شرح السنة للبغوي

البغوي ، أبو محمد

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه ثقتي ورجائي الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا، وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك، وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا، وَالْحَمْد لله الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيرا، الَّذِي عجز الحامدون على الْقيام بأَدَاء شكر نعْمَة من نعمه، وكلت أَلْسِنَة الواصفين عَن بُلُوغ كنه عَظمته. ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك، وَله الْحَمد، وَهُوَ على كل شَيْء قدير، ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله البشير النذير، الدَّاعِي إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ، السراج الْمُنِير، أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدَّين كُله، وَلَو كره الْمُشْركُونَ. وَالْحَمْد لله الَّذِي أعظم علينا الْمِنَّة بِالْإِسْلَامِ وَالسّنة، ووفقنا بفضله لِلِاتِّبَاعِ، وعصمنا برحمته من الابتداع. وَصلى الله على مُحَمَّد سيد الْمُرْسلين، وَإِمَام الْمُتَّقِينَ، وَخَاتم النَّبِيين فِي كل سَاعَة ولحظة على دوَام الْأَبَد مَا لَا يدْخل تَحت الْعدَد، وَلَا يَنْقَطِع عَنهُ المدد، وعَلى إخوانه من النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَالْمَلَائِكَة المقربين، وعَلى أَزوَاجه وَذريته، وَأَصْحَابه وعترته، وعَلى متبعي سنته، وَأهل إِجَابَة دَعوته بمنه وفضله وسعة رَحمته.

أما بعد: فَهَذَا كتاب فِي شرح السّنة، يتَضَمَّن إِن شَاءَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كثيرا من عُلُوم الْأَحَادِيث، وفوائد الْأَخْبَار المروية عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حل مشكلها، وَتَفْسِير غريبها، وَبَيَان أَحْكَامهَا، يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من الْفِقْه وَاخْتِلَاف الْعلمَاء، جمل لَا يَسْتَغْنِي عَن مَعْرفَتهَا المرجوع إِلَيْهِ فِي الْأَحْكَام، والمعول عَلَيْهِ فِي دين الْإِسْلَام. وَلم أودع هَذَا الْكتاب من الْأَحَادِيث إِلَّا مَا اعْتَمدهُ أَئِمَّة السّلف الَّذين هم أهل الصَّنْعَة، الْمُسَلَّمُ لَهُم الْأَمر من أهل عصرهم، وَمَا أودعوه كتبهمْ، فَأَما مَا أَعرضُوا عَنهُ من المقلوب والموضوع والمجهول، وَاتَّفَقُوا على تَركه، فقد صنت الْكتاب عَنْهَا. وَمَا لم أذكر أسانيدها من الْأَحَادِيث، فأكثرها مسموعة، وعامتها فِي كتب الْأَئِمَّة، غير أَنِّي تركت أسانيدها حذرا من الإطالة، واعتمادا على نقل الْأَئِمَّة. وَإِنِّي فِي أَكثر مَا أوردته بل فِي عامته مُتبع، إِلَّا الْقَلِيل الَّذِي لَاحَ لي بِنَوْع من الدَّلِيل، فِي تَأْوِيل كَلَام مُحْتَمل، أَو إِيضَاح مُشكل، أَو تَرْجِيح قَول على آخر، إِذْ لعلماء السّلف رَحِمهم الله تَعَالَى سعي كَامِل فِي تأليف مَا جَمَعُوهُ، وَنظر صَادِق للخلف فِي أَدَاء مَا سَمِعُوهُ.

وَالْقَصْد بِهَذَا الْجمع، مَعَ وُقُوع الْكِفَايَة بِمَا عملوه، وَحُصُول الغنية فِيمَا فَعَلُوهُ، الِاقْتِدَاء بأفعالهم، والانتظام فِي سلك أحد طَرفَيْهِ مُتَّصِل بصدر النُّبُوَّة، وَالدُّخُول فِي غمار قوم جدوا فِي إِقَامَة الدَّين، واجتهدوا فِي إحْيَاء السّنة، شفعا بهم، وحبا لطريقتهم، وَإِن قصرت فِي الْعَمَل عَن مبلغ سَعْيهمْ، طَمَعا فِي مَوْعُود الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على لِسَان رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن «الْمَرْء مَعَ من أحب»، ولأني رَأَيْت أَعْلَام الدَّين عَادَتْ إِلَى الدُّرُوس، وَغلب على أهل الزَّمَان هوى النُّفُوس، فَلم يبْق من الدَّين إِلَّا الرَّسْم، وَلَا من الْعلم إِلَّا الِاسْم، حَتَّى تصور الْبَاطِل عِنْد أَكثر أهل الزَّمَان بِصُورَة الْحق، وَالْجهل بِصُورَة الْعلم، وَظهر فيهم تَحْقِيق قَول

الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعا ينتزعه من الْعباد، وَلَكِن يقبض الْعلم بِقَبض الْعلمَاء، حَتَّى إِذا لم يبْق عَالما اتخذ النَّاس رُءُوسًا جُهَّالًا، فسئلوا، فأفتوا بِغَيْر علم، فأضلوا وأضلوا». وَلما كَانَ الْأَمر على مَا وَصفته لَك، أردْت أَن أجدد لأمر الْعلم ذكرا، لَعَلَّه ينشط فِيهِ رَاغِب متنبه، أَو ينبعث لَهُ وَاقِف متثبط، فَأَكُون كمن يسْعَى لإيقاد سراج فِي ظلمَة مطبقة، فيهتدي بِهِ متحير، أَو يَقع على الطَّرِيق مسترشد، فَلَا يخيب من السَّاعِي سَعْيه، وَلَا يضيع حَظه، وَالله الْمُسْتَعَان، وَعَلِيهِ التكلان، وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل.

1 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْخَطِيبُ الْحُمَيْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبهَانِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، نَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، نَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ الْبَابَانِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»، هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ

الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْعُتْوَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، مَاتَ فِي وِلايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ

1 - كتاب الإيمان

1 - كِتَابُ الإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ {3}} [الْبَقَرَة: 2 - 3]. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمرَان: 19]، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [الْمَائِدَة: 3]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمرَان: 85]. 2 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ الْبُخَارِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبِ بْنِ سُرَيْجِ بْنِ مَعْقِلٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ، يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ، مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ،

فَخَرَجْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نُرِيدُ مَكَّةَ، فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ؟ فَلَقِينَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَكِلُ الْكَلامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَتَقَفَّرُونَ هَذَا الْعِلْمَ، وَيَطْلُبُونَهُ، يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، إِنَّمَا الأَمْرُ أُنُفٌ؟ قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ، وَأَنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ، وَشَرِّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، مَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَأَقْبَلَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُكْبَتُهُ تَمَسُّ رُكْبَتَهُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ إِنِ

اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا ". فَقَالَ: صَدَقْتَ. فَتَعَجَّبْنَا مِنْ سُؤَالِهِ وَتَصْدِيقِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَمَلائِكَتِهِ، وَرُسُلِهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». فَقَالَ: صَدَقْتَ. ثُمَّ قَالَ: فَمَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. قَالَ: صَدَقْتَ. ثُمَّ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. فَقَالَ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَأَنْ تَرَى الْعُرَاةَ الْحُفَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي بُنْيَانِ الْمَدَرِ». قَالَ: صَدَقْتَ. ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُمَرُ، هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ؟»، قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ، وَمَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ إِلا عَرَفْتُهُ فِيهَا، إِلا فِي صُورَتِهِ هَذِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ

أَبِيهِ، عَنْ كَهْمَسٍ. وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ أَبُو حَفْصٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ، قُتِلَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلِيَ عَشْرَ سِنِينَ حَجَّهَا كُلَّهَا. قَوْلُهُ: «يَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ» أَيْ: يَتَّبِعُونَ أَثَرَهُ وَيَطْلُبُونَهُ، وَالتَّقَفُّرُ: تَتَبُّعُ أَثَرِ الشَّيْءِ. وَقَوْلُهُ: «إِنَّمَا الأَمْرُ أُنُفٌ»، يُرِيدُ: مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ قَدَرٌ، وَلا مَشِيئَةٌ، يُقَالُ: رَوْضَةٌ أُنُفٌ: إِذَا لَمْ تُرْعَ، وَأُنُفُ الشَّيْءِ: أَوَّلُهُ. وَقَوْلُهُ: «فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا» أَيْ: عَلامَتِهَا، يُقَالُ: أَمَارُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ كَذَا، وَأَمَارَةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، بِالْهَاءِ وَغَيْرِ الْهَاءِ، وَقِيلَ: الأَمَارُ: جَمْعُ الأَمَارَةِ. قَالَ الشَّيْخُ الإِمَام رَحِمَهُ اللَّهُ: جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الإِسْلامَ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنَ الأَعْمَالِ، وَجَعَلَ الإِيمَانَ اسْمًا لِمَا بَطَنَ مِنَ الاعْتِقَادِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ، لأَنَّ الأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الإِيمَانِ، أَوِ التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنَ الإِسْلامِ، بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَجِمَاعُهَا الدِّينُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ». وَالتَّصْدِيقُ وَالْعَمَلُ يَتَنَاوَلُهُمَا اسْمُ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ جَمِيعًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمرَان: 19]، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [الْمَائِدَة: 3]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ

مِنْهُ} [آل عمرَان: 85]. فَأَخْبَرَ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي رَضِيَهُ وَيَقْبَلُهُ مِنْ عِبَادِهِ هُوَ الإِسْلامُ، وَلَنْ يَكُونَ الدِّينُ فِي مَحَلِّ الْقَبُولِ وَالرِّضَا إِلا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيقِ إِلَى الْعَمَلِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُسْلِمُ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا، وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، لأَنَّ أَصْلَ الإِسْلامِ: الاسْتِسْلامُ وَالانْقِيَادُ، وَأَصْلُ الإِيمَانِ: التَّصْدِيقُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ مُسْتَسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الْبَاطِنِ، وَلا يَكُونُ صَادِقَ الْبَاطِنِ، غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الظَّاهِرِ، فَإِذًا كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا. وَقَوْلُهُ: «مَا الإِحْسَانُ؟» فَإِنَّ مَعْنَى الإِحْسَانِ هَهُنَا: الإِخْلاصُ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ مَعًا. وَقَوْلُهُ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّهَا» مَعْنَاهُ: أَنْ يَتَّسِعَ الإِسْلامُ، وَيَكْثُرَ السَّبْيُ، وَيَتَّخِذَ النَّاسُ السَّرَارِيَّ، وَيَكْثُرَ مِنْهُنَّ الأَوْلادُ، فَيَكُونَ ابْنُ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ فِي مَعْنَى السَّيِّدِ لأُمِّهِ، إِذْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لأَبِيهِ، وَمِلْكُ الأَبِ رَاجِعٌ إِلَى الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ: «وَأَنْ تَرَى الْعُرَاةَ الْحُفَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ الْعَرَبَ الَّذِينَ هُمْ أَرْبَابُ الإِبِلِ وَرُعَاتُهَا، أَيْ: يَتَّسِعُ الإِسْلامُ، وَيَفْتَتِحُ هَؤُلاءِ الْبِلادَ، وَيَسْكُنُونَهَا، وَيَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَهْلَ النَّجْعِ لَا تَسْتَقِرُّ بِهِمْ دَارٌ. وَقِيلَ: هَذَا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «وَيَتَكَلَّمُ فِيهِمُ الرُّوَيْبِضَةُ، وَهُوَ الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أُمُورِ

الْعَامَّةِ»، وَقِيلَ: الرُّوَيْبِضَةُ: تَصْغِيرُ الرَّابِضَةِ، وَهُوَ رَاعِي الرَّبِيضِ، وَالرَّبِيضُ: الْغَنَمُ، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ. 3 - أَنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ الْخَلِيلِ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ الْفَرَبْرِيُّ، حَدثنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ الْبُخَارِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ هُوَ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَبْتُكَ». فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ

عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ. فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ». فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ». قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ». قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ». قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ». فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، بِمَعْنَاهُ قَوْلُهُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَيْ: أَسْأَلُكَ، يُقَالُ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَيْ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ بِرَفْعِ نَشِيدِي، أَيْ صَوْتِي، وَالنَّشِيدُ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وَمِنْهُ: إِنْشَادُ الشِّعْرِ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ، وَالنَّاشِدُ: الطَّالِبُ، سُمِّيَ

بِهِ نَاشِدَ الضَّالَّةِ لِرَفْعِهِ صَوْتَهُ بِالطَّلَبِ. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ} [النِّسَاء: 1] أَيْ: تَطْلُبُونَ بِهِ حُقُوقَكُمْ، كَقَوْلِكَ: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، أَيْ: سَأَلْتُكَ بِهِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْمُحَدِّثِ، ثُمَّ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَمَا لَوْ سَمِعَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ 4 - حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعَلِّمُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ،

إِمْلاءً، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا بَهْزٌ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ، وَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ، فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «صَدَقَ». قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: «اللَّهُ». قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ قَالَ: «اللَّهُ». قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ الْجِبَالَ؟ قَالَ: «اللَّهُ». قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ». قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ». قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»،

قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سُنَّتِنَا، فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا الْحَجَّ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا؟ قَالَ: «صَدَقَ». قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزْدَادُ عَلَيْهِنَّ وَلا أُنْقِصُ مِنْهُنَّ شَيْئًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ الْعَبْدِيِّ. قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو حَمْزَةَ النَّجَّارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، خَادِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَكَنَ الْبَصْرَةَ، مَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ، هُوَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ فِي

باب بيان أعمال الإسلام وثواب إقامتها

جُمُعَةٍ، وَدُفِنَ بِالطَّفِّ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَسَّلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَقِيلَ: عَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ إِلَّا سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، رَوَى عَنْهُ ثَابِتُ بْنُ أَسْلَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبُنَانِيُّ، مَاتَ ثَابِتٌ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. بَابُ بَيَانِ أَعْمَالِ الإِسْلامِ وَثَوَابِ إِقَامَتِهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا} [الْكَهْف: 107]. وَقَالَ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرَّعْد: 29]. 6 - قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ

مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَنْظَلَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ قَبِيلَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، مَاتَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْحَجِّ، وَدُفِنَ بِالْمُحَصَّبِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً. وَعِكْرِمَةُ هُوَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ الْمَخْزُومِيُّ الْقُرَشِيُّ، مَاتَ بَعْدَ عَطَاءٍ، وَمَاتَ عَطَاءٌ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَيُقَالُ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، انْتَهَتْ فَتْوَى أَهْلِ مَكَّةَ إِلَيْهِ وَإِلَى مُجَاهِدٍ، وَأَكْثَرُهَا إِلَى عَطَاءٍ. 7 - قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ السَّامريّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ،

نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ، وَلا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ فَقَالَ: «لَا. إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ»، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ»، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لَا. إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ»، قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ فَقَالَ: «لَا، إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ». قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أُزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أُنْقِصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ»، هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ.

وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو مُحَمَّدٍ تَيْمِيٌّ قُرَشِيٌّ، قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ. وَمَالِكٌ الَّذِي رَوَى عَنْهُ هُوَ مَالِكُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الأَصْبَحِيُّ، جَدُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو أَنَسٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو سُهَيْلٍ، وَاسْمُهُ نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: «دَوِيَّ صَوْتِهِ» دَوِيُّ الشَّيْءِ: حَفِيفُهُ. وَقَوْلُهُ: «أَفْلَحَ»، أَيْ: فَازَ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ أَصَابَ خَيْرًا: مُفْلِحٌ، وَالْفَلاحُ: الْبَقَاءُ، وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: حَيِّ عَلَى الْفَلاحِ، أَيْ هَلُمُّوا إِلَى سَبَبِ الْبَقَاءِ فِي الْجَنَّةِ 8 - قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ يَذْكُرُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَقَالَ:

أَخْبِرْنِي مَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ؟ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ»، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ وَأَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ اسْمُهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْخَزْرَجِيُّ، شَهِدَ بَدْرًا، مَاتَ فِي زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ. وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو عِيسَى التَّيْمِيُّ الْقُرَشِيُّ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ 9 - قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ عُذَافِرٍ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَجُلٍ يُحَدِّثُ قَوْمًا، فَجَلَسْتُ، فَقَالَ: وُصِفَ لِي

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِمِنًى غَادِيًا إِلَى عَرَفَاتٍ، فَجَعَلْتُ أَتَشَرَّفُ الرِّكَابَ، كُلَّمَا رُفِعَتْ لِي جَمَاعَةٌ دُفِعْتُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ رَكْبٍ، فَانْطَلَقْتُ فَقَدَمْتُهُمْ، فَنَظَرْتُ فَعَرَفْتُهُ بِالصِّفَةِ، فَتَقَدَّمْتُ بَيْنَ يَدَيِ الرِّكَابِ، فَلَمَّا دَنَوْتُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: خَلِّ عَنْ وُجُوهِ الرِّكَابِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ فَأَرَبٌ مَا لَهُ» , فَدَنَوْتُ فَأَخَذْتُ بِالزِّمَامِ، أَوْ قَالَ: بِالْخِطَامِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنِي بِعَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: «تُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْكَ وَتَكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْكَ. خَلِّ عَنْ وُجُوهِ الرِّكَابِ» قَوْلُهُ: «فَأَرَبٌ مَا لَهُ»، أَيْ: فَحَاجَةٌ جَاءَتْ بِهِ، فَدَعُوهُ، وَ «مَا» صِلَةٌ،

وَالأَرَبُ وَالإِرْبَةُ وَالْمَأْرُبَةُ: الْحَاجَةُ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ: أَرِبَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي، قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: مَعْنَاهُ: أَيِ احْتَاجَ فَسَأَلَ، فَمَا لَهُ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَرِبَ، أَيْ: سَقَطَتْ آرَابُهُ، أَيْ: أَعْضَاؤُهُ وَأُصِيبَتْ، وَهَذِهِ كَلِمَةٌ لَا يُرَادُ بِهَا وُقُوعُ الأَمْرِ، كَقَوْلِهِمْ: تَرِبَتْ يَدَاكَ، وَقِيلَ: ظَاهِرُهُ دُعَاءٌ، وَمَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ، فَيَجْرِي مَجْرَى قَوْلِهِ: «لِلَّهِ دَرُّكَ». وَيُرْوَى: أَرِبٌ، بِضَمِّ الْبَاءِ وَتَنْوِينِهَا، مَعْنَاهُ: الرَّجُلُ أَرِبٌ، أَيْ: حَاذِقٌ، أَيْ: ذُو أَرَبٍ وَخِبْرَةٍ، يُقَالُ: أَرُبَ الرَّجُلُ، بِضَمِّ الرَّاءِ، إِذَا صَارَ ذَا فِطْنَةٍ. 10 - قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ الْهَرَوِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْمَرْوَزِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبِ بْنِ فُضَيْلٍ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ الْحَافِظُ، نَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ». قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُمَامَةَ: مُنْذُ كَمْ سَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ؟ قَالَ:

سَمِعْتُه وَأَنَا ابْنُ ثَلاثِينَ سَنَةً. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ اسْمُهُ صُدَيُّ بْنُ عَجْلانَ، مِنْ قَيْسِ عَيْلانَ بْنِ مُضَرَ، نَزَلَ الشَّامَ، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ. وَسُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ أَبُو عَلِيٍّ الْخَبَايِرِيُّ، وَيُقَالُ: الْكَلاعِيُّ الشَّامِيُّ 11 - قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ الْمُلَقَّبُ بِالصَّالِحِيِّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ السكْرِيُّ، بِبَغْدَادَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ،

أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَهُوَ يَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: قَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ". ثُمَّ قَالَ: «أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، والصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ»، ثُمَّ قَرَأَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ. حَتَّى بَلَغَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السَّجْدَة: 16 - 17]، ثُمَّ قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟» قُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " رَأْسُ الأَمْرِ: الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ , ثُمَّ قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟» قُلْتُ: بَلَى، يَا نَبِيَّ

اللَّهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، وَقَالَ: «اكْفُفْ عَلَيْكَ هَذَا». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ»، أَوْ قَالَ: «عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَل أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، مَاتَ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسٍ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الأَسَدِيُّ، أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَذِرْوَةُ السَّنَامِ: أَعْلاهُ. وَقَوْلُهُ: «إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ»، يَعْنِي: مَا يَقْتَطِعُهُ مِنَ الْكَلامِ، شُبِّهَ بِمَا يُحْصَدُ مِنَ الزَّرْعِ إِذَا جُزَّ. وَقَوْلُهُ: {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 15] أَيْ: حُصِدُوا بِالسَّيْفِ وَالْمَوْتِ حَتَّى خَمَدُوا، وَخُمُودُ الإِنْسَانِ: مَوْتُهُ. 12 - قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ،

نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ الْقُرَشِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ، وَيُقَالُ: ثَمَانٍ، وَأَبُوهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. وَعَامِرٌ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ أَبُو عَمْرٍو الشَّعْبِيُّ، كُوفِيٌّ أَدْرَكَ خَمْسَ مِائَةَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَى عَنِ الشَّعْبِيِّ، زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ أَبُو يَحْيَى الْأَعْمَى، هَمْدَانِيٌّ، كُوفِيٌّ، وَاسْمُ أَبِي زَائِدَةَ: خَالِدٌ. قَوْلُهُ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ»: أَرَادَ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمَمْدُوحَ، وَالْمُهَاجِرَ

الْمَمْدُوحَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، لَا أَنَّ الإِسْلامَ يَنْتَفِي عَمَّنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِمُ: النَّاسُ الْعَرَبُ، وَالْمَالُ الإِبِلُ، يُرِيدُ الأَفْضَلَ مِنْهَا، كَذَلِكَ أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ مَنْ جَمَعَ إِلَى أَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَدَاءَ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكَفَّ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ، وَأَفْضَلُ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ جَمَعَ إِلَى هِجْرَانِ وَطَنِهِ هِجْرَانَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ 13 - قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، نَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُطَرِّزُ أَبُو بَكْرٍ، نَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبِي، نَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيِّ الأُمَوِيِّ وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، وَابْنُهُ أَبُو بُرْدَةَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ. قَوْلُهُ: «أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ»؟ أَيْ: أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟ 14 - قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ

الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ» فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ أَبُو عَلِيٍّ الْجَنْبِيُّ، يُعَدُّ فِي الْمِصْرِيِّينَ، وَجَنْبٌ قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ 15 - قَال الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ». قَالَ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ يُعْقَرَ جَوَادُكَ، وَيُهْرَاقَ دَمُكَ». قَالَ: فَأَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «طُولُ الْقُنُوتِ» وَجَابِرٌ هُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الأَنْصَارِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ. وَأَبُو سُفْيَانَ اسْمُهُ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ الْمَكِّيُّ، وَالأَعْمَشُ اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الْكَاهِلِيُّ، مَوْلًى لَهُمْ، كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

16 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا وَالِدِي، إِمْلاءً، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الإِسْلامِ قَوْلا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ؟ قَالَ: " قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ ". قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنا أَبُو دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ تَابِعِي الْمَدِينَةِ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ بِالْفُرْعِ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ، وَابْنُهُ هِشَامٌ. رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30]، قَالَ: اسْتَقَامُوا، وَاللَّهِ، لِلَّهِ، وَلَمْ يَرُوغُوا رَوَغَانَ الثَّعَالِبِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا. وَقِيلَ: اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّاعَةِ، يُقَالُ: أَقَامَ وَاسْتَقَامَ، كَمَا يُقَالُ: أَجَابَ وَاسْتَجَابَ

باب بيان أن الأعمال من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص والرد على المرجئة

بَابُ بَيَانِ أَنَّ الأَعْمَالَ مِنَ الإِيمَانِ وَأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَالرَّدُّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الْأَحْزَاب: 22]. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التَّوْبَة: 124]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمرَان: 173]. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الْفَتْح: 4]. ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] أَيْ: يَرْفَعُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الْكَلامَ الطَّيِّبَ. 17 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: نَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

بْنِ أَحْمَدَ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ قُرَيْشٍ، نَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: نَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ جَرِيرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، وَأَرَادَ بِإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْمَارَّةُ مِنْ شَوْكٍ، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ نَحْوِهِ. قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي

نَصْرٍ الْكُوفَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى الزُّهْرِيُّ الْقَاضِي، بِمَكَّةَ، نَا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الْعُقَيْلِيُّ، نَا حَجَّاجٌ الأَنْمَاطِيُّ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: " بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَعْلاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ اسْمُهُ عَبْدُ شَمْسٍ الدَّوْسِيُّ الْيَمَانِيُّ، وَيُقَالُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، وَيُقَالُ: ثَمَانٍ، بِالْعَقِيقِ، وَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ الزَّيَّاتُ مَدِينِيٌّ، وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ، كَانَ يَجْلِبُ الزَّيْتَ أَوِ السَّمْنَ إِلَى الْكُوفَةِ، مَوْلَى جُوَيْرِيَةَ الْغَطْفَانِيُّ، وَابْنُهُ سُهَيْلٌ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ. وَيُقَالُ: بِضْعٌ: مَا بَيْنَ الثَّلاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَأَصْلُهُ الْقِطَعُ، وَالْبِضْعُ مِنَ الشَّيْءِ: الْقِطْعَةُ مِنْهُ. وَنَيِّفٌ: لِمَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الثَّلاثَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»، أَيِ: الْحَيَاءُ يَحْجُزُ صَاحِبَهُ عَنِ الْمَعَاصِي، فَصَارَ مِنَ الإِيمَانِ، إِذِ الإِيمَانُ يَنْقَسِمُ إِلَى ائْتِمَارٍ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَانْتِهَاءٍ عَمَّا نَهَى عَنْهُ.

قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَمَا يَتْرُكُ الإِنْسَانُ الْمَعَاصِي لِلإِيمَانِ يَتْرُكُهَا لِلْحَيَاءِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ». يُرِيدُ مَنْ لَمْ يَصْحَبْهُ الْحَيَاءُ صَنَعَ مَا شَاءَ مِنَ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ، وَمُفَارَقَةِ الْقَبَائِحِ، فَلَمَّا كَانَ الْحَيَاءُ سَبَبًا يَمْنَعُهُ عَنِ الْمَعَاصِي، كَالإِيمَانِ عُدَّ الْحَيَاءُ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمْرًا مُكْتَسَبًا. 19 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِي فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، تَصَدَّقُوا»، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ

النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»، فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟» قُلْنَ: بَلَى. يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟» قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: " فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا. ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ زَيْنَبُ، فَقَالَ: «أَيُّ الزَّيَانِبِ؟»، فَقِيلَ: امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «نَعَمِ ائْذَنُوا لَهَا»، فَأُذِنَ لَهَا، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «، صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ» ..

وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ، أَمَّا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَهُوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ وُهَيْبٍ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَعِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيُّ الْقُرَشِيُّ يُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَوْلُهُ: «وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ»، يَعْنِي: الزَّوْجَ، سُمِّيَ عَشِيرًا، لأَنَّهُ يُعَاشِرُهَا وَهِيَ تُعَاشِرُهُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّقْصَ مِنَ الطَّاعَاتِ نَقْصٌ مِنَ الدِّينِ، وَفِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ مِلاكَ الشَّهَادَةِ الْعَقْلُ مَعَ اعْتِبَارِ الأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ، وَأَنَّ شَهَادَةَ الْمُغَفَّلِ ضَعِيفَةٌ، وَإِنْ كَانَ رَضِيًّا فِي الدِّينِ وَالأَمَانَةِ. قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَتِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الأَعْمَالَ مِنَ الإِيمَانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ،

إِلَى قَوْلِهِ: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الْأَنْفَال: 2 - 3]. فَجَعَلَ الأَعْمَالَ كُلَّهَا إِيمَانًا، وَكَمَا نَطَقَ بِهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالُوا: إِنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ، وَعَمَلٌ، وَعَقِيدَةٌ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي الزِّيَادَةِ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِالنُّقْصَانِ فِي وَصْفِ النِّسَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ». وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ».

وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: " إِنَّ لِلإِيمَانِ فَرَائِضَ، وَشَرَائِعَ، وَحُدُودًا، وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ، فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ. وَاتَّفَقُوا عَلَى تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الإِيمَانِ وَتَبَايُنِهِمْ فِي دَرَجَاتِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. وَقَالَ مُعَاذٌ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً.

وَكَرِهُوا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا، بَلْ يَقُولَ: أَنَا مُؤْمِنٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. لَا عَلَى مَعْنَى الشَّكِّ فِي إِيمَانِهِ وَاعْتِقَادِهِ مِنْ حَيْثُ عِلْمِهِ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ فِيهِ عَلَى يَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ، بَلْ عَلَى مَعْنَى الْخَوْفِ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَخَفَاءِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَمْرَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ يَبْتَنِي عَلَى مَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْ عَبْدِهِ، وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، لَا عَلَى مَا يَعْلَمُهُ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ، وَالاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَفِيمَا خَفِيَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، لَا فِيمَا مَضَى وَظَهَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَسُوغُ فِي اللُّغَةِ لِمَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَكَلَ وَشَرِبَ أَنْ يَقُولَ: أَكَلْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَشَرِبْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: آكُلُ وَأَشْرَبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ يَجُوزُ، لأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، مُقِرٌّ بِهَا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَنْ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَهُوَ عِنْدَنَا مُرْجِئٌ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: خَالَفَنَا الْمُرْجِئَةُ فِي ثَلاثٍ: نَحْنُ نَقُولُ: الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَهُمْ يَقُولُونَ: قَوْلٌ بِلا عَمَلٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ: يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا يَزِيدُ وَلا يَنْقُصُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: نَحْنُ مُؤْمِنُونَ بِالإِقْرَارِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ مُؤْمِنُونَ عِنْدَ اللَّهِ.

وَقَالَ أَيْضًا: النَّاسُ عِنْدَنَا مُؤْمِنُونَ مُسْلِمُونَ فِي الْمُنَاكَحَةِ وَالطَّلاقِ وَالأَحْكَامِ، فَأَمَّا عِنْدَ اللَّهِ، فَلا نَدْرِي مَا هُمْ، وَقَالَ أَيْضًا: نَحْنُ مُؤْمِنُونَ، وَالنَّاسُ عِنْدَنَا مُؤْمِنُونَ، وَهَؤُلاءِ الْقَوْمُ يُرِيدُونَ مِنَّا أَنْ نَشْهَدَ أَنَّا عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِعَالَ مَنْ مَضَى، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا مُؤْمِنٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ، لأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ لَا يَتَغَيَّرُ، وَقَدْ يَتَبَدَّلُ حَالُ الإِنْسَانِ، فَيُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخِذْلانِ، وَالْكُفْرِ بَعْدَ الإِيمَانِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ».

قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: وَلْيَعْتَبِرِ الْمُعْتَبِرُ بِإِبْلِيسَ، فَإِنَّهُ مَعَ مَكَانَتِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ فِيمَا بَيْنَ الْمَلائِكَةِ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَدَا لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَحْتَسِبُ، وَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ، وَالْخَتْمَ بِالسَّعَادَةِ. وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ، وَلا لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَوْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لِتَسَتُّرِ عَوَاقِبِ أُمُورِ الْعِبَادِ عَلَى الْخَلْقِ، وَحَقِيقَةُ الإِيمَانِ مَا يُؤَدِّي الْعَبْدَ إِلَى مَوْعُودِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، بَلْ نَرْجُو لِلْمُطِيعِ حُسْنَ الْمَآبِ، وَنَخَافُ عَلَى الْمُجْرِمِ سُوءَ الْعَذَابِ، إِلا الأَنْبِيَاءَ وَمَنْ شَهِدَ لَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَنِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّا نَقْطَعُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ صِدْقٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ وَرَدَ فِيهِ بِعَيْنِهِ نَصُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، حُكِمَ بِهِ بِنَارٍ أَوْ جَنَّةٍ. 20 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ،

قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ الْقَوْمُ؟» أَوْ «مَنِ الْوَفْدُ»؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ، فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ. أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ». وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَرُبَّمَا قَالَ: الْمُقَيَّرِ، وَقَالَ: «احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ»

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِيُّ الْقُرَشِيُّ، وَكُنْيَةُ الْعَبَّاسِ أَبُو الْفَضْلِ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بِالطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ، وَمَاتَ الْعَبَّاسُ فِي سِتٍّ مِنْ خِلافَةِ عُثْمَانَ. وَأَبُو جَمْرَةَ اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ، وَقَدْ يَرْوِي أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَبُو حَمْزَةَ، وَاسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ، وَاسِطِيٌّ، ثِقَةٌ. وَشُعْبَةُ هُوَ ابْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ الْوَرْدِ الْوَاسِطِيُّ، أَبُو بسْطَامَ، مِنَ الأَزْدِ، مَوْلَى ابْنِ عَتِيكٍ، مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَمَوْلِدُهُ وَمَنْشَأَهُ وَاسِطٌ.

قَوْلُهُ: «غَيْرَ خَزَايَا»، فَالْخَزَايَا: جَمْعُ خَزْيَانَ، وَهُوَ الَّذِي أَصَابَهُ خِزْيٌ وَعَارٌ، يُقَالُ: خَزِيَ الرَّجُلُ خَزْيًا فَهُوَ خَزْيَانُ، وَيُقَالُ: خَزِيَ: إِذَا اسْتَحْيَا، وَالْمَصْدَرُ مِنْهُ الْخَزَايَةُ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الإِسْلامِ طَوْعًا، لَمْ يُصِبْهُمْ مَكْرُوهٌ مِنْ حَرْبٍ أَوْ سَبْيٍ يُخْزِيهِمْ. وَالنَّدَامَى مِنَ النَّدَامَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: نَادِمِينَ، لأَنَّ النَّدَامَى جَمْعُ النَّدْمَانِ، إِلا أَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَلَى وَزْنِ خَزَايَا، كَمَا قَالُوا: إِنَّهُ لَيَأْتِينَا بِالْغَدَايَا وَالْعَشَايَا، وَإِنَّمَا تُجْمَعُ الْغَدَاةُ بِالْغَدَوَاتِ. وَقَوْلُهُمْ: «مُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ»، أَيْ: بَيِّنٍ وَاضِحٍ، يَنْفَصِلُ بِهِ الْمُرَادُ، وَلا يُشْكِلُ، وَالْحَنْتَمُ: الْجَرَّةُ، يُرِيدُ الانْتِبَاذَ فِيهَا. وَالدُّبَّاءُ: الْقَرْعَةُ، وَالنَّقِيرُ: أَصْلُ النَّخْلَةِ يُنْقَرُ فَيُتَّخَذُ مِنْهُ أَوْعِيَةٌ يُنْتَبَذُ فِيهَا. وَالْمُزَفَّتُ: السِّقَاءُ الَّذِي قَدْ زُفِّتَ، أَيْ: رُبِّبَ بِالزِّفْتِ، وَهُوَ الْقِيرُ. وَالنَّهْيُ عَنِ الانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الأَوْعِيَةِ لَيْسَ لأَعْيَانِهَا، وَلَكِنْ لِمَا أَنَّ هَذِهِ أَوْعِيَةٌ مَتِينَةٌ قَدْ يَنِشُّ الشَّرَابُ فِيهَا فَيَصِيرُ مُسْكِرًا، وَلا يَعْرِفُهُ صَاحِبُهُ فَيَشْرَبُهُ، وَغَيْرُ الْمُزَفَّتِ مِنْ أَسْقِيَةِ الأَدَمِ إِذَا نُشَّ فِيهَا الشَّرَابُ يَنْشَقُّ، فَيَعْلَمُ بِهِ صَاحِبُهُ، فَيَجْتَنِبُهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُنَشَّ لِقُرْبِ الزَّمَانِ، فَلا بَأْسَ بِالشُّرْبِ مِنْهَا كُلِّهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ، فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا».

وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الأَعْمَالَ مِنَ الإِيمَانِ، حَيْثُ فُسِّرَ الإِيمَانُ بِإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَإِعْطَاءِ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَفِيهِ أَنَّ إِبْلاغَ الْخَبَرِ، وَتَعْلِيمَ الْعِلْمِ وَاجِبٌ، حَيْثُ قَالَ: «وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ، وَالأَمْرُ لِلْوُجُوبِ». وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَلَيْسَ «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى. وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلا لَهُ أَسْنَانٌ، فَإِذَا جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ.

باب حلاوة الإيمان وحب الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

بَابُ حَلاوَةِ الإِيمَانِ وَحُبِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [الْبَقَرَة: 165]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7]، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ} [التَّوْبَة: 24] الآيَةَ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الْوَاقِعَة: 79]: لَا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلا مَنْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ، وَلا يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إِلا الْمُوقِنُ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الْجُمُعَة: 5]. 21 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَالَ: " ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَن مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. وَقَوْلُهُ: «مَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ»، فَالْعَوْدُ: قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ إِلَيْهِ بَعْدَ مَا دَخَلَ فِي الإِسْلامِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَصِيرِ إِلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [سُورَة الْأَعْرَاف 88] قَالَ قَوْمٌ مَعْنَاهُ: لَتَصِيرُنَّ إِلَى مِلَّتِنَا، لأَنَّ شُعَيْبًا لَمْ يَكُنْ قَطُّ فِي الْكُفْرِ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ مَعَ أَصْحَابِ شُعَيْبٍ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي دِينِهِ وَاتَّبَعُوهُ بَعْدَ مَا كَانُوا كُفَّارًا.

22 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَابْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَقَتَادَةُ هُوَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ السَّدُوسِيُّ الأَعْمَى، أَبُو الْخَطَّابِ، بَصْرِيٌّ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ بِوَاسِطٍ، وَوُلِدَ سَنَةَ سِتِّينَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَوْلِدُ قَتَادَةَ وَالأَعْمَشِ وَاحِدٌ. قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَحْفَظِ أَهْلِ زَمَانِهِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى قَتَادَةَ.

23 - أَنا الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ». فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ هُوَ جَدُّ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلامٌ صَغِيرٌ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ يُرِدْ بِهِ حُبَّ الطَّبْعِ، بَلْ أَرَادَ بِهِ حُبَّ الاخْتِيَارِ، لأَنَّ حُبَّ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ طَبْعٌ، وَلا سَبِيلَ إِلَى قَلْبِهِ، فَمَعْنَاهُ: لَا تُصَدِّقْ فِيَّ حَتَّى تَفْدِيَ فِي طَاعَتِي نَفْسَكَ، وَتُؤْثِرَ رِضَايَ عَلَى هَوَاكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَلاكُكَ. 24 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، أَنا أَبُو مَعْمَرٍ

إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْمَرٍ، أَنا الدَّرَاوَرْدِيُّ وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيِّ، وَبِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: الإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ، وَإِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلامِ لِلْعَالَمِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ يَجِدُ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: تَرْكُ الْمِرَاءِ فِي الْحَقِّ، وَالْكَذِبِ فِي الْمُزَاحَةِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.

باب ثواب من آمن من أهل الكتاب

بَابُ ثَوَابِ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [الْقَصَص: 52]، إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [الْقَصَص: 54]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الْحَدِيد: 28] أَيْ: نَصِيبَيْنِ. 25 - قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ الْجُوَيْنِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نَا عُثْمَانُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَدَّبَهَا، فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِكِتَابِهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ، وَنَصَحَ سَيِّدَهُ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ حَيَّانَ، وَيُقَالُ: ابْنُ حَيٍّ وَأَبُو بُرْدَةَ هُوَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ 26 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، أَنا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلِيطٍ الْعَبْدِيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الشَّعْبِيِّ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ،

فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ عِنْدَنَا إِذَا أَعْتَقَ سُرِّيَّتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يُدْعَى كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ، قَالَ: فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ، فَأَدَّبَهَا، فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، ثُمَّ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ أَجْرَانِ». قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَعْطَيْتُكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ إِنْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ

باب من أسلم على ما سلف له من الخير

بَابُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَا سَلَفَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ 27 - قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَقَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عِتَاقَةٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ

شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَام أَبُو خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ، مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ، وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ، عَاشَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سِتِّينَ سَنَةً، وَفِي الإِسْلامِ سِتِّينَ سَنَةً. وَعُرْوَةُ هُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، وَيُقَالُ: سَنَةَ مِائَةٍ، وَيُقَالُ: إِحْدَى وَمِائَةٍ، وَأَبُوهُ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، كُنْيَتُهُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أَسْلَمَ هُوَ وَعَلِيٌّ وَهُمَا ابْنَا ثَمَانِ سِنِينَ، قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ فِي جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَيُقَالُ: ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ. وَالزُّهْرِيُّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. وَقَوْلُهُ: «أَتَحَنَّثُ»، يُرِيدُ بِهِ التَّعَبُّدَ، وَالْحِنْثُ: الذَّنْبُ،

وَالتَّحَنُّثُ: أَنْ يَفْعَلَ مَا يُلْقِي بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْحِنْثَ، وَكَذَلِكَ التَّحَرُّجُ وَالتَّأَثُّمُ: أَنْ يَفْعَلَ مَا يُلْقِي بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْحَرَجَ وَالإِثْمَ. وَقَوْلُهُ: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ»، أَيْ: عَلَى حِيَازَةِ مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ، أَوْ عَلَى قَبُولِ مَا سَلَفَ لَكَ. وَيُرْوَى: «إِنَّ حَسَنَاتِ الْكَافِرِ إِذَا خُتِمَ لَهُ بِالإِسْلامِ مَقْبُولَةٌ، فَإِنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ كَانَتْ هَدَرًا». 28 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُحْسِنُ فِي الإِسْلامِ، أَيُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلامِ، لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلامِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ خَلادِ بْنِ يَحْيَى،

عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، كُلٌّ عَنْ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهُذَلِيُّ، مَاتَ قَبْلَ عُثْمَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ، وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو وَائِلٍ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الأَسَدِيُّ، أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، سَمِعَ مِنْهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ.

باب البيعة على الإسلام وشرائعه والقتال مع من أبى

بَابُ الْبَيْعَةِ عَلَى الإِسْلامِ وَشَرَائِعِهِ وَالْقِتَالِ مَعَ مَنْ أَبَى قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الْأَنْفَال: 39]. 29 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي، عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا تَسْرِقُوا، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ، وَلا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ

بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ، فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ»، فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى،

وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْوَلِيدِ، شَهِدَ بَدْرًا، وَعَائِذُ اللَّهِ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيُّ الشَّامِيُّ، وُلِدَ عَامَ حُنَيْنٍ. قَوْلُهُ: «وَلا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ». قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُقَالُ: بَهَتَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ يَبْهَتُ بَهْتًا وَبُهْتَانًا، وَهُوَ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ الَّذِي يُبْهِتُ مِنْ شِدَّةِ نُكْرِهِ، وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ، فَيَبْقَى مَبْهُوتًا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ قَذْفُ أَهْلِ الإِحْصَانِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ رَمْيُ النَّاسِ بِالْعَظَائِمِ، وَمَا يُلْحِقُ بِهِمُ الْعَارَ وَالْفَضِيحَةَ. وَقَوْلُهُ: «تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ»، ذِكْرُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُمَا فِيهِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُعْظَمَ أَفْعَالِ النَّاسِ إِنَّمَا يُضَافُ إِلَى الأَيْدِي وَالأَرْجُلِ، لأَنَّهُمَا الْعَوَامِلُ، وَإِنْ شَارَكَهُمَا سَائِرُ الأَعْضَاءِ، كَمَا إِذَا أَوْلاهُ صَاحِبُهُ مَعْرُوفًا، يَقُولُ: صَنَعَ فُلانٌ عِنْدِي يَدًا، وَلَهُ عِنْدِي يَدٌ، وَالصَّنَائِعُ: الأَيَادِي، وَقَدْ يُعَاقَبُ الرَّجُلُ عَلَى جِنَايَةِ لِسَانِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بِمَا كَسَبَتْ يَدُكَ، وَالْيَدُ لَا فِعْلَ لَهَا فِيهِ. فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَبْهَتُوا النَّاسَ افْتِرَاءً وَاخْتِلافًا بِمَا لَمْ تَعْلَمُوهُ مِنْهُمْ، فَتَجْنُوا عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، أَيْ: قِبَلَ أَنْفُسِكُمْ جِنَايَةً تَفْضَحُونَهُمْ بِهَا، وَهُمْ بُرَآءُ، وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ كِنَايَةٌ عَنِ الذَّاتِ.

وَالْوَجْهُ الآخَرُ: أَنْ لَا تَبْهَتُوا النَّاسَ بِالْعُيُوبِ كِفَاحًا يُشَاهِدُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَمَا يُقَالُ: فَعَلْتُ هَذَا بَيْنَ يَدَيْكَ، أَيْ: بِحَضْرَتِكَ، وَهَذَا النَّوْعُ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَهْتِ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي امْتِحَانِ النِّسَاءِ: {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: 12] يَحْتَمِلُ مَعَ الْوَجْهَيْنِ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنْ تَلْتَقِطَ الْمَرْأَةُ لَقِيطًا، وَتَقُولَ لِزَوْجِهَا: هَذَا وَلَدِي مِنْكَ، فَتُلْحِقَ بِزَوْجِهَا وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ: هُوَ الْبُهْتَانُ الْمُفْتَرَى بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْلُودَ إِذَا وَضَعَتْهُ الأُمُّ يَسْقُطُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا، وَحَضَانَتُهُ وَتَرْبِيَتُهُ فِي الصِّغَرِ تَكُونُ بَيْنَ الأَيْدِي وَالأَرْجُلِ، فَأَخَذَ عَلَيْهِنَّ مِنَ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَأْتِينَ بِكَذِبٍ وَبُهْتَانٍ مِنَ الْفِعْلِ مَحِلُّهُ بَيْنَ الأَيْدِي وَالأَرْجُلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ مِنَ الزِّنَا، فَتَنْسُبَهُ إِلَى الزَّوْجِ، لأَنَّ شَرْطَ النَّهْيِ عَنِ الزِّنَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَقِيلَ: كَنَّى بِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا عَنِ الْوَلَدِ، لأَنَّ فَرْجَهَا بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ، وَبَطْنَهَا الَّذِي يَحْمِلُهُ بَيْنَ الْيَدَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 30 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيٌّ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، سَمِعْتُ جَرِيرًا، «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ

مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وَجَرِيرٌ هُوَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ أَبُو عَمْرٍو، نَزَلَ الْكُوفَةَ، وَقَيْسٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ الْبَجَلِيُّ، كُوفِيٌّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ.

31 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَسَّانٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَخُو وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الصَّنْعَانِيِّ، مِنْ أَهْلِ فَارِسَ، مَاتَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ، وَمَعْمَر هُوَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، أَبُو عُرْوَةَ الْبَصْرِيُّ، سَكَنَ الْيَمَنَ، مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ. 32 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ. وَقَوْلُهُ: " حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ "، أَرَادَ بِهِ عَبَدَةَ الأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، ثُمَّ لَا يُرْفَعُ عَنْهُمُ السَّيْفُ حَتَّى يُقِرُّوا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ.

وَقَوْلُهُ: «وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»، مَعْنَاهُ: فِيمَا يَسْتَسِرُّونَ بِهِ دُونَ مَا يَخُلُّونَ بِهِ مِنَ الأَحْكَامِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ فِي الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا أَخَلُّوا بِشَيْءٍ مِمَّا يَلْزَمُهُمْ فِي الظَّاهِرِ يُطَالِبُونَ بِمُوجَبِهِ، كَمَا قَاتَلَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقَوْمَ عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِبَعْضِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. 33 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا أَبُو رَوْحٍ حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمسمعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ»، وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا اخْتَلَفَتِ الأَلْفَاظُ لاخْتِلافِ الأَوْقَاتِ، فَإِنَّ فَرَائِضَ الدِّينِ كَانَتْ تُشَرَّعُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَالْحَدِيثُ الأَوَّلُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ هَذِهِ الْفَرَائِضِ، وَالْحَدِيثَانِ الآخَرَانِ بَعْدَ وُجُوبِهَا. قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: يَعْنِي: لَا يَلْزَمُ الْكَفُّ عَنْهُمْ إِلا بَعْدَ الْتِزَامِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَوْبَةَ الزِّنْدِيقِ مَقْبُولَةٌ، وَسَرِيرَتَهُ إِلَى اللَّهِ مَوْكُولَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْكَافِرُ الْمُسْتَسِرُّ بِكُفْرِهِ. 34 - قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: وَقَالَ لِي نُعَيْمٌ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ؛ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا وَصَلَّوْا صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الْبَصْرِيُّ، أَبُو عُبَيْدَةَ،

أَوْ أَبُو عُبَيْدٍ، وَيُقَالُ: هُوَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ حُمَيْدُ بْنُ تِيرَوَيْهِ، وَيُقَالُ: ابْنُ تِيرٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ زَاذُوَيْهِ، وَيُقَالُ: ابْنُ دَاور، وَيُقَالُ مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أُمُورَ النَّاسِ فِي مُعَامَلَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، إِنَّمَا تَجْرِي عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ دُونَ بَاطِنِهَا، وَأَنَّ مَنْ أَظْهَرَ شِعَارَ الدِّينِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، وَلَمْ يُكْشَفْ عَنْ بَاطِنِ أَمْرِهِ. وَلَوْ وُجِدَ مَخْتُونٌ فِيمَا بَيْنَ قَتْلَى غُلْفٍ، عُزِلَ عَنْهُمْ فِي الْمَدْفَنِ، وَلَوْ وُجِدَ لَقِيطٌ فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ حُكِمَ بِإِسْلامِهِ.

باب علامات النفاق

بَابُ عَلامَاتِ النِّفَاقِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الْبَقَرَة: 10] أَيْ: شَكٌّ وَنِفَاقٌ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُنَافِقِي الْكُفَّارِ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النِّسَاء: 142]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التَّوْبَة: 54]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} [النِّسَاء: 143] أَيْ: مُتَرَدِّدِينَ، لَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلا إِلَى الْكَافِرِينَ، وَالْمُذَبْذَبُ: الْمُضْطَرِبُ الَّذِي لَا يَبْقَى عَلَى حَالَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ. وَسُمِّيَ الْمُنَافِقُ مُنَافِقًا، لأَنَّهُ يَسْتُرُ كُفْرَهُ، وَيُغَيِّبُهُ، فَشُبِّهَ بِالَّذِي يَدْخُلُ النَّفَقَ، وَهُوَ السَّرَبُ، فَيَسْتَتِرُ بِهِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ مِنْ نَافِقَاءِ الْيَرْبُوعِ، فَإِنَّ الْيَرْبُوعَ لَهُ حُجْرٌ، يُقَالُ لَهُ: النَّافِقَاءُ،

وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ: الْقَاصِعَاءُ، فَإِذَا طُلِبَ مِنَ الْقَاصِعَاءِ قَصَعَ، فَخَرَجَ مِنَ النَّافِقَاءِ، كَذَا الْمُنَافِقُ يَخْرُجُ مِنَ الإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ. 35 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَعْفَرٍ الْخِرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَدَنِيُّ، نَا أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ 36 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ

الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَالِينِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ السَّامِيُّ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، فَهُوَ مُنَافِقٌ»، زَادَ إِبْرَاهِيمُ: «وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ»، قَالا جَمِيعًا: «مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ حَزْنٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ، كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، مِنْ تَابِعِي الْمَدِينَةِ وَفُقَهَائِهَا، أَدْرَكَ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ ثَمَانِ سِنِينَ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ. 37 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَقَالَ: «وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ»، وَلَمْ يَقُلْ: " وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَمَسْرُوقٌ هُوَ ابْنُ الأَجْدَعِ، وَهُوَ مَسْرُوقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو عَائِشَةَ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَيُقَالُ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ، وَكَانَ أَبُوهُ الأَجْدَعُ شَاعِرًا. 38 - قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا أَبُو هِلالٍ. ح، قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ، نَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أَبُو هِلالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا قَالَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا يَغُرَّنَّكَ صَلاةُ امْرِئٍ، وَلا صِيَامُهُ، مَنْ شَاءَ صَلَّى، وَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَلَكِنْ لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ. 39 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَرَاحِيلُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَدِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا»

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا شَبَّهْتُ الْقَارِئَ إِلا بِالدِّرْهَمِ الزَّيْفِ إِذَا كَسَرْتَهُ خَرَجَ مَا فِيهِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى قَوْلِهِ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ»: هَذَا الْقَوْلُ إِنَّمَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ الإِنْذَارِ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ، وَالتَّحْذِيرِ لَهُ أَنْ يَعْتَادَ هَذِهِ الْخِصَالَ، فَتُفْضِي بِهِ إِلَى النِّفَاقِ، لَا أَنَّ مَنْ بَدَرَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْخِصَالُ، أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اعْتِيَادٍ أَنَّهُ مُنَافِقٌ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ، فَقَالَ: إِنَّ بَنِي يَعْقُوبَ حَدَّثُوا فَكَذَبُوا، وَوَعَدُوا فَأَخْلَفُوا، وَاؤْتُمِنُوا فَخَانُوا. وَالنِّفَاقُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُظْهِرَ صَاحِبُهُ الإِيمَانَ وَهُوَ مُسِرٌّ لِلْكُفْرِ كَالْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالثَّانِي: تَرْكُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُدُودِ أُمُورِ الدِّينِ سِرًّا، وَمُرَاعَاتُهَا عَلَنًا، فَهَذَا يُسَمَّى مُنَافِقًا، وَلَكِنَّهُ نِفَاقٌ دُونَ نِفَاقٍ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»، وَإِنَّمَا هُوَ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ. وَأَمَّا بَنُو يَعْقُوبَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِنْهُمْ نَادِرًا، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَيْهِ،

بَلْ تَابُوا وَتَحَلَّلُوا مِمَّنْ جَنَوْا عَلَيْهِ، وَسَأَلُوا أَبَاهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، فَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْهُمْ صِفَةُ النِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ: «أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا». فَهُوَ أَنْ يَعْتَادَ تَرْكَ الإِخْلاصِ فِي الْعَمَلِ، كَمَا جَاءَ: «التَّاجِرُ فَاجِرٌ»، وَأَرَادَ: إِذَا اعْتَادَ التَّاجِرُ الْكَذِبَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، لَا أَنَّ نَفْسَ التِّجَارَةِ فُجُورٌ، بَلْ هِيَ أَمْرٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، مُبَاحٌ فِي الشَّرْعِ.

باب الكبائر

بَابُ الْكَبَائِرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لُقْمَان: 13]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا {88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا {89}} [مَرْيَم: 88 - 89]، أَيْ: مُنْكَرًا عَظِيمًا، وَالإِدَدُ: الدَّوَاهِي الْعِظَامُ، وَاحِدَتُهَا إِدَّةٌ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الْأَنْعَام: 151] الآيَاتِ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الْإِسْرَاء: 31] الآيَاتِ.

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النَّجْم: 32]. 40 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْخَاقَانِيُّ، نَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، نَا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الْأَنْعَام: 82] اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقُلْنَا: أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَمْ تَسْمَعُوا اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لُقْمَان: 13] "؟!، هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ

وَعَلْقَمَةُ هُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ أَبُو شِبْلٍ، كُوفِيٌّ، مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: هُوَ عَمُّ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ، وَعَمُّ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ. وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ، أَبُو عِمْرَانَ الْكُوفِيُّ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ. وَسُمِّيَ الشِّرْكُ ظُلْمًا، لأَنَّ أَصْلَ الظُّلْمِ هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَمَنْ أَشْرَكَ، فَقَدْ وَضَعَ الرُّبُوبِيَّةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَهُوَ أَعْظَمُ الظُّلْمِ.

41 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كَذَّبَنِي عَبْدِي، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَشَتَمَنِي عَبْدِي، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ: لَنْ يُعِيدَنَا كَمَا بَدَأَنَا، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

42 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ، وَوَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ». قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»، فَأُنْزِلَ تَصْدِيقُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الْفرْقَان: 68] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ

وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ أَبُو مَيْسَرَةَ كُوفِيٌّ هَمْدَانِيٌّ. وَمَنْصُورٌ هُوَ مَنْصُورُ بْنُ مُعْتَمِرٍ أَبُو عَتَّابٍ السُّلَمِيُّ كُوفِيٌّ، مَاتَ بَعْدَ السُّودَانِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ: ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ. وَوَاصِلٌ هُوَ ابْنُ حَيَّانَ الأَحْدَبُ الأَسَدِيُّ كُوفِيٌّ مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. 43 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْجُوزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، أَنا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُحَدِّثُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»، قَالَ: وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، قَالَ: «وَشَهَادَةُ

الزُّورِ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ»، قَالَ: فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ "، قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «وَقَوْلُ الزُّورِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ النَّاقِدِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ وَأَبُو بَكْرَةَ اسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ الثَّقَفِيُّ، سَكَنَ الْبَصْرَةَ، مَاتَ هُوَ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي سَنَةٍ، وَيُقَالُ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، بَعْدَ الْحَسَنِ. 44 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَنا النَّضْرُ، أَنا شُعْبَةُ، نَا فِرَاسٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ هِيَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ يَقْتَطِعُ الرَّجُلُ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ، سُمِّيَتْ غَمُوسًا لأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الإِثْمِ، ثُمَّ فِي النَّارِ. وَفِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ: «الْيَمِينُ الْغَمُوسُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلاقِعَ»، مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُفَرِّقُ شَمْلَ الْحَالِفِ، وَيُغَيِّرُ عَلَيْهِ مَا أَوْلاهُ مِنْ نِعَمِهِ، وَقِيلَ: يَفْتَقِرُ وَيَذْهَبُ مَا فِي بَيْتِهِ مِنَ الْمَالِ.

45 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ وَأَبُو الْغَيْثِ اسْمُهُ سَالِمٌ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ، قُرَشِيٌّ، مَدَنِيٌّ، وَرَوَى عَنْهُ ثَوْرُ بْنُ الدِّيلِيِّ الْمَدَنِيُّ. وَيُرْوَى فِي الْكَبَائِرِ «الإِلْحَادُ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ». وَقَوْلُهُ: «مِنَ الْمُوبِقَاتِ»، أَيِ: الْمُهْلِكَاتِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ. وَقَالَ عُبَيْدَةُ: مَا عُصِيَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ كَبِيرَةٌ. وَقَالَ طَاوُسٌ: قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ؟ قَالَ: هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ. 46 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ الأَزْهَرِيِّ، وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالا: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي، وَهُوَ حِينَ يَزْنِي مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ، وَهُوَ حِينَ يَسْرِقُ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَهُوَ حِينِ يَشْرَبُهَا مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ، وَيَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الرَّازِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ.

47 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ الْمَنِيعِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَسْرِقُ سَارِقٌ، وَهُوَ حِينَ يَسْرِقُ مُؤْمِنٌ، وَلا يَزْنِي زَانٍ، وَهُوَ حِينَ يَزْنِي مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْحُدُودَ أَحَدُكُمْ يَعْنِي: الْخَمْرَ، وَهُوَ حِينَ يَشْرَبُهَا مُؤْمِنٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنْتَهِبُ أَحَدُكُمْ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا، وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ، وَلا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَإِيَّاكُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ،

فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّهْيَ، وَإِنْ وَرَدَ عَلَى صِيغَةِ الْخَبَرِ، مَعْنَاهُ لَا يَزْنِي الزَّانِي وَلا يَسْرِقُ إِذْ هُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَلِيقُ مِثْلُ هَذِهِ الأَفْعَالِ بِأَهْلِ الإِيمَانِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الزَّجْرُ وَالْوَعِيدُ دُونَ حَقِيقَةِ الْخُرُوجِ عَنِ الإِيمَانِ، أَوِ الإِنْذَارُ وَالتَّحْذِيرُ بِسُوءِ الْعَاقِبَةِ، أَيْ: إِذَا اعْتَادَ هَذِهِ الأُمُورَ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَقَعَ فِي ضِدِّ الإِيمَانِ وَهُوَ الْكُفْرُ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ». وَقِيلَ: مَعْنَاهُ نُقْصَانُ الإِيمَانِ، يُرِيدُ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ مُسْتَكْمِلُ الإِيمَانِ، بَلْ هُوَ قَبْلَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْفُجُورِ، وَبَعْدَ مَا نَزَعَ مِنْهُ وَتَابَ أَكْمَلُ إِيمَانًا مِنْهُ حَالَةَ اشْتِغَالِهِ بِالْفُجُورِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ»، يُرِيدُ: لَا إِيمَانَ لَهُ كَامِلا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ وَرَدَ مَعْنًى آخَرَ فِي تَأْوِيلِهِ مَرْفُوعًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَى أَحَدُكُمْ خَرَجَ مِنْهُ الإِيمَانُ، وَكَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا انْقَلَعَ، رَجَعَ إِلَيْهِ الإِيمَانُ».

قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْقَوْلُ مَا قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَرَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُنْزَعُ الإِيمَانُ مِنْهُ؟ قَالَ: هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا، فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.

باب من مات لا يشرك بالله شيئا

بَابُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النِّسَاء: 48]، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النِّسَاء: 93]، قِيلَ: نَزَلَ هَذَا فِي رَجُلٍ قَتَلَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ إِنْ جَازَاهُ وَلَمْ يَعْفُ عَنْهُ، فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النِّسَاء: 48] خَبَرٌ لَا يَقَعُ فِيهِ خُلْفٌ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النِّسَاء: 93] وَعِيدٌ يُرْجَى فِيهِ الْعَفْوُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ، إِلَى قَوْلِهِ: إِلا مَنْ تَابَ} [الْفرْقَان: 68 - 70]. 48 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ،

نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: " كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرِي يَا مُعَاذُ مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «حَقُّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي يَا مُعَاذُ، مَا حَقُّ النَّاسِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟»، قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ النَّاسِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «دَعْهُمْ يَعْمَلُونَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ سَلامِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ

49 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، نَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ: " يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَعْدَيْكَ ثَلاثًا، قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: «إِذًا يَتَّكِلُوا»، فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَاحْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَخُصَّ الْعَالِمُ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا. 50 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ،

قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ قَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ 51 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، وَهُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ "، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ

زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟، عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ». وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: «وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ وَأَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ جُنْدُبُ بْنُ السَّكَنِ، وَيُقَالُ: ابْنُ جُنَادَةَ الْغِفَارِيُّ، مَاتَ بِالرَّبَذَةِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ. وأَبُو الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ اسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ. وَقَوْلُهُ: «وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ»، أَيْ: ذُلَّ، وَقِيلَ: وَإِنْ كَرِهَ، يُقَالُ: مَا أَرْغَمُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، أَيْ: أَكْرَهُهُ، وَقِيلَ: وَإِنِ اضْطَرَبَ أَبُو ذَرٍّ. 53 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

بْنِ بُكَيْرٍ الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ سَعِيدٍ، شَكَّ الأَعْمَشُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ، لَمْ يُحْجَبْ عَنِ الْجَنَّةِ». قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ الْمَرْوَرُّوذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، أَنا أَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ، نَا إِبْرَاهِيمُ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيَّ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ

54 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ»، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلا شَيْءٌ أُرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»، عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ مَشَى، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»، عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، «وَقَلِيلٌ مَا هُمْ». ثُمَّ قَالَ لِي: «مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ». ثُمَّ انْطَلَقَ فِي

سَوَادِ لَيْلٍ حَتَّى تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوْتًا قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ عَرَضَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي: " لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتًا تَخَوَّفْتُ، فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: «وَهَلْ سَمِعْتَهُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " هَذَا جِبْرِيلُ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ "، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ وَزَيْدُ بْنُ وَهْبٍ هُوَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْهَمْدَانِيُّ الْجُهَنِيُّ. الْحَرَّةُ: حِجَارَةٌ سُودٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ.

55 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنا الْوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَّيَةَ، عَنْ عُبَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ». أَيْ: أَيَّ عَمَلٍ كَانَ، فِيهِ مَعْصِيَةٌ أَوْ طَاعَةٌ. قَالَ الْوَلِيدُ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ عُمَيْرٍ، عَنْ جُنَادَةَ، وَزَادَ: «مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، أَيُّهَا شَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ هَذَا، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ قَوْلُهُ: «وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ» سُمِّيَ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً، لأَنَّهُ كَانَ بِالْكَلِمَةِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُنْ} [آل عمرَان: 59] قَالَ اللَّهُ

عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمرَان: 59]. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي شَأْنِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمرَان: 39]، يَعْنِي: بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى وَصَدَّقَهُ، وَكَانَا ابْنَيْ خَالَةٍ. وَقَوْلُهُ: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النِّسَاء: 171]، أَيْ: مِنْ خَلْقِهِ وَإِحْدَاثِهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]. سُمِّيَ عِيسَى رُوحًا، لأَنَّهُ حَدَثَ مِنْ نَفْخِ الرُّوحِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرْسَلَ إِلَيْهَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَنَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، وَكَانَ مَشْقُوقًا مِنْ قُدَّامِهَا، فَوَصَلَ النَّفْخُ إِلَيْهَا، فَحَمَلَتْ. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التَّحْرِيم: 12]، أَيْ: مِنْ نَفْخِ جِبْرِيلَ، أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ بِأَمْرِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} [مَرْيَم: 17]، يَعْنِي: جِبْرِيلَ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [الْبَقَرَة: 253]، يُرِيدُ جِبْرِيلَ. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النِّسَاء: 171]، أَيْ: رَحْمَةٌ، وَكَانَ عِيسَى رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النِّسَاء: 171]، أَنَّ: رُوحَ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا الْمِيثَاقَ فِي عَهْدِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى صُلْبِ آدَمَ،

وَأَمْسَكَ عِنْدَهُ رُوحَ عِيسَى إِلَى أَنْ أَرَادَ خَلْقَهُ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى مَرْيَمَ فِي صُورَةِ بَشَرٍ، فَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مَرْيَم: 17]، أَيْ: حَمَلَتِ الَّذِي خَاطَبَهَا، وَهُوَ رُوحُ عِيسَى، فَدَخَلَ مِنْ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْرُجُ عَنِ الإِيمَانِ بِارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنَ الْكَبَائِرِ إِذَا لَمْ يَعْتَقِدْ إِبَاحَتَهَا، وَإِذَا عَمِلَ شَيْئًا مِنْهَا، فَمَاتَ قَبْلَ التَّوْبَةِ، لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ، بَلْ هُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي الْبَيْعَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْكِ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَمْدًا، فَكَفَّرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَمْ يُكَفِّرْهُ الآخَرُونَ. وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ "، قَالَ: إِنَّمَا هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ سَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ عُذِّبُوا فِي النَّارِ بِذُنُوبِهِمْ، فَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ». وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الْحجر: 2] إِذَا أُخْرِجَ أَهْلُ التَّوْحِيدِ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُوا الْجَنَّةَ، وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. 56 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلا يَهُودِيٌّ، وَلا نَصْرَانِيٌّ، وَمَاتَ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 57 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ»، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ لأُبَايِعَكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ،

قَالَ: «تَشْتَرِطُ مَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ يَا عَمْرُو، أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ». وَرُوِيَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَخِرَّ إِلا قَائِمًا، يَعْنِي لَا أَمُوتُ إِلا ثَابِتًا عَلَى الإِسْلامِ، وَمَنْ مَاتَ فَقَدْ خَرَّ وَسَقَطَ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْقِيَامِ التَّمَسُّكُ بِالدِّينِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} [آل عمرَان: 113] وَمَعْنَاهُ: الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الدِّينِ، وَالْقِيَامُ بِهِ.

باب العفو عن حديث النفس

بَابُ الْعَفْوِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [الْبَقَرَة: 284]. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا، يَعْنِي قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:

{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [الْبَقَرَة: 286]. وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الْحَج: 78]، أَيْ: لَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْكُمْ فِي أَحْكَامِهِ، فَيُكَلِّفَكُمْ مَا تَعْجَزُونَ عَنْهُ. 58 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَنا يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ الْقَزْوِينِيُّ، نَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ الْعُرَنِيُّ، نَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ هِشَامٍ،

وَعَنْ مِسْعَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، وَهِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى الظَّفَرِيُّ الْحَرَشِيُّ قَاضِي الْبَصْرَةِ. 59 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَيَّالِيُّ حَفِيدُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْكَيَّالِ، أَنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ يُعْرَفُ بِفَضْلانَ، أَنا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَثَّامٍ، يَقُولُ: أَتَيْتُ سُعَيْرَ بْنَ الْخِمْسِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثِ الْوَسْوَسَةِ، فَلَمْ يُحَدِّثْنِي، فَأَدْبَرْتُ أَبْكِي، ثُمَّ لَقِيَنِي، فَقَالَ لِي: تَعَالَ. حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الشَّيْءَ لَوْ خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ، فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؟ قَالَ: «ذَلِكَ مَحْضُ، أَوْ صَرِيحُ الإِيمَانِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الصَّفَّارِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَثَّامٍ، عَنْ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَلِكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ»، مَعْنَاهُ أَنَّ صَرِيحَ الإِيمَانِ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُكُمْ مِنْ قَبُولِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَالتَّصْدِيقِ بِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَسْوَسَةَ نَفْسَهَا صَرِيحُ الإِيمَانِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِنَّمَا تَتَوَلَّدُ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ وَتَسْوِيلِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ إِيمَانًا صَرِيحًا. وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّهُمْ لَمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ ذَلِكَ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ». 60 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ حَبِيبٍ، الْمُؤَذِّنُ، بِبُخَارَى، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الرَّازِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَسُلَيْمَانَ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُحَدِّثُ نَفْسِي بِالشَّيْءِ لأَنْ أَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ شُعْبَةُ:

قَالَ أَحَدُهُمَا: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ أَمْرَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ»، وَقَالَ الآخَرُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ مِنْكُمْ إِلا عَلَى الْوَسْوَاسِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيُّ مَدَنِيٌّ، رَوَى عَنْهُ: ذَرُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ كُوفِيٌّ

باب رد الوسوسة

بَابُ رَدِّ الْوَسْوَسَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [النَّاس: 1] إِلَى آخِرِهَا. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الْخَنَّاسِ} [النَّاس: 4]: هُوَ الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُ فِي صَدْرِ الْمَرْءِ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، أَيِ: انْقَبَضَ وَتَأَخَّرَ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الْأَعْرَاف: 200]، وَالنَّزْغُ وَالْهَمْزُ: الْوَسْوَسَةُ، يَقُولُ: إِنْ نَالَكَ مِنَ الشَّيْطَانِ أَدْنَى وَسْوَسَةٍ، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَقِيلَ: {يَنْزَغَنَّكَ} [الْأَعْرَاف: 200]، أَيْ: يَسْتَخِفَّنَّكَ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يُوسُف: 100]، أَيْ: أَفْسَدَ وَأَغْرَى. 61 - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ 62 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَعْشَرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَيْرَكِيُّ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْقَرَّابُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، أَنا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرْيَرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، وَقَالَ: " يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ مَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: مَا شَيْءٌ أُخْفِيهِ فِي صَدْرِي؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَتَكَلَّمُ بِهِ، فَقَالَ: أَشَيْءٌ مِنْ شَكٍّ؟ وَضَحِكَ، قَالَ: مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يُونُس: 94] الآيَةَ، قَالَ: فَقَالَ لِي: إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا، فَقُلْ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الْحَدِيد: 3]. 63 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ قَالَ {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [الْبَقَرَة: 260]، وَرَحِمَ

اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ»: حُكِيَ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَشُكَّ النَّبِيُّ، وَلا إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فِي أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى، وَإِنَّمَا شَكَّا أَنْ يُجِيبَهُمَا إِلَى مَا سَأَلاه وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [الْبَقَرَة: 260]، قَالَ: أَعْلَمُ أَنَّكَ تُجِيبُنِي إِذَا دَعَوْتُكَ، وَتُعْطِينِي إِذَا سَأَلْتُكَ.

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ فِي قَوْلِهِ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ»، اعْتِرَافٌ بِالشَّكِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَلَكِنْ فِيهِ نَفْيُ الشَّكِّ عَنْهُمَا، يَقُولُ: إِذَا لَمْ أَشُكَّ أَنَا، وَلَمْ أَرْتَبْ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، فَإِبْرَاهِيمُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَشُكَّ وَلا يَرْتَابَ، وَقَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ، وَالْهَضْمِ مِنَ النَّفْسِ، وَفِيهِ الإِعْلامُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ قِبَلِ إِبْرَاهِيمَ لَمْ تُعْرَضْ مِنْ جِهَةِ شَكٍّ، لَكِنْ مِنْ قِبَلِ زِيَادَةِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ الْعِيَانَ يُفِيدُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ مَا لَا يُفِيدُ الاسْتِدْلالُ. وَقَوْلُهُ: لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، أَيْ: بِيَقِينِ النَّظَرِ. وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [الْبَقَرَة: 260] أَيْ: بِالْخُلَّةِ، يَقُولُ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ اتَّخَذْتَنِي خَلِيلا. وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَيُحْكَى عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [الْبَقَرَة: 260] أَيْ: لِيَرَى مَنْ أَدْعُوهُ إِلَيْكَ مَنْزِلَتِي وَمَكَانِي مِنْكَ، فَيُجِيبُونِي إِلَى طَاعَتِكَ. وَقِيلَ: لَمَّا نَزَلَتِ الآيَةُ، قَالَ قَوْمٌ: شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَلَمْ يَشُكَّ نَبِيُّنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقَوْلَ تَوَاضُعًا مِنْهُ، وَتَقْدِيرًا لإِبْرَاهِيمَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي يُوسُفَ: «لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ» وَصَفَ يُوسُفَ بِالأَنَاةِ، وَالصَّبْرِ، حَيْثُ لَمْ يُبَادِرْ إِلَى الْخُرُوجِ حِينَ جَاءَهُ رَسُولُ الْمَلِكِ فِعْلَ الْمُذْنِبِ يُعْفَى عَنْهُ مَعَ طُولِ لُبْثِهِ فِي السِّجْنِ، بَلْ قَالَ: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يُوسُف: 50] أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ فِي حَبْسِهِمْ إِيَّاهُ ظُلْمًا، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ، لَا أَنَّهُ كَانَ فِي الأَمْرِ مِنْهُ مُبَادَرَةٌ وَعَجَلَةٌ لَوْ كَانَ مَكَانَ يُوسُفَ، وَالتَّوَاضُعُ لَا يُصَغِّرُ كَبِيرًا، وَلا يَضَعُ رَفِيعًا، وَلا يُبْطِلُ

لِذِي حَقٍّ حَقًّا، وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ لِصَاحِبِهِ فَضْلا، وَيُكْسِبُهُ جَلالا وَقَدْرًا. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يُونُس: 94]. الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ مِمَّنْ شَكَّ فِي تَنْزِيلِ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الْأَحْزَاب: 1] وَقَوْلُهُ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف: 45] أَيْ: سَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلِكَ رُسُلا مِنْ رُسُلِنَا، يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ الْخِطَابُ لَهُ، وَالْمُرَادُ الْمُشْرِكُونَ. وَقَوْلُهُ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ لِقَوْمِهِ {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] أَيْ: لَوْ كَانَتْ لِي عَشِيرَةٌ لَدَفَعُوكُمْ، تَرَحَّمَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَهْوِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ضَاقَ صَدْرُهُ، وَاشْتَدَّ جَزَعُهُ بِمَا دَهَمَهُ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى قَالَ: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80]، وَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى أَشَدِّ الأَرْكَانِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

باب: الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ

بَابٌ: الإِسْلامُ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ 64 - أَخْبَرَنَا أَبُو تُرَابٍ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ يُوسُفَ الْمَرَاغِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلَكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الآجُرِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الضَّحَّاكِ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ، بِالْكُوفَةِ، أَنا نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ، نَا حَفْصٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: «النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ

وَأَبُو الأَحْوَصِ اسْمُهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ فَضَالَةَ الْجُشَمِيُّ. وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ، وَيُقَالُ: سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَيُقَالُ: سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ: اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ، وُلِدَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ. قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» أَرَادَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا أَوْطَانَهُمْ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ» فَالنُّزَّاعُ جَمْعُ نَزِيعٌ، وَهُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي نَزَعَ عَنْ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ، وَالنَّزَائِعُ مِنَ الإِبِلِ: الْغَرَائِبُ. 65 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَفْصُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ مَدَنِيٌّ جَدُّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ. وَخُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ يِسَافٍ الأَنْصَارِيُّ أَبُو الْحَارِثِ، مِنْ أَهْلِ السُّنْحِ، وَالسُّنْحُ: بِالْمَدِينَةِ، خَالُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْرِزُ»، أَيْ: يَنْضَمُّ إِلَيْهَا، وَيَجْتَمِعُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فِيهَا، قِيلَ: كَانَ هَذَا زَمَانَ الرِّدَّةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي خِلافَةِ الصِّدِّيقِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ» يَعْنِي: أَهْلَ الإِيمَانِ، كَمَا قَالَ: «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» يُرِيدُ: أَهْلَ الْمَدِينَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يُوسُف: 82]، أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ مِلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا، وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ، إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ سُنَّتِي مِنْ بَعْدِي». وَالأُرْوِيَّةُ: شَاءُ الْوَحْشِ، وَجَمْعُهَا الْقَلِيلُ: أَراوي، وَالْكَثِيرُ: أَرْوَى.

باب الإيمان بالقدر

بَابُ الإِيمَانِ بِالْقَدَرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الْأَحْزَاب: 38]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الْفرْقَان: 2]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَتُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». 66 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَيُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ". زَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ: " خَيْرِهِ وَشَرِّهِ،

وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ: عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْ رَجُلٍ، قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ، وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عَلِيٍّ 67 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُذَاشَاهِيُّ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِ مِائَةٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ كُلِّهَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»، قَالَ: «وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ 68 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ الْفَقِيهُ، بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا، وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلامِهِ، وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ

عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 69 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ كُتِبَ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ". ،

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى»، «آدَمُ» مَرْفُوعَةُ الْمِيمِ عَلَى مَعْنَى الْفَاعِلِ، وَ «مُوسَى» فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، أَيْ: أَلْزَمَهُ آدَمُ الْحُجَّةَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا حَجَّهُ آدَمُ فِي دَفْعِ اللَّوْمِ، إِذْ لَيْسَ لأَحَدٍ مِنَ الآدَمِيِّينَ أَنْ يَلُومَ أَحَدًا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «انْظُرُوا إِلَى النَّاسِ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ».

وَأَمَّا حُكْمُ الَّذِي تَنَازَعَاهُ، فَهُمَا فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُسْقِطَ الأَصْلَ الَّذِي هُوَ الْقَدَرُ، وَلا أَنْ يُبْطِلَ الْكَسْبَ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ، وَمَنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، خَرَجَ عَنِ الْمَقْصَدِ إِلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ إِلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِ، أَوِ الْجَبْرِ. وَقَوْلُهُ: «أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ»، يَقُولُ: إِذا جَعَلَكَ اللَّهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مِنَ الاصْطِفَاءِ بِالرِّسَالَةِ وَالْكَلامِ، فَكَيْفَ يَسَعُكَ أَنْ تَلُومَنِي عَلَى الْقَدَرِ الْمَقْدُورِ الَّذِي لَا مَدْفَعَ لَهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى»، وَذَلِكَ أَنَّ الابْتِدَاءَ بِالْمَسْأَلَةِ وَالِاعْتِرَاضَ كَانَ مِنْ مُوسَى، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ آدَمَ إِنْكَارٌ لِمَا اقْتَرَفَهُ مِنَ الذَّنْبِ، إِنَّمَا عَارَضَهُ بِأَمْرٍ كَانَ فِيهِ دَفْعُ حُجَّةِ مُوسَى الَّتِي أَلْزَمَهُ بِهَا اللَّوْمَ. 70 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ! عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ! مُضْغَةٌ،

فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا، قَالَ: يَا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ أَشَقِيُّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيَكْتُبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ 71 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَخْلَدٍ الأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، بِبَغْدَادَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ»، أَوْ قَالَ: «يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ، وَعَمَلَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ».

قَالَ: «وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلٍ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ هِشَامِ

بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الأَعْمَشِ وَزَيْدُ بْنُ وَهْبٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْهَمْدَانِيُّ الْجُهَنِيُّ. وَيُرْوَى عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، أَنَّهُ قَالَ لِلأَعْمَشِ: مَا يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي خَيْثَمَةُ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ، وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا، طَارَتْ فِي بَشَرِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفْرٍ وَشَعْرَةٍ، ثُمَّ تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرَّحِمِ، فَذَلِكَ جَمْعُهَا. وَقِيلَ لأَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [الْبَقَرَة: 234] الآيَةَ: لأَيِّ شَيْءٍ ضُمَّتْ هَذِهِ الْعَشَرَةُ إِلَى الأَرْبَعَةِ

الأَشْهُرِ؟ قَالَ: لأَنَّهُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فِي الْعَشْرِ. 72 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْنَا عَلَى جِنَازَةٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ بِالْبَقِيعِ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِيَدِهِ مِخْصَرَةٌ، فَجَاءَ فَجَلَسَ، ثُمَّ نَكَتَ بِهَا فِي الأَرْضِ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا قَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، وَإِلا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً»، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنِ اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهْلُ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ، وَأَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ»، قَالَ: ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6}

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى {8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى {9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى {10}} [اللَّيْل: 5 - 10] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هُوَ أَبُو الْحَسَنِ الْقُرَشِيُّ، وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمِخْصَرَةُ مَا اخْتَصَرَ الإِنْسَانُ بِيَدِهِ، فَأَمْسَكَهُ مِنْ عَصًا أَوْ عَنْزَةٍ، وَمِنْهُ أَنْ يُمْسِكَ الرَّجُلُ بِيَدِ صَاحِبِهِ، فَيُقَالُ: فُلانٌ مُخَاصِرُ فُلانًا، قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ مُتَخَاصِرِينَ إِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ آخِذًا بِيَدِ بَعْضٍ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: التَّخَصُّرُ: إِمْسَاكُ الْقَضِيبِ بِالْيَدِ، وَالْمِخْصَرَةُ ذَلِكَ الْقَضِيبُ، وَجَمْعُهَا مَخَاصِرُ. قَوْلُهُ: «نَكَتَ بِهَا الأَرْضَ»، أَيْ: ضَرَبَهَا بِهَا. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ»، أَيْ: مَوْلُودَةٍ، يُقَالُ:

نُفِسَتِ الْمَرْأَةُ وَنَفِسَتْ: إِذَا وَلَدَتْ، فَإِذَا حَاضَتْ، قُلْتُ: نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ لَا غَيْرَ. قَوْلُهُ: «مُيَسَّرٌ»، أَيْ: مُهَيَّأٌ وَمَصْرُوفٌ إِلَيْهِ. ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ كَلامًا مَعْنَاهُ، قَالَ: قَوْلُهُمْ: «أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ»؟ مُطَالَبَةً مِنْهُمْ بِأَمْرٍ يُوجِبُ تَعْطِيلَ الْعُبُودِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِخْبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَابِقِ الْكِتَابِ إِخْبَارٌ عَنْ غَيْبِ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهِمْ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَرَامَ الْقَوْمُ أَنْ يَتَّخِذُوهُ حُجَّةً لأَنْفُسِهِمْ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ، فَأَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَهُنَا أَمْرَيْنِ لَا يُبْطِلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ: بَاطِنٌ: هُوَ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ فِي حُكْمِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَظَاهِرٌ: هُوَ السِّمَةُ اللازِمَةُ فِي حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ، وَهُوَ أَمَارَةٌ مُخِيلَةٌ غَيْرُ مُفِيدَةٍ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، إِنَّمَا عُومِلُوا بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ، وَتَعَبَّدُوا بِهَذَا التَّعَبُّدِ، لِيَتَعَلَّقَ خَوْفُهُمْ بِالْبَاطِنِ الْمُغَيَّبِ عَنْهُمْ، وَرَجَاؤُهُمْ بِالظَّاهِرِ الْبَادِي لَهُمْ، وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ مَدْرَجَتَا الْعُبُودِيَّةِ، لِيَسْتَكْمِلُوا بِذَلِكَ صِفَةَ الإِيمَانِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ كُلا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَأَنَّ عَمَلَهُ فِي الْعَاجِلِ دَلِيلُ مَصِيرِهِ فِي الآجِلِ، وَتَلا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [اللَّيْل: 5]، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [اللَّيْل: 8] وَهَذِهِ الأُمُورُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ عِلْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 23]. وَاطْلُبْ نَظِيرَهُ مِنْ أَمْرَيْنِ: مِنَ الرِّزْقِ الْمَقْسُومِ مَعَ الأَمْرِ بِالْكَسْبِ، وَمِنَ الأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فِي الْعُمْرِ مَعَ الْمُعَالَجَةِ بِالطِّبِّ، فَإِنَّكَ تَجِدُ الْمُغَيَّبَ فِيهِمَا عِلَّةً مُوجِبَةً، وَالظَّاهِرَ الْبَادِيَ سَبَبًا مُخِيلا، وَقَدِ اصْطَلَحَ النَّاسُ خَوَاصُّهُمْ وَعَوَامُّهُمْ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِمَا لَا يُتْرَكُ بِالْبَاطِنِ، هَذَا مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ رَحمَه الله تَعَالَى

73 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُونَ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرِ اللَّهِ، وَسَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ، أَوِ الْكَيْسُ وَالْعَجْزُ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ وَطَاوُسٌ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ طَاوُسُ بْنُ كَيْسَانَ الْهَمْدَانِيُّ الْخَوْلانِيُّ مِنْ أَبْنَاءِ الْفُرْسِ مِنْ تَابِعِي الْيَمَنِ، أَدْرَكَ خَمْسِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، حَجَّ أَرْبَعِينَ حَجَّةً، مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ. وَالْكَيْسُ: الْعَقْلُ 74 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ،

قَالَ: جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الآنَ، أَرَأَيْتَ عُمْرَتَنَا هَذِهِ، أَلِعَامِنَا هَذِهِ، أَمْ لِلأَبَدِ؟ قَالَ: «بَلْ لِلأَبَدِ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الآنَ، فِيمَ الْعَمَلُ الْيَوْمَ؟ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، أَوْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؟ قَالَ: «بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ»، قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟، قَالَ زُهَيْرٌ: فَقَالَ كَلِمَةً خَفِيَتْ عَلَيَّ، فَسَأَلْتُ عَنْهَا نَسِيبِي بَعْدُ، فَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهَا، فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَإِنَّ كُلا مُيَسَّرٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ، مَوْلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ الْقُرَشِيُّ، مَاتَ قَبْلَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِسَنَةٍ، وَمَاتَ عَمْرٌو سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ

75 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَى الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَ: " فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَى 76 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ،

أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَاللِّسَانُ يَزْنِي، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلانِ تَزْنِيَانِ، يُحَقِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالْعَلاءُ هُوَ الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيُّ، مَوْلَى الْحُرَقَةِ، وَحُرْقَةُ مِنْ جُهَيْنَةَ، يُقَالُ: مَاتَ الْعَلاءُ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ 77 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، أَخْبَرَهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الْأَعْرَاف: 172]. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ "، فَقَالَ رَجُلٌ: فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بَيْنَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعُمَرَ رَجُلا

الذُّرِّيَّةُ جَمْعُهَا ذَرَارِيُّ مِنَ الذَّرِّ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْرَجَ الْخَلْقَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ كَالذَّرِّ حَتَّى أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ، أَيْ: خَلَقَهُمْ، فَتُرِكَ هَمْزُهُ

78 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ يُعْرَفُ بِالصَّيْرَفِيِّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الْبَلْخِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ الشَّطَوِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَدْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةَ صَبِيٍّ مِنْ صِبْيَانِ الأَنْصَارِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: طُوبَى لَهُ، عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُدْرِيكِ؟ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلا، وَهُمْ فِي أَصْلابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ النَّارَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلا، وَهُمْ فِي أَصْلابِ آبَائِهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ،

عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ قَالَ الشَّيْخُ، رَحِمَهُ اللهُ: الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ فَرْضٌ لازِمٌ، وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، كَتَبَهَا عَلَيْهِمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرَّعْد: 16]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [الْقَمَر: 49]. فَالإِيمَانُ وَالْكُفْرُ، وَالطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ، كُلُّهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَرْضَى الإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ، وَوَعَدَ عَلَيْهِمَا الثَّوَابَ، وَلا يَرْضَى الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ، وَأَوْعَدَ عَلَيْهِمَا الْعِقَابَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ

وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إِبْرَاهِيم: 27]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الْبَقَرَة: 253]، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الْحَج: 18]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الْأَنْعَام: 125]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَرَجُ: مَوْضِعُ الشَّجَرِ الْمُلْتَفِّ لَا تَصِلُ الرَّاعِيَةُ إِلَيْهِ، فَقَلْبُ الْكَافِرِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْحِكْمَةُ، وَكُلُّ ضَيِّقٍ حَرَجٌ وَحَرِجٌ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الْبَقَرَة: 7] أَيْ طَبَعَ عَلَيْهَا، فَلا تَعْقِلُ وَلا تَعِي خَيْرًا، وَمَعْنَى الْخَتْمِ: التَّغْطِيَةُ عَلَى الشَّيْءِ، وَالاسْتِيثَاقُ مِنْهُ حَتَّى لَا يَدْخُلُهُ شَيْءٌ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الْإِسْرَاء: 45]، قِيلَ: الْمَسْتُورُ هَهُنَا بِمَعْنَى السَّاتِرِ،

وَالْحِجَابُ: الطَّبْعُ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7]. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَالْعَبْدُ لَهُ كَسْبٌ، وَكَسْبُهُ مَخْلُوقٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ حَالَةَ مَا يَكْسِبُ، وَالْقَدَرُ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ مَلَكًا مُقَرَّبًا، وَلا نَبِيًّا مُرْسَلا، لَا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِيهِ، وَالْبَحْثُ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ، بَلْ يُعْتَقَدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ، فَجَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ: أَهْلَ يَمِينٍ خَلَقَهُمْ لِلنَّعِيمِ فَضْلا، وَأَهْلَ شِمَالٍ خَلَقَهُمْ لِلْجَحِيمِ عَدْلا. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الْأَعْرَاف: 179]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} [الْأَعْرَاف: 37]، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا قُدِّرَ لَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمِنَ الشِّقْوَةِ وَالسَّعَادَةِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] قَالَ مُجَاهِدٌ: بِمُضِلِّينَ {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] إِلا مَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الْأَعْرَاف: 29]. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَمَا كَتَبَ عَلَيْكُمْ تَكُونُونَ {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الْأَعْرَاف: 30]. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الْإِنْسَان: 3]. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [الْبَلَد: 10] أَيْ: طَرِيقَ الْخَيْرِ، وَطَرِيقَ الشَّرِّ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى لَمْ يَخْلُقْ إِبْلِيسَ، وَيُرْوَى هَذَا مَرْفُوعًا.

وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السَّجْدَة: 13]. فَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِطِيبِ الْمُكْتَسَبِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ بِفَضْلِهِ. قَالَ طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ: اجْتَنِبُوا الْكَلامَ فِي الْقَدَرِ، فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ فِيهِ يَقُولُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا فَأَبْغَضَهُ، وَمَا أَبْغَضَهُ فَأَحَبَّهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْبُدُ الأَوْثَانَ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَعِيدٌ.

باب الأمور بمشيئة الله سبحانه وتعالى

بَابُ الأُمُورِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْأَنْعَام: 111]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْإِنْسَان: 30]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا {23} إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْكَهْف: 23 - 24]. حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، قَالَ: إِذَا نَسِيَ الإِنْسَانُ أَنْ يَقُولَ: «إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، فَتَوْبَتُهُ: {عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الْكَهْف: 24]. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [الْقَلَم: 28]، أَيْ: تَسْتَثْنُونَ، كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ الآيَةِ: {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [الْقَلَم: 18] سُمِّيَ الاسْتِثْنَاءُ تَسْبِيحًا، لأَنَّ التَّسْبِيحَ تَعْظِيمُ اللَّهِ وَتَنْزِيهُهُ، وَفِي الاسْتِثْنَاءِ تَعْظِيمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالإِقْرَارُ بِأَنَّهُ لَا يَشَاءُ أَحَدٌ شَيْئًا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

79 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ سُلَيْمَانُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا، فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ شَبَابَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَقَالَ طَاوُسٌ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "، لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، قَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمْ يَقُلْ، وَنَسِيَ

وَالأَعْرَجُ هُوَ أَبُو دَاوُدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزٍ الْمَدَنِيُّ، مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبُو الزِّنَادِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، مَوْلًى لآلِ عُثْمَانَ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَقَبُهُ أَبُو الزِّنَادِ. وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُوسَى وَكَلَّمَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّكَ رَبٌّ عَظِيمٌ، لَوْ شِئْتَ أَنْ تُطَاعَ لأُطِعْتَ، وَلَوْ شِئْتَ أَنْ لَا تُعْصَى مَا عُصِيتَ، وَأَنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَاعَ، وَأَنْتَ فِي ذَلِكَ تُعْصَى، فَكَيْفَ هَذَا يَا رَبِّ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ: «إِنِّي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْأَلُونَ، فَانْتَهَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ».

باب الأعمال بالخواتيم

بَابُ الأَعْمَالِ بِالْخَوَاتِيمِ 80 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا أَبُو غَسَّانَ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّهُ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ الأَنْصَارِيِّ هُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَدَنِيُّ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ. وَأَبُو حَازِم اسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ الأَعْرَجُ الْمَدَنِيُّ، مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ الْمَخْزُومِيِّ

باب وعيد القدرية

بَابُ وَعِيدِ الْقَدَرِيَّةِ 81 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَرِينَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ غَالِبُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، أَنا أَبُو مَعْشَرٍ يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ يَعْقُوبَ، نَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ، نَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، نَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ السَّهْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ: " جَاءَتْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاصِمُونَهُ فِي الْقَدَرِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} [الْقَمَر: 47]، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [الْقَمَر: 49] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ،

عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَوْلُهُ: {فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} [الْقَمَر: 47]، قِيلَ: فِي أَمْرٍ يُسْعِرُ، أَيْ: يُلْهبُ، وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: فِي جُنُونٍ، يُقَالُ: نَاقَةٌ مَسْعُورَةٌ، إِذَا كَانَ بِهَا جُنُونٌ، وَقِيلَ: سُعُرٌ: جَمْعُ سَعِيرٍ 82 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُعُودٌ، إِذْ جَاءَهُ إِنْسَانٌ، فَقَالَ: إِنَّ فُلانًا يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَلا تَقْرَأْ عَلَيْهِ مِنِّي السَّلامَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَكُونَ فِي أُمَّتِي مَسْخٌ وَخَسْفٌ، وَهُوَ فِي الزَّنْدَقَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ»،

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ، إِنْ مَرِضُوا فَلا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلا تَشْهَدُوهُمْ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِبْلِيسَ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يُصِيبُكَ إِلا مَا قُدِّرَ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ إِبْلِيسُ: فَأَوْفِ بِذِرْوَةِ الْجَبَلِ، أَيِ اصْعَدْ فَتَرَدَّ فِيهِ، فَانْظُرْ أَتَعِيشُ أَمْ لَا؟، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ: «لَا يُجَرِّبْنِي عَبْدِي، فَإِنِّي أَفْعَلُ مَا شِئْتُ».

باب أطفال المشركين

بَابُ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ 83 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْبَصْرِيُّ، نَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلادِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا فَاعِلِينَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْقُرَشِيُّ أَبُو الْحَارِثِ مَدَنِيٌّ 84 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَيُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ 84 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يُولَدُ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تُنْتِجُونَ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. ح أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ،

أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ لَا يُحْكَمُ لَهُمْ بِجَنَّةٍ وَلا نَارٍ، بَلْ أَمْرُهُمْ مَوْكُولٌ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَجُمْلَةُ الأَمْرِ أَنَّ مَرْجِعَ الْعِبَادِ فِي الْمَعَادِ إِلَى مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ.

وَقِيلَ: حُكْمُ أَطْفَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ حُكْمُ آبَائِهِمْ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ مُفَسَّرًا عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «مِنْ آبَائِهِمْ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِلا عَمَلٍ؟ قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ». قُلْتُ: فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: «مِنْ آبَائِهِمْ». قُلْتُ: بِلا عَمَلٍ؟! قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ». وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ: أَوْلادُ الْمُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ الْحَسَنُ: مَا تَعْجَبُونَ! أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ، وَأَكْرَمَ بِهِمْ. وَقَوْلُهُ: «مَنْ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ»، أَصْلُ الْفِطْرَةِ فِي اللُّغَةِ: ابْتِدَاءُ الْخِلْقَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 1] أَيْ: مُبْتَدِيهَا، يُقَالُ: فَطَرَ نَابُ الْبَعِيرِ: إِذَا طَلَعَ أَوَّلَ مَا نَبَتَ. قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: هَذَا عِنْدَنَا حَيْثُ أَخَذَ اللَّهُ

عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ فِي أَصْلابِ آبَائِهِمْ، فَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الْأَعْرَاف: 172]. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى قَوْلِ حَمَّادٍ فِي هَذَا حُسْنٌ، وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ الْمُكْتَسَبُ بِالإِرَادَةِ وَالْفِعْلِ، أَلا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ». يَعْنِي: فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، فَهُوَ مَعَ وُجُودِ الإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ فِيهِ، مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ: أَنَّ الْفِطْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الْعَهْدُ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الْأَعْرَاف: 172]، وَكُلٌّ مُقِرٌّ بِأَنَّ لَهُ صَانِعًا مُدَبِّرًا، وَإِنْ عَبَدَ مَا سِوَاهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] وَقَالُوا: أَيِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] وَكُلُّ مَوْلُودٍ فِي الْعَالَمِ عَلَى ذَلِكَ الإِقْرَارِ، وَهُوَ الْحَنِيفِيَّةُ الَّتِي وَقَعَتِ الْخِلْقَةُ عَلَيْهَا. قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي جَمِيعًا حُنَفَاءَ، فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِمْ»، وَذَلِكَ الإِقْرَارُ لَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ

ثَوَابٌ وَلا حُكْمٌ، أَلا تَرَى أَنَّ الطِّفْلَ مَحْكُومٌ بِدِينِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ، فَإِذَا مَلَكَهُ مُسْلِمٌ، حُكِمَ لَهُ بِدِينِ مَالِكِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلا عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلامِ حَتَّى يُعْرِبَ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ». أَرَادَ بِهِ الْفِطْرَةَ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا أَهْلُ الإِسْلامِ، حَيْثُ قَالُوا: بَلَى، وَلا يَبْتَنِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ذَهَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ حِينَ سُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: تَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ حِينَ سُئِلَ عَنِ الأَطْفَالِ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»، يُرِيدُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ مِنَ الْبَشَرِ إِنَّمَا يُولَدُ عَلَى فِطْرَتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ صَائِرٌ فِي الْعَاقِبَةِ إِلَى مَا فُطِرَ عَلَيْهِ، وَعَامِلٌ فِي الدُّنْيَا بِالْعَمَلِ الْمُشَاكِلِ لِفِطْرَتِهِ فِي السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ. فَمِنْ أَمَارَاتِ الشَّقَاوَةِ لِلطِّفْلِ أَنْ يُولَدَ بَيْنَ يَهُودِيَّيْنِ أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ، فَيَحْمِلانَهُ لِشَقَائِهِ عَلَى اعْتِقَادِ دِينِهِمَا، فَيَنْشَأُ عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ، فَيَصِفَ الدِّينَ، فَهُوَ مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ وَالِدَيْهِ.

قَالَ الشَّيْخُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الرّوم: 30] أَيْ: لَا تَبْدِيلَ لِتِلْكَ الْخِلْقَةِ الَّتِي خَلَقَهُمْ لَهَا مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، وَخَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ». قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ مِنَ الْبَشَرِ إِنَّمَا يُولَدُ فِي مَبْدَإِ الْخِلْقَةِ عَلَى الْفِطْرَةِ، أَيْ: عَلَى الْجِبِلَّةِ السَّلِيمَةِ، وَالطَّبْعِ الْمُتَهَيِّئِ لِقَبُولِ الدِّينِ، فَلَوْ تُرِكَ عَلَيْهَا، لاسْتَمَرَّ عَلَى لُزُومِهَا، وَلَمْ يُفَارِقْهَا إِلَى غَيْرِهَا، لأَنَّ هَذَا الدِّينَ مَوْجُودٌ حُسْنُهُ فِي الْعُقُولِ، وَبِشْرُهُ فِي النُّفُوسِ، وَإِنَّمَا يَعْدِلُ عَنْهُ مَنْ يَعْدِلُ إِلَى غَيْرِهِ لآفَةٍ مِنْ آفَاتِ النّشُوءِ وَالتَّقْلِيدِ، فَلَوْ سَلِمَ الْمَوْلُودُ مِنْ تِلْكَ الآفَاتِ لَمْ يَعْتَقِدْ غَيْرَهُ، ثُمَّ تَمَثَّلَ بِأَوْلادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَاتِّبَاعِهِمْ لآبَائِهِمْ، وَالْمَيْلِ إِلَى أَدْيَانِهِمْ، فَيَزُولُونَ بِذَلِكَ عَنِ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَعَنِ الْمَحَجَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ. وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُوجِبُ حُكْمَ الإِيمَانِ لَهُ، إِنَّمَا هُوَ ثَنَاءٌ عَلَى هَذَا الدِّينِ، وَإِخْبَارٌ عَنْ سِرِّ مَحَله مِنَ الْعُقُولِ، وَحُسْنِ مَوْقِعِهِ فِي النُّفُوسِ. هَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي كِتَابِهِ.

85 - قَالَ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعَبْسِيُّ الْقَصَّارُ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا عَلَى الْمِلَّةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُشَرِّكَانِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ الشَّيْخُ: وَفِي قَوْلِهِ حِينَ سُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ مِنْهُمْ صَغِيرًا: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» إِثْبَاتُ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا كَانَ، وَبِمَا يَكُونُ، وَبِمَا لَمْ يَكُنْ، لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، لأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ عِلْمِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ صِغَارًا بِعَمَلِهِمْ لَوْ بَقُوا أَحْيَاءً وَكَبُرُوا.

باب قول الله سبحانه وتعالى

بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الْأَنْعَام: 110]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الْأَنْفَال: 24]. قِيلَ: مَعْنَاهُ: يَمْلِكُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، فَيَصْرِفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ. 86 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الْقُرَشِيُّ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ.

87 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْقَلْبِ كَرِيشَةٍ بِأَرْضٍ فَلاةٍ تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ» غُنَيْمُ بْنُ قَيْسٍ أَبُو الْعَنْبَرِ الْمَازِنِيُّ، بَصْرِيٌّ. 88 - قَالَ الإِمَامُ الْحَسَنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ،

أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «الْقُلُوبُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا»، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 89 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ الأَنْمَاطِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ، نَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلابِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، إِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ». قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ الْقُرَشِيُّ يُعْرَفُ بِابْنِ الرَّوَّاسِ الْكَبِيرِ، بِدِمَشْقَ، نَا أَبُو مُسْهِرٍ عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ الْغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ

قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ سَعَادَتِهِ أَوْ شَقَاوَتِهِ، بَلْ إِنِ اهْتَدَى، فَبِهِدَايَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَإِنْ ثَبَتَ عَلَى الإِيمَانِ فَبِتَثْبِيتِهِ، وَإِنْ ضَلَّ فِبِصَرْفِهِ عَنِ الْهُدَى. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} [الحجرات: 17]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ حَمْدِ أَهْلٍ الْجَنَّةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الْأَعْرَاف: 43] وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إِبْرَاهِيم: 27]. 90 - قَالَ الإِمَامُ الْحَسَنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَأَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا مَا نُحِبُّ، فَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى أَهْلِينَا، فَخَالَطْنَاهُمْ أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الْخَلاءِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُظِلَّكُمْ بِأَجْنِحَتِهَا عِيَانًا».

هَذَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ حَنْظَلَةَ الأُسَيْدِيِّ، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً»، ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ يَأْخُذُ بِيَدِي، وَيَقُولُ: تَعَالَ نُؤْمِنْ سَاعَةً إِنَّ الْقَلْبَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلْيًا. قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: وَالإِصْبَعُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَالنَّفْسِ، وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ، وَالْيَدِ، وَالرِّجْلِ، وَالإِتْيَانِ، وَالْمَجِيءِ، وَالنُّزُولِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، وَالضَّحِكِ، وَالْفَرَحِ.

قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمُوسَى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [الْقَصَص: 88]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرَّحْمَن: 27]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [الْمَائِدَة: 64]، وَقَالَ: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]، {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [الْبَقَرَة: 210]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الْفجْر: 22]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الْفرْقَان: 59]. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ». وَرَوَى أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ

الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ: «فَيَضْحَكُ اللَّهُ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ». وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ». وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَغَيْرِهِ: «اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدٍ مِنْ أَحَدِكُمْ يَسْقُطُ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاةٍ». فَهَذِهِ وَنَظَائِرُهَا صِفَاتٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَدَ بِهَا السَّمْعُ، يَجِبُ الإِيمَانُ بِهَا، وَإِمْرَارُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا مُعْرِضًا فِيهَا عَنِ التَّأْوِيلِ، مُجْتَنِبًا عَنِ التَّشْبِيهِ، مُعْتَقِدًا أَنَّ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُشْبِهُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ صِفَاتِ الْخَلْقِ، كَمَا لَا تُشْبِهُ ذَاتُهُ ذَوَاتِ الْخَلْقِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

وَعَلَى هَذَا مَضَى سَلَفُ الأُمَّةِ وَعُلَمَاءُ السُّنَّةِ، تَلَقَّوْهَا جَمِيعًا بِالإِيمَانِ وَالْقَبُولِ، وَتَجَنَّبُوا فِيهَا عَنِ التَّمْثِيلِ وَالتَّأْوِيلِ، وَوَكَلُوا الْعِلْمَ فِيهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمرَان: 7]. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، فَتَفْسِيرُهُ قِرَاءَتُهُ، وَالسُّكُوتَ عَلَيْهِ، لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرُسُلُهُ. وَسَأَلَ رَجُلٌ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَمَا أَرَاكَ إِلا ضَالًّا، وَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُخْرَجَ مِنَ الْمَجْلِسِ. وقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ فِي الصِّفَاتِ وَالرُّؤْيَةِ، فَقَالَ: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلا كَيْفٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ، وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: قَدَمُ الإِسْلامِ لَا تَثْبُتُ إِلا عَلَى قَنْطَرَةِ التَّسْلِيمِ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [الْبَقَرَة: 29] ارْتَفَعَ فَسَوَّى خَلْقَهُنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اسْتَوَى} [الْبَقَرَة: 29]: عَلا عَلَى الْعَرْشِ.

باب الرد على الجهمية

بَابُ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [الْقَصَص: 88]، سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ شَيْئًا. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الْأَنْعَام: 19]. وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ شَيْئًا، فَقَالَ لِرَجُلٍ: «أَمَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ»؟ قَالَ: نَعَمْ. 91 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ

إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ الْخَوَارِزْمِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَنا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهَا لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَقَالَ: «يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ»، وَقَالَ: «حِجَابُهُ النَّارُ»، وَزَادَ: ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ: {بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النَّمْل: 8]

وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَمَلِيُّ، كُوفِيٌّ مُرَادِيٌّ، وَكَانَ أَعْمَى. وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، يُقَالُ: اسْمُهُ عَامِرٌ، وَيُقَالُ: لَا اسْمَ لَهُ ". قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ»، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْمِيزَانَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الْأَنْبِيَاء: 47] أَيْ: ذَوَاتِ الْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ، وَسُمِّيَ الْمِيزَانُ قِسْطًا، لأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْقِسْمَةِ يَقَعُ بِهِ، وَأَرَادَ أَنَّ اللَّهَ يَخْفِضُ الْمِيزَانَ وَيَرْفَعُهُ بِمَا يُوزَنُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ الْمَرْفُوعَةِ إِلَيْهِ، وَبِمَا يُوزَنُ مِنْ أَرْزَاقِهِمُ النَّازِلَةِ مِنْ عِنْدِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الْحجر: 21] وَهَذَا مَثَلٌ فِيمَا يُدَبِّرُهُ مِنْ أَمْرِ الْخَلْقِ، وَيُنْشِئُهُ مِنْ حُكْمِهِ فِيهِمْ، يَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ، وَهُوَ الْخَافِضُ الرَّافِعُ، الْحَكَمُ الْعَدْلُ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْقِسْطِ: الرِّزْقَ الَّذِي هُوَ قِسْطُ كُلِّ مَخْلُوقٍ، يَخْفِضُهُ مَرَّةً فَيُقْتِرُهُ، وَيَرْفَعُهُ مَرَّةً فَيَبْسُطُهُ، يُرِيدُ أَنَّهُ مُقَدِّرُ الرِّزْقِ وَقَاسِمُهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرَّعْد: 26]. وَقَوْلُهُ: «سُبُحَاتِ وَجْهِهِ»، أَيْ: نُورُ وَجْهِهِ، وَيُقَالُ: جَلالُ وَجْهِهِ، وَمِنْهَا قِيلَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ»، إِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمٌ لَهُ وَتَنْزِيهٌ، وَقَوْلُ: «سُبْحَانَكَ»، أَيْ: أُنَزِّهُكَ يَا رَبِّ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمَعْنَى الْكَلامِ أَنَّهُ لَمْ يُطْلِعِ الْخَلْقَ مِنْ جَلالِ عَظَمَتِهِ إِلا عَلَى مِقْدَارِ مَا تُطِيقُهُ قُلُوبُهُمْ، وَتَحْتَمِلُهُ قُوَاهُمْ، وَلَوْ أَطْلَعَهُمْ عَلَى كُنْهِ عَظَمَتِهِ، لانْخَلَعَتْ أَفْئِدَتُهُمْ، وَزَهَقَتْ أَنْفُسُهُمْ، وَلَوْ سَلَّطَ نُورَهُ عَلَى الأَرْضِ وَالْجِبَالِ، لاحْتَرَقَتْ وَذَابَتْ، كَمَا قَالَ فِي قِصَّةِ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الْأَعْرَاف: 143]. 92 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ : أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا خَالُ وَالِدِي أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُهِكَتِ الأَنْفُسُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، وَهَلَكَتِ الأَمْوَالُ، فَاسْتَسْقِ لَنَا رَبَّكَ، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، وَبِكَ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ». فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ! أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟، إِنَّ شَأْنَهُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، إِنَّهُ لَفَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَإِنَّهُ عَلَيْهِ

لَهَكَذَا». وَأَشَارَ وَهْبٌ بِيَدِهِ، مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ «وَأَشَارَ أَبُو الأَزْهَرِ أَيْضًا»، إِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ وَجُبَيْرٌ هُوَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدٌ، وَابْنُهُ جُبَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حِجَازِيُّونَ. قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا حَدِيثٌ أَوْرَدَهُ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ فِي بَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، بِإِسْنَادِ أَبِي الأَزْهَرِ وَمَعْنَاهُ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ لَهَكَذَا» أَوْ قَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ، «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ». قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: «وَإِنَّهُ عَلَيْهِ لَهَكَذَا» فِي رِوَايَةِ أَبِي الأَزْهَرِ. وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّ الْكَيْفِيَّةَ عَنِ اللَّهِ، وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلامُ تَقْرِيبٍ أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيرُ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلالِهِ مِنْ حَيْثُ يُدْرِكُهُ فَهْمُ السَّائِلِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟» مَعْنَاهُ: أَتَدْرِي مَا عَظَمَةُ اللَّهِ وَجَلالُهُ؟.

وَقَوْلُهُ: «إِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ» مَعْنَاهُ: لَيَعْجَزُ عَنْ جَلالِهِ وَعَظَمَتِهِ حَتَّى يَئِطَّ بِهِ إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ إِنَّمَا يَكُونُ لِقُوَّةِ مَا فَوْقَهُ، وَلِعَجْزِهِ عَنِ احْتِمَالِهِ «، وَمَنْ» بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّمْثِيلِ عِنْدَهُ مَعْنَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلالِهِ، وَارْتِفَاعِ عَرْشِهِ، لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِعُلُوِّ الشَّأْنِ، وَجَلالَةِ الْقَدْرِ لَا يُجْعَلُ شَفِيعًا إِلَى مَا هُوَ دُونَهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِشَيْءٍ، أَوْ مُكَيَّفًا بِصُورَةِ خَلْقٍ، أَوْ مُدْرَكًا بِحَدٍّ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. قَالَ الشَّيْخُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْوَاجِبُ فِيهِ وَفِي أَمْثَالِه الإِيمَانُ بِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَالتَّسْلِيمُ، وَتَرْكُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْعَقْلِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَظِيمٌ لَهُ عَظَمَةٌ، كَبِيرٌ لَهُ كِبْرِيَاءُ، عَزِيزٌ لَهُ عِزَّةٌ، حَيٌّ لَهُ حَيَاةٌ، بَاقٍ لَهُ بَقَاءٌ، عَالِمٌ وَلَهُ عِلْمٌ، وَمُتَكَلِّمٌ وَلَهُ كَلامٌ، قَوِيٌّ لَهُ قُوَّةٌ، وَقَادِرٌ وَلَهُ قُدْرَةٌ، وَسَمِيعٌ وَلَهُ سَمْعٌ، بَصِيرٌ لَهُ بَصَرٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الْوَاقِعَة: 74]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الْحَج: 62]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الجاثية: 37]،

وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النِّسَاء: 158]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: " وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ". وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} [غَافِر: 65]، {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111]. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرَّحْمَن: 27]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [الْقَصَص: 88]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [سبأ: 3]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النِّسَاء: 17]، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النِّسَاء: 166]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} [الْبَقَرَة: 255]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّسَاء: 164]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الْفَتْح: 15]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الْحَج: 40]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [

الذاريات: 58]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} [الْأَنْعَام: 65]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْبَقَرَة: 20]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [الْقَمَر: 55]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النِّسَاء: 134]، وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهَا لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ». وَيَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ اسْمُهُ قَدِيمٌ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، لَا يَجُوزُ لَهُ اسْمٌ حَادِثٌ، وَلا صِفَةٌ حَادِثَةٌ، كَانَ اللَّهُ خَالِقًا وَلا مَخْلُوقَ، وَرَبًّا وَلا مَرْبُوبَ، وَمَالِكًا وَلا مَمْلُوكَ، كَمَا هُوَ الآخِرُ قَبْلَ فَنَاءِ الْعَالَمِ، وَالْوَارِثُ قَبْلَ فَنَاءِ الْخَلْقِ، وَالْبَاعِثُ قَبْلَ مَجِيءِ الْبَعْثِ، وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُشْبِهُ أَسْمَاءَ الْعِبَادِ، لأَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَأَسْمَاءَ الْعِبَادِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: «أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي»:

فَبَيَّنَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُحْدَثَ لَهُ اسْمٌ بِحُدُوثِ فِعْلِهِ، وَلا يُعْتَقَدُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهَا هُوَ وَلا غَيْرُهُ، بَلْ هِيَ صِفَاتٌ لَهُ أَزَلِيَّةٌ، لَمْ يَزَلْ جَلَّ ذِكْرُهُ، وَلا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَلا يَبْلُغُ الْوَاصِفُونَ كُنْهَ عَظَمَتِهِ، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

باب الرد على من قال بخلق القرآن

بَابُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الجاثية: 29]. فَالْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ، وَتَنْزِيلُهُ وَصِفَتُهُ، لَيْسَ بِخَالِقٍ، وَلا مَخْلُوقٍ، وَلا مُحْدَثٍ وَلا حَادِثٍ، مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ، مَحْفُوظٌ فِي الْقُلُوبِ، مَتْلُوٌّ بِالأَلْسُنِ، مَسْمُوعٌ بِالآذَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحجر: 9]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالطُّورِ {1} وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ {2} فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ {3}} [الطّور: 1 - 3]، وَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيدٌ {21} فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ {22}} [البروج: 21 - 22]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ} [

الشُّعَرَاء: 193 - 194]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {91} وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْءَانَ} [النَّمْل: 91 - 92]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الْأَحْزَاب: 34]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [الْقَمَر: 17]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْلا أَنْ يَسَّرَهُ عَلَى لِسَانِ الآدَمِيِّينَ مَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلامِ اللَّهِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التَّوْبَة: 6]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ} [الْأَحْقَاف: 29]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا {1} يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الْجِنّ: 1 - 2]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الْأَنْبِيَاء: 2]، لَيْسَ ذَلِكَ حَدَثَ الْخَلْقِ، إِنَّمَا هُوَ حُدُوثُ

أَمْرٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطَّلَاق: 1]، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاةِ». وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الْأَنْبِيَاء: 2]. يُرِيدُ: ذِكْرَ الْقُرْآنِ لَهُمْ، وَتِلاوَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَعِلْمَهُمْ بِهِ، كُلُّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ، فَالْمَذْكُورُ الْمَتْلُوُّ الْمَعْلُومُ غَيْرُ مُحْدَثٍ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الْعَبْدِ لِلَّهِ مُحْدَثٌ، وَالْمَذْكُورُ غَيْرُ مُحْدَثٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28]، قَالَ: غَيْرَ مَخْلُوقٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: بَيَّنَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنَ الأَمْرِ، فَقَالَ تَعَالَى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الْأَعْرَاف: 54].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ {1} عَلَّمَ الْقُرْءَانَ {2} خَلَقَ الإِنْسَانَ {3}} [الرَّحْمَن: 1 - 3]، فَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مَعَ الإِنْسَانِ فِي الْخَلْقِ، بَلْ أَوْقَعَ اسْمَ الْخَلْقِ عَلَى الإِنْسَانِ، وَالتَّعْلِيمَ عَلَى الْقُرْآنِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الْكَهْف: 109]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لُقْمَان: 27]. 93 - قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ، قَالَ: " مَا نِمْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي أَمْثَالِهِ مِمَّا جَاءَ فِيهِ الاسْتِعَاذَةُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَلامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَ بِهِ، كَمَا اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ {97} وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ {98}} [الْمُؤْمِنُونَ: 97 - 98]، وَقَالَ: {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وَقَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». وَاسْتَعَاذَ بِصِفَاتِهِ، كَمَا جَاءَ فِي دُعَاءِ الْمُشْتَكِي " قُلْ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ، وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ ". وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ بِمَخْلُوقٍ مِنْ مَخْلُوقٍ. وَبَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ» عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، لأَنَّهُ مَا مِنْ مَخْلُوقٍ إِلا وَفِيهِ نَقْصٌ. وَقِيلَ: كَلِمَاتُ اللَّهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْقُرْآنُ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: صَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ رَبَّ الْقُرْآنِ

الْعَظِيمِ اغْفِرْ لَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَقُلْ مِثْلَ هَذَا، إِنَّ الْقُرْآنَ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ. قَالَ الشَّيْخُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ مَضَى سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَعُلَمَاءُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، وَوَحْيُهُ وَلَيْسَ بِخَالِقٍ وَلا مَخْلُوقٍ، وَالْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ضَلالَةٌ وَبِدْعَةٌ، لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَا أَحَدٌ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَخَالَفَ الْجَمَاعَةَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، فَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسَرِيُّ بِذَلِكَ، فَخَطَبَ بِوَاسِطٍ فِي يَوْمِ أَضْحًى، وَقَالَ: ارْجِعُوا أَيُّهَا النَّاسُ، فَضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ، ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ. وَكَانَ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ صَاحِبُ الْجَهْمِيَّةِ أَخَذَ هَذَا الْكَلامَ مِنَ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: سَمِعْتُ مَشْيَخَتَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً، يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.

وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: أَقُولُ فِيهِ مَا يَقُولُ أَبِي وَجَدِّي: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلا مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلامُ اللَّهِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْمُقْرِئُ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: عِنْدِي كَافِرٌ فَاقْتُلُوهُ. وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُشَيْمٍ، وَعَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، مِثْلَهُ. وَقِيلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ أَرَادُوا أَنْ يَنْفُوا أَنْ يَكُونَ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَأَرَادُوا أَنْ يَنْفُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ كَلَّمَ مُوسَى، وَأَرَادُوا أَنْ يَنْفُوا أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ كَلامَ اللَّهِ، أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا وَإِلا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ، يَقُولُ: لَمَّا كَلَّمَ الشَّافِعِيُّ حَفْصَ الْفَرْدِ، فَقَالَ حَفْصٌ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ. فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَفَرْتَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْيَمِينُ لَا تَنْعَقِدُ إِلا بِاللَّهِ، أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَلا تَنْعَقِدُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَالْيَمِينُ بِاللَّهِ، كَقَوْلِهِ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَالَّذِي أَعْبُدُهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالْيَمِينُ بِأَسْمَائِهِ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ، وَالرَّحْمَنِ، وَالْخَالِقِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالْيَمِينُ بِصِفَاتِهِ كَقَوْلِهِ: وَعِزَّةِ اللَّهِ، وَجَلالِ اللَّهِ، وَكَلامِ اللَّهِ، وَعِلْمِ اللَّهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَحَكَى الرَّبِيعُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، فَحَنِثَ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ، وَعَظَمَةِ اللَّهِ، وَجَلالِ اللَّهِ، وَقُدْرَةِ اللَّهِ يُرِيدُ بِهَا الْيَمِينَ، أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ، فَهُوَ يَمِينٌ، وَمَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَالْكَعْبَةِ، وَأَبِي، فَحَنِثَ فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لأَنَّ هَذَا مَخْلُوقٌ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.

