروح. خامسا: قول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} وهذا يدل على أن الأرواح تصعق عند النفخ، ويلزم من ذلك موتها. القول الثاني: إن الأرواح لا تموت، وإنما تموت الأبدان، واستدلوا بما يأتي: أولا: أن الأرواح خُلقت للبقاء، فلا تموت. ثانيا: الحديث الدال على نعيم الروح وعذابها، بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها، ولو ماتت الأرواح، لانقطع عنها النعيم والعذاب كحديث، (إن مثل روح المؤمن الطائر، يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعها الله إلى جسده، يوم يبعثه) وحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - وفيه قصة العبد الكافر، أنها تنتزع روحه نزعا شديدا، أو تخرج منها ريح خبيثة، وتطرح روحه إلى أرض الطرحات.

والصواب في المسألة أن يقال: موت النفوس، هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر كان هذا إيقاف الموت، وإن أريد أنها تعدم، وتفنى بالكلية، وتضمحل، وتصير عدما محضا، فهي لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم، أو عذاب، ويرجح هذا، ويدل له أنه -سبحانه- أخبر أن أهل الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وتلك الموتة هي مفارقة الأرواح للأجسام. والنصوص الدالة على بقائها تحمل على بقائها منفصلة عن الجسد، وبهذا تجتمع الأدلة، ولا تختلف. وأما استدلال الأولين على موت الروح بقوله -تعالى- حكاية عن أهل النار أنهم قالوا: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} وقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) } فالمراد أنهم كانوا أمواتا، وهم نطف في أصلاب آبائهم، وفي أرحام أمهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم، ثم يحيهم يوم النشور، وليس في إماتة أرواحهم يوم القيامة، وإلا كانت ثلاث موتات. وأما استدلالهم بآية الصعق، وهي قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية، فيجاب عن استدلالهم بأن صعق الأرواح عند النفخ في الصور، لا يلزم من موتها، وأن الناس يصعقون يوم القيامة إذا جاء الله لفصل القضاء، وأشرقت الأرض بنوره، وليس ذلك بموت، وكذلك صعق موسى -عليه الصلاة والسلام- ولم يكن موتا، والذي تدل عليه الآية أن نفخة الصعق موت، كل مَن لم يذق الموت قبلها من الخلائق، وأما مَن ذاق الموت، أو لم يكتب عليه الموت من الحور والولدان وغيرهم، فلا تدل الآية على أنه يموت موتة ثانية. ومن مباحث الروح: تعلقها بالبدن، وأنواع تعلقها بالبدن: الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق، تتغاير في الأحكام، أي الخواص والآثار التي للبدن بسب هذا التعلق. أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينا، ويتعلق بهذا التعلق أحكام، وهو أنه ينمو الجنين، ويتحرك، ويحس، ولا يتنفس. الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض، ومن أحكام هذا التعلق أنه يرضع، ويسمع الصوت، ويبصر، ويتكلم. الثالث: تعلقها به في حال النوم، فلها به تعلق من وجه، ومفارقه من وجه، ومن أحكام هذا التعلق، أنه يكتشف شيئا لا يراه في وقت اليقظة. الرابع: تعلقها به في البرزخ، وهو ما بين الحياتين، حياة الدنيا وحياة الآخرة، فإنها وإن فارقته، وتجردت عنه إلا أنها لم تفارقه فراقا كليًّا، بحيث لا يبقى لها أيه التفات البتة، فإنه وإن ورد ردها إليه وقت سلام المسلم، وورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، إلا أن هذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن، قبل يوم القيامة، فهي حياة خاصة بين حياتين حياتي الدنيا والآخرة. ومن أحكام هذا التعلق: أنه يتهيأ له سماع خاص كسماع الملائكة، ويرى شيئا من الحقائق كان جاهلا بها، ولا يراها الحي كرؤيته المكان في الجنة أو النار. الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد: وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه، بل هي ضعيفة، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتا، ولا نوما، ولا فسادا، إذن ما هو آخره الموت. ومن أحكام هذا التعلق الصلاحية للبقاء الأبدي. ثانيا: التمتع بنعيم الجنة، أو التألم بعذاب النار. ومن الأحكام التي تتعلق بالروح: مبحث مستقر الأرواح ما بين الموت إلى قيام الساعة. اختلف في مستقر الأرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة، هل هي في السماء أم في الأرض، وهل هي في الجنة أم لا، وهل توضع في أجساد غير أجسادها التي كانت فيها فتنعم، وتعذب فيها أم تكون مجردة؟ فقيل: أرواح المؤمنين في الجنة على تفاوت درجاتهم في عليين، أو أقل، وأرواح الكفار في النار على تفاوت دركاتهم في الدرك الأسفل، أو بعده. وهذا أرجح الأقوال وأولاها وأصحها، وهو الذي دلت عليه النصوص، قوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) } فإنه قسم الأرواح إلى ثلاثة أقسام، وهذا ذكره -سبحانه- عقب ذكر خروج الروح من البدن بالموت، وقوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) } الآيات.

قال غير واحد من الصحابة والتابعين: هذا يقال لها عند خروجها من الدنيا، يبشرها ملك بذلك، وحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن الملك يقول لها: عند قبضها: (أبشري بروح وريحان) وهذا من ريحان الجنة، أو يقول لها: (اخرجي إلى سخط من الله وغضب) وحديث (إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة) هذا إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة، ولا دين، وتلقاهم ربهم بالعفوعنهم والرحمة بهم، هذا أصح الأقوال. وهناك أقوال كثيرة أخرى. قيل: إن أرواحهم بفناء الجنة على بابها. وقيل: على أفنية قبورهم. وقيل: إن الأرواح مرسلة. وقيل: إن أرواح المؤمنين عند الله فقط، ولا مزيد. وقيل: أرواح المؤمنين بالجابية من دمشق، وروح الكافر ببراغوت بئر بحضرموت. وقيل: أرواح المؤمنين في عليين في السماء السابعة، وأرواح الكفار في سجين في الأرض السابعة. وقيل: أرواح المؤمنين ببئر زمزم، وأرواح الكفار ببئر براغوت. وقيل: أرواح المؤمنين عن يمين آدم، وأرواح الكفار عن شماله. وقال ابن حزم: واستقروا من حيث كانت قبل خلق أجسادها. وقال أبو عمر بن عبد البر: أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورهم. وهذه الأقوال كلها تخمين لا دليل، والصواب القول الأول، وهو أن أرواح المؤمنين في الجنة على تفاوت فيما بينهم، وأرواح الكفار في النار على تفاوت، ولها صلة بالجسد. وقالت فرقة: مستقرها العدم المحض أي تفنى بفناء الأجسام، وهذا قول من يقول إن النفس عرض من أعراض البدن كحياته وإدراكه، وهذا قول فاسد مخالف للكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين، وهو أن الأرواح تعدم بموت البدن، كما تعدم سائر الأعراض المشروطة بحياته، وقالت فرقة: مستقرها بعد الموت أبدان أخر سبب أخلاقها وصفاتها، التي اكتسبتها في حال حياتها، فتصير كل روح إلى بدن حيوان يشاكل تلك الروح، فتصير النفس السبعية إلى أبدان السباع، والكلبية إلى أبدان الكلاب، والبهيمية إلى أبدان البهائم، والدنية والصهرية إلى أبدان الحشرات. وهذا قول التناسخية: طائفة يسمون التناسخية منكري المعاد، وهذا أخبث الأقوال والآراء، وهو كفر والعياذ بالله، وهو قول خارج عن أقوال أهل الإسلام كلها، والصواب كما سبق أن أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في النار. والذي تلخص من النصوص: أن الأرواح في البرزخ متفاوتة أعظم التفاوت، فمنها: أولا: فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- وهم متفاوتون في منازلهم، ومنها أرواح بعض الشهداء لا كلهم؛ لأن من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة بدين عليه، كما في المسند عن عبد الله بن جحش، (أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما لي إن قتلت في سبيل الله؟ قال: الجنة، فلما ولى قال: إلا الدَّيْن سارني به جبريل آنفا) . ومن الأرواح من يكون محبوسا على أبواب الجنة، كما في الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (رأيت صاحبكم محبوسا على باب الجنة) ومنهم من يكون محبوسا في قبره، ومنهم من يكون في الأرض، ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه، وتلقم الحجارة كل هذا تشهد له السنة، والله أعلم. ومن المباحث مباحث النفس هل الأمارة واللوامة والمطمئنة نفس واحدة أم هي ثلاثة أنفس وقع في كلام كثير من الناس أن لابن آدم ثلاثة أنفس نفس مطمئنة ونفس لوامى ونفس أمارة وأن منهم من تغلب عليه تغلب عليه الأخرى ويحتجون على ذلك بالآيات الثلاث قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) } وقول الله: {أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) } وقوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} والتحقيق أنها نفس واحدة ولكن لها صفات وتسمى باعتبار كل صفة باسم فهي أمارة بالسوء لأنها دفعته إلى السيئة وحملته عليها فإذا عرضها الإيمان صارت لوامة تفعل الذنب ثم تلوم صاحبها وتلومه بين الفعل والترك فإذا قوي الإيمان ارت مطمئنة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن) وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) . ومن مباحث الروح في مسمى الإنسان: هل هو الروح، أو البدن، أو مجموعهما للناس في مسمى الإنسان، هل هو الروح، أو البدن، أو مجموعهما. للناس في مسمى الإنسان أربعة أقوال: هل هو الروح، أو للبدن فقط أو مجموعها، أو كل واحد منها، والذي عليه جمهور العقلاء أن الإنسان، هو البدن والروح معا، وقد يطلق اسمه على أحدهما دون الآخر بقرينة. وكذلك اختلفوا في كلام الإنسان على أربعة أقوال: هل هو اللفظ فقط، أو المعنى فقط، أو مجموعهما، أو كل واحد منهما، والصواب أن مسمى الكلام اللفظ، والمعنى معا.

ومن مباحث الروح: تتلاقى الأرواح، تلاقي أرواح الموتي، هل تتلاقى أرواح الموتى، وتتزاور، وتتذاكر، وتتلاقى؟ أرواح الأحياء والأموات أيضا؟ جواب هذه المسألة: أن الأرواح قسمان: أرواح معذبة، وأرواح منعمة، فالمعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي، والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى، وتتزاور، وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي، هو على مثل عملها، فروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى، والدليل على تزاورها، وتلاقيها قول الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) } وهذه المعية ثابتة في الدنيا، وفي دار البرزخ، وفي دار الجزاء، والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاث. وقد أخبر الله عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، وأنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وهذا يدل على تلاقيهم، وأما تلاقي أرواح الأحياء وأرواح الأموات، فشواهد هذه المسألة وأدلتها أكثر من أن تحصر، والحس والواقع شاهد بذلك، وتلتقي أرواح الأحياء والأموات كما تلتقي أرواح الأحياء، قال الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في هذه الآية قال: بلغني أن أرواح الأحياء والأموات، تلتقي في المنام، فيتساءلون بينهم، فيمسك الله أرواح الموتى، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها، ويدل على ذلك -أيضا- أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره، ويخبره الميت بما لا يعلم الحي، فيصادف خبره كما أخبر في الماضي والمستقبل، وربما أخبره بمال دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه، وربما أخبره بدَيْن عليه، هذا معنى ما ذكره العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتاب "الروح". ومن مباحث الروح، تميز الأرواح عن بعضها: بأي شيء تتميز الأرواح بعضها من بعض بعد مفارقتها الأبدان، إذا تجردت حتى تتعارف، وتتلاقى متى تتعارف، وتتلاقى، وهل تتشكل إذا تجردت بشكل بدنها الذي كانت فيه، وتلبس صورته أم كيف حالها؟ ويمكن جواب هذه المسألة: لا يمكن جواب هذه المسألة إلا على أصول أهل السنة، التي تظاهرت عليها أدلة الكتاب والسنة والآثار والاعتبار والعقل، وهو القول بأنها ذات قائمة بنفسها تصعد، وتنزل، وتتصل، وتنفصل، وتخرج، وتذهب، وتجيء، وتتحرك، وتسكن وعلى هذا أكثر من مائة دليل كما قال تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} وقال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي} وقال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) } فأخبر أنه سوى النفس كما أخبر أنه سوى البدن في قوله: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} فهو سبحانة سوى نفس الإنسان، كما سوى بدنه، بل سوى بدنه كالقالب لنفسه، وتسوية البدن تابع لتسوية النفس والبدن موضوع له كالقالب لما هو موضوع له، ومن ها هنا يعلم أن النفس تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها، فإنها تتأثر، وتنتقل عن البدن كما يتأثر البدن، وينتقل عنها، فيكتسب البدن الطيب والخبث من طيب النفس وخبثها. وتكتسب النفس الطيب والخبث من طيب البدن وخبثه، فأشد الأشياء ارتباطا، وتناسبا، وتفاعلا، وتأثرا من أحدهما بالآخر الروح والبدن؛ ولهذا يقال لها: اخرجي أيتها النفس الطيبة -إن كانت في الجسد الطيب- واخرجي أيتها النفس الخبيثة -إن كانت في الجسد الخبيث- والأعراض دري حالها، ولا تمسك، ولا تنقل من يد إلى يد، وإذا كان هذا شأن الأرواح، فكما يجوزها بعد المفارقة، يكون أظهر من تميز الأبدان والاشتباه بينهما أبعد من اشتباه الأبدان، فإن الأبدان تشتبه كثيرا، وأما الأرواح، فقلما تشتبه، وإذا كانت الأرواح العلوية، وهم الملائكة يتميز بعضهم عن بعض من غير أجسام تحملهم، وكذلك الجن، فتميز الأرواح البشرية أولى. هذا معني ما ذكره العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتاب "الروح". نعم وأيضا هذا من أنفع البحوث، تتعلق بالروح بحوث كثيرة تتعلق بالروح وحقيقة الروح وحقيقة النفس والأقوال في هذا، والصواب في هذا، وكذلك -أيضا- تعلقات الروح بالبدن وأقسامها، وأقسام النفس: مطمئنة ولوامة، وكذلك -أيضا- ما يتعلق بالروح، هل تموت، أو لا تموت؟. بحوث طويلة ما نتمكن من الكلام عليها، لكن تؤجَّل فيما بعد. الإيمان بعذاب القبر وسؤال منكر ونكير وبعذاب القبر لمن كان له أهلا، وسؤال منكر ونكير، في قبره عن ربه ودينه ونبيه.

معتقد أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر، ونعيمه، وسؤال منكر، ونكير، وهذا من معتقد أهل السنة والجماعة، وهل النعيم والعذاب يكون على النفس وعلى الروح، أو على البدن، أو عليهما جميعا. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن هذه المسألة فقال: بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا، باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس، وتعذب منفردة عن البدن، وتنعم، وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون على الروح، هذا فيه قولان مشهوران لأهل الحديث والسنة وأهل الكلام. وفي المسألة أقوال شاذة، والقول الأول من يقول: إن النعيم والعذاب لا يكون إلا على الروح، وأن البدن لا ينعم، ولا يعذب، وهذا قول الفلاسفة المنكرون لمعاد الأبدان، وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين، ويقوله كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم. والقول الثاني: إن العذاب والنعيم على البدن والروح جميعا، وهو قول أهل السنة والجماعة، وأنه تعذب الروح منفردة، وتعذب الروح متصلة بالبدن، فالروح إما في نعيم، أو في عذاب؛ لأن روح المؤمن إذا ما فقدت إلى الجنة، ولها صلة بالبدن فالروح باقية إما في نعيم، أو في عذاب، والبدن له ما قدر له من العذاب والنعيم، والروح لها صلة بالبدن، لكن الأحكام على الروح أكثر، كما أن الأحكام في دار الدنيا على البدن أكثر، فالدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار الآخرة، وكل دار لها أحكام، دار الدنيا التي نحن فيها الأحكام على البدن أكثر من الروح، فإذا تنعم الإنسان، أو تعذب تكون على البدن أكثر. دار البرزخ بالعكس، وهي دار البرزخ من الموت إلى قيام الساعة، الأحكام على الروح أكثر، النعيم والعذاب على الروح أكثر، والبدن يناله ما قدر له، وفي دار الجزاء بعد البعث، يكون النعيم والعذاب للبدن والروح على حد سواء، كل من البدن والروح يأخذ حقه، وما فيه يأخذ قسطه وافيا من النعيم، أو العذاب، والمباحث في هذا طويلة. نعم.

قوله: وبعذاب القبر لمن كان له أهلا، وسؤال منكر، ونكير في قبره عن ربه ودينه، ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم، وعن الصحابة رضوان الله عليهم

وبعذاب القبر لمن كان له أهلا، وسؤال منكر، ونكير في قبره عن ربه ودينه، ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم، وعن الصحابة رضوان الله عليهم

وأما مَن يقول بعذاب القبر، ويقر بالقيامة، ويثبت معاد الأبدان والأرواح، فلهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنه على الروح فقط، ويقول بهذا كثير من المعتزلة وغيرهم من أهل الكلام، وهو اختيار ابن حزم وطوائف من المسلمين من أهل الحديث وأهل الكلام. الثاني: أنه عليها وعلى البدن بواسطتها. الثالث: أنه على البدن فقط. أما مذهب سلف الأمة وأئمتها: فإن الميت إذا مات يكون في نعيم، أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقي بعد مفارقة البدن منعمة، أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا، ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقام الناس من قبورهم لرب العالمين، ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى، فمن أنكر معاد الأبدان، فهو كافر بإجماع المسلمين، وبنص القرآن، واستدل أهل السنة وسلف الأمة على أن النعيم والعذاب، يحصل لروح الميت وبدنه بأدلة استدلوا بالكتاب والسنة، أما الكتاب: أولا: قول الله تعالى: {وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) } ووجه الاستدلال أن الله أخبر في أول الآية، أنهم يعرضون على النار غدوا وعشيا، ثم قال في الختام: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) } فدل على أن العرض السابق إنما هو في القبر قبل يوم القيامة، وهذا يدل على إثبات عذاب القبر. ثانيا: قول الله تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) } ووجه الدلالة: أن قوله: {عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} يحتمل أن يراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيان وأن يراد به عذابهم في البرزخ، وهو أظهر؛ لأن كثيرا منهم مات، ولم يعذب في الدنيا، أو أن المراد أعم من ذلك، فيشمل مجموع الأمرين عذابهم في الدنيا أو في البرزخ، وعلى كل حال، ففيه إثبات عذاب القبر. وأما السنة: فقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر، ونعيمه لمن كان لذلك أهلا، تواترت معنى لا لفظا، وهو يفيد اليقين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا يتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوفا على كيفيته، ومن هذه الأدلة: أولا: حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما- وفيه (أعوذ بالله من عذاب القبر) وفيه في قصة العبد المؤمن، فيقول: (أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء) وفيه (فينادي مناد من السماء، أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها) وفيه قصة العبد الكافر فيقول: (أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتتفرق في جسده فينتزعها، كما ينتزع السَّفُّود من الصوف المبلول) وفيه (فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها) . وذهب إلى موجب هذا الحديث جميع أهل السنة، والحديث له شواهد من الصحيح منها: ما ذكره البخاري -رحمه الله- عن سعيد عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم) إلى قوله: (فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقول: له انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا) . قال قتادة: وروي لنا أنه (يفسح له في قبره) وهذا هو الحديث الثاني. الثالث: ما في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم (مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر، فكان يمشي بالنميمة، فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين، وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) وروي عنه ... رابعا: ففي صحيح أبي حاتم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قبر أحدكم أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر، والآخر النكير..) الحديث. خامسا: وفي صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمه هذا الدعاء كما يعلمه السورة من القرآن: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) . أما المنكرون لعذاب القبر، ونعيمه، فلهم شبه:

تعلق المنكرون لعذاب القبر، ونعيمه، وسعته، وضيقه، وكونه حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، وكون الميت يجلس، ويقعد فيه، هؤلاء الذين أنكروا عذاب القبر، ونعيمه من الملاحدة والزنادقة، ومن تبعهم من أهل الكلام كالمعتزلة، تعلقوا بشبه عقلية، حكموا فيها عقولهم قاسوا فيها الغائب على الشاهد، وقاسوا أحوال الآخرة على أحوال الدنيا، فقالوا: إننا نكشف القبر، فلا نجد فيه ملائكة عميا صما يضربون الموتى بمطارق من حديد، ولا نجد هناك حيات، ولا ثعابين، ولا نيرانا تتأجج، ولو كشفناه في حالة من الأحوال، لوجدناه لم يتغير، ولو وضعنا على عينيه الزئبق، وعلى صدره الخردل لوجدناه على حاله، وكيف يفسح مد بصره، أو يضيق عليه، ونحن نجده بحاله، ونجد مساحته على حد ما حفرنا، فلم يزد ولم ينقص، وكيف يتسع ذلك اللحد الضيق له وللملائكة؟ والصورة التي تؤنسه، أو توحشه؟ وقال أهل البدع والضلال من المعتزلة وغيرهم: كل حديث يخالف مقتضى العقول والحس، يقطع بتخطئة قائلة. قالوا: ونحن نرى المصلوب على خشبة مدة طويلة لا يسأل، ولا يجيب، ولا يتحرك، ولا يتوقد جسمه نارا، ومن افترسته السباع، ونهشته الطيور، وتفرقت أجزاؤه في أجواف السباع وحواصل الطيور وبطون الحيتان، ومدارج الرياح، كيف تسأل أجزاؤه مع تفرقها؟ وكيف يتصور مسألة الملكين لمن هذا وصفه؟ وكيف يصير القبر على هذا روضة من رياض الجنة؟ أو حفرة من حفر النار؟ وكيف يضيق عليه حتى تلتئم أضلاعه. والجواب عن هذه الشبه من وجوه: أولا: أن الرسل لم يخبروا بما تخيلته العقول، وتقطع باستحالته، ولكن الرسل يخبرون بما تحار به العقول، فإن أخبارهم قسمان: أحدهما: ما تشهد به العقول والفطر، والثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها كالغيوب التي أخبروا بها، عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر، وتفاصيل الثواب والعقاب. ثانيا: أن الله -سبحانه وتعالى- جعل الدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وجعل لكل دار أحكاما تختص بها، وركب هذا الإنسان من بدن، ونفس، وجعل أحكام دار الدنيا على الأبدان والأرواح تبع لها، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبع لها، فإذا جاء يوم الحشر وقيام الناس من قبورهم صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعا. ثالثا: أن الله -سبحانه وتعالى- جعل أمر الآخرة، وما كان متصلا بها غيبا وحجبها عن إدراك المكلفين في هذه الدار، وذلك من كمال حكمته؛ وليتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم، وهب أن النار التي في القبر والخضرة، ليست من نار الدنيا، ولا من زرع الدنيا، فيشاهده من شاهد نار الدنيا وخضرتها، وإنما هي من نار الآخرة وخضرتها، وهي أشد من نار الدنيا، فلا يحس به أهل الدنيا، فإن الله -سبحانه- يحمي عليه ذلك التراب والحجارة التي عليه، وتحته حتى يكون أعظم حرًّا من جمر الدنيا، ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بذلك، بل أعجب من هذا أن الرجلين يدفنان أحدهما إلى جنب الآخر، وهذا في حفرة من حفر النار لا يصل حرها إلى جاره، وذلك الثاني في روضة من رياض الجنة، لا يصل روحها، ونعيمها إلى جاره. خامسا: أن الله -سبحانه وتعالى- يحدث في هذه الدار ما هو أبلغ من ذلك، فقد أرانا الله فيها من عجائب قدرته ما هو أبلغ من هذا بكثير، من ذلك: أولا: جبريل -عليه الصلاة والسلام- كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويتمثل له رجلا، ويكلمه بكلام يسمعه، ومن إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم لا يراه، ولا يسمعه، وكذلك غيره من الأنبياء. ثانيا: الجن موجودون، ولا نراهم، ويتحدثون، ويتكلمون بالأصوات المرتفعة بيننا، ونحن لا نسمعهم. ثالثا: الملائكة تضرب الكفار بالسياط، وتضرب رقابهم، وتصيح بهم، والمسلمون معهم لا يرونهم، ولا يسمعونهم،.. كلامهم في غزوة بدر وغيرها. رابعا: النخل والحنظل كل منهما يشرب من ماء واحد، ويختلف الطلع، كذلك -أيضا- مما وقع في العصر الحاضر الكهرباء،، تكهرب مَن على الأرض، ولا تكهرب من على الخشب، فهذه كلها أمور أراد الله إياها في الدنيا. وطريقة المعتزلة في النصوص، إما أن يخطئوها من ناحية السند، أو يؤولوها من جهة المتن، كما قالوا في حديث البراء بن عازب قالوا: إنه آحاد فلا يحتج به في مسألة العقائد.

والجواب: أن هذه الشبه مبنية على قياس الفارق، وهو قياس الغائب على الشاهد، وقياس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا، وهذا ليس بصحيح، وهو خوض في أمر الغيب، فأحوال الآخرة مجهولة لنا، وأحوال الدنيا معلومة لنا، فكيف يقاس مجهول على معلوم؟ وكيف يقاس الغائب على الشاهد؟ فإن الله لا يقاس بخلقه، وسر المسألة أن هذه السعة والضيق والإضاءة والخضرة والنار، التي في القبر ليست من جنس المعهود في هذا العالم، وعود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير المألوفة في الدنيا، والله -سبحانه وتعالى- إنما أشهد بني آدم ما كان فيها، ومنها فأما ما كان من أمر الآخرة، فقد أسبل عليه الغطاء؛ ليكون الإقرار به والإيمان سببا لسعادتهم، فإذا كشف عنهم الغطاء، صار عيانا مشاهدة. ويجاب عن طعن المعتزلة في حديث البراء، بأنه يقال بأنه، وإن كان آحادا، فله شواهد يرتقي بها، ويقال: إن الأخبار تواترت معنى لا لفظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر، ونعيمه لمن كان لذلك أهلا، وتفيد اليقين، فتصلح للاحتجاج بها في العقائد، بل إنه إذا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يحتج به في العقائد وغيرها، ولو كان خبر آحاد، وتقسيم الأخبار إلى قسمين: خبر آحاد، لا يحتج به في العقائد، وخبر متواتر يحتج به في العقائد هذا إنما ابتدعه أهل البدع من المعتزلة وغيرهم. والحكمة في عدم اطلاع الثقلين على ما يحصل للمقبور في قبره: قال العلماء: الحكمة في ذلك هي أن الله - تعالى- لو أطلع عباده على ما يحدث للمقبور في قبره، لزالت حكمة التكليف والإيمان بالغيب، ولما تدافن الناس كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله، أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع) ولما كانت الحكمة منتفية في حق البهائم سمعته وأدركته؛ ولأن الناس لا يطيقون رؤيتها وسماعها، والعبد أضعف بصرا وسمعا من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر، وكثير ممن أشهده الله ذلك صعق وأغشي عليه، ولم ينتفع بالعيش زمنا، وبعضهم كشف قناع قلبه، فمات. الأسباب التي.. في عذاب القبر التي يعذب بها أصحاب القبور: الأسباب نوعان: نوع مجمَل، ونوع مفصَّل: أما المجمل: فإن الميت، فإن أهل القبور المعذبين، إنما يعذبون على جهلهم بالله -تعالى- وإضاعتهم لأمره وارتكابهم لمعاصيه، فلا يعذب الله روحا عرفته، وأحبته، وامتثلت أمره، واجتنبت نهيه، ولا بد إن كانت فيه أبدا، فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة، أثر سخط الله على عبده،، ومن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار، ثم لم يتب، فمات على ذلك كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، ومستقل، ومستكثر، ومصدق، ومكذب. وأما السبب المفصَّل: فهي كما ورد في النصوص، أن النميمة وعدم الاستبراء من البول، وأكل لحوم الناس، ومن صلى صلاة بغير طهور، ومن مر على مظلوم فلم ينصره، ومن كذب الكذبة، فتبلغ الآفاق، ومن يقرأ القرآن، وينام عنه بالليل، ولا يعمل به بالنهار، ومن تتثاقل رءوسهم عن الصلاة، ومن لا يؤدي زكاة ماله والزاني، ومن يقوم في الفتن بالكلام والخطب، والغلول من الغنيمة، وأكل الربا، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجلين اللذين رآهما يعذبان في قبورهما، يمشي أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراء من البول، فهذا ترك الطهارة الواجبة، وذلك ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس بلسانه، وإن كان صادقا، وفي هذا تنبيه على أن الموقع بينهم العداوة بالكذب والزور والبهتان، أعظم عذابا، كما أن في ترك الاستبراء من البول تنبيها على أن من ترك الصلاة، التي الاستبراء من البول بعض واجباتها وشروطها، هو أشد عذابا وفي حديث شعبة (أما أحدهما، فكان يأكل لحوم الناس) فهذا مغتاب، وذلك نمَّام. وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي ضرب سوطا امتلأ القبر عليه نارا؛ لكونه صلى صلاة واحدة بغير طهور، ومرَّ على مظلوم فلم ينصره. وفي حديث سمرة في صحيح البخاري في تعذيب من يكذب الكذبة، فتبلغ الآفاق، وتعذيب من يقرأ القرآن، ثم ينام عنه بالليل، ولا يعمل به بالنهار، وتعذيب الزناة والزواني، وتعذيب آكل الربا كما شاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم في البرزخ. وفي حديث أبي هريرة، الذي فيه رضخ رءوس أقوام بالصخر؛ لتثاقل رءوسهم عن الصلاة، والذين يسرحون بين الضريع والزقوم؛ لتركهم زكاة أموالهم، والذين يأكلون اللحم المنتن الخبيث لزناهم، والذين تقرض شفاههم بمقاريض من حديد؛ لقيامهم في الفتن بالكلام والخطب. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الشملة، التي غلَّها من المغنم، أنها تشتعل عليه نارا في قبره، هذا وله فيها حق، فكيف بمن ظلم غيره ما لا حق له فيه، وبالجملة، فعذاب له فيه، فعذاب القبر عن معاصي القلب والعين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل والبدن كله. الأسباب المنجية من عذاب القبر: سببان: سبب مجمل، وسبب مفصَّل:

أما المجمل: فهو تجنب الأسباب التي تقتضي عذاب القبر، ومن أنفعها أن يجلس الرجل -عندما يريد النوم- لله ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحا بينه وبين الله فينام على تلك التوبة، ويعزم على أن لا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبل للعمل مسرورا بتأخير أجله، حتى يستقبل ربه، ويستدرك ما فاته، وليس للعبد أنفع من هذه النومة، ولا سيما إذا عقَّب ذلك بذكر الله واستعمال السنن، التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند النوم، حتى يغلبه النوم، فمن أراد الله به خيرا وفقه لذلك، ولا قوة إلا بالله. وأما السبب المفصل: فهو مما دلَّت عليه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ينجي من عذاب القبر، فمنها: أولا: ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات أجرى عليه عمله، الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتَّان) . ثانيا: في جامع الترمذي حديث فضاله بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر) . وثالثا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن رجلا قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في سورة الملك، هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر، ومنها ما في سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه: (مَن مات مقتولا، مات شهيدا، ووقي فتنة القبر) . ومن مباحث عذاب القبر ونعيمه: ما يتعلق بذلك السؤال في القبر من الملكيين: هل هو للروح أم ماذا؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: الأحاديث الصحيحة المتواترة، تدل على عود الروح إلى البدن وقت السؤال، وسؤال البدن بلا روح قول قاله طائفة من الناس، وأنكره الجمهور، وقابلهم آخرون، فقالوا: السؤال للروح بلا بدن، وهذا قاله بن مُرة وابن حزم، وكلاهما غلط، والأحاديث الصحيحة ترده، ولو كان ذلك على الروح فقط لم يكن للقبر بالروح اختصاص، وترجيح مذهب الجمهور أنه للروح والبدن، قالوا: قد كفانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر هذه المسألة وأغنانا عن أقوال الناس، حيث صرح بإعادة الروح إليه في أحاديث كثيرة: منها أولا: حديث البراء بن عازب، وفيه (فتعاد الروح في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، وعملت به، وصدقت) وفي قصة العبد الكافر، (فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيقولان له من ربك فيقول: هاها لا أدري، ويقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاها لا أدري..) الحديث، وذهب إلى القول بموجب هذا الحديث جميع أهل السنة، والحديث بسائر الطوائف، قال ابن منده -بعد سياق حديث البراء-: هذا حديث ثابت مشهور مستفيض، صححه جماعة من الحفاظ، ولا نعلم أحدًا من أئمة الحديث طعن فيه، بل رووه في الكتب، وتلقوه بالقبول، وجعلوه أصلا من أصول الدين في عذاب القبر، ونعيمه، ومسائلة، ومنكر، ونكير، وقبض الأرواح، وصعودها بين يدي الله، ثم رجوعها إلى القبر. ثانيا: ما ذكره البخاري عن سعيد عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم..) إلى قوله: (وأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقول له: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا) . ثالثا: وفي صحيح ابن أبي حاتم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قبر أحدكم، أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما منكر والآخر نكير..) الحديث. ومن مباحث السؤال في القبر: هل هو عام في حق المسلمين والمنافقين والكفار؟ أو يختص بالمسلم والمنافق؟

قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب "التمهيد": من الآثار الدالة، التي تدل على أن الفتنة في القبر، لا تكون إلا للمؤمن أو المنافق، أو كان منسوبا إلى أهل القبله، ودين الإسلام ظاهره بالشهادة، وأما الكافر الجاحد المبطل، فليس ممن يسأل عن ربه ودينه، ونبيه وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام، فيثبت الله الذين آمنوا، ويرتاب المبطلون، والقرآن والسنة يدلان على خلاف هذا القول، وأن السؤال للكافر والمسلم من ذلك قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) } . وفي الصحيحين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم) وذكر الحديث، زاد البخاري (وأما المنافق والكافر، فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت، ولا تليت، ويضرب بمطرقة من حديد، يصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين) هكذا في البخاري، (وأما المنافق والكافر) بالواو وفي حديث أبي سعيد الخدري: (كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دفن، وتولى عنه أصحابه جاءه ملك، وفي يده مطرقة، فأقعده، فقال له: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول له: صدقت، فيفتح له باب إلى النار، فيقول هذا منزلك لو كفرت بربك، وأما الكافر والمنافق، فيقال له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، فيقال: لا دريت، ولا اهتديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقول له: هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذا كفرت، فإن الله أبدلك به هذا، ثم يفتح له باب إلى النار) الحديث. وفي حديث البراء بن عازب الطويل (وأما الكافر إذا كان في قُبُل من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزل عليه الملائكة من السماء، معهم مسوح) وذكر الحديث إلى أن قال: (ثم تعاد روحه في جسده في قبره) وذكر الحديث، وفي بعض روايات حديث البراء: (وأما الفاجر) واسم الفاجر في عرف القرآن والسنة يتناول الكافر قطعا، وهذه الأدلة صريحة في أن السؤال للكافر والمنافق، كما رواه مسلم، وأما قول أبي عمر بن عبد البر -رحمه الله-: وأما الكافر الجاحد المنكر فليس ممن يسأل عن ربه ودينه، فيقال له ليس كذلك، بل هو من جملة المسئولين، وأولى بالسؤال من غيره، وقد أخبر الله في كتابه أنه يسأل الكافر يوم القيامة قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) } وقال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) } فإذا سئلوا يوم القيامة، فكيف لا يسألون في قبورهم. من المباحث في عذاب القبر - لأن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، ووجه تسميته برزخا.. ينبغي أن يُعلم أن عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ، ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَمِنْ ورائهم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) } وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة، وسمي عذاب القبر، ونعيمه، وأنه روضة، أو حفرة نار باعتبار غالب الخلق وعذاب القبر، يناله من هو مستحق له. هذا المبحث في أن عذاب القبر يناله من هو مستحق له قُبر أو لم يقبر، عذاب القبر، هو عذاب البرزخ، كل من مات، وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قُبر أو لم يقبر، فمن أكلته السباع، أو احترق حتى صار رمادا، ونشر في الهواء، أو صلب، أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور، وكذلك المصلوب، ومن أكلته الطيور لهم من عذاب البرزخ، ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله، حتى لو علق الميت على رءوس الأشجار في مهب الرياح لأصاب جسمه من عذاب البرزخ حظه، ونصيبه، ولو دفن الرجل الصالح في تابوت من النار لأصاب جسده من نعيم البرزخ وروحه نصيبه وحظه، فيجعل الله النار على هذا بردا وسلاما والهواء على ذلك نارا وسموما، فعناصر العالم، ومواده منقادة لربها وفاطرها وخالقها، يصرفها كيفما يشاء، ولا يستعصي عليه منها شيء أراده. وما ورد من إجلاسه واختلاف أضلاعه، ونحو ذلك، فهو حق، ويجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو، ولا تقصير، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمل، ولا يقصر به عن مراده ما قصده من الهدى والبيان، وكم حصل بإهمال ذلك، والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله، وسوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد، والله المستعان. ومن المباحث في عذاب القبر: هل هو دائم أو منقطع؟

والجواب: أنه نوعان: نوع دائم، وهو عذاب الكفار، ويدل عليه قول الله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) } . ثانيا: حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما- في قصة الكافر، (ثم يفتح له باب إلى النار، فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة) رواه الإمام أحمد، وفي بعض طرقه (ثم يخرق له خرقا إلى النار، فيأتيه من عذابها ودخانها إلى يوم القيامة) النوع الثاني: عذاب إلى مدة مؤقتة، وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه، ثم يخفف عنه كما يعذب في النار مدة، ثم يزول عنه العذاب،، ومنه.. وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء، أو صدقة، أو استغفار، أو سبب حج تصل إليه من أقاربه أو غيرهم، وهذا كما يشفع الشافع في المعذب في الدنيا، فيخلص من العذاب بشفاعته، لكن هذه شفاعة قد لا تكون بإذن المشفوع عنده، والله -سبحانه- لا يتقدم أحد بالشفاعة بين يديه إلا من بعد إذنه، فهو الذي يأمن للشافع أن يشفع، إذا أراد أن يرحم المشفوع له. ومن المباحث: في ضغطة القبر وضمته: وهل ينجو منها، ومن السؤال وفتنة القبر أحد؟ ورد في ضغطة وضمته لكل أحد، ورد أن ضغطة القبر وضمته لكل أحد، وكذلك السؤال والفتنة في القبر، جاءت النصوص بأن ضغطة القبر وضمته لكل أحد، وكذلك السؤال والفتنة في القبر، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للقبر ضغطة لو كان أحد منها ناجيا نجى سعد بن معاذ) . قال بعضهم: الفرق بين المسلم والكافر في ضمة القبر دوامها للكافر، وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله، إى قبره، ثم يعود الانفساح له فيه، والمراد بضغطة القبر ارتفاع جانبيه على جسد الميت، قال بعضهم: سبب هذه الضغطة أنه ما من أحد إلا، وقد ألم بخطيئة ما، وإن كان صالحا، فجعلت هذه الضغطة جزاء لها، ثم تدركه الرحمة؛ ولذلك ضغط سعد بن معاذ - رضي الله عنه - وأما الأنبياء فلا نعلم أن لهم في قبورهم ضمة، ولا سؤالا لعصمتهم؛ لأن السؤال عن الأنبياء، وما جاءوا به فكيف يسألون عن أنفسهم؟. وأما الحياة التي اختص بها الشهداء، وامتازوا بها عن غيرهم في قوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) } وقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) } هي أن الله تعالى جعل أرواحهم في أجواف طير خضر، كما في حديث عبد الله بن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما أصيب إخوانكم - يعني يوم أحد - جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، تلج أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب، مظللة في ظل العرش) الحديث رواه الإمام أحمد، وأبو داود وابن عوانة في حديث ابن مسعود، رواه مسلم، فإنه لما بذلوا أبدانهم لله عز وجل حتى أتلفها أعداء الدين، أعالهم عنها في البرزخ أبدانا خيرا منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من تنعم الأرواح المجردة عنها؛ ولهذا كان نسمة المؤمن في صورة طير، أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وتأمل لفظ الحديثين. ففي الموطأ أن كعب بن مالك يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه) فقوله: (نسمة المؤمن) يعم الشهيد وغيره، ثم خص الشهيد بأن قال: (هو في جوف طير خضر) ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير، صدق عليها أنها طير، فتدخل في عموم الحديث الآخر، وهو أنها طائر بهذا الاعتبار، فنصيبهم من النعيم في البرزخ أكبر من نصيب غيرهم في الأموات على فرشهم، وإن كان الميت أعلى درجة من كثير منهم، فللشهيد نعيم يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه، وحرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، كما روي في السنن. وأما الشهداء فقد شوهد منهم بعد مدد من دفنهم كما هو لم يتغير، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم حشره، ويحتمل أنه يبلى مع طول المدة، والله أعلم، وكأنه -والله أعلم- كلما كانت الشهادة أكمل، والشهيد أفضل، كان بقاء جسده أطول. وأما القول الفرق بين الميت على فراشه والشهيد: فالشهيد له خصوصية، وإن كان الميت أعلى درجة من كثير منهم كمحمد صلى الله عليه وسلم أعلى من الشهيد من ناحية النبوة، وحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم شهيد، فله امتياز غير ما يكون للنبي في ناحية، وإن كان أقل من نبيه، وإن كان أقل نبي أفضل من أي شهيد. ومن المباحث التي تتعلق بعذاب القبر: سؤال يردده بعض الناس، وهو ما الحكمة في كون عذاب القبر لم يذكر في القرآن، مع شدة الحاجة إلى معرفته والإيمان به؟ والجواب من وجهين: مجمل، ومفصل:

أما المجمل: فهو أن الله -سبحانه وتعالى- أنزل على رسوله وحيين، وأوجب على عباده الإيمان بهما والعمل بما فيهما، وهما الكتاب والحكمة، قال الله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ثم قال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} وقال {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} والكتاب، هو القرآن، والحكمة هي السنة باتفاق الشرع، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو في وجوب تصديقه والإيمان به، كما أخبر الله به في كتابه، هذا أصل متفق عليه بين أهل الإسلام لا ينكره إلا من ليس منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إني أوتيت الكتاب، ومثله معه) . وأما الجواب المفصل: فهو أن نعيم البرزخ وعذابه مذكوران في القرآن في غير موضع منها قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) } وهذا خطاب لنا عند الموت، وقد أخبرت الملائكة أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون، ومنها قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} إلى قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) } ومنها قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) } إلى قوله: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} . القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. نعم هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة أن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار فالمؤمن يكون روضة من رياض الجنة عليه، والكافر حفرة من حفر النار، نعوذ بالله، والعاصي بين بين على خطر. نعم.