باب الاعتصام بالكتاب والسنة

بَابُ الاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ {15} يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} [الْمَائِدَة: 15 - 16]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمرَان: 103]. حَبْلُ اللَّهِ: عَهْدُهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ: هُوَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ، وَتَرْكُ الْفُرْقَةِ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر: 55]، يَعْنِي: اتَّبِعُوا الْقُرْآنَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر: 23]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]. قَالَ الْحَسَنُ: تَدَبُّرُ آيَاتِهِ: اتِّبَاعُهُ، وَالْعَمَلُ بِعِلْمِهِ، مَا هُوَ بِحِفْظِ حُرُوفِهِ، وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} [الْبَقَرَة: 121]، قَالَ: يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلٍ بِهِ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ} [إِبْرَاهِيم: 52]، يَعْنِي: هَذَا الْقُرْآنُ ذُو بَلاغٍ، أَيْ: ذُو بَيَانٍ كَافٍ، وَالْبَلاغَةُ: هِيَ الْبَيَانُ الْكَافِي. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ} [النِّسَاء: 82]، أَيْ: لَا يَتَفَكَّرُونَ فَيَعْتَبِرُوا، يُقَالُ: تَدَبَّرْتُ الأَمْرَ: إِذَا نَظَرْتُ فِي أَدْبَارِهِ وَعَوَاقِبِهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 68]، أَيْ: لَمْ يَتَفَهَّمُوا مَا خُوطِبُوا بِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ اللَّهُ: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا} [طه: 113]، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113]، أَيْ: تَذَكُّرًا. وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]. قِيلَ: مَعْنَاهُ: مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحِكَمِ إِلَى أَقَاوِيلِ الْمُضِلِّينَ وَأَبَاطِيلِهِمْ نُعَاقِبْهُ بِشَيْطَانٍ نُقَيِّضُهُ لَهُ حَتَّى يُضِلَّهُ وَيُلازِمَهُ قَرِينًا لَهُ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النُّور: 63]. قَالَ مُجَاهِدٌ: أُمِرُوا أَنْ يَدْعُوهُ فِي لِينٍ وَتَوَاضُعٍ. وَقِيلَ: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ، إِذَا دَعَاكُمْ لأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ، كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا تُجِيبُونَ إِذَا شِئْتُمْ، وَتَمْتَنِعُونَ إِذَا شِئْتُمْ. وَسَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا مَسْأَلَةً، فَقَالَ مَالِكٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . . " فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ؟ قَالَ مَالِكٌ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النُّور: 63] الآيَةَ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا} [الْأَنْعَام: 161]، أَيْ: مُسْتَقِيمًا. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النَّحْل: 9]، أَيْ: تَبْيِينُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالدُّعَاءُ إِلَيْهِ بِالْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ {وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النَّحْل: 9] أَيْ: طَرِيقٌ غَيْرُ قَاصِدٍ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ

أَطَاعَ اللَّهَ} [النِّسَاء: 80]، {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النُّور: 54]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الْحَشْر: 7]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [الْأَحْزَاب: 36]، أَيِ: الاخْتِيَارُ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الْأَحْزَاب: 21]، أَيْ: قُدْوَةٌ، يُقَالُ: تَأَسَّى بِهِ، أَيِ: اتَّبَعَ فِعْلَهُ، وَاقْتَدَى بِهِ، وَيُقَالُ لِلتَّعْزِيَةِ: التَّأْسِيَةُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَصَابَ فُلانًا مَا أَصَابَكَ، فَصَبَرَ، فَتَأَسَّ بِهِ وَاقْتَدِ. 94 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ، رَحِمَهُ الله، حَدَّثَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، أَنا يَزِيدُ، نَا سُلَيْمُ بْنُ حَيَّانَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، نَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: نَا أَوْ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: " جَاءَتْ مَلائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ،

فَقَالُوا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلا، فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ، دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ، لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ. فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا: فَالدَّارُ: الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي: مُحَمَّدٌ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا، فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ فَرَقَ بَيْنَ النَّاسِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَسَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ أَبُو الْوَلِيدِ الْمَكِّيُّ، مَوْلَى الْبَخْتَرِيِّ.

الْمَأْدُبَةُ صَنِيعٌ يَصْنَعُهُ الرَّجُلُ يَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ. وَالدَّاعِي مِنَ الدَّعْوَةِ، وَالْمَدْعَاةُ هِيَ الْوَلِيمَةُ. 95 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهْلِهِمْ، فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ، فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي، فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي، وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ "، هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَالنَّذِيرُ: الْمُخَوَّفُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الْفرْقَان: 1]، وَقَدْ يَأْتِي بِمَعْنَى الإِنْذَارِ، كَمَا قَالَ

اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الْملك: 17]، أَيْ: إِنْذَارِي. قَوْلُهُ: «أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ» مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّبِيئَةَ الَّذِي يَرْقُبُ الْعَدُوَّ، فَإِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ، نَزَعَ ثَوْبَهُ، فَأَلاحَ بِهِ يُنْذِرُ الْقَوْمَ، فَيَبْقَى عُرْيَانًا، أَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ يَعْدُو، فَيُخْبِرُ الْقَوْمَ، وَخَصَّ الْعُرْيَانَ، لأَنَّهُ أَبْيَنُ فِي الْعَيْنِ. وَقَوْلُهُ: «فَأَدْلَجُوا» الإِدْلاجُ بِالتَّخْفِيفِ: سَيْرُ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَبِالتَّشْدِيدِ: سَيْرُ آخِرِ اللَّيْلِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْتَاحَهُمْ»، أَيِ: اسْتَأْصَلَهُمْ، وَمِنْهُ الْجَائِحَةُ الَّتِي تُفْسِدُ الثِّمَارَ وَتُهْلِكُهَا. 96 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّمَّارُ بِبَغْدَادَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ ثَابِتٍ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ الْبَزَّازُ، نَا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا، قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا بِهَا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: " أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟

فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ الآخَرُ: أَنَا أَصُومُ النَّهَارَ، لَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الآخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ، فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " .. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ 97 - قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ، أَنا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَنا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، وَقَرَأَ: {

وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الْأَنْعَام: 153] " الآيَةَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ الأَسَدِيُّ، كُوفِيٌّ، يُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، رَوَى عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. 98 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، حَدَّثَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ سُؤَالُهُمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتَمِرُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي يَقَعْنَ فِي النَّارِ، يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ، فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، فَذَلِكَ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ

عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ اسْتَوْقَدَ: أَوْقَدَ، وَالْفَرَاشُ: مَا تَرَاهُ كَصِغَارِ الْبَقِّ يَتَهَافَتُ فِي النَّارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة: 4]. وَالْحُجَزُ: جَمْعُ حُجْزَةِ السَّرَاوِيلِ، وَيُقَالُ: فُلانٌ آخِذٌ بِحُزَّتِهِ، أَيْ بِعُنُقِهِ، وَيُقَالُ: بِحُجْزَتِهِ. 99 - قَالَ الشَّيْخُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا

هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ مَعْنَاهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ 100 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، نَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا،

فَرَخَّصَ فِيهِ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ، فَوَللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ 101 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَنا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا

عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْمُهُ أَسْلَمُ، كَانَ قِبْطِيًّا، مَاتَ قَبْلَ عَلِيٍّ وَالأَرِيكَةُ: السَّرِيرُ، وَيُقَالُ: لَا يُسَمَّى أَرِيكَةً حَتَّى يَكُونَ فِي حَجَلَةٍ، وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: كُلُّ مَا اتُّكِئَ عَلَيْهِ، فَهُوَ أَرِيكَةٌ، وَأَرَادَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَصْحَابَ التَّرَفُّهِ وَالدَّعَةِ الَّذِينَ لَزِمُوا الْبُيُوتَ، وَقَعَدُوا عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِالْحَدِيثِ إِلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْكِتَابِ، وَأَنَّهُ مَهْمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حُجَّةً بِنَفْسِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ».

وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أُوتِيَ مِنَ الْوَحْيِ غَيْرِ الْمَتْلُوِّ، وَالسُّنَنِ الَّتِي لَمْ يَنْطِقِ الْقُرْآنُ بِنَصِّهَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ مِنَ الْمَتْلُوِّ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الْبَقَرَة: 129] فَالْكِتَابُ: هُوَ الْقُرْآنُ، وَالْحِكْمَةُ: قِيلَ: هِيَ السُّنَّةُ. أَوْ أُوتِيَ مِثْلَهُ مِنْ بَيَانِهِ، فَإِنَّ بَيَانَ الْكِتَابِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْل: 44]. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّهُ سَيَأْتِي أُنَاسٌ يَأْخُذُونَكُمْ بِشُبُهَاتِ الْقُرْآنِ، فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا تُنَاظِرْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ: لَا تَجْعَلْ شَيْئًا نَظِيرًا لَهُمَا، فَتَدَعَهُمَا لِقَوْلِ قَائِلٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَجُوزُ أَيْضًا: لَا تَجْعَلْهُمَا مَثَلا لِلشَّيْءِ يَعْرِضُ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِلرَّجُلِ يَجِيءُ فِي وَقْتٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ: جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى. 101 - قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا، يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا،

وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّى اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ قَوْلُهُ: «قِيلَ وَقَالَ» يُرِيدُ: قِيلٌ وَقَوْلٌ، جَعَلَ الْقَالَ مَصْدَرًا، يُقَالُ: قُلْتُ قَوْلا وَقِيلا وَقَالا، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَالَ الْحَقِّ. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: «قِيلَ وَقَالَ» وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: حِكَايَةُ أَقَاوِيلِ النَّاسِ وَأَحَادِيثِهِمْ، وَالْبَحْثُ عَنْهَا، فَيَقُولُ: قَالَ فُلانٌ كَذَا، وَقِيلَ لِفُلانٍ كَذَا، وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّجَسُّسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَقِيلَ: هُوَ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى أَمْرِ الدِّينِ، وَذِكْرِ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الاخْتِلافِ، يَقُولُ: قَالَ فُلانٌ كَذَا، وَقَالَ فُلانٌ كَذَا، مِنْ غَيْرِ ثَبْتٍ

وَيَقِينٍ لِكَيْ يُقَلِّدَ مَا سَمِعَهُ، وَلا يَحْتَاطَ لِمَوْضِعِ اخْتِيَارِهِ مِنْ تِلْكَ الأَقَاوِيلِ. وَقَوْلُهُ: «وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» قِيلَ: هُوَ الإِنْفَاقُ فِي الْمَعَاصِي، وَهُوَ السَّرَفُ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ فِي الْبِنَاءِ، وَمُجَاوَزَةِ حَدِّ الاقْتِصَادِ فِيهِ فِي الْمَلْبَسِ وَالْفُرُشِ، وَتَمْوِيهِ الأَوَانِي وَالسُّقُوفِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ سُوءُ الْقِيَامِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ مِنَ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ حَتَّى يَضِيعَ فَيَهْلِكَ، وَقِسْمَةُ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الشَّرِيكُ، كَاللُّؤْلُؤَةِ وَالسَّيْفِ يَكْسِرُهُ، وَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ، وَالطَّاحُونَةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي تَتَعَطَّلُ مَنْفَعَتُهَا بِالْقِسْمَةِ، وَاحْتِمَالُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَنَحْوُهَا. وَقِيلَ: هُوَ دَفْعُ مَالِ مَنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ إِلَيْهِ، قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النِّسَاء: 6]، قَالَ: صَلاحٌ فِي دِينِهِ، وَحِفْظٌ لِمَالِهِ. وَقَوْلُهُ: «وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»، فَإِنَّهَا مَسْأَلَةُ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ بِالشَّرَهِ، وَتَرْكِ الاقْتِصَادِ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ السُّؤَالِ عَنِ الأُمُورِ، وَكَثْرَةِ الْبَحْثِ عَنْهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [الْمَائِدَة: 101]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]. وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي أُمِرَ بِالإِيمَانِ بِظَاهِرِهِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} [آل عمرَان: 7] الآيَةَ.

102 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ الأَزْهَرِ بْنِ عَقِيلٍ الْفَقِيهُ الْبَلْخِيُّ، نَا الرَّمَادِيُّ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، نَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، نَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَهٌ "، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

وَالْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ يُكَنَّى أَبَا نَجِيحٍ السُّلَمِيَّ، وَيُقَالُ: الْفَزَارِيُّ. قَوْلُهُ: «وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا» يُرِيدُ بِهِ طَاعَةَ مَنْ وَلاهُ الإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ حَبَشِيًّا، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ». أَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ، فَإِنَّ الْمَثَلَ قَدْ يُضْرَبُ فِي الشَّيْءِ بِمَا لَا يَكَادُ يَصِحُّ فِي الْوُجُودِ، كَمَا يُرْوَى مَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلامِ. وَقَوْلُهُ: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا» إِشَارَةٌ إِلَى ظُهُورِ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَأَمَرَ بِلُزُومِ سُنَّتِهِ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالتَّمَسُّكِ بِهَا بِأَبْلَغِ وُجُوهِ الْجَدِّ، وَمُجَانَبَةِ مَا أُحْدِثَ عَلَى خِلافِهَا.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِذَا قَالَ قَوْلا، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَانَ الْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِهِ أَوْلَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ.

وَأَرَادَ بِمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ: مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مَرْدُودًا إِلَى أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، فَلَيْسَ بِضَلالَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، فَهَؤُلاءِ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْفَضْلِ، كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْخِلافَةِ، فَأَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ. وَكَمَا خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلاءِ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِمْ، فَقَدْ خَصَّ مِنْ بَيْنِهِمْ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ ". وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا سُئِلَ عَنِ الأَمْرِ، وَكَانَ فِي الْقُرْآنِ، أَخْبَرَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِيهِ بِرَأْيِهِ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّ اقْتِصَادًا فِي سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ خَيْرٌ مِنَ اجْتِهَادٍ فِي خِلافِ سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ، وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: ثَلاثٌ أُحِبُّ لِنَفْسِي وَلإِخْوَانِي: هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ

يَتَعَلَّمُوهَا، وَيَسْأَلُوا عَنْهَا، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ، وَيَسْأَلُوا عَنْهُ، وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلا مِنْ خَيْرٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: خَمْسٌ كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لُزُومُ الْجَمَاعَةِ، وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ، وَعِمَارَةُ الْمَسْجِدِ، وَتِلاوَةُ الْقُرْآنِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

باب رد البدع والأهواء

بَابُ رَدِّ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [الْقَصَص: 50]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14]، أَيْ: عَلَى عِلْمٍ أَنَّ الْفُرْقَةَ ضَلالَةٌ، وَلَكِنَّهُمْ فَعَلُوهُ بَغْيًا، أَيْ: لِلْبَغْيِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الْأَعْرَاف: 45]، قِيلَ: الْعِوَجُ فِيمَا لَا شَخْصَ لَهُ، يُقَالُ فِي الأَمْرِ وَالدِّينِ: عِوَجٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَفِي الْجِدَارِ وَالشَّجَرِ: عَوَجٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الْأَنْعَام: 159]، هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الْأَنْعَام: 112]، أَيْ: زِينَتَهُ وَحُسْنَهُ بِتَرْقِيشِ الْكَذِبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا} [يُونُس: 24]، أَيْ: تَزَيَّنَتْ بِأَلْوَانِ نَبَاتِهَا، وَالزُّخْرُفُ: كَمَالُ حُسْنِ الشَّيْءِ. 103 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ، بِمَرْوَ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا». وَرَوَاهُ جَابِرٌ مَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا،

وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ». قَوْلُهُ: «أَحْسَنَ الْهَدْيِ»، أَيْ: أَحْسَنَ الطَّرِيقِ. وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، وَعَائِشَةُ عَمَّتُهُ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ، مَاتَ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَةَ إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَمِائَةٍ. رَوَى عَنْهُ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ: سَنَةَ سِتٍّ، وَيُقَالُ: سَنَةَ سَبْعٍ، وَمَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ، وَلَهُ ابْنَانِ يَرْوِيَانِ عَنْهُ: يَعْقُوبُ، وَسَعْدٌ. وَعَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدَانُ لَقَبٌ. 104 - قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَينِ الأَعْيَنُ أَبُو بَكْرٍ، نَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» وَعُقْبَةُ بْنُ أَوْسٍ فِي الْبَصْرِيِّينَ، وَيُقَالُ: يَعْقُوبُ بْنُ أَوْسٍ السَّدُوسِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلا مِلَّةً وَاحِدَةً» قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي». وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ، وَقَالَ: «ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ، لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مِفْصَلٌ إِلا دَخَلَهُ».

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَا تَخَافُونَ أَنْ تُعَذَّبُوا أَوْ يُخْسَفَ بِكُمْ، أَنْ تَقُولُوا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ فُلانٌ. قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْصِنِي. قَالَ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالاسْتِقَامَةِ، اتَّبِعْ وَلا تَبْتَدِعْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا، فَقَدْ كُفِيتُمْ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالا، لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلالا بَعِيدًا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَقْلِ دِينِهِ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلاقِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ، فَهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ. 105 - قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ الطُّوسِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا أَبُو النَّضْرِ، نَا الْمَسْعُودِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاخْتَارَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، وَانْتَجَبَهُ بِعِلْمِهِ،

ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ بَعْدُ، فَاخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا، فَجَعَلَهُمْ أَنْصَارَ دِينِهِ، وَوُزَرَاءَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ». وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ، نَا بَقِيَّةُ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمَسْعُودِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي»، أَوْ قَالَ: «أُمَّةُ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ».

وَتَفْسِيرُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ. وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْجَمَاعَةِ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ. فَقِيلَ لَهُ: قَدْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، قَالَ: فَفُلانٌ وَفُلانٌ، قِيلَ: قَدْ مَاتَ فُلانٌ وَفُلانٌ؟ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ جَمَاعَةٌ. وَدَخَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: اعْهَدْ إِلَيَّ، فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ يَأْتِكَ الْيَقِينُ؟، قَالَ: بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّي، قَالَ: فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّلالَةَ حَقَّ الضَّلالَةِ أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ، وَأَنْ تُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنَ، فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنَّ السُّنَّةَ قَدْ سَبَقَتْ قِيَاسَكُمْ، فَاتَّبِعْ وَلا تَبْتَدِعْ، فَإِنَّكَ لَنْ تَضِلَّ مَا أَخَذْتَ بِالأَثَرِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا الرَّأْيُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ إِذَا احْتَجْتَ إِلَيْهَا أَكَلْتَهَا. وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكٍ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ؟ قَالَ مَالِكٌ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النُّور: 63]. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، الْمَعْصِيَةُ يُتَابُ مِنْهَا، وَالْبِدْعَةُ لَا يُتَابُ مِنْهَا. قَالَ الشَّيْخُ: وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الصِّفَاتِ، وَعَلَى الزَّجْرِ عَنِ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ الْكَلامِ وَتَعَلُّمِهِ.

سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ، فَقَالَ: الْزَمْ دِينَ الصَّبِيِّ فِي الْكُتَّابِ وَالأَعْرَابِيِّ، وَالْهَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَلاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: إِيَّاكُمْ وَالْبِدَعَ، قِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَمَا الْبِدَعُ؟ قَالَ: أَهْلُ الْبِدَعِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلا يَسْكُتُونَ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ: لَوْ كَانَ الْكَلامُ عِلْمًا، لَتَكَلَّمَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، كَمَا تَكَلَّمُوا فِي الأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَلَكِنَّهُ بَاطِلٌ يَدُلُّ عَلَى بَاطِلٍ. وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْكَلامِ، فَقَالَ: دَعِ الْبَاطِلَ، أَيْنَ أَنْتَ عَنِ الْحَقِّ، اتَّبِعِ السُّنَّةَ، وَدَعِ الْبِدْعَةَ. وَقَالَ: وَجَدْتُ الأَمْرَ الاتِّبَاعَ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِمَا عَلَيْهِ الْجَمَّالُونَ وَالنِّسَاءُ فِي الْبُيُوتِ، وَالصِّبْيَانُ فِي الْكُتَّابِ مِنَ الإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ. قَالَ الرَّبِيعُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: لأَنْ يَلْقَى اللَّهُ الْعَبْدَ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلا الشِّرْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاءِ. وَقَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الشَّافِعِيِّ: لأَنْ يُبْتَلَى الْمَرْءُ بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ خَلا الشِّرْكَ بِاللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَهُ بِالْكَلامِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: مَا ارْتَدَى أَحَدٌ بِالْكَلامِ، فَأَفْلَحَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّبَّاحُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: حُكْمِي فِي أَصْحَابِ الْكَلامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الإِبِلِ، وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ، وَيُقَالُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَأَخَذَ فِي الْكَلامِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: لَوْ أَنَّ رَجُلا أَوْصَى بِكُتُبِهِ مِنَ الْعِلْمِ لآخَرَ، وَكَانَ فِيهَا كُتُبُ الْكَلامِ، لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعِلْمِ. وَقَالَ: لَوْ أَوْصَى لأَهْلِ الْعِلْمِ، لَمْ يَدْخُلْ أَهْلُ الْكَلامِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ، يَقُولُ: جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعَ أَمْرِ الآخِرَةِ فِي كَلِمَةٍ «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ». وَجَمِيعَ أَمْرِ الدُّنْيَا فِي كَلِمَةٍ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يَدْخُلانِ فِي كُلِّ بَابٍ.

باب مجانبة أهل الأهواء

بَابُ مُجَانَبَةِ أَهْلِ الأَهْوَاءِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الْأَنْعَام: 68]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الْكَهْف: 28]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} [الجاثية: 17]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا} [الْمُؤْمِنُونَ: 53]، أَيْ: صَارُوا أَحْزَابًا وَفِرَقًا عَلَى غَيْرِ دِينٍ وَلا مَذْهَبٍ، وَقِيلَ: اخْتَلَفُوا فِي الاعْتِقَادِ وَالْمَذَاهِبِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص: 45]، قَالَ: الأَيْدِي: الْقُوَّةُ فِي الْعَمَلِ، وَالأَبْصَارُ: بُصَرَاءُ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ دِينِهِمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمرَان: 7]، قَالَ: الْحَلالُ، وَالْحَرَامُ. {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمرَان: 7] يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ

وَتَعَالَى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ} [الْبَقَرَة: 26]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يُونُس: 100]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [مُحَمَّد: 17]. 106 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ

عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} [آل عمرَان: 7]، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الأَحْوَلُ، كَانَ قَاضِيًا عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَيُقَالُ: كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. وَقَوْلُهُ: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمرَان: 7] أَيْ: غَيْرُ مَنْسُوخَاتٍ، وَقَوْلُهُ: {آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يُونُس: 1] أَيِ: الْمُحْكَمِ. وَقَوْلُهُ: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود: 1] أَيْ: أُحْكِمَتْ بِالأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْحَلالِ وَالْحَرَامِ، ثُمَّ فُصِّلَتْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.

وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ: هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِظَاهِرِهِ مَعْنَاهُ. وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ، فَفِيهِ أَقَاوِيلُ، أَحَدُهَا: مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَجَمَاعَةٌ: مَا أَشْتَبِهُ مِنْهُ، فَلَمْ يُتَلَقَّ مَعْنَاهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: إِذَا رُدَّ إِلَى الْمُحْكَمِ عُرِفَ مَعْنَاهُ، وَالآخَرِ: مَا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ كُنْهِهِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَّبِعُهُ أَهْلُ الزَّيْغِ يَبْتَغُونَ تَأْوِيلَهُ، كَالإِيمَانِ بِالْقَدَرِ وَالْمَشِيئَةِ، وَعِلْمِ الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَمْ نَتَعَبَّدْ بِهِ، وَلَمْ يُكْشَفْ لَنَا عَنْ سِرِّهِ، فَالْمُتَّبِعُ لَهَا مُبْتَغٍ لِلْفِتْنَةِ، لأَنَّهُ لَا يَنْتَهِي مِنْهُ إِلَى حَدٍّ تَسْكُنُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَالْفِتْنَةُ: الْغُلُوُّ فِي التَّأْوِيلِ الْمُظْلِمِ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمرَان: 7] أَيْ: مُعْظَمُهُ، يُقَالُ لِمُعْظَمِ الطَّرِيقِ: أُمُّ الطَّرِيقِ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا} [الْقَصَص: 59] أَيْ: فِي مُعْظَمِهَا. 107 - قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ حَبِيبٍ الْمُؤَذِّنُ، بِبُخَارَى فِي شَهْرِ

رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، نَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ الْبَلْخِيُّ؛ نَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي نَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا.

قَالَ الشَّيْخُ: قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ افْتِرَاقِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَظُهُورِ الأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ فِيهِمْ، وَحَكَمَ بِالنَّجَاةِ لِمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ، وَسُنَّةَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَعَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إِذَا رَأَى رَجُلا يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنَ الأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مُعْتَقِدًا، أَوْ يَتَهَاوَنُ بِشَيْءٍ مِنَ السُّنَنِ أَنْ يَهْجُرَهُ، وَيَتَبَرَّأَ مِنْهُ، وَيَتْرُكَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَلا يُسَلِّمْ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَلا يُجِيبَهُ إِذَا ابْتَدَأَ إِلَى أَنْ يَتْرُكَ بِدْعَتَهُ، وَيُرَاجِعَ الْحَقَّ. وَالنَّهْيُ عَنِ الْهِجْرَانِ فَوْقَ الثَّلاثِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حُقُوقِ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ دُونَ مَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الدِّينِ، فَإِنَّ هِجْرَةَ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ دَائِمَةٌ إِلَى أَنْ يَتُوبُوا. قَال كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَخَلُّفِهِ وَتَخَلُّفِ صَاحِبَيْهِ: مُرَارَةَ بْنِ الرَّبِيعِ، وَهِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى مَا 108 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ،

قَالَ: " وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَأَمَّا صَاحِبَايَ، فَاسْتَكَانَا، وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَخْرُجُ، فَأَشْهَدُ الصَّلاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ، فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي، أَقْبَلَ عَلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ، أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ، تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ. . . حَتَّى إِذَا كَمُلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلامِنَا، آذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ

عَلَيْنَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا، يُهَنِّئُونَنِي بِالتَّوْبَةِ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْرُقُ مِنَ السُّرُورِ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هِجْرَانَ أَهْلِ الْبِدَعِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافَ عَلَى كَعْبٍ وَأَصْحَابِهِ النِّفَاقَ حِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ،

فَأَمَرَ بِهِجْرَانِهِمْ، إِلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ، وَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَاءَتَهُمْ، وَقَدْ مَضَتِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَتْبَاعُهُمْ، وَعُلَمَاءُ السُّنَّةِ عَلَى هَذَا مُجْمِعِينَ مُتَّفِقِينَ عَلَى مُعَادَاةِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ، وَمُهَاجَرَتِهِمْ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ: أَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ. وَقَالُوا أَبُو قِلابَةَ: لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الأَهْوَاءِ، أَوْ قَالَ: أَصْحَابَ الْخُصُومَاتِ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلالَتِهِمْ، وَيُلَبِّسُوا عَلَيْكُمْ بَعْضَ مَا تَعْرِفُونَ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ لأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ، فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ: وَلا نِصْفِ كَلِمَةٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَنْ سَمِعَ بِدْعَةً، فَلا يَحْكِهَا لِجُلَسَائِهِ، لَا يُلْقِيهَا فِي قُلُوبِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ: ثُمَّ هُمْ مَعَ هِجْرَانِهِمْ كَفُّوا عَنْ إِطْلاقِ اسْمِ الْكُفْرِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ تَكْفِيرُ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَاللَّيْثِ بْنُ سَعْدٍ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَاظَرَ الشَّافِعِيُّ حَفْصَ الْفَرْدِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسَمِّيهِ حَفْصَ الْمُنْفَرِدِ، فَقَالَ حَفْصٌ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَفَرْتَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ الْبُخَارِيُّ: نَظَرْتُ فِي كَلامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، فَمَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَضَلَّ فِي كُفْرِهِمْ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَإِنِّي لأَسْتَجْهِلُ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُمْ إِلا مَنْ لَا يَعْرِفُ كُفْرَهُمْ، وَقَالَ: مَا أُبَالِي صَلَّيْتُ خَلْفَ الْجَهْمِيِّ وَالرَّافِضِيِّ، أَمْ صَلَّيْتُ خَلْفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَالصَّلاةَ خَلْفَهُمْ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ عَلَى الإِطْلاقِ، فَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَطْلَقَ عَلَى بَعْضِهِمُ اسْمَ الْكُفْرِ فِي مَوْضِعٍ أَرَادَ بِهِ كُفْرًا دُونَ كُفْرٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [الْمَائِدَة: 44]. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ مَنْ قَالَ بِالتَّكْفِيرِ مِنَ السَّلَفِ عَلَى مُبْتَدِعٍ يَأْتِي فِي بِدْعَتِهِ مَا، يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الإِسْلامِ، وَكَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ لَا يُكَفِّرُ أَهْلَ الأَهْوَاءِ الَّذِينَ تَأَوَّلُوا فَأَخْطَئوْا، وَيُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ مَا لَمْ يَبْلُغْ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ فِي مَذْهَبِهِ أَنْ يُكَفِّرَ الصَّحَابَةَ، أَوْ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ أَنْ يُكَفِّرَ مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلا يَرَى الصَّلاةَ خَلْفَهُمْ، وَلا يَرَى أَحْكَامَ

قُضَاتِهِمْ جَائِزَةً، وَرَأَى السَّيْفَ وَاسْتِبَاحَةَ الدَّمِ، فَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ هَذَا الْمَبْلَغَ، فَلا شَهَادَةَ لَهُ. وَحَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِيمَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي خَلْفَهُ الْجُمُعَةَ، وَلا غَيْرَهَا، إِلا أَنَّهُ لَا يَدَعُ إِتْيَانَهَا، فَإِنْ صَلَّى أَعَادَ الصَّلاةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ يُبْغِضُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ عَلَيْهِمْ غِلٌّ، فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى إِلَى قَوْلِهِ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الْحَشْر: 7 - 10] الآيَةَ. وَذُكِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ يَنْتَقِصُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ، فَقَرَأَ مَالِكٌ هَذِهِ الآيَةَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ إِلَى قَوْلِهِ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الْفَتْح: 29] ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ أَصَابَتْهُ الآيَةُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَأَخْشَى أَنْ لَا يَنْفَعَهُ مَعَ ذَلِكَ عَمَلٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: «بِئْسَ الْقَوْمُ أَهْلُ الأَهْوَاءِ لَا نُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ». وَقَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: وَهَذَا الْهِجْرَانُ، وَالتَّبَرِّي، وَالْمُعَادَاةُ، فِي أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْمُخَالِفِينَ فِي الأُصُولِ، أَمَّا الاخْتِلافُ فِي الْفُرُوعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَاخْتِلافُ رَحْمَةٍ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي الدِّينِ، فَذَلِكَ

لَا يُوجِبُ الْهِجْرَانَ وَالْقَطِيعَةَ، لأَنَّ هَذَا الاخْتِلافَ كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ كَوْنِهِمْ إِخْوَانًا مُؤْتَلِفِينَ، رُحَمَاءَ بَيْنَهُمْ، وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُمْ، وَكُلٌّ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، وَسُلُوكِ سَبِيلِ الرُّشْدِ مُشْتَرِكُونَ، قَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا أُحِبُّ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْتَلِفُوا، فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى شَيْءٍ، فَتَرَكَهُ رَجُلٌ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَلَوِ اخْتَلَفُوا وَأَخَذَ رَجُلٌ بِقَوْلِ وَاحِدٍ أَخَذَ بِالسُّنَّةِ.

باب ثواب من دعا إلى هدى أو أحيا سنة وإثم من ابتدع بدعة أو دعا إليها

بَابُ ثَوَابِ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى أَوْ أَحْيَا سُنَّةً وَإِثْمِ مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً أَوْ دَعَا إِلَيْهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النَّحْل: 125]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} [الْحَج: 67]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يُوسُف: 108]، وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الْفرْقَان: 74]. قَالَ: أَئِمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا، وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الْإِسْرَاء: 71]، أَيْ: بِنَبِيِّهِمْ، وَقِيلَ: بِكِتَابِهِمْ، وَقِيلَ: بِإِمَامِهِمُ الَّذِي اقْتَدَوْا بِهِ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النَّحْل: 25]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5].

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ، وَمَا أَخَّرَتْ مِنْ سُنَّةٍ اسْتُنَّ بِهَا بَعْدَهُ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ، أَوْ سَيِّئَةٍ فَعَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا». وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [الْقِيَامَة: 13]. 109 - قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 110 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ، بِبَغْدَادَ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ السَّامَرِّيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا مَالِكُ بْنُ

أَنَسٍ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي، فَإِنَّ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ، وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً لَا تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ إِثْمِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِ النَّاسِ شَيْئًا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَبِلالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَثِيرٌ هُوَ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ زَيْدٍ الْمُزَنِيُّ، مَدَنِيٌّ. 111 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،

أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْقَاتِلِ كِفْلٌ مِنْ إِثْمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كُلٌّ، عَنِ الأَعْمَشِ قَوْلُهُ: «كِفْلٌ»، أَيْ: نَصِيبٌ، وَقَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ جَوَامِعَ نَوَافِعَ، فَقَالَ: «لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَزُلْ مَعَ الْقُرْآنِ حَيْثُ زَالَ، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْحَقِّ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْبَاطِلِ، فَارْدُدْهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا حَبِيبًا».

2 - كتاب العلم

2 - كِتَابُ الْعِلْمِ بَابُ تَبْلِيغِ حَدِيثِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِفْظِهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الْحَشْر: 7]. قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: الأَمْرُ عَامٌّ فِي حَقِّ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، وَلا وُصُولَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ إِلا بِالتَّبْلِيغِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ: «فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ». 112 - قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ،

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي، فَحَفِظَهَا، وَوَعَاهَا، وَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، والنَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً» مَعْنَاهُ: الدُّعَاءُ لَهُ بِالنَّضَارَةِ، وَهِيَ النِّعْمَةُ وَالْبَهْجَةُ، وَيُقَالُ: نَضَرَهُ اللَّهُ، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ، وَأَجْوَدُهُمَا التَّخْفِيفُ، وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حُسْنِ الْوَجْهِ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ حُسْنُ الْجَاهِ وَالْقَدْرُ فِي الْخَلْقِ.

قَوْلُهُ: «لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ» بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَكَسْرِ الْغَيْنِ مِنَ الْغِلِّ، وَهُوَ الضِّغْنُ وَالْحِقْدُ، يُرِيدُ: لَا يَدْخُلُهُ حِقْدٌ يُزِيلُهُ عَنِ الْحَقِّ، وَيُرْوَى بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الإِغْلالِ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ كَتَبَ فِي كِتَابِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ: «لَا إِغْلالَ وَلا إِسْلالَ». فَالإِغْلالُ: الْخِيَانَةُ، وَالإِسْلالُ: السَّرِقَةُ، يُقَالُ: فُلانٌ مُغِلٌّ مُسِلٌّ، أَيْ: خَائِنٌ سَارِقٌ، وَالسِّلَّةُ: السَّرِقَةُ. فَأَمَّا الْغُلُولُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ فِيهَا فَلَيْسَ مِنْ هَذَا، سُمِّيَ غُلُولا، لأَنَّ الأَيْدِي مَغْلُولَةٌ عَنْهَا، أَيْ: مَمْنُوعَةٌ، يُقَالُ مِنَ الْغُلُولِ فِي الْغَنِيمَةِ: غَلَّ يَغُلُّ، بِضَمِّ الْغَيْنِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمرَان: 161] وَيُقَالُ مِنَ الْخِيَانَةِ فِي غَيْرِهَا: أَغَلَّ يُغِلُّ، وَيُقَالُ مِنَ الْحِقْدِ: غَلَّ يَغِلُّ، بِكَسْرِ الْغَيْنِ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تِكْرَارِ الْحَدِيثِ لِلْحِفْظِ، قَالَ النَّخَعِيُّ: إِنِّي لأَسْمَعُ الْحَدِيثَ، فَأُحَدِّثُ بِهِ الْخَادِمَ أَدُسُّهُ بِهِ فِي نَفْسِي، أَيْ: أُثْبِتُهُ، يُرِيدُ أُحَدِّثُ بِهِ خَادِمِي أَسْتَذْكِرُ بِذَلِكَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ اخْتِصَارِ الْحَدِيثِ لِمَنْ لَيْسَ بِالْمُتَنَاهِي فِي الْفِقْهِ، لأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَطَعَ طَرِيقَ الاسْتِنْبَاطِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ هُوَ أَفْقَهُ، وَفِي ضِمْنِهِ وُجُوبُ التَّفَقُّهِ، وَالْحَثُّ عَلَى اسْتِنْبَاطِ مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَاسْتِخْرَاجُ الْمَكْنُونَ مِنْ سِرِّهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، فَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ، قَالَ وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ: إِذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَاهُ، فَحَسْبُكُمْ، وَإِلَيْهِ

ذَهَبَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ. قَالَ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْ عَشَرَةٍ، اللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: انْقُصْ مِنَ الْحَدِيثِ إِنْ شِئْتَ، وَلا تَزِدْ فِيهِ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنْ قُلْتَ: إِنِّي حَدَّثْتُكُمْ كَمَا سَمِعْتُ فَلا تُصَدِّقُونِي، فَإِنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى. وَقَالَ وَكِيعٌ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَعْنَى وَاسِعًا، فَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى اتِّبَاعِ اللَّفْظِ، مِنْهُمُ: ابْنُ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَرَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَوُهَيْبٌ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ، وَالْعَرْضِ عَلَى الْمُحَدِّثِ، ثُمَّ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَبَيَانُ الْعَرْضِ أَنْ يَدْفَعَ كِتَابًا إِلَى مُحَدِّثٍ فِيهِ سَمَاعُهُ، فَيَتَأَمَّلَهُ الْمُحَدِّثُ وَيَعْرِفَهُ، فَيَقُولَ لَهُ: هَذِهِ رِوَايَاتِي عَنْ شُيُوخِي، فَحَدِّثْ بِهَا عَنِّي.

وَقَالَ عَاصِمُ الأَحْوَلُ: عَرَضْتُ عَلَى الشَّعْبِيِّ أَحَادِيثَ الْفِقْهِ، فَأَجَازَهَا لِي. وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: صَحِبْتُ مَالِكًا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَا رَأَيْتُهُ قَرَأَ الْمُوَطَّأَ عَلَى أَحَدٍ، وَسَمِعْتُهُ يَأْبَى عَلَى مَنْ يَقُولُ: لَا يُجْزِئُهُ إِلا السَّمَاعُ، وَيَقُولُ: كَيْفَ لَا يُجْزِئُكَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ، وَيُجْزِئُكَ فِي الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ؟. وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ حَدِيثِهِ، أَسَمَاعٌ هُوَ؟ فَقَالَ: مِنْهُ سَمَاعٌ، وَمِنْهُ عَرْضٌ، وَلَيْسَ الْعَرْضُ بِأَدْنَى عِنْدَنَا مِنَ السَّمَاعِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْعَرْضَ لَيْسَ بِسَمَاعٍ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي».

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ». وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمُحَدِّثِ، هَلْ هُوَ إِخْبَارٌ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِمِ وَقِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: إِذَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ، فَلا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي، وَكَانَ عِنْدَهُ حَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا، وَسَمِعْتُ، وَاحِدًا. وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِالصَّكِّ يُقْرَأُ عَلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُونَ: أَشْهَدَنَا فُلانٌ، وَيَقْرَأُ ذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَيُقْرَأُ عَلَى الْمُقْرِئِ، فَيَقُولُ: أَقْرَأَنِي فُلانٌ. وَجَوَّزُوا الْمُنَاوَلَةَ، وَكِتَابَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمَالِكٌ جَائِزًا. قَالَ شُعْبَةُ: كَتَبَ إِلَيَّ مَنْصُورٌ بِحَدِيثٍ، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ،

فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ حَدَّثْتُكَ بِهِ، إِذَا كَتَبْتُ إِلَيْكَ، فَقَدْ حَدَّثْتُكَ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ كَتَبَ لأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا، قَالَ: «لَا تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا»

فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ، قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: الَّذِي أَخْتَارُهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَعَهِدْتُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مَشَايِخِي، أَنْ يَقُولَ فِي الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُحَدِّثِ لَفْظًا لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ: حَدَّثَنِي فُلانٌ، وَمَا يَأْخُذُهُ لَفْظًا مَعَ غَيْرِهِ: حَدَّثَنَا فُلانٌ، وَمَا قَرَأَ عَلَى الْمُحَدِّثِ بِنَفْسِهِ أَخْبَرَنِي فُلانٌ، وَمَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَهُوَ حَاضِرٌ أَخْبَرَنَا فُلانٌ، وَإِذَا عُرِضَ عَلَى الْمُحَدِّثِ، فَأَجَازَ لَهُ رِوَايَتَهُ شِفَاهًا يَقُولُ: أَنْبَأَنِي فُلانٌ، وَمَا كَتَبَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُشَافِهْهُ بِالإِجَازَةِ يَقُولُ: كَتَبَ إِلَيَّ فُلانٌ. وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ فِي وَقْتِ سَمَاعِ الصَّغِيرِ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: عَقَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي، وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ. 113 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو

بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرٍ النَّقَّاشُ، نَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّحَّاكُ الْبَابْلُتِّيُّ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ وَأَبُو كَبْشَةَ السَّلُولِيُّ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ، وَحَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ شَامِيٌّ، وَالأَوْزَاعِيُّ هُوَ أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو، شَامِيٌّ، وَالأَوْزَاعُ مِنْ حِمْيَرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ، نَزَلَ فِيهِمْ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ. وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَابْلُتِّيُّ أَبُو سَعِيدٍ، مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ، مَوْلًى لِبَنِي أُمَّيَةَ، تَكَلَّمُوا فِيهِ وَهُوَ مُحْتَجٌّ بِهِ فِيمَا يُوَافِقُ الثِّقَاتَ.

قَوْلُهُ: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ». لَيْسَ عَلَى مَعْنَى إِبَاحَةِ الْكَذِبِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلْ مَعْنَاهُ: الرُّخْصَةُ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ عَلَى مَعْنَى الْبَلاغِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ بِنَقْلِ الإِسْنَادِ، لأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ تَعَذَّرَ فِي أَخْبَارِهِمْ، لِطُولِ الْمُدَّةِ وَوُقُوعِ الْفَتْرَةِ. وَفِي إِيجَابِ التَّحَرُّزِ عَنِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنْ لَا يُحَدِّثَ عَنْهُ إِلا بِمَا يَصِحُّ عِنْدَهُ بِنَقْلِ الإِسْنَادِ، وَالثَّبْتِ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ». وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ عَلَى اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ». وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، لَوْلا الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ. وَقَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [

الْأَحْقَاف: 4]، قَالَ إِسْنَادَ الْحَدِيثِ. وَسَمِعَ الزُّهْرِيُّ إِسْحَاقَ بْنَ أَبِي فَرْوَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ أَبِي فَرْوَةَ، مَا أَجْرَأَكَ عَلَى اللَّهِ، أَلا تُسْنِدُ حَدِيثَكَ، تُحَدِّثُنَا بِأَحَادِيثَ لَيْسَ لَهَا خِطَامٌ وَلا أَزِمَّةٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرْسَلِ مِنَ الأَحَادِيثِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ التَّابِعِيُّ، أَوْ تَابِعُ التَّابِعِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا، وَلا يَذْكُرُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ، فَاحْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ،

وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الرِّوَايَةِ عَلَى وَجْهِ التَّدْلِيسِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمُحَدِّثُ: قَالَ فُلانٌ، وَلَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنِي فُلانٌ، أَوْ سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ الْقَائِلُ مَشْهُورًا بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ،

أَوْ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: حَدَّثَنَا فُلانٌ، فَصَحَّحَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الْحِجَازِ كَالْمَرَاسِيلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي رِوَايَةِ مُحَدِّثٍ صَحِيحِ السَّمَاعِ، صَحِيحِ الْكِتَابِ، ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ، وَلا يَحْفَظُهُ كَأَكْثَرِ مُحَدِّثِي زَمَانِنَا، فَاحْتَجَّ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَلا يَرَيَانِ الْحُجَّةَ بِهِ. وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعَةِ، وَأَهْلِ الأَهْوَاءِ، فَقَبِلَهَا أَكْثَرُ أَهْلِ

الْحَدِيثِ، إِذَا كَانُوا فِيهَا صَادِقِينَ، فَقَدْ حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ الرَّوَاجِنِيِّ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا الصَّدُوقُ فِي رِوَايَتِهِ الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ.

وَاحْتَجَّ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَحَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ الرَّحَبِيِّ، وَقَدِ اشْتَهَرَ عَنْهُمَا النَّصْبُ، وَاتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِأَبِي مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدِ بْنِ حَازِمٍ الضَّرِيرِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَقَدِ اشْتَهَرَ عَنْهُمَا الْغُلُوُّ. وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فَيَقُولُ «لَا يُؤْخَذُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَاحِبِ هَوًى، يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ، وَلا مِنْ كَذَّابٍ يَكْذِبُ فِي حَدِيثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَتَّهِمُهُ بِأَنْ يَكْذِبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، ذَكَرَ هَذَا الاخْتِلافَ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ هَؤُلاءِ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ. وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُكْتَبُ عَنِ الْمُرْجِئِ وَالْقَدَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ يَدْعُو إِلَيْهِ، وَيُكْثِرُ الْكَلامَ فِيهِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ دَاعِيًا، فَلا ". وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَبْلِيغِ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لأَنْفَذْتُهَا.

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَكْثِرُوا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهَا سِلاحٌ. وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلنَّاسِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ فِي أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: هُمْ خَيْرُ أَهْلِ الدُّنْيَا.

باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم

بَابُ إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 114 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ جَعْدٍ، أَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، سَمِعْتُ رِبْعِيًّا، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو الْحَسَنِ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ،

قُتِلَ بِالْكُوفَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَرِبْعِيٌّ هُوَ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ الْغَطْفَانِيُّ، كُوفِيٌّ، مَاتَ فِي وِلايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَيُقَالُ: كَانَ أَعْوَرَ. 115 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمشَ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلانِيُّ فِي سَنَةِ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ وَثَمَانِ مِائَةٍ، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الأَسَدِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ قَامَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.

وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَأَخْرَجَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الأَسَدِيِّ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَبُو عِيسَى الثَّقَفِيُّ، كَانَ عَلَى الْكُوفَةِ، وَكَانَ مِنْ دُهَاةِ النَّاسِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ. عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيُّ الأَسَدِيُّ، كُوفِيٌّ، أَبُو الْمُغِيرَةِ، وَوَالِبَةُ مِنْ أَسْدِ خُزَيْمَةَ. 116 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَسَلَمَةُ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الأَكْوَعِ أَبُو مُسْلِمٍ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلاهُ. قَوْلُهُ: «فَلْيَتَبَوَّأْ» أَيْ: لِيَنْزِلْ مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74]، أَيْ: نَتَّخِذُهُ مَنْزِلا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ} [الْحَشْر: 9]، أَيِ: اتَّخَذُوهَا مَنْزِلا، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يُونُس: 93]، أَيْ: أَنْزَلْنَاهُمْ مَنْزِلا صَالِحًا، وَالْمُبَوَّأُ: الْمَنْزِلُ الْمَلْزُومُ. قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ بَعْدَ كَذِبِ الْكَافِرِ عَلَى اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وَلِذَلِكَ كَرِهَ قَوْمٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِكْثَارَ الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْفًا مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَالْغَلَطِ فِيهِ، حَتَّى إِنَّ مِنَ التَّابِعِينَ مَنْ كَانَ يَهَابُ رَفْعَ الْمَرْفُوعِ، فَيُوقِفُهُ عَلَى الصَّحَابِيِّ، وَيَقُولُ: الْكَذِبُ عَلَيْهِ أَهْوَنُ

مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسْنِدُ الْحَدِيثَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ، وَلَمْ يَقُلْ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: رَفَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: رِوَايَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ ذَلِكَ هَيْبَةً لِلْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَوْفًا مِنَ الْوَعِيدِ.

باب من قال في القرآن بغير علم

بَابُ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ 117 - قَالَ الشَّيْخُ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ هِشَامٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى بَنِي وَالِبَةَ، مِنْ بَنِي أَسدٍ، قُتِلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ. 118 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» 119 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التُّرَابِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَقَبِيصَةُ، وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 120 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا حَيَّانُ

بْنُ هِلالٍ، نَا سُهَيْلٌ أَخُو حَزْمٍ الْقُطَعِيُّ، نَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، فَأَصَابَ، فَقَدْ أَخْطَأَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَزْمٍ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا، فَلَيْسَ الظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْقُرْآنِ، أَوْ فَسَّرُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ. رَوَى مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلا وَقَدْ سَمِعْتُ فِيهَا شَيْئًا». قَالَ حَمَّادٌ: قُلْتُ لأَيُّوبَ: مَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً؟ فَجَعَلَ يُفَكِّرُ، فَقُلْتُ: هُوَ أَنْ تَرَى لَهُ وُجُوهًا، فَتَهَابُ الإِقْدَامَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: هُوَ ذَاكَ، هُوَ ذَاكَ.

باب الخصومة في القرآن

بَابُ الْخُصُومَةِ فِي الْقُرْآنِ 121 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يتَدَارَءُونَ، قَالَ الرَّمَادِيُّ: يَتَمَارَوْنَ. فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا، ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوهُ، وَمَا جَهِلْتُمْ فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ»

عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ كُنْيَتُهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ. قَوْلُهُ: «يَتَدَارَءُونَ» يُرِيدُ: يَخْتَلِفُونَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [الْبَقَرَة: 72] أَيْ: تَدَارَأْتُمْ وَتَدَافَعْتُمْ وَاخْتَلَفْتُمْ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَّلَمَ قَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلافِهِمْ فِي الْكِتَابِ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ». وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقِيلَ: مَعْنَى الْمِرَاءِ: الشَّكُّ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ} [هود: 17] أَيْ: فِي شَكٍّ، وَقِيلَ: الْمِرَاءُ: هُوَ الْجِدَالُ الْمُشَكِّكُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا جَادَلَ فِيهِ، أَدَّاهُ إِلَى أَنْ يَرْتَابَ فِي الآيِ الْمُتَشَابِهَةِ مِنْهُ، فَيُؤَدِّيهِ ذَلِكَ إِلَى الْجُحُودِ، فَسَمَّاهُ كُفْرًا بِاسْمِ مَا يَخْشَى مِنْ عَاقِبَتِهِ إِلا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ. وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمِرَاءِ فِي قِرَاءَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يُنْكِرَ بَعْضَ الْقِرَاءَاتِ

الْمَرْوِيَّةِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَتَوَعَّدَهُمْ بِالْكُفْرِ، لِيَنْتَهُوا عَنِ الْمِرَاءِ فِيهَا، وَالتَّكْذِيبِ بِهَا، إِذْ كُلُّهَا قُرْآنٌ مُنْزَلٌ، يَجِبُ الإِيمَانُ بِهِ. وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ إِذَا قَرَأَ عِنْدَهُ إِنْسَانٌ لَمْ يَقُلْ: لَيْسَ هُوَ كَذَا، وَلَكِنْ يَقُولُ: أَمَّا أَنَا فَأَقْرَأُ هَكَذَا. قَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي الْحَبْحَابِ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: أَرَى صَاحِبَكَ قَدْ سَمِعَ أَنَّهُ مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ، فَقَدْ كَفَرَ بِكُلِّهِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي الْجِدَالِ بِالْقُرْآنِ مِنَ الآيِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْقَدَرِ وَالْوَعِيدِ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْكَلامِ وَالْجَدَلِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْحَدِيثُ الأَوَّلُ دُونَ مَا كَانَ مِنْهَا فِي الأَحْكَامِ، وَأَبْوَابِ الإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَنَازَعُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَتَحَاجُّوا بِهَا عِنْدَ اخْتِلافِهِمْ فِي الأَحْكَامِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النِّسَاء: 59]. 122 - أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ المربند كشائي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَرُّوذِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا حَجَّاجٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلا لَهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ».

قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا الْمُطَّلَعُ؟ قَالَ: يَطَّلِعُ قَوْمٌ يَعْمَلُونَ بِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُ قَوْلَ الْحَسَنِ هَذَا إِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِيهِ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «مَا مِنْ حَرْفٍ، أَوْ آيَةٍ إِلا قَدْ عَمِلَ بِهَا قَوْمٌ، أَوْ لَهَا قَوْمٌ سَيَعْمَلُونَ بِهَا». قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. وَقَدْ يُرْوَى هَذَا عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ». قَوْلُهُ: «لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ» اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَيُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ الْعَرَبَ، تَقُولُ: قَلَبْتُ أَمْرِي ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَيُقَالُ: الظّهر لَفْظُ الْقُرْآنِ، وَالْبَطْنُ تَأْوِيلُهُ، وَقِيلَ: الظَّهْرُ: مَا حُدِّثَ فِيهِ عَنْ أَقْوَامٍ أَنَّهُمْ عَصَوْا، فَعُوقِبُوا وَأُهْلِكُوا بِمَعَاصِيهِمْ، فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ خَبَرٌ، وَبَاطِنُهُ عِظَةٌ وَتَحْذِيرٌ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا فَعَلُوا، فَيَحُلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ.

وَقِيلَ: ظَاهِرُهُ تَنْزِيلُهُ الَّذِي يَجِبُ الإِيمَانُ بِهِ، وَبَاطِنُهُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ، وَمَا مِنْ آيَةٍ إِلا وَتُوجِبُ الأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، لأَنَّ وُجُوهَ الْقُرْآنِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وَمَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ، وَخَبْرُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْهَا يَجِبُّ الإِيمَانُ بِهِ، وَالتَّصْدِيقُ لَهُ، وَالْعَمَلُ بِهِ، فَالْعَمَلُ بِالأَمْرِ إِتْيَانُهُ، وَبِالنَّهْيِ الاجْتِنَابُ عَنْهُ، وَبِالْوَعْدِ الرَّغْبَةُ فِيهِ، وَبِالْوَعِيدِ الرَّهْبَةُ عَنْهُ، وَبِالْمَوَاعِظِ الاتِّعَاظُ، وَبِالأَمْثَالِ الاعْتِبَارُ. وَقِيلَ: مَعْنَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ: التِّلاوَةُ وَالتَّفَهُّمُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لِكُلِّ آيَةٍ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَهَا كَمَا أُنْزِلَتْ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4]، وَبَاطِنٌ وَهُوَ التَّدَبُّرُ وَالتَّفَكُّرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]. ثُمَّ التِّلاوَةُ إِنَّمَا تَأْتِي بِالتَّعَلُّمِ وَالْحِفْظِ بِالدَّرْسِ، وَالتَّفَهُّمِ إِنَّمَا يَكُونُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ، وَتَعْظِيمِ الْحُرْمَةِ، وَطِيبِ الطُّعْمَةِ. وَقَوْلُهُ: «لُكِلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ»، يَقُولُ: لِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ فِي التِّلاوَةِ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَلا يُجَاوَزُ، وَكَذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ، فَفِي التِّلاوَةِ لَا يُجَاوَزُ الْمُصْحَفُ الَّذِي هُوَ الإِمَامُ، وَفِي التَّفْسِيرِ لَا يُجَاوَزُ الْمَسْمُوعُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِي». وَرُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31] مَا الأَبُّ؟ فَقَالَ: «أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ».

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31] قَالَ: مَا الأَبُّ؟ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْخَطَّابِ: «إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ». وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1]، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 24] وَعَنْ قَوْلِهِ: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير: 15] قَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهُ إِلا مَا تَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ آيَةٍ: قَالَ: عَلَيْكَ بِالسَّدَادِ، فَقَدْ ذَهَبَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ فِيمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَكْرَهُونَ التَّفْسِيرَ وَيَهَابُونَهُ. قَوْلُهُ: مَطْلَعٌ. الْمَطْلَعُ: الْمَصْعَدُ، أَيْ: لِكُلِّ حَدٍّ مَصْعَدٌ يُصْعَدُ إِلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِهِ، وَيُقَالُ: الْمَطْلَعُ: هُوَ الْفَهْمُ، وَقَدْ يَفْتَحُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُتَدَبِّرِ، وَالْمُتَفَكِّرِ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَالْمَعَانِي مَا لَا يَفْتَحُ عَلَى غَيْرِهِ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً، قَالَ حَمَّادٌ: قُلْتُ لأَيُّوبَ: مَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ؟. . . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي آخِرِ أول الْبَابِ

باب من روى حديثا يرى أنه كذب

بَابُ مَنْ رَوَى حَدِيثًا يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ 123 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَسَدِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ وَمَيْمُونُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ قُتِلَ فِي الْجَمَاجِمِ، وَكَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ.

قَالَ أَبُو عِيسَى: سَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قُلْتُ: مَنْ رَوَى حَدِيثًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ إِسْنَادَهُ خَطَأٌ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: لَا. إِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا رَوَى حَدِيثًا، وَلا يَعْرِفُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلا، فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ مَالِكٌ: «لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

باب حديث أهل الكتاب

بَابُ حَدِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ 124 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، نَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ الأَنْصَارِيُّ، أَنَّ أَبَاهُ أَبَا نَمْلَةَ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَتَكَلَّمُ هَذِهِ الْجِنَازَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ»، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّهَا تَتَكَلَّمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَلا تُصَدِّقُوهُمْ، وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلا لَمْ تُصَدِّقُوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ

وَهَذَا أَصْلٌ فِي وُجُوبِ التَّوَقُّفِ عَمَّا يُشْكِلُ مِنَ الأُمُورِ وَالْعُلُومِ، فَلا يُقْضَى فِيهِ بِجَوَازٍ وَلا بُطْلانٍ، وَعَلَى هَذَا كَانَ السَّلَفُ، وَقَدْ سُئِلَ عُثْمَانُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ؟ قَالَ: «أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ، وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ»، وَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَقَطَعَ عَلِيٌّ بِتَحْرِيمِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ. وَلَوْ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ فِي حَدِيثِهِ، فَلا يُصَدَّقُ، وَلا يُعْمَلُ بِهِ، لأَنَّهُ دِينٌ، وَلَوْ حَدَّثَهُ ثِقَةٌ وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَلا يُكَذِّبُهُ صَرِيحًا، لأَنَّ الْمَجْهُولَ قَدْ يَكُونُ صَالِحًا لِحَدِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ، بَلْ يَقُولُ: هُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَمَا أَشْبَهَهُ. 125 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ} [الْبَقَرَة: 136] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، وَكِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَهُوَ أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ كَتَبُوا كُتُبًا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَبَدَّلُوهَا، وَحَرَّفُوهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا. 126 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَتَاهُ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنَّا نَسْمَعُ أَحَادِيثَ مِنْ يَهُودَ تُعْجِبُنَا، أَفَتَرَى أَنْ نَكْتُبَ بَعْضَهَا، فَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلا اتِّبَاعِي»

قَوْلُهُ: «أَمُتَهَوِّكُونَ» أَيْ: مُتَحَيِّرُونَ أَنْتُمْ فِي الإِسْلامِ، لَا تَعْرِفُونَ دِينَكُمْ حَتَّى تَأْخُذُوهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَقَوْلُهُ: «بَيْضَاءَ نَقِيَّةً» أَرَادَ الْمِلَّةَ، لِذَلِكَ جَاءَ التَّأْنِيثُ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [الْبَيِّنَة: 5] أَيْ: تَفْسِيرُ الْمِلَّةِ الْقَيِّمَةِ الْحَنِيفِيَّةِ. وَرُوِيَ: أَنَّ كَعْبَ الأَحْبَارِ جَاءَ إِلَى عُمَرَ بِمُصْحَفٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فِي هَذَا التَّوْرَاةُ، أَفَأَقْرَؤُهَا؟ فَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا التَّوْرَاةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ فَاقْرَءُوَهَا وَإِلا فَلا».

باب فضل العلم

بَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النِّسَاء: 113]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الْأَنْعَام: 83]، قَالَ مَالِكٌ: «بِالْعِلْمِ»، قِيلَ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: «زَعَمَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ». وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التَّوْبَة: 122]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. 127 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الآخِرَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ قَوْلُهُ: «نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ» أَيْ: فَرَّجَ عَنْهُ، يُقَالُ: نَفَّسَ يُنَفِّسُ تَنْفِيسًا وَنَفَسًا، كَمَا يُقَالُ: فَرَّح يُفَرِّح تَفْرِيحًا وَفَرَحًا. قَوْلُهُ: «بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ» بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ، وَأَبْطَأَ بِمَعْنًى، وَهُوَ ضِدُّ الإِسْرَاعِ.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، عَنِ الأَعْمَشِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلُ مَعْنَاهُ. وَزَادَ: «وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». قَوْلُهُ: «حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ» أَيْ: أَحَاطُوا بِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] أَيْ: مُحْدِقِينَ بِهِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} [الْكَهْف: 32] أَيْ: جَعَلْنَا النَّخْلَ مُطِيفًا بِهِمَا. 128 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّاءُ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِمَجْلِسَيْنِ فِي مَسْجِدِهِ، أَحَدُ الْمَجْلِسَيْنِ يَدْعُونَ اللَّهَ، وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ، وَالآخَرُ يَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ، وَيُعَلِّمُونَهُ، قَالَ: «كِلا الْمَجْلِسَيْنِ عَلَى خَيْرٍ، وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ، أَمَّا هَؤُلاءِ، فَيَدْعُونَ اللَّهَ، وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا هَؤُلاءِ، فَيَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ، وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ،

فَهَؤُلاءِ أَفْضَلُ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا» ثُمَّ جَلَسَ فِيهِمْ ". وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: " أَمَّا هَؤُلاءِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ التَّنُوخِيُّ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ الْمَنَاكِيرِ. 129 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْقُرَشِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، نَا عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ ابْنِ حَيْوَةَ، حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ جَمِيلٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ غَيْرَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَلا جِئْتَ لِتِجَارَةٍ؟

قَالَ: لَا، قَالَ: وَلا جِئْتَ إِلا فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، يَقُولُ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ عِلْمٍ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَالْحُوتَ فِي الْمَاءِ لَتَدْعُو لَهُ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، الْعُلَمَاءُ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ، فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ ابْنِ حَيْوَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ اسْمُهُ عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ الأَنْصَارِيُّ، نَزَلَ الشَّامَ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ، وَعُوَيْمِرٌ لَقَبُهُ، وَيُقَالُ: عُوَيْمِرُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، تُوُفِّيَ قَبْلَ خِلافَةِ عُثْمَانَ

بِسَنَةٍ، يُقَالُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ، وَقِيلَ: تُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ. قَوْلُهُ: «وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا» قِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّهَا تَتَوَاضَعُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ تَوْقِيرًا لِعِلْمِهِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الْإِسْرَاء: 24]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشُّعَرَاء: 215] أَيْ: تَوَاضَعْ لَهُمْ. وَقِيلَ: مَعْنَى وَضْعِ الْجَنَاحِ: هُوَ الْكَفُّ عَنِ الطَّيَرَانِ، وَالنُّزُولُ لِلذِّكْرِ، كَمَا ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ: «إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَحَفَّتْ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ». وَكَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمَلائِكَةَ يَطُوفُونَ فِي الطَّرِيقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُّمُوا إِلَى حَاجَتِكُمْ "، قَالَ: «فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا». وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: بَسْطُ الْجَنَاحِ، وَفَرْشُهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ لِتَحْمِلَهُ عَلَيْهَا، فَيُبَلِّغَهُ حَيْثُ يَقْصِدُهُ مِنَ الْبِلادِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: الْمَعُونَةُ، وَتَيْسِيرُ السَّعْيِ لَهُ فِي طَلَبِهِ. قَوْلُهُ: «وَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَالْحُوتَ فِي الْمَاءِ لَتَدْعُو لَهُ». قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: أَرَادَ أَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُف: 82] أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ.

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ». وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَلْهَمَ الْحِيتَانَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ الاسْتِغْفَارَ لِلْعُلَمَاءِ، لأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ بَيَّنُوا الْحُكْمَ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَيَحْرُمُ لِلنَّاسِ، فَأَوْصَوْا بِالإِحْسَانِ إِلَيْهَا، وَنَفْيِ الضَّرَرِ عَنْهَا، مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: وَفَضْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ نَفْعَ الْعِلْمِ يَتَعَدَّى إِلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ، وَفِيهِ إِحْيَاءُ الدِّينِ، وَهُوَ تِلْوُ النُّبُوَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ».

وَقَوْلُهُ: «فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». يَعْنِي: مِنْ مِيرَاثِ النُّبُوَّةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «تَدَارُسُ الْعِلْمِ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ خَيْرٌ مِنْ إِحْيَائِهَا». وَفِي رِوَايَةٍ: «تَذَاكُرُ الْعِلْمِ بَعْضَ لَيْلَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِحْيَائِهَا». وَقَالَ قَتَادَةُ: بَابٌ مِنَ الْعِلْمِ يَحْفَظُهُ الرَّجُلُ لِصَلاحِ نَفْسِهِ، وَصَلاحِ مَنْ بَعْدَهُ، أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ حَوْلٍ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَ عَمَلٌ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ لَهُمْ نِيَّةٌ؟ قَالَ: طَلَبُهُمْ لَهُ نِيَّةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ يُرِيدُ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ، كَانَ خَيْرًا لَهُ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ قَاعِدًا أَسْأَلُهُ، فَرَآنِي أَجْمَعُ كُتُبِي لأَقُومَ، قَالَ مَالِكٌ: «أَيْنَ تُرِيدُ؟»، قَالَ: قُلْتُ: أُبَادِرُ إِلَى الصَّلاةِ، قَالَ: «لَيْسَ هَذَا الَّذِي أَنْتَ فِيهِ دُونَ مَا تَذْهَبُ إِلَيْهِ إِذَا صَحَّ فِيهِ النِّيَّةُ، أَوْ مَا أَشْبَهُ ذَلِكَ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا عُبِدَ اللَّهُ بِمِثْلِ الْفِقْهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا أَعْلَمُ عَمَلا أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ، وَحِفْظِهِ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ فِي تَفْسِيرِ الْجَمَاعَةِ: لَوْ أَنَّ فَقِيهًا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَكَانَ هُوَ الْجَمَاعَةَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: إِنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَى هَذَا فِي دِينِهِمْ، كَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي دُنْيَاهُمْ. قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: حَظٌّ مِنْ عِلْمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَظٍّ مِنْ عِبَادَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ النَّافِلَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الرِّحْلَةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَضِرِ، فَقَالَ: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الْكَهْف: 66]. وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [مُحَمَّد: 19] فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ. 130 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الْقَاسِمُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا جَدِّي الْعَبَّاسُ بْنُ حَمْزَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، قَالُوا: نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ».

باب التفقه في الدين

بَابُ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التَّوْبَة: 122]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمرَان: 79]: «كُونُوا عُلَمَاءَ فُقَهَاءَ». وَقِيلَ: سُمِّيَ الْعُلَمَاءُ رَبَّانِيِّينَ، لأَنَّهُمْ يربون الْعِلْمَ، أَيْ: يَقُومُونَ بِهِ، يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ قَامَ بِإِصْلاحِ شَيْءٍ وَإِتْمَامِهِ: قَدْ رَبَّهُ، يَرُبُّهُ، فَهُوَ رَبٌّ لَهُ. وَقِيلَ: سُمُّوا الرَّبَّانِيِّينَ، لأَنَّهُمْ يَرُبُّونَ الْمُتَعَلِّمِينَ بِصِغَارِ الْعُلُومِ قَبْلَ كِبَارِهَا، وَزِيدَتِ الأَلِفُ وَالنُّونُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي النِّسْبَةِ، كَمَا يُقَالُ: لِحْيَانِيٌّ.

وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ: الْعُلَمَاءُ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [الْبَقَرَة: 124]، يُقْتَدَى بِهُدَاكَ وَبِسُنَّتِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: " الْحِكْمَةُ: الْفِقْهُ فِي دِينِ اللَّهِ "، وَقَالَ: " الْعِلْمُ: الْحَكْمَةُ، وَنُورٌ يَهْدِي اللَّهِ بِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَلَيْسَ بِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ ". 131 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ وَمُعَاوِيَةُ هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الأُمَوِيُّ، مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ، وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرٌ. 132 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ

133 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 134 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي هَارُونَ، قَالَ: كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَيَقُولُ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَنَا، فَقَالَ: «إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ قَوْمٌ مِنَ الآفَاقِ يَتَفَقَّهُونَ، فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا»

وَأَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ اسْمُهُ عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ كَانَ شُعْبَةُ يُضَعِّفُهُ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ عَوْنٍ، وَغَيْرُهُ. 135 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا ثُغْبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا

أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ، وَقَالَ: «وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ». وَقَوْلُهُ: «فَكَانَتْ مِنْهَا ثُغْبَةٌ». فَالثُّغْبَةُ: مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ فِي الْجِبَالِ وَالصُّخُورِ، وَجَمْعُهَا ثُغْبَانٌ، وَهُوَ الثَّغَبُ أَيْضًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «مَا شَبَّهْتُ مَا غَبَرَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا بِثَغَبٍ ذَهَبَ صَفْوُهُ، وَبَقِيَ كَدَرُهُ»، وَيُرْوَى: «فَكَانَتْ مِنْهَا نَقِيَّةٌ». وَقَوْلُهُ: «وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ» وَالأَجَادِبُ: صِلابُ الأَرْضِ الَّتِي تُمْسِكُ الْمَاءَ، فَلا يُسْرِعُ إِلَيْهِ النُّضُوبُ، وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: الأَجَادِبُ مِنَ الأَرْضِ مَا لَمْ تُنْبِتِ الْكَلأَ فَهِيَ جَرْدَاءُ بَارِزَةٌ، لَا يَسْتُرُهَا النَّبَاتُ.

وَيَرْوِي بَعْضُهُمْ: «وَكَانَتْ مِنْهُمْ إِخَاذَاتٌ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ». وَالإِخَاذَاتُ: الْغُدْرَانُ الَّتِي تَأْخُذُ مَاءَ السَّمَاءِ، فَتُمْسِكُهُ عَلَى السَّارِيَةِ، وَهِيَ الْمِسَاكَاتُ وَالتَّنَاهِي، الْوَاحِدَةُ: إِخَاذَةٌ وَمِسَاكَةٌ وَتَنْهِيَةٌ، وَهِيَ الإِخَاذُ أَيْضًا، وَجَمْعُهُ أُخُذٌ. قَالَ الشَّيْخُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مَثَلَ الْعَالِمِ كَمَثَلِ الْمَطَرِ، وَمَثَلَ قُلُوبِ النَّاسِ فِيهِ، كَمَثَلِ الأَرْضِ فِي قَبُولِ الْمَاءِ، فَشَبَّهَ مَنْ تَحَمَّلَ الْعِلْمَ وَالْحَدِيثَ، وَتَفَقَّهَ فِيهِ بِالأَرْضِ الطَّيِّبَةِ، أَصَابَهَا الْمَطَرُ فَتُنْبِتُ، وَانْتَفَعَ بِهَا النَّاسُ، وَشَبَّهَ مَنْ تَحَمَّلَهُ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ بِالأَرْضِ الصُّلْبَةِ الَّتِي لَا تُنْبِتُ، وَلَكِنَّهَا تُمْسِكُ الْمَاءَ، فَيَأْخُذُهُ النَّاسُ، وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَشَبَّهَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ، وَلَمْ يَحْمِلْ بِالْقِيعَانِ الَّتِي لَا تُنْبِتُ، وَلا تُمْسِكُ الْمَاءَ، فَهُوَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: الْعُلُومُ الشَّرْعِيَّةُ قِسْمَانِ: عِلْمُ الأُصُولِ، وَعِلْمُ الْفُرُوعِ. أَمَّا عِلْمُ الأُصُولِ: فَهُوَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَالصِّفَاتِ، وَتَصْدِيقُ الرُّسُلِ، فَعَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مَعْرِفَتُهُ، وَلا يَسَعُ فِيهِ التَّقْلِيدُ لِظُهُورِ آيَاتِهِ، وَوُضُوحِ دَلائِلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [مُحَمَّد: 19]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53].

وَأَمَّا عِلْمُ الْفُرُوعِ: فَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ، وَمَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الدِّينِ، فَيَنْقَسِمُ إِلَى فَرْضِ عَيْنٍ، وَفَرْضِ كِفَايَةٍ، أَمَّا فَرْضُ الْعَيْنِ، فَمِثْلُ عِلْمِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلاةِ وَالصَّوْمِ، فَعَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مَعْرِفَتُهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ». وَكَذَلِكَ كُلُّ عِبَادَةٍ أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، فَعَلَيْهِ مَعْرِفَةُ عِلْمِهَا، مِثْلُ عِلْمِ الزَّكَاةِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَعِلْمِ الْحَجِّ إِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ، فَهُوَ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَبْلُغُ بِهِ رُتْبَةَ الاجْتِهَادِ، وَدَرَجَةِ الْفُتْيَا، فَإِذَا قَعَدَ أَهْلُ بَلَدٍ عَنْ تَعَلُّمِهِ، عَصَوْا جَمِيعًا، وَإِذَا قَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِتَعَلُّمِهِ، فَتَعَلَّمَهُ، سَقَطَ الْفَرْضُ عَنِ الآخَرِينَ، وَعَلَيْهِمْ تَقْلِيدُهُ فِيمَا يَعِنُّ لَهُمْ مِنَ الْحَوَادِثِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النَّحْل: 43]. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَمَّا الْعِلْمُ عِنْدَنَا الرُّخْصُ عَنِ الثِّقَاتِ، أَمَّا التَّشْدِيدُ، فَكُلُّ إِنْسَانٍ يُحْسِنُهُ. 136 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي

بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَدَّادِيُّ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أَنا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَنا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَفْرِيقِيِّ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْعِلْمُ ثَلاثَةٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَفَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ، وَمَا كَانَ سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ " قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: فِي هَذَا حَثٌّ عَلَى تَعَلُّمِ الْفَرَائِضِ، وَالآيَةُ الْمُحْكَمَةُ هِيَ كِتَابُ اللَّهِ، وَاشْتَرَطَ فِيهَا الإِحْكَامَ، لأَنَّ مِنَ الآيِ مَا هُوَ مَنْسُوخٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِنَاسِخِهِ. وَالسُّنَّةُ الْقَائِمَةُ هِيَ الثَّابِتَةُ مِمَّا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السُّنَنِ الْمَرْوِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: «فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ مِنَ التَّأْوِيلِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَدْلِ فِي الْقِسْمَةِ، فَتَكُونَ مُعَدَّلَةً عَلَى السِّهَامِ وَالأَنْصِبَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْوَجْهِ الآخَرِ: أَنْ تَكُونَ

مُسْتَنْبَطَةً مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِنْ مَعْنَاهُمَا، فَتَكُونَ هَذِهِ الْفَرِيضَةُ تُعَدَّلُ بِمَا أُخِذَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِذْ كَانَتْ فِي مَعْنَى مَا أُخِذَ عَنْهُمَا نَصًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً، وَلَنْ تَفْقَهَ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَمْقُتَ النَّاسَ فِي ذَاتِ اللَّهِ، ثُمَّ تُقْبِلَ عَلَى نَفْسِكَ فَتَكُونَ لَهَا أَشَدَّ مَقْتًا مِنْكَ لِلنَّاسِ. قَالَ مَالِكٌ: «الْمِرَاءُ فِي الْعِلْمِ يُقَسِّي الْقَلْبَ، وَيُورِثُ الضِّغْنَ».

باب كتبة العلم

بَابُ كِتْبَةِ الْعِلْمِ 137 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا مِنِّي إِلا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ رِوَايَةِ وَهْبٍ، عَنْ أَخِيهِ، وَمِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ قَالَ الشَّيْخُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كِتْبَةِ الْحَدِيثِ، فَكَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ، وَمِنْهُمْ: قَتَادَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ،

لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّا لَا نَكْتُبُ الْعِلْمَ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كُنَّا نَكْرَهُ كِتَابَ الْعِلْمِ حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ هَؤُلاءِ الأُمَرَاءُ، فَرَأَيْنَا أَنْ لَا نَمْنَعَهُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى إِبَاحَةِ الْكِتْبَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ، فَقَالَ أَبُو شَاهٍ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ». وَالنَّهْيُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا، ثُمَّ أَبَاحَهُ، وَأَذِنَ فِيهِ.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ كِتْبَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، لِئَلا يَخْتَلِطَ غَيْرُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، فَيَشْتَبِهَ عَلَى الْقَارِئِ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْكِتَابِ مَحْظُورًا، فَلا، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي». وَفِي الأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ إِبَاحَةُ الْكِتْبَةِ، وَالتَّقْيِيدُ، لأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ طَبْعِ أَكْثَرِ الْبَشَرِ، وَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى حِفْظِهِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ، فَتَرْكُ التَّقْيِيدِ يُؤَدِّي إِلَى سُقُوطِ أَكْثَرِ الْحَدِيثِ، وَتَعَذُّرِ التَّبْلِيغِ، وَحِرْمَانِ آخِرِ الأُمَّةِ عَنْ مُعْظَمِ الْعِلْمِ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ» وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو، وَأَنَسٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ

وَكَانَ يُحَدِّثُنِي بِالْحَدِيثِ، فَأَكْتُبُهُ فِي وَاسِطَةِ الرَّحْلِ حَتَّى أُصْبِحَ، فَأَكْتُبَهُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَال سَمِعْتُ أَنَا وَابْنُ شِهَابٍ، وَنَحْنُ نَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَنْ نَكْتُبَ السُّنَنَ، فَكَتَبْنَا كُلَّ شَيْءٍ سَمِعْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: نَكْتُبُ أَيْضًا مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: لَا لَيْسَ بِسُنَّةٍ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ سُنَّةٌ، قَالَ: فَكَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ، فَأَنْجَحَ وَضَيَّعْتُ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ: كَانَ يُقَالُ: مَنْ لَمْ يَكْتُبْ عِلْمَهُ لَا يُعَدُّ عِلْمُهُ عِلْمًا. وَقَالَ أَبُو هِلالٍ: قَالُوا لِقَتَادَةَ: نَكْتُبُ مَا نَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَكْتُبَ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُ يُكْتَبُ، قَالَ: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [طه: 52] وَقَالَ أَبُو الْمَلِيحِ: تَعِيبُونَ عَلَيْنَا الْكِتَابَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [طه: 52]. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: «انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ، وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ».

وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَى شَهَادَةٍ فَيَنْسَاهَا، فَيَجِدُهَا مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ، أَيَشْهَدُ بِهَا؟ فَقَالَ: وَهَلْ عَلِمْنَا إِلا هَكَذَا.

باب التحاسد في العلم

بَابُ التَّحَاسُدِ فِي الْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]. 138 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي حَقٍّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ

سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، كِلاهُمَا، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ الشَّيْحُ: الْمُرَادُ مِنَ الْحَسَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْغِبْطَةُ، فَإِنَّ الْغِبْطَةَ هِيَ أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ مَا لأَخِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَمَنَّى زَوَالَهَا عَنْ أَخِيهِ. وَالْحَسَدُ الْمَذْمُومُ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ لأَخِيهِ نِعْمَةً يَتَمَنَّاهَا لِنَفْسِهِ وَزَوَالَهَا عَنْ أَخِيهِ. قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: الْحَسَدُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَسْدَلِ، وَهُوَ الْقُرَادُ، وَالْحَسَدُ يَقْشِرُ الْقَلْبَ، كَمَا يَقْشِرُ الْقُرَادُ الْجِلْدَ، فَيَمَصُّ الدَّمَ. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: التَّحْرِيضُ وَالتَّرْغِيبُ فِي التَّصَدُّقِ بِالْمَالِ، وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ. وَقِيلَ: إِنَّ فِيهِ تَخْصِيصًا لإِبَاحَةِ نَوْعٍ مِنَ الْحَسَدِ، وَإِنْ كَانَتْ جُمْلَتُهُ مَحْظُورَةً، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلا فِي ثَلاثٍ: الرَّجُلُ يَكْذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَيُصْلِحُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ ". وَقِيلَ: لَا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَيْنِ، أَيْ: لَا يَضُرُّ الْحَسَدُ إِلا فِي اثْنَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى زَوَالَهُمَا عَنْ أَخِيهِ، فَيُضِرَّهُ، وَالأَوَّلُ أَوْلَى.

باب من ترك علما ينتفع به

بَابُ مَنْ تَرَكَ عِلْمًا يُنْتَفَعُ بِهِ 139 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ قَالَ الشَّيْخُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ وَاسْتِحْبَابِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الصَّدَقَةِ الْجَارِيَةِ.

باب وعيد من كتم علما يعلمه

بَابُ وَعِيدِ مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [الْبَقَرَة: 159] الآيَةَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمرَان: 187]. 140 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُعَاذَةَ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ سَهْلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الدِّينَوَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَاسْمُ أَبِيهِ

أَسْلَمُ، مَوْلَى آلِ أَبِي خُثَيْمٍ، قُرَشِيٌّ، فِهْرِيٌّ، مَكِّيٌّ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ. قِيلَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: كَمَا أَنَّهُ أَلْجَمَ لِسَانَهُ عَنْ قَوْلِ الْحَقِّ، وَإِظْهَارِ الْعِلْمِ يُعَاقَبُ فِي الآخِرَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا فِي الْعِلْمِ الَّذِي يَلْزَمُهُ تَعْلِيمُهُ إِيَّاهُ، وَيَتَعَيَّنُ فَرْضُهُ عَلَيْهِ، كَمَنْ رَأَى كَافِرًا يُرِيدُ الإِسْلامَ، يَقُولُ: عَلِّمُونِي، مَا الإِسْلامُ؟ وَكَمَنْ يَرَى رَجُلا حَدِيثَ عَهْدٍ بِالإِسْلامِ، لَا يُحْسِنُ الصَّلاةَ، وَقَدْ حَضَرَ وَقْتُهَا، يَقُولُ: عَلِّمُونِي كَيْفَ أُصَلِّي؟ وَكَمَنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فِي حَلالٍ أَوْ حَرَامٍ، يَقُولُ: أَفْتُونِي. وَأَرْشِدُونِي. فَإِنَّهُ يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الأُمُورِ أَنْ لَا يَمْنَعُوا الْجَوَابَ، فَمَنْ فَعَلَ كَانَ آثِمًا مُسْتَحِقًّا لِلْوَعِيدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الأَمْرُ فِي نَوَافِلِ الْعِلْمِ الَّتِي لَا ضَرُورَةَ بِالنَّاسِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: ذَاكَ إِذَا كَتَمَ سُنَّةً. وَقَالَ: لَوْ لَمْ يَأْتِنِي أَصْحَابُ الْحَدِيثِ لأَتَيْتُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَحَدًا يَطْلُبُ الْحَدِيثَ بِنِيَّةٍ، لأَتَيْتُهُ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى أُحَدِّثَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ عِلْمُ الشَّهَادَةِ.

باب إعادة الكلام ليفهم

بَابُ إِعَادَةِ الْكَلامِ لِيُفْهَمَ 141 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدَةُ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا ثُمَامَةُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ: «كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاثًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الشَّيْخُ: تَسْلِيمُهُ ثَلاثًا عِنْدَ الاسْتِئْذَانِ إِذَا لَمْ يُؤْذَنْ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ يُسَلِّمُ ثَلاثًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ».

باب التوقي عن الفتيا

بَابُ التَّوَقِّي عَنِ الْفُتْيَا 142 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سُئِلَ حُذَيْفَةُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا يُفْتِي أَحَدُ ثَلاثَةٍ: مَنْ عَرَفَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، قَالُوا: وَمَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: عُمَرُ، أَوْ رَجُلٌ وَلِيَ سُلْطَانًا فَلا يَجِدُ بُدًّا، أَوْ مُتَكَلِّفٌ " وَرُوِيَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَقُصُّ إِلا أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ أَوْ مُخْتَالٌ». حُكِيَ عَنِ ابْنِ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ قَالَ هَذَا فِي الْخُطْبَةِ، وَكَانَ الأُمَرَاءُ يَلُونَ الْخُطْبَةَ يَعِظُونَ فِيهَا النَّاسَ، وَالْمَأْمُورُ مَنْ يُقِيمُهُ الإِمَامُ خَطِيبًا. وَالْمُخْتَالُ: مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ اخْتِيَالا وَتَكَبُّرًا، وَطَلَبًا لِلرِّئَاسَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى النَّاسِ ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ: مُذَكِّرٌ، وَوَاعِظٌ، وَقَاصٌّ، فَالْمُذَكِّرُ: الَّذِي يُذَكِّرُ النَّاسَ آلاءَ اللَّهِ وَنَعْمَاءَهُ، يَبْعَثُهُمْ بِهِ عَلَى الشُّكْرِ لَهُ. وَالْوَاعِظُ: يُخَوِّفُهُمْ بِاللَّهِ، وَيُنْذِرُهُمْ عُقُوبَتَهُ، وَيَرْدَعُهُمْ عَنِ الْمَعَاصِي. وَالْقَاصُّ: هُوَ الَّذِي يَرْوِي أَخْبَارَ الْمَاضِينَ، وَيُسْرِدُ عَلَيْهِمُ الْقَصَصَ، فَلا يُؤْمَنُ فِيهَا الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، وَالْوَاعِظُ وَالْمُذَكِّرُ مَأْمُونٌ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ قَاصٌّ، فَجَلَسَ قَرِيبًا مِنَ ابْنِ عُمَرَ يَقُصُّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ أَنْ لَا تُؤْذِنَا، قُمْ عَنَّا، فَأَبَى، فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِ الشُّرَطِ، فَبَعَثَ شُرَطِيًّا فَأَقَامَهُ. وَقَالَ ثَابِتٌ لِحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا تَقُولُ فِي الْجُلُوسِ إِلَى الْقَاصِّ؟ قَالَ: اجْلِسْ حَيْثُ تَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَقُّ لِقَلْبِكَ، قَالَ: وَكَانَ حُمَيْدٌ لَا يَجْلِسُ إِلَيْهِمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا مِنْهُمْ مُحَدِّثٌ إِلا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ الْحَدِيثَ، وَلا مُفْتٍ إِلا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ الْفُتْيَا. وَقَالَ أَبُو الْحُصَيْنِ: إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُفْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ لَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ بَدْرٍ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «وَاللَّهِ إِنَّ الَّذِي يُفْتِي النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْأَلُونَهُ لَمَجْنُونٌ». وَقَالَ النَّزَّالُ بْنُ سَبْرَةَ: شَهِدْتُ عَبْدَ اللَّهِ أَتَاهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي تَحْرِيمٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ، فَمَنْ أَتَى الأَمْرَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَقَدْ بُيِّنَ لَهُ، وَمَنْ خَالَفَ، فَوَاللَّهِ مَا نُطِيقُ كُلَّ خِلافِكُمْ. وَكَانَ مَالِكٌ لَا يُفْتِي حَتَّى يَقُولَ: «لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ». وَكَانَ مَالِكٌ، يَقُولُ: «الْعَجَلَةُ فِي الْفَتْوَى نَوْعٌ مِنَ الْجَهْلِ وَالْخُرْقِ».

باب طرح المسألة على الأصحاب ليختبر ما عندهم من العلم

بَابُ طَرْحِ الْمَسأَلَةِ عَلَى الأَصْحَابِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الْبَقَرَة: 31] 143 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ، قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا "،

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَأَخْرَجَاهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَالِمِ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا يَخْتَبِرُ بِهِ عِلْمَهُمْ. أَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الأُغْلُوطَاتِ». قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: هِيَ شِرَارُ الْمَسَائِلِ، فَمَعْنَاهُ: أَنْ يُقَابِلَ الْعَالِمَ بِصِعَابِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا الْغَلَطُ، لِيُسْتَزَلَّ وَيُسْتَسْقَطَ فِيهَا رَأْيُهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: «أَنْذَرْتُكُمْ صِعَابَ الْمَنْطِقِ»، يُرِيدُ الْمَسَائِلَ الدِّقَاقَ وَالْغَوَامِضَ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا، لأَنَّهَا غَيْرُ نَافِعَةٍ فِي الدِّينِ، وَلا يَكَادُ يَكُونُ إِلا فِيمَا لَا يَقَعُ أَبَدًا. يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَكَلَّفَ لِسُؤَالِ مَا لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ، وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، فَلا بَأْسَ. كَمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ إِظْهَارَ فَضْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْقَوْمِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النَّصْر: 1]،

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ، وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدْرِي. وَلَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: «أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ». قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلا مَا تَعْلَمُ ". وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِيهَا غُمُوضٌ، فَقَالَ: هَلْ كَانَ هَذَا؟ قَالَ: «لَا، فَأَمْهِلْنِي إِلَى أَنْ يَكُونَ». 144 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا

مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ حُرِّمَ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَعَامِرٌ هُوَ عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ الْقُرَشِيُّ، سَمِعَ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، كُنْيَتُهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَاسْمُ أَبِيهِ مَالِكُ بْنُ وُهَيْبٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ. قَالَ الشَّيْخُ: الْمَسْأَلَةُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّبَيُّنِ وَالتَّعَلُّمِ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، فَهُوَ جَائِزٌ مَأْمُورٌ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النَّحْل: 43]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يُونُس: 94] وَقَدْ سَأَلَتِ الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَائِلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيَانَهَا فِي كِتَابِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [

الْبَقَرَة: 189]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [الْبَقَرَة: 222]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الْأَنْفَال: 1]. وَالْوَجْهُ الآخَرُ: مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّكَلُّفِ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَسُكُوتُ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَنِ الْجَوَابِ فِي مِثْلِ هَذَا زَجْرٌ وَرَدْعٌ لِلسَّائِلِ، فَإِذَا وَقَعَ الْجَوَابُ، كَانَ عُقُوبَةً وَتَغْلِيظًا. وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ هَذَا النَّوْعُ مِنَ السُّؤَالِ، وَقَدْ شَدَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالسُّؤَالِ عَنْ وَصْفِ الْبَقَرَةِ مَعَ وُقُوعِ الْغُنْيَةِ عَنْهُ بِالْبَيَانِ الْمُتَقَدِّمِ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ حَلالا، وَحَرَّمَ حَرَامًا، فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ». قَالَ سُفْيَانُ: يُرِيدُ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [الْمَائِدَة: 101]. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا ظُهُورَنَا جُسُورًا لَكُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، أَنْ تَقُولُوا: أَفْتَانَا ابْنُ عُمَرَ بِهَذَا.

باب التخول بالموعظة

بَابُ التَّخَوُّلِ بِالْمَوْعِظَةِ 145 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ 146 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُزَكِّي، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الميربند كشائي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَرُّوذِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا

أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَوْمِ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ، لَوَدِدْنَا أَنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: «مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إِلا كَرَاهِيَةَ أَنْ أُمِلَّكُمْ». وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ. قَوْلُهُ: «يَتَخَوَّلُنَا»، أَيْ: يَتَعَهَّدُنَا بِهَا فِي مَظَانِّ الْقَبُولِ، لَا يُكَلِّمُنَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لِئَلا نَسْأَمَ، وَمِثْلُهُ التَّخَوُّنُ، يُقَالُ: تَخَوَّلْتُ الرَّجُلَ وَتَخَوَّنْتُهُ، وَالْخَائِلُ: الْمُتَعَهِّدُ لِلشَّيْءِ الْحَافِظُ لَهُ. قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ: الصَّوَابُ «يَتَحَوَّلُهُمْ» بِالْحَاءِ، أَيْ: يَطْلُبُ أَحْوَالَهُمُ الَّتِي يَنْشَطُونَ فِيهَا لِلْمَوْعِظَةِ، فَيَعِظُهُمْ فِيهَا، وَلا يُكْثِرُ عَلَيْهِمْ فَيَمَلُّوا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: حَدِّثِ الْقَوْمَ مَا حَدَجُوكَ بِأَبْصَارِهِمْ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْكَ قُلُوبُهُمْ، فَإِذَا انْصَرَفَتْ عَنْكَ قُلُوبُهُمْ، فَلا تُحَدِّثْهُمْ، قِيلَ: وَمَا عَلامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «إِذَا الْتَفَتَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَرَأَيْتَهُمْ يَتَثَاءَبُونَ، فَلا تُحَدِّثْهُمْ».

قَوْلُهُ: «حَدَجُوكَ بِأَبْصَارِهِمْ» أَيْ: رَمَوْكَ بِهَا، يُرِيدُ: حَدِّثْهُمْ مَا دَامُوا يَشْتَهُونَ حَدِيثَكَ، فَإِذَا أَعْرَضُوا عَنْكَ، فَاسْكُتْ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَكْثَرْتَ، فَثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَلا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَلا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ، وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ، فَتُمِلَّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإِذَا أَمَرُوكَ، فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ، وَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ، فَاجْتَنِبْهُ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلا ذَلِكَ». وَقَالَتْ عَائِشَةُ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: «أَلَمْ أُحَدِّثْكَ أَنَّكَ تَجْلِسُ وَيُجْلَسُ إِلَيْكَ؟» قَالَ: بَلَى يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: «فَإِيَّاكَ وَإِمْلالَ النَّاسِ وَتَقْنِيطَهُمْ». وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: «اقْصُصْ يَوْمًا، وَاتْرُكْ يَوْمًا، لَا تُمِلَّ النَّاسَ».

باب قبض العلم

بَابُ قَبْضِ الْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرَّعْد: 41]. قِيلَ: هُوَ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَنَسٌ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ». 147 - قَالَ الشَّيْخُ، وَهُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضِ الْعِلْمَ بِقَبْضِ

الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ بَامُوَيْهِ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُرْفَعَ الْقُرْآنُ، ثُمَّ يُفِيضُونَ فِي الشِّعْرِ». وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَرْجِعَ الْقُرْآنُ حَيْثُ نَزَلَ، لَهُ دَوِيٌّ حَوْلَ الْعَرْشِ، كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يَقُولُ الرَّبُّ: مَا لَكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أُتْلَى، وَلا يُعْمَلُ بِي ". قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «مَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفِقْهِ، كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ، كَانَ هَلاكًا لَهُ وَلَهُمْ». وَعَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «هَلْ تَدْرِي مَا يَهْدِمُ الإِسْلامَ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ، وَحُكْمُ الأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ». وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبْضُهُ ذَهَابُ أَهْلِهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَتَى يُفْتَقَرُ إِلَيْهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَالتَّعَمُّقَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: تَعَلَّمُوا قَبْلَ الظَّانِّينَ، يَعْنِي: الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ صَالِحِينَ مُتَمَاسِكِينَ مَا أَتَاهُمُ الْعِلْمُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَكَابِرِهِمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ مِنْ أَصَاغِرِهِمْ، هَلَكُوا». وَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ الأَوَّلُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ الآخِرُ، فَإِذَا هَلَكَ الأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الآخِرُ هَلَكَ النَّاسُ. وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَا عَلامَةُ هَلاكِ النَّاسِ؟ قَالَ: إِذَا هَلَكَ عُلَمَاؤُهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الإِسْلامِ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ».

وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: وَأَيُّ عُقُوبَةٍ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَذْهَبَ أَهْلُ الْعِلْمِ. قَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ. قَالَ سُفْيَانُ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْعَابِدِ الْجَاهِلِ، وَفِتْنَةِ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ، فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا جَاءَكَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخُذْهُ، وَدَعْ مَا يَقُولُ هَؤُلاءِ الصَّعَافِقَةُ. قِيلَ: الصَّعَافِقَةُ: الَّذِينَ يَدْخُلُونَ السُّوقَ بِلا رَأْسِ مَالٍ، وَقِيلَ: هُمْ رُذَالَةُ النَّاسِ، أَرَادَ الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ التُّجَّارِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ رَأْسُ مَالٍ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَا تَأْخُذِ الْعِلْمَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَخُذْهُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ: مِنْ مُعْلِنٍ لِلسِّفْلَةِ وَإِنْ كَانَ أَرْوَى النَّاسِ، وَلا مِنْ كَذَّابٍ يَكْذِبُ فِي حَدِيثِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ لَا تَتَّهِمُهُ بِكَذِبٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا مِنْ صَاحِبِ هَوًى يَدْعُو إِلَى هَوَاهُ، وَلا مِنْ شَيْخٍ لَهُ فَضْلٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ

3 - كتاب الطهارة

3 - كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ فَضْلِ الْوُضُوءِ 148 - قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، نَا يَحْيَى، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي سَلامٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يَمْلآنِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالْوُضُوءُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، وَكُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ

حِبَّانَ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبَانٍ، وَقَالَ: " الصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَأَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ اسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ عَمْرٌو. وَزَيْدٌ هُوَ زَيْدُ بْنُ سَلامِ بْنِ أَبِي سَلامٍ الأَسْوَدُ، أَخُو مُعَاوِيَةَ الدِّمَشْقِيِّ. وَأَبُو سَلامٍ اسْمُهُ مَمْطُمورٌ الأَعْرَجُ الأَسْوَدُ الْحَبَشِيُّ، دِمَشْقِيٌّ. قِيلَ فِي قَوْلِهِ: «الطَّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ» أَرَادَ بِالإِيمَانِ الصَّلاةَ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [الْبَقَرَة: 143] أَيْ: صَلاتَكُمْ. 149 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيِّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى الأَنْصَارِيِّ، عَنْ مَعْنٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ قَوْلُهُ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ»، الْوُضُوءُ: اشْتِقَاقُهُ مِنَ الْوَضَاءَةِ، وَهِيَ الْحُسْنُ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَمْرٍو: مَا الْوَضُوءُ؟ يَعْنِي: بِفَتْحِ الْوَاوِ؟ قَالَ: الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ، قُلْتُ: وَالْوُضُوءُ بِالضَّمِّ؟ قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوُضُوءُ بِالضَّمِّ: الْمَصْدَرُ، يُقَالُ: وَضُؤَ وَضَاءَةً وَوُضُوءًا، وَقِيلَ: الْوُضُوءُ: التَّوَضُّؤُ. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ» مَا لَا يَجُوزُ الصَّلاةُ إِلا بِهِ. قَوْلُهُ: «فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». مَعْنَاهُ: أَنَّ هَذِهِ الأَعْمَالَ مِثْلُ مُرَابَطَةِ الْخَيْلِ لِجِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمرَان: 200]، فَالْمُرَابَطَةُ: هِيَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى هَذِهِ الأَعْمَالِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَقِيمُوا عَلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ بِالْحَرْبِ، وَارْتِبَاطِ الْخَيْلِ. 150 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا

أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ، خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاهُ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ 151 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ، فَقَالَ: " السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا بِكُمْ،

إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلا هَلُمَّ، أَلا هَلُمَّ، أَلا هَلُمَّ. فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: فَسُحْقًا، فَسُحْقًا، فَسُحْقًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ مَعْنٍ، عَنْ مَالِكٍ

قَوْلُهُ: «وَأَنَا فَرَطُهُمْ» أَيْ: أَتَقَدَّمُهُمْ، وَالْفَرَطُ وَالْفَارِطُ: الْمُتَقَدِّمُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ، يُقَالُ: فَرَطْتَ الْقَوْمَ: إِذَا تَقَدَّمْتَهُمْ لِتَرْتَادَ لَهُمُ الْمَاءَ، وَتُهَيِّئَ الدِّلاءَ وَالرِّشَاءَ. قَوْلُهُ: «أَلا هَلُمَّ»، أَيْ: تَعَالَوْا. قَوْلُهُ: «سُحْقًا» أَيْ: بُعْدًا، يُرِيدُ: بَاعَدَهُمُ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الْملك: 11] وَالسَّحِيقُ: الْبَعِيدُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الْحَج: 31]. 152 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمْرَانَ، أَنَّ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعُثْمَانُ هُوَ ابْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْقُرَشِيُّ أَبُو عَمْرٍو، قُتِلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ، وَحُمْرَانُ هُوَ حُمْرَانُ بْنُ أَبَانٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. 153 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمْرَانَ، مَوْلَى عُثْمَانَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ يَوْمًا، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَآذَنَهُ بِصَلاةِ الْعَصْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَوْلا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنَ امْرِئٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلاةَ إِلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاةِ الأُخْرَى، حَتَّى يُصَلِّيَهَا».

قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ يُرِيدُ هَذِهِ الآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114] الآيَةَ، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: الآيَةُ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [الْبَقَرَة: 159] 154 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ الْمُحَارِبِيِّ، سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانٍ، يُحَدِّثُ أَبَا بُرْدَةَ، فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، وَأَنَا قَائِمٌ مَعَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «

مَنْ أَتَمَّ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ 155 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاةُ، وَلا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلا مُؤْمِنٌ». هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَيُرْوَى مُتَّصِلا عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، وَثَوْبَانُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو كَبْشَةَ السَّلُولِيُّ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ قَوْلُهُ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا». أَيْ: لَنْ تُطِيقُوا، وَقَوْلُهُ: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] أَيْ: لَنْ تُطِيقُوهُ.

باب ما يوجب الوضوء

بَابُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ 156 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْبَلُ صَلاةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَّلَمَ، قَالَ: " لَا وُضُوءَ إِلا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ

157 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَبَا الْمَلِيحِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبُو الْمَلِيحِ اسْمُهُ عَامِرٌ، وَيُقَالُ: زَيْدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الْهُذَلِيُّ، وَلأَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ صُحْبَةٌ. 158 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا زَائِدَةُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ السُّلَمِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ رَجُلا يَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَسَأَلَ، فَقَالَ: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَبُو حُصَيْنٍ اسْمُهُ عَاصِمُ بْنُ عُثْمَانَ كُوفِيٌّ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْيَ نَجِسٌ، وَأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْوُضُوءَ عَلَى غَسْلِ الذَّكَرِ يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ الْوُضُوءَ عَلَى الاسْتِنْجَاءِ، فَأَمَّا تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ عَلَى الاسْتِنْجَاءِ فَلا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. 159 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ، فَقَالَ: «فِيهِ الْوُضُوءُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ

أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ: " يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْحَنَفِيَّةُ أُمُّهُ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْقَاسِمِ، يُقَالُ: كَانَتْ رُخْصَةً مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ. وَمُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ هُوَ مُنْذِرُ بْنُ يَعْلَى أَبُو يَعْلَى. وَالْمِقْدَادُ هُوَ ابْنُ عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ، يُكَنَّى أَبَا سَعِيدٍ، وَيُقَالُ لَهُ: الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ، نُسِبَ إِلَى الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَبَنَّاهُ وَهُوَ صَغِيرٌ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنَ الْمَذْيِ الْوُضُوءُ، وَمِنَ الْمَنِيِّ الْغُسْلُ». قَالَ الشَّيْخُ: إِذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ شَيْءٌ يَنْتَقِضُ بِهِ الطُّهْرُ، سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ رِيحًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ رَبِيعَةُ: خُرُوجُ غَيْرِ الْمُعْتَادِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَقَالَ مَالِكٌ كَذَلِكَ إِلا دَمَ الاسْتِحَاضَةِ. أَمَّا خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجَيْنِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،

وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنَ التَّابِعِينَ: عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «اغْسِلْ أَثَرَ الْمَحَاجِمِ عَنْكَ وَحَسْبُكَ». وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَنِ احْتَجَمَ: «لَيْسَ عَلَيْهِ إِلا غَسْلُ مَحَاجِمِهِ». وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا، وَمَضَى فِي صَلاتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلاتِهِ».

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى إِيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ، مِنْهُمْ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا: 160 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشَّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، نَا أَبِي، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. ح قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، وحَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَهَذَا حَدِيثُ عَمَّارٍ، نَا يَعِيشُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ.

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَعْدَانَ، وَهُوَ مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيُّ، وَيَعْمُرُ: بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ. وَيَعِيشُ هُوَ يَعِيشُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ الْقُرَشِيُّ شَامِيٌّ.

باب الوضوء من النوم

بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ 161 - قَالَ الشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَحْمَدَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: " أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ، قَالَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ، قُلْتُ: إِنَّهُ حَاكَ فِي نَفْسِي الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، وَكُنْتَ امْرَأً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُكَ أَسْأَلُكَ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا أَوْ مُسَافِرِينَ أَلا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ

مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 162 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: " أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ حَكَّ فِي صَدْرِي مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَهَلْ سَمِعْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنَّا سَفْرًا، أَوْ مُسَافِرِينَ أَنْ لَا نَخْلَعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ مِنْ غَائِطٍ وَلا بَوْلٍ وَلا نَوْمٍ إِلا الْجَنَابَةُ

وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ أَبُو مَرْيَمَ الأَسَدِيُّ. قَالَ الشَّيْخُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ، مِنْهَا جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّ مُدَّةَ الْمَسْحِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، وَأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ دُونَ الْجُنُبِ، فَإِذَا أَجْنَبَ الْمَاسِحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ حَدَثٌ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ نَامَ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَمِنَ التَّابِعِينَ: الْحَسَنُ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَالْمُزَنِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ». وَالسَّهُ: حَلَقَةُ الدُّبُرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «وَجَبَ الْوُضُوءُ عَلَى كُلِّ نَائِمٍ إِلا مَنْ خَفَقَ بِرَأْسِهِ خَفْقَةً أَوْ خَفْقَتَيْنِ».

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ، إِلا أَنْ يَنَامَ قَاعِدًا، فَلا وُضُوءَ عَلَيْهِ، لِمَا: 163 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا الثِّقَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ، أَحْسِبُهُ قَالَ: قُعُودًا، حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلا يَتَوَضَّئُونَ " وَعَنْ نَافِعٍ: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَنَامُ قَاعِدًا، ثُمَّ يُصَلِّي، وَلا يَتَوَضَّأُ». وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ سَاجِدًا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنَامَ مُضْطَجِعًا، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لِمَا: 164 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّهْيلِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، أَنا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ،

عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَمَا يُعْرَفُ نَوْمُهُ إِلا بِنَفْخِهِ، ثُمَّ يَقُومُ وَيَمْضِي فِي صَلاتِهِ» وَيُرْوَى عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ «أَنَّ النَّوْمَ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِحَالٍ»، وَهُوَ قَوْلُ الأَعْرَجِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ قَلِيلَ النَّوْمِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: " كَانُوا لَا يَرَوْنَ بِغِرَارِ النَّوْمِ بَأْسًا، يَعْنِي: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ "، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَأَصْلُ الْغِرَارِ: النُّقْصَانُ، وَأَرَادَ بِغِرَارِ النَّوْمِ: قِلَّتَهُ.

باب الوضوء من مس الفرج

بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ 165 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَذَكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ، فَقَالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ 166 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَارِفِ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا شَيْءٌ، فَلْيَتَوَضَّأْ» وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ هُوَ الْمَقْبُرِيُّ، نُسِبَ إِلَى مَقْبُرَةٍ، وَكُنْيَتُهُ

أَبُو سَعْدٍ، وَاسْمُ أَبِيهِ كَيْسَانُ، مُكَاتَبُ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، مَدِينِيٌّ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ شَيْخُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِذَا مَسَّتِ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا تَوَضَّأَتْ». قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَذَهَبَ إِلَى إِيجَابِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَمِنَ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَمَسُّ فَرْجَهَا أَوْ فَرْجَ غَيْرِهَا، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ «لَا يَنْتَقِضُ إِلا أَنْ يَمَسَّ بِبَطْنِ الْكَفِّ أَوْ بِبُطُونِ الأَصَابِعِ»، وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ: «إِذَا مَسَّ بِظَهْرِ كَفِّهِ أَوْ سَاعِدِهِ يَنْتَقِضُ». وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَحُذَيْفَةَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ، فَقَالَ: «هَلْ هُوَ إِلا مُضْغَةٌ أَوْ بَضْعَةٌ مِنْهُ».

وَمَنْ أَوْجَبَ فِيهِ الْوُضُوءَ أَجَابَ بِأَنَّ خَبَرَ بُسْرَةَ مُتَأَخِرٌّ، لأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الإِسْلامِ، وَكَانَ قُدُومُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ زَمَنِ الْهِجْرَةِ حِينَ كَانَ يُبْنَى الْمَسْجِدُ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِآخِرِ الأَمْرَيْنِ.

باب الوضوء من لمس المرأة

بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ لَمْسِ الْمَرْأَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النِّسَاء: 43]. 177 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهُ بِيَدِهِ مِنَ الْمُلامَسَةِ، فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ» قَالَ الشَّيْخُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ، أَوْ مَسَّهَا بِيَدِهِ، وَلا حَائِلَ بَيْنَهُمَا، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءَهُمَا، يُرْوَى ذَلِكَ: عَنْ عُمَرَ،

وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَحَمَلُوا اللَّمْسَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النِّسَاء: 43] عَلَى غَيْرِ الْجِمَاعِ. وَلَمْسُ الشَّعَرِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ يُوجِبُهُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءَ بِلَمْسِ الْمَرْأَةِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا: 168 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ السَّهْلِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَنا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعٌ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ،

عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» قُلْتُ: مَنْ هِيَ إِلا أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ. وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: هُوَ شِبْهُ لَا شَيْءٍ، وَضَعَّفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَقَالَ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ، وَلا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ

باب ترك الوضوء مما مست النار

بَابُ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ 169 - قَالَ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ السَّامَرِّيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، كِلاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ كُنْيَتُهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخُوهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ. وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كُنْيَتُهُ: أَبُو أُسَامَةَ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: أَكْلُ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ، كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَتَوَضَّأُ مِنَ السُّكَّرِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَلَوْ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ». وَالثَّوْرُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الأَقِطِ، وَجَمْعُهُ أَثْوَارٌ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَسُئِلَ جَابِرٌ عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، قَالَ: «كُنَّا لَا نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ إِلا قَلِيلا، فَإِذَا نَحْنُ وَجَدْنَاهُ، لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنَادِيلُ إِلا أَكُفُّنَا وَسَوَاعِدُنَا وَأَقْدَامُنَا، ثُمَّ نُصَلِّي وَلا نَتَوَضَّأُ». وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ». وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، فَقَالَ: «الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ، لأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إِلا طَيِّبًا، وَلا يَخْرُجُ إِلا خَبِيثًا».

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الإِبِلِ خَاصَّةً، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ، فَقَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْهَا». وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «لَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهَا». وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاةِ فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ، فَقَالَ: «لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ». وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «صَلُّوا فِيهَا، فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ».

وَذَهَبَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَكْلَ لَحْمِ الإِبِلِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ وَالْفَمِ لِلنَّظَافَةِ، كَمَا رُوِيَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَضْمَضَ مِنَ اللَّبَنِ، وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا» وَخَصَّ لَحْمَ الإِبِلِ بِهِ، لِشِدَّةِ زُهُومَتِهِ. قَالَ الْحَسَنُ: الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ، وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ. قَالَ قَتَادَةُ: مَنْ غَسَلَ يَدَيْهِ فَقَدْ تَوَضَّأَ.

باب المضمضة من اللبن والسويق

بَابُ الْمَضْمَضَةِ مِنَ اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ 170 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ، وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ الأَعْمَى، كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مَاتَ قَبْلَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمَاتَ عَلِيٌّ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ.

71 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ، أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ، وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ، نَزَلَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ، فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «ثُرِّيَ». أَيْ بُلَّ فِيهِ، يُقَالُ: ثَرَّيْتُ السَّوِيقَ، أَيْ: بَلَلْتُهُ، وَالثَّرَى: التُّرَابُ النَّدِيُّ الَّذِي تَحْتَ التُّرَابِ الظَّاهِرِ. قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمَضْمَضَةُ بِالْمَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ عَنْ كُلِّ مَا لَهُ دُسُومَةٌ، أَوْ يَبْقَى فِي الْفَمِ مِنْهُ بَقِيَّةٌ تَصِلُ إِلَى بَاطِنِهِ فِي الصَّلاةِ.

باب من شك في الحدث بنى على اليقين

بَابُ مَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ 172 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، نَا الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: " شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ فِي الصَّلاةِ، فَقَالَ: لَا يَنْفَتِلُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ وَقَوْلُهُ: «حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا». مَعْنَاهُ: حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْحَدَثَ، لَا أَنَّ سَمَاعَ الصَّوْتِ، أَوْ وُجُودَ الرِّيحِ شَرْطٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَصَمَّ

لَا يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَيَكُونُ أَخْشَمَ لَا يَجِدُ الرِّيحَ، وَيَنْتَقِضُ طُهْرُهُ إِذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ. قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ، قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: خُرُوجُ الرِّيحِ مِنَ الْقُبُلِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا وُضُوءَ إِلا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ». وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَمَنْ تَيَقَّنَ فِي الطَّهَارَةِ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَلَوْ تَيَقَّنَ فِي الْحَدَثِ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، وَلَوْ شَكَّ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ، وَلَوْ تَيَقَّنَ النِّكَاحَ، وَشَكَّ فِي الطَّلاقِ، كَانَ عَلَى النِّكَاحِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الصَّلاةَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَإِنِ اعْتَرَضَ الشَّكُّ فِي الصَّلاةِ مَضَى فِي صَلاتِهِ.

وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرْيَرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ، فَوَجَدَ رِيحًا بَيْنَ أَلْيَتْيَهِ، فَلا يَخْرُجْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا». وَسُئِلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنِ الْبَلَلِ يَجِدُهُ؟ فَقَالَ: انْضَحْ تَحْتَ ثَوْبِكَ بِالْمَاءِ وَالْهَ عَنْهُ. وَسَأَلَ رَجُلٌ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: إِنِّي لأَجِدُ الْبَلَلَ وَأَنَا أُصَلِّي، أَفَأَنْصَرِفُ؟، فَقَالَ سَعِيدٌ: لَوْ سَالَ عَلَى فَخِذِي مَا انْصَرَفْتُ حَتَّى أَقْضِيَ صَلاتِي. قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي دَفْعِ الشَّكِّ عَنِ الْقَلْبِ، وَرَدِّ الْوَسْوَاسِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: إِذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ اسْتِيقَانًا يَقْدِرُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ.

باب أدب الخلاء

بَابُ أَدَبِ الْخَلاءِ 173 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ، فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ، فَلا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلا يَسْتَدْبِرْهَا لِغَائِطٍ، وَلا بَوْلٍ، وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ». «وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ، وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ»، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، وَقَالَ: " إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ» كَلامُ بَسْطٍ وَتَأْنِيسٍ لِلْمُخَاطَبِينَ لِئَلا يَحْتَشِمُوهُ، وَلا يَسْتَحْيُوا عَنْ مَسْأَلَتِهِ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، كَمَا لَا يَسْتَحْيِي الْوَلَدُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْوَالِدِ فِيمَا عَنَّ وَعَرَضَ لَهُ، وَفِي هَذَا بَيَانُ وُجُوبِ طَاعَةِ الآبَاءِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ تَأْدِيبُ أَوْلادِهِمْ، وَتَعْلِيمُهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ. قَوْلُهُ: «وَلْيَسْتَنْجِ» أَصْلُ الاسْتِنْجَاءِ فِي اللُّغَةِ: الذَّهَابُ إِلَى النَّجْوَةِ مِنَ الأَرْضِ، لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَالنَّجْوَةُ: الْمُرْتَفَعَةُ مِنْهَا، كَانُوا يَسْتَتِرُونَ بِهَا إِذَا قَعَدُوا لِلتَّخَلِّي، فَقِيلَ عَلَى هَذَا: قَدِ اسْتَنْجَى الرَّجُلُ، أَيْ: أَزَالَ النَّجْوَ عَنْ بَدَنِهِ، وَالنَّجْوُ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَدَثِ، كَمَا كُنِّيَ عَنْهُ بِالْغَائِطِ، وَأَصْلُ الْغَائِطِ: الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الأَرْضِ كَانُوا يَنْتَابُونَهُ لِلْحَاجَةِ، فَكَنُّوا بِهِ عَنْ نَفْسِ الْحَدَثِ كَرَاهِيَةً لِذِكْرِهِ بِخَاصِّ اسْمِهِ. وَقِيلَ: الاسْتِنْجَاءُ: نَزْعُ الشَّيْءِ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: نَجَوْتُ الرُّطَبَ وَاسْتَنْجَيْتُهُ: إِذَا جَنَيْتُهُ، وَاسْتَنْجَيْتُ الْوَتَرَ: إِذَا خَلَّصْتُهُ مِنْ أَثْنَاءِ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ. وَالرِّمَّةُ: الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ، سُمِّيَتْ رِمَّةً، لأَنَّ الإِبِلَ تَرُمُّهَا، أَيْ:

تَأْكُلُهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] وَالرَّمِيمُ مِثْلُ الرِّمَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ: النَّهْيُ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى تَعْمِيمِ النَّهْيِ، وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الصَّحَرَاءِ وَالْبُنْيَانِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَاحْتَجَّ هَؤُلاءِ بِمَا 174 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: «نَهَى أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا». قَالَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْمَرَاحِيضُ: جَمْعُ الْمِرْحَاضِ، وَهُوَ الْمُغْتَسَلُ، يُقَالُ: رَحَضْتُ الثَّوْبَ إِذَا غَسَلْتُهُ، وَأَرَادَ بِهَا الْمَوَاضِعَ الَّتِي بُنِيَتْ لِلْغَائِطِ. وَقَوْلُهُ: «شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» هَذَا خِطَابٌ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلِمَنْ كَانَتْ قِبْلَتُهُ عَلَى ذَلِكَ السَّمْتِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ قِبْلَتُهُ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُ يَنْحَرِفُ إِلَى الْجَنُوبِ أَوِ الشَّمَالِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى النَّهْيِ عَنِ الاسْتِقْبَالِ وَالاسْتِدْبَارِ فِي الصَّحَرَاءِ، فَأَمَّا فِي الأَبْنِيَةِ، فَلا بَأْسَ فِيهَا بِاسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَحَمَلُوا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ عَلَى الصَّحَرَاءِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا 175 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ 176 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ لِحَاجَتِكَ، فَلا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلا بَيْتَ الْمَقْدِسِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَقَدِ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ

177 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِيهِ هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، كِلاهُمَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " ظَهَرْتُ عَلَى إِجَّارٍ لِحَفْصَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى سَطْحٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عَلَى حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الإِجَّارُ: هُوَ السَّطْحُ، وَجَمْعُهُ أَجَاجِيرُ وَأَجَاجِرَةٌ، وَهُوَ مِنْ كَلامِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الشَّامِ. وَوَاسِعٌ هُوَ وَاسِعُ بْنُ حَبَّانَ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ، مَازِنِيٌّ. وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟! قَالَ: " إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلا بَأْسَ.

وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّحَرَاءِ وَالْبُنْيَانِ: إِنَّ الصَّحَرَاءَ لَا تَخْلُو عَنْ مُصَلٍّ مِنْ مَلَكٍ، أَوْ إِنْسِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ، فَإِذَا قَعَدَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ مُسْتَدْبِرَهَا رُبَّمَا يَقَعُ بَصَرُ مُصَلٍّ عَلَى عَوْرَتِهِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَأْمُونٌ فِي الأَبْنِيَةِ، فَإِنَّ الْحُشُوشَ يَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ. وَقَوْلُهُ: «وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ». فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ حَصَلَ الإِنْقَاءُ بِمَا دُونَهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلِ الإِنْقَاءُ بِالثَّلاثِ يَجِبُ أَنْ يَزِيدَ حَتَّى يَحْصُلَ. ثُمَّ إِنْ حَصَلَ الإِنْقَاءُ بَعْدَ الثَّلاثِ بِشَفْعٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتِمَ بِالْوِتْرِ، وَلا يَجِبُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ لَا فَلا حَرَجَ». وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الإِنْقَاءَ إِذَا حَصَلَ بِأَقَلَّ مِنْ

ثَلاثٍ، جَازَ الاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهَذَا عِنْدَ الآخَرِينَ فِيمَا بَعْدَ الثَّلاثِ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الأَمْرِ بِالاسْتِنْجَاءِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ. وَذَهَبَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ اسْتِحْبَابٌ، وَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ، فَصَلَّى مَعَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِنْجَاءٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ، فَلا يَجُوزُ حَتَّى يَغْسِلَ بِالْمَاءِ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَنَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الاسْتِنْجَاءَ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَجَرِ، بَلْ يَجُوزُ بِكُلِّ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْحَجَرِ فِي الإِنْقَاءِ، وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ جَامِدًا طَاهِرًا قَالِعًا غَيْرَ مُحْتَرَمٍ، مِثْلُ: الْمَدَرِ، وَالْخَشَبِ، وَالْخَزَفِ، وَالْخِرَقِ وَنَحْوِهَا، وَلا يَجُوزُ بِمَا يَكُونُ نَجِسًا قِيَاسًا عَلَى الرَّوْثِ، وَلا يَجُوزُ بِمَا لَا يَقْلَعُ كَالأَمْلَسِ مِنَ الأَشْيَاءِ، لأَنَّهُ يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ وَلا يَقْلَعُهَا، وَلا يَجُوزُ بِالْعَظْمِ، لأَنَّ النَّجِسَ مِنْهُ كَالرَّوْثِ، وَالطَّاهِرَ مِنْهُ فِي مَعْنَى الطَّعَامِ. 178 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الأُسْتَاذُ الطُّوسِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ الْهَرَوِيُّ، نَا لاحِقُ بْنُ الحُسَينِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي الوَرْدِ الْمَقْدِسِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَيْلانَ الْخَزَّازُ السُّوسِيُّ، نَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَسْتَنْجُوا بِالْعِظَامِ وَلا بِالرَّوْثِ، فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ» قَالَ أَبُو عِيسَى: قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ». وَكَأَنَّ رِوَايَةَ إِسْمَاعِيلَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَفِي مَعْنَى الْعَظْمِ جِلْدُ الْمُذَكَّاةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ، لَا يَجُوزُ الاسْتِنْجَاءُ بِهِ، لأَنَّهُ مَأْكُولٌ مِنَ الْمَسْمُوطِ.

179 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو وَجْزَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي الاسْتِنْجَاءِ: «بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ». قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الرَّجِيعُ قَدْ يَكُونُ الرَّوْثَ، سُمِّيَ بِهِ، لأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ حَالِهِ الأُولَى بَعْدَ أَنْ كَانَ طَعَامًا إِلَى غَيْرِهَا، وَقَدْ يَكُونُ الْحَجَرَ الَّذِي اسْتُنْجِيَ بِهِ مَرَّةً، رَجَعَ إِلَيْهِ فَاسْتَنْجَى بِهِ 180 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ،

عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، انْهَ أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ، أَوْ رَوْثَةٍ، أَوْ حُمَمَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا، قَالَ: فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَالْحُمَمَةُ: الْفَحْمُ وَمَا أُحْرِقَ مِنَ الْخَشَبِ وَالْعِظَامِ وَنَحْوِهِمَا، فَقَدْ قِيلَ: كُلَّهَا طَعَامُ الْجِنِّ، وَالاسْتِنْجَاءُ بِهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهَا الْعَظْمُ الْمُحْتَرِقُ. وَقِيلَ: النَّهْيُ عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالْفَحْمِ، لأَنَّهُ رِخْوٌ يَتَفَتَّتُ إِذَا نَالَهُ غَمْزٌ، وَيَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ، وَلا يُقْلِعُ الأَذَى، وَفِي مَعْنَاهُ التُّرَابُ، وَفُتَاتُ الْمَدَرِ. قَوْلُهُ: «وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ» وَيُرْوَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ. وَالْمُرَادُ مِنَ الاسْتِطَابَةِ: الاسْتِنْجَاءُ، يُقَالُ: اسْتَطَابَ الرَّجُلُ، فَهُوَ مُسْتَطِيبٌ، وَأَطَابَ، فَهُوَ مُطِيبٌ، وَمَعْنَى الطِّيبِ هَهُنَا: الطَّهَارَةُ، لأَنَّهُ يُطَيِّبُ جَسَدَهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَ الْخُبْثِ بِالاسْتِنْجَاءِ.

قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: النَّهْيُ عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ نَهْيُ أَدَبٍ. 181 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، نَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلاءَ فَلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَأَبُو قَتَادَةَ اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ. 182 - أَنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ،

نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيُمْنَى لِطَهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلائِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى» فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَمَعَ الْحَدِيثُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: النَّهْيُ عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ، وَالثَّانِي: النَّهْيُ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيُمْنَى، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ مِنَ الْبَوْلِ كَيْفَ يَعْمَلُ، وَلا يُمْكِنُهُ إِلا بِارْتِكَابِ أَحَدِهِمَا، لأَنَّهُ إِنْ أَخَذَ الْحَجَرَ بِشِمَالِهِ يَحْتَاجُ أَنْ يَمَسَّ الذَّكَرَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ، كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِالْيَمِينِ؟ قِيلَ: الصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يَأْخُذَ الذَّكَرَ بِشِمَالِهِ، فَيُمِرَّهُ عَلَى جِدَارٍ، أَوْ مَوْضِعٍ نَاتِئٍ مِنَ الأَرْضِ، أَوْ عَلَى حَجَرٍ ضَخْمِ لَا يَزُولُ عَنْ مَكَانِهِ، فَإِنْ أَدَّتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى الاسْتِنْجَاءِ بِحَجَرٍ صَغِيرٍ، قَعَدَ عَلَى

الأَرْضِ، فأَمْسَكَ الْحَجَرَ بَيْنَ عَقِبَيْهِ، فَأَمَرَّ الْعُضْوَ عَلَيْهِ بِشِمَالِهِ. قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَخَذَ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ، وَأَمَرَّ الْعُضْوَ عَلَيْهِ بِشِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَرِكَّ يَمِينَهُ.

باب الاستتار عند قضاء الحاجة

بَابُ الاسْتِتَارِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ 183 - أخبرنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا، فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ

قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ: «كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ»، وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرَةٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ وَالْجَرِيدَةُ: السَّعَفَةُ، وَجَمْعُهَا جَرِيدٌ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَوْلُهُ: «وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرَةٍ» مَعْنَاهُ: أَنَّهُمَا لَمْ يُعَذَّبَا فِي أَمْرٍ كَانَ يَكْبُرُ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا الاحْتِرَازُ عَنْهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشُقُّ عَلَيْهِمَا الاسْتِتَارُ عِنْدَ الْبَوْلِ، وَتَرْكُ النَّمِيمَةِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الأَمْرَ فِيهِمَا هَيِّنٌ غَيْرُ كَبِيرٍ فِي أَمْرِ الدِّينِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ». وَبَعْضُهُمْ

يَرْوِي «لَمْ يَكُنْ يَسْتَنْتِرُ مِنَ الْبَوْلِ»، وَالاسْتِنْتَارُ مِنَ الْبَوْلِ، وَالاسْتِنْثَارُ كَالاجْتِذَابِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، يَعْنِي: الاسْتِبْرَاءَ، وَالنَّتْرُ: الْجَذْبُ بِالْعُنْفِ. وَقَوْلُهُ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا». قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: فَإِنَّهُ مِنْ نَاحِيَةِ التَّبَرُّكِ بِأَثَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدُعَائِهِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا، فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مُدَّةَ بَقَاءِ النَّدَاوَةِ فِيهِمَا حَدًّا لِمَا وَقَعَتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ فِي الْجَرِيدِ الرَّطْبِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِسِ. وَقِيلَ: إِنَّ الرَّطْبَ مِنْهُ يُسَبِّحُ. وَقِيلَ لِلْحَسَنِ: هَلْ يُسَبِّحُ هَذَا الْخَشَبُ؟ قَالَ: كَانَ يُسَبِّحُ، فَأَمَّا الآنَ فَلا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُبُورِ، لأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بَرَكَةً وَثَوَابًا. وَفِي الْحَدِيثِ وُجُوبُ الاسْتِتَارِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.

184 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ، قَالَ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ: «ائْتِنِي بِوَضُوءٍ» قَالَ: فَجِئْتُهُ بِوَضُوءٍ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «أَبْعَدَ» أَيْ: أَمْعَنَ فِي الذَّهَابِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لِمَوْضِعِ الْغَائِطِ: الْخَلاءُ، وَالْمَذْهَبُ، وَالْمِرْفَقُ، وَالْمِرْحَاضُ.

185 - أَنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ «إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ، فَلْيَسْتَدْبِرْهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ»، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ، لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ»، يَرْوِيهِ الأَعْمَشُ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنِ ابْنِ

عُمَرَ، وَكُلٌّ مُرْسَلٌ، لأَنَّ الأَعْمَشَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ نَظَرَ إِلَى أَنَسٍ. وَفِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى: «كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَبْوَالَ كُلَّهَا نَجِسَةٌ، وَالاحْتِرَازُ عَنْهَا وَاجِبٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ، فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ». يَعْنِي: لِيَطْلُبْ مَكَانًا سَهْلا، حَتَّى لَا يَرْتَدَّ إِلَيْهِ الْبَوْلُ. وَالدَّمِثُ: الْمَكَانُ اللَّيِّنُ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ «يَرْتَادُ لِبَوْلِهِ مَكَانًا كَمَا يَرْتَادُ مَنْزِلا».

باب ما يقول إذا دخل الخلاء

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ 186 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ، حَدَّثَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، أَنا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ

وَالْخُبُثُ، بِضَمِّ الْبَاءِ: جَمْعُ الْخَبِيثِ، وَالْخَبَائِثُ: جَمْعُ الْخَبِيثَةِ، يُرِيدُ: ذُكْرَانَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي «الْخُبْثَ» بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَقَالَ: الْخُبْثُ: الْكُفْرُ، وَالْخَبَائِثُ: الشَّيَاطِينُ، وَخَصَّ الْخَلاءَ بِهِ، لأَنَّ الشَّيَاطِينَ تَحْضُرُ الأَخْلِيَةَ، لأَنَّهُ يُهْجَرُ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُوِيَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ ".

وَقَوْلُهُ: «مُحْتَضَرَةٌ» يَعْنِي: تَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ. 187 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، نَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ سَلْمَانَ، حَدَّثَنِي خَلادٌ الصَّفَّارُ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّضْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ، وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الْخَلاءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ

188 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، أَنا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ، قَالَ: «غُفْرَانَكَ». مَعْنَاهُ: أَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} [الْبَقَرَة: 285] أَيِ: اعْطِنَا غُفْرَانَكَ، فَكَأَنَّهُ رَأَى تَرْكَهُ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ زَمَانَ لَبْثِهِ عَلَى الْخَلاءِ تَقْصِيرًا مِنْهُ، فَتَدَارَكَهُ بِالاسْتِغْفَارِ 189 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا أَبُو أُسَامَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ الْخَلِيلِ، نَا يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، نَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ وَضَعَهُ "، هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ

باب كراهية الكلام على قضاء الحاجة

بَابُ كَرَاهِيَةِ الْكَلامِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ 190 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ، نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، نَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ عِيَاضٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ، فَإِنَّ اللَّهِ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلا عِكْرِمَةُ قَوْلُهُ: «يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ». قَالَ أَبُو عُمَرَ صَاحِبُ أَبِي الْعَبَّاسِ:

يُقَالُ: ضَرَبْتُ الأَرْضَ: إِذَا أَتَيْتُ الْخَلاءَ، وَضَرَبْتُ فِي الأَرْضِ: إِذَا سَافَرْتُ. قَالَ الإِمَامُ: وَلا يَذْكُرُ اللَّهَ بِلِسَانِهِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: «سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ». وَإِذَا عَطَسَ عَلَى الْخَلاءِ يَحْمَدُ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ. وَقَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَعْطِسُ وَأَنَا عَلَى الْحَاجَةِ كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اذْكُرِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ، وَاسْمُ بِطَرْفِكَ إِلَى السَّمَاءِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكَذَا يَفْعَلُ، وَلا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْمُجَامَعَةِ.

باب المواضع التي نهي عن قضاء الحاجة فيها

بَابُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهَا 191 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ أَوِ اللَّعْنَتَيْنِ» قَالُوا: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَقَالَ: «اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ» وَمَعْنَاهُ: اتَّقُوا الأَمْرَيْنِ الْجَالِبَيْنِ لِلَّعْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا، لُعِنَ وَشُتِمَ.

وَالْمُرَادُ مِنَ الظِّلِّ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يَسْتَظِلُّهُ النَّاسُ، وَاتَّخَذُوهُ مَحَلَّ نُزُولِهِمْ، وَلَيْسَ كُلُّ ظِلٍّ يَحْرُمُ الْقُعُودُ لِلْحَاجَةِ فِيهِ، فَقَدْ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ حَائِشٍ مِنَ النَّخْلِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، وَحَائِشُ النَّخْلِ: جَمَاعَةٌ مِنْهَا. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ فِي مُسْتَحَمِّهِ»، وَقَالَ: إِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ ". وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُسْتَحَمِّ: الْمُغْتَسَلُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَمِيمِ، وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ. وَقَد كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْبَوْلَ فِي الْمُغْتَسَلِ، وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمُ ابْنُ سِيرِينَ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ؟ فَقَالَ: رَبُّنَا اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: قَدْ وُسِّعَ فِي الْمُغْتَسَلِ إِذَا جَرَى فِيهِ الْمَاءُ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَكَانُ صُلْبًا أَوْ مُبَلَّطًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْلَكٌ يَنْفُذُ فِيهِ الْبَوْلُ، وَيَسِيلُ إِلَيْهِ الْمَاءُ، فَيَتَوَهَّمُ الْمُغْتَسِلُ أَنَّهُ أَصَابَهُ شَيْءٍ مِنْ رَشَاشِهِ، فَيُورِثُهُ الْوَسْوَاسَ. 192 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ»، قَالَ: قَالُوا لِقَتَادَةَ: مَا يُكْرَهُ مِنَ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ " وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ بَصْرِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ، كُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَيُقَالُ: أَبُو زِيَادٍ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو بَرْزَةَ، وَيُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ.

باب البول قائما

بَابُ الْبَوْلِ قَائِمًا 193 - أخبرنَا الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُبَاطَةِ بَنِي فُلانٍ، فَبَالَ قَائِمًا، فَتَنَحَّيْتُ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ خَيْثَمَةَ، كِلاهُمَا، عَنِ الأَعْمَشِ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ، مَاتَ بَعْدَ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا.

وَالسُّبَاطَةُ: مَلْقَى التُّرَابِ وَالْقُمَامِ يَكُونُ بِفِنَاءِ الدَّارِ، وَيَكُونُ فِي الأَغْلَبِ مُرْتَفِعًا عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، لَا يَرْتَدُّ فِيهِ الْبَوْلُ عَلَى الْبَائِلِ، وَيَكُونُ سَهْلا يَخُدُّ فِيهِ الْبَوْلُ. وَقِيلَ فِي بَوْلِهِ قَائِمًا: إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا لِلْقُعُودِ، وَقِيلَ: كَانَ بِرِجْلِهِ جُرْحٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْقُعُودِ مَعَهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ»، الْمَأْبِضُ: بَاطِنُ الرُّكْبَةِ. وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَشْفِي لِوَجَعِ الصُّلْبِ بِالْبَوْلِ قَائِمًا، فَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ ذَلِكَ، وَإِلا فَالْمُعْتَادُ مِنْ فِعْلِهِ الْبَوْلُ قَاعِدًا، وَهُوَ الاخْتِيَارُ». وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبُولُ قَائِمًا، فَلا تُصَدِّقُوهُ». وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُولُ قَائِمًا، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ، لَا تَبُلْ قَائِمًا» وَلَيْسَ هَذَا تَحْرِيمًا، بَلْ هُوَ نَهْيُ تَأْدِيبٍ.

باب البول في الإناء

بَابُ الْبَوْلِ فِي الإِنَاءِ 194 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ حُكَيْمَةَ بِنْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ، عَنْ أُمِّهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عِيدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ»

باب الاستنجاء بالماء

بَابُ الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ 195 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مَيْمُونَةَ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلاءَ، فَأَحْمِلُ، وَأَنَا غُلامٌ، إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ، وَعَنَزَةً يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ أَبُو مُعَاذٍ، مَوْلَى أَنَسٍ، بَصْرِيٌّ، كَانَ يَرَى الْقَدَرَ 196 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ،

أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ، نَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى الْخَلاءَ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ، أَوْ رَكْوَةٍ، فَاسْتَنْجَى، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ آخَرَ فَتَوَضَّأَ» قَالَ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَسْحِ بِالْحَجَرِ فِي الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، وَلَمْ يَغْسِلْ ذَلِكَ الْمَحَلُّ بِالْمَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ إِذَا أَنْقَى بِالْحَجَرِ أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، غَيْرَ أَنَّ الاخْتِيَارَ أَنْ يَغْسِلَ بِالْمَاءِ، لأَنَّهُ أَنْقَى، وَالأَفْضَلُ أَنْ يَغْسِلَهُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الْحَجَرِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ الاقْتِصَارُ عَلَى الْحَجَرِ إِذَا لَمْ يَنْتَشِرِ الْخَارِجُ

انْتِشَارًا مُتَفَاحِشًا خَارِجًا عَنِ الْعَادَةِ، فَإِنْ تَفَاحَشَ، وَجَبَ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ، وَإِذَا غَسَلَ مَحَلَّ الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْلُكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ يَغْسِلَهَا، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ. وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَالَ تَوَضَّأَ وَيَنْتَضِحُ». وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، قَالَ: " جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْتَضِحْ ". فَقَدْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالانْتِضَاحِ هُوَ الاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ رَشُّ الْفَرْجِ، وَدَاخِلَةِ الإِزَارُ بِالْمَاءِ بَعْدَ الاسْتِنْجَاءِ لِيَدْفَعَ بِذَلِكَ وَسْوَسَةَ الشَّيْطَانِ.

باب السواك

بَابُ السِّوَاكِ 197 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ

قَوْلُهُ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» أَيْ: أُثَقِّلَ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} [الْقَصَص: 27] أَيْ: لَا أُحَمِّلَكَ مِنَ الأَمْرِ مَا يَشْتَدُّ عَلَيْكَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَوْلا وُجُوبُهُ عَلَى الْمَأْمُورِ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: «لأَمَرْتُهُمْ بِهِ» مَعْنًى. 198 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَدِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَلأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ». فَكَانَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ سِوَاكُهُ عَلَى أُذُنِهِ بِمَوْضِعِ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، لَا يَقُومُ لِصَلاةٍ إِلا اسْتَنَّ، ثُمَّ رَدَّهُ لِمَوْضِعِهِ، صَحِيحٌ

199 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جَامِعِهِ بِلا إِسْنَادٍ، فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو عَتِيقٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ 200 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَقُولُ:

سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» 201 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا مِسْعَرٌ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ الْمِقْدَامُ هُوَ ابْنُ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ كَعْبٍ الْحَارِثِيُّ، مِنَ الْيَمَنِ، كُوفِيٌّ. 202 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ، يَعْنِي: بِالسِّوَاكِ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالا: «يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ قَوْلُهُ» يَشُوصُ " أَيْ: يَغْسِلُ، وَالشَّوْصُ: الْغَسْلُ، وَمِثْلُهُ الْمَوْصُ، وَيُقَالُ: الشَّوْصُ الدَّلْكُ، وَالْمَوْصُ: الْغَسْلُ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ وَلا نَهَارٍ، فَيَسْتَيْقِظُ إِلا يَتَسَوَّكُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ. 203 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ، يَقُولُ: أَعْ أَعْ، وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَوْلُهُ: «يَسْتَنُّ» أَيْ: يَسْتَاكُ. وَقَوْلُهُ: «يَتَهَوَّعُ» أَيْ: يَتَقَيَّأُ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَالسِّوَاكُ مُسْتَحَبٌّ فِي عُمُومِ الأَحْوَالِ، وَهُوَ فِي حَالَتَيْنِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا: عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلاةِ، وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ بِنَوْمٍ أَوْ أَزْمٍ، أَوْ أَكْلِ شَيْءٍ يُغَيِّرُ الْفَمَ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَسْتَاكَ بِسِوَاكِ الْغَيْرِ. 204 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، نَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ الْحَاسِبُ، حَدَّثَنِي كَثِيرٌ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ، فَيُعْطِينِي السِّوَاكَ لأَغْسِلَهُ، فَأَبْدَأُ بِهِ، وَأَسْتَاكُ، ثُمَّ أَغْسِلُهُ، وَأَدْفَعُهُ إِلَيْهِ» كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيعُ عَائِشَةَ. 205 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ السَّهْلِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَنا أَبُو بَكْرٍ

هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَالاسْتِنْشَاقُ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ " قَالَ مُصْعَبٌ: نَسِيتُ الْعَاشِرَةَ، إِلا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَوْلُهُ: «مِنَ الْفِطْرَةِ». فَسَّرَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ «الْفِطْرَةَ» فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا السُّنَّةُ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ مِنْ سُنَنِ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ أُمِرْنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ، وَأَوَّلُ مَنْ أُمِرَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [الْبَقَرَة: 124]. فَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ: تَوْفِيرُهَا وَإِرْسَالُهَا، يُقَالُ: عَفَا الشَّعَرُ وَالنَّبَاتُ: إِذَا وَفَى، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى عَفَوْا} [الْأَعْرَاف: 95].

أَيْ: كَثُرُوا، وَكُرِهَ قَصُّ اللِّحْيَةِ كَفِعْلِ بَعْضِ الأَعَاجِمِ يَقُصُّونَ اللِّحَى، وَيُوَفِّرُونَ الشَّوَارِبَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ زِيِّ آلِ كِسْرَى. وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ: مَعْنَاهُ: مُعَالَجَةُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَتَشَنَّجُ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْوَسَخُ، بِالْغَسْلِ وَالتَّنْظِيفِ، وَأَصْلُ الْبَرَاجِمِ الْعُقَدُ الَّتِي تَكُونُ فِي ظُهُورِ الأَصَابِعِ. وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ: هُوَ الاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: انْتِقَاصُ الْبَوْلِ بِالْمَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا غَسَلَ الذَّكَرَ ارْتَدَّ الْبَوْلُ، وَلَمْ يَنْزِلْ، فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ، نَزَلَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ: هُوَ الانْتِضَاحُ. وَيُرْوَى بَدَلُ إِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ «الْخِتَانُ». قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا الْخِتَانُ، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي جُمْلَةِ السُّنَنِ

فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ، وَبِهِ يُعْرَفُ الْمُسْلِمُ مِنَ الْكَافِرِ. وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، فَأَوْهَمَ فِي صَلاتِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: «كَيْفَ لَا أُوهِمُ وَرُفْغُ أَحَدِكُمْ بَيْنَ ظُفْرِهِ وَأَنْمُلَتِهِ» وَالرُّفْغُ: أَرَادَ بِهِ وَسَخَ الظُّفْرِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ طُولَ الأَظْفَارِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: وَجَمْعُ الرَّفْغِ أَرْفَاغٌ وَهِيَ الآبَاطُ وَالْمَغَابِنُ مِنَ الْجَسَدِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَعْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ: مَا بَيْنَ الأُنْثَيَيْنِ وَأُصُولِ الْفَخِذَيْنِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا الْتَقَى الرُّفْغَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ». وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ أَحَدَكُمْ يَحُكُّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ جَسَدِهِ، فَيَعْلَقُ وَسَخُهُ بِأَصَابِعِهِ، فَيَبْقَى بَيْنَ الظُّفْرِ وَالأُنْمُلَةِ، فَأَنْكَرَ طُولَ الأَظْفَارِ وَتَرْكَ قَصِّهَا.

باب النية في الوضوء وغيره من العبادات

بَابُ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ 206 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، حَدَّثَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ، نَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَسْمَاءَ ابْنِ أَخِي جُوَيْرِيَةَ ابْنِ أَسْمَاءَ، قَالا: أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ

قَوْلُهُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». لَمْ يُرِدْ بِهِ حُصُولَ أَعْيَانِهَا، لأَنَّهَا حَاصِلَةٌ حِسًّا وَصُورَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقْتَرِنَ بِهَا النِّيَّةُ، إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ صِحَّتَهَا حُكْمًا فِي حَقِّ الدِّينِ، فَإِنَّهَا لَا تَحْصُلُ إِلا بِالنِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: «إِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى» فِيهِ إِيجَابُ تَعْيِينِ النِّيَّةِ، وَالنِّيَّةُ: قَصْدُكَ الشَّيْءِ بِقَلْبِكَ، وَهِيَ تَسْتَدْعِي أُمُورًا فِي أَعْمَالِ الدِّينِ حَتَّى يَصِحَّ الامْتِثَالُ أَنْ تَعْرِفَ الشَّيْءَ الَّذِي تَقْصِدُهُ، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَأَنْ تَطْلُبَ مُوَافَقَةَ الآمِرِ فِيمَا تَعَبَّدَكَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، كَوُجُوبِهَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِغَيْرِ النِّيَّةِ، وَلا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إِلا بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: يَصِحُّ الْكُلُّ بِغَيْرِ النِّيَّةِ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ، لأَنَّ طَرِيقَهَا طَرِيقُ تَرْكِ الْمَهْجُورِ، فَلا تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ، قِيَاسًا عَلَى تَرْكِ الْمَحَارِمِ، وَالْوُضُوءُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوُضُوءُ شَطْرُ الإِيمَانِ». وَالْعِبَادَةُ تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ قِيَاسًا عَلَى الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ».

أَيْ: مَنْ قَصَدَ بِالْهِجْرَةِ الْقُرْبَةَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَخْلُطُهَا بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، فَهِجْرَتُهُ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَجْرُهُ وَاقِعٌ عَلَى اللَّهِ. «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» يُرِيدُ: أَنَّ حَظَّهُ مِنْ هِجْرَتِهِ مَا قَصَدَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَلا حَظَّ لَهُ فِي الآخِرَةِ. وَيُرْوَى أَنَّ هَذَا جَاءَ فِي رَجُلٍ كَانَ يَخْطُبُ امْرَأَةً بِمَكَّةَ، فَهَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَتَبِعَهَا رَغْبَةً فِي نِكَاحِهَا، فَقِيلَ لَهُ: مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ. وَكَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ: أَنْ يَنْوِيَ الْمُحْدِثُ بِوُضُوئِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ، وَيَنْوِيَ الْجُنُبُ بِغَسْلِهِ رَفْعَ الْجَنَابَةِ، وَالْحَائِضُ تَنْوِي غُسْلَ الْحَيْضِ، أَوْ يَنْوِي

كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اسْتِبَاحَةَ فِعْلٍ لَا يُسْتَبَاحُ إِلا بِالطَّهَارَةِ، مِثْلُ أَنْ يَنْوِيَ فِعْلَ الصَّلاةِ، فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلا، أَوْ صَلاةَ الْجِنَازَةِ، أَوْ حَمْلَ الْمُصْحَفِ، أَوْ سُجُودَ التِّلاوَةِ أَوِ الشُّكْرِ، فَإِنْ نَوَى الْجُنُبُ، أَوِ الْحَائِضُ، الاعْتِكَافَ، أَوْ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، صَحَّ غُسْلُهُ لِجَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَلا تَصِحُّ هَذِهِ النِّيَّةُ مِنَ الْمُحْدِثِ، لأَنَّ الْمُحْدِثَ يَجُوزُ لَهُ الاعْتِكَافُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَيَنْوِي الْمُتَيَمِّمُ اسْتِبَاحَةَ فَرْضِ الصَّلاةِ، وَلا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، وَلا يَجِبُ تَعْيِينِ الْفَرْضِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ عَيَّنَهَا، فَلَمْ يُصَلِّهَا، وَصَلَّى غَيْرَهَا جَازَ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ صَحَّ تَيَمُّمُهُ لَهَا، وَلا يَجُوزُ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَسَلِسُ الْبَوْلِ يَنْوِيَانِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلاةِ، وَلا تَصِحُّ طَهَارَتُهُمَا بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، لأَنَّ الْحَدَثَ بِهِمَا مُتَّصِلٌ لَا يَرْتَفِعُ. وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ، فَلَوْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ لَا يَضُرُّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ حَالَةَ مَا يَغْسِلُ يَدَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ، وَيَسْتَدِيمَهَا ذِكْرًا إِلَى أَنْ يَغْسِلَ شَيْئًا مِنَ الْوَجْهِ، فَإِنْ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ غَسْلِ شَيْءٍ مِنَ الْوَجْهِ، لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الأَصَحِّ، وَإِنْ عَزَبَتْ بَعْدَ مَا غَسَلَ شَيْئًا مِنَ الْوَجْهِ، فَلا بَأْسَ، لأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ ذِكْرُهَا إِلَى آخِرِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ نَوَى عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَلَمْ يَنْوِ قَبْلَهُ، صَحَّ وُضُوءُهُ، وَلا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ مَا فَعَلَ قَبْلَهُ مِنَ الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ، فَلَوْ نَوَى فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ التَّبَرُّدَ وَالتَّنَظُّفَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلنِّيَّةِ الأُولَى، فَلا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ مَا غَسَلَ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ بَعْدَ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب غسل اليدين في ابتداء الوضوء

بَابُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ 207 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ 208 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ،

وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ ثَلاثًا فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ سُنَّةٌ، سَوَاءٌ قَامَ مِنَ النَّوْمِ أَوْ لَمْ يَقُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا قَامَ مِنَ النَّوْمِ لَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا، فَلَوْ غَمَسَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ قَبْلَ الْغَسْلِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بِهَا نَجَاسَةً يُكْرَهُ، وَلا يَفْسُدُ الْمَاءَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. أَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ الْيَدَ فِي الإِنَاءِ قَبْلَ الْغَسْلِ، ثُمَّ تَوَضَّآ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِنْ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ يَجِبُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». وَالْبَيْتُوتَةُ عَمَلُ اللَّيْلِ، وَلأَنَّهُ لَا يَتَكَشَّفُ بِالنَّهَارِ كَتَكَشُّفِهِ بِاللَّيْلِ، فَلا يَتَوَهَّمُ وُقُوعَ يَدِهِ عَلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ بِالنَّهَارِ مَا يَتَوَهَّمُ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: يَجِبُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ سَوَاءٌ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، أَوْ مِنْ

نَوْمِ النَّهَارِ، هُوَ قَوْلُ دَاوُدَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ، وَقَالُوا: إِذَا أَدْخَلَ الْيَدَ فِي الإِنَاءِ قَبْلَ الْغَسْلِ يَنْجُسُ الْمَاءُ. وَحَمَلَ الأَكْثَرُونَ الْحَدِيثَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ عَلَى الاحْتِيَاطِ، لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». فَعَلَّقَهُ بِأَمْرٍ مَوْهُومٍ، وَمَا عُلِّقَ بِالْمَوْهُومِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا، وَأَصْلُ الْمَاءِ وَالْبَدَنِ عَلَى الطَّهَارَةِ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الأَخْذَ بِالْوَثِيقَةِ، وَالْعَمَلَ بِالاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَاتِ أَوْلَى، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ وُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ، وَوُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ، فَإِذَا أُورِدَ النَّجَاسَةُ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ تُنَجِّسُهُ، وَلا تَزُولُ النَّجَاسَةُ، وَإِذَا أُورِدَ عَلَيْهَا الْمَاءُ الْقَلِيلُ طَهَّرَهَا.

باب التسمية في الوضوء

بَابُ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ 209 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ».

وَسَلَمَةُ هَذَا سَلَمَةُ اللَّيْثِيُّ، مَوْلاهُمْ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَلا يُعْرَفُ لِسَلَمَةَ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلا لِيَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْوُضُوءِ، رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ». وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا لَهُ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ أَعَادَ الْوُضُوءَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِنْ تَرَكَ عَامِدًا أَعَادَ، وَإِنْ تَرَكَ نَاسِيًا، أَوْ مُتَأَوِّلا أَجْزَأَهُ.

وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ تَرْكَهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ، وَالْخَبَرُ إِنْ ثَبَتَ، فَمَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ، وَتَأَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى النِّيَّةِ، وَجَعَلُوا الذِّكْرَ ذِكْرَ الْقَلْبِ، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِلَّهِ، وَامْتِثَالا لأَمْرِهِ، يُحْكَى هَذَا الْمَعْنَى عَنْ رَبِيعَةَ، وَجَعَلَ هَذَا الْقَائِلُ الاسْمَ صِلَةً فِي قَوْلِهِ: «لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ».

باب المضمضة والاستنشاق والمبالغة فيهما وتخليل الأصابع

بَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِمَا وَتَخْلِيلِ الأَصَابِعِ 210 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، أَدَامَ اللَّهُ بَرَكَتَهُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَالاسْتِجْمَارُ: هُوَ اسْتِعْمَالُ الْجِمَارِ، وَهِيَ الأَحْجَارُ فِي الاسْتِنْجَاءِ، وَمِنْهُ رَمْيُ الْجِمَارِ، وَهِيَ رَمْيِ الْحَصَا بِمِنًى. قَوْلُهُ: «فَلْيُوتِرْ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الثَّلاثِ،

لأَنَّ مَعْقُولا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْوِتْرَ الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ، لأَنَّهُ زِيَادَةُ صِفَةٍ عَلَى الاسْمِ، فَلا تَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْ وَاحِدٍ، فَعَلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ، وَأَدْنَاهُ الثَّلاثُ. 211 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «ثُمَّ لِيَنْثِرْ» وَقَوْلُهُ: «فَلْيَسْتَنْثِرْ». يُقَالُ: نَثَرَ وَاسْتَنْثَرَ: إِذَا حَرَّكَ النَّثْرَةَ فِي الطَّهَارَةِ، وَهِيَ طَرَفُ الأَنْفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى النَّثْرِ وَالاسْتِنْثَارِ: الاسْتِنْشَاقُ بِالْمَاءِ. قَوْلُهُ: «فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْثِرْ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الاسْتِنْشَاقَ غَيْرُ الاسْتِنْثَارِ، فَالاسْتِنْثَارُ هُوَ نَفْضُ مَا فِي الأَنْفِ بَعْدَ الاسْتِنْشَاقِ، يُقَالُ: نَثَرَ يَنْثِرُ بِكَسْرِ الثَّاءِ هَهُنَا، وَنَثَرَ السُّكَّرَ يَنْثُرُ بِضَمِّ الثَّاءِ لَا غَيْرَ. 212 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ وَعِيسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ التَّيْمِيُّ الْقُرَشِيُّ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ جَمِيعًا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُمَا فَرْضَانِ فِيهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقَ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: هُمَا فَرْضَانِ فِي الْغُسْلِ، سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ: الْمَضْمَضَةُ سُنَّةٌ فِيهِمَا، وَالاسْتِنْشَاقُ وَاجِبٌ فِيهِمَا. 213 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ، أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ، فَأَتَيْنَاهُ وَلَمْ نُصَادِفْهُ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ، فَأُتِينَا

بِقِنَاعٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ، وَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ، فَصُنِعَتْ، ثُمَّ أَكَلْنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " هَلْ أَكَلْتُمْ شَيْئًا؟ هَلْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ، فَإِذَا سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقَالَ: " هِيهِ يَا فُلانُ مَا وَلَّدْتَ؟ قَالَ: بَهْمَةً، قَالَ: فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً ". ثُمَّ انْحَرَفَ إِلَيَّ، وَقَالَ: " لَا تَحْسِبنَّ، وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ، أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ، لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي امْرَأَةً فِي لِسَانِهَا شَيْءٌ، يَعْنِي: الْبَذَاءَ؟ قَالَ: طَلِّقْهَا، قُلْتُ: إِنَّ لِي مِنْهَا وَلَدًا، وَلَهَا صُحْبَةٌ؟ قَالَ:

فَمُرْهَا، يَقُولُ: عِظْهَا، فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ، فَسَتَقْبَلُ، فَلا تَضْرِبَنَّ ظَعِينَتَكَ ضَرْبَكَ أُمَيَّتَكَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَقِيطُ بْنُ صَبِرَةَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ، وَيُقَالُ: لَقِيطُ بْنُ صَبِرَةَ بْنِ الْمُنْتَفِقِ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ، وَقِيلَ: لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ أَبُو رَزِينٍ، وَلَقِيطُ بْنُ صَبِرَةَ غَيْرُهُ. وَالظَّعِينَةُ: الْمَرْأَةُ، وَجَمْعُهَا الظُّعُنُ، وَأَصْلُهَا: الرَّاحِلَةُ الَّتِي تَظْعَنُ، فَقِيلَ لِلْمَرْأَةِ: ظَعِينَةٌ، إِذَا كَانَتْ تَظْعَنُ مَعَ الزَّوْجِ حَيْثُ مَا ظَعَنَ، أَوْ لأَنَّهَا تَظْعَنُ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِذَا ظَعَنَتْ، فَسُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ بِاسْمِ السَّبَبِ، كَمَا يُسَمَّى

الْمَطَرُ سَمَاءً، إِذْ كَانَ نُزُولُهُ مِنَ السَّمَاءِ، وَسُمِّيَ حَافِرُ الدَّابَّةِ أَرْضًا لِوُقُوعِهِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ الظَّعِينَةُ: الْهَوْدَجُ، سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ ظَعِينَةً، لأَنَّهَا تَكُونُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: «لَا تَضْرِبَنَّ ظَعِينَتَكَ» لَيْسَ عَلَى مَعْنَى تَحْرِيمِ ضَرْبِهِنَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ضَرْبَهُنَّ عِنْدَ خَوْفِ النُّشُوزِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النِّسَاء: 34] وَإِنَّمَا النَّهْيُ عَنْ تَبْرِيحِ الضَّرْبِ، كَمَا يُضْرَبُ الْمَمَالِيكُ فِي عَادَاتِ مَنْ يَسْتَجِيزُ ضَرْبَهُمْ، وَيَسْتَعْمِلُ سُوءَ الْمَلَكَةِ فِيهِمْ، وَتَشْبِيهُهُ بِضَرْبِ الْمَمَالِيكِ لَيْسَ عَلَى إِبَاحَةِ ضَرْبِ الْمَمَالِيكِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ لأَفْعَالِهِمْ، فَنَهَاهُ عَنِ الاقْتِدَاءِ بِهِمْ. وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ الْمَمَالِيكِ إِلا فِي الْحُدُودِ. فَأَمَّا ضَرْبُ الدَّوَابِّ فَمُبَاحٌ، لأَنَّهَا لَا تَتَأَدَّبُ بِالْكَلامِ، فَلا تَعْقِلُ الْخِطَابَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَّلَمَ «قَدْ حَرَّكَ بَعِيرَهُ بِالْمِحْجَنِ، وَنَخَسَ جَمَلَ جَابِرٍ حِينَ أَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَسَبَقَ الرَّكْبَ حَتَّى مَا مَلَكَ رَأْسَهُ».

وَتَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرَّجُلِ سُنَّةٌ فِي الْوُضُوءِ مَعَ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى بَاطِنِهَا مِنْ غَيْرِ التَّخْلِيلِ، فَإِنِ انْضَمَّتِ الأَصَابِعُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إِلَى بَاطِنِهَا إِلا بِالتَّخْلِيلِ، فَيَجِبُ التَّخْلِيلُ، وَالأَدَبُ أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِ الْقَدَمِ، فَيَبْدَأُ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى. 214 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا تَوَضَّأَ يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ، فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ».

وَقِيلَ فِي الأَمْرِ بِتَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدِ، لأَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِجَمِيعِ كَفِّهِ، فَيَضُمُّ أَصَابِعَهُ، فَلا يَصِلُ الْمَاءُ إِلَى بَاطِنِهَا، كَمَا تَتَرَكَّبُ أَصَابِعُ الرَّجُلِ، وَلا يَصِلُ الْمَاءُ إِلَى بَاطِنِهَا إِلا بِالتَّخْلِيلِ. وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ سُنَّةٌ إِلا فِي حَقِّ الصَّائِمِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَالَغَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إِلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ يَفْسَدُ صَوْمُهُ.

باب تخليل اللحية

بَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عُثْمَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ». 215 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَبُو تَوْبَةَ، نَا أَبُو الْمَلِيحِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ زَرْوَانَ،

عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ، فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْوَلِيدُ بْنُ زَرْوَانَ رَوَى عَنْهُ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاجٍ، وَأَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ هَذَا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَجِبُ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ، وَقَالَ: إِنْ تَرَكَهُ عَامِدًا أَعَادَ الصَّلاةَ، وَإِنْ تَرَكَهُ نَاسِيًا أَوْ مُتَأَوِّلا أَجْزَأَهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ تَرَكَهُ نَاسِيًا جَازَ.

باب البداءة بالميامن

بَابُ الْبَدَاءَةِ بِالْمَيَامِنِ 216 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ: فِي طَهُورِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَتَنَعُّلِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ وَسُلَيْمٌ هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ سُلَيْمُ بْنُ أَسْوَدَ الْمُحَارِبِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا لَبِسْتُمْ وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِأَيَامِنِكُمْ».

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ «كَانَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَإِذَا خَرَجَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى». قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَفِي دُخُولِ الْخَلاءِ «يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَإِذَا خَرَجَ يَبْدَأُ بِالْيُمْنَى». 217 - حَدَّثَنَا مُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أُمَيَّةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّوَّافُ، نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَدُهُ الْيُمْنَى لِطَهُوِرِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلائِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى

باب إطالة الغرة

بَابُ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ 218 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ سَطْحِ الْمَسْجِدِ، فَتَوَضَّأَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إِلَى السَّاقَيْنِ، وَذَكَرَ

الْحَدِيثَ، فَقَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ». وَنُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرُ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى عُمَرَ 219 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، فِي شُهُورٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ، فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إِبْطَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ؟ فَقَالَ: يَا بَنِي فَرُّوخَ، أَنْتُمْ هَهُنَا؟ لَوْ عَلِمْتُ أَنْتُمْ هَهُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ، وَسَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَبُو حَازِمٍ هَذَا سَلْمَانُ، مَوْلَى عَزَّةَ الأَشْجَعِيَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ بِأَبِي

حَازِمٍ الْمَعْرُوفِ بِالَّذِي يُقَالُ لَهُ: سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ، وَيَرْوِي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، ذَاكَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا هُرَيْرَةَ. قَوْلُهُ: «يَا بَنِي فَرُّوخَ» أَرَادَ بِهِم الْعَجَمَ، نَسَبَهُمْ إِلَى فَرُّوخَ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِمْ مِنْ هَذَا الاسْمِ. وَقَوْلُهُ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ» يُرِيدُ التَّحْجِيلَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ.

باب وجوب غسل الرجلين

بَابُ وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ 220 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، نَا الْحَجَبِيُّ، وَمُسَدَّدٌ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاةُ، صَلاةُ الْعَصْرِ، وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَانَا بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ، كِلاهُمَا، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَيُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ الْمَكِّيُّ، يُقَالُ: إِنَّهُ فَارِسِيٌّ، نَزَلَ مَكَّةَ.

قَوْلُهُ: «أَرْهَقَتْنَا الصَّلاةُ» أَيْ: دَنَا وَقْتُهَا، وَيُرْوَى: أَرْهَقْنَا الصَّلاةَ، أَيْ: أَخَّرْنَاهَا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» أَيْ: لأَصْحَابِ الأَعْقَابِ الْمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلِهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُف: 82]، أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الْعَقِبَ يُخَصُّ بِالْعَذَابِ إِذَا قُصِّرَ فِي غَسْلِهَا، وَالْعَقِبُ: مَا أَصَابَ الأَرْضَ مِنْ مُؤَخَّرِ الرِّجْلِ إِلَى مَوْضِعِ الشِّرَاكِ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَذَهَبَتِ الشِّيعَةُ إِلَى أَنَّهُ يُمْسَحُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ، وَيُحْكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ، أَنَّهُ قَالَ: يُتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [الْمَائِدَة: 6] فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَطَفَ الرِّجْلَ عَلَى الرَّأْسِ، وَالرَّأْسُ مَمْسُوحٌ، فَكَذَلِكَ الرِّجْلُ. قُلْنَا: قَدْ قُرِئَ {وَأَرْجُلَكُمْ} [الْمَائِدَة: 6] بِنَصْبِ اللامِ، فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ {

وَأَيْدِيَكُمْ} [الْمَائِدَة: 6] وَمَنْ قَرَأَ بِالْخَفْضِ، فَهُوَ عَلَى مُجَاوَرَةِ اللَّفْظِ، لَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْحُكْمِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 26] فَالأَلِيمُ صِفَةُ الْعَذَابِ، وَأَخَذَ إِعْرَابُ «الْيَوْمِ» لِلْمُجَاوَرَةِ، وَكَقَوْلِهِمْ: «حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ». فَالْخَرِبُ نَعْتٌ لِلْحجر، وَأَخَذَ إِعْرَابَ «الضَّبِّ» لِلْمُجَاوَرَةِ. رُوِيَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: الْمَسْحُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ يَكُونُ غَسْلا، وَيَكُونُ مَسْحًا، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ: إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ أَعْضَاءَهُ: قَدْ تَمَسَّحَ، وَيُقَالُ: مَسَحَ اللَّهُ مَا بِكَ، أَيْ: غَسَلَ عَنْكَ وَطَهَّرَكَ.

باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

بَابُ صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 221 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَنا عَبْدَانُ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدَانُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا مَعْمَرٌ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُمْرَانَ، رَأَيْتُ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ

نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَعَبْدَانُ الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَابْنُ الْمُوَجِّهِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، وَعَبْدَانُ لَقَبُهُ. 222 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ،

قَالا: أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالا: أَنا أَبُو عَوَانَةَ، وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: " أَتَيْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ صَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَدَعَا بِطَهُورٍ، قُلْنَا: مَا يَصْنَعُ بِالطَّهُورِ وَقَدْ صَلَّى؟ مَا يُرِيدُ إِلا لِيُعَلِّمَنَا، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ، قَالَ: وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَ ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَغْمِسَهُمَا فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثًا، وَتَمَضْمَضَ مِنَ الْكَفِّ الَّذِي يَأْخُذُ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلاثًا، وَيَدَهُ الْيُسْرَى ثَلاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلاثًا وَرِجْلَهُ الشِّمَالَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ طَهُورَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ هَذَا ".

وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا دَاوُدُ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، بِهَذَا، وَقَالَ: ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثًا، فَمَضْمَضَ، وَنَثَرَ مِنَ الْكَفِّ الَّذِي يَأْخُذُ فِيهِ. وَيُرْوَى: ثُمَّ تَمَضْمَضَ مَعَ الاسْتِنْشَاقِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَعَبْدُ خَيْرٍ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ أَبُو عُمَارَةَ، كُوفِيٌّ 223 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى " هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى، فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثَمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى الأَنْصَارِيِّ، عَنْ مَعْنٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى: " فَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً 224 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ مِنْ كَفٍّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ مُسَدَّدٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «

مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثًا» وَعَمْرٌو هُوَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَازِنِيُّ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْمَازِنِيُّ، لَهُ صُحْبَةٌ. قَوْلُهُ: «اسْتَنْشَقَ». الاسْتِنْشَاقُ: أَنْ يُبْلِغَ الْمَاءَ إِلَى خَيَاشِيمِهِ، يُقَالُ: اسْتَنْشَقْتُ الرِّيحَ، إِذَا شَمِمْتُهَا. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَيَغْرِفُ غَرْفَةً، فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ بِهَا مَرَّةً، ثُمَّ غَرْفَةً أُخْرَى، فَيَفْعَلُ كَذَلِكَ، ثُمَّ غَرْفَةً ثَالِثَةً كَذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَارَ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ، قَالَ: يَغْرِفُ غَرْفَةً، فَيَتَمَضْمَضُ بِهَا ثَلاثًا، ثُمَّ يَغْرِفَ غَرْفَةً أُخْرَى، فَيَسْتَنْشِقُ بِهَا ثَلاثًا. وَرُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَرَأَيْتُهُ «يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ». وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ. وَرَوَى شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا، وَأَفْرَدَ الْمَضْمَضَةَ مِنَ الاسْتِنْشَاقِ، وَقَالَ: «هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»،

وَقَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ ثَلاثًا، وَأَفْرَدَ الْمَضْمَضَةَ مِنَ الاسْتِنْشَاقِ، وَقَالَ: «هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

باب مسح الرأس والأذنين

بَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالأُذُنَيْنِ 225 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، حَدثنَا الإِمَام الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا بَكْرٌ يَعْنِي: ابْنَ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، قَالَتْ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَأَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ، وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً». وَبِإِسْنَادِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: نَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَسَحَ بِرَأْسِهِ بِفَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ». وَبِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا وَكِيعٌ،

نَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَوَضَّأَ، فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي جُحْرَيْ أُذُنَيْهِ قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ ثَلاثًا هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَالْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ الْمَسْحَ ثَلاثًا سُنَّةٌ بِثَلاثِ مِيَاهٍ جُدُدٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ مِنَ الْمَسْحِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ فَرْضٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ مَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ قَدْرَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ، وَإِنْ قَلَّ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ،

وَالْفَرْضُ إِنَّمَا يَسْقُطُ بِمَسْحِ النَّاصِيَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. قَالَ الإِمَامُ: ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يُوجِبُ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَالسُّنَّةُ خَصَّتْهُ بِمَسْحِ قَدْرِ النَّاصِيَةِ، وَلا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ قَدْرِ النَّاصِيَةِ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْسَحَ جَمِيعَ الرَّأْسِ، وَيَبْدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَيَذْهَبَ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ يَرُدَّ إِلَى مُقَدَّمِهِ. وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، وَيَأْتِي إِلَى مُقَدَّمِهِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ فِي الأَثَرِ. وَمَسْحُ الأُذُنَيْنِ سُنَّةٌ ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا، يُدِيرُ الْمُسَبِّحَتَيْنِ فِي بَاطِنِهِمَا، وَيُمِرُّ الإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَبِأُذُنَيْهِ بَاطِنُهُمَا بِالسَّبَّاحَتَيْنِ، وَظَاهِرُهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ».

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُ لَهُمْ مَاءً جَدِيدًا؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُمَا عُضْوَانِ عَلَى حِيَالِهِمَا يَمْسَحَانِ ثَلاثًا بِثَلاثِ مِيَاهٍ جُدُدٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِإِصْبَعَيْهِ لأُذُنَيْهِ». وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُمَا مِنَ الرَّأْسِ يُمْسَحَانِ مَعَهُ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَحَسَنٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هُمَا مِنَ الْوَجْهِ يُمْسَحَانِ مَعَهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: ظَاهِرُهُمَا مِنَ الرَّأْسِ وَبَاطِنُهُمَا مِنَ الْوَجْهِ. وَقَالَ حَمَّادٌ: يُغْسَلُ ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْتَارُ أَنْ يُمْسَحَ مُقَدَّمُهُمَا مَعَ وَجْهِهِ، وَمُؤَخَّرُهُمَا مَعَ رَأْسِهِ.

باب الوضوء مرة مرة

بَابُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً 226 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ

باب الوضوء مرتين مرتين

بَابُ الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ 227 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، نَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ عَمُّ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ.

باب الوضوء ثلاثا ثلاثا

بَابُ الْوُضُوءِ ثَلاثًا ثَلاثًا 228 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حَيَّةَ، " أَنَّ عَلِيًّا تَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَبُو حَيَّةَ ابْنُ قَيْسٍ الْوَادِعِيُّ الْهَمْدَانِيُّ، كُوفِيٌّ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: فَرْضُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً، لَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا يَجُوزُ، وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَفْضَلُ، وَالأَفْضَلُ ثَلاثُ مَرَّاتٍ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلاثِ. 229 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو

عَلِيٍّ اللؤْلُؤِي، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، " أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الطُّهُورُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ، وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ، فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ، أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ ". قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَا آمَنُ إِذَا زَادَ فِي الْوُضُوءِ عَلَى الثَّلاثِ أَنْ يَأْثَمَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقَ: " لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلاثِ إِلا رَجُلٌ مُبْتَلًى وَفَرَائِضُ الْوُضُوءِ: غَسْلُ الأَعْضَاءِ الثَّلاثَةِ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَسْحُ الرَّأْسِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ، فَأَوْجَبَهَا كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرْتِيبِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ، أَوْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ وَصَلَّى، تَجِبُ الإِعَادَةُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَلَوْ عَكَسَ وَصَلَّى، لَا يَجِبُ الإِعَادَةُ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَالْمُوَالاةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ سُنَّةٌ، حَتَّى لَوْ فَرَّقَ غَسْلَ الأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ وَصَلَّى، يَصِحُّ، رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ بَالَ بِالسُّوقِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ إِذَا فَرَّقَ مُتَفَاحِشًا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ.

باب استحباب الوضوء لكل صلاة

بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاةٍ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [الْمَائِدَة: 6]، الآيَةَ. وَكَانَ عَلِيٌّ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ، وَتَلا هَذِهِ الآيَةَ. 230 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ حَفِظَهُ اللَّهُ، حَدَّثَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَنَا الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَعَمْرُو بْنُ عَامِرٍ: هُوَ الأَنْصَارِيُّ، حَدِيثُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ

231 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَنا عَبْدَانُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَزَادَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ؟! فَقَالَ: «عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ وَبُرَيْدَةُ هُوَ ابْنُ حُصَيْبٍ الأَسْلَمِيُّ، نَزَلَ الْبَصْرَةَ، مَاتَ بِمَرْوَ فِي خِلافَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ سُلَيْمَانُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ عَامِرٍ» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ طَاهِرًا، وَغَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلاةٍ «.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهْ عَشْرُ حَسَنَاتٍ " وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَجْدِيدُ الْوُضُوءِ مُسْتَحَبٌّ إِذَا كَانَ قَدْ صَلَّى بِالْوُضُوءِ الأَوَّلِ صَلاةً، وَكَرِهَهُ قَوْمٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ صَلَّى بِالْوُضُوءِ الأَوَّلِ صَلاةً، فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا. أَمَّا الْمُتَيَمِّمُ، فَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، لأَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَدْخُلُ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ حَالَةٍ يُرِيدُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلاةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فَعَلَى وُجُوبِ التَّيَمُّمِ، غَيْرَ أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ عَلَى التَّخْفِيفِ فِي الْوُضُوءِ، فَبَقِيَ أَمْرُ التَّيَمُّمِ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: عَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ الْجَمْعَ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَبِهِ قَالَ سُفيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَعَ الْفَرِيضَةِ مَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، وَأَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِنْ كَانَ جُنُبًا، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، فَطَهُرَتْ، فَلَمْ تَجِدِ الْمَاءَ، تَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ، وَجَازَ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا. وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يُسْتَحَبُّ مِنَ الْغِيبَةِ.

باب المسح على الخفين

بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ 232 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، حَفِظَهُ اللَّهُ، نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى عِمَامَتِهِ، وَخُفَّيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 233 - حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِمَرْوِ الرُّوذِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ

بْنُ سَلامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يُحَدِّثُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْمَشَاوِذِ وَالتَّسَاخِينِ». قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ يُحَدِّثُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَاشِدٍ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّسَاخِينُ: الْخِفَافُ، الْمَشَاوِذُ: الْعَمَائِمُ، وَاحِدُهَا: مِشْوَذٌ، وَالْعَصَائِبُ: الْعَمَائِمُ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لأَنَّ الرَّأْسَ يُعَصَّبُ بِهَا، قِيلَ: أَصْلُ التَّسَاخِينِ كُلُّ مَا يُسَخِّنُ الْقَدَمَ مِنْ خُفٍّ، وَجَوْرَبٍ، وَنَحْوِهِ. 234 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ»

قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُدُ، رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى قَلَنْسُوَتِهِ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَمْسَحْ شَيْئًا مِنَ الرَّأْسِ، وَقَالُوا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: إِنَّ فَرْضَ الْمَسْحِ إِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ بِمَسْحِ النَّاصِيَةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَمَنْ جَوَّزَ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ إِنَّمَا يُجَوِّزُ إِذَا تَعَمَّمَ بِهَا عَلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ، كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ مَعَ ذَلِكَ التَّلَحِّيَ، وَقَالَ: لأَنَّ الْعِمَامَةَ إِنَّمَا

تَتَمَاسَكُ إِذَا جَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا تَحْتَ ذَقْنِهِ، فَيَكُونُ كَالْخُفِّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَيَكُونُ لَوْ تَلَفَّفَ بِجِلْدٍ مِنْ غَيْرِ خَرْزٍ. أَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَجَائِزٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، يَرْوِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَحُذَيْفَةُ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَسَلْمَانُ، وَبُرَيْدَةُ، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وَأَنَسٌ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَيَعْلَى بْنُ مُرَّةَ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَجَابِرٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلالٌ، وَغَيْرُهُمْ. 235 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: " أَمَعَكَ مَاءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ، فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ

الإِدَاوَةَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَكَرِيَّا 236 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، قَالَ: أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، قَالَ: نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، وَعَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ،

أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ، " أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْغَائِطِ، فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذْتُ أُهرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ، وَهُوَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ جُبَّتَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْجُبَّةِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، قَدْ صَلَّى لَهُمْ، فَأَدْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مَعَهُ، وَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَمَّ صَلاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ، أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: أَحْسَنْتُمْ أَوْ قَالَ: أَصَبْتُمْ يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا ". قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَن حُصَيْنٍ وَزَكَرِيا، وَيُونُسَ , عَن الشَّعْبِيِّ، عَن عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قُلْتُ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ بِالْغَيْرِ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ. وَقَوْلُهُ: «إِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ» مَعْنَاهُ: مَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، فَقَالَ: «دَعِ الْخُفَّيْنِ، فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ». وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَبِسَهُمَا عَلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ، هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ غَسَلَ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ، وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الأُخْرَى، فَأَدْخَلَ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، لأَنَّهُ لَبِسَ الْخُفَّ

الأَوَّلَ قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ حَتَّى يَنْزِعَهُ فَيَلْبَسَهُ ثَانِيًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَجَوَّزَهُ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنَ الصَّلاةِ مَعَ الإِمَامِ يَأْتِي بِهِ مَعَهُ، ثُمَّ أَتَمَّهَا بَعْدَ مَا سَلَّمَ، وَلا سُجُودَ عَلَيْهِ لِلسَّهْوِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْفَرْدَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ». وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، فَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ، إِذَا كَانَ ثَخِينَيْنِ لَا يَشِفَّانِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: «إِذَا كَانَا منعلين يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا». وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ»، وَلَمْ يُجَوِّزْ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ. قَالَ الإِمَامُ: وَشَرْطُ الْخُفِّ الَّذِي يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ، فَإِنْ تَخَرَّقَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي مُحَاذَاةِ الْمَغْسُولِ بِحَيْثُ

ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّجْلِ أَوِ اللِّفَافَةِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا قَلِيلا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِهِ وَإِنْ تَفَاحَشَ الْخَرْقُ مَا دَامَ يَثْبُتُ فِي الرِّجْلِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ ثَلاثَةِ أَصَابِعَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَإِذَا لَبِسَ فَوْقَ الْخُفِّ خُفًّا آخَرَ، فَإِنْ كَانَ بِصِفَةٍ لَوْ تَفَرَّدَ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ فَوْقَ الْخُفِّ، وَإِنْ كَانَ بِصِفَةٍ لَوْ تَفَرَّدَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِ الْمَسْحِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

باب التوقيت في المسح

بَابُ التَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ 237 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنِي الْمُهَاجِرُ أَبُو مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الرَّبِيعُ إِلَى قَوْلِهِ: «وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً». وَتَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ: «إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا» مِنْ كَلامِ الشَّافِعِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ بِالصَّوَابِ 238 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ

طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَنا صَدَقَةُ، أَنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ الْحَارِثِيِّ، قَالَ: " سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتِ: ائْتِ عَلِيًّا، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مِنِّي بِذَلِكَ، فَأَتَيْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلاثًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى تَوْقِيتِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، وَغَيْرُهُمَا، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ أَوَّلِ حَدَثٍ يُحْدِثُهُ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: «ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ».

وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِمُدَّةِ الْمَسْحِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْغُسْلُ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ» قَالَ: وَلَوِ اسْتَزْدَنَاهُ لَزَادَنَا. وَالْعَامَّةُ عَلَى التَّوْقِيتِ، وَقَوْلُهُ: «لَوِ اسْتَزْدَنَاهُ لَزَادَنَا» ظَنٌّ مِنْهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينُ بِهِ. وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، أَوْ نَزَعَ الْخُفَّ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، أَوْ تَخَرَّقَ شَيْءٌ مِنْ خُفِّهِ فِي مَحَلِّ الْغُسْلِ بِحَيْثُ ظَهَرَ بَعْضُ رِجْلِهِ، يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ؟ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.

وَأَوْجَبَ قَوْمٌ اسْتِئْنَافَ الْوُضُوءِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: إِنَّهُ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ خَلَعَهُمَا وَصَلَّى. وَمَسْحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَاجِبٌ، وَمَسْحُ أَسْفَلِهِ سُنَّةٌ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ الْمُغِيرَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ». وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، لأَنَّهُ يَرْوِيهِ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ رَجَاءِ ابْنِ حَيْوَةَ، عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، وَثَوْرٌ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا مِنْ رَجَاءٍ، قَالَ أَبُو عِيسَى: سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالا: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إِلَيْهِ ذَهَبَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ، وَسَعْدٌ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ أَسْفَلُ الْخُفِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ

عَلَى ظَاهِرِهِمَا». 239 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلاءٍ، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ، لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ» بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الأول من (شرح السّنة) ويليه الْجُزْء الثَّانِي، وأوله بَاب مَا يُوجب الْغسْل

باب ما يوجب الغسل

بَابُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [الْمَائِدَة: 6] 240 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَعَدَ بَيْنَ الشُّعَبِ الأَرْبَعِ، ثُمَّ أَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 241 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، نَا هِشَامٌ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، وَمَطَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: وَفِي حَدِيثِ مَطَرٍ: «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» 242 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّهْلِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ

شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، وَجَبَ الْغَسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قَوْلُهُ: «بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ» قِيلَ: أَرَادَ بِهَا الْفَخِذَيْنِ وَالإِسْكَتَيْنِ، وَهُمَا عَرْفَا الْفَرْجِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهَا الْيَدَانِ وَالرِّجْلانِ، وقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: الْجَهْدُ مِنْ أَسْمَاءِ النِّكَاحِ. 243 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ أَوْ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْخِتَانُ: مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْ ذَكَرِ الْغُلامِ، وَنَوَاةِ الْجَارِيَةِ، وَقِيلَ: سُمِّيَتِ الْمُصَاهَرَةُ مُخَاتَنَةً لالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ: أَنَّ مَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، فَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ، وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِمْ. كَانَ الْحُكْمُ فِي ابْتِدَاءِ الإِسْلامِ أَنَّ مَنْ جَامَعَ فَأَكْسَلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، قَالَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ: سَأَلْتُ عُثْمَانَ: " أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ وَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ، وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ، قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُ عَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا بِإِيجَابِ الْغُسْلِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ". وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ، شَيْءٌ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ، ثُمَّ تُرِكَ ذَلِكَ بَعْدُ، وَأُمِرُوا بِالْغُسْلِ إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ».

وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ فِي الاحْتِلامِ». وَمِمَّنْ بَقِيَ عَلَى الْمَذْهَبِ الأَوَّلِ فِي أَنَّ الإِكْسَالَ لَا يُوجِبُ الاغْتِسَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَذَهَبَ إِلَى قَوْلِهِ سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ: هُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْجِمَاعِ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ، وَلُزُومِ الْمَهْرِ، وَلُزُومِ الْحَدِّ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهَا مِنَ الأَحْكَامِ.

244 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " إِنَّ اللَّهِ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ 245 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّهْلِيُّ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَنا صَدَقَةُ، أَنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَأَلَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِذَا احْتَلَمَتِ الْمَرْأَةُ أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ: «إِذَا رَأَتِ

الْمَاءَ فَلْتَغْتَسِلْ». فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟! ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ الإِمَامُ: غُسْلُ الْجَنَابَةِ وُجُوبُهُ بِأَحَدِ الأَمْرَيْنِ: إِمَّا بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، أَوْ بِخُرُوجِ الْمَاءِ الدَّافِقِ مِنَ الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ، وَإِنِ احْتَلَمَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلا، فَلا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدَ بَلَلا، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ الْمَاءُ الدَّافِقُ، فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ التَّابِعِينَ إِلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ، مِنْهُمْ: عَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ بَلَلُ الْمَاءِ الدَّافِقِ. وَمُوجِبَاتُ الْغُسْلِ أَرْبَعَةٌ: اثْنَانِ يَشْتَرِكُ فِيهِمَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ: الْجَنَابَةُ، وَالْمَوْتُ، وَاثْنَانِ يَخْتَصَّانِ بِالنِّسَاءِ، وَهُمَا: النِّفَاسُ، وَالْحَيْضُ.

باب كيفية الغسل

بَابُ كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ 246 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ 247 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ،

نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الإِنَاءَ، ثُمَّ يَغْسِلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يُشَرِّبَ شَعْرَهُ الْمَاءَ، ثُمَّ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَرَوَاه مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: «فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدِ اسْتَبَرَأَ، حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ». وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَنَحْنُ نُفِيضُ عَلَى رُءُوسِنَا خَمْسًا مِنْ أَجْلِ الضَّفْرِ»

248 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا عَبْدَانُ، أَنا أَبُو حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ، عَنْ سَالِمٍ هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: «وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلا، فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ، فَمَسَحَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، فَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا، فَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَانْطَلَقَ وَهُوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ الأَعْمَشِ

فِي الْحَدِيثِ: «ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ»، أَمَّا فِي الاسْتِنْجَاءِ فَلا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَأَمَّا فِي غَسْلِ الأَطْرَافِ، فَإِنْ كَانَ الإِنَاءُ وَاسِعًا وَضَعَهُ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ أَخَذَ الْمَاءَ مِنْهُ بِيُمْنَاهُ، وَجَعَلَ عَلَى يُسْرَاهُ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقَ الرَّأْسِ، وَضَعَهُ عَنْ يَسَارِهِ، وَصَبَّ مِنْهُ الْمَاءَ عَلَى يَمِينِهِ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْوُضُوءُ فِي الْغُسْلِ سُنَّةٌ، فَلَوِ انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي الْمَاءِ، فَوَصَلَ الْمَاءُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ وَنَوَى، صَحَّ غُسْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُفْرِدْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ بِالْغُسْلِ، وَلا دَلَكَ أَعْضَاءَهُ بِيَدِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ مَالِكٌ: «لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُمِرَّ يَدَهُ عَلَى جَسَدِهِ»، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ إِمْرَارِ الْيَدِ. وَرُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «كَانَ يَغْتَسِلُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَهْ، أَمَا يَجْزِيكَ الْغُسْلُ مِنَ الْوُضُوءِ؟ قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنِّي أَحْيَانًا أَمَسُّ ذَكَرِي فَأَتَوَضَّأُ». 249 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ

بْنِ نَصْرٍ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ» وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَفِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَوْلَى بِأَنْ لَا يُنَشِّفُ أَعْضَاءَهُ بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَلَ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَيْمُونَةَ الثَّوْبَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى كَرَاهِيَةِ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ، مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيُّ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنَّمَا كَرِهَ لأَنَّ الْوُضُوءَ يُوزَنُ.

وَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَمَالِكٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِرْقَةٌ يُنَشِّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ». وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ»، وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَجَفَّفُ بِالْخِرْقَةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانَ لِعَلْقَمَةَ خِرْقَةٌ بَيْضَاءُ يَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ إِذَا تَوَضَّأَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْغُسْلِ، وَيُكْرَهُ فِي الْوُضُوءِ "، لِمَا رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ فَتَجَفَّفَ بِهَا». 250 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ

الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، نَا حَنْظَلَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ، فَيَبْدَأُ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْسَرِ، ثُمَّ بِوَسَطِ رَأْسِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ

باب نقض الضفائر

بَابُ نَقْضِ الضَّفَائِرِ 251 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحَمْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: «لَا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِينَ عَلَيْهِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ، فَتَطْهُرِينَ»، أَوْ قَالَ: «فَإِذًا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ هُوَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ يُكْنَى أَبَا رَافِعٍ. قَالَ الإِمَامُ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نَقْضَ الضَّفَائِرِ لَا يَجِبُ فِي الْغُسْلِ إِذَا كَانَ يَتَخَلَّلُهَا الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ الشَّدُّ قَوِيًّا بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ، فَيَجِبُ النَّقْضُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ، فَاغْسِلُوا الشَّعَرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ» وَهُوَ غَرِيبُ الإِسْنَادِ، وَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إِلَى أَنَّ نَقْضَ الضَّفَائِرِ وَاجِبٌ بِكُلِّ حَالٍ.

باب غسل الحيض

بَابُ غَسْلِ الْحَيْضِ 252 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحَمْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ، عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ عَنِ الْغُسْلِ مِنَ الْمَحِيضِ، فَقَالَ: «خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا»، فَقَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَالَ: «تَطَهَّرِي بِهَا»، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاسْتَتَرَ بِثَوْبِهِ، تَطَهَّرِي بِهَا»، فَاجْتَبَذْتُهَا، وَعَرَفْتُ الَّذِي أَرَادَ، فَقُلْتُ لَهَا: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. تَعْنِي: الْفَرْجَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ

وَالْفِرْصَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الصُّوفِ أَوِ الْقُطْنِ أَوْ غَيْرِهِ، أُخِذَتْ مِنْ: فَرَصْتِ الشَّيْءَ، أَيْ: قَطَعْتُهُ، وَيُقَالُ لِلْحَدِيدَةِ الَّتِي تُقْطَعُ بِهِ الْفِضَّةُ: مِفْرَاصٌ، وَمَعْنَاهُ: فِرْصَةٌ هِيَ مُطَيَّبَةٌ بِمِسْكٍ. وَيُرْوَى «خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً» يَعْنِي: تَأْخُذُ قِطْعَةً مِنْ قُطْنٍ أَوْ صُوفٍ مُطَيَّبَةً بِمِسْكٍ، فَتَتَبَّعُ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ، لِقَطْعِ رَائِحَةِ الأَذَى، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِسْكًا فَطِيبًا آخَرَ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: مُمَسَّكَةً، أَيْ: مُحْتَمَلَةً، يَقُولُ: تَحْمِلِينَهَا مَعَكِ تُعَالِجِينَ بِهَا قُبُلَكِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَسَّكْتُ كَذَا، بِمَعْنَى: أَمْسَكْتُ وَتَمَسَّكْتُ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمِسْكَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ وُسْعٍ يَجِدُونَ الْمِسْكَ، فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى، قَالُوا: تَكُونُ الرِّوَايَةُ: «فِرْصَةٌ مِنْ مسكٍ» بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَيْ: مِنْ جِلْدٍ عَلَيْهِ صُوفٌ. 253 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا سَلامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ أَسْمَاءُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَغْتَسِلُ إِحْدَانَا إِذَا تَطَهَّرَتْ

عَنِ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: «تَأْخُذُ سِدْرَهَا وَمَاءَهَا فَتَوَضَّأُ، وَتَغْسِلُ رَأْسَهَا وَتَدْلُكُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ أُصُولَ شَعَرِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَى جَسَدِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَتَهَا، فَتَطَهَّرُ بِهَا»، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَرَفْتُ الَّذِي يَكْنِي عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: تَتَبَّعِي آثَارَ الدَّمِ "

باب غسل الرجل مع المرأة

بَابُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ 254 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَيُبَادِرُنِي، فَأَقُولُ: دَعْ لِي، دَعْ لِي، قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ عَائِشَةَ وَمُعَاذَةُ: هِيَ مُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ الزَّاهِدَةُ. 255 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، أَنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمِنْ قَدَحٍ، يُقَالُ لَهُ: الْفَرَقُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سُفْيَانُ: وَالْفَرَقُ: ثَلاثَةُ أَصْوُعٍ، فَيَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ مُدًّا، وَوَزْنُهُ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلا. وَالْفَرَقُ مَفْتُوحَةُ الرَّاءِ.

باب الوضوء بفضل الغير

بَابُ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْغَيْرِ 256 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلاةُ الْعَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فِي إِنَاءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى الأَنْصَارِيِّ، عَنْ مَعْنٍ، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ 257 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبع مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْعَتَكِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ الرَّحْرَاحُ: الْوَاسِعُ الصَّحْنِ، الْقَرِيبُ الْقَعْرِ 258 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب الوضوء بفضل المرأة

بَابُ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ 259 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: أَجْنَبْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاغْتَسَلْتُ مِنْ جَفْنَةٍ، وَفَضَلَ فِيهَا فَضْلَةٌ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدِ اغْتَسَلْتُ مِنْهَا، قَالَتْ: فَاغْتَسَلَ، وَقَالَ: «إِنَّ الْمَاءَ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعِكْرِمَةُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا، وَكَرِهَ بَعْضُهُمُ الْوُضُوءَ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ الْجُنُبِ أَوِ الْحَائِضِ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهِ. وَلَمْ يُصَحِّحْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدِيثَ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو، وَإِنْ ثَبَتَ، فَمَنْسُوخٌ.

باب مصافحة الجنب ومخالطته

بَابُ مُصَافَحَةِ الْجُنُبِ وَمُخَالَطَتِهِ 260 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَيَّاشٌ، نَا عَبْدُ الأَعْلَى، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ، فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ»؟ فَقُلْتُ لَهُ. . . فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ» وَعَيَّاشٌ هُوَ عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّقَّام أَبُو الْوَلِيدِ الْبَصْرِيُّ

261 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، نَا أَبُو الْحَارِثِ الطَّاهِرِيُّ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ، نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، " أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقِيتَنِي وَأَنَا جُنُبٌ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا جُنُبٌ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الاغْتِسَالِ لِلْجُنُبِ، وَأَنْ يَسْعَى فِي حَوَائِجِهِ، وَفِيهِ جَوَازُ مُصَافَحَةِ الْجُنُبِ وَمُخَالَطَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى طَهَارَةِ عَرَقِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. 262 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْنِبُ، فَيَغْتَسِلُ ثُمَّ يَسْتَدْفِئُ بِي قَبْلَ أَنْ أَغْتَسِلَ» قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَعْرَقُ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ جُنُبٌ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، وَكَذَلِكَ عَرَقُ الْحَائِضِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " أَرْبَعٌ لَا يُجْنُبْنَ: الإِنْسَانُ، وَالثَّوْبُ، وَالْمَاءُ، وَالأَرْضُ "، يُرِيدُ: الإِنْسَانُ لَا يُجْنِبُ بِمَمَاسَّةِ الْجُنُبِ، وَلا الثَّوْبُ إِذَا لَبِسَهُ الْجُنُبُ، وَلا الأَرْضُ إِذَا أَفْضَى إِلَيْهَا الْجُنُبُ، وَلا الْمَاءُ يَنْجُسُ إِذَا غَمَسَ الْجُنُبُ فِيهِ يَدَهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَحْتَجِمُ الْجُنُبُ، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ.

باب الجنب إذا أراد النوم أو العود أو الأكل توضأ

بَابُ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوِ الْعَوْدَ أَوِ الأَكْلَ تَوَضَّأَ 263 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 264 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ 265 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ

266 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَنا عَبْدَانُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 267 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا قَبِيصَةُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ عَمَّارٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هُوَ عَطَاءُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَكُنْيَةُ أَبِيهِ أَبُو مُسْلِمٍ الْبَلْخِيُّ، يُقَالُ: هُوَ مَوْلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، سَكَنَ الشَّامَ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ. وَرُوِيَ عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ». 268 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً»

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، يَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ. قَالَ الإِمَامُ: وَإِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحْيَانًا لِيَدُلَّ عَلَى الرُّخْصَةِ، وَكَانَ يَتَوَضَّأُ فِي أَغْلَبِ أَحْوَالِهِ لِيَدُلَّ عَلَى الْفَضِيلَةِ. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا أَخَرَّ الْغُسْلَ فَلا حَرَجَ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلا كَلْبٌ وَلا جُنُبٌ»، وَهَذَا فِيمَنْ يَتَّخِذُ تَأْخِيرَ

الاغْتِسَالِ عَادَةً، تَهَاوُنًا بِهِ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَوْقَاتِهِ جُنُبًا، وَأَرَادَ بِالْمَلائِكَةِ: الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ، دُونَ الْمَلائِكَةِ الَّذِينَ هُمُ الْحَفَظَةُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْجُنُبَ وَغَيْرَ الْجُنُبِ. 269 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، أَنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، نَا النُّفَيْلِيُّ، عَنْ مِسْكِينِ بْنِ بُكَيْرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَصَرَانِيِّ، عَنْ مِسْكِينِ بْنِ بُكَيْرٍ الْحَذَّاءِ 270 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، نَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ، قُلْتُ لأَنَسٍ:

أَوَ كَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلاثِينَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 271 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ الْعَوْدَ فَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ مَرْوَانَ

الْفَزَارِيِّ، عَنْ عَاصِمٍ، وَقَالَ: " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ: اسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، بَصْرِيٌّ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِي الْمَرْأَةِ تُجْنِبُ ثُمَّ تَحِيضُ، قَالَ: تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ. وَعَنِ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءٍ مِثْلَهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: الْحَيْضُ أَكْبَرُ. قَالَ الإِمَامُ: هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَنَّهُ قَالَ: الْحَيْضُ أَكْبَرُ. قَالَ الإِمَامُ: هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلتَّنْظِيفِ.

باب المحدث يأكل قبل أن يتوضأ

بَابُ الْمُحْدِثِ يَأْكُلُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ 272 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، أَنا صَدَقَةُ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ مِنَ الْغَائِطِ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، فَقِيلَ: أَلا تَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: «لَمْ أُصَلِّ فَأَتَوَضَّأَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ مَوْلَى السَّائِبِ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي الْحُوَيْرِثِ.

باب تحريم قراءة القرآن على الجنب والمكث في المسجد

بَابُ تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْمَكْثِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النِّسَاء: 43]. قَالَ الأَزْهَرِيُّ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ: جُنُبٌ، لأَنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَقْرَبَ مَوْضِعَ الصَّلاةِ مَا لَمْ يَتَطَهَّرْ، فَتَجَنَّبَهَا، وَأَجْنَبَ عَنْهَا، أَيْ تَبَاعَدَ عَنْهَا. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ، وَبُعْدِهِ مِنْهُمْ حَتَّى يَغْتَسِلَ، وَالْجَنَابَةُ: الْبُعْدُ. 273 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ، يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي الْحَاجَةَ، وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ لَا يَحْجُبُهُ أَوْ يَحْجِزُهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ مَاتَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ، وَلا

الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ». قَالَ الإِمَامُ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، قَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَلا لِلْحَائِضِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَجَوَّزَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعِكْرِمَةُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَجَوَّزَ مَالِكٌ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، لأَنَّ زَمَانَ حَيْضِهَا قَدْ يَطُولُ، فَتَنْسَى الْقُرْآنَ، وَجَوَّزَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَ آيَةٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ يَسْتَفْتِحَانِ الآيَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلا يُتِّمَانِهَا. وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ الْحَائِضُ إِلا طَرَفَ الآيَةِ، وَلَكِنْ تَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ وَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَتُسَبِّحُ وَتُكَبِّرُ وَتَدْعُو اللَّهَ. وَمِثْلُهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، وَمَكْحُولٍ: أَنَّ الْحَائِضَ تَتَوَضَّأُ عِنْدَ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ، وَتَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَتَذْكُرُ اللَّهَ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: قُلْتُ لأَبِي قِلابَةَ: تَتَوَضَّأُ عِنْدَ وَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ وَتَذْكُرُ اللَّهَ؟ قَالَ: مَا وَجَدْتُ لِهَذَا أَصْلا.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا ذِكْرُ اللَّهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَغَيْرِهِمَا، لِمَا: 274 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْبَهِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» قَالَ الإِمَامُ: وَالأَحْسَنُ أَنْ يَتَطَّهَرَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ. وَرُوِيَ عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلا عَلَى طُهْرٍ».

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْجُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ، «أَنَّهُ تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّهُ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّلامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ». قَالَ الإِمَامُ: وَلا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ، وَلا لِلْحَائِضِ الْمَكْثُ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ، فَإِنِّي لَا أَحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ» وَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَجَوَّزَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ الْمُرُورَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النِّسَاء: 43] يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ، وَجَابِرٍ. وَجَوَّزَ أَحْمَدُ، وَالْمُزَنِيُّ الْمَكْثَ فِيهِ، وَضَعَّفَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ، لأَنَّ رَاوِيَهُ أَفْلَتُ بْنُ خَلِيفَةَ مَجْهُولٌ، وَتَأَوَّلَ الآيَةَ عَلَى أَنَّ {عَابِرِي سَبِيلٍ} [النِّسَاء: 43] هُمُ الْمُسَافِرُونَ تُصِيبُهُمُ الْجَنَابَةَ، فَيَتَيَمَّمُونَ وَيُصَلُّونَ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

باب المحدث لا يمس المصحف

بَابُ الْمُحْدِثِ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الْوَاقِعَة: 79]، قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الآيَةِ الَّتِي فِي عَبَسَ: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ {11} فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ {12} فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ {13}} [عبس: 11 - 13]. 275 - أَنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلا طَاهِرٌ»

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُحْدِثَ أَوِ الْجُنُبَ لَا يَجُوزُ لَهُ حَمْلُ الْمُصْحَفِ وَلا مَسُّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: «لَا يَحْمِلُ الْمُصْحَفَ بِعِلاقَتِهِ، وَلا عَلَى وِسَادَةٍ إِلا وَهُوَ طَاهِرٌ إِكْرَامًا لِلْقُرْآنِ، وَتَعْظِيمًا لَهُ». وَجَوَّزَ الْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ حَمْلَهُ وَمَسَّهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «لَا يَمَسُّ الْمَوْضِعَ الْمَكْتُوبَ». وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ جَارِيَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إِلَى أَبِي رَزِينٍ لِتَأْتِيَهُ بِالْمُصْحَفِ، فَتُمْسِكَهُ بِعِلاقَتِهِ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْخُذَ بِعِلاقَةِ الْمُصْحَفِ غَيْرُ طَاهِرٍ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمُ النَّفْخَ فِي الْمُصْحَفِ. وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنِ الْقُرْآنِ تَلْبَسُهُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ فِي حَرِيرَةٍ أَوْ قَصَبَةٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ فِي عُنُقِهَا التَّعْوِيذُ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِي أَدِيمٍ فَلْتَنْتَزِعْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي قَصَبَةٍ مِنْ فِضَّةٍ فَلا بَأْسَ. فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهَا لِلْمُحْدِثِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلتِّلاوَةِ، وَجَوَّزُوا لَهُ الاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ.

رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ فِي قَوْمٍ وَهُوَ يَقْرَأُ، فَقَامَ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِمَ تَتَوَضَّأْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ؟! فَقَالَ عُمَرُ: «مَنْ أَفْتَاكَ بِهَذَا؟! أَمُسَيْلِمَةُ!». وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ، وَبِكَتْبِ الرِّسَالَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، جَوَّزُوا لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ حَمْلَ مَا سِوَى الْقُرْآنِ مِنَ الْكُتُبِ. وَقَالَ حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي التَّسْلِيمِ فِي الْحَمَّامِ: إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ إِزَارٌ فَسلم، وَإِلا فَلا يُسَلِّمُ. وَكَانَ يَرْوِي عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا يُقْرَأُ فِي الْحَمَّامِ.

وَكَرِهَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنْ يَكْتُبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلَى رَأْسِ الشِّعْرِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقْرَأُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَجَدَ رِيحًا، فَأَمْسَكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى ذَهَبَتْ. وَقَالَ رَجُلٌ لِعَطَاءٍ: أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَخْرُجُ مِنِّي الرِّيحُ، قَالَ: تُمْسِكُ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الرِّيحُ. قَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: لَقَدْ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُقْرَأَ أَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا عَلَى الطَّهَارَةِ.

باب قدر ماء الوضوء والغسل

بَابُ قَدْرِ مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ 276 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا مِسْعَرٌ، عَنِ ابْنِ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَكَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرٍ 277 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو الْوَلِيدِ، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ

بِخَمْسَةِ مَكَاكِيكَ، وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، هَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ، وَمِسْعَرٌ لَا يَصِحُّ ابْنُ جَبْرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ الإِمَامُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَكُّوكِ هَهُنَا الْمُدُّ، وَإِلا فَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ. 278 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ جَبْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ رَطْلانِ مِنْ مَاءٍ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ

قَالَ الإِمَامُ: الرِّفْقُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مُسْتَحَبٌّ، وَالإِسْرَافُ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ، وَذِكْرُ الصَّاعِ وَالْمُدِّ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى التَّقْدِيرِ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَكْثَرُ مِنْهُ وَلا أَقَلُّ، بَلْ يحْتَرز أَنْ يَدْخُلَ فِي حَدِّ السَّرَفِ. 279 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ الطَّاهِرِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَالطَّهُورِ» وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ الْوَلْهَانُ، فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. 280 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ،

أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، نَا هُشَيْمٌ، نَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ»

باب أحكام المياه

بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الْفرْقَان: 48]، وَالطَّهُورُ: هُوَ الْمُطَهِّرُ. 281 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ، نَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، مِنْ آلِ بَنِي الأَزْرَقِ، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَيُرْوَى: «إِنَّا نَرْكَبُ أَرْمَاثًا لَنَا فِي الْبَحْرِ»، وَالأَرْمَاثُ: جَمْعُ الرَّمْثِ، وَهِيَ خُشُبٌ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَيُشَدُّ ثُمَّ يُرْكَبُ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ، مِنْهَا: أَنَّ التَّوَضُّؤَ بِمَاءِ الْبَحْرِ يَجُوزُ مَعَ تَغَيُّرِ طَعْمِهِ وَلَوْنِهِ، وَهُوَ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «كَرَاهِيَةُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ». وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا نَبَعَ مِنَ الأَرْضِ، عَلَى أَيِّ لَوْنٍ وَطَعْمٍ كَانَ، جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا تَغَيَّرَ بِطُولِ الْمَكْثِ فِي الْمَكَانِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ، لأَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ تَطْهِيرِ مَاءِ الْبَحْرِ، لَا عَنْ طَهَارَتِهِ، وَلَوْلا أَنَّهُمْ عَرَفُوا مِنَ الطَّهُورِ الْمطهر، لَكَانَ لَا يَزُولُ إِشْكَالُهُمْ بِقَوْلِهِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ». وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الطَّاهِرُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الْفرْقَان: 48] حَتَّى جَوَّزُوا إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ، مِثْلُ الْخَلِّ، وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَالرِّيقِ، وَنَحْوِهَا، وَجَوَّزَ الأَصَمُّ الْوُضُوءَ بِهَا. وَعِنْدَ بَعْضِهِمُ: الطَّهُورُ: مَا يَتَكَرَّرُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ، كَالصَّبُورِ: اسْمٌ لِمَنْ

يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الصَّبْرُ، وَكَالشَّكُورِ: اسْمٌ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الشُّكْرُ وَالصَّبْرُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَلِهَذَا جَوَّزَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ إِذَا مَاتَتْ سَوَاءٌ فِي الْحِلِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [الْمَائِدَة: 96]

باب الماء الذي لا ينجس

بَابُ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَنْجُسُ 282 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْفَلاةِ وَمَا يَرِدُ مِنَ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، لَيْسَ يَحْمِلُ الْخَبَثَ " قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الْمَاءَ إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ، وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ، أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ. وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ يَحْمِلُ الْخَبَثَ» أَيْ: يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا يُقَالُ: فُلانٌ لَا يَحْتَمِلُ الضَّيْمَ، أَيْ: يَأْبَاهُ وَيَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِإِسْنَادٍ لَمْ يَحْضُرْهُ

ذِكْرُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: «بِقِلالِ هَجَرَ». قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَدْ رَأَيْتُ قِلالَ هَجَرَ، فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: «قُلَّتَيْنِ» يَعْنِي: مِنْ هَذِهِ الْحِبَابِ الْعِظَامِ، وَاحِدَتُهَا: قُلَّةٌ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِالْحِجَازِ، وَالْجَمْعُ: قِلالٌ، وَيُقَالُ: سُمِّيَتْ قُلَّةً لأَنَّهَا لَا تُقِلُّ، أَيْ: تُرْفَعُ. قَالَ الإِمَامُ: وَقَدَّرَ الشَّافِعِيُّ الْقُلَّتَيْنِ بِخَمْسِ قِرَبٍ، وَقَدَّرَهَا أَصْحَابُهُ بِخَمْسِ مِائَةِ رَطْلٍ وَزْنًا، كُلُّ قِرْبَةٍ مِائَةُ رَطْلٍ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى تَحْدِيدِ الْمَاءِ بِالْقُلَّتَيْنِ، وَقَالَ: إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ هَذَا الْحَدَّ، وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ مِنَ النَّجَاسَةِ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَقَدَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ الْمَاءَ الْكَثِيرَ الَّذِي لَا يَنْجُسُ بِأَنْ يَكُونَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَهَذَا تَحْدِيدٌ لَا يَرْجِعُ إِلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.

وَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ فِي غَدِيرٍ عَظِيمٍ، بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ مِنْهُ جَانِبٌ لَمْ يَضْطَرِبْ مِنْهُ الْجَانِبُ الآخَرُ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْجَهَالَةِ، لاخْتِلافِ أَحْوَالِ الْمُحَرِّكِينَ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالْعَطَاءِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَاحْتَجُّوا بِمَا 283 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَوَضَّأُ

مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ، وَلَحْمُ الْكِلابِ، وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى هَنَّادٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالُوا: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ.

قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُلَّتَيْنِ، لأَنَّ مَاءَ بِئْرِ بُضَاعَةَ كَانَ كَثِيرًا لَا يُغَيِّرُهُ وُقُوعُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ فِيهِ. قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عُمْقِهَا؟ قَالَ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ الْمَاءُ فِيهَا إِلَى الْعَانَةِ، قُلْتُ: فَإِذَا نَقَصَ؟ قَالَ: دُونَ الْعَوْرَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَدَدْتُ رِدَائِي عَلَيْهَا، فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَرَأَيْتُ فِيهِ مَاءً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا تَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ رِيحُهُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ يَنْجُسُ، سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ قَلِيلا أَوْ كَثِيرًا، وَسَوَاءٌ فِيهِ قَلِيلُ الْمَاءِ أَوْ كَثِيرُهُ، وَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ نُظِرَ إِنْ كَانَ قَدْرَ الْقُلَّتَيْنِ، عَادَ طَهُورًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ، فَهُوَ نَجِسٌ حَتَّى يُكَاثِرَ، فَيَبْلُغَ قُلَّتَيْنِ. وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ طَاهِرٌ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلا أَوْ كَثِيرًا، فَإِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ، نُظِرَ إِنْ تَغَيَّرَ بِمَا لَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ كَالتُّرَابِ، وَأَوْرَاقِ الأَشْجَارِ، فَهُوَ طَهُورٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ تَغَيَّرَ بِمَا لَا يُخَالِطُهُ كَالدُّهْنِ، وَالْعُودِ

يَقَعُ فِيهِ فَيُغَيِّرُهُ، فَهُوَ طَهُورٌ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِخَلِيطٍ يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ، كَالزَّعْفَرَانِ، وَالدَّقِيقِ، وَالْخَلِّ، وَاللَّبَنِ، وَنَحْوِهَا، فَهُوَ طَاهِرٌ، غَيْرُ طَهُورٍ إِذَا كَانَ التَّغَيُّرُ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُضَافُ الْمَاءُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلا لَا يُضَافُ الْمَاءُ إِلَيْهِ، فَهُوَ طَهُورٌ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: هُوَ طَهُورٌ، وَإِنْ كَثُرَ التَّغَيُّرُ. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي قَوْلِهِ: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ لَا يُطَهِّرُ، حَتَّى لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَنْبِذَةِ، لأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَدًّا، فَهُوَ خَمْرٌ نَجِسٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِجَمِيعِ الأَنْبِذَةِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِهِ وَالتَّيَمُّمِ، وَيُقَالُ: هَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " سَأَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ: مَا فِي إِدَاوَتِكَ؟، قُلْتُ: نَبِيذٌ، فَقَالَ: تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ ".

وَهَذَا حَدِيثٌ غير ثَابِت، لأَنَّ أَبَا زَيْدٍ مَجْهُولٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ»، وَلَئِنْ ثَبَتَ، لَمْ يَكُنْ ذَاكَ نَبِيذًا مُتَغَيِّرًا، بَلْ كَانَ مَاءً مُعَدًّا لِلشُّرْبِ نُبِذَ فِيهِ تَمَرَاتٌ لِتَجْتَذِبَ مُلُوحَتَهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النِّسَاء: 43]، نَقَلَ مِنَ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ إِلَى التَّيَمُّمِ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَهُمَا شَيْءٌ آخَرُ، كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ، نَقَلَ مِنَ الرَّقَبَةِ إِلَى الصَّوْمِ، فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} [النِّسَاء: 92] وَلا يَتَخَلَّلُهُمَا غَيْرُهُمَا. وَكُلُّ مَائِعٍ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، فَإِذَا غُسِلَ بِهِ نَجَاسَةٌ لَا تَطْهُرُ،

لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَصَّ الْمَاءَ بِالتَّطْهِيرِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الْفرْقَان: 48] وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الْأَنْفَال: 11]، فَلَوْ قُلْنَا: «يُشَارِكُهُ فِي غَيْرِهِ» لَذَهَبَ مَعْنَى التَّخْصِيصِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ. وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ، مِثْلَ الْخَلِّ، وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَالْبُصَاقِ، وَنَحْوِهَا، إِلا الدُّهْنَ وَاللَّبَنَ، وَلَوْ جَازَ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِمَائِعٍ سِوَى الْمَاءِ، لَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ.

باب النهي عن البول في الماء الدائم

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ 284 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَالُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يُغْتَسَلُ بِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالدَّائِمُ: السَّاكِنُ، يُقَالُ: دَامَ الْمَاءُ يَدُومُ دَوْمًا: إِذَا سَكَنَ، وَأَدَمْتُهُ: سَكَّنْتُهُ، وَيُقَالُ لِلطَّائِرِ إِذَا صَفَّ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، وَسَكَّنَهُمَا فَلَمْ يُحَرِّكْهُمَا: قَدْ دَوَّمَ الطَّائِرُ تَدْوِيمًا، وَهُوَ مِنْ هَذَا أَيْضًا، وَيُقَالُ: هَذَا الْحَرْفُ مِنَ الأَضْدَادِ، يُقَالُ لِلسَّاكِنِ: الدَّائِمُ، وَلِلدَّائِرِ: دَائِمٌ،

يُقَالُ: أَصَابَ فُلانًا دَوَامٌ، أَيْ: دُوَارٌ، وَقِيلَ: دَوَّمَ الطَّائِرُ، أَيْ دَارَ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا كَانَ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ يَنْجُسُ بِالْبَوْلِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَأَنَّ حُكْمَ الْمَاءِ الْجَارِي بِخِلافِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَاءَ الْجَارِي إِذَا خَالَطَهُ النَّجَسُ فَالْجُزْءُ الَّذِي يَتْلُوهُ يَرِدُ عَلَيْهِ، فَيَغْلِبُهُ، فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى الْمُسْتَهْلَكِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: «إِنَّ الْمَاءَ الْجَارِي لَا يَنْجُسُ وَإِنْ قَلَّ، إِلا بِالتَّغَيُّرِ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» فَقِيلَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلا. 285 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ»

فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اغْتِسَالَ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ الرَّاكِدِ يَسْلُبُ حُكْمَهُ، كَالْبَوْلِ فِيهِ يَسْلُبُ حُكْمَهُ، غَيْرَ أَنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُهُ، لأَنَّهُ نَجِسٌ، وَالْغُسْلُ لَا يُنَجِّسُهُ، لأَنَّ بَدَنَ الْجُنُبِ لَيْسَ بِنَجِسٍ، لَكِنْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ، وَيَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ لِيَتَنَاوَلَ الْمَاءَ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ الْمَاءِ، وَإِنْ أَدْخَلَ فِيهِ لِيَغْسِلَهَا مِنَ الْجَنَابَةِ يُغَيِّرُ حُكْمَهُ.

باب طهارة سؤر الهرة والسباع سوى الكلب

بَابُ طَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ وَالسِّبَاعِ سِوَى الْكَلْبِ 286 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوِ الطَّوَّافَاتِ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَبُو قَتَادَةَ اسْمُهُ: الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ. قَوْلُهُ: «أَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ» أَيْ: أَمَالَهُ لِيَسْهُلَ عَلَيْهَا التَّنَاوُلُ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ فِي الْهِرَّةِ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا». وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ سُؤْرَ الْهِرَّةِ طَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: «إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوِ الطَّوَّافَاتِ». يَتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: شَبَّهَهَا بِالْمَمَالِيكِ وَبِخَدَمِ الْبَيْتِ الَّذِينَ يَطُوفُونَ عَلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النُّور: 58]. يَعْنِي: الْمَمَالِيكَ، وَالْخَدَمَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّمَا الْهِرَّةُ كَبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ. وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا هُوَ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ. وَالآخَرُ: شَبَّهَهَا بِمَنْ يَطُوفُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَسْأَلَةِ، يُرِيدُ أَنَّ الأَجْرَ فِي مُوَاسَاتِهَا كَالأَجْرِ فِي مُوَاسَاةِ مَنْ يَطُوفُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَسْأَلَةِ.

287 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، أَوْ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ سُئِلَ أَيَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتِ الْحُمُرُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ كُلُّهَا»، وَرَوَى غَيْرُه عَن الرَّبِيعِ، وَقَالَ: عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ بِلا شَكٍّ. وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ: هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ الأَشْهَلِيُّ

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي سُؤْرِ السِّبَاعِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى طَهَارَتِهِ، إِلا سُؤْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى نَجَاسَةِ سُؤْرِ السِّبَاعِ إِلا سُؤْرَ الْهِرَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ: «إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ إِنَاءٍ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً غَيْرَهُ، تَوَضَّأَ بِهِ»، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يَتَوَضَّأُ بِهِ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً آخَرَ، يَجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِهِ وَالتَّيَمُّمِ، وَبَلَغَنَا أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، قَالَ: لَمْ نَجِدْ فِي أَمْرِ الْمَاءِ إِلا السَّعَةَ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنِ الذُّبَابَةِ تَقَعُ عَلَى النَّتَنِ، ثُمَّ تَطِيرُ فَتَقَعُ عَلَى ثَوْبِ الرَّجُلِ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: «يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي طَيَرَانِهَا مَا يُيَبِّسُ مَا بِرِجْلِهَا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَإِلا فَالشَّيْءُ إِذَا ضَاقَ اتَّسَعَ».

باب غسل نجاسة الكلب

بَابُ غَسْلِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ 288 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 289 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحَمْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِتُرَابٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ، مَوْلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، بَصْرِيٌّ، مَاتَ بَعْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، يُقَالُ: مَاتَ الْحَسَنُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ، وَمَاتَ ابْنُ سِيرِينَ بَعْدَهُ بِمِائَةِ يَوْمٍ. وَرَوَاهَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَفِّرُوا الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ». وَرَوَى مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَ فِيهِ: «وَإِذَا وَلَغَتِ الْهِرَّةُ غُسِلَ مَرَّةً». وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْهِرَّةَ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ.

قَالَ الإِمَامُ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ الْكَلْبَ إِذَا شَرِبَ مِنْ إِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ آخَرُ، أَنَّهُ يَنْجُسُ وَلا يَطْهُرُ إِلا بِأَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ مُكَدَّرَةٌ بِالتُّرَابِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ: «لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ، وَلَكِنْ يَجِبَ غَسْلُهُ سَبْعًا تَعَبُّدًا». وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا عَدَدَ فِي غَسْلِهِ، وَلا تَعْفِيرَ، بَلْ هُوَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ. وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْكَلْبِ فِي أَنَّهُ إِذَا شَرِبَ مِنْ إِنَاءٍ أَوْ أَصَابَ بَدَنُهُ مَكَانًا رَطْبًا يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ. وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ مَخْصُوصٌ بِهِ، لأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُقَرِّبُ الْكِلابَ مِنْ أَنْفُسِهَا وَتَأْلَفُهَا، فَلَمَّا كَانَتْ نَجَاسَةً مَأْلُوفَةً غَلَّظَ الشَّرْعُ الْحُكْمَ فِي غَسْلِهَا، فَطْمًا لَهُمْ عَنْ عَادَتِهِمْ، كَالْخَمْرِ لَمَّا كَانَتْ نَجَاسَةً مَأْلُوفَةً، غَلظ الأَمْرُ فِي شُرْبِهَا بِإِيجَابِ الْحَدِّ بِخِلافِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَأَمَّا إِذَا أَصَابَ بَدَنُهُ الْيَابِسُ مَكَانًا يَابِسًا، أَوْ مَشَى عَلَى مَكَانٍ يَابِسٍ، فَلا ينجس، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتِ الْكِلابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ».

باب غسل دم الحيض

بَابُ غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ 290 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مَالِكٌ. ح وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: " سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ، فَلْتَقْرِصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ».

حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: «لِتَقْرِصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ وَالتَّعْفِيرَ فِي غَسْلِ نَجَاسَةِ غَيْرِ الْكَلْبِ غَيْرُ شَرْطٍ، بَلْ إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ فَصَبَّ عَلَيْهَا مَاءً وَاحِدًا أَتَى عَلَى جَمِيعِهَا، يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ ثَلاثًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا». وَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَيْنِيَّةً، كَالدَّمِ، وَالرَّوْثِ، تَحُتُّهَا، وَتَقْرِصُهَا، ثُمَّ تَغْسِلُهَا بِالْمَاءِ. وَالْقَرْصُ: هُوَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ بِالإِصْبَعِ، وَتَغْمِزَهُ غَمْزًا جَيِّدًا، وَتَدْلُكَهُ حَتَّى يَنْحَلَّ مَا تَشَرَّبَهُ مِنَ الدَّمِ، ثُمَّ تَغْسِلَهُ. وَالْمُرَادُ مِنَ النَّضْحِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ: الْغَسْلُ، فَإِنْ بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ بَعْدَ الْغَسْلِ، فَهُوَ طَاهِرٌ.

سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنِ الْحَائِضِ يُصِيبُ ثَوْبَهَا الدَّمُ؟ قَالَتْ: «تَغْسِلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ، فَلْتُغَيِّرُهْ بِشَيْءٍ مِنْ صُفْرَةٍ». وَإِذَا أَرَادَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ يَجِبُ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَى الْمَحَلِّ النَّجِسِ، فَإِنْ أَوْرَدَ الْمَحَلَّ النَّجِسَ عَلَى الْمَاءِ، وَالْمَاءُ أَقَلُّ مِنَ الْقُلَّتَيْنِ يَنْجسُ الْمَاءُ، وَلا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا». وَمَعْقُولٌ أَنَّ مَا يَصُبُّ عَلَى يَدِهِ مِنَ الإِنَاءِ أَقَلُّ مِمَّا فِي الإِنَاءِ مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ حُكِمَ للأَقَلِّ بِالتَّطْهِيرِ إِذَا كَانَ وَارِدًا، وَلِلأَكْثَرِ بِخِلافِهِ إِذَا كَانَ مَوْرُودًا عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ.

باب البول يصيب الأرض

بَابُ الْبَوْلِ يُصِيبُ الأَرْضَ 291 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا»، قَالَ: فَمَا لَبِثَ أَنْ بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَكَأَنَّهُمْ عَجَّلُوا عَلَيْهِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ: «تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا»، يُرِيدُ: ضَيَّقْتَ رَحْمَةَ اللَّهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَصْلُ الْحَجْرِ: الْمَنْعُ، وَقَوْلُهُ: {حَرْثٌ حِجْرٌ} [الْأَنْعَام: 138] أَيْ: مُحَرَّمٌ مَمْنُوعٌ. وَالذَّنُوبُ: الدَّلْوُ مَلأَى مَاءً، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} [الذاريات: 59]، أَيْ: نَصِيبًا مِنَ الْعَذَابِ. وَالسِّجْلُ: الدَّلْوُ الْكَبِيرُ.

وَيُرْوَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُزْرِمُوهُ»، أَيْ: لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ، وَالإِزْرَامُ: الْقَطْعُ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَرْضَ إِذَا أَصَابَهَا بَوْلٌ أَوْ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا، فَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ حَتَّى غَلَبَهَا، يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا، وَإِنْ لَمْ تُحْفَرْ، وَلَمْ يُنْقَلِ التُّرَابُ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا تَطْهُرُ حَتَّى يُنْقَلَ التُّرَابُ، لأَنَّهُ يُرْوَى فِي الْحَدِيثِ: «خُذُوا مِمَّا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ، وَأَلْقُوَّةِ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً». وَذَلِكَ ضَعِيفٌ، لأَنَّهُ يُرْوَى مُرْسَلا.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَرْضَ إِذَا أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ لَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ، وَلا بِشُرُوقِ الشَّمْسِ عَلَيْهَا إِلا بِالْمَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو قِلابَةَ: تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا شَرَقَتْ عَلَيْهَا الشَّمْسُ حَتَّى ذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ تَطْهُرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا 292 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبًا، وَكَانَتِ الْكِلابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

وَتَأَوَّلُ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ عَابِرَةً، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ نَادِرَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ أَبْوَابٌ تَمْنَعُهَا مِنَ الْعُبُورِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَةِ غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغَيُّرٌ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُطَهِّرَةً، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى نَجَاسَتِهَا، لأَنَّ النَّجَاسَةَ تَحَوَّلَتْ عَنِ الْمَحَلِّ إِلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلَوْ كَانَتِ الْغُسَالَةُ نَجِسَةً لَكَانَ الْمَحَلُّ نَجِسًا، لأَنَّ الْبَلَلَ الْبَاقِي فِيهِ بَعْضُ هَذِهِ الْغُسَالَةِ، فَلَمَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ مَعَ بَقَاءِ الْبَلَلِ فِيهِ، عُلِمَ بِهِ طَهَارَةُ الْغُسَالَةِ، وَاسْتِهْلاكُ النَّجَاسَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهَا الْمَاءُ، صَارَتِ النَّجَاسَةُ مُسْتَهْلَكَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ لَهَا أَثَرٌ فِي الْمَاءِ، وَلَوِ اخْتَلَطَتْ بِالتُّرَابِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ فَلا يَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حَتَّى يُنْقَلَ ذَلِكَ التُّرَابُ، فَيَكُونُ مَا تَحْتَهُ طَاهِرًا.

باب بول الصبي الذي لم يطعم

بَابُ بَوْلِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ 293 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ السَّامِرِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّضْحُ: إِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهِ رِفْقًا مِنْ غَيْرِ مَرْسٍ

وَلا دَلْكٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَعِيرِ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ: النَّاضِحُ، وَالْغَسْلُ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْمَرْسِ وَالْعَصْرِ. 294 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، قَالَتْ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لِي لَمْ يَأْكُلْ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: بَوْلُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ نَجِسٌ، كَبَوْلِ غَيْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالرَّشِّ، وَهُوَ أَنْ يَنْضَحَ عَلَيْهِ الْمَاءَ بِحَيْثُ يَصِلُ إِلَى جَمِيعِهِ، فَيَطْهُرُ مِنْ غَيْرِ مَرْسٍ وَلا دَلْكٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «يُغْسَلُ

مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلامِ». 295 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، وَالرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، الْمَعْنَى، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ لُبَابَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، قَالَتْ: كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: الْبَسْ ثَوْبًا، وَأَعْطِنِي إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ، قَالَ: «إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ» وَلُبَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ: هِيَ أُمُّ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

296 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا بُنْدَارٌ، نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي بَوْلِ الْغُلامِ الرَّضِيعِ: «يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ» قَالَ قَتَادَةُ: وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا، فَإِذَا طَعِمَا غُسِلا جَمِيعًا. قَالَ أَبُو عِيسَى: رَفَعَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَوَقَفَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: بَوْلُ الْغُلامِ يُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ صَبًّا مَا لَمْ يَطْعَمْ، وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ يُغْسَلُ طَعِمَتْ أَوْ لَمْ تَطْعَمْ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِ غَسْلِهِ، كَسَائِرِ الأَبْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. بَابُ

الْمَنِيِّ الَّذِي يُصِيبُ الثَّوْبَ 297 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، نَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ فَقَالَتْ «كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ الْمَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ قَوْلُهُ: «بُقَعُ الْمَاءِ»، جَمْعُ بُقْعَةٍ، مِثْلُ تُحْفَةٍ وَتُحَفٍ، وَنُطْفَةٍ وَنُطَفٍ، وَالْبُقْعَةُ: قِطْعَةٌ مِنَ الأَرْضِ يُخَالِفُ لَوْنُهَا لَوْنَ مَا يَلِيهَا، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: بَقْعَةٌ، بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَجَمْعُهَا بِقَاعٌ، مِثْلُ قَصْعَةٍ وَقِصَاعٍ.

298 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. هَمَّامُ بْنُ الْحَارِثِ النَّخَعِيُّ كُوفِيٌّ، رَوَى عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، مِثْلَهُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، وَزَادَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، عَنْ

عَائِشَةَ: «ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي طَهَارَةِ مَنِيِّ الآدَمِيِّ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى طَهَارَتِهِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعْدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَنِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ، فَأَمِطْهُ عَنْكَ وَلَوْ بِإِذْخِرَةٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: يُفْرَكُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ نَجِسٌ يَجِبُ غَسْلُهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: هُوَ نَجِسٌ يُغْسَلُ رَطْبُهُ، وَيُفْرَكُ يَابِسُهُ. وَمَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ، قَالَ: حَدِيثُ الْغَسْلِ لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْفَرْكِ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الاسْتِحْبَابِ وَالنَّظَافَةِ حَتَّى لَا يُرَى عَلَى ثَوْبِهِ أَثَرُهُ. وَمَنِيُّ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ نَجِسٌ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى نَجَاسَةِ الْمَذِيِّ وَالْوَدْيِ كَالدَّمِ، وَيَجِبُ غَسْلُهُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ النَّضْحُ فِي الْمَذْيِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ النَّضْحُ بِالْمَاءِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْقَى مِنَ الْمَذِيِّ شِدَّةً، فَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْهُ الغَسْلَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ» قُلْتُ: كَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ؟ فَقَالَ: «يَكْفِيكَ أَنْ تَأْخُذَ

كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فَتَنْضَحَ بِهِ ثَوْبَكَ حَتَّى تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ مِنْهُ». وَسُئِلَ إِبْرَاهِيمُ عَنِ الْجُرْحِ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ، يَعْنِي: الصَّدِيدَ، قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ، وَمِثْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الدَّمُ الْعَبِيطُ ".

باب الأذى يصيب النعل

بَابُ الأَذَى يُصِيبُ النَّعْلَ 299 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ السَّهْلِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، أَنا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَنا عَبْدَانُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنا أَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ قَائِمٌ إِذْ وَضَعَ نَعْلَيْهِ عَلَى يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟» قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ فَأَلْقَيْنَا. قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي، أَنَّ فِيهِمَا أَذًى، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ بِنَعْلَيْهِ أَذًى، فَلْيَمْسَحْهُ، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» وَأَبُو نَضْرَةَ الْعَبْدِيُّ: اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ، مَاتَ قَبْلَ الْحَسَنِ بِقَلِيلٍ.

300 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا أَبُو الْمُغِيرَةِ. ح قَالَ أَبُو دَاوُدَ: نَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي. ح قَالَ أَبُو دَاوُدَ:، نَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، نَا عُمَرُ يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، الْمَعْنَى، قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ حَدَّثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الأَذَى فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ» قَالَ الإِمَامُ: ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، مِنْهُمُ النَّخَعِيّ، كَانَ يَمْسَحُ النَّعْلَ أَوِ الْخُفَّ يَكُونُ بِهِ السِّرْقِينُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَيُصَلِّي بِالْقَوْمِ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إِلا بِالْمَاءِ كَالْبَدَنِ وَالثَّوْبِ، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى مَا إِذَا مَرَّ عَلَى شَيْءٍ يَابِسٍ مِنْهَا فَعَلِقَ بِهِ، يُزِيلُهُ مَا بَعْدَهُ، كَمَا 293 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهَا

سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي، وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ وَطِئْتَ عَلَى قَذَرٍ رَطْبٍ، فَاغْسِلْهُ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلا. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلاةِ فِي النَّعْلِ، فَإِنَّ الأَدَبَ إِذَا نَزَعَ نَعْلَيْهِ أَنْ يَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ نَاسٌ فَبَيْنَ رِجْلَيْهِ. 301 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، نَا بَقِيَّةُ، وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا صَلَّى

أَحَدُكُمْ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَلا يُؤْذِ بِهِمَا أَحَدًا، لِيَجْعَلْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَوْ لِيُصَلِّ فِيهِمَا» 302 - وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ أَبُو عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلا يَضَعْ نَعْلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ، وَلا عَنْ يَسَارِهِ، فَتَكُونَ عَنْ يَمِينِ غَيْرِهِ، إِلا أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ، وَلْيَضَعْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ» وَفَرَّعَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مَنْ خَلَعَ نَعْلَهُ، فَتَرَكَهَا مِنْ وَرَائِهِ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ مُتَبَاعِدَةً عَنْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَتَعَقَّلَ بِهَا إِنْسَانٌ، فَتَلِفَ أَنَّ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، كَمَنْ وَضَعَ حَجَرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. وَيَحْتَجُّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَعَلَى ثَوْبِهِ أَوْ

بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوَّةٍ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، ثُمَّ عَلِمَ بِهَا أَنْ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَعَ نَعْلَهُ فِي خِلالِ الصَّلاةِ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْهَا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، كَمَا لَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الإِعَادَةُ بِالاتِّفَاقِ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى وُجُوبِ الإِعَادَةِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّجَاسَةِ، كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى مُحْدِثًا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي، فَرَأَى عَلَى ثَوْبِهِ دَمًا، فَأَلْقَاهُ، فَأُتِيَ بِثَوْبٍ آخَرَ، فَلَبِسَهُ، وَاعْتَدَّ بِمَا صَلَّى.

باب الدباغ

بَابُ الدِّبَاغِ 303 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ». وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ

بْنِ بِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَئِيِّ 304 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ بِشَاةٍ لِمَوْلاةِ مَيْمُونَةَ مَيِّتَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا عَلَى أَهْلِ هَذِهِ لَوْ أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا مَيِّتَةٌ؟ قَالَ: إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ

قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَإِذَا مَاتَ يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ، إِلا شَيْئًا يُحْكَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَا يَطْهُرُ»، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ: «أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلا عَصَبٍ» فَكَانَ يَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ صَارَ نَاسِخًا لِمَا سِوَاهُ، ثُمَّ تَرَكَ الْقَوْلَ بِهِ لِلاضْطِرَابِ فِي إِسْنَادِهِ، فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ، وَتَأَوَّلَهُ الآخَرُونَ إِنْ ثَبَتَ عَلَى الانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ الدِّبَاغِ. قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: يُسَمَّى إِهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ. فَأَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَاخْتَلَفُوا فِي طَهَارَةِ جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جِلْدُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ».

وَعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ». وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَطْهُرُ الْكُلُّ بِالدِّبَاغِ، إِلا جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ جِلْدَ الْكَلْبِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَهَؤُلاءِ حَمَلُوا النَّهْيَ فِي حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ عَلَى مَا قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ، وَلأَنَّ جِلْدَ النَّمِرِ إِنَّمَا يُرْكَبُ لِشَعَرِهِ، وَالشَّعَرُ لَا يَقْبَلُ الدِّبَاغَ، أَوْ إِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ وَالْخُيَلاءِ. 305 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ»

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَبَاطِنُهُ حَتَّى يَجُوزَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ، وَيَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهِ، وَالصَّلاةُ مَعَهُ. 306 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: «مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي قَوْلِهِ: «إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَا عَدَا الْمَأْكُولَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ الانْتِفَاعُ بِهِ، كَالشَّعَرِ وَالسِّنِّ وَالْقَرْنِ وَنَحْوِهَا، وَاخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْعِلْمِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءَ فِيهَا حَيَاةٌ تنجس بِمَوْتِ الْحَيَوَانِ كَالْجِلْدِ، وَإِذَا دُبِغَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ وَعَلَيْهِ شَعَرٌ، فَالشَّعَرُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِي الشَّعَرِ وَالرِّيشِ، وَلا يَنْجُسُ بِمَوْتِ الْحَيَوَانِ، وَجَوَّزُوا الصَّلاةَ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالَ مَالِكٌ: «لَا بَأْسَ بِالصَّلاةِ فِي صُوفِ الْمَيْتَةِ وَشَعْرِهَا إِذَا غُسِلَ، وَلا خَيْرَ

فِي الصَّلاةِ عَلَى جِلْدِهَا وَإِنْ دُبِغَ»، وَلَمْ يُجَوِّزْ بَيْعَهَا. وَكُلُّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَذَكَاتُهُ كَمَوْتِهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ جِلْدَهُ بَعْدَ الذَّكَاةِ طَاهِرٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَالْعَظْمُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِيهِ حَيَاةٌ يَمُوتُ بِمَوْتِ الْحَيَوَانِ، وَيَنْجسُ بِنَجَاسَةِ الأَصْلِ. فَأَمَّا الْحُوتُ فَمَيِّتُهُ حَلالٌ، فَعَظْمُهُ يَكُونُ طَاهِرًا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِي الْعَظْمِ، وَلا يحله الْمَوْتُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَجَوَّزُوا اسْتِعْمَالَ عِظَامِ الْفِيَلَةِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي عِظَامِ الْمَوْتَى: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ سَلَفِ الْعُلَمَاءِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا، وَيَدَّهِنُونَ فِيهَا، لَا يَرَوْنَ بَأْسًا. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ الْعَاجِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ سِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ»، وَالْمُرَادُ مِنْهُ عِنْدَ الآخَرِينَ: الذَّبْلُ، وَهُوَ عَظْمُ سُلْحِفَاةِ الْبَحْرِ، لَا عِظَامُ الْفِيَلَةِ. وَلا تَحْرِيمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَوَانِي الطَّاهِرَةِ إِلا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ».

وَعَنْ عَائِشَةَ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ». وَعَنْ أَنَسٍ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا».

باب التيمم

بَابُ التَّيَمُّمِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النِّسَاء: 43]. الصَّعِيدُ: هُوَ التُّرَابُ، وَالصَّعِيدُ: وَجْهُ الأَرْضِ، وَالطَّيِّبُ: الطَّاهِرُ. 307 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ، حَفِظَهُ اللَّهُ، نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالُوا: أَلا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ، أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي، قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ! قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلا مَكَانُ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَتَيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ

وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَأْدِيبِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا، حَيْثُ طَعَنَ أَبُو بَكْرٍ فِي خَاصِرَةِ عَائِشَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: " أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلادَةٍ ".

باب كيفية التيمم

بَابُ كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [الْمَائِدَة: 6] وَسورَة النِّسَاء آيَة 43. 308 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا الْحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ. فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتِ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَذَا»، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ؟، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ: كُنَّا

فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن، قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ: تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَكْفِيكَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ»، هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَزَادَ: فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ، قَالَ ": إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ وَالْحَكَمُ: هُوَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيُّ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، يَرْوِي عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيِّ. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ، مِنْهَا: جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا

طَهُرَتَا وَعَدِمَتَا الْمَاءَ، صَلَّتَا بِالتَّيَمُّمِ، وَذَهَبَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ نَسِيَ مَا ذَكَرَهُ لَهُ عَمَّارٌ، فَلَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، وَجَوَّزَ لِلْجُنُبِ التَّيَمُّمَ إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ. 309 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ،

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلا كَانَ جُنُبًا أَنْ يَتَيَمَّمَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ اغْتَسَلَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ سَلْمِ بْنِ زُرَيْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ سَلْمِ بْنِ زُرَيْرٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ أَبُو نُجَيْدٍ أَبُو الْخُزَاعِيِّ الأَزْدِيُّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ. وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: اسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ مِلْحَانَ، وَيُقَالُ: عِمْرَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: عِمْرَانُ بْنُ تَيْمٍ الْبَصْرِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كَانَتْ تُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فَأَمْكُثُ الْخَمْسَ وَالسِّتَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَمَسَّهُ بَشَرَهُ».

قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَفِي حَدِيثِ عَمَّارٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ كَافٍ لِلْجُنُبِ كَمَا يَكْفِي لِلْمُحْدِثِ، فَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالتُّرَابِ تَارَةً يَكُونُ بَدَلا عَنْ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَدَلا عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي حَقِّ الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ، وَالْمَيِّتِ، عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِعَدَمٍ، أَوْ مَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلاكُ أَوْ زِيَادَةُ الْمَرَضِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَدَلا عَنْ غَسْلِ لُمْعَةٍ مِنْ بَدَنِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ جُرْحٌ يَخَافُ مِنْ إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَيْهِ الْهَلاكَ، أَوْ تَلَفَ الْعُضْوِ، أَوْ زِيَادَةَ الْوَجَعِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَيَتَيَمَّمَ بِالتُّرَابِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَدَلا عَنْ غَسْلِ مَوْضِعِ الْجُرْحِ. وَإِذَا ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى التُّرَابِ، فَعَلِقَ بِهَا تُرَابٌ كَثِيرٌ، فَلا بَأْسَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا حَتَّى يَخِفَّ مَا عَلَيْهَا مِنَ التُّرَابِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، فَلَوْ أَزَالَ بِالنّفخ جَمِيعَ مَا عَلَيْهَا مِنَ التُّرَابِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، حَتَّى قَالُوا: لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ جَازَ، وَالأَوَّلُ أَوْلَى، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [الْمَائِدَة: 6]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " الصَّعِيدُ: هُوَ التُّرَابُ ". وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلَّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ». خَصَّ التُّرَابَ بِكَوْنِهِ طَهُورًا، وَعَنْ هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: «لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِالزِّرْنِيخِ، وَالنُّورَةِ، وَالْجِصِّ، وَنَحْوِهِ، إِنَّمَا يَجُوزُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ سَبَخِهَا وَمَدَرِهَا وَبَطْحَائِهَا وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْلَقُ بِالْيَدِ مِنْهُ غُبَارٌ». وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ التَّيَمُّمَ بِالزِّرْنِيخِ وَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ طَبَقَاتِ الأَرْضِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «جُعِلَتِ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُجْمَلٌ، وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ مُفَسَّرٌ، وَالْمُفَسَّرُ مِنَ الْحَدِيثِ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ. وَفِي حَدِيثِ عَمَّارٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ،

وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَمَّارٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ، أَنَّهُ قَالَ: «تَيَمَّمْنَا إِلَى الْمَنَاكِبِ» فَهُوَ حِكَايَةُ فِعْلِهِ، لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الإِمَامُ: كَمَا حَكَى عَنْ نَفْسِهِ التَّمَعُّكَ فِي حَالِ الْجَنَابَةِ، فَلَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ انْتَهَى إِلَيْهِ، وَأَعْرَضَ عَنْ فِعْلِهِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ الصِّمَّةِ، وَهُوَ مَا 310 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنِ الأَعْرَجِ،

عَنِ ابْنِ الصِّمَّةِ، قَالَ: «مَرَرْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى قَامَ إِلَى جِدَارٍ فَحَتَّهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعَهُ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيَّ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِيهِ فَوَائِدُ، مِنْهَا: وُجُوبُ مَسْحِ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالأُصُولِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ فِي الرِّوَايَةِ، هُوَ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَمِنْهَا: أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَعْلَقْ بِالْيَدِ غُبَارُ التُّرَابِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّ الْجِدَارَ بِالْعَصَا، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الضَّرْبِ كَافِيًا لَكَانَ لَا يَحُتُّهُ. وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ الطَّهَارَةِ لِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

311 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو عَلِيٍّ الْمَوْصِلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ، نَا نَافِعٌ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي حَاجَةٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَضَى ابْنُ عُمَرَ حَاجَتَهُ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ: " مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِكَّةٍ مِنَ السِّكَكِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى فِي السِّكَّةِ، ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ، وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلامَ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلامَ إِلا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ " 312 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ الأَعْلَى، نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ،

عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، وَقَالَ: " إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلا عَلَى طُهْرٍ، أَوْ قَالَ: عَلَى طَهَارَةٍ " وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ رَدَّ السَّلامِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَاجِبًا، فَالْمُسَلِّمُ عَلَى الرَّجُلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ مُضَيِّعٌ حَظَّ نَفْسِهِ، فَلا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْكَلامِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ حَيْثُ لَمْ يُخْبِرْهُ، وَلَمْ يَعْتَذِرْ إِلَيْهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ ذِكْرَ اللَّهِ فِي الْحَضَرِ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَلا مَاءَ مَعَهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ فِي الْجُنُبِ إِذَا خَافَ طُلُوعَ الشَّمْسِ: لَوِ اغْتَسَلَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا خَافَ فَوْتَ صَلاةِ الْجِنَازَةِ، أَوْ صَلاةِ الْعِيدِ، لَوِ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، ولَمْ يُجَوِّزُوا صَلاةَ الْجُمُعَةِ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا مَعَ كَوْنِهَا آكَدَ مِنْ صَلاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ. فَلا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَدَاءُ صَلاةٍ مَا بِالتَّيَمُّمِ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي الْمِصْرِ مَاءً، صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، وَأَعَادَ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ: إِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: «إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلا تُرَابًا، صَلَّى لِحَقِّ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَعَادَ إِذَا قَدَرَ عَلَى أَحَدِ الطَّهُورَيْنِ». وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْمَاءُ وَلا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ: تَيَمَّمَ، وَأَوْجَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إِعَادَةَ الصَّلاةِ إِذَا قَدَرَ عَلَى مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ، فَأَمَّا مَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ مُخْوِفٍ فِي السَّفَرِ أَوِ الْحَضَرِ، ثُمَّ بَرَأَ، أَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا أَوْ فَائِتًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْجُرْفِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَلَمْ يُعِدِ الصَّلاةَ، وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ

ذَهَبَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُعِيدُ إِنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ. فَأَمَّا إِذَا وَجَدَ الْمُتَيَّمِمُ الْمَاءَ فِي خِلالِ الصَّلاةِ يُتِمُّهَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّلاةَ بِالْوُضُوءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلاةِ وَلا مَاءَ مَعَهُ، وَكَانَ عَلَى رَجَاءٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ، يُؤَخِّرُ الصَّلاةَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُعَجِّلُ الصَّلاةَ بِالتَّيَمُّمِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْجُرْفِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَلَمْ يُعِدِ الصَّلاةَ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ لَا يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُؤَخِّرُ أَيْضًا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَتَيَمَّمُ حَتَّى يَخَافُ ذَهَابَ الْوَقْتِ.

وَالْجَرِيحُ إِذَا قَدَرَ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ، عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ، وَيَتَيَمَّمَ لأَجْلِ الْجَرِيحِ، سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَائِهِ صَحِيحًا أَوْ جَرِيحًا، لِمَا 313 - أَخْبَرَنَا عمر بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْطَاكِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خُرَيْقٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، فَاحْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ. فَاغْتَسَلَ وَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، قَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، وَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُعَصِّرَ أَوْ يُعَصِّبَ، شَكَّ مُوسَى، عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ»

وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، بَلْ إِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَائِهِ صَحِيحًا، غَسَلَ الصَّحِيحَ، وَلا تَيَمُّمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الأَكْثَرُ جَرِيحًا اقْتَصَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْجُنُبِ يَخَافُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِلْبَرْدِ، فَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنُ: يَغْتَسِلُ وَإِنْ مَاتَ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ: «يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَهُوَ كَالْمَرِيضِ»، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ يُعِيدُ إِذَا زَالَ الْعُذْرُ وَقَدَرَ عَلَى الْغُسْلِ، لأَنَّهُ مِنَ الْعُذْرِ النَّادِرِ». رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، فَتَيَمَّمَ وَتَلا: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النِّسَاء: 29] فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ.

4 - كتاب الحيض

4 - كِتَابُ الْحَيْضِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ»، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى.

باب تحريم غشيان الحائض

بَابُ تَحْرِيمِ غِشْيَانِ الْحَائِضِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [الْبَقَرَة: 222]، يَعْنِي: حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [الْبَقَرَة: 222] يَعْنِي: اغْتَسَلْنَ {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [الْبَقَرَة: 222]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ». قَالَ مُجَاهِدٌ: «أُمِرُوا أَنْ يَأْتُوا مِنْ حَيْثُ نُهُوا». وَالْحَيْضُ وَالْمَحِيضُ: هُوَ سَيَلانُ الدَّمِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَالَ: {قُلْ هُوَ أَذًى} [الْبَقَرَة: 222] وَهُوَ مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ؟ قِيلَ: الأَذَى هُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي لَيْسَ بِشَدِيدٍ جِدًّا، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى} [آل عمرَان: 111]. وَقَوْلُهُ: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} [النِّسَاء: 102]، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَذًى يَسِيرٌ يَعْتَزِلُ مَوْضِعَهُ لَا غَيْرَ، وَلا يَتَعَدَّى إِلَى سَائِرِ بَدَنِهَا فَتُجْتَنَبُ وَتُخْرَجُ مِنَ الْبُيُوتِ، كَفِعْلِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ.

314 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ السَّهْلِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَنا صَدَقَةُ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [الْبَقَرَة: 222]، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا الْجِمَاعَ»، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودُ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ لَنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا "، وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، بِهَذَا وَقَالَ: «جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّكَاحِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ غِشْيَانِ الْحَائِضِ، وَمَنْ فَعَلَهُ عَالِمًا عَصَى، وَمَنِ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ، لأَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلا يَرْتَفِعُ التَّحْرِيمُ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمُ وَتَغْتَسِلَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [الْبَقَرَة: 222] أَيِ: اغْتَسَلْنَ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ غِشْيَانُهَا بَعْدَ مَا انْقَطَعَ دَمُهَا لأَكْثَرِ الْحَيْضِ قَبْلَ الْغُسْلِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِوَطْءِ الْحَائِضِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ

الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْقَاسِمِ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِإِتْيَانِ الْحَائِضِ، وَمِنْهُمْ قَتَادَةُ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، لِمَا 315 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: «إِنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا، فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ صُفْرَةً، فَنِصْفُ دِينَارٍ»

قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ الْكَفَّارَةِ فِي إِتْيَانِ الْحَائِضِ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَوْقُوفًا، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنْ أَصَابَهَا فِي فَوْرِ الدَّمِ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَنِصْفُ دِينَارٍ». وَقَالَ قَتَادَةُ: «دِينَارٌ لِلْحَائِضِ، وَنِصْفُ دِينَارٍ إِذَا أَصَابَهَا قَبْلَ الْغَسْلِ»، وَقَالَ أَحْمَدُ: «يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالنِّصْفِ»، وَقَالَ الْحَسَنُ: «عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ». وَمَنْ لَمْ يُوجِبِ الْكَفَّارَةَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَصِحُّ مُتَّصِلا مَرْفُوعًا

باب مضاجعة الحائض ومخالطتها

بَابُ مُضَاجَعَةِ الْحَائِضِ وَمُخَالَطَتِهَا 316 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: حِضْتُ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمِيلَةِ، فَانْسَلَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنْهَا، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حَيْضَتِي فَلَبِسْتُهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَفِسْتِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي، فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ، قَالَتْ: وَحَدَّثَتْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ الْجَنَابَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ

مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْخَمِيلَةُ: ثَوْبُ مِنْ صُوفٍ لَهُ خَمْلٌ. وَنَفِسَتِ الْمَرْأَةُ، بِفَتْحِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْفَاءِ: إِذَا حَاضَتْ، وَنُفِسَتْ، بِضَمِّ النُّونِ: إِذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَّا مُخَالَطَةُ الْحَائِضِ وَمُضَاجَعَتُهَا وَمُبَاشَرَتُهَا فَوْقَ الإِزَارِ، فَغَيْرُ حَرَامٍ بِالاتِّفَاقِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تَحْتَ الإِزَارِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى تَحْرِيمِهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَرَامِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ». يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَشُرَيْحٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَقَتَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ دُونَ الْفَرْجِ، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.

317 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قَبِيصَةُ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، كِلانَا جُنُبٌ، وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ وَأَرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ: مُلاقَاةَ الْبَشَرَةِ الْبَشَرَةَ، لَا الْجِمَاعَ. 318 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي مِرْطٍ بَعْضُهُ عَلَيَّ، وَبَعْضُهُ عَلَيْهِ، وَأَنَا حَائِضٌ»

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ: أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ الْمِرْطُ: الْكِسَاءُ 319 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، سَمِعَ زُهَيْرًا، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَّكِئُ فِي حجري وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ

320 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ»، فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ، قَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ فِي يَدِكِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ» فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» الْخُمْرَةُ: السَّجَّادَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي، يُقَالُ: سُمِّيَتْ خُمْرَةً، لأَنَّهَا تُخَمِّرُ وَجْهَ الْمُصَلِّي عَنِ الأَرْضِ، أَيْ: تَسْتُرُهُ. وَقَوْلُهُ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحِيضَةُ، بِكَسْرِ الْحَاءِ: الْحَالُ الَّتِي تَلْزَمُهَا الْحَائِضُ مِنَ التَّجَنُّبِ وَالتَّحَيُّضِ، كَمَا قَالُوا: الْقِعْدَةُ وَالْجِلْسَةُ، يُرِيدُونَ حَالَ الْقُعُودِ وَالْجُلُوسِ، فَأَمَّا الْحَيْضَةُ، مَفْتُوحَةُ الْحَاءِ، فَهِيَ الدَّفْعَةُ مِنْ دَفَعَاتِ دَمِ الْحَيْضِ.

وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ لِلْحَائِضِ أَنْ تَتَنَاوَلَ الشَّيْءَ بِيَدِهَا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا أَوْ مَسْجِدًا، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِإِدْخَالِ يَدِهِ أَوْ بَعْضِ جَسَدِهِ فِيهِ. قَالَ قَتَادَةُ: الْجُنُبُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَلا يَضَعُ فِيهِ. 321 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، أَنا صَدَقَةُ، أَنا وَكِيعٌ، نَا مِسْعَرٌ، وَسُفْيَانُ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ، وَأَتَعَرَّقُ الْعرق فَيَتَنَاوَلُهُ، فَيَضَعُ فَاهُ فِي مَوْضِعِ فِيَّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ قَوْلُهَا: «أَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ» أَيْ: أَنْتَهِسُهُ وَآخُذُ مَا عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ، وَالْعَرْقُ: الْعَظْمُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ، وَجَمْعُهُ: عُرَاقٌ، يُقَالُ: عَرَقْتُ الْعَظْمَ وَاعْتَرَقْتُهُ وَتَعَرَّقْتُهُ: إِذَا أَخَذْتَ عَنْهُ اللَّحْمَ بِأَسْنَانِكَ. قَالَ الإِمَامُ: وَلا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ الصَّلاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالاعْتِكَافُ، وَمَسُّ

الْمُصْحَفِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَلا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانَهَا، وَلا يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِنْهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ تَتَيَمَّمْ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّ الْحَائِضَ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا بِاللَّيْلِ وَنَوَتِ الصَّوْمَ، وَوَقَعَ غُسْلُهَا بِالنَّهَارِ، صَحَّ صَوْمُهَا. وَحُكْمُ دَمِ النِّفَاسِ حُكْمُ دَمِ الْحَيْضِ فِي مَنْعِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ غَيْرَ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْمِقْدَارِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَقْدِيرِهَا، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَأَكْثَرَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ أَقَلَّهُ ثَلاثَةٌ، وَأَكْثَرَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَكْثَرُ الْحَيْضِ ثَلاثَةَ عَشَرَ. وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحٍ: إِنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلاثًا فِي شَهْرٍ صُدِّقَتْ، وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَرَضِيَهُ عَلِيٌّ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ.

باب وقت النفساء

بَابُ وَقْتِ النُّفَسَاءِ 322 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ أَبِي سَهْلٍ وَهُوَ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُسَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، «كَانَتِ النُّفَسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكُنَّا نَطْلِي عَلَى وُجُوهِنَا الْوَرْسَ»، يَعْنِي: مِنَ الْكَلَفِ وَمُسَّةُ كُنْيَتُهَا: أُمُّ بُسَّةَ الأَزْدِيَّةُ. قَالَ الإِمَامُ: أَمَّا النِّفَاسُ، فَأَقَلُّهُ لَحْظَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «أَقَلُّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا»، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا. أَمَّا أَكْثَرُهُ، فَأَرْبَعُونَ يَوْمًا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: تَدَعُ الصَّلاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَغْسِلَهَا وَتُصَلِّيَ فَإِنْ زَادَ عَلَى الأَرْبَعِينَ، فَلا تَدَعُ الصَّلاةَ، رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَحَكَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالأَوْزَاعِيُّ: تَقْعُدُ كَامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَكْثَرُهُ خَمْسُونَ يَوْمًا. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ أَكْثَرَهَا سِتُّونَ يَوْمًا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: تَنْتَظِرُ مِنَ الْغُلامِ ثَلاثِينَ يَوْمًا، وَمِنَ الْجَارِيَةِ أَرْبَعِينَ، يَعْنِي: النُّفَسَاءَ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَإِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ سِنَّ الآيِسَاتِ، وَانْقَطَعَ دَمُهَا مُدَّةً، ثُمَّ رَأَتِ الدَّمَ، فَهُوَ حَيْضٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ حَيْضًا، بَلْ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ، عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ، قَالَهُ عَطَاءٌ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ.

باب الحائض إذا طهرت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة

بَابُ الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ 323 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَطْهُرُ، فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ، وَلا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلاةِ» هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ

وَعُبَيْدَةُ: هُوَ ابْنُ مُعَتِّبِ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ، يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحَائِضَ إِذَا طَهُرَتْ، تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ، وَكَذَلِكَ النُّفَسَاءُ. قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِنَّ السُّنَنَ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلافِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ، وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ.

باب حكم المستحاضة

بَابُ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ 324 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامٍ وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي». وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ».

325 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلاةَ قَدْرَ ذَلِكَ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ، فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّ». وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَجُلا أَخْبَرَهُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ، وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْتَغْتَسِلْ» بِمَعْنَاهُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أَخُو عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ.

قَالَ الإِمَامُ: إِذَا اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ فَجَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهِيَ إِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً بِأَنْ كَانَتْ تَرَى زَمَانًا دَمًا أَسْوَدَ ثَخِينًا قَوِيًّا، ثُمَّ تَرَى رَقِيقًا مُشْرِقًا، فَزَمَانُ الدَّمِ الْقَوِيِّ حَيْضُهَا تَدَعُ فِيهِ الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ، فَإِذَا تَغَيَّرَ إِلَى الرِّقَّةِ وَالإِشْرَاقِ، فَهُوَ زَمَانُ الاسْتِحَاضَةِ، عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، وَتُصَلِّيَ، وَتَصُومَ، ثُمَّ بَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ فَرِيضَةٍ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ زَمَانُ الدَّمِ الْقَوِيِّ فَتَدَعُ الصَّلاةَ، وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُولُ لَهَا: «فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَاتْرُكِي الصَّلاةَ» إِلا وَهِيَ تَعْرِفُ إِقْبَالَهَا وَإِدْبَارَهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ، فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلاةِ». وَقَالَ مَكْحُولٌ: النِّسَاءُ لَا يُخْفَى عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَةُ إِنَّ دَمَهَا أَسْوَدُ غَلِيظٌ، فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ، وَصَارَتْ صُفْرَةً رَقِيقَةً، فَإِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، فَلْتَغْتَسِلْ وَلِتُصَلِّ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ أَنَّهَا تَعْمَلُ بِالتَّمْيِيزِ، وَلا تَنْظُرُ إِلَى عَادَتِهَا، لأَنَّ فِي الْعَمَلِ بِالتَّمْيِيزِ اعْتِبَارًا لِشَيْءٍ

بِذَاتِهِ، وَبِخَاصِّ صِفَاتِهِ، وَهُوَ نَفْسُ الدَّمِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِ زَمَانِهِ. قَالَ الإِمَامُ: فَإِنَّهَا تَعْمَلُ بِالتَّمْيِيزِ بِثَلاثِ شَرَائِطَ، أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَنْتَقِصَ الدَّمُ الْقَوِيُّ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَنْتَقِصَ الدَّمُ الضَّعِيفُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ الْقَوِيَّيْنِ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَإِذَا تَخَلَّف شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ، بَطَلَ الْعَمَلُ بِالتَّمْيِيزِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مُسْتَحَاضَةٍ تَرَى الدَّمَ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ. وَسَبِيلُ هَذِهِ أَنْ تُرَاعِيَ عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ فِي سَالِفِ أَيَّامِهَا، فَبِقَدْرِ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ تَدَعُ الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَبَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ فَرِيضَةٍ إِلَى انْقِضَاءِ قَدْرِ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ، وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا». وَإِنْ كَانَ مُبْتَدَأَةً اسْتُحِيضَتْ أَوَّلَ مَا رَأَتِ الدَّمَ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَرُدُّهَا إِلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَتَدَعُ الصَّلاةَ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَخْذًا بِالْيَقِينِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي سَائِرَ الشَّهْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُدُّهَا إِلَى غَالِبِ عَادَاتِ مَنْ هِيَ فِي مِثْلِ سِنِّهَا مِنْ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ حَدَثَتْ بِهَا مِنْ تَصَدُّعِ الْعُرُوقِ، وَاتَّصَلَ الدَّمُ، وَلَيْسَ بِدَمِ الْحَيْضِ الَّذِي يَقْذِفُهُ الرَّحِمُ لِمِيقَاتٍ مَعْلُومٍ. قَوْلُهُ: «فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَتَرَبَّصُ شَيْئًا بَعْدَ ذَهَابِ زَمَانِ حَيْضِهَا.

وَقَالَ مَالِكٌ: «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَرَبَّصُ بَعْدَ زَمَانِ حَيْضِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، إِلا أَنْ يَزِيدَ الدَّمُ عَلَى خَمْسَةِ عَشَرَ، فَلا تَتَرَبَّصُ الزِّيَادَةَ عَلَى خَمْسَةِ عَشَرَ». قَالَ الْحَسَنُ: «تُمْسِكُ عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةٌ». وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ»، فَالاسْتِثْفَارُ أَنْ تَشُدَّ ثَوْبًا تَحْتَجِزُ بِهِ عَلَى مَوْضِعِ الدَّمِ لِيَمْنَعَ السَّيَلانَ، وَمِنْهُ ثَفْرُ الدَّابَّةِ يُشَدُّ تَحْتَ ذَنَبِهَا، فَعَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا أَرَادَتِ الصَّلاةَ أَنْ تُعَالِجَ نَفْسَهَا عَلَى قَدْرِ الإِمْكَانِ بِمَا يَسُدُّ الْمَسْلَكَ، وَيَرُدُّ الدَّمَ مِنْ قُطْنٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ غَلَبَ الدَّمُ فَقَطَرَ، أَوْ سَالَ بَعْدَ الْمُعَالَجَةِ بِالاسْتِثْفَارِ وَالشَّدِّ عَلَى قَدْرِ الإِمْكَانِ، تَصِحُّ صَلاتُهَا، وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ سَلَسِ الْبَوْلِ. رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي». وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ الاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالطَّوَافُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا، كَمَا تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلاةُ وَالصَّوْمُ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ،

وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، قَالُوا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: «تُصَلِّي وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَيَغْشَاهَا زَوْجُهَا». وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتِ: «الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَلا تَصُومُ، وَلا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ، إِنَّمَا رُخِّصَ لَهَا فِي الصَّلاةِ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَعَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلاةٍ فَرِيضَةٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: «تَقْعُدُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلا وَاحِدًا، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ». قَالَ الإِمَامُ: وَلا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ صَلاتَيْ فَرْضٍ، وَلا بَيْنَ طَوَافَيْ فَرْضٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ فَرِيضَةً وَمَا شَاءَتْ مِنَ النَّوَافِلِ، وَأَنْ تَحْمِلَ الْمُصْحَفَ، وَكَذَلِكَ سَلِسُ الْبَوْلِ. وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ فَرَائِضٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَا لَمْ يُصِبْهَا حَدَثٌ غَيْرُ الدَّمِ.

فَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ إِذَا كَانَتْ قَدْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا، لَا تَعْرِفُ وَقْتَهَا، وَلا عَدَدَهَا، يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلاةٍ، وَتَصُومَ جَمِيعَ رَمَضَانَ، ثُمَّ تَقْضِيَ، وَيَجْتَنِبَهَا زَوْجُهَا أَبَدًا، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلاةٍ». قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أُمَّ حَبِيبَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ فَعَلَتْهُ هِيَ.

326 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْرُهُ، قَالا: نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، نَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَتْ: " كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَرَى فِيهَا؟ قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ، قَالَ: «أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ»، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَاتَّخِذِي ثَوْبًا»، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الآخَرِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا، فَأَنْتِ أَعْلَمُ»، قَالَ لَهَا: «إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ، وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي ثَلاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ،

وَكَذَلِكَ افْعَلِي كُلَّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ، وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ، فَتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَتُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ، وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ، فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ»، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذَا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ»، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ،

وَأَخْبَرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، إِلَى قَوْلِهِ: " مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ تَمَامَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَظَنَّ النَّاقِلُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنْ كَلامِهِ، فَلَمْ يُنْقِلْهَا فِي الْحَدِيثِ. الْكُرْسُفُ: الْقُطْنُ. وَقَوْلُهَا: «أَثُجُّ ثَجًّا» مِنَ الْمَاءِ الثَّجَّاجِ وَهُوَ السَّائِلُ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَهَا: «تَلَجَّمِي» قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: «تَلَجَّمِي» أَيْ: شُدِّي لِجَامًا، وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ: «

اسْتَثْفِرِي». وَقَوْلُهُ: «تَحَيَّضِي» أَيِ: اقْعُدِي أَيَّامَ حَيْضِكِ، وَدَعِي الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ. قَالَ الإِمَامُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَالِ حَمْنَةَ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَتْ مُبْتَدَأَةً اسْتُحِيضَتْ، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَالِبِ عَادَاتِ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا. وَقَوْلُهُ: «تَحِيضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً» لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، بَلْ عَلَى مَعْنَى اعْتِبَارِ حَالِهَا بِحَالِ مَنْ هِيَ مِثْلُهَا، وَفِي مِثْلِ سِنِّهَا مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ مِثْلِهَا سِتًّا، قَعَدَتْ سِتًّا، وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا فَسَبْعًا. وَقِيلَ: كَانَتْ حَمْنَةُ مُعْتَادَةً نَسِيَتْ أَنَّ عَادَتَهَا كَانَتْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَحَرَّى وَتَجْتَهِدَ، وَتَبْنِيَ أَمْرَهَا عَلَى مَا تَيَقَّنَتْ مِنْ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «فِي عِلْمِ اللَّهِ» أَيْ: فِيمَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِكِ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ. 327 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ يَعْنِي: ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ اسْتُحِيضَتْ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، فَلَمَّا جَهَدَهَا

ذَلِكَ، أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ، وَتَغْتَسِلُ لِلصُّبْحِ» 328 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «اسْتُحِيضَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُمِرَتْ أَنْ تُعَجِّلَ الْعَصْرَ وَتُؤَخِّرَ الظُّهْرَ، وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلا وَاحِدًا، وَأَنْ تُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلَ الْعِشَاءَ، وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ غُسْلا» قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي مُسْتَحَاضَةٍ نَسِيَتْ عَادَتَهَا، لَا تَعْرِفُ وَقْتَهَا وَلا عَدَدَهَا، يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلاةٍ، لأَنَّهُ

مَا مِنْ وَقْتِ صَلاةٍ إِلا وَيُحَتْمَلُ فِيهِ انْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ، وَوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: إِلا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الأَمْرَ قَدْ طَالَ عَلَيْهَا، وَقَدْ جَهَدَهَا الاغْتِسَالُ لِكُلِّ صَلاةٍ، رَخَّصَ لَهَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، كَالْمُسَافِرِ رَخَّصَ لَهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ. قَالَ الإِمَامُ: وَذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ: عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَتُفْرِدُ صَلاةَ الصُّبْحِ بِغُسْلٍ».

باب الصفرة والكدرة

بَابُ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ 329 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ مَوْلاةِ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهَا الصَّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: تَقُولُ: «حَتَّى تَخْرُجَ الْقُطْنَةُ، أَوِ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَحْتَشِي بِهَا الْمَرْأَةُ كَأَنَّهَا قَصَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا صُفْرَةٌ». وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْقَصَّةَ شَيْءٌ كَالْخَيْطِ الأَبْيَضِ يَخْرُجُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ،

وَقَالَ مَالِكٌ: «سَأَلَتِ النِّسَاءَ عَنْهَا، فَإِذَا ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النِّسَاءِ يَرَيْنَهُ عِنْدَ الطُّهْرِ». وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ: " لَيْسَ فِي التَّرِيَّةِ شَيْءٌ بَعْدَ الْغُسْلِ إِلا الطُّهُورُ. يُرِيدُ: إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ وَاغْتَسَلَتْ، ثُمَّ رَأَتِ التَّرِيَّةَ لَيْسَ عَلَيْهَا إِلا الْوُضُوءُ "، وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التَّرِيَّةُ: الشَّيْءُ الْيَسِيرُ الْخَفِيُّ، وَلَوْ أَقَلُّ مِنَ الصُّفْرَةِ، وَلا يَكُونُ إِلا بَعْدَ الاغْتِسَالِ مِنَ الْمَحِيضِ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا. قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْحَائِضِ إِذَا رَأَتِ الصُّفْرَةَ أَوِ الْكُدْرَةَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَانْقِضَاءِ الْعَادَةِ، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ بِحَيْضٍ لَا تَتْرُكُ لَهَا الصَّلاةَ»، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ حَيْضٌ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا لَمْ يُجَاوِزِ الْعَشْرَ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

قَالَ الإِمَامُ: أَمَّا إِذَا رَأَتِ الْمُعْتَادَةُ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي آخِرِ أَيَّامِ عَادَتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا، فَهُوَ حَيْضٌ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. قَالَ عَطَاءٌ: الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ، وَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ إِذَا رَأَتْ أَوَّلَ مَا رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً، فَلا تَكُونُ حَيْضًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ. وَالأَظْهَرُ مِنْ أَقَاوِيلِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا حَيْضٌ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا تَطَهَّرَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَحِيضِ، ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَ الطُّهْرِ مَا يَرِيبُهَا، فَإِنَّهَا رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي الرَّحِمِ، إِذَا رَأَتْ مِثْلَ الرُّعَافِ أَوْ قَطْرَةِ الدَّمِ، أَوْ غُسَالَةِ اللَّحْمِ، تَتَوَضَّأُ وُضُوءَهَا لِلصَّلاةِ، ثُمَّ تُصَلِّي، فَإِنْ كَانَ دَمًا عَبِيطًا، وَهُوَ الَّذِي لَا خَفَاءَ بِهِ، فَلْتَدَعِ الصَّلاةَ».

باب من غلبه الدم

بَابُ مَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ 330 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا عُمَرُ، فَأُوقِظَ عُمَرُ، فَقِيلَ لَهُ: الصَّلاةَ. لِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ عُمَرُ: «نَعَمْ، وَلا حَظَّ فِي الإِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ، فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا» وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَهُ صُحْبَةٌ. قَالَ الإِمَامُ: مَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ، أَوْ رُعَافٌ دَائِمٌ، عَلَيْهِ غَسْلُهُ وَشَدُّهُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ فَرِيضَةٍ، ثُمَّ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْهُ فِي الصَّلاةِ، لأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُسْتَحَاضَةِ، فَأَمَّا مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، إِذَا صَلَّى فِيهِ وَعَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ، فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ، إِلا الْقَلِيلَ الَّذِي يَتَعَذَّرُ

الاحْتِرَازُ عَنْهُ مِثْلُ دَمِ الْبُرغُوثِ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الإِنْسَانِ مِنْ بَثَرَةٍ أَوْ قَرْحَةٍ. قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: رَآنِي أَبِي انْصَرَفْتُ مِنَ الصَّلاةِ، فَقَالَ: لِمَ انْصَرَفْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ دَمِ ذُبَابٍ رَأَيْتُهُ فِي ثَوْبِي. قَالَ: فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَقَالَ لِمَ انْصَرَفْتَ حَتَّى تُتِمَّ صَلاتَكَ. وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَرَى بَأْسًا بِدَمِ الذُّبَابِ وَالْبَعُوضُ وَالْبَرَاغِيثِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ دَمِ الذُّبَابِ؟ فَقَالَ: أَرَى أَنْ تَغْسِلَهُ. وَكَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ الدَّمُ، فَيَمْسَحُهُ بِأَصَابِعِهِ، ثُمَّ يَفْتِلُهُ، ثُمَّ يُصَلِّي، وَلا يَتَوَضَّأُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلا دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: امْسَحْهَا بِالْحَائِطِ وَصَلِّ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يُعْفَى عَنْ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ دِرْهَمٍ، فَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُعْفَى عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَيُعْفَى عَمَّا دُونَهُ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: نَحَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَزُورًا، فَقَامَ إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَى صَدْرِهِ مِنْ فَرْثِهَا وَدَمِهَا. قَالَ: وَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: لَا أُبَالِي لَوْ نَحَرْتُ جَزُورًا، فَتَلَطَّخْتُ بِفَرْثِهَا، وَدَمِهَا، وَأَكَلْتُ مِنْ شَحْمِهَا، وَلَحْمِهَا، ثُمَّ صَلَّيْتُ، وَلَمْ أَمَسَّ مَاءً.

باب غسل الجمعة

بَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ 331 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَقَوْلُهُ: «عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» أَيْ: عَلَى كُلِّ بَالِغٍ 332 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» 333 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ 334 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْكُوفِيُّ، نَا أَبُو يَحْيَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى،

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلْيَمَسَّ أَحَدُهُمْ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَالْمَاءُ لَهُ طِيبٌ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَرِوَايَتُهُ أَحْسَنُ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَبُو عُمَارَةَ الأَنْصَارِيُّ الْحَارِثِيُّ، نَزَلَ الْكُوفَةَ. قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ جَائِزَةٌ مِنْ غَيْرِ الْغُسْلِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِهِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ» أَرَادَ بِهِ وُجُوبَ الاخْتِيَارِ، لَا وُجُوبَ الْحَتْمِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: حَقُّكَ عَلَيَّ وَاجِبٌ، وَلا يُرِيدُ بِهِ اللُّزُومَ الَّذِي لَا يَسَعُ تَرْكُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ: " أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، انْقَلَبْتُ مِنَ السُّوقِ، فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ وَأَقْبَلْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ؟! " وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا، لانْصَرَفَ عُثْمَانُ حِينَ نَبَّهَهُ عُمَرُ، وَلَصَرَفَهُ عُمَرُ حِينَ رَآهُ لَمْ يَنْصَرِفْ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ يَحْضُرُهَا دُونَ مَنْ لَا يُرِيدُ حُضُورَهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ». قُلْتُ: وَوَقْتُهُ حَالَةُ الرَّوَاحِ اسْتِحْبَابًا، فَإِنِ اغْتَسَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حُسِبَ، وَقَبْلَهُ لَا يُحْسَبُ.

335 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا سَعِيدُ بْنُ سُفْيَانَ الْجَحْدَرِيُّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَيُقَالُ: سَنَةَ سِتِّينَ. وَالْحَسَنُ: هُوَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ، وَاسْمُ أَبِي الْحَسَنِ: يَسَارٌ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ، مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ، قَالَ الْحَسَنُ: وُلِدْتُ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ، وَأَنَا يَوْمَ الدَّارِ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.

قُلْتُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لاكْتِسَابِ الْفَضْلِ، وَالْوُضُوءَ جَائِزٌ. وَقَوْلُهُ: «فَبِهَا وَنِعْمَتْ» قَالَ الأَصْمَعِيُّ: فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ، وَنِعْمَ الْخَصْلَةُ أَوِ الْفَعْلَةُ، وَقِيلَ: فَبِالرُّخْصَةِ أَخَذَ، وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. 336 - أَنا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَدَنَا، وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَقَوْلُهُ: «مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ»، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ بِذَلِكَ مَا بَيْنَ السَّاعَةِ الَّتِي يُصَلِّي فِيهَا الْجُمُعَةَ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى.

قُلْتُ: فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّصْفُ الآخَرُ مِنَ الْجُمُعَةِ الأُولَى، وَالنِّصْفُ الأَوَّلُ مِنَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَكُونَ الْعَدَدُ سَبْعًا وَزِيَادَةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَتَكُونُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا 337 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ 338 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، نَا مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، حَدَّثَتْهُ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ

أَرْبَعٍ: مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَمِنَ الْحِجَامَةِ، وَمِنَ غَسْلِ الْمَيِّتِ " قُلْتُ: أَمَّا الاغْتِسَالُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَفَرْضٌ، وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ، وَالاغْتِسَالُ مِنَ الْحِجَامَةِ اسْتِحْبَابٌ لِلنَّظَافَةِ، لأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَجِمُ قَدْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ رَشَاشِ الدَّمِ. وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ «يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ». وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ». وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: «أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدِ».

باب الغسل من غسل الميت

بَابُ الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ 339 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنا الْقَاسِمُ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَسَلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَوْقُوفًا وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ بِنْتِ أُمَيَّةَ الْقُرَشِيُّ، وَهُوَ صَالِحُ بْنُ نَبْهَانَ، وَهُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِهِ، وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: «لَيْسَ عَلَى غَاسِلِ الْمَيِّتِ غُسْلٌ». وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ، " أَنَّهَا غَسَلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ، فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ، وَهَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟ فَقَالُوا: لَا ". وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: «يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ وَلا يَجِبُ».

وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: «يَتَوَضَّأُ غَاسِلُ الْمَيِّتِ»، قَالَ أَحْمَدُ: «لَا يَثْبُتُ فِي الاغْتِسَالِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ حَدِيثٌ». قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: «لَا يَغْتَسِلُ وَلا يَتَوَضَّأُ». قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ رَأَى الاغْتِسَالَ مِنْهُ إِنَّمَا رَأَى لِمَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَ الْغَاسِلَ مِنْ رَشَاشِ الْمَغْسُولِ نَضْحٌ، وَرُبَّمَا كَانَ عَلَى بَدَنِ الْمَيِّتِ نَجَاسَةٌ، فَإِذَا أَصَابَهُ نَضْحُهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَكَانَهُ، يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِ بَدَنِهِ، فَإِذَا عَلِمَ سَلامَتَهُ مِنْهَا، فَلا يَجِبُ الاغْتِسَالُ مِنْهُ. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: «وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»: إِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمَسُّ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: «فَلْيَتَوَضَّأْ» أَيْ: لِيَكُنْ عَلَى وُضُوءٍ حَالَةَ مَا يَحْمِلُهُ لِيَتَهَيَّأْ لَهُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ إِذَا وَضَعَهَا. وَرُوِيَ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ. قَالَ: «فَاذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ، ثُمَّ لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي»، فَذَهَبْتُ فَوَارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ، فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ، وَدَعَا لِي.

باب الغسل عند الإسلام

بَابُ الْغُسْلِ عِنْدَ الإِسْلامِ 340 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، نَا الأَغَرُّ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ الإِسْلامَ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» 341 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا مُحَمَّدٌ الْجَرَّاحِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا بُنْدَارٌ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: أَنَّهُ أَسْلَمَ، «فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ التَّمِيمِيُّ: أَبُو طُلَيَّةَ، يُكْنَى أَبَا عَلِيٍّ، وَهُوَ جَدُّ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ. قُلْتُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ لِلرَّجُلِ إِذَا أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَغْسِلَ ثِيَابَهُ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ غُسْلٌ فِي حَالِ الشِّرْكِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ الاغْتِسَالِ عَلَيْهِ بَعْدَ الإِسْلامِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. فَأَمَّا إِذَا أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فِي حَالِ الشِّرْكِ، وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَأَصَحُّ أَقْوَالِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وُجُوبُ الاغْتِسَالِ عَلَيْهِ بَعْدَ الإِسْلامِ، كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ فِي حَالِ الشِّرْكِ، ثُمَّ أَسْلَمَ، يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ إِعَادَةُ الْغُسْلِ، لأَنَّ غُسْلَ الْكَافِرِ صَحِيحٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْكِتَابِيَّةَ إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ تَحْتَ مُسْلِمٍ، وَاغْتَسَلَتْ، جَازَ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَيْسَ إِذَا صَحَّ الْغُسْلُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ قُرْبَةً حَتَّى يَجُوزَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، كَالْمَجْنُونَةِ إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ، وَغَسَلَهَا زَوْجُهَا جَازَ لَهُ غِشْيَانُهَا، وَإِذَا أَفَاقَتْ، عَلَيْهَا إِعَادَةُ الْغُسْلِ.

وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَوِ اغْتَسَلَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَسْلَمَ، لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، أَمَّا التَّيَمُّمُ بِهِ فَيُسْتَأْنَفُ. قُلْتُ: وَالاغْتِسَالاتُ الْمَسْنُونَةُ سِتَّةَ عَشَرَ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالْخُسُوفَيْنِ، وَالاسْتِسْقَاءِ، وَالْغُسْلُ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ، وَغُسْلُ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ، وَالْمَجْنُونِ إِذَا أَفَاقَ. وَسَبْعَةٌ فِي الْحَجِّ: الْغُسْلُ لِلإِحْرَامِ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ، وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَلِلْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَثَلاثُ اغْتِسَالاتٍ لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَآكَدُهَا غُسْلُ الْجُمُعَةِ

5 - كتاب الصلاة

5 - كِتَابُ الصَّلاةِ بَابُ فَضْلِ الصَّلَوَاتِ الْخِمْسِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، يَعْنِي: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهَا. وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ الْمَسْجِدَ، فَرَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ مَا مِنْكُمْ مِنْ بَعْثِ النَّارِ أَحَدٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ {42} قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ {43}} [المدثر: 42 - 43]. 342 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، أَنا قُتَيْبَةُ، أَنا اللَّيْثُ، وَبَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟» قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، وَبَكْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ 343 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ عَذْبٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ

344 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ الْعِيزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ لِوَقْتِهَا»، ثُمَّ قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». قَالَ: فَحَدَّثَنِيهِ بِهَذَا، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. وَأَبُو عُمَرَ الشَّيْبَانِيُّ: اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ إِيَاسٍ.

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّمَّاكُ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْوَلِيدَ بْنَ الْعِيزَارِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «الصَّلاةُ لأَوَّلِ وَقْتِهَا» 345 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ

إِسْمَاعِيلَ، وَزَادَ، إِسْحَاقُ مَوْلَى زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ» 346 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِي هَذَا؟ قَالَ: «لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ. وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِلٍّ، بَصْرِيٌّ. قَوْلُهُ: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] أَرَادَ: سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، يَقْرُبُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، الْوَاحِدَةُ زُلْفَةٌ، وَعَنَى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ

باب وعيد تارك الصلاة

بَابُ وَعِيدِ تَارِكِ الصَّلاةِ 347 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمِسْمَعِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. وَأَبُو الزُّبَيْرِ: اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَكْفِيرِ تَارِكِ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَمْدًا، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، إِلَى تَكْفِيرِهِ. قَالَ عُمَرُ: «لَا حَظَّ فِي الإِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ». قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «تَرْكُهَا كُفْرٌ».

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلاةِ. وَذَهَبَ الآخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى تَرْكِ الْجُحُودِ، وَعَلَى الزَّجْرِ وَالْوَعِيدِ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَمَكْحُولٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: تَارِكُ الصَّلاةِ كَالْمُرْتَدِّ، وَلا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الدِّينِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يُقْتَلُ، بَلْ يُحْبَسُ وَيُضْرَبُ حَتَّى يُصَلِّيَ، كَمَا لَا يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ

باب مواقيت الصلاة

بَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النِّسَاء: 103] أَيْ: فَرْضًا مُؤَقَّتًا، وَقَالَ اللَّهُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الرّوم: 17] وَهَذِهِ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي الْمَوَاقِيتِ، فَقَوْلُهُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ} [الرّوم: 17]، أَيْ: سَبِّحُوا اللَّهَ، مَعْنَاهُ: صَلُّوا لِلَّهِ {حِينَ تُمْسُونَ} [الرّوم: 17] أَرَادَ بِهِ صَلاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الرّوم: 17] صَلاةَ الصُّبْحِ، {وَعَشِيًّا} [الرّوم: 18] أَرَادَ صَلاةَ الْعَصْرِ، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الرّوم: 18] صَلاةَ الظُّهْرِ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الْإِسْرَاء: 78] أَرَادَ بِالدُّلُوكِ زَوَالَهَا، فَدَخَلَ فِيهِ صَلاةُ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ {وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ} [الْإِسْرَاء: 78] أَرَادَ بِهِ صَلاةَ الصُّبْحِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالدُّلُوكِ الْغُرُوبَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. 348 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ

الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الزُّرَقِيِّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَتْ بِقَدْرِ الشِّرَاكِ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ، وَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِي الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى بِي الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ فِي الصَّائِمِ، وَصَلَّى بِي الْغَدَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِي الْعِشَاءَ ثُلُثَ اللَّيْلِ الأَوَّلَ، وَصَلَّى بِي الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا الْوَقْتُ وَقْتُ النَّبِيِّينَ قَبْلَكَ، الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمِثْلُهُ عَنْ جَابِرٍ قَوْلُهُ: «كَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ» لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّحْدِيدِ، وَلَكِنِ الزَّوَالَ لَا يُسْتَبَانُ بِأَقَلَّ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْمِقْدَارُ مِمَّا يَتَبَيَّنُ بِهِ الزَّوَالُ فِي جَمِيعِ الْبِلْدَانِ وَالأَزْمَانِ، إِنَّمَا يَتَبَيَّنُ فِي بَعْضِ الأَزْمِنَةِ فِي بَعْضِ الْبِلْدَانِ، مِثْلُ مَكَّةَ وَنَوَاحِيهَا، فَإِنَّ الشَّمْسَ إِذَا اسْتَوَتْ فَوْقَ الْكَعْبَةِ فِي أَطْوَلَ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ، لَمْ يُرَ لِشَيْءٍ مِنْ جَوَانِبِهَا ظِلٌّ، فَإِذَا زَالَتْ، ظَهَرَ الْفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ، وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَكُلُّ بَلَدٍ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى وَسَطِ الأَرْضِ، كَانَ الظِّلُّ فِيهِ أَقْصَرَ 349 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، نَا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ،

عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سَائِلا أَتَاهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ، قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَمَرَ بِلالا، فَأَقَامَ الصَّلاةَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ فَصَلَّى، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ، أَوْ لَمْ تَزُلْ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، وَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ سُقُوطِ الشَّفَقِ. قَالَ: وَصَلَّى الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَمْ تَطْلُعْ، وَصَلَّى الظُّهْرَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ، وَصَلَّى الْعَصْرَ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفِقُ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُلُثَ اللَّيْلِ الأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْوَقْتِ؟ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، وَفِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.

وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى: اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَوَاقِيتِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، إِلَى أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ يَمْتَدُّ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ: آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، فَبِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكْعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَقْتٌ لِلصَّلاتَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: بَعْدَ مَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَقْتٌ لِلصَّلاتَيْنِ، لأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ، وَهُوَ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ عَلَى التَّعَاقُبِ، لَا أَنَّهُ صَلاهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَصَلَّى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ، وَابْتَدَاؤُهُ يَلِي مَصِيرَ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَانْتِهَاؤُهُ يَلِي مَصِيرَ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَمْتَدُّ وَقْتُ الظُّهْرِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْعَصْرُ. وَوَقْتُ الْعَصْرِ يَمْتَدُّ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ عِنْدَ الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي الاخْتِيَارِ، وَفِي حَقِّ الْمَعْذُورِ، مَغِيبُ الشَّمْسِ.

أَمَّا الْمَغْرِبُ، فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِ وَقْتِهَا، فَذَهَبَ مَالِكٌ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ إِلَى أَنَّ لَهَا وَقْتًا وَاحِدًا، قَوْلا بِظَاهِرِ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الأَصَحُّ، لأَنَّ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلاهَا فِي وَقْتَيْنِ، كَمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَرَوَاهُ أَيْضًا بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ. أَمَّا الْعِشَاءُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلَ بِغَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الشَّفَقِ الَّذِي يَدْخُلُ بِغَيْبُوبَتِهِ وَقْتَ الْعِشَاءِ، فَذَهَبَ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، إِلَى أَنَّهُ الْحُمْرَةُ، وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ، وَطَاوُسٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ الْبَيَاضُ الَّذِي عَقِيبَ الْحُمْرَةِ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ.

وَيَمْتَدُّ وَقْتُ اخْتِيَارِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَمْتَدُّ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. قُلْتُ: وَلا يَفُوتُ وَقْتُهَا، حَتَّى تَصِيرَ قَضَاءً عِنْدَ الأَكْثَرِينَ، مَا لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ الصَّادِقُ. وَأَمَّا صَلاةُ الصُّبْحِ، فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: آخِرُ وَقْتِهَا الإِسْفَارُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، وَفِي حَقِّ الْمَعْذُورِ يَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ

باب تعجيل الصلوات

بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلَوَاتِ 350 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ، أَنَا عَوْفٌ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلامَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا، وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: «كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَةَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلامَةَ، قَالَ: «وَلا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَلا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا». وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ الْحَارِثِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ: «إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ». وَأَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ: اسْمُهُ نَضْلَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَزَلَ الْبَصْرَةَ، وَسَيَّارُ بْنُ سَلامَةَ: أَبُو الْمِنْهَالِ الرِّيَاحِيُّ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ: «كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَةَ» سَمَّى الظُّهْرَ هَجِيرًا، لأَنَّهَا تُصَلَّى فِي الْهَاجِرَةِ، وَفِي وَقْتِ انْتِصَافِ النَّهَارِ. وَقَوْلُهُ: «حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ» أَيْ: تَزُولُ، وَمَكَانٌ دَحْضٌ، أَيْ: زَلِقٌ مُزِلٌّ، ودَحَضَ الرَّجُلُ فِي الْوَحْلِ: إِذَا زَلِقَتْ رِجْلُهُ. وَحَيَاةُ الشَّمْسِ: بَقَاءُ حَرِّهَا وَقُوَّتِهَا، وَكُلُّ شَيْءٍ ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ فَقَدْ مَاتَ. 351 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ

إِبْرَاهِيمَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، وَهُوَ ابْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَلاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ قُلْتُ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، عَلَى «أَنَّ تَعْجِيلَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ، إِلا الْعِشَاءَ، وَالظُّهْرَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِنَّهُ يُبَرِّدُ بِهَا»، وَإِنَّمَا صَارُوا إِلَى التَّعْجِيلِ فِي الصَّلَوَاتِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [الْبَقَرَة: 238] وَالْمُحَافَظَةُ فِي التَّعْجِيلِ لِيَأْمَنَ مِنَ الْفَوْتِ بِالنِّسْيَانِ وَالشُّغْلِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَقْتُ الأَوَّلُ مِنَ الصَّلاةِ رِضْوَانُ اللَّهِ،

وَالْوَقْتُ الْآخَرُ عَفْوُ اللَّهِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: رِضْوَانُ اللَّهِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنِينَ، وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَنِ الْمُقَصِّرِينَ. رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: " يَا عَلِيُّ، ثَلاثٌ لَا تُؤَخِّرْهَا: الصَّلاةُ إِذَا أَتَتْ، وَالْجِنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالأَيِّمُ إِذَا وَجَدَتْ لَهَا كُفْئًا " وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَأْخِيرِ الصَّلَوَاتِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ إِلا الْحَاجَّ، فَإِنَّهُ يُغَلِّسُ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ.

وَقَوْلُ أَبِي بَرْزَةَ فِي الْعِشَاءِ: «كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا»، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَكْثَرُ الأَحَادِيثِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِيهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِيهِ فِي رَمَضَانَ. قُلْتُ: إِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ إِذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: الصَّلاةُ، نَامَ النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ. أَمَّا السَّمَرُ بَعْدَ الْعِشَاءِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي كَرَاهِيَتِهِ، فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ، كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثِ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَقُولُ: لأَنْ أَنَامَ عَنِ الْعِشَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْغُوَ بَعْدَهَا. وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي الْعِلْمِ، وَفِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ الْحَوَائِجِ، وَمَعَ الأَهْلِ وَالضَّيْفِ، وَأَكْثَرُ الْحَدِيثِ عَلَى الرُّخْصَةِ فِيهِ. 352 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَاتَ

لَيْلَةٍ صَلاةَ الْعِشَاءِ فِي آَخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَامَ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ»، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ»، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ: «فَوَهِلَ النَّاسُ» أَيْ: تَوَهَّمُوا وَغَلِطُوا، يُقَالُ: وَهِلَ الرَّجُلُ: إِذَا ذَهَبَ وَهْلُهُ إِلَى الشَّيْءِ، وَالْوَهْلُ: الْوَهْمُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي الأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُمَا.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا سَمَرَ إِلا لِمُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ» وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلَقَ بِعَشْرَةٍ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب تعجيل صلاة الفجر

بَابُ تَعْجِيلِ صَلاةِ الْفَجْرِ 353 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنٍ، كِلاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ»، أَيْ: مُتَجَلِّلاتٍ بِأَكْسِيَتِهِنَّ،

وَالتَّلَفُّعُ بِالثَّوْبِ: الاشْتِمَالُ بِهِ، وَالْمُرُوطُ: الأَرْدِيَةُ الْوَاسِعَةُ، وَاحِدُهَا: مِرْطٌ، وَالْغَلَسُ: ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ، وَمِثْلُهُ الْغَبَشُ، وَقِيلَ: الْغَبَشُ قَبْلَ الْغَلَسِ. قُلْتُ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّ التَّغْلِيسَ بِالْفَجْرِ أَفْضَلُ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الإِسْفَارِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، لِمَا 354 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، ثنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، ثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالأَكْثَرُونَ عَلَى التَّغْلِيسِ، وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ الإِسْفَارَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَيَقُّنِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَزَوَالِ الشَّكِّ، يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَلَّسَ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ أَسْفَرَ مَرَّةً، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَى الإِسْفَارِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ». 197 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَرَّاحُ الْمَرْوَزِيُّ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ التَّاجِرُ الْمَرْوَزِيُّ، ثَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: " تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاةِ، قَالَ: قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ ذَلِكَ؟

قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آَيَةً ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ وَهُوَ هِشَامُ بْنُ سَنْبَرَ: هُوَ ابْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوائِيُّ الرَّبَعِيُّ، مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، بَصْرِيٌّ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَلاثٍ، وَيُقَالُ: سَنَةَ إِحْدَى، وَيُقَالُ: دَسْتَواءٌ: كُورَةٌ مِنْ أَهْوَازَ، كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ الَّتِي تُجْلَبُ مِنْهَا. قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ السَّحُورِ لِلصَّائِمِ، وَعَلَى تَعْجِيلِ الصُّبْحِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «أَنْ صَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ، وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ» 356 - أَنْبَأَ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظِ، ثَنَا ابْنُ مَصْقَلَةَ، ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ، ثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ الْجَرَّاحِ،

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: " يَا مُعَاذُ، إِذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ، فَغَلِّسْ بِالْفَجْرِ، وَأَطِلِ الْقِرَاءَةَ قَدْرَ مَا يُطِيقُ النَّاسُ، وَلا تُمِلَّهُمْ، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ، فَأَسْفِرْ بِالْفَجْرِ، فَإِنَّ اللَّيْلَ قَصِيرٌ، وَالنَّاسُ يَنَامُونَ، فَأَمْهِلْهُمْ حَتَّى يُدْرِكُوا حَدَّثَنَا

باب تعجيل صلاة الظهر

بَابُ تَعْجِيلِ صَلاةِ الظُّهْرِ 357 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّانُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ غَالِبٍ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هِلالٍ الْمُزَنِيُّ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مَاتَ قَبْلَ الْحَسَنِ. وَغَالِبٌ الْقَطَّانُ: هُوَ غَالِبُ بْنُ أَبِي غَيْلانَ، وَهُوَ ابْنُ خَطَّافٍ الْبَصْرِيُّ.

قُلْتُ: الاخْتِيَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ تَعْجِيلُ صَلاةِ الظُّهْرِ، رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشَدَّ تَعْجِيلا لِلظُّهْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ» 358 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا، فَلَمْ يُشْكِنَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ وَخَبَّابٌ: هُوَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ. قَوْلُهُ: «فَلَمْ يُشْكِنَا» أَيْ: لَمْ يزل عَنَّا الشَّكْوَى، يُقَالُ: شَكَوْتُ إِلَيْهِ فَأَشْكَانِي، أَيْ: نَزَعَ عَنِّي الشَّكْوَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا

تَأْخِيرَ صَلاةِ الظُّهْرِ لِمَا يُصِيبُ جِبَاهَهُمْ وَأَقْدَامَهُمْ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ، فَلْمَ يُرَخَّصْ لَهُمْ فِيهِ، يُقَالُ: أَشْكَيْتُ فُلانًا: إِذَا نَزَعْتَ عَنْهُ الشِّكَايَةَ، وَأَشْكَيْتُهُ أَيْضًا: إِذَا أَلْجَأْتَهُ إِلَى الشِّكَايَةِ. 359 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنْبَأَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُئِيُّ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُسَدَّدٌ، قَالا: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآخُذُ قَبْضَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ، لِيَبْرُدَ فِي كَفِّي، أَضَعُهَا لِجَبْهَتِي، أَسْجُدُ عَلَيْهَا لِشِدَّةِ الْحَرِّ» 360 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنْبَأَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنِ الأَسْوَدِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ «قَدْرُ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّيْفِ ثَلاثَةَ أَقْدَامٍ إِلَى خَمْسَةِ

أَقْدَامٍ، وَفِي الشِّتَاءِ خَمْسَةَ أَقْدَامٍ إِلَى سَبْعَةِ أَقْدَامٍ» قُلْتُ: فِي حَدِيثِ أَنَسٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا سَجَدَ عَلَى ثِيَابِ بَدَنِهِ يَجُوزُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ الشَّافِعِيُّ، وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثُ عَلَى ثَوْبٍ هُوَ غَيْرُ لابِسِهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ حَدِيثُ جَابِرٍ، وَلَوْ جَازَ السُّجُودُ عَلَى ثَوْبٍ هُوَ لابِسُهُ لَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إِلَى تَبْرِيدِ الْحَصَى

باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ 361 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخَلالُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنْبَأَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ». وَقَالَ: " اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ فَمِنْ حَرِّهَا، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْبَرْدِ فَمِنْ زَمْهَرِيرِهَا ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ 362 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنْبَأَ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمَعْنَى الإِبْرَادِ: انْكِسَارُ حَرِّ الظَّهِيرَةِ، وَهُوَ أَنْ تَتَفَيَّأَ الأَفْيَاءُ، وَيَنْكَسِرَ وَهَجُ الْحَرِّ، فَهُوَ برد بِالإِضَافَةِ إِلَى حَرِّ الظَّهِيرَةِ وَقَوْلُهُ: «مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ: سُطُوعُ

حَرِّهَا، وَانْتِشَارُهُ، وَأَصْلُهُ فِي كَلامِهِمُ: السَّعَةُ وَالانْتِشَارُ، يُقَالُ: مَكَانٌ أَفْيَحُ، أَيْ: وَاسِعٌ. قُلْتُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْخِيرِ صَلاةِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ إِلَى تَأْخِيرِهَا، وَالإِبْرَادِ بِهَا فِي الصَّيْفِ، وَهُوَ الأَشْبَهُ بِالاتِّبَاعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَعْجِيلُهَا أَوْلَى، إِلا أَنْ يَكُونَ إِمَامَ مَسْجِدٍ يَنْتَابُهُ النَّاسُ مِنْ بُعْدٍ، فَإِنَّهُ يُبْرِدُ بِهَا فِي الصَّيْفِ، فَأَمَّا مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ، أَوْ جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ بِفِنَاءِ بَيْتِهِ، لَا يَحْضُرُهُ إِلا مَنْ بِحَضْرَتِهِ، فَإِنَّهُ يُعَجِّلُهَا، لأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِمْ فِي تَعْجِيلِهَا. 363 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا آدَمُ، ثَنَا شُعْبَةُ، ثَنَا مُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلًى لِبَنِي تَيْمِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

أَبْرِدْ»، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ»، حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ، وَمَعَهُ بِلالٌ، فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ: «أَبْرِدْ» ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْرِدْ فِي الظُّهْرِ» حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِبْرَادَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ مِنْ بُعْدٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ مَعَ كَوْنِهِمْ مُجْتَمِعِينَ فِي السَّفَرِ 364 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنْبَأَ أَبُو طَاهِرٍ

الزِّيَادِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، ثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْرِدُوا بِصَلاةِ الظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ الإِبْرَادِ، وَبَيْنَ حَدِيثِ خَبَّابٍ: «شَكَوْنَا حَرَّ الرَّمْضَاءِ، فَلَمْ يُشْكِنَا»: أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْتَمِسُونَ تَأْخِيرَ الصَّلاةِ عَنِ الْوَقْتِ، فَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِيهِ، وَرَخَّصَ فِي الإِبْرَادِ.

باب تعجيل العصر

بَابُ تَعْجِيلِ الْعَصْرِ 365 - أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنْبَأَ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى قُبَاءَ، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا مِنْ مَالِكٍ 366 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي

الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَحَيَاةُ الشَّمْسِ: بَقَاءُ حَرِّهَا لَمْ يَفْتُرْ، وَبَقَاءُ لَوْنِهَا لَمْ يَتَغَيَّرْ. قُلْتُ: اخْتَارَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعُلَمَاءُ تَعْجِيلَ الْعَصْرِ، مِنْهُمْ: عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةُ، وَأَنَسٌ، وَغَيْرُهُمْ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. 367 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، ثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ، فَنَنْحَرُ جَزُورًا، فَتُقْسَمُ عَشْرَ قسم، فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ، مَاتَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ. وَأَبُو النَّجَاشِيِّ: اسْمُهُ عَطَاءُ بْنُ صُهَيْبٍ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ اللَّحْمِ الرَّطْبِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَأْخِيرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً. رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ تَعْجِيلا لِلظُّهْرِ مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ أَشَدُّ تَعْجِيلا لِلْعَصْرِ مِنْهُ». وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلاثَةَ فَرَاسِخَ

باب وعيد من أخر العصر إلى اصفرار الشمس، ووعيد من فاتته

بَابُ وَعِيدِ مَنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَوَعِيدِ مَنْ فَاتَتْهُ 368 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنْبَأَ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ، ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلاةِ، أَوْ ذَكَرَهَا، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، أَوْ عَلَى قَرْنِ شَيْطَانٍ، قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِنَّ إِلا قَلِيلا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ

369 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا هِشَامٌ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَبُو الْمَلِيحِ: اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الْبَصْرِيُّ الْهُذَلِيُّ، ويُقَالُ: اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ. وَأَبُو قِلابَةَ الْجَرْمِيُّ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، مَاتَ بِالشَّامِ. قَوْلُهُ: «بَكِّرُوا» أَيْ: قَدِّمُوهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَالتَّبْكِيرُ: التَّقْدِيمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوَّلَ النَّهَارِ. 370 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنْبَأَ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلُّهُمَا عَنْ مَالِكٍ 371 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، ثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الَّذِي يَفُوتُهُ الْعَصْرُ، فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ». مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى وُتِرَ: أَيْ: نُقِصَ وَسُلِبَ، فَبَقِيَ وِتْرًا فَرْدًا، بِلا أَهْلٍ وَلا مَالٍ، يُرِيدُ: فَلْيَكُنْ حَذَرُهُ مِنْ فَوْتِهَا كَحَذَرِهِ مِنْ ذَهَابِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَقِيلَ: الْوِتْرُ أَصْلُهُ الْجِنَايَةُ يَجْنِيهَا الرَّجُلُ عَلَى آخَرَ، مِنْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ قَتْلِ حَمِيمٍ، فَشُبِّهَ مَا يَلْحَقُ هَذَا الَّذِي يَفُوتُهُ الْعَصْرُ بِمَا يَلْحَقُ الْمَوْتُورَ مِنْ قَتْلِ حَمِيمِهِ أَوْ أَخْذِ مَالِهِ

باب تعجيل المغرب

بَابُ تَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ 372 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ سَلَمَةَ، وَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» قُلْتُ: قَوْلُهُ «تَوَارَتْ» يَعْنِي: تَوَارَتِ الشَّمْسُ، أَيْ: غَرَبَتْ، كُنِّيَ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ اعْتِمَادًا عَلَى أَفْهَامِ السَّامِعِينَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] 373 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ،

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلَى السُّوقِ، فَلَوْ رُمِيَ بِنَبْلٍ أُبْصِرَتْ مَوَاقِعُهَا». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قُلْتُ: اخْتَارَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ تَعْجِيلَ الْمَغْرِبِ 374 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنْبَأَ الرَّبِيعُ، أَنْبَأَ الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَخْرُجُ نَتَنَاضَلُ حَتَّى نَدْخُلَ بُيُوتَ بَنِي سَلَمَةَ، نَنْظُرُ إِلَى مَوَاقِعِ النَّبْلِ مِنَ الإِسْفَارِ». قُلْتُ: وَأَصَحُّ الأَقْوَالِ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ، وَآخِرُ وَقْتِهَا إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ

باب تأخير العشاء

بَابُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ 375 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَتَمَةِ، حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، وَلا يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلا بِالْمَدِينَةِ»، وَكَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ: «وَلا يُصَلَّى

يَوْمَئِذٍ إِلا بِالْمَدِينَةِ» وَمَا بَعْدَهُ. قُلْتُ: قَوْلُهُ «أَعْتَمَ» أَيْ: أَخَّرَ، وَعَتَمَةُ اللَّيْلِ: ظُلْمَتُهَا، وَبِهَا سُمِّيَتِ الْعِشَاءُ عَتَمَةً 376 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيب، ثَنَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ: هَلِ اصْطَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَخَّرَ الصَّلاةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، صَلاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ صَلَّى، فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلُّوا وَرَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ»، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ.

وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنْبَأَ ثَابِتٌ: أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ، وَرَفَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى قُلْتُ: اخْتَارَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ». وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى تَعْجِيلِهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ».

وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلاةِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّيهَا، لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الثَّالِثَةِ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَامِلِهِ: «أَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ».

باب من كره أن تسمى العشاء عتمة

بَابُ مِنْ كَرِهَ أَنْ تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً 377 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنْبَأَ الرَّبِيعُ، أَنْبَأَ الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاتِكُمْ هِيَ الْعِشَاءُ، أَلا إِنَّهُمْ يُعْتِمُونَ بِالإِبِلِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ قَوْلُهُ: «يُعْتِمُونَ» مَعْنَاهُ: يُؤَخِّرُونَ حَلْبَ الإِبِلِ، وَيُسَمُّونَ الصَّلاةَ بِاسْمِ وَقْتِ الْحِلابِ، يُقَالُ: فُلانٌ عَاتِمُ الْقِرَى: إِذَا كَانَ نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ لَمْ يُعَجِّلْ قِرَاهُمْ. قِيلَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: لَا يَغُرَّنَّكُمْ فِعْلُهُمْ هَذَا عَنْ صَلاتِكُمْ فَتُؤَخِّرُونَهَا، وَلَكِنْ صَلُّوهَا إِذَا حَانَ وَقْتُهَا.

قُلْتُ: قَدْ كَرِهَ قَوْمٌ تَسْمِيَةَ الْعِشَاءِ عَتَمَةً، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ: الْعَتَمَةُ، صَاحَ وَغَضِبَ، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ الْعِشَاءُ، وَقَالَ مَالِكٌ: وَأُحِبُّ أَلا تُسَمَّى إِلا بِمَا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النُّور: 58] وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ، لِمَا رَوَيْنَاهُ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالْعَتَمَةِ». وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْهَا: «أَعْتَمَ بِالْعِشَاءِ». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». وَرُوِيَ فِي كَرَاهِيَةِ تَسْمِيَةِ الْمَغْرِبِ عِشَاءً، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاتِكُمُ الْمَغْرِبَ» قَالَ: وَتَقُولُ الأَعْرَابُ: هِيَ الْعِشَاءُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمَّى اللَّهُ صَلاةَ الصُّبْحِ قُرْآنًا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ} [الْإِسْرَاء: 78]، وَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُبْحًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً» فَلا أُحِبُّ أَنْ تُسَمَّى بِغَيْرِ هَذَيْنِ الاسْمَيْنِ، فَلا يُقَالُ: صَلاةُ الْغَدَاةِ، وَلا غَيْرُ ذَلِكَ

باب فضل صلاة الفجر والعصر

بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} [آل عمرَان: 41]، أَيْ: وَصَلِّ، يُقَالُ: فَرَغَ فُلانٌ مِنْ سُبْحَتِهِ، أَيْ: مِنْ صَلاتِهِ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الْإِسْرَاء: 78]، وَأَرَادَ بِقُرْآنِ الْفَجْرِ: صَلاةُ الصُّبْحِ. {كَانَ مَشْهُودًا} [الْإِسْرَاء: 78] أَيْ: تَحْضُرُهَا مَلائِكَةُ اللَّيْلِ، وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ. رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الْإِسْرَاء: 78]، قَالَ: «تَشْهَدُهُ مَلائِكَةُ اللَّيْلِ، وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ». 378 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنْبَأَ

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ إِمْلاءً، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ، أَنْبَأَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا»، ثُمَّ قَرَأَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،

عَنْ جَرِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ، أَنْبَأَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَقْرَأَ الْآيَةَ قُلْتُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ رُؤْيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قَوْلُهُ «لَا تضَامون» بِفَتْحِ التَّاءِ، أَيْ: لَا تَتَضَامُّونَ، حُذِفَتْ مِنْهُ إِحْدَى التَّائَيْنِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ مِنَ الانْضِمَامِ، يُرِيدُ أَنَّكُمْ لَا تَخْتَلِفُونَ فِي رُؤْيَتِهِ حَتَّى تَجْتَمِعُوا لِلنَّظَرِ، وَيَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَيَقُولُ بَعْضُكُمْ: هُوَ ذَاكَ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: لَيْسَ بِذَلِكَ، عَلَى مَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَى الْهِلالِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَتِهِ» وَهَذَا وَالأَوَّلُ سَوَاءٌ فِي فَتْحِ التَّاءِ، وَوَزْنُهُ تَفَاعِلُونَ مِنَ الضِّرَارِ. وَالضِّرَارُ: أَنْ يَتَضَارَّ الرَّجُلانِ عِنْدَ الاخْتِلافِ فِي الشَّيْءِ، فَيُضَارُّ هَذَا ذَلِكَ، وَذَاكَ هَذَا، فَيُقَالُ: قَدْ وَقَعَ الضِّرَارُ بَيْنَهُمَا، أَيِ: الاخْتِلافُ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ: «لَا تُضَارُونَ» بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ مِنَ الضَّيْرِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، أَيْ: لَا يُخَالِفُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، يُقَالُ: ضَارَهُ يَضِيرُهُ.

وَرَوَى بَعْضُهُمْ «لَا تُضَامُونَ» بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، مَعْنَاهُ: لَا يَلْحَقُكُمْ ضَيْمٌ وَلا مَشَقَّةٌ فِي رُؤْيَتِهِ. وَقَوْلُهُ: «كَمَا تَرَوْنَ» لَيْسَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ، بَلْ كَافُ التَّشْبِيهِ الَّتِي هِيَ فِعْلُ الرَّائِي بِالرُّؤْيَةِ، مَعْنَاهُ: تَرَوْنَ رَبَّكُمْ رُؤْيَةً لَا شَكَّ فِيهَا، كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا مِرْيَةَ فِيهَا. وَيُرْوَى: «لَا تَمَارُونَ» أَيْ: لَا تَتَمَارُونَ، مِنَ الْمِرْيَةِ، وَهِيَ الشَّكُّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ عَقِيبَ هَذَا: «فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، فَافْعَلُوا» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ يُرْجَى نَيْلُهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ، وَخُصَّتَا بِهَذَا كَمَا خُصَّتَا بِلَقَبِ التَّوَسُّطِ مِنْ بَيْنِ الْخَمْسِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْخَمْسِ مُسْتَحَقَّةً لِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَفِي وَضْعِ الْحِسَابِ. 380 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، يَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ".

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:. . . . فَذَكَرَ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 381 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَنَا هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هَمَّامٍ.

قُلْتُ: أَرَادَ بِالْبَرْدَيْنِ صَلاةَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، لِكَوْنِهَا فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَالْبَرْدَانِ وَالأَبْرَدَانِ: الْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ 382 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَلا لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» 383 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَصْقَلَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ مَنْ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ

باب فضل صلاة العشاء والفجر في الجماعة

بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ 384 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، وَغَفَرَ لَهُ»، وَقَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَنِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ، فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ "، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا مِنَ الْبَهَائِمِ لأَجْرًا؟ فَقَالَ: «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ».

وَقَالَ: " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَبْطُونُ، وَالْمَطْعُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". وَقَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». هَذِهِ أَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا، أَخْرَجَهَا مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ وَالاسْتِهَامُ: الاقْتِرَاعُ، يُقَالُ: اسْتَهَمَ الْقَوْمُ فَسَهَمَهُمْ فُلانٌ، أَيْ: قَرَعَهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] وَقِيلَ: الاقْتِرَاعُ: اسْتِهَامٌ، لأَنَّهَا سِهَامٌ تُكْتَبُ عَلَيْهَا الأَسْمَاءُ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ

مِنْهَا سَهْمٌ، فَازَ بِالْحَظِّ الْمَقْسُومِ. وَالتَّهْجِيرُ: التَّبْكِيرُ لِصَلاةِ الظُّهْرِ، وَالْهَجِيرُ وَالْهَاجِرَةُ: نِصْفُ النَّهَارِ. وَقِيلَ أَرَادَ بِالتَّهْجِيرِ التَّبْكِيرَ إِلَى كُلِّ صَلاةٍ، وَلَمْ يُرِدِ الْخُرُوجَ فِي الْهَاجِرَةِ، وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: عَنِ الْخَلِيلِ، قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَالْمُهَجِّرُ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً» أَيِ: الْمُبَكِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ. 385 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ

باب الصلاة الوسطى

بَابُ الصَّلاةِ الْوُسْطَى قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [الْبَقَرَة: 238]، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [الْبَقَرَة: 238] بِمَعْنَى التَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ، لَا بِمَعْنَى الْعَطْفِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [الْبَقَرَة: 98] فَجِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ دَاخِلانِ فِي جُمْلَةِ الْمَلائِكَةِ، ثُمَّ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرَّحْمَن: 68] 386 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، وَقَالَتْ: إِذَا بَلَغَتْ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ

الْوُسْطَى} [الْبَقَرَة: 238]، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: «0 حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ 0»، قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ 387 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قُلْنَا لِعَبِيدَةَ: سَلْ عَلِيًّا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، فَسَأَلَهُ، قَالَ: كُنَّا نَرَى أَنَّهَا صَلاةُ الْفَجْرِ، حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: " شَغَلُونَا

عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى: صَلاةِ الْعَصْرِ، مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 388 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «حَبَسُونَا عَنْ صَلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ، مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ. وَرَوَاهُ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ الْوُسْطَى صَلاةُ الْعَصْرِ»

قَلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي صَلاةِ الْوُسْطَى، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا صَلاةُ الْفَجْرِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَمُعَاذٍ، وَجَابِرٍ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ عَنْ عَلِيٍّ غَيْرُهُ، وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ: عَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيُّ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [الْبَقَرَة: 238] وَالْقُنُوتُ: طُولُ الْقِيَامِ، وَصَلاةُ الصُّبْحِ مَخْصُوصَةٌ بِطُولِ الْقِيَامِ وَبِالْقُنُوتِ، وَلأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى مِنْ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: {وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الْإِسْرَاء: 78] يَعْنِي: يَشْهَدُهَا مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ، وَلأَنَّهَا بَيْنَ صَلاتَيْ جَمْعٍ، وَهِيَ لَا تُقْصَرُ وَلا

تُجْمَعُ إِلَى غَيْرِهَا، وَلأَنَّهَا صَلاةٌ تُصَلَّى فِي سَوَادٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَبَيَاضٍ مِنَ النَّهَارِ، فَصَارَتْ كَأَنَّهَا مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا صَلاةُ الظُّهْرِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ: زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَلأَنَّهَا فِي وَسَطِ النَّهَارِ، وَهِيَ أَوْسَطُ صَلَوَاتِ النَّهَارِ فِي الطُّولِ، وَرُفِعَتِ الْجَمَاعَاتُ لأَجْلِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ. 389 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الزِّبْرِقَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [الْبَقَرَة: 238]، وَقَالَ: «إِنَّ قَبْلَهَا صَلاتَيْنِ، وَبَعْدَهَا صَلاتَيْنِ». وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّهَا صَلاةُ الْعَصْرِ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، وَبِهِ قَالَ

مِنَ التَّابِعِينَ: إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَخَصَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّغْلِيظِ، رَوَى بُرَيْدَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ» وَقَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ: هِيَ صَلاةُ الْمَغْرِبِ، لأَنَّهَا وَسَطٌ لَيْسَ بِأَقَلِّهَا، وَلا أَكْثَرِهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهَا صَلاةُ الْعِشَاءِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، لأَنَّهَا بَيْنَ صَلاتَيْنِ لَا تُقْصَرَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ إِحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَا بِعَيْنِهَا، أَبْهَمَهَا عَزَّ وَجَلَّ، تَحْرِيضًا لِلْخَلْقِ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى أَدَاءِ جَمِيعِهَا، كَمَا أَخْفَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَسَاعَةَ الإِجَابَةِ فِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ

باب تعجيل الصلاة إذا أخر الإمام

بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلاةِ إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ 390 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، نَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الصَّامِتِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَيَكُونُ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا، أَلا صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ ائْتِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا قَدْ صَلَّوْا كُنْتَ أَحْرَزْتَ صَلاتَكَ، وَإِلا صَلَّيْتَ مَعَهُمْ، وَكَانَتْ لَكَ نَافِلَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَعْفَرِ

بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ وَأَبُو عِمْرَانَ: اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْكِنْدِيُّ، بَصْرِيٌّ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى السُّلْطَانِ لَا يَجُوزُ، مَا دَامَ يُقِيمُ الصَّلاةَ، لأَنَّهُ لَمْ يُرَخِّصْ فِي ذَلِكَ مَعَ تَأْخِيرِهِمِ الصَّلاةَ عَنِ الْوَقْتِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَى مَنْ يُصَلِّيهَا لِوَقْتِهَا؟! 391 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْكُوفَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ بِهَا، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بَحْرِ بْنِ شَاذَانَ الْمَكِّيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: " أَوْصَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ: أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَلَوْ لِعَبْدٍ مُجَدَّعِ الأَطْرَافِ، وَإِذَا صَنَعْتَ مَرَقَةً أَكْثِرْ مَاءَهَا، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهُ بِمَعْرُوفٍ، وَأَنْ أُصَلِّيَ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ جِئْتَ وَقَدْ صَلَّى الإِمَامُ كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلاتَكَ، وَإِلا صَلَّيْتَ مَعَهُمْ، وَكَانَتْ نَافِلَةً، يَعْنِي: إِذَا أَخَّرُوا حَتَّى يَذْهَبَ الْوَقْتُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ

392 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنَا أَبُو عَوَانَةَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ بِكَ، أَوْ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ فَصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ إِنْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَصَلِّ مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا زِيَادَةُ خَيْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي جَامِعِهِ أَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ: اسْمُهُ عَبْدُ رَبِّهِ، بَصْرِيٌّ. قُلْتُ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَسْتَحِبُّونَ تَعْجِيلَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ، وَلا يَتْرُكُ أَوَّلَ الْوَقْتِ لأَجْلِ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَ الإِمَامِ، وَالأُولَى هِيَ الْمَكْتُوبَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالثَّانِيَةُ نَافِلَةٌ

باب قضاء الفائتة

بَابُ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ 393 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 394 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ»، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، كُلٌّ عَنْ هَمَّامٍ. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا، وَلَمْ يَقْرَأَ الْآيَةَ 395 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ الْعَبْدِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا سَعِيدٌ، وَهَمَّامٌ، وَأَبُو الْعَلاءِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ نَامَ، أَوْ نَسِيَ صَلاةً، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ كَفَّارَةٌ إِلا ذَاكَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ

396 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُ صَلاةَ الْعَصْرِ حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَغِيبَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا بَعْدُ»، قَالَ: فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبِ بَعْدَهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ وَكِيعٍ

قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَاكَ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُهَا غَيْرُ قَضَائِهَا، وَالْآخَرُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي نِسْيَانِهَا غَرَامَةٌ، وَلا زِيَادَةُ تَضْعِيفٍ، وَلا كَفَّارَةٌ مِنْ صَدَقَةٍ، وَنَحْوِهَا، كَمَا تَلْزَمُ فِي تَرْكِ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ الْكَفَّارَةُ، وَكَمَا تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ فِدْيَةٌ مِنْ دَمٍ أَوْ إِطْعَامٍ، إِنَّمَا يُصَلِّي مَا تَرَكَ سَوَاءً. وَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَلْزَمَهُ إِنْ كَانَ فِي صَلاةٍ أَنْ يَقْطَعَهَا، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ: أَنْ لَا يُغْفِلَ أَمْرَهَا، وَيَشْتَغِلَ بِغَيْرِهَا، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُمْ لَمَّا نَامُوا عَنْ صَلاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ انْتَبَهُوا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُودُوا رَوَاحِلَهُمْ، ثُمَّ صَلاهَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ الْفَائِتَةَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ صَلَّى وَلَمْ يُؤَخِّرْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يُصَلِّي عَنْ أَحَدٍ كَمَا يَحُجُّ عَنْهُ، وَأَنَّ الصَّلاةَ لَا تُجْبَرُ بِالْمَالِ كَمَا يُجْبَرُ الصَّوْمُ. قُلْتُ: وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ صَلاةٌ يُطْعَمُ عَنْهُ. قَلْتُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَوَائِتَ تُقْضَى مُرَتَّبَةً، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا

إِلا وَهُوَ مَعَ الإِمَامِ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ، فَلْيُصَلِّ الصَّلاةَ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الصَّلاةَ الأُخْرَى». قَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَنْ تَرَكَ صَلاةً وَاحِدَةً عِشْرِينَ سَنَةً، لَمْ يُعِدْ إِلا تِلْكَ الصَّلاةَ الْوَاحِدَةَ

باب مراعاة الوقت

بَابُ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ 397 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمْتَامُ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنِي حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ الْقَسْمَلِيُّ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَزْدِيُّ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5]، قَالَ: «إِضَاعَةُ الْوَقْتِ». عِكْرِمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ضَعِيفٌ 398 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، نَا طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّهَاوَنْدِيُّ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ

بْنُ الْعَلاءِ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ، وَالنُّجُومَ، وَالأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

باب من أدرك شيئا من الوقت

بَابُ مِنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنَ الْوَقْتِ 399 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنِ الأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 400 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 401 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيب، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلاةٍ رَكْعَةً، فَقَدْ أَدْرَكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ وَالْبَاقِي خَارِجَ الْوَقْتِ، فَلا يَكُونُ كَمَنْ صَلَّى الْكُلَّ خَارِجَ الْوَقْتِ فِي أَنْ لَا يَقْصُرَ فِي السَّفَرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَمْنَعُ قَصْرَ الْفَائِتَةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، أَنَّ صَلاتَهُ لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ:

تَبْطُلُ صَلاتُهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ لَوْ غَرَبَتْ وَهُوَ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ، أَنَّ صَلاتَهُ لَا تَبْطُلُ. 402 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فَهَذَا يُصَرِّحُ بِمَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى قَبْلَ الطُّلُوعِ، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ. وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ» قَوْلُهُ: «إِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً» أَرَادَ رَكْعَةً بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا،

وَالصَّلاةُ تُسَمَّى سُجُودًا كَمَا تُسَمَّى رُكُوعًا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} [الْإِنْسَان: 26] أَيْ: صَلِّ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [الْبَقَرَة: 43] أَيْ: مَعَ الْمُصَلِّينَ، سَمَّى الرَّكْعَةَ سَجْدَةً، لأَنَّ تَمَامَهَا بِهَا. وَفِي الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْذُورَ إِذَا زَالَ عُذْرُهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ رَكْعَةٍ، يَلْزَمُهُ تِلْكَ الصَّلاةُ، مِثْلَ أَنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ طَهُرَتِ الْحَائِضُ أَوِ النُّفَسَاءُ، أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ، يَلْزَمُهُ صَلاةُ الصُّبْحِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَلْزَمُهُ صَلاةُ الْعَصْرِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، يَلْزَمُهُ صَلاةُ الْعِشَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ رَكَعَةٍ، لَا يَلْزَمُهُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّهُ وَإِنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الإِحْرَامِ مِنَ الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ الصَّلاةُ، حَتَّى قَالَ: لَوْ أَدْرَكَ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ قَدْرَ الإِحْرَامِ، يَلْزَمُهُ الظُّهْرُ مَعَ الْعَصْرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَدْرَكَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ قَدْرَ الإِحْرَامِ، يَلْزَمُهُ صَلاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمِيعًا، لأَنَّهُمَا صَلاتَانِ وَقْتُهُمَا وَاحِدٌ فِي عُذْرِ السَّفَرِ، حَتَّى يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الأَعْذَارِ إِذَا أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ وَقْتِ الْآخِرَةِ، لَزِمَتْهُ الأُولَى مَعَهَا.

وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ شَيْئًا يَلْزَمُهُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ جَمِيعًا، أَوْ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ شَيْئًا يَلْزَمُهُ صَلاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمِيعًا: عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، قَالُوا: إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ قَبْلَ الْفَجْرِ صَلَّتِ الْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَلَّتِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَالْحَكَمِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا طَهُرَتْ بَعْدَ الْعَصْرِ تُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، فَإِنْ كَانَ طُهْرُهَا قَرِيبًا مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ تُصَلِّي الْعَصْرَ، وَلا تُصَلِّي الظُّهْرَ، أَمَّا إِذَا كَانَ طُهْرُهَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ مِنَ الصَّلاتَيْنِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا طَهُرَتْ فِي وَقْتِ صَلاةٍ صَلَّتْ تِلْكَ الصَّلاةَ، وَلا تُصَلِّي غَيْرَهَا. وَلَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا دَخَلَ عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلاةِ، وَمَضَى إِمْكَانُ الأَدَاءِ، يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلاةِ، وَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ إِمْكَانِ الأَدَاءِ، فَلا قَضَاءَ عَلَيْهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا حَاضَتْ فِي وَقْتِ الصَّلاةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءٌ

باب الأذان والإقامة وأنه مثنى والإقامة فرادى

بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَأَنَّهُ مَثْنَى وَالإِقَامَةُ فُرَادَى 403 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «ذُكِرَ النَّارُ وَالنَّاقُوسُ، فَذُكِرَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 404 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُمْ ذَكَرُوا الصَّلاةَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: «نَوِّرُوا نَارًا، وَاضْرِبُوا نَاقُوسًا، فَأَمَرَ بِلالا أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ 405 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ، إِلا قَوْلَهُ «قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ». وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَيُّوبَ، وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ

قَوْلُهُ «أُمِرَ بِلالٌ» أَيْ: أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَنَّ الأَذَانَ شَرِيعَةٌ، وَالأَمْرُ الْمُضَافُ إِلَى الشَّرِيعَةِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: «وَيُوتِرُ الإِقَامَةَ» يَعْنِي أَلْفَاظَ الإِقَامَةِ الَّتِي هِيَ شَفْعٌ فِي الأَذَانِ لَا لَفْظَ الإِقَامَةِ نَفْسِهَا. قُلْتُ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، عَلَى إِفْرَادِ الإِقَامَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَكْحُولٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ سَعْدٌ الْقَرَظُ، وَكَانَ قَدْ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ بِقُبَاءَ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَهُ بِلالٌ عَلَى الأَذَانِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْتَقَلَ إِلَى الشَّامِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ يُفْرِدُ الإِقَامَةَ، وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي الْحَرَمَيْنِ، وَالْحِجَازِ، وَبِلادِ الشَّامِ، وَالْيَمَنِ، وَدِيارِ مِصْرَ، وَنَوَاحِي الْمَغْرِبِ. وَمَنْ قَالَ بِإِفْرَادِ الإِقَامَةِ يُثَنِّي قَوْلَهُ: «قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ» لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ. 406 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ مُسْلِمِ أَبِي الْمُثَنَّى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ الأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: «قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ»، فَإِذَا سَمِعْنَا الإِقَامَةَ

تَوَضَّأْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلاةِ. قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ هَذَا مُؤَذِّنُ مَسْجِدِ الْعُرْيَانِ، وَأَبُو الْمُثَنَّى مُؤَذِّنُ مَسْجِدِ الأَكْبَرِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تُفْرَدُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ سَعْدٍ الْقَرَظِ فِيهَا وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْريُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قُلْتُ: وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ رُؤْيَا عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الأَنْصَارِيِّ فِي الإِقَامَةِ، فَيُرْوَى فِيهَا التَّثْنِيَةُ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ رِوَايَةُ

مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِيهِ، وَفِيهَا إِفْرَادُ الإِقَامَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ فِي السُّنَنِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ إِفْرَادُ الإِقَامَةِ، غَيْرَ أَنَّ التَّثْنِيَةَ عَنْهُ أَشْهَرُ مَعَ التَّرْجِيعِ فِي الأَذَانِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ يُرَجِّعُ فِي الأَذَانِ، وَيُثَنِّي الإِقَامَةَ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِنْ أَبِي مَحْذُورَةَ وَمِنْ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، إِنَّمَا اسْتَمَرَّ عَلَى إِفْرَادِ الإِقَامَةِ، إِمَّا لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ الأَمْرِ الأَوَّلِ بِالتَّثْنِيَةِ، وَإِمَّا لأَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِلالا بِإِفْرَادِ الإِقَامَةِ فَاتَّبَعَهُ، وَكَانَ أَمْرُ الأَذَانِ يُنْقَلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ. وَقِيلَ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَ يَأْخُذُ فِي هَذَا بِأَذَانِ بِلالٍ: أَلَيْسَ أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ أَذَانِ بِلالٍ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ لَمَّا عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَقَرَّ بِلالا عَلَى أَذَانِهِ؟!

باب الترجيع في الأذان

بَابُ التَّرْجِيعِ فِي الأَذَانِ 407 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالِ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَيْرِيزٍ أَخْبَرَهُ، وَكَانَ يَتِيمًا فِي حَجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ حِينَ جَهَّزَهُ إِلَى الشَّامِ، فَقُلْتُ لأَبِي مَحْذُورَةَ: أَيْ عَمِّ، إِنِّي خَارِجٌ إِلَى الشَّامِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ أُسْأَلَ عَنْ تَأْذِينِكَ. فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ، قَالَ لَهُ: نَعَمْ، خَرَجْتُ فِي نَفَرٍ، فَكُنَّا بِبَعْضِ طَرِيقِ حُنَيْنٍ، فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ بِالصَّلاةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَا صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ وَنَحْنُ مُتَنَكِّبُونَ، فَصَرَخْنَا نَحْكِيهِ

وَنَسْتَهْزِئُ بِهِ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا إِلَى أَنْ وُقِفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّكُمُ الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ قَدِ ارْتَفَعَ؟» فَأَشَارَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ إِلَيَّ، وَصَدَقُوا، فَأَرْسَلَ كُلَّهُمْ وَحَبَسَنِي، فَقَالَ: «قُمْ فَأَذِّنْ بِالصَّلاةِ» فَقُمْتُ وَلا شَيْءَ أَكْرَهُ إِلَيَّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا مِمَّا يَأْمُرُنِي بِهِ، فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ. فَقَالَ: " قُلِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ "، ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ فَامْدُدْ مِنْ صَوْتِكَ»، ثُمَّ قَالَ لِي: " قُلْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ". ثُمَّ دَعَانِي حِينَ قَضَيْتُ التَّأْذِينَ، فَأَعْطَانِي صُرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ فِضَّةٍ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى نَاصِيَةِ أَبِي مَحْذُورَةَ، ثُمَّ

أَمَرَّهَا عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ عَلَى كَبِدِهِ، ثُمَّ بَلَغَتْ يَدُهُ سُرَّةَ أَبِي مَحْذُورَةَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِالتَّأْذِينِ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: «قَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ»، وَذَهَبَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَرَاهِيَةٍ، وَعَادَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَحَبَّةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمْتُ عَلَى عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ عَامِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذَّنْتُ بِالصَّلاةِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَدْرَكْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ يُؤَذِّنُ كَمَا حَكَى ابْنُ مُحَيْرِيزٍ، وَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى مَا حَكَى ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ: اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ أَبُو الْوَلِيدِ، مَكِّيٌّ، مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ الْقُرَشِيِّ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ: تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَيُقَالُ: هُوَ مَوْلًى لِآلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ، أَصْلُهُ رُومِيٌّ. قُلْتُ: حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي التَّرْجِيعِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ. وَأَبُو مَحْذُورَةَ: اسْمُهُ سَمُرَةُ بْنُ مِعْيَرٍ الْقُرَشِيُّ، جُمَحِيٌّ، وَيُقَالُ: جَابِرُ بْنُ مِعْيَرٍ

باب التثويب

بَابُ التَّثْوِيبِ 408 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي سُنَّةَ الأَذَانِ، قَالَ: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ، قَالَ: " تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، فَإِنْ كَانَ صَلاةُ الصُّبْحِ، قُلْتَ: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ،

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ "، قَلْتُ: التَّثْوِيبُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ سُنَّةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ بِلالٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُثَوِّبَنَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ إِلا فِي صَلاةِ الْفَجْرِ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَالتَّثْوِيبُ: هُوَ أَنْ يَقُولَ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ بَعْدَ قَوْلِهِ: حَيَّ عَلَى

الْفَلاحِ: «الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ» مَرَّتَيْنِ، كَمَا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. رُوِيَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ جَاءَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُؤْذِنُهُ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَوَجَدَهُ نَائِمًا، فَقَالَ: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ. سُمِّيَ تَثْوِيبًا مِنْ: ثَابَ: إِذَا رَجَعَ، لأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى دُعَائِهِمْ بِقَوْلِهِ: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، بَعْدَ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، وَقَدْ جَاءَ التَّثْوِيبُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الإِقَامَةِ، قَالَ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ فَلا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ» وَكُلُّ دَاعٍ مُثَوِّبٌ، وَالأَصْلُ فِيهِ الرَّجُلُ يَجِيءُ مُسْتَصْرِخًا، فَيُلَوِّحُ بِثَوْبِهِ، وَأَصْلُ التَّثْوِيبِ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالإِعْلامِ. قَالَ إِسْحَاقُ: التَّثْوِيبُ غَيْرُ هَذَا، هُوَ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَاسْتَبْطَأَ الإِمَامُ، قَالَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ: «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ»، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إِسْحَاقُ فِي التَّثْوِيبِ كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، لأَنَّهُ مُحْدَثٌ. رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِّنَ فِيهِ، فَثَوَّبَ الْمُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: أَخْرُجُ

مِنْ عِنْدِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ التَّثْوِيبَ الَّذِي أَحْدَثَهُ النَّاسُ. قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ثَوَّبَ رَجُلٌ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: اخْرُجْ بِنَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ. قُلْتُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الطَّهَارَةِ حَالَةَ مَا يُؤَذِّنُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يُؤَذِّنُ إِلا مُتَوَضِّئٌ. وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْوَقْفُ أَصَحُّ. وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَذَانَ الْمُحْدِثِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَنَا لِلْأَذَانِ جُنُبًا أَكْرَهُ مِنِّي لِلْأَذَانِ مُحْدِثًا، وَأَنَا لِلإِقَامَةِ مُحْدِثًا أَكْرَهُ مِنِّي لِلْأَذَانِ مُحْدِثًا.

وَرَخَّصَ فِيهِ قَوْمٌ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ: وَلَوْ تَكَلَّمَ فِي أَذَانِهِ وَلَمْ يُطِلْ أَتَمَّ أَذَانَهُ، تَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ، قَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَضْحَكَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ

باب الالتواء في الأذان

بَابُ الالْتِوَاءِ فِي الأَذَانِ 409 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ بِلالٌ، فَأَذَّنَ، فَجَعَلَ هَكَذَا يُحَرِّفُ رَأْسَهُ يَمِينًا وَشِمَالا». قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عَوْنٌ، عَنْ أَبِيهِ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ يَمِينًا وَشِمَالا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ. وَرُوِيَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ بِلالا يُؤَذِّنُ وَإِصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ،

لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالا، وَلَمْ يَسْتَدْبِرْ وَأَبُو حُجَيْفَةَ: اسْمُهُ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِيُّ، نَزَلَ الْكُوفَةَ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَسْتَحِبُّونَ وَضْعَ الْمُسَبِّحَتَيْنِ فِي الأُذُنَيْنِ فِي الأَذَانِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الإِقَامَةِ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَجْعَلُ إِصْبَعَهُ فِي أُذُنَيْهِ. وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يُؤَذِّنَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، لَا يَلْتَفِتُ إِلا فِي: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، فَإِنَّهُ يَلْوِي فِيهَا عُنُقَهُ، وَلا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ. وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفِ الإِسْنَادِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِبِلالٍ، «إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ؛ وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ، وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ

شُرْبِهِ، وَالْمُعْتَصِرُ إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي». وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ. قُلْتُ: وَهُوَ فِي أَدَبِ الأَذَانِ حَسَنٌ. وَأَرَادَ بِالْمُعْتَصِرِ: الَّذِي ضَرَبَ الْغَائِطَ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْذِمْ»، وَمَعْنَاهُ: الْحَدْرُ أَيْضًا، وَهُوَ قَطْعُ التَّطْوِيلِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُرَتِّلُ الأَذَانَ، وَيَحْدُرُ الإِقَامَةَ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا، وَإِلا فَاعْتَزِلْنَا. قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ وَهُوَ رَاكِبٌ

باب فضل الأذان

بَابُ فَضْلِ الأَذَانِ 410 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ لَهُ: «إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنُّ وَلا إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ إِلا شَهِدَ لَهُ

يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَسْتَحِبُّونَ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالأَذَانِ مَا أَمْكَنَهُ مَا لَمْ يُجْهِدْهُ، لِيُكَثِّرَ شُهَدَاءَهُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، لِيَكُونَ أَبْعَدَ لِذَهَابِ صَوْتِهِ، فَإِنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ بَيْتُهَا أَطْوَلُ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُنْفَرِدِ إِذَا أَرَادَ أَدَاءَ فَرْضِ الْوَقْتِ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ. 411 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنَ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَشَاهِدُ الصَّلاةِ يُكْتَبُ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صَلاةً، وَيُكَفَّرُ عَنْهُ مَا بَيْنَهُمَا» 412 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا نُودِيَ للصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ،

يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى ". وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: التَّثْوِيبُ هَهُنَا: الإِقَامَةُ، وَمَعْنَى التَّثْوِيبِ: الإِعْلامُ بِالشَّيْءِ، وَالإِنْذَارُ بِوُقُوعِهِ، وَكُلُّ دَاعٍ مُثَوِّبٌ، وَأَصْلُهُ أَنْ يُلَوِّحَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ بِثَوْبِهِ، فَيُدِيرُهُ عِنْدَ الأَمْرِ يَرْهَقُهُ مِنْ خَوْفٍ، أَوْ عَدُوٍّ، فَسُمِّيتِ الإِقَامَةُ تَثْوِيبًا، لأَنَّهَا إِعْلامٌ بِإِقَامَةِ الصَّلاةِ، وَالأَذَانُ إِعْلامٌ بِالْوَقْتِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ تَثْوِيبًا، لأَنَّهُ رُجُوعٌ إِلَى الدُّعَاءِ إِلَى الصَّلاةِ بَعْدَ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهَا بِالأَذَانِ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: «الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ»، فَهُوَ يَرْجِعُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ إِلَى دُعَائِهِمْ بَعْدَ مَا دَعَاهُمْ بِقَوْلِهِ: «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ» وَالرَّاجِعُ ثَائِبٌ، يُقَالُ: ثَابَ إِلَيَّ جِسْمِي، أَيْ: رَجَعَ. 413 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمْتَامُ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ وَلَهُ حُصَاصٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَامَ، عَنْ يَزِيدَ،

عَنْ رَوْحٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ وَمَعِي غُلامٌ لَنَا، فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ، فَأَشْرَفَ عَلَى الْحَائِطِ، فَلْمَ يَرَ شَيْئًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِي، فَقَالَ: إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلاةِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ. . . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالْحُصَاصُ: الضُّرَاطُ، وَقِيلَ: شِدَّةُ الْعَدْوِ، وَسُئِلَ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ عَنْ هَذَا، قَالَ: إِذَا صَرَّ بِأُذُنَيْهِ، وَمَصَعَ بِذَنَبِهِ وَعَدَا، فَذَلِكَ الْحُصَاصُ. 414 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، أَنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَادَى الْمُنَادِي بِالصَّلاةِ هَرَبَ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَكُونَ بِالرَّوْحَاءِ»، قَالَ: «وَهِيَ ثَلاثُونَ مِيلا مِنَ الْمَدِينَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ مَالِكٌ: اسْتُعْمِلَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَلَى مَعْدِنِ بَنِي سُلَيْمٍ، وَكَانَ مَعْدِنًا

لَا يَزَالُ يُصَابُ فِيهِ الإِنْسَانُ مِنْ قِبَلِ الْجِنِّ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَأَمَرَهُمْ بِالأَذَانِ، وَأَنْ يَرْفَعُوا بِهِ أَصْوَاتَهُمْ، فَفَعَلُوا، فَانْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. 415 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبِي مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ الْقُرَشِيِّ قَوْلُهُ: «أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا»، قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: مَعْنَاهُ: أَكْثَرُهُمْ أَعْمَالا، يُقَالُ: لِفُلانٍ عُنُقٌ مِنَ الْخَيْرِ، أَيْ: قِطْعَةٌ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: أَكْثَرُهُمْ رَجَاءً، لأَنَّ مَنْ رَجَا شَيْئًا طَالَ إِلَيْهِ عُنُقُهُ، فَالنَّاسُ يَكُونُونَ فِي الْكَرْبِ، وَهُمْ فِي الرَّوْحِ يَشْرَئِبُّونَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: الدُّنُوُّ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ يَكُونُونَ رُءُوسًا يَوْمَئِذٍ، وَالْعَرَبُ تَصِفُ السَّادَةَ بِطُولِ الْعُنُقِ. وَقِيلَ: الأَعْنَاقُ: الْجَمَاعَاتُ، يُقَالُ: جَاءَنِي عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ، أَيْ: جَمَاعَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشُّعَرَاء: 4]، أَيْ: جَمَاعَاتُهُمْ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: خَاضِعَاتٌ. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ جَمْعَ الْمُؤَذِّنِينَ يَكُونُ أَكْثَرَ، فَإِنَّ مَنْ أَجَابَ دَعْوَتَهُ يَكُونُ مَعَهُ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ «إِعْنَاقًا» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، أَيْ: إِسْرَاعًا إِلَى الْجَنَّةِ. 416 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ

الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ فَأَرْشِدِ الأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ». وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو عِيسَى: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ، يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَصَحُّ، وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ وَاحِدًا مِنْهُمَا

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَفْضِيلِ الأَذَانِ عَلَى الإِمَامَةِ، لأَنَّ حَالَ الأَمِينِ أَحْسَنُ مِنْ حَالِ الضَّمِينِ. قَوْلُهُ: «الإِمَامُ ضَامِنٌ»، قِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَحْفَظُ الصَّلاةَ وَعَدَدَ الرَّكَعَاتِ عَلَى الْقَوْمِ، فَالضَّمَانُ فِي اللُّغَةِ: الرِّعَايَةُ، وَالضَّامِنُ: الرَّاعِي. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: ضَمَانُ الدُّعَاءِ، أَيْ: يَعُمُّ الْقَوْمَ بِهِ، وَلا يَخُصُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَحْمِلَ الْقِرَاءَةَ عَنِ الْقَوْمِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، وَكَذَلِكَ يَتَحَمَّلُ الْقِيَامَ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا، كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَالاخْتِيَارُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَحْتَسِبَ بِالأَذَانِ، وَكَرِهُوا أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ أَجْرًا. 417 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ

عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: قُلْتُ، وَقَالَ مُوسَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي، قَالَ: «أَنْتَ إِمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ، وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا». وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: إِنَّ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنِ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذَ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا». وَرَخَّصَ فِيهِ مَالِكٌ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: الإِجَارَةُ مَكْرُوهَةٌ، وَلا بَأْسَ بِالْجُعْلِ. وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: لَوْ رَزَقَ الإِمَامُ الْمُؤَذِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ أَوِ الْفَيْءِ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلا بَأْسَ إِذَا لَمْ يَجِدْ مُتَطَوِّعًا.

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ رَزَقَهُ وَاحِدٌ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ، فَلا بَأْسَ. 418 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشُّرَيْحِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْفَضْلُوبِي الْبُوشَنْجِيُّ بِهَا، أَنَا الْخَطِيبُ أَبُو الْحَسَنِ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَهِيدٍ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَامِدٍ الْمَالِينِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ الدَّارِمِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَذَّنَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَكُتِبَ لَهُ بِتَأْذِينِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ سِتُّونَ حَسَنَةً، وَبِكُلِّ إِقَامَةٍ ثَلاثُونَ حَسَنَةً». عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ أَبُو صَالِحٍ الْجُهَنِيُّ، مِصْرِيٌّ، كَاتِبُ اللَّيْثِ، صَدُوقٌ، غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ

باب إجابة المؤذن

بَابُ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ 419 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ الْجُنْدَعِيُّ، يُقَالُ: كُنْيَتُهُ أَبُو يَزِيدَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ 420 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، نَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ،

عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ، آَتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَبُو بَكْرٍ قُرَشِيٌّ، تَيْمِيٌّ، مَدِينِيٌّ. وَالْوَسِيلَةُ: الْقُرْبَةُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [الْمَائِدَة: 35] 421 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، نَا حَيْوَةُ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا كَمِثْلِ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ

إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ 422 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ، أَنَّ عِيسَى بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، قَالَ: إِنِّي لَعِنْدَ مُعَاوِيَةَ، إِذْ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمَا قَالَ مُؤَذِّنُهُ، حَتَّى إِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، قَالَ: " لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، وَلَمَّا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ "

423 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا، فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 424 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الدِّيزَقِيُّ،

أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مَنْصُورُ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْكَاغِدِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَكْرِيُّ الْغَازِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسَافٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ أَحَدُكُمُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ،

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَهْضَمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قُلْتُ: وَيُسْتَحَبُّ فِي الإِقَامَةِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، كَمَا فِي الأَذَانِ، فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّ بِلالا أَخَذَ فِي الإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا».

باب الدعاء بين الأذان والإقامة

بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ 425 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَبِي إِيَاسٍ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَعْلَمُهُ إِلا وَقَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَزَيْدٌ الْعَمِّيُّ: هُوَ زَيْدُ بْنُ الْحَوَارِيِّ أَبُو الْحَوَارِيِّ بَصْرِيٌّ، كَانَ قَاضِيًا بِهَرَاةَ

426 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبليِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ فَضَلُونَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُولُوا كَمَا يَقُولُونَ، فَإِذَا فَرَغْتَ، فَسَلْ تُعْطَهْ» 427 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا ابْنُ السَّرْحِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالا: نَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حُيَيٍّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ كَمَا يَقُولُونَ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ، فَسَلْ تُعْطَ»

428 - أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَادَى الْمُنَادِي فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَأَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الرَّقَاشِيِّ مَوْلَى غِفَارٍ فَدَكِيٍّ، وَيُقَالُ: مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قُرَشِيٍّ، رَوَى عَنْهُ الأَوْزَاعِيُّ 429 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: «إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ

تُفْتَحُ عِنْدَ زَحْفِ الصُّفُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَعِنْدَ الإِقَامَةِ لِلصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ، فَاغْتَنِمُوا الدُّعَاءَ». وَيُرْوَى مَعْنَاهُ فِي أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب الصلاة بين الأذان والإقامة

بَابُ الصَّلاةِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ 430 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، نَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، نَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ»، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كِلاهُمَا عَنْ كَهْمَسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيُّ، كُنْيَتُهُ: أَبُو زِيَادٍ، وَيُقَالُ:

أَبُو سَعِيدٍ، نَزَلَ الْبَصْرَةَ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو بَرْزَةَ، وَيُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَرَادَ بِالأَذَانَيْنِ: الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ، حُمِلَ أَحَدُ الاسْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، كَقَوْلِهِمُ: الأَسْوَدَانِ: التَّمْرِ وَالْمَاءِ، وَإِنَّمَا الأَسْوَدُ أَحَدُهُمَا، وَكَقَوْلِهِمْ: سِيرَةُ الْعُمَرَيْنِ، يُرِيدُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الاسْمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِيقَةً، لأَنَّ الأَذَانَ فِي اللُّغَةِ الإِعْلامُ، فَالأَذَانُ إِعْلامٌ بِحُضُورِ الْوَقْتِ، وَالإِقَامَةُ أَذَانٌ بِفِعْلِ الصَّلاةِ

باب أذان المسافر

بَابُ أَذَانِ الْمُسَافِرِ 431 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي، فَقَالَ: «إِذَا سَافَرْتُمَا، فَأَذِّنَا، وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ 432 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ

بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، نَا أَبُو سُلَيْمَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلاهُمَا، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ قُلْتُ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، اخْتَارُوا الأَذَانِ فِي السَّفَرِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَرْكُ الأَذَانِ فِي السَّفَرِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْحَضَرِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لأَنَّ السَّفَرَ يُؤَثِّرُ فِي تَخْفِيفِ الْعِبَادَاتِ، كَمَا أَثَّرَ فِي إِبَاحَةِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَالْجَمْعِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: تَرْكُهُ فِي الْحَضَرِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّفَرِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُقِيمُ فِي السَّفَرِ، لأَنَّ الأَذَانَ لِجَمْعِ النَّاسِ، وَهُمْ فِي السَّفَرِ يَكُونُونَ مُجْتَمِعِينَ.

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَزِيدُ عَلَى الإِقَامَةِ فِي السَّفَرِ إِلا فِي الصُّبْحِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَادِي فِيهَا وَيُقِيمُ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا الأَذَانُ لِلإِمَامِ الَّذِي يَجْتَمِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ

باب الأذان للصبح قبل طلوع الفجر

بَابُ الأَذَانِ لِلصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ 433 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ بِلالا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ»، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ "، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا

وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا تَأْذِينَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ 434 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ بِلالا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ

435 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادٌ، وَيُوسُفُ بْنُ عِيسَى، قَالا: نَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ، عَنْ سَوَادَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلالٍ، وَلا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الأُفُقِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَأَرَادَ بِالْمُسْتَطِيرِ: الْمُنْتَشِرَ الْمُعْتَرِضَ فِي الأُفُقِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الْإِنْسَان: 7] أَيْ: طَوِيلا. قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَذَانَ الصُّبْحِ مَحْسُوبٌ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلا يُعِيدُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُحْسَبُ، وَيُعِيدُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ.

أَمَّا سَائِرُ الصَّلَوَاتِ وَالْجُمُعَةِ، فَلا يُحْسَبُ أَذَانُهَا قَبْلَ دُخُولِ أَوْقَاتِهَا، رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ الظُّهْرَ إِذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ. قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَزَلِ الصُّبْحُ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَأَمَّا غَيْرُهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ، فَلَمْ نَرَهَا يُنَادَى لَهَا إِلا بَعْدَ أَنْ يَحُلَّ وَقْتُهَا. قُلْتُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنَانِ، أَحَدُهُمَا يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَالْآخَرُ بَعْدَهُ، كَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَذْكُرُ أَنَّ قَوْمًا اخْتَلَفُوا فِي الأَذَانِ، وَأَقْرَعَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بَيْنَهُمْ. قُلْتُ: وَالْفَجْرُ فَجْرَانِ: الْكَاذِبُ، وَالصَّادِقُ، فَالْكَاذِبُ يَطْلُعُ أَوَّلا مُسْتَطِيلا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ، تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ: ذَنَبَ السِّرْحَانِ، فَبِطُلُوعِهِ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الصُّبْحِ، وَلا يَحْرُمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، ثُمَّ يَغِيبُ ذَلِكَ، فَيَطْلُعُ الصَّادِقُ مُعْتَرِضًا، يَنْتَشِرُ فِي الأُفُقِ، فَبِطُلُوعِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَيَحْرُمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ. وَإِذَا أَذَّنَ رَجُلٌ، فَهُوَ أَوْلَى بِالإِقَامَةِ، وَإِذَا أَذَّنَ اثْنَانِ، فَأَوَّلُهُمَا أَذَانًا أَوْلاهُمَا بِالإِقَامَةِ، رُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُؤَذِّنَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ، فَأَذَّنْتُ، فَأَرَادَ بِلالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ قَدْ أَذَّنَ، وَمَنْ

أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ». وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ أَوْلَى بِالإِقَامَةِ. وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ الأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلْقِهِ عَلَى بِلالٍ» فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ، فَأَذَّنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَنَا رَأَيْتُهُ، وَأَنَا كُنْتُ أُرِيدُهُ، قَالَ: فَأَقِمْ أَنْتَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ.

باب الأذان للفائتة والإقامة لها

بَابُ الأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ وَالإِقَامَةِ لَهَا 436 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: " حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلاةِ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ هُوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الْأَحْزَاب: 25]، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا، فَأَمَرَهُ، فَأَقَامَ الظُّهْرَ، فَصَلاهَا، فَأَحْسَنَ صَلاتَهَا، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ، فَصَلاهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلاهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلاهَا أَيْضًا كَذَلِكَ، قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي صَلاةِ

الْخَوْفِ {فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [الْبَقَرَة: 239] ". قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِلالا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، قَالَ أَبُو عِيسَى: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، إِلا أَنَّ عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ أَبِيهِ 437 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ مِنْ خَيْبَرَ أَسْرَى، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسَ، وَقَالَ لِبِلالٍ: «اكْلَأْ لَنَا الصُّبْحَ»، وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَكَلأَ بِلالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ اسْتَنَدَ إِلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْفَجْرِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا بِلالٌ، وَلا أَحَدٌ مِنَ الرَّكْبِ، حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ، فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا بِلالُ»، فَقَالَ بِلالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَادُوا»، فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ، فَاقْتَادُوا شَيْئًا، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا، فَأَقَامَ الصَّلاةَ، فَصَلَّى لَهُمُ الصُّبْحَ، ثُمَّ قَالَ حِينَ قَضَى الصَّلاةَ: " مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ، يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ". قُلْتُ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ،

عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلا. وَرَوَاهُ أَبَانُ الْعَطَّارُ، عَنْ مَعْمَرٍ مُسْنَدًا، وَقَالَ: فَأَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى. وَأَخْبَرَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ

بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الأَذَانَ. وَرَوَاهُ أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: «ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَصَلَّى الْغَدَاةَ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ «عَرَّسَ»، التَّعْرِيسُ: النُّزُولُ لِغَيْرِ إِقَامَةٍ. وَقَوْلُهُ «فَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» مَعْنَاهُ: انْتَبَهَ، يُقَالُ: أَفْزَعْتُ الرَّجُلَ مِنْ نَوْمِهِ فَفَزِعَ، أَيْ: أَنْبَهْتُهُ فَانْتَبَهَ. 438 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، نَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلاةِ»، فَقَالَ بِلالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: «يَا بِلالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ؟»، قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلالُ قُمْ فَأَذِّنْ لِلنَّاسِ بِالصَّلاةِ»

فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ، قَامَ فَصَلَّى. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 439 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيِّ، نَا أَبُو قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ فِي سَفَرٍ لَهُ، فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِلْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: «انْظُرْ»، فَقُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانِ رَاكِبَانِ، هَؤُلاءِ ثَلاثَةٌ، حَتَّى صِرْنَا سَبْعَةً، فَقَالَ: «احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلاتَنَا» يَعْنِي صَلاةَ الْفَجْرِ، فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ، فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلا حَرُّ الشَّمْسِ، فَقَامُوا، فَسَارُوا هُنَيَّةً، ثُمَّ نَزَلُوا، فَتَوَضَّئُوا، وَأَذَّنَ بِلالٌ، فَصَلَّوْا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوُا الْفَجْرَ وَرَكِبُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ فَرَّطْنَا فِي صَلاتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ صَلاةٍ، فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا، وَمِنَ الْغَدِ لِلْوَقْتِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ قَوْلُهُ: «وَمِنَ الْغَدِ لِلْوَقْتِ»، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهَا وُجُوبًا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ بِهَا اسْتِحْبَابًا لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ الْوَقْتِ فِي الْقَضَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «وَمِنَ الْغَدِ لِلْوَقْتِ» أَيْ: لِيُصَلِّ صَلاةَ الْغَدِ فِي وَقْتِهَا، مَعْنَاهُ: أَنَّ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقْتٌ لِهَذِهِ الصَّلاةِ دُونَ صَلاةِ الْغَدِ، فَلْيُصَلِّ صَلاةَ الْغَدِ فِي وَقْتِهَا الْمَشْرُوعِ. وَقَوْلُهُ: «فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ» كَلِمَةٌ فَصِيحَةٌ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ حُجِبَ الصَّوْتُ وَالْحِسُّ أَنْ يَدْخُلا آذَانَهُمْ فَيَنْتَبِهُوا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الْكَهْف: 11]. قُلْتُ: الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ مَشْرُوعَانِ لِلْفَرَائِضِ الْخَمْسِ إِذَا أُدِّيَتْ فِي أَوْقَاتِهَا، وَالأَذَانُ مِنْ شِعَارِ دِينِ الإِسْلامِ، فَلَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ كَانَ لِلسُّلْطَانِ قِتَالُهُمْ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ

أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ». وَإِذَا صَلَّى بِلا أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا، فَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ فِيمَنْ نَسِيَ الإِقَامَةَ: إِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلاةَ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَنْ نَسِيَهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ، وَإِلا فَلا. قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يُقِيمُ لَهَا، فَأَظْهَرُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ يُقِيمُ لَهَا، وَإِذَا فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ، وَقَضَاهُنَّ عَلَى التَّوَالِي، أَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: يُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَإِذَا فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ، فَقَضَاهُنَّ عَلَى التَّوَالِي، أَذَّنَ وَأَقَامَ لِلأُولَى، وَأَقَامَ لِلأُخْرَيَاتِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَوَائِتَ تُقْضَى مُرَتَّبَةً، وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي قَضَائِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَفِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلاةٌ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ، جَازَ تَأْخِيرُ قَضَائِهَا، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتَادُوا عَنْ مَوْضِعِ الْفَوْتِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلاةِ فِيهِ، قَالَ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِتَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، فَيَخْرُجَ وَقْتُ الْكَرَاهِيَةِ، وَمَنْ يُجَوِّزُ، وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُونَ، قَالَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَتْهُمْ فِيهِ هَذِهِ الْغَفْلَةُ وَالنِّسْيَانُ. وَقَدْ رَوَى أَبَانُ الْعَطَّارُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ هَذِهِ الْغَفْلَةُ». وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لِيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ». قُلْتُ: وَلا أَذَانَ وَلا إِقَامَةَ لِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ سِوَى الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤَذَّنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَيْرِهَا

باب متى يقيم المؤذن ومتى يقوم القوم

بَابُ مَتَى يُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ وَمَتَى يَقُومُ الْقَوْمُ 440 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي خَرَجْتُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ شَيْبَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الإِقَامَةِ عَلَى خُرُوجِ الإِمَامِ، ثُمَّ يُنْتَظَرُ خُرُوجُهُ.

قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «كَانَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ إِذَا دَحَضَتْ، وَلا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمْلَكُ بِالأَذَانِ، وَالإِمَامَ أَمْلَكُ بِالإِقَامَةِ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَنْتَظِرَ النَّاسُ الإِمَامَ وَهُمْ قِيَامٌ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا الإِمَامَ قِيَامًا، وَلَكِنْ قُعُودًا، وَيَقُولُونَ: ذَلِكَ السُّمُودُ، وَالسُّمُودُ: هُوَ الْغَفْلَةُ، وَالذِّهَابُ عَنِ الشَّيْءِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النَّجْم: 61] أَيْ: لاهُونَ سَاهُونَ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا كَانَ الإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ يَقُومُونَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ: مَتَّى يَقُومُ النَّاسُ حِينَ تُقَامُ الصَّلاةُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِحَدٍّ يُقَامُ لَهُ، وَلَكِنْ أَرَى ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الْخَفِيفَ وَالثَّقِيلَ. وَقِيلَ: يَقُومُونَ عِنْدَ قَوْلِهِ: «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ»، فَإِذَا قَامَتِ الصَّلاةُ " كَبَّرَ الإِمَامُ. رُوِيَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: «قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ» كَبَّرَ، فَسُئِلَ عَنْ صَلاتِهِ، فَقَالَ: كَذَا كَانَتْ صَلاةُ عُمَرَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ تُقَامُ فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ،

قَبْلَ أَنْ يَقُومَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَهُ». قُلْتُ: مَعْنَى هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الإِمَامَ إِذَا خَرَجَ يُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ، وَالنَّاسُ يَأْخُذُونَ مَصَافَّهُمْ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ الإِمَامُ إِلَى مُصَلاهُ، فَأَمَّا إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ بِعُذْرٍ بَعْدَ الإِقَامَةِ، فَانْتَظَرُوهُ قِيَامًا إِلَى أَنْ يَعُودَ فَحَسَنٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَانْصَرَفَ، وَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا، وَقَدِ اغْتَسَلَ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ وَصَلَّى. قُلْتُ: هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الإِقَامَةِ عَلَى خُرُوجِ الإِمَامِ، وَأَنَّ الْخُرُوجَ عَنِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الإِقَامَةِ بِعِلَّةِ طَهَارَةٍ أَوْ عُذْرٍ جَائِزٍ، فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ عَنِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الأَذَانِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ مَا أُذِّنَ فِيهِ بِالْعَصْرِ،

فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الإِمَامِ وَدُعَائِهِ إِيَّاهُ إِلَى الصَّلاةِ؟ قَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْرَهُ الأَذَانَ بِالصَّلاةِ لِلْوُلاةِ

باب من لا يسرع بعد الإقامة

بَابُ مَنْ لَا يُسْرِعُ بَعْدَ الإِقَامَةِ 441 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَلَكِنِ ائْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ 442 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا

أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، وَإِسْحَاقَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا، سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ فَلا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَائْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السِّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ حُجْرٍ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ وَقَوْلُهُ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ» أَرَادَ الإِقَامَةَ، وَكُلُّ دَاعٍ مُثَوِّبٌ، قُلْتُ: الْمُرَادُ مِنَ السَّعْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الإِسْرَاعُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْجُمُعَةِ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَة: 9] فَالْمُرَادُ مِنْهُ: الْفِعْلُ. رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَة: 9] قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَؤُهَا «فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ»، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا السَّعْيُ فِي كِتَابِ

اللَّهِ: الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ، لَا السَّعْيُ عَلَى الأَقْدَامِ، يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ} [الْبَقَرَة: 205]، {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [اللَّيْل: 4]، وَالسَّعْيُ قَدْ يَكُونُ مَشْيًا، كَقَوْلِهِ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَة: 9] وَقَدْ يَكُونُ عَدْوًا، كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [الْقَصَص: 20] أَيْ: يَشْتَدُّ وَيَعْدُو، وَيَكُونُ عَمَلا كَقَوْلِهِ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النَّجْم: 39] أَيْ: عَمِلَ، وَيَكُونُ تَصَرُّفًا، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102] أَيْ: أَدْرَكَ التَّصَرُّفَ فِي الأُمُورِ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ يَخَافُ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُسْرِعُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: يُهَرْوِلُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ الإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ، فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ يُهَرْوِلُ إِلَى الْمَسْجِدِ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ الإِسْرَاعَ، وَاخْتَارَ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى وَقَارٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ، لَا بَأْسَ أَنْ يُسْرِعَ إِنْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى. وَقَوْلُهُ: «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» هَكَذَا رَوَى الزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، كَمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَكَذَا رَوَاهُ الأَعْرَجُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَأَنَسٌ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَتِمُّوا». وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ «فَاقْضُوا».

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ مِنْ صَلاةِ إِمَامِهِ هُوَ أَوَّلُ صَلاتِهِ، وَإِنْ كَانَ آخِرَ صَلاةِ الإِمَامِ، لأَنَّ الإِتْمَامَ يَقَعُ عَلَى بَاقِي شَيْءٍ تَقَدَّمَ أَوَّلُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَعَطَاءٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ مُجَاهِدٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، إِلَى أَنَّ الَّذِي أَدْرَكَ آخِرُ صَلاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ بَعْدَهُ أَوَّلُهَا، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا»، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَلَى مَا قُلْنَا. وَمَنْ رَوَى «فَاقْضُوا» فَقَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الأَدَاءِ وَالإِتْمَامِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا} [الْجُمُعَة: 10] وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [الْبَقَرَة: 200] وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ قَضَاءَ شَيْءٍ فَائِتٍ، فَكَذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: «فَاقْضُوا» أَيْ: أَدُّوهُ فِي تَمَامٍ.

باب الكلام بعد الإقامة

بَابُ الْكَلامِ بَعْدَ الإِقَامَةِ 443 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيب، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ الْمُؤَذِّنَ كَانَ يُقِيمُ، فَعَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَحَبَسَهُ حَتَّى نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْحَاجَةِ بَعْدَ الإِقَامَةِ. وَيُرْوَى عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ ثَابِتٍ مَا رَوَيْنَا عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ. وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُقَامُ الصَّلاةُ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا رَآهُمْ قَلِيلا جَلَسَ ثُمَّ صَلَّى، وَإِنْ رَآهُمْ جَمَاعَةً صَلَّى

باب تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة

بَابُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [الْبَقَرَة: 144]. وَسُمِّيَتِ الْقِبْلَةُ قِبْلَةً، لأَنَّ الْمُصَلِّي يُقَابِلُهَا وَتُقَابِلُهُ، يُقَال: أَيْنَ قِبْلَتُكَ؟ أَيْ: جِهَتُكَ. 444 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الْبَقَرَة: 144]، فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ، فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ

الأَنْصَارِ، وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ. فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ 445 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آَتٍ،

فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبَلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ لَا يَلْزَمُ الْمَرْءَ قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إِلَيْهِ، لأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا شَرَعُوا فِي الصَّلاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ النَّسْخِ، لأَنَّ آيَةَ النَّسْخِ نَزَلَتْ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَوَّلُ صَلاةٍ صَلاهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ صَلاةُ الْعَصْرِ، وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ قُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ انْحَرَفُوا وَبَنَوْا عَلَى صَلاتِهِمْ وَلَمْ يُعِيدُوهَا. وَيَسْتَدِلُّ بِهَذَا مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ عَنْ وِكَالَتِهِ بِعَزْلِ الْمُوَكَّلِ

مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْخَبَرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، وَاجْتَهَدَ وَصَلَّى إِلَى جِهَةٍ بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ فِي الصَّلاةِ الثَّانِيَةِ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، يُصَلِّي الصَّلاةَ الثَّانِيَةَ إِلَى الْجِهَةِ الأُخْرَى، حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ بِأَرْبَعِ اجْتِهَادَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ، لَا يَجِبُ إِعَادَتُهَا. وَلَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي خِلالِ الصَّلاةِ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، انْحَرَفَ إِلَيْهَا، وَبَنَى عَلَى صَلاتِهِ. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 115] أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجُوا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَهُمُ الضَّبَابُ، وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَتَحَرَّوا الْقِبْلَةَ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَلَّى إِلَى الْمَشْرِقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَلَّى إِلَى الْمَغْرِبِ، فَلَمَّا قَدِمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 115]، قِيلَ: إِنَّ الْوُجُوهَ كُلَّهَا

لِلَّهِ، فَأَيْنَمَا وُجِّهَ أُمَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَعَبُّدِهَا، فَذَلِكَ الْوَجْهُ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ. أَمَّا إِنْ صَلَّى إِلَى جِهَةٍ بِالاجْتِهَادِ، ثُمَّ بَانَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ إِعَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي خِلالِ الصَّلاةِ، فَفِي جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى بَعْدَ الانْحِرَافِ، فَأَظْهَرَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا صَلَّى، وَيَسْتَأْنِفُ مَا فِيهِ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ صَلاتَهُ جَائِزَةٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ اسْتَدَارُوا، وَبَنَوْا عَلَى صَلاتِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا يُعِيدُ الصَّلاةَ. أَمَّا إِذَا بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُنْحَرِفًا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً، وَالْجِهَةُ وَاحِدَةٌ، فَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ بِالاتِّفَاقِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ بِهِ إِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً عَدْلا، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، فَلا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]

باب قبلة من غاب عن مكة

بَابُ قِبْلَةِ مَنْ غَابَ عَنْ مَكَّةَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [الْبَقَرَة: 144] 446 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، نَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ الأَخْنَسِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا قِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ، لأَنَّهُ وَلَدُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ»، مِنْهُمْ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» هَذَا لأَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُبَارَكِ التَّيَاسُرَ لأَهْلِ مَرْوَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا جَعَلْتَ الْمَغْرِبَ عَنْ يَمِينِكَ، وَالْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِكَ، فَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ إِذَا اسْتَقْبَلْتَ الْقِبْلَةَ. قُلْتُ: أَرَادَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ: مَشْرِقَ الشِّتَاءِ، وَمَغْرِبَ الصَّيْفِ، لأَنَّ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ كَثِيرَةٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج: 40]. فَأَوَّلُ الْمَشَارِقِ مَشْرِقُ الصَّيْفِ، وَهُوَ مَطْلَعُ الشَّمْسِ فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ، وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ مَطْلَعِ السِّمَاكِ الرَّامِحِ يَرْتَفِعُ عَنْهُ فِي الشِّمَالِ قَلِيلا، وَآخِرُ الْمَشَارِقِ مَشْرِقُ الشِّتَاءِ، وَهُوَ مَطْلَعُ الشَّمْسِ فِي

أَقْصَرِ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَطْلَعِ قَلْبِ الْعَقْرَبِ يَنْحَدِرُ عَنْهُ فِي الْجَنُوبِ قَلِيلا. وَأَوَّلُ الْمَغَارِبِ مَغْرِبُ الصَّيْفِ، وَهُوَ مَغِيبُ الْقُرْصِ عِنْدَ مَوْضِعِ غُرُوبِ السِّمَاكِ الرَّامِحِ، وَآخِرُ الْمَغَارِبِ مَغْرِبُ الشِّتَاءِ، وَهُوَ مَغِيبُ الْقُرْصِ عِنْدَ مَغْرِبِ قَلْبِ الْعَقْرَبِ، عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْتُ مَطْلَعَهُ. فَمَنْ جَعَلَ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ أَوَّلَ الْمَغَارِبِ عَنْ يَمِينِهِ، وَآخِرَ الْمَشَارِقِ عَنْ يَسَارِهِ، كَانَ مُسْتَقْبِلا لِلْقِبْلَةِ، وَمَنْ وَقَفَ مِنْ بَيْنَ أَوَّلِ الْمَشَارِقِ وَآخِرِ الْمَغَارِبِ كَانَ مُسْتَقْبِلا لِلشَّامِ، وَتَكُونُ عَيْنُ الشَّمْسِ فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ عَلَى نُقْرَةِ قَفَاكَ إِذَا اسْتَقْبَلْتَ الْقِبْلَةَ، وَيَقَعُ ظِلُّكَ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَيَكُونُ عِنْدَ الزَّوَالِ قَرِيبًا مِنْ نَاصِيَتِكَ، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ عَلَى يَمِينِكَ، وَفِي أَقْصَرِ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ تَكُونُ عِنْدَ الطُّلُوعِ عَلَى يَسَارِكَ، وَعِنْدَ الزَّوَالِ عَلَى عَيْنِكَ الْيُسْرَى، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ عَلَى حَاجِبِكَ الأَيْمَنِ، وَإِذَا اسْتَوَى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي الرَّبِيعِ، أَوِ الْخَرِيفِ، يَكُونُ وَقْتُ الزَّوَالِ عَلَى مُؤَخَّرِ عَيْنِكَ الْيُسْرَى، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ خَارِجَةً عَنْ حَاجِبِكَ الْيُمْنَى، وَهَذَا لأَهْلِ الْمَشْرِقِ خَاصَّةً. وَأَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى الْقِبْلَةِ لأَهْلِ هَذِهِ النَّاحِيَةِ الْقُطْبُ الشَّمَالِيُّ، وَهُوَ نَجْمٌ صَغِيرٌ فِي بَنَاتِ النَّعْشِ الصُّغْرَى بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ، يَدُورُ حَوْلَ بَنَاتِ النَّعْشِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى، فَإِذَا اسْتَقْبَلْتَ الْقِبْلَةَ فِي نَوَاحِي الشَّرْقِ، كَانَ الْقُطْبُ خَلْفَ أُذُنِكَ الْيُمْنَى، وَإِذَا اسْتَدْبَرْتَ، كَانَ عَلَى مُؤَخَّرِ عَيْنِكَ الْيُسْرَى. وَمِنَ الدَّلائِلِ أَيْضًا النَّسْرَانِ إِذَا حَلَّقَا فِي وَسَطِ السَّمَاءِ تَكُونُ الْقِبْلَةُ بَيْنَهُمَا، يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ الْمُصَلِّي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ النَّسْرَ الْوَاقِعَ عَنْ يَمِينِهِ، وَالنَّسْرَ الطَّائِرَ عَنْ يَسَارِهِ.

وَمِنْهَا الْعَيُّوقُ، وَهُوَ كَوْكَبٌ مُضِيءٌ يَطْلُعُ قَبْلَ الثُّرَيَّا بِقَلِيلٍ مِنْ جَانِبِ الشِّمَالِ، فَيَكُونُ وَقْتُ طُلُوعِهِ فِي نُقْرَةِ قَفَا الْمُصَلِّي. وَكَذَا رَأْسُ النَّاقَةِ، وَيُقَالُ لَهُ: الْكَفُّ الْخَضِيبُ، يَكُونُ طُلُوعُهُ قَبْلَ الْعَيُّوقِ فِي نُقْرَةِ قَفَا الْمُصَلِّي، وَالشِّعْرَى الْعَبُورُ، وَهُوَ كَوْكَبٌ مُضِيءٌ أَزْهَرُ، يَكُونُ طُلُوعُهُ عَلَى يَسَارِ الْمُصَلِّي. قُلْتُ: وَالتَّوَجُّهُ إِلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَاجِبٌ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، أَمَّا مَنْ غَابَ عَنْهَا، فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ اتَّفَقَ أَهْلُهَا الْمُسْلِمُونَ عَلَى جِهَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْجِهَةِ فِيهَا، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَيْهَا، وَلَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الانْحِرَافِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً. وَإِنْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ، أَوْ بِلادِ الشِّرْكِ، فَاشْتَبَهَتِ الْقِبْلَةُ عَلَيْهِ، يَجِبُ أَنْ يَجْتَهِدَ، وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ الْقِبْلَةَ بِنَوْعٍ مِنَ الدَّلائِلِ، وَيُصَلِّي إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي أَدَّى إِلَيْهَا اجْتِهَادُهُ، وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 115]. حَكَى الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: فَثَمَّ الْوَجْهُ الَّذِي وَجَّهَكُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ: قِبْلَةُ اللَّهِ. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ إِذَا الْتَبَسَ عَلَيْهِ الأَمْرُ. وَالْمَطْلُوبُ بِالاجْتِهَادِ عَيْنُ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: جِهَتُهَا. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «الْبَيْتُ قِبْلَةٌ لأَهْلِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةٌ لأَهْلِ الْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

باب الصلاة في الكعبة

بَابُ الصَّلاةِ فِي الْكَعْبَةِ 447 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ، وَبِلالُ بْنُ رَبَاحٍ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، وَمَكَثَ فِيهَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلالا حِينَ خَرَجَ، مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ

مَالِكٍ هَكَذَا، وَقَالَ: «عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: «عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ»، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَيَتَوَجَّهُ إِلَى أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ، فَإِنْ تَوَجَّهَ إِلَى الْبَابِ وَالْبَابُ مَرْدُودٌ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا، لَمْ يَجُزْ، إِلا أَنْ تَكُونَ الْعَتَبَةُ مُرْتَفِعَةٌ قَدْرَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ لَا تَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قَدْرَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ الْمَكْتُوبَةُ، وَلا بَأْسَ بِالنَّافِلَةِ. قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلاةِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَرُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَأَلْتُ بِلالا: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فِي الْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ ". وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ الصَّفَّ بَيْنَ السَّوَارِي، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ، فَصَلَّيْنَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ. قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

448 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: «هَذِهِ الْقِبْلَةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَذَهَبَ الْعُلَمَاءُ إِلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ. وَقَوْلُهُ: «هَذِهِ الْقِبْلَةُ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ: أَنَّ أَمْرَ الْقِبْلَةِ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ لَا يُنْسَخُ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَصَلُّوا إِلَى الْكَعْبَةِ أَبَدًا، فَهِيَ قِبْلَتُكُمْ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ عَلَّمَهُمُ السُّنَّةَ فِي مَقَامِ الإِمَامِ وَاسْتِقْبَالِهِ الْقِبْلَةَ مِنْ وَجْهِ الْكَعْبَةِ دُونَ أَرْكَانِهَا وَجَوَانِبِهَا الثَّلاثَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الصَّلاةُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهَا مُجْزِئَةً

باب فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى

بَابُ فَضْلِ الصَّلاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالأَقْصَى 449 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، أَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ». وأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرُّ: اسْمُهُ سَلْمَانُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنُهُ يَرْوِي عَنْهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَ

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنِّي آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ مَسْجِدِي آخِرُ الْمَسَاجِدِ» 450 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا شُعْبَةُ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَزَعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَالَ: سَمِعْتُهُ أَرْبَعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْجَبَتْنِي، قَالَ: " لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ، وَالأَضْحَى، وَلا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَلا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ

451 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قُلْتُ: تَخْصِيصُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ لِمَا أَنَّهَا مَسَاجِدُ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِالاقْتِدَاءِ بِهِمْ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الْأَنْعَام: 90] وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَيُصَلِّيَ فِيهِ، فَإِنْ صَلَّى فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ، لَا يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ سِوَاهَا، لَا يَتَعَيَّنُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ يَشَاءُ. 452 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلا شَكٍّ 453 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قِيلَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الصَّلاةَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالذِّكْرَ فِيهِ يُؤَدِّي إِلَى رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ لَزِمَ الْعِبَادَةَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ يُسْقَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْحَوْضِ، هَذَا كَمَا جَاءَ: «عَائِدُ الْمَرِيضِ عَلَى مَخَارِفِ الْجَنَّةِ»، يَعْنِي: عِيَادَةُ الْمَرِيضِ تُؤَدِّيهِ إِلَيْهَا، وَكَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ» يُرِيدُ أَنَّ الْجِهَادَ يُؤَدِّيهِ إِلَى الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ: مَا بَيْنَ مِنْبَرِهِ وَبَيْتِهِ حِذَاءُ رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «مِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ» أَيْ: حِذَاءُ تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 454 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ أَبُو أَحْمَدَ، أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا مُحَمَّدُ

بْنُ عَمْرٍو، ح. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْبَرِي هَذَا عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: التُّرْعَةُ: الرَّوْضَةُ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ خَاصَّةً، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ فَهِيَ رَوْضَةٌ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَالتُّرْعَةُ: الدَّرَجَةُ، وَيُرْوَى: «إِنَّ قَدَمِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْحَوْضِ». قَالَ الأَزْهَرِيُّ: تُرْعَةُ الْحَوْضِ: مَفْتَحُ الْمَاءِ إِلَيْهِ، يُقَالُ: أَتْرَعْتُ الْحَوْضَ: إِذَا مَلَأْتُهُ. 455 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أُنَيْسِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: امْتَرَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي خُدْرَةَ،

وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ الْخُدْرِيُّ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «هُوَ هَذَا» يَعْنِي مَسْجِدَهُ «وَفِي ذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

باب المسجد الأقصى

بَابُ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى 456 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا النُّفَيْلِيُّ، نَا مِسْكِينٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: «إِيتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ»، وَكَانَتِ الْبِلادُ إِذْ ذَاكَ حَرْبًا، «فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ، فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ»

باب مسجد قباء

بَابُ مَسْجِدِ قُبَاءَ 457 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَزَادَ نَافِعُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ» 458 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ «يَأْتِي قُبَاءَ مَاشِيًا وَرَاكِبًا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ 459 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالا: نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو الأَبْرَدِ مَوْلَى بَنِي خَطْمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الصَّلاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ».

وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَالَ أَبُو عِيسَى: وَلا نَعْرِفُ لِأُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ شَيْئًا يَصِحُّ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ. وَأَبُو الأَبْرَدِ: اسْمُهُ زِيَادٌ مَدَنِيٌّ

باب فضل المساجد

بَابُ فَضْلِ الْمَسَاجِدِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الْجِنّ: 18] 460 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبُو ضَمْرَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ، مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا»، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّحَّاكِيُّ، أَنا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَخْتُوَيْهِ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، أَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ أَبِي ضَمْرَةَ

باب ثواب من بنى مسجدا

بَابُ ثَوَابِ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا 461 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، أَرَادَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ، فَكَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ، وَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعَهُ، قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا، بَنَى اللَّهُ لَهُ كَهَيْأَتِهِ فِي الْجَنَّةِ»، وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجِرْدِيُّ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: «بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عُثْمَانَ

462 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيب، نَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 463 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا ابْنُ دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ»، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا، كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.

وَالْمُرَادُ مِنَ التَّشْيِيدِ: رَفْعُ الْبِنَاءِ وَتَطْوِيلُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النِّسَاء: 78]، وَهِيَ الَّتِي طُوِّلَ بِنَاؤُهَا، يُقَالُ: شَادَ الرَّجُلُ بِنَاءَهُ يَشِيدُهُ، وَشَيَّدَهُ يُشَيِّدُهُ، وَقِيلَ: الْبُرُوجُ الْمُشَيَّدَةُ: الْحُصُونُ الْمُجَصَّصَةُ، وَالشِّيدُ: الْجِصُّ. وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ، وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ وَتُصَفِّرَ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ. وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى أَتْرُجَّةً مِنْ جِصٍّ مُعَلَّقَةً فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ. وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ، وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ، فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ. قُلْتُ: لَعَلَّ الَّذِي كَرِهَ مِنْهُ الصَّحَابَةُ هَذَا، وَلا يَجُوزُ تَنْقِيشُ الْمَسَاجِدِ بِمَا لَا إِحْكَامَ فِيهِ.

وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى»، مَعْنَاهُ: أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، إِنَّمَا زَخْرَفُوا الْمَسَاجِدَ عِنْدَمَا حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا أَمْرَ دِينِهِمْ، وَأَنْتُمْ تَصِيرُونَ إِلَى مِثْلِ حَالِهِمْ، وَسَيَصِيرُ أَمْرُكُمْ إِلَى الْمَرَاءَاتِ بِالْمَسَاجِدِ، وَالْمُبَاهَاةِ بِتَشْيِيدِهَا وَتَزْيِينِهَا. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِذَا حَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ، وَزَوَّقْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ، فَالدَّمَارُ عَلَيْكُمْ. 464 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ» 465 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، أَنْ يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ»

466 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ زَنْجُوَيْهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ اللَّبَّادُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقُشَيْرِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ النَّضْرِيُّ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبُعِيُّ، نَا صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ، قَالَ: قَالَ أَبُو قِلابَةَ: غَدَوْنَا مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَى الزَّاوِيَةِ، فَحَضَرَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ، فَمَرَرْنَا بِمَسْجِدٍ، فَقَالَ أَنَسٌ: لَوْ صَلَّيْنَا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: حَتَّى نَأْتِيَ الْمَسْجِدَ الآخَرَ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَيُّ مَسْجِدٍ؟ قَالُوا: مَسْجِدًا أُحْدِثَ الآنَ، فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَيَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلا يَعْمُرُونَهَا إِلا قَلِيلا»

باب فضل إتيان المساجد

بَابُ فَضْلِ إِتْيَانِ الْمَسَاجِدِ 467 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، كُلَّمَا غَدَا وَرَاحَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ 468 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ،

عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ، فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي، ثُمَّ يَنَامُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ 469 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ مَلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَرَادَتْ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْرَى الْمَدِينَةُ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ، أَلا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ»، فَأَقَامُوا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، عَنِ الْفَزَارِيِّ.

وَرَوَاهُ جَابِرٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبُ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبُ آثَارُكُمْ» قَوْلُهُ: تَعْرَى الْمَدِينَةُ، أَيْ: تَصِيرُ دُورُهُمْ عَرَاءً، وَالْعَرَاءُ: الْفَضَاءُ مِنَ الأَرْضِ، وَآثَارُهُمْ: خُطَاهُمْ. 470 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى،

عَنْ مَالِكٍ، هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلا شَكٍّ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: «يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ» مَعْنَاهُ: إِدْخَالُهُ إِيَّاهُمْ فِي رَحْمَتِهِ وَرِعَايَتِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ ظِلُّ الْعَرْشِ. وَرُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ». وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ، أَنَّهُ قَالَ: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ مَعَ السَّبْعَةِ، فِي ظِلِّ عَرْشِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، يَعْنِي: مَعَ هَؤُلاءِ السَّبْعَةِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ.

471 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، نَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلا الصَّلاةُ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ

أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ: " وَالْمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ " 472 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَشَى إِلَى صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ مَشَى إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يُنْصِبُهُ إِلا إِيَّاهُ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلاةٌ عَلَى إِثْرِ صَلاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ». وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَبُو تَوْبَةَ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ بِهَذَا قَوْلُهُ: «إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى» يُرِيدُ: صَلاةُ الضُّحَى، وَكُلُّ صَلاةٍ يُتَطَوَّعُ بِهَا، فَهِيَ تَسْبِيحٌ وَسُبْحَةٌ.

وَقَوْلُهُ: «لَا يُنْصِبُهُ» أَيْ: لَا يُتْعِبُهُ، وَلا يُزْعِجُهُ إِلا ذَلِكَ، وَأَصْلُهُ مِنَ النَّصَبِ، وَهُوَ مُعَانَاةُ الْمَشَقَّةِ 473 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، نَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، أَنا إِسْمَاعِيلُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْكَحَّالُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَرَوْنَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ مُوجِبَةً 474 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي

أَبُو قَبِيلٍ، عَنْ أَبِي عُشَّانَةَ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ، كَتَبَ لَهُ كَاتِبُهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَالْقَاعِدُ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ كَالْقَانِتِ، وَيُكْتَبُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ» قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «مَنْ رَأَى أَنَّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَ فِي صَلاةٍ إِلا مَنْ كَانَ قَائِمًا يُصَلِّي، فَإِنَّهُ لَمْ يَفْقَهْ».

رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ حُكَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَسَأَلَهُ أَبِي: أَحُضُورُ الْجِنَازَةِ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَمِ الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُقْبَرَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ أَحَبُّ إِلَيَّ، تُسَبِّحُ اللَّهَ، وَتُهَلِّلُهُ، وَتَسْتَغْفِرُهُ، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَقُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنَ الْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ.

باب الهدي في المشي إلى الصلاة

بَابُ الْهَدْيِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ 475 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُمْ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبُو ثُمَامَةَ الْحَنَّاطُ، أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَوَجَدَنِي وَأَنَا مُشَبِّكٌ بِيَدَيَّ، فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَلا يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ». رَوَاهُ أَبُو عِيسَى، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ كَعْبٍ

باب

بَابٌ 476 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا رَجَاءُ بْنُ الْمُرَجَّى، نَا أَبُو هَمَّامٍ، نَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَ طَوَاغِيَتُهُمْ»

باب الحصى في المسجد وكنسه

بَابُ الْحَصَى فِي الْمَسْجِدِ وَكَنْسِهِ 477 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا سَهْلُ بْنُ تَمَّامِ بْنِ يَزِيعَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، قَالَ: " سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ الْحَصَى الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: مُطِرْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ مُبْتَلَّةً، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْحَصَى فِي ثَوْبِهِ، فَيَبْسُطُهُ تَحْتَهُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ، قَالَ: «مَا أَحْسَنَ هَذَا» 478 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو بَكْرٍ، نَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، نَا شَرِيكٌ، نَا أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ أَبُو بَدْرٍ: أُرَاهُ قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ: «إِنَّ الْحَصَى لَتُنَاشِدُ الَّذِي يُخْرِجُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ» 479 - وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ الْخَزَّازُ، نَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي، حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا»

باب تحية المسجد

بَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ 480 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ السَّامِرِيُّ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السُّلَمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ قُلْتُ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ وَلا يُصَلِّي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ

باب ما يقول إذا دخل المسجد

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ 481 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ جَدَّتِهَا فَاطِمَةَ الْكُبْرَى، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ»، وَإِذَا خَرَجَ، صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ»

قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ فَاطِمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ لَمْ تُدْرِكْ فَاطِمَةَ الْكُبْرَى. قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَأَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ «. وَفِي رِوَايَةٍ» إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ".

باب فضل القعود في المسجد لانتظار الصلاة

بَابُ فَضْلِ الْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ لانْتِظَارِ الصَّلاةِ 482 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، فَتَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ "، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَلا يَمْنَعُهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلا انْتِظَارُهَا». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا، وَقَالَ: «

مَا دَامَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ، وَلا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلا الصَّلاةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 484 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَنَا فِي الاخْتِصَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَصَى وَلا اخْتَصَى، إِنَّ خِصَاءَ أُمَّتِي الصِّيَامُ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لَنَا فِي السِّيَاحَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لَنَا فِي التَّرَهُّبِ، فَقَالَ: «

إِنَّ تَرَهُّبَ أُمَّتِي الْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ انْتِظَارَ الصَّلاةِ» وَيُرْوَى «لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الإِسْلامِ»، وَذَلِكَ مِثْلُ الاخْتِصَاءِ، وَاعْتِنَاقِ السَّلاسِلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا كَانَتِ الرَّهْبَانِيَّةُ تَتَكَلَّفُهُ وَتَبْتَدِعُهُ، وُضِعَتْ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ.

باب كراهية البيع والشراء في المسجد

بَابُ كَرَاهِيَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ 485 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَنِ الْبَيْعِ وَالاشْتِرَاءِ فِيهِ، وَأَنْ يَتَحَلَّقَ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ» وَزَادَ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ: «وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ، وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ الشِّعْرُ»، قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَذَكَرَ غَيْرَهُمَا، يَحْتَجُّونَ

بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَقَدْ سَمِعَ شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ التَّابِعِينَ، وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: عَلَيْكَ بِسُوقِ الدُّنْيَا، فَإِنَّمَا هَذَا سُوقُ الآخِرَةِ. وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: بَنَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَحْبَةً إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ سَمَّاهَا الْبُطَيْحَاءَ، وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْغَطَ، أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا، أَوْ يَرْفَعَ صَوْتًا، فَلْيَخْرُجْ إِلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ.

وَقَدْ وَرَدَتِ الرُّخْصَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ الْحَسَنِ فِي الْمَسْجِدِ، رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ، وَحَسَّانُ يُنْشِدُ الشِّعْرَ، فَقَالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ»؟ قَالَ: نَعَمْ. وَفِي الْحَدِيثِ كَرَاهِيَةُ التَّحَلُّقِ وَالاجْتِمَاعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ، لِمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ، بَلْ يَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ، وَالصَّلاةِ، وَالإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ، ثُمَّ لَا بَأْسَ بِالاجْتِمَاعِ وَالتَّحَلُّقِ بَعْدَ الصَّلاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا طَلَبُ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِغَيْرِ الذِّكْرِ، فَمَكْرُوهٌ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَمِعَ رَجُلا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ".

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ". وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ، قَالَ لِرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ؟!». وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ سَمِعَ صَوْتَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟!». قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَيَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ أَمْرٍ لَمْ يُبْنَ لَهُ الْمَسْجِدُ، مِنْ أُمُورِ مُعَامَلاتِ النَّاسِ، وَاقْتِضَاءِ حُقُوقِهِمْ، وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَرَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَى السَّائِلِ الْمُتَعَرِّضُ فِي الْمَسْجِدِ.

وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ. قَالَ عُمَرُ فِيمَنْ لَزِمَهُ حَدٌّ: أَخْرِجَاهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ. وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: إِنَّ الْمَسَاجِدَ طُهِّرْتَ مِنْ خَمْسٍ: مِنْ أَنْ تُقَامَ فِيهَا الْحُدُودُ، أَوْ يَقْتَصُّ فِيهَا الْجِرَاحُ، أَوْ يُنْطَقَ فِيهَا بِالأَشْعَارِ، أَوْ يُنْشَدُ فِيهَا الضَّالَّةُ، أَوْ تُتَّخَذَ سُوقًا. وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بِالْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ بَأْسًا، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلانِيِّ وَامْرَأَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلاعَنَ عُمَرُ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَضَى شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ فِي الْمَسْجِدِ. وَكَانَ الْحَسَنُ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى يَقْضِيَانِ فِي الرَّحْبَةِ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ.

باب النوم في المسجد

بَابُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ 486 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ مَا لَا يُحْصَى، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَجَاءَ النَّاسُ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الاتِّكَاءِ، وَالاضْطِجَاعِ، وَأَنْوَاعِ الاسْتِرَاحَةِ فِي

الْمَسْجِدِ جَوَازَهَا فِي الْبَيْتِ إِلا الانْبِطَاحَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ، وَقَالَ: «إِنَّهَا ضِجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ». قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «نَهَى عَنْ أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ»، قُلْتُ: مَوْضِعُ النَّهْيِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ يَنْصِبُ الرَّجُلُ رُكْبَتَهُ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهَا رِجْلَهُ الأُخْرَى وَلا إِزَارَ عَلَيْهِ، أَوْ إِزَارُهُ ضَيِّقٌ، يَنْكَشِفُ مَعَهُ بَعْضُ عَوْرَتِهِ، فَإِنْ كَانَ الإِزَارُ سَابِغًا بِحَيْثُ لَا تَبْدُو مِنْهُ عَوْرَتُهُ فَلا بَأْسَ. 487 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدِّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ «يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَهُ، فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَتَّخِذُوهُ مَبِيتًا وَمَقِيلا، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا.

باب كراهية البزاق في المسجد ونحو القبلة

بَابُ كَرَاهِيَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوَ الْقِبْلَةِ 488 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ 489 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ السَّدُوسِيُّ، حَدَّثَنِي الْمَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، نَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ،

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ» .. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ قُلْتُ: وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنَ النُّخَاعَةِ، كَمَا تَنْزَوِي الْجِلْدَةُ فِي النَّارِ»، أَيْ: يَنْضَمُّ وَيَنْقَبِضُ، قِيلَ: أَرَادَ أَهْلَ الْمَسْجِدِ، وَهُمُ الْمَلائِكَةُ. 490 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاةِ، فَلا يَبْسُقُ أَمَامَهُ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ

فِي مُصَلاهُ، وَلا عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا، وَلَكِنْ لِيَسْبُقْ عَنْ شِمَالِهِ، أَوْ تَحْتَ رِجْلِهِ فَيَدْفِنْهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 491 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ، وَقَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاتِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَلا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ فِي قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتِ قَدَمِهِ»، قَالَ: ثُمَّ " أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَقَالَ: أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ قَوْلُهُ: «أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَقْصِدُ رَبَّهُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَيَصِيرُ بِالتَّقْدِيرِ، كَأَنَّ مَقْصُودَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَأَمَرَ أَنْ تُصَانَ تِلْكَ الْجِهَةُ عَنِ الْبُزَاقِ. قَوْلُهُ: «وَلا عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا» فَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ لَمْ يَبْزُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَيْضًا، وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ، أَوْ فِي ثَوْبِهِ ". 492 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا بَزَقَ أَحَدُكُمْ فَلا يَبْزُقْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلا عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْزُقْ عَنْ شِمَالِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى». صَحِيحٌ

493 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيب، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبْصَرَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً، فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ " نَهَى أَنْ يَبْصُقَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ: يَبْصُقُ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 494 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ، فَحَكَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

باب من أكل الثوم فلا يقرب المسجد

بَابُ مِنْ أَكَلَ الثَّوْمَ فَلا يَقْرَبُ الْمَسْجِدَ 495 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ، يَعْنِي الثُّومَ، فَلا يُؤْذِينَا فِي مَسْجِدِنَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ 93، وَابْنِ عُمَرَ 93.

وَعَنْ جَابِرٍ 93، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ، فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ» قُلْتُ: جَعَلَ الثَّوْمَ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَالشَّجَرُ عِنْدَ الْعَامَّةِ: مَا لَهُ سَاقٌ وَأَغْصَانٌ، وَمَا لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ، فَهُوَ نَجْمٌ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرَّحْمَن: 6]. وَحَقِيقَةُ اللُّغَةِ: أَنَّ مَا يَبْقَى أَصْلُهُ فِي الأَرْضِ، يُخْلِفُ إِذَا قُطِعَ، وَيَنْبُتُ فِي الصَّيْفِ مَا يَبِسَ فِي الشِّتَاءِ، فَهُوَ شَجَرٌ، فَالْقُطْنُ شَجَرٌ، لأَنَّهُ يَبْقَى سِنِينَ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ، وَكَذَلِكَ الْبَاذِنْجَانُ، وَمَا لَا يَبْقَى لَهُ أَصْلٌ يَنْبُتُ بَعْدَ مَا يَبِسَ، فَهُوَ نَجْمٌ كَالْيَقْطِينِ وَالرَّيْحَانِ، وَفِي الْيَمِينِ يُرَاعَى مَا يَتَعَارَفُهُ الْعَامَّةُ.

496 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ زَعَمَ عَطَاءٌ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلا فَلْيَعْتَزِلْنَا»، أَوْ قَالَ: «فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، أَوْ لِيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ»، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خُضَرٌ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ، فَقَالَ: «قَرِّبُوهَا» إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ

كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ: «كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ وَيُرْوَى: أُتِيَ بِبَدْرٍ فِيهِ خُضَرٌ، أَيْ: بِطَبَقٍ شُبِّهَ بِالْبَدْرِ فِي اسْتِدَارَتِهِ. قُلْتُ: عَدَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَكْلَ الثُّومِ مِنَ الأَعْذَارِ الَّتِي تُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ، كَالْمَطَرِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إِنَّمَا أَمْرُهُ بِاعْتِزَالِ الْمَسْجِدِ زَجْرًا لَهُ عَنْ تَنَاوُلِهِ حَالَةَ يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى حُضُورِ الْجَمَاعَةِ، لِكَيْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ.

باب الصلاة على المنبر

بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ 497 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، نَا أَبُو حَازِمٍ، سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ الْمِنْبَرُ؟ فَقَالَ: «مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي، هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ، عَمِلَهُ فُلانٌ مَوْلَى فُلانَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عُمِلَ، وَوُضِعَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، كَبَّرَ، وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ وَرَكَعَ، فَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالأَرْضِ، فَهَذَا شَأْنُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ

وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتِي». وَالأَثْلُ: الطَّرْفَاءُ، وَالْغَابَةُ: الْغَيْضَةُ، وَجَمْعُهَا غَابَاتٌ وَغَابٌ. قُلْتُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ، مِنْهَا أَنَّ الإِمَامَ إِذَا كَانَ أَرْفَعَ مِنَ الْمَأْمُومِ فِي الْمَوْقِفِ لَا يُكْرَهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَكَرِهَ قَوْمٌ ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَّ النَّاسَ بِالْمَدَائِنِ عَلَى دُكَّانٍ، فَأَخَذَهُ أَبُو مَسْعُودٍ

بِقَمِيصِهِ فَجَبَذَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ، قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: بَلَى قَدْ ذَكَرْتُ حِينَ مَدَدْتَنِي. وَمِنْ فَوَائِدِ حَدِيثِ سَهْلٍ، أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ وَإِنْ كَانَ قَصْدًا، فَقَدْ صَحَّ الأَمْرُ بِدَفْعِ الْمَارِّ، وَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ، وَكَانَ مِنْبَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرْقَاتَيْنِ، فَنُزُولُهُ وَصُعُودُهُ خُطْوَتَانِ، وَذَلِكَ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ، وَإِنَّمَا نَزَلَ الْقَهْقَرَى لِئَلا

يُوَلِّيَ الْكَعْبَةَ ظَهْرَهُ، أَمَّا إِذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الْخُطْبَةِ، وَأَرَادَ النُّزُولَ لِلسُّجُودِ، جَازَ، وَنَزَلَ مُقْبِلا عَلَى النَّاسِ، وَفَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ وَمَرَّ فِي خُطْبَتِهِ، جَازَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَنْزِلُ وَيَسْجُدُ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْزِلُ وَيَمُرُّ فِي خُطْبَتِهِ

باب المساجد في البيوت وتنظيفها

بَابُ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَتَنْظِيفِهَا 498 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ الْبَابَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، زَعَمَ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ، قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ يَقُولُ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، قَالَ: فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ

يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ»، فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ، فَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صُنِعَ لَهُ، فَسَمِعَ بِهِ أَهْلُ الدَّارِ، فَثَابُوا حَتَّى امْتَلأَ الْبَيْتُ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ؟ قَالَ رَجُلٌ مِنَّا: ذَلِكَ رَجُلٌ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا تَقُولُونَهُ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ "، قَالَ: أَمَّا نَحْنُ، فَنَرَى وَجْهَهُ وَحَدِيثَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا: " أَلا تَقُولُونَهُ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟ "، قَالَ: بَلَى أُرِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَنْ يُوَافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ "، قَالَ مَحْمُودٌ: فَحَدَّثْتُ قَوْمًا فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا مَعَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَقَالَ: مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا قُلْتَ قَطُّ، فَكَبُرَ ذَلِكَ

عَلَيَّ، فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ حَتَّى أَقْفُلَ مِنْ غَزْوَتِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ إِنْ وَجَدْتُهُ، فَأَهْلَلْتُ مِنْ إِيلْيَاءَ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ بَنِي سَالِمٍ، فَإِذَا عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ شَيْخٌ كَبِيرٌ، قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَهُوَ إِمَامُ قَوْمِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ مِنْ صَلاتِهِ، جِئْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا، فَحَدَّثَنِي بِهِ، كَمَا حَدَّثَنِي بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ " قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَكِنَّا لَا نَدْرِي أَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ مُوجِبَاتُ الْفَرَائِضِ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الَّتِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَائِضَ فِي كِتَابِهِ، فَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ قَدْ صَارَ إِلَيْهَا، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَغْتَرَّ فَلا يَغْتَرَّ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

يُقَالُ: الْخَزِيرَةُ بِالْخَاءِ وَالزَّاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ مِنَ النُّخَالَةِ، وَالْحَرِيرَةِ غَيْرِ الْمُعْجَمَتَيْنِ مِنَ اللَّبَنِ وَالدَّقِيقِ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: ذُرِّي وَأَنَا أَحِرُّ لَكِ، يَقُولُ: ذُرِّي الدَّقِيقَ لأَتَّخِذَ لَكِ حَرِيرَةً، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الْخَزِيرَةُ: لَحْمٌ يُقَطَّعُ صِغَارًا، وَيُصَبُّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ، فَإِذَا نَضِجَ ذُرَّ عَلَيْهِ الدَّقِيقُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا لَحْمٌ، فَهِيَ عَصِيدَةٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ، أَنَّهَا جَعَلَتْ لَهُ خَطِيفَةً، وَالْخَطِيفَةُ: لَبَنٌ يُذَرُّ عَلَيْهِ دَقِيقٌ، فَيُطْبَخُ فَيَلْعَقُهَا النَّاسُ وَيَخْتَطِفُونَهَا. قَوْلُهُ: فَسَمِعَ بِهِ أَهْلُ الدَّارِ، يُرِيدُ: أَهْلَ الْمَحَلَّةِ، كَمَا قَالَ: «خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ»، وَكَمَا جَاءَ: أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، يُرِيدُ الْمَحَالَّ الَّتِي فِيهَا الدُّورُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [الْأَعْرَاف: 145].

وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَأَخِّي الصَّلاةِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ، فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ. وَفِيهِ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي اتَّخَذَهُ فِي بَيْتِهِ مُصَلًّى لَا يَخْرُجُ عَنْ مُلْكِهِ، وَفِيهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ إِيطَانِ الرَّجُلِ مَكَانًا يُصَلِّي فِيهِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَسَاجِدِ دُونَ الْبُيُوتِ. قُلْتُ: وَقَدِ احْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ.

قَوْلُهُ: مَجَّهَا، أَيْ: صَبَّهَا، وَلا يَكُونُ مَجًّا حَتَّى يُبَاعِدَ بِهِ. 499 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْبَغْدَادِيُّ، نَا عَامِرُ بْنُ صَالِحٍ الزُّبَيْرِيُّ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ». وَرَوَاهُ عَبْدَةُ، وَوَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلا، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَهَذَا أَصَحُّ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، مُنْقَطِعًا قَالَ سُفْيَانُ: «تُبْنَى الْمَسَاجِدُ فِي الدُّورِ» يَعْنِي فِي الْقَبَائِلِ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَكَانَ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا بِالتَّسْمِيَةِ، حَتَّى يُسَبِّلَهُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ صَارَ مَسْجِدًا لَزَالَ عَنْهُ مُلْكُ الْمَالِكِ. 500 - أَخْبَرَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا أَبُو خَلِيفَةَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُزْرِمُوهُ»، ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنَ الْقَذَرِ، وَالْبَوْلِ، وَالْخَلاءِ، وَإِنَّمَا هِيَ

لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّلاةِ»، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَنَّهُ عَلَيْهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ الْحَنَفِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَوْلُهُ: «لَا تُزْرِمُوهُ» أَيْ: لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ. وَقَوْلُهُ: «سَنَّهُ عَلَيْهِ» أَيْ: صَبَّهُ عَلَيْهِ

باب الصلاة في مرابض الغنم وأعطان الإبل

بَابُ الصَّلاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَأَعْطَانِ الإِبِلِ 501 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، أَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ 502 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ

هِشَامِ بْنِ مَلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا حَرْمَلَةُ الْجُهَنِيُّ، حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ رَبِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلُّوا فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ، وَلا تُصَلُّوا فِي مُرَاحِ الإِبِلِ»، وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلاةِ ابْنَ سَبْعٍ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ»، وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَتِرُوا فِي صَلاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ»، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَحَرْمَلَةُ: هُوَ حَرْمَلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيُّ، وَعَمُّهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، يَرْوِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ. 503 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّ أَيْضًا، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالأَعْطَانُ: جَمْعُ الْعَطَنِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ تُنَحَّى إِلَيْهِ الإِبِلِ بِقُرْبِ الْبِئْرِ لِيَرِدَ غَيْرُهَا الْمَاءَ. وَالْمُرَاحُ: الْمَكَانُ الَّذِي تَبِيتُ فِيهِ، يُقَالُ: عَطَنَتِ الإِبِلُ، فَهِيَ عَاطِنَةُ، وَعَوَاطِنُ: إِذَا بَرَكَتْ عِنْدَ الْحِيَاضِ لِتُعَادَ إِلَى الشُّرْبِ مَرَّةً أُخْرَى، وَأَعْطَنْتُهَا أَنَا. قُلْتُ: وَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلاةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ لِمَا فِيهَا مِنَ النِّفَارِ، فَلا يُؤْمَنُ أَنْ تَنْفِرَ فَتَشْغَلَ قَلْبَ الْمُصَلِّي، أَوْ تُفْسِدَ عَلَيْهِ صَلاتَهُ، فَلَوْ صَلَّى وَالْمَكَانُ طَاهِرٌ تَصِحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. 504 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ كُرَيْزٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَدْرَكْتُمُ الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ، فَصَلُّوا فِيهَا، فَإِنَّهَا سَكِينَةٌ وَبَرَكَةٌ، وَإِذَا أَدْرَكْتُمُ الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ فِي أَعْطَانِ

الإِبِلِ، فَاخْرُجُوا مِنْهَا، فَصَلُّوا، فَإِنَّهَا جِنٌّ مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ، أَلا تَرَوْنَهَا إِذَا نَفَرَتْ كَيْفَ تَشْمَخُ بِأَنْفِهَا» وَقَالَ نَافِعٌ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ. قُلْتُ: وَذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى أَنَّ صَلاتَهُ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ لَا تَصِحُّ قَوْلا وَاحِدًا، لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالصَّلاةِ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ أَبْوَالُ الإِبِلِ، مَا لَمْ يَكُنْ مَعَاطِنَ، لأَنَّ النَّهْيَ قَدْ جَاءَ فِي الْمَعَاطِنِ، وَلَمْ يَرَ هَؤُلاءِ بِالصَّلاةِ فِي مُرَاحِ الْبَقَرِ بَأْسًا كَالْغَنَمِ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ.

وَأَمَرَ الصَّبِيَّ بِالصَّلاة ابْنَ سَبْعٍ حَتَّى يَعْتَادَ، فَإِذَا بَلَغَ عَشْرًا يُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهَا، لأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فِي هَذِهِ السِّنِّ، وَيَحْتَمِلُ الْبُلُوغَ فِيهَا، بِالاحْتِلامِ وَالْحَيْضِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: مَا تَرَكَ الْغُلامُ بَعْدَ الْعَشْرِ مِنَ الصَّلاةِ يُعِيدُ. 505 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ سَوَّارٍ أَبِي حَمْزَةَ، قَال أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ سَوَّارُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو حَمْزَةَ الْمُزَنِيُّ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».

وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ أبُو دَاوُدَ: نَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ سَوَّارٍ الْمُزَنِيُّ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، وَزَادَ «وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلا يَنْظُرُ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهِمَ وَكِيعٌ فِي اسْمِهِ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ سَوَّارُ بْنُ دَاوُدَ الصَّيْرَفِيُّ قُلْتُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلاةَ الصَّبِيِّ بَعْدَ مَا عَقَلَ صَحِيحَةٌ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِحَّةِ إِسْلامِهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِسْلامُهُ، كَمَا لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ وَعُقُودِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى صِحَّةِ إِسْلامِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالُوا: لَوِ ارْتَدَّ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ. وَلَوْ أَدَّى الْفَرْضَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ بَلَغَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الإِعَادَةِ عَلَيْهِ، فَأَوْجَبَ بَعْضُهُمُ الإِعَادَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلَمْ يُوجِبْ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَى الْآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ أَنْ يُؤَدِّبُوا أَوْلادَهُمْ، وَيُعَلِّمُوهُمُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلاةَ، وَيَضْرِبُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذَا عَقَلُوا، فَمَنِ احْتَلَمَ، أَوْ حَاضَ، أَوِ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، لَزِمَهُ الْفَرْضُ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَيَّدَ عِكْرِمَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْفَرَائِضِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَدِّبِ ابْنَكَ، فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ مَاذَا عَلَّمْتَهُ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ. قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيم: 6] وَفِي تَعْلِيمِهِمْ أَحْكَامَ الدِّينِ، وَشَرَائِعَ الإِسْلامِ قِيَامٌ بِحِفْظِهِمْ عَنْ عَذَابِ النَّارِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، وَأَثْنَى عَلَى إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهِ، فَقَالَ: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مَرْيَم: 55]. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالأَهْلِ: جَمِيعَ أُمَّتِهِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ نَبِيٍّ أُمَّتُهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيم: 6] قَالَ: عَلِّمُوهُمْ، أَدِّبُوهُمْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُعَلِّمُوا أَبْنَاءَهُمُ الْقُرْآنَ حَتَّى يَعْقِلُوا ذَاكَ.

باب المواضع التي نهي عن الصلاة فيها

بَابُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلاةِ فِيهَا 506 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَأَبُو عَمَّارٍ، قَالا: نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ، إِلا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ». وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ

507 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا الْمُقْرِئُ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَلِكَ الْقَوِيَّ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ

قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّلاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ، فَرُوِيَتِ الْكَرَاهِيَةُ فِيهِمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَتِ التُّرْبَةُ طَاهِرَةً وَالْمَكَانُ نَظِيفًا، وَقَالُوا: قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاتِكُمْ، وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْقَبْرِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّلاةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الصَّلاةَ فِيهَا جَائِزَةٌ، إِذَا صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَظِيفٍ مِنْهُ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: الْقَبْرَ الْقَبْرَ. وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ، وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ صَلَّى فِي الْمَقَابِرِ. وَعَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ بِالصَّلاةِ فِي الْمَقَابِرِ. وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ هُوَ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَمْرِ الْحَمَّامِ قَذَارَةُ الْمَكَانِ، وَمِنْ أَمْرِ الْمَقَابِرِ اخْتِلاطُ تُرْبَتِهَا بِصَدِيدِ الْمَوْتَى وَلُحُومِهَا، فَالنَّهْي لِنَجَاسَةِ

الْمَكَانِ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ طَاهِرًا فَلا بَأْسَ. قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ، فَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلاةِ فِيهَا لِنَجَاسَتِهَا، وَفِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ اخْتِلافَ الْمَارَّةِ يَشْغَلُهُ عَنِ الصَّلاةِ. وَأَمَّا فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ، فَلا تَصِحُّ صَلاتُهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ شَيْءٌ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْبِنَاءِ قَدْرُ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ تَجُوزُ، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ مُتَوَجِّهًا إِلَى هَوَاءِ الْبَيْتِ يَجُوزُ. وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ الصَّلاةَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إِذَا كَانَ الْمَكَانُ طَاهِرًا بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا». وَيُقَالُ: حَدِيثُ جَابِرٍ إِنَّمَا سِيقَ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ، حَيْثُ رُخِّصَ لَهُمْ فِي الطّهُورِ بِالأَرْضِ، وَالصَّلاةِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَمْ تُبْنَ لِلصَّلاةِ مِنْ بِقَاعِهَا، وَكَانَتِ الأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا يُصَلُّونَ إِلا فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ، فَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا التَّخْصِيصُ. وَلَوْ بَنَى مَسْجِدًا فِي الطَّرِيقِ، بِحَيْثُ لَا يُضِرُّ بِالنَّاسِ، فَلا بَأْسَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَأَيُّوبُ، وَمَالِكٌ، قَالَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ.

وَلا بَأْسَ بِالصَّلاةِ فِي الْبِيَعِ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلا بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا تَمَاثِيلُ، خَرَجَ فَصَلَّى فِي الْمَطَرِ. وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَهُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّورَةُ. وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَكْرَهُ الصَّلاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ. وَلَوْ صَلَّى فِي مَكَانٍ وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ، فَجَائِزٌ إِذَا كَانَ مَوْضِعُ صَلاتِهِ طَاهِرًا، صَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دَارِ الْبَرِيدِ وَالسِّرْقَيْنُ وَالْبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: هَهُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ.

وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ، وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجَمْدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ. وَصَلَّى جَابِرٌ، وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا، وَقَالَ الْحَسَنُ: قَائِمًا مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَهَا، وَإِلا فَقَاعِدًا.

باب كراهية أن يتخذ القبر مسجدا

بَابُ كَرَاهِيَةِ أَنْ يُتَّخَذَ الْقَبْرُ مَسْجِدًا 508 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ هِلالٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا» قَالَتْ: وَلَوْلا ذَلِكَ لأَبْرَزْتُ قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ شَيْبَانَ. 509 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا كَانَ مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ قَدْ أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَذَكَرْنَ

كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ، وَذَكَرْنَ مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ مِنْهُمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ 510 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ». فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ تَرْخِيصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَلَمَّا رَخَّصَ، دَخَلَ فِي الرُّخْصَةِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ كَرِهَ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةَ الْقُبُورِ، لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ، وَكَثْرَةِ جَزَعِهِنَّ.

باب الستر في الصلاة

بَابُ السَّتْرِ فِي الصَّلاةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الْأَعْرَاف: 31]. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا وَارَى عَوْرَتَكَ وَلَوْ عَبَاءَةٌ.

باب الصلاة في الثوب الواحد

بَابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ 511 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ سَائِلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ»، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا لَفْظُهُ اسْتِخْبَارٌ، وَمَعْنَاهُ الإِخْبَارُ عَنِ الْحَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا مِنْ ضِيقِ الثِّيَابِ، وَفِي ضِمْنِهَا الْفَتْوَى مِنْ طَرِيقِ الْفَحْوَى، أَيْ: إِذَا كَانَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبًا سِيَّمَا فِي الصَّلاةِ، وَلَيْسَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ، فَكَيْفَ لَمْ تَعْلَمُوا جَوَازَهَا فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ!.

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ صَلَّى فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ، وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ. 512 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ

إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ 513 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 514 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «آَخِرُ صَلاةٍ صَلاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» 515 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالِ، حَدَّثَنَا

أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَهَذَا نَهْيُ أَدَبٍ. وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا غَطَّى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ صَحَّتْ صَلاتُهُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ إِذَا وَجَدَهُمَا. 516 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ، فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قُلْتُ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَشُدُّ الثَّوْبَ عَلَى وَسَطِهِ، فَيُصَلِّي مَكْشُوفَ الْمَنْكِبَيْنِ، بَلْ يَتَّزِرُ بِهِ، وَيَرْفَعُ طَرَفَيْهِ، فَيُخَالِفُ بَيْنَهُمَا، وَيَشُدُّهُ عَلَى أَعْتَاقِهِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الإِزَارِ وَالرِّدَاءِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا، فَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا، شَدَّهُ عَلَى حَقْوِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِجَابِرٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ: «إِذَا كَانَ وَاسِعًا، فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ». وَأَرَادَ بِالالْتِحَافِ: الاشْتِمَالَ بِهِ مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، أَوْ يَتَّزِرَ بِأَحَدِ طَرَفَيْهِ، وَيَرْتَدِي بِالْآخَرِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «إِذَا كَانَ لأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ، فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلا ثَوْبٌ فَلْيَتَّزِرْ، وَلا يَشْتَمِلِ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ».

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَاشْتِمَالُ الْيَهُودِ، أَنْ يُجَلِّلَ بَدَنَهُ الثَّوْبَ، وَيَسْدَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشِيلَ طَرْفَهُ. فَأَمَّا اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَنْ يُجَلِّلَ بَدَنَهُ الثَّوْبَ، ثُمَّ يَرْفَعُ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ، فَيَبْدُو مِنْهُ فَرْجُهُ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي الْحَدِيثِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ. وَفَسَّرَ الأَصْمَعِيُّ الصَّمَّاءَ بِالأَوَّلِ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنْ يَشْتَمِلَ بِثَوْبِهِ، فَيُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ، وَلا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ، وَرُبَّمَا اضْطَجَعَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يُصِيبُهُ شَيْءٌ يَحْتَاجُ أَنْ يَقِيهِ بِيَدَيْهِ وَلا يَقْدِرُ، لِكَوْنِهِمَا فِي ثِيَابِهِ.

قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الصَّمَّاءِ»، " الصَّمَّاءُ: اشْتِمَالُ الْيَهُودِ، فَجَعَلَهُمَا شَيْئًا وَاحِدًا. 517 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَكُونُ فِي الصَّيْدِ، أَفَيُصَلِّي أَحَدُنَا فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلْيَزُرَّهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إِلا أَنْ يَخُلَّهُ بِشَوْكَةٍ». قُلْتُ: وَهَذَا إِذَا كَانَ جَيْبُ الْقَمِيصِ وَاسِعًا يَظْهَرُ مِنْهُ عَوْرَتُهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَزُرَّهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَوْ جَعَلَ الَّذِي يُصَلِّي فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ عَلَى عَاتِقَيْهِ ثَوْبًا.

باب السدل في الصلاة

بَابُ السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ 518 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، نَا قَبِيصَةُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، إِلا مِنْ حَدِيثِ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ 519 - وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ، وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ».

وَالسَّدْلُ: هُوَ إِرْسَالُ الثَّوْبِ حَتَّى يُصِيبُ الأَرْضَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى كَرَاهِيَةِ السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ، وَقَالُوا: هَكَذَا تَصْنَعُ الْيَهُودُ، فَمِمَّنْ كَرِهَهُ: ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الصَّلاةِ كَمَا فِي غَيْرِ الصَّلاةِ، وَرَخَّصَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ،

وَابْنِ سِيرِينَ، وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ، وَخَارِجِ الصَّلاةِ، لأَنَّ الْمُصَلِّيَ ثَابِتٌ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَغَيْرَ الْمُصَلِّيَ يَمْشِي فِيهِ، فَالسَّدْلُ فِي حَقِّ الْمَاشِي مِنَ الْخُيَلاءِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنَّمَا يُكْرَهُ السَّدْلُ فِي الصَّلاةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَأَمَّا إِذَا سَدَلَ عَلَى الْقَمِيصِ فَلا بَأْسَ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ عَلَى الإِطْلاقِ احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَفَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ «مَنْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فِي صَلاتِهِ خُيَلاءَ، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلا حَرَامٍ». وَقَوْلُهُ: «وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ» قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ التَّلَثُّمَ بِالْعَمَائِمِ عَلَى الأَفْوَاهِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ، إِلا أَنْ يَعْرُضَ لِلْمُصَلِّي الثُّوَبَاءُ، فَيُغَطِّي فَمَهُ عِنْدَ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ.

باب الصلاة في لحف النساء

بَابُ الصَّلاةِ فِي لُحُفِ النِّسَاءِ 520 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُصَلِّي فِي شُعُرِنَا، وَلا فِي لُحُفِنَا». قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الشُّعُرُ: جَمْعُ شِعَارٍ، وَهُوَ مَا وَلِيَ جِلْدَ الإِنْسَانِ مِنَ اللُّبَاسِ، وَالدِّثَارُ: مَا فَوْقَ الشِّعَارِ مِمَّا يُتَدَفَّأُ بِهِ، وَأَمَّا اللِّحَافُ، فَكُلُّ مَا تَغَطَّيْتَ بِهِ، فَقَدِ الْتَحَفْتَ بِهِ 521 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، نَا

خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُصَلِّي فِي لُحُفِ نِسَائِهِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ رُخْصَةٌ، قَالَتْ مَيْمُونَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «يُصَلِّي فِي مِرْطٍ بَعْضُهُ عَلَيَّ، وَبَعْضُهُ عَلَيْهِ، وَأَنَا حَائِضٌ» 522 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ،

أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ، أَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ أُخْتَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُهَا فِيهِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذًى " مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ أَبُو نُعَيْمٍ لَهُ صُحْبَةٌ. قُلْتُ: وَمَنْ كَرِهَ فَلِخَوْفِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَهُ أَذًى مِنْ دَمِ حَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا كَرِهَ بَعْضُهُمُ الصَّلاةَ فِي ثِيَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا بِالثِّيَابِ الَّتِي يَنْسِجُهَا الْمَجُوسُ. وَصَلَّى عَلِيٌّ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ مَقْصُورٍ. قَالَ مَعْمَرٌ: رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ، يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ مَا صُبِغَ بِالْبَوْلِ.

باب كراهية الصلاة في ثوب له أعلام

بَابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلاةِ فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلامٌ 523 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلامٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وَائْتُونِي بِإِنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آَنِفًا عَنْ صَلاتِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الْخَمِيصَةُ: كِسَاءٌ أَسْوَدُ، وَقَدْ يَكُونُ لَهَا أَعْلامٌ، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْخَزِّ وَالصُّوفِ، وَالإِنْبِجَانِيَّةُ: مَنْسُوبَةٌ.

قَوْلُهُ: «أَلْهَتْنِي» أَيْ: شَغَلَتْنِي، يُقَالُ: لَهِيَ الرَّجُلُ عَنِ الشَّيْءِ يلهى عَنْهُ: إِذَا غَفَلَ عَنْهُ، وَلَهَا يَلْهُو مِنَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى حِفْظِ الْبَصَرِ فِي الصَّلاةِ عَمَّا يَفْتِنُهُ فِيهَا. 524 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، نَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَدَنِيُّ، مَوْلَى آَلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى يَوْمًا وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ لَهُ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: «أَعْطِنِي نَمِرَتَكَ وَخُذْ نَمِرَتِي»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَمِرَتُكَ أَجْوَدُ مِنْ نَمِرَتِي. قَالَ: «أَجَلْ، وَلَكِنْ فِيهَا خَيْطٌ أَحْمَرُ، فَخَشِيتُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا، فَيَفْتِنَنِي فِي صَلاتِي أَوْ يَلْفِتَنِي». وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطٍ لَهُ فَطَارَ دُبْسِيٌّ، فَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا، فَلَمْ يَجِدْ، لالْتِفَافِ النَّخْلِ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، فَجَعَلَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ سَاعَةً، ثُمَّ رَجَعَ، فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ

صَلَّى، فَقَالَ: لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ، فَضَعْهُ حَيْثُ شِئْتَ. وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يَسْتَحِبُّ الصَّلاةَ فِي الْحِيطَانِ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِي الْبَسَاتِينَ، إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. 525 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَدْ " أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْفَرُّوجُ: الْقُبَاءُ الَّذِي فِيهِ شَقٌّ مِنْ خَلْفِهِ.

باب في كم تصلي المرأة من الثياب

بَابٌ فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ 526 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ، عَنْ أُمِّهِ، أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَتْ: «تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ، وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا». وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ حَرَامٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قُلْتُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَنْ صَلَّى مَكْشُوفَ شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى السَّتْرِ لَا تَصِحُّ صَلاتُهُ، فَعَلَى الرَّجُلِ سَتْرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ، فَعَلَيْهَا أَنْ تُغَطِّيَ جَمِيعَ بَدَنِهَا فِي الصَّلاةِ، إِلا الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، فَإِذَا انْكَشَفَ شَيْءٌ مِمَّا سِوَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ عَلَيْهَا الإِعَادَةُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنْ كَانَ ظَهْرُ قَدَمَيْهَا مَكْشُوفًا، فَصَلاتُهَا جَائِزَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا انْكَشَفَ شَعْرُهَا، أَوْ صُدُورُ قَدَمَيْهَا تُعِيدُ مَا دَامَتْ فِي الْوَقْتِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا انْكَشَفَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ الْعُضْوِ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الدِّرْعُ سَابِغًا، يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا. 527 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ

صَلاةَ حَائِضٍ إِلا بِخِمَارٍ» وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ: الْبَالِغَةُ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَأْسَهَا عَوْرَةٌ، وَلَوْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ لَا تَصِحُّ صَلاتُهَا، هَذَا فِي الْحُرَّةِ، أَمَّا الأَمَةُ، تَصِحُّ صَلاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، وَعَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا كَالرَّجُلِ، فَإِنْ عَتَقَتْ فِي خِلالِ صَلاتِهَا، وَالثَّوْبُ قَرِيبٌ مِنْهَا، سَتَرَتْ رَأْسَهَا، وَبَنَتْ عَلَى صَلاتِهَا، وَإِلا اسْتَأْنَفَتْ.

رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَأَى امْرَأَةً عَلَيْهَا جِلْبَابٌ مُتَقَنِّعَةً، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ: هِيَ أَمَةٌ، فَقَالَ: لَا تَشَبَّهُ الأَمَةُ بِسَيِّدَتِهَا.

باب الصلاة على الخمرة والحصير

بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ 528 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ 529 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا هُشَيْمٌ، وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ «يَسْجُدُ عَلَى الْخُمْرَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

الْخُمْرَةُ: السَّجَّادَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي، سُمِّيَتْ خُمْرَةً، لأَنَّهَا تُخَمِّرُ وَجْهَ الْمُصَلِّي عَنِ الأَرْضِ، أَيْ: تَسْتُرُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْخُمْرَةُ: شَيْءٌ مَنْسُوجٌ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ تُرْمَلُ بِالْخُيُوطِ، وَهُوَ صَغِيرٌ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي، أَوْ فُوَيْقَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَظُمَ حَتَّى يَكْفِيَ لِجَسَدِهِ كُلِّهِ فِي صَلاتِهِ أَوْ مَضْجَعِهِ، أَوْ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ حِينَئِذٍ حَصِيرٌ وَلَيْسَ بِخُمْرَةٍ. 530 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا حَمَّادٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ 531 - أَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِمَعْنَى الإِسْنَادِ

وَالْحَدِيثِ، قَالا: نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ: عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَالْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ» وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَكْرَهُ الصَّلاةَ عَلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْ صُوفِ الْحَيَوَانِ وَشَعْرِهَا، وَلا يَكْرَهُ مَا يُعْمَلُ مِنْ نَبَاتِ الأَرْضِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلا عَلَى جَدِيدِ الأَرْضِ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنْ لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَالْحَدِيثُ أَوْلَى بِالاتِّبَاعِ.

باب الصلاة في النعال

بَابُ الصَّلاةِ فِي النِّعَالِ 532 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي مَسْلَمَةَ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ 533 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى حَافِيًا وَمُتَنَعِّلا» 534 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ هِلالِ بْنِ مَيْمُونٍ الرَّمْلِيِّ، عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَالِفُوا الْيَهُودَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلا فِي خِفَافِهِمْ»

باب سترة المصلي

بَابُ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي 535 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلالا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلِكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلالا أَخَذَ عَنَزَةً وَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيِ الْعَنَزَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ

الْعَنَزَةُ: مِثْلُ نِصْفِ الرُّمْحِ أَوْ أَكْبَرُ، فِيهَا سِنَانٌ مِثْلُ سِنَانِ الرُّمْحِ، وَالْعُكَّازَةُ نَحْوٌ مِنْهَا. قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٍ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلُ، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَسُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفِهِ.

باب الدنو من السترة

بَابُ الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ 536 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: «كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مَمَرُّ الشَّاةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ 537 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ،

عَنْ سَهْلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ، وَلْيَقْتَرِبْ مِنَ السُّتْرَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ» وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، اسْتَحَبُّوا الدُّنُوَّ مِنَ السُّتْرَةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَدْرُ إِمْكَانِ السُّجُودِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعِ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلاتَهُ». قَالَ عَطَاءٌ: أَدْنَاهُ ثَلاثَةُ أَذْرُعٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ، لِمَا 538 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، نَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْوَلِيدُ بْنُ كَامِلٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ،

عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي إِلَى عُودٍ، وَلا عَمُودٍ، وَلا شَجَرٍ إِلا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الأَيْمَنِ وَالأَيْسَرِ، وَلا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا»

باب قدر السترة

بَابُ قَدْرِ السُّتْرَةِ 539 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ، وَهَنَّادٌ، قَالا: أَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، فَلْيُصَلِّ، وَلا يُبَالِ مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قُلْتُ: الْمُسْتَحَبُّ مِنَ السُّتْرَةِ هَذَا الْقَدْرُ. 540 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، نَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ «يَعْرِضُ رَاحِلَتِهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا» قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ «يَأْخُذُ الرَّحْلَ فَيَعْدِلُهُ فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ: مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّي فِي

صَلاتِهِ؟ فَقَالَ: مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْخَيْطِ فِي الدِّقَّةِ. 541 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُرَيْثٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ حُرَيْثًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَلْيَنْصِبْ عَصَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا، فَلْيَخْطُطْ خَطًّا، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ». وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الْخَطِّ؟ قَالَ: هَكَذَا، يَعْنِي عَرْضًا مِثْلَ الْهِلالِ، قَالَ مُسَدَّدٌ: قَالَ ابْنُ دَاوُدَ: الْخَطُّ بِالطُّولِ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: رَأَيْتُ شَرِيكًا صَلَّى بِنَا، فَوَضَعَ قَلَنْسُوَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

542 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ، فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى، وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ، وَتُنْصَبُ بِالْمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا.

قَالَ عُمَرُ: الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنَ الْمُتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا. وَرَأَى عُمَرُ رَجُلا يُصَلِّي بَيْنَ الأُسْطُوَانَتَيْنِ، فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقَالَ: صَلِّ إِلَيْهَا. قُلْتُ: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ «دَخَلَ الْكَعْبَةَ، فَجَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ وَصَلَّى».

باب كراهية المرور بين يدي المصلي وإباحة دفعه

بَابُ كَرَاهِيَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَإِبَاحَةِ دَفْعِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي؟ قَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ»، قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي، قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» 544 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، كِلاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَالَ: «فَلْيَدْفَعْهُ فِي نَحْرِهِ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ»

قَوْلُهُ: «فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ»، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُ شَيْطَانًا، لأَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ الْمَارِدُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ. قُلْتُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي، فَمَنْ فَعَلَ فَلِلْمُصَلِّي دَفْعُهُ، وَلا يَزِيدُ فِي أَوَّلِ الأَمْرِ عَلَى الدَّفْعِ، فَإِنْ أَبَى وَلَجَّ، فَحِينَئِذٍ يُعَنِّفُ فِي دَفْعِهِ عَنِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ الدَّفْعُ بِالْعُنْفِ لَا الْقَتْلُ، فَإِنَّهُ يُرْوَى فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ»، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي إِلَى سُتْرَةٍ، فَأَرَادَ الْمَارُّ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، فَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ الْمَارِّ، لأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنَ الْمُصَلِّي بِتَرْكِ السُّتْرَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ.

باب لا يقطع صلاته ما مر بين يديه

بَابُ لَا يَقْطَعُ صَلاتَهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ 545 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا. قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قُلْتُ: وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا يَرَى لَمْسَ الْمَرْأَةِ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ.

546 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيب، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي صَلاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 547 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، نَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، ذُكِرَ عِنْدَهَا " مَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ: الْكَلْبُ، والْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ، فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلابِ! وَاللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةٌ، فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ السَّرِيرِ، حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي» 548 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ

فَنَزَلْتُ، فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ، أَيْ: قَارَبْتُهُ. 549 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ،

حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا وَمَعَهُ عَبَّاسٌ، «فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَحِمَارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا بَالَى ذَلِكَ» قُلْتُ: فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَا تَقْطَعُ صَلاتَهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، أَنْ لَا يَقْطَعُ صَلاةَ الْمُصَلِّي شَيْءٌ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ. 550 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ شَيْءٌ، وادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ»

وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَقْطَعُ صَلاتَهُ: الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، لِمَا 551 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ الْمُغِيرَةِ أَخْبَرَهُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَيْدُ آخِرَةِ الرَّحْلِ:

الْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ، وَالْمَرْأَةُ "، فَقُلْتُ: مَا بَالُ الأَسْوَدِ مِنَ الأَحْمَرِ، مِنَ الأَصْفَرِ مِنَ الأَبْيَضِ؟ قَالَ: يَابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: «الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ». وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَقْطَعُهَا الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ، وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَقْطَعُهَا إِلا الْكَلْبُ الأَسْوَدُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: وَفِي نَفْسِي مِنَ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ. وَزَعَمَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ، أَنَّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ عَارَضَهُ فِي الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَبَقِيَ خَبَرُ أَبِي ذَرٍّ فِي الْكَلْبِ الأَسْوَدِ، وَلا مُعَارِضَ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ، وَلا الْمُتَحَدِّثِ».

وَيُرْوَى النَّهْيُ أَنْ يَتَحَدَّثَ رَجُلانِ، وَبَيْنَهُمَا أَحَدٌ يُصَلِّي. وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَهُوَ يُصَلِّي، وَذَلِكَ إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ، فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي وَإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَالَيْتُ إِنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ. (شرح السّنة) ويليه الْجُزْء الثَّالِث، وأوله بَاب صفة الصَّلَاة تمّ بِحَمْد الله

باب صفة الصلاة

بَابُ صِفَةِ الصَّلاةِ 552 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ، فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ

حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا». وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: فَأَعْلِمْنِي، وَقَالَ بَعْدَ السُّجُودِ الأَخِيرِ: «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَوْلُهُ: «بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» أَرَادَ بِهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ إِذَا كَانَ يُحْسِنُهَا بِبَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْهَدْيِ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [الْبَقَرَة: 196] وَالْمُرَادُ مِنْهُ: شَاةٌ بِبَيَانِ السُّنَّةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الطَّمَأْنِينَةِ فِي الأَرْكَانِ، لأَنَّ أَمْرَهُ لِلْوُجُوبِ. وَفِي قَوْلِهِ: «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا» دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، كَمَا يَجِبُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ.

قُلْتُ: أَرْكَانُ الصَّلاةِ سِتَّةَ عَشْرَةَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى: النِّيَّةُ فِي أَوَّلِهَا، وَالتَّكْبِيرَةُ الأُولَى، وَالْقِيَامُ، وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَالرُّكُوعُ، وَالطَّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالاعْتِدَالُ عَنْهُ قَائِمًا، وَالطَّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالسُّجُودُ الأَوَّلُ، وَالطَّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالاعْتِدَالُ عَنْهُ جَالِسًا، وَالطَّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالسُّجُودُ الثَّانِي، وَالطَّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالاةُ. وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رُكْنًا، هَذِهِ الأَرْكَانُ سِوَى النِّيَّةِ، وَالتَّكْبِيرِ. وَفِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: الْقُعُودُ، وَقِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ، وَالصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّسْلِيمَةُ الأُولَى. فَكُلُّ صَلاةٍ هِيَ ذَاتُ رَكْعَتَيْنِ فِيهَا أَرْبَعَةٌ وَثَلاثُونَ رُكْنًا، وَفِي الْمَغْرِبِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ رُكْنًا، وَفِي ذَاتِ الأَرْبَعِ اثْنَانِ وَسِتُّونَ رُكْنًا، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا، فَزَادُوا وَنَقَصُوا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فِي مَوَاضِعِهَا. ثُمَّ الْوَقْتُ، وَالطَّهَارَةُ عَنِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مِنْ شَرَائِطِهَا. 553 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلادِ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،

عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا، قَالَ رِفَاعَةُ: وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ كَالْبَدَوِيِّ، فَصَلَّى وَأَخَفَّ صَلاتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ، فَارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ، فَارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَعَافَ النَّاسُ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَخَفَّ صَلاتَهُ لَمْ يُصَلِّ، فَقَالَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ ذَلِكَ: فَأَرِنِي وَعَلِّمْنِي، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُصِيبُ وَأُخْطِئُ، فَقَالَ: «أَجَلْ، إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ، فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، ثُمَّ تَشَهَّدْ، وَأَقِمْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلا فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ، ثُمَّ ارْكَعْ فَاطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ اعْتَدِلْ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ وَاعْتَدِلْ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ فَاطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ قُمْ، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُكَ، فَإِنِ انْتَقَصْتَ مِنْهُ

شَيْئًا، انْتَقَصْتَ مِنْ صَلاتِكَ»، قَالَ: فَكَانَ هَذَا أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ مِنَ الأُولَى، أَنَّهُ مَنِ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا انْتَقَصَ مِنْ صَلاتِهِ، وَلَمْ تَذْهَبْ كُلُّهَا. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ رِفَاعَةَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَقَدْ صَحَّ مِثْلُهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاةِ، فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، يَجِبُ قِرَاءَتُهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ الْفَاتِحَةَ، وَيُحْسِنُ شَيْئًا غَيْرَهَا مِنَ الْقُرْآنِ، يَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ

سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ حَيْثُ يُحْسِنُ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ، يُسَبِّحِ اللَّهَ، وَيَحْمَدْهُ، وَيُهَلِّلْهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي، قَالَ: " قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ، فَمَا لِي؟ قَالَ: " قُلِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي "، وَلَوْ صَلَّى فَنَسِيَ الْقِرَاءَةَ أَعَادَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قِيلَ لَهُ: مَا قَرَأْتَ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؟ فَقَالُوا: حَسَنًّا، فَقَالَ: لَا بَأْسَ إِذًا. 554 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ أَبُو أَحْمَدَ، أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلادٍ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَجُلٌ يُصَلِّي،

فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعِدْ صَلاتَكَ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَصَلَّى كَنَحْوٍ مِمَّا صَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعِدْ صَلاتَكَ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَلِّمْنِي، قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَمَا تَيَسَّرَ، ثُمَّ ارْكَعْ، فَإِذَا رَكَعْتَ، فَاجْعَلْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، فَامْدُدْ ظَهْرَكَ، وَمَكِّنْ لِرُكُوعِكَ، وَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ، فَقُمْ حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إِلَى مَفَاصِلِهَا، ثُمَّ اسْجُدْ، فَإِذَا سَجَدْتَ، فَمَكِّنْ لِسُجُودِكَ، فَإِذَا رَفَعْتَ، فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى، ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، كَمَا يَجِبُ الرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ التَّسْبِيحَ فِي

الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ، بَدَلا عَنِ الْقِرَاءَةِ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ: يُسَبِّحُ فِي الأُخْرَيَيْنِ، وَلا يَصِحُّ. 55 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ وَهُوَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ: أَبُو قَتَادَةَ بْنُ رِبْعِيٍّ يَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: مَا كُنْتَ أَقْدَمَنَا لَهُ صُحْبَةً، وَلا أَكْثَرَنَا لَهُ إِتْيَانًا؟ قَالَ: بَلَى، قَالُوا: فَاعْرِضْ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَرَكَعَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ، فَلَمْ يُصَبِّ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُقْنِعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ

لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلا، ثُمَّ هَوَى إِلَى الأَرْضِ سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إِبِطَيْهِ، وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلا، ثُمَّ هَوَى سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ، وَقَعَدَ، وَاعْتَدَلَ، حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عُضْوٍ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ نَهَضَ، ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ، كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلاةَ، ثُمَّ صَنَعَ كَذَلِكَ، حَتَّى كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي تَنْقَضِي فِيهَا صَلاتُهُ، أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا، ثُمَّ سَلَّمَ.

قَالَ أَبُو عِيسَى: مَعْنَى قَوْلِهِ: «إِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ» يَعْنِي: إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ. قُلْتُ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ نَعْلَمُهُ، أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاتِهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلالُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ، فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِمَعْنَاهُ، وَزَادَ: قَالُوا: صَدَقْتَ، هَكَذَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: «لَمْ يُصَبِّ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُقْنِعْ» يُقَالُ: صَبَّى الرَّجُلُ رَأْسَهُ يُصَبِّيهِ، إِذَا خَفَضَهُ جِدًّا، أَخَذَ مِنْ صَبَا: إِذَا مَالَ إِلَى الصِّبَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} [يُوسُف: 33] أَيْ: أَمِلْ إِلَيْهِنَّ، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: الصَّوَابُ فِيهِ يُصَوِّبُ. وَيُقَالُ: هُوَ يُصَبِّئُ مَهْمُوزٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: صَبَأَ الرَّجُلُ عَنْ دِينِ

قَوْمِهِ، أَيْ: خَرَجَ فَهُوَ صَابِئٌ. وَقَوْلُهُ: «وَلَمْ يُقْنِعْ» أَيْ: لَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى يَكُونَ أَعْلى مِنْ جَسَدِهِ، وَالإِقْنَاعُ: رَفْعُ الرَّأْسِ، وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ خَفَضَ رَأْسَهُ: قَدْ أَقْنَعَ رَأْسَهُ، وَالْحَرْفُ مِنَ الأَضْدَادِ. وَقَوْلُهُ: «جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إِبْطَيْهِ» أَيْ: بَاعَدَ بِهِمَا، وَالْجَفَاءُ بَيْنَ النَّاسِ: التَّبَاعُدُ. قَوْلُهُ: «وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ» أَيْ: لَيَّنَهَا حَتَّى تَنْثَنِيَ فَيُوَجِهَّهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ، وَالْفَتْخُ: لِينٌ وَاسْتِرْسَالٌ فِي جَنَاحِ الطَّائِرِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعُقَابِ: فَتْخَاءُ، لأَنَّهَا إِذَا انْحَطَّتْ كَسَرَتْ جَنَاحَهَا. 557 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ. ح، وَأَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَا صَلاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَيْتُهُ «إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ، أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ،

ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ إِلَى مَكَانِهِ، فَإِذَا سَجَدَ، وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «هَصَرَ ظَهْرَهُ» أَيْ: ثَنَاهُ ثَنْيًا شَدِيدًا فِي اسْتِوَاءٍ بَيْنَ رَقْبَتِهِ وَظَهْرِهِ، وَالْهَصْرُ: مُبَالَغَةُ الثَّنْيِ لِلشَّيْءِ الَّذِي فِيهِ لِينٌ، حَتَّى يَنْثَنِيَ كَالْغُصْنِ الرَّطْبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَ الْكَسْرَ وَالإِبَانَةَ. وَقَوْلُهُ: «وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ» يُرِيدُ: لَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ،

بَلْ يَرْفَعُهُمَا عَنِ الأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: «وَلا قَابِضِهِمَا» يُرِيدُ: لَا يَضُمُّ أَصَابِعَهُمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا يَضُمُّ الذِّرَاعَيْنِ، وَالْعَضُدَيْنِ إِلَى الْجَنْبَيْنِ، بَلْ يُجَافِيهِمَا عَنِ الْجَنْبَيْنِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ»

باب التكبير عند افتتاح الصلاة

بَابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاةِ 558 - أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الْوُضُوءُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ». أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عُقَيْلٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ» هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

قُلْتُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، يَقُولُونَ: لَا يُدْخَلُ فِي الصَّلاةِ إِلا بِالتَّكْبِيرِ، وَلا يُخْرَجُ إِلا بِالسَّلامِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَة: 2]، وَيَخْتِمُ الصَّلاةَ بِالتَّسْلِيمِ ". وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الرَّجُلِ يَنْسَى التَّكْبِيرَةَ الأُولَى: يُجْزِئُهُ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الصَّلاةَ تَنْعَقِدُ بِكُلِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلا أَنْ يَذْكُرَهُ عَلَى وَجْهِ النِّدَاءِ أَوِ الدُّعَاءِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: يَا اللَّهُ،

أَوِ اللَّهُمَّ، وَالسَّلامُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ وَاجِبٍ لِلْخُرُوجِ عَنِ الصَّلاةِ، بَلْ قَالُوا: إِذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ قَامَ فَذَهَبَ، أَوْ أَتَى بِشَيْءٍ يُضَادُ الصَّلاةَ مِنْ كَلامٍ، أَوْ حَدَثٍ، تَمَّتْ صَلاتُهُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا تَشَهَّدَ وَلَمْ يُسَلِّمْ، جَازَ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ، قَالَ: «إِذَا قُلْتَ هَذَا، فَقَدْ قَضَيْتَ صَلاتَكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ». فَقَدْ قِيلَ: هَذَا الْكَلامُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ صَحَّ مَرْفُوعًا، فَالْمُرَادُ مِنْهُ: فَقَدْ قَضَيْتَ مُعْظَمَ صَلاتِكَ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْكَ إِلا الْخُرُوجُ عَنْهَا، وَالْخُرُوجُ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ».

باب رفع اليدين عند تكبير الافتتاح وعند الركوع والارتفاع عنه والقيام من الركعتين

بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرِ الافْتِتَاحِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَالارْتِفَاعِ عَنْهُ وَالْقِيَامِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ 559 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ، وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ

560 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجِيرَمِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى

561 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، نَا بَقِيَّةُ، نَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَهُمَا كَذَلِكَ، فَرَكَعَ، ثُمَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ صُلْبَهُ رَفَعَهُمَا حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ، وَيَرْفَعُهُمَا فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ يُكَبِّرُهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ، حَتَّى تَنْقَضِي صَلاتُهُ " قُلْتُ: وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الأَرْبَعِ، مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، يَرْوِيهِ جَمَاعَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ: عُمَرُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، وَأَنَسٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَمَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهِ يَقُولُ

أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُهُمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنَ التَّابِعِينَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَنَافِعٌ، وَقَتَادَةُ، وَمَكْحُولٌ، وَغَيْرُهُمْ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ فِي آخِرِ أَمْرِهِ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. قُلْتُ: وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيُّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، لأَنَّهُ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ إِذَا ثَبَتَتْ، وَثَبَتَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ بِرِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، وَسَائِرِ الرِّوَايَاتِ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلا عِنْدَ الافْتِتَاحِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «أَلا أُصَلِّي بِكُمْ صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى، وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلا أَوَّلَ مَرَّةٍ». وَرُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ». قُلْتُ: وَأَحَادِيثُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْمَوَاضِعِ الأَرْبَعِ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ، فَاتِّبَاعُهَا أَوْلَى.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ إِلا أَوَّلَ مَرَّةٍ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، كَمَا قَدْ ذَهَبَ عَلَيْهِ الأَخْذُ بِالرُّكْبَةِ فِي الرُّكُوعِ، وَكَانَ يُطَبِّقُ بِيَدَيْهِ عَلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ، وَخَالَفَهُ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهِ: «ثُمَّ لَا يَعُودُ» غَيْرُ شَرِيكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ، وَخَالِدٌ، وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ «ثُمَّ لَا يَعُودُ»، وَحُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، أَنَّ يَزِيدَ حَدَّثَهُمْ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ «ثُمَّ لَا يَعُودُ»، فَلَمَّا انْصَرَفَ زَادَ فِيهِ «لَا يَعُودُ»، فَحُمِلَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي مُنْتَهَى مَا تُرْفَعُ إِلَيْهِ الْيَدُ، فَرَوَى عَلِيٌّ، وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَابْنُ عُمَرَ، «رَفْعَ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ».

وَرَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، حَتَّى يُحَاذِيَ أُذُنَيْهِ». وَرَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، «حَتَّى يَبْلُغَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، إِلَى أَنْ يَرْفَعَهُمَا حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، إِلَى أَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا إِلَى الأُذُنَيْنِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَقَالَ: كَانَ يُحَاذِي بِظَهْرِ كَفَّيْهِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَبِأَطْرَافِ أَنَامِلِهِ الأُذُنَيْنِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا 562 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ، وَحَاذَى إِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ» 563 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ،

أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: قُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَيْفَ يُصَلِّي، قَالَ: " فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ رَأْسَهُ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَحَدَّ مِرْفَقَهُ الأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ، وَحَلَّقَ حَلْقَةً، وَرَأَيْتُهُ يَقُولُ: هَكَذَا، وَحَلَّقَ بِشْرٌ الإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ " 564 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلاةَ، رَفَعَ يَدَيْهِ حِيَالَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُهُمْ يَرْفَعُونَ

أَيْدِيهِمْ إِلَى صُدُورِهِمْ فِي افْتِتَاحِ الصَّلاةِ، وَعَلَيْهِمْ بَرَانِسُ وَأَكْسِيَةٌ» 565 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّتَاءِ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابَهُ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ فِي الصَّلاةِ» 566 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: نَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ إِبْهَامَيْهِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ». وَقَالَ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ: عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ «وَجَعَلَ مِرْفَقَهُ الأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ قَبَضَ ثِنْتَيْنِ، فَحَلَّقَ حَلْقَةً، ثُمَّ رَفَعَ إِصْبَعَهُ، فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا».

وَشَحْمَةُ الأُذُنَيْنِ: مَا لانَ مِنْ أَسْفَلِهِمَا 567 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، حَتَّى يَبْلُغَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ». قُلْتُ: وَيُسْتَحَبُّ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ لِلتَّكْبِيرِ، أَنْ يَنْشُرَ أَصَابِعَهُ. وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يَصِحُّ

باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة

بَابُ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلاةِ 568 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ 569 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ الْعَنْبَرِيُّ، 25 عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلاةِ»

570 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا، فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ الطَّائِيُّ، وَاسْمُ هُلْبٍ

يَزِيدُ بْنُ قُنَافَةَ وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، لَا يَرَوْنَ إِرْسَالَ الْيَدَيْنِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَأْخُذُ كُوعَهُ الأَيْسَرَ بِكَفِّهِ الأَيْمَنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَرَأَى بَعْضُهُمْ وَضْعَهُمَا فَوْقَ السُّرَّةِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ. وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَضَعَهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ 571 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ،

عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلاةِ» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ لَا يُفَرْشِحُ رِجْلَيْهِ فِي الصَّلاةِ، وَلا يَلْصِقُهُمَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْفَرْشَحَةُ: أَنْ يُفَرِّجَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَيُبَاعِدَ إِحْدَاهُمَا مِنَ الأُخْرَى، يَقُولُ: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلا يُلْصِقُ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ.

باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

بَابُ مَا يَسْتَفْتِحُ بِهِ الصَّلاةَ مِنَ الدُّعَاءِ 572 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، نَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، قَالَ: " وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، لَا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا

أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي، وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمِّهِ الْمَاجِشُون بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِي "، وَقَالَ: «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» وَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ. . . .» إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ: «وَجَّهْتُ وَجْهِي» أَيْ: قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي إِلَيْهِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} [الرّوم: 43]، أَيْ: أَقِمْ قَصْدَكَ. قَوْلُهُ: «حَنِيفًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحَنِيفُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ الْحَنَفُ: الاسْتِقَامَةُ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَائِلِ الرِّجْلِ: أَحْنَفُ، تَفَاؤُلا بِالاسْتِقَامَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَى الْحَنِيفِيَّةِ فِي الإِسْلامِ: الْمَيْلُ إِلَيْهِ، وَالإِقَامَةُ عَلَى عَقْدِهِ، وَالْحَنَفُ: إِقْبَالُ إِحْدَى الْقَدَمَيْنِ عَلَى الأُخْرَى. وَقَوْلُهُ: «إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي»: كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَيُقَالُ: فُلانٌ نَاسِكٌ مِنَ النُّسَّاكِ، أَيْ: عَابِدٌ مِنَ الْعُبَّادِ،

يُؤَدِّي الْمَنَاسِكَ، وَمَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيُقَالُ النُّسُكُ: مَا أَمَرَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، وَالْوَرَعُ مَا نُهِيَ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: «لَبَّيْكَ» أَيْ: إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ. وَقَوْلُهُ: «سَعْدَيْكَ» أَيْ: سَاعَدْتُ طَاعَتَكَ يَا رَبُّ مُسَاعَدَةً بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ. وَقَوْلُهُ: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»، قَالَ الْخَلِيلُ: مَعْنَاهُ: الشَّرُّ لَيْسَ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الشَّرَّ لَا يَصْعَدُ إِلَيْكَ، إِنَّمَا يَصْعَدُ إِلَيْكَ الطَّيِّبُ، وَهُوَ الْخَيْرُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا يُنْسَبُ الشَّرُّ إِلَيْكَ عَلَى الانْفِرَادِ تَعْظِيمًا، فَلا يُقَالُ: يَا خَالِقَ الشَّرِّ، وَيَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ افْعَلْ كَذَا، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ خَالِقَهَا، وَلا يُقَالُ: يَا ضَارُّ، وَيَا مُذِلُّ، افْعَلْ كَذَا، بَلْ يُقَالُ: يَا ضَارُّ، يَا نَافِعُ، يَا مُعِزُّ، يَا مُذِلُّ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشُّعَرَاء: 80] أَضَافَ الْمَرَضَ إِلَى نَفْسِهِ، وَالشِّفَاءَ إِلَى رَبِّهِ، وَأَخْبَرَ عَنِ الْخَضِرِ حَيْثُ أَضَافَ إِرَادَةَ عَيْبِ السَّفِينَةِ إِلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الْكَهْف: 79]، وَأَضَافَ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الرَّحْمَةِ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الْكَهْف: 82] الآيَةَ 573 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى، قَالا: نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عَمْرَةَ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ ". وَرَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَشْهَرُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَمْ يُصَحِّحْهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ: «وَبِحَمْدِكَ» قِيلَ: مَعْنَاهُ: وَبِحَمْدِكَ أَبْتَدِئُ، وَكَذَلِكَ الْبَاءُ فِي بِسْمِ اللَّهِ مَعْنَاهُ: أَبْدَأُ بِاسْمِ اللَّهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ، أَيْ: لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا وَفَّقْتَنِي تَسْبِيحَكَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا تُسْتَفْتَحُ بِهِ الصّلاةُ مِنَ الذِّكْرِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ،

فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَذَهَبَ سُفْيَانُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ حِينَ كَبَّرَ قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِكَ. . .» إِلَى آخِرِهِ. وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَقُولُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا يُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَة: 2]. وَقَدْ رُوِيَ غَيْرُ هَذَا مِنَ الذِّكْرِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلاةِ، وَهُوَ مِنَ الاخْتِلافِ الْمُبَاحِ، فَبَأَيِّهَا اسْتَفْتَحَ جَازَ. 574 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّوْقِيُّ الطُّوسِيُّ بِهَا، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ، وَأَبُو كَامِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، نَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً، قَالَ: حَسِبْتُهُ قَالَ: هُنَيْهَةً، قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أرَأَيْتَ إِسْكَاتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ، وَالْمَاءِ، وَالْبَرَدِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ قَوْلُهُ إِسْكَاتَكَ: إِفْعَالٌ مِنَ السُّكُوتِ، وَلَمْ يُرِدَ بِهِ تَرْكَ الْكَلامِ، بَلْ أَرَادَ تَرْكَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْكَلامِ. وَقَوْلُهُ: «اغْسِلْنِي بِالثَّلْجِ، وَالْمَاءِ، وَالْبَرَدِ» أَيْ: طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ، وَذَكَرَ كُلَّهُ، مُبَالَغَةً فِي مَسْأَلَةِ التَّطْهِيرِ، لَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى ثَلْجٍ وَبَرَدٍ.

قُلْتُ: وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَمْ يَسْكُتْ». وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، " أَنَّهُ حَفِظَ سَكْتَتَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ، وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الْفَاتِحَة: 7] ". وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ: سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ، وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ عِنْدَ الرُّكُوعِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَكَتَبُوا

فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَصَدَّقَ سَمُرَةَ. قُلْتُ: وَذَهَبَ إِلَى هَذَا قَوْمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَسْكُتَ الإِمَامُ هَاتَيْنِ السَّكْتَتَيْنِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ، وَبَعْدَ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ حَتَّى يَقْرَأَ مَنْ خَلْفَهُ، وَلا يُنَازِعُوهُ الْقِرَاءَةَ. وَكَانَ قَتَادَةُ يُعْجِبُهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَتَرَادَّ إِلَيْهِ نَفَسُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: السَّكْتَةُ مَكْرُوهَةٌ.

باب التعوذ

بَابُ التَّعَوُّذِ 575 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، سَمِعْتُ عَاصِمًا، عَنِ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، قَالَ: " فَكَبَّرَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ " قَالَ عَمْرٌو: نَفْخُهُ: الْكِبْرُ، وَنَفْثُهُ: الشِّعْرُ، وَهَمْزُهُ: الْمَوْتَةُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَوْتَةُ: الْجُنُونُ، سَمَّاهُ هَمْزًا مِنَ النَّخْسِ وَالْغَمْزِ، وَأَمَّا الشِّعْرُ إِنَّمَا سَمَّاهُ نَفْثًا، لأَنَّهُ كَالشَّيْءِ يَنْفُثُهُ الإِنْسَانُ مِنْ فِيهِ.

وَيُرِيدُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، مَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، لأَنَّهُ رُوِيَتْ رُخْصَةٌ فِي الشِّعْرِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَنَفْخُهُ: يَعْنِي أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفُخُ فِي جَوْفِهِ حَتَّى يُعَظِّمَهُ فِي نَفْسِهِ، فَيَدْخُلُهُ لِذَلِكَ الْكِبْرُ. وَقَوْلُهُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا» قِيلَ: نُصِبَ «كَبِيرًا» عَلَى الْقَطْعِ، نَكِرَةٌ خَرَجَتْ مِنْ مَعْرِفَةٍ، وَقِيلَ: نُصِبَ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: أُكَبِّرُ كَبِيرًا

باب وجوب قراءة فاتحة الكتاب

بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ 576 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالِ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالا: نَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، نَا سُفْيَانُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: «لَا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَصَاعِدًا» قُلْتُ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ لَا تُجْزِئُ إِلا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِذَا كَانَ يُحْسِنُهَا، مِنْهُمْ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَجَابِرٌ، وَعِمْرانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20]، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وَهُوَ عِنْدَ الآخَرِينَ فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، أَوْ هُوَ مُجْمَلٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ سُورَةً بِعَيْنِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ كُلَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ قُرْآنٍ، فَيُحْمَلُ هَذَا الْمُجْمَلُ عَلَى مَا فَسَّرَهُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ، وَغَيْرِهِ.

578 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَهِيَ خِدَاجٌ، هِيَ خِدَاجٌ، هِيَ خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ». قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ، فَغَمَزَ ذِرَاعِي، وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " قَالَ اللَّهُ: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَءُوا، يَقُولُ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَة: 2]، يَقُولُ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الْفَاتِحَة: 3]، يَقُولُ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الْفَاتِحَة: 4]، يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الْفَاتِحَة: 5]: هَذِهِ الآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، يَقُولُ الْعَبْدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ {7}} [الْفَاتِحَة: 6 - 7]، فَهَؤُلاءِ لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ وَسُمِّيَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أُمَّ الْقُرْآنِ، لأَنَّهَا أَوَّلُهُ وَأَصْلُهُ، وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى، لأَنَّهَا أَوَّلُ الأَرْضِ، وَأَصْلُهَا، وَمِنْهَا دُحِيَتْ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرَّعْد: 39] أَيْ: أَصْلُ الْكِتَابِ، وَهُوَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «فَهِيَ خِدَاجٌ»، مَعْنَاهُ: نَاقِصَةٌ نَقْصَ فَسَادٍ وَبُطْلانٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَخْدَجَتِ النَّاقَةُ: إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا وَهُوَ دَمٌ، وَالْخِدَاجُ: اسْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: فَهِيَ خِدَاجٌ، أَيْ ذَاتَ خِدَاجٍ، أَيْ: نُقْصَانُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: مُخْدَجَةٌ، أُقِيمَ الْمَصْدَرُ مُقَامَ الْفِعْلِ، كَمَا قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ، أَيْ: مُقْبِلٌ وَمُدْبِرٌ، وَيُقَالُ: خَدَجَتِ النَّاقَةُ: إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ أَوَانِ النِّتَاجِ، وَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ، وَأَخْدَجَتْهُ: إِذَا وَلَدَتْهُ نَاقِصَ الْخَلْقِ، وَإِنْ كَانَ لِتَمَامِ الْحَمْلِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِذِي الثُّدَيَّةِ: مُخْدَجُ الْيَدِ، أَيْ: نَاقِصُهَا. وَقَوْلُهُ: «قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» يُرِيدُ بِالصَّلاةِ

الْقِرَاءَةَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الْإِسْرَاء: 110] قِيلَ: مَعْنَاهَا: الْقِرَاءَةُ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ} [الْإِسْرَاء: 78] أَيْ: صَلاةُ الصُّبْحِ، فَسَمَّى الصَّلاةَ مَرَّةً قُرْآنًا، وَالْقُرْآنَ مَرَّةً صَلاةً، يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى تَفْضِيلِهِ الْفَاتِحَةَ، وَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى الْمَعْنَى، لَا إِلَى مَتْلُوِّ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ، نِصْفُهَا ثَنَاءٌ، وَنِصْفُهَا مَسْأَلَةٌ وَدُعَاءٌ، وَقِسْمُ الثَّنَاءِ يَنْتَهِي إِلَى قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الْفَاتِحَة: 5] وَبَاقِي السُّورَةِ دُعَاءٌ. وَيَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا يَرَى التَّسْمِيَةَ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ، لأَنَّهُ لَمْ يَبْدَأْ بِهَا، وَإِنَّمَا بَدَأَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الْفَاتِحَة: 2]. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى هَذَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَعَلَيْهِ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَعَلَيْهِ قُرَّاءُ مَكَّةَ، وَالْكُوفَةِ، وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا 579 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الْكَوْثَر: 1]، حَتَّى خَتَمَهَا، قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ نَهَرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي فِي الْجَنَّةِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ 580 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، " {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ} [الْحجر: 87]، هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، قَالَ أَبِي: وَقَرَأَهَا عَلَيَّ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الْفَاتِحَة: 1]، الآيَةُ السَّابِعَةُ، قَالَ سَعِيدٌ: قَرَأَهَا عَلَيَّ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا قَرَأْتُهَا عَلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ: " {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الْفَاتِحَة: 1]، الآيَةُ

السَّابِعَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَدَخَرَهَا لَكُمْ، فَمَا أَخْرَجَهَا لأَحَدٍ قَبْلَكُمْ ". وَذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: إِلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، إِلا التَّوْبَةَ. وَالآخَرُونَ قَالُوا: هِيَ مِنَ الْفَاتِحَةِ، وَكُتِبَتْ فِي سَائِرِ السُّوَرِ لِلْفَصْلِ

باب افتتاح القراءة بالفاتحة وترك الجهر بالتسمية

بَابُ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَاتِحَةِ وَتَرْكِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ 581 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، أَنَا قَتَادَةُ، وَثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلاةَ: بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَة: 2] " 582 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ هَانِئُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّقِّيُّ، نَا أَبُو الْجَوَّابِ أَحْوَصُ بْنُ جَوَّابٍ، نَا عَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَخَلْفَ عُمَرَ، وَلَمْ يَجْهَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ،

عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ 583 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: " قُمْتُ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَكُلُّهُمْ كَانَ لَا يَقْرَأُ: {

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ " قُلْتُ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمْنَ بَعْدَهُمْ إِلَى تَرْكِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ، بَلْ يَسِرُّ بِهَا، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الْفَاتِحَة: 1]، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَالْحَدَثَ، قَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَ عُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا، فَلا تَقُلْهَا إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ، فَقُلْ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَة: 2]. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ لِلْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ جَمِيعًا، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَاحْتَجُّوا بِمَا

584 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، نَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» قَالَ أَبُو عِيسَى: وَلَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بِذَاكَ. وَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ أَنَسٍ: كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلاةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَة: 2]، مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْدَءُونَ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَبْلَ السُّورَةِ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الْفَاتِحَة: 1]، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: قَرَأْتُ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، يُرِيدُ السُّورَةَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ، وَآلُ عِمْرَانَ، وَاحْتَجَّ بِمَا 585 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا

إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَصَلَّى بِهِمْ، وَلَمْ يَقْرَأْ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الْفَاتِحَة: 1]، وَلَمْ يُكَبِّرْ إِذَا خَفَضَ، وَإِذَا رَفَعَ، فَنَادَاهُ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ سَلَّمَ، وَالأَنْصَارُ: أَيْ مُعَاوِيَةُ، سَرَقْتَ صَلاتَكَ؟ أَيْنَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الْفَاتِحَة: 1]؟ وَأَيْنَ التَّكْبِيرُ إِذَا خَفَضْتَ، وَإِذَا رَفَعْتَ؟ فَصَلَّى بِهِمْ صَلاةً أُخْرَى، فَقَالَ ذَلِكَ فِيهَا الَّذِي عَابُوا عَلَيْهِ ".

قَالَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " إِنَّهُ كَانَ لَا يَدَعُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ لِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا

باب الجهر بالتأمين في صلاة الجهر

بَابُ الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ فِي صَلاةِ الْجَهْرِ 586 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا بُنْدَارٌ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الْفَاتِحَة: 7]، فَقَالَ: آمِينَ، مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ رَوَى شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، «وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» وَحُجْرُ بْنُ عَنْبَسٍ يُكْنَى أَبَا السَّكَنِ، وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ مَاتَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، قَالَ عَطَاءٌ: كُنْتُ أَسْمَعُ الأَئِمَّةَ، وَذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُ يَقُولُونَ: آمِينَ، وَيَقُولُ مَنْ خَلْفَهُ: آمِينَ، حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً.

باب فضل التأمين

بَابُ فَضْلِ التَّأْمِينِ 587 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ» عَطْفٌ عَلَى مُضْمَرٍ، وَهُوَ الْخَبَرُ عَنْ تَأْمِينِ الْمَلائِكَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا 588 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ

الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تُؤَمِّنُ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 589 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الْفَاتِحَة: 7]، فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، وَإِنَّ الإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

وَقَوْلُهُ: " إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الْفَاتِحَة: 7]، فَقُولُوا: آمِينَ " أَرَادَ بِهِ: إِذَا قَالَ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الْفَاتِحَة: 7]، وَأَمَّنَ، فَقُولُوا: آمِينَ، بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الأَوَّلِ. 590 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ، وَقَالَتِ الْمَلائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ 591 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهُوَيْهِ، أَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ بِلالٍ، أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ»

قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ: إِنَّ بِلالا كَانَ يُقِيمُ فِي مَوْضِعِ أَذَانِهِ مِنْ وَرَاءِ الصُّفُوفِ، فَرُبَّمَا سَبَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الْقِرَاءَةِ، فَاسْتَمْهَلَهُ بِلالٌ قَدْرَ مَا يَلْحَقُ الْقِرَاءَةَ وَالتَّأْمِينَ، فَيَنَالُ فَضِيلَةَ التَّأْمِينِ مَعَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُنَادِي الإِمَامَ: لَا تَفُتْنِي بِآمِينَ. وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ قَوْلِهِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، فَرُبَّمَا سَبَقَهُ بِبَعْضِ الْقِرَاءَةِ. وَ «آمِينَ» مُخَفَّفَةُ الْمِيمِ، وَيَجُوزُ مَمْدُودًا، وَمَقْصُورًا عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، وَمَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ اسْمَعْ وَاسْتَجِبْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: كَذَلِكَ فَلْيَكُنْ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَجَاءَ فِي الْآثَارِ: آمِينَ خَاتَمُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ طَابَعُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ الآفَاتِ وَالْبَلايَا عَنْهُمْ، كَخَاتَمِ الْكِتَابِ الَّذِي يَصُونُهُ، وَيَمْنَعُ مِنْ إِفْسَادِهِ، وَإِظْهَارِ مَا فِيهِ.

باب القراءة في الظهر والعصر

بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ 592 - حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، إِمْلاءً، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْخَفَّافُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ جَمِيعًا، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْر وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي

شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هَمَّامٍ، وَزَادَ: «وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، مَا لَا يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» 593 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلاثِينَ آيَةً، وَفِي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، أَوْ قَالَ: نِصْفَ ذَلِكَ، وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفٍ مِنْ ذَلِكَ ". وَيُرْوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: حَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 594 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا

أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِـ السَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَشِبْهِهِمَا». وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ ب اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَنَحْوِهَا، وَفِي الْعَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ فِي الأَرْبَعِ جَمِيعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ أَحْيَانًا بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلاثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فِي صَلاةِ الْفَرِيضَةِ».

باب الإسرار بالقراءة في الظهر والعصر

بَابُ الإِسْرَارِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ 595 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قُلْتُ لِخَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ: " أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لَحْيَيْهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب القراءة في صلاة المغرب

بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ 596 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ السَّامِرِيُّ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ سَمِعَتْهُ يَقْرَأُ: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1]، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 597 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ،

عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِـ الطُّورِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الأَعْرَافِ، فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ». وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، " أَنَّهُ صَلَّى وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الْمَغْرِبَ، فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ

قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَهَذِهِ الْآيَةِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمرَان: 8] ". وَذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ بِالسُّوَرِ الطُّوَالِ نَحْوَ الطُّورِ، وَالْمُرْسَلاتِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ، بَلْ أَسْتَحِبُّهُ.

باب القراءة في العشاء

بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ 598 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ، فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِـ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ 599 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: " كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، أَوِ الْعَتَمَةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّيهَا بِقَوْمِهِ فِي بَنِي سَلَمَةَ، قَالَ: فَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، قَالَ: فَصَلَّى مُعَاذٌ

مَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَأَمَّ قَوْمَهُ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ، فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ أَخَّرْتَ الْعِشَاءَ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَّنَا، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ تَأَخَّرْتُ، فَصَلَّيْتُ، وَإِنَّمَا نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ، نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ، فَقَالَ: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! اقْرَأْ بِسُورَةِ كَذَا، وَسُورَةِ كَذَا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنَا سُفْيَانُ، نَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «اقْرَأْ بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَنَحْوِ هَذَا»، قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قَالَ لَهُ: " اقْرَأْ بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى {[الْأَعْلَى: 1، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، فَقَالَ عَمْرٌو: هُوَ هَذَا، أَوْ نَحْوُهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ

قَوْلُهُ: «نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ» فَالنَّاضِحُ: الْبَعِيرُ يُسْنَى عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ «أَفَتَّانٌ أَنْتَ» أَيْ: تَصْرِفُ النَّاسَ عَنِ الدِّينِ، وَتَحْمِلُهُمْ عَلَى الضَّلالِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَ] مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] أَيْ: بِمُضَلِّينَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ مُتَابَعَةِ الإِمَامِ بِالْعُذْرِ لَا يُفْسِدُ الصَّلاةَ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَأْمُرِ الرَّجُلَ بِإِعَادَةِ الصَّلاةِ، حِينَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ فَارَقَ مُعَاذًا فِي الصَّلاةِ. وَفِيهِ أَنَّ عَلَى الإِمَامِ تَخْفِيفَ الصَّلاةِ، وَأَنْ يَقْتَدِيَ فِيهِ بِأَضْعَفِهِمْ. وَفِيهِ جَوَازُ صَلاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتْنَفِلِ، لأَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُؤَدِّي فَرْضَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيَؤُمُّهُمْ، هِيَ لَهُ نَافِلَةٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ. 600 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبدة بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، نَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِـ

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا مِنَ السُّوَرِ» 601 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرٍ، ذَكَرَ قِصَّةَ مُعَاذٍ، قَالَ: وَقَالَ، يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلْفَتَى: " كَيْفَ تَصْنَعُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا صَلَّيْتَ؟ قَالَ: أَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ، وَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا دَنْدَنَتُكَ وَدَنْدَنَةُ مُعَاذٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي وَمُعَاذًا حَوْلَ هَاتَيْنِ «أَوْ نَحْوَ ذَا.

وَيُرْوَى» حَوْلَهُمَا نُدَنْدِنُ ". وَالدَّنْدَنَةُ: قِرَاءَةٌ مُبْهَمَةٌ غَيْرُ مَفْهُومَةٍ، وَالْهَيْنَمَةُ نَحْوُهَا

باب القراءة في الصبح

بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ قَالَ أَبُو بَرْزَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ». 602 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10] ". قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي بِـ ق. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ ابْنِ

عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ عَمُّ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ. وَقَالَ قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ: يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 10] 603 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] ". قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ 604 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،

أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَالْعَابِدِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو عَاصِمٍ، قَالا: أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْعَابِدِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ، فَاسْتَفْتَحَ سَوْرَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ، أَوْ ذِكْرُ عِيسَى، أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ، فَرَكَعَ»، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: " فَحَذَفَ، فَرَكَعَ، قَالَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ حَاضِرٌ ذَلِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالْعَابِدِيُّ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْعَابِدِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: " كُنْتُ أَقُودُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ

فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لِي: يَا عُقْبَةُ، أَلا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا؟ فَعَلَّمَنِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، صَلَّى بِهِمَا صَلاةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ ". وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلانٍ لِرَجُلٍ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: صَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَكَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطُوَالِ الْمُفَصَّلِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «أَنِ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ».

وَعَنْ عُثْمَانَ «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَأَقَلَّ، كَانَ الأَمْرُ عِنْدَهُمْ وَاسِعًا فِي هَذَا. قُلْتُ: وَالأَحْسَنُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعَصْرِ، وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْعَصْرِ كَنَحْوِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ، يَقْرَأُ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ: تُضَاعَفُ صَلاةُ الظُّهْرِ عَلَى صَلاةِ الْعَصْرِ فِي الْقِرَاءَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. 605 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: بِـ الم تَنْزِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ لَيْلَتَهُ بـ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ».

باب القراءة خلف الإمام ومن قال: لا يقرأ إذا جهر الإمام

بَابُ الْقِرَاءَةِ خَلْفٍ الإِمَامُ وَمَنْ قَالَ: لَا يَقْرَأُ إِذَا جَهَرَ الإِمَامُ 606 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادٌ، نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ! قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِي وَاللَّهِ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إِلا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى الزُّهْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ،

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ». وَهَذَا أَصَحُّ. قُلْتُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ، جَهَرَ الإِمَامُ أَوْ أَسَرَّ 607 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَقُولُ: مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ مِنَ الصَّلاةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَابْنُ أُكَيْمَةَ: اسْمُهُ عُمَارَةُ، وَيُقَالُ: عَمْرُو بْنُ أُكَيْمَةَ، وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ، وَذَكَرُوا هَذَا الْحَرْفَ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الإِمَامِ، لأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ»، فَقَالَ لَهُ حَامِلُ الْحَدِيثِ: إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ؟ قَالَ: «اقْرَأْهَا فِي نَفْسِكَ». قُلْتُ: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الإِمَامِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى إِيجَابِهَا سَوَاءً جَهَرَ الإِمَامُ، أَوْ

أَسَرَّ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاذٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكْتَةِ الإِمَامِ، وَإِلا قَرَأَ مَعَهُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيمَا أَسَرَّ الإِمَامُ فِيهِ الْقِرَاءَةَ، وَلا يَقْرَأُ فِيمَا جَهَرَ، يُقَالُ: هُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ أَحَدٌ خَلْفَ الإِمَامِ سَوَاءٌ أَسَرَّ الإِمَامُ أَوْ جَهَرَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَجَابِرٍ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الإِمَامِ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ

أَبِي هُرَيْرَةَ «مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ»، قُلْتُ: وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ عَلَى أَنْ يُجْهَرَ عَلَى الإِمَامِ بِحَيْثُ يُنَازِعُهُ الْقِرَاءَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، " أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَلَمَّا انْفَتَلَ قَالَ: أَيُّكُمْ قَرَأَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الْأَعْلَى: 1]؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ: عَلِمْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا ". وَالْمُخَالَجَةُ: الْمُجَاذَبَةُ، وَهِيَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ: نَازَعَنِيهَا، وَأَصْلُ الْخَلْجِ: الْجَذْبُ وَالنَّزْعُ، كَأَنَّهُ يَنْزِعُ مِنْ لِسَانِهِ. 608 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ التَّمَّارِ، عَنِ الْبَيَاضِيِّ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ

يُصَلُّونَ، وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ ". قُلْتُ: وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَفِي كُلِّ ذِكْرٍ يَأْتِي بِهِ خَلْفَ الإِمَامِ، أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَلا يَغْلِبَ جَارَهُ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ، فَاقْرَأْ قِرَاءَةً تُسْمِعُ أُذُنَيْكَ، وَتُفَقِّهُ قَلْبَكَ، فَإِنَّ الأُذُنَ عَدْلٌ بَيْنَ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ

باب ما يجزئ الأمي والعجمي من القراءة

بَابُ مَا يُجْزِئُ الأُمِّيَّ وَالْعَجَمِيَّ مِنَ الْقِرَاءَةِ 609 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَفِينَا الأَعْرَابِيُّ وَالأَعْجَمِيُّ، فَقَالَ: اقْرَءُوا فَكُلٌّ حَسَنٌ، وَسَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ الْقدحُ، يَتَعَجَّلُونَهُ وَلا يَتَأَجَّلُونَهُ " 610 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو

عَلِيٍّ اللؤْلُؤِي، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالانِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي، قَالَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ، فَمَا لِي؟ قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلأَ يَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ " قُلْتُ: الْوَاجِبُ فِي الصَّلاةِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا، وَيُحْسِنُ غَيْرَهَا مِنَ الْقُرْآنِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَدَلِهَا مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ، كَمَا أَمَرَ بِهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 611 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ " كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ، فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَشْبَهُكُمْ صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 612 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ، وَرَفْعٍ، وَقِيَامٍ، وَقُعُودٍ. وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 613 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى

بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ حُجَيْنٍ، عَنِ اللَّيْثِ قُلْتُ: اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ عَلَى هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ، وَهِيَ ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ تَكْبِيرَةً فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَكُلُّهَا سُنَّةٌ، إِلا التَّكْبِيرَةَ الأُولَى، فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ لَا تَنْعَقِدُ الصَّلاةُ إِلا بِهَا. وَالسُّنَّةُ إِذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ أَنْ يَبْتَدِئَ التَّكْبِيرَ قَائِمًا، وَيَمُدَّهُ هَاوِيًا،

وَكَذَلِكَ فِي السُّجُودِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ وَهُوَ يَهْوِي». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: التَّكْبِيرُ جَزْمٌ، وَالسَّلامُ جَزْمٌ. يَعْنِي: لَا يُمَدَّانِ، وَلا يُعْرَبُ آخِرُهُمَا، بَلْ يُسَكَّنُ، فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا يُرْفَعُ الرَّاء. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «حَذْفُ السَّلامِ سُنَّةٌ». قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَا يَمُدُّهُ مَدًّا.