قوله: ونؤمن بالبعث، وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض، والحساب، وقراءة الكتاب، والثواب، والعقاب، والصراط، والميزان

ونؤمن بالبعث، وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض، والحساب، وقراءة الكتاب، والثواب، والعقاب، والصراط، والميزان

ووجه التعارض: أن الآية تثبت جنس الحساب، والحديث يثبت هلاك من حوسب وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالحساب في الآية العرض، وفي الحديث المناقشة لا مطلق الحساب، كما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عذب، فقلت: أليس يقول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) } فقال: إنما ذلك العرض، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك) . وقراءة الكتاب أي صحف الأعمال: جمع صحيفة، وهي الكتب التي كتبتها الملائكة، وأحسن ما فعله الإنسان من سائر أعماله القولية والفعلية وغيرها، وإنما يؤتى بالصحف إلزاما للعباد، ودفعا للجدل والعناد، قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ كlجچّƒéعز وجلur لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) } قال العلماء: معنى: طائره، عمله، وفي الآية الأخرى {فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) } وهو القشر الذي يكون في شق النواة. بعد هذا ننتقل إلى مبحث البعث والمعاد: الإيمان بالمعاد مما يدل عليه الكتاب والسنة والعقل والفطرة السليمة، فهو حق واقع يجب الإيمان به والتصديق، ومن لم يؤمن بالبعث، فهو كافر بنص القرآن وبإجماع المسلمين، فأخبر الله -سبحانه وتعالى- عنه في كتابه العزيز، وأقام الدليل عليه، ورد على المنكرين في غالب سور القرآن، والقرآن بيَّن معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى، في غير موضع. قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: معاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى، وقال الجلال الديواني: هو بإجماع أهل الملل وشهادة نصوص القرآن، والنصوص: نصوص البعث أكثر من النصوص التي في الصفات والأسماء، فالكلام في البعث في القرآن أكثر من الكلام في الرب، وسبب ذلك كثرة الإنكار للبعث، وقلة الإنكار للرب، وذلك أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم متفقون على الإيمان بالله، فإن الإقرار بالرب عام في بني آدم، وهو فطري كلهم يقر بالرب فطرة إلا من عاند كفرعون، بخلاف الإيمان باليوم الآخر، فإن منكريه كثيرون. وزعم بعض الملاحدة أن أخبار البعث، ونصوصه من باب التخيير، ومنشأ هذا الزعم أن محمد صلى الله عليه وسلم لما كان خاتم الأنبياء وكان قد بعث، هو والساعة كهاتين، وكان هو الحاشر المقفي، أي أنه قفى النبيين، فجاء بعدهم فكان ختامهم، بين تفصيل الآخرة بيانا لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء، فإنها أجملت ولم تفصل فزاد محمد صلى الله عليه وسلم على الأنبياء في تفصيل المعاد مما يتصل بالسؤال والشفاعة والحساب ودرجات أهل الجنة ودركات أهل النار؛ فلمجيء محمد صلى الله عليه وسلم بالتفصيل، ومن سبقه بالإجمال ظن طائفة من المتفلسفة، ونحوهم أنه لم يفصح في معاد الأبدان إلا محمد صلى الله عليه وسلم وجعلوا هذا حجة لهم في أنه من باب التخيير والخطاب الجمهوري، أي الحجج التي ترضي الجمهور، وإن كانت غير واقعية. والقرآن بين معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في غير موضع، وهؤلاء الملاحدة ينكرون القيامة الكبرى، وينكرون معاد الأبدان، ويقولون إنه لم يخبر بذلك إلا محمد صلى الله عليه وسلم على طريق التخيير والرد عليهم أن زعمهم هذا كذب، فإن القيامة الكبرى هي معروفة عند الأنبياء من آدم إلى نوح إلى إبراهيم إلى موسى وعيسي، وغيرهم -عليهم الصلاة والسلام- من حين أهبط آدم قال تعالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) } والذي أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنواع: أقسام وإخبار وإنذار، فالأقسام كما في قوله عز وجل {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} وقوله سبحانه: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} وقال سبحانه: {* وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} .

فهذه ثلاث آيات أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم فيها على البعث، وأخبر الله -سبحانه وتعالى- عن اقترابها بقوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) } {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) } {سَأَلَ سائلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) } إلى قوله: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) } وذم الله المكذبين بالمعاد فقال: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45) } {أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) } {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) } {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} إلى أن قال: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) } {إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) } {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) } . وقد أخبر الله بأنه أرسل الرسل مبشرين، ومنذرين في آيات من القرآن، وأخبر عن أهل النار أنهم قال لهم خزنتها: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) } وهذا اعتراف من أصناف الكفرة الداخلين جهنم، أن الرسل أنذرتهم لقاء يومهم هذا، فجميع الرسل أنذروا بما أنذر به خاتمهم من عقوبات المذنبين في الدنيا والآخرة، فعامة سور القرآن التي فيها ذكر الوعد والوعيد، يذكر ذلك فيها في الدنيا وفي الآخرة. ومن شبه المنكرين للمعاد: الجهل بالله، وزعمهم عدم إعادة العظام والرفات خلقا جديدا، فقال تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) } والله -سبحانه وتعالى- يقرر المعاد بذكر كمال علمه وكمال قدرته وكمال حكمته، فإن شبه المنكرين للمعاد كلها تعود إلى ثلاثة أنواع: أحدها: اختلاط أجزاء بأجزاء الأرض على وجه لا يتميز، ولا يحصل معه تميز شخص عن شخص. الثاني: أن القدرة لا تتعلق بذلك. الثالث: أن ذلك أمر لا فائدة فيه، أو إنما الحكمة إنما اقتضت دوام هذا النوع الإنساني، شيئا بعد شيء هكذا، كلما مات جيل خلفه جيل آخر، فأما أن يميت النوع الإنساني كله، ثم يحييه بعد ذلك، فلا حكمة في ذلك. فجاءت براهين المعاد في القرآن مبنية على ثلاثة أصول: أحدها: تقدير الكمال، علم الرب -سبحانه- كما قال في جواب من قال: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) } وقال: {وَإِن السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) } وقال {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} . الثاني: تقدير كمال قدرته كقوله: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} وقوله: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) } وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) } ويجمع الله -سبحانه- بين الأمرين كما في قوله: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) } .

الثالث: كمال حكمته كقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) } وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} وقوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) } وقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ َ نجعلهم كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) } ولهذا كان الصواب أن المعاد معلوم بالعقل مع الشرع، وأن كمال الرب -تعالى- وكمال أسمائه وصفاته تقتضيه، وتوجبه، وأنه منزه عما يقوله المنكرون، كما ينزه كماله عن سائر العيوب والنقائص. والأدلة العقلية على البعث من القرآن الكريم: والاستدلال بالقرآن من ناحيتين: الأولى: الخبر من ناحية كونه صدر عن المعصوم. الثانية: من ناحية الاستدلال بالآيات الكونية على قدرة الله -تعالى-. ومن الأدلة العقلية على البعث قول الله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) } وقد افتتح -سبحانه- هذه الحجة بسؤال أورده ملحد بقوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) } فإن الله -سبحانه وتعالى- افتتح هذه الحجة بسؤال أورده ملحد في قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) } اقتضى جوابا، فأجيب بجوابين الأول قوله: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} وهذا يفي بالجواب. والثاني قوله: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) } ولهذا فإن الثاني تأكيد للحجة وزيادة تقريرها {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} فاحتج بالإبداء على الإعادة، وبالنشأة الأولى على النشأة الآخرة، إذ كل عاقل يعلم ضروريا أن من قدر على هذا، قدر على هذا، وأنه لو كان عاجزا عن الثاني لكان عن الأول أعجز وأعجز. ثم أكد هذه الحجة بالحجة الثانية والدليل الثاني، وهو رد على شبهة ثانية لملحد آخر يتضمن الدليل: وهو قوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) } فإن هذه الآية تتضمن شبهة أوردها ملحد يقول: العظام إذا صارت رميما عادت طبيعتها باردة يابسة، والحياة لا بد أن تكون مادتها وحاملها حارة رطبة، فأجاب الله -سبحانه وتعالى- بالدليل والجواب معا {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) } فأخبر -سبحانه- بإخراج هذا العنصر الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة، وهو النار من الشجر الأخضر الممتلئ بالرطوبة والبرودة، فالذي يخرج الشيء من ضده، وتنقاد له مواد المخلوقات وعناصرها، ولا تستعصي عليه، هو الذي يفعل ما أنكره الملحد ودفعه من إحياء العظام، وهي رميم. الدليل الثالث: الاستلال بالكبير على الصغير في قوله: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} فهذا فيه الدلالة من الشيء الأجل الأعظم على الأيسر الأصغر، فإن كل عاقل يعلم أن من قدر على العظيم الجليل، فهو على ما دون ذلك بكثير أقدر وأقدر، فمن قدر على حمل قنطار، فهو على حمل أوقية أشد اقتدارا. الدليل الرابع: أنه ليس فعله -سبحانه وتعالى- بمنزلة غيره الذي يفعل بالآلات، بل {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) } فهو -سبحانه وتعالى- يستقل بالفعل لا يحتاج إلى آلة، ومعين، بل يكفي في خلقه لما يريد أن يخلقه، ويكونه نفس إرادته، وقوله للمكون: كن، فإذا هو كائن كما شاءه وأراده.

الدليل الخامس: إخباره -سبحانه- بأن ملكوت كل شيء بيده، فيتصرف فيه بفعله وقوله؛ ولهذا قال -سبحانه-: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) } ختم -سبحانه- هذه الحجة بإخباره أن ملكوت كل شيء بيده، فيتصرف فيه بفعله وقوله. ومن الأدلة استنكار على من ينكر البعث ببيان كمال الحكمة في قوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) } ومثل ذلك الاحتجاج في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) } إلى أن قال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) } ومثله ذكر قصة أصحاب الكهف وكيف أبقاهم ثلاثمائة سنة شمسية، وثلاثمائة وتسع سنين قمرية وقال فيها: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَن وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) } . القائلون بأن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة، لهم في المعاد خبط واضطراب، وهم فيه على أقوال، هم فيه على قولين: القول الأول: من يقول تعدم الجواهر، ثم تعاد. والقول الثاني: من يقول تفرق الأجزاء، ثم تجتمع، فعرض عليهم الإنسان الذي يأكله حيوان، وذلك الحيوان أكله إنسان، فإن أعيدت تلك الأجزاء من هذا لم تعد من هذا، وأورد عليهم أن الإنسان يتحلل دائما، فما الذي يعاد أهو الذي كان قبل الموت، فإن قيل بذلك لزم أن يعاد على صورة ضعيفة، وهو خلاف ما جاءت به النصوص، وإن كان غير ذلك، فليس بعض الأبدان بأولى من بعض. فأجاب بعضهم: أجيب عن هذا بجوابين: الجواب الأول: أجاب بعضهم بأن الإنسان، فيه أجزاء أصلية لا تتحلل، ولا يكون فيها شيء من ذلك الحيوان الذي أكله الثاني، وهذا القول لعامة المسلمين، ويدخل فيه المعتزلة والأشعرية، وجميع فرق الإسلام يقولون: إن في الإنسان أجزاء أصلية لا تتحلل، ولا يكون فيها شيء من ذلك الحيوان، الذي أكله الثاني والعقلاء يعلمون أن بدن الإنسان نفسه كله يتحلل، وليس فيه شيء باق، فصار ما ذكروه في المعاد مما قوى شبهة المتفلسفة في إنكار المعاد. القول الثاني: الذي عليه السلف وجمهور العقلاء أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال، فتستحيل ترابا، ثم ينشؤها الله نشأة أخرى، كما استحال في النشأة الأولى، فإنه كان نطفة، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظاما، ولحما، ثم أنشأه الله خلقا سويا، كذلك الإعادة يعيده الله بعد أن يبلى كله إلا عجب الذنب، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق ابن آدم، وفيه يركب) وفي حديث آخر: (إن الأرض تمطر مطرا كمني الرجال، ينبتون في القبور، كما ينبت النبات) . فالنشأتان نوعان تحت جنس يتفقان، ويتماثلان من وجه، ويفترقان، ويتنوعان من وجه، والمعاد هو الأول بعينه، وإن كان بين لوازم الإعادة، ولوازم البدء فرق، فعجب الذنب هو الذي يبقى، وأما سائره، فيستحيل فيعاد من المادة التي استحال إليها، ومعلوم أن من رأى شخصا، وهو صغير، ثم رآه وقد صار شيخا، علم أن هذا هو ذاك مع أنه دائما فيه تحلل واستحالة، وكذلك سائر الحيوان والنبات، ومن رأى شجرة، وهي صغيرة، ثم رآها كبيرة قال هذه تلك، وليست صفة تلك النشأة الثانية مماثلة لصفة هذه النشأة، حتى يقال: إن الصفات هي المغيرة، لا سيما أهل الجنة إذا دخلوها، فانهم يدخلونها على صورة آدم، طوله ستون ذراعا، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما.

أما العرض، فإنه روي أن عرضه سبعة أذرع، لكن الحديث فيه ضعف. والقائلون بأن الإنسان مركب من الجواهر، وهم أهل الكلام يقولون: إنه مركب من أجزاء من الجواهر الفردة، وهي أجزاء صغيرة غير قابلة للقسمة، ويسمونها بالجواهر الفردة، وهذا مذهب سائر المتكلمين، فإن الأجسام عندهم مركبة من هذه الجواهر المتماثلة، وإنما تتمايز الأجسام بما يخلقه الله فيها من الأعراض، وقد غلا المتكلمون من المعتزلة والأشاعرة في التعويل على نظرية الجواهر الفردة، وهي في الأصل نظرية يونانية قديمة، قال بها ديموكريس الفيلسوف الطبيعي اليوناني، وقد بنوا عليها كثيرا من الأصول الإيمانية، فجعلوها عمدتهم في الاستدلال على حدوث العالم ووجود المحدث له، حتى أن أحد كبار الأشاعرة، وهو القاضي أبو بكر الباقلاني، قد أوجب الإيمان بوجود الجوهر الفرد، بناء على أن الإيمان بوجود الله متوقف على ثبوته، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب كما بنوا على تلك النظرية ما يترتب على حدوث العالم من أن الله، فاعل بالاختيار لا موجود بالذات، كما يقوله الفلاسفة، وأنه لا تأثير لشيء من الأسباب في مسبباتها، بل يخلق الله الأشياء عند وجود أسببابها لا بها، وهكذا انحرف المتكلمون عن الجادة واعتمدوا في استدلالهم على وهم كاذب، ربطوا به مصير العقائد الإيمانية كلها، والجوهر الفرد من العلماء من قال لا وجود له، ومنهم من قال: إنه له وجود، فصار الإيمان بالله عند أهل الكلام، والإيمان بالبعث والمعاد مرتبط بالجوهر الفرد، وهذا من بدع أهل الكلام، ولم يحل الله -سبحانه وتعالى- في الإيمان به والإيمان بالبعث والمعاد إلى الجوهر الفرد. مما يتعلق بالإيمان بالبعث: النفخ في الصور: والنفخ في الصور جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تخيروا بين الأنبياء) ثبت في الحديث في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تخيروني بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور؟) . وجاء في الحديث الآخر (فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟) (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟) . فنشأ الإشكال في هذا الحديث، وسبب هذا الإشكال ناشئ من أنه دخل على الراوي حديث في حديث، فركب بين اللفظين، بيان ذلك أن قوله في الحديث: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور؟) جاء بعض الرواة، فروى الحديث هكذا: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور؟) وفي لفظ آخر: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟) . ووجه الإشكال: أنه في أول الحديث قال: (يصعقون يوم القيامة) وهذا يدل على أن الناس قاموا من القبور، ووقفوا للحساب، وفي آخر الحديث قال: (فأكون أول من تنشق عنه الأرض) يدل على بدء الخروج من القبور، حيث تنشق عنه -عليه الصلاة والسلام- الأرض، ولم يقف الناس بعد للحساب، فيفسد المعنى بذلك؛ لأن انشقاق الأرض قبل الموقف والصعق في الموقف، ومنشأ الإشكال الوهم من بعض الرواة بإدخال حديث في حديث. وحل الإشكال رد الحديث إلى أصله، وهو أن صواب الحديث هكذا: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق) وليس: فأكون أول من تنشق عنه الأرض. وإنما، وهم بعض الرواة، فأبدل قول، فأكون أول من يفيق بقوله، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، وحل الإشكال رد الحديث إلى أصله، الصواب أن هذا وهم من الرواة، وأن هذه اللفظة صوابها: فأكون أول من يفيق. لا، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، وكذلك أشكل في الحديث رواية بعض الرواة، فإنه روى في آخر الحديث: (لا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله -عز وجل؟) . ووجه الإشكال: أنه في آخر الحديث، استثني من صعقة يوم القيامة؛ لأن أول الحديث: (إن الناس يصعقون يوم القيامة) أو هذا في موقف القيامة، ثم قال في آخره، (فلا أدري أفاق قبلي، أم كان ممن استثنى الله؟) فاستثني من صعقه يوم القيامة. والذين استثناهم الله إنما هم مستثنون من صعقة النفخة، لا من صعقة يوم القيامة كما قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ولم يقع الاستثناء من صعقة الخلائق يوم القيامة، فالصعق الذي استثنى الله فيه في سورة الزمر والنمل، ذلك الصعق صعق تخريب العالم، وسببه النفخ في الصور والفزع، والمستثنى قيل ملك الموت، وثلاثة ملائكة معه.

ومنشأ الإشكال الوهم من بعض الرواة، حيث اشتبه عليه أن هذه الصعقة هي صعقة النفخة، وأن موسى داخل في من استثنى الله، فأبدل قوله: (فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور) بقوله: (فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله عز وجل) . وحل الإشكال رد الحديث إلى أصله، فالمحفوظ الذي تواترت عليه الروايات الصحيحة هو: (فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور) وعليه المعنى الصحيح، فإن الصعق يوم القيامة لتجلي الله لعباده، إذا جاء لفصل القضاء، وموسى -عليه الصلاة والسلام- إن كان لم يصعق معهم، فيكون قد جوزي بصعقة يوم تجلى ربه للجبل، فجعله دكا، فجعلت صعقة هذا التجلي عوضا عن صعقة الخلائق لتجلي الرب يوم القيامة، فتأمل هذا المعنى العظيم، وأما قوله: (فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله عز وجل) فلا يلتئم على مساق الحديث قطعا، فإن الإفاقة حينئذ هي إفاقة البعث، وكيف يقول: لا أدري أبعث قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور؟ فتأمل، وممن نبه على هذا الحافظ أبو الحجاج المزي، والحافظ العلامة ابن القيم، والحافظ عماد الدين ابن كثير، نبهوا على هذا الوهم من الرواة، وأنه دخل على الرواة حديث في حديث، والصعق نوعان: صعق البعث، وسببه هو النفخ في الصور، ووقته يوم القيامة، والثاني: صعق التجلي، وسببه تجلي الله للخلائق، ووقته في موقف يوم القيامة. والنفخ في الصور، نفختان على الصحيح، وقال بعضهم: ثلاث نفخات نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة الموت، والصواب: أن نفخة الفزع، ونفخة الصعق نفخة واحدة نفخة طويلة، يطولها إسرافيل أولها: فزع وآخرها موت، وأما الحديث الذي فيه إثبات ثلاث نفخات، فهو حديث ضعيف، فأولها النفخة الأولى، نفخة الفزع أولا، ويتغير بها هذا العالم، ويفسد نظامه، ويسير الله الجبال، وترتج الأرض بأهلها رجا، وتكون كالسفينة الموقرة في البحر تضربها الأمواج، وتميد الأرض بالناس على ظهرها، تذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتثور الشياطين هاربين من الفزع، حتى تأتي الأقطار فتتلقاها الملائكة، وتضربها في وجوهها فترجع، ويولي الناس مدبرين، فينادي بعضهم بعضا وذلك قول الله تعالى: {التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} وتتصدع الأرض، وتكون السماء كالمهل، فيرى الناس أمرا عظيما، وهي المشار إليها بقوله تعالى: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) } أي من رجوع، ومرد، وقوله {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} قيل: المستثنى ملك الموت وجبريل وميكائيل وإسرافيل، وقيل: غير ذلك، وإنما يحصل الفزع لشدة ما يقع من هول تلك النفخة، ثم يكون آخرها صعق وموت، وفيها هلاك كل شيء، كما قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} وقد فسر الصعق بالموت. النفخة الثانية: نفخة البعث والنشور، وقد جاء في الكتاب العزيز آيات تدل عليها كقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) } وقوله سبحانه: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) } وقوله: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) } قال المفسرون: المنادي إسرافيل -عليه الصلاة والسلام- ينفخ في الصور، وينادي: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتمزقة، والشعور المتفرقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، والمكان القريب صخرة بيت المقدس، وبين النفختين أربعون. والعرض أنواع: عرض أعمال، أو صحف، وعرض الناس على جهنم وعرض جهنم على الناس، وعرض على الله، قد يعرض بالعمل مع الصحيفة، وقراءة الكتاب، صحف الأعمال جمع صحيفة، وهي الكتب التي كتبتها الملائكة، وأحسن ما فعله كل إنسان من سائر عمله في الدنيا: القولية والفعلية، وغيرها وإنما يؤتى بالصحف؛ إلزاما للعباد ودفعا للجدل والعناد، قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) } قال العلماء: معنى طائره: عمله وفي الآية الأخرى: {فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) } وهو القسم الذي فيه شق النواة، وهذا يضرب مثلا للشيء الحقير. وأما الصراط فهو لغة: الطريق الواضح، ومنه قول جرير: أمير المؤمنين على صراط *** إذا اعوج الموارد مستقيما

وشرعا: جسر ممدود على متن جهنم، يرده الأولون والآخرون، والأدلة على إثباته كثيرة، منها قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) } وفي الحديث الذي رواه البيهقي، عن مسروق، عن عبد الله بن عباس قال: (يجمع الله الناس يوم القيامة إلى أن قال: ويمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض، ومزلة، فيقال: لهم امضوا على قدر نوركم) . وجاء في حديث عائشة (في جهنم جسر أدق من الشعر، وأحد من السيف، عليه كلاليب وحسك) قال العلماء في وصف الصراط: إنه أدق من الشعر، وأحد من السيف، وأحر من الجمر جاء هذا في أحاديث، وقد أنكر بعض الطوائف الصراط، وهم المعتزلة، وقالوا: ليس هناك صراط حسي، وقالوا: إن الصراط إنما هو المراد الصراط المعنوي، فأهل الحق يثبتون الصراط على ظاهره، من كونه جسرا ممدودا على متن جهنم، أحد من السيف وأنكر بعض المعتزلة كالقاضي عبد الجبار المعتزلي، وكثير من أصحابه، ومن أتباعه. قالوا: ليس هناك صراط حسي، قال: والمراد بالصراط طريق الجنة، المشار إليه بقوله تعالى: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) } وطريق النار المشار إليه بقوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) } . شبهتهم: قالوا: إنهم أنكروا الصراط الحسي، زعما منهم أنه لا يمكن عبوره، وإن أمكن ففيه تعذيب، ولا عذاب على المؤمنين يوم القيامة، والرد أن هذا تأويل باطل بوجوب حمل النصوص على حقائقها، وليس العبور على الصراط بأعجب من المشي على الماء والطيران في الهواء، والوقوف فيه، وقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال حشر الكافر على وجهه، بأن القدرة صالحة لذلك، والمراد بالورود في قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} في أصح قولي العلماء: المرور على الصراط، وقال بعضهم: دخول جهنم، والصواب أن المراد به المرور على الصراط. الصراط: كما سبق أنه لغة: الطريق الواضح، ومنه قول جرير أمير المؤمنين على صراط *** إذا اعوج الموارد مستقيما وشرعا: جسر ممدود على متن جهنم، يرده الأولون والآخرون بعد مفارقتهم مكان الموقف. الأدلة على إثباته كثيرة: منها ما رواه البيهقي بسنده، عن مسروق، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: (يجمع الله الناس يوم القيامة إلى أن قال: ويمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض، ومزلة، فيقال لهم: امضوا على قدر نوركم) ثانيا: ما أخرجه الإمام أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (في جهنم جسر أدق من الشعر، وأحد من السيف، عليه كلاليب وحسك..) الحديث، ثالثا: أخرج البيهقي عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصراط كحد السيف..) الحديث. وفي بعض الآثار أن طول الصراط مسيرة ثلاث آلاف سنة، والله أعلم، قال: ألف منها صعود، وآلف منها هبوط، وآلف منها استواء، والله أعلم بالصواب. وصف الصراط: قال العلماء: الصراط أدق من الشعرة، وأحد من السيف وأحر من الجمر، فقد أخرج الطبراني بإسناد حسن، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (يوضع الصراط على سواء جهنم، مثل حد السيف المرهف مدحضة، أي مزلة، أي لا تثبت عليه قدم، بل تزل عنه إلا من يثبته الله، عليه كلاليب من نار تخطف أهلها، فتمسك بهواديبها، ويستبقون عليه بأعمالهم، فمنهم من شده كالبرق، وذلك الذي لا ينشب أن ينجو، ومنهم من شده كالريح، ومنهم من شده كالفرس) . الطائفة المنكرة للصراط، وشبهتها وتأويلهم للصراط والرد عليه: أهل الحق يثبتون الصراط على ظاهره، بكونه جسرا حسيا ممدودا على متن جهنم، أحد من السيف، وأنكر هذا الظاهر القاضي عبد الجبار المعتزلي، وكثير من أتباعه، وأولوا الصراط فقالوا: المراد بالصراط طريق الجنة المشار إليه بقوله تعالى: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) } وطريق النار المشار إليها بقوله: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) } شبهتهم: أنكروا الصراط الحسي، زعما منهم أنه لا يمكن عبوره، وإن أمكن، ففيه تعذيب، ولا عذاب على المؤمنين يوم القيامة. الرد عليهم: تأويلهم هذا باطل بوجوب حمل النصوص على حقائقها، وليس العبور على الصراط بأعجب من المشي على الماء، والطيران في الهواء والوقوف فيه، وقد أجاب صلى الله عليه وسلم عن سؤال حشر الكافر على وجهه، بأن القدرة صالحة لذلك. هل هناك صراط آخر؟ قال القرطبي -رحمه الله-: اعلم -رحمك الله تعالى- أن في الآخرة صراطين:

أحدهما: مجاز لأهل الحشر كلهم ثقيلهم وخفيفهم، يجيزون عليه إلا من دخل الجنة بغير حساب، وإلا من يلتقطه عنق من النار، فإذا خلص من هذا الصراط الأكبر المذكور، ولا يخلص منه إلا المؤمنون، الذين علم الله منهم أن القصاص لا يستنفد حسناتهم، حبسوا على صراط آخر، خاص لهم، ولا يرجع إلى النار من هؤلاء أحد، -إن شاء الله تعالى- لأنهم قد عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم، التي يسقط منها من أوبقته ذنوبه، وزاد على الحسنات جرمه وعيوبه. ويدل على هذا الصراط الثاني ما أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: ( {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) } قال: يخلص المؤمنون من النار، فيجلسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا، ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا) . قال القرطبي: هذا في حق من لم يدخل النار من عصاة الموحدين، أما من دخلها، ثم أخرج، فإنهم لا يحبسون، بل إذا أخرجوا بقوا على أنهار الجنة. المراد بالورود في قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) } اختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور في هذه الآية على قولين: فقيل: المراد به الدخول في النار، وهذا قال به ابن عباس وجماعة، واستدلوا بقوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} بعد قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فالتعبير بالإنجاء بعد الورود دليل على أنهم دخلوا، لكنهم نجوا، وأجيب بأن التعبير بالإنجاء لا يستلزم إحاطة العذاب بالشخص، بل يكفي في ذلك انعقاد أسبابه، ولو لم يهلك كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نجينا هُودًا} {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نجينا صَالِحًا} {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نجينا شُعَيْبًا} ولم يكن العذاب أصابه، ولكن أصاب غيره. ثانيا: من ناحية اللغة أن الورود في اللغة… الدليل الثاني: استدلوا باللغة قالوا: الورود في اللغة يستلزم الدخول، والجواب يرد ذلك بالحديث الصحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: -وهو في صحيح مسلم- (والذي نفسي بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة، قالت حفصة: فقلت: يا رسول الله، أليس الله يقول {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال: ألم تسمعيه قال {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) } ) أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها، وأن النجاة من النار لا تستلزم حصوله، بل تستلزم العقاب الشديد. الدليل الثالث: استدلوا بقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) } وقوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} وقوله: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) } فسمى دخول النار ورودا، وأجيب بأن هذه الآيات في الكفار، ويستلزم الورود إحاطة العذاب بهم، ودخولهم من أدلة أخرى لا من نفس الورود. القول الثاني: أن المراد بالورود المرور على الصراط، وهذا هو الصواب، ويؤيد ذلك الحديث الصحيح، الذي رواه الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة، قالت حفصة: فقلت: يا رسول الله أليس الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فقال: ألم تسمعيه قال {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) } ) أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها، وأن النجاة من النار لا تستلزم حصوله، بل تستلزم انعقاد سببه، ولو لم يحصل الهلاك. ثانيا: أن من طلبه عدوه؛ ليهلكوه، ولم يتمكنوا منه يقال: نجاه الله منهم؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نجينا هُودًا} {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نجينا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ} {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نجينا شُعَيْبًا} ولم يكن العذاب أصابهم، ولكن أصاب غيرهم، ولولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة لأصابهم ما أصاب أولئك، وكذلك حال الوارد في النار، يمرون فوقها على الصراط، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا. ثالثا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين في هذه الإجابة المذكور أن الورود هو المرور على الصراط، وعن يعلى بن أمية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي) .

وأما الميزان، فإنه يجب الإيمان به كأخذ الصحف، وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والأدلة على إثبات الميزان كثيرة قول الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) } {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) } واختلف العلماء هل في يوم القيامة ميزان واحد، أو موازين متعددة والأشهر أنه ميزان واحد لجميع الأمم ولجميع الأعمال، كِفتاه كأطباق السماوات والأرض، وقيل إنه لكل أمة ميزان، وقال الحسن البصري: لكل واحد من المكلفين ميزان، ومن قال: إنه ميزان واحد أجاب عن الآيات بأن المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة. وأهل السنة يؤمنون بأن الميزان الذي توزن به الحسنات والسيئات حق، قالوا: وله لسان وكفتان توزن بهما صحائف الأعمال، وهو ميزان حسي، وذهب بعض المبتدعة كالمعتزلة وبعض الملحدين إلى أن الميزان أمر معنوي، قالوا: والمراد به العدل. شبهتهم: قال المعتزلة: الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، ومثلها يوزن بميزان معنوي، هو العدل، وإنما يقبل الوزن الأجسام، قالوا: والله لا يحتاج إلى الميزان، ولا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال، أما الله فلا يحتاج إلى الميزان، هكذا المعتزلة حرفوا النصوص بأهوائهم، رد عليهم أهل السنة بأن الله يقلب الأعراض أجساما، كما في حديث البراء بن عازب، أن العمل يمثل في القبر لصاحبه إنسانا حسنا، أو قبيحا، مع أن العمل معنوي وكما في حديث أبي هريرة: (يؤتى بالموت كبشا أغر، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة فيشرئبون، وينظرون، ويقال: يا أهل النار، فيشرئبون، وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيذبح الموت كالكبش) وهو معنوي، فكذلك الميزان، كذلك الله تعالى يقلب الأعمال أجساما، فتوزن، ويوزن الشخص، توزن الأعمال، ويوزن الشخص، يعني (يؤتى بالرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (في دقتي ساقي ابن مسعود، إنهما، لهما في الميزان أثقل يوم القيامة من جبل أحد) ويوزن الشخص، وتوزن الأعمال، ومنشأ ضلال هؤلاء المعتزلة وغيرهم قياس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا، والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال حسي له كفتان حسيتان مشاهدتان. ومن ذلك حديث البطاقة أنه يؤتى برجل، ويخرج له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل مد البصر سيئات، ثم يؤخذ له بطاقة فيها الشهادتان، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فتوضع السجلات في كفة، وتوضع البطاقة في كِفة، فطاشت السجلات من كثرة البطاقة، فنجي وسلم، وغفر الله له. نعم. والترتيب في الميزان والحوض والصراط والحساب، الصواب أن مراتب البعث والمعاد والصراط، أنها أولا المعاد والبعث والنشور، ثم القيام لرب العالمين، ثم الحوض، ثم العرض، ثم تطاير الصحف وأخذها باليمين والشمال، ثم الميزان، ثم الورود على الصراط، ثم الجنة نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة. الميزان عند أهل الحق ميزان حسي له كفتان عظيمتان، والأدلة على إثبات الميزان منها قول الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} وقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} قوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) } وقوله: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) } اختلف العلماء هل في موقف القيامة، ميزان واحد أم موازين متعددة؟ فالأشهر أنه ميزان واحد لجميع الأمم، ولجميع الأعمال كفتاه كأطباق السماوات والأرض، وقيل: إنه لكل أمة ميزان، وقال الحسن البصري: لكل واحد من المكلفين ميزان. قال بعضهم: الأظهر إثبات موازين يوم القيامة، لا ميزان واحد استدلالا بالآية السابقة {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ} {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} ومن قال إنه ميزان واحد، أجاب على الآيات بأن المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة، فلا بد للمؤمن الإيمان بالميزان، الذي توزن به الحسنات والسيئات، وأنه حق وأن له لسانا وكفتين توزن به صحائف الأعمال. الخلاف في الميزان هل هو حسي، أو معنوي؟ ذهب بعض المبتدعة كالمعتزلة وبعض الملحدين المعاندين إلى أن الميزان أمر معنوي، والمراد به العدل.

شبهتهم: أن الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، ومثلها يوزن بميزان معنوي، هو العدل وإنما يقبل الوزن الأجسام، والله لا يحتاج إلى الميزان، ولا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال. الرد عليهم بأن الله يقلب الأعراض أجساما، كما في حديث البراء بن عازب أن العمل يمثل في القبر لصاحبه إنسانا حسنا، أو قبيحا مع أن العمل معنوي وكما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالموت كبشا أغر، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة فيشرئبون، وينظرون، ويقال: يا أهل النار، فيشرئبون، وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيذبح، ويقال خلود، فلا موت) فهذا الموت معنوي قلب جسما، وامتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات غير ملتفت إليه، ومنشأ ضلال المؤولين للميزان، هي قياس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا، والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال حسي له كفتان حسيتان مشاهدتان، ومن أدلة ذلك حديث البطاقة وفيه (توضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة) . ثانيا: وفي الترمذي في سياق آخر (توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة) الحديث، وفي هذا السياق فائدة جليلة، وهي أن العامل يوزن مع عمله، وهو دليل على أن الميزان له كفتان حسيتان. ثالثا: روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، قال اقرءوا إن شئتم {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) } ) وقال -عليه الصلاة والسلام- في ساقي ابن مسعود (والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد) . وقد وردت الأحاديث -أيضا- بوزن الأعمال أنفسها، منها حديث أبي مالك الأشعري في صحيح مسلم (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان) ومنها في الصحيح، وهو خاتمة كتاب البخاري: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) . فهذه الأدلة السابقة تدل على وزن الأشخاص والأعمال وصحائف الأعمال بميزان حسي، له كفتان حسيتان، فثبت وزن الأعمال والعامل وصحف الأعمال، وثبت أن الميزان له كفتان، والله أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات. الحكمة في وزن الأعمال بالميزان الحسي: قال الثعلبي: الحكمة في ذلك تعريف الله عباده ما لهم عنده من الجزاء، من خير، أو شر، وقيل: بل الحكمة في وزن الأعمال ظهور عدل الله -سبحانه- في جميع عباده، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين، ومنذرين، ومن الحكمة -أيضا- بيان فضل الله، وأنه يزن مثاقيل الذر من خير، أو شر قال تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) } وفيه إدخال البشر والسرور على المؤمنين، وراء ذلك أيضا من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه. الترتيب في الحساب والميزان أيهما يكون قبل الآخر مع التوجيه؟ قال العلماء: إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال؛ وذلك لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها؛ ليكون الجزاء بحسبها. والترتيب في الميزان والحوض والصراط: اعلم أن مراتب المعاد والبعث والصراط والحساب والحوض والميزان ما يلي معاد وبعث، ونشور، ثم القيام لرب العالمين، ثم الحوض، ثم العرض، ثم تطاير الصحف وأخذها باليمين والشمال، ثم الميزان، ثم المرور على الصراط، ثم الوقوف على القنطرة بين الجنة والنار، وجعل القرطبي في التذكرة هذه القنطرة صراطا. ثانيا: للمؤمنين خاصة، وليس يسقط فيه أحد في النار، فيكون الترتيب هكذا: بعث، فقيام، فحوض، فحساب، فصحف، فميزان، فصراط، فقنطرة، فالجنة.

قوله: والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا، ولا تبيدان

والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا، ولا تبيدان

النوع الخامس من الأدلة: إرسال جبريل -عليه الصلاة والسلام- بعد خلق الجنة والنار للنظر إليهما، فشاهدهما، وما حف بكل منهما، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبرائيل إلى الجنة، فقال: اذهب، فانظر إليها، وإلى ما أعددت لأهلها فيها) وقال في النار مثل ذلك.. الحديث. هذه خمسة أنواع من الأدلة، كلها تدل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، وتحت كل نوع أفراد من الأدلة، أما المنكرون لخلقهما الآن، وهم المعتزلة والقدرية، فإنهم يقولون: إن الله ينشؤهما، ويخلقهما يوم القيامة، وأنكروا وجودهما الآن. حجتهم في ذلك: هذا المذهب مبني على أصلهم الفاسد، الذي حملهم على الإنكار، وأصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة للرب فيما يفعله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا، وهو الحسن والقبح العقليين، وقياس الله على خلقه في أفعاله، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات، فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة، التي وضعوها لله، وهي مسألة الحسن والقبح العقليين، وصرفوا النصوص عن مواضعها وضللوا، وبدلوا من خالف شريعتهم، فقالوا: -هذه شبهتهم العقلية- قالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث؛ لأنها تصير معطلة مددا متطاولة، والعبث محال على الله. هذه حجتهم: العقل، قالوا: خلق الجنة والنار الآن قبل الجزاء عبث؛ لأنها تصير معطلة مددا طويلة، ما فيها أحد، والعبث محال على الله. بتعبير آخر قالوا: وجودهما اليوم ولا جزاء نوع من العبث، والعبث محال على الله. الرد عليهم: أولا بإبطال أصلهم الفاسد: الذي وضعوا به شريعة للرب، وهو تحكيم عقولهم قبحا وحسنا، وقياس الله على خلقه. ويقال ثانيا: ليستا معطلتين من قال إنهما معطلتان ليستا معطلتين، بل هما مشغولتان، فإن الروح تنعم في الجنة، أو تعذب في النار، قبل يوم القيامة، كحديث: (إنما مثل روح المؤمن كطائر يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة) فهذا صريح في دخول الروح الجنة، قبل يوم القيامة، وحديث البراء بن عازب في قصة العبد المؤمن والكافر، وأنه يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، أو يفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها. ويقال ثالثا في الرد عليهم: أن الاتعاظ والتذكر فيهما إذا كانتا موجودتين الآن أشد وأبلغ منه فيما إذا قيل: إن الله ينشؤهما يوم القيامة، فإن الإنسان إذا علم بوجود الجنة اجتهد في تحصيلها، وإذا علم بوجود النار اجتهد في الهرب والبعد منها، أكثر مما لو كانت غير موجودة. ومن أدلتهم الشرعية، من شبههم الشرعية: استدلوا بقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائقة الْمَوْتِ} وقوله سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} وجه الاستلال من الآيتين: أن كلا من هذين الآيتين، تدل على أن المخلوقات صائرة إلى الفناء، ولو كانت الجنة والنار مخلوقتان الآن، لوجب اضطرارا أن تفنيا يوم القيامة، وأن يهلك كل من فيهما، ويموت فيموت الحور العين التي في الجنة والوالدان، وقد أخبر الله -سبحانه- أن الدار دار خلود، ومن فيها مخلدون لا يموتون فيها، وخبر الله -سبحانه- لا يجوز عليه خلف، فدل على أنهما تخلقان يوم القيامة، هذه دليلهم. أجيب عن الآيتين بأجوبة منها: أن المراد بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ} مما كتب الله عليه الفناء، والهلاك هالك وأما الجنة والنار، فخلقتا للبقاء لا للفناء، فلا يلزم من وجودهما الآن الفناء يوم القيامة، وكذلك العرش لا يفنى، فإنه سقف الجنة، وقيل المراد كل شيء هالك إلا ملكه، وقيل المراد إلا ما أريد به وجهه، وقيل: إن الآية وردت للرد على الملائكة، وذلك أن الله تعالى أنزل كل من عليها، فإن فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض وطمعوا في البقاء، فأخبر الله تعالى عن أهل السماء والأرض، أنهم يموتون فقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت، والذي حمل أهل السنة على تأويل هاتين الآيتين، إنما فعلوا ذلك توفيقا بينهما وبين النصوص المحكمة الدالة على بقاء الجنة وعلى بقاء النار، أيضا. الدليل الثاني للمعتزلة: في أن الجنة والنار ليستا موجودتين الآن، استدلوا بحديث بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقيت إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ليلة أسري بي، فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) ومثله حديث جابر - رضي الله عنه - عنه مرفوعا (من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة) . ووجه الاستدلال: أن القيعان لشيء غير موجود، ولو كانت مخلوقة مفروغا منها لم تكن قيعانا، ولم يكن لهذا الغراس معنى، ولقال: طيبة الثمرة، ولم يقل: طيبة التربة.

هذا دليلهم، وأجيب بأن قوله: (طيبة التربة وعذبة الماء وقيعان) دليل على وجودها، فتربتها موجودة، والحادث إنما هو غرسها فقط، فالحديث صريح صريح في أن أرض الجنة مخلوقة، وأن الذكر ينشئ الله -سبحانه- لقائله منه غراسا في تلك الأرض. ومن أدلتهم: قول الله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} ووجه الدلالة: أنها قالت "ابن لي بيتا" ولم تقل: بيتا مبنيا، فدل على أنها لم تخلق، إذ من المحال أن يقول قائل لمن نسج له ثوابا، انسج لي ثوبا. وأجيب: بأن غاية ما تدل عليه الآية، أنه لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنه لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء، ولا تدل على أنها الآن معدومة، بل إن أرضها مخلوقة وبناء الغروس فيها بالأعمال المذكورة، والعبد كلما وسع في أعمال البر وسع الله له في الجنة، وكلما عمل خيرا غرس له به هناك غراسا، وبني له بناء وأنشئ له من عمله أنواع مما يتمتع به، ويجاب عن شبهتهم بجواب إجمال، وهو أن يقال: إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة، بمنزلة النفخ في الصور، وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده المعلوم بالضرورة من الأحاديث الصحيحة الصريحة، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا تزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء، وإذا دخلها المؤمنون، أحدث الله فيها عند دخولهم أمورا أخر، فهذا حق لا يمكن رده، وهو ما تشهد له الأدلة، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القول. مكان الجنة: معروف أن مكان الجنة في السماء، وأنه فوق السماء السابعة، وأن السقف عرش الرحمن، والنار في الأرض في أسفل سافلين، وتبرز يوم القيامة، فهذا في وجود الجنة والنار. أما أبدية الجنة والنار: فللعلماء في هذه المسألة أقوال، يعني: هل الجنة والنار تبقيان، أو لا تبقيان، مستمرتان؟. فيه أقوال للعلماء: القول الأول: أن الجنة والنار لا تفنيان أبدا، ولا تبيدان مدى الدهور باقيتان بإبقاء الله لهما، وهذا قول جمهور الأئمة من السلف والخلف. الثاني: أن الجنة باقية لا تفنى، أما النار فتفنى ولو بعد حين، وهذا قول جماعة من السلف، والقولان مذكوران في كثير من كتب التفسير وغيرهما. القول الثالث: أنهما تفنيان جميعا. الجنة والنار تفنيان جميعا، وهذا قول الجهم بن صفوان إمام المعطلة، وليس له سلف قط لا من الصحابة، ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين، ولا من أهل السنة، وأنكره عليه عامة أهل السنة وكفروه به، وصاحوا به وبأتباعه من أقطار الأرض، هذا قول منكر، قول الجهم، يقول: إن الجنة والنار تفنيان أبدا. شبهة الجهم: يقول: الجنة والنار حادثتان، وما ثبت حدوثه ثبت فناؤه هذه قاعدة عنده، يعتمد على العقل، الجنة والنار حادثتان، وما ثبت حدوثه ثبت فناؤه، واستحال بقاؤه، إذ لو بقيتا شاركتا الله في بقائه، وما لم تك تفنيان، لو قلنا: إنهما مستمرتان باقيتان شاركتا الله في بقائه، والذي يبقى هو الله، ويرد عليه بأن بقاء الجنة والنار ليس لذاتهما، بل لإبقاء الله لهما، وأما بقاء الله -سبحانه- فهو واجب لذاته. وشبهة الجهم مبنية على أصله الفاسد، الذي اعتقده، وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث، وهذا الأصل هو عمدة أهل الكلام المذموم، الذي استدلوا به على حدوث الأجسام، وحدوث ما لا يخل من الحوادث، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم. النار، في أبدية النار ودوامها خاصة مداخل: وهي ترجع إلى قول السابقين: القول الأول: إن النار دائمة مؤبدة، لا تفنى، ولا تبيد، وهذا قول الجماهير. القول الثاني: إن الله يخرج من النار من يشاء، كما ورد في الحديث، ثم يبقيها شيئا، ثم يفنيهما، فإنه جعل لهما أمدا تنتهي إليه، أما القول الأول، فإن الله يخرج منها من يشاء، وهم عصاة الموحدين، ويبقي فيها الكفار بقاء سرمديا لا انقضاء له، وهذا قول جمهور السلف والخلف، وأما الذين قالوا: إنها لا تبقى استدلوا بالاستثناء في قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} وقالوا -أيضا-: وكل نص يقتضي الخلود في النار، فهو قابل لأن يسلط عليه الاستثناء. ومن أدلتهم: قالوا: التعذيب والخلود مراد به طول المكث، ومن أدلتهم قالوا: غلبة الرحمة للغضب. ومن أدلتهم: التعبير عن مدة العذاب بما يفيد التحديد. والدليل الخامس: من أدلتهم دوام الجنة، قالوا: دوام الجنة مقتضى الحكمة بخلاف النار، وقالوا من أدلتهم الدليل السادس: الإحسان مقصود لذاته، والعذاب مقصود لغيره، وما كان مقصودا لغيره، فإنه ينتهي، أما أولئك، فهناك أقوال أخرى: في النار من الناس من قال إنها يدخلها قوم، ثم يخرجون منها ويخلفهم آخرون، وهذا قول اليهود، ومنهم من قال: إنها تفنى وهذا قول الجهم، ومنهم من قال: تفنى الحركات، وهذا قول أبي الهذيل العلاف.

وهذه كلها أقوال باطلة، والصواب القول الأول، وهو أن النار مؤبدة باقية لا تفنى أبد الآباد؛ لأن الله أخبر بذلك قال سبحانه وتعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) } وقال سبحانه: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) } وقال سبحانه: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) } وقال سبحانه: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) } والأحقاب المدد الطويلة، التي لا تنتهي، كلما انتهى حقب، يعقبها حقب، وهكذا إلى ما لا نهاية، وهذا هو الصواب الذي عليه المحققون من السلف من أهل السنة، وهو الذي عليه الصحابة والتابعون. نعم. معتقد أهل السنة والجماعة في خلق الجنة والنار والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا، ولا تبيدان، وإن الله - تعالى- خلق الجنة والنار قبل الخلق وخلق لهما أهلا. نعم هذا معتقد أهل السنة والجماعة أن الله خلق الجنة والنار وأبقاهما، وخلق لهما أهلا، وهذا القدر السابق، الله تعالى، قدر أهل السعادة وأهل الشقاوة، كتب الله في اللوح المحفوظ، أهل السعادة وأهل الشقاوة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء) . أهل السعادة مقدر سعادتهم، وأهل الشقاوة مقدر.. ولكن الله يسر كلا لما خلق له، فأهل السعادة يسر الله لهم عمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة يسر لهم عمل أهل الشقاوة، كما قال سبحانه:: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) } . نعم.

قوله: فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه

فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه

قوله: وكل يعمل لما قد فرغ له وصائر إلى ما خلق له

وكل يعمل لما قد فرغ له وصائر إلى ما خلق له

قوله: والخير والشر مقدران على العباد

والخير والشر مقدران على العباد

قوله: والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق، الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به، فهي مع الفعل، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن، وسلامة الآلات، فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب، وهو كما قال -تعالى- {لا يكلف الله نفسا إلا

والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق، الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به، فهي مع الفعل، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن، وسلامة الآلات، فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب، وهو كما قال -تعالى- {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

إذن نقول: المذاهب في هذه المسألة ثلاثة: الجبرية: أثبتت الجبرية قدرة واحدة، وهي الأولى بمعنى التوفيق، فقالوا: لا تكون القدرة إلا مع الفعل، وهذا مذهب الجهمية والأشعرية والماتريدية، والمذهب الثاني: للقدرية والمعتزلة، أثبتوا قدرة واحدة، وهي الثانية التي بمعنى توفر الأسباب والآلات، فقالوا: لا تكون القدرة إلا قبل الفعل، والمذهب الثالث: مذهب أهل السنة والجماعة، أثبتوا القدرة بنوعيها التي بمعنى التوفيق، والتي بمعنى توفر الأسباب والآلات. من أدلة الجبرية: استدلوا بقول الله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) } قوله سبحانه: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} يعني لم يوفق هذه الاستطاعة بمعنى القدرة الموافقه للفعل {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) } فقوله سبحانه: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) } يعني ما كانوا يقدرون {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} يعني سمع القرآن والمواعظ يعني سمع التنفيذ والعمل، يعني ما كانوا يستطيعون ذلك؛ لأن الله لم يوفقهم، ما كانوا يقدرون على ذلك؛ لأن الله ما وفقهم؛ لأن الله خذلهم، فلم يوفقهم لسماع القبول والتنفيذ، فهم لا يقدرون؛ لأن الله لم يوفقهم. نقول: هذا صحيح، نثبت النوع الأول للقدرة، لكن هناك نوع آخر أثبتته الأدلة الأخرى، وكذلك قول الله تعالى عن موسى: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) } قول الخضر لموسى: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) } هل موسى ما عنده أسباب وآلات يستطيع بها الصبر؟ لا عنده، والمعنى إنك لن تقدر، أن تسكت؛ لأن ما تراه مخالفا لظاهر الشرع، فموسى ما صبر. قال له الخضر: اصبر قال له موسى: سأصبر، قال له الخضر: لا ما تستطيع الصبر؛ ولذلك ما صبر موسى لما رآه خرق السفينة وقتل الغلام، وأقام الجدار أنكر؛ لأن موسى من شدة غيرته ما يسكت، فهو يرى أن ما فعله الخضر مخالفا لظاهر الشرع؛ ولذلك أنكر عليه، وليس المعنى أنه ليس معه استطاعة، وليس معه آلات. وأما المعتزلة، فاستدلوا بقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} قالوا: فهذه الاستطاعة بمعنى توفر الأسباب والآلات، ولو كان المراد بها الاستطاعة كما تقول الجبرية التي مع الفعل، لم يكن الله قد أوجب الحج إلا على من حج، وأما من لم يحج، فلا يطالب بالحج، هذا باطل، فدل على أن المراد بالاستطاعة بمعنى توفر الأسباب والآلات، ومثله -أيضا- قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} أوجب الله التقوى على المستطيع، والمراد بالمستطيع الذي معه القدرة على التقوى، وليس المراد المستطيع الذي فعل التقوى في الحال، وإلا لما أوجب الله، وإلا لم تكن الاستطاعة واجبة إلا على من اتقى بالفعل، فدل على أن المراد بالاستطاعة، الاستطاعة بمعناها توفر الأسباب والآلات. ومن أمثلة ذلك قول الله تعالى عن المنافقين: {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} المنافقون في غزوة تبوك تأخروا، فلما أنكر عليهم المسلمون قالوا: ما نستطيع {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} هل عندهم أسباب وآلات، يستطيعون الخروج أم ما عندهم؟ عندهم، فلو كان المراد بالاستطاعة نفس الفعل، لما كذبهم الله في قوله: {يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) } فدل على أن المراد بالاستطاعة معنى: الأسباب والآلات، عندهم قدرة، استطاعة، يستطيعون، يتجهزون، ويمشون مع المسلمين، لكن الله خذلهم. والجواب: أجاب أهل السنة بأن الأدلة التي استدل بها الجبرية تثبت النوع الأول من القدرة، والأدلة التي استدل بها القدرية والمعتزلة تثبت النوع الثاني، وكل من الاستطاعتين حق، وقالوا لهم: أنتم أيها الجبرية أثبتم نوعا من الاستطاعة، واستدللتم له بالأدلة، وهذا حق، لكن الباطل كونكم أنكرتم النوع الثاني من الاستطاعة، وقالوا للقدرية والمعتزلة: أنتم أثبتم نوعا من القدرة والاستطاعة، وهي الاستطاعة بمعنى توفر الأسباب، وهذا حق، والنوع الأول لم تثبتوه، وهذا باطل، وأما نحن، فنثبت نوعي الاستطاعة، ونستدل بأدلتكم -أيها الجبرية- على النوع الأول، ونستدل بأدلتكم -أيها المعتزلة والقدرية- على النوع الثاني، وبذلك تتفق الأدلة ولا تختلف. نعم. والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به فهي مع الفعل.

نعم هذه الاستطاعة التي يجب بها الفعل، يعني يوجد بها الفعل من نحو التوفيق يعني: معناه معنى التوفيق والتسديد للفعل، هذه ليست صفة المخلوق، بل هي صفة لله، الله هو الموفق هذه الاستطاعة، التي يجب بها الفعل، يعني يوجد بها الفعل متي يوجد الفعل؟ إذا وفقك الله، فإن لم يوفقك، فلا يوجد الفعل، والتوفيق ممن؟ من الله، إذن الاستطاعة التي يجب بها الفعل، ويوجد بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يوصف المخلوق به، وإنما هو وصف لله، فالله هو الموفق، وهو الهادي، وهو الذي يخلق الهداية في القلوب، ويجعل الإنسان يختار الحق، ويرضى به، ويريده، ويخلق الله الإرادة والهداية في قلبه، فيوجد الفعل. نعم.

قوله: وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات، فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب

وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات، فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب

قوله: وهو كما قال تعالى {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}

وهو كما قال تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

قوله: وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد

وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد

يقولون: إن أفعال العباد كلها اضطرارية، استدلوا بقول الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وهذا في غزوة بدر، لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب، ثم رمى بها نحو الكفار، لم يبق كافر إلا، وقد أصابه من هذه القبضة شيء، ودخل في عينيه وفمه ومنخره، فأنزل الله {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} قالوا: إن الله نفى عن نبيه الرمي، فدل على أن العبد لا اختيار له، الله قال: ما رميت، ولكن الله رمى. إذن: نفى الرمي عن نبيه، وأثبته لنفسه، فدل على أن العبد لا فعل له، ولا اختيار، وأن الأفعال أفعال الله. واضح هذا؟. أجاب أهل السنة والجماعة، أهل الحق قالوا: أنتم -أيها الجبرية- أغمضتم أعينكم عن الحق، وفتحتم أعينكم لما يناسبكم من الآية، الآية الآن فيها إثبات الرمي للرسول، ونفي الرمي قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} إذن نفى عن نبيه رميا، وأثبت لنبيه رميا، فدل.. الرمي نوعان: نوع يكون للمخلوق، ونوع يكون للخالق، نوع أثبته الله لنبيه، ونوع نفاه الله عن نبيه، فالنوع الذي أثبته الله لنبيه الحذف، الرسول حذف، والنوع الذي نفاه عن نبيه الإصابة، فابتداء الرمي هذا حذف، وانتهاؤه الإصابة هذا رمي، فالله أثبت لنبيه الحذف، ونفى عن نبيه الإصابة، وتقدير الآية، وما أصبت إذ حذفت، ولكن الله أصاب {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وما أصبت إذ حذفت، ولكن الله أصاب. قالوا -أيضا- الجبرية: ومما يدل على أن أفعال العباد، لا اعتبار لها، وأن الله تعالى، لا يعتد بأفعال العباد، قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) ووجه الدلالة: قالوا الباء في قوله: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله) باء السبب والتقدير: لن يدخل أحدكم الجنة بسبب عمله، فالله تعالى ما اعتبر العمل شيئا، ولم يعتبره سببا، وإنما دخول الجنة بفضل الله، فدل على أن العباد ليس لهم أفعال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى دخول الجنة بالعمل، وإنما دخول الجنة بالفضل والرحمة، ما دل على أن الأفعال ليست أفعالا لهم، واضح هذا؟ . أما القدرية والمعتزلة، الذين يقولون: العباد خالقون لأفعالهم، والله تعالى لا يقدر عليها، استدلوا بقول الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } قالوا: الآية دليل على أن هناك خالقين مع الله، إلا أن الله أحسنهم وأجودهم خلقا، فقال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } يعني أجود الخالقين وأحسنهم، فدل على أن العباد خالقين مع الله، أن العباد خالقون مع الله إلا أن الله أحسن خلقا وأجود، فدل على أن العباد خالقون لأفعالهم. وقالوا: مما يدل على أن العباد هم الذين خلقوا أفعالهم قول الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) } قالوا: الباء باء العوض، والمعنى ادخلوا الجنة عوضا عن عملكم، فدل على أن الأعمال عوض؛ لأن العباد خلقوها وأوجدوها باختيارهم، فوجب على الله أن يعوضهم عنها الثواب، كما يعوض الأجير أجرته. ماذا أجاب أهل السنة؟ قالوا: أنتم -أيها المعتزلة والقدرية- ضللتم في تفسير هاتين الآيتين، كما أن إخوانكم من القدرية ضلوا أيضا، أما قول الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } فالخلق نوعان: النوع الأول: الإنشاء والاختراع، هذا لا يقدر عليه إلا الله، قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} . النوع الثاني: من الخلق التصوير والتقدير، وهذا هو الذي يثبت للمخلوق، ومعنى الآية: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } يعني أحسن المقدرين المصورين، لا المنشئين المخترعين. الإنشاء والاختراع ما يكون إلا لله، لكن التقدير والتصوير، يقدر عليه المخلوق، وكما قال الله -تعالى- عن عيسى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} تخلق: يعني تقدر وتصور، فعيسى -عليه السلام- يصور ويقدر الطين كهيئة الطير، وينفخ فيه، فالله - تعالى- يخلق فيه الروح، فيصير؛ ولهذا قال الشاعر: ولأنت تفري ما خلقت *** وبعض القوم يخلق ثم لا يفري معنى تخلق: يعني: تقدر، يخاطب الشاعر يقول: أنت تقدر، ثم تنفذ ما تقدر، وبعض الناس يقدر، ولا ينفذ، هو يمدح الشاعر، يقول: "ولأنت تفري" يعني: تنفذ ما خلقت، يعني: ما قدرت وصورت، وبعض القوم يخلق، ثم لا يفري. فإذن: الخلق يطلق، ويراد به التقدير والتصوير، ويطلق، ويراد به الإنشاء والاختراع، والأول ثابت للمخلوق، والثاني لا يقدر عليه إلا الله، الإنشاء والاختراع.

وأما الباء -فأنتم أيها المعتزلة- ضللتم كما ضل إخوانكم الجبرية، فإن الباء التي تأتي في الإثبات غير الباء التي تأتي في النفي، فالباء التي تكون في الإثبات، هي باء السببية، والباء التي تكون في الجملة المنفية، هي باء العوض، فباء العوض في الجملة المنفية، كما في الحديث: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) هذه باء العوض؛ لأنها في جملة منفية، والمعنى: لن يدخل أحدكم الجنة عوضا عن عمله، فيستحق الجنة، كما يستحق الأجير أجره، بل الدخول برحمة الله، وأما الباء التي تكون في الجملة المثبتة، فهي باء السبب، قوله سبحانه: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) } يعني: بسبب ما كنتم تعملون، فيكون دخول الجنة برحمة الله، ولكن له سبب، وهو العمل، فمن جاء بالسبب نال الرحمة، ومن لم يأت بالسبب لم ينل الرحمة. فالنصوص يضم بعضها إلى بعض فقوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) } هذه دعوى السببية، هذه بسبب عملكم، لكن هذا السبب، لكن الدخول لا يكون بالسبب، الدخول لا يكون إلا بالرحمة، الدخول برحمة الله، دخول الجنة، لكن هذه الرحمة لها سبب، وهو العمل، فمن جاء بالسبب نالته الرحمة ومن لم يأت بالسبب لم تنله الرحمة، فتكون الآية {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) } هذه باء السببية، والباء في الجملة المنفية باء العوض، لا يدخل أحدكم الجنة عوضا عن عمله، لكن الدخول برحمة الله، إلا أن له سبب، وهو العمل كما جاء في النصوص الأخرى {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) } وبذلك تتفق النصوص ولا تختلف. نعم. (وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد) هذا معتقد أهل السنة والجماعة: أفعال العباد خلق من الله وكسب من العباد، فهي بالنسبة إلى الله ينسب إلى الله الخلق والتقدير والإيجاد، وينسب إلى العبد الكسب والتسبب والمباشرة. نعم.

قوله: ولم يكلفهم الله -تعالى- إلا ما يطيقون

ولم يكلفهم الله -تعالى- إلا ما يطيقون

قوله: ولا يطيقون إلا ما كلفهم

ولا يطيقون إلا ما كلفهم

قوله: وهو تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله

وهو تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله

قوله: نقول لا حيلة لأحد، ولا حركة لأحد ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله

نقول لا حيلة لأحد، ولا حركة لأحد ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله

قوله: وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره

وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره

قوله: غلبت مشيئته المشيئات كلها

غلبت مشيئته المشيئات كلها

قوله: وغلب قضائه الحيل كلها

وغلب قضائه الحيل كلها

قوله: يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدا

يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدا

قالوا: فهذا لا يسأل عما يفعل فهو يفعل بقدرته ومشيئته أي بقهره وسلطانه، والجواب أن نقول معنى الحديث، معنى الآية لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته، وأما العباد فهم يسألون؛ لأنهم مأمورون، منهيون عباد مكلفون. أما الرب فلا يسأل لكمال حكمته وعدله سبحانه وتعالى. واستدلوا بحديث ابن مسعود: (ما أصاب العبد قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاءك أسألك اللهم بكل اسم هو لك - إلى قوله- إلا أذهب الله همه وغمه وأبدل مكانه فرحا) . وجه الاستدلال قالوا: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم (عدل في قضاءك) يشمل كل قضاء يقضيه الله لعبده، وهذا يعم قضاء المصائب وقضاء المعائب وقضاء العقوبات على الجرائم، وكذلك استدلوا بحديث ابن عباس الذي رواه أبو داود والحاكم في مستدركه، وفيه: (إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم) . الجواب أن نقول: معنى قوله: (لو عذبهم لو عذب العباد لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم) الجواب: أن معنى الحديث أن الله لو وضع عدله على أهل سماواته فحاسبهم بنعمه عليهم وأعمالهم لصاروا مدينين له، وحينئذ لو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم لكنه لا يفعل هذا سبحانه، إنما يبتدرهم بِنِعَم جديدة. المعنى أن الرب لو وضع عدله في عباده فحاسبهم بأعمالهم ونعمه عليهم لصاروا مدينين فحينئذ لو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم، لو حاسب الله العباد بنعمه عليهم وعدله فيهم لكانت النعمة الواحدة نعمة البصر تحيط بجميع أعمالك كلها وحينئذ تكون مدين تكون هالك، لكن الله لا يفعل هذا، بل هو سبحانه وتعالى لطيف بعباده لو وضع عدله في عباده لحاسبهم بنعمه عليهم وبأعمالهم لصاروا مدينين له، وحينئذ لعذبهم وهو غير ظالم لهم. وأما قوله: (عدل في قضائك) لا شك أن ما يقضيه الله للعبد كله خير ورحمة مبني على الحكمة. المذهب الثالث القدرية قالوا: تعريف الظلم كل ما كان من بني آدم ظلما وقبيحا يكون من الله ظلما وقبيحا لو فعله، فالظلم عندهم الظلم الذي يصدر من العباد هو الظلم الذي يصدر من الرب لو فعله، كل ما يسمى ظلما من العبد يسمى ظلما من الرب، فهم مثلوا الله بخلقه، فقالوا: الظلم إضرار غير مستحق أو عقوبة العبد على ما ليس منه أو عقوبته على ما هو مفعول معه. فالظلم عندهم هو الذي حكم العقل أنه إن صدر من العبد ظلم فهو من الله ظلم إن صدر منه، قالوا: فلو كان الرب خالقا لأفعال العباد مريدا لها قد شائها وقدرها عليهم ثم عاقبهم عليها كان ظالما، ولا يمكن إثبات كونه سبحانه عدلا لا يظلم إلا بالقول بأنه لم يرد وجود الكفر والفسوق والعصيان ولا شائها، بل العباد فعلوا ذلك بغير مشيئة الله وإرادته كما فعلوه بغير إذنه وأمره. وعندهم أن الله لو وفَّق شخصا وخذل آخر لكان ظالما، ولو نسخ الله حكما بحكم لكان جاهلا ظالما، ويجب على الله عقلا أن يثيب المحسن وأن يعذب المسيء فهذا من أبطل الباطل؛ لأن هذا مبني على التحسين والتقبيح العقليين والصواب أن الله -سبحانه وتعالى-، أن الظلم كما سبق ليس كما يقول هؤلاء: إنه ما كان مماثل للعبد بل الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه فهذا هو الموافق للغة العربية كما سبق. ولذلك الله سبحانه وتعالى نفى الظلم عن نفسه في قوله {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) } {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) } {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} نفى خوف الظلم في قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) } حرم الظلم على نفسه. وهذا يدل على أنه ممكن الوقوع، ولو كان لا يمكن لما حرمه على نفسه الإنكار بهمزة الاستفهام على من حسب خلق الخلق عبثا قال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} فتنزه سبحانه عن خلق الخلق عبثا، إنكار التسوية بين المسلمين والمجرمين وهذا يدل على إنكار التسوية كما في قوله: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) } {أَمْ نجعل الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أم نجعل الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) } {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نجعلهم كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} . وكل هذا إنكار من الله على مَن جوَّز أن يسوي بين هذا وهذا، وهذا يدل على إنكاره، وإنكار على من حسب أنه يفعل هذا، وإخبار أن هذا حكم سيئ قبيح، وهو ما ينزه الرب عنه، وبهذا يبطل مذهب الطائفتين الضالتين الجبرية والقدرية، نعم.

قوله: تقدس عن كل سوء وحين

تقدس عن كل سوء وحين

قوله: وتنزه عن كل عيب وشين

وتنزه عن كل عيب وشين

قوله: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}

{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}

قوله: وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات

وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات

الصوم الواجب يقضى عنه، الذي مات وعليه أيام من رمضان، أو مات وعليه صوم نذر أو كفارة، هذا يقضى عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حديث عائشة الذي رواه الشيخان: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) إذا كان عليه صيام نعم، أما تصوم تطوع وتنوي ثوابه للميت ما عليه دليل واضح. هذا، فإذن المسألة فيها هذه المذاهب الثلاثة: مذهب الشافعية، والمالكية قالوا: لا ينتفع إلا بثواب الأعمال المالية بالإضافة إلى ما تسبب به في الحياة. من أدلة أهل البدع والمعتزلة على أن الميت لا ينتفع إلا بما تسبب به في الحياة قول الله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) } قالوا: وجه الدلالة أن الله حصر ملكية الإنسان لسعيه فدل على أنه لا ينتفع بسعي غيره. وأجيب عنه بجوابين: الأول من وجهين: أحدهما: أن الإنسان بسعيه وملاطفته وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء، وأولد الأولاد ونكح الأزواج، وأسدى الخير وتودد إلى الناس فترحموا عليه ودعوْا له، وأهدوا له ثواب الطاعة فكان ذلك أثرَ سعيه. الثاني: أن دخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته وبعد مماته ودعوة المسلمين تَعُمُّه. الجواب الثاني: وهو أقوى من الأول أن المنفي الملك لا الانتفاع، فالقرآن في قول الله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) } لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره، وإنما نفى ملكه لغير سعيه، وبين الأمرين من الفرق ما لا يخفى، فاللام في قوله: {لِلْإِنْسَانِ} للملك. الدليل الثاني: استدلوا بقول الله تعالى {وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) } . ووجه الدلالة: أن الله حصر الجزاء في العمل للشخص نفسه فدل على عدم انتفاعه بعمل غيره. وأجيب بأن سياق هذه الآية يدل على أن المنفيَّ عقوبةُ العبد بعمل غيره بدليل صدر الآية {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} ولم تنف الآية انتفاع الإنسان بعمل غيره. الدليل الثالث: استدلوا بقول الله تعالى {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} . وجه الدلالة: قالوا إن الله حصر كسب الإنسان واكتسابه عليه فدل على عدم انتفاعه بكسب غيره. وأجيب بأن الآية أثبتت ملك الإنسان لكسبه، ولم تنف انتفاعه بكسب غيره بل إن كسب غيره ملك لكاسبه، فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء يبقيه لنفسه. واستدلوا أيضا -الدليل الرابع- بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به) وجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه إنما ينتفع بما كان تسبب به في الحياة، وما لم يكن تسبب به في الحياة فهو منقطع عنه. وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بانقطاع عمله ولم يخبر بانقطاع انتفاعه بعمل غيره بل إن عمل غيره لعامله، فإن وهبه له وصل إليه ثواب عمله، فالمنقطع شيء، والواصل إليه ثوابه شيء آخر. واستدل المالكية والشافعية على أن الميت ينتفع بالدعاء والصدقة والحج فقط استدلوا بالكتاب والسنة والإجماع. أما الدعاء فاستدلوا عليه بأربعة أنواع: النوع الأول: نصوص أدعية الناس بعضهم لبعض كقوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} . وجه الاستدلال: أن الله أثنى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء، ولو كان غير نافع ما استحقوا الثناء. النوع الثاني: إجماع الأمة على الدعاء في صلاة الجنازة. النوع الثالث: نصوص الدعاء للميت بعد الدفن، كما في حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسئل) . النوع الرابع: نصوص الدعاء للأموات عند زيارة قبورهم كما في حديث بريدة بن حصين - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) . واستدلوا على وصول ثواب الصدقة بما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي افتُلِتَتْ نفسها -يعني ماتت فجأة- وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها قال نعم) وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائط المصرافة صدقة عنها)

واستدلوا على عدم وصول العبادات البدنية للميت بما روى النسائي بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة) واستدلوا على القياس على الحياة فكما أن هذه العبادات لا تدخلها النيابة في الحياة، فلا يفعلها أحد عن أحد ولا ينوب فيها عن فاعلها غيرها كذلك في الممات لا يفعلها أحد عن أحد ولا ينوب فيها عن فاعلها غيرها بل يختص ثوابها بفاعله لا يتعداه إلى غيره. وأما الحنابلة والأحناف فردوا على المالكية والشافعية وقالوا: كيف تفرقون بين العبادات المالية والبدنية، وهذا تفريق بغير دليل فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بينهما بل شرع الصوم عن الميت كما في حديث عائشة: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) مع أن الصوم عبادة بدنية لا تجزيء فيها النيابة في الحياة. لكن أجاب المالكية والشافعية هذا صوم واجب وما عداه فلم يأت دليل. قالوا: وأما استدلالكم بحديث ابن عباس: (لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد) فهذا الحديث موقوف على ابن عباس فلا يقاوم حديث عائشة: لا سيما وقد ثبت الخلاف عن ابن عباس. وثانيا: أن الحديث مطعون في سنده، وحديث عائشة صحيح الإسناد، وأما استدلالكم بالقياس على الحياة، فيجاب عنه بأنه قياس مع النص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع الصوم عن الميت، مع أن الصوم لا تدخله النيابة، وشرع للأمة أن ينوب بعضهم عن بعض في أداء الفروض، فروض الكفايات فإذا فعله واحد ناب عن الباقين في فعله وسقط عنه المأثم. وشرع لقيم الطفل الذي لا يعقل أن ينوب عنه في الإحرام وأفعال المناسك وحكم له بالأجر لفاعل نائبه، وجعل الشارع إسلام الأبوين بمنزلة إسلام أطفالهما؛ ولأن هذا ثواب وليس من باب النيابة. وقالوا: من الأدلة على وصول ثواب الصوم حديث عائشة كما سبق، ومن الأدلة على وصول ثواب الحج أدلة كثيرة منها (أن امرأة من جهينة قد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أَفَأَحُج عنها؟ قال: حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) لكن أجاب الجمهور بأن هذا نذر واجب والحج أيضا وردت فيه النيابة قال الحنابلة والأحناف فجازت النيابة في الحج، والحج عبادة مركبة من المال فدل على جواز، على وصول ثواب الأعمال البدنية. وكذلك أيضا قالوا: من أدلتنا أن المسلمون أجمعوا على أن قضاء الدين يسقطه من ذمة الميت، ولو كان من أجنبي، ومن غير تركته كما في حديث أبي قتادة حينما ضمن الدينارين. وأيضا قالوا إن أدلتنا القياس، فنقيس هبة ثواب العمل للميت على هبة المال للحي فكما أن الإنسان إذا وهب ماله للحي فلا بأس فكذلك نقيس عليه ثواب عمله للميت، والثواب حق للعامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم لا يمنع من ذلك، كما لم يمنع من هبة ماله في حياته وإبرائه منه بعد مماته. وقالوا: من أدلتنا القياس على الأجير الخاص والأجير الخاص هو الذي يشترط أن يباشر الفعل بنفسه فنقيس هبة ثواب العمل للميت مع أنه لا يستنيب أحدا عنه في عمله على أجرة الأجير الخاص، فله أن يعطيها من يشاء مع أنه ليس له أن يستنيب في الفعل الذي استأجر عنه أحد، ولكن إذا نظرنا إلى هذا وجدنا أن الحنابلة والأحناف ما معهم إلا القياس ما عندهم أدلة على أن ثواب الصلاة وقراءة القرآن والذكر ما عندهم إلا القياس. والمالكية والشافعية قالوا: إنا نقف عند النصوص، النصوص جاءت بوصول ثواب الدعاء والحج وكذلك الصدقة والصوم، إذا كان صوما واجبا نقف مع النصوص وندور معها إن دارت، وأما أنتم أيها الحنابلة والأحناف ما عندكم تقيسون، تقيسون ونحن لا، ما نقيس العبادات، ما فيها قياس، نتوقف عند النصوص، وبهذا يترجح مذهب من؟ المالكية والشافعية يجوز أن تهدي للميت تدعو للميت هذا يصل ثوابه، تتصدق عنه يصل الثواب، تحج عنه يصل، تعتمر يصل، تقضي عنه الصوم الواجب من رمضان أو نذر يصل، وما عدا ذلك فلا. أما تصلي ركعتين تنوي ثوابها للميت ما عليه دليل، وإن قال الحنابلة والأحناف تصوم يوم تطوع تنوي ثوابه للميت ما عليه دليل، تطوف بالبيت سبعة أشواط تهدي ثوابها للميت ما عليه دليل، تذكر الله وتسبح وتهدي ثوابه للميت ما عليه دليل، تقرأ القرآن أو سورة تهدي ثوابها للميت ما عليه دليل والواجب على المسلم أن يتقيد بالنصوص.