باب هيئة الركوع

بَابُ هَيْئَةِ الرُّكُوعِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَكَعَ فَلَمْ يصب رَأْسَهُ، وَلَمْ يُقْنِعْ». 614 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا بُنْدَارٌ، نَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، نَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ أَبُو حُمَيْدٍ، وَأَبُو أُسَيْدٍ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَذَكَرُوا صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا، وَوَتَّرَ يَدَيْهِ، فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

وَأَبُو حُمَيْدٍ: اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُنْذِرٍ، وَأَبُو أُسَيْدٍ: اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ السُّنَّةُ فِي الرُّكُوعِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، أَنْ يَضَعَ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَيُفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَيُجَافِيَ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَيُسَوِّيَ ظَهْرَهُ، وَعُنُقَهُ، وَرَأْسَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُذَبِّحَ الرَّجُلُ فِي الصَّلاةِ، كَمَا يُذَبِّحُ الْحِمَارُ». وَأَرَادَ بِالتَّذْبِيحِ: أَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ أَخْفَضَ مِنْ ظَهْرِهِ، يُرْوَى هَذَا بِالدَّالِ وَالذَّالِ، وَبِالدَّالِ أَعْرَفُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ، فَلَمَّا رَكَعَ طَبَّقَ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ».

وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِيَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: " صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي، وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ، فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ ". وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «إِنَّ الرُّكَبَ سُنَّتْ لَكُمْ، فَخُذُوا بِالرُّكَبِ».

باب وعيد من لا يتم ركوعه وسجوده ووجوب الطمأنينة في الاعتدال

بَابُ وَعِيدِ مَنْ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَوُجُوبِ الطَّمَأْنِينَةِ فِي الاعْتِدَالِ 615 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَرُبَّمَا قَالَ: مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ 616 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ،

عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، قَالَ: " رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، قَالَ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ، مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 617 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ، أَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الْمُقْرِئُ، أَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدَةَ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُجْزِئُ صَلاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ الأَنْصَارِيُّ: اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو مَعْمَرٍ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ. قُلْتُ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إِقَامَةِ الصُّلْبِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالُوا: لَوْ تَرَكَ إِقَامَةَ الصُّلْبِ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالطَّمَأْنِينَةَ فِيهِمَا، وَفِي الاعْتِدَالِ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَصَلاتُهُ فَاسِدَةٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرِفَاعَةَ: " ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ". وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الطَّمَأْنِينَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَكَذَا

الاعْتِدَالُ عَنِ الرُّكُوعِ وَالْقُعُودُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.

باب ما يقول في الركوع والسجود

بَابُ مَا يَقُولُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ 618 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي "، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ

قَوْلُهَا: يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ: تُرِيدُ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النَّصْر: 3] 619 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْقَنْطَرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " افْتَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَتَجَسَّسْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنِّي لَفِي شَأْنٍ، وَإِنَّكَ لَفِي آخَرَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ 620 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ السَّرْحِ، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، عَلانِيَتَهُ وَسِرَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي السَّرْحِ 621 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَقَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ "

قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَنْقُصَ الرُّجُلُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِنْ ثَلاثِ تَسْبِيحَاتٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، أَنَّهُ قَالَ: اسْتُحِبَّ لِلإِمَامِ أَنْ يُسَبِّحَ خَمْسَ تَسْبِيحَاتٍ، لِكَيْ يُدْرِكَ مَنْ خَلْفَهُ ثَلاثَ تَسْبِيحَاتٍ، وَهَكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ. قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَذَهَبَ الْحَسَنُ إِلَى إِيجَابِهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، فَأَمَّا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا تَفْسُدُ الصَّلاةُ بِتَرْكِهِ. 622 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى، وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ رَحْمَةٍ إِلا وَقَفَ وَسَأَلَ، وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ عَذَابٍ إِلا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قُلْتُ: الْمُسْتَحَبُّ لِلْقَارِئِ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِ الصَّلاةِ هَذَا، إِذَا قَرَأَ آيَةَ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ، أَوْ آيَةَ عَذَابٍ أَنْ يَتَعَوَّذَ، أَوْ آيَةَ تَسْبِيحٍ أَنْ يُسَبِّحَ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الْأَعْلَى: 1] قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى " 623 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، نَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ بِـ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ، فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التِّين: 8]، فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَمَنْ قَرَأَ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الْقِيَامَة: 1] فَانْتَهَى إِلَى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الْقِيَامَة: 40]، فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَمَنْ قَرَأَ: {

وَالْمُرْسَلاتِ} [المرسلات: 1] فَبَلَغَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [المرسلات: 50]، فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِاللَّهِ " 624 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ، فَكَانَ إِذَا قَرَأَ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الْقِيَامَة: 40]، قَالَ: سُبْحَانَكَ فَبَلَى، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ،» أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصَّلاةِ بِاللَّيْلِ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ {58} أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ {59}} [الْوَاقِعَة: 58 - 59]، قَالَ: بَل أَنْتَ يَا رَبِّ، ثَلاثًا، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الْوَاقِعَة: 64]، {أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الْوَاقِعَة: 69] ".

625 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ، نَا قَتَادَةُ. ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ التَّاجِرُ، نَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، نَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، نَا سَلامٌ هُوَ ابْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ. الْقُدُّوسُ: الطَّاهِرُ

باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ 626 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتْرَ، وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلا وَإِنِّي قَدْ نُهِيتُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَإِذَا رَكَعْتُمْ، فَعَظِّمُوا اللَّهَ، وَإِذَا سَجَدْتُمْ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابُ لَكُمْ «. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ،

وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ قَوْلُهُ» قَمِنٌ ": كَقَوْلِكَ جَدِيرٌ وَحَرِيٌّ، وَيُقَالُ: فُلانٌ قَمِنٌ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، بِنَصْبِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا، فَالنَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ لَا يُثَنَّى، وَلا يُجْمَعُ، وَلا يُؤَنَّثُ، يُقَالُ: هُمَا قَمَنٌ أَنْ يَفْعَلا، وَهُمْ قَمَنٌ أَنْ يَفْعَلُوا، وَهُنَّ قَمَنٌ أَنْ يَفْعَلْنَ، وَالْكَسْرِ عَلَى النَّعْتِ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَيُؤَنَّثُ، يُقَالُ: هُمَا قَمِنَانِ، هُمْ قَمِنُونَ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: قَمِنٌ وَقَمِينٌ. 627 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

باب الاعتدال عن الركوع والسجود

بَابُ الاعْتِدَالِ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ 628 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ مَا خَلا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ. وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا

أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، أَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ 629 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، يَقُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ رَجُلٍ أَوْجَزَ صَلاةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَامٍ، وَقَالَ: كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَارِبَةً، وَصَلاةُ أَبِي بَكْرٍ مُتَقَارِبَةً، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ مَدَّ فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ حَمَّادٍ

باب ما يقول بعد الاعتدال عن الركوع

بَابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ الاعْتِدَالِ عَنِ الرُّكُوعِ 630 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 631 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ

الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمِّهِ الْمَاجِشُونِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَوْلُهُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» أَيْ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ حَمْدَهُ وَأَجَابَهُ، يُقَالُ: اسْمَعْ دُعَائِي، أَيْ: أَجِبْ، لأَنَّ غَرَضَ السَّائِلِ الإِجَابَةُ، فَوُضِعَ السَّمْعُ مَوْضِعَ الإِجَابَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} [يس: 25] أَيِ: اسْمَعُوا مِنِّي سَمْعَ الطَّاعَةِ وَالْقَبُولِ، وَمِنْهُ

الْحَدِيثُ «أَعُوذُ بِكَ مِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ» أَيْ: لَا يُجَابُ. وَقَوْلُهُ «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» قِيلَ: الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ «وَلَكَ» وَاوُ عَطْفٍ عَلَى مُضْمَرٍ مُتَقَدِّمٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا وَفَّقْتَنَا مِنَ الْقَوْلِ الْحَسَنِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: يَقُولُ هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ وَالتَّطَوُّعِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: يَقُولُهَا فِي التَّطَوُّعِ، وَلا يَقُولُهَا فِي الْمَكْتُوبَةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا يَقُولُ الْمَأْمُومُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ قَوْمٌ: يَقُولُ الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَالْمَأْمُومُ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَالإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. 632 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا

أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجَمِّرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: " كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ

633 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عُمَرَ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، أَنَا قَتَادَةُ، وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ رَجُلا جَاءَ، فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ، قَالَ: أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، قَالَ: أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ، فَقُلْتُهَا، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا ". فَزَادَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمْشِ نَحْوَ مَا كَانَ يَمْشِي، فَلْيُصَلِّ مَا أَدْرَكَ، وَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَفَّانَ

قَوْلُهُ: «حَفَزَهُ النَّفَسُ»، أَيِ: اشْتَدَّ بِهِ، «وَأَرَمَّ الْقَوْمُ»، أَيْ: سَكَتُوا وَلَمْ يُجِيبُوا، يُقَالُ: أَرَمَّ الْقَوْمُ، فَهُمْ مُرِمُّونَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: فَأَزَمَّ الْقَوْمُ، وَمَعْنَاهُ يَرْجِعُ إِلَى الأَوَّلِ، وَهُوَ الإِمْسَاكُ عَنِ الْكَلامِ وَالطَّعَامِ أَيْضًا، وَبِهِ سُمِّيَتِ الْحِمْيَةُ أَزْمًا. 634 - وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ بِهَذَا، وَقَالَ: " إِنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى الصَّلاةِ، وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا. . . . " إِلَى آخِرِهِ

باب القنوت

بَابُ الْقُنُوتِ 635 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، " بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، فَأُصِيبُوا، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا فِي صَلاةِ الْفَجْرِ، وَيَقُولُ: إِنَّ عُصَيَّةً عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ عَاصِمٍ

636 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الصُّبْحِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ: «اشْدُدْ وَطْأَتَكَ» فَالْوَطْأَةُ: الْبَأْسُ فِي الْعُقُوبَةِ، أَيْ: خُذْهُمْ أَخْذًا شَدِيدًا، يُقَالُ: وَطِئْنَا الْعَدُوَّ وَطْأَةً شَدِيدَةً، وَمِنْهُ

قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ} [الْفَتْح: 25] أَيْ: تَنَالُوهُمْ بِمَكْرُوهٍ. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً} [المزمل: 6] عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ مَقْصُورًا، أَيْ: أَغْلَظُ عَلَى الإِنْسَانِ مِنَ الْقِيَامِ بِالنَّهَارِ، لأَنَّ اللَّيْلَ جُعِلَ سَاكِنًا، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «وَإِنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَهَا الرَّحْمَنُ بِوَجٍّ» قِيلَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ نُزُولِ بَأْسِهِ بِهِ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ مَهْدِيٍّ: مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ: أَنَّ آخِرَ مَا أَوْقَعَ اللَّهُ بِالْمُشْرِكِينَ بِالطَّائِفِ، وَكَانَ آخِرَ غَزَاةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ فِيهَا الْعَدُوَّ. وَوَجَّ: وَادٍ بِالطَّائِفِ قَرِيبٌ مِنْ حِصْنِهَا. وَقَوْلُهُ: «وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» أَرَادَ بِهَا الْقُحُوطَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} [الْأَعْرَاف: 130] أَيْ: بِالْقُحُوطِ، وَالسَّنَةُ: هِيَ الأَزْمَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ الرِّجَالِ بِأَسْمَائِهِمْ فِيمَا يَدْعُو لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ لَا تُفْسِدُ الصَّلاةَ.

637 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، نَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو عَلَى أَحَدٍ، أَوْ يَدْعُو لأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَرُبَّمَا قَالَ، إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " يَجْهَرُ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلاةِ الْفَجْرِ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانًا وَفُلانًا»، لأَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمرَان: 128] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ

قُلْتُ: قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ بَعْدَ وَقْعَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ، وَصَلاةِ الصُّبْحِ، فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ «. قَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَرْكِ الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنَ الْفَرَائِضِ، رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ ". وَاخْتَلَفُوا فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْنَتُ فِيهَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ: ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. 638 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، قَالَ: " قُلْتُ لأَبِي: يَا أَبَةِ، إِنَّكَ قَدْ

صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هَهُنَا بِالْكُوفَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، كَانُوا يَقْنُتُونَ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَبُو مَالِكٍ: اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَقْنُتُ فِيهَا، يَرْوِي بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُرْوَةَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ، قَنَتَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَتَأَوَّلَ هَؤُلاءِ قَوْلَهُ: «ثُمَّ تَرَكَهُ»، أَيْ: تَرَكَ اللَّعْنَ وَالدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْقَبَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ، أَوْ تَرَكَهُ فِي الصَّلَوَاتِ الأَرْبَعِ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ فِي الصُّبْحِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا 639 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ،

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا». قَالَ الْحَاكِمُ: وَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَنٌ. وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، يُحَدِّثُ عَنِ الْبَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ». وَعَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ مَا لَا أُحْصِي، فَكَانَ يَقْنُتُ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ» وَقَالَ عَرْفَجَةُ: «صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ صَلاةَ الْفَجْرِ، فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عَلِيٍّ فَقَنَتَ». وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لَا يَقْنُتُ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ إِلا عِنْدَ نَازِلَةٍ

تَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ، فَيَدْعُو الإِمَامُ لِجُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنْ قَنَتَ فِي الصُّبْحِ فَحَسَنٌ، وَاخْتَارَ تَرْكَ الْقُنُوتِ فِيهَا.

وَمَحَلُّ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ بَعْدَ الرُّكُوعِ عِنْدَ أَكْثَرِ مَنْ يَخْتَارُ الْقُنُوتَ فِيهَا، وَقَالَ عُرْوَةُ: يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ. وَرُوِيَ عَنْ حُمَيْدٍ " أَنَّ أَنَسًا سُئِلَ عَنِ الْقُنُوتِ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ أَقَبْلَ الرُّكُوعِ، أَمْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: بَلْ كُنَّا نَفْعَلُهُ قَبْلُ وَبَعْدُ ". قُلْتُ: وَيُجْهَرُ بِالْقُنُوتِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، «وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ»، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَمَّا الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَفِي مَوْضِعِهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَقْنُتُ فِيهَا جَمِيعَ السَّنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالُوا: يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إِلا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَمُعَاذٌ الْقَارِئُ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَمَحَلُّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ. رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ»،

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ إِلَى ثَدْيَيْهِ»، وَعَنْ عُمَرَ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي قُنُوتِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ»، وَرَوَى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلاةِ».

باب الدعاء في القنوت

بَابُ الدُّعَاءِ فِي الْقُنُوتِ 640 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: " عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ أَبِي

الْحَوْرَاءِ، وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ، وَلا نَعْرِفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا. قُلْتُ: وَيُرْوَى عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: هُوَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ، «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» يَقْنُتُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، وَفِي وِتْرِ اللَّيْلِ بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ " قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ إِمَامًا فَيَذْكُرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا، وَعَافِنَا، وَتَوَلَّنَا، وَبَارِكْ لَنَا، وَقِنَا، وَلا يَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ. 641 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي حَيٍّ الْمُؤَذِّنِ الْحِمْصِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يحِلُّ لامْرِئٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي جَوْفِ بَيْتِ امْرِئٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ نَظَرَ، فَقَدْ دَخَلَ، وَلا يَؤُمُّ قَوْمًا، فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدَّعْوَةِ

دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ خَانَهُمْ، وَلا يَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ وَهُوَ حَاقِنٌ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا ابْنُ عَيَّاشٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «ثَلاثٌ لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ» فَذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «وَلا يُصَلِّي وَهُوَ حَاقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ». وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ 15 أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمِهِمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ، وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ، وَلا نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ» وَيُرْوَى عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ» دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ: «نَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ» أَيْ: يَعْصِيكَ وَيُخَالِفُكَ. وَقَوْلُهُ: «نَحْفِدُ» أَيْ: نُسَارِعُ فِي طَاعَتِكَ، وَالْحَفَدَانُ: السُّرْعَةُ، وَأَصْلُ الْحَفْدِ: الْعَمَلُ وَالْخِدْمَةُ. وَقَوْلُهُ: «مُلْحِقٌ» بِكَسْرِ الْحَاءِ، أَيْ: لاحِقٌ، يُقَالُ: أَلْحَقَ

بِمَعْنَى لَحِقَ، كَمَا يَجِيءُ «أَنْبَتَ» بِمَعْنَى «نَبَتَ» عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 20]، وَقِيلَ: الْبَاءُ فِيهَا زِيَادَةٌ. قَالَ مَالِكٌ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيُؤَمِّنُ النَّاسَ عَلَى دُعَاءِ الَّذِي يَلْعَنُ الْكَفَرَةَ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الدُّعَاءُ الَّذِي الْيَوْمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِهِ. بَابُ

الْهَوِيِّ إِلَى السُّجُودِ وَإِنَّهُ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ 642 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: لَمْ يَرْوِ شَرِيكٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ إِلا هَذَا الْحَدِيثَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَضَعُ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ، وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ: إِنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ. 643 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ،

باب السجود على سبعة أعضاء

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا، وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ، وَرَوَى فِيهِ خَبَرًا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَأَمَرَنَا بِالرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ». بَابُ السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ

644 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلالِيُّ، وَالسَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، نَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلا أَكُفَّ الثَّوْبَ، وَلا الشَّعْرَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ وُهَيْبٍ 645 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ

أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ مِنْهُ عَلَى سَبْعَةٍ: يَدَيْهِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَجَبْهَتِهِ، وَنُهِيَ أَنْ يَكْفِتَ مِنْهُ الشَّعَرَ وَالثِّيَابَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قَبِيصَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَوْلُهُ: «وَنُهِيَ أَنْ يَكْفِتَ مِنْهُ الشَّعَرَ وَالثِّيَابَ» أَيْ: يَضُمَّ وَيَجْمَعَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: 25] أَيْ: ذَوَاتِ كَفْتٍ. أَيْ: ضَمٍّ، وَفِي الْحَدِيثِ «

اكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ» أَيْ: ضُمُّوهُمْ إِلَيْكُمْ، وَأَمَرَ بِإِرْسَالِ الثَّوْبِ وَالشَّعْرِ، وَنَهَى عَنْ ضَمِّهِمَا فِي السُّجُودِ، لِيَسْقُطَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ مِنَ الأَرْضِ، فَيَسْجُدُ مَعَهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «وَلا أَكُفَّ الشَّعْرَ وَالثَّوْبَ» أَيْ: لَا أَقِيهِمَا مِنَ التُّرَابِ إِذَا صَلَّيْتُ. وَكذَلِكَ كَرِهُوا أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مَعْقُوصَ الشَّعْرِ لِمَا 50000 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا ابْنُ جُرَيْحٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ مَرَّ بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ يُصَلِّي، وَقَدْ عَقَصَ ضَفْرَتَهُ فِي قَفَاهُ فَحَلَّهَا، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ مُغْضَبًا، فَقَالَ: " أَقْبِلْ عَلَى صَلاتِكَ وَلا تَغْضَبْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ذَلِكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ ".

قَوْلُهُ: «كِفْلُ الشَّيْطَانِ» يُرِيدُ مَقْعَدَ الشَّيْطَانِ، وَأَصْلُهُ أَنْ يُجْعَلَ الْكِسَاءُ عَلَى سَنَامِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ يُرْكَبُ، وَالْعَقْصُ: أَنْ يَلْوِيَ شَعْرَهُ، فَيُدْخِلَ أَطْرَافَهُ فِي أُصُولِهِ. وَكَرِهُوا الصَّلاةَ مَشْدُودَ الْوَسَطِ فَوْقَ الثِّيَابِ. وَرُوِيَ أَن عبد الله بن مَسْعُود كَانَ شعره يبلغ ترقوته، فَإِذا صلى، جعله خلف أُذُنه. قلت: ذهب عَامَّة أهل الْعلم إِلَى أَن وضع الْجَبْهَة فِي السُّجُود وَاجِب، وَلَو لم يضع أَنفه أَجزَأَهُ، أما وضع الْيَدَيْنِ، والركبتين، والقدمين، فأوجبه الشَّافِعِي فِي أظهر قوليه، وَرَأى مَسْرُوق رجلا سَاجِدا قد رفع رجلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تمت صلَاته، قيل لِسُفْيَان: أيعيد؟ قَالَ: لَا. وَاخْتلفُوا فِي وجوب كشف الْجَبْهَة، فَذهب قوم إِلَى أَنه يجب أَن يَضَعهَا على مُصَلَّاهُ مكشوفة، حَتَّى لَو سجد على ناصيته أَو عمَامَته أَو كمه أَو على شَيْء يقوم بقيامه لَا يجوز، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازه. قَالَ أنس: كُنَّا نصلي مَعَ النَّبِي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَيَضَع أَحَدنَا طرف الثَّوْب من شدَّة الْحر فِي مَكَان السُّجُود.

وَقَالَ الْحسن: كَانَ الْقَوْم يَسْجُدُونَ على الْعِمَامَة والقلنسوة ويداه فِي كمه. وَإِلَى هَذَا ذهب مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَأحمد وَإِسْحَاق وَعَامة الْفُقَهَاء. وَكَانَ ابْن عمر يضع كفيه على الَّذِي يضع عَلَيْهِ جَبهته. وَعَامة الْفُقَهَاء على أَن كشف الْيَدَيْنِ لَيْسَ بِوَاجِب كالقدمين. وَقَالَ عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا سجد أحدكُم، فليضع أَنفه بِالْأَرْضِ، فَإِنَّكُم قد أمرْتُم بذلك ". وَقَالَ أَبُو الشعْثَاء: رَأَيْت ابْن عمر إِذا سجد يُجَافِي أَنفه عَن الأَرْض، فَقلت لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: إِن أنفي من حر وَجْهي، وَأَنا أكره أَن أشين وَجْهي. حر الْوَجْه: مَا بدا من الْوَجْه، وحر الرمل: رَملَة طيبَة.

باب هيئة السجود

بَابُ هَيْئَةِ السُّجُودِ 647 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا بُنْدَارٌ، نَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، نَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قُلْتُ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا وَضَعَ فِي السُّجُودِ جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ، وَلَمْ يَضَعْ أَنْفَهُ أَجْزَأَهُ، وَأَوْجَبَ بَعْضُهُمْ وَضْعَهُمَا جَمِيعًا،

وَاخْتَارُوا جَمِيعًا وَضْعَ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ قَرِيبًا مِنَ الأُذُنَيْنِ. 648 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَسْجُدُ وَيَدَيْهِ قَرِيبَتَيْنِ مِنْ أُذُنَيْهِ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قُلْتُ لِلْبَرَاءِ: " أَيْنَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ وَجْهَهُ إِذَا سَجَدَ؟ قَالَ: بَيْنَ كَفَّيْهِ ". وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: " اعْتَمَدَ الْبَرَاءُ عَلَى الأَرْضِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ،

وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ " 649 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ، وَلا يَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ. وَافْتِرَاشُ الْكَلْبِ: أَنْ يَمُدَّ ذِرَاعَيْهِ عَلَى الأَرْضِ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ، وَيَرْفَعَ مِرْفَقَيْهِ. رُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ، وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ». وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: خِفُّوا عَلَى الأَرْضِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَادَ: خِفُّوا فِي السُّجُودِ، وَلا تُرْسِلُوا أَنْفُسَكُمْ إِرْسَالا ثَقِيلا، فَيُؤَثِّرُ فِي جِبَاهِكُمْ 650 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ الْفَرَّاءِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَقْرَمَ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَاعِ مِنْ نَمِرَةَ سَاجِدًا فَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلا نَعْرِفُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَقْرَمَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ 651 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَقْرَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَجَدَ جَافَى عَضُدَيْهِ حَتَّى يَرَى مَنْ خَلْفَهُ عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ» الْعُفْرَةُ: الْبَيَاضُ، وَلَيْسَ بِالنَّاصِعِ الشَّدِيدِ، وَلَكِنَّهُ لَوْنُ الأَرْضِ، وَعَفْرُ الأَرْضِ: وَجْهُهَا. 652 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ مَيْمُونَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ

حَتَّى لَوْ أَنَّ بَهْمَةً أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ تَحْتَ يَدِهِ مَرَّتْ». وَرُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ، وَنَصْبِ الْقَدَمَيْنِ»، وَوَصَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ

باب فضل السجود

بَابُ فَضْلِ السُّجُودِ 653 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيب، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، فَيَقُولُ: يَا وَيْلَهُ أُمِرَ هَذَا بِالسُّجُودِ، فَسَجَدَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ، فَعَصَيْتُ، فَلِي النَّارُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ

الْحَدَّادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْخَالِدِيُّ، نَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ، نَا جَرِيرٌ، وَوَكِيعٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ 654 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ مَعْدَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: حَدِّثْنِي حَدِيثًا يَنْفَعُنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ، فَسَكَتَ، ثُمَّ قُلْتُ: حَدِّثْنِي حَدِيثًا يَنْفَعُنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ، فَسَكَتَ، ثُمَّ قُلْتُ: حَدِّثْنِي حَدِيثًا يَنْفَعُنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ، قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ

655 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَّانِيُّ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: " كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَبِحَاجَتِهِ، فَكَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، الْهَوِيَّ سُبْحَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، سُبْحَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرَافَقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِقْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ 656 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ،

عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، رَأَى فَتًى وَهُوَ يُصَلِّي قَدْ أَطَالَ صَلاتَهُ وَأَطْنَبَ فِيهَا، فَقَالَ: مَنْ يَعْرِفُ هَذَا؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَوْ كُنْتُ أَعْرِفُهُ لأَمَرْتُهُ أَنْ يُطِيلَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أُتِيَ بِذُنُوبِهِ، فَجُعِلَتْ عَلَى رَأْسِهِ وَعَاتِقَيْهِ، فَكُلَّمَا رَكَعَ وَسَجَدَ، تَسَاقَطَتْ عَنْهُ» 557 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، نَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالا: " خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِمَّا أَمَرَ بِعِذْقٍ، فَقُطِعَ، وَإِمَّا كَانَ مَقْطُوعًا قَدْ هَاجَ وَرَقُهُ، وَبِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضِيبٌ، فَضَرَبَهُ، فَجَعَلَ وَرَقُهُ يَتَنَاثَرُ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا؟

قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: إِنَّ مَثَلَ هَذَا مَثَلُ أَحَدِكُمْ إِذَا قَامَ إِلَى صَلاتِهِ، جُعِلَتْ خَطَايَاهُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَإِذَا خَرَّ سَاجِدًا، تَنَاثَرَتْ عَنْهُ، كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ هَذَا الْعِذْقِ " قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ، أَمْ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]. 558 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، أَنَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ: أَطْوَلُ الرُّكُودِ فِي الصَّلاةِ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ، أَمْ طُولُ السُّجُودِ؟ فَقَالَ: إِنَّ خَطَايَا الإِنْسَانِ فِي رَأْسِهِ، وَإِنَّ السُّجُودَ يَحُطُّ الْخَطَايَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: طُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ، لِمَا 559 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: طُولُ الْقُنُوتِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ

660 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: طُولُ الْقُنُوتِ ". قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ حَدِيثَانِ، وَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَمَّا بِالنَّهَارِ، فَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَأَمَّا بِاللَّيْلِ، فَطُولُ الْقِيَامِ، إِلا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ لَهُ جُزْءٌ بِاللَّيْلِ يَأْتِي عَلَيْهِ، فَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي هَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ، لأَنَّهُ يَأْتِي عَلَى حِزْبِهِ، وَقَدْ رَبِحَ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقَالَ أَبُو عِيسَى: إِنَّمَا قَالَ إِسْحَاقُ هَذَا، لأَنَّهُ كَذَا وُصِفَ صَلاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، وَوُصِفَ طُولُ الْقِيَامِ، وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَلَمْ يُوصَفْ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ مَا وُصِفَ بِاللَّيْلِ.

باب القعود بين السجدتين

بَابُ الْقُعُودِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ 661 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكُرْكَانِيُّ الطُّوسِيُّ بِهَا، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الأَصْفهَانِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا إِسْرَائِيلُ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ، أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، وَأَكْرَهُ لَكَ مَا أَكْرَهُ لِنَفْسِي، لَا تَقْرَأْ وَأَنْتَ رَاكِعٌ، وَلا وَأَنْتَ سَاجِدٌ، وَلا تُصَلِّ وَأَنْتَ عَاقِصٌ شَعْرَكَ، فَإِنَّهُ كِفْلُ الشَّيْطَانِ، وَلا تُقْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَلا تَعْبَثْ بِالْحَصَا، وَلا تَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْكَ، وَلا تَفْتَحْ عَلَى الإِمَامِ، وَلا تَخَتَّمْ بِالذَّهَبِ، وَلا تَلْبَسِ الْقَسِّيَّ، وَلا تَرْكَبْ عَلَى الْمَيَاثِرِ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: قَدْ ضَعَّفَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحَارِثَ الأَعْوَرَ قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ فَوَائِدُ، مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ عَاقِصَ الشَّعْرِ، بَلْ يُرْسِلُهُ حَتَّى يَسْقُطَ عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، كَمَا رَوَيْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَكْفِتَ مِنْهُ الشَّعْرَ وَالثِّيَابَ». وَمِنْهَا كَرَاهِيَةُ الإِقْعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَالإِقْعَاءِ». قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ جُلُوسُ الإِنْسَانِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ، وَاضِعًا يَدَيْهِ بِالأَرْضِ مِثْلَ إِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالسَّبْعِ، وَلَيْسَ هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ مِنَ الإِقْعَاءِ، وَتَفْسِيرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِي عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ وَفِي الإِقْعَاءِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَقْعُدُ مُسْتَوْفِزًا غَيْرَ مُطْمَئِنٍّ إِلَى الأَرْضِ،

وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى الإِقْعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَالَ طَاوُسٌ: قُلْنَا لابْنِ عَبَّاسٍ فِي الإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ؟ قَالَ: «هِيَ السُّنَّةُ». قَالَ طَاوُسٌ: رَأَيْتُ الْعَبَادِلَةَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِيهِ: لَا تَقْتَدُوا بِي فِي الإِقْعَاءِ، فَإِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا حِينَ كَبِرْتُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُقْعِي فِي الصَّلاةِ وَيُثَرِّي، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ بِالأَرْضِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَلا يُفَارِقَانِ الأَرْضَ حَتَّى يُعِيدَ السُّجُودَ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ مَنْ أَقْعَى، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ كَبِرَتْ سِنُّهُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ الإِقْعَاءِ مَنْسُوخًا. وَالأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ فِي صِفَةِ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: أَنَّهُ قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُفْتَرِشًا قَدَمَهُ الْيُسْرَى، وَقَدْ رُوِيَتِ الْكَرَاهِيَةُ فِي الإِقْعَاءِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قُلْتُ: وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ كَرَاهِيَةُ مَسْحِ الْحَصَى فِي الصَّلاةِ. 662 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ،

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاةِ، فَلا يَمْسَحِ الْحَصَى، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» 663 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، 5 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاةِ اسْتَقْبَلَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَلا يَمْسَحِ الْحَصَاةَ، وَلا يُحَرِّكْهَا».

وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَرِهَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَسْحَ الْحَصَاةِ فِي الصَّلاةِ، وَقَدْ جَاءَتِ الرُّخْصَةُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ تَسْوِيَةً لِمَكَانِ سُجُودِهِ، وَرَخَّصَ فِيهِ مَالِكٌ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. 664 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي مُعَيْقِيبٌ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قَالَ: إِنْ كَانَ فَاعِلا فَوَاحِدَةً ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ: «لَا تَفْتَحْ عَلَى الإِمَامِ» وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْفَتْحِ عَلَى الإِمَامِ، فَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، لِمَا 665 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ،

أَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ، أَنا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاءِ بْنِ زَبْرٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاةً فَقَرَأَ فِيهَا، فَلُبَّسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ لِأُبَيٍّ: أَصَلَّيْتَ مَعَنَا؟ قَال: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا مَنَعَكَ؟ " وَمَعْقُولٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَفْتَحَ عَلَيَّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَجْوَدُ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ نَفْسِهِ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا اسْتَطْعَمَكُمُ الإِمَامُ فَأَطْعِمُوهُ». يُرِيدُ: إِنْ تَعَايَا فِي الْقِرَاءَةِ فَلَقِّنُوهُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْكَرَاهِيَةُ فِي الْفَتْحِ عَلَى الإِمَامِ، وَكَرِهَ الشَّعْبِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَلُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ، وَالْقَسِّيُّ: ثِيَابٌ حَرِيرٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ، وَلُبْسُ الْحَرِيرِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ، وَالْمَيَاثِرُ: جَمْعُ الْمِيثَرَةِ، سُمِّيَ بِهَا لِوَثَارَتِهَا وَلِينِهَا، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ دِيبَاجٍ،

فَيَكُونُ حَرَامًا، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا أَرْكَبُ الأُرْجُوانَ». وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ، وَهُنَّ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ. 666 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلاثٍ: عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَلا

يُوطِنُ الرَّجُلُ الْمَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ كَمَا يُوطِنُ الْبَعِيرُ " قَوْلُهُ: «نَقْرَةِ الْغُرَابِ» هِيَ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنَ السُّجُودِ، وَلا يَطْمَئِنَّ فِيهِ، بَلْ يَمَسُّ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ الأَرْضَ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ كَنَقْرَةِ الطَّائِرَةِ. «وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ»: أَنْ يَمُدَّ ذِرَاعَيْهِ عَلَى الأَرْضِ، فَلا يَرْفَعُهُمَا. وَأَمَّا «إِيطَانُ الْبَعِيرِ»، فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْلَفَ الرَّجُلُ مَكَانًا مَعْلُومًا مِنَ الْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي إِلا فِيهِ، كَالْبَعِيرِ لَا يَأْوِي مِنْ عَطَنِهِ إِلا إِلَى مَبْرَكٍ دَمِثٍ قَدْ أَوْطَنَهُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَبْرُكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ إِذَا أَرَادَ السُّجُودَ بُرُوكَ الْبَعِيرِ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَوْطَنَهُ، وَلا يَهْوِي، فَيُثَنِّي رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يَضَعَهُمَا بِالأَرْضِ عَلَى سُكُونٍ وَمَهَلٍ.

باب ما يقول بين السجدتين

بَابُ مَا يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ 667 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، نَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ كَامِلٍ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي «. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَفِي رِوَايَةٍ» وَعَافِنِي «مَكَانَ» وَاجْبُرْنِي «. وَيُرْوَى هَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، أَنَّهُ يَقُولُ هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ وَالتَّطَوُّعِ جَمِيعًا. قَوْلُهُ» وَاجْبُرْنِي " مِنْ قَوْلِهِمْ: جَبَرَ اللَّهُ مُصِيبَتَكَ، أَيْ: رَدَّ عَلَيْكَ مَا ذَهَبَ مِنْكَ وَعَوَّضَكَ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي «. وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ،» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ".

باب الجلوس عقيب السجدتين في الأولى والثالثة

بَابُ الْجُلُوسِ عَقِيبَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الأُولَى وَالثَّالِثَةِ 668 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ اللَّيْثِيِّ، «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَكَانَ إِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاتِهِ، لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ هُشَيْمٍ وَالْجَلْسَةُ سُنَّةٌ عَقِيبَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَالثَّالِثَةِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، ثُمَّ يَقُومُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْعُدُهَا. وَلا يُكَبِّرُ بَعْدَ مَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ إِلَى أَنْ يَقُومَ، إِلا تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً بِالاتِّفَاقِ.

باب كيفية النهوض

بَابُ كَيْفِيَّةِ النُّهُوضِ 669 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ، عَنْ صَالِحٍ، مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُ فِي الصَّلاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ، وَيُقَالُ: خَالِدُ بْنُ إِيَاسٍ، ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ: هُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبُو صَالِحٍ: اسْمُهُ نَبْهَانُ، مَدَنِيٌّ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ الْقِيَامَ عَلَى صُدُورِ الْقَدَمَيْنِ.

قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ فِي كَرَاهِيَةِ تَقْدِيمِ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ النُّهُوضِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَرِهَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ «لَا تَخْبِطُوا خَبْطَ الْجَمَلِ، وَلا تَمُطُّوا بِآمِينَ»، نُهِيَ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ السُّجُودِ. وَأَصْلُ الْخَبْطِ: ضَرْبُ الْبَعِيرِ الشَّيْءَ بِخُفِّ يَدِهِ.

باب تخفيف القعود للتشهد الأول

بَابُ تَخْفِيفِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ 670 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ، قُلْتُ: حَتَّى يَقُومَ؟ قَالَ: ذَلِكَ يُرِيدُ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، إِلا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ أَنْ لَا يُطِيلَ الرَّجُلُ الْقُعُودَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَلا يَزِيدُ عَلَى التَّشَهُّدِ شَيْئًا، وَقَالُوا: إِنْ زَادَ، فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَغَيْرِهِ وَالرَّضْفُ: الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ، وَاحِدَتُهَا رَضْفَةٌ. 671 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلاةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْغَزَّالُ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا نَهَضَ فِي الصَّلاةِ».

رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلا يَتَّكِئُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الصَّلاةِ، فَقَالَ: لَا تَجْلِسُ هَكَذَا، فَإِنَّ هَكَذَا يَجْلِسُ الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ "

باب كيفية القعود للتشهدين

بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدَيْنِ 672 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا بُنْدَارٌ، نَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، نَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ السَّاعِدِيُّ، قَالَ: اجْتَمَعَ أَبُو حُمَيْدٍ، وَأَبُو أُسَيْدٍ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَذَكَرُوا صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ، يَعْنِي لِلتَّشَهُّدِ، فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَكَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ، يَعْنِي السَّبَّابَةَ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قُلْتُ: وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ مُفْتَرِشًا، وَكَذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ الْيُسْرَى، وَيَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ الآخِرِ مُتَوَرِّكًا، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ رِجْلَيْهِ عَنْ وَرِكِهِ الْيُمْنَى، فَيُضْجِعَ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى، وَيَقْعُدَ عَلَى الأَرْضِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْعُدُ فِيهِمَا عَلَى الأَرْضِ مُتَوَرِّكًا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يَقْعُدُ فِيهِمَا مُفْتَرِشًا قَدَمَهُ الْيُسْرَى، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلا يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلاةِ، فَعَابَ

عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَكِي.

باب كيفية وضع اليدين في التشهدين

بَابُ كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ 673 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلاةِ، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ أُصْبُعَهُ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ الْيُمْنَى يَدْعُو بِهَا، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطَهَا عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 674 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ،

نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَعَدَ فِي التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَعَقَدَ ثَلاثَةً وَخَمْسِينَ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 675 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَاوِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصَا فِي الصَّلاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ نَهَانِي، وَقَالَ: اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ، قُلْتُ: وَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: «كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي

الصَّلاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ يَدْعُو وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِه ِ الْيُمْنَى، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِه ِ الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بِأَصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ، وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى، وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ» قُلْتُ: الاخْتِيَارُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْضُ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى إِلا السَّبَّابَةَ فِي التَّشَهُّدِ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَقْبِضُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصَرَ، وَيُحَلِّقُ بَيْنَ الإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى بَرُءُوسِ الأَنَامِلِ. وَقِيلَ: يَضَعُ أَنْمُلَةَ الْوُسْطَى بَيْنَ عقدي الإِبْهَامِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي صِفَةِ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَقَبْضَ ثِنْتَيْنِ

وَحَلَّقَ حَلْقَةً». وَاخْتَارَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمُ الإِشَارَةَ بِمُسَبِّحَتِهِ الْيُمْنَى عِنْدَ كَلِمَةِ التَّهْلِيلِ، وَيُشِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ: «إِلا اللَّهُ»، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، " أَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ فِي الْقِبْلَةِ، وَرَمَى بِبَصَرِهِ إِلَيْهَا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ". وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَرَى الإِشَارَةَ. 675 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصِّيصِيُّ، نَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ

إِذَا دَعَا وَلا يُحَرِّكُهَا». قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَزَادَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَخْبَرَنِي عَامِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو كَذَلِكَ، وَيَتَحَامَلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى». وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا يَحْيَى، نَا ابْنُ عَجْلانَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: «لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ»، وَحَدِيثُ حَجَّاجٍ أَتَمُّ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا كَانَ يَدْعُو بِإِصْبَعَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أحد أحد».

باب قراءة التشهد

بَابُ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ 678 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفربَرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلامُ عَلَى فُلانٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ، فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ، فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عَبَّادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ: أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَعْدُ مِنَ الْكَلامِ مَا شَاءَ ". قَالَ مُحَمَّدٌ الْبُخَارِيُّ: نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: " لَا تَقُولُوا: السَّلامُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ "،

وَقَالَ: «ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ قَوْلُهُ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» يَعْنِي الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَيُقَالُ: الْبَقَاءُ لِلَّهِ، يُقَالُ: حَيَّاكَ اللَّهُ، أَيْ: أَبْقَاكَ اللَّهُ، وَقَدْ تَكُونُ التَّحِيَّةُ بِمَعْنَى السَّلامِ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: إِنَّمَا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّهُ كَانَ فِي الأَرْضِ مُلُوكٌ يُحَيَّوْنَ بِتَحِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَيُقَالُ لِبَعْضِهِمْ: أَبَيْتَ اللَّعْنَ، وَلِبَعْضِهِمُ: اسْلَمْ وَانْعَمْ، وَلِبَعْضِهِمْ: عِشْ أَلْفَ سَنَةٍ، فَقِيلَ لَنَا: قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، أَيِ: الأَلْفَاظُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمُلْكِ، وَيُكْنَى بِهَا عَنِ الْمُلْكِ، هِيَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قُلْتُ: وَشَيْءٌ مِمَّا كَانُوا يُحَيُّونَ بِهِ الْمُلُوكَ لَا يَصْلُحُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ. وَقِيلَ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» هِيَ أَسْمَاءُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: السَّلامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الأَحَدُ، الصَّمَدُ، يُرِيدُ التَّحِيَّةَ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَوْلُهُ: «الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ» أَيِ: الرَّحْمَةُ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [الْبَقَرَة: 157]، مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، عَطَفَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى لاخْتِلافِ اللَّفْظَيْنِ، وَقِيلَ: الصَّلَوَاتُ: الأَدْعِيَةُ لِلَّهِ. وَقَوْلُهُ: «الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ» مَعْنَاهُ: الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْكَلامِ مَصْرُوفَاتٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} [النُّور: 26] يَعْنِي الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْكَلامِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ. 679 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ، وَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ

الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، سَلامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ قُلْتُ: قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ: أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ «الْمُبَارَكَاتُ» وَلِمُوَافَقَتِهِ الْقُرْآنَ، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النُّور: 61]. وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى تَشَهُّدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ:

التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ، وَالْبَاقِي كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، " أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتِ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ ". وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادٌ: إِنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ حَتَّى انْصَرَفَ مَضَتْ صَلاتُهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ وَسَلَّمَ، أَجْزَأَهُ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَمَضَى فِي صَلاتِهِ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْقُعُودَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَاجِبٌ، أَمَّا

الْقِرَاءَةُ، فَاسْتِحْبَابٌ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ السَّجْدَةِ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ. وَأَمَّا الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ لَيْسَ مَحَلا لَهَا، وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَحْدَهُ إِلَى وُجُوبِهَا فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ، لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الْأَحْزَاب: 56] أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ، وَالأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، فَكَانَ ذَلِكَ مُنْصَرِفًا إِلَى الصَّلاةِ حَتَّى تَكُونَ فَرْضًا، لأَنَّهُ لَوْ صُرِفَ إِلَى غَيْرِهَا كَانَ نَدْبًا، إِذْ لَا خِلافَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي غَيْرِ الصَّلاةِ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الصَّلاةِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ». فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ مَا شَاءَ مِنَ الأَذْكَارِ، وَلَهُ أَنْ يَدْعُو، وَيَسْأَلَ فِي الصَّلاةِ مَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِمَّا لَا إِثْمَ فِيهِ، وَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى الصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَةً فِي الصَّلاةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ التَّشَهُّدِ، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يُخَيِّرْهُ فِيهَا. وَقُلْتُ: وَيَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي بَعْدَمَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ، وَيَتَحَرَّى مِنَ الأَدْعِيَةِ مَا وَرَدَ بِهَا السُّنَّةُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُو بِشَيْءٍ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَسْأَلَ حَاجَتَهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا، إِذَا دَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِلْتَ

أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ، فَقَعَدْتَ، فَاحْمَدِ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ "، قَالَ: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْعُ تُجَبْ». وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ».

باب إخفاء التشهد

بَابُ إِخْفَاءِ التَّشَهُّدِ 980 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، نَا يُونُسُ، يَعْنِي: ابْنَ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفَى التَّشَهُّدُ». قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ

باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

بَابُ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الْأَحْزَاب: 56] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُصَلُّونَ: يُبَرِّكُونَ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: صَلاةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلائِكَةِ، وَصَلاةُ الْمَلائِكَةِ: الدُّعَاءُ. وَقِيلَ: الصَّلاةُ مِنَ اللَّهِ: الرَّحْمَةُ، وَمِنَ الْمَلائِكَةِ: الاسْتِغْفَارُ، وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ: الدُّعَاءُ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [الْبَقَرَة: 157] مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، عَطَفَ

إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى لاخْتِلافِ اللَّفْظَيْنِ. 681 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو سَلَمَةَ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، نَا أَبُو فَرْوَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، يَقُولُ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فَقُلْتُ: بَلَى، فَاهْدِهَا لِي، قَالَ: " سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى

وَأَبُو فَرْوَةَ: مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الْهَمْدَانِيُّ، وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ، يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَيُقَالُ: حَلِيفٌ لَهُمْ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَيُقَالُ: ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. 682 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، أَنَّهُمْ قَالُوا: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَأَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَأَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَوْحٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 683 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ بِالصَّلَوَاتِ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ قُلْتُ: وَاخْتَلَفُوا فِي آلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: هُمُ الَّذِينَ حُرِّمَ عَلَيْهِمِ الصَّدَقَةُ، وَعُوِّضُوا مِنْهَا خُمُسَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، وَهُمْ صُلْبَيْهِ بَنِي الْهَاشِمِ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ: «إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ». وَقِيلَ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ , وَآلُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: آلُهُ: كُلُّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: آلُهُ: أُمَّتُهُ.

وَقِيلَ: آلُ الرَّجُلِ: أَهْلُهُ، إِذَا كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ، فَأَمَّا الرَّئِيسُ وَالْعَظِيمُ، فَآلُهُ: أَشْيَاعُهُ وَأَتْبَاعُهُ.

باب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

بَابُ فَضْلِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 684 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا». وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عِيسَى «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 685 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ

الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّهُ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبِشْرُ يُرَى فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: أَمَا يُرْضِيكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَلا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا " 686 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا بُنْدَارٌ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَيْسَانَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «

أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَمْرٍو النَّسَوِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ 687 - حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا جَنَاحُ بْنُ نَذِيرٍ الْمُحَارِبِيُّ بِالْكُوفَةِ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلامَ» 688 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ

بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ» 689 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، نَا رِبْعِيُّ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ

أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَرِبْعِيُّ بْنُ عُلَيَّةَ: هُوَ رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ أَخُو إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ 690 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يُصَلُّوا فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ»

باب الدعاء قبل السلام

بَابُ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلامِ 691 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا، وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ "، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ! فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ

692 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ، كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ 693 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ:

مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ 694 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي؟ قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ 695 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاةِ تَطَوُّعٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، وَوَيْلٌ لأَهْلِ النَّارِ "

باب التسليم في الصلاة

بَابُ التَّسْلِيمِ فِي الصَّلاةِ 696 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهُ " 697 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا بُنْدَارٌ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ

بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. 698 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانٍ الأَزْدِيُّ، نَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: " كُنْتُ أَرَى صَفْحَتَيْ خَدَّيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ 699 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ أَحَدُنَا بِيَدِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُكُمْ تَرْمُونَ بِأَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شمس، أَوَلا يَكْفِي أَحَدُكُمْ، أَوْ إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدُكُمْ، أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقِبْطِيَّةِ قَوْلُهُ: «خَيْلٌ شُمْسٌ»، يُقَالُ: شَمَسَ الْفَرَسُ، يَشْمُسُ شِمَاسًا: إِذَا مَنَعَ ظَهْرَهُ. قُلْتُ: عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالأُخْرَى عَنْ شِمَالِهِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَمِيلُ إِلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ شَيْئًا». وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ تَسْلِيمَتَيْنِ.

700 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو الْجَمَاهِرِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَرُدَّ عَلَى الإِمَامِ، وَأَنْ نَتَحَابَّ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ» 701 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ،

أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، نَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ قُرَّةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «حَذْفُ السَّلامِ سُنَّةٌ». وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: يَعْنِي أَنْ لَا يَمُدَّهُ مَدًّا

باب الانصراف عن الصلاة

بَابُ الانْصِرَافِ عَنِ الصَّلاةِ 702 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ صَلاتِهِ جُزْءًا يَرَى أَنَّ حَتْمًا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْفَتِلَ إِلا عَنْ يَمِينِهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مَا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ،

وَوَكِيعٍ، كُلٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كَانَ أَكْثَرَ انْصِرَافِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلاتِهِ عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ إِلَى حُجْرَتِهِ» 703 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا فَيَنْصَرِفُ عَنْ جَانِبَيْهِ جَمِيعًا، عَلَى يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ»

وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ». وَعَنْ أَنَسٍ، «أَنَّهُ كَانَ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى أَوْ يَعْمِدُ الانْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ». وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «انْصَرَفَ حَيْثُ أَحْبَبْتَ عَلَى يَمِينِكَ، وَإِنْ شِئْتَ عَلَى يَسَارِكَ».

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَتْ حَاجَتُهُ عَنْ يَمِينِهِ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ عَنْ يَسَارِهِ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ. قُلْتُ: إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي لَهُ حَاجَةٌ يَنْصَرِفُ إِلَى جَانِبِ حَاجَتِهِ، فَإِنِ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ، فَيَنْصَرِفُ إِلَى أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ، وَالْيَمِينُ أَوْلاهُمَا، لِمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مِنَ التَّيَمُّنِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَلْيُقْبِلْ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ مِنْ جَانِبِ يَمِينِهِ، لِمَا 704 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، نَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْبَرَاءِ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ، أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَابْنُ الْبَرَاءِ: هُوَ رَبِيعُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ.

وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ» 705 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ انْحَرَفَ». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ «لَا يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِي مَكَانِهِ» وَلَمْ يَصِحَّ

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ، وَفَعَلَهُ الْقَاسِمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُصَلِّ الإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ حَتَّى يَتَحَوَّلَ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ لَمْ يُدْرِكِ الْمُغِيرَةَ. 706 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَعْجَزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ»

باب الرجل ينصرف قبل الإمام

بَابُ الرَّجُلِ يَنْصَرِفُ قَبْلَ الإِمَامِ 707 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَنَا حَفْصُ بْنُ بُغَيْلٍ الْمُرْهِبِيُّ، نَا زَائِدَةُ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَّهُمْ عَلَى الصَّلاةِ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا قَبْلَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلاةِ»

باب مكث الإمام بالمصلى حتى ينصرف النساء

بَابُ مَكْثِ الإِمَامِ بِالْمُصَلَّى حَتَّى يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ 708 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ مِنْ صَلاتِهِ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَنَرَى مَكْثَهُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ

بْنِ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ صَلَّى مَعَهُ مِنَ الرِّجَالِ، مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ

باب ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح

بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ 709 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَقَالَ: كَانُوا يَجْلِسُونَ فَيَتَحَدَّثُونَ، وَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ، وَيَبْتَسِمُ مَعَهُمْ إِذَا ضَحِكُوا "، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ

710 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ الْبَصْرِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا أَبُو ظِلالٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ»، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: وَأَبُو ظِلالٍ اسْمُهُ: هِلالٌ، وَهُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ 711 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُكْرَمٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى

الصُّبْحَ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ: بَلَغَنَا أَنَّ الأَرْضَ تَعِجُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ نَوْمَةِ الْعَالَمِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ

باب الذكر بعد الصلاة

بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاةِ 712 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ 713 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُدَاشَاهِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ

مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاةِ لَمْ يَقْعُدْ إِلا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ 714 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ صَلاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. وَأَبُو عَمَّارٍ: هُوَ شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ 715 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الصَّلْتُ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطٍ، نَا أَبِي، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ. ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دِلُّوَيْهِ الدَّقَّاقُ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ السُّلَيْطِيُّ، نَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْوَرَّادِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةِ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ

قَوْلُهُ: «وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» فَالْجَدُّ، بِفَتْحِ الْجِيمِ: هُوَ الْغِنَى وَالْحَظُّ فِي الرِّزْقِ، مَعْنَاهُ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى مِنْكَ غِنَاهُ، إِنَّمَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ بِطَاعَتِكَ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشُّعَرَاء: 88]، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ الْجِدُّ بِالْكَسْرِ، وَالْجِدُّ: الاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ بِخِلافِ مَا دَعَا اللَّهُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ قَالَ: {وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [الْمُؤْمِنُونَ: 51] أَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَكَيْفَ يَحُثُّهُمْ عَلَى الْعَمَلِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ؟! 716 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ مِنْ صَلاتِهِ يَقُولُ بِصَوْتِهِ

الأَعْلَى: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَلا نَعْبُدُ إِلا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ 717 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ التَّمْتَامُ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، صَحِبُوكَ كَمَا صَحِبْنَا، وَيَجِدُونَ أَمْوَالا يُنْفِقُونَهَا وَلا نَجِدُهَا، قَالَ: أَفَلا أَدُلُّكُمْ

عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ أَدْرَكْتُمْ بِهِ مَنْ قَبْلَكُمْ إِلا مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا تَقُولُونَ، تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ ". قَالَ سُهَيْل: إِحْدَى عشرَة، إِحْدَى عشرَة، فَجَمِيع ذَلِك كُله ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَامَ الْعَيْشِيِّ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ. وَالدُّثُورُ: جَمْعُ الدَّثْرِ، وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ 718 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّوْقِيُّ الطُّوسِيُّ بِهَا، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أَنَا مُسَدَّدٌ، نَا خَالِدٌ، نَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَبَّحَ

فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَكَبَّرَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، فَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، ثُمَّ قَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَيَانٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْمَذْحِجِيِّ الْمَذْحَجُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ: قَبِيلَةٌ مِنَ الْيَمَنِ. 719 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ شَهِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالا: نَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الأَغْنِيَاءَ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ أَمْوَالٌ يُعْتِقُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ؟!

قَالَ: فَإِذَا صَلَّيْتُمْ، فَقُولُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً، وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلا يَسْبِقُكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 720 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا إِسْحَاقُ، أَنَا يَزِيدُ، أَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، قَالَ: «كَيْفَ ذَاكَ؟»، قَالُوا: صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا، وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ، قَالَ: " أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَمْرٍ تُدْرِكُونَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ،

وَلا يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ بِهِ إِلا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ: تُسَبِّحُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا، وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 721 - أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّوْقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا أَبُو النَّضْرِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، نَا الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، نَا مَالِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ، أَوْ فَاعِلُهُنَّ: ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ تَكْبِيرَةً فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَوْلُهُ: «مُعَقِّبَاتٌ» يُرِيدُ هَذِهِ التَّسْبِيحَاتِ سُمِّيَتْ مُعَقِّبَاتٍ، لأَنَّهَا عَادَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَالتَّعْقِيبُ: أَنْ تَعْمَلَ عَمَلا، ثُمَّ تَعُودُ إِلَيْهِ، وَقَوْلُهُ

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النَّمْل: 10] أَيْ: لَمْ يَرْجِعْ، قَالَ شِمْرٌ: كُلُّ رَاجِعٍ مُعَقَّبٌ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} [الرَّعْد: 11] أَيْ: لِلإِنْسَانِ مَلائِكَةٌ يُعَقِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يُقَالُ: مَلَكٌ مُعَقِّبٌ، وَمَلائِكَةٌ مُعَقِّبَةٌ، ثُمَّ مُعَقِّبَاتٌ جَمْعُ الْجَمْعِ، وَقِيلَ: مَلائِكَةُ اللَّيْلِ تُعَقِّبُ مَلائِكَةَ النَّهَارِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالا: كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ، كَمَا يُعَلِّمُ الْمُكْتِبُ الْغِلْمَانَ، وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْقَبْرِ».

باب تحريم الكلام في الصلاة

بَابُ تَحْرِيمِ الْكَلامِ فِي الصَّلاةِ 722 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: " كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [الْبَقَرَة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الْكَلامِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قِيلَ: لِلْقُنُوتِ أَرْبَعَةُ مَعَانٍ: الصَّلاةُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9]. وَيَكُونُ بِمَعْنَى طُولِ الْقِيَامِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ الْقُنُوتِ». وَيَكُونُ بِمَعْنَى الطَّاعَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُمَّةً قَانِتًا} [النَّحْل: 120] أَيْ: مُطِيعًا لِلَّهِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى السُّكُوتِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [الْبَقَرَة: 238]، وَقِيلَ: الْقَانِتُ: الذَّاكِرُ، وَلَيْسَ السُّكُوتُ تَفْسِيرًا لِلْقُنُوتِ، فَيَكُونُ السَّاكِتُ قَانِتًا، وَلَكِنْ أُمِرُوا بِالذِّكْرِ وَتَرْكِ الْكَلامِ، فَقِيلَ: أُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ. وَذَكَرَ مَعْنَاهُ الْخَطَّابِيُّ. 723 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا وَهُوَ فِي الصَّلاةِ، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ أَتَيْتُهُ لأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، فَجَلَسْتُ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلاتَهُ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ

اللَّهُ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاةِ» وَيُرْوَى «فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ». قَوْلُهُ: «فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ»، وَيُرْوَى: «مَا قَدُمَ وَمَا حدث»، تَقُولُ الْعَرَبُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِلرَّجُلِ إِذَا أَقْلَقَهُ الشَّيْءُ وَأَزْعَجَهُ وَغَمَّهُ، وَتَقُولُ أَيْضًا: أَخَذَهُ الْمُقِيمُ وَالْمُقْعِدُ، كَأَنَّهُ يَهْتَمُّ لِمَا نَأَى مِنْ أَمْرِهِ وَلِمَا دَنَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ: الْحُزْنُ، وَالْكَآبَةُ، يُرِيدُ: أَنَّهُ قَدْ عَاوَدَهُ قَدِيمُ الأَحْزَانِ، وَاتَّصَلَ بِحَدِيثِهَا. 724 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ هُرَيْمٍ وَهُوَ ابْنُ سُفْيَانَ الْبَجَلِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا، فَلَمْ يَرُدُّ، فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ: «إِنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ

ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ السَّلُولِيِّ قَلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي رَدِّ السَّلامِ فِي الصَّلاةِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُلِّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ، رَدَّهُ حَتَّى يُسْمِعَ، وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا. وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرُدُّ، فَلَوْ رَدَّ بِاللِّسَانِ بَطَلَ صَلاتُهُ، وَيُشِيرُ بِيَدِهِ. وَرُوِيَ عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: «مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ إِلَيَّ إِشَارَةً بِأَصْبُعِهِ». 725 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَكِيعٌ، نَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِبِلالٍ: " كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ؟ قَالَ:

كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «إِنَّهُ يَرُدُّ إِشَارَةً»، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَرُدُّ السَّلامَ وَلا يُشِيرُ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاةِ رَدَّ السَّلامَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَرَدُّ السَّلامِ بَعْدَ الْخُرُوجِ سُنَّةٌ، وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلاتِهِ، السَّلامَ، وَالإِشَارَةُ حَسَنَةٌ. قُلْتُ: وَلا يَجُوزُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فِي الصَّلاةِ، فَمَنْ فَعَلَ، فَهُوَ كَلامٌ تَبْطُلُ بِهِ صَلاتُهُ، فَإِنْ فَعَلَ أَوْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا لِصَلاتِهِ، أَوْ كَانَ جَاهِلا لِحُكْمِهِ، وَهُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالإِسْلامِ، أَوْ كَانَ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ مِثْلُ هَذِهِ الأَحْكَامِ، لَا يُبْطِلُ صَلاتَهُ، لِمَا 726 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمَّاهُ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا ضَرَبَنِي، وَلا كَهَرَنِي، وَلا سَبَّنِي، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَحِلُّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ»، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ، وَمِنَّا رِجَالٌ يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: «فَلا تَأْتِهِمْ»، قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ؟ قَالَ: «ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلا يَصُدُّهُمْ»، قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قَالَ: «كَانَ نَبِيُّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ»، قَالَ: قُلْتُ: جَارِيَةٌ لِي كَانَتْ تَرْعَى غُنَيْمَاتٍ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، إِذِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهَا اطِّلاعَةً، فَإِذَا الذِّئْبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْهَا، وَأَنَا مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي

صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَعَظُمَ ذَاكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَفَلا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: «ائْتِنِي بِهَا» فَجِئْتُ بِهَا، فَقَالَ: «أَيْنَ اللَّهُ»؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا»؟، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَجَّاجٍ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي الطِّيَرَةِ، وَالْخَطِّ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَالرُّقَى. وَقَوْلُهُ: مَا كَهَرَنِي، أَيْ: مَا انْتَهَرَنِي، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَكْهَرْ. قُلْتُ: فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَلامَ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ حُكْمَ الصَّلاةِ، وَتَحْرِيمَ الْكَلامِ فِيهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاةِ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ كَلامَ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَزَادَ الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: إِذَا تَكَلَّمَ فِي الصَّلاةِ عَامِدًا بِشَيْءٍ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلاةِ، مِثْلَ أَنْ قَامَ الإِمَامُ فِي مَحَلِّ الْقُعُودِ، فَقَالَ لَهُ: اقْعُدْ، أَوْ جَهَرَ فِي مَوْضِعِ السِّرِّ، فَأَخْبَرَهُ، لَا يُبْطِلُ صَلاتَهُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: كَلامُ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ يُبْطِلُ الصَّلاةَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا سَلَّمَ نَاسِيًا لَا يُبْطِلُ صَلاتَهُ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَرَ كَلامَ النَّاسِي مُبْطِلا لِلصَّلاةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: وَمَنْ عَطَسَ فِي صَلاتِهِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُخْفِي. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الْفَاتِحَة: 2]، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَرُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَطَسْتُ، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ، فَقَالَ: " مَنِ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلاةِ؟ فَقَالَ رِفَاعَةُ: أَنَا. قَالَ: «لَقَدِ ابْتَدَرَهَا

بِضْعَةٌ وَثَلاثُونَ مَلَكًا أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا». فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي التَّطَوُّعِ، أَمَّا فِي الْمَكْتُوبَةِ، فَيَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ. 727 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: عَطَسَ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّنَا، وَبَعْدَ مَا يَرْضَى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «

مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ»؟ قَالَ: فَسَكَتَ الشَّابُّ، ثُمَّ قَالَ: «مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا»؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتُهَا وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إِلا خَيْرًا، قَالَ: «مَا تَنَاهَتْ دُونَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ». قُلْتُ: وَلَوْ أَعْلَمُ رَجُلا بِكَلامٍ يُوَافِقُ نَظْمَ الْقُرْآنِ، وَقَصَدَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، فَجَائِزٌ، رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ، فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، فَأَجَابَهُ عَلِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الرّوم: 60]

باب التثاؤب في الصلاة

بَابُ التَّثَاؤُبِ فِي الصَّلاةِ 728 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنِّي لأَرُدُّ التَّثَاؤُبَ بِالتَّنَحْنُحِ

باب البكاء في الصلاة

بَابُ الْبُكَاءِ فِي الصَّلاةِ قَالَتْ عَائِشَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ. 729 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجِرْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ مُطَرِّفٍ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ،

عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ»، يَعْنِي: يَبْكِي وَقَالَ أَبُو عِيسَى: كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ. أَزِيزُ الْمِرْجَلِ: صَوْتُهُ، يُرِيدُ غَلَيَانَ جَوْفِهِ بِالْبُكَاءِ. وَيُرْوَى: «كَأَزِيزِ الرَّحَى»، وَهُوَ صَوْتُهَا وَجَرْجَرَتُهَا، وَالأَزِيزُ وَالْهَزِيزُ: الصَّوْتُ، وَأَصْلُ الْهَزِّ وَالأَزِّ: التَّحْرِيكُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مَرْيَم: 83]، أَيْ: تُزْعِجُهُمْ، وَيُقَالُ: أَزَّ قِدْرَكَ، أَيْ: أَلْهِبِ النَّارَ تَحْتَهَا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يُوسُف: 86]، وَالنَّشِيجُ: صَوْتٌ مَعَهُ تَوَجُّعٌ، كَمَا يُرَدِّدُ الصَّبِيُّ بُكَاءَهُ فِي صَدْرِهِ.

قُلْتُ: وَلَوْ نَفَخَ فِي صَلاتِهِ، فَظَهَرَ حَرْفَانِ، أَوْ قَالَ: أُفٍّ، فَسَدَتْ صَلاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَرْفَانِ، فَلا تفْسد، هَذَا قَوْلُ الأَكْثَرِينَ، وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ فِي الصَّلاةِ: آهْ؟ قَالَ: يُعِيدُ، وَمِثْلُهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَاتَّفَقُوا عَلَى الْكَرَاهِيَةِ. رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى غُلامًا لَنَا، يُقَالُ لَهُ: أَفْلَحُ، إِذَا سَجَدَ نَفَخَ، فَقَالَ: «يَا أَفْلَحُ تَرِّبْ وَجْهَكَ»، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ نَفَخَ لَا تَبْطُلُ صَلاتُهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا قَالَ: أُفٍّ لَا تَبْطُلُ، وَلَوْ ضَحِكَ فَظَهَرَ حَرْفًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ، قَالَ جَابِرٌ: «إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلاةِ، أَعَادَ الصَّلاةَ، وَلَمْ يُعِدِ الْوُضُوءَ». وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ فِي الصَّلاةِ، تَبْطُلُ الْوُضُوءَ وَالصَّلاةَ جَمِيعًا.

باب كراهية الاختصار في الصلاة

بَابُ كَرَاهِيَةِ الاخْتِصَارِ فِي الصَّلاةِ 730 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَالاخْتِصَارُ: هُوَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ فِي الصَّلاةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ

ذَلِكَ فِعْلُ الْيَهُودِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا، وَيُرْوَى أَنَّ إِبْلِيسَ إِذَا مَشَى مَشَى مُخْتَصِرًا، وَيُقَالُ: إِنَّ إِبْلِيسَ أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ كَذَلِكَ، وَهُوَ شَكْلٌ مِنْ أَشْكَالِ الْمَصَائِبِ. وَفِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ «الاخْتِصَارُ فِي الصَّلاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ». وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الاخْتِصَارَ: هُوَ أَنْ يُمْسِكَ بِيَدِهِ مِخْصَرَةً، أَيْ: عَصَا يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا، قُلْتُ: وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقَدْ 731 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَابِصِيُّ، نَا أَبِي، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الرَّقَّةَ، فَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي: هَلْ لَكَ فِي رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: غَنِيمَةً، فَدُفِعْنَا إِلَى وَابِصَةَ، فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: نَبْدَأُ فَنَنْظُرُ إِلَى زِيِّهِ، فَإِذَا عَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ لاطِئَةٌ ذَاتُ أُذُنَيْنِ وَبُرْنُسُ خَزٍّ أَغْبَرُ، فَإِذَا هُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى عَصًا فِي صَلاتِهِ، فَقُلْنَا بَعْدَ أَنْ سَلَّمْنَا، فَقَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مِحْصِنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا أَسَنَّ، وَحَمَلَ اللَّحْمَ، اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ». وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يتوكؤون على العصي فِي الصَّلَاة. وَقِيلَ: مَعْنَى الاخْتِصَارِ: أَنْ يَقْرَأَ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ بِكَمَالِهَا.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الصَّفِّ بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالْمُرَاوَحَةِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُرَاوَحَةُ: أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى إِحْدَى رِجْلَيْهِ مَرَّةً، ثُمَّ يَعْتَمِدُ عَلَى الأُخْرَى مَرَّةً. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَأَى رَجُلا قَدْ صَفَّ بَيْنَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: خَالَفْتَ السُّنَّةَ، لَوْ رَاوَحْتَ بيَنْهُمَا كَانَ أَفْضَلَ ". وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «صَفُّ الْقَدَمَيْنِ، وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ مِنَ السُّنَّةِ». وَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَوْصُولٌ، وَحَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ مُرْسَلٌ. رَوَى شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي صَافًّا قَدَمَيْهِ، وَأَنَا غُلامٌ شَابٌّ».

باب كراهية الالتفات في الصلاة

بَابُ كَرَاهِيَةِ الالْتِفَاتِ فِي الصَّلاةِ 732 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، نَا الأَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الالْتِفَاتِ فِي الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلاسٌ يخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاةِ الْعَبْدِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 733 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، نَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَاسِمُ بْنُ بَكْرٍ الطَّيَالِسِيُّ،

بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّرَسُوسِيُّ، نَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكُرَيْزِيُّ، نَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلا عَلَى الْعَبْدِ مَا كَانَ فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ أَعْرَضَ عَنْهُ». صَالِحُ بْنُ أَبِي الأَخْضَرِ ضَعِيفٌ، يَرْوِي عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرِهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ أَبُو الْخَيْرِ: سَأَلْنَا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23] أَهُمُ الَّذِينَ

يُصَلُّونَ أَبَدًا؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ إِذَا صَلَّى لَمْ يَلْتَفِتْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلا عَنْ شِمَالِهِ، وَلا خَلْفِهِ. 734 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الأَحْوَصِ، يُحَدِّثُنَا فِي مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ». وَأَبُو الأَحْوَصِ هَذَا مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِأَبِي الأَحْوَصِ صَاحِبِ ابْنِ مَسْعُودٍ 735 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُسْلِمُ بْنُ حَاتِمٍ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَالالْتِفَاتَ فِي الصَّلاةِ، فَإِنَّ الالْتِفَاتَ فِي الصَّلاةِ هَلَكَةٌ،

فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ، فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ قُلْتُ: الالْتِفَاتُ فِي الصَّلاةِ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ كَانَ لأَمْرٍ يَحْدُثُ، فَلا بَأْسَ. 736 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، نَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي: ابْنُ سَلامٍ، عَنْ زَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي السَّلُولِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ، يَعْنِي: صَلاةَ الصُّبْحِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ.

وَقَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 737 - قُلْتُ: أَمَّا النَّظَرُ إِلَى الشَّيْءِ، فَلا بَأْسَ بِهِ فِي الصَّلاةِ، وَالأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يَلْحَظُ فِي الصَّلاةِ يَمِينًا وَشِمَالا، وَلا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ». أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 738 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلامٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاتِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ تَنْقِيشِ مَوَاضِعِ الصَّلاةِ، وَالصَّلاةِ عَلَى الْمُصَلَّى الْمَنْقُوشِ، وَفِيهِ أَنِ مَنِ اسْتَثْبَتَ خَطًّا مَكْتُوبًا وَهُوَ فِي الصَّلاةِ، لَمْ تَفْسُدْ صَلاتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَشْغَلُهُ عَلَمُ الْخَمِيصَةِ عَنْ صَلاتِهِ حَتَّى يَتَأَمَّلَهُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَفِيهِ أَنَّ التَّفَكُّرَ فِي الشَّيْءِ لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ. رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَامَ مُسْرِعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: «ذَكَرْتُ

وَأَنَا فِي الصَّلاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا، فَأَمَرْتُ بِقَسْمِهِ». قَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأُجَهِّزُ جَيْشِي، وَأَنَا فِي الصَّلاةِ. قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي لأَضْطَجِعُ عَلَى فِرَاشِي، فَمَا يَأْتِينِي النَّوْمُ، وَأَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ، فَمَا تَتَوَجَّهُ إِلَيَّ الْقِرَاءَةُ مِنَ اهْتِمَامِي بِأَمْرِ النَّاسِ. قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ أَنْ يُطَاعَ اللَّهُ وَلا يُعْصَى اللَّهُ.

باب كراهية رفع البصر إلى السماء في الصلاة

بَابُ كَرَاهِيَةِ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاةِ 739 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاتِهِمْ»، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ: «لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، بِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ

باب الخشوع في الصلاة

بَابُ الْخُشُوعِ فِي الصَّلاةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2}} [الْمُؤْمِنُونَ: 1 - 2]، قَالَ مُجَاهِدٌ: السُّكُونُ فِيهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الْفَتْح: 29]، قَالَ: هُوَ الْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ. وَالْخُشُوعُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الْخُضُوعِ، إِلا أَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْبَدَنِ، وَالْخُشُوعَ فِي الْبَدَنِ وَالْبَصَرِ وَالصَّوْتِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} [طه: 108]، أَيِ: انْخَفَضَتْ. 740 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلال، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ،

حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّلاةُ مَثْنَى مَثْنَى، تَشَهَّدْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَضَرَّعْ، وَتَخَشَّعْ، وَتَمَسْكَنْ، ثُمَّ تُقْنِعْ يَدَيْكَ، يَقُولُ: " تَرْفَعْهُمَا إِلَى رَبِّكَ مُسْتَقْبِلا بِبُطُونِهِمَا وَجْهَكَ، وَتَقُولُ: يَا رَبِّ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَهِيَ خِدَاجٌ "

قَوْلُهُ: «تَمَسْكَنْ»، أَيْ: تَذِلَّ وَتَخْضَعْ، مَفْعَلَةٌ مِنَ السُّكُونِ، وَالْقِيَاسُ فِي فِعْلِهِ: تَسَكَّنْ، إِلا أَنَّهُ جَاءَ هَذَا كَذَلِكَ، كَقَوْلِهِمْ: تَمَدْرَعَ مِنَ الْمِدْرَعَةِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «رَكْعَتَانِ مُقْتَصِدَتَانِ فِي تَفَكُّرٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ». قَالَ سَلْمَانُ: الصَّلاةُ مِكْيَالٌ، فَمْنَ أَوْفَى أُوفِيَ لَهُ، وَمَنْ طَفَّفَ، فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قَالَ اللَّهُ لِلْمُطَفِّفِينَ. وَرَأَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَجُلا يَعْبَثُ فِي صَلاتِهِ، فَقَالَ: لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا، خَشَعَتْ جَوَارِحُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشَّرْح: 7]، قَالَ:

إِذَا فَرَغْتَ مِنْ دُنْيَاكَ، فَانْصَبْ فِي صَلاتِكَ {، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشَّرْح: 8] اجْعَلْ نِيَّتَكَ وَرَغْبَتَكَ إِلَى رَبِّكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [الْبَقَرَة: 238]، قَالَ: مِنَ الْقُنُوتِ: الرُّكُودُ، وَالْخُشُوعُ، وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَخَفْضُ الْجَنَاحِ مِنْ رَهْبَةِ اللَّهِ.

باب حمل الصبي في الصلاة

بَابُ حَمْلِ الصَّبِيِّ فِي الصَّلاةِ 741 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السُّلَمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَفَّافُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «وَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا» قُلْتُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ، مِنْهَا حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الأَهْلِ وَالصِّغَارِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ أَوْ عَلَى عُنُقِهِ مَتَاعٌ جَازَ مَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي إِمْسَاكِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ ثِيَابَ الأَطْفَالِ وَأَبْدَانِهِمْ عَلَى الطَّهَارَةِ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهَا نَجَاسَةٌ. وَكَرِهَ الْحَسَنُ الصَّلاةَ فِي ثِيَابِ الصِّبْيَانِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ حَمَلَ حَيَوَانًا فِي الصَّلاةِ، فَنَجَاسَةُ دَاخِلِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلاةِ إِذَا كَانَ ظَاهِرُهُ طَاهِرًا، لأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِمُرَاعَاةِ طَهَارَةِ الظَّاهِرِ، كَمَا فِي حَقِّ

نَفْسِهِ، بِخِلافِ مَا لَوْ حَمَلَ قَارُورَةً مَسْدُودَةَ الرَّأْسِ، وَفِي بَاطِنِهَا نَجَاسَةٌ، لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ. وَمِنْهَا: أَنَّ لَمْسَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ، لأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْملابسة لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ بَعْضُ أَعْضَائِهَا. 743 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، نَا عَبْدُ الأَعْلَى، نَا مُحَمَّدٌ، يَعْنِي: ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلاةِ فِي الظُّهْرِ، أَوِ الْعَصْرِ، وَقَدْ دَعَاهُ بِلالٌ لِلصَّلاةِ، " إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ بِنْتُ ابْنَتِهِ عَلَى عُنُقِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُصَلاهُ، وَقُمْنَا

خَلْفَهُ وَهِيَ فِي مَكَانِهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ، قَالَ: فَكَبَّرَ فَكَبَّرْنَا، قَالَ: حَتَّى إِذَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْكَعَ أَخَذَهَا فَوَضَعَهَا، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ وَقَامَ، أَخَذَهَا وَرَدَّهَا فِي مَكَانِهَا، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ "

باب قتل الحية والعقرب في الصلاة

بَابُ قَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلاةِ 744 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ طُرْفَةَ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ دَاسَةَ التَّمَّارُ، أَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْتُلُوا الأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ: الْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ " قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلاةِ، وَأَنَّ مُوَالاةَ الْفِعْلِ مَرَّتَيْنِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ لَا يُفْسِدُ الصَّلاةَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَتْلَ الْعَقْرَبِ غَالِبًا يَكُونُ بِالضَّرْبَةِ وَالضَّرْبَتَيْنِ، فَأَمَّا إِذَا تَتَابَعَ الْعَمَلُ وَصَارَ

فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ بَطَلَتِ الصَّلاةُ. وَفِي مَعْنَى الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ كُلُّ ضَرَّارٍ مُبَاحِ الْقَتْلِ كَالزَّنَابِيرِ، وَالشِّبْثَانِ، وَنَحْوِهَا، وَرَخَّصَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي قَتْلِ الأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ، إِلا إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرَخِّصْ، وَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلا، وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالاتِّبَاعِ. 745 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ ضَمْضَمٍ هُوَ ابْنُ جَوْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ: الْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ " وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ، وَأَنَسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْقَمْلَ، وَالْبَرَاغِيثَ فِي الصَّلاةِ. وَفِي الْمُرْسَلِ: فِي الْقَمْلَةِ يَصُرُّهَا حَتَّى يُصَلِّيَ، وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: يَدْفِنُهَا كَالنُّخَامَةِ.

باب العمل اليسير لا يبطل الصلاة

بَابُ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ 746 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ، لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلاتِي، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَخَذْتُهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ عَلَى سَارِيَةِ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ

قَوْلُهُ: «تَفَلَّتَ» أَيْ: تَعَرَّضَ لِي فَلْتَةً، أَيْ: فَجْأَةً، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ الْجِنِّ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ، فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الْأَعْرَاف: 27] فَإِنَّهُ حُكْمُ الأَعَمِّ وَالأَغْلَبِ مِنَ الآدَمِيِّينَ امْتَحَنَهُمْ بِذَلِكَ، لَيَفْزَعُوا إِلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهِمْ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ سُلَيْمَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرَوْنَ الْجِنَّ وَتَصَرُّفَهُمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ عَيْنُهُ غَيْرُ نَجِسَةٍ، وَلا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِمَسِّهِ. 747 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «جِئْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي الْبَيْتِ، وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ، فَمَشَى حَتَّى فَتَحَ لِي، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، وَوَصَفَتِ الْبَابَ فِي الْقِبْلَةِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

باب التسبيح إذا نابه شيء في الصلاة

بَابُ التَّسْبِيحِ إِذَا نَابَهُ شَيْءٌ فِي الصَّلاةِ 748 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ، نَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «التَّسْبِيحُ فِي الصَّلاةِ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ

749 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، وَحَانَتِ الصَّلاةُ، فَجَاءَ بِلالٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ، الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ اثْبُتْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟

مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ، فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا تَعْجِيلُ الصَّلاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤَخِّرُوهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا لانْتِظَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَمِنْهَا أَنَّ الالْتِفَاتَ فِي الصَّلاةِ لَا يُفْسِدُ الصَّلاةَ مَا لَمْ يَتَحَوَّلْ عَنِ الْقِبْلَةِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ لَا يُبْطِلَ الصَّلاةَ، فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُوا التَّصْفِيقَ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالإِعَادَةِ. وَمِنْهَا أَنَّ تَقَدُّمَ الْمُصَلِّي، أَوْ تَأَخُّرَهُ عَنْ مَكَانِ صَلاتِهِ لَا يُفْسِدُ الصَّلاةَ إِذَا لَمْ يُطِلْ.

وَمِنْهَا أَنَّ التَّصْفِيقَ سُنَّةُ النِّسَاءِ فِي الصَّلاةِ إِذَا نَابَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ شَيْءٌ فِي الصَّلاةِ، وَهُوَ أَنْ تَضْرِبَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى صَفْحَ الْكَفِّ الْيُسْرَى، قَالَ عِيسَى بْنُ أَيُّوبَ: تَضْرِبُ بِإِصْبَعَيْنِ مِنْ يَمِينِهَا عَلَى كَفِّهَا الْيُسْرَى. قُلْتُ: وَلا تُصَفِّقُ بِالْكَفَّيْنِ، لأَنَّهُ يُشْبِهُ اللَّهْوَ، وَيُرْوَى: «التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ» وَهُوَ التَّصْفِيقُ بِالْيَدِ مِنْ صَفْحَتَيِ الْكَفِّ. وَمِنْهَا أَنَّ الرَّجُلَ يُسَبِّحُ إِذَا نَابَهُ شَيْءٌ، وَقَالَ عَلِيٌّ: كُنْتُ إِذَا اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي سَبَّحَ. وَمِنْهَا أَنَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَبِّحَ لإِعْلامِ الإِمَامِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُصَفِّقُونَ لإِعْلامِ الإِمَامِ، فَأَمَرُوا بِالتَّسْبِيحِ. وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ حَدَثَتْ لَهُ نِعْمَةٌ، وَهُوَ فِي الصَّلاةِ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ، وَيُبَاحُ لَهُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِيهَا، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ فَعَلَهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَمِنْهَا جَوَازُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ صَلاتِهِ إِمَامًا، وَفِي بَعْضِهَا مَأْمُومًا، وَأَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الصَّلاةِ مُنْفَرِدًا، جَازَ لَهُ أَنْ يَصِلَ صَلاتَهُ بِصَلاةِ الإِمَامِ، وَيَأْتَمَّ بِهِ، فَإِنَّ الصِّدِّيقَ ائْتَمَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِلالِ الصَّلاةِ. وَمِنْهَا جَوَازُ الصَّلاةِ بِإِمَامَيْنِ، أَحَدِهِمَا بَعْدَ الآخِرِ، فَإِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ ائْتَمُّوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ لأَبِي بَكْرٍ: «اثْبُتْ مَكَانَكَ» أَمْرُ تَقْدِيمٍ وَإِكْرَامٍ، لَا أَمْرُ إِيجَابٍ وَإِلْزَامٍ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمْ يُخَالِفْهُ أَبُو بَكْرٍ.

باب الحدث في الصلاة

بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلاةِ 750 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَافِعٍ، وَبَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحْدَثَ، يَعْنِي الرَّجُلَ، وَقَدْ جَلَسَ فِي آخِرِ صَلاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَقَدْ جَازَتْ صَلاتُهُ» 751 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، وَبَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا

قَضَى الإِمَامُ الصَّلاةَ وَقَعَدَ، فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ، وَمَنْ كَانَ خَلْفَهُ مِمَّنْ أَتَمَّ الصَّلاةَ». وَهَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَقَدِ اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا أَنَّهُ إِذَا جَلَسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ، وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ قَوْمٌ: يُعِيدُ الصَّلاةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَالْحَدَثُ فِي الصَّلاةِ يُبْطِلُ الصَّلاةَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُعِيدُ، لِمَا 752 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جرير بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا

فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَنْصَرِفْ، وَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ صَلاتَهُ» وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي عَلَى صَلاتِهِ إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَعَفَ، انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى وَلَمْ يَتَكَلَّمْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ، فَيَغْسِلُ الدَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَلَّى. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ

عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، فَلْيَأْخُذُ بِأَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ». قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَنْفِهِ لِيُوهِمَ الْقَوْمَ أَنَّ بِهِ رُعَافًا، وَفِي هَذَا بَابٌ مِنَ الأَخْذِ بِالأَدَبِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَإِخْفَاءِ الْقَبِيحِ مِنَ الأَمْرِ وَالتَّوْرِيَةِ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَلَيْسَ يَدْخُلُ هَذَا فِي بَابِ الرِّيَاءِ وَالْكَذِبِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّجَمُّلِ، وَاسْتِعْمَالِ الْحَيَاءِ، وَطَلَبِ السَّلامَةِ مِنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ، فَتَنَفَّسَ رَجُلٌ، يَعْنِي الْحَدَثَ، وَلَكِنَّهُ كنى، فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ إِلا قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى، قَالَ جَرِيرٌ: فَقُلْتُ: اعْزِمْ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَقَالَ: أَعْزِمُ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ، لما قُمْنَا فَتَوَضَّأْنَا ثُمَّ صَلَّيْنَا.

باب سجود السهو

بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ 753 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَّسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ رَجُلٌ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِنِّي أَهِمُ فِي صَلاتِي، فَيَكْبُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: امْضِ عَلَى صَلاتِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ وَأَنْتَ تَقُولُ: مَا أَتْمَمْتُ صَلاتِي.

باب من شك في صلاته فلم يدر كم صلى بنى على اليقين

بَابُ مَنْ شَكَّ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى بَنَى عَلَى الْيَقِينِ 754 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، فَلا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، أَثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً، وَلِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً، فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ». هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلا، وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ , وَابْنُ عَجْلانَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ

755 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ، فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلاثًا، فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلاثٍ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى حُكْمَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، يَأْخُذُ بِالأَقَلِّ، وَالثَّانِي: أَنَّ مَحَلَّ سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلامِ. أَمَّا الأَوَّلُ، فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الأَقَلِّ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ يَتَحَرَّى، وَيَأْخُذُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا ثَالِثَتُهُ أَضَافَ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ أَنَّهَا رَابِعَتُهُ، فَيَأْخُذُ بِهِ، هَذَا إِذَا كَانَ يَعْتَرِيهِ الشَّكُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ سَهَا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصَّلاةَ عِنْدَهُمْ، وَاحْتَجُّوا فِي التَّحَرِّي بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُسَلِّمْ وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ قَالَ: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مُفَسَّرٌ يُصَرِّحُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ، فَالأَخْذُ بِهِ أَوْلَى. وَمَعْنَى التَّحَرِّي الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: هُوَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ عَلَى مَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، لأَنَّ حَقِيقَةَ التَّحَرِّي: هُوَ طَلَبُ أَحْرَى الأَمْرَيْنِ، وَأَوْلاهُمَا بِالصَّوَابِ، وَأَحْرَاهُمَا هُوَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الأَخْذِ بِالاحْتِيَاطِ فِي إِكْمَالِ الصَّلاةِ. وَقَدْ يَكُونُ التَّحَرِّي بِمَعْنَى الْيَقِينِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الْجِنّ: 14]. وَأَمَّا مَحَلُّ سُجُودِ السَّهْوِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الإِخْبَارُ فِيهِ، فَرَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُحَيْنَةَ قَبْلَ السَّلامِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ السَّلامِ. وَعَنْ هَذَا الاخْتِلافِ تَشَعَّبَتْ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ

فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَغَيْرِهِمَا إِلَى أَنَّهُ يَسْجُدُهُمَا قَبْلَ السَّلامِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَجَعَلُوا حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ بُحَيْنَةَ نَاسِخًا لِغَيْرِهِ. رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُلٌّ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلا أَنَّ تَقْدِيمَ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلامِ آخِرُ الأَمْرَيْنِ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا السَّائِبِ الْقَارِئَ كَانَا يَسْجُدَانِ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلامِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلامِ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ سَهْوُهُ بِزِيَادَةٍ زَادَهَا فِي الصَّلاةِ، سَجَدَ بَعْدَ السَّلامِ، لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ سَهْوُهُ بِنُقْصَانٍ، سَجَدَ قَبْلَ السَّلامِ، لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَقَالَ: كُلُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ سَجَدَ قَبْلَ السَّلامِ، لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلامِ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ إِنْ سَلَّمَ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلامِ، لِحَدِيثِ

أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ. أَمَّا كُلُّ سَهْوٍ لَيْسَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرٌ، فَعِنْدَ أَحْمَدَ: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلامِ، وَعِنْدَ إِسْحَاقَ: إِنْ كَانَ زِيَادَةً، فَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلامِ، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا فَقَبْلَ السَّلامِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ شَكَّ لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ يَتْرُكُ الشَّكَّ. وَتَرْكُ الشَّكِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِلَى الْيَقِينِ، وَالآخَرُ: إِلَى التَّحَرِّي، فَمَنْ رَجَعَ إِلَى الْيَقِينِ، وَطَرَحَ الشَّكَّ، سَجَدَ قَبْلَ السَّلامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَإِذَا رَجَعَ إِلَى التَّحَرِّي، سَجَدَ بَعْدَ السَّلامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

باب من صلى الظهر خمسا

بَابُ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا 756 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سَلَّمَ ". وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ

قُلْتُ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا، أَنَّهُ إِذَا صَلَّى خَمْسًا سَاهِيًا، فَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنْ لَمْ يَكُنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ يُعِيدُ الصَّلاةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، فَصَلاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَيَجِبُ إِعَادَتُهَا، وَإِنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، تَمَّ ظُهْرُهُ، وَالْخَامِسَةُ تَطَوُّعٌ يُضِيفُ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَسْتَأْنِفِ الصَّلاةَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَعَدَ فِيهَا، فَلَمْ يُضِفْ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى.

باب من ترك التشهد الأول

بَابُ مَنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ 757 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، فَلَمْ يَجْلِسْ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الأَعْرَجِ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنُ بُحَيْنَةَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكِ ابْنُ بُحَيْنَةَ، مَالِكٌ أَبُوهُ، وَبُحَيْنَةُ أُمُّهُ، وَهُوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ.

وَلا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنَ السُّنَنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، إِلا بِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ قُعُودًا، أَوْ قِرَاءَةً، وَبِتَرْكِ الْقُنُوتِ. 758 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَسَدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَامَ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلاتَهُ، سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ

باب من سلم عن ركعتين

بَابُ مَنْ سَلَّمَ عَنْ رَكْعَتَيْنِ 759 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْعَصْرِ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: أَقَصُرَتِ الصَّلاةُ، أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ»، فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ صَلاتِهِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ

مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 760 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ، نَا ابْنُ شُمَيْلٍ، أَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاتَيِ الْعَشِيِّ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: قَدْ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا، قَالَ: " فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَخَرَجَتِ السّرعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَهَابَاهُ أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاةُ؟ فَقَالَ: «لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ»، فَقَالَ: «أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ

أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَال: ثُمَّ سَلَّمَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَقَوْلُهُ: «خَرَجَتِ السَّرْعَانُ» هُمُ الْمُنْصَرِفُونَ عَنِ الصَّلاةِ بِسُرْعَةٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ الْبُخَارِيُّ، فِي إِبَاحَةِ تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ. وَكَرِهَ قَوْمٌ تَشْبِيكَ الأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي طَرِيقِ الصَّلاةِ، كَمَا فِي الصَّلاةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَلا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَإِنَّهُ فِي الصَّلاةِ».

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: تَشْبِيكُ الأَصَابِعِ: إِدْخَالُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ، وَالامْتِسَاكُ بِهَا، وَقَدْ يَفْعَلُهُ الإِنْسَانُ عَبَثًا، وَيَفْعَلُهُ لِيُفَرْقِعَ أَصَابِعَهُ عِنْدَمَا يَجِدُ مِنَ التَّمَدُّدِ، وَرُبَّمَا قَعَدَ الإِنْسَانُ فَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَاحْتَبَى بِيَدَيْهِ يُرِيدُ بِهِ الاسْتِرَاحَةَ، وَرُبَّمَا اسْتَجْلَبَ بِهِ النَّوْمَ، فَيَكُونُ سَبَبًا لانْتِفَاضِ طُهْرِهِ، فَقِيلَ لِمَنْ خَرَجَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الصَّلاةِ: لَا يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، لأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَا يُلائِمُ حَالَ الْمُصَلِّي. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ: أَنَّ كَلامَ النَّاسِي لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ، وَاحْتَجَّ الأَوْزَاعِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ كَلامَ الْعَمْدِ إِذَا كَانَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلاةِ لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ، لأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ تَكَلَّمَ عَامِدًا، وَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْمَ عَامِدًا، وَالْقَوْمُ أَجَابُوا رَسُولَ اللَّهِ بِنَعَمْ عَامِدِينَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُتِمُّوا الصَّلاةَ. وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ كَلامَ النَّاسِي يُبْطِلُ الصَّلاةَ، زَعَمَ أَنَّ هَذَا

كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلامِ فِي الصَّلاةِ، ثُمَّ نُسِخَ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَسَائِرُ الْقَوْمِ لِيَتَكَلَّمُوا، مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ الصَّلاةَ لَمْ تَقْصَرْ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّلاةِ شَيْءٌ، وَلا وَجْهَ لِهَذَا الْكَلامِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ تَحْرِيمَ الْكَلامِ فِي الصَّلاةِ كَانَ بِمَكَّةَ، وَحُدُوثُ هَذَا الأَمْرِ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، لأَنَّ رِوَايَةَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الإِسْلامِ، وَقَدْ رَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَهِجْرَتُهُ مُتَأَخِّرَةٌ. وَأَمَّا كَلامُ الْقَوْمِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمْ أَوْمَئُوا، أَيْ: نَعَمْ، وَلَوْ صَحَّ أَنَّهُمْ قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ جَوَابًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِجَابَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ لَا تُبْطِلُ الصَّلاةَ، لِمَا رُوِيَ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ، فَدَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلاةِ، فَقَالَ لَهُ: " أَلَمْ تَسْمَعِ اللَّهَ يَقُولُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الْأَنْفَال: 24]، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّكَ تُخَاطِبُهُ فِي الصَّلاةِ بِالسَّلامِ، فَتَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَمِثْلُ هَذَا الْخَطَّابِ مَعَ غَيْرِهِ يُبْطِلُ الصَّلاةَ. وَأَمَّا ذُو الْيَدَيْنِ، فَكَلامُهُ كَانَ عَلَى تَقْدِيرِ النَّسْخِ، وَقِصَرِ الصَّلاةِ،

وَكَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ نَسْخٍ، فَكَانَ كَلامُهُ عَلَى هَذَا التَّوَهُّمِ فِي حُكْمِ كَلامِ النَّاسِي، وَكَلامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جَرَى عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ الصَّلاةَ، فَكَانَ فِي حُكْمِ النَّاسِي. وَفِي تَسْمِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الْيَدَيْنِ، دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّلْقِيبِ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلشَّيْنِ وَالتَّهْجِينِ. وَفِي قَوْلِهِ: «لَمْ أَنْسَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ نَاسِيًا: لَمْ أَفْعَلْ كَذَا، وَكَانَ قَدْ فَعَلَهُ لَا يُعَدُّ كَاذِبًا، لأَنَّ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ عَنِ الإِنْسَانِ مَرْفُوعٌ، وَالإِثْمَ فِيهِمَا عَنْهُ مَوْضُوعٌ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّمَا أَنْسَى لأَسُنَّ». وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا سَهَا فِي صَلاةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّاتٍ، أَجْزَأَتْهُ لِجَمِيعِهَا سَجْدَتَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَكَلَّمَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى السَّجْدَتَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَحُكِيَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَلْزَمُهُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ لِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَإِنْ سَجَدَهُمَا بَعْدَ السَّلامِ. أَمَّا سُجُودُ السَّهْوِ، إِنْ أَتَى بِهِ قَبْلَ السَّلامِ، لَا يَتَشَهَّدُ لَهُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ يُسَلِّمُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إِذَا أَتَى بَعْدَ السَّلامِ، هَلْ يَتَشَهَّدُ

لَهُ وَيُسَلِّمُ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتَشَهَّدُ وَلا يُسَلِّمُ، لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، لِمَا 761 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى بِهِمْ، فَسَهَا فِي صَلاتِهِ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ سَلَّمَ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، وَهُوَ عَمُّ أَبِي قِلابَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَبُو الْمُهَلَّبِ: اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ: مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو. قُلْتُ: وَرَوَى عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزَلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ، فَقَالَ: أَقَصُرَتِ الصَّلاةُ؟ فَخَرَجَ مُغْضَبًا يَجُرُّ رِدَائَهُ، فَقَالَ: «أَصَدَقَ هَذَا»؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا التَّشَهُّدَ.

وَسَلَّمَ أَنَسٌ، وَالْحَسَنُ، وَلَمْ يَتَشَهَّدَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يَتَشَهَّدُ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَحَوَّلَ عَنِ الْقِبْلَةِ سَاهِيًا لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا حَوَّلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْقِبْلَةِ كُرْهًا، أَوْ أَجْلَسَهُ، فَأَوْجَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ الإِعَادَةَ، لأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ نَادِرًا، فَلا يَقَعُ عَفْوًا.

باب سجود القرآن

بَابُ سُجُودِ الْقُرْآنِ 762 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عُمَرَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: «سَجَدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً مِنْهَا الَّتِي فِي النَّجْمِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عُمَرَ الدِّمَشْقِيِّ، وَهُوَ عُمَرُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ. وَيُرْوَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ الدِّمَشْقِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُخْبِرًا يُخْبِرُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ

763 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَالْمُشْرِكُونَ، وَالْجِنُّ، وَالإِنْسُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ 764 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ،

وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قُلْتُ: عَدَدُ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: ثَلاثٌ مِنْهَا فِي الْمُفَصَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ سُجُودٌ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ». قُلْتُ: وَالأَوَّلُ أَوْلَى، لأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْرَأْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الإِسْلامِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ، مِنْهَا ثَلاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ، وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ». وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ: ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.

باب السجدة في الحج

بَابُ السَّجْدَةِ فِي الْحَجِّ 765 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، " فُضِّلَتْ سَوْرَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلا يَقْرَأْهَا ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُمَا قَالا: «فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ

بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ»، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ فِيهَا سَجْدَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الأُولَى، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

باب السجود في ص

بَابُ السُّجُودِ فِي ص 766 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَسْجُدُ فِي ص»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي سُجُودِ ص، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ سُجُودُ شُكْرٍ لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " كَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، فَسَجَدَهَا دَاوُدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَوَمَا تَقْرَأُ {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الْأَنْعَام: 90] ".

باب سجود التلاوة في الصلاة

بَابُ سُجُودِ التِّلاوَةِ فِي الصَّلاةِ 767 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنِي بَكْرٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ: " إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ

باب السجود بسجود القارئ

بَابُ السُّجُودِ بِسُجُودِ الْقَارِئِ 768 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ، فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَغَيْرِهِ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ «فِي غَيْرِ صَلاةٍ»

باب من ترك سجود التلاوة

بَابُ مَنْ تَرَكَ سُجُودَ التِّلاوَةِ 769 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: «قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلاوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ، إِذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا، لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا حَتَّى يَسْجُدَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " أَنَّهُ قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،

فَنَزَلَ، فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ، فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إِلا أَنْ نَشَاءَ، فَلَمْ يَسْجُدْ، وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا "، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ. وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ، وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا؟ كَأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ، وَقَالُوا: إِنْ سَمِعَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَإِذَا تَوَضَّأَ سَجَدَ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ. وَقَالَ عُثْمَانُ: «إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَهَا».

وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَا يَسْجُدُ بِسُجُودِ الْقَاصِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى مَنْ سَمِعَ سَجْدَةً مِنْ إِنْسَانٍ قَرَأَ بِهَا لَيْسَ لَهُ بِإِمَامٍ أَنْ يَسْجُدَ بِقِرَاءَتِهِ، إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى الرَّجُلِ يَقْرَأُ عَلَى الْقَوْمِ، أَوْ يَأْتَمُّونَ بِهِ، فَإِذَا سَجَدَ سَجَدُوا مَعَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُقْرَأَ بِشَيْءٍ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلا بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ، حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَالسَّجْدَةُ مِنَ الصَّلاةِ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا تَسْجُدُ إِلا أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا، فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ فِي حَضَرٍ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا، فَلا عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهَكَ.

باب ما يقول في سجود التلاوة

بَابُ مَا يَقُولُ فِي سُجُودِ التِّلاوَةِ 770 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، نَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ: «سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 771 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ جُرَيْجٍ

أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ، فَسَجَدْتُ، فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ. قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ لِي جَدُّكَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَةً، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مَنْ هَذَا الْوَجْهِ

قُلْتُ: السُّنَّةُ إِذَا أَرَادَ السُّجُودَ لِلتِّلاوَةِ أَنْ يُكَبِّرَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ، كَبَّرَ، وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ». وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ يَقُولانِ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ: إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ سَلَّمَ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ، وَكَانَ أَحْمَدُ لَا يَعْرِفُ التَّسْلِيمَ فِي هَذَا. وَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ رَاكِبٌ سَجَدَ بِالإِيمَاءِ، فَإِنْ كَانَ مَاشِيًا سَجَدَ مُتَمَكِّنًا عَلَى الأَرْضِ. وَالسُّنَّةُ لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يَسْجُدَ بِسُجُودِ التَّالِي، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ التَّالِي، فَلا يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إِذَا لَمْ يَكُنْ قَعَدَ لاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ، فَإِنْ شَاءَ سَجَدَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَسْجُدْ.

باب سجود الشكر

بَابُ سُجُودِ الشُّكْرِ 772 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ جَعْدٍ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «شَهِدْتُ عَلِيًّا حِينَ أُتِيَ بِالْمُخْدَجِ، فَلَمَّا رَآهُ سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ» قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: سُجُودُ الشُّكْرِ سُنَّةٌ عِنْدَ حُدُوثِ نِعْمَةٍ طَالَمَا كَانَ يَنْتَظِرُهَا، أَوِ انْدِفَاعِ بَلِيَّةٍ يَنْتَظِرُ انْكِشَافَهَا، أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى بِعِلَّةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، وَيُخْفِي سُجُودَهُ عَنِ الْمَعْلُولِ، حَتَّى لَا يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى الْكُفْرَانِ، وَيُظْهَرُ لِلْعَاصِي لَعَلَّهُ يَتُوبُ. رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ «إِذَا جَاءَهُ أَمْرٌ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ تَعَالَى».

وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَأَى نُغَاشًا فَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ». وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ بَلَغَهُ فَتْحُ الْيَمَامَةِ شُكْرًا. وَسَجَدَ عَلِيٌّ حِينَ أُتِيَ بِالْمُخْدَجِ شُكْرًا، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيَشْتَرِطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ عَنِ الْحَدَثِ، وَطَهَارَةُ الْمَكَانِ وَالثَّوْبِ عَنِ الْخَبَثِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، إِلا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا رَاكِبًا، فَيَسْجُدُ إِلَى الطَّرِيقِ مُومِيًا كَسُجُودِ الْقُرْآنِ، غَيْرَ أَنَّ سُجُودَ الشُّكْرِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلاةُ. قَوْلُهُ «رَأَى نُغَاشًا» وَيُرْوَى «نُغَاشِيًّا»، النُّغَاشِيُّونَ: الْقِصَارُ الضِّعَافُ الْحَرَكَةِ.

باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

بَابُ الأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلاةِ فِيهَا 773 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلا عِنْدَ غُرُوبِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

774 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَيَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ 775 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الْجُنْدَعِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ 776 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا»، «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ». الصُّنَابِحِيُّ لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ رَحَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ، وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ، ذَكَرَهُ أَبُو عِيسَى

قَوْلُهُ: «وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ» قِيلَ: أَرَادَ بِهِ حِزْبَهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الْأَنْعَام: 6] وَالْمُرَادُ بِالْقَرْنِ هَهُنَا: عَبَدَةُ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُمْ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ، وَقِيلَ: قَرْنُ الشَّيْطَانِ أَيْ: قُوَّتُهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلانٌ مُقْرِنٌ لِهَذَا الأَمْرِ، أَيْ: مُطِيقٌ لَهُ، وَهُوَ مَثَلٌ يُرِيدُ بِهِ التَّسَلُّطَ، وَذَلِكَ

لأَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَقْوَى أَمْرُهُ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ، لأَنَّهُ يُسَوِّلُ لِعَبَدَةِ الشَّمْسِ أَنْ يَسْجُدُوا لَهَا فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يُدْنِي رَأْسَهُ مِنَ الشَّمْسِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ حَتَّى يَكُونَ طُلُوعُهَا وَغُرُوبُهَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ، وَهُمَا جَانِبَا رَأْسِهِ مِنَ الشَّمْسِ، فَيَنْقَلِبُ سُجُودُ عَبَدَةِ الشَّمْسِ لِلشَّمْسِ عِبَادَةً لِلشَّيْطَانِ. 777 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَفَّافُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الْبَزَّازُ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَمَّارٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرُو بْنَ عَبَسَةَ لِصَاحِبِ الْعَقْلِ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، بِأَيِّ شَيْءٍ تَدَّعِي أَنَّكَ رُبْعُ الإِسْلامِ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَرَى النَّاسَ عَلَى ضَلالَةٍ، وَلا أَرَى الأَدْيَانَ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُ عَنْ رَجُلٍ يخبر أَخْبَارًا بِمَكَّةَ، وَيُحَدِّثُ أَحَادِيثَ، فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى أَقْدَمَ مَكَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا، وَإِذَا قَوْمُهُ عَلَيْهِ جُرَآءُ، فَتَلَطَّفْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا نَبِيٌّ»، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «

رَسُولُ اللَّهِ»، قُلْتُ: آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: «بِأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ وَلا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ» فَقُلْتُ: مَنْ تَبِعَكَ عَلَى هَذَا الأَمْرِ؟ قَالَ: «حُرٌّ وَعَبْدٌ» وَإِذَا مَعَهُ بِلالٌ وَأَبُو بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ، قَالَ: «إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَالْحَقْ بِي» فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَدْ أَسْلَمْتُ، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ حَتَّى جَاءَ رَكْبٌ مِنْ يَثْرِبَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الْمَكِّيُّ الَّذِي أَتَاكُمْ؟ قَالُوا: أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَتَرَكْنَا النَّاسَ إِلَيْهِ سِرَاعًا، فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَلَسْتَ الَّذِي أَتَيْتَنِي بِمَكَّةَ»؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُ، قَالَ: «إِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ فَلا تُصَلِّ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا

تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ قَيْدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الرُّمْحُ بِالظِّلِّ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ، فَإِنَّهَا تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا فَاءَ الْفَيْءُ، فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ حِينَ تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ؟ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ، ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ فَيَمُجُّ، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ وَيَسْتَنْثِرُ، إِلا جَرَتْ خَطَايَا فِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، إِلا جَرَتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، إِلا جَرَتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، إِلا جَرَتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعَرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، إِلا جَرَتْ خَطَايَا قَدَمَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ،

وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ أَهْلٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ لَهُ إِلا انْصَرَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرُو بْنَ عَبَسَةَ، انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ؟ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُعْطَى الرَّجُلُ هَذَا كُلَّهُ فِي مَقَامِهِ؟! قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةِ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، لَقَدْ كَبِرَ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي حَاجَةٌ إِلَى أَنْ أَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا، لَقَدْ سَمِعْتُهُ سَبْعًا، أَوْ ثَمَانِيًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيِّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، وَقَالَ: «فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» قُلْتُ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا صَلَّى الصُّبْحَ أَنْ يَبْتَدِئَ نَافِلَةً مِنَ الصَّلاةِ لَا سَبَبَ لَهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ،

وَلا بَعْدَمَا صَلَّى الْعَصْرَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِمَا قَضَاءَ الْفَرَائِضِ، فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصُّبْحِ أَوْ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَقَضَى فَرْضًا، أَوْ صَلَّى تَطَوُّعًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضَ الْوَقْتِ، فَجَائِزٌ بِالاتِّفَاقِ. وَأَمَّا حَالَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَحَالَةُ الاسْتِوَاءِ، وَحَالَةُ الْغُرُوبِ، فَاخْتَلَفُوا فِي قَضَاءِ الْفَرَائِضِ فِيهَا، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِهِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: النَّهْيُ عَنْ تَطَوُّعٍ يَبْتَدِئُهُ الإِنْسَانُ مُخْتَارًا، وَكَذَلِكَ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ فِيهَا كُلَّ تَطَوُّعٍ لَهُ سَبَبٌ مِنْ قَضَاءِ سُنَّةٍ، أَوْ وِرْدٍ، أَوْ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ إِنِ اتَّفَقَ دُخُولُهُ، أَوْ صَلاةِ خُسُوفٍ إِنْ وُجِدَ فِيهَا. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ فَرْضًا وَلا غَيْرَهُ إِلا حَالَةَ الْغُرُوبِ يَجُوزُ عَصْرُ يَوْمِهِ فَحَسْبُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ نَامَ عَنْ صَلاةِ الْعَصْرِ، فَاسْتَيْقَظَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَاخْتَلَفُوا فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ، فَأَجَازَ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ «كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ إِذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا، وَلا يُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلا غُرُوبِهَا».

رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلُّوا الصُّبْحَ»، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى كَرَاهِيَتِهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ لِمَا 778 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الميربندكشائِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ الشِّنْجِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَرَوذِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا: «إِذَا طَلَعَتِ

الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ بَازِغَةً، وَإِذَا تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ، وَنِصْفُ النَّهَارِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: " ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسَ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ " قَوْلُهُ: «نَقْبُرُ فِيهَا مَوْتَانَا» أَيْ: نَدْفِنَ، يُقَالُ: قَبَرَهُ: إِذَا دَفَنَهُ، وَأَقْبَرَهُ: إِذَا جَعَلَ لَهُ قَبْرًا يُوَارَى فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] أَيْ: جَعَلَ لِلإِنْسَانِ قَبْرًا يُوَارَى فِيهِ، وَسَائِرُ الأَشْيَاءِ يُلْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: «تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ» أَيْ: مَالَتِ الشَّمْسُ لِلْمَغِيبِ، وَيُقَالُ مِنْهُ: ضَافَتْ فَهِيَ تَضِيفُ ضَيْفًا. أَيْ: مَالَتْ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الضَّيْفُ، يُقَالُ: ضِفْتَ فُلانًا: إِذَا مِلْتَ إِلَيْهِ، وَنَزَلْتَ بِهِ، وَأَضَفْتُهُ: إِذَا أَمَلْتَهُ إِلَيْكَ، وَأَنْزَلْتَهُ عَلَيْكَ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا» يَعْنِي: الصَّلاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ.

باب الرخصة في الصلاة وقت الزوال يوم الجمعة

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الصَّلاةِ وَقْتَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ 779 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الصَّلاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، إِلا يَوْمَ الْجُمُعَةِ». وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَة مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلاةَ نِصْفَ النَّهَارِ، إِلا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: «إِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ، إِلا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» قُلْتُ: وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الرُّخْصَةِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ:

هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِمَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ لِصَلاةِ الْجُمُعَةِ مُبْتَكِرًا، فَلَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ وَقْتَ الزَّوَالِ، لأَنَّهُ قَدْ يَغْلِبُهُ النَّوْمُ، فَيَحْتَاجُ إِلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِالصَّلاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ لِفَضِيلَةِ الْوَقْتِ. قُلْتُ: وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ، إِلا يَوْمَ الْجُمُعَةِ»، وَقَدْ عَلَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ الْمَنْعَ عَنِ الصَّلاةِ حَالَةَ الطُّلُوعِ، وَحَالَةَ الْغُرُوبِ بِكَوْنِ الشَّمْسِ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، وَعَلَّلَ الْمَنْعَ حَالَةَ الزَّوَالِ بِأَنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ حِينَئِذٍ، وَتُفْتَحُ أَبْوَابُهَا. قُلْتُ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَا يُدْرَكُ مَعَانِيهَا، إِنَّمَا عَلَيْنَا الإِيمَانُ بِهَا وَالتَّصْدِيقُ، وَتَرْكُ الْخَوْضِ فِيهَا، وَالتَّمَسُّكُ بِالْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِهَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُصَلَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ نِصْفَ النَّهَارِ»، وَعَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ.

باب الرخصة في الصلاة في هذه الأوقات بمكة حرسها الله

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الصَّلاةِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ بِمَكَّةَ حَرَسَهَا اللَّهُ 780 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهْ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا، فَلا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرُّخْصَةِ فِي صَلاةِ التَّطَوُّعِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ بِمَكَّةَ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِهَا بَعْدَ الطَّوَافِ إِذَا طَافَ

فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَوْقَاتِ يُصَلِّي بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقِيلَ: الرُّخْصَةُ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ التَّطَوُّعَاتِ، لأَنَّهُ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «إِلا بِمَكَّةَ» وَذَلِكَ لِفَضِيلَةِ الْبُقْعَةِ. وَكَرِهَهُ قَوْمٌ كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلادِ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالُوا: إِذَا طَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ «أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ، فَلْمَ يُصَلِّ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى نَزَلَ بِذِي طُوَى، فَصَلَّى بَعْدَمَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ». وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمُ الصَّلاةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ «لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ».

باب ما يصلى في هذه الأوقات من الفوائت

بَابُ مَا يُصَلَّى فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ مِنَ الْفَوَائِتِ 781 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَصَلَّى عِنْدِي رَكْعَتَيْنِ لَمْ أَكُنْ أَرَاهُ يُصَلِّيهِمَا، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، «لَقَدْ صَلَّيْتَ صَلاةً لَمْ أَكُنْ أَرَاكَ تُصَلِّيهَا»، قَالَ: «إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيَّ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ، أَوْ صَدَقَةٌ فَشَغَلُونِي عَنْهُمَا، فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ ابْنَ

عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ أَرْسَلُوهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَتْهُ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ: رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ، فَقَالَ: «مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ يَا قَيْسُ»؟ فَقُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، فَرْضًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا بَعْدَ الصُّبْحِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ صَلَّى فَرْضَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، مَتَى يَقْضِيهِمَا؟ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ،» أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ فَرْضِ الصُّبْحِ "، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ جُرَيْجٍ،

وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَقْضِيهِمَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ، وَبِهِ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، فَصَلاهُمَا بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْضِيهِمَا ضُحًى إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَلا يَقْضِيهِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَيَحْتَجُّونَ بِحَدِيثٍ غَرِيبٍ يُرْوَى عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَ مَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ».

باب مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ركعتين بعد العصر

بَابُ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ 782 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، إِمْلاءً، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى

بْنِ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ 783 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَتْ: «كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا، أَوْ نَسِيَهُمَا، فَصَلاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً أَثْبَتَهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ. قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، لأَنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ فَشَغَلَهُ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَصَلاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَعُدْ لَهُمَا

قُلْتُ: وَالأَوَّلُ أَشْهَرُ أَنَّهُ أَثْبَتَهُمَا وَدَاوَمَ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ مَخْصُوصًا بِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ تَخْصِيصِهِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ مَخْصُوصًا بِأَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْعَصْرِ التَّطَوُّعَ، وَقِيلَ: فَعَلَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ قَضَاءً، ثُمَّ أَثْبَتَهُ، وَكَانَ مَخْصُوصًا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى مَا فَعَلَهُ مَرَّةً.

باب فضل الجماعة

بَابُ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ 784 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» 785 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، قَالَ: قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ: أَخْبَرَكُمْ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، فَأَقَرَّ بِهِ، وَقَالَ: نَعَمْ 786 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ 787 - وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا زُهَيْرٌ، نَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ حَدَّثَهُ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ

النَّاسِ مِمَّنْ يُصَلِّي الْقِبْلَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَبْعَدَ مَنْزِلا مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: لَوِ اشْتَرَيْتُ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الرَّمْضَاءِ وَالظُّلْمَةِ، فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، فَنَمَى الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ، فَقَالَ: أَرَدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ يُكْتَبَ لِي إِقْبَالِي إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِلَى أَهْلِي إِذَا رَجَعْتُ، فَقَالَ: «أَعْطَاكَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، أَنْطَاكَ اللَّهُ مَا احْتَسَبْتَ كُلَّهُ أَجْمَعَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ 788 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ،

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلاةَ فِي الْجَمَاعَةِ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلاةً، فَإِذَا صَلاهَا فِي فَلاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا، وَسُجُودَهَا، بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلاةً» 789 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: ابْنَ طَحْلاءَ، عَنْ مِحْصَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا، أَعْطَاهُ اللَّهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاهَا وَحَضَرَهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئًا»

باب التشديد على ترك الجماعة

بَابُ التَّشْدِيدِ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ 790 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، حَدِّثْنِي بِأَعْجَبِ حَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: صَلَّى بِنَا، أَوْ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْغَدَاةِ، ثُمَّ قَالَ: «أَشَاهِدٌ فُلانٌ» مَرَّتَيْنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ يَشْهَدِ الصَّلاةِ، ثُمَّ قَالَ: «أَشَاهِدٌ فُلانٌ؟» قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ يَشْهَدِ الصَّلاةَ، قَالَ: «إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا مِنَ الرَّغَائِبِ لأَتَيْتُمُوهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا، وَإِنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلائِكَةِ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ فَضِيلَتَهُ لابْتَدَرْتُمُوهُ، وَإِنَّ صَلاتَكَ مَعَ رَجُلٍ أَزْكَى مِنْ صَلاتِكَ وَحْدَكَ، وَإِنَّ صَلاتَكَ مَعَ

رَجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِكَ مَعَ رَجُلٍ، وَمَا أَكْثَرْتَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ» 791 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ الْمِرْمَاةُ: مَا بَيْنَ ظِلْفَيِ الشَّاةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا أَدْرِي مَا وَجْهَهُ، إِلا أَنَّهُ هَكَذَا يُفَسَّرُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: الْمِرْمَاةُ: السَّهْمُ الَّذِي يُرْمَى بِهِ. وَيُقَالُ: الْمِرْمَاتَانِ هَهُنَا: سَهْمَانِ يَرْمِي بِهِمَا الرَّجُلُ فَيُحْرِزُ سَبَقَهُ، يَقُولُ: يُسَابِقُ إِلَى سَبَقِ الدُّنْيَا، وَيَدَعُ سَبَقَ الآخِرَةِ. قَوْلُهُ: «حَسَنَتَيْنِ» يُرِيدُ سَهْمَيْنِ جَيِّدَيْنِ. وَقِيلَ: الْمِرْمَاةُ: عَظْمٌ بِلا لَحْمٍ، وَالْحُسْنُ وَالْحَسْنُ: الْعَظْمُ الَّذِي فِي الْمِرْفَقِ مِمَّا يَلِي الْبَطْنِ، وَالْقُبْحُ وَالْقَبِيحُ: الْعَظْمُ الَّذِي فِي الْمِرْفَقِ مِمَّا يَلِي الْكَتِفِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَظْمَيْنِ يَكُونُ عَارِيًا مِنَ اللَّحْمِ. مَعْنَى الْكَلامِ التَّوْبِيخُ، يَقُولُ: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجِيبُ إِلَى مَا هَذِهِ

صِفَتُهُ فِي الْحَقَارَةِ، وَعَدَمِ النَّفْعِ، وَلا يُجِيبُ إِلَى الصَّلاةِ، قُلْتُ: وَهَذَا شَيْءٌ بَعِيدٌ لَا يَتَحَقَّقُ. 792 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ، وَالْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ أَنْ تُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رِجَالا فِي أَيْدِيهِمْ حُزَمُ حَطَبٍ لَا يُؤْتَى رَجُلٌ فِي بَيْتِهِ سَمِعَ الإِقَامَةَ لَمْ يَشْهَدِ الصَّلاةَ إِلا أُضْرِمَ عَلَيْهِ بَيْتُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أبي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كُلٌّ عَنِ الأَعْمَشِ 793 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ

الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، نَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، نَا زَائِدَةُ، نَا السَّائِبُ بْنُ حُبَيْشٍ الْكَلاعِيُّ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ فَقُلْتُ: فِي قَرْيَةِ دُوَيْنَ حِمْصَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ، وَلا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ، إِلا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمِ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ» قَوْلُهُ: «اسْتَحْوَذَ» أَيِ: اسْتَوْلَى. 794 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ،

قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ السُّكَّرِيُّ الْوَاسِطِيُّ، نَا هُشَيْمٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ، فَلا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ» 795 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا قُرَادٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ، فَلا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ» قُلْتُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ لأَحَدٍ إِلا مِنْ عُذْرٍ. 796 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ،

عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، " إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلائِمُنِي، فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً ". ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ، فَلا صَلاةَ لَهُ قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فِي الْحَضَرِ وَالْقَرْيَةِ رُخْصَةٌ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ فِي أَنْ يَدَعَ الصَّلاةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتَهُ أُمُّهُ عَنِ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ شَفَقَةً، لَمْ يُطَعْهَا.

قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لَا طَاعَةَ لِلْوَالِدِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ سَمِعَ النِّدَاءَ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْ. وَأَوْجَبَ أَبُو ثَوْرٍ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: الْجَمَاعَةُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، لَا عَلَى الأَعْيَانِ، وَلا يَمْتَنِعُ الْعَبْدُ، عَنِ الْجَمَاعَةِ بِغَيْرِ عِلَّةٍ.

باب الرخصة في ترك الجماعة والجمعة عند المطر والعذر

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ عِنْدَ الْمَطَرِ وَالْعُذْرِ 797 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَذَّنَ بِالصَّلاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، فَقَالَ: أَلا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ، يَقُولُ: أَلا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «

يُنَادِي مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، وَالْغَدَاةِ الْقَرَّةِ» 798 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنَا أَبُو عَوَانَةَ، نَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَيْمُونِيُّ، وَعَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ فِي السَّفَرِ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ، أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ، أَوْ ذَاتُ رِيحٍ: أَلا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كُلٌّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ 799 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ

بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " يَأْمُرُ مُنَادِيهِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، وَاللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، وَذَاتِ رِيحٍ: أَلا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ «. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ رَخَّصَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَطَرِ وَالطِّينِ. وَكُلُّ عُذْرٍ جَازَ بِهِ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ، جَازَ بِهِ تَرْكُ الْجُمُعَةِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،» أَنَّهُ خَطَبَ فِي يَوْمٍ ذِي رَزَغٍ، فَأَمَرَ

الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، قَالَ: قُلِ الصَّلاةُ فِي الرِّحَالِ، وَقَالَ: فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ ". وَالرَّزَغُ: الطِّينُ وَالرُّطُوبَةُ، وَرَزَغَ الرَّجُلُ: إِذَا ارْتَطَمَ فِي الْوَحْلِ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَاءَ فَلْيُصَلِّ فِي رَحْلِهِ». الرِّحَالِ: أَرَادَ بِهَا الدُّورَ وَالْمَسَاكِنَ.

باب البداءة بالطعام إذا حضر وإن أقيمت الصلاة

بَابُ الْبَدَاءَةِ بِالطَّعَامِ إِذَا حَضَرَ وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ 800 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " جَمَعَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ، فَأُتِيَ بِهَدِيَّةٍ: خُبْزٍ، وَلَحْمٍ، فَأَكَلَ ثَلاثَ لُقَمٍ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَمَا مَسَّ مَاءً ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلاةُ، فَلا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْكُلانِ طَعَامًا وَشِوَاءً، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ لِيُقِيمَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَعْجَلْ حَتَّى نَأْكُلَ هَذَا الشِّوَاءَ، وَلا نَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ وَفِي أَنْفُسِنَا شَيْءٌ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ. قُلْتُ: هَذَا إِذَا كَانَتْ نَفْسُهُ شَدِيدَةُ التَّوَقَانِ إِلَى الطَّعَامِ، وَكَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُتَمَاسِكًا فِي نَفْسِهِ لَا يُزْعِجُهُ الْجُوعُ،

وَلا تُنَازِعُهُ شَهْوَةُ الطَّعَامِ، فَلا يُعْجِلْهُ عَنْ إِيفَاءِ حَقِّ الصَّلاةِ، فَيَبْدَأُ بِالصَّلاةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاةِ، فَأَلْقَاهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى». وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُؤَخِّرُ الصَّلاةَ لِطَعَامٍ، وَلا لِغَيْرِهِ». وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُتَمَاسِكِ فِي نَفْسِهِ، أَوْ إِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ ضِيقٌ يَخَافُ فَوْتَهُ، فَيَبْدَأُ بِالصَّلاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ وَكِيعٌ: إِنَّمَا يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ إِذَا كَانَ طَعَامًا يَخَافُ فَسَادَهُ.

باب لا يصلي وهو حاقن

بَابُ لَا يُصَلِّي وَهُوَ حَاقِنٌ 801 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَزْرَةَ الْقَاصِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ يَحْضُرُهُ الطَّعَامُ، وَلا هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 802 - أَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُئِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي حَزْرَةَ،

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخُو الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَجِيءَ بِطَعَامِهَا، فَقَامَ الْقَاسِمُ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يُصَلَّى بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَزْرَةَ الْقَاصِّ وَالْمُرَادُ بِالأَخْبَثَيْنِ: الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ. 803 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَرْقَمَ كَانَ يَؤُمُّ أَصْحَابَهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ يَوْمًا، فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ، فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ الصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَوَجَدَ

أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ، فَلْيَبْدَأْ بِالْغَائِطِ» وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ: إِنَّهُ لَا يَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ وَهُوَ يَجِدُ شَيْئًا مِنَ الْغَائِطِ، أَوِ الْبَوْلِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لَا يَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ وَهُوَ يَجِدُ شَيْئًا مِنْهُمَا، فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلاةِ، فَوَجَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَلا يَنْصَرِفُ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ. وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ يَخَافُ فَوْتَهُ لَوِ اشْتَغَلَ بِالأَكْلِ، أَوْ تَفْرِيغِ النَّفَسِ، فَلا يُعَرِّجُ عَلَى شَيْءٍ سِوَى الصَّلاةِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ زَنَّاءٌ»، وَهُوَ الْحَاقِنُ، يُقَالُ: زَنَأَ بَوْلَهُ، يَزْنَأُ زُنُوءًا: إِذَا احْتَقَنَ، وَأَزْنَأَ الرَّجُلُ بَوْلَهُ: إِذَا حَقَنَهُ. وَقَالَ عَلِيٌّ: مَنْ وَجَدَ فِي بَطْنِهِ رِزًّا فَلْيَتَوَضَّأْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ الصَّوْتُ كَالْقَرْقَرَةِ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: هُوَ غَمْزُ الْحَدَثِ، وَحَرَكَتُهُ.

باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

بَابُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةُ 804 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ الأَصْبَهَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، نَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ التَّمْتَامُ الضَّبِّيُّ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، نَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَمْرٍو، وَتَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ حَمَّادٌ: ثُمَّ لَقِيتُ عَمْرًا،

فَحَدَّثَنِي بِهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَالْمَرْفُوعُ أَصَحُّ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ: أَنَّ الصَّلاةَ إِذَا أُقِيمَتْ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَغَيْرِهَا مِنَ السُّنَنِ إِلا الْمَكْتُوبَةَ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ الرَّجُلُ إِذَا رَآهُ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ وَالإِمَامُ فِي الصَّلاةِ. وَرُوِيَ الْكَرَاهِيَةُ فِي ذَلِكَ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَسُفْيَانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي ذَلِكَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ مَسْرُوقٌ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَمَكْحُولٌ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَفُوتَهُ الإِمَامُ بِالرَّكْعَةِ، فَلْيَرْكَعْ خَارِجًا، ثُمَّ يَدْخُلْ، وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ، فَلْيَدْخُلْ مَعَ الإِمَامِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ يُدْرِكُ رَكْعَةً مِنَ الْفَجْرِ مَعَ الإِمَامِ، صَلَّى عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ الإِمَامِ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ صَلَّى مَعَ الْقَوْمِ، وَالْقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ، بِدَلِيلِ مَا

805 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ اللَّيْثِ الْكِرْمِينِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الضَّوِّ الْكَرْمِينِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، صَلاةُ الصُّبْحِ، وَهُوَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ، فَلَمْ نَفْهَمْهُ، فَقُلْنَا: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: قَالَ لِي: «يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ

باب تسوية الصف وإتمامه

بَابُ تَسْوِيَةِ الصَّفِ وَإِتْمَامِهِ 806 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، نَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَخْطُبُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي الْصَفَّ، أَوِ الصُّفُوفَ حَتَّى يَدَعَهُ مِثْلَ الْقِدْحِ، أَوِ الرُّمْحِ، فَرَأَى صَدْرَ رَجُلٍ نَاتِئًا، فَقَالَ: «عِبَادَ اللَّهِ سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، أَوْ ليُخَالِفَنَّ اللَّهُ بِهِ وُجُوهَكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. الْقِدْحُ: مَا يُقْطَعُ وَيُقَوَّمُ مِنَ السَّهْمِ قَبْلَ أَنْ يُرَاشَ وَيُرَكَّبَ نَصْلُهُ، فَإِذَا رِيشَ وَرُكِّبَ نَصْلُهُ، فَهُوَ حِينَئِذٍ سَهْمٌ

807 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» وَلَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرَّجُلَ يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ أَخِيهِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ قَوْلُهُ: «تَرَاصُّوا»، أَيْ: تَلاصَقُوا حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَكُمْ فُرَجٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصَّفّ: 4] أَيْ: لاصِقُ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ، وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ الإِمَامَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ، فَيَأْمُرُهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصَّفِّ. 808 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ

الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، نَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اسْتَوُوا، اسْتَوُوا، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» 809 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا زُهَيْرٌ، قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشَ، عَنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فِي الصُّفُوفِ الْمُقَدَّمَةِ، فَحَدَّثَنَا عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تَصُفُّونَ كَمَا يَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ»؟ قُلْنَا: وَكَيْفَ يَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْمُقَدِّمَةَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ

810 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا خَالِدٌ يَعْنِي: ابْنَ الْحَارِثِ، نَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُسَوِّي صُفُوفَنَا إِذَا قُمْنَا إِلَى الصَّلاةِ، فَإِذَا اسْتَوَيْنَا كَبَّرَ» 811 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ السَّائِبِ، صَاحِبِ الْمَقْصُورَةِ، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَوْمًا، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي لِمَ صُنِعَ هَذَا الْعُودُ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ عَلَيْهِ يَدَهُ، فَيَقُولُ: «اسْتَوُوا، وَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ».

وَبِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: نَا مُسَدَّدٌ، نَا حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ، نَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِهَذَا قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَقَالَ: «اعْتَدِلُوا، سَوُّوا صُفُوفَكُمْ» ثُمَّ أَخَذَ بِيَسَارِهِ، فَقَالَ: «اعْتَدِلُوا، سَوُّوا صُفُوفَكُمْ» 812 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ 813 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا أَبَانٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ

وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالأَعْنَاقِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ» وَالْحَذَفُ: غَنَمٌ سُودٌ صِغَارٌ، وَاحِدَتُهَا: حَذَفَةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: «كَأَنَّهَا بَنَاتُ حَذَفٍ»، وَيُرْوَى «أَوْلادُ الْحَذَفِ» قِيلَ: مَا أَوْلادُ الْحَذَفِ؟ قَالَ: ضَأْنٌ سُودٌ جُرْدٌ صِغَارٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُوَكِّلُ رَجُلا بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ، وَلا يُكَبِّرُ حَتَّى يُخْبِرَ أَنْ قَدِ اسْتَوَتِ الصُّفُوفُ. وَعَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَعَاهَدَانِ ذَلِكَ، وَيَقُولانِ: اسْتَوُوا، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: تَقَدَّمَ يَا فُلانُ، تَأَخَّرْ يَا فُلانُ.

باب فضل الصف الأول

بَابُ فَضْلِ الصَّفِّ الأَوَّلِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا». 814 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا ائْتَمُّوا بِي، وَيَأْتَمُّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ

أَبِي الأَشْهَبِ وَأَبُو نَضْرَةَ: اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكٍ، مِنْ بَنِي عَوَقِ بْنِ الدِّيَلِ، وَأَبُو الأَشْهَبِ: جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ الْعُطَارِدِيُّ، تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ مَكْفُوفًا. 815 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا جَرِيرٌ، أَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلصَّفِّ الأَوَّلِ ثَلاثًا، وَلِلثَّانِي مَرَّةً»

816 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ، نَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُوسُ بْنُ الْحُسَيْنِ السِّمْسَارُ، نَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ الدِّينَوَرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ثَلاثًا، وَعَلَى الَّذِي يَلِيهِ وَاحِدَةً» 817 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصَّفَّ الأَوَّلَ، وَزَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ، وَمَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ، أَوْ هَدَى زُقَاقًا

كَانَ لَهُ صَدَقَةً» قَوْلُهُ: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» قِيلَ: مَعْنَاهُ: زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَقْلُوبِ، كَقَوْلِهِمْ: عَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ، أَيْ: عَرَضْتُ الْحَوْضَ عَلَى النَّاقَةِ. وَرَوَى مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: «زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ». رُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: نَهَانِي أَيُّوبُ أَنْ أُحَدِّثَ «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ». 818 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو عَاصِمِ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ، يَمْسَحُ صُدُورَنَا وَمَنَاكِبَنَا، وَيَقُولُ: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ»، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الأُولَى»

819 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِينِ الصُّفُوفِ». وَبِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: 820 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، يَعْنِي: ابْنَ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ»

باب من هو أولى بالصف الأول

بَابُ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالصَّفِّ الأَوَّلِ 821 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّحَّاكِيُّ الطُّوسِيُّ بِهَا، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْغِطْرِيفِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُرِّيِّ، نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ليلني مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأَسْوَاقِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ الْحَارِثِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: إِنَّ خَالِدًا الْحَذَّاءَ مَا حَذَا نَعْلا قَطُّ، وَإِنَّمَا كَانَ يَجْلِسُ إِلَى حِذَاءٍ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: خَالِدٌ الْحَذَّاءُ:

هُوَ خَالِدُ بْنُ مِهْرَانَ، يُكْنَى أَبَا الْمُنَازِلِ، وَأَبُو مَعْشَرٍ: هُوَ زِيَادُ بْنُ كُلَيْبٍ. وَإِنَّمَا أَمَرَ أَنْ يَلِيَهُ أُولُو النُّهَى، لِيَعْقِلُوا عَنْهُ صَلاتَهُ، وَيَخْلُفُوهُ فِي الإِمَامَةِ إِنْ حَدَثَ بِهِ عَارِضٌ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، لِيَحْفَظُوا عَنْهُ». «وَهَيَشَاتُ الأَسْوَاقِ»: مَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْجَلَبَةِ، وَارْتِفَاعِ الأَصْوَاتِ، وَالْفِتَنِ، مِنَ الْهَوَشِ، وَهُوَ الاخْتِلاطُ.

باب من صلى خلف الصف وحده

بَابُ مِنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ 822 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا هَمَّامٌ، عَنِ الأَعْلَمِ، وَهُوَ زِيَادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 823 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، أَنَا زِيَادٌ الأَعْلَمُ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ، جَاءَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

صَلاتَهُ، قَالَ: «أَيُّكُمُ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ»؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ» قُلْتُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْفِقْهِ، مِنْهَا أَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ مُنْفَرِدًا بِصَلاةِ الإِمَامِ تَصِحُّ صَلاتُهُ، لأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ رَكَعَ خَلْفَ الصَّفِّ، فَقَدْ أَتَى بِجُزْءٍ مِنَ الصَّلاةِ خَلْفَ الصَّفِّ، ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالإِعَادَةِ، وَأَرْشَدَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ بِقَوْلِهِ: «وَلا تَعُدْ» وَهُوَ نَهْيُ إِرْشَادٍ، لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ، وَلَوْ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ لأَمَرَهُ بِالإِعَادَةِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالُوا: تَصِحُّ صَلاةُ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ صَلاتَهُ فَاسِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَوَكِيعٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا 824 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَأَى رَجُلا

يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَنْ لَمْ يُوجِبِ الإِعَادَةَ، تَأَوَّلُوا أَمْرَهُ بِالإِعَادَةِ فِي حَدِيثِ وَابِصَةَ عَلَى الاسْتِحْبَابِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ: مَنْ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، إِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الصَّفِّ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا لَمْ يُجْزِهِ. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدَ النَّاسَ رُكُوعًا، فَرَكَعَ، ثُمَّ دَبَّ حَتَّى وَصَلَ الصَّفَّ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَدِبُّ رَاكِعًا.

وَمِنْ فَوَائِدِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ عَلَى حَالٍ يَجِبْ أَنْ يَصْنَعَ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ، ثُمَّ إِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ، كَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ أَوْ بَعْدَمَا ارْتَفَعَ عَنِ الرُّكُوعِ، لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، فَيُتِمُّهَا بَعْدَمَا سَلَّمَ الإِمَامُ. 825 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ الْكُوفِيُّ، نَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَى

أَحَدُكُمُ الصَّلاةَ وَالإِمَامُ عَلَى حَالٍ، فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ، إِلا مَا رُوِيَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا، وَلا تَعُدُّوهُ شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ»

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالا: مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَرْفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ، فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ، وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، وَنَافِعًا عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الإِمَامِ فِي الصَّلاةِ، وَقَدْ سَبَقَهُ الإِمَامُ بِرَكْعَةٍ: أَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالأَرْبَعِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وِتْرًا؟ قَالا: نَعَمْ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: مَا صَلاةٌ يُجْلَسُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا؟ ثُمَّ قَالَ سَعِيدٌ: هِيَ الْمَغْرِبِ إِذَا فَاتَتْكَ مِنْهَا رَكْعَةٌ مَعَ الإِمَامِ.

باب إذا كان مع الإمام رجل واحد يقوم على يمينه

بَابُ إِذَا كَانَ مَعَ الإِمَامِ رَجُلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ عَلَى يَمِينِهِ 826 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي، «فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ ابْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخَذَنِي بِيَمِينِهِ، فَأَدَارَنِي مِنْ وَرَائِهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ، مِنْهَا صَلاةُ النَّافِلَةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمَأْمُومَ الْوَاحِدَ يَقُومُ عَلَى يَمِينِ الإِمَامِ، وَفِيهِ مِنَ الأَدَبِ أَنْ يَمْشِيَ الصَّغِيرُ عَلَى يَمِينِ الْكَبِيرِ، وَمِنْهَا جَوَازُ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلاةِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمَأْمُومَ إِذَا تَقَدَّمَ عَلَى الإِمَامِ فِي الْمَوْقِفِ لَا يَجُوزُ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَارَ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى يَمِينِهِ، وَكَانَ إِدَارَتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْسَرَ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا جَوَازُ الصَّلاةِ خَلْفَ مَنْ لَمْ يَنْوِ الإِمَامَةَ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَعَ فِي الصَّلاةِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ ائْتَمَّ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهَاجِرَةِ، فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ، فَقُمْتُ وَرَاءَهُ، فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَّا جَاءَ يَرْفَأُ تَأَخَّرْتُ، فَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ».

باب إذا كانوا ثلاثة تقدم الإمام، ووقف الآخران خلفه صفا، والمرأة تقف خلف الرجال وحدها

بَابُ إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً تَقَدَّمَ الإِمَامُ، وَوَقَفَ الآخَرَانِ خَلْفَهُ صَفًّا، وَالْمَرْأَةُ تَقِفُ خَلْفَ الرِّجَالِ وَحْدَهَا 827 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنُ الْفَضْلِ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، يَعْنِي: ابْنَ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَبُو حَرْزَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرًا، يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سِرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ ذَهَبْتُ أُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، فَلَمْ تَبْلُغْ لِي، وَكَانَتْ لَهَا ذَبَاذِبُ، فَنَكَّسْتُهَا، ثُمَّ خَالَفْتُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، ثُمَّ تَوَاقَصْتُ عَلَيْهَا لَا تَسْقُطُ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ

عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذْنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ، وَقَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمُقُنِي وَأَنَا لَا أَشْعُرُ، ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اتَّزِرْ بِهَا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا جَابِرُ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ 828 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لَكُمْ»، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، «فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 829 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ لَنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِنَا، وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ. وَرُوِيَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِ، وَبِأُمِّهِ، أَوْ خَالَتِهِ، قَالَ: «فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا»

قُلْتُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْمَوْقِفِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ يَقِفُ مَعَ الرِّجَالِ، لأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لِلرِّجَالِ، قُلْتُ: فَإِنْ كَثُرَ الرِّجَالُ وَالصِّبْيَانُ، يَتَقَدَّمُ الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ النِّسْوَانُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ الصَّلاةَ، فَصَفَّ الرِّجَالُ، وَصَفَّ خَلْفَهُمُ الْغِلْمَانُ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ». وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إِذَا صَلَّى عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَوْتَى، يُجْعَلُ أَفْضَلُهُمْ مِمَّا يَلِي الإِمَامَ، فَيَكُونُ الرَّجُلُ أَقْرَبَهُمْ مِنْهُ، ثُمَّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ الْخُنْثَى، ثُمَّ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ دُفِنُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ يُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمْ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَيُقَدَّمُ الرَّجُلُ، ثُمَّ الصَّبِيُّ خَلْفَهُ، ثُمَّ الْخُنْثَى، ثُمَّ الْمَرْأَةُ آخِرُهُمْ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الإِمَامَ إِذَا صَلَّى بِرَجُلَيْنِ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا.

رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، فَأَقَامَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ، وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

باب إذا وقف الإمام في مكان أرفع

بَابُ إِذَا وَقَفَ الإِمَامُ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ 830 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو خَالِدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بِالْمَدَائِنِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَتَقَدَّمَ عَمَّارٌ، وَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ يُصَلِّي، وَالنَّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ، فَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ، فَاتَّبَعَهُ عَمَّارٌ حَتَّى أَنْزَلَهُ حُذَيْفَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ عَمَّارٌ مِنْ صَلاتِهِ، قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ، فَلا يَقُمْ فِي مَقَامٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ»، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، قَالَ عَمَّارٌ: لِذَلِكَ اتَّبَعْتُكَ حِينَ أَخَذْتَ عَلَى يَدِي.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ صَلَّى فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلاةِ الإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ. قُلْتُ: 381 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: " صَلَّى بِنَا حُذَيْفَةُ عَلَى دُكَّانٍ مُرْتَفِعٍ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَجَبَذَهُ أَبُو مَسْعُودٍ، فَتَابَعَهُ حُذَيْفَةُ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: ألَمْ تَرَنِي قَدْ تَابَعْتُكَ " قُلْتُ: وَلَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ بَعِيدًا عَنِ الإِمَامِ وَهُمَا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، جَازَ، صَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَقْفِ الْمَسْجِدِ بِصَلاةِ الإِمَامِ.

قَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ. وَقَالَ أَبُو مَجْلَزٍ: يَأْتَمُّ الإِمَامُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ، أَوْ جِدَار إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ. وَجَوَّزَ عَطَاءٌ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلاةِ الإِمَامِ مَنْ عَلِمَهَا وَإِنْ بَعُدَ. وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ إِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ مَعَ بُعْدِ الإِمَامِ عَنِ الْمَأْمُومِ، وَاخْتِلافِ الْبِنَاءِ بَيْنَهُمَا إِذَا عَلِمَ صَلاةَ الإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ، فَأَجَازَ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ثَلاثُ مِائَةِ ذِرَاعٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ مِنْ بِنَاءٍ، أَوْ جِدَارٍ لَمْ يَجُزْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ، أَوْ فِي مَوَاتٍ بِجَنْبِهِ، وَيُصَلِّي بِصَلاةِ الإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الصَّفُّ عَلَى ثَلاثِ مِائَةِ ذِرَاعٍ، وَإِنْ وَقَفَ فِي دَارٍ مَمْلُوكَةٍ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ مِنَ الْمَسْجِدِ بِالْمُلْكِ.

باب من هو أولى بالإمامة

بَابُ مِنْ هُوَ أَوْلَى بِالإِمَامَةِ 832 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَقُّ الْقَوْمِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلا يُقْعَدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ،

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الأَشَجِّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، عَنِ الأَعْمَشِ هَكَذَا، وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ، وَقَالَ: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمَهُمْ سِلْمًا» 833 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالا: حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، سَمِعْتُ أَوْسَ بْنَ ضَمْعَجٍ، سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ وَاحِدَةً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَتِ السُّنَّةُ وَاحِدَةً، فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانَتِ الْهِجْرَةُ وَاحِدَةً، فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا، وَلا يَؤُمَنَّ رَجُلٌ رَجُلا فِي بَيْتِهِ، وَلا يَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ» قُلْتُ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالْفِقْهَ يُقَدَّمَانِ عَلَى قِدَمِ الْهِجْرَةِ، وَتَقَدُّمِ الإِسْلامِ، وَكِبَرِ السِّنِّ فِي الإِمَامَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْفِقْهِ مَعَ الْقِرَاءَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ

مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْفِقْهِ، لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، فَالأَقْرَأُ أَوْلَى مِنَ الأَعْلَمِ بِالسُّنَّةِ، وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقِرَاءَةِ، فَالأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ الأَفْقَهُ , أَوْلَى , وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الأَفْقَهَ أَوْلَى إِذَا كَانَ يُحْسِنُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا تَصِحُّ بِهَا الصَّلاةُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ: إِنْ قُدِّمَ أَفْقَهُهُمْ إِذَا كَانَ يَقْرَأُ مَا يُكْتَفَى بِهِ لِلصَّلاةِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ قُدِّمَ أَقْرَؤُهُمْ إِذَا عَلِمَ مَا يَلْزَمُهُ فَحَسَنٌ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ هَؤُلاءِ الأَفْقَهَ، لأَنَّ مَا يَجِبُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاةِ مَحْصُورٌ، وَمَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْحَوَادِثِ غَيْرُ مَحْصُورٍ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِلْمُصَلِّي فِي صَلاتِهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلاتِهِ، إِذَا لَمْ يَعْرِفْ حُكْمَهُ. وَإِنَّمَا قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِرَاءَةَ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يُسْلِمُونَ كِبَارًا، فَيَفْقَهُونَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَءُوا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قَارِئٌ إِلا وَهُوَ فَقِيهٌ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ صِغَارًا قَبْلَ أَنْ يَفْقَهُوا، فَكُلُّ فَقِيهٍ فِيهِمْ قَارِئٌ، وَلَيْسَ كُلُّ قَارِئٍ فَقِيهًا. فَإِنِ اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ: «فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً» فَإِنَّ الْهِجْرَةَ الْيَوْمَ مُنْقَطِعَةً، غَيْرَ أَنَّ فَضِيلَتَهَا مَوْرُوثَةٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلادِ الْمُهَاجِرِينَ، أَوْ كَانَ فِي آبَائِهِ وَأَسْلافِهِ مَنْ لَهُ سَابِقَةٌ فِي الإِسْلامِ وَالْهِجْرَةِ، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّنْ لَا سَابِقَةَ لأَحَدٍ مِنْ آبَائِهِ وَأَسْلافِهِ، فَإِنِ اسْتَوَوْا، فَالأَكْبَرُ

سِنًّا أَوْلَى، لأَنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَ أَصْحَابَهُ فِي السِّنِّ، فَقَدْ تَقَدَّمَهُمْ فِي الإِسْلامِ. قَوْلُهُ: «وَلا يَؤُمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ»، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ فِي الْجُمُعَاتِ، وَالأَعْيَادِ، السُّلْطَانُ أَوْلَى لِتَعَلُّقِ هَذِهِ الأُمُورِ بِالسَّلاطِينَ، فَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ، فَأَعْلَمُهُمْ أَوْلاهُمْ، وَقِيلَ: السُّلْطَانُ، أَوْ نَائِبُهُ إِذَا كَانَ حَاضِرًا، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِالإِمَامَةِ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَرَى الصَّلاةَ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، وَلا يَرَاهَا خَلْفَ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَيُرْوَى: «وَلا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَلا فِي سُلْطَانِهِ»، وَأَرَادَ بِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ أَوْلَى بِالإِمَامَةِ، إِذَا أُقِيمَتِ الْجَمَاعَةُ فِي بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْخِصَالُ فِي غَيْرِهِ، إِذَا كَانَ هُوَ يُحْسِنُ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ مَا يُقِيمُ بِهِ الصَّلاةَ. 834 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مَعْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ إِلا صَاحِبُ الْبَيْتِ»

قُلْتُ: فَإِنْ أَذِنَ صَاحِبُ الْبَيْتِ لِغَيْرِهِ، فَقْدَ كَرِهَهُ بَعْضُهُمْ. 835 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، قَالا: نَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبَانِ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يَأْتِينَا فِي مُصَلانَا نَتَحَدَّثُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ يَوْمًا، فَقُلْنَا: تَقَدَّمْ، فَقَالَ: لِيَتَقَدَّمْ بَعْضُكُمْ حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ لِمَ لَا أَتَقَدَّمُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلا يَؤُمَّهُمْ وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ» وَكَانَ إِسْحَاقُ يُشَدِّدُ فِي أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ بِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي بِهِمْ إِذَا زَارَهُمْ، بَلْ يُصَلِّي بِهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ الآخَرُونَ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا أَذِنَ صَاحِبُ الْبَيْتِ، قَالَ أَحْمَدُ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُدُ فِي

تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ» فَأَرْجُو أَنَّ الإِذْنَ فِي الْكُلِّ. وَالتَّكْرِمَةُ: مَا أَعَدَّهُ لإِكْرَامِهِ مِنْ وِطَاءٍ، أَوْ فِرَاشٍ، أَوْ سَرِيرٍ، أَوْ نَحْوِهِ، فَلا يَقْعُدُ عَلَيْهِ إِلا بِإِذْنِهِ، لأَنَّهُ رُبَّمَا أَعَدَّهُ لِغَيْرِهِ. 836 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ ثَلاثَةٌ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ 837 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْحَنَفِيُّ، نَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ».

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» وَحَضَرَ ابْنُ عُمَرَ مَسْجِدًا، إِمَامُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مَوْلًى، فَقَالَ لَهُ الْمَوْلَى: تَقَدَّمْ فَصَلِّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِكَ». قُلْتُ: وَتَجُوزُ إِمَامَةُ الْعَبْدِ، رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَعْلَى الْوَادِي هُوَ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَنَاسٌ كَثِيرٌ، فَيَؤُمُّهُمْ أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ، وَأَبُو عَمْرٍو غُلامُهَا حِينَئِذٍ لَمْ يَعْتِقْ. وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ، كَانَ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ الْمُصْحَفِ،

وَعَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ ذَكْوَانَ أَبَا عَمْرٍو، وَكَانَ عَبْدًا لِعَائِشَةَ , أَعْتَقَتْهُ عَنْ دُبُرٍ مِنْهَا يَقُومُ يَقْرَأُ لَهَا فِي رَمَضَانَ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إِمَامَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الصَّلاةَ، فَأَجَازَ قَوْمٌ، مِنْهُمُ الْحَسَنُ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَؤُمُّ الصَّبِيُّ إِلا فِي الْجُمُعَةِ. وَكَرِهَ قَوْمٌ الصَّلاةَ خَلْفَهُ، مِنْهُمُ الشَّعْبِيُّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا اضْطَرُّوا إِلَيْهِمْ أَمَّهُمْ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَعَلَّمَهُمُ الصَّلاةَ، وَقَالَ: «يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ» فَنَظَرُوا، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ، أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَ أَحْمَدُ يُضْعِفُ أَمْرَ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ.

قُلْتُ: وَلا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الأَعْمَى، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَؤُمُّ النَّاسَ وَهُوَ أَعْمَى». وَأَجَازُوا إِمَامَةَ وَلَدِ الْبَغِيِّ وَالْمُبْتَدِعِ، قَالَ الْحَسَنُ: صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: إِنَّ رَجُلا كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِالْعَقِيقِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَهَاهُ. قَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا نَهَاهُ، لأَنَّهُ كَانَ

لَا يُعْرَفُ مَنْ أَبُوهُ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ لِعُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ: " إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ، فَقَالَ: الصَّلاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ، فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ إِلا مِنْ ضَرُورَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا.

باب فيمن أم قوما وهم له كارهون

بَابُ فِيمَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ 838 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، نَا أَبُو غَالِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمْ آذَانَهُمُ: الْعَبْدُ الآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قُلْتُ: قَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الإِمَامِ أَئِمَّةُ الظُّلْمِ، فَأَمَّا مَنْ أَقَامَ السُّنَّةَ فَاللَّوْمُ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ. وَقِيلَ: هُوَ الرَّجُلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الإِمَامَةِ، فَيَتَغَلَّبُ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهَا، فَاللَّوْمُ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ. قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ فِي هَذَا: إِذَا كَرِهَ وَاحِدٌ، أَوِ اثْنَانِ، أَوْ ثَلاثَةٌ، فَلا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ حَتَّى يَكْرَهَهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ.

باب ما على الإمام من إتمام الصلاة

بَابُ مَا عَلَى الإِمَامِ مِنَ إِتْمَامِ الصَّلاةِ 839 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا صَلَّى بِقَوْمٍ وَكَانَ جُنُبًا، أَوْ مُحْدِثًا، أَنَّ صَلاةَ الْقَوْمِ صَحِيحَةٌ، وَعَلَى الإِمَامِ الإِعَادَةُ سَوَاءٌ كَانَ الإِمَامُ عَالِمًا بِحَدَثِهِ مُتَعَمِّدَ الإِمَامَةَ، أَوْ كَانَ جَاهِلا.

باب الإمام يخفف الصلاة

بَابُ الإِمَامِ يُخَفِّفُ الصَّلاةَ 840 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَتَمَّ صَلاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أَوْجَزَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ 841 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ وَلا أَتَمَّ صَلاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ شَرِيكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 842 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالُوَيْهِ الْمُزَكِّيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَا أَمَّ أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفِ الصَّلاةَ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَفِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَفِيهِمُ السَّقِيمَ، وَإِنْ قَامَ وَحْدَهُ، فَلْيُطِلْ صَلاتَهُ مَا شَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 843 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا

أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ، وَالضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ 844 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، سَمِعْتُ قَيْسًا، هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ،

إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ الدِّمَشْقِيِّ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَلَمْ يَرَ مَطَرًا، وَلَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ إِلا سَقِيفَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِذَا النَّاسُ قَدْ مُطِرُوا، فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلٌ فَقِيهٌ يَقُولُ: أَيُّهَا الْمُطَوِّلُ عَلَى النَّاسِ خَفِّفْ، فَإِنَّهْمُ قَدْ مُطِرُوا. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، اخْتَارُوا أَنْ لَا يُطِيلَ الإِمَامُ الصَّلاةَ، مَخَافَةَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الضَّعِيفِ، وَالإِطَالَةِ عَلَى ذِي الْحَاجَةِ، فَإِنْ أَرَادَ الْقَوْمُ كُلُّهُمُ الإِطَالَةَ، فَلا بَأْسَ.

باب التخفيف لأمر يحدث

بَابُ التَّخْفِيفِ لأَمْرٍ يَحْدُثُ 845 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا سَعِيدٌ، نَا قَتَادَةُ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِنْهَالٍ الضَّرِيرِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ 846 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو

الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ وَأَنَا فِي الصَّلاةِ، فَأُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَتَنَ أُمُّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ إِذَا أَحَسَّ بِرَجُلٍ يُرِيدُ الصَّلاةَ مَعَهُ وَهُوَ رَاكِعٌ، جَازَ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرُهُ رَاكِعًا، لِيُدْرِكَ الرَّكْعَةَ، لأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْذِفَ مِنْ طُولِ صَلاتِهِ لِحَاجَةِ إِنْسَانٍ فِي بَعْضِ أُمُورِ الدُّنْيَا، كَانَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا لِعِبَادَةِ اللَّهِ، بَلْ هُوَ أَحَقُّ وَأَوْلَى، وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَشَدَّدَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ شِرْكًا. قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، بِإِسْنَادٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ أَنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ وَقْعَ قَدَمٍ»

باب وجوب متابعة الإمام

بَابُ وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الإِمَامِ 847 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، نَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ، قَالَ: " كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ، حَتَّى يَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَوْلُهُ: «وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ»، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَا يُرِيدُ بِهِ الْبَرَاءَ، لأَنَّهُ لَا يُقَالُ لأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا،

وَلَكِنْ يَقُولُ أَبُو إِسْحَاقَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الَّذِي يَرْوِي عَنِ الْبَرَاءِ غَيْرُ كَذُوبٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ» لَا يُوجِبُ تُهْمَةً فِي الرَّاوِي، وَإِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ حَقِيقَةِ الصِّدْقِ لَهُ، وَنَوْعٌ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِشِدَّةِ الْعِنَايَةِ مِنَ الْقَائِلِ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ، كَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتَّبِعَ الإِمَامَ، فَلا يَرْكَعُ إِلا بَعْدَ رُكُوعِهِ، وَلا يَرْفَعُ إِلا بَعْدَ رَفْعِهِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تُبَادِرُوا الإِمَامَ، إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الْفَاتِحَة: 7]، فَقُولُوا: آمِينَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ". 848 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ

الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنَّهُ مَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إِذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي إِذَا رَفَعْتُ، وَمَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إِذَا سَجَدْتُ تُدْرِكُونِي إِذَا رَفَعْتُ، إِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ» قَوْلُهُ: «بَدَّنْتُ» مُشَدَّدَةُ الدَّالِ، مَعْنَاهُ: كِبَرُ السِّنِّ، يُقَالُ: بَدَّنَ الرَّجُلُ تَبْدِينًا: إِذَا أَسَنَّ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي: بَدُنْتُ مَضْمُومَةَ الدَّالِ مُخَفَّفَةً، وَمَعْنَاهُ: زِيَادَةُ الْجِسْمِ، وَاحْتِمَالُ اللَّحْمِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «لِمَا طَعَنَ فِي السِّنِّ احْتَمَلَ بَدَنَهُ اللَّحْمَ»، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، لأَنَّ مِنْ نَعْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ جِسْمُهُ وَلَحْمُهُ، وَالأَوَّلُ أَوْلَى، قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يُصَلِّي بَعْضَ صَلاتِهِ بِاللَّيْلِ جَالِسًا بَعْدَ مَا حَطَّمَتْهُ السِّنُّ».

قَوْلُهُ: «تُدْرِكُونِي إِذَا رَفَعْتُ» يُريِدُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّكُمْ رَفْعُ رَأْسِي، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنْهُ أَدْرَكْتُمُونِي قَائِمًا قَبْلَ أَنْ أَسْجُدَ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطَوِّلُ الْقِيَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. قُلْتُ: إِذَا تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ عَنِ الإِمَامِ بِعُذْرٍ حَتَّى سَبَقَهُ، كَأَنْ رَكَعَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَلَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودَ حَتَّى سَجَدَ الإِمَامُ، وَقَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ، سَجَدَ، وَتَبِعَ الإِمَامَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودَ حَتَّى رَكَعَ الإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ يَرْكَعُ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَسْجُدُ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ، قَامَ وَقَضَى رَكْعَةً، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِالسُّجُودِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَيُتِمُّهَا، وَيَجْرِي عَلَى أَثَرِ الإِمَامِ.

باب وعيد من يرفع رأسه قبل الإمام

بَابُ وَعِيدِ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ 849 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ الْحِمَارِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا صَلاةَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ». وَأَمَّا عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ مُسِيءٌ وَصَلاتُهُ مُجْزِئَةٌ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَأْمُرُونَهُ بِأَنْ يَعُودَ إِلَى السُّجُودِ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَالُوا: يَمْكُثُ فِي سُجُودِهِ بَعْدَ أَنْ يَرْفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ، بِقَدْرِ مَا كَانَ تَرَكَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتْبَعُ الإِمَامَ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ.

باب إذا صلى الإمام قاعدا

بَابٌ إِذَا صَلَّى الإِمَامُ قَاعِدًا 850 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتْهُ الصَّلاةُ، فَصَلَّى قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ، قَالَ: " إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ، فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا، فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَقُلْ: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا»، وَقَالَ مَكَانَهُ: «وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا»، وَقَالَ: " فَقُولُوا: رَبنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ ". قَوْلُهُ: «فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ»، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ، فَيَنْسَحِجُ مِنْهُ جِلْدُهُ، وَهُوَ كَالْخَدْشِ أَوْ أَكْثَرَ، يُقَالُ: جُحِشَ يُجْحَشُ، فَهُوَ مَجْحُوشٌ. 851 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ 852 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا

رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ "، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا إِذَا صَلَّى الإِمَامُ قَاعِدًا بِعُذْرٍ، هَلْ يَقْعُدُ الْقَوْمُ خَلْفَهُ؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ يَقْعُدُونَ خَلْفَهُ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ قَاعِدًا.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْقَوْمَ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ قِيَامًا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالُوا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخر فَالآخر مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 853 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى مَا يَقُومُ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى مَا يَقُومُ

مَقَامَكَ لَا يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، قَالَ: «إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ» فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ، وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَرِجْلاهُ يَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ، ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَاعِدًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ، عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «فَتَأَخَّرَ

أَبُو بَكْرٍ، وَقَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُتَعَارِضَةٌ، فَرَوَى الأَسْوَدُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِمَامًا، وَرَوَى مَسْرُوقٌ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا». وَكَذَلِكَ رَوَى ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا فِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ». وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إِمَامًا، فَلَمَّا تَعَارَضَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهَا، لَمْ يَجُزْ تَرْكَ حَدِيثِ أَنَسٍ

فِي الْعُقُودِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ، أَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلاةُ بِإِمَامَيْنِ، أَحَدُهُمَا بَعْدَ الآخَرِ مِنْ غَيْرِ حَدَثَ يَحْدُثُ بِالإِمَامِ، مِثْلَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِإِمَامٍ فَيُفَارِقُهُ، وَيَقْتَدِيَ بِآخَرَ. وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِإِمَامٍ وَالْمَأْمُومُ سَابِقٌ بِبَعْضِ صَلاتِهِ مِثْلَ أَنْ شَرَعَ فِي الصَّلاةِ مُنْفَرِدًا فَصَلَّى بَعْضَهَا، ثُمَّ وَصَلَ صَلاتَهُ بِصَلاةِ غَيْرِهِ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، فَالأَسِيفُ: سَرِيعُ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ، وَيُقَالُ: الأَسِيفُ: الْمَحْزُونُ كَالْمَقْهُورِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَبْدُ أَسِيفًا. قَوْلُهَا: «يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: تَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا مِنْ ضَعْفِهِ وَتَمَايُلِهِ، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَحَدٍ، فَهُوَ يُهَادِيهِ، وَيُقَالُ: تَهَادَتِ الْمَرْأَةُ فِي مِشْيَتِهَا: إِذَا تَمَايِلَتْ

باب الجنب يصلي بالقوم وهو ناس

بَابُ الْجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ وَهُوَ نَاسٍ 854 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ بِيَدَيْهِ إِلَيْهِمْ أَنِ امْكُثُوا، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ». هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلا، وَرُوِيَ مَوْصُولا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

855 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زُيَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الْجُرُفِ، فَنَظَرَ، فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ وَصَلَّى، وَلَمْ يَغْتَسِلْ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ، مَا أَرَانِي إِلا قَدِ احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ، وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ، فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ، وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ، وَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا». وَرُوِيَ عَنْ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ، «أَنَّ عُمَرَ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَعَادَ صَلاةَ الصُّبْحِ، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِالإِعَادَةِ»، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَأَعَادَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالإِعَادَةِ»

وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الإِمَامَ إِذَا بَانَ جُنُبًا، أَوْ مُحْدِثًا بَعْدَمَا صَلَّى بِالْقَوْمِ: أَنَّ صَلاةَ الْقَوْمِ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ عَلَى الْقَوْمِ الإِعَادَةَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَبِهِ قَالَ حَمَّادٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلامٍ، وَلا يَذْكُرُ شَيْئًا، أَنَّهُ يَغْتَسِلُ وَيُعِيدُ مَا صَلَّى بَعْدَ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا، إِنَّ عُمَرَ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ آخِرِ نَوْمِ نَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَلَّى بَعْدَ آخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ، فَلْيَغْتَسِلْ لِمَا يَسْتَقْبِلْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ.

باب من صلى وحده ثم أدرك جماعة يصليها معهم

بَابُ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلِّيهَا مَعَهُمْ 856 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ: بُسْرُ بْنُ مِحْجَنٍ، عَنْ أَبِيهِ مِحْجَنٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُذِّنَ بِالصَّلاةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ، فَصَلَّى وَرَجَعَ، وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَنَعَكَ أَنَّ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ،» أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ "؟، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ صَلَّيْتَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ،

ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ تِلْكَ الصَّلاةَ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا مَعَهُمْ، أَيِّ صَلاةٍ كَانَتْ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ قَوْمٌ: يُعِيدُ، إِلا الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ: يُعِيدُ، إِلا الْمَغْرِبَ، فَإِنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ، فَإِذَا أَعَادَهَا صَارَتْ شَفْعًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُعِيدُ الصُّبْحَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، لأَنَّ الصَّلاةَ الثَّانِيَةَ نَفْلٌ، وَلا يُتَنَفَّلُ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبُ وِتْرُ النَّهَارِ، فَيَصِيرُ شَفْعًا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُعِيدُ، إِلا الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ. وَاحْتَجَّ هَؤُلاءِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ». وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ عَلَى إِنْشَاءِ تَطَوُّعٍ لَا سَبَبَ لَهُ، وَهَهُنَا لَهُ غَرَضٌ فِي إِعَادَةِ الصَّلاةِ، وَهُوَ حِيَازَةُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، فَلا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ. وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُصَلُّوا

صَلاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ». وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَرَّتَيْنِ اخْتِيَارًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَغَرَضٍ. ثُمَّ إِذَا صَلاهَا بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَمَا صَلَّى وَحْدَهُ، فَالأَوْلَى فَرْضُهُ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ، وَالثَّانِيَةُ نَافِلَةٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّتَهُ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ، وَانْحَرَفَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ، وَلَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، قَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا» فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، قَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا»؟ فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلا تَفْعَلا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ، فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهُمَا لَكُمَا نَافِلَةٌ». وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: الأُولَى نَافِلَةٌ، وَمَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ فَرْضٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «إِذَا جِئْتَ

الصَّلاةَ، فَوَجَدْتَ النَّاسَ يُصَلُّونَ، فَصَلِّ مَعَهُمْ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ نَافِلَةً لَكَ، وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ». وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِالأَوَّلِ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: «وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ» يَعْنِي: وَتِلْكَ مَكْتُوبَةٌ، وَيُرِيدُ الأُولَى. وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلاةَ مَعَ الإِمَامِ أَيَّتُهُمَا أَجْعَلُ صَلاتِي؟ فَقَالَ: أَوَ ذَلِكَ إِلَيْكَ؟! إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ. وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ لِسَائِلٍ سَأَلَهُ: الأُولَى صَلاتُهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ يَجْعَلُ الثَّانِيَةَ نَفْلا إِلَى أَنَّهُ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ وَحْدَهُ، ثُمَّ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ يُصَلِّيهَا مَعَهُمْ، وَيَشْفَعُ بِرَكْعَةٍ، لأَنَّ التَّطَوُّعَ شَفْعٌ. قَالَ صِلَةُ بْنُ زُفَرَ: «دَخَلْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ مَسْجِدًا، فَأُقِيمَتِ الظُّهْرُ، فَصَلَّى مَعَهُمْ وَقَدْ كَانَ صَلَّى، وَدَخَلْتُ مَعَهُ مَسْجِدًا، فَأُقِيمَتْ فِيهِ صَلاةُ الْعَصْرِ، فَصَلَّى مَعَهُمْ وَقَدْ كَانَ صَلَّى، وَدَخَلْتُ مَعَهُ مَسْجِدًا، فَأُقِيمَتِ فِيهِ صَلاةُ الْمَغْرِبِ، فَصَلَّى مَعَهُمْ وَقَدْ كَانَ صَلَّى، ثُمَّ قَامَ فَشَفَعَ بِرَكْعَةٍ».

باب من صلى مرة ثم أم قوما في تلك الصلاة

بَابُ مَنْ صَلَّى مَرَّةً ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا فِي تِلْكَ الصَّلاةِ 857 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ «كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيُصَلِّي لَهُمُ الْعِشَاءَ، وَهِيَ لَهُ نَافِلَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 858 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا

أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ «كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ فَيَؤُمُّهُمْ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ صَلاةً، ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً أُخْرَى يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا ثَانِيًا مَعَهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا قَوْمًا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَلاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُنْتَفِلِ، لأَنَّ مُعَاذًا كَانَتْ صَلاتُهُ الثَّانِيَةُ نَافِلَةً، وَصَلاةُ الْقَوْمِ خَلْفَهُ فَرِيضَةً، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَذَهَبَ هَؤُلاءِ إِلَى أَنَّ اخْتِلافَ نِيَّةِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ صَلاةِ الْمَأْمُومِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْقَوْمُ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ، وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهَا صَلاةُ الظُّهْرِ، فَائْتَمَّ بِهِ؟ قَالَ: صَلاتُهُ جَائِزَةٌ.

وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ اخْتِلافَ نِيَّةِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، يَمْنَعُ صِحَّةَ صَلاةِ الْمَأْمُومِ، إِلا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ، قَالُوا: يَجُوزُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ اخْتِلافَ نِيَّتِهِمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ صَلاةِ الْقَوْمِ بِكُلِّ حَالٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا»؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَصَلَّى مَعَهُ. 859 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَبْصَرَ رَجُلا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ: أَلا مِنْ رَجُلٍ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ "

فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يَجُوزَ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا ثَانِيًا مَعَ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ. جَاءَ أَنَسٌ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، وَصَلَّى جَمَاعَةً، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَكَرِهَ قَوْمٌ إِقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ، وَاخْتَارُوا لِلْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يُصَلُّوا فُرَادَى، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

باب خروج النساء إلى المساجد

بَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ 860 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلاتٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَتَخْرُجُ غَيْرَ مُتَطَيِّبَةٍ. وَقَوْلُهُ: «تَفِلاتٍ» أَيْ: تَارِكَاتٍ لِلطِّيبِ، يُرِيدُ: لِيَخْرُجْنَ

بِمَنْزِلَةٍ التَّفِلاتِ، وَالتَّفَلُ: سُوءُ الرَّائِحَةِ، يُقَالُ: امْرَأَةٌ تَفِلَةٌ: إِذَا لَمْ تَطَيَّبْ، رُوِيَ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ، فَلا تَمَسَّ طِيبًا». 861 - أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْمَعَالِي جَعْفَرُ بْنُ حَيْدَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، نَا أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا، فَلا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى 862 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَأْذَنُوا لَهُنَّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَنْظَلَةَ وَيَسْتَدِلُّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ»، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنَ الْحَجِّ، لأَنَّهُ خُرُوجٌ إِلَى أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ، وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. 863 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: " لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ، كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ يَحْيَى: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَوَمُنِعَ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَسْجِدِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ 864 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا عَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» 865 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا ابْنُ الْمُثَنَّى، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِم حَدَّثَهُمْ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُوَرَّقٍ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا، أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا»

أبواب النوافل

أَبْوَابُ النَّوَافِلِ بَابُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ 866 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا مُؤَمَّلٌ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ

بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ السُّنَّةِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ». وَذَكَرَتْ مِثْلَ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ 867 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ» 867 - قَالَ: وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَيُنَادِي الْمُنَادِي»، قَالَ أَيُّوبُ: أَرَاهُ خَفِيفَتَيْنِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَيُّوبَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ 868 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ صَلاةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ

869 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا هُشَيْمٌ، أَنَا خَالِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَأَلت عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّطَوُّعِ، فَقَالَتْ: كَانَ «يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا فِي بَيْتِي، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِهِمُ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرُ، وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلا طَوِيلا قَائِمًا، وَلَيْلا طَوِيلا جَالِسًا، فَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَاعِدٌ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلاةَ الْفَجْرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ

870 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَ «يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ ثِنْتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ ثِنْتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 871 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ،

وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 872 - قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ». أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا بُنْدَارٌ، نَا أَبُو عَامِرٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ: أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ. أَمَّا الصَّلاةُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي عَدَدِهَا، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ: «كَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ».

وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُهُ، وَيُرْوَى: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ». 879 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا».

وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُهَيْلٍ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مِنَ الاخْتِلافِ الْمُبَاحِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ إِلَى رَكْعَتَيْنِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا»، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، «أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَرْبَعًا».

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، " أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَيَنْمَازُ عَنْ مُصَلاهُ الَّذِي صَلَّى الْجُمُعَةَ فِيهِ قَلِيلا غَيْرَ كَثِيرٍ، فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ يَمْشِي أَنْفَسَ مِنْ ذَلِكَ، فَيَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ". قَوْلُهُ: «أَنْفَسَ مِنْ ذَلِكَ» يُرِيدُ: أَبْعَدَ قَلِيلا. وَرُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " كَانَ إِذَا كَانَ بِمَكَّةَ، فَصَلَّى الْجُمُعَةَ، تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، صَلَّى الْجُمُعَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ". وَاخْتَارَ هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

باب ركعتي الفجر وفضلهما

بَابُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَفَضْلِهِمَا 880 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بنِ سمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ أَمَامَ الصُّبْحِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ بَيَانِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلاهُمَا، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ 881 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا

أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ

باب تخفيف ركعتي الفجر وما يقرأ فيهما

بَابُ تَخْفِيفِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَمَا يُقْرَأُ فِيهِمَا 882 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، نَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي لأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ 883 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، وَأَبُو عَمَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ: بِـ قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثُ حَسَنٌ، وَلا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِلا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَحْمَدَ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ حَدِيثُ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا، وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ

ثِقَةٌ، حَافِظٌ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 884 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا بدل بْنُ الْمُحَبَّرِ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ بِـ قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ». قَالَ أَبُو عِيسَى: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَاصِمٍ

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [الْبَقَرَة: 136]. وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمرَان: 64]

باب الضجعة بعد ركعتي الفجر

بَابُ الضَّجْعَةِ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ 885 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ، بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ: «سَكَتَ بِالأُولَى»، يَعْنِي: فَرَغَ مِنَ الأَذَانِ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ.

وَرَوَى بَعْضُهُمْ: «سَكَبَ» بِالْبَاءِ، قَالَ سُوَيْدٌ: أَرَادَ: أَيْ: أَذَّنَ، وَأَصْلُهُ مِنْ سَكْبَ الْمَاءِ، كَمَا يُقَالُ: أَفْرَغَ فِي أُذُنِي حَدِيثًا، وَالْمَعْرُوفُ بِالتَّاءِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إِلا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ». وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، إِلا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. 886 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ يَسَارٍ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا صَلاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إِلا سَجْدَتَيْنِ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالضَّجْعَةُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ اسْتِحْبَابٌ، لِمَا 887 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيُّ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى

أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلا اضْطَجَعَ»، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْكَلامَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، حَتَّى يُصَلِّيَ صَلاةَ الْفَجْرِ، إِلا مَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَرُوِيَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، «فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ إِلا نَادَاهُ بِالصَّلاةِ، أَوْ حَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ».

وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَقَالَ هَكَذَا، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ». وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ.

باب من صلى قبل الظهر أربعا وبعدها أربعا

بَابُ مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا 888 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَوِيُّ، نَا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 889 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ

مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو مُسْهِرٍ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَزِعَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُجْزِعُكَ، أَلَمْ تَكُنْ عَلَى سَمْتٍ مِنَ الإِسْلامِ حَسَنٍ؟! قَالَ: وَمَا لِي لَا أَجْزَعُ؟ وَلَسْتُ أَدْرِي عَلَى مَا أَقْدَمُ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ أَرْجَى عَمَلِي عِنْدِي حَدِيثٌ حَدَّثَتْنِي بِهِ أُمُّ حَبِيبَةَ، أَنَّهَا سَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ». فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ يَوْمِ سَمِعْتُهُنَّ إِلَى يَوْمِي هَذَا. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْقَاسِمُ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُكْنَى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ مَوْلَى

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ، وَهُوَ صَاحِبُ أَبِي أُمَامَةَ. 890 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَالَ: «إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ، تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ»

891 - وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «إِذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ صَلاهُنَّ بَعْدَهُ». أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

باب في الأربع قبل العصر وبيان صلاة النهار

بَابُ فِي الأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَبَيَانِ صَلاةِ النَّهَارِ 892 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، قَالَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّهَارِ؟ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَقُلْنَا: مَنْ أَطَاقَ ذَلِكَ مِنَّا، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَهُنَا عِنْدَ الْعَصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَهُنَا عِنْدَ الظُّهْرِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَصَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالنَّبِيِّينَ، وَالْمُرْسَلِينَ،

وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ». ، وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي تَطَوُّعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ هَذَا. وَاخْتَارَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ لَا يَفْصِلَ فِي الأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَقَالَ: مَعْنَى أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ، يَعْنِي: بِالتَّشَهُّدِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صَلاةِ النَّهَارِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مَثْنَى مَثْنَى كَصَلاةِ اللَّيْلِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَمَّارٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَنَسٍ، وَبِهِ قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ الأَزْدِيِّ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى». قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ: مَا أَدْرَكْتُ فُقَهَاءَ أَرْضِنَا إِلا يُسَلِّمُونَ فِي كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ صَلاةَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَأَمَّا تَطَوُّعَاتِ النَّهَارِ فَأَرْبَعًا أَرْبَعًا أَفْضَلُ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي الأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَبْلَ الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا بِتَشَهُّدَيْنِ وَتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَرَوَى الثِّقَاتُ مِثْلُ نَافِعٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذَا

الْحَدِيثَ، فَقَالُوا: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ النَّهَارَ. وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَبِالنَّهَارِ أَرْبَعًا». قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، قُلْتُ: أُصَلِّي سِتِّ رَكَعَاتٍ بِالنَّهَارِ، وَلا أُسَلِّمُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ. 893 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ مِهْرَانَ، سَمِعَ جَدَّهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

باب الصلاة قبل المغرب

بَابُ الصَّلاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ 894 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا الْحُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، لِمَنْ شَاءَ خَشْيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الإِبَاحَةِ، وَكَذَلِكَ نَهْيُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ إِلا مَا تُعْرَفُ إِبَاحَتُهُ.

895 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ «فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ، ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ، فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، فَفَعَلَهَا بَعْضُهُمْ، وَلَمْ يَرَهَا بَعْضُهُمْ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: فَمَا يَمْنَعُكَ الآنَ؟ قَالَ: الشُّغْلُ.

باب الصلاة بين المغرب والعشاء

بَابُ الصَّلاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ 896 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، نَا عُمَرُ بْنُ أَبِي خَثْعَمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ، عُدِلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ جِدًّا. 897 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ،

أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا خَالِدُ بْنُ صُبَيْحٍ، نَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ رَكَعَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، كَانَ كَالْمُعَقِّبِ غَزْوَةً بَعْدَ غَزْوَةٍ» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَحُفُّ بِالَّذِينَ يُصَلُّونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعِشَاءِ، وَهِيَ صَلاةُ الأَوَّابِينَ». قَالَ الأَسْوَدُ: مَا أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ إِلا وَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، سَاعَةُ الْغَفْلَةِ، يَعْنِي: بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَيَقُولُ: هُوَ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ عِشْرِينَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ».

باب الركعتين بعد العشاء

بَابُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ 898 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ عَيَّاشٍ، فِي دَارِ الْقُطْنِ، نَا أَبُو زَيْدٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حُرَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الثَّالِث من (شرح السّنة) ويليه الْجُزْء الرَّابِع، وأوله بَاب صَلَاة اللَّيْل

باب صلاة الليل

بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً، أَيْ: مُوَاطَأَةً لِلْقُرْآنِ، يَعْنِي مُوَافَقَةً لِسَمْعِهِ، وَبَصَرِهِ، وَقَلْبِهِ، وَمَنْ قَرَأَ {وَطْأً} [المزمل: 6] أَيْ: أَبْلَغُ فِي الثَّوَابِ، وَقِيلَ: أَغْلَظُ عَلَى الإِنْسَانِ، لأَنَّ اللَّيْلَ جُعِلَ سَكَنًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: «اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ». قَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ صَلاةٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، فَهِيَ نَاشِئَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، يُقَالُ: كُلُّ مَا حَدَثَ بِاللَّيْلِ وَبَدَا، فَقَدْ نَشَأَ،

وَهُوَ نَاشِئٌ، وَالْجَمْعُ: نَاشِئَةٌ. قَالَ الأَزْهَرِيُّ: نَاشِئَةُ اللَّيْلِ: قِيَامُ اللَّيْلِ، مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَاعِلَةٍ، كَالْعَافِيَةِ بِمَعْنَى الْعَفْوِ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا} [المزمل: 7] أَيِ: اضْطِرَابًا وَتَصَرُّفًا. وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الْإِسْرَاء: 79] وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]. 899 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ، كَيْفَ كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ قَالَ: فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلا يَنَامُ قَلْبِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 900 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ , عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَن مَالِكٍ،

وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيّ: «فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَجِيئَ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤْذِنَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَنَوْمُهُ مُضْطَجِعًا حَتَّى نَفَخَ، وَقِيَامُهُ إِلَى الصَّلاةِ مِنْ خَصَائِصِهِ، لأَنَّ عَيْنَهُ كَانَتْ تَنَامُ، وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ، فَيَقْظَةُ قَلْبِهِ تَمْنَعُهُ مِنَ الْحَدَثِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ النَّوْمَ قَلْبُهُ لِيَعِيَ الْوَحْيَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي مَنَامِهِ، قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] 901 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمْ، عَنْ عُرْوةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ، فَيَخْرُجُ». وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ. اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَيُونُسَ 902 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا حَنْظَلَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا الْوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَنْظَلَةَ 903 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ، أَنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، فَقَالَتْ: «سَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، سِوَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 904 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ

زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ خَالَتُهُ، قَالَ: " فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُمْتُ، فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، فَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

وَالشَّنُّ: الْخَلِقُ مِنَ الأَسْقِيَةِ، وَهِيَ أَشَدُّ تَبْرِيدًا لِلْمَاءِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قُمْتُ إِلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ، فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ فَعَدَلَنِي كَذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إِلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ. وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِي، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ.

قَوْلُهُ: «فَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا» فَهَذَا الْفَتْلُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِيُدِيرَهُ إِلَى يَمِينِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ التَّأْدِيبِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَبْلَغَ لِمَا يُرِيدُ مِنْهُ، وَأَذْكَرَ لَهُ فِيمَا يَسْتَأْنِفُهُ، فَإِنَّ الْمُتَعَلِّمَ إِذَا تُعُهِّدَ بِفَتْلِ الأُذُنِ كَانَ أَذْكَى لِفَهْمِهِ، وَأَوْعَى لِمَا سَمِعَهُ، حَكَى الرَّبِيعُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فَتَلَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، قَالَ الرَّبِيعُ: فَلَمَّا وَجَدْتُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلِمْتُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فَعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَصْلٍ 905 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى حَاجَتَهُ: غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ،

فَأَتَى الْقِرْبَةَ، فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ وُضُوءَيْنِ لَمْ يُكْثِرْ، وَقَدْ أَبْلَغَ، فَصَلَّى، فَقُمْتُ، فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُرَى أَنِّي كُنْتُ أَبْقِيهِ، فَتَوَضَّأْتُ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأُذُنِي، فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَتَتَامَّتْ صَلاتُهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، فَآذَنَهُ بِلالٌ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا». قَالَ كُرَيْبٌ: وَسَبْعٌ فِي التَّابُوتِ، فَلَقِيتُ رَجُلا مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ، فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ، فَذَكَرَ. وَعَصَبِي، وَلَحْمِي، وَدَمِي، وَشَعْرِي، وَبَشَرِي، وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَقَالَ: كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي أَنْتَبِهُ لَهُ قَوْلُهُ: «فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا» الشِّنَاقُ: هُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ فَمُ الْقِرْبَةِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: شِنَاقُ الْقِرْبَةِ: هُوَ الْخَيْطُ أَوِ السَّيْرُ الَّذِي تُعَلَّقُ بِهِ الْقِرْبَةُ، عَلَى الْوَتَدِ، يُقَالُ: أَشْنَقْتُهَا: إِذَا عَلَّقْتُهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُقَالُ: أَشَنَقْتُ النَّاقَةَ: إِذَا مَدَّهَا رَاكِبُهَا بِزِمَامِهَا يَكُفُّهَا، كَمَا يَكْبَحُ الْفَرَسَ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: شَنَقْتُ النَّاقَةَ، بِغَيْرِ أَلِفٍ، أَشْنُقُهَا شَنْقًا. قَوْلُهُ: «أَبْقِيهِ»، أَيْ: أَرْقُبُهُ، يُقَالُ: بقيتُ الشَّيْءَ أبْقِيهِ

بَقْيًا: إِذَا انْتَظَرْتُهُ 906 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ اسْتَيْقَظَ، فَتَسَوَّكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَهُوَ، يَقُولُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الْبَقَرَة: 164] حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ، وَالرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَقْرَأُ هَؤُلاءِ الآيَاتِ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ وَهُوَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي

مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَزَرْتُ قِيَامَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِقَدْرِ: يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ وَعَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، فَقَالَتْ: «كَانَ يُصَلِّي ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَتَرَكَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُبِضَ حِينَ قُبِضَ وَهُوَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ، آخِرُ صَلاتِهِ مِنَ اللَّيْلِ الْوِتْرُ».

باب من قام من الليل يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين

بَابُ مَنْ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ 907 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ 908 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا آدَمُ

بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِلتَّهَجُّدِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ افْتَتَحَ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ»

باب تطويل قيام الليل

بَابُ تَطْوِيلِ قِيَامِ اللَّيْلِ 909 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لأَرْمُقَنَّ صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ، قَالَ: «فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ، فَقَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، طَوِيلَتَيْنِ، طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ أَوْتَرَ، فَذَلِكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ 910 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ

بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الأَنْصَارِيِّ، يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَامَ فِي صَلاتِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ، قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ قَرَأَ الْبَقَرَةَ ثُمَّ رَكَعَ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَكَانَ قِيَامُهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ نَحْوًا مِنْ رُكُوعِهِ، يَقُولُ: لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، فَكَانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَكَانَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ، يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي، حَتَّى صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَرَأَ فِيهِنَّ: الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ وَالْمَائِدَةَ وَالأَنْعَامَ ".

وَرَوَاهُ صِلَةُ بْنُ زُفَرٍ، عَنْ حُذَيَفَةَ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقْرَةَ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ، سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَذَكَرَ التَّطْوِيلَ نَحْوَهُ» 911 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الثَّقَفِيُّ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ، قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآتِيهِ بِوَضُوئِهِ، وَبِحَاجَتِهِ، فَكَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ

رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ثَلاثًا، الْهَوِيَّ 912 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَاصِمَ بْنَ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، " فَاسْتَاكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ مَعَهُ، فَبَدَأَ، فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ، فَلا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ، إِلا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَمَكَثَ رَاكِعًا قَدْرَ قِيَامِهِ، وَيَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ رُكُوعِهِ، يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: آلَ عِمْرَانَ ثُمَّ سُورَةً سُورَةً، يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ "

الْمَلَكُوتُ: هُوَ الْمُلْكُ، زِيدَتْ فِيهِ التَّاءُ، كَمَا يُقَالُ: رَهَبُوتٌ، وَرَحَمُوتٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [يس: 83] 913 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ: «هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ، فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ، سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ»، قَالَ عَلْقَمَةُ: عِشْرُونَ سُورَةً مِنْ أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ عَلَى تَأْلِيفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، آخِرُهُنَّ مِنَ الْحَوَامِيمِ: حم الدُّخَانِ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِهَذَا، وَقَالَ: " لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ: الرَّحْمَنُ وَوَالنَّجْمِ فِي رَكْعَةٍ، وَاقْتَرَبَتْ والْحَاقَّةُ فِي رَكْعَةٍ، وَالطُّورَ وَالذَّارِيَاتِ فِي رَكْعَةٍ، وَإِذَا وَقَعَتْ وَنُون فِي رَكْعَةٍ، وَسَأَلَ سَائِلٌ وَالنَّازِعَاتِ فِي رَكْعَةٍ، وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ فِي رَكْعَةٍ، وَالْمُدَّثِّرُ وَالْمُزَّمِّلُ فِي رَكْعَةٍ، وَهَلْ أَتَى، وَلَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي رَكْعَةٍ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَالْمُرْسَلاتِ فِي رَكْعَةٍ، وَالدُّخَانَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فِي رَكْعَةٍ " قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: " قَوْلُ الرَّجُلِ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ إِنَّمَا سُمِّيَ قِصَارُ السُّوَرِ مُفَصَّلا لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ الَّتِي يَقَعُ بَيْنَهَا مِنْ آيَةِ التَّسْمِيَةِ ". وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمُفَصَّلِ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي غَيْرِ آيَةٍ أَنَّهُ فَصَّلَهُ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود: 1] يَدُلُّ عَلَيْهِ، أَنَّهُ قَالَ: «هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ» وَقَدْ تَتَأَتَّى قِرَاءَةُ الْمُفَصَّلِ عَلَى التَّرْتِيلِ، فَإِنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي مَا يُقَارِبُ هَذَا وَيَزِيدُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْهَذُّ فِي حَقِّ مَنْ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ. وَقَوْلُهُ: «هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ» الْهَذُّ: سُرْعَةُ الْقِرَاءَةِ، أَيْ يُسْرِعُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كَمَا يُسْرِعُ فِي الشِّعْرِ، وَالسُّنَّةُ فِي الْقِرَاءَةِ التَّرْتِيلُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4]، وَسَمَّاهَا نَظَائِرَ، لاشْتِبَاهِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فِي الطُّولِ 914 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَيْلَةً».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرُوِيَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، يَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ بِآيَةٍ، وَالآيَةُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْمَائِدَة: 118] 915 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ قُدَامَةَ الْعَامِرِيِّ، عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّدَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى أَصْبَحَ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْمَائِدَة: 118]. يَعْنِي فِي الصَّلاةِ

وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ الأَوْرَادَ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَحْدَثُوا أَنْ جَعَلُوا الْقُرْآنَ أَجْزَاءً، كُلُّ جُزْءٍ فِيهِ سُوَرٌ مُخْتَلِفَةٌ عَلَى غَيْرِ تَأْلِيفٍ وِرْدًا، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْرَادًا اعْتَادُوهَا عَلَى خِلافِ السُّنَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «عَمَلٌ قَلِيلٌ فِي السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ»

باب كيف القراءة بالليل

بَابُ كَيْفَ الْقِرَاءَةُ بِاللَّيْلِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الْإِسْرَاء: 110]، وَالْمُخَافَتَةُ: الإِسْرَارُ، قِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا تُخَافِتْ مُخَافَتَةً لَا يَسْمَعُهَا مَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ، وَالْخُفُوتُ: خَفْضُ الصَّوْتِ، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ} [الْإِسْرَاء: 110]: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ. 916 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قِتْيبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ: أَكَانَ يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ أَمْ يَجْهَرُ؟

فَقَالَتْ: " كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ، وَرُبَّمَا جَهَرَ، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ يَرْفَعُ طَوْرًا وَيَخْفِضُ طَوْرًا» 917 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا يَسْمَعُهُ مَنْ فِي الْحُجْرَةِ وَهُوَ فِي الْبَيْتِ»

918 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَكِيعٌ، نَا مِسْعَرٌ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: «كُنْتُ أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ وَأَنَا عَلَى عَرْشِي». الْعَرِيشُ وَالْعَرْشُ: السَّقْفُ، وَقَدْ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا نَبْنِي لَكَ عَرِيشًا؟ فَالْمُرَادُ مِنْهُ: مَا يُسْتَظَلُّ بِهِ، وَسُمِّيَتْ بُيُوتُ مَكَّةَ عُرُوشًا، لأَنَّهَا عِيدَانٌ تُنْصَبُ وَتُظَلَّلُ 919 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: «مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ، وَأَنْتَ تَخْفِضُ مِنْ صَوْتِكَ!» فَقَالَ: إِنِّي

أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ، فَقَالَ: «ارْفَعْ قَلِيلا»، وَقَالَ لِعُمَرَ: «مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ، وَأَنْتَ تَرْفَعُ صَوْتَكَ!»، قَالَ: إِنِّي أُوقِظُ الْوَسْنَانَ، وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، قَالَ: «اخْفِضْ قَلِيلا». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ إِنَّمَا رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ ثَابِت، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ مُرْسَلا

باب التحريض على قيام الليل

بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الْإِسْرَاء: 79]. وَالتَّهَجُّدُ: هُوَ السَّهَرُ، وَدَفْعُ النَّوْمِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْهُجُودُ: النَّوْمُ. 920 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ، عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ، فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَأَرَادَ بِقَافِيَةِ الرَّأْسِ: مُؤَخَّرَ الرَّأْسِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ آخِرُ بَيْتِ الشِّعْرِ قَافِيَةً 921 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا، يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ، يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ، لِكَيْ يُصَلِّينَ؟ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 922 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَوِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 923 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ 924 - نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمعَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: مَرَّ بِنَا خَالِدُ بْنُ اللَّجْلاجِ، فَدَعَاهُ مَكْحُولٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ، حَدِّثْنَا حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ. فَقَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَائِشٍ الْحَضْرَمِيَّ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ»،

فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ، أَيْ رَبِّ، مَرَّتَيْنِ، قَالَ: فَوَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، قَالَ: ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الْأَنْعَام: 75]، ثُمَّ قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ، قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قُلْتُ: الْمَشْيُ عَلَى الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَإِبْلاغُ الْوُضُوءِ أَمَاكِنَهُ فِي الْمَكَارِهِ، قَالَ: مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَعِشْ بِخَيْرٍ وَيَمُتْ بِخَيْرٍ، وَيَخْرُجْ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَمِنَ الدَّرَجَاتِ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَبَذْلُ السَّلامِ، وَأَنْ يَقُومَ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الطَّيِّبَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَتَتُوبَ عَلَيَّ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوهُنَّ فَوَالَّذِي

نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُنَّ لَحَقٌّ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَة، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ اللَّجْلاجِ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِيهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنِّي نَعَسْتُ، فَرَأَيْتُ رَبِّي» 925 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَلامٍ الأَسْوَدِ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ: " إِنَّ رَبِّي أَتَانِي اللَّيْلَةَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا أَعْلَمُ يَا رَبِّ، فَوَضَعَ

كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ فِي صَدْرِي، قَالَ: فَتَجَلَّى لِي مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، يَخْتَصِمُونَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ، قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قُلْتُ: فَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَبَذْلُ السَّلامِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَمَشْيٌ عَلَى الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْكَرَاهِيَاتِ، وَجُلُوسٌ فِي الْمَسَاجِدِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، قُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ. قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ، فَتَوَفَّنِي إِلَيْكَ، وَأَنَا غَيْرُ مَفْتُونٍ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبًّا يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ ". أَبُو يَحْيَى: هُوَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ الْخَبَائِرِيُّ، تَابِعِيٌّ، سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ، وَأَبُو يَزِيدَ شَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَأَبُو سَلامٍ مَمْطُورٌ الْحَبَشِيُّ حَيٌّ مِنْ بَجِيلَةَ 926 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ سَمْعَانَ،

نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدٌ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، نَا عَوْفٌ هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ، وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِئْتُ فِيمَنْ جَاءَ، قَالَ: فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ انْجَفَلَ النَّاسُ، أَيْ: أَسْرَعُوا 927 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ مُعَانِقٍ أَوْ أَبِي مُعَانِقٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَلانَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ». وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَانِقٍ الأَشْعَرِيُّ 928 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، نَا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ مَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ. فَقَالَ: «بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ

929 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا الْخَضِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا هُشَيْمٌ، أَنا مُجَالِدٌ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ: " ثَلاثَةٌ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَيْهِمُ: الرَّجُلُ إِذَا قَامَ بِاللَّيْلِ يُصَلِّي، وَالْقَوْمُ إِذَا صَفُّوا فِي الصَّلاةِ، وَالْقَوْمُ إِذَا صَفُّوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ " 930 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنِ

حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلاتِهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي ثَارَ عَنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ مِنْ بَيْنِ حِبِّهِ وَأَهْلَهَ إِلَى صَلاتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقًا مِمَّا عِنْدِي، وَرَجُلٌ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَانْهَزَمَ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ فِي الانْهِزَامِ، وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَرَجَعَ حَتَّى هُرِيقَ دَمُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقًا مِمَّا عِنْدِي حَتَّى هُرِيقَ دَمُهُ ". وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، نَا حَمَّادٌ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ

باب الاجتهاد في قيام الليل

بَابُ الاجْتِهَادِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ {17} وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {18}} [الذاريات: 17 - 18] قَالَ الْحَسَنُ: مَدُّوا الصَّلاةَ إِلَى الأَسْحَارِ، ثُمَّ أَخَذُوا بِالأَسْحَارِ فِي الاسْتِغْفَارِ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السَّجْدَة: 16]، أَيْ: خَائِفِينَ عَذَابَهُ، طَامِعِينَ فِي ثَوَابِهِ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرَّعْد: 12] قِيلَ: خَوْفًا لِلْمُسَافِرِ، وَطَمَعًا لِلْمُقِيمِ، وَقِيلَ: خَوْفًا لِمَنْ يَخَافُ ضَرَّهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ وَقْتٍ يَنْفَعُ الْمَطَرُ، وَطَمَعًا لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ. 931 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ،

نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، وَبِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنِ الْمُغَيْرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: «أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ صَدَقَةَ، وَأَخْرَجَهُ

مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادٍ

باب الأخذ بالقصد في قيام الليل وغيره من الأمور

بَابُ الأَخْذِ بِالْقَصْدِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأُمُورِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النِّسَاء: 171] أَيْ: لَا تُجَاوِزُوا فِيهِ الْقَدْرَ، وَقِيلَ: لَا تُشَدِّدُوا فَتُنَفِّرُوا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ». 932 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " مَا كُنَّا نَشَاءُ أَنْ نَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلا رَأَيْنَاهُ، وَمَا نَشَاءُ أَنْ نَرَاهُ نَائِمًا إِلا رَأَيْنَاهُ، وَقَالَ: كَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ مِنْهُ شَيْئًا، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ مِنْهُ شَيْئًا ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ حُمَيْدٍ 933 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ، قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: فُلانَةُ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبَّ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 934 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدِي امْرَأَةٌ حَسَنَةُ الْهَيْئَةِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: هَذِهِ فُلانَةُ بِنْتُ فُلانٍ، وَهِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ: «مَهْ، خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَأَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَوْلُهُ: «لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» مَعْنَاهُ: لَا يَمَلُّ اللَّهُ وَإِنْ مَلِلْتُمْ، لأَنَّ الْمَلالَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْطَعُ عَنْكُمْ فَضْلَهُ حَتَّى تَمَلُّوا سُؤَالَهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا يَتْرُكُ اللَّهُ الثَّوَابَ وَالْجَزَاءَ مَا لَمْ تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ. وَمَعْنَى الْمَلالِ: التَّرْكُ، لأَنَّ مَنْ مَلَّ شَيْئًا تَرَكَهُ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَكَنَّى بِالْمَلالِ عَنِ التَّرْكِ لأَنَّهُ سَبَبُ التَّرْكِ. 935 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، نَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «سَدِّدُوا» أَيِ: اقْصِدُوا السَّدَادَ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الْأَحْزَاب: 70] أَيْ: قَصْدًا مُسْتَقِيمًا لَا مَيْلَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: «قَارِبُوا» أَيْ لَا تَعْجَلُوا، وَقِيلَ: الْمُقَارَبَةُ: الْقَصْدُ فِي الأُمُورِ الَّذِي لَا غُلُوَّ فِيهِ وَلا تَقْصِيرَ.

فَفِي الْحَدِيثِ الأَمْرُ بِالاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَتَرْكُ الْحَمْلِ عَلَى النَّفْسِ بِمَا يَئُودُهَا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَتَعَبَّدْ خَلْقَهُ، بِأَنْ يَنْصَبُوا آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَلا يَسْتَرِيحُوا، بَلْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ وَظَائِفَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، فَلِيَخْلِطُوا طَرَفَ اللَّيْلِ بِطَرَفِ النَّهَارِ، وَلِيُجِمُّوا فِيمَا بَيْنَهُمَا أَنْفُسَهُمْ. وَفِي بَعْضِ الْمَرَاسِيلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، يَرْفَعُهُ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلا ظَهْرًا أَبْقَى». وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَزَادَ «وَاعْمَلْ عَمَلَ امْرِئٍ يَظُنُّ أَنْ لَا يَمُوتَ إِلا هَرِمًا، وَاحْذَرْ حَذَرَ امْرِئٍ يَخْشَى أَنْ يَمُوتَ غَدًا». قَوْلُهُ: «فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ» فَالإِيغَالُ: السَّيْرُ الشَّدِيدُ، وَالإِمْعَانُ فِيهِ، وَالْوُغُولُ: الدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ، وَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ فِيهِ، وَيُقَالُ لِلطُّفَيْلِيِّ: وَاغِلٌ. وَالْمُنْبَتُّ: الَّذِي انْقَطَعَ فِي سَفَرِهِ، وَعَطِبَتْ رَاحِلَتُهُ، فَشَبَّهَ الْمُجْتَهِدَ

فِي الْعِبَادَةِ حَتَّى يَحْسِرَ بِالَّذِي يُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي السَّيْرِ بِلا فُتُورٍ حَتَّى تَعْطَبَ دَابَّتُهُ، فَيَبْقَى مُنْبَتًّا مُنْقَطِعًا، لَمْ يَقْضِ سَفَرَهُ، وَقَدْ أَعْطَبَ ظَهْرَهُ. وَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ، وَخَيْرُ الأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، وَشَرُّ السَّيْرِ الْحَقْحَقَةُ. فَقَوْلُهُ: «وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ» يُرِيدُ أَنَّ الْغُلُوَّ فِي الْعَمَلِ سَيِّئَةٌ، وَالتَّقْصِيرَ سَيِّئَةٌ، وَالْحَسَنَةَ الْقَصْدُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الْفرْقَان: 67] وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الْإِسْرَاء: 29]. وَالْحَقْحَقَةُ: أَنْ تَحْمِلَ الدَّابَّةَ عَلَى مَا لَا تُطِيقُهُ حَتَّى يُبْدِعَ بِرَاكِبِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ دِينَ اللَّهِ وُضِعَ فَوْقَ التَّقْصِيرِ وَدُونَ الْغُلُوِّ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ.

936 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، جَمِيعًا عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مَاشٍ فِي الطَّرِيقِ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ يُصَلِّي يُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «يَا بُرَيْدَةُ أَتُرَاهُ يُرَائِي؟» ثُمَّ أَرْسَلَ يَدَهُ مِنْ يَدِي، وَجَمَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا، وَجَعَلَ يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا، إِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ»

باب المداومة على العمل

بَابُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ 937 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَهُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ»، قَالَ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتْ عَمَلا دَاوَمَتْ عَلَيْهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ 938 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قُلْتُ:

يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ؟ قَالَتْ: «لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ؟!». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَوْلُهَا: «كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً» الدِّيمَةُ: الْمَطَرُ الدَّائِمُ فِي سُكُونٍ. شَبَّهَتْ عَمَلَهُ فِي دَوَامِهِ مَعَ الاقْتِصَادِ بِدِيمَةِ الْمَطَرِ 939 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الأَزْهَرِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّازِيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ أَبُو حَفْصٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْعِشْرِينَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمُبَشِّرٌ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُبَشِّرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ

باب ترك العمل عند غلبة النوم والفتور

بَابُ تَرْكِ الْعَمَلِ عِنْدَ غَلَبَةِ النَّوْمِ وَالْفُتُورِ 940 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، نَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ يَنْعَسُ لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ

941 - أَنا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ. ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، نَا السُّلَمِيُّ، وَالدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَوْلُهُ: «اسْتَعْجَمَ الْكَلامُ عَلَيْهِ» أَيِ: اسْتَبْهَمَ وَاسْتَغْلَقَ 942 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا حَبْلٌ

مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ»، فَقَالَ: «مَا هَذَا الْحَبْلُ؟»، قَالُوا: هَذَا حَبْلُ زَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا، حُلُّوهُ، فَلْيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ لِهَذِهِ الْقُلُوبِ شَهْوَةً وَإِقْبَالا، وَإِنَّ لَهَا فَتْرَةً وَإِدْبَارًا، فَخُذُوهَا عِنْدَ شَهْوَتِهَا وَإِقْبَالِهَا، وَذَرُوهَا عِنْدَ فَتْرَتِهَا وَإِدْبَارِهَا

باب قيام وسط الليل

بَابُ قِيَامِ وَسَطِ اللَّيْلِ 943 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلا نَائِمًا، تَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

944 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا عَوْفٌ، عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، نَا أَبُو مُسْلِمٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا ذَرٍّ: أَيُّ صَلاةِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَإِمَّا قَالَ: «نِصْفُ اللَّيْلِ، أَوْ جَوْفُ اللَّيْلِ، وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ»

باب إحياء آخر الليل وفضله

بَابُ إِحْيَاءِ آخِرِ اللَّيْلِ وَفَضْلِهِ 945 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ ابْنُ بِنْتِ ابْنِ مَنِيعٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَتَيْتُ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ، وَكَانَ لِي أَخًا وَصَدِيقًا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَمْرٍو حَدِّثْنِي كَمَا حَدَّثَتْكَ بِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَتْ: " كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَيُحْيِي آخِرَهُ، فَرُبَّمَا كَانَتْ لَهُ الْحَاجَةُ إِلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الأَوَّلِ، قَالَتْ: وَثَبَ، وَمَا قَالَتْ: قَامَ، فَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَمَا قَالَتِ: اغْتَسَلَ، وَأَنَا أَعْلَمُ مَا تُرِيدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا تَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ،

عَنْ زُهَيْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَالَ: اغْتَسَلَ. وَرُوِيَ أَنَّ مَسْرُوقًا سَأَلَ عَائِشَةَ: مَتَى كَانَ يَقُومُ؟ يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ قَامَ فَصَلَّى، أَرَادَتْ بِالصَّارِخِ: الدِّيكَ، تَعْنِي: إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الدِّيكِ 946 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنِ الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟

مَنِ الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنِ الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَقَالَ: «حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ»، وَزَادَ، «فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ». أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَبِي هُرْيَرَةَ اتَّفَقَ أَكْثَرُهَا عَلَى قَوْلِهِ «حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ» 947 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا

أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»، وَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ نَزَلَ إِلَى هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَنَادَى، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُذْنِبٍ يَتُوبُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ إِلَى الْفَجْرِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ 948 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: «مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ فِيهِ، ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَقُولُ: «مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلا ظَلُومٍ»

949 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو الأَسْوَدِ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَهِيَ كُلَّ لَيْلَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ مَعْقِلٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ لُقْمَانَ، قَالَ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ لَا تَكُونَنَّ أَعْجَزَ مِنْ هَذَا الدِّيكِ الَّذِي يُصَوِّتُ بِالأَسْحَارِ، وَأَنْتَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِكَ

باب ما يقول إذا قام من الليل

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ 950 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ طَاوُسٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ فِيهِ: «وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ»، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ». وَقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي التَّهَجُّدِ يَقُولُ بَعْدَ مَا يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: «أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ» الْقَيَّامُ وَالْقَيُّومُ، وَالْقَوَّامُ وَالْقَيِّمُ: الْقَائِمُ بِالأَمْرِ، وَقِيلَ الْقَيُّومُ: الْقَائِمُ، وَهُوَ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَزُولُ. قَوْلُهُ: «وَبِكَ خَاصَمْتُ» أَيْ: بِحُجَّتِكَ أُخَاصِمُ مَنْ خَاصَمَنِي مِنَ الْكُفَّارِ وَأُجَاهِدُهُمْ

951 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، نَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحِ، أَخْبَرَنِي أَزْهَرُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَرَازِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَامَ اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: " كَانَ إِذَا قَامَ كَبَّرَ عَشْرًا، وَسَبَّحَ عَشْرًا، وَهَلَّلَ عَشْرًا، وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي، وَيَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ 952 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا السُّلَمِيُّ، نَا النَّضْرُ بْنُ

مُحَمَّدٍ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، نَا أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الصَّلاةَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِأَمْرِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَغَيْرِهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ 953 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ، حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي عُبَادَةُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ

الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ قُبِلَتْ صَلاتُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «تَعَارَّ» أَيِ: اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ، وَأَصْلُ التَّعَارِّ: السَّهَرُ وَالتَّقَلُّبُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَيُقَالُ: إِنَّ التَّعَارَّ لَا يَكُونُ إِلا مَعَ كَلامٍ وَصَوْتٍ مَأْخُوذٌ مِنْ عِرَارِ الظَّلِيمِ، وَهُوَ صَوْتُهُ

باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر بواحدة

بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَالْوِتْرِ بِوَاحِدَةٍ 954 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِه، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ 955 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ

الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ، فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 956 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ، فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، وَاجْعَلْ آخِرَ صَلاتِكَ وِتْرًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 957 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ

الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، إِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ، فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 958 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ، قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْغَدَاةِ، وَكَأَنَّ الأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ»، قَالَ حَمَّادٌ: أَيْ: سُرْعَةً. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ الْبَزَّارِ، عَنْ حَمَّادٍ 959 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ

بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ سَمِعْتُ أَبَا مَخْلَدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ

باب الوتر بثلاث وبخمس وسبع أو أكثر

بَابُ الْوِتْرِ بِثَلاثٍ وَبِخَمْسٍ وَسَبْعٍ أَوْ أَكْثَرَ رَوَيْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِثَلاثٍ. 960 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ صَلاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إِلا فِي آخِرِهِنَّ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامٍ 961 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً خَمْسٌ يُوتِرُ بِهِنَّ لَا يَجْلِسُ إِلا فِي آخِرِهِنَّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، وَأَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْهِ قَبْلَ الصُّبْحِ، يُصَلِّي سِتًّا مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِخَمْسٍ لَا يَقْعُدُ إِلا فِي آخِرِهِنَّ»

962 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلاثَ عَشْرَةَ فَلَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: مَعْنَى مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلاثَ عَشْرَةَ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مَعَ الْوِتْرِ، فَنُسِبَتْ صَلاةُ اللَّيْلِ إِلَى الْوِتْرِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ» إِنَّمَا عَنَى بِهِ قِيَامَ اللَّيْلِ، يَقُولُ: إِنَّمَا قِيَامُ اللَّيْلِ عَلَى أَصْحَابِ الْقُرْآنِ

963 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى الْعَنَزِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: انْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ، قُلْتُ: " يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِمُّ، فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ، وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ، فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَ اللَّحْمَ، أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ فِي الأَوَّلِ، فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ، وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ، أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ

كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ، وَلا صَامَ شَهْرًا كَامِلا غَيْرَ رَمَضَانَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرُ بِثَلاثَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَتِسْعٍ، وَسَبْعٍ، وَخَمْسٍ، وَثَلاثٍ، وَوَاحِدَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنَّ يُوتِرَ بِخَمْسٍ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلاثٍ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ، فَلْيَفْعَلْ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ إِنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ، وَإِنْ شَاءَ بِثَلاثٍ، وَإِنْ شَاءَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالَّذِي اسْتُحِبَّ أَنْ

يُوتِرَ بِثَلاثٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَكَانَ يُوتِرُ بِثَلاثٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُعَاوِيَةُ، وَعَائِشَةُ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، غَيْرَ أَنَّ الاخْتِيَارَ عِنْدَ أَكْثَرِ هَؤُلاءِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَيُسَلِّمَ عَنْهُمَا، ثُمَّ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ، لأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ. فَإِنْ أَفْرَدَ الرَّكْعَةَ جَازَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَكَرِهَهُ

مَالِكٌ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يُوتِرُ بَعْدَ الْعَتَمَةِ بِوَاحِدَةٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إِنْ فَصَلَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّالِثَةِ، فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَحَسَنٌ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَقَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ نَاسِيًا، سَجَدَ لِلسَّهْوِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالَّذِي أخْتَارُ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يُوتِرُ بِثَلاثٍ، قَالَ: يُوتِرُ بِتَشَهُّدَيْنِ وَتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، كَالْمَغْرِبِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّهُ إِنِ اخْتَارَ الثَّلاثَ، يُصَلِّيهَا بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ، كَمَا رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ فِي الْخَمْسِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا.

وَإِنِ اخْتَارَ الْخَمْسَ، فَإِنْ شَاءَ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنْ شَاءَ بِتَشَهُّدَيْنِ، يَقْعُدُ فِي الرَّابِعَةِ، وَلا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقْعُدُ فِي الْخَامِسَةِ، وَيُسَلِّمُ قِيَاسًا عَلَى السَّبْعِ وَالتِّسْعِ، كَمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ عَائِشَةَ، مِنَ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّهُ: «أَوْتَرَ بِتِسْعٍ وَسَبْعٍ بِتَشَهُّدَيْنِ وَتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ». وَإِنِ اخْتَارَ السَّبْعَ أَوِ التِّسْعَ يَجُوزُ بِتَشَهُّدَيْنِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَيَجُوزُ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْسِ، وَكَذَلِكَ إِذَا اخْتَارَ الإِيتَارَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ، أَوْ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ جَالِسًا فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ. 964 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَفَّالُ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَرْوَنْجِرْدِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالدُّخْمِسِينِيِّ، نَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الْوَشَّاءُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سُئِلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ صَلاةِ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، فَقَالَتْ: «كَانَ يُصَلِّي ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وَإِذَا سَلَّمَ كَبَّرَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ أَذَانِ الْفَجْرِ وَالإِقَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوِتْرِ

باب يجعل آخر صلاته بالليل وترا

بَابُ يَجْعَلُ آخِرَ صَلاتِهِ بِاللَّيْلِ وِتْرًا 965 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُلَقَّبُ بِالصَّالِحِيِّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا يَحْيَى، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَابْنِ الْمُثَنَّى، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ

باب مبادرة الصبح بالوتر

بَابُ مُبَادَرَةِ الصُّبْحِ بِالْوِتْرِ 966 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ» 967 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي , أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا الصَّغَانِيُّ، وهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، , حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَوْلُهُ: «بَادِرُوا» أَيْ: سَابِقُوا، وَسُمِّيَتْ لَيْلَةُ الْبَدْرِ، لأَنَّ الْقَمَرَ يَبْدُرُ مَغِيبَ الشَّمْسِ بِالطُّلُوعِ، أَيْ: يَسْبِقُهَا. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا وِتْرَ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يَقْضِيهِ مَتَى كَانَ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ فَلْيُصَلِّ إِذَا أَصْبَحَ». وَرُوِيَ مَعْنَى هَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مُتَّصِلا، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ ضَعَّفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ

بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ثِقَةٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَوْتَرَ بَعْدَمَا انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ الصُّبْحِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا أُبَالِي لَوْ أُقيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ، وَأَنَا أُوتِرُ. وَخَرَجَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يَوْمًا إِلَى الصُّبْحِ، فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ، فَأَسْكَتَهُ حَتَّى أَوْتَرَ، ثُمَّ صَلَّى لَهُمُ الصُّبْحَ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يُوتِرَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ

باب الوتر قبل النوم

بَابُ الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ 968 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَبُو التَّيَّاحِ، حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ: «صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ. وَصَحَّ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب من طمع أن يقوم آخر الليل يؤخر الوتر

بَابُ مَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ يُؤَخِّرُ الْوِتْرَ 969 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَشِيَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، ثُمَّ لِيَرْقُدْ، وَمَنْ طَمِعَ مِنْكُمْ فِي أَنْ يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الأَزْهَرِيُّ، أَنا خَالُ وَالِدِي أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، نَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيَعْلَى، قَالا: أَنا الأَعْمَشُ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ: «فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ»

باب جميع ساعات الليل وقت للوتر

بَابُ جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِلْوِتْرِ 970 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، نَا أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ، عَنْ وِتْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ، أَوَّلَهُ، وَأَوْسَطَهُ، وَآخِرَهُ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ حِينَ مَاتَ فِي السَّحَرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ. وَأَبُو حُصَيْنٍ: اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الأَسَدِيُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ جَمِيعَ سَاعَاتِ اللَّيْلِ بَعْدَ

دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَقْتٌ لِلْوِتْرِ، وَاخْتَارَ قَوْمٌ أَنْ لَا يَنَامَ قَبْلَ الْوِتْرِ خَوْفًا مِنْ أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِنِ اسْتَحْكَمَتْ عَادَتُهُ عَلَى قِيَامِ آخِرِ اللَّيْلِ، أَخَّرَ الْوِتْرَ إِلَى آخِرِهِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: «مَتَى تُوتِرُ؟»، قَالَ: مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَقَالَ لِعُمَرَ: «مَتَى تُوتِرُ؟»، قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: «أَخَذَ هَذَا بِالْحَزْمِ»، وَقَالَ لِعُمَرَ: «أَخَذَ هَذَا بِالْقُوَّةِ». وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَلَوْ أَنَّهُ أَوْتَرَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَنَامَ، ثُمَّ قَامَ فِي آخِرِهِ، فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى نَقْضِ الْوِتْرِ، وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً حَتَّى يَصِيرَ مَا فَعَلَ شَفْعًا، ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَدَا لَهُ، ثُمَّ يُوتِرُ فِي آخِرِ صَلاتِهِ، لأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ.

وَقَالَ نَافِعٌ: كُنْتُ بِمَكَّةَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالسَّمَاءُ مُتَغيِّمَةٌ، فَخَشِيَ الصُّبْحَ، فَأَوْتَرَ، ثُمَّ تَكَشَّفَ الْغَيْمُ، فَرَأَى عَلَيْهِ لَيْلا، فَشَفَعَ بِوَاحِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا خَشِيَ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ نَقْضِهِ وِتْرَهُ، فَقَالَ: هُوَ شَيْءٌ أَفْعَلُهُ لَا أَرْوِيهِ عَنْ أَحَدٍ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوِتْرَ وَلا يُعِيدُهُ، لأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَعْدَ الْوِتْرِ. وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، قَالَ: زَارَنَا طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ فِي رَمَضَانَ،

ثُمَّ قَامَ بِنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَوْتَرَ بِنَا، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ، قَدَّمَ رَجُلا، فَقَالَ: أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِذًا، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ: هَلْ يُنْقَضُ الْوِتْرُ؟ قَالَ: إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِهِ، فَلا تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَهَذَا أَصَحُّ

باب إيقاظ الأهل للوتر

بَابُ إِيقَاظِ الأَهْلِ لِلْوِتْرِ 971 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، نَا هِشَامٌ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي، وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي، فَأَوْتَرْتُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ الأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ

فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ»

باب ما يقرأ في الوتر

بَابُ مَا يُقْرَأُ فِي الْوِتْرِ 972 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَزُبَيْدٍ سَمِعَا ذَرًّا، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَإِذَا سَلَّمَ، يَقُولُ: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ» وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: ابْنُ أَبْزَى هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَاخْتَارَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُقْرَأَ فِيهَا بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةً. وَرَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا 973 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُوتِرُ بَعْدَهُمَا بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الْوِتْرِ بِـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» 974 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ خُصَيْفٍ،

عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَقْرَأُ فِي الأُولَى بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِـ قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَبْدُ الْعَزِيزِ: هُوَ وَالِدُ ابْنِ جُرَيْجٍ صَاحِبِ عَطَاءٍ. وَابْنُ جُرَيْجٍ: اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلاثٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ بِتِسْعِ سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلاثِ سُوَرٍ آخِرُهُنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

باب فضل الوتر

بَابُ فَضْلِ الْوِتْرِ 975 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ الزَّوْفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَدَّكُمْ بِصَلاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ الْوِتْرُ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ»

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ الزَّوْفِيُّ، لَا يُعْرَفُ سَمَاعُهُ مِنَ ابْنِ أَبِي مُرَّةَ، وَلَيْسَ لَهُ إِلا حَدِيثُ الْوِتْرِ 976 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاتِكُمُ الْمَكْتُوبَةِ»، وَلَكِنْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِفَرِيضَةٍ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ وَاجِبٌ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» قَالَهُ ثَلاثًا. وَمَعْنَاهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمُ: التَّحْرِيضُ عَلَيْهِ، وَالتَّرْغِيبُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: «فَلَيْسَ مِنَّا» مَعْنَاهُ: مَنْ لَمْ يُوتِرْ رَغْبَةً عَنِ السُّنَّةِ، فَلَيْسَ مِنَّا، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، بِدَلِيلِ خَبَرِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ»، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: «لَا، إِلا أَنْ تَطَوَّعَ» وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ، مَا: 977 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا

أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ، سَمِعَ رَجُلا بِالشَّامِ يُدْعَى: أَبَا مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: إِنَّ الْوِتْرَ لَوَاجِبٌ، قَالَ الْمُخْدَجِيُّ: فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ، وَهُوَ رَائِحٌ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقَالَ عُبَادَةُ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ، فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ»

978 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاسِطِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، قَالَ: زَعَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ، فَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ، وَصَلاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ، وَآكَدُهَا بَعْدَ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ، مَا يُؤَدَّى جَمَاعَةً مِنَ السُّنَنِ، وَهِيَ خَمْسٌ: صَلاةُ الْعِيدَيْنِ، وَالْخُسُوفَيْنِ، وَالاسْتِسْقَاءِ، فَأَوْكَدُ هَذِهِ الْخَمْسِ صَلاةُ الْعِيدَيْنِ، ثُمَّ صَلاةُ الْخُسُوفِ، ثُمَّ صَلاةُ الاسْتِسْقَاءِ، ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ، أَوْكَدُ التَّطَوُّعَاتِ الْوِتْرُ، ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، كَانَ أَسْوَأَ حَالا مِمَّنْ تَرَكَ جَمِيعَ النَّوَافِلِ، ثُمَّ بَعْدَهُمَا سَائِرُ سُنَنِ الرَّوَاتِبِ سَوَاءٌ فِي الْوَكَادَةِ

باب صلاة الليل قاعدا

بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ قَاعِدًا 979 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا «لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا، حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ، فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً، ثُمَّ رَكَعَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ

980 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ، عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا، وَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ، فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ 981 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، نَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ أَكْثَرُ صَلاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ» بَابُ

صَلاةِ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاةِ الْقَائِمِ 982 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ أَبُو أَحْمَدَ، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاةِ الْقَاعِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنِ الْحُسَيْنِ

983 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاةِ الْمَرِيضِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فِي صَلاةِ التَّطَوُّعِ، لأَنَّ أَدَاءَ الْفَرَائِضِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ صَلَّى الْقَادِرُ صَلاةَ التَّطَوُّعِ قَاعِدًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَمَّا

مَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ فصَلَّى جَالِسًا، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْقَائِمِ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّطوُّعَ نَائِمًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ أَوِ الْقُعُودِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَذهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِهِ، وَأَجْرُهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَهُوَ الأَصَحُّ وَالأَوْلَى لِثُبُوتِ السُّنَّةِ فِيهِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فِي الْعَاجِزِ، إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ، يُصَلِّي قَاعِدًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقُعُودِ، صَلَّى نَائِمًا، وَلا نُقْصَانَ لأَجْرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقِيلَ: الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فِي صَلاةِ الْفَرْضِ، وَأَرَادَ بِهِ الْمَرِيضَ الَّذِي لَوْ تَحَامَلَ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ مَعَ شِدَّةِ الْمَشَقَّةِ، وَالزِّيَادَةِ فِي الْعِلَّةِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، وَأَجْرُهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَلَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فَقَامَ، تَمَّ أَجْرُهُ، وَكَذَلِكَ النَّائِمُ الَّذِي لَوْ تَحَامَلَ أَمْكَنَهُ الْقُعُودُ مَعَ شِدَّةِ الْمَشَقَّةِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ نَائِمًا، وَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ، وَلَوْ قَعَدَ تَمَّ أَجْرُهُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جَوَابًا لِعِمْرَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ مَبْسُورًا، وَعِلَّةُ الْبَاسُورِ لَيْسَتْ بِمَانِعَةٍ مِنَ الْقِيَامِ فِي الصَّلاةِ، وَلَكِنَّهُ رَخَّصَ لَهُ فِي الْقُعُودِ إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَشَقَّةُ

984 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالٍ، يَعْنِي ابْنَ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ» فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؟»، قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ، قُلْتَ: «صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ» وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا؟ قَالَ: «أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا، اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قُعُودِهِ فِي مَحَلِّ الْقِيَامِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَقْعُدُ مُتَرَبِّعًا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادٍ، وَفَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَرِهَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَكَرِهَهُ الْحَكَمُ،

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَقْعُدُ مُفْتَرِشًا، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُمَا كَانَا يُصَلِّيَانِ، وَهُمَا مُحْتَبِيَانِ فِي النَّافِلَةِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِنَّ صَلَّى نَائِمًا، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُصَلِّي مُسْتَلْقِيًا، وَرِجْلاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَنَامُ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمرَان: 191]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»، وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ الْمَرِيضُ السُّجُودَ، أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ إِيمَاءً، وَلَمْ يَرْفَعْ إِلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا. وَقَالَ الْحَسَنُ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْجُدُ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ مِنْ رَمَدٍ بِهَا

باب من نام عن حزبه قضاه بالنهار

بَابُ مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ قَضَاهُ بِالنَّهَارِ 985 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ، أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِئِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَاهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ». وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عِيسَى: «أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَالْحِزْبُ: مَا يَجْعَلُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قِرَاءَةٍ، أَوْ صَلاةٍ، وَالْحِزْبُ: النَّوْبَةُ فِي وِرْدِ الْمَاءِ 986 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَمْ يُصَلِّ مِنَ اللَّيْلِ، مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْمُ، أَوْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ

بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ قُتَيْبَةَ 987 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالصَّغَانِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مَرِضَ صَلَّى بِالنَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى يُصْبِحَ، وَلا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلا رَمَضَانَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ شُعْبَةَ

باب قيام شهر رمضان وفضله

بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَفَضْلُهُ 988 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مَنْ خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ 989 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الْثَالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ، إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ: وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ كَانَ يُفْرَضُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَكْمَلَ اللَّهُ الْفَرَائِضَ، وَرَدَّ الْخَمْسِينَ إِلَى الْخَمْسِ؟ قِيلَ: كَانَتْ صَلاةُ اللَّيْلِ وَاجِبَةً عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَفْعَالُهُ الشَّرْعِيَّةُ كَانَ الاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهَا وَاجِبًا، فَكَانَ لَا يَأْمَنُ إِنْ هُوَ وَاظَبَ عَلَى الصَّلاةِ بِهِمْ أَنْ يَلْزَمَهُمُ الاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهِ، فَالزِّيَادَةُ مِنْ جِهَةِ وُجُوبِ الاقْتِدَاءِ بِهِ، لَا مِنْ جِهَةِ إِنْشَاءِ فَرْضٍ مُسْتَأْنَفٍ، عَلَى أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يُكَلِّفُ نَفْسَهُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ الشَّرْعُ، ثُمَّ تَلْحَقُهُ اللَّائِمَةُ بِتَرْكِهِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلاةً تَلْزَمُهُ، وَكَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، عَنْ فَرِيقٍ مِنَ النَّصَارَى، أَنَّهُمُ ابْتَدَعُوا رَهْبَانِيَّةً لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَصَّرُوا فِيهَا، فَلَحِقَتْهُمُ اللَّائِمَةُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الْحَدِيد: 27] فَأَشْفَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَتَرَكَ الْعَمَلَ 990 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِئِ، أَنَّهُ قَالَ: " خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ،

فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرَ: إِنِّي أَرَانِي لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ كَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَقَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ. يُرِيدُ: آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْقِصَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «أَوْزَاعٌ» أَيْ: جَمَاعَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ لَا وَاحِدٍ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، يُقَالُ: وَزَّعْتُ الشَّيْءَ بَيْنَهُمْ، أَيْ: فَرَّقْتُهُ وَقَسَمْتُهُ. وَقَوْلُهُ: «نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ» إِنَّمَا دَعَاهُ بِدْعَةً، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهَا، وَلا كَانَتْ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَثْنَى عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: «نِعْمَ» لِيَدُلَّ عَلَى فَضْلِهَا، وَلِئَلا يَمْنَعُ هَذَا اللَّقَبُ مِنْ فِعْلِهَا، وَيُقَالُ: «نِعْمَ» كَلِمَةٌ تَجْمَعُ الْمَحَاسِنَ كُلَّهَا، «وَبِئْسَ» كَلِمَةٌ تَجْمَعُ الْمَسَاوِئَ كُلَّهَا. وَقِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ جَمَاعَةً سُنَّةٌ غَيْرُ بِدْعَةٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ».

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمئين، حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، وَمَا كُنَّا نَنْصرِفُ إِلا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بِثَلاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً فِي رَمَضَانَ.

وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً مَعَ الْوِتْرِ، وَهُوَ

قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ إِسْحَاقَ.

وَأَمَّا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَعَلَى عِشْرِينَ رَكْعَةً يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً. وَلَمْ يَقْضِ أَحْمَدُ فِيهِ بِشَيْءٍ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، الصَّلاةَ مَعَ الإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ إِذَا كَانَ قَارِئًا

991 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَن أَبِي ذَرٍّ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا الْخَضِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا هُشَيْمٌ، أَنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، نَا أَبُو ذَرٍّ، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَقُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى كَانَتْ لَيْلَةٌ سَابِعَةٌ بَقِيَتْ، فَقَامَ بِنَا إِلَى نَحْوٍ مِنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا لَيْلَةً سَادِسَةً بَقِيَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةٌ خَامِسَةٌ بَقِيَتْ، قَامَ بِنَا إِلَى نَحْوٍ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟ فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا لَيْلَةً رَابِعَةً بَقِيَتْ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ ثَالِثَةٌ بَقِيَتْ قَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاحُ»، قُلْتُ: وَمَا الْفَلاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ، قَالَ: فَكَانَ يُوقِظُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَهْلَهُ وَبَنَاتِهِ وَنِسَاءَهُ.

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَصْلُ «الْفَلاحِ» الْبَقَاءُ، وَسُمِّيَ السَّحُورُ فَلاحًا، إِذْ كَانَ سَبَبًا لِبَقَاءِ الصَّوْمِ، وَمُعِينًا عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْقِيَامِ، فَنَسْتَعْجِلُ الْخَدَمَ بِالسَّحُورِ مَخَافَةَ الْفَجْرِ

باب في ليلة النصف من شعبان

بَابٌ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ 992 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَخَرَجْتُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ، فَقَالَ: «أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ» قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ عَائِشَةَ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ

لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ، وَالْحَجَّاجُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ 993 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَخْرٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَيْفٍ الْكَاتِبُ الْبَغْدَادِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَهُ عَنِ الْمُصْعَبِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا الأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَمِّهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لِكُلِّ نَفْسٍ إِلا إِنْسَانًا فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءُ، أَوْ مُشْرِكًا بِاللَّهِ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الصَّوَابُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ يَرْوِي، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

وَأَرَادَ بِالشَّحْنَاءِ: الْعَدَاوَةَ، وَقِيلَ: أَرَادَ صَاحِبَ الْبِدْعَةِ الْمُفَارِقَ لِلْجَمَاعَةِ

باب فضل التطوع في البيت

بَابُ فَضْلِ التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ 994 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الأَزْهَرِيُّ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا خَالُ وَالِدِي أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ،، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، وَالصَّغَانِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا مَكِّيٌّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجْرَتَهُ، فَكَانَ يَخْرُجُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيُصَلِّي فِيهَا، فَرَآهُ رِجَالٌ فَصَلُّوا مَعَهُ بِصَلاتِهِ، وَكَانُوا يَأْتُونَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَتَنَحْنَحُوا وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا بَابَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا النَّاسُ، مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنْ سَيُكْتَبَ عَلَيْكُمْ، عَلَيْكُمْ بِالصَّلاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلا الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إِنَّ صَلاةَ النَّافِلَةِ تَفْضُلُ فِي السِّرِّ عَلَى الْعَلانِيَةِ، كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ فِي الْجَمَاعَةِ. وَرَأَى أَبُو أُمَامَةَ رَجُلا فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ سَاجِدٌ يَبْكِي فِي سُجُودِهِ، وَيَدْعُو رَبَّهُ، فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: أَنْتَ أَنْتَ لَوْ كَانَ هَذَا فِي بَيْتِكَ 995 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا، إِلا الْمَكْتُوبَةَ»

996 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، أَنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِكُمْ فِي مَسْجِدِي هَذَا، إِلا الْمَكْتُوبَةَ» 997 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا بُنْدَارٌ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَفْضَلُ صَلاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، إِلا الْمَكْتُوبَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ 998 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو

عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا يَحْيَى. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنَ صَلاتِكُمْ وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ لَا تَجُوزُ فِي الْمَقَابِرِ،

وَيَحْتَمِلُ: لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ أَوْطَانًا لِلنَّوْمِ لَا تُصَلُّونَ فِيهَا، فَإِنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ، فَأَمَّا مَنْ تَأَوَّلَهُ عَنِ النَّهْيِ عَنْ دَفْنِ الْمَوْتَى فِي الْبُيُوتِ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِنَ فِي بَيْتِهِ 999 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ،

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاتِهِ خَيْرًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ، فَمَا زَالَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ»

باب صلاة الضحى

بَابُ صَلاةِ الضُّحَى 1000 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، يَقُولُ: مَا حَدَّثَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى، غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ، فَإِنَّهَا قَالَتْ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فَلَمْ أَرَ صَلاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ 1001 - أَنا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ

بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمِيدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي بَيْتِهِ سُبْحَةَ الضُّحَى، فَقَامُوا وَرَاءَهُ فَصَلَّوْا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 1002 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى، حَتَّى نَقُولَ: لَا يَدَعُهَا، وَيَدَعُهَا، حَتَّى نَقُولَ: لَا يُصَلِّيهَا ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

1003 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، أَنا وَكِيعٌ، نَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى؟ فَقَالَتْ: «لَا، إِلا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كَهْمَسٍ 1004 - أَنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ أَرَادَتْ بِسُبْحَةِ الضُّحَى: صَلاةَ الضُّحَى، «وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا» أُصَلِّيهَا. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ صَلاةَ الضُّحَى، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ رَأَى أُنَاسًا يُصَلُّونَ صَلاةَ الضُّحَى، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلاةً مَا صَلاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا عَامَّةُ أَصْحَابِهِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنْ سُبْحَةِ الضُّحَى، قَالَ: لَا آمُرُ بِهَا، وَلا أَنْهَى عَنْهَا، وَلَقَدْ أُصِيبَ عُثْمَانُ، وَمَا أَدْرِي أَحَدًا يُصَلِّيهَا، وَإِنَّهَا لَمِنْ أَحَبِّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ إِلَيَّ

باب عدد صلاة الضحى

بَابُ عَدَدِ صَلاةِ الضُّحَى قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاثٍ. . . وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَذَكَرَتْ أُمُّ هَانِئٍ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. 1005 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: «نَعَمْ، أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ 1006 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، نَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ فُلانِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ» قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تَقُولُ: لَوْ نُشِرَ لِي دِيوَانِي مَا تَرَكْتُهَا.

وَرَوَى الْحَكَمُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ قَاعِدَةً، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّيهَا أَرْبَعًا؟ قَالَتْ: إِنَّ عَائِشَةَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ الْقَاعِدِ عَلَى نِصْفِ أَجْرِ الْقَائِمِ»

باب فضل صلاة الضحى

بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الضُّحَى 1007 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ السَّدُوسِيُّ، نَا الْمَهْدِيُّ، وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ، نَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَتَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَتَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَتَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ أَحَدَكُمْ مِنَ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الضُّبَعِيِّ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ وَأَرَادَ «بِالسُّلامَى»: كُلَّ عَظْمٍ، وَمَفْصِلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْحَرَكَةِ، وَأَصْلُ السُّلامَى: عَظْمٌ فِي فِرْسِنِ الْبَعِيرِ، وَيُجْمَعُ: السُّلامَيَاتِ

1008 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا النَّهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ، رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَى رَكْعَتَيِ الضُّحَى، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ». هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ النَّهَّاسِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الأَئِمَّةُ 1009 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيُّ، نَا أَبُو مُسْهِرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي ذَرٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَنَّهُ قَالَ: «ابْنَ آدَمَ، ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

باب وقت صلاة الضحى

بَابُ وَقْتِ صَلاةِ الضُّحَى 1010 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّوَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ، وَهُمْ يُصَلُّونَ الضُّحَى، فَقَالَ: «صَلاةُ الأَوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتِ الْفِصَالُ مِنَ الضُّحَى». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ

قَوْلُهُ: «رَمِضَتِ الْفِصَالُ»، يُرِيدُ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْفِصَالَ تَبْرُكُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الرَّمْضَاءِ، وَهُوَ الرَّمْلُ، لاحْتِرَاقِ أَخْفَافِهَا، يُقَالُ: رَمِضَتْ قَدَمُهُ مِنَ الرَّمْضَاءِ، أَيِ: احْتَرَقَتْ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلاةِ الضُّحَى، فَقَالَ: حِينَ تَبْهَرُ الْبُتَيْرَاءُ الأَرْضَ، أَرَادَ: حِينَ تَنْبَسِطُ الشَّمْسُ، فَالْبُتَيْرَاءُ: الشَّمْسُ وَأَبْتَرَ الرَّجُلُ: إِذَا صَلَّى الضُّحَى

باب فضل من تطهر فصلى عقيبه

بَابُ فَضْلِ مَنْ تَطَهَّرَ فَصَلَّى عُقَيْبَهُ 1011 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَضْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ الْكُوفَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ بِهَا الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ الصَّائِغُ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلالٍ عِنْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ: «حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ مَنْفَعَةً فِي الإِسْلامِ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَةَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ»، فَقَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلا فِي الإِسْلامِ أَرْجَى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا تَامًّا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلا صَلَّيْتُ لِرَبِّي مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ الْخَشْفَةُ: الصَّوْتُ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ، يُقَالُ: خَشَفَ يَخْشِفُ خَشْفًا: إِذَا سَمِعْتَ لَهُ صَوْتًا، أَوْ حَرَكَةً 1012 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي بُرَيْدَةُ، قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا بِلالا، فَقَالَ: «يَا بِلالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ؟ مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَطُّ إِلا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، إِنِّي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي!»، فَقَالَ بِلالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلا تَوَضَّأْتُ، وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ فَأَرْكَعُهُمَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِهِمَا»

قَوْلُهُ: خَشْخَشَتَكَ، أَيْ: حَرَكَتَكَ 1013 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُئِيُّ، أَنا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، نَا هِشَامٌ، يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يَسْهُو فِيهِمَا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» 1014 - وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «

مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا، إِلا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ

باب الصلاة عند التوبة

بَابُ الصَّلاةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ 1015 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسَدِيِّ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: إِنِّي كُنْتُ رَجُلا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا يَنْفَعُنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِلا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ». قَالَ عَفَّانُ: وَزَادَ فِيهِ شُعْبَةُ: «يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ، إِلا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ»، قَالَ: وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {

وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النِّسَاء: 110]. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَيَرْوِي عَنْهُ شُعْبَةُ، وَمِسْعَرٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ

باب صلاة الاستخارة

بَابُ صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ 1016 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: " إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي، وَمَعِيشَتِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعِيشَتِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ،

فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ، قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «وَمَعَاشِي» فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى» 1017 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْحَسَنِيُّ، إِمْلاءً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَتُّوَيْهِ، نَا حَمُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، نَا بُنْدَارٌ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْوَزِيرِ، نَا زَنْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا، قَالَ: «اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ زَنْفَلٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَزَنْفَلٌ: هُوَ الْعَرَفِيُّ مَكِّيٌّ سَكَنَ عَرَفَاتٍ، تَفَرَّدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ

باب صلاة التسبيح

بَابُ صَلاةِ التَّسْبِيحِ 1018 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، أَلا أُهْدِي لَكَ، أَلا أَمْنَحُكَ، أَلا أُزَوِّدُكَ، أَلا أَهَبُ لَكَ، أَلا أُعْطِيكَ، أَلا أَحْبُوكَ: صَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ لَيْلٍ شِئْتَ أَوْ نَهَارٍ، فَإِذَا كَبَّرْتَ فَاقْرَأْ مَا شِئْتَ، وَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ قِرَاءَتِكَ، فَقُلْ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ارْكَعْ، فَإِذَا رَكَعْتَ، قُلْتَ، وَأَنْتَ رَاكِعٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقُلْ عَشْرَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ تَخِرَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اسْجُدْ فَقُلْهَا عَشْرًا وَأَنْتَ سَاجِدٌ، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقُلْهَا عَشْرًا، ثُمَّ اسْجُدِ الثَّانِيَةَ، فَقُلْهَا عَشْرًا، وَأَنْتَ سَاجِدٌ، ثُمَّ ارْفَعْ

رَأْسَكَ فَقُلْهَا عَشْرًا قَبْلَ أَنْ تَقُومَ، ثُمَّ قُمْ فَاقْرَأْ كَمَا قَرَأْتَ، ثُمَّ قُلْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ أَنْ تَقْرَأَ، ثُمَّ قُلْهَا عَشْرًا عَشْرًا كَمَا قُلْتَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى: ثُمَّ الْبَاقِيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ صَغِيرُهُ وَكَبِيرُهُ، وَحَدِيثُهُ وَقَدِيمُهُ، وَعَمْدُهُ وَجَهْلُهُ، وَسِرُّهُ وَعَلانِيَتُهُ كُلُّهَا، إِنِ اسْتَطَعْتَ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً، وَإِلا فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً وَإِلا فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، وَإِلا فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِلا فَفِي كُلِّ عُمُرِكَ مِنَ الدُّنْيَا مَرَّةً وَاحِدَةً ". ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَ صَلاةِ التَّسْبِيحِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ النَّيْسَابُورِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ».