هناك مسائل تابعة لهذا البحث: مثل استئجار قوم يقرءون القرآن ويهدونه للميت، ومثل الأجرة على التلاوة، ومثل الاستئجار على التعليم، وأخذ الأجرة عليه، ومثل إعطاء قارئ القرآن ومعلمه ومتعلمه معونة بدون شرط أو رصد من بيت المال ومثل الوصية بأن يعطى شيء من ماله لمن يقرأ على قبره ومثل قراءة القرآن وإهدائها للميت طبعا بغير أجرة، ومثل الإهداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل قراءة القرآن عند القبور هذه مسائل كلها تحتاج إلى بحث، ولكن لا نستطيع بحثها، ولعل الله أن ييسر فيما بعد نسجلها، إن شاء الله، ونلحقها بهذا البحث. انتفاع الأموات بسعي الأحياء قلنا: إن هناك مسائل تابعة لهذا البحث هذه المسائل أولا: المسألة الأولى: استئجار قوم يقرءون القرآن ويهدونه للميت وأخذ الأجرة عن التلاوة. ثانيا المسألة الثانية: الاستئجار على التعليم يعني تعليم القرآن وأخذ الأجرة عليه. الثالثة: إعطاء قارئ القرآن ومعلمه ومتعلمه معونة بدون شرط أو رصدا من بيت المال. الرابعة: الوصية بأن يعطى شيء من ماله لمن يقرأ القرآن على قبره الخامسة: قراءة القرآن وإهدائها للميت طوعا بغير أجرة. السادسة: الإهداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. السابعة: قراءة القرآن عند القبور. أما المسألة الأولى: وهي استئجار قوم يقرءون القرآن ويهدونه للميت، فإن هذا لا يجوز بلا خلاف، بل هو عمل بدعي؛ لأنه لم يفعله واحد من السلف؛ لأنه لم يرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله أحد من السلف، ولا أمر به أحد من أئمة الدين، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الأجرة عن نفس التلاوة غير جائز؛ لأن تلاوة القرآن وأخذ الأجرة على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف؛ لأن تلاوة القرآن عبادة، والعبادات لا تؤخذ الأجرة عليها كالحج والصلاة والأذان فلا يصح أخذ الأجرة، والثواب لا يصل إلى الميت، إلا إذا كان العمل لله خالصا. وهذا الذي أخذ أجرته لم يقع عبادة خالصة فلا يكون له من ثوابه ما يهديه إلى الموتى، ولهذا لم يقل أحد: إنه يكتري من يصلي من يصوم ويصلي ويهدي ثوابه للميت، إذن فلا يجوز له بعد أخذ الأجرة أن يهديه للميت؛ لأن التالي أخذ أجرته فلا ثواب له، فكيف يهب شيئا لا ثواب له. المسألة الثانية: الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه مما فيه منفعة تصل إلى الغير وأخذ الأجرة عليه، اختلف العلماء فيه على قولين: فقيل لا يصح أخذ الأجرة على تعليم القرآن قيل: لأنه عبادة، استدلوا بأنه عبادة، ولحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - (أنه علَّم رجلا من أهل الصفة آيات من القرآن، فأعطاه قوسا فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أحببت أن تطوق قوسا من نار فاقبلها) القول الثاني: أنه يجوز الاستئجار على تعليم القرآن، ويصح أخذ الأجرة عليه لما يأتي: - أولا ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا من الصحابة امرأة على أن يعلمها آيات من القرآن، وقال: (زوجتك بما معك من القرآن) رواه البخاري. ولحديث البخاري الآخر: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) وهذا هو الصواب، هو الراجح أنه يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن. وأما ما استدل به المانعون من حديث عبادة فهو حديث ضعيف لا يقاوم حديث البخاري ولو صح فيحمل المنع فيه على أحد أمرين: أولا: أنه أن النبي منعه لفقره؛ لأنه إما لفقر أهل الصفة، وإما لكونه متبرعا بذلك فنهاه لئلا يفسد أجره. المسألة الثالثة: وهي أخذ المعلمين والمتعلمين والقارئين والمقرئين من بيت المال والتبرعات ما يعينهم على ذلك، أخذ المعلمين والمتعلمين والقارئين والمقرئين والأئمة والمؤذنين والقضاة ورجال الحسبة من بيت المال أو التبرعات ما يعينهم على ذلك جائز لا بأس به؛ لأن هذا من جنس الصدقة عنهم فيجوز وكذلك إعطائهم أرزاق من بيت المال جائز لا محذور فيه؛ لأن بيت المال فيه كفالة هؤلاء، إنما الممنوع الاستئجار كونه يستأجر شخصا يؤذن أو يستأجر شخصا يصلي بالناس وما أشبه ذلك، فهذا هو الممنوع. أما إعطائه شيئا معونة بدون اشتراط أو إعطائه من بيت المال فهذا ليس فيه شيء؛ لأن بيت المال فيه كفالة المسلمين جميعا، قال بعض العلماء: إنه إذا اضطر إلى الاستئجار فلا حرج إن تعطل المسجد، ولم يوجد إلا بأجرة فلا بأس للضرورة. أما المسألة الرابعة: وهي الوصية بأن يعطى شيء من ماله لمن يقرأ القرآن على قبره فالوصية باطلة؛ لأنه غير مشروط، استئجار من يقرأ القرآن على قبره؛ لأنه فيه معنى الأجرة وكذلك لو وقف على من يقرأ عند قبره فالتعيين باطل؛ لأنه غير مشروع؛ والوقف ماض، فيصرف في غير المصرف الذي عينه من جهات البر الأخرى. أما المسألة الخامسة: وهي التطوع بقراءة القرآن وهبة الثواب للميت بأن يقرأ القرآن ويختمه ويهدي ثوابه للميت أو يقرأ سورة ويهدي ثوابها للميت، ومثله لو سبح وهلل وأهدى ثوابها للميت فهذه المسألة مختلف فيها:

فقيل: يصل إليه ثواب القراءة كما يصل إليه ثواب الصوم والحج، وهذا مذهب الحنابلة والأحناف وكثير من المتأخرين، واستدلوا بالقياس على الدَّيْن وعلى الأجير الخاص، وعلى الأضحية وعلى الصوم والحج والصدقة. القول الثاني: المنع وقالوا لا يصل إليه ثواب قراءة القرآن وهذا مذهب طائفة من أهل السنة من المالكية والشافعية، واستدلوا بأن قراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت لم يكن معروفا عند السلف، ولا يمكن نقله عن واحد منهم مع شدة حرصهم على الخير، ولا أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام، فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم إليه ولكانوا يفعلونه. أجاب المجيزون أهل القول الأول قالوا: إن كان مورد هذا السؤال معترفا بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء، إن كان قائل ذلك معترفا بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء قيل له: ما الفرق بين ذلك وبين وصول ثواب قراءة القرآن؟ وليس كون السلف لم يفعلونه حجة في عدم الوصول، ومن أين لنا هذا النفي العام، وإن لم يكن معترفا بوصول ذلك تلك إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع. أجاب المانعون: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الصوم والحج والصدقة ولم يرشدهم إلى القراءة. أجاب المجيزون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبتدئهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم، فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له فيه، وهذا سأله عن الصوم عنه فأذن له فيه، وهذا سأله عن الصدقة عنه فأذن له فيه، ولم يمنعهم مما سوى ذلك. أجاب المانعون: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الصوم والصدقة والحج ولم يشرع لهم ما سوى ذلك، والأصل في العبادات الحظر والمنع وهي توقيفية، فلا نقيس عليه القراءة والذكر حتى يرد الدليل؛ ولأنه لا قياس في العبادات، وإنما القياس في المعاملات، وبهذا يتبين أن الصواب المنع، وأنه يقتصر في إهداء الثواب للميت على الدعاء والصدقة والحج والعمرة، وكذلك الصوم الواجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري الذي روته عائشة: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) سواء كان صوم نذر أو كفارة أو صوم من رمضان، وليس ذلك بواجب على الولي، لكن إن أحب ذلك أن يصوم وإن لم يرغب في الصيام فإنه يطعم عن كل يوم مسكين. المسألة السادسة: وهي إهداء ثواب القراءة، أو العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيها خلاف، فيها خلاف، من الفقهاء المتأخرين من استحبه ومن العلماء من رآه بدعة، وهذا هو الصواب لأمرين: الأمر الأول: أن الصحابة لم يكونوا يفعلونه. الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم له مثل أجر كل من عمل خيرا من أمته من غير أن ينقص من أجر العامل شيئا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي دل أمته على كل خير وأرشدهم ودعاهم إليه، ومن دعى إلى الهدى فله من الأجر مثل أجور من تبعه، وكل هدى وعلم فإنما نالته أمته على يده فله مثل أجر من اتبعه أهداه إليه أم لم يهده، وهذا هو الصواب أنه لا يهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم له مثل أجر الأمة فلا حاجة للهبة. المسألة السابعة: وهي قراءة القرآن عند القبور، اختلف العلماء في قراءة القرآن عند القبور على ثلاثة أقوال: وهي ثلاث روايات عن الإمام أحمد، أولها: الكراهة مطلقا. الثاني: الجواز مطلقا. الثالث: الجواز وقت الدفن والكراهة بعده. ولعل المراد بالكراهة هنا التحريم، كراهة التحريم؛ لأنها هي المعروفة عند السلف. الأول: الكراهة مطلقا يعني التحريم أنه لا يجوز القراءة، قراءة القرآن عند القبور وهذا، وهي رواية عن الإمام أحمد، وهو قول أبي حنيفة ومالك، واستدلوا بما يأتي: أولا: أن قراءة القرآن عند القبور مُحْدَث لم ترد به السنة، فلم يرد أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قرأ عند القبور، ولم يأمر به. الثاني: أن القراءة كالصلاة، فالقراءة تشبه الصلاة، والصلاة عند القبور منهي عنها، فكذلك القراءة فتقاس القراءة على الصلاة. الثالث: أن الأصل في العبادات المنع والحظر حتى يرد الدليل على الجواز بخلاف المعاملات، فالأصل فيها العمل حتى يرد المنع. الرابع: أن القراءة وسيلة للعكوف عند القبور، أن القراءة وسيلة للعكوف عند القبر وتعظيمه فتمنع سدا لذريعة الشرك. القول الثاني: الجواز مطلقا، والمراد بالإطلاق يعني وقت الدفن أو بعد الدفن، وهذه رواية عن الإمام أحمد، وهي رواية عن الإمام أحمد، وهو قول محمد بن الحسن الصاحب الثاني لأبي حنيفة، واستدلوا بما نقل عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتيمها.

ونقل أيضا عن بعض المهاجرين قراءة سورة البقرة، وقال: إنها قربة وفيها أدعية، ومع أن الدليل خاص بوقت الدفن، الدليل خاص بوقت الدفن، أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن، مع أن الدليل خاص بوقت الدفن إلا أن هؤلاء توسعوا فأجازوا القراءة مطلقا وقت الدفن وبعده. القول الثالث: الجواز وقت الدفن والكراهة بعده، وهذه رواية عن الإمام أحمد، دليلهم هو دليل أهل القول السابق ما نقل عن ابن عمر، وبعض المهاجرين ما نقل عن ابن عمر أنه أمر أن يقرأ على قبره وقت الدفن فواتح سورة البقرة وخواتيمها، وما نقل عن بعض المهاجرين قراءة سورة البقرة. وهذا هو القول الثالث هو الذي يرجحه ابن أبي العز شارح الطحاوية وقال: إن فيه جمعا بين القولين، والصواب القول الأول والصواب الكراهة والتحريم مطلقا، ويجاب عن دليل المذهبين الثاني والثالث: أولا يحتاج النقل عن ابن عمر إلى الثبوت إذا احتاج إلى صحة النقل، وكذلك ما روي عن بعض المهاجرين. ثانيا: إذا صح ما نقل عن ابن عمر فيقال بأن هذا اجتهاد منه خالف ابن عمر غيره من الصحابة، فلا حجة في قوله، خالفه فيه كبار الصحابة كأبي بكر وأبيه عمر وغيرهم هذا إذا صح، أولا يُطالب هؤلاء بصحة النقل. وثانيا: إذا صح فإنه يجاب عنه بأن هذا اجتهاد من ابن عمر خالفه فيه كبار الصحابة. وبهذا يتبين أرجحية القول بالمنع مطلقا سدا لذريعة الشرك؛ ولأن القراءة على القبور وسيلة إلى العكوف عندها وتعظيمها؛ لأن القراءة عند القبور وسيلة للعكوف عندها وتعظيمها؛ ولأن الأصل في العبادة الحظر والمنع، وكما أن الصلاة ممنوعة عند القبور فكذلك القراءة، أما القراءة بعد الدفن كالذين يذهبون إلى القبر للقراءة فيه للقراءة عنده فهذا ممنوع مطلقا ليس محلا للخلاف، القراءة بعد الدفن كالذين يأتمون القبور، ويأتونها مرات بعد مرات ويقرءون القرآن عند القبور، فهذا ممنوع؛ لأنه لم تأت به السنة، ولم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلا، والله أعلم، نعم.

قوله: والله تعالى يستجيب الدعوات ويقضى الحاجات

والله تعالى يستجيب الدعوات ويقضى الحاجات

ومشروعية الدعاء فيه رد على أهل الطبائع، وعلى عُبَّاد النجوم من يقول بالطبائع، أي أن الطبائع فاعلة بطبعها، يعني بذاتها لا بجعل الله، يعلم أن النار لا يقال لها كفي، ولا النجم يقال له أصلح مزاجي؛ لأن هذه عندهم مؤثرة طبعا لا اختيارا، فشرع الله الدعاء وصلاة الاستسقاء؛ ليبين كذب أهل الطبائع والذين يعبدون النجوم إنما يعبدونها في زعمهم لكونها رمزا للملائكة الذين يفعلون، فمشروعية الدعاء فيه رد عليهم. الذين قالوا إن الدعاء نافع وغير مفيد، الدعاء غير نافع وغير مفيد وغير مشروع وهم الفلاسفة وغالية الصوفية والمعتزلة لهم شُبَه لهم شبه عقلية، ليس عندهم شيء من أدلة الشرع: الشبهة الأولى قالوا: المشيئة الإلهية إن اقتضت وجود المطلوب فلا حاجة إلى الدعاء وإن لم تقتضه فلا فائدة في الدعاء، فعلى التقديرين الدعاء عبث؛ لأن الإرادة والمشيئة ضد الدعاء يقولون: إن اقتضت المشيئة وجود المطلوب فلا حاجة إلى الدعاء؛ وإن لم تقتض المشيئة حصول المطلوب فلا فائدة في الدعاء. ويجاب عن هذه الشبهة بجوابين: الأول: إجمالي، وهو منع الحصر في المقدمتين، فإن الحصر في هاتين المقدمتين غير مسلم به، بل ثَمَّ مقدمة ثالثة، وقسم ثالث وهي أن يقال أن تقتضي المشيئة وجود المطلوب بشرط ولا تقتضيه مع عدمه، وقد يكون الدعاء من شرطه كما تقتضي المشيئة الثواب مع العمل الصالح ولا تقتضيه مع عدمه، وكما تقتضي المشيئة الشبع والري عند الأكل والشرب ولا تقتضيه مع عدمهما، وكما تقتضي المشيئة حصول الولد بالوطء وحصول الزرع بالبذر. فإذا قدر وقوع المدعو بالدعاء لم يصح أن يقال: لا فائدة في الدعاء كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب والبذر وسائر الأسباب. الثاني الوجه الثاني: أن يقال قول هؤلاء الذين ينكرون فائدة الدعاء قولهم مخالف للشرع وللحس وللفطرة، وطرد دليلهم يلزمه الفوضى في الوجود وتعطيل المصالح، إذ يمكن أن يقال إن شاء الله لي الشبع فلا فائدة في الأكل، وإن لم يشاء فلا حاجة إليه، وإن شاء الله لي الولد فلا حاجة للزواج فكذلك إذا شاء الله لي حصول المطلوب فلا فائدة في الدعاء. قول هؤلاء لو طرد لصار فيه فوضى في الوجود وتعطيل للمصالح الجواب الثاني عن هذه الشبهة، قولكم: إن اقتضت المشيئة المطلوب فلا حاجة للدعاء. يقال بل إن الدعاء تكون إليه حاجة من تحصيل مصلحة أخرى عاجلة وآجلة من اكتساب الأجر والعبودية والتضرع والتعرف إلى الله وزيادة الإيمان، والحصول على الجنة، ومن دفع مضرة أخرى عاجلة كمرض وسوء، وآجلة كعذاب النار، وقد يعطيه الله غير طلبه ففيه فائدة على كل حال. وقولهم: إن لم تقتضه فلا فائدة فيه. يقال: بل فيه فوائد عظيمة من جلب المنافع ودفع المضار مما يعجل للعبد في الدنيا من معرفته بربه وإقراره به، وبأنه سميع قريب عليم رحيم، وإقراره بفقره إليه واضطراره إليه، وما يتبع من العلوم العلية والأحوال الذكية التي هي أعظم المطالب كما نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ما معناه: (لا يسأل اللهَ عبدٌ إلا أعطاه بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يعطيه من الخير مثلها، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها مثل ذلك) الشبهة الثانية للمانعين من الدعاء: قالوا إذا كان إعطاء الله معللا بفعل العبد كما يعقل من إعطاء المال للسائل بسؤاله، كان السائل قد أثر في المسئول حتى أعطاه يعني يقولون: لو كان الدعاء مفيد للزم من ذلك أن يكون الداعي قد أثر في الله حتى أعطاه سؤله وجواب هذه الشبهة أن يقال: إن الرب سبحانه هو الذي حرك العبد إلى دعائه فمنه الدعاء وعليه التمام فهذا الخير منه سبحانه وتمامه عليه كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - "إني لا أحمل هم الإجابة وإنما أحمل هم الدعاء، ولكن إذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه". فالله سبحانه هو الذي يقذف في قلب العبد حركة الدعاء ويجعلها سببا للخير ليعطيه إياه فما أثر فيه شيء من المخلوقات، بل هو جعل ما يفعله في عبده من الدعاء سببا لما يفعله فيه من الإجابة كما في العمل والثواب، فالله هو الذي وفق العبد للتوبة ثم قبلها، وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه، وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه. الشبهة الثالثة للمانعين من الدعاء قالوا: إن الداعي قد لا يجاب بالمرة وقد يجاب بغير المطلوب فكيف يجمع بين ذلك وبين الوعد بالإجابة، وبعبارة أخرى يقولون: إن من الناس من يسأل الله فلا يُعْطَى سؤاله، أو يعطى غير ما سئل، فلا يستجاب له ولا يحقق له المطلوب فكيف يجمع بين هذا، وبين قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}

وأجيب عن هذه الشبهة بثلاثة أجوبة: الجواب الأول: أن المراد بالدعاء في الآية العبادة، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} يعني اعبدوني أن المراد بالدعاء في الآية العبادة وبالإجابة الثواب، وعلى ذلك فلا تعارض بين الآية وبين كون السائل لا يعطى أو يعطى غير ما سأل؛ لأن معنى الآية اعبدوني أثبكم، ولم تتعرض الآية لإعطاء السائل. الجواب الثاني: أن المراد بالدعاء العموم الشامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة وإجابة دعاء السائل أعم من إعطاء المسئول، وإجابة الداعي أعم من إعطاء السائل، والداعي أعم من السائل، ولهذا فرَّق النبي صلى الله عليه وسلم بين الدعاء والسؤال وبين الإجابة والإعطاء في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) وهو فرق بالعموم والخصوص فالإجابة إن كان المراد بالدعاء العبادة فمعناها الثواب وإن أريد بالدعاء السؤال فيجاب بما فيه مصلحة، ولو لم يكن بعين مطلوبه كما في الحديث: (ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها) فيجاب في الجملة إذا وُجِدَتْ الشروطُ وانتفتِ الموانعُ. الجواب الثالث: أن يقال: إن الدعاء سبب مقتضٍ لنَيْل المطلوب والسبب له شروط وموانع، فإذا حصلت شروطه وانتفت موانعه حصل المطلوب، وإلا فلا يحصل بل يحصل غيره، ومن الفوائد في هذا المقام أن الأدعية والتعوذات والرُّقَى بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده، فمتى كان السلاح سلاحا تاما، والساعد ساعدا قويا والمحل قابلا، والمانع مفقودا حصلت به النكاية في العدو. ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة: السبب في ذاته، ووجود المعين، وفقد المانع: تخلف التأثير كذلك الدعاء إذا كانت نفسه غير صالحة كأن يكون بإثم أو قطيعة رحم أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثَمَّ مانع من الإجابة كأكل الحرام وكثرة السيئات لم يحصل الأثر. وبعض الصوفية، بعض الصوفية يخص منع الدعاء بخواص العارفين يقول خواص العارفين ما يحتاجون الدعاء، أما عامة الناس يحتاجون الدعاء قد يخص بعض الصوفية منع الدعاء بخواص العارفين، ويجعل الدعاء علة في مقام الخواص يعني مرض في مقام الخُلَّص الذين وصلوا إلى الله وتمكنوا من العبادة بزعمهم. والجواب هذا من غلطات بعض الشيوخ، شيوخ الصوفية فكما أنه معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام فهو معلوم الفساد بالضرورة العقلية، فإن منفعة الدعاء أمر أنشئت عليه تجارب الأمم حتى إن الفلاسفة تقول: ضجيج الأصوات في هياكل العبادات بفنون اللغات تحلل ما عقدته الأفلاك المؤثرات؛ لأن الأفلاك عندهم مدبرة فاعترفوا هذا وهم مشركون اعترفوا بفائدة الدعاء الأسباب، والدعاء سبب من الأسباب، الإنسان له أحوال معينة، إما أن يركن إليها وإما أن يلغيها بالكلية وإما أن يعترف بها ويعرض عنها، وإما أن يعمل بها على أنها سبب. حكم الالتفات إلى الأسباب فقط، ما حكم الالتفات إلى الأسباب فقط؟ وما حكم إلغائها بالكلية؟ وما حكم الإعراض عنها مع الإقرار بها؟ وما مذهب أهل السنة في ذلك؟ ، الالتفات إلى الأسباب والركون إليها شرك في توحيد الربوبية كون الإنسان يعتمد على السبب وينسى الله، الالتفات إلى الأسباب والركون إليها شرك في توحيد الربوبية وذلك كركون المعتزلة وعلماء الطبيعة القائلين بالتفاعل بين الماءين والقائلين بأن النار محرقة بطبعها، فهم يقولون علماء الطبيعة الولد يحصل بالتفاعل بين الماءين، والنار محرقة بطبعها وذاتها، هذا شرك في الربوبية. وإلغاء الأسباب بالكلية ومحوها أن تكون أسبابا نقص في العقل، وتكذيب للمحسوس. والإعراض عن الأسباب بالكلية مع الاعتراف بها قدح في الشرع؛ لأن الله ربط دخول الجنة والنجاة من النار بأسباب. ومذهب أهل السنة لا بد من الاعتراف بالأسباب ولا بد من اعتقاد أنها جعلية، أي بجعل الله لها أسبابا لا لذاتها، ولا بد من الأخذ بها، والعمل بمقتضاها مع التوكل والرجاء، فمعنى التوكل والرجاء يتألف من وجود التوحيد والعقل والشرع والفرق بين التوكل على الله ورجائه، وبين العجز والغرور هو أن الأول الأخذ بالأسباب مع تفويض الأمر إلى الله والطمع في النتائج. والثاني ترك الأسباب والطمع في حصول نعمة الله وخيره والدعاء أعم من السؤال والاستغفار، والدعاء أعم من السؤال، والاستغفار أخص من الاثنين، نعم.

قوله: ويملك كل شيء ولا يملكه شيء

ويملك كل شيء ولا يملكه شيء

قوله: ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين

ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين

قوله: ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين

ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين

قوله: والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى

والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى

شبهتهم قالوا: لو تعلقت صفات الأفعال بمشيئة الله لكان محلا للحوادث وبعبارة أخرى يقولون: لو كانت حادثة في وقت دون وقت واتصف بها لكان محلا للحوادث وبعبارة أخرى يقولون: إن صفات الأفعال حادثة والصفات القائمة بالذات قديمة، والقديم ليس محلا للحوادث؟ الرد عليهم: أن نقول بل هي صفات أفعال ولا تسمى حوادث فكما سميتم الصفات الذاتية صفات فسموا الصفات العليا صفات ولا تسموها حوادث. تأويل النفاة من الجهمية والكلابية والأشعرية وغيرهم لصفة الرضى الغضب ونحوها، وشبهتهم والرد عليهم أوَّلوا الرضى أوَّلوا صفة الرضى في إرادة الإحسان وأولوا صفة الغضب في إرادة الانتقام شبهتهم قالوا: إن الرضى الميل والشهوة والغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، وذلك لا يليق بالله تعالى لأنها من صفات المخلوقين الذين هم محل الأعراض والحوادث. الرد عليهم ومناقشتهم من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن هذا نفي للصفة، وقد اتفق أهل السنة على أن الله يأمر بما يحبه ويرضاه، وإن كان لا يريده ولا يشاءه وينهى عما يسخطه ويكرهه ويبغضه ويغضب على فاعله وإن كان قد شاءه وأراده فقد يحب عندهم ويرضى ما لا يريده، ويكره ويسخط ويغضب لما أراده. الوجه الثاني: أن غليان دم القلب في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الغضب وليس هو الغضب، والميل والشهوة في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الرضى وليس هو الرضا. الوجه الثالث أن يقال: وكذلك الإرادة والمشيئة فينا هي ميل الحي إلى الشيء أو إلى ما يلائمه ويناسبه، فالمعنى الذي صرفت إليه اللفظ أيها النافي وهو الإرادة كالمعنى الذي صرفت عنه اللفظ وهو الرضى والغضب سواء، فإن جاز وصفه بالإرادة جاز وصفه بالرضى والغضب، وإن امتنع وصفه بالغضب والرضى امتنع وصفه بالإرادة. فإن قالوا الإرادة التي يوصف الله بها مخالفة للإرادة، الإرادة التي يوصف الله بها مخالفة للإرادة التي يوصف بها العبد، وإن كان كل منهما حقيقة. قيل لهم: إن الغضب والرضى الذي يوصف الله به مخالف للرضى والغضب الذي يوصف به العبد، وإن كان كل منهما حقيقة. وهذا الكلام يقال لكل من نفى صفة من صفات الله لامتناع مسمى ذلك في المخلوق فإنه لا بد أن يثبت شيئا لله تعالى على خلاف ما يعهده حتى في صفة الوجود فإن وجود العبد كما يليق به لا يستحيل عليه العجب، ووجود الباري كما يليق به يستحيل عليه العجب، ويقال أيضا للمؤول والنافي يلزمك في تأويلك للصفات ونفيها ثلاثة محاذير: المحذور الأول: صرف اللفظ عن ظاهره. المحذور الثاني: تعطيل الرب عن صفاته. المحذور الثالث: يلزمك من المحذور فيما فررت إليه مثل ما ادعيته فيما فررت عنه. وبهذا التلخيص يتضح معنى هذا الموضوع وهو صفات الذات وصفات الأفعال نعم.

قوله: ونحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا نفرط في حب أحد منهم

ونحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا نُفْرِط في حب أحد منهم

قوله: ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم إلا بخير

ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم إلا بخير

أولا: قول الله تعالى {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} فدلت الآية على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد كما دلت الآية والحديث على التفضيل بالمبايعة تحت الشجرة وهي قول الله تعالى: {* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} وحديث جابر في صحيح مسلم (لا يلج النارَ أحدٌ بايع تحت الشجرة) الثاني: أن الصلاة إلى القبلة منسوخة ليس بمجرده فضيلة، الصلاة إلى القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس ليس بمجرده فضيلة لأمرين: أحدهما: أن النسخ ليس من فعلهم. وثانيهما: أنه لم يدل على التفضيل به دليل شرعي، وحب الصحابة حب الصحابة من الدين: من الدين ومن الإيمان حب الصحابة. دين وإيمان لأمرين: أولا:: لامتثالهم بل لثلاثة أمور: لامتثالهم لأمر الله. وثانيها: ولحث الرسول صلى الله عليه وسلم عليه فهو من الحب في الله، وهو أيضا طاعة لله ولرسوله، ويذكر في هذا الحديث حديث أصحابي (كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) . هذا يذكره أهل الأصول يستدلون به، والحديث باطل ليس بصحيح سندا ومتنا أما من جهة السند فليس في شيء من دواوين السنة فهو حديث ضعيف، قال البزار: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هو في كتب الحديث المعتمدة فلا يحتج به أصلا، وأما معناه فمعناه فاسد (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وذلك أن الصحابة إذا اختلفوا في قولين، فقال بعض الصحابة: هذا حلال وقال آخرون: هذا حرام يعني هذا الذي يقتدي بالصحابي الذي يقول هو حرام مهتدي هذا فاسد فدل على بطلان هذا الحديث سندا ومتنا. شارح الطحاوية ابن أبي العز انتقد الطحاوي حينما قال هنا الطحاوي: وحبهم دين وإيمان. حب الصحابة من الإيمان وبغضهم كفر ونفاق وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. هكذا يقول الطحاوي حبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر وطغيان ونفاق هذا كلام صحيح، لكن الشارح الطحاوية ألزم الطحاوي بالتناقض؛ لأنه قال فيما سبق الطحاوي: والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، الإيمان كم هو؟ مركب من شيئين إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل القلب وعمل الجوارح ما يدخل في الإيمان عند الطحاوي، والحب أليس عملا قلبيا الحب هنا عمل قلبي جعله من الإيمان، هذا صحيح يوافق ما ذهب إليه جمهور أهل السنة. لكن الشارح ألزم الطحاوي بالتناقض قال: أنت قلت في الأول الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان ولم تدخل أعمال القلوب، ولا أعمال الجوارح من الإيمان، وهنا قلت: حب الصحابة إيمان، والحب عمل قلبي، وليس هو التصديق فيكون العمل داخلا في مسمى الإيمان معناه وافقت جمهور أهل السنة، وهذا هو الحق هذا حق لكن ينبغي لك يعني أيها الطحاوي ينبغي لك أن تضيف هذا في التعريف، فتقول: الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالقلب وعمل بالجوارح حتى يتناسب مع قولك هذا فتوافق جمهور أهل السنة وهو الحق. ولكن شارح الطحاوية اعتذر عنه قال: لعله أراد أن هذه التسمية مجاز كما سميت الصلاة إيمان مجازا عند الطحاوي والأحناف في قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي صلاتكم إلى بيت المقدس فسميت إيمانا سميت إيمانا مجازا، والصواب أن التسمية حقيقية؛ لأن العمل من الإيمان سواء كان عملا قلبيا أو عملا من أعمال الجوارح. والأدلة من الكتاب والسنة لمذهب أهل السنة في الصحابة وفضلهم والترضي عنهم أدلة كثيرة منها قول الله تعالى: {* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} إلى آخر الآية، ومنها قول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) } ومنها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ومنها قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} .

ومن السنة أحاديث كحديث: (لا تسبوا أصحابي فالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) وحديث مسلم (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) وحديث (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) والحديث وإن كان فيه ضعف لكن له شواهد. من ذلك ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قيل لها: إن ناسا يتناولون يعني بالسب أصحاب رسول الله حتى أبا بكر وعمر قالت: (وما تعجبون انقطع عملهم في الدنيا فأحب الله ألا يقطع عنهم الأجر) . وكذلك أيضا ما ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: (لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم مع رسول الله ساعة خير من عمل أحدكم أربعين سنة) وفي رواية: (هي خير من عمل أحدكم عمره) في رواية وكيع قول ابن مسعود - رضي الله عنه - (إن الله سبحانه اختار نبيه واصطفاه وابتعثه بالرسالة فنظر في قلوب الناس فرأى قلب محمد صلى الله عليه وسلم واختصه فرآه أصفى القلوب وأبرها فاختاره الله واصطفاه لنبوته. ثم نظر في القلوب بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فرأى قلوب أصحابه أبرها فاختارهم لصحبة نبيه) أو كما قال - رضي الله عنه - والنصوص في هذا كثيرة، والنصوص في فضل الصحابة وفضلهم ومكانتهم وأدلتها كثيرة من الكتاب ومن السنة. نعم.

قوله: ونثبت الخلافة بعد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أولا لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة ثم لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثم لعثمان - رضي الله عنه - ثم لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهم الخلفاء الرا

ونثبت الخلافة بعد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أولا لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة ثم لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثم لعثمان - رضي الله عنه - ثم لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون

كذلك علي - رضي الله عنه - ثبتت له الخلافة بالاختيار والانتخاب من أكثر أهل الحل والعقد بايعه أكثر أهل الحل والعقد سوى معاوية وأهل الشام، هذا واحد. إذن تثبت الولاية والخلافة بأي شيء؟ بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد. الثاني: الأمر الثاني تثبت الخلافة بولاية العهد من الولي السابق أن يعهد ولي الأمر بالخلافة لمن بعده، ومثال ذلك ثبوت الخلافة لعمر بن الخطاب فإنها ثبتت له بولاية العهد من أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - تثبت له الخلافة، ثبتت له الخلافة بولاية العهد. الأمر الثالث: تثبت الخلافة بالقوة والغلبة إذا غلب الناس بسيفه وسلطانه واستتب له الأمر، وجب السمع له والطاعة وصار إماما يجب السمع له والطاعة والدليل على هذا ما جاء في الحديث حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسمع وأطع وإن كان عبدا حبشيا مُجَدَّع الأطراف) إذا غلبنا بسيفه ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف يعني مقطوع اليد والرجل والأذن والأنف نسمع له ونطيع. لكن لو كان الاختيار والانتخاب نختار هذا العبد المقطع ولّا ما نختاره؟ ما نختاره. ولكن إذا غلب بالقوة والسيف وجب السمع له والطاعة. وعلى هذا جميع خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس ومن بعدهم إلى يومنا هذا، كلها خلافة ثبتت بالغلبة والقوة، ما ثبتت خلافته بالاختيار والانتخاب إلا للخلفاء الراشدين فقط، ومن عاداهم كلها ثبتت بالقوة والغلبة واضح هذا ـ يجب على طالب العلم أن يكون على إلمام بهذا. الخلافة والولاية تثبت لولي الأمر بواحد من ثلاثة أمور: الأمر الأول: الاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد. الأمر الثاني: بولاية العهد من الخليفة السابق. الأمر الثالث: بالقوة والغلبة إذا غلب الناس بسيفه وقوته وسلطانه حتى استتب له الأمر صار إماما يجب السمع له والطاعة، فإن جاء آخر ينازع الأول يقتل الثاني؛ لأن الثاني جاء يفرق أمر المسلمين بعد اجتماعهم على الأول كما جاء في حديث أبي سعيد في صحيح مسلم (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهم) الآخر لماذا جاء؟ جاء بعد أن استتب الأمر للأول، واجتمع الناس على الأول، فجاء الثاني يُفَرِّق جماعة المسلمين يُقْتَل الثاني؛ لأن الولاية ثبتت للأول واضح هذا. هذه مسائل مهمة ينبغي على طالب العلم أن يكون على إلمام بها ثبوت الخلافة لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بماذا ثبتت؟ اختلف العلماء في ثبوت الخلافة لأبي بكر الصديق على قولين: القول الأول: أنها ثبتت بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، وهذا هو الصواب يعني ثبتت باختيار المسلمين، وهذا هو قول جمهور العلماء والفقهاء، وأهل الحديث والمتكلمين كالمعتزلة والأشعرية وغيرهم، وهذا هو الراجح. القول الثاني: أنها ثبتت بالنص من النبي صلى الله عليه وسلم لا بالاختيار والذين قالوا بالنص بعضهم قال: إنها ثبتت بالنص الجَلِيِّ، وقال بعضهم: إنها ثبتت بالنص الخفي. الذين قالوا: إنها ثبتت بالاختيار والانتخاب وهم الجمهور استدلوا بدليلين: الدليل الأول: الحديث الخبر المأثور عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-ما عن عمر - رضي الله عنه - أنه لما طعن قيل له: (اسْتَخْلِفْ يا أمير المؤمنين فقال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر، وإن لا أستخلف لم يستخلف من هو خير مني يعني النبي صلى الله عليه وسلم) . ووجه الدلالة: أن عمر لم ينكر عليه الصحابة مقالته، ولو كانت الخلافة ثبتت لأبي بكر بالنص لأنكر الصحابة عليه، وقالوا لا يا عمر ثبتت الخلافة لأبي بكر استخلف الرسول -عليه الصلاة والسلام- استخلفه، ونص عليه -عليه الصلاة والسلام- ولا نتهم الصحابة بتواطئهم معه، ولا نتهم عمر في قوله؛ لأنهم عدول فدل على أن خلافة أبي بكر ثبتت بالانتخاب لا بالنص. الدليل الثاني: ما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- حين اجتمع الأنصار في ثقيفة بني ساعدة إلى سعد بن عبادة وجاءهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وأن أبا بكر تكلم فقال في كلامه: (نحن الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة فقال عمر: بل نبايعك بل نبايعك فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فبايعوه. وجه الاستدلال: لو كان هناك نص عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الخليفة بعده أبو بكر لذكره أبو بكر في الوقت الحَرِج ولذكره عمر في الوقت الحرج ولم يعلل بالسيادة والوزارة والاستدلال بفضائله على صلاحيته للولاية فدل على أنه ما فيه نص، لو في نص كان الرسول نص على خلافة أبي بكر، الصحابة أرادوا أن يجعلوا منهم، الأنصار أرادوا أن يجعلوا منهم أمير، فقال بعض الصحابة: منا أمير ومنكم أمير من الأنصار أمير ومن قريش أمير. قال أبو بكر: لا، لا تصلح الولاية إلا لهذا الحي. لو كان في نص عن النبي صلى الله عليه وسلم لقال أبو بكر هذا النص عندنا وقال عمر: هذا النص، والنص يسكت الجميع فدل على أنه ما في نص.

أما الذين قالوا: إن خلافة أبي بكر ثبتت بالنص فاستدلوا بأدلة، وهذا قول طوائف من أهل الحديث والمتكلمين. ويروى عن الحسن البصري استدلوا بأدلة بأنواع من الأدلة: النوع الأول: قصة المرأة التي وعدها أن تأتي أبا بكر إن لم تجده (جاءت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم لما أرادت أن تنصرف قالت: يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال إن لم تجديني فأتي أبا بكر) قالوا: هذا دليل على أنه نص على أن أبا بكر هو الخليفة بعده. وأجيب عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد وكل أبا بكر في قضاء الحوائج وقد يُوَكَّلُ في قضاء الحوائج مَن لا يصلح للخلافة. النوع الثاني: الأمر بالاقتداء به يقول النبي صلى الله عليه وسلم (اقتدوا بالَّذَيْنِ من بعدي: أبي بكر وعمر) قالوا: هذا دليل، نص على أنه هو الخليفة. وأجيب بأنه قد يصلح للقدوة مَن لا يصلح للخلافة. الثالث: دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وهمه بما هم به دخل على عائشة وقال: (ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا -وفي لفظ- حتى لا يطمع في هذا الأمر طامع، ثم لم يكتب وقال: يأبى الله ورسوله والمسلمون إلا أبا بكر) . وأجيب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وكل الخلافة إلى قضاء الله وترك الأمر للمسلمين، والمعنى يأبى الله قضاء وقدرا والمسلمون اختيارا وانتخابا إلا أبا بكر. الرابع: أحاديث تقديمه في الصلاة: النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) قالوا: هذا نص على أنه هو الخليفة بعده. وأجيب بأنه قد يصلح للإمامة في الصلاة من لا يصلح للإمامة العظمى. الخامس: المنامات يعني رُؤَى ومنامات فيها (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى كأنه نزع دلوا، أن النبي نزع دلوا ونزع بعده أبو بكر وشرب وفي شربه ضعف ثم نزع عمر فاستحالت غربا) وفي رؤيا (أنه نزل ميزان من السماء فوزن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر فرجح النبي صلى الله عليه وسلم ووزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر …. ثم رفع الميزان) وقصص أخرى من المنامات قالوا: هذا دليل نص على أن أبا بكر هو الخليفة بعد. وأجيب بأن هذا المنامات لو كانت نصا في خلافة أبي بكر لكانت نصا في خلافة عمر وعثمان لكن لم يذهب أحد إلى أن المنامات نص في خلافة عمر وعثمان فدل على أنها كشف للمستقبل ومبشرات. ومن أدلتهم قالوا اختصاص أبو بكر بالخلة لو كان هناك موضع لها لقوله صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الرحمن) قالوا هذا نص في أنه الخليفة بعده. وأجيب بأن الخلة شيء وسياسة الأمور شيء آخر. شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: والتحقيق في خلافة أبي بكر -وهو الذي يدل عليه كلام أحمد- أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم، هذا كلام من شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: والتحقيق في خلافة أبى بكر -وهو الذي يدل عليه كلام أحمد الإمام أحمد- أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوقوعها على سبيل الحمد لها والرضا بها، وأنه أمر بطاعته وتفويض الأمر إليه، وأنه دل الأمة وأرشدهم إلى بيعته. فهذه الأوجه الثلاثة: الخبر، والأمر، والإرشاد ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم فالأول كالمنامات، والثاني كحديث (اقتدوا بالَّذَيْنِ من بعدي أبي بكر وعمر) والثالث تقديمه له في الصلاة، وبهذا يتبين أن الصواب في المسألة أن خلافة أبا بكر الصديق ثبتت باختيار الصحابة ومبايعتهم. وأما قول الإمامية، وهي أقوال باطلة، من الأقوال: قول الإمامية الرافضة: إن الخلافة ثبتت بالنص الجلي على عليٍّ وكذلك قول الزيدية الجارودية ثبتت بالنص الخفي عليه، وقول الرواندية: إنها ثبتت بالنص على العباس، فهذه أقوال ظاهرة الفساد عند أهل العلم والدين. يقول شيخ الإسلام: هذه الأقوال أقوال ظاهرة الفساد عند أهل العلم والدين وإنما يدين بها إما جاهل، وإما ظالم وكثير مما يدين بها زنديق. هذا كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- يعني من يقول: إن الخلافة ثبتت لعلي أو العباس أو كذا هذه أقوال الزنادقة لا يُعَوَّل عليها. أما خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإنها ثبتت الخلافة بالعهد من أبي بكر، أبو بكر عَهِدَ بالخلافة إلى عمر فبايعه الناس، وثبتت له البيعة، وذلك بتفويض أبو بكر الخلافة إليه، واتفاق الأمة بعده عليه، وفضائل عمر كثيرة، والأدلة في هذا كثيرة. ثبوت الخلافة لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - ثبتت الخلافة لعثمان - رضي الله عنه - بمبايعة عبد الرحمن بن عوف له والناس معه والمهاجرون والأنصار، وأمراء الأجناد والمسلمون، وذلك بعد أن عهد عمر إلى الستة: أهل الشورى، ومعروف قصة قتل عمر، وقصة دفنه، وقصة البيعة وأهل الشورى هذه سردها الإمام البخاري في صحيحه الحديث الطويل، الحديث الطويل ذكر فيه قصة قتل عمر وقصة دفنه وقصة البيعة وأمر الشورى.

ثبوت الخلافة لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ثبتت الخلافة لعلي بن أبي طالب بمبايعة الصحابة سوى معاوية مع أهل الشام فهي ثبتت له بمبايعة أكثر الناس ممن تنعقد بهم البيعة إذن علي ما اجتمع الناس عليه ثبتت له الخلافة بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد، وأما معاوية وأهل الشام فامتنعوا لا؛ لأنهم يطلبون الخلافة؛ لا لأن معاوية يطلب الخلافة، بل يطالب بقتلة عثمان يطالب بدم عثمان. ويقول: الخلاف بينه وبين علي يقول: اقتص من قتلة عثمان، وأنا أبايعك أنا أتوقف حتى ينتصر للشهيد المظلوم وهو عثمان - رضي الله عنه - ويقول: إنه أقرب الناس إليه، وعلي - رضي الله عنه - لا يمانع ولكنه لا يستطيع في ذلك الوقت بسبب الفتنة، وهؤلاء الذين قتلوا عثمان اندسوا في العسكر ولا يعرفون وهؤلاء لهم قبائل تنتصر لهم. والمسألة فيها فوضى واضطراب ولا يستطيع، فعليّ - رضي الله عنه - يقول: بعدما تهدأ الأحوال نستطيع نأخذ قتلة عثمان، ومعاوية قال: لا أنا أريد الآن وحصل الخلاف فامتنع معاوية وأهل الشام ثم بعد ذلك الخلاف زاد حتى حصلت الحروب المعروفة بين الصحابة عن اجتهاد كل مجتهد ومن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر. إذن ثبتت الخلافة لعلي بمبايعته أكثر الصحابة وامتنع من مبايعته معاوية وأهل الشام فهي ثبتت بمبايعة أكثر الناس ممن تنعقد بهم البيعة، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وقال الرافضة: ثبتت الخلافة لعلي بالنص الجلي أو بالنص الخفي سبب الخلاف والقتال بين علي ومعاوية هو -كما سمعتم- الاجتهاد ومعاوية وأهل الشام يطالبون بدم عثمان ومعاوية يقول: أنا أقرب الناس إليه، وعلي - رضي الله عنه - يرى أنه ثبتت له البيعة، وأنه يجب عليه أن يخضع معاوية وأهل الشام حتى يبايعوا فحصل النزاع ثم حصل القتال عن اجتهاد كل منهم متأول. الخلفاء الراشدون من هم؟ أربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ولأبي بكر وعمر مزية على عثمان وعلي، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين ولم يأمرنا بالاقتداء في الأفعال إلا بأبي بكر وعمر فقال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر) والاقتداء أخص من الاتباع إذ إن هناك فرقا بين اتباع سنتهم والاقتداء بهم. ويروى عن أبى حنيفة تقديم عليٍّ على عثمان في الفضيلة لا في الخلافة، قول لأبى حنيفة أن تقديم عليّ في الفضيلة لا في الخلافة، ولكن ظاهر مذهبه تقديم عثمان على عليّ، ظاهر مذهبه تقديم عثمان على عليّ، وعلى هذا عامة أهل السنة ويؤيده قول عبد الرحمن بن عوف، وقول أيوب السبختياني مَن لم يقدم عثمان على عليّ فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار يعني احتقرهم؛ لأن المهاجرين والأنصار أجمعوا على بيعة عثمان وتقديمه في الخلافة. وثبت عن ابن عمر -وهو في الصحيحين- (قال: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فيبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكر) نعم. أَعِدْ ونثبت الخلافة بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أولا لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثم لعثمان - رضي الله عنه - ثم لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهما الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون. هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة كما ذكر المؤلف -رحمه الله- الخلافة ثبتت أولا لأبي بكر ثم لعمر ثم عثمان ثم علي، وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون باتفاق أهل السنة والجماعة. نعم.

قوله: وأن العشرة الذين سماهم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبشرهم بالجنة نشهد لهم بالجنة على ما شهد لهم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقوله الحق: وهم أبو بكر، وعمر وعثمان وعلي وطلحة، والزبير وسعد وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو

وأن العشرة الذين سماهم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبشرهم بالجنة نشهد لهم بالجنة على ما شهد لهم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقوله الحق: وهم أبو بكر، وعمر وعثمان وعلي وطلحة، والزبير وسعد وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وهو أمين هذه الأمة -رضي الله عنهم- أجمعين

استبدال الرافضة بالعشرة اثنى عشر إماما مع بيان عددهم الرافضة توالي بدل العشرة المبشرين بالجنة اثنى عشر إماما، وهم: علي بن أبي طالب ويدعون أنه وصى النبي صلى الله عليه وسلم دعوى عارية عن الدليل، ثم الحسن بن علي، ثم الحسين بن علي، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي العسكري، ثم محمد بن الحسن العسكري المهدي، وهو الإمام المنتظر عندهم الذي دخل سرداب سامرا بالعراق سنة ستين ومائتين 260 ويغالون في محبتهم ويتجاوزون الحد. الرد عليهم بالسنة وما يصدقها من الواقع يرد على الرافضة بأنه لم يأت ذكر الأئمة الاثني عشر إلا على صفة ترد قولهم هؤلاء الأئمة الاثني عشر الذين ذكروهم، ما فيه دليل يدل عليهم، والذي ورد في السنة إنما ورد على صفة ترد قولهم وتبطله، وهو ما خرَّجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: (لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنى عشر رجلا كلهم من قريش) . وتصديق الواقع لهذا الحديث وكان الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والاثنى عشر من هم؟ هم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية الخامس وابنه يزيد، وعبد الملك بن مروان وأبنائه الأربعة الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وبينهم عمر بن عبد العزيز. ولا يزال الأمر أمر الإسلام قائما، والجهاد قائما في أيام هؤلاء، ثم أخذ الأمر بعدهم في الانحلال، فالإسلام عزيز وقوي في أيام هؤلاء وإن كان فيه حصل ما حصل لكن الإسلام قوي وظاهر ومنتشر والسنة قائمة، والجهاد قائم، ثم أخذ الأمر بعدهم في الانحلال. وعند الرافضة أن أمر الأمة لم يزل في أيام هؤلاء فاسدا، يتولى عليهم الظالمون المعتدون بل المنافقون الكافرون، وأهل الحق عندهم الذين وهم أهل البيت أذل من اليهود، هكذا يقول الرافضة، وقولهم ظاهر البطلان؛ فإن الإسلام لم يزل عزيزا في ازدياد وفي ازدياد في زمن هؤلاء. نعم. حسن القول في الصحابة وأمهات المؤمنين فيه براءة من النفاق ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأزواجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المطهرين من كل رجس فقد برئ من النفاق. نعم من أحسن القول في أصحاب الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأحسن القول في أزواجه وذريته فقد برئ من النفاق، ومن طعن في الصحابة وطعن في أمهات المؤمنين وفي ذرية النبي صلى الله عليه وسلم هذا لمرض في قلبه ونفاق في قلبه، نسأل الله السلامة والعافية. فأهل الحق يحسنون القول في الصحابة وأمهات المؤمنين وعلماء السلف والتابعين وأهل الخير وأهل الفقه، وهذا فيه براءة من النفاق، والرافضة أول من أحدث الرفض، الرفض هو تولي أهل البيت ورفض بقية الصحابة. وأول من أحدثه منافق زنديق هو عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري من أهل اليمن وقصده إبطال دين الإسلام وإفساده بمكره وخبثه، وطريقته التي سلكها أولا: إظهار التنسك والتعبد، ثم إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى سعى في فتنة عثمان وقتله بطريق الأمر والنهي ثم لما قدم الكوفة أظهر الغلو في علي والنصر له ليتمكن بذلك من الرفض والرفض هو باب الزندقة. وسبب ذلك أن أول من أحدثه منافق زنديق يظهر الخير ويُضْمِر الشر وهو عبد الله بن سبأ كما حكاه أبو بكر الباقلاني عن الباطنية، كيفية إفساد الباطنية لدين الإسلام ومقالتهم للداء، هو أنهم يظهرون غير ما يبطنون، الباطنية يظهرون غير ما يبطنون ويقولون للداعي يجب عليك إذا وجدت من تدعوه مسلما أن تجعل التشيع عنده دينك وشعارك، واجعل المدخل من جهة ظلم السلف لعلي وقتلهم الحسين والتبرى من تيم وهم قبيلة أبي بكر وعدي وهم قبيلة عمر وبني أمية قبيلة عثمان وبني العباس وأن عليا يعلم الغيب ويفوض إليه خلق العالم. فإن وجدت منه عند الدعوة إجابة ورشدا أوقفته على مثالب علي وولده -رضي الله عنهم- أي طريقته، أولا يدعون إلى علي وأنه يعلم الغيب، فإذا استجاب لهم أطلعوه على عيوب علي وأهل البيت حتى يتبرأ من هؤلاء ومن هؤلاء.

الرد عليهم ببيان كيفية إبطالهم لدين الإسلام، وهذا من أعاجيب الشيعة فإنهم إنما ينصرفون من سب الصحابة إلى سب أهل البيت وأهل بيته من أصحابه، ثم آل رسول الله صلى الله عليه وسلم والواجب على المسلم موالاة المسلمين جميعا والصحابة من الدرجة الأولى، الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) } وجه الدلالة أن الله قرن المؤمنين بالله ورسوله في الوعيد على من شاقهم فدل على وجوب موالاتهم. الأعذار في أقوال العلماء المخالفة للأحاديث الصحيحة إذا وجد لبعض العلماء قول يخالف حديثا صحيحا، فلا بد له من عذر، وجماع الأعذار في مخالفتهم له: أولا: عدم اعتقاده حديثا وأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، يعني ما اعتقد أنه حديث. ثانيا: عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول، ففهم أنه في غير محل النزاع. الثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ. الرابع: عدم بلوغه الحديث واطلاعه عليه. هذه أعذار العلماء إذا خالفوا الحديث إما أنه ما اعتقده حديثا أو اعتقد أنه ما أراد تلك المسألة بذلك القول، أو اعتقد أن الحكم منسوخ أو ما بلغه الحديث، وقد ألف شيخ الإسلام -رحمه الله- رسالة في هذا في أعذار العلماء "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" أو قريب من هذا اسم الرسالة. فضلهم ومنتهم علينا، للسلف الفضل والمنة علينا بأمور: بالسبق وتبليغهم ما أرسل به الرسول إلينا وإيضاح ما كان يخفى علينا وشرحه وتبينه. نعم.

قوله: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل

وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل

قوله: ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل

ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل

قوله: ولا نفضل أحد من الأولياء على أحد من الأنبياء -عليهم السلام- ونقول نبي واحد أفضل من جميع الأولياء

ولا نفضل أحد من الأولياء على أحد من الأنبياء -عليهم السلام- ونقول نبي واحد أفضل من جميع الأولياء

يقول ابن عربي في كتاب "فصوص الحكم" لما مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن فرآها قد كملت إلا موضع لبنة، فكان هو صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة يعني يشير إلى الحديث الذي سبق (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فأنا اللبنة فكان الناس يطوفون به ويعجبون ويقولون: لولا تلك اللبنة فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين) . ابن عربي يعارض الحديث يقول: أيش في كتابه: "ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن فرآها قد كملت إلا موضع لبنة فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة، وأما خاتم الأولياء -يعني نفسه- فلا بد له من هذه الرؤية فيرى ما مثله النبي صلى الله عليه وسلم ويرى الحائط في موضع لبنتين واحدة فضة وواحدة ذهب يعني؛ لأن الحائط مكون من لبنتين: لبنة ذهب ولبنة فضة، فلبنة الذهب هذه تعني خاتم الأولياء، ولبنة الفضة تعني خاتم الأنبياء. فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم لبنة فضة؛ لأنه خاتم الأنبياء وجعل نفسه لبنة الذهب؛ لأنه خاتم الأولياء، فيرى ما مثله النبي صلى الله عليه وسلم ويرى الحائط موضع لبنتين واحدة من فضة وواحدة من ذهب، ويرى نفسه تنطبع في موضع اللبنتين فتكمل الحائط. والسبب الموجب لكونه يراها لبنتين أن الحائط لبنة من فضة ولبنة من ذهب، واللبنة الفضة هي ظاهر البيت أو الحائط وما يتبعه ابن عربي فيه من الأحكام فهي تمثل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالأحكام الظاهرة. كما أن ابن عربي أخذ عن الله في السر ما هو في الصورة الظاهرة متبع للرسول يعني يقول: إن ابن عربي يرى أن الحائط مكون من لبنتين لبنة ذهب ولبنة فضة، فلبنة الفضة هذه ظاهر الجدار ولبنة الذهب هذه باطن الجدار، والسبب يقول: لكونه يرى ذلك أن لبنة الفضة هذه تمثل محمدا وما جاء به من الأحكام الظاهرة، ولبنة الذهب تمثل ابن عربي وما جاء به من أحكام الباطنة، فيقول: ابن عربي خاتم الأولياء تابع لخاتم الأنبياء في الظاهر، وخاتم الأنبياء تابع لخاتم الأولياء في الباطن. هكذا يقول فهي تمثل الرسول الذي جاء بالأحكام الظاهرة، كما أن ابن عربي أخذ عن الله في السر ما هو في الصورة الظاهرة متبع فيه للرسول، ابن عربي أخذ عن الله في السر لكن في الظاهر هو متبع للرسول، وفي السر أخذ عن الله مباشرة، ولا يحتاج إلى أحد؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه فلا بد أن يراه هكذا، وهو ابن عربي خاتم الأولياء موضع اللبنة الذهبية في الباطن فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به للرسول، فهو لا يحتاج إلى جبريل ولا غيره، فهو يأخذ من اللوح المحفوظ وعن الله مباشرة فلا يحتاج إلى جبريل. أما خاتم الأنبياء هذا يحتاج واسطة، وهو الملك قال في كتابه: فإن فهمت ما أشرنا إليه فقد حصل لك العلم النافع. مسألة: أصل ابن عربي: هو أن الوجود واحد، وأن الوجود الواجب هو عين الوجود الممكن، فوجود كل شيء عين وجود الحق عنده، وجود كل شيء من هذه المخلوقات هو وجود الله عنده، أيهما أشد كفرا؟ الاتحادية والحلولية، الحلولية وهم الذين يزعمون أن الله بذاته في كل مكان، وهو قول كثير من الجهمية قولهم أقل كفرا من قول الاتحادية أخف. وجه ذلك لأن من قال: إن الله يحل في المخلوقات فقد قال: بأن المحل غير الحال، وهذا تثنية عند الاتحادية وإثبات لوجودين: أحدهما وجود الحق الحال، والثاني وجود المخلوق المحل، والاتحادية لا يقرون بإثبات وجودين ألبتة؛ ولهذا من سماهم حلولية أو قال: هم قائلون بالحلول رآه محجوبا عن معرفة قولهم خارج عن الدخول إلى باطن أمرهم ومن الأقوال المتفرعة عن مذهب ابن عربي هذا الشعر يقول: الرب عبد والعبد رب *** يا ليت شعري من المكلف إن قت عبد فذاك ميت *** أو قلت رب أنى يكلف وفي بعض الروايات فذاك نفي؛ لأن العبد ليس له عندهم وجود مخلوق وكلاهما باطل، فإن العبد موجود وثابت ليس بمعدوم ومنتف، ولكن الله هو الذي جعله موجودا ثابتا. ومن كلام ابن عربي يقول: من أسماء الله الحسنى العلي، ثم يُعَرِّف العلي على ماذا؟ وما ثم إلا هو، وعن ماذا؟ وما هو إلا هو، العلي ما في إلا هو، من أسماء الله الحسنى العلي، العلي على من؟ ما في إلا غيره على من؟ وما ثم إلا هو، وعن ماذا؟ وما هو إلا هو ومن كلماته يقول: رب مالك وعبد هالك وأنتم ذلك، والعبد فقط والكثرة الوهم ويقول سر حيث شئت فإن الله ثَمَّ، وقل ما شئت فيه فالواسع الله، هؤلاء الملاحدة الزنادقة يعني يقولون هذا الكلام ومن تلبيسهم أنهم يقولون: إنك لا تفهم هذا الكلام حتى تخرق الحجاب أنت بينك وبين فهم هذا الكلام حجاب، ما هو الحجاب؟

اخرق حجاب العقل، حجاب العقل، وحجاب الشرع يعني ألغ الشرع وألغ العقل حتى تكون مجنونا، ثم تفهم كلامهم يعني حجاب الشرع وحجاب العقل وحجاب الحس أيضا، كل هذا تلغيه حتى تفهم هذا الكلام، هذا الكلام موجود وله مؤلفات وفيه ناس يدافعون عنه، مؤلفات تطبع بأوراق صقيلة وتحقق وموجودة في كل مكان في مصر، وفي الدول العربية وموجودة في المكتبات توضع عندنا في مكان خاص لأصحاب الرسائل العلمية الذين يريدون الرد أن يرد عليهم موجودة. وهناك من يدافع ولهم أتباع وأنصار وطوائف، لكل شيخ طريقة في كل بلد مائة طريقة، ولكل طريقة شيخ هذه موجودة مؤلفات ومن يعتنق هذه المذاهب كلها موجودة. الرد على الاتحادية والصوفية: أولا: أن اعتقادهم في الولاية أعظم من النبوة في هذا قلب للشريعة، اعتقادهم في الولاية أنها أعظم من النبوة في هذا قلب للشريعة؛ فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين كما قال تعالى: {أَلَا إِن أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) } . والنبوة أخص من الولاية عند أهل الحق والرسالة أخص من النبوة، فالرسالة أعلى شيء ثم النبوة ثم الولاية ويرد على الاتحادية أن الله بائن من خلقه مستو على عرشه، وأنه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. ويرد عليهم بادعائهم بأن لهم من الولاية ما هو أفضل من درجة الرسالة بأن هذه الدعوة خرق لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ومن لم يكن متبعا للأمر الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعمل بإرادة نفسه، فيكون متبعا لهواه بغير هدى من الله، وهذا غش النفس، وهو من الكبر فإنه شبيه بقول الذين قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} {حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} فقال الله ردا على مقالتهم وقطعا لأطماعهم في أن ينالوا مثل ما نال الرسل: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ووجه الشبه أن كلا من الطائفتين تعالت على الرسل وادعت أنها أحق منهم. حكم ابن عربي وشيعته من أهل وحدة الوجود في الدنيا والآخرة ما حكمهم؟ حكم الاتحادية ابن عربي وأمثاله ما حكمهم في الدنيا؟ وما حكمهم في الآخرة؟ حكم ابن عربي كافر، ومن أكثر ممن ضرب لنفسه المثل بلبنة ذهب وللرسول المثل بلبنة فضة فيجعل نفسه أعلى وأفضل من الرسول. وكيف يخفى كفر من هذا كفره كيف يخفى كفر من هذا كلامه، بل إن كفر ابن عربي وأمثاله فوق كفر الذين قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} . ويكفيك معرفة بكفرهم أن من أخف أقوالهم أن فرعون الذي ادعى الربوبية يقولون: إن فرعون مات مؤمنا بريا من الذنوب بل يجعلونه من كبار العارفين المحققين، وأنه كان مصيبا في دعواه الربوبية كما يجعلون عُبَّاد العجل مصيبين في عبادتهم للعجل بل إن السلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا: إنه في كل مكان. وكان مما أنكروه عليهم أنه كيف يكون الله تعالى، كيف يكون في البطون والحشوش والأخبية؟ تعالى الله عن ذلك فكيف بمن يجعله نفس وجود البطون والحشوش والأخبية والنجاسات والأقذار، كما يقول ابن عربي نعوذ بالله. وأين المشبِّهة والمجسِّمة من هؤلاء فإن هؤلاء غاية كفرهم أن يجعلوه مثل المخلوقات، وهؤلاء يجعلون الوجود خالقا ومخلوقا واحدا، بل كفر كل كافر جزء من كفر الاتحادية؛ ولهذا لما قيل لرئيسهم: أنت نُصَيْرِيّ؟ فقال: نُصَيْرٌ جزء مني وقد علم المسلمون واليهود والنصارى بالاضطرار من دين المرسلين أن من قال عن أحد من البشر: إنه جزء من الله، فإنه كافر في جميع الملل. حكم الاتحادية في الدنيا والآخرة ولكن ابن عربي وأمثاله منافقون زنادقة والاتحادية في الدرك الأسفل من النار إذا ماتوا على ذلك، ما يفعل بالاتحادية في الدنيا مع الدليل؟ يعامل الاتحادية معاملة المنافقين والمنافقون يعاملون معاملة المسلمين لإظهارهم الإسلام في الدنيا كما كان يظهر المنافقون الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعاملهم معاملة المسلمين لما يظهر منهم؛ لأن الاتحادية يخفون كفرهم لهم مؤلفات يظهرون أنهم قد يصلون مع الناس؛ ولو أظهر أحد منهم ما يبطنه من الكفر لأجرى عليه حكم المرتد، وهو القتل وعدم تغسيله ودفنه مع المسلمين. حكم قبول توبة الاتحادي والزنديق، الاتحادي زنديق فهل تقبل توبته؟ في قبول توبة الزنديق والاتحادي زنديق منافق خلاف، ولا تقبل توبة أحد منهم إذا أخذ قبل التوبة، إذا أخذ قبض عليه لا بد أن يجرى عليه حكم المرتد ولا يقبل منه. وأما إذا أخذ بعد التوبة ففيها خلاف، بعضهم قال: تقبل توبته وهي رواية المعلى عن أبي حنيفة، وهذا في أعمال الدنيا وحكمه حكم المرتد يقتل كفرا ولا يدفن في مقابر المسلمين.

من العلماء من قال تقبل، ومن العلماء من قال: لا تقبل توبة المنافق وتوبة من سب الله وسب الرسول أو استهزء بالله أو بالرسول أو بدينه والساحر، كل هؤلاء يقتلون ولا تقبل توبتهم في الدنيا، أما في الآخرة فأمرهم إلى الله من صدق مع الله صدقه الله، وأما في الآخرة فإن كان مخلصا قبلت توبته، وإن لم يعلم منه إخلاصه لم تقبل توبته. أما في الدنيا فإنه يعامل معاملة المرتد إذا أخذ قبل التوبة، أما إذا ادعى التوبة ثم سلم نفسه ففيه الخلاف هذا على حسب اجتهاد الحاكم، إما أن يقبل توبته وإما ألا يقبلها. مذهب أهل الاستقامة وأدلتهم: أهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع عن طريق الوحي لا الوهم ويعتقدون أن النبوة أخص من الولاية والرسالة أخص من النبوة فكل رسول نبي وكل نبي ولي، ولا عكس فليس كل نبي رسولا وليس كل ولي نبيا، أدلتهم على أن الله أوجب على الخلق متابعة الرسل أولا قول الله -تعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) } . وجه الدلالة: أن الله أوجب طاعة الرسول وأمر بطلب الاستغفار منه وأخبر أن من لم يُحَكِّم الرسول في النزاع فليس بمؤمن. ثانيا: قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) } وجه الاستدلال أن الله أخبر أن محبة الله لا تحصل إلا بمتابعة الرسول. قف على كراماتهم وإلى هنا نكتفي وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح ونأخذ المهم من الأسئلة، وغدا إن شاء الله يكون الدرس بعد المغرب وبعد العشاء، وإن شاء الله نكمل العقيدة الطحاوية، وفق الله الجميع لطاعته.

الأسئلة

الأسئلة: س: أحسن الله إليكم هل يوصف الله بالتردد كما في الحديث القدسي (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن…) الحديث؟ ج: نعم كما وصفه الرسول -عليه الصلاة والسلام- لكن هذا التردد ليس كتردد المخلوق الذي يدل على الضعف، ولكنه تعارض الإرادتين كما بين في الحديث، فالله تعالى يريد ما يريده عبده المؤمن، والمؤمن يكره الموت، فالله يريد ما يريده عبده المؤمن، ولكن الله قضى وقدر أنه يموت، فهذا تعارض إرادتين إرادة الموت؛ لأن الله قدره، وإرادة ما يريده العبد وهو كراهة الموت ولا ينافي هذا التردد ترجيح إحدى الإرادتين؛ لأن الموت لا بد منه نعم. س: أحسن الله إليكم صفتا الحياة والقيومية من أيّ أنواع الصفات؟ ج: من الصفات الذاتية الملازمة للرب -سبحانه وتعالى- لا تنفك عن الباري في الحياة نعم. س: أحسن الله إليكم: في قول عمر: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته" هل يدل على أن أبا عبيدة أفضل من عثمان وعلي؟ ج: لا يدل ما أدري عن صحة الحديث لكن هذا إن صح فمعناه بيان فضل أبو عبيدة وأبو عبيدة من العشرة المشهود لهم بالجنة. س: أحسن الله إليكم: هل هناك ثمرة من الخلاف في مسألة ثبوت خلافة أبي بكر بالاختيار أو بالنص؟ ج: نعم ثمرة الخلاف معرفة ما جاء في النصوص، وكذلك أيضا معرفة الحكم الشرعي في اختيار الخليفة. نعم. س: أحسن الله إليكم: يقول السائل ما قولكم في التفريق بين اليأس والقنوط، نعم؟ ما قولكم في التفريق بين اليأس والقنوط؟ ج: اليأس هو القنوط اليأس من رحمة الله هو القنوط، فاليائس قانط والقانط يائس متقاربان مترادفان أو متقاربان قد يكون بعضهم أشد، وإلا كل منهما فيه يأس من روح الله اليأس قال تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) } وقال {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) } فاليائس كافر والقانط ضال ضلال الكفر فهو المعنى واحد مترادفان أو متقاربان، الفرق بينهما كالفرق بين الخوف والخشية نعم. س: أحسن الله إليكم: هل قول الطحاوي: ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله فيه موافقة لقول مرجئة الفقهاء؟ ج: نعم قوله: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب إلا أن يستحله سبق الكلام في هذا والمذاهب في المسألة، وأن قوله لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب لم يستحله، هذا قول أهل السنة بذنب ما لم يستحل الذنب، يعني بذنب دون الكفر لا بد من هذا القيد لا نكفر أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، والمراد من أهل القبلة من التزم بالإسلام والتوحيد ولم يأت ناقضا من نواقض الإسلام هذا لا يكفر إلا إذا فعل ناقضا من نواقض الإسلام هذا قول أهل السنة العبارة تحتاج إلى قيد، لكن الطحاوي من أهل السنة يضم بعضه إلى بعض نعم. يحمل على أن مقصوده ما يحتاج إلى استحلال ليس المراد أنه يعني يستحل الزنا أو يستحل السرقة أو شرب الخمر هذه المعاصي كفر، أما من لم يستحلها فلا يكفر بهذا الذنب. نعم، هذا معروف مسألة عموم السلب وسلب العموم كل ذنب لا نكفر به هذا مذهب المرجئة، لا نكفر بكل ذنب هذا مذهب أهل السنة، بل الذنوب التي يستحلها يكفر بها، والتي لا يستحلها لا يكفر بها. نعم. س: أحسن الله إليكم: في قول الطحاوي والأمن والإياس هل هذا على إطلاقه أم لا بد من تقييده بالأمن والإياس الكفريان أيش؟ هل هذا على إطلاقه في الأمن والإياس أم لا بد من تقييده بالأمن والإياس الكفريين. الكليين؟ الكفريين؟ ج: الأمن والإياس لا يكونان إلا كفريين، ما هناك تقيد لا كما قال الطحاوي الأمن والإياس ينقلان من ملة الإسلام، وكما سمعت ارجع إلى الكلام الأول الذي قلناه قلنا: إن الآمن من مكر الله ليس خائف ما عنده خوف، وإذا ما كان عنده خوف يفعل جميع المنكرات ويترك جميع الواجبات وكونه مصدق بقلبه ما يكفي. وكذلك اليائس المتشائم يائس من رحمة الله يرى أنه لا يفيده أي شيء فلا يفعل واجبات مطلقا؛ لأنه متشائم ولأنه عبد الله لم يعبد الله بالخوف والرجاء فلا يكون إيمان إلا بالخوف والرجاء. نعم. س: أحسن الله إليكم: هل يكفر من قال إحدى هذه الأمور القول بخلق القرآن أو الوجودية؟

ج: القول بخلق القرآن نعم: من قال القرآن مخلوق كفر، قال الإمام أحمد وأهل السنة قالوا: من قال القرآن مخلوق كافر، هذا قول المعتزلة هذا على العموم، أما فلان ابن فلان إذا قال القرآن مخلوق لا نكفره حتى نقيم عليه الحجة لكن على العموم من قال القرآن مخلوق كافر، من أنكر علم الله وأن الله يعلم كل شيء كفر، لكن فلان ابن فلان قال القرآن مخلوق ما ندري حاله نقوله المقالة كفرية والشخص لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة، إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة تكفير على العموم، من قال القرآن مخلوق كافر أما فلان ابن فلان قال القرآن مخلوق نقول: المقالة كفرية والشخص لا يكفر إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع نعم. س: من قال إن الله في كل مكان موجود؟ ج: كذلك هذا قول الحلولية كفر كفَّره العلماء من قال: إن الله في كل مكان كفر. نعم. س: من أنكر اليد أو العين لله -سبحانه وتعالى-؟ ج: نعم من أنكر صفة من صفات الله كفر، أما إذا أولها فهذا قد يدرأ عنه الكفر، إذا أول اليد بالقدرة أو النعمة كما أول المعتزلة وغيرهم، هذا محل كلام لأهل العلم منهم من كفر المعتزلة أو لا لكن من جحد أنكر لله قال الله تعالى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ويقول لا ليس لله يدان هذا كافر جاحد مكذب لله نعم كذلك أنكر العين بعد بلوغ بعد أن يبلغه حديث الدجال (إن ربكم ليس بأعور) تقوم عليه الحجة فإنه يكفر نعم. س: أحسن الله إليكم ألا يكون قول المؤلف: ولا يَخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه من المتشابه فنرده الى المحكم من قوله: ولا نكفر أحد من أهل القبلة… إلى آخره؟ ج: نرده إلى قوله هو الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان فعرف الإيمان هذا عرف الإيمان، ما دام عرف الإيمان بأنه التصديق والكفر هو الجحود قال: لا يخرج من الإيمان إلا بجحود التصديق هذا كلامه يرد بعضه إلى بعض، معروف أنه يقرر مذهب المرجئة هذا مذهب الأحناف نعم. س: أحسن الله إليكم من عرف عنه سب الدين أو الاستهزاء به هل ينطبق عليه أحكام الكفار في عدم تغسيله والصلاة عليه؟ ج: نعم إذا عرف أنه مات على سب الله أنه يسب الله وقامت عليه الحجة، ولو لشبهة ويكون عقله معه كما أن مع المكفرات الإنسان يكون عاقل، أما إذا كان غاب عقله مجنون أو كان سكران ثم تكلم بكلمة الكفر، أو كان صغير دون التمييز، أو جاهل مثله يجهل هذا ما قامت عليه الحجة هذا لا يكفر لا بد أن يكون عالم يعلم بهذا مثله لا يجهل هذا الشيء. أما إذا كان عاش في بلاد بعيده ثم تكلم فقال الزنا حلال أو الربا حلال في مجاهيل ما سمع عن الإسلام، هذا لا بد أن تقوم عليه الحجة، أو كان مجنون تكلم بكلمة الكفر لا يؤاخذ؛ لأنه غير مكلف أو سكران تكلم بكلمة الكفر لا يؤاخذ على الصحيح أو صغير دون التمييز هذا لا يؤاخذ؛ لأنه غير مكلف أو إنسان ما قصد قال كلمة الكفر قال سبق لسان بسبب الدهشة كالرجل الذي يقول: (اللهم أنت ربي وأنا عبدك..) هذه كلمة كفرية يخاطب ربه لكن قالها عن دهشة سبقة لسان ما قصد نعم. س: أحسن الله إليكم يحدث أحيانا عندما تنصح شخصا بعمل واجب أو ترك محرم أن يقول الإيمان في القلب فكيف يرد على من هذا حاله وفقكم الله؟ ج: نعم نقول له: إذا كان الإيمان في القلب انعكس هذا على الجوارح ونقول أيضا الكفر في القلب والنفاق في القلب، الإيمان في القلب والكفر في القلب، فإذا صلح القلب صلحت الجوارح عندنا علاقة فإذا كان في قلبك إيمان لا بد أن تنقاد الجوارح كلها تصلي تصوم تؤدي الفرائض تنتهي عن المحرمات، فإذا لم تعمل بالمرة مطلقا فتكفر هذا كفر وردة ما يكفي الإيمان في القلب. أما إذا كان يعمل ولكن يفعل بعض المحرمات نقول هذا إيمانه ضعيف دليل على أن الإيمان الذي في قلبك ضعيف، الدليل كونك تزني كونك تسرق كونك ترابي هذا؛ لأن إيمانك ضعيف، أما إذا كان يقول: الإيمان في القلب ولكن لا يصلي ولا يصوم ولا يعمل شيء من الأعمال. نقول: هذا غير منقاد، إيمانك كإيمان فرعون وإيمان إبليس ما في فرق بين إيمانك وإيمان إبليس وفرعون إبليس مصدق، وفرعون مصدق ما يعملوا وأنت لا تعمل، هذا دليل على أنه ليس في قلبك إيمان، لو كان في قلبك إيمان انقادت الجوارح بالعمل، أما إذا كانت الجوارح تعمل لكن يفعل بعض المحرمات ويترك بعض الواجبات نقول هذا دليل على أن إيمانك ضعيف نعم. س: أحسن الله إليكم هل يوجد دليل يصرح بنقص الإيمان؟