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ صَلاةَ التَّسْبِيحِ، وَذَكَرُوا الْفَضْلَ فِيهَا. وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَلاةِ التَّسْبِيحِ، فَذَكَرَهَا، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَعَشْرًا بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ قَبْلَ الْقِيَامِ، وَقَالَ: فَإِنْ صَلَّى لَيْلا، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَإِنْ صَلَّى نَهَارًا، فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ، وَقَالَ: يَبْدَأُ فِي الرُّكُوعِ بِسُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَفِي السُّجُودِ بِسُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى، ثُمَّ يُسَبِّحُ التَّسْبِيحَاتِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ سَهَا فِيهَا يُسَبِّحُ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ عَشْرًا عَشْرًا؟ قَالَ: لَا إِنَّمَا هِيَ ثَلاثُ مِائَةِ تَسْبِيحَةٍ

باب فضل التطوع

بَابُ فَضْلِ التَّطَوُّعِ 1019 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ بِهَا، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ التَّاجِرُ، نَا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ: إِذَا أَتَيْتَ أَهْلَ مِصْرِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الرَّجُلُ صَلاتُهُ الْمَكْتُوبَةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلاتُهُ، وَإِلا زِيدَ فِيهَا مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُقَابَلُ سَائِرُ الأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ كَذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

أبواب صلاة السفر

أَبْوَابُ صَلاةِ السَّفَرِ بَابُ قَصْرِ الصَّلاةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النِّسَاء: 101]. 1020 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، سَمِعَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ،

عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ 1021 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الإِتْمَامِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْقَصْرَ وَاجِبٌ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالَ حَمَّادٌ: يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا، وَقَالَ مَالِكٌ: يُعِيدُ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِنْ لَمْ يَقْعُدْ لِلتَّشَهُّدِ فِي الثَّانِيَةِ، فَصَلاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ قَعَدَ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا، وَالأُخْرَيَانِ نَفْلٌ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِ الإِتْمَامِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَدْ أَتَمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، مَعَ عُثْمَانَ بِمِنًى، وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ إِنْ شَاءَ أَتَمَّ، وَإِنْ شَاءَ قَصَرَ، وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ فِي السَّفَرِ وَتُصَلِّي أَرْبَعًا». وَقَالَ أَحْمَدُ مَرَّةً: أَنَا أُحِبُّ الْعَافِيَةَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا صَلَّى عُثْمَانُ أَرْبَعًا، لأَنَّهُ كَانَ اتَّخَذَهَا وَطَنًا. وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ، لأَنَّهُ اتَّخَذَ

الأَمْوَالَ بِالطَّائِفِ، وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا، وَقَالَ أَيُّوبُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ الصَّلاةَ بِمِنًى مِنْ أَجْلِ الأَعْرَابِ، لأَنَّهُمْ كَثُرُوا عَامَئِذٍ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ أَرْبَعًا لِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّ الصَّلاةَ أَرْبَعٌ. وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «الصَّلاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاةُ الْحَضَرِ»، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ

1021 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً»، أَخْبَرَنَاهُ الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا الصَّغَانِيُّ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا بُكَيْرُ بْنُ الأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَقَدَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّلاةَ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ يُومِئُ بِهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ: لَيْسَتَا بِقَصْرٍ، إِنَّمَا الْقَصْرُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ، يَقُولُ: أَمَّا عِنْدَ الشِّدَّةِ، فَيُجْزِئُكَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ تُومِئُ إِيمَاءً، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَسَجْدَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَتَكْبِيرَةٌ، لأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ صَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ إِيمَاءً، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى رَكْعَتَيْنِ، فَرَكْعَةٌ بِسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا، فَلا يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ، وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا، وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ.

فَأَمَّا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْخَوْفَ لَا يُنْقِصُ مِنَ الْعَدَدِ شَيْئًا. 1023 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَصَرَ الصَّلاةَ، وَأَتَمَّ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوِ اقْتَدَى مُقِيمٌ بِمُسَافِرٍ، قَصَرَ الْمُسَافِرُ، وَأَتَمَّ الْمُقِيمُ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى لَهُمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، فَلَوْ

صَلَّى الإِمَامُ الْمُسَافِرُ أَرْبَعًا صَحَّتْ صَلاتُهُمْ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ لِلْمُسَافِرِ الإِتْمَامَ، وَمَنْ أَبْطَلَ صَلاةَ الإِمَامِ بِالإِتْمَامِ أَوْجَبَ الإِعَادَةَ عَلَى الْقَوْمِ، وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُسَافِرٍ صَلَّى بِمُقِيمِينَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُعِيدَ الْمُقِيمُونَ، قِيلَ: فَالْمُسَافِرُ؟ قَالَ: لَا يُعِيدُ، وَقَدْ قَالَ حَمَّادٌ: يُعِيدُ وَلا يَزِيدُ، وَلَوِ اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ أَتَّمَا جَمِيعًا

باب جواز القصر في حال الأمن

بَابُ جَوَازِ الْقَصْرِ فِي حَالِ الأَمْنِ 1024 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النِّسَاء: 101]. فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ؟ قَالَ عُمَرُ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الإِتْمَامَ هُوَ الأَصْلُ، أَلا تَرَى أَنَّهُمَا قَدْ تَعَجَّبَا مِنَ الْقَصْرِ مَعَ عَدَمِ شَرْطِ الْخَوْفِ، فَلَوْ كَانَ أَصْلُ فَرْضِ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَتَعَجَّبَا مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَإِبَاحَةٌ لَا عَزِيمَةٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ رَكْعَتَيِ الْمُسَافِرِ لَيْسَ بِقَصْرٍ، إِنَّمَا الْقَصْرُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً عِنْدَ الْخَوْفِ وَالْقِتَالِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ، وَجَعَلَ شَرْطَ الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ فِي الآيَةِ بَاقِيًا، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ لَوْلا خَبَرُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 1025 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ آمِنًا لَا يَخَافُ إِلا اللَّهَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1026 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنَهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَحَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ الْخُزَاعِيُّ: هُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لأُمِّهِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصَّلاةِ، فَقَالَ أَنَسٌ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ، شَكَّ شُعْبَةُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ». وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ إِلَى قَرْيَةٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ، أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى إِبَاحَةِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى النُّخَيْلَةِ، فَصَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلاةَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسَةِ فَرَاسِخَ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ: إِنِّي لأُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنَ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ،

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَ لِي جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: أَقْصُرُ بِعَرَفَةَ. أَمَّا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ، فَلا يُجَوِّزُونَ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ: مَسِيرَةَ يَوْمٍ تَامٍّ، وَبِهَذَا نَأْخُذُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَوَى سَالِمٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقْصُرُ الصَّلاةَ فِي مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّامِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا، وَأَرَادَ بِهِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ،

وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَلا يَرَيَانِ فِيمَا دُونَهَا، سَافَرَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رِيمٍ، فَقَصَرَ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْصُرُ إِلَى عَرَفَةَ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: إِلَى مِنًى؟ قَالَ: لَا، لَكِنْ إِلَى جُدَّةَ، وَعُسْفَانَ وَالطَّائِفِ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، رَوَاهُ عَنْهُ نَافِعٌ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَوْلُ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالا: يَقْصُرُ فِي مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ، وَإِلَى نَحْوِ ذَلِكَ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ، حِينَ، قَالَ: مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ:

سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ مِيلا بِالْهَاشِمِيِّ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَقْصُرُ إِلا فِي مَسَافَةِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلاةِ، وَهُوَ مُسَافِرٌ، فَأَقَامَ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ أَنْ صَلاهَا، أَتَمَّهَا، وَلَوْ دَخَلَ الْوَقْتُ، وَهُوَ مُقِيمٌ، فَسَافَرَ قَبْلَ أَنْ صَلاهَا، وَالْوَقْتُ بَاقٍ، لَهُ أَنْ يَقْصُرَ، وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلاةٌ فِي السَّفَرِ، فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ، أَوْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ، فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ، أَتَمَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ مَالِكٍ إِنْ فَاتَتْ فِي السَّفَرِ، فَأَقَامَ، قَصَرَ، وَإِنْ فَاتَتْ فِي الْحَضَرِ فَسَافَرَ، أَتَمَّ، لأَنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي وَجَبَ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ. وَمَسَافَةُ الْفِطْرِ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ مِثْلُ مَسَافَةِ الْقَصْرِ.

باب إذا مكث المسافر في منزل إلى كم يقصر

بَابُ إِذَا مَكَثَ الْمُسَافِرُ فِي مَنْزِلٍ إِلَى كَمْ يَقْصُرُ 1027 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ «يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ»، حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قُلْنَا: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ 1028 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا، فَأَقَامَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَحْنُ نُصَلِّي فِيمَا بَيْنَنَا، وَبَيْنَ مَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا أَقَمْنَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَقَامَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ أَقَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ أَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

وَشَهِدْتُ الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلا رَكْعَتَيْنِ، وَيَقُولُ: «يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنَّا سَفْرٌ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مُدَّةِ الإِقَامَةِ الَّتِي تَمْنَعُ الْقَصْرَ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا نَوَى إِقَامَةَ أَرْبَعٍ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الإِتْمَامُ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ الأَحَدِ، وَخَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ إِلَى مِنًى، كُلُّ ذَلِكَ يَقْصُرُ الصَّلاةَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَحْسُبِ الْيَوْمَ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ، لأَنَّهُ كَانَ فِيهِ سَائِرًا، وَلا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ سَائِرًا.

قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَدِمَ لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنًى فَيَقْصُرُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ إِقَامَةَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ. وَأَمَّا أَحْمَدُ، فَلَمْ يَحُدَّهُ بِالأَيَّامِ، وَلَكِنْ بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: إِذَا جَمَعَ الْمُسَافِرُ لإِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلاةً مَكْتُوبَةً قَصَرَ، فَإِذَا عَزَمَ عَلَى أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَقَامَ الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ، وَصَلَّى الْفَجْرَ بِالأَبْطَحِ يَوْمَ الثَّامِنِ، فَكَانَتْ صَلاتُهُ فِيهَا إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلاةً. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا الْتَحْدِيدُ يَرْجِعُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، إِلا أَنَّهُ رَأَى تَحْدِيدَهُ بِالصَّلَوَاتِ أَحْوَطَ. هَذَا إِذَا أَجْمَعَ الإِقَامَةَ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُجْمِعِ الإِقَامَةَ، فَزَادَ مُكْثُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى الْخُرُوجِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَتَمَّ، إِلا أَنْ يَكُونَ فِي خَوْفٍ، أَوْ حَرْبٍ، فَيَقْصُرُ، قَصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. فَاعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ فِي ثَمَانِيَ عَشْرَةَ عَلَى رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي إِقَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ لِسَلامَتِهَا مِنَ الاخْتِلافِ، وَكَثْرَةِ الاخْتِلافِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ لَهُ الْقَصْرَ أَبَدًا مَا لَمْ يُجْمِعْ إِقَامَةً، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ

أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أُصَلِّي صَلاةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثًا، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ سَوَاءٌ كَانَ مُحَارِبًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ، قَالَ أَبُو عِيسَى: هُوَ إِجْمَاعٌ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلاةَ. وَأَقَامَ ابْنُ عُمَرَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلاةَ، يَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا.

وَقَالَ نَافِعٌ: أَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِمَكَّةَ عَشْرَ لَيَالٍ يَقْصُرُ الصَّلاةَ إِلا أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ فَيُصَلِّيَهَا بِصَلاتِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا أَجْمَعَ الْمُسَافِرُ، عَلَى إِقَامَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ أَتَمَّ، ثُمَّ ذَهَبُوا إِلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إِذَا أَجْمَعَ عَلَى إِقَامَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَتَمَّ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حُيَيٍّ: إِذَا أَقَامَ

عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَتَمَّ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَنْ أَقَامَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَتَمَّ الصَّلاةَ. وَقَالَ رَبِيعَةُ قَوْلا شَاذًّا: إِنَّ مَنْ أَقَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَتَمَّ، وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا قَدِمَ عَلَى أَهْلٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ أَتَمَّ الصَّلاةَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: إِنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا دَخَلَ بَلَدًا لَهُ بِهِ أَهْلٌ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَازًا، انْقَطَعَتْ رُخْصَةُ السَّفَرِ فِي حَقِّهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا كَانَ مَعَ الْمَلاحِ أَهْلُهُ لَمْ يَقْصُرِ الصَّلاةَ

باب صلاة المقيم خلف المسافر

بَابُ صَلاةِ الْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ 1029 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى لَهُمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ يَقُولُ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُسَافِرَ، وَالْمُقِيمَ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ فِي الصَّلاةِ، ثُمَّ إِذَا اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ، فَقَصَرَ الإِمَامُ، فَإِذَا سَلَّمَ مِنْ صَلاتِهِ، قَامَ الْمُقِيمُ، فَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ الصَّلاةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ لِمُوَافَقَتِهِ. وَإِذَا اقْتَدَى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِ، عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِمُوَافَقَةِ إِمَامِهِ، قَالَ نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي وَرَاءَ الإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعًا، فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

1030 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَالَ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى»، وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا قَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ مَكَّةَ: إِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِمِنًى إِذَا حَجُّوا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَنْصَرِفُوا إِلَى مَكَّةَ، وَمَنْ كَانَ سَاكِنًا بِمِنًى يُتِمُّ الصَّلاةَ بِمِنًى، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا بِعَرَفَةَ يُتِمُّ الصَّلاةَ بِعَرَفَةَ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا قَصْرَ لَهُمْ بِمِنًى، وَلا بِعَرَفَةَ

باب من لم يتطوع في السفر

بَابُ مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ 1031 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ الْوَرَّاقُ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " سَافَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، لَا يُصَلُّونَ قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ كُنْتُ مُصَلِّيًا قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لأَتْمَمْتُهَا ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 1032 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا الدَّارِمِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ، أَنا عِيسَى بْنُ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى خَشَبَةِ رَحْلِهِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا،

فَرَأَى قَوْمًا وَرَاءَهُ قِيَامًا، فَقَالَ: " مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْتُ صَلاتِي، يَا ابْنَ أَخِي، صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُمَرَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الْأَحْزَاب: 21] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصٍ 1033 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: «صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ

بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ رَوَى عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ فِي السَّفَرِ» 1034 - وَرُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا، فَمَا رَأَيْتُهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ». أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي بُسْرَةَ الْغِفَارِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ 1035 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ الْكُوفِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطِيَّةَ، وَنَافِعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ فِي الْحَضَرِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَهُ فِي السَّفَرِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ بَعْدَهَا شَيْئًا، وَالْمَغْرِبَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ سَوَاءً، ثَلاثَ رَكَعَاتٍ، لَا يَنْقُصُ فِي حَضَرٍ وَلا سَفَرٍ، وَهِيَ وِتْرُ النَّهَارِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، سَمِعْتُ مُحَمَّدًا، يَقُولُ: مَا رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدِيثًا أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْ هَذَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمْرُ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَنَازِلا، مَشْهُورٌ، وَاخْتَارَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّطَوُّعَ فِي السَّفَرِ. كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتَنَفَّلُونَ فِي السَّفَرِ، وَاخْتَارَ طَائِفَةٌ أَنْ لَا يَتَطَوَّعَ قَبُولا لِلرُّخْصَةِ

باب التطوع والوتر على الراحلة في السفر أين توجهت

بَابُ التَّطَوُّعِ وَالْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ أَيْنَ تَوَجَّهَتْ 1036 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إِيمَاءً صَلاةَ اللَّيْلِ، إِلا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 1037 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشَّيْرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ،

عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ 1038 - نَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَكِيعٌ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالا: نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَجِئْتُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنَ الرُّكُوعِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جَوَازِ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ عَلَى الدَّابَّةِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الطَّرِيقِ، وَيَجِبُ أَنْ يَنْزِلَ لأَدَاءِ الْفَرِيضَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْوِتْرِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يُصَلُّونَ الْفَرِيضَةَ وَالْوِتْرَ بِالأَرْضِ. وَيَجُوزُ أَدَاءُ النَّافِلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ جَمِيعًا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ إِلا فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاةُ، وَإِذَا صَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ يَفْتَتِحُ الصَّلاةَ إِلَى الْقِبْلَةِ إِنْ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ وَيَرْكَعُ، وَيَسْجُدُ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِرَأْسِهِ، وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ. رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ إِذَا سَافَرَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِنَاقَتِهِ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ». وَجَوَّزَ الأَوْزَاعِيُّ لِلْمَاشِي عَلَى رِجْلِهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالإِيمَاءِ مُسَافِرًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ مُسَافِرٍ، وَكَذَلِكَ عَلَى الدَّابَّةِ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ صَلَّى فِي سَفِينَةٍ يُصَلِّي قَائِمًا، إِلا أَنْ يَدُورَ رَأْسَهُ، فَلا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ. وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ؟ قَالَ: «صَلِّ فِيهَا قَائِمًا، إِلا أَنْ تَخَافَ الْغَرَقَ».

باب الجمع بين الصلاتين في السفر

بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ 1039 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ 1040 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ يَوْمًا يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ 1041 - أَنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ تَبُوكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ

عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ، قَالَ: فَجِئْنَاهَا، وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا رَجُلانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ فَقَالا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا، وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ , ثُمَّ غَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ يَا مُعَاذُ، إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ، عَنْ مَالِكٍ «تَبِضُّ» يُقَالُ: بَضَّ الْمَاءُ: إِذَا قَطَرَ وَسَالَ، وَضَبَّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ، وَهُوَ مِنَ الْمَقْلُوبِ. 1042 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ،

قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ؟ كَانَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ، جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الزَّوَالِ، وَإِذَا سَافَرَ قَبْلَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ،

وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا، فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى جَوَازِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَجُوزُ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَحَكَاهُ عَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ، وَمَكْحُولٌ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالُوا: إِذَا أَرَادَ الْجَمْعَ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا، وَعَجَّلَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَرَوَوْا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ. أَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِعَرَفَةَ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِلْحَاجِّ، فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

باب الجمع بعذر المطر

بَابُ الْجَمْعِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ 1043 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ»، قَالَ مَالِكٌ: أُرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِلْمَمْطُورِ فِي الْحَضَرِ، فَأَجَازَهُ قَوْمٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَفَعَلَهُ عُرْوَةُ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَطَرُ قَائِمًا وَقْتَ افْتِتَاحِ الصَّلاةِ الأُولَى، وَحَالَةَ الْفَرَاغِ مِنْهَا إِلَى أَنْ يَفْتَتِحَ الثَّانِيَةَ، وَكَذَلِكَ أَبُو ثَوْرٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يَجْمَعَ الْمَمْطُورُ فِي الطِّينِ، وَفِي حَالِ الظُّلْمَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَلَمْ يُجَوِّزْ قَوْمٌ الْجَمْعَ بِعُذْرِ الْمَطَرِ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ 1044 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ»، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لِمَ فَعَلَهُ؟ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: لِئَلا يحرج أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بِلا عُذْرٍ، لأَنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ أَنْ لَا تَحْرَجَ أُمَّتُهُ، وَقَدْ قَالَ بِهِ قَلِيلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ إِذَا كَانَتْ حَاجَةٌ أَوْ شَيْءٌ، مَا لَمْ يَتَّخِذَهُ عَادَةً. وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْجَمْعَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ. وَجَوَّزَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ الْجَمْعَ بِعُذْرِ الْمَرَضِ، وَحَمَلا الْحَدِيثَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ

6 - كتاب الجمعة

6 - كِتَابُ الْجُمُعَةِ بَابُ فَرْضِ الْجُمُعَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الْجُمُعَة: 9]. 1045 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَسَّانٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الْحِمْيَرِيُّ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ، فَهُمْ لَنَا فِيهِ

تَبَعٌ، فَالْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَهَا» 1045 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي، يَسْأَلُ رَبَّهُ شَيْئًا إِلا آتَاهُ إِيَّاهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» يُرِيدُ: نَحْنُ الآخِرُونَ خُرُوجًا فِي الدُّنْيَا، السَّابِقُونَ فِي الْفَضْلِ وَالْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَوْلُهُ «بَيْدَ أَنَّهُمْ» أَيْ: غَيْرَ أَنَّهُمْ، وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَاهُ: عَلَى

أَنَّهُمْ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: «بَيْدَ» مِنْ أَجْلِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى: مَيْدَ أَنَّهُمْ، بِالْمِيمِ، وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ الْمِيمَ عَلَى الْبَاءِ، وَالْبَاءَ عَلَى الْمِيمِ. وَفِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ مَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ، وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ» وَفُسِّرَ هَذَا: مِنْ أَجْلِ أَنِّي. قَوْلُهُ: «فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ» يُرِيدُ أَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَى الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى تَعْظِيمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: هُوَ يَوْمُ السَّبْتِ، لأَنَّهُ كَانَ فِيهِ الْفَرَاغُ عَنْ خَلْقِ الْخَلْقِ، فَنَحْنُ نَسْتَرِيحُ فِيهِ عَنِ الْعَمَلِ، وَنَشْتَغِلُ بِالشُّكْرِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى: هُوَ يَوْمُ الأَحَدِ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَدَأَ فِيهِ بِخَلْقِ الْخَلِيقَةِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّعْظِيمِ، فَهَدَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ، فَهُوَ سَابِقٌ عَلَى السَّبْتِ وَالأَحَدِ

باب فضل يوم الجمعة وما قيل في ساعة الإجابة

بَابُ فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا قِيلَ فِي سَاعَةِ الإِجَابَةِ 1046 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»، وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ، هِيَ آخِرُ سَاعَاتِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا آدَمَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الْأَنْبِيَاء: 37]. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

1047 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلا اسْتَجَابَ لَهُ، أَوْ يَسْتَعِيذُهُ مِنْ شَرٍّ إِلا أَعَاذَهُ مِنْهُ ". وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ، نَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: " الْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ " إِلَى آخِرِهِ، مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي أَوَّلِهِ: " الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، وَمُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ يُضَعَّفُ 1048 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1049 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ

إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالُوَيْهِ الْمُزَكِّي، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ رَبَّهُ شَيْئًا إِلا آتَاهُ إِيَّاهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 1050 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ، فَلَقِيتُ كَعْبَ الأَحْبَارِ، فَجَلَسْتُ مَعَهُ، فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ، وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ

لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ، إِلا الْجِنَّ وَالإِنْسَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»، قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ. فَقُلْتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ. قَالَ: فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ، فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الأَحْبَارِ، وَمَا حَدَّثْتُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ، هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي، وَتِلْكَ سَاعَةٌ لَا يُصَلَّى فِيهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، فَهُوَ فِي صَلاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَهَا؟

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ ذَلِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «إِلا وَهِيَ مُسِيخَةٌ» أَيْ: مُصْغِيَةٌ مُسْتَمِعَةٌ، يُقَالُ: أَصَاخَ وَأَسَاخَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. 1051 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، نَا مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْتَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ يُضَعَّفُ، وَيُقَالُ لَهُ: حَمَّادُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، وَيُقَالُ: هُوَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الأَنْصَارِيُّ، وَرَأَى بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ، أَنَّ سَاعَةَ الإِجَابَةِ: بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، قَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ». وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاةُ»

1052 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ابْنُ عَمْرُو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ لَا يَسْأَلُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ شَيْئًا إِلا أُعْطِيَ سُؤْلَهُ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيَّةُ سَاعَةٍ

هِيَ؟ قَالَ: «هِيَ حِينَ تُقَامُ الصَّلاةُ الأُولَى إِلَى الانْصِرَافِ مِنْهَا»، قَالَ كَثِيرٌ: يَعْنِي صَلاةَ الْجُمُعَةِ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا فِيمَا بَيْنَ الأَذَانِ إِلَى انْصِرَافِ الإِمَامِ. وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: هِيَ عِنْدَ نُزُولِ الإِمَامِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: الْتَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي ثَلاثِ مَوَاطِنَ: مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمَا بَيْنَ أَنْ يَنْزِلَ الإِمَامُ إِلَى أَنْ يُكَبِّرَ، وَمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الْأَعْرَاف: 205] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَة: 9]

باب وعيد من ترك الجمعة بغير عذر

بَابُ وَعِيدِ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ 1053 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الْجَعْدِ، يَعْنِي الضَّمْرِيَّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلا يُعْرَفُ لأَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ إِلا هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَهُ صُحْبَةٌ وَلا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَالطَّبْعُ: الْخَتْمُ، يُقَالُ: طَبَعَ يَطْبَعُ طَبْعًا: إِذَا خَتَمَ، وَالطَّابَعُ الْخَاتَمُ، وَالطَّبَعُ، بِفَتْحِ الْبَاءِ: تَدَنُّسُ الْعِرْضِ وَتَلَطُّخُهُ، يُقَالُ: طَبِعَ بِكَسْرِ الْبَاءِ يَطْبَعُ طَبَعًا، وَأَصْلُ الطَّبَعِ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْوَسَخِ وَالتَّدَنُّسِ يُصِيبَانِ السَّيْفَ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي الأَوْزَارِ، وَالآثَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمَقَابِحِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الرَّيْنُ أَيْسَرُ مِنَ الطَّبْعِ، وَالطَّبْعُ أَيْسَرُ مِنَ الإِقْفَالِ، وَالإِقْفَالُ أَشَدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [مُحَمَّد: 16]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [مُحَمَّد: 24] 1054 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عُمَرَ بْنِ الْعَبَّاسِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ، أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ سَلامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلامٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مِينَاءَ،

أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، حَدَّثَهُ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ وَهُوَ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ أَبِي تَوْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلامٍ، عَنْ أَخِيهِ زَيْدٍ قَوْلُهُ: «عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ» أَيْ: عَنْ تَرْكِهِمْ إِيَّاهَا. قَالَ شِمْرٌ: زَعَمَتِ النَّحْوِيَّةُ أَنَّ الْعَرَبَ أَمَاتُوا مَصْدَرَهُ وَمَاضِيَهُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْصَحُ. وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا تَرْكُ الْجُمُعَةِ بِالْعُذْرِ، فَجَائِزٌ بِالاتِّفَاقِ، دُعِيَ ابْنُ عُمَرَ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يَمُوتُ، وَابْنُ عُمَرَ يَسْتَجْمِرُ لِلْجُمُعَةِ، فَأَتَاهُ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ، إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلا تَقُلْ: «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، قُلْ صَلُّوا فِي

بُيُوتِكُمْ»، وَقَالَ: «إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، فَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخَرِّجَكُمْ، فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ». وَيُرْوَى فِي كَفَّارَةِ تَارِكِ الْجُمُعَةِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ وَبْرَةَ الْعُجَيْفِيِّ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ». وَيُرْوَى «فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِرْهَمٍ، أَوْ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ»، أَوْ «

صَاعِ حِنْطَةٍ، أَوْ نِصْفِ صَاعٍ». وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَفَّارَةٌ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الْجُمُعَة: 9]، قَالَ: يَحْرُمُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: تَحْرُمُ الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا

باب الجمعة في القرى

بَابُ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى 1055 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَا مِنَ الْبَحْرَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَوْضِعِ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَفِي الْعَدَدِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ، وَفِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يُؤْتَى مِنْهَا، أَمَّا الْمَوْضِعُ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ قَرْيَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلا أَحْرَارًا مُقِيمِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالُوا: لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. وَشَرَطَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ عَدَدِ الأَرْبَعِينَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ وَالٍ، وَالْوَالِي غَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ جَمَاعَةٌ فِي قَرْيَةٍ بُيُوتُهَا مُتَّصِلَةٌ، وَفِيهَا سُوقٌ وَمَسْجِدٌ، يُجَمَّعُ فِيهِ، وَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْوَالِي. وَقَالَ عَلِيٌّ: لَا جُمُعَةَ إِلا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ

الرَّأْيِ، قَالُوا: لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ إِلا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، ثُمَّ تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ بِأَرْبَعَةٍ، وَالْوَالِي شَرْطٌ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: تَنْعَقِدُ بِثَلاثَةٍ إِذَا كَانَ فِيهِمْ وَالٍ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ تَكُونُ جَمَاعَةٌ بِاثْنَيْنِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا، لأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الْجُمُعَة: 11] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلا اثْنَا عَشَرَ رَجُلا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ أَقَامَ الْجُمُعَةَ بِهِمْ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً لاشْتِرَاطِ ذَلِكَ الْعَدَدِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟! قَالَ: لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ

الْخَضِمَاتِ. قُلْتُ لَهُ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: النَّقِيعُ: بَطْنٌ مِنَ الأَرْضِ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ مُدَّةً، فَإِذَا نَضَبَ الْمَاءُ أَنْبَتَ الْكَلأَ. وَحَرَّةُ بَنِي بَيَاضَةَ، يُقَالُ: قَرْيَةٌ عَلَى مِيلٍ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَأَمَّا الْمَسَافَةُ الَّتِي يَجِبُ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ مِنْهَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُقِيمًا فِي مَوْضِعٍ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِي. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ». هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ

أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ جِدًّا، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ، وَأَحْيَانًا لَا يُجَمِّعُ، وَهُوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: ائْتِ الْجُمُعَةَ مِنْ فَرْسَخَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجِبُ إِلا عَلَى مَنْ يَبْلُغُهُمُ النِّدَاءُ مِنْ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ» أَسْنَدَهُ قَبِيصَةُ، وَوَقَفَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا مَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي مَوْضِعٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، فَلا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ سَمَاعُ النِّدَاءِ. قَالَ عَطَاءٌ: إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْهُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ يُصَلِّي لِلْعِيدِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، بَعْدَ الزَّوَالِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ».

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَمَّعَهُمَا جَمِيعًا، صَلاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا بَلَغَهُ فِعْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا اجْتَمَعَ عِيدَانِ، أَجْزَأَ عَنْكَ أَحَدُهُمَا. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَقَالٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَوْ صَحَّ: فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ، أَيْ: عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، وَلا يَسْقُطُ عَنْهُ الظُّهْرُ، وَأَمَّا صَنِيعُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُحْمَلَ إِلا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى تَقْدِيمَ صَلاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ،

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: كُلُّ عِيدٍ حِينَ يَمْتَدُّ الضُّحَى: الْجُمُعَةُ، وَالْفِطْرُ، وَالأَضْحَى، وَحَكَى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: الْجُمُعَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: إِنْ صَلَّيْتُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلا أُعِيدُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ، فَعَلَى هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الزُّبَيْرِ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا جُمُعَةٌ، فَجَعَلَ الْعِيدَ فِي مَعْنَى التَّبَعِ لَهَا، هَذَا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ

باب من لا تجب عليه الجمعة

بَابُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ 1056 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَطْمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا مِنْ بَنِي وَائِلٍ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِلا امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا». وَرَوَاهُ طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ «أَوْ مَرِيضًا»، وَطَارِقُ بْنُ شِهَابٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا

قَالَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ: الْجُمُعَةُ مِنْ فُرُوضِ الأَعْيَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ جَمَعَ: الْعَقْلَ، وَالْبُلُوغَ، وَالْحُرِّيَّةَ، وَالذُّكُورَةَ، وَالإِقَامَةَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ. أَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، فَلا جُمُعَةَ عَلَيْهِمَا، لأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلْزَمَهُمَا فُرُوضُ الأَبْدَانِ، لِنُقْصَانِ أَبْدَانِهِمَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ: لَا جُمُعَةَ عَلَى النِّسَاءِ. وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنْ لَا جُمُعَةَ، عَلَى الْعَبِيدِ، وَقَالَ دَاوُدُ: تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُخَارَجِ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَلا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَذَهَبَ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ إِلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ، فَعَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ. وَكُلُّ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا حَضَرَ، وَصَلَّى سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الظُّهْرِ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنْ لَا يَكْمُلُ بِهِ عَدَدُ الْجُمُعَةِ، إِلا مَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ تَعَهُّدِ مَرِيضٍ، أَوْ خَوْفٍ، أَوْ مَنَعَهُ مَطَرٌ، أَوْ وَحْلٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ يَكْمُلُ بِهِ الْعَدَدُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لِلنِّسَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: إِذَا صَلَّيْتُنَّ مَعَ الإِمَامِ فَصَلِّينَ بِصَلاتِهِ، فَإِذَا صَلَّيْتُنَّ وَحْدَكُنَّ فَصَلِّينَ أَرْبَعًا. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكُلُّ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ جَازَتْ صَلاتُهُ، وَمَنْ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ لَا يَصِحُّ ظُهْرُهُ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ.

وَكُلُّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلا بَأْسَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ إِلا أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ سَفَرَ طَاعَةٍ مِنْ غَزْوٍ، أَوْ حَجٍّ، فَالأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ، لِمَا: 1057 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ، فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَغَدَا أَصْحَابُهُ، وَقَالَ: أَتَخَلَّفُ فَأُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِكَ؟»، قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ، ثُمَّ أَلْحَقَهُمْ، فَقَالَ: «لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ مَا أَدْرَكْتَ فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ»

وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلا يُسَافِرُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ إِذَا كَانَ يُفَارِقُ الْبَلَدَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَمِعَ رَجُلا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ، يَقُولُ: لَوْلا أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَخَرَجْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: اخْرُجْ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ عَنْ سَفَرٍ

باب التنظف والتطيب يوم الجمعة

بَابُ التَّنَظُّفِ وَالتَّطَيُّبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ 1058 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا آدَمُ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَدِيعَةَ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1059 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، إِمْلاءً، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْوَرَّاقُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، نَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ وَأَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَامٍ 1060 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، يَعْنِي ابْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، حَدَّثَاهُ،

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاسْتَنَّ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْكَعَ، وَأَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ، كَانَتْ كَفَّارَةَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا». وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَزِيَادَةٌ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الْأَنْعَام: 160] قَوْلُهُ: يَسْتَنُّ، أَيْ: يَسْتَاكُ، وَهُوَ دَلْكُ السِّنِّ بِالسِّوَاكِ

باب التبكير إلى الجمعة

بَابُ التَّبْكِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ 1061 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ مَلائِكَةٌ يَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمُ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ، طُوِيَتِ الصُّحُفُ، وَاسْتَمَعُوا الْخُطْبَةَ، وَالْمُهَجِّرُ إِلَى الصَّلاةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي كَبْشًا، حَتَّى ذَكَرَ الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: التَّهْجِيرُ إِلَى الْجُمُعَةِ: التَّبْكِيرُ 1062 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَلا تَغْرُبُ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هِيَ تَفْزَعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلا هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَكَانِ يَكْتُبَانِ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَكَرَجُلٍ قَدَّمَ بَدَنَةً، وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ بَقَرَةً، وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ شَاةً، وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ طَائِرًا، وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ بَيْضَةً، فَإِذَا حَضَرَ الإِمَامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

1063 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرِيرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ، حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا سَاعَاتٌ لَطِيفَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يُرِيدُ بِهِ حَقِيقَةَ السَّاعَاتِ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا حِسَابُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لأَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إِلا بَعْدَ الزَّوَالِ، يُقَالُ: غَدَا الرَّجُلُ فِي حَاجَتِهِ: إِذَا خَرَجَ فِيهَا صَدْرَ النَّهَارِ، وَرَاحَ لَهَا: إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الشَّطْرِ الآخِرِ مِنَ النَّهَارِ، وَلا يَبْقَى عَلَيْهِ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ وَقْتِ الْجُمُعَةِ خَمْسُ سَاعَاتٍ، يُحْكَى هَذَا الْمَعْنَى عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: جَلَسْتُ عِنْدَ فُلانٍ سَاعَةً، لَا يُرِيدُ بِهِ التَّحْدِيدَ بِسَاعَةِ النَّهَارِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ سَاعَاتُ النَّهَارِ، فَبَيَّنَ فَضْلَ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى مِنَ النَّهَارِ مُبَكِّرًا، قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى مَنْ جَاءَ مِنْ بَعْدُ، وَذَكَرَ بِلَفْظِ الرَّوَاحِ، لأَنَّهُ خَرَجَ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ وَقْتَ الرَّوَاحِ، كَمَا يُقَالُ لِلْقَاصِدِينَ إِلَى الْحَجِّ: حُجَّاجٌ، وَلِلْخَارِجِينَ إِلَى الْغَزْوِ: غُزَاةٌ، وَلَمَّا يَحُجُّوا وَيَغْزُوا بَعْدُ. وَقِيلَ: مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ: أَرَادَ مَنْ خَفَّ إِلَيْهَا، وَلَمْ يُرِدْ رَوَاحَ آخِرِ النَّهَارِ، يُقَالُ: تَرَوَّحَ الْقَوْمُ وَرَاحُوا: إِذَا سَارُوا أَيَّ وَقْتٍ كَانَ 1064 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ،

عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وَغَدَا وَابْتَكَرَ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ، وَلَمْ يَلْغُ. كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا» 1065 - وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْجَرْجَرَائِيُّ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ، اسْمُهُ شَرَاحِيلُ بْنُ آدَةَ، شَامِيٌّ

قَوْلُهُ: «غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ» اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا، مِنْهُمْ مَنْ، قَالَ: مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ، وَقَصَدَ بِهِ التَّأْكِيدَ وَالْمُبَالَغَةَ، كَقَوْلِهِ: مَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، هُمَا لَفْظَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَالْعَرَبُ تَشْتَقُّ مِنَ اللَّفْظَةِ لَفْظَةً أُخْرَى عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ، كَقَوْلِهِمْ: جَادٌّ مُجِدٌّ، وَلَيْلٌ لائِلٌ، وَشِعْرٌ شَاعِرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «غَسَّلَ» مَعْنَاهُ: غَسَلَ الرَّأْسَ خَاصَّةً، لأَنَّ الْعَرَبَ لَهُمْ لِمَمٌ وَشُعُورٌ، وَفِي غَسْلِهَا مَئُونَةٌ، فَأَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ، وَ «اغْتَسَلَ» يَعْنِي غَسَلَ سَائِرَ الْجَسَدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَكْحُولٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ. وَقِيلَ: «غَسَّلَ» يَعْنِي أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ، وَ «اغْتَسَلَ» يَعْنِي سَائِرَ جَسَدِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «غَسَّلَ» مَعْنَاهُ: أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الْجُمُعَةِ، لِيَكُونَ أَمْلَكَ لِنَفْسِهِ، وَأَحْفَظَ فِي طَرِيقِهِ لِبَصَرِهِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْعَرَبِ: «فَحْلٌ غُسَلَةٌ» إِذَا كَانَ كَثِيرَ الضِّرَابِ، وَاغْتَسَلَ بِنَفْسِهِ، يُحْكَى هَذَا الْمَعْنَى عَنْ وَكِيعٍ. وَقَوْلُهُ: «بَكَّرَ وَابْتَكَرَ» قِيلَ: مَعْنَى بَكَّرَ، أَيْ: أَتَى الصَّلاةَ لأَوَّلِ وَقْتِهَا، وَابْتَكَرَ: أَدْرَكَ بَاكُورَةَ الْخُطْبَةِ، وَهِيَ أَوَّلُهَا، وَقَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: مَعْنَى: بَكَّرَ أَيْ: تَصَدَّقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَتَأَوَّلَ فِيهِ الْحَدِيثَ «بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْبَلاءَ لَا يَتَخَطَّاهَا».

قَوْلُهُ: وَلَمْ يَلْغُ، يُرِيدُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ، لأَنَّ الْكَلامَ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ لَغْوٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قُلْتَ لأَخِيكَ: أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ «. وَيُرْوَى» مَنْ مَسَّ الْحَصَا فَقَدْ لَغَا "، يَعْنِي: قَدْ تَكَلَّمَ. وَقِيلَ: لَغَا عَنِ الصَّوَابِ، أَيْ: مَالَ عَنْهُ، وَقِيلَ: أَيْ: خَابَ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} [الْوَاقِعَة: 25] أَيْ كَلامًا مُطَرَّحًا، وَأَلْغَى، أَيْ: أَسْقَطَ، فَاللَّغْوُ: كُلُّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى وَيُسْقَطَ، وَفِيهِ ثَلاثُ لُغَاتٍ، لَغَا يَلْغُو، وَأَلْغَى يُلْغِي، وَلَغَى يَلْغَى، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] مِنْ لَغَا: إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا مَحْصُولَ لَهُ، قَالَ سَلْمَانُ: إِيَّاكُمْ وَمَلْغَاةَ أَوَّلِ اللَّيْلِ، يُرِيدُ اللَّغْوَ وَالْبَاطِلَ

باب تعجيل صلاة الجمعة والقيلولة بعدها

بَابُ تَعْجِيلِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَالْقَيْلُولَةِ بَعْدَهَا 1066 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، نَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْجِيلِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ، فَلا يَجُوزُ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ 1067 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، نَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، حَدَّثَنِي أَبِي، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ، ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ فِيهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِه، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ 1068 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «مَا كُنَّا نَتَغَدَّى فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا نَقِيلُ إِلا بَعْدَ الْجُمُعَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،

عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْلُهُ: لَا نَقِيلُ مِنَ الْقَيْلُولَةِ، وَهِيَ نَوْمُ نِصْفِ النَّهَارِ، وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: وَالْقَيْلُولَةُ، وَالْمَقِيلُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ نَوْمٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الْفرْقَان: 24] وَالْجَنَّةُ لَا نَوْمَ فِيهَا

باب التسليم إذا صعد المنبر والاعتماد على العصا

بَابُ التَّسْلِيمِ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَالاعْتِمَادِ عَلَى الْعَصَا 1069 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ مُوسَى الْعَتَكِيُّ، بِمِصْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ»

1070 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ التَّمِيمِيُّ، أَنا حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا عَمْرٌو، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ بِمِخْصَرَةٍ»

باب الأذان يوم الجمعة

بَابُ الأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ 1071 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: «كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ، زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، «وَزَادَ وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ مُؤَذِّنٌ غَيْرَ وَاحِدٍ»

باب الخطبة قائما والجلوس بين الخطبتين

بَابُ الْخُطْبَةِ قَائِمًا وَالْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ 1072 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ مِثْلَ مَا تَفْعَلُونَ الْيَوْمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ 1073 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ،

أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ، أَرَاهُ الْمُؤَذِّنَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَلا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ» 1074 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُهُمْ فِي السَّفَرِ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ قَائِمًا». وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَطَبَ يَعْتَمِدُ عَلَى عَنَزَتِهِ اعْتِمَادًا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ فَرِيضَةٌ، وَالْقِيَامُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، وَالْقُعُودُ بَيْنَهُمَا فَرْضٌ، إِلا أَنْ يَعْجِزَ فَيَقْعُدَ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمُ الْخُطْبَةَ قَاعِدًا 1075 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ 1076 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَوْزَجَانِيِّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، نَا وَكِيعٌ، نَا أَبُو سُلَيْمَانَ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ دَسْمَاءُ» أَرَادَ بِالدَّسْمَاءِ: السَّوْدَاءَ، لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُتَلَطِّخَ بِالْوَدَكِ، لأَنَّهُ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَنَظَافَتِهِ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَذَلِكَ لِلإِمَامِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ»

باب قصر الخطبة

بَابُ قَصْرِ الْخُطْبَةِ 1077 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، وَهَنَّادٌ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ صَلاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا»، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ». وَرُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ

طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ، وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ». قَوْلُهُ مَئِنَّةٌ، أَيْ: عَلامَةٌ، فَهِيَ عَلَى وَزْنِ مَفْعِلَةٍ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، كَقَوْلِهِمْ: مَخْلِقَةٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى فِقْهِ الرَّجُلِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: السُّنَّةُ لِلإِمَامِ أَنْ لَا يُطِيلَ الْخُطْبَةَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَكُونُ كَلامُهُ قَصِيرًا بَلِيغًا جَامِعًا، وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ، وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُوصِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ. هَذِهِ الثَّلاثُ فَرْضٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ جَمِيعًا، وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الأُولَى آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَدْعُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ، فَلَوْ تَرَكَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

باب قراءة القرآن في الخطبة

بَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْخُطْبَةِ 1078 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77]. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَتْ: مَا أَخَذْتُ {ق

وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] إِلا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَرَأَ ص فَلَمَّا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ نَزَلَ فَسَجَدَ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ».

باب كراهية رفع اليدين في الخطبة

بَابُ كَرَاهِيَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ 1079 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا هُشَيْمٌ، أَنا حُصَيْنٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَارَةَ بْنَ رُوَيْبَةَ، وَبِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ يَخْطُبُ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، فَقَالَ عُمَارَةُ: «قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ الْقَصِيرَتَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَكَذَا، وَأَشَارَ هُشَيْمٌ بِالسَّبَّابَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. رَوَاه سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، وَقَالَ: وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ عِنْدَ الْخَاصِرَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ، «فَرَفَعَ يَدَيْهِ». وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ

دُعَائِهِ إِلا فِي الاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطَيْهِ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَفِي الاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ، فَإِنِ اسْتَسْقَى فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب الإنصات للخطبة واستقبال الإمام

بَابُ الإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ وَاسْتِقْبَالِ الإِمَامِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الْأَعْرَاف: 204]، أَيِ: اسْكُتُوا سُكُوتَ الْمُسْتَمِعِينَ. 1080 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

وَيُرْوَى: فَقَدْ لَغِيتَ، يُقَالُ: لَغَا يَلْغُو، وَلَغِيَ يَلْغَى، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: «إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا، فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ». وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْكَلامِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ غَيْرُهُ، فَلا يُنْكِرُ إِلا بِالإِشَارَةِ، قَالَ عَلِيٌّ: لَا يُصَلَّى حِينَ يَقُومُ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: خُرُوجُ الإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلاةَ، وَكَلامُهُ يَقْطَعُ الْكَلامَ، مَعْنَاهُ: أَنَّ أَحَدًا لَا يَبْتَدِئُ الصَّلاةَ مِمَّنْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ خُرُوجِ الإِمَامِ حَتَّى لَا يَفُوتَهُ أَوَّلُ الْخُطْبَةِ، وَلا بَأْسَ بِالْكَلامِ مَا لَمْ يَبْتَدِئِ الإِمَامُ الْخُطْبَةَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي رَدِّ السَّلامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ حَالَةَ الْخُطْبَةِ، فَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَحَدِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْكَلامِ إِذَا نَزَلَ الإِمَامُ عَنِ الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ يُكَبِّرَ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُهَاجِرِ: رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ يَتَكَلَّمَانِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ 1081 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُوفِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ اسْتَقْبَلْنَاهُ بِوُجُوهِنَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: لَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَسْتَحِبُّونَ

اسْتِقْبَالَ الإِمَامِ إِذَا خَطَبَ، سَوَاءً مَنْ يَلِي الْقِبْلَةَ أَوْ لَا يَلِيهَا 1082 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَرْحُومٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ،

عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الْحِبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ». وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَبُو مَرْحُومٍ اسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مَيْمُونٍ وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الاحْتِبَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَعَلَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِجَلْبِ النَّوْمِ، وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ يَعْلَى بْنُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَجَمَّعَ بِنَا، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا جُلُّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ

باب من دخل والإمام يخطب يصلي ركعتين

بَابُ مَنْ دَخَلَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ 1083 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ: «أَصَلَّيْتَ؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ 1084 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ لِيَجْلِسْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ 1085 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَجَاءَ الْحَرَسُ لِيُجْلِسُوهُ، فَأَبَى حَتَّى صَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَيْنَاهُ، فَقُلْنَا:

يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنْ كَادُوا لَيَقَعُوا بِكَ، فَقَالَ: «مَا كُنْتُ لأَتْرُكَهُمَا بَعْدَ شَيْءٍ رَأَيْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ رَجُلا جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَمَرَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ». أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ: «فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ» أَيْ: رَثِّ الْهَيْئَةِ، يُقَالُ: رَجُلٌ بَاذُّ الْهَيْئَةِ، وَفِي هَيْئَتِهِ بَذَاذَةٌ وَبَذَّةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «الْبَذَاذَةُ مِنَ

الإِيمَانِ» وَهِيَ الرَّثَاثَةُ وَتَرْكُ الزِّينَةِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ إِذَا تَكَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ لَا يُعِيدُهَا، وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الْخُطْبَةَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ لَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجْلِسُ وَلا يُصَلِّي، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَفِيهِ أَنَّ التَّطَوُّعَ رَكْعَتَانِ لَيْلا وَنَهَارًا

باب كراهية التخطي يوم الجمعة

بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ 1086 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، نَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتُّخِذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قَبْلِ حِفْظِهِ. وَزَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا , يَنْفَرِدُ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ بِنُسْخَةٍ، كَأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَشَدَّدُوا فِي ذَلِكَ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ»

باب من نعس يتحول

بَابُ مَنْ نَعَسَ يَتَحَوَّلُ 1087 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

باب القراءة في صلاة الجمعة

بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ 1088 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ اسْتَخْلَفَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ الْجُمُعَةَ، فَقَرَأَ سُورَةَ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَشَيْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ قَرَأْتَ سُورَتَيْنِ، سَمِعْتُ عَليَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي الصَّلاةِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهِمَا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرٍ

1089 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ الضَّحَاكَ بْنَ قَيْسٍ، سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ: مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: «كَانَ يَقْرَأُ بِـ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ

1090 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ قَالَ: وَرُبَّمَا اجْتَمَعَ الْعِيدَانِ، فَقَرَأَ بِهِمَا فِيهِمَا جَمِيعًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1091 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ، وَفِي الْجُمُعَةِ بِـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَرُبَّمَا اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَيَقْرَأُ بِهِمَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ. وَحَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ: هُوَ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً كَامِلَةً، فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ أَضَافَ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى، وَتَمَّتْ جُمُعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً كَامِلَةً، بِأَنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَقَدْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَرْبَعًا، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ». وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، وَعُرْوَةَ، وَالْحَسَنِ. وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ الْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ،

وَلَوْ رَكَعَ مَعَ الإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ بَعْدَ مَا قَامَ الإِمَامُ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، سَجَدَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ حَتَّى رَكَعَ الإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، تَابَعَهُ فِي الرُّكُوعِ، وَسَجَدَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِذَا سَلَّمَ، قَامَ وَقَضَى رَكْعَةً، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ حَتَّى سَلَّمَ الإِمَامُ، سَجَدَ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ، وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا، لأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً كَامِلَةً، قَالَ مَالِكٌ: أُحِبّ أَنْ يَبْتَدِئَ ظُهْرًا أَرْبَعًا.

باب صلاة الخوف

بَابُ صَلاةِ الْخَوْفِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النِّسَاء: 102].

باب إذا كان العدو في غير ناحية القبلة فرقهم الإمام فرقتين فصلى بكل طائفة ركعة

بَابُ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ فَرَّقَهُمُ الإِمَامُ فِرْقَتَيْنِ فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً 1092 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، وَالْطَائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَقَامُوا فِي مَقَامِ أُولَئِكَ، وَجَاءَ أُولَئِكَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَامَ هَؤُلاءِ، فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ، وَقَامَ هَؤُلاءِ، فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ

يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ 1093 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلاةِ الْخَوْفِ، قَالَ: «يَتَقَدَّمُ الإمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَصَلَّى بِهِمُ الإِمَامُ رَكْعَةً، وَتَكُونَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلا يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الإِمَامُ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَتَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَيُصَلُّونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الإِمَامُ، فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا»، قَالَ

مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، ذَكَرَ ذَلِكَ إِلا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ

باب من قال: تقوم الطائفة الأولى فتتم صلاتها ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم الإمام ركعة

بَابُ مَنْ قَالَ: تَقُومُ الطَّائِفَةُ الأُولَى فَتُتِمُّ صَلاتَهَا ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الإِمَامُ رَكْعَةً 1094 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنِ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلاةَ الْخَوْفِ: «أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَصَفَّتْ طَائِفَةٌ، وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، فَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَصَلَّى لَهُمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ»، قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، قَالَ: أَنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: صَلاةُ الْخَوْفِ أَنْوَاعٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ أَحْوَالِ الْعَدُوِّ، إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ يُصَلُّونَ بِالإِيمَاءِ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، رِجَالا أَوْ رُكْبَانًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [الْبَقَرَة: 239]. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ خَافَ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ حَرِيقٍ، أَوْ سَيْلٍ، فَهَرَبَ وَصَلَّى فِي حَالَةِ الْهَرَبِ بِالإِيمَاءِ يَجُوزُ، وَمَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، فَلا يُصَلِّي صَلاةَ الْخَوْفِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ،

حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا انْقَطَعَ الطَّالِبُونَ عَنْ أَصْحَابِهِمْ، وَخَافُوا عَوْدَةَ الْمَطْلُوبِينَ، لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِالإِيمَاءِ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ لِيَقْتُلَهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ، وَحَضَرَتْ صَلاةُ الْعَصْرِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا إِنْ أُؤَخِّرَ الصَّلاةَ، فَانْطَلَقْتُ أَمْشِي، وَأَنَا أُصَلِّي أُومِئُ إِيمَاءً نَحْوَهُ. وَقَالَ أَنَسٌ: حَضَرْتُ مُنَاهَضَةَ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاةِ، فَلَمْ نُصَلِّ إِلا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ قَارِّينَ فِي مُعَسْكَرِهِمْ فِي غَيْرِ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ، فَيَجْعَلُ الإِمَامُ الْقَوْمَ فِرْقَتَيْنِ، فَتَقِفُ طَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَتَحْرُسُهُمْ، وَيَشْرَعُ الإِمَامُ مَعَ طَائِفَةٍ فِي الصَّلاةِ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بِذَاتِ الرِّقَاعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَوَى سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُ صَلَّى بِتِلْكَ الطَّائِفَةِ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامَ فَثَبَتَ قَائِمًا حَتَّى أَتَمُّوا صَلاتَهُمْ، وَذَهَبُوا إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ أَتَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى أَتَمُّوا صَلاتَهُمْ، وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ الإِمَامَ بَعْدَ مَا قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، تَذْهَبُ الطَّائِفَةُ الأُولَى فِي خِلالِ الصَّلاةِ إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، فَيُصَلِّي بِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَيُسَلِّمُ وَهُمْ لَا يُسَلِّمُونَ، بَلْ يَذْهَبُونَ إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ، وَتَعُودُ الطَّائِفَةُ الأُولَى فَتُتِمُّ صَلاتَهَا، ثُمَّ تَعُودُ الثَّانِيَةُ، فَتُتِمُّ صَلاتَهَا. فَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ هَذَا مِنَ الاخْتِلافِ الْمُبَاحِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَكِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَةٌ، غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَأَحْوَطُ لِلصَّلاةِ، وَأَبْلَغُ فِي حِرَاسَةِ الْعَدُوِّ،

وَذَلِكَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النِّسَاء: 102] أَيْ: إِذَا صَلَّوْا، ثُمَّ قَالَ: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} [النِّسَاء: 102] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّائِفَةَ الأُولَى قَدْ صَلَّوْا، وَقَالَ: {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النِّسَاء: 102]، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُصَلُّوا تَمَامَ الصَّلاةِ لَا بَعْضَهَا، فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تُفَارِقُ الإِمَامَ بَعْدَ تَمَامِ الصَّلاةِ، وَالاحْتِيَاطُ لأَمْرِ الصَّلاةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَكْثُرُ فِيهَا الْعَمَلُ، وَالذِّهَابُ، وَالْمَجِيءُ، وَالاحْتِيَاطُ لِلْحِرَاسَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا خَارِجِينَ عَنِ الصَّلاةِ، يَكُونُ أَمْكَنَ لِلْحَرْبِ، وَلِلْهَرَبِ إِنِ احْتَاجُوا إِلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ بِهِمْ، ثُمَّ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُونَ. وَإِنْ صَلَّى الإِمَامُ بِهِمْ صَلاةً ذَاتَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَثَبَتَ قَائِمًا فِي الثَّالِثَةِ، فَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ ثَبَتَ جَالِسًا فِي التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، حَتَّى أَتَمُّوا جَازَ، ثُمَّ صَلَّى بِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى أَتَمُّوا، فَسَلَّمَ بِهِمْ، فَلَوْ أَنَّ الإِمَامَ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُولَى تَمَامَ الصَّلاةِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، ثُمَّ صَلاهَا مَرَّةً أُخْرَى بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ،

فَجَائِزٌ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلاةَ الظُّهْرِ فِي الْخَوْفِ بِبَطْنِ نَخْلٍ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ صَلاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ، لأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ صَلاتُهُمْ فَرْضًا، وَصَلاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ نَفْلا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ أَنَّهُ صَلَّى بِهَؤُلاءِ رَكْعَةً، وَبِهَؤُلاءِ رَكْعَةً، وَلَمْ يَقْضُوا.

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَكَانَتْ لِلْقَوْمِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ، وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ. وَتَأَوَّلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى صَلاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ: لَيْسَتَا بِقَصْرٍ، إِنَّمَا الْقَصْرُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ سَمَّيْنَاهُمْ فِي بَابِ صَلاةِ السَّفَرِ.

وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الْخَوْفَ لَا يُنْقِصُ مِنَ الْعَدَدِ شَيْئًا. حُكِيَ عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي أَبْوَابِ صَلاةِ الْخَوْفِ، فَالْعَمَلُ بِهِ جَائِزٌ، رُوِيَ فِيهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ، أَوْ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ

باب من قال يصلي بكل طائفة ركعتين

بَابُ مَنْ قَالَ يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ 1095 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، نَا الصَّغَانِيُّ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا أَبَانٌ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَكُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَرَطَهُ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَخَافُنِي؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ»، قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فَغَمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ، قَالَ: فَنُودِيَ بِالصَّلاةِ، قَالَ: فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ،

قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبَانٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ أَبَانٍ

باب إذا كان العدو من ناحية القبلة صلى الإمام بهم جميعا وحرسوا في السجود

بَابُ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ صَلَّى الإِمَامُ بِهِمْ جَمِيعًا وَحَرَسُوا فِي السُّجُودِ 1096 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ , أَنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ دَاسَةَ التَّمَّارُ، أَنا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ , وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً لَوْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلاةِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالْمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ، فَصَفَّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفٌّ، وَصَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ

الصَّفِّ صَفٌّ آخَرُ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ، وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ، وَقَامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى هَؤُلاءِ السَّجْدَتَيْنِ وَقَامُوا، سَجَدَ الآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى مَقَامِ الآخَرِينَ، وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الآخَرُ إِلَى مَقَامِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، سَجَدَ الآخَرُونَ، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، فَصَلاهَا بِعُسْفَانَ، وَصَلاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ 1097 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، نَا عَمَّارٌ، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ،

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، ثُمَّ قَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا»، قَالَ جَابِرٌ: كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاءِ بِأُمَرَائِهِمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ

باب العيدين

بَابُ الْعِيدَيْنِ 1098 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مَلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: " قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ

باب الخروج إلى المصلى يوم العيد

بَابُ الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ 1099 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ، فَيَبْدَأُ بِالصَّلاةِ، فَإِذَا قَضَى صَلاتَهُ وَسَلَّمَ، قَامَ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مُصَلاهُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ لِلنَّاسِ، وَكَانَ يَقُولُ: تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ، ثُمَّ انْصَرَفَ ". فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، فَخَرَجْتُ مُخَاصِرًا مَرْوَانَ حَتَّى أَتَيْنَا الْمُصَلَّى، فَإِذَا كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ قَدْ بَنَى مِنْبَرًا مِنْ طِينٍ وَلَبِنٍ، فَإِذَا مَرْوَانُ تُنَازِعُنِي يَدُهُ، كَأَنَّهُ يَجُرُّنِي نَحْوَ الْمِنْبَرِ، وَأَنَا أَجُرُّهُ نَحْوَ الْمُصَلَّى، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ

مِنْهُ، قُلْتُ: أَيْنَ الابْتِدَاءُ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: لَا يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَدْ تُرِكَ مَا تَعْلَمُ، فَقُلْتُ: كَلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَأْتُونَ بِخَيْرٍ مِمَّا أَعْلَمُ؛ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عِيَاضٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: السُّنَّةُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمُصَلَّى لِصَلاةِ الْعِيدِ، إِلا مِنْ عُذْرٍ، فَيُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ.

وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلا، فَصَلَّى بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ يَوْمَ عِيدٍ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَطَبَ قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ يَوْمَ الْعِيدِ. وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَخَطَبَ فِي الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَفِي الْحَجِّ عَلَى بَعِيرِهِ وَبَغْلَتِهِ

باب لا أذان ولا إقامة لصلاة العيد وتقديم الصلاة

بَابُ لَا أَذَانَ وَلا إِقَامَةَ لِصَلاةِ الْعِيدِ وَتَقْدِيمِ الصَّلاةِ 1100 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلا مَرَّتَيْنِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى،

عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، وَأَخْرَجَاهُ جَمِيعًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهُ لَا أَذَانَ وَلا إِقَامَةَ لِصَلاةِ الْعِيدِ، وَلا لِشَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ 1101 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ يُصَلُّونَ فِي الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يَخْطُبُونَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا هُوَ السُّنَّةُ تَقْدِيمُ الصَّلاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَوَّلُ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَيُرْوَى

عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ قَدَّمَهَا.

1102 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «صَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ، ثُمَّ خَطَبَ، فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فَأَتَاهُنَّ، فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، وَمَعَهُ بِلالٌ، قَائِلٌ بِثَوْبِهِ هَكَذَا، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الخُرْصَ وَالشَّيْءَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَيُّوبَ وَالْخُرصُ: الْقُرْطُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِنَ السُّنَّةِ إِظْهَارُ التَّكْبِيرِ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ، مُقِيمِينَ وَسَفْرًا فِي مَنَازِلِهِمْ، وَمَسَاجِدِهِمْ، وَأَسْوَاقِهِمْ، وَبَعْدَ الْغُدُوِّ فِي الطَّرِيقِ، وَبِالْمُصَلَّى إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الإِمَامُ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، ثُمَّ يُكَبِّرُ بِالْمُصَلَّى حَتَّى إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ تَرَكَ التَّكْبِيرَ.

وَعَنِ ابْنِ الْمُسيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ: «يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ». وَعَنْ عُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ: أَنَّهُمَا كَانَا «يَجْهَرَانِ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُونَ إِلَى الْمُصَلَّى». وَكَانَ عُمَرُ «يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى، فَيَسْمَعُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا». وَقَالَ الأَسْوَدُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُكَبِّرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَ «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ». قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرَ أَنْ يُكَبِّرَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمُصَلَّى، وَحِينَ يَخْرُجُ الإِمَامُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ قَطَعَ التَّكْبِيرَ، فَكَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ سَكَتُوا، فَإِذَا كَبَّرَ كَبَّرُوا. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ «كَانَا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا». وَالسُّنَّةُ: أَنْ يَغْتَسِلَ يَوْمَ الْعِيدِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ

يَوْمَ الْعِيدِ، وَمِثْلَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ. وَأَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ وَيَتَطَيَّبَ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ حِبَرَةٍ فِي كُلِّ عِيدٍ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَغْتَسِلُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، كَغُسْلِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ يَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ، إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، فَإِذَا صَلَّى الإِمَامُ رَجَعَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْدُوَ النَّاسُ إِلَى الْمُصَلَّى بَعْدَمَا صَلَّوُا الصُّبْحَ لأَخْذِ مَجَالِسِهِمْ، وَيُكَبِّرُونَ، وَيَكُونُ خُرُوجُ الإِمَامِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُوَافِي

فِيهِ الصَّلاةَ، وَذَلِكَ حِينَ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ، ثُمَّ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَجِّلَ الْخُرُوجَ فِي الأَضْحَى، وَيُؤَخِّرُ الْخُرُوجَ فِي الْفِطْرِ قَلِيلا 1103 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَهُوَ بِنَجْرَانَ، أَنْ: «عَجِّلِ الأَضْحَى، وَأَخِّرِ الْفِطْرَ، وَذَكِّرِ النَّاسَ» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ، وَرِجَالا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّوُا الْفَجْرَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، فَسَلَّمَ الإِمَامُ، عَجَّلُوا الْخُرُوجَ حَتَّى يَقْعُدُوا قَرِيبًا مِنَ الْمِنْبَرِ. وَالسُّنَّةُ: أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، إِلا مِنْ عُذْرٍ، لِمَا رُوِيَ عَنِ

الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَأَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ». وَقَالَ مَالِكٌ: مَضَتِ السُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي وَقْتِ الأَضْحَى، وَالْفِطْرِ أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ مِنْ مَنْزِلِهِ قَدْرَ مَا يَبْلُغُ مُصَلاهُ، وَقَدْ حَلَّتِ الصَّلاةُ

باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج

بَابُ الأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ 1104 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ ثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: وَلا أَعْرِفُ لِثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَطْعَمُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، وَكَانَ إِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ لَمْ يَطْعَمْ حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَأْكُلَ مِنْ ذَبِيحَتِهِ» 1105 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا هُشَيْمٌ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ». وَقَالَ مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ يَوْمَ الْفِطْرِ

باب تكبيرات صلاة العيد والقراءة فيها

بَابُ تَكْبِيرَاتِ صَلاةِ الْعِيدِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهَا 1106 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الْحَذَّاءُ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ». وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا.

قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ جَدِّ كَثِيرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي صَلاةِ الْعِيدِ فِي الأُولَى سَبْعًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُكَبِّرُ فِي الأُولَى سَبْعًا مَعَ تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الأُولَى ثَلاثًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ سِوَى تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ثَلاثًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ سِوَى تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ قَدْرُ كَلِمَةٍ. وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ سُنَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ 1107 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ: مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى؟ فَقَالَ: " كَانَ يَقْرَأُ بِـ {ق وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] وَ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [الْقَمَر: 1] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ. وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ: اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رَوَيْنَا عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ، وَفِي الْجُمُعَةِ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الْأَعْلَى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] ". وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَلا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ، وَيُسْمِعُونَ مَنْ يَلِيهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا فَاتَكَ الْعِيدُ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، وَمِثْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ. وَأَهْلُ الْقُرَى يُصَلُّونَ صَلاةَ الْعِيدِ كَمَا يُصَلِّي أَهْلُ الْمِصْرِ، أَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ مَوْلاهُمْ بِالزَّاوِيَةِ، فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلاةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا جُمُعَةَ وَلا تَشْرِيقَ إِلا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ»، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَرَادَ بِالتَّشْرِيقِ: صَلاةَ الْعِيدِ، أُخِذَ مِنْ شُرُوقِ الشَّمْسِ، لأَنَّ ذَلِكَ وَقْتَهَا

باب من خالف الطريق إذا رجع من المصلى

بَابُ مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْمُصَلَّى 1108 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلِيطٍ الْعَبْدِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا فُلَيْحٌ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْعِيدَيْنِ رَجَعَ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ أَبِي تُمَيْلَةَ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ».

قِيلَ: كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، لأَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ مِنَ الطَّرِيقِ الأَطْوَلِ، لأَنَّهُ يَقْصِدُ الطَّاعَةَ، فَتُحْتَسَبُ خُطَاهُ، وَيَرْجِعُ مِنَ الأَقْصَرِ، لأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنِ الطَّاعَةِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: ائْتِ الْعِيدَ مَاشِيًا، فَإِذَا رَجَعْتَ فَارْكَبْ إِنْ شِئْتَ

باب الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها

بَابُ الصَّلاةِ قَبْلَ صَلاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا 1109 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ، تُلْقِي الْمَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالْخُرْصُ: الْحَلْقَةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْحُلِيِّ، وَالسِّخَابُ: الْقِلادَةُ.

وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى قَبْلَ الْعِيدِ وَلا بَعْدَهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَكَرِهَ ابْنُ عَبَّاسٍ الصَّلاةَ قَبْلَ الْعِيدِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ «يُصَلَّى قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا»، رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمَا كَانَا يُصَلِّيَانِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهُ، وَمِثْلَهُ عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ «يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ»، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ.

وَعَنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ». وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى «لَا نُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى نَأْتِيَ الْمُصَلَّى، فَإِذَا رَجَعْنَا مَرَرْنَا بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّيْنَا فِيهِ». وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَطِيَّةُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلا مَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: «عَطِيَّتُهَا دُونَ إِذْنِ الزَّوْجِ مَرْدُودَةٌ»، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَجُوزُ لامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا»

وَذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَعْنَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَاسْتِطَابَةِ نَفْسِ الزَّوْجِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الرَّشِيدَةِ

باب خروج النساء إلى العيدين

بَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْعِيدَيْنِ 1110 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا هُشَيْمٌ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ زَاذَانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يُخْرِجُ الأَبْكَارَ وَالْعَوَاتِقَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَالْحُيَّضَ فِي الْعِيدَيْنِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ، فَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى، وَيَشْهَدْنَ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ»، قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: «فَلْتُعِرْهَا أُخْتُهَا مِنْ جَلابِيبِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَالْعَوَاتِقُ: جَمْعُ الْعَاتِقِ، وَهِيَ الْجَارِيَةُ الَّتِي قَدْ قَارَبَتِ الإِدْرَاكَ، وَيُقَالُ: هِيَ الْمُدْرِكَةُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَهْجُرُ ذِكْرَ اللَّهِ، وَمَوَاطِنَ الْخَيْرِ، وَمَجَالِسَ الْعِلْمِ، إِلا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ الْيَوْمَ إِلَى الْعِيدَيْنِ، فَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَكْرَهُ الْيَوْمَ الْخُرُوجَ لِلنِّسَاءِ إِلَى الْعِيدَيْنِ، وَمِثْلُهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ، كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الصِّبْيَانِ، كَانَ ابْنُ عُمَرَ «يُخْرِجُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعِيدِ»

باب الرخصة في اللعب يوم العيد

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي اللَّعِبِ يَوْمَ الْعِيدِ 1111 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبِمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.

وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: «فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ» بُعَاثٌ: يَوْمٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَيَّامِ الْعَرَبِ، كَانَتْ فِيهِ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ لِلأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ، وَبَقِيَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، إِلَى أَنْ قَامَ الإِسْلامُ. وَكَانَ الشِّعْرُ الَّذِي تُغَنِّيَانِ فِي وَصْفِ الْحَرْبِ وَالشَّجَاعَةِ، وَفِي ذِكْرِهِ مَعُونَةٌ فِي أَمْرِ الدِّينِ، فَأَمَّا الْغِنَاءُ بِذِكْرِ الْفَوَاحِشِ، وَالابْتِهَارِ بِالْحُرَمِ، وَالْمُجَاهَرَةُ بِالْمُنْكَرِ مِنَ الْقَوْلِ، فَهُوَ الْمَحْظُورُ مِنَ الْغِنَاءِ، وَحَاشَاهُ أَنْ يَجْرِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَيُغْفِلَ النَّكِيرَ لَهُ، وَكُلُّ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِشَيْءٍ جَاهِرًا بِهِ، وَمُصَرِّحًا بِاسْمِهِ لَا يَسْتُرُهُ وَلا يَكْنِي عَنْهُ، فَقَدْ

غَنَّى، بِدَلِيلِ قَوْلِهَا «وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ». وَقَوْلُهُ: «هَذَا عِيدُنَا» يَعْتَذِرُ بِهِ عَنْهَا أَنَّ إِظْهَارَ السُّرُورِ فِي الْعِيدَيْنِ شِعَارُ الدِّينِ، وَلَيْسَ هُوَ كَسَائِرِ الأَيَّامِ 1112 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَابِهِمْ، إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ، فَحَصَبَهُمْ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُمْ يَا عُمَرُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ». وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى أَصْحَابِ الدِّرَكْلَةِ، فَقَالَ: «خُذُوا يَا بَنِي أَرْفِدَةَ، حَتَّى تَعْلَمَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً».

قَالَ: فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ عُمَرُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ ابْذَعَرُّوا، أَيْ: تَفَرَّقُوا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي يُرَادُ مِنْ هَذَا: الرُّخْصَةُ فِي النَّظَرِ فِي اللَّهْوِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا حُجَّةٌ لِلنَّظَرِ إِلَى الْمَلاهِي الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنَ الْمَزَاهِرِ وَالْمَزَامِيرِ، إِنَّمَا هَذِهِ لُعْبَةٌ لِلْعَجَمِ. قَالَ شِمْرٌ: قُرِئَ هَذَا الْحَرْفُ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ: الدِّرَكْلَةُ، قَالَ: صَحَّ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: قَدِمَ فِتْيَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدَرْقِلُونَ، قَالَ: وَالدَّرْقَلَةُ: الرَّقْصُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الدِّرَكْلَةُ: لُعْبَةُ الصِّبْيَانِ، أَحْسِبُهَا حَبَشِيَّةً. أَمَّا حَمْلُ السِّلاحِ، فَمَكْرُوهٌ يَوْمَ الْعِيدِ، لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ. قَالَ الْحَسَنُ: نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلاحَ يَوْمَ عِيدٍ، إِلا أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا

باب سنة عيد الأضحى وتأخير الأضحية

بَابُ سُنَّةِ عِيدِ الأَضْحَى وَتَأْخِيرِ الأُضْحِيَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الْكَوْثَر: 2]. يَعْنِي: صَلاةَ عِيدِ الأَضْحَى، وَانْحَرِ الْبُدْنَ، وَقِيلَ: صَلِّ الْغَدَاةَ، وَانْحَرْ، وَقِيلَ: انْحَرْ، أَيِ: انْتَصِبْ بِنَحْرِكَ إِزَاءَ الْقِبْلَةِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. 1113 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

1114 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا: أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ "، فَقَامَ خَالِي، أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، قَالَ: «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا»، أَوْ قَالَ: «اذْبَحْهَا وَلا تَجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنَ الْمَعْزِ؟ قَالَ: «اذْبَحْهَا وَلا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ» قَوْلُهُ: «لَا تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»، أَيْ: لَا تَقْضِي، بِلا هَمْزٍ، يُقَالُ: جَزَى عَنِّي هَذَا الأَمْرُ، وَيَجْزِيكَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ الأَقَلُّ، أَيْ: يَقْضِي وَيَنُوبُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [الْبَقَرَة: 48] أَيْ: لَا تَقْضِي عَنْهَا، وَلا تَنُوبُ، وَالْمُتَجَازِي لِلدَّيْنِ: هُوَ الْمُتَقَاضِي. وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، أَيْ: قَضَاهُ اللَّهُ مَا أَسْلَفَ، فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ، قُلْتُ: جَزَأَ عَنِّي وَأَجْزَأَ بِالْهَمْزِ. وَالْجَذَعُ مِنَ الْمَعْزِ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الأُضْحِيَّةِ، وَيَجُوزُ مِنَ الضَّأْنِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، قِيلَ: لأَنَّهُ يَنْزُو، فَيُلْقِحُ، وَمِنَ الْمَعْزِ لَا يُلْقِحُ حَتَّى يَصِيرَ ثَنِيًّا. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ الأُضْحِيَّةِ، وَالسِّنِّ الَّتِي تَجُوزُ فِي الأُضْحِيَّةِ. أَمَّا وَقْتُهَا، فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، ثُمَّ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ وَقْتَ الأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ قِيدَ رُمْحٍ، وَمَضَى بَعْدَهُ قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ، وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، اعْتِبَارًا بِصَلاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُطْبَتِهِ، فَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَهُ، جَازَ، سَوَاءً صَلَّى

الإِمَامُ، أَوْ لَمْ يُصَلِّ، فَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَهُ، لَمْ يَجُزْ سَوَاءً كَانَ فِي الْمِصْرِ، أَوْ فِي الْقُرَى، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَرَخَّصَ قَوْمٌ لأَهْلِ الْقُرَى أَنْ يَذْبَحُوا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، فَأَمَّا أَهْلُ الْمِصْرِ، فَلا ذَبْحَ لَهُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ الإِمَامُ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ، فَحَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَذْبَحُ حَتَّى يَذْبَحَ الإِمَامُ. وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الأُضْحِيَّةِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ وَقْتَ الأُضْحِيَّةِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. أَمَّا سِنُّ الأُضْحِيَّةِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنَ الإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْمَعْزِ، دُونَ الثَّنِيِّ، وَالثَّنِيُّ مِنَ الإِبِلِ: مَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ سِنِينَ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْمَعْزِ: مَا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ، وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ. أَمَّا الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى جَوَازِهِ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَجُوزُ مِنَ الضَّأْنِ إِلا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا، كَالإِبِلِ وَالْبَقْرِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «نِعْمَتِ الأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ» وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا 1115 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، نَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، نَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً، إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ وَرُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقَالَ: «ضَحِّ بِهَا» 1116 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا»، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ضَحِّ بِهِ أَنْتَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَذْبَحَ الأُضْحِيَّةَ بِنَفْسِهِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَذْبَحَ بِالْمُصَلَّى 1117 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ، هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ السَّلِيطِيُّ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَذْبَحُ أُضْحِيَّةً بِالْمُصَلَّى»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ

1118 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا أَبَانٌ، نَا قَتَادَةُ، نَا أَنَسٌ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، وَيُكَبِّرُ عَلَيْهَا»

باب ما يستحب من الأضحية وما يكره منها

بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الأُضْحِيَّةِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهَا 1119 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ الْبُوشَنْجِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلُّوَيْهِ الْجَوْهَرِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الأَثْرَمُ الْمُقْرِئُ بِالْبَصْرَةِ، نَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ يَطَأُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ

وَالأَمْلَحُ: الأَبْيَضُ الَّذِي فِي خِلالِ صُوفِهِ طَاقَاتٌ سُودٌ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: الأَمْلَحُ: الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ، وَيَكُونُ الْبَيَاضُ أَكْثَرَ. وَقَدْ رَوَاهُ جَابِرٌ، وَزَادَ: " مَوْجُوءَيْنِ، يَعْنِي: مَنْزُوعَيِ الأُنْثَيَيْنِ. وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَوْجُوءَ، لِنُقْصَانِ الْعُضْوِ، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، لأَنَّ الْخِصَاءَ يُفِيدُ اللَّحْمَ طِيبًا، وَيَنْفِي عَنْهُ الزُّهُومَةَ، وَسُوءَ الرَّائِحَةِ، وَذَلِكَ الْعُضْوُ لَا يُؤْكَلُ. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ أَنْ يَذْبَحَ الأُضْحِيَّةَ بِنَفْسِهِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ، إِنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ «كَانَ يَأْمُرُ بَنَاتَهُ أَنْ يَذْبَحْنَ ضَحَايَاهُنَّ بِأَيْدِيهِنَّ» 1120 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ،

نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحُنَيْنِيُّ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا حَفْصٌ، يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ، وَيَشْرَبُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَالْفَحِيلُ: الْكَرِيمُ الْمُخْتَارُ لِلْفِحْلَةِ، وَيُقَالُ: الْفَحِيلُ الْمُنْجِبُ فِي ضِرَابِهِ، وَأَرَادَ بِهِ: النُّبْلَ وَعِظَمَ الْخَلْقِ، فَأَمَّا الْفَحْلُ، فَاسْمٌ عَامٌّ لِلذُّكُورِ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: «يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ»، أَرَادَ بِهِ أَنَّ فَمَهُ وَمَا أَحَاطَ بِمَلاحِظِ عَيْنَيْهِ مِنْ وَجْهِهِ، وَأَرْجُلِهِ أَسْوَدُ، وَسَائِرُ بَدَنِهِ أَبْيَضُ 1121 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا

أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ الْغِفَارِيُّ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ الصَّائِدِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالأُذُنَ، وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ، وَلا مُدَابَرَةٍ، وَلا شَرْقَاءَ، وَلا خَرْقَاءَ». قَالَ: الْمُقَابَلَةُ: مَا قُطِعَ طَرَفُ أُذُنِهَا، وَالْمُدَابَرَةُ: مَا قُطِعَ مِنْ جَانِبِ الأُذُنِ، وَالشَّرْقَاءُ: الْمَشْقُوقَةُ الأُذُنَ، وَالْخَرْقَاءُ: الْمَثْقُوبَةُ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «نَسْتَشْرِفُ الْعَيْنَ وَالأُذُنَ» مَعْنَاهُ: الصِّحَّةُ وَالْعِظَمُ،

وَقِيلَ: نَتَأَمَّلُ سَلامَتَهُمَا مِنْ آفَةٍ بِهِمَا، كَالْعَوَرِ وَالْجَدَعِ، يُقَالُ: اسْتَكْفَفْتُ الشَّيْءَ، وَاسْتَشْرَفْتُهُ، كِلاهُمَا أَنْ تَضَعَ يَدَكَ عَلَى حَاجِبِكَ كَالَّذِي يَسْتَظِلُّ مِنَ الشَّمْسِ حَتَّى يَسْتَبِينَ الشَّيْءَ. وَالْمُقَابَلَةُ: أَنْ يَقْطَعَ مُقَدَّمَ أُذُنِهَا، وَلا يُبَيِّنَ، وَالْمُدَابَرَةُ: أَنْ يَقْطَعَ مُؤَخَّرَ أُذُنِهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَقْطُوعِ شَيْءٍ مِنَ الأُذُنِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ يَجُوزُ، وَإِنْ قُطِعَ النِّصْفُ فَأَكْثَرُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الثُّلُثِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ. وَتَجُوزُ مَكْسُورَةُ الْقَرْنَيْنِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: لَا تَجُوزُ إِلا أَنْ يَكُونَ دَاخِلُهُ صَحِيحًا، يَعْنِي الْمُشَاشَ 1122 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْحَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جُرَيَّ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِالأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالأُذُنِ»

الأَعْضَبُ: الْمَكْسُورُ الْقَرْنِ، يُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ النِّصْفُ فَمَا فَوْقَهُ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: فَإِنِ انْكَسَرَ الْقَرْنُ الْخَارِجُ، فَهُوَ أَقْصَمُ، وَالأُنْثَى: قَصْمَاءُ، وَإِذَا انْكَسَرَ الدَّاخِلُ، فَهُوَ أَعْضَبُ، وَالأُنْثَى عَضْبَاءُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ يَكُونُ الْعَضَبُ فِي الأُذُنِ أَيْضًا، فَأَمَّا الْمَعْرُوفُ، فَفِي الْقَرْنِ، وَهُوَ فِيهِ أَكْثَرُ، وَأَمَّا نَاقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَتْ تُسَمَّى عَضْبَاءَ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا، إِنَّمَا ذَاكَ اسْمٌ لَهَا سُمِّيَتْ بِهِ. 1123 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ، قَالَ: أَرْبَعًا، وَكَانَ الْبَرَاءُ يُشِيرُ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: يَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا،

وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ، عَنِ الْبَرَاءِ. وَرَوَاهُ شُعْبَة، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ قَالَ: «وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي»، وَقَوْلُهُ: «لَا تُنْقِي»، أَيْ: لَا نِقْيَ لِعِظَامِهَا، وَهُوَ الْمُخُّ مِنَ الضَّعْفِ وَالْهُزَالِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ الْخَفِيفَ فِي الضَّحَايَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ، أَلا تَرَاهُ، يَقُولُ: «الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْبَيِّنُ ظَلْعُهَا». قَالَ شُعْبَةُ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ عَنْ عَيْنِ الأُضْحِيَّةِ، يَكُونُ فِيهَا الْبَيَاضُ، فَكَرِهَهَا، وَسَأَلْتُ حَمَّادًا، فَلَمْ يَكْرَهْهَا، وَسَأَلْتُ الْحَكَمَ عَنِ الْبَتْرَاءِ، فَرَخَّصَ فِيهَا، وَسَأَلْتُ حَمَّادًا فَكَرِهَهَا.

قَالَ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ: كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ

باب ثواب الأضحية

بَابُ ثَوَابِ الأُضْحِيَّةِ 1124 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ، حَدَّثَنِي أَبُو الْمُثَنَّى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ الدَّمِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَأَظْلافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ يَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِالأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا أَنْفُسًا».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَبُو الْمُثَنَّى: اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ شَيْخُنَا: ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ جِدًّا

باب ثواب العمل في عشر ذي الحجة

بَابُ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الْحَج: 28]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَالْمَعْلُومَاتُ: أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: الْمَعْلُومَاتُ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمٌ بَعْدَهُ، وَالْمَعْدُودَاتُ: ثَلاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ.

1125 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْعُرَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ 1126 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ،

نَا مَسْعُودُ بْنُ وَاصِلٍ، عَنْ نَهَّاسِ بْنِ قَهْمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ». وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ أَبُو عِيسَى: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا، عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِثْلَ هَذَا

باب إذا دخل العشر فمن أراد أن يضحي فلا يمس من شعره وظفره شيئا

بَابُ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ شَيْئًا 1127 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلا مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سُفْيَانَ، وَقَالَ: «فَلا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا، وَلا يُقَلِّمَنَّ ظُفْرًا» وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَوْلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ يُرِيدُ الأُضْحِيَّةَ بَعْدَ دُخُولِ الْعَشْرِ أَخْذَ شَعْرَهُ وَظُفْرَهُ مَا لَمْ يَذْبَحْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَكَانَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ يَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ وَالاسْتِحْبَابِ، وَرَخَّصَ فِيهِ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَحَلَقَ ابْنُ عُمَرَ بَعْدَمَا ذُبِحَتْ أُضْحِيَّتُهُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَأْمُرُ مَنْ ضَحَّى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَشَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأُضْحِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ» وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يُفَوَّضْ إِلَى إِرَادَتِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، بَلْ هِيَ سُنَّةٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْمَلَ بِهَا، رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُرَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا، وَاحْتَجُّوا بِمَا 1128 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَفَّالُ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، أَنا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ، نَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ الدَّيْرَعَاقُولِيُّ، نَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، نَا مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ، نَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي رَمْلَةَ، عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَ: «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَاجِبَةٌ، وَعَتِيرَةٌ، تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ الَّتِي تُسَمُّونَهَا رَجَبِيَّةً».

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ الإِسْنَادِ، لِلاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْعَتِيرَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْعَتِيرَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ النَّسِيكَةُ الَّتِي تُعْتَرُ، أَيْ: تُذْبَحُ، كَانُوا يَذْبَحُونَ فِي رَجَبٍ تَعْظِيمًا لَهُ، لأَنَّهُ أَوَّلُ شَهْرٍ مِنَ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَالأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَرْبَعَةٌ: رَجَبٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ وَاحِدٌ فَرْدٌ، وَثَلاثَةٌ سَرْدٌ. وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْبَحُ الْعَتِيرَةَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ. وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فِي رَجَبٍ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ، وَبَرُّوا اللَّهَ وَأَطْعِمُوا» 1129 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ»، قَالَ: الْفَرَعُ: أَوَّلُ نِتَاجٍ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ

لِطَوَاغِيتِهِمْ، وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ. هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ وَرُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْفَرَعِ؟ فَقَالَ: «وَالْفَرَعُ حَقٌّ، وَأَنْ تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا ابْنَ مَخَاضٍ، أَوِ ابْنَ لَبُونٍ فَتُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً، أَوْ تَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ، فَتُلْصِقَ لَحْمَهُ بِوَبَرِهِ، وَتَكْفَأَ إِنَاءَكَ، وَتُوَلِّهِ نَاقَتَكَ»، وَيُرْوَى «حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا زُخْزُبًا». وَالزُّخْزُبُ: الَّذِي قَدْ غَلُظَ جِسْمُهُ، وَاشْتَدَّ لَحْمُهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْفَرَعَةُ وَالْفَرَعُ بِنَصْبِ الرَّاءِ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدُهُ النَّاقَةُ كَانُوا يَذْبَحُونَ ذَلِكَ لآلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَنُهُوا عَنْهُ، وَجَعَلَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخًا لِلْحَدِيثِ الأَوَّلِ.

وَسُئِلَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَتِيرَةِ؟ قَالَ: مَا حَاجَتُكَ إِلَى ذَبَائِحِ

الْجَاهِلِيَّةِ، وَسُئِلَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنِ الْعَتِيرَةِ، فَكَرِهَهَا، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ فِي الإِسْلامِ عَتِيرَةٌ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا صَامَ رَجَبًا ذَبَحَ عَتِيرَةً

باب الاشتراك في الأضحية

بَابُ الاشْتِرَاكِ فِي الأُضْحِيَّةِ 1130 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ». وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ 1131 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، قَالُوا: إِذَا اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنةٍ، أَوْ بَقَرَةٍ فِي الأُضْحِيَّةِ، أَوْ فِي الْهَدْيِ يَجُوزُ، وَلا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: يَجُوزُ الْبَعِيرُ عَنْ عَشَرَةٍ، لِمَا 1132 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، نَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَنَا النَّحْرُ، فَاشْتَرَكْنَا فِي الْجَزُورِ عَنْ عَشَرَةٍ، وَالْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ». وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

وَلَوْ وَجَبَ عَلَى رَجُلٍ سَبْعُ شِيَاهٍ هَدَايَا فِي الْحَجِّ، بِأَنْ تَمَتَّعَ، وَحَلَقَ، وَلَبِسَ، وَتَطَيَّبَ، فَذَبَحَ عَنِ الْكُلِّ بَدَنَةً، أَوْ بَقَرَةً جَازَ. وَلَوِ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنَةٍ، أَوْ بَقَرَةٍ بَعْضُهُمْ يَنْوِي قُرْبَةً، وَالْبَعْضُ يُرِيدُ اللَّحْمَ، جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ الاشْتِرَاكُ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسُكِ، إِلا أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ كُلُّهُمْ يُرِيدُونَ النُّسُكَ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ النُّسُكَ، وَبَعْضُهُمُ اللَّحْمَ، لَمْ يَجُزْ. أَمَّا الشَّاةُ الْوَاحِدَةُ، فَلا تُجْزِئُ إِلا عَنْ وَاحِدٍ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَلَوْ ذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَحَسَنٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشٍ، وَقَالَ: «هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي». وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحَّى، فَأَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ،

وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ". قَوْلُهَا: «يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ»، أَيْ: أَسْوَدُ الْقَوَائِمِ، وَالْمَرَابِضِ، وَالْمَحَاجِرِ. وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَتْ كَمَا تَرَى. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَفْعَلانِ ذَلِكَ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ أَنْ

يُضَحِّيَ الرَّجُلُ الشَّاةَ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَوْ ضَحَّى عَنْ مَيِّتٍ جَازَ، رُوِيَ عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقِيلَ لَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَوْصَانِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ»، فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ. وَلَمْ يَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّضْحِيَةَ عَنِ الْمَيِّتِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ، وَلا يُضَحِّيَ، وَإِنْ ضَحَّى، فَلا يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَيَتَصَدَّقْ بِهَا كُلِّهَا

باب الأكل من الأضحية بعد ثلاث فأكثر

بَابُ الأَكْلِ مِنَ الأُضْحِيَّةِ بَعْدَ ثَلاثٍ فَأَكْثَرَ 1133 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ،

وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ 1134 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَلادُ بْنُ يَحْيَى، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ، عَنْ أَبِيهِ، قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاثٍ؟ قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إِلا فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ فِيهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ، فَنَأْكُلُهُ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ، قِيلَ: مَا اضْطَرَّكُمْ إِلَيْهِ؟ فَضَحِكَتْ، قَالَتْ: «مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ خُبْزٍ مَأْدُومٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، جَوَّزُوا لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ، وَلا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ، لأَنَّهُ أَخْرَجَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَوَّزْنَا الأَكْلَ لإِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نُبَيْشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا وَادَّخِرُوا

وَاتَّجِرُوا» وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التِّجَارَةَ، إِنَّمَا أَرَادَ الصَّدَقَةَ الَّتِي يَبْتَغِي بِهَا الأَجْرَ وَالثَّوَابَ، أَيْ: تَصَدَّقُوا طَالِبِينَ بِهِ الأَجْرَ، وَأَصْلُهُ: ايْتَجِرُوا، فَشُدِّدَ، وَقيِلَ: اتَّجِرُوا، كَمَا قِيلَ: اتَّخَذْتُ الشَّيْءَ، وَأَصْلُهُ: ايْتَخَذْتُهُ وَهُوَ مِنَ الأَخْذِ، وَيُرْوَى «ايْتَجِرُوا» عَلَى الأَصْلِ

باب صلاة الخسوف وإطالتها

بَابُ صَلاةِ الْخُسُوفِ وَإِطَالَتِهَا 1135 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِلَى الصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ

قَوْلُهُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، وَكَسَفَتْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَرَجُلٌ كَاسِفٌ، أَيْ: مَهْمُومٌ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، يُقَالُ: كَسَفَ بَالُهُ: إِذَا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِالشَّرِّ، وَيُقَالُ: كُسُوفُ بَالِهِ: أَنْ يَضِيقَ عَلَيْهِ أَمَلُهُ. وَقَوْلُهُ «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ» مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يُوجِبُ حُدُوثَ تَغْيِيرٍ فِي الْعَالَمِ، مِنْ مَوْتٍ وَضَرَرٍ، وَنَقْصٍ وَنَحْوِهَا، فَأَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَأَنَّ خُسُوفَهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمَا خَلْقَانِ مُسَخَّرَانِ لَيْسَ لَهُمَا سُلْطَانٌ فِي غَيْرِهِمَا، وَلا قُدْرَةٌ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَأَمَرَ عِنْدَ كُسُوفِهَا بِالْفَزَعِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلاةِ، إِبْطَالا لِقَوْلِ الْجُهَّالِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُمَا، وَنَفْيًا لِلْفِعْلِ عَنْهُمَا، وَتَحْقِيقًا أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ.

وَقِيلَ: إِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ، لأَنَّهُمَا مِنَ الآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قُرْبِ السَّاعَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ {7} وَخَسَفَ الْقَمَرُ {8}} [الْقِيَامَة: 7 - 8] وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ آيَةً يُخَوِّفُ بِهَا النَّاسَ، لِيَفْزَعُوا إِلَى التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ: «وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ»، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الْإِسْرَاء: 59] 1136 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ، وَرُكُوعٍ، وَسُجُودٍ، مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: «هَذِهِ الآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ، وَدُعَائِهِ، وَاسْتِغْفَارِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ

قَوْلُهُ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ» جَاءَ الْحَدِيثُ بِاللُّغَتَيْنِ خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَكَسَفَتْ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُغَلِّبُ فِي الْقَمَرِ لَفْظَ الْخُسُوفِ، وَفِي الشَّمْسِ لَفْظَ الْكُسُوفِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: الْخُسُوفُ: ذَهَابُ الْكُلِّ، وَالْكُسُوفُ: ذَهَابُ الْبَعْضِ 1137 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا، قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: " مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ: أَنْ نَعَمْ، قَالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلانِي الْغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ الْمَاءَ فَوْقَ رَأْسِي "، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ

الدَّجَّالِ، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، أَوِ الْمُوقِنُ، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ، فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ، أَوِ الْمُرْتَابُ، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ.

أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَتْ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، وَهِيَ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ يُصَلُّونَ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، «فَأَطَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِيَامَ جِدًّا» حَتَّى تَجَلانِي الْغَشْيُ، فَأَخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَى جَنْبِي، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا عَلَى رَأْسِي، قَالَتْ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، " فَخَطَبَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، مَا مِنْ شَيْءٍ. . . فَسَاقَ مِثْلَ مَعْنَاهُ "

باب من صلى في كل ركعة ركوعين ونداء الصلاة جامعة

بَابُ مَنْ صَلَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ وَنِدَاءُ الصَّلاةِ جَامِعَةً 1139 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ، أَنَّ الصَّلاةَ جَامِعَةٌ، فَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ»، قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا قَطُّ، وَلا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ، كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ».

وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، نَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ، وَلا رُكُوعًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ» 1140 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: " خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا، قَالَ: نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا، وَهُو دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ تَجَلَّتِ

الشَّمْسُ، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ»، قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ»، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: " يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «تَكَعْكَعْتَ» أَيْ: تَأَخَّرْتَ، يُقَالُ: تَكَعْكَعَ وَتَكَأْكَأَ، وَكَعَّ عَنِ الأَمْرِ يَكِعُّ كُعُوعًا: إِذَا أَحْجَمَ وَجَبُنَ، وَتَأَخَّرَ عَنْهُ، وَأَصْلُهُ: تَكَعَّعَ، أُدْخِلَ الْكَافُ بَيْنَهُمَا لِكَيْ لَا يَثْقُلَ. وَالْعَشِيرُ: الزَّوْجُ، سُمِّيَ عَشِيرًا، لأَنَّهُ يُعَاشِرُهَا. وَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ صَلاةِ مَنْ صَلَّى وَقُدَّامُهُ تَنُّورٌ، أَوْ نَارٌ، أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ، فَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. 1141 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا

أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَائِذٌ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ» ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا، فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى، فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ

الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ، فَسَجَدَ، وَانْصَرَفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلا، وَقَالَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ: ثُمَّ سَجَدَ وَهُوَ دُونَ السُّجُودِ الأَوَّلِ 1142 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ»، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَقَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، وَزَادَ: «وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا»، وَزَادَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: «ثُمَّ سَجَدَ وَأَطَالَ السُّجُودَ» 1144 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ الْحَافِظُ، نَا يُونُسُ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ فَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، وَرَفَعَ رَأْسَهُ»، فَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ»، فَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَاسْتَكْمَلَ

أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ، وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا، فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ يُونُسَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: صَلاةُ الْخُسُوفِ سُنَّةٌ، وَالأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّيهَا جَمَاعَةً، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُصَلُّونَ فُرَادَى، وَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلُّونَ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ جَمَاعَةً، وَفِي خُسُوفِ الْقَمَرِ وُحْدَانًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " إِنَّ الْقَمَرَ كَسَفَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ فَخَطَبَنَا، فَقَالَ: إِنَّمَا صَلَّيْتُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي «.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كَيْفِيَّةِ صَلاةِ الْخُسُوفِ، فَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ» صَلَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلاثَ رُكُوعَاتٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ " 1144 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ

مَنْصُورٍ، قَالا: نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَّى فِي كُسُوفٍ، فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، وَفِي الأُخْرَى مِثْلَهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ». وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ رُكُوعَاتٍ».

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ». وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى مَا حَدَثَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلاةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُسَبِّحُ، وَيُهَلِّلُ، وَيُكَبِّرُ، وَيَحْمَدُ،

وَيَدْعُو، حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا، فَلَمَّا حُسِرَ عَنْهَا، قَرَأَ سُورَتَيْنِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلاهَا مَرَّاتٍ، وَكَانَتْ إِذَا طَالَتْ مُدَّةُ الْخُسُوفِ مَدَّ فِي صَلاتِهِ، وَزَادَ فِي عَدَدِ الرُّكُوعِ، وَإِذَا قَصُرَ، نَقَصَ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ الْحَالِ، وَمِقْدَارِ الْحَاجَةِ فِيهِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا أَنَّهُ إِذَا امْتَدَّ زَمَانُ الْخُسُوفِ، يَزِيدُ فِي عَدَدِ الرُّكُوعِ، أَوْ فِي إِطَالَةِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَيُطَوِّلُ السُّجُودَ كَالرُّكُوعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ

باب كيفية القراءة في صلاة الخسوف

بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْخُسُوفِ 1145 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفٍ وَلا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 1146 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، نَا الْوَلِيدُ، أَنا ابْنُ نَمِرٍ , سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: " جَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ،

فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرَّكْعَةِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلاةِ الْكُسُوفِ، أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، كَمَا فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُسِرُّ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ،

وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، لِمَا رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَامَ قِيَامًا طَوِيلا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَلَوْ جَهَرَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَزْرِ وَالتَّقْدِيرِ». وَالأَوَّلُ أَوْلَى، لأَنَّ فِيهِ إِثْبَاتَ الْجَهْرِ صَرِيحًا، فَالْمُثْبَتُ أَوْلَى، فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ خَفِيَ عَلَيْهِ، لِبُعْدِهِ مِنَ الإِمَامِ، أَوْ لِغَيْرِهِ مِنَ الْعَوَائِقِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَزْرَ وَالتَّقْدِيرَ لَمْ يَكُنْ لِلإِسْرَارِ بِالْقِرَاءَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَرَأَ سُوَرًا كَثِيرَةً بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي التَّحْدِيدِ وَالتَّقْدِيرِ، فَآثَرَ الاخْتِصَارَ فِي الْحِكَايَةِ، وَذَكَرَ الْمَقْصُودَ، وَهُوَ الدَّلالَةُ عَلَى مِقْدَارِ الْقِرَاءَةِ، وَتَرَكَ ذِكْرَ أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَأَعْيَانِهَا، أَمَّا صَلاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ، يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، لأَنَّهَا مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ إِنَّمَا جَاءَ فِي صَلاةِ اللَّيْلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَهَرَ مَرَّةً، وَخَفَتَ أُخْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب العتاقة في الكسوف

بَابُ الْعَتَاقَةِ فِي الْكُسُوفِ 1147 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، نَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمُبَادَرَةُ إِلَى الْخَيْرِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ، وَالتَّضَرُّعُ

عِنْدَ حُدُوثِ الآيَاتِ مِنَ السُّنَّةِ، قَالَ أَنَسٌ: إِنْ كَانَتِ الرِّيحُ لَتَشْتَدُّ، فَنُبَادِرُ الْمَسْجِدَ مَخَافَةَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ آيَةً فَاسْجُدُوا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلا آمُرُ بِصَلاةِ جَمَاعَةٍ فِي آيَةٍ سِوَاهُمَا، يَعْنِي: سِوَى خُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَآمُرُ بِالصَّلاةِ مُنْفَرِدِينَ

باب الخوف من الريح

بَابُ الْخَوْفِ مِنَ الرِّيحِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة: 6]، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَتَتْ عَلَى الْخُزَّانِ {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7] أَيْ: مُتَتَابِعَةً، جَمْعُ حَاسِمٍ، مِثْلُ: شَاهِدٍ وَشُهُودٍ، وَقِيلَ: حُسُومًا، أَيْ: دَائِمَةً، وَقَالَ اللَّيْثُ: حُسُومًا، شُؤْمًا عَلَيْهِمْ وَنَحْسًا. مِنَ الْحَسْمِ، أَيْ: تَحْسِمُ عَنْهُمْ كُلَّ خَيْرٍ وَتَقْطَعُ. 1148 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخرفِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ 1149 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ

1150 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، أَنا يُونُسُ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا، أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَإِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ؟! فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ، مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ،

وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ، فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الْأَحْقَاف: 24] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ 1151 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، أَوْ رِيحٍ اسْتَقْبَلَهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلاةِ تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ، وَإِذَا مَطَرَتْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا»

قَوْلُهُ: «نَاشِئًا»، يُقَالُ: نَشَأَتِ السَّحَابَةُ: إِذَا ابْتَدَأَتْ وَارْتَفَعَتْ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرَّعْد: 12] أَيْ: يُبْدِئُهَا، وَيُقَالُ لِهَذَا السَّحَابِ: نَشْءٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَوَّلُ ظُهُورِهَا. وَالصَّيِّبُ: مَا سَالَ مِنَ الْمَطَرِ، وَأَصْلُهُ: مِنْ صَابَ يَصُوبُ، أَيْ: نَزَلَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [الْبَقَرَة: 19] 1152 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا يُوسُفُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ، نَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَخِيلَةً تَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَتَلَوَّنَ، وَدَخَلَ وَخَرَجَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ»، قَالَتْ: «وَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي رَأَيْتُ»، قَالَ: " وَمَا يُدْرِيكِ لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الْأَحْقَاف: 24] ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ الْمَخِيلَةُ: السَّحَابَةُ، وَجَمْعُهَا مَخَايِلُ، وَيُقَالُ لِلسَّحَابِ أَيْضًا: الْخَالُ، يُقَالُ: أَخَالَتِ السَّمَاءُ: إِذَا تَغَيَّمَتْ، فَهِيَ مُخِيلَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَالسَّحَابَةُ نَفْسُهَا بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَتَخَيَّلَتِ السَّحَابَةُ: إِذَا تَهَيَّأَتْ لِلْمَطَرِ، وَأَخْيَلَ الْقَوْمُ: إِذَا تَوَهَّمُوا الْمَطَرَ. وَالْعَارِضُ: السَّحَابُ يَعْتَرِضُ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ. وَقَوْلُهَا: «سُرِّيَ عَنْهُ» أَيْ: كُشِفَ عَنْهُ مَا خَامَرَهُ مِنَ الْوَجَلِ، يُقَالُ: سَرَوْتُ الثَّوْبَ عَنِّي، وَسَرَوْتُ الْجُلَّ عَنِ الْفَرَسِ: إِذَا نَزَعْتُهُ 1153 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنا الثِّقَةُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَخَذَتِ النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ،

وَعُمَرُ حَاجٌّ، فَاشْتَدَّتْ، فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ: مَا بَلَغَكُمْ فِي الرِّيحِ؟ فَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ شَيْئًا، فَبَلَغَنِي الَّذِي سَأَلَ عُمَرُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الرِّيحِ، فَاسْتَحْثَثْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْتُ عُمَرَ، وَكُنْتُ فِي مُؤَخَّرِ النَّاسِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أُخْبِرْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنِ الرِّيحِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَبِالْعَذَابِ، فَلا تَسُبُّوهَا، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا، وَعُوذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا». وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي زِيَادٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ

قَوْلُهُ: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ» أَيْ: مِنْ رَحْمَتِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يُوسُف: 87] أَيْ: مِنْ رَحْمَتِهِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22] أَيْ: بِرَحْمَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ، خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ». وَرُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا هَبَّتْ رِيحٌ قَطُّ إِلا جَثَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلا تَجْعَلْهَا عَذَابًا»، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلا تَجْعَلْهَا رِيحًا».

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي كِتَابِ اللَّهِ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} [الْقَمَر: 19] وَ {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الْحجر: 22] وَ {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الرّوم: 46]. رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: الرِّيَاحُ ثَمَانٍ، أَرْبَعٌ عَذَابٌ، وَأَرْبَعٌ رَحْمَةٌ، فَأَمَّا الرَّحْمَةُ: فَالنَّاشِرَاتُ، وَالذَّارِيَاتُ، وَالْمُرْسَلاتُ، وَالْمُبَشِّرَاتُ، وَأَمَّا الْعَذَابُ: فَالْعَاصِفُ، وَالْقَاصِفُ، وَهُمَا فِي الْبَحْرِ، وَالصَّرْصَرُ، وَالْعَقِيمُ، وَهُمَا فِي الْبَرِّ

باب رمي النجم

بَابُ رَمْيِ النَّجْمِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الْملك: 5] قَالَ قَتَادَةُ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الْملك: 5]: خَلَقَ اللَّهُ النُّجُومَ لِثَلاثٍ، جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلامَاتٍ لِيَهْتَدُوا بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ حَظَّهُ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. 1154 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى سَطْحٍ،

فَانْقَضَّ نَجْمٌ، فَأَتْبَعْنَاهُ أَبْصَارَنَا، فَنَهَانَا، وَقَالَ: «لَا تُتْبِعُوا بِأَبْصَارِكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا نُنْهَى عَنْ ذَلِكَ» 1155 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: تَعَشَّى أَبُو قَتَادَةَ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرُمِيَ بِنَجْمٍ، فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «لَا تُتْبِعُوهُ أَبْصَارَكُمْ فَإِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ»

باب السجود عند حدوث آية

بَابُ السُّجُودِ عِنْدَ حُدُوثِ آيَةٍ 1156 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْنَا صَوْتًا بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا عِكْرِمَةُ، انْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ، قَالَ: فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ امْرَأَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفِّيَتْ، قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَوَجَدْتُهُ سَاجِدًا، وَلَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ بَعْدُ، فَقَالَ: يَا لَا أُمَّ لَكَ، أَلَيْسَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ آيَةً فَاسْجُدُوا»، فَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَخْرُجْنَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا وَنَحْنُ أَحْيَاءٌ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ الْعَدْنِيُّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ سَكَتُوا عَنْهُ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ ضَعِيفٌ

باب الاستسقاء

بَابُ الاسْتِسْقَاءِ 1157 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، يُخْبِرُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 1158 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَاسْتَسْقَى، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ 1159 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ

وَهْبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي الْحَدِيثِ: قَرَأَ فِيهِمَا، يَعْنِي الْجَهْرَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ 1160 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، أَنَّ عَمَّهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي لَهُمْ، فَقَامَ، فَدَعَا اللَّهَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَأُسْقُوا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

1161 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَرْسَلَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنِ اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُتَبَذِّلا مُتَوَاضِعًا، مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى فَرَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: السُّنَّةُ فِي الاسْتِسْقَاءِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَيَبْدَأَ بِالصَّلاةِ، فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلاةِ الْعِيدَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الأُولَى سَبْعًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ، وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يَخْطُبُ، يُرْوَى ذَلِكَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ أَنَّهُمْ كَبَّرُوا فِي الْعِيدَيْنِ وَالاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا وَخَمْسًا، وَجَهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ

ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَكْحُولٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي، بَلْ يَدْعُو، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ،

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلاةِ، كَمَا فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ، ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ، فَيَجْعَلُ أَسْفَلَ مَا عَلَى جَانِبِهِ الأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ، وَأَسْفَلَ مَا عَلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ، فَيَحْصُلُ بِهِ التَّقْلِيبُ وَالتَّنْكِيسُ، هَذَا إِذَا كَانَ الرِّدَاءُ مُرَبَّعًا، فَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا قَلَّبَهُ، وَلَمْ يُنَكِّسْهُ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ، وَمَا عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ عَلَى الأَيْمَنِ، وَإِذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَدَعَا اللَّهَ سِرًّا، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: يَجْعَلُ الْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ، وَالشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَلا يُنَكِّسُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ قَرِيبٌ مِنْهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ فِي حَدِيثِ الاسْتِسْقَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَجَعَلَ عِطَافَهُ الأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ، وَعِطَافَهُ الأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ» 1162 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عَمْرَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، قَالَ: «اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا، فَيَجْعَلَهُ أَعْلاهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَّبَهَا عَلَى عَاتِقَيْهِ». هَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلا، وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، وَتَأَوَّلُوا تَحْوِيلَهُ الرِّدَاءَ عَلَى مَذْهَبِ التَّفَاؤُلِ، لِيَنْقَلِبَ مَا بِهِمْ مِنَ الْجَدْبِ إِلَى الْخِصْبِ

باب رفع اليدين في الاستسقاء

بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاسْتِسْقَاءِ 1163 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا يَحْيَى، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلا فِي الاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ 1164 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ

مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَجَّاجِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ». قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُهُ لِعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ، فَقَالَ: إِنَّمَا ذَاكَ فِي الاسْتِسْقَاءِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى وَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ». وَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَسْتَسْقِي عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ قَرِيبًا مِنَ الزَّوْرَاءِ قَائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي رَافِعًا يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهِهِ

لَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا: " الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ، أَوْ نَحْوَهُمَا، وَالاسْتِغْفَارُ: أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، وَالابْتِهَالُ: أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا ". وَفِي رِوَايَةٍ: «الابْتِهَالُ هَكَذَا» فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَجَعَلَ ظُهُورَهُمَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِعَرَفَةَ هَكَذَا، وَرَفَعَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ يَدَيْهِ بَاطِنَهُمَا إِلَى الأَرْضِ، وَظَاهِرَ كَفِّهِ إِلَى السَّمَاءِ»

باب الاستسقاء بأهل الصلاح وأهل بيت النبوة

بَابُ الاسْتِسْقَاءِ بِأَهْلِ الصَّلاحِ وَأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ 1165 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا، فَاسْقِنَا»، فَيُسْقَوْنَ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ

قَوْلُهُ: «عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ»، أَيْ: يَمْنَعُهُمْ مِنَ الضَّيَاعِ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ، وَقَفِيَّةِ آبَائِهِ، وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ تِلْوَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ قَدِ اسْتَسْقَى بِأَهْلِ الْحَرَمِ، فَسُقُوا، يُقَالُ: هَذَا قَفِيُّ الأَشْيَاخِ: إِذَا كَانَ الْخَلَفَ مِنْهُمْ، مَأْخُوذٌ مِنْ: قَفَوْتُ الرَّجُلَ: إِذَا تَبِعْتُهُ

باب الاستسقاء في خطبة الجمعة

بَابُ الاسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ 1166 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنِ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُغِيثَنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا»، قَالَ أَنَسٌ: وَلا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ، انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ أَنَسٌ: فَلا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ

الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ، وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ»، قَالَ: فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ، قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنُ حُجْرٍ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الْقَزَعَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ السَّحَابِ، وَجَمْعُهَا قَزَعٌ، وَالسَّلْعُ: جَبَلٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ بِسُكُونِ اللامِ. الظِّرَابُ: الْجِبَالُ الصِّغَارُ، جَمْعُ الظَّرِبِ، وَالآكَامُ: جَمْعُ الأَكَمَةِ، وَهِيَ التَّلُّ الْمُرْتَفِعُ مِنَ الأَرْضِ 1167 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو

نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، إِذْ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهُمَا حَتَّى ثَارَ سَحَابٌ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنِ الْمِنْبَرِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْحَدِرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ الَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، أَوْ قَالَ: رَجُلٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا» قَالَ: فَمَا يُشِيرُ بِيَدَيْهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلا تَمَزَّقَتْ حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ الْوَادِي

وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ رَجُلٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَوَادِي إِلا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ رَشِيدٍ، كِلاهُمَا عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَوْلُهُ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ، أَيْ: قَحْطٌ. قَوْلُهُ: «يَنْحَدِرُ الْمَاءُ عَلَى لِحْيَتِهِ» يُرِيدُ أَنَّ السَّقْفَ قَدْ وَكَفَ حَتَّى خَلَصَ الْمَاءُ إِلَيْهِ. وَالْجَوْبَةُ: الْفُرْجَةُ فِي السَّحَابِ، وَيُقَالُ: الْجَوْبَةُ هَهُنَا: التُّرْسُ يُرِيدُ فِي الاسْتِدَارَةِ، وَالْجَوْبَةُ أَيْضًا: الْوَهْدَةُ الْمُنْقَطِعَةُ عَمَّا عَلا مِنَ الأَرْضِ حَوَالَيْهَا، وَالْجَوْدُ: الْمَطَرُ الْوَاسِعُ 1168 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " قَحَطَ الْمَطَرُ عَامًا، فَقَامَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ

إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَحَطَ الْمَطَرُ، وَأَجْدَبَتِ الأَرْضُ، وَهَلَكَ الْمَالُ، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ سَحَابَةً، فَمَدَّ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ يَسْتَسْقِي اللَّهَ، فَقَالَ: فَمَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ حَتَّى أَهَمَّ الشَّابَّ الْقَرِيبَ الدَّارِ الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ، فَدَامَتْ جُمُعَةً، فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الَّتِي تَلِيهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَاحْتَبَسَ الرُّكْبَانُ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُرْعَةِ مَلالَةِ ابْنِ آدَمَ، قَالَ بِيَدِهِ: " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، قَالَ: فَتَكَشَّطَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا» فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيِ: اجْعَلْهُ حَوَالَيْنَا، أَوْ أَمْطِرْ حَوَالَيْنَا فِي مَوْضِعِ النَّبَاتِ وَالصَّحَارَى، لَا فِي مَوْضِعِ الأَبْنِيَةِ، يُقَالُ: رَأَيْتُ النَّاسَ حَوْلَهُ وَحَوْلَيْهِ وَحَوَالَهُ وَحَوَالَيْهِ، وَيُجْمَعُ أَحْوَالا. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَاكِي، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مَرِيئًا مَرِيعًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلا غَيْرَ آجِلٍ»، قَالَ: فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ «يُوَاكِي» مَعْنَاهُ: التَّحَامُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا رَفَعَهُمَا، وَمَدَّهُمَا فِي الدُّعَاءِ، وَمِنْ هَذَا التَّوَكُّؤُ عَلَى الْعَصَا، وَهُوَ التَّحَامُلُ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: مَرِيعًا أَيْ: ذَا مَرَاعَةٍ وَخِصْبٍ، يُقَالُ: أَمْرَعَتِ الْبِلادُ: إِذَا أَخْصَبَتْ، وَيُرْوَى: «مُرْبِعًا» بِالْبَاءِ، أَيْ: مُنْبِتًا لِلرَّبِيعِ، وَيُقَالُ: الْمُرْبِعُ: الْمُغْنِي عَنِ الارْتِيَادِ لِعُمُومِهِ، وَالنَّاسُ يَرْبَعُونَ حَيْثُ شَاءُوا، وَلا يَحْتَاجُونَ إِلَى النُّجْعَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمُ: ارْبَعْ عَلَى نَفْسِكَ، أَيِ اثْبُتْ وَارْفُقْ، بِهَا، وَيُرْوَى: مُرْتِعًا، أَيْ: يُنْبِتُ اللَّهُ بِهِ مَا تَرْتَعُ فِيهِ الإِبِلُ، يُقَالُ: رَتَعَتِ الإِبِلُ، وَأَرْتَعَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرَّتْعَةُ، بِسُكُونِ التَّاءِ وَحَرَكَتِهَا، الاتِّسَاعُ فِي الْخِصْبِ، وَكُلُّ مُخْصِبٍ مُرْتِعٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يُوسُف: 12]. قَوْلُهُ: «أَطْبَقَتْ» أَيْ: مَلأَتْ، وَفِي الدُّعَاءِ: «اسْقِنَا غَيْثًا طَبَقًا» أَيْ: مَالِئًا الأَرْضَ، وَالْغَيْثُ الطَّبَقُ: هُوَ الْعَامُّ الْوَاسِعُ يُطَبِّقُ الأَرْضَ بِالْمَاءِ

باب كراهية الاستمطار بالأنواء

بَابُ كَرَاهِيَةِ الاسْتِمْطَارِ بِالأَنْوَاءِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الْوَاقِعَة: 82]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شُكْرَكُمْ. وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَالَ: " مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إِلا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ يُنْزِلُ اللَّهُ الْغَيْثَ، فَيَقُولُونَ: بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. 1169 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فِي أَثَرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: " هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ

وَبِرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «فِي أَثَرِ سَمَاءٍ» أَيْ فِي أَثَرِ مَطَرٍ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَطَرَ سَمَاءً، لأَنَّهُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ. وَالنَّوْءُ لِلْكَوَاكِبِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ، يَسْقُطُ مِنْهَا فِي كُلِّ ثَلاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً نَجْمٌ مِنْهَا فِي الْمَغْرِبِ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَطْلُعُ آخَرُ يُقَابِلُهُ مِنَ الْمَشْرِقِ مِنْ سَاعَتِهِ، فَيَكُونُ انْقِضَاءُ السَّنَةِ مَعَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَأَصْلُ النَّوْءِ، هُوَ النُّهُوضُ، سُمِّيَ نَوْءًا، لأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ السَّاقِطُ مِنْهَا بِالْمَغْرِبِ نَاءَ الطَّالِعُ بِالْمَشْرِقِ يَنُوءُ نَوْءًا، وَذَلِكَ النُّهُوضُ، وَقَدْ يَكُونُ النَّوْءُ لِلسُّقُوطِ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: إِذَا سَقَطَ مِنْهَا نَجْمٌ، وَطَلَعَ آخَرُ، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ذَلِكَ مَطَرٌ، فَيَنْسُبُونَ كُلَّ غَيْثٍ يَكُونُ عِنْدَ

ذَلِكَ إِلَى النَّجْمِ، فَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا. وَهَذَا التَّغْلِيظُ فِيمَنْ يَرَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّجْمِ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، وَأَرَادَ: سَقَانَا اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ "

باب الغيوب لا يعلمها إلا الله

بَابُ الْغُيُوبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلا اللَّهُ 1170 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلا اللَّهُ: لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ أَحَدٌ إِلا اللَّهُ، وَلا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلا اللَّهُ، وَلا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلا اللَّهُ، وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلا يَعْلَمُ مَتَّى تَقُومُ السَّاعَةُ أَحَدٌ إِلا اللَّهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ

سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قِيلَ: أَرَادَ بِمَفَاتِيحِ الْغَيْبِ: خَزَائِنَهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} [الْقَصَص: 76] أَيْ: خَزَائِنَهُ. وَرُوِيَ عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ السَّحَابَ غِرْبَالُ الْمَطَرِ، وَلَوْلا السَّحَابُ، لأَفْسَدَ الْمَطَرُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ

باب