ج: نعم هو كما سمعت الأدلة التي سقناها (لا يؤمن أحد …) الحديث. (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) هذا لا يؤمن يعني لا يؤمن الإيمان الكامل، وإلا لو أحب يعني قدم محبتهم على محبة الرسول فهو ضعيف الإيمان كذلك أيضا (النساء ناقصات عقل ودين) والدين هو الإيمان (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله) فإذا ذهبت بعض الشعب ينقص الإيمان الشعب الواجبة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) هذا ناقص الإيمان، لا يؤمن الإيمان الكامل الإيمان الواجب يعني الذي لا يأمن جاره بوائقه كافر وإلا ضعيف الإيمان ناقص الإيمان وهكذا نصوص كثيرة لا حصر لها، نعم. س: يقول ثبت في حديث أسامة بن زيد أنه لما قتل أحد المشركين في معركة لما قال: لا إله إلا الله، وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم (أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال: ما قالها إلا خائفا من السيف. فقال الرسول: هل شققت عن قلبه) نرجو تعليقكم على هذا الحديث وفقكم الله؟ ج: نعم وذلك لأن الكافر الذي لا ينطق بالشهادتين إذا نطق بالشهادتين يجب الكف عنه، يجب الكف عنه إذا قال أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله يجب الكف عنه، ثم بعد ذلك ننظر إن التزم بالإسلام فالحمد لله، وإن لم يلتزم صار مرتدا، ثم يقتل بعد ذلك، فأسامة - رضي الله عنه - لما رفع السيف عليه قال: لا إله إلا الله اجتهد أسامة - رضي الله عنه - ظن أنه قال تعوذا من السيف خوفا من السيف فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم شدد عليه، وقال: (أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قال يا رسول الله قالها: تعوذا قال: أشققت عن قلبه) . هل شققت عن قلبه هل تدري أقالها تعوذا أو قالها صدقا قال أسامة: (حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت يومئذ) ولذلك - رضي الله عنه - انتفع بذلك حتى إنه - رضي الله عنه - ما شارك في قتل في القتال الذي دار بين الصحابة بين معاوية وعلي من أجل هذا الحديث من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له هذا. فهذا الكافر إذا نطق بالشهادتين يُكَفُّ عنه، هذا دليل على الإيمان، ولا تقول إنه قالها ما هو صادق، ما الذي يدريك أنه غير صادق؟ انظر اصبر فإن التزم بالإسلام فالحمد لله صار مؤمنا، وإن فعل ما هو كفر قتل بعد ذلك. نعم. س: أحسن الله إليكم جاء في الحديث: (أن الله تعالى يخرج بعد الشفاعة من قال لا إله إلا الله) فهل يدخل فيه الذي لا يصلي وجزاكم الله خير؟ ج: الصواب أن من قال لا إله إلا الله يعني قالها عن صدق وإخلاص وأتاها من قال لا إله إلا الله بشروطها؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث (من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه) وفي بعضها (مخلصا) وفي بعضها (صادقا من قلبه) وفي بعضها (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله) يعني لم يشرك بالله والنصوص يضم بعضها إلى بعض ولا بد من الإتيان بشروطها. والصلاة من شروط لا إله إلا الله شرط لصحة التوحيد من لم يصل ليس بموحد مشرك؛ لأن من شرطها لأن الصلاة شرط في صحة الإيمان، والتوحيد من لم يوحد من لم يصل لم يوحد ولم يؤمن ولا تنفعه قول لا إله إلا الله، قول لا إله إلا الله إنما ينفع من أتى بشروطها، ومن شروطها الصلاة هذا هو الصواب الذي عليه المحققون. وفق الله الجميع لطاعته ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.

قوله: ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم

ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم

فالأول: وهو ما كان من باب العلم يسمى كشفا سواء كان عن طريق السماع بأن يسمع العبد ما لا يسمعه غيره ويسمى مخاطبة أو عن طريق الرؤية بأن يرى ما لا يراه غيره يقظة أو مناما، ويسمى مشاهدات أو عن طريق العلم بأن يعلم ما لا يعلمه غيره وحيا أو إلهاما أو فراسة صادقة ويسمى مكاشفة، ويسمى ذلك كله كشفا ومكاشفة أي كشف له عنه. والثاني: وهو ما كان من باب القدرة إما على الفعل وهو التأثير، وإما على الترك وهو الغنى والتأثير قد يكون همة وصدقا ودعوة مجابة، وقد يكون من فعل الله الذي لا تأثير له فيه بحال مثل هلاك عدوه بغير أثر منه، ومثل تذليل النفوس له ومحبتها إياه. وكلمات الله نوعان: كلمات دينية، كلمات كونية وكلمات دينية، فكلمات الله الكونية ضابطها هي التي استعاذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر) ؛ لأن الكلمات الدينية يتجاوزها الفاجر أما كلمات الله الكونية لا يجاوزها بر ولا فاجر ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) } . هذه من الكلمات الكونية "كن" من كلمات الله الكونية لا تتخلف إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} كلمات الله الكونية لا تتبدل والكون كله داخل تحت هذه الكلمات وسائر الخوارق الكشفية والتأثيرية داخلة تحتها. النوع الثاني: الكلمات الدينية، وهي القرآن وشرع الله الذي بعث به رسوله، وهي أمره ونهيه وخبره وحظ العبد منها العلم بها والعمل والأمر بما أمر الله به كما أن حظ العبد عموما من الكونيات والشرعيات وخصوصا من الأول العلم بالكونيات والتأثير فيها أي بموجبها، فالأولى قدرية كونية، والثانية شرعية دينية. كلمة الله الأولى قدرية كونية والثانية شرعية دينية، والخارق يتنوع إلى نوعين الكشف والتأثير، فإذن الكلمات نوعان قدرية كونية وشرعية، والخارق نوعان كشف وتأثير، ويتنوع الخارق باعتبار تنوع كلمات الله الكونية والدينية إلى أربعة أنواع: النوع الأول: كشف كوني. الثاني: كشف ديني. الثالث: تأثير كوني. الرابع: تأثير ديني. فكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية فقد يكشف له أو لغيره من حاله بعض أمور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في المبشرات: (هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرَى له) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنتم شهداء الله في الأرض) . وكشف الثانية: العلم بالمأمورات الشرعية مثل من يعلم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم خبرا وأمرا ويعمل به ويأمر به الناس، وقدرة الأولى التأثير في الكونيات وتنقسم إلى تأثير في نفسه وإلى تأثير في غيره، فالأول كمشيه على الماء وطيرانه في الهواء وجلوسه على النار، وأكله السم، وهذا لا يدل على الخير بل ربما يدل على الشر إلا إن كان صالحا نجاه الله. والثاني التأثير في غيره بإصحاح وإهلاك وإغناء وإفقار وقدرة. الثانية التأثير في الشرعيات وتنقسم إلى قسمين: تأثيره في نفسه بطاعة الله ورسوله والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطنا وظاهرا، وتأثيره في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع في ذلك طاعة شرعية بحيث تقبل النفوس ما يأمرها به من طاعة الله ورسوله في الكلمات الدينية، ومثال ذلك أن يطاع في خروج الجني من المصروع وكذلك يطيعه الإنسي. سبب حصول الكرامات للأولياء سببه بركة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي في الحقيقة الكرامة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم. الفرق بين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية: بينهما فروق متعددة منها: أن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى، والأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه ورسوله من الشرك والظلم والفواحش والقول على الله بلا علم. ثانيا من أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} والتصدية التصفيق، والمكاء التصفير، ومن أعظم ما يسبب الكرامة سماع القرآن وتلاوته والعمل به، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم أن يقرأ، والباقون يستمعون وهذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم. من أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية. الثالث الشرط الثالث: - إن من أعظم من يقوي الأحوال الشيطانية تعظيم القبور والموتى، والانقطاع في المغارات والبوادي، ومن أعظم أسباب الكرامة لزوم المساجد التي هي بيوت الله وقراءة القرآن. فالانقطاع إلى المغارات والبوادي والجبال والصحاري، هذا مما يقوي الأحوال الشيطانية. ولزوم المساجد والإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن، هذا مما من أسباب حصول الكرامة. أقسام الخارق من ناحية حكمه وباب كل قسم.

الخارق للعادة كشفا كان أو تأثيرا ثلاثة أنواع: - محمود في الدين، ومذموم ومباح، فالمحمود في الدين: ضابطه أن يحصل به الفائدة المطلوبة في الدين من إظهار حق، أو إبطال الباطل، فهذا من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا، إما واجب وإما مستحب كما يحصل للصحابة. والمذموم في الدين: ضابطه ما كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم، أو نهي تنزيه فيكون سببا للعذاب، أو لجرم كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها، بلعام بن باعوراء. والمباح: ضابطه ما حصل به أمر مباح، فإن كان فيه منفعة كان نعمة من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكرا كتظليل الغمة " لأسيد بن حضير " - رضي الله عنه - وإلا فهو كسائر المباحات التي لا متعة فيها. الحكمة في إجراء الكرامة، الحكمة في إجراء الكرامة هي أن يزداد الإنسان بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة يقينا، فيقوى عزمه على الزهد في الدنيا والخروج عن دواعي الهوى. وثانيا إكرام الله لوليه بإغاثته ورفع شدته وكربه أو نصره على عدوه أو إظهار حق أو إبطال باطل. أقسام الناس تجاه الكرامة: الناس تجاه الكرامة قسمان: الأول: - القسم الأول: من نفوسهم تتطلع إلى شيء من الكرامات، ويحبون أن يرزقوا شيئا منها، ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب متهما لنفسه في صحة عمله حيث لم يحصل له خارق، وهؤلاء كثير من المجتهدين المعتدين الذين سمعوا ما منح به سلف الأمة من الكرامات وخوارق العادات، ولو علموا بسر ذلك، وهو أن الميزان ليس هو الكرامة لهان عليهم الأمر. القسم الثاني: الصادقون: سبيلهم يطالبون نفوسهم بالاستقامة، فهي كل الكرامة، ولا تتطلع نفوسهم إلى شيء من الكرامات، قال أبو علي الجوزجاني شيخ البخاري وشارح سنن النسائي: " كن طالبا للاستقامة لا، طالبا للكرامة، فإن نفسك متحدثة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة ". هل يضر المسلم عدم حصول الخارق على يديه؟ اعلم أن عدم الخوارق علما وقدرة كشفا وتأثيرا لا يضر المسلم في دينه، فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات، ولم يسخر له شيء من الكائنات، لا ينقصه ذلك في مرتبته عند الله، بل قد يكون عدم ذلك، بل قد يكون عدم ذلك أنفع له في دينه، فإن الخارق إذا اقترن به الدين كان نافعا، وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة، فإن الخارق قد يكون مع الدين كالمعجزات وكرامات الصالحين، وقد يكون مع عدمه أو فساده أو نقصه كالذي يظهر على يد المسيح الدجال وعلى يد الفساق والفجار. الخوارق النافعة والرياسات النافعة والأموال النافعة، هي ما كانت تابعة للدين، وخادمة له والرياسة النافعة، هي النافعة للدين، والمال النافع هو النافع للدين، دليل ذلك كما كان السلطان والمال النافع في يد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فمن جعل هذه الأمور الخوارق والسلطان والمال هي المقصودة، وجعل الدين تابعا لها ووسيلة إليها لا لأجل الدين في الأصل، فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين، وليس حاله كحال من تدين خوف العذاب أو رجاء الجنة، فإن ذلك مأمور به، وهو على سبيل النجاة، وهو على سبيل النجاة وشريعة صحيحة، وكثير من الصوفية ممن يزعم أن همه قد ارتفع عن أي يكون خوفا من النار أو طلبا للجنة، يجعل همه بدينه أقل من همه بأدنى خارق من خوارق الدنيا. متى يجب خرق العادة؟ وشرط ذلك أو شروط استلزام خرق العادة، ودليل ذلك، يجب خرق العادة بأمرين: أولا: التدين يستلزم خرق العادة بأمرين: أحدهما التدين الصحيح. الثاني: وجود شدة وضيق وضرورة، إذا كان الإنسان مستقيما، ثم حصل عليه الشدة وضيقة، لا بد أن يفرج الله كربه، فالدين إذا صح علما وعملا، فلا بد أن يوجد خرق العادة إذا احتاج إلى ذلك صاحبه، ولو لم يدع الله، بل الحالة النفسية كافية، ولا يكله الله حينئذ إلى نفسه، دليل ذلك من الكتاب العزيز قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} هذا التدين الصحيح، يجعل له مخرجا هذا الخارق هذا الخارق من باب التأكيد، وقال تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} إن تتقوا الله: هذا التدين الصحيح، يجعل لكم فرقانا، هذا الكشف خارق. وقال تعالى: {أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) } وقال تعالى: {أَلَا إِن أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عليهم وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}

ومن السنة حديث: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) } أي الذين يعرفون الشيء بسمته رواه الترمذي بسند ضعيف. وقال تعالى: فيما يروي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه، قال: (من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة) ورواية البخاري: (فقد آذنته بمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به) إلى قوله: (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه) فظهر أن الاستقامة حظ الرب، وطلب الكرامة حظ النفس، هل تدل الخوارق على إكرام من ظهرت على يديه؟ . اليسر والكرامة والنعمة والنعم والغنى والظلم والشدة والفقر ليست دليلا على الرضا، ولا على السحظ فما يبتلي الله به عباده من اليسر بخرق العادة، أو بغيرها أو بالضر ليس ذلك من أجل كرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه، بل قد سعد بها قوم إذا أطاعوا الله، وشقي بها قوم إذا عصوا الله، دليل ذلك قول الله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا} ووجه الاستدلال: أن الله زجر من ظن أن الغنى دليل على الكرامة والفقر دليل الإهانة. أقسام الناس بعد حصول الخارق: الناس في هذه الأمور ثلاثة أقسام: قسم ترتفع درجتهم بخرق العادة، وقسم يتعرضون بها لعذاب الله، وقسم تكون في حقهم بمنزلة المباحات. وهذا التقسيم للناس مبني على التقسيم السابق للخارق إلى محمود في الدين، ومذموم في الدين ومباح. أعظم كرامة يعطاها الولي، ما هي أعظم كرامة يعطاها الولي؟ والكرامة الحقيقية؟ الكرامة الحقيقية وأعظم كرامة يعطاها الولي هي لزوم الاستقامة. هذه أعظم كرامة. أعظم كرامة يعطاها الولي هي لزوم الاستقامة، وهي موافقة الله لما يحبه ويرضاه، وهي طاعته وطاعة رسوله ومولاه أوليائه ومعاداة أعدائه، وهؤلاء هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الفرق بين حالتي طلب الاستقامة وطلب الكرامة؟ هو أن الاستقامةحظ الرب، والكرامة حظ النفس، فمن يسعى في طلب الاستقامة فهو يسعى في طلب حظ الرب، ومن يسعى في طلب الكرامة، فهو يسعى في طلب حظ النفس كما قال أبو علي الجوزجاني: كن طالبا للاستقامة لا طالبا للكرامة؛ فإن نفسك متحدثة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة. المنكرون للكرامات لكرامات الأولياء وشبهتهم والرد عليهم أنكرت المعتزلة كرامات الأولياء وخوارق السحرة والكهان، وكذلك الرافضة وهي ما يقع من الخوارق على يد صالح وولي، شبهتهم لو وقعت الكرامة على يد ولي لأشبهت المعجزة، فلو صحت لأشبهت المعجزة فيؤدي إلى التباس النبي بالولي، فلا تعرف النبي من الولي أجاب الجمهور في الرد عليهم من وجهين: أولا: أن إنكاركم للكرامات يناقض المحسوسات والمشاهدات، الثاني: منع الملازمة بين اشتباه المعجزة بالكرامة إذا وقعت، والتباس النبي بالولي، فلا ملازمة بين وقوع الكرامة وصحتها وبين الاشتباه والالتباس بمعجزة؛ لأن النبي يدعي النبوة ويتحدى، والولي لا يدعي الرسالة ولا يتحدى، فهذه الدعوة إنما تصح إذا كان الولي يأتي بالخارق، ويدعي النبوة ويتحدى بهذا الخارق، وهذا لا يقع إذ لو ادعى النبوة لم يكن وليا يكن متلفقا كذابا. أمثلة للكرامات متنوعة في سلف هذه الأمة، وفي الأمم السابقة مما وقع لصدر هذه الأمة ما كان لأسيد بن حضير كان يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج، وهي الملائكة نزلت لقراءته، ومن ذلك من أمثلة ذلك قصة الصديق في الصحيحين: لما ذهب بثلاثة أضياف معه معه إلى بيته، وجعل لا يأكل لقمة إلا ربا بأسفله أكثر منها، فشبعوا فصارت أكثر مما هي قبل ذلك، فرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء إليه أقوام آخرون، فأكلوا منها وشبعوا. ومن ذلك مما حصل لخبيب بن عدي: كان أسيرا عند المشركين بمكة وكان يؤتى بعنب يأكله، وليس بمكة عنب، وعامر بن فهيرة قتل شهيدا فالتمسوا جسده، فلم يقدروا عليه، وكان لما قتل رفع، فرآه ابن طفيل، وقد رفع. وسفينة مولى رسول صلى الله عليه وسلم أخبر الأسد بأنه رسول رسول الله، فمشى معه الأسد حتى أوصله إلى مقصده، وخالد بن الوليد حاصر حصنا منيعا في القسطنطينية، فقالوا لا نسلم حتى تشرب السم، فشربه فلم يضره، وسعد بن أبي وقاص كان مستجاب الدعوة ما دعا قط إلا استجيب له، وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق.

ومن أمثلة ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما أرسل جيشا أمر عليهم رجلا يسمى سارية فبينما في العراق ... فبينما عمر يخطب نعس، فجعل يصيح على المنبر: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، فقدم رسول الجيش، فسأل فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا، فهزمونا فإذا بصائح يا سارية الجبل؛ فأسندنا ظهورنا بالجبل؛ فهزمهم الله. ومن ذلك إخبار عمر بمن يخرج من ولده؛ فيكون عادلا؛ فخرج عمر بن عبد العزيز. وأبو مسلم الخولاني ألقاه الأسود العنسي لما ادعى النبوة الذي ادعى النبوة في النار، فوجدوه قائما يصلي، وقد صارت عليه بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم. وتغيب الحسن البصري عن الحجاج فدخلوا عليه ست مرات، فدعا الله فلم يروه. وعباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، فأضاء لهم السوط، فلما افترقا أضاء لكل منهما سوط سراج حتى وصلا إلى بيته. أمثلة للكرامات في الأمم السابقة، من أمثلة ذلك قصة الخضر صاحب موسى في علمه بحال الغلام، هذا على القول بأنه ولي، والصواب هو أن الخضر نبي، من باب القدرة، مثل قصة الذي عنده علم من الكتاب في الإتيان بعرش بلقيس، وقصة مريم في حملها بدون زوج، وقصة أهل الكهف في نومهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين، ولم تتغير أجسامهم. مما ينبغي أن يعلم أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل، فإذا احتاج إليها ضعيف الإيمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوي إيمانه ويسد حاجته، ويكون من هو أكثر ولاية لله منه مستغنيا عن ذلك، فلا يأتيه مثل ذلك؛ لعلو درجته وغناه عنها، لا لنقص ولايته؛ ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة، بخلاف من يجري على يديه الخوارق لهدي الخلق ولحاجتهم، فهؤلاء أعظم درجة، ويدخل في الكشف الفراسة الفراسة نوع من الكشف، والفراسة تتنوع إلى ثلاثة أنواع عند العلماء. ثلاثة أنواع، الفراسة خارق من خوارق العادة، ومن باب الكشف عن طريق العلم، فهي داخلة في أحد نوعي الخارق الكشف والتأثير، وهي استدلال ومعرفة وتفرس بالشيء، وأنواعها ثلاثة: الفراسة كم نوع؟ ثلاثة أنواع: فراسة إيمانية، وفراسة رياضية، وفراسة خلقية. الأولى: الفراسة الإيمانية تعريفها وحقيقتها هي: خاطر يهجم على القلب يثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة، ومنه اشتقاقها فاشتقاق الفراسة من الفريسة، خاطر يهجم على القلب، يثب عليه وثوب الأسد على الفريسة، فتكشف فتكشف أمرا بغير الطريق العادي. ومنه ما كان في عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن يكن في أمتي محدثون -يعني: ملهمون- فعمر بن الخطاب) منهم كإخباره عمر بمن يخرج من ولده، فيكون عادلا، فكان عمر بن العزيز. وسببها سبب هذا النوع من الفراسة نور يقذفه الله في قلب عبده، أي: نور الإيمان والعمل الصالح، وهذه الفراسة تتفاوت على حسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيمانا كان أحد فراسة. قال أبو سليمان الداراني -رحمه الله- الفراسة مكاشفة النفس، ومعاينة الغيب، وهي من مقامات الإيمان، حكم هذا النوع من الفراسة، حكمها أنها من مقامات الإيمان، وهي خاصة بالمؤمن، وهي محمودة هذا النوع الفراسة الإيمانية من مقامات الإيمان، وهي خاصة بالمؤمن، وهي محمودة. النوع الثاني: الفراسة الرياضية، تعريفها وحقيقتها هي كشف للأحداث يكسبه المرء بسبب تجوعه وتجرده عن العوائق، وسببها البعد عن الشهوات والعزلة عن الناس، فهي تحسن بالجوع والسهر والتخلي، فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها. حكمها: هذه الفراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، لا تدل على محمدة ولا مذمة، ولا تدل على إيمان، ولا على ولاية، ولا تكشف عن حق نافع ولا على طريق مستقيم، بل كشفها من جنس فراسة الأولياء وأصحاب تعبير الرؤيا الأظنين، وهو كثير الأوهام، وأكثر ما تكون عند الفلاسفة والصوفية. فأحيانا يعملون الجوع والعطش للعلاج وللتخلص من كثرة الأخلاط الموجودة في البدن والبلغم، فينظم أكله ليصح بدنه مثل ما يسمى عندنا ريجيم ... ريجيم داخلة في هذا النوع، وأحيانا يستعملونه للتجرد من الهوى والعزلة عن النفس. النوع الثالث: فراسة خلقية فراسة خلقية، وهي التي صنف فيها الأطباء ونحوهم، تعريفها وحقيقتها هي الاستدلال بالخلق الموجود على خواص هذا الخلق، فيستدلون بالخلق على الخلق كما بينهم من الارتباط التي اقتضته حكمة الله. من أمثلة ذلك يستدلون كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل، وبكبر الرأس على كبر العقل، وبسعة الصدر على سعة الخلق وبضيقه على ضيقه، ويستدلون بطول الرقبة على الحماقة، وبقصرها على الغباوة، ويستدلون بجمود العينين من خلال نظرهما على بلادة صاحبهما، وضعف حرارة قلبه، ونحو ذلك. سببها: سبب هذا النوع التجارب وقوة الملاحظة، التجارب وقوة الملاحظة.

حكمها: دائرة بين المدح والذم، وليست خاصة بالمؤمن عامة كالثانية، فالأولى الفراسة الأولى محمودة، والثانية والثالثة تدور بين المدح والذم، وعلى كل حال فالخوارق خوارق العادة يجريها الله على يد المؤمن، لكن ضابط الفرق بين الكرامة، والحالة الشيطانية، إن كان الذي جرت على يديه نبي، هذه تسمى معجزة عند المتأخرين، وإن كان الذي جرى على يديه الخارق صالحا مؤمنا تقيا تابعا للنبي تسمى كرامة، وإن كان الذي جرى على يديه منحرفا كافرا أوفاسقا، وهذه حالة شيطانية، مثل ما يجري على أيدي السحرة والكهان، وما يجري على أيدي المسيح الدجال في آخر الزمان. نعم.

قوله: ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم -عليه السلام- من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها

ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم -عليه السلام- من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها

أقسام أشراط الساعة وأماراتها: - العلماء يقسمون أشراط الساعة وأماراتها إلى ثلاثة أقسام: قسم ظهر وانقضى، وهي الأمارات البعيدة، وقسم ظهر ولم ينقض، بل لا يزال في ازدياد حتى إذا بلغ الغاية ظهر وقسم ثالث: - وهي الأمارات القريبة الكبيرة التي تعقبها الساعة، فإنها تتابع كنظام خرزات انقطع سلكها، فالأولى التي ظهرت ومضت منها من أمثلة.. بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه نبي الساعة. قال صلى الله عليه وسلم (بعثت أنا والساعة كهاتين) وموته -عليه الصلاة والسلام- وفتح بيت المقدس، وقتل أمير المؤمنين عثمان، ومنها واقعة الجمل وصفين وواقعة النهروان، وتنازل الحسن عن الخلافة، ومنها ملك بني أمية وما جرى على أهل البيت في أيامهم من أذية كقتل الحسين، وواقعة الحرة وقتل ابن الزبير، ورمي الكعبة بالمنجنيق. ومنها ملك بني العباس، وما جرى من الأيام من المحن والشدائد، ومنها نار الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، ومنها ظهور الرفض واستبداد الرافضة بالملك، ومنها خروج الكذابين الدجالين كلهم يدعي أنه نبي، ومنها زوال ملك العرب، ومنها كثرة المال، ومنها كثرة الزلازل و ... والقتل. كل هذه من أشراط الساعة التي مضت، الثانية: الأمارات الوسطى. الأمارات المتوسطة وهي التي ظهرت، ولم تنقض بل تزيد وتكثر، وهي كثيرة جدا منها: كون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع وهو (العبد الأحمق اللئيم) لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع) أي حتى يكون اللئام والحمقى ونحوهم رؤساء الناس، ومنها أن يرى الهلال ساعة أن يطلع، فيقال لليلتين لانتفاخ الأهلة، أي عظمها، ومنها أمانة الصلاة، ومنها إضاعة الأمانة، ومنها أكل الربا، ومنها قطع الأرحام، ومنها كثرة الطلاق، ومنها موت الفجأة، ومنها كون البطل قيظا، والولد غيظا، ومنها علو أصوات الفسقة في المساجد، ومنها اتخاذ القينات والمعازف، ومنها شرب الخمور في الطرقات، ومنها اتخاذ القرآن مزامير، ومنها كثرة الشرط وغيرها كثير. الثالث: القسم الثالث من أشراط الساعة: العلامات العظام والأشراط الجسام التي تعقبها الساعة مباشرة، وهي مشبهة بالعقد الذي إذا انقطع تتابع الخرز: أولها: أن يظهر الإمام محمد المهدي، وهو رجل من سلالة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم اسمه كاسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته كنيته، محمد بن عبد الله المهدي، وقد جاءت أحاديث المهدي أحاديث فيها أحاديث صحيحة، وأحاديث حسنة، وأحاديث ضعيفة، وأحاديث موضوعة لكن الأحاديث فيها ثابتة، وهو أنه رجل يخرج في آخر الزمان يبايع له بين الركن والباب، في وقت ليس للناس فيه إمام المهدي، ما يقاتل الناس يقاتل يلزم بالإمامة، وهو لا يريدها، ويلزمونه ويبايعونه في وقت ليس للناس فيه إمام في آخر الزمان، وفي زمانه يخرج الدجال في زمانه، يخرج الدجال في زمان المهدي، في زمانه تحصل الحروب والفتن، ويحصر الناس في الشام هذا العلامة الأولى: خروج المهدي ثم العلامة الثانية: خروج المسيح الدجال في زمنه جاء في الحديث أن خروج الدجال يكون بعد فتح القسطنطينية، كما في الحديث الصحيح في مسلم وغيره، أنه يحصل مقتلة عظيمة، ويحصل تفتح القسطنطينية، ويعلق الناس سيوفهم في الزيتون، فإذا انتهت المعركة نادى الشيطان: إن الدجال قد خلفكم في أهليكم فيخرجون فيذهبون، فيجدون الدجال قد خرج، وفي وقت مرة أخرى نادى الشيطان مرة في غزوة من الغزوات، وكان كاذبا، ثم العلامة الثالثة ينزل المسيح عيسى بن مريم في وقت الدجال، وفي وقت المهدي، هي ثلاث علامات متوالية مرتبة، فإذا نزل عيسى بن مريم مسيح الهدى، قتل مسيح الضلالة، وهو الدجال. ثم العلامة الرابعة خروج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى هذه علامات أربع متوالية مرتبة: المهدي ثم الدجال ثم نزول عيسى ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم بعد ذلك تتوالى بقية الأشراط، وهدم الكعبة المشرفة يهدمها رجل من الحبشة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (دقيق الساقين كأني أنظر إليه أصيلع أفيدع ينقضها حجرا حجرا فيلقيها في البحر) ثم أيضا آية الدجال، وهي دخان قبل قيام الساعة يدخل في أسماع الكفار والمنافقين، ويعتري ويصيبهم شدة عظيمة، ويعتري المؤمن كهيئة الزكام. قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ} وفي الحديث: إنها لن تقم حتى ترى قبلها عشرة ... فذكر منها الدخان، ومنها رفع القرآن العظيم من الصدور ومن السطور، وهي من أشد المعضلات في آخر الزمان إذا ترك الناس العمل بالقرآن نزع من صدور الرجال ومن المصاحف، فيصبح الناس ولا يجدون في صدورهم آية ولا في مصاحفهم آية، نعوذ بالله.

هذه غير مرتبة الله أعلم بترتيبها، فهدم الكعبة والدخان ورفع القرآن ثم طلوع الشمس من مغربها هذه من العلامات الأخيرة طلوع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس آمن الناس، ولكن ليس هناك إيمان جديد ما ينفع الإيمان أغلق باب التوبة، كل يبقى على ما كان عليه، ثم خروج دابة الأرض، تسم الناس في جباههم، فالمؤمن نقطة بيضاء في جبهته، حتى يبيض لها وجهه، والكافر نقطة سوداء حتى يسود لها وجهه، والدابة وطلوع الشمس من مغربها متقاربتان، أيهما ظهرت فالأخرى على إثرها قريبة، ثم بعد ذلك يبقى الناس مدة يعرف المؤمن من الكافر، ويتبايع الناس في أسواقهم خذ هذا يا مؤمن، بع هذا يا كافر، فالذي أبيض وجهه، فهو مؤمن والذي أسود وجهه هذا كافر، وأغلق باب التوبة إذا طلعت الشمس من مغربها، وليس هناك إيمان جديد، فيتبايع الناس خذ هذا يا مؤمن بع لي هذا يا كافر. يبيعون ويشترون معروف المؤمن من الكافر. ثم آخرها العلامة العاشرة خروج النار التي تخرج من قرى عدن تسوق الناس إلى المحشر، وتبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا. المعنى إذا جاء وقت القيلولة وقفت حتى يقيل الناس، فإذا انتهى وقت القيلولة تسوق ومن تخلف تأكله، فإذا جاء وقت النوم المبيت تقف حتى ينام الناس، فإذا أصبح الناس تسوقهم، ومن تخلف أكلته نعم ... لها أرض فلسطين.

قوله: ولا نصدق كاهنا ولا عرافا ولا من يدعي شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة

ولا نصدق كاهنا ولا عرافا ولا من يدعي شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة

والصواب أنه يقتل كفرا، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وحفصة بنت عمر وجندب بن عبد الله، وهو مأثور عن الصحابة، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في المنصوص عنه لقول الله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) } وقوله سبحانه: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} وقوله سبحانه: {إِنَّمَا ك`ّtwعز وجل فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} أي: بتعلم السحر، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} واختلف العلماء: هل يستتاب الساحر أم لا؟ ذهب مالك إلى أنه لا يستتاب، ولا تقبل توبته، يعني: في الدنيا، وهو الراجح. وذهب بعض العلماء إلى أنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، واختلف الموجبون لقتله، وهم الجمهور هل يقتل كفرا أو حدا؟ يعني: هل يكفر بالسحر، فيقتل بكفره أم يقتل لسعيه في الإرض بالفساد، فيقتل لمنع شره لا لكفره، فالجمهور على أنه كافر، يقتل كفرا لا حدا، كما سبق، وقالت طائفة: إنه لا يكفر إلا إذا تضمن سحره كفرا، في قوله أو عمله، وحينئذ فيقتل لكفره، وإن لم يتضمن سحره كفرا، فلا يخلو أن يكفر بسحره أم لا، فإن كفر بالسحر قتل حدا، وإن يكفر بالسحر عوقب بدون القتل. وهذا منقول عن الإمام الشافعي، وهو رواية عن الإمام أحمد، واتفق العلماء على أن ما كان من جنس دعوة الكواكب السبعة أو غيرها أو خطابها، أو السجود لها أو التقرب إليها بما يناسبها من اللباس والخواتم والبخار ونحو ذلك والمناجاة للكواكب، فإنه كفر، وهو من أعظم أبواب الشرك، يخاطب -مثلا- الخطاب دعوة الكواكب السبعة، ما هي الكواكب السبعة؟ هي المشترى والمريخ زحل وعطارد وزهرة والشمس والقمر. هذه الكواكب السبعة، فمن كان من جنس دعوة الكواكب السبعة أو خطابها إذا دعاها أو خاطبها أو نادها، فهذا كفر كذلك، وإذا تقرب إليها بما يناسبها من اللباس والخواتم والبخور، وكذلك إذا نادى الكواكب يزعم أنهم ينادون الكواكب، والواقع أنه ينادي الجن، فإن هذا كفر، وهو من أعظم أبواب الشرك، وهو من جنس فعل الصابئة قول إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-؛ لهذا حكى الله عنه بقوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) } يريهم إيهاما؛ لأنه الصابئة تقول: إنها مدبرة للعالم، وإنها تأتي بالخير والشر، واتفق العلماء على أن كل رقية أو تعزيم وقسم فيه شرك لله، فإنه لا يجوز التكلم به، وإن أطاعته به الجن أو غيرهم، وكذلك كل كلام فيه كفر، لا يجوز التكلم به، وكذلك الكلام الذي لا يعرف معناه لا يتكلم به؛ لإنكار أن يكون فيه شرك لا يعرف؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا) ولا يجوز الاستعانة بالجن، فقد ذم الله الكافرين على ذلك، فقال: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) } وقد أخبر الله عن الذين يزعمون أنهم يدعون الملائكة، ويخاطبونهم بهذه العزائم أنهم ضالون، وإنما تنزل عليهم الشياطين، لا الملائكة في قوله عز وجل {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) } كما أخبر أن كلا من الجن والإنس يستمع بالآخرة، في قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} فاستمتاع الإنس بالجن في قضاء حوائجه وامتثال أمره وإخباره بشيء من المغيبات واستمتاع الجن بالإنس في تعظيمه إياه واستعانته به واستغاثته وخضوعه له، أي: يعني: بالشركيات التي حمله عليها حكم حوار الكاهن، وما تعاطاه المنجم والضارب بالحصى، والذي يخط بالرمل وصاحب الأزلام التي يستقسم بها، الأجرة التي يتعاطاها، ما تعاطاه هؤلاء حرام وسحت، كما في الصحيح: (ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وحلوان الكاهن خبيث) ويدخل في حلوان الكاهن ما يتعاطاه هؤلاء حلوان الكاهن يعني: أجرته على الكهانة سمي حلوانا؛ لأنه يأخذه حلوا بدون مشقة. أما حكم فعلها فقد حكى الإجماع على تحريمه غير واحد كالبغوي والقاضي عياض وغيرهم حكم الإتيان للسحرة؟ وسؤالهم وتصديقهم؟ إن كان على وزن التصديق لهم في كل ما يخبرون به، والتعظيم للمسئول، فهو حرام الإيتان للسحرة والكهنة.

دليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (قلت: يا رسول الله، أمورا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان قال: فلا تأتوا الكهان) وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل صلاة أربعين يوما) وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) وأما إن كان يسأل المسئول ليمتحن حاله، ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز به صدقه من كذبه، فهذا جائز كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم (سأل ابن الصياد، فقال: ما يأتيك؟، قال: يأتيني صادق وكاذب، قال: ما ترى؟ قال: أرى عرشا على الماء، قال: فإني قد خبأت لك خبيئا. قال: الدخ. قال: اخسأ، فلن تعدو قدرك، فإنما أنت من إخوان الكهان) وكذلك إذا كان يسمع ما يقولون، ويخبرون به عن الجن، كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار؛ ليعرفوا ما عندهم، فيعتبرون به، وكما يسمع الخبر الفاسق، ويتبين، ويتثبت، فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} وكما في الحديث: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) فقد جاز للمسلمين سماع ما يقولونه، ولا يصدقوهم، ولا يكذبوهم. حكم طلب السقيا بالنجم، ونسبة الأحداث إليها وحكم من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا. طلب السقيا بالنجم مايجوز، وهو من عمل أهل الجاهلية، ففي الحديث: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستقساء بالنجوم، والنياحة) ونسبة الأحداث إلى النجم وطلب الاستقساء وقوله مطرنا بنوء كذا وكذا، إن كان يعتقد أنه عند ذلك النجم يحصل المطر، فهذا كفر أصغر، وإن كان يعتقد أن له تأثيرا أن للنجم تأثيرا في إنزال المطر، فهذا كفر أكبر يخرج من الملة، دليل ذلك ما في الصحيحين عن زيد بن خالد - رضي الله عنه - (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إثر سماء كانت من الليل فقال: أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب) صناعة التنجيم وحكمها مع الدليل: صناعة التنجيم التي مضمونها الإحكام والتأثير، وهي الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كالاستدلال بها على موت عظيم، أو ولادة عظيم، أو قيام أمة، أو تولي ملك، أو عزل ملك. حكمها صناعة محرمة بالكتاب والسنة، بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين، الدليل قول الله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) } والتنجيم من السحر، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) } قال عمر: الجبت السحر، وهذا تفسير بالبعض؛ لأن الجبت: كل ما لا خير فيه، فمنه السحر، فهو جزء منه. الواجب على ولاة الأمور تجاه المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى؟ . الواجب على ولاة الأمور من الحكام والعلماء وكل قادر السعي في إزالة هؤلاء ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات والدخول على الناس في منازلهم؛ لذلك أما الحكام فبإبادتهم وإزالتهم، وأما العلماء فبمنعهم وإزالتهم إن قدروا، وإلا فببيان باطنهم وجدلهم للناس وتحذير الناس منهم، والجلوس عندهم والاستماع لهم، وأما غيرهم فبالنصح وتجنب فعلهم؛ لأن هذا من المنكر العظيم، فيجب إنكاره، وفي الحديث: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) وقد ذم الله أهل الكتاب على عدم الإنكار، فقال: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) } والسحر يدخل في المنكرات في الدرجة الأولى، وعموم العقوبة بسبب الفعل والسكوت هذا بفعله وهذا بسكوته، فتعم العقوبات والنكبات. النزاع: نزاع العلماء في حقيقة السحر وأنواعه، هل للسحر حقيقة مؤثرة أم هو ضرب من الخيال؟ الصواب الذي عليه أكثر العلماء وعليه المحققون من أهل العلم أن السحر له حقيقة مؤثرة، وأنه قد يؤثر في موت المسحور ومرضه من غير وصول شيء ظاهر إليه، بسبب لطم الجن له بسبب الإقسام عليه من قبل الساحر، فالساحر يقسم على الجني، والجني يلطم المسحور، فيمرض أو يقتل.

دليل ذلك قول الله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) } ومنه التخييل، فالسحر قسم منه خيال، وقسم منه له حقيقة، دليل قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) } ولولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله بالاستعاذة منه، ودليل الخيال قوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) } وقوله: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} وذهب بعض العلماء إلى أن السحر مجرد تخييل، وأنه لا تأثير له ولا حقيقة، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة، وإليه ذهب الجصاص في كتاب الإحكام في كتاب الأحكام، وهو مذهب المعتزلة والرافضة. دليلهم: قول الله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) } وقوله: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) } والصواب القول الأول بأن هذه الآيات تدل على أن منه خيال، ومنه ما هو له تأثير. والصحيح أن السحر له تأثير في عين الرائي والمسحور، وهو خيال بحيث إنه لم يغير الحقائق، ففيه تأثير من جانب وتخييل من جانب، فله تأثير في المسحور بمرضه أو موته، وله خيال في عين الرأي والمسحور. فإذا الصواب أن السحر له حقيقة، وله خيال. أما القول بأنه خيال فقط، فهذا ليس بصحيح. والنشرة: هي حل السحر عن المسحور، وحكمها: تنقسم إلى قسمين: قسم حرام، وقسم مباح، فالنشرة حل السحر، وهي نوعان. أولا: حل السحر بسحر مثله، فهذا لا يجوز، وهو من عمل الشيطان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (ولا يحل السحر إلا ساحر) وقوله: (النشرة من عمل الشيطان) ثانيا: حل السحر بأدوية ودعوات مباحة، فهذا جائز. أنواع المشعوذين الذين يفعلون هذه الأفعال الخارجة عن الكتاب والسنة ثلاثة أنواع: النوع الأول: أهل تلبيس وكذب وخداع، ذلك وهم يعلمون ذلك، الذين يظهر أحدهم طاعة الجن له، أو يدعي الحال بأهل المحال من المشائخ النصابين الخداعين والفقراء الكاذبين والطرقية المكارية، هؤلاء يدعون السحر، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ما وجد مهنة فتح محل، وقال: إنه يعالج الناس، وكل من أتاه يأتي له بأنواع من ... هذا تدهن به، وهذا تشربه، وهذا استنشقه، وهذا كذا. ويأكل أموال الناس بالباطل. حكمهم والحد الواجب عليهم: هؤلاء دجاجلة وملبسون وخداعون يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن الكذب والتلبيس، وقد يكون في هؤلاء من يستحق القتل كمن يدعي النبوة بمثل هذه الخزعبلات، أو يطلب تغيير شيء من الشريعة ونحو ذلك. النوع الثاني: من يتكلم في هذه الأمور ويعمل الشعوذة من تحضير الجن وغيرها على سبيل الجد والحقيقة، ويعتقدون لها التأثير، حكمهم والحد الواجب عليهم- هؤلاء سحرة، وسبق بيان حكم الساحر، وأن حده القتل، وأن جمهور العلماء يوجبون قتل الساحر على خلاف بينهم، وهل القتل كفرا أو حدا؟ . والصواب الذي عليه المحققون أنه كفر، وهو الراجح، وبعض العلماء يرى أنه يعاقب أقل من القتل، إلا إن قتل بسحره، أو تضمن سحره كفرا قولا أو فعلا، عوقب بالقتل. النوع الثالث: من يتكلم بالأحوال الشيطانية، ويدعي الخشوع ومخاطبة رجال الغيب، يدعي مخاطبة القطب المتولي للكون، وأن له الخوارق تقتضي أنهم أولياء الله، ومن هؤلاء من يساعد المشركين، ويعين المشركين على المسلمين في أيام حرب التتار، ويقول: إن الرسول أمره بقتال المسلمين مع المشركين؛ لكون المسلمين قد عصوا. حكم هؤلاء: هؤلاء في الحقيقة من إخوان الشياطين، والواجب أن يعاقبوا بالعقوبة البليغة التي تردعهم عن فعلهم، وقد يجب قتلهم إذا ثبت أنهم يخاطبون الجن ويستخدمونهم ويعظمونهم بالشركيات، وحينئذ فهم كفار، يقتلون كفرا، موقف المسلم من أصحاب الأحوال، وهل تسلم لهم أحوالهم؟ . يقول بعض الناس: إن الصوفية تسلم لهم أحوالهم، يعني: أحوالهم النفسية بأن يظن أنه على الدين والاستقامة، وإن كان بخلافه يقول: اتركه على حاله، هذا كلام باطل، بل الواجب عرض أفعالهم وأحوالهم على الشريعة المحمدية، فما وافقها قبل، وما خالفها رد، وأدب صاحبه. الدليل: ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فلا طريق إلا طريقة الرسول، ولا حقيقة إلا حقيقته، ولا شريعة إلا شريعته، ولا عقيدة إلا عقيدته، ولا يصل أحد من الخلق بعده إلى الله وإلى رضوانه جنته وكرامته إلا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، بعض الصوفية يعتقدون في البله أنهم من أولياء الله. حكم من اعتقد في البله أنهم من الأولياء.

البله جمع أبله، وهو ضعيف العقل، بعضهم يقول: هذا الأبله ضعيف، هذا الأبله ولي من أولياء الله، اتركه، وبعضهم يقول: إن هذا الشخص الذي تجده أبله ضعيف العقل، ولا يعرف شيئا، تجده مخرق الثياب، طويل الشعور والأظافر، مرمي على زبالة، يقول: ما تدري لعل هذا قطب يدبر في الكون، يدبر الكون، أحد الأقطاب أحد الأقطاب، هذا قطب يدبر الكون، وهو مخرق الثياب، ولو كان أبله من اعتقد في البله، وهم المغفلون أو المولعون خرقه من كثرة العبادة والرياضة، أنهم من أولياء الله، مع تركه لمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، أو فضله على متبع طريقة الرسول، فهو ضال مبتدع مخطئ في اعتقاده. والسبب في ذلك؛ لأن ذلك الأبله ضعيف العقل لا يخلو من حالات ثلاث، إما أن يكون شيطانا زنديقا، وإما أن يكون ملبسا متحيلا، وإما أن يكون مجنونا معذورا واحد من ثلاثة: إما أن يكون شيطانا زنديقا، إما أن يكون ملبسا متحيلا، وإما أن يكون مجنونا معذورا، فكيف يفضل على أولياء الله المتبعين لرسوله، أو يساوى بهم، وبعضهم يسوق حديث: (اطلعت على الجنة فرأيت أكثر أهلها البله) جمع أبله، وهو ضعيف العقل، هذا الحديث باطل سندا ومتنا، أما سندا: فإنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي نسبته إليه، وأما متنا، فإن الجنة إنما خلقت لأولي الألباب الذين أرشدتهم عقولهم وألبابهم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وقد ذكر الله أهل الجنة بأوصاف في كتابه، فلم يذكر في أوصافهم البله الذي هو ضعف العقل، وتصحيح الحديث، صواب الحديث: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء) ولا يقول: البله، وهذا يرجع إلى أن المال أشد في صرف الإنسان عن الدين وطغيانه من الفقر. الطائفة الملامية: طائفة من الصوفية يسمون الطائفة الملامية الطائفة الملامية، والطائفة الذين يصعقون عند سماع الأنغام الحسنة، الملامية الطائفة الملامية ثلاثة أنواع، تطلق على ثلاثة أنواع: النوع الأول تطلق على الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، وهم الذين لا يبالون بلوم، اللوم في ذات الله والقيام بأمره والدعوة إليه، وهم الذين قال الله فيهم: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} وهؤلاء ممدوحون أبرار. ثانيا: النوع الثاني تطلق على التي إذا وقعت في سيئة لامت نفسها، وأنبتها، وهذه محمودة أيضا. النوع الثالث: تطلق الملامية على الذين يفعلون ما يلامون عليه، ويظهرون ما لا يمدحون عليه، وهي التي تخفي فعل الخير والمحامد، وتظهر فعل الشر، ويقصدون بذلك مخالفة المرائين، وهو من يظهر الخير، ويضمر الشر، وهذه الطائفة مذمومة، وهم جماعة من الصوفية لهم طريقة معروفة تسمى طريقة أهل الملامة، يعني: تجد الواحد منهم يقول: أنا أصلح باطني ولا علي من الظاهر، فتجده يذهب يسرق حتى يلومونه الناس ويذمه الناس، يقول: أنا باطني صالح، لكن ما علينا خلي الناس يذمونه، ما علينا يسرق أمام الناس، ويفعل، يفعل أشياء، ويزعمون أنهم يحتملون ملام الناس لهم على ما يظهرونه من الأعمال السيئة؛ ليخلص لهم ما يبطنونه من الأحوال، يقول: أنا أعمل أشياء في الظاهر يذمني الناس عليها ويلوموني حتى يصلح باطني. الرد عليهم: إن هؤلاء أذلوا أنفسهم، وفي الحديث: (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه) ثانيا: أن هؤلاء ردوا باطن الأمور، وهم يقولون: نريد أن نخالف المرائي، المرائي يظهر الخير، ويبطن الشر، نحن بالعكس نظهر الشر ونبطن الخير. نقول لهم: أأنتم رددتم باطل المرائين بباطل آخر، والباطل لا يرد بالباطل، والصراط المستقيم بين ذلك، حسن في ظاهره كالمرائين، وحسن في باطنه كالملامية. حكم الذين يصعقون عند سماع الأنغام الحسنة، وهو تصنع ومظاهرة ومخداعة للناس، أو ترنح بأن يدور، وهو يذكر، فيختل عقله، ثم يصعق، ويسقط، هؤلاء المبتدعون ضالون؛ إذ ليس للإنسان أن يستدعي ما يكون سبب زوال عقله. ثانيا: لأنه لم يكن في الصحابة والتابعين من يفعل ذلك، ولو عند سماع القرآن، وهو خير منا، فكيف نصل إلى ما لم يصلوا إليه؟ بل كانوا، بل كان الصحابة كما وصفهم الله: {إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) } وكما قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} هناك بعض المجانين ذكرهم العلماء بخير، الذين ذكرهم العلماء من عقلاء المجانين بخير، هؤلاء قوم كان فيهم خير، ثم زالت عقولهم، فيبدو على ألسنتهم أيام الجنون من الكلمات الخيرية في أيام الصحوة.

والواقع أنهم مجانين، ومن علامة هؤلاء أنه إذا حصل في جنونهم نوع من الصحو تكلموا بما كان في قلوبهم من الإيمان، ويهتدون بذلك في حال زوال عقلهم بخلاف من كان قبل جنونه كافرا أو فاسقا، لم يكن حدوث جنونه مزيلا لما ثبت من كفره أو فسقه، وكذلك من جن من المؤمنين المتقين يكون محشورا مع المؤمنين المتقين، وما يحصل لبعضهم -لبعض الصوفية- عند سماع الأنغام المطربة من الهذيان والتكلم ببعض اللغات المخالفة للسان المعروف عنه، فذلك شيطان يتكلم على لسانه، كما يتكلم على لسان المصروع، أو هو دجال يكذب على الناس، وذلك كله من الأحوال الشيطانية، بعض الصوفية يظن أن زوال العقل سبب أو شرط يقرب إلى ولاية الله، بعض الصوفية يقول: زوال العقل سبب أو شرط يقرب إلى ولاية الله من يظن هذا الظن، فهو من أهل الضلال حتى قال قائلهم يعني: يخاطب المجانين يعني: المجانين: هم معشر حلوا النظام وخرقوا الـ *** ـسياج فلا فرض لديهم ولا نفل يعني: المجانين هم معشر حلوا النظام، وخرقوا السياج، فلا فرض لديهم ولا نفل، مجانين إلا أن سر جنونهم عزيز على أبوابه يسجد العقل، هذا كلام هذا الكلام كلام ضال، بل كافر يظن أن في الجنون سرا، يسجد العقل على أبوابه، يقول: يعني: العقل ما يصل إلا إلى باب المجانين، لما رآه من بعض المجانين من نوع المكاشفة، أو تصرف عجيب خارق للعادة، ويكون سبب ذلك ما اقترن به من الشياطين، كما يكون للسحرة والكهان، فيظن هذا الضال أن كل من خبل أو خرق العادة كان وليا لله. حكم من اعتقد هذا فهو كافر، فقد قال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) } فكل من تنزل عليه الشياطين لا بد أن يكون عنده كذب وفجور وزوال العقل بجنون أو غيره سواء سمي صاحبه مولها أو ولها، لا يوجب مزيد حال، بل حال صاحبه المجنون ما عنده زيادة، انقطع العمل، وقف العمل، بل حال صاحبه من الإيمان والتقوى يبقى على ما كان عليه من خير أو شر، لعله يزيده أو ينقصه، ولكن جنونه يحرمه من الزيادة من الخير، كما أنه يمنع عقوبته عن الشر، ولا يمحو عنه ما كان قبله، ولكن جنونه من المصائب التي تكفر بها الخطايا. حكم الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات، ويتركون الجمع والجماعات؟ في طائفة يسمون أنفسهم الخلوتية، وهو الذي يجلس في خلوة صغيرة في غرفة صغيرة، يتعبدون بها على قدر ما يسع الإنسان، ويجلس فيها مدة طويلة، ثم بعد ذلك يخرج هزيلا ضعيفا، وبعضهم يستدلون بعبادة النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، ولا يتم لهم ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث قبل ذلك، كان يتعبد بغار حراء قبل البعثة. حكم الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات، ويتركون الجمع والجماعات؟ هؤلاء جماعة من الصوفية يسمون خلوتية، وهم هؤلاء ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، قد طبع الله على قلوبهم. والدليل ما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه) هناك طائفة من الصوفية يجوزون الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني ويستدلون بقصة الخضر مع موسى، بعضهم يقول: أنا أستغني عن الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة؛ لأني يأتيني علم لدني من الله بذهاب يأتيني وحي ملهم يأتيني، وحي بإلهام يعرفني الله مباشرة، وما أحتاج إلى محمد، ولا أحتاج إلى شريعة محمد. ما حكم هذا؟ حكم من يجوز يقول: أنا عندي دليل، الدليل الخضر ما تبع موسى الخضر يأتيه علم من الله، ولا يتبع موسى، وخالف موسى فدل على الذي يأتيه علم وتعريف، يعرفه الله لا يحتاج إلى محمد، كما أن الخضر ما احتاج إلى موسى، فالخضر خرج عن شريعة الله ولا عمل بشريعة موسى اكتفاء بالعلم اللدني، وهو يزعم أنه لا يحتاج إلى شريعة محمد، ويكتفي بالعلم اللدني، فما حكم من يجوز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني، ويستدل بقصة موسى مع الخضر. العلم اللدني هو الذي يحصل للعبد من غير واسطة، بل بإلهام من الله وتعريف منه لعبده، كما حصل للخضر -عليه الصلاة والسلام- بغير واسطة موسى. حكم من جوز ذلك: ملحد زنديق، ملحد زنديق مفارق لدين الإسلام بالكلية، فضلا عن أن يكون من أولياء الله، يقول: هذا ولي هذا ليس من أولياء الله، بل هو ملحد زنديق مفارق لدين الإسلام بالكلية، فضلا عن أن يكون من أولياء الله، بل هو من أولياء الشيطان، فعليه أن يجدد إسلامه، ويتشهد شهادة الحق، وإن مات على ذلك، فهو من الملاحدة الزنادقة الذين في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله.

شبهته: يقول: إنه يأخذ من اللوح المحفوظ، ولا يجب عليه اتباع الرسول، وأنه مع محمد صلى الله عليه وسلم كالخضر مع موسى، وهذا يكون مثل ابن عربي رئيس الاتحادية، والرد عليهم أن نقول: هناك فرق بين موسى والخضر وبين محمد وأمته بعد البعثة، الخضر أولا: الخضر ليس من أمة موسى، ولا هو من قومه، وموسى -عليه الصلاة والسلام- لم يكن مبعوثا إلى الخضر، ولم يكن الخضر مأمورا بمتابعته، فلا يجب على الخضر اتباع موسى. ولهذا لما جاء يتعلم منه قال له: أنت موسى بني إسرائيل. قال: نعم. هذا في مكان، وهذا في مكان، موسى ما أرسل إلى الثقلين، وإنما هو مرسل إلى بني إسرائيل، والخضر ليس من بني إسرائيل لم يرسل إليه، ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين، ونحن من أمته ومأمورون باتباعه، فيجب علينا اتباعه، ولو كان موسى وعيسى حيين لكانا من أتباعه -عليه الصلاة والسلام-. وقد أخذ الله على كل نبي العهد والميثاق؛ لئن بعث محمد وأنت حي لتتبعنه {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) } ثانيا: فموسى وعيسى لو كانا حيين لكانا من أتباعه، وإذا نزل عيسى إلى الأرض في آخر الزمان، فيحكم فإنه يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ويكون فردا من أفراد الأمة المحمدية، وهو أفضل هذه الأمة، فأفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى؛ لأنه نبي وفرد من أفراد الأمة، ثم يليه أبو بكر الصديق. هذه فائدة: أفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ينزل في آخر الزمان، ويحكم بشريعة محمد، ويكون فردا من أفراد الأمة المحمدية، فهو نبي ومن أمة محمد، ثم يليه أبو بكر الصديق، فهو أفضل الناس بعد الأنبياء. ثانيا: الخضر نبي يوحى إليه على الصحيح، كما قال الله -تعالى- عنه أنه قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} لما فعل الأمور الثلاثة قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} يعني: على أمر الله، وعنده من العلم ما ليس عند موسى، ولهذا لما نقر عصفور في البحر قال له الخضر: يا موسى قال الخضر لموسى: إني على علم من علم الله علمنيه ما تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، وما ينقص علمي وعلمك في علم الله إلا كما ينقص ماء هذا العصفور بهذه النقرة من البحر. الخضر نبي يوحى إليه، على الصحيح، الخضر نبي يوحى إليه، فإذا الرد عليهم: أولا: هناك فرق بين موسى والخضر، ثانيا: الخضر نبي يوحى إليه على الصحيح، كما قال تعالى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} وعنده من العلم ما ليس عند موسى، أما نحن فلا يوحى إلينا، وليس عندنا من العلم ما ليس عند محمد صلى الله عليه وسلم. آخر فقرة في هذا المبحث هناك بعض الصوفية بعض الملاحدة يقول: إن الكعبة تتطوف برجال من أرباب الكشوف المستغنين بالعلم اللدني يقول: الخواص ما يحتاج إلى أن يذهب إلى مكة يطوف، هي الكعبة تأتي إليه، ويطوف بها، تأتي إليه في مكانه، ويطوف بها. حكم من يقول: إن الكعبة تطوف برجال من أرباب الكشوف المستغنين بالعلم اللدني، حكمه: ملحد زنديق كافر، وله شبه بالذين وصفهم الله -تعالى- بقوله: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) } والرد عليهم أن نقول ... ومن الرد عليهم أن نقول: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله سيد الخلق وأفضلهم أحصر عن البيت يوم الحديبية، ولم تخرج الكعبة، وتطوف به مع فضله وشرفه وكماله، ولم ير الكعبة منذ ست سنين، فهلا خرجت الكعبة إلى الحديبية، فطافت برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحصر عنها، وهو يود منها نظرة، ولم يرها منذ ست سنوات، فمن قال: إن الكعبة تطوف برجال من أرباب الكشوف فهو ملحد ملحد زنديق خارج من الملة، نسأل الله السلامة والعافية، وفق الله الجميع إلى طاعته، وصلى الله على محمد وآله وسلم نعم.

قوله: ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيعا وعذابا

ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيعا وعذابا

الثاني: ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر، لكن العبارتان مختلفتان، مثال ذلك: الاختلاف في مرجع الضمير في قول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} إلى قوله: {لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} ففيه أراء ثلاثة: مرجع الضمير، قيل: الضمير راجع إلى الله، وقيل: راجع إلى الكتاب، وقيل: راجع إلى الرسول، والمعنى واحد، أي: ليحكم الله أو الرسول بما جاء عن الله، أو ليحكم الكتاب المنزل من عند الله. ثانيا: اختلاف كثير من الناس في ألفاظ الحدود وصوغ الأدلة، والتعبير عن المسميات. هذا أيضا مثال. النوع الثالث من اختلاف التنوع: الاختلاف في الفروع الاجتهادية والظنية مثاله اختلاف سليمان ودواد -عليهما الصلاة والسلام- في الحكم في الحرث الذي رعته غنم، كما قال الله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ثم أثنى عليهما، وقال: {وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} ثانيا: الاختلاف في قطع الأشجار لبني النضير لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير -وهم طائفة من اليهود- اختلف الصحابة في قطع الأشجار، فبعضهم قطع بعض النخيل، وبعضهم أبقاه، قال: نبقيها، فقطع قوم إغاظة للعدو حتى نغيظهم، وترك آخرون؛ لأنه مال سيعود إلى المسلمين، فالله تعالى أقر هؤلاء، وهؤلاء فأنزل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} لينة يعني: النخلة {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قائمةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} ومثال آخر: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة لمن صلى العصر في وقتها، ولمن أخرها حتى وصل إلى بني قريظة إلى بني قريظة، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة) فأدركتهم الصلاة في الطريق، فاختلفوا، فقال بعضهم: نصلي، الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا الحث، وقد حضر الوقت، فصلى قوم، وقال آخرون: لا نصلي حتى نصل إلى بني قريظة، فلا نصل إلا بعد الغروب، ولم يصلوا العصر إلا بعد الغروب، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء وهؤلاء. ومثال آخر: حديث: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) أما اختلاف التضاد، وهو أن يوجد تناف وتناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال أو الفعلين. فهذا نوعان: ينقسم إلى قسمين: قسم في الأصول والقطعيات، وقسم في الفروع والظنيات في الأصول كالتوحيد، وهو نوعان: أحدهما لا يعذر فيه الإنسان، وهو ما علمه الشخص، كما في قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} الاختلاف يؤدي إلى الإيمان والكفر، وقوله سبحانه: {* هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) } ثم ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات. والثاني: مثال آخر مما يعذر فيه الإنسان: وهو ما لم يعلم الشخص حكمه، أو يشتبه عليه الأمر، وإن كان قطعيا كتحريم الخمر -مثلا- فهذا يلحق باختلاف التنوع. ومثاله: الرجل الذي استحل الخمر في زمن عمر، فناقشه عمر حتى أقنعه، وهذا القسم لا يكون مذموما بالعصبية والهوى، أما النوع الثاني، وهو في الفروع كالمسائل الفقهية عند الجمهور، الذين يقولون: المصيب واحد، والخطب في هذا أشد؛ لأن القولين يتنافيان، الفرق بين اختلاف التنوع بأقسامه واختلاف التضاد بقسميه، الفرق بينهما أن اختلاف التنوع هو ما حمد فيه كل واحدة من الطائفتين، إذا لم يحصل بغي من إحداهما والذم فيه واقع على من بغى على الآخر. وقد دل القرآن على حمد كل واحدة من الطائفتين إذا لم يحصل منهما أو أحدهما بغي على الأخرى كما في الأمثلة السابقة: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قائمةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا} . إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمن صلى العصر في وقتها أو في بني قريظة. حديث: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) . وأما اختلاف التضاد فهو ما حمد فيه إحدى الطائفتين وذمت الأخرى، كما في الأمثلة السابقة {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا} {* هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} متى يكون كل من أنواع اختلاف التنوع مذموما؟ ومتى يكون محمودا؟ .

يكون مذموما إذا حصل فيه بغي على الآخر ظلما بسبب العصبية والهوى، أو بسبب الجهل، إما بالقول مثل التفكير والتفسيق أو بالفعل مثل حبسه وضربه وقتله، ويكون محمودا إذا لم يحصل بغي. فالخلاصة: أنه يذم إذا حمل الهوى والعصبية والظلم على التشاحن والقتال، فاختلاف التنوع الذم فيه واقع على من بغى على الآخر ظلما بسبب العصبية أو الجهل بالقول أو الفعل أي القسمين، الاختلاف فيه يئول إلى البدع بين الأمة، وإلى سفك الدماء واستباحة الأموال والعدواة والبغضاء، وما ... سبب ذلك القسم الأول، وهو اختلاف التنوع، وهو الذي آل بالأمة إلى سفك الدماء وإلى الاختلاف. وسبب ذلك البغي والهوى والعصبية والظلم، وذلك أن إحدى الطائفتين لا تعترف بالأخرى فيما معها من الحق، ولا تنصفها، بل تزيد ما معها من الحق على ما معها من الحق زيادات من الباطل، والأخرى كذلك قال تعالى ... الدليل: قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} . والبغي مجاوزة الحد، ومن السنة حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (ذروني ما تركتم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء، فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فأمرهم بالإمساك عما لم يؤمرا، معللا بأن سبب هلاك الأولين إنما كان بكثرة السؤال، ثم الاختلاف على الرسل بالمعصية. أنواع الاختلاف في الكتاب العزيز من الذين يقرءونه من الذين يقرون به مع التمثيل، ومن أي أنواع الاختلاف اختلاف أهل البدع واختلاف الأئمة الاختلاف في الكتاب العزيز على نوعين: اختلاف في تنزيله واختلاف في تأويله، وكلاهما فيه إيمان ببعض دون بعض، الاختلاف في تنزيله، مثاله: اختلافهم في تكلم الله بالقرآن وتنزيله، فطائفة قالت: هذا الكلام حصل بقدرة الله ومشيئته، لكنه مخلوق في غيره، لم يقم به وهم الجهمية والمعتزلة، وطائفة قالت: بل هو صفة له قائمة بذاته، ليس بمخلوق، لكنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وهم الكلابية، وكل من الطائفتين جمعت في كلامها بين حق وباطل. والمذهب الثالث: مذهب أهل السنة مأخوذ من الحق الذي مع كل من الطائفتين، وهو أن كلام الله صفة قائمة بذاته ليس بمخلوق، وهو حاصل بقدرته ومشيئته. ثانيا: الاختلاف في تأويله يكون في الأصول، ويكون في المسائل الفقهية، ويكون في القدر، يكون في المسائل الفقهية، كالاختلاف في قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) } هل المراد بها تطهير النفس أو زكاة المال؟ . وكذلك والاختلاف في القدر، مثاله: اختلاف في نصوص القدر، كحديث عامر بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم وهم يختصمون في القدر هذا ينزع بآية وهذا ينزع بآية فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان من شدة الغضب فقال: (أبهذا أمرتهم أم بهذا بعثتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض) أما الاختلاف بين الأئمة في المعنى كاختلافهم في الأقراء، هل هي الحيض أو الأطهار، فليس ضربا لكتاب الله، وأما اختلاف أهل البدع فهو اختلاف في تأويله موقف أهل البدع مما يوافق رأيهم من الآيات، ومما يخالفه، وما الذي يحكم به عليهم مع الاستدلال، وهل يشارك أهل البدع في ذلك من عمل بما فهم من القرآن، وتوقف فيما اشتبه عليه مع التوجيه والاستدلال، أهل البدع يقرون بما يوافق رأيهم من الآيات، وما يخالفه فلهم فيه طريقان: أحدهما أن يتأوله تأويلا يحرفون به الكلم عن مواضعه، الثاني: أن يقولوا هذا متشابه لا يفهمه أحد، ويجحد ما أنزل الله الحكم عليهم تأويلهم للمعنى، أو جحدهم له بناء على أنه متشابه، هو في معنى الكفر به، أي: المعنى أي في معنى الكفر به، أي: المعنى، إذ الإيمان باللفظ بدون معنى هو من جنس إيمان أهل الكتاب. الاستدلال: قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} يعني: في عدم الفهم والعمل، أو بعدم العمل فقط، وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} أي إلا تلاوة من غير فهم معناه، ولا يشارك أهل البدع في هذا المؤمن الذي عمل بما فهم من القرآن، ووكل علم ما اشتبه عليه إلى الله؛ لأنه ما نفى أن يفهمه العالم، ولأنه امتثل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فما عرفتم به فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه) نعم.

قوله: ودين الله في الأرض والسماء واحد، وهو دين الإسلام، قال الله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} وقال تعالى: {ورضيت لكم الإسلام دينا} وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل وبين الجبر والقدر وبين الأمن والإياس

ودين الله في الأرض والسماء واحد، وهو دين الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل وبين الجبر والقدر وبين الأمن والإياس

ومن السنة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إن هذا الدين يسر) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (بعثت بالحنفية السمحة) وقال -عليه الصلاة والسلام-: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها) وكان الوفد الوافد إلى رسول صلى الله عليه وسلم يتعلم الدين، ثم يولي في وقته، فالدين يتعلمه الإنسان في أقصر وقت يتشهد شهادة الحق ويشهد لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة فيدخل في الإسلام ويلتزم، ويدخل الإنسان في هذا الدين في أقصر وقت في لحظة كما أنه يخرج من الدين بأقصر زمان ولذلك أمثلة كثيرة منها: إنكار كلمة من القرآن ككلمة التوحيد يخرج من الإسلام، أو تكذيب لله، أو لرسوله، أو لما جاء به الله ورسوله يخرج عن الإسلام، أو معارضة لله، أو لرسوله، أو لما جاء به الله، أو رسوله، أو ارتياب في قول الله، أو قول رسوله، أو كذب على رسوله، أو رد لما أنزل الله، أو لما جاء به رسوله، أو شك فيما نفى الله عنه الشك فيخرج من الإسلام في أقصر زمان.. يدخل فيه في أقصر زمان ويخرج منه في أقصر زمان. والحكمة في اختلاف تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للناس في بعض الألفاظ مراعاة الأحوال، مراعاة حال من يتعلم، فإن كان الشخص الذي يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعيد الوطن كضمام بن ثعلبة النجدي ووفد عبد القيس علمهم ما لا يسعهم جهله، ويرسل إليهم من يفقهم فيما يحتاجون إليه مع علمه بأن دينه سينتشر في الآفاق. ومن كان قريب الوطن يمكنه الإتيان كل وقت بحيث يتعلم على التدريج، أو كان قد علم منه أنه عرف ما لا بد منه أجابه بحسب حاله وحاجته على ما تدل قرينة حال السائل كقوله: (قل آمنت بالله ثم استقم) . ويخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بحسب حالهم من كان عاقا لوالديه أوصاه ببر الوالدين؛ لأنه يحتاج إليه من كان يكذب في الحديث أجابه بصدق الحديث، الدين الذي شرع ولم يأذن الله به لا يجوز أن تكون أصوله مستلزمة له منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من المرسلين؛ لأنه باطل وملزوم الباطل باطل كما أن لازم الحق حق، ودين الإسلام وسط بين الغلو والتقصير.

قوله: وهو بين الغلو والتقصير

وهو بين الغلو والتقصير

قوله: وبين التشبيه والتعطيل

وبين التشبيه والتعطيل

قوله: وبين الجبر والقدر

وبين الجبر والقدر

قوله: وبين الأمن والإياس

وبين الأمن والإياس

قوله: فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا

فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا

قوله: ونحن برآء إلى الله من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه

ونحن برآء إلى الله من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه

قوله: ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به

ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به

قوله: ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم

ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم

المعتزلة مشبهة في الأفعال، معطلة في الصفات فهم قاسوا أفعال الله على أفعال العباد، وجعلوا ما يحسن من العباد يحسن منه وما يقبح من العباد يقبح منه، وقالوا: يجب على الله أن يفعل كذا، ولا يجوز له أن يفعل كذا بمقتضى ذلك القياس الفاسد، فالعباد خالقون لأفعالهم إذ يقبح منه أن يخلقها، ثم يعذبهم عليها. الرد عليهم نقول: إن السيد من بني آدم لو رأى عبيده تزني بإمائه ولا يمنعهم من ذلك لعد إما مستحسنا للقبيح وإما عاجزا فكيف يصح قياس أفعاله سبحانه على أفعال عباده، لو كان العباد خالقون لأفعالهم للزم عليه أن يكون الله مستحسنا للقبيح من أفعالهم، أو عاجزا وكلاهما محال على الله المعتزلة يقولون عندهم الأصل الأول والأصل الثاني هذه من الأصول العقلية، والثلاثة الأخيرة أصول شرعية. فالأصل الأول والثاني وهما العدل والتوحيد يقولون من الأصول العقلية التي لا يعلم صحة الصنع إلا بعدها؛ لأنها عرفت قبل الشريعة بالعقل يقولون لا حاجة للشريعة في أصل التوحيد والعدل، ما في حاجة إلى الشريعة ولا حاجة إلى الكتاب والسنة، والشريعة جاءت مطمئنة وموضحة وموافقة لما جاء به العقل. وأما العقل فهو كافٍ في المطلوب وإذا استدلوا على ذلك بأدلة سمعية فإنما يذكرونها للاعتراض لا للاعتماد عليها، قالوا: والقرآن والحديث بمنزلة الشهود الزائدين على النصاب وبمنزلة المدد اللاحق بعسكر مستغنٍ عنه، وبمنزلة من يتبع هواه واتفقوا أن الشرع ما يهواه. ويرد عليهم بأن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، والعمل يتبع قصد صاحبه وإرادته، وصلاح العمل متوقف على صلاح النية وصلاح النية متوقف على العلم بالله والتصديق به، فلا يثاب الإنسان على ما وافق من الحق بدون نية إذا كان تابعا لهواه ويعاقب على ما تركه من الحق إذا كان متبعا لهواه. أما الجهمية، الجهمية الذي أسس عقيدة نفي الصفات والأسماء هو الجعد بن درهم وقاتله خالد بن عبد الله القسري أمير العراق ومشرق بن واصل ضحى به يوم الأضحى وسبب قتله أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، وكان ذلك بعد استفتاء علماء زمانه وهم من السلف الصالح الذي أظهر مقالة الجعد بعده هو الجهم بن صفوان وسبب ذلك مناظرته قوما من المشركين يقال لهم السمانية من فلاسفة الهند، وهم الذين ينكرون من العلم ما سوى الحسيات وبعدها نفى الصفات. واتصل بالجعد يعني الجهم اتصل بالسمانية وشككوه في الله، وقالوا له: إلهك هذا الذي تعبد هل تراه بعيونك؟ قال: لا، قالوا هل تسمع بإذنك؟ قال: لا، قالوا: هل تشمه بأنفك؟ قال: لا، قالوا: هل تذوقه بلسانك؟ قال: لا، قالوا: له هل تحسه بيدك؟ قال: لا، قالوا: إذن هو معدوم. فشك في ربه وترك الصلاة أربعين يوما فجهم، ثم بعد الأربعين نقش الشيطان في ذهنه أن الله موجود وجودا ذهنيا فأثبت وجودا لله في الذهن وسلب عنه جميع الأسماء والصفات، نسأل الله السلامة والعافية فنسبت الجهمية إلى الجهم؛ لأنه هو الذي أظهر المذهب ونشره ودافع عنه والذي قتله هو سالم بن أحوذ أمير خراسان آخر ولاة بني أمية بعد أن فشت مقالته في الناس. ثم تقلد نفي الصفات بعد الجهم المعتزلة ولكن الجهم أكثر في التعطيل منهم؛ لأنه ينكر الأسماء والصفات وهم لا ينكرون الأسماء بل الصفات فقط. العقائد الذي اشتهر بها الجهم، الجهم اشتهر بأربع عقائد خبيثة: العقيدة الأولى: عقيدة نفي الصفات، وورثها عنه المعتزلة. العقيدة الثانية: عقيدة الجبر وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على سبيل المجاز، وورثها عنه الجبرية. العقيدة الثالثة: عقيدة الإرجاء، عقيدة الإرجاء، وأن الإيمان هو معرفة الرب بالقلب، والكفر هو جهل الرب بالقلب وورثها عنه المرجئة. العقيدة الرابعة: القول بفناء الجنة والنار. اشتهرت مقالة الجهمية حين امتُحن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- وغيره من علماء السنة في فتنة القول بخلق القرآن وذلك في إمارة المأمون وخلافته، فإنهم قووا وكثروا فإنه أقام بخراسان مدة واجتمع بهم، ثم كتب في المحنة من طراسوس بسبب بشر بن غياث المردي وطبقته. سند مذهب الجهم: أصل مذهب الجهم مأخوذ عن المشركين والصابئة واليهود، إذ إن الجهم أخذ عن الجعد بن درهم، والجعد كان قد اتصل بالصابئة الفلاسفة من أهل حران، وأخذ شيئا من بعض اليهود المحرفين لدينهم المتصلين بلبيد فأخذ الجعد عن أبان بن سمعان، وأبان أخذ عن طالوس وطالوس أخذ عن خاله لبيد بن أعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم فصار سند المذهب يتصل باليهود.

نزاع العلماء في الجهمية: هل هم من فرق الأمة الإسلامية أم لا؟ قد تنازع العلماء في الجهمية هل هم من الثنتين والسبعين فرقة فيكونون من المبتدعة أم ليسوا منها فيكونون كفرة من فرق الكفرة؟ قيل: منهم وقيل: ليسوا منهم، وقيل غلاة الحهمية كفرة وغير الغلاة مبتدعة، وذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله- أنه كفَّر الجهميةَ خمسمائة عالم، خمسمائة عالم كفروا الجهمية قال في الكافية الشافية: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان خمسين في عشرة كم؟ خمسمائة، ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان ولا لك أي الإمام حكاه عنهم بل قد حكاه قبله الطبراني الفرقة الرابعة الجبرية، أصل قول الجبرية ورئيسهم، أصل قول الجبرية من الجهم بن صفوان؛ إذ إنه رئيسهم فورثوه عنه، وهو نظير واصل بن عطاء في الاعتزال، مذهبهم أن فعل العبد بمنزلة طوله ولونه وهم عكس القدرية نفاة القدر، وإطلاق اسم القدرية عليهم، وإطلاق اسم القدرية عليهم؛ لأنهم غلو في إثبات القدر. المبحث الخامس القدرية، أول من تكلم بالقدر معبد الجهني بالبصرة، وأخذ ذلك عنه غيلان الدمشقي، وكان ذلك في أواخر عهد الصحابة ومذهبهم أن الله لم يقدر أفعال العباد ولا شائها بل العباد هم الخالقون لأفعالهم والموجدون للكفر والمعاصي والطاعات والإيمان. والأحاديث في ذمهم قد وردت أحاديث كثيرة في ذمهم منها حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم) . والتحقيق في الأحاديث في ذم القدرية والفرق بينها وبين الأحاديث في ذم الخوارج الصحيح أن الأحاديث التي هي في ذم القدرية كلها موقوفة بخلاف الأحاديث الواردة في ذم الخوارج فإن فيهم في الصحيح وحده عشرة أحاديث، أخرج البخاري منها ثلاثة وأخرج مسلم سائرها، والقدرية يشبهون بالمجوس؛ لأن كلا من الطائفتين قالت بتعدد الخالق ولكن قول القدرية أردأ وأسوأ من قول المجوس فإن المجوس اعتقدوا وجود خالقين واحدا للشر وآخر للخير والقدرية اعتقدوا وجود خالقين على عدد من يوجد فعله باختياره. سبب ضلال هذه الفرق ومنشأ حدوث هذه البدع، منشأ حدوث هذه البدع، هذه البدع المتقابلة حدثت من الفتن المفرقة بين الأمة كما ذكر البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب قال: "وقعت الفتنة يعني مقتل عثمان فلم تُبْقِ من أصحاب بدر أحدا، ثم وقعت الفتنة الثانية فلم تُبْقِ من أصحاب الحديبية أحدا، ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع للناس طباح، أي عقل وقوة". فالخوارج والشيعة حدثوا في الفتنة الأولى والقدرية والمرجئة في الفتنة الثانية، والجهمية ونحوهم بعد الفتنة الثالثة، وهذه البدع، هؤلاء المبتدعة يقابلون البدعة بالبدعة، فالشيعة غلو في علي والخوارج كفروه، والمعتزلة غلو في الوعيد حتى خلدوا بعض المؤمنين في النار، والمرجئة غلو في الوعد حتى نفوا بعض الوعيد، والمشبهة غلو في الإثبات حتى وقعوا في التشبيه، والجهمية والمعتزلة غلو في التنزيه حتى نفوا صفات الله تعالى، أو صفاته وأسمائه. سبب ضلال هذه الفرق عدولهم عن الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه فقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} وقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فلما عدلوا عن الصراط المستقيم أحاطت بهم الفتن فنشئت هذه الآراء المتضاربة والعبد مضطر إلى سؤال الله الهداية، اضطراره إلى سؤال الهداية فوق كل ضرورة، ولهذا شرع الله في الصلاة قراءتهم للقرآن في كل ركعة لاحتياج العبد إلى هذا الدعاء العظيم بالقدر المشتمل على أشرف المطالب وأجلها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } . تشبيه من انحرف من العلماء ومن العباد، قال طائفة من السلف: من انحرف من العلماء ففيه شبه من اليهود، ولهذا تجد أكثر المنحرفين من أهل الكلام من المعتزلة ونحوهم فيهم شبه من اليهود، حتى أن علماء اليهود يقرءون كتب شيوخ المعتزلة ويستحسنون طريقتهم ويستحسنون طريقتهم، وكذا شيوخ المعتزلة يميلون إلى اليهود ويرجحونهم على النصارى. ومن انحرف من العباد ففيه شبه من النصارى، ولهذا تجد أكثر المنحرفين من العباد من المتصوفة ونحوهم فيه شبه من النصارى، ولهذا يميلون إلى نوع من الرهبانية والحلول والاتحاد ونحو ذلك، ولهذا نرى شيوخ الصوفية ومن انحرف من العباد عموما يذمون الكلام وأهله، وشيوخ أرباب الكلام يعيبون طريقة العباد والصوفية، ويصنفون في ذم السماع والوجد وكثير من الزهد والعبادة التي أحدثها الصوفية.

طريقة فرق الضلال في الوحي، هذا المبحث آخر مبحث وهو مهم وهي طريقة فرق الضلال في الوحي فرق الضلال المنحرفين لهم طريقة في الوحي، ما هو الوحي؟ ما أنزله الله على رسوله من القرآن والسنة ما هي طريقتهم في الوحي، طريقة الضلال في الوحي لهم طريقتان، انتبهوا وكل طريقة تتفرع، الطريقة الأولى طريقة فرق الضلال في الوحي وهو الكتاب والسنة ما أنزله الله على رسوله من الوحي من القرآن ومن السنة، السنة وحي ثان, أهل الضلال لهم طريقتان في هذا الوحي وهو الكتاب العزيز والسنة المطهرة، طريقتان: الطريقة الأولى: طريقة التبديل. والطريقة الثانية: طريقة التجهيل طريقة التبديل، والثانية طريقة التجهيل. أهل التبديل نوعان أهل التبديل نوعان: النوع الأول ل أهل الوهم والتخييل. والنوع الثاني أهل التحريف والتأويل، هذا تقسيم الطريقة الأولى. والطريقة الثانية يأتي تقسيمها. أهل الوهم والتخييل هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ومتفقه مذهبهم في الله واليوم الآخر يقولون: إن ما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر، إنما هو تخيل للحقائق لينتفع الجمهور به لا أنه بيَّن به الحق ولا هدى به الخلق، ولا أوضح به الحق هذا خيال، هذا خيال الذي ذكره الرسول من الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والبعث والنشور والجنة والنار فهذا خيال قاله للناس يخيل للناس حتى ينتفعوا وحتى يتعايش الناس ولا يعتدي بعضهم على بعض دون لا حقيقة له، فالجنة والنار والبعث والجزاء هذا كله خيال يقولون: إنما تخيل للحقائق لينتفع الجمهور به لا أنه بين به الحق ولا هدى به الخلق ولا أوضح به الحقائق. وهم طائفتان أهل التخييل: الأولى يقولون: إن الرسول، أو الرسل لم يعلموا الحقائق على ما هي عليه، ما يعلمون الحقائق التي جاءت في الكتاب والسنة قالوا: إن الرسل، أو الرسول لم يعلموا الحقائق على ما هي عليه واعتقدوا خلاف الحقائق ويقولون: إن من المتفلسفة الإلهية من علمها، وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم الأولياء من علمها، ويزعمون أن من الفلاسفة والأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين. وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية باطنية الشيعة وباطنية الصوفية الثانية يقولون: إن الرسول علم الحقائق لكن لم يبينها وإنما تكلم بما يناقضها قالوا الرسول يعرف الحقائق لكن تكلم بضدها وإنما تكلم بما يناقضها وأراد من الخلق فهم ما يناقضها لأن مصلحة الخلق في هذه الاعتقادات التي لا تطابق الحق فهم يقولون: إن الرسل بينوا للناس النصوص من العبادات واليوم الآخر والجنة والنار ليعملوا بها ولا واقع لها، ولكنهم قصدوا إيهام الجمهور والتخييل عليهم بأن الله شيء عظيم كبير، وأن الأبدان تعاد، وأن لهم نعيما محسوسا وعقابا محسوسا ليحملوهم على ما يصلح حالهم، وإن كان كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور. يقولون: الأنبياء كذبوا للناس، كذبوا للناس ما كذبوا عليهم، كذبوا لهم ولا يكذبوا عليهم لمصلحتهم، وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل كالقانون الذي ذكره في رسالته الأضحوية خلاصة مذهبهم يقولون: إن الرسل يعرفون الحقائق لكنهم مَوَّهُوا على الناس لمصلحتهم أما الأعمال فمنهم من يقرها، ومنهم من يجريها هذا المجرى، ويقولون: إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض ويؤمر بها العامة دون الخاصة فهذه طريقة الباطنية الملاحدة الإسماعلية، ونحوهم. النوع الثاني من أهل التبديل: أهل التحريف والتأويل، النوع الثاني من أهل التبديل يسمون أهل التحريف والتأويل مذهبهم يقولون: إن الأنبياء لم يقصدوا بنصوص المعاد واليوم الآخر، والصفات ما هو في نفس الأمر حق، وأن الحق هو ما علموه، قالوا: إن الأنبياء لم يقصدوا بنصوص المعاد واليوم الآخر وبنصوص الصفات ما هو في نفس الأمر حق، وأن الحق هو ما علموه بعقولهم، ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات، ولهذا أكثرهم لا يجزمون بالتأويل بل يقولون: يجوز أن يراد كذا، وغاية ما معهم إنكار احتمال اللفظ. خلاصة مذهبهم يقولون: إن الأنبياء أتوا بنصوص ظاهرها باطل غير مراد والمقصود المعاني المجازية، وهي المعاني الباطلة ولم يبينوها للناس الأنبياء ما بينوها للناس بل تركوها إلي العقول فالرسول لم يقصد بها أن يعتقد الناس الباطل ولكن قصد بها معاني لم يبينها لهم ولا دلهم عليها لامتحانهم ليجتهدوا بعقولهم في صرفها عن مدلولها، وهذا القول قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة والكلابية والسالمية والكرامية والشيعة بنصوص الصفات.

الطريقة الثانية طريقة التجهيل والتضليل، انتهينا من التقسيم الأول طريقة التبديل بأنواعه، الطريقة الثانية طريقة التجهيل والتضليل أهل التجهيل والتضليل سموا بذلك؛ لأنهم يُجَهِّلُون الرسل بالمعاني التي جاءوا بها من عند الله يقولون الرسل جاهلون بالمعاني التي جاءوا بها من عند الله، حقيقة مذهبهم أن الأنبياء وأتباع الأنبياء جاهلون ضالون لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء، ويقولون: يجوز أن يكون للنص تأويل لا يعلمه إلا الله لا يعلمه جبريل ولا محمد ولا غيره من الأنبياء فضلا عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ويقولون: إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وهو لا يعرف معاني هذه الآيات بل معناها الذي دلت عليه لا يعرفه إلا الله، ويظنون أن هذه طريقة السلف. وهذا مذهب الفلاسفة والباطنية وهم أخبث ممن مضى وهم يساوون الطائفتان. الطائفة الثانية من أهل التخييل القائلة الأنبياء اعتقدوا خلاف الحقائق ويقولون إن قوله -عليه الصلاة والسلام- (لأنا أغير من سعد والله أغير مني) أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف معنى كلمة "أغير" وهم طائفتان: الطائفة الأولى، وهم طائفتان الطائفة الأولى يقولون: إن المراد بهذا خلاف مدلولها الظاهر المفهوم، ويقولون: نقطع بأن المعنى الحقيقي غير مراد، بل المراد خلاف مدلولها المراد، إن المراد بهذا خلاف مدلولها الظاهر المفهوم، ولا يعرفه أحد كما لا يعلم وقت الساعة. وهؤلاء هم المفوضة الذين يفوضون معاني نصوص الصفات إلى الله. الثانية يقولون بل تجرى النصوص على ظاهرها وتحمل على ظاهرها، ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلا يخالف ظاهرها، وقالوا مع هذا: إنها تحمل على ظاهرها. ما تشترك فيه الطائفتان أهل التضليل، وأهل التجهيل يشتركون في القول بأن الرسول، انتبه، الطائفتان أهل التضليل وأهل التجهيل يشتركون في القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين المراد بالنصوص التي يجعلونها مشكلة، أو متشابهة، ولهذا يجعل كل فريق المشكل من نصوصه غير ما يجعله الفريق الآخر مشكلا، فهم مشتركون في أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يأت بها على ما يوافق معقولنا وأن الأنبياء وأتباعهم لا يعرفون العقليات ولا يفهمون السمعيات. السمعيات الأدلة من النصوص فهم مشتركون في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم معناها بل جهل معناها، أو جهَّلَهَا الأمة من غير أن يقصدوا، يعني يعتقدوا جهل المركب. وأما أولئك الطائفتين من أهل التجهيل والمجهلة فيقولون بل قصد الرسول من الناس أن يعلم الجهل المركب والاعتقادات الفاسدة وهؤلاء مشهرون عند الأمة بالإلحاد والزندقة، ثم انقسموا إلى فرقتين بعد اشتراكهما في المقالة السابقة من هاتين الطائفتين أهل التضليل وأهل التجهيل من يقول: لم يعلم الرسول معانيها، ومنهم من يقول: علمها ولم يبينها بل أحال في بيانها على الأدلة العقلية، وعلى من يجتهد في العلم بتأويل تلك النصوص. وكل ذلك ضلال وتضليل عن سواء السبيل، نسأل الله السلامة والعافية من هذه الأقوال الواهية المفضية بقائلها إلى الهاوية، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على صراطه المستقيم حتى نلقاه وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه. عندي أيضا بعض الفرق كان بودي أن نتكلم عنها من الفرق المعاصرة: عن القاديانية، وعن البهائية والبابية وعن اليزيدية لكن لعل الله أن ييسر في وقت آخر. من الفرق المعاصرة القاديانية والبابية والبهائية واليزيدية، الحركة القاديانية أسسها تنسب الطائفة القاديانية إلى مدينة قديان بالهند وأحيانا يطلق عليهم اسم الأحمدية لانتسابهم في مذهبهم لانتسابهم في مذهبهم إلى رجل اسمه غلام أحمد عبد النبي، ولد غلام أحمد سنة ألف ومائتين واثنين وخمسين هجرية في مدينة قديان، وانكب منذ الصغر على دراسة القرآن والحديث والتعبد والتفكير في أمور الدين. ثم بعد ذلك ادعى غلام أحمد أنه المسيح الموعود والمهدي الموعود في وقت واحد ويستند أتباعه في الإيمان به إلى ما روي في صحيح البخاري: أن المهدي يظهر في شرقي منارة دمشق، وأن المسيح يصلي خلفه مع قول النبي صلى الله عليه وسلم (كيف بكم وبابن مريم فيكم) ويقول إن غلام أحمد وإن كان هنديا إلا أنه إيراني الأصل هاجر أباه إلى الهند منذ مئات السنين.

رسالته إلى علماء الهند وغيرهم في سنة ألف ثلاثمائة وأربع وأربعين، وجه غلام أحمد رسالة إلى علماء الهند وغيرها من البلاد الإسلامية جاء فيها "إن الله قد بعثني مجددا على رأس هذه المائة واختصني عبدا لمصالح العامة وأعطاني علوما ومعارف تجب لإصلاح هذه الأمة، ووهب لي من لدنه علما حيا لإتمام الحجة على الكفرة الفجرة وجعلني من المكلمين الملهمين وأكمل عليَّ نعمه، وأتم تفضله وسماني المسيح ابن مريم بالفضل والرحمة وقدر بيني وبينه تشابه الفطرة كالجوهرين من المادة الواحدة. إلى أن قال: ومن أجل آلائه أنه استودعني سره الذي يكشف للأولياء والروح الذي لا ينفق إلا في أهل الاصطفاء، إلى أن قال ومن آلائه أنه خاطبني وقال: أنت وجيه في حضرتي اخترتك لنفسي، وقال: أنت مني بمنزلة لا يعلمها الخلق. إلى أن قال: أيها الكرام إن الفتن اشتدت والأرض فسدت والمفاسد كثرت وعلا في الأرض الحزب المنتصر. إلى أن قال: فكلمني وناداني وقال إني مرسلك إلى قوم مفسدون وإني جاعلك للناس إماما. إلى أن قال: فلما أخبرت عن هذا قومي قامت علمائهم للعني ولومي وكفروني قبل أن يحيطوا بقولي ويزنوا حولي، وقالوا دجال، وقال كبيرهم الذي أفتى وأغوى الناس ما أغرى: إن هؤلاء كفرة فجرة فلا يسلم عليهم أحد ولا يتبع جنازتهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين إلى أن قال: وبعزة ربي وجلاله نفسي لست بكافر ولا معتد من أقواله ولا مرتد ولا من الملحدين بل جاءكم الحق فلا تعرضوا عن الحق كارهين. وقد تقوى مذهبنا بتظاهر الأحاديث والفرقان، ثم بشهادة الأئمة وأهل العرفان، ثم بالعقل الذي هو مدار التكاليف الشرعية، ثم بالإلهام المتواتر اليقيني عن حضرة العزة، فكيف ترجع إلى الظن بعد اليقين إلى أن قال: وقد تفردت بفضل الله بكشوف صادقة ورؤيا صالحة ومكالمات إلهية وكلمات إلهامية وعلوم نافعة وزادني ربي بسطة في العلم والدين وأرسلني مجددا لهذه المائة وسماني عيسى. إلى أن قال: وجعلني ربي عيسى ابن مريم على طريق الموازاة الروحانية …. إلى أن قال: اعلموا أن فضل الله معي وأن روح الله ينطق في نفسي فلا يعلم سري ودخيلة أمري إلا ربي هو الذي أنزل علي وجعلني من المنوَّرَين هو الذي أنزل علي وجعلني من المنورين. خلاصة الدعوى نقول: ادعى غلام أحمد أنه المسيح الموعود بمعنى أنه جاء بقوة وروح عيسى -عليه الصلاة والسلام- وادعى أنه هو النبي الذي تنبأت بظهوره أغلب الديانات وأن مهمته هي إطالة العلاقة بين الإنسان وخالقه كما أنه جاء ليفسر القرآن وتعاليم الإسلام في ضوء الوحي الإلهي فيما يطابق العصر الحاضر، وليكون هو نفسه مثالا يبين الحياة الإسلامية الكاملة وادعى أنه يستغني بالعلم اللدني عن الوحي، وللقديانية رئيس ديني يلقبونه بلقب أمير المؤمنين وخليفة المسيح الموعود والمهدي المعضود. انتشارها: انتشرت الدعوة القاديانية وصادفت نجاحا في بعض الجهات الإفريقية وأخذوا يبشرون بها في أوربا وأمريكا وآسيا وشيدوا بعض المساجد في إنجلترا ولكنهم لم يجدوا من يقبل دعوتهم في البلاد العريقة في الإسلام كشمال إفريقية ومصر والجزيرة العربية والسودان والعراق والشام فقد قل نشاطهم الآن وضعفت حماستهم. مذهب القاديانية في الجهاد أنه كان فرضا، ثم نسخ وأنه بعث بعد محمد أحمد القدياني وقبلته قديان في الهند، ومذهب البهائية أنه بعث بعد محمد البهاء وأنه نزل عليه القرآن سماه البهاء وقبلتهم مدينة عكا، والجهاد كان فرضا، ثم نسخ وكلا من البهائية والقاديانية تزعم أن الجهاد كان فرضا، ثم نسخ، فالمحاربة بالجهاد عندهم فالجهاد عندهم خروج عن دين الإسلام وعلى المسلمين أن ينضموا إلى دولة من الدول الكبرى لتحميهم، كما أن صلاة الجمعة نسخت، وكذا الحج؛ وذلك لأن كلا منهما مواطن قوة المسلمين فقالوا بالنسخ؛ لأجل أن يخدروا أعصاب المسلمين؛ لئلا يكون فيهم القوة التي كانت في آبائهم وأجدادهم. البابية، أو البهائية وهذه القاديانية التي تسمى البهائية فرقة كافرة كما أجمع العلماء في العصر الحاضر على أنها فرقة خارجة عن دائرة الإسلام. البابية، أو البهائية تنسب البابية إلى مؤسس الديانة البابية الذي سمى نفسه بالباب وتسمى البهائية نسبة إلى خليفة الباب وهو علي حسن الملقب بالبهاء مؤسس الديانة البهائية هو علي بن محمد رضا الشيرازي، ولد علي بن محمد بن رضا الشيرازي بشيراز في إيران سنة ألف ومائتين وخمس وثلاثين كان أبو محمد رضا الشيرازي ينتسب إلى بيت النبوة توفي والده قبل أن يبلغ سن الفطام فكفله خاله علي الشيرازي الذي كان يشتغل بالتجارة لم يكن للغلام ميل إلي الدراسة إلا أنه تحت ضغط خاله تعلم قليلا من اللغة العربية ومن النحو الفارسي، وقد أظهر براعة مدهشة في الخط فكان أعجوبة أهل عصره في هذا الفن.

ثم أشركه خاله معه في التجارة وانتقلا معا إلى ميناء أبي شهب وهو إذ ذاك في السابعة عشرة من عمره وما لبث أن اظهر براعة في التجارة فاستقل عن خاله وكسب شهرة تجارية وكان إلى جانب اشتغاله بالتجارة ينفق وقتا طويلا في دراسة العلوم الدينية والرياضيات، ثم اشتغل بالروحانيات وأخذ يعمل على إذلال نفسه فكان يسهر الليل وفي النهار يقف تحت أشعة الشمس المحرقة فاعتراه بسبب ذلك وجوم وذهول وتأثرت قواه العقلية من الخلوة وما فيها من العزلة، ومن فرط السهر وإدمان الوقوف في مواجهة قرص الشمس وتحمل حرارتها التي تبلغ في مدينة أبي شهب اثنين وأربعين درجة، ولاحظ عليه خاله شذوذا في تفكيره وداخله الشك فيما يصدر منه من أقواله وأفعاله فنصحه مرة بعد أخرى إشفاقا عليه من أن تتطور الحال إلى نتيجة لا تحمد عقباها. أشار عليه الأطباء بالسفر إلى كربلاء والنجف به حيث الهواء النقي وعسى أن ينقطع عن التفكير فيما كان بصدده فرحل وعمره عشرين سنة كانت الأفكار الباطنية منتشرة بين فريق النازلين بتلك المدينة فأخذ بعد وصوله يدرس آراء بعض علمائها ومن أشهرهم أحمد الإحسائي وتلميذه كاظم الرشدي وظل يتردد على دروس كاظم الرشدي مؤسس المنطقة الكشفية انقطع فجأة وتغيب ردحا من الزمن بعد أن اتفق مع بعض أصحابه على السفر إلى الكوفة والإقامة في مسجد الإمام علي منقطعين للرياضة مدة أربعين يوما. بعد انقضاء المدة غادر المسجد وهو في حالة غير طبيعية وعاد لمجلس الرشدي وهو شارد الذهن وفي حالة ذهول وأخذ يتكلم بألفاظ عدها تلامذة الرشدي خارجة عن منهج الشريعة ومخالفة لقواعد السنة النبوية فلاطفوه وجاملوه أولا وجفوه وهجروه ثانيا فإذا به يدعو الناس إلى نفسه ويوصي بالزهد والتقشف مع ما أمال إليه كثيرا من بسطاء القول وضعفاء الأحلام كان يخاطب المقربين إليه بأقوال غامضة مثل فادخلوا البيوت من أبوابها، ومثل أنا مدينة العلم وعلي بابها يعني أن الطريق إلى الله مسدود إلا عن طريق الرسالة والنبوة والولاية إلا بواسطة إلا بواسطة، وأنا تلك الواسطة. وكما أنه لا يجوز دخول البيت إلا من الباب فأنا ذلك الباب فعندئذ سمى نفسه الباب وما كان بعد ذلك يشير لنفسه ألا بلقب الباب وترك اسمه الأصلي وهذا هو سر تسميته بالباب وأتباعه بالبابية، بدء دعوته، بدأ دعوته عام ألف ومائتين وستين جهر الباب بدعوته في ليلة الخامس من جمادى الأولى عام ألف ومائتين وستين أول المؤمنين به كان أول المؤمنين به هو الملا حسين المشهوري الذي لبى دعوته في الليلة الخامسة من جمادى الأولى واعتبروا هذا العام عيدا سموه عيد المبعث إذ أظهر فيه الباب دعوته ورفع به الصوت جهارا وكان عمره إذ ذاك خمس وعشرين سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام. وما زال البابيون يحترمون ذلك اليوم ويقدسونه ويحرمون فيه تعاطي الأشغال. حروف حي: استطاع الباب علي أن يجمع حوله ثمانية عشر شخصا سماهم حروف حي فحرف الحاء يعادل رقم ثمانية في الحروف الأبجدية والياء يساوي عشرة ومجموع الحرفين ثمانية عشرة، ثم ألقى على هؤلاء مبادئه وتعاليم دعوته والمشهوري أول من آمن بالباب نسبة إلى مدينة مشهورية من أعمال خراسان التفت إليه الباب وقال يا من هو أول من أمن بي حقا إنني أنا باب الله وأنت باب الباب ولا بد أن يؤمن بي ثمانية عشر نفسا بكامل رغبتهم دون ضغط، أو إكراه ويعترفون برسالتي وسينشدني كل منهم على انفراد. ولما لم تكن هذه الحركة تناسب والمركز الديني لعلماء إيران إذ إن تعاليم الباب مخالفة لأصول الدين عندهم قامت قيامة العلماء علماء إيران في وجه هذه الدعوة فنشرت الرسائل وألفت الكتب وألقيت الخطب ونتج عن هذه المقاومة أن مال إليه الجهلة من العوام فلما رأى الباب ذلك أعلن أنه المهدي المنتظر بعد أن كان دعوته أنه واسطة، أو باب للوصول إلى الإمام المنتظر. وقال: إن جسم المهدي اللطيف قد حل في جسمه المادي، وأنه يظهر الآن ليملأ الأرض قسطا وعدلا وهذا ما دعا الباب أن يظهر بمظهر أرقى من الدعوة السابقة، فيدعي أنه أفضل من محمد صاحب الدعوة الإسلامية الأمة صلى الله عليه وسلم وأن تعاليمه التي جمعها في بيانه أفضل من تعاليم نبي المسلمين في قرآنه، وأن محمدا إذا كان قد تحدى الناس في الإتيان بسورة من سور الفرقان المبين فإن الباب يتحدى الجميع بالإتيان بباب من أبواب الأرض. مقتله: دعي الباب لمناظرة علماء إيران وانتهت المناظرة بغير نتيجة، ثم ازدادت الاضطربات في جميع أنحاء إيران وانتشرت الفتنة وساعدت الدسائس الأجنبية على امتدادها فقرر الشاه ناصر الدين ضرورة القضاء على هذه الفتن فأصدر أمره بإعدام الباب ونفذ فيه حكم الإعدام في سنة ألف ومائتين وخمس وستين هجرية، وقد تبرأ منه كاتب وحيه حسين التبريزي وهال على الباب بالشتائم والسباب وأطلق سراحه وأتى الحراس بوتدين من الحديد ودقوهما في جدارين متقابلين وربطوا فيهما الباب وصاحبه محمد على الذنروزي وأطلقوا عليهما الرصاص.

وربط الجند جثتهما وألقوهما في خندق حتى أكلتها الطيور الجارحة وكان عمر الباب يوم إعدامه إحدى وثلاثين سنة قمرية وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يوما من يوم ميلاد ميلاده بشيراز، ولما قتل الباب زادت تعاليمه اشتهارا وعظم الاضطهاد على أتباعه وأظهر بعض رؤسائهم دعاوى مختلفة من قبيل النبوة والوصاية والولاية والمرآتية اختلفت آرائهم وتشتت أهوائهم. كتب الباب: من أهمها البيان العربي والبيان الفارسي وهو صورة من البيان العربي وفيه أنه يستغني بالعلم اللدني عن الوحي. عقائد الباب تقوم الديانة البهائية والبابية على أساس الاعتقاد بوجود إله واحد أزلي نظير ما يعتقده المسلمون إلا أن البابيين يستمدون صفات الخالق من أساس العقيدة الباطنية التي ترى أن لكل شيء ظاهرا وباطنا وأن هذا الوجود مظهر من مظاهر الله، وأن الله هو النقطة الحقيقة، وكل ما في هذا الوجود مظهر له. وعلى هذا فلا يؤمنون بالله كما يؤمن به المسلمون. ثانيا عقيدتهم في النبي والإيمان مستمدة من عين العقيدة بالخالق فالنبي، أو الإمام مظهر من مظاهر الله في الأرض وارتقاء هذه المنزلة إنما هو باستكمال صفات أخلاقية جعلته يعبر عن الأمر الواقع ويصل إلى الحقيقة دون غيره لهذا صح للباب أن يكون مظهرا من مظاهر الله في الأرض بعد النبي. عبادات البهائيين: والبابين ومعاملاتهم وردت في كتاب البيان الذي نسخه خليفة الباب علي حسين الملقب بالبهاء في كتابه الأقدس الصوم هو الشهر التاسع الذي يلي أيام الضيافة، والسنة البهائية تسعة عشرة شهرا، كل شهر تسعة عشر يوما. ثانيا: الصلاة، فرضت الصلاة على كل بهائي بالغ وهم يؤدونها على انفراد تسعة في تسع ركعات تسع ركعات في ثلاث أوقات حين الزوال وفي البكور والآصال متوجهين شطر مدينة عكا حيث يرقد بهاء الله. ثالثا: الحج إلى الدار التي ولد فيها مؤسس ديانتهم علي محمد بشيراز، أو إلى الدار التي نزل بها بهاء الله حسين خلال إقامته بالعراق. رابعا: الزكاة سئل عبد البهاء عباس عنها فأجاب: الزكاة في البهائية كالزكاة في الإسلام. خامسا: الزواج بواحدة فقط وفي كتابهم الأقدس التصريح بزوجتين إذا عدل بينهما وهم يزوجون البهائي بغير البهائية وبالعكس بشرط تحرير عقد بهائي إلى جانب العقد الغير بهائي. سادسا: الطلاق مكروه عندهم. سابعا: الميراث تتساوى الابن مع البنت في الميراث وفي كافة الحقوق وسن الرشد لهما واحد. ثامنا: أعيادهم عيد النيروز وعيد الرضوان وعيد ميلاد مؤسس الديانة وعيد ميلاد البهاء وعيد إعلان دعوة الباب. تاسعا: الجهاد منسوخ انقسام البهائية: وبعد وفاة حسين علي الملقب بالبهاء انقسم البهائيون إلى فرق هي: أولا: البهائية. ثانيا: الإزارية نسبة إلى أحد أصحاب الباب. ثالثا: البابية الخلاص الذين لم يرضخوا لأوامر من قام بعد الباب علي محمد. رابعا: البابية البهائية العباسية أتباع عبد البهاء عباس وابن الحسين علي الملقب بالبهاء، وقد أطلق على نفسه عبد البهاء. الناقرون: أتباع محمد علي العباس ويطلق المؤرخون أسم المارقين على أتباع المرزا عباس وأسم الناقرين على أتباع محمد علي وكل فريق يؤيد دعواه ويكفر من عداه فاعتزلوا المعاشرة وحرموا معاملة بعضهم بعضا، وكان عداوة كل منهم للأخر أشد من عداوتهم جميعا لمن طعن في معتقداتهم، وقال ببطلان دعوتهم. بهذا يتبين أن البهائية والبابية فرقة خارجة من عداد المسلمين ليست من المسلمين في شيء ليست من الإسلام في شيء بل هي فرقة من فرق الكفر والضلال نسأل الله السلامة والعافية. ثالثا اليزيدية: طائفة اليزيدية اختلف الباحثون في اليزيدية ويسمون بعبدة الشيطان، اختلف الباحثون في تعليل تسميتهم بعبدة الشيطان فبين أن بين اليزيدية أنفسهم من يعتقد أنهم دعوا بهذا الاسم، اختلف الباحثون في تعليل تسميتهم باليزيدية، فبين اليزيدية أنفسهم من يعتقد أنهم دعوا بهذا الاسم نسبة إلى الخليفة الأموي إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية الذي أحيا دينهم القديم وأطلق عليهم اسمه. ثانيا: بعض الباحثين نسبهم إلى يزيد بن أنيس الخارجي الذي قال بتولي المحكمة الأولى قبل الأزال وتبرأ من بعدهم إلى الأباضية فإنه يواليهم. ثالثا: ويميل بعض الباحثين إلى القول بأن اليزيدية ينتسبون إلى مدينة يزد، أو يزدان الفارسية وهي بمعنى الله، أو إزد ومعناها خليق بالعباد وتطلق في دين المجوس على الملائكة التي تتوسط بين الله والبشر وتنقل مشيئته إليهم، واختلفوا في أصل دينهم في رواية لليزيدية تصريح بأنهم من نسل آدم فقط لا نتيجة لاجتماعه من حواء. والحق اختلفوا في أصلهم يعني في رواية لليزيدية تصريح بأنهم من أصل آدم لا نتيجة لاجتماعه من حواء والحق أن اليزيدية خليط من عناصر وثنية قديمة وعناصر إيرانية ذردشتية وأخرى يهودية ونصرانية وإسلامية. عقائد اليزيدية:

وعبادتهم يؤمنون بوجود إله أكبر خالق لهذا الكون إلا أنه الآن لا يعنى بشئونه بعد أن فوض أمر تدبيره وإدارته إلى مساعده ومنفذ مشيئته ملك طاووس الذي يرتفع في أذهان اليزيدية إلى مرتبة الألوهية الذي يدعى عند أهل الديانة الأخرى الشيطان. نبي هذه الديانة: هو الشيخ عادي الذي يروي عنه اليزيدية أخبارا وروايات عديدة ويرفعونه إلى ما فوق درجة النبوة ومن هذه الروايات ما ينطبق على أحد شيوخ المسلمين والمتصوفين وهو الشيخ عدي بن مسفر، ومن الشخصيات المقدسة عندهم منصور الحلاج وعبد القادر الكيلاني والحسن البصري، ومن عقائدهم أنهم لا يأكلون الخس زعما منهم أن الشيخ عدي طلب صاحب بستان شيئا من الخس فلم يعطه، ولا يأكلون لحم الغزال لزعمهم أن عيونه تشبه عيون الشيخ عدي. ومن واجب كل يزيدي أن يزور ضريح الشيخ عدي مرة في كل سنة. رابعا: يجب على كل يزيدي كل يوم وقت طلوع الشمس أن يقف في موضع شروقها بشرط أن لا يراه مسلم. خامسا: ينبغي على اليزيدي ألا يسمع صلاة المسلم لأن فيها ما يتعارض مع العقيدة اليزيدية وهي الاستعاذة من الشيطان؛ لأن الشيطان اسم لملك طاووس. سادسا: الصلاة بالقلب وبالسر لذلك لا يحددون مواعيد وفرائض للصلاة. سابعا: يحللون شرب الخمر. ثامنا: لا يصح صيام اليزيدي خارج موطنه؛ لأنه ينبغي عليه أن يذهب صباح يومه إلى شيخه ليعلن أمامه أنه صائم. تاسعا: إذا سافر اليزيدي إلي خارج بلده وأمضى في غيابه نحو سنة، أو أزيد فأن امرأته تحرم عليه ولا يسمح للزواج من غيرها. عاشرا: غير مرخص لليزيدي أن يلبس ثوبا كحليا فقط. إحدى عشر: الزيدية يؤمنون بالتناسخ وبالحلول. ولهم كتابان مقدسان: أحدهما يسمى الجلوة فيه وعد ووعيد وترهيب وترغيب. والثاني اسمه مصحف رهش أي الكتاب الأسود فيه قصة خلق العالم وعقائد اليزيدية وما حلل لهم وما حرم عليهم. الأماكن التي يقطن فيها اليزيدية، اليزيدية طائفة ينتمي معظمها إلى الجنس الكردي ويكثر أتباعها في بعض نواحي الشرق الأدنى وخاصة في المناطق التالية: طرائف الشيحان في الشمال الشرقي من الموصل، قواسنجار الواقع في الشمال الغربي من العراق على الحدود بينه وبين سوريا وهي منطقة جبلية منيعة وموقع حصين ثالثا: ديار بني بكر وماردين وجبل الطور. رابعا: منطقة حلب حول كلس ومنيساب. خامسا: البلاد الأرمينية الواقعة على الحدود بين تركيا وروسيا وخاصة في منطقتي قرص وإيران وحول تنفيس من بلاد القوقاز. سادسا بعض اليزيدية في إيران، ورئيس اليزيدية إسماعيل جون المتوفى سنة ألف ثلاثمائة وواحد وثمانين هجرية ألف تسعمائة وثلاثين ميلادية وبهذا يتبين أن الفرقة اليزيدية فرقة وثنية تعبد الشيطان وتعبد الأوثان، نسأل الله السلامة والعافية.

(ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به، ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم من الذين خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة) يعني هؤلاء الفرق خالفوا السنة والجماعة، وحالفوا الضلالة، خالفوا الكتاب والسنة وحالفوا يعني وافقوا الضلالة، وافقوا الهوى والضلالة، حالفوا تقابل خالفوا، خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة. من الذين خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة. يعني السنة والجماعة خالفوها والضلالة وافقوها، حالفوا بمعنى وافقوا، خالفوا السنة والجماعة ووافقوا الضلالة، حالفوا بمعنى وافقوا. نعم.

قوله: ونحن منهم براء

ونحن منهم براء

قوله: وهم عندنا ضلال وأردياء

وهم عندنا ضلال وأردياء

قوله: وبالله العصمة والتوفيق

وبالله العصمة والتوفيق

§1/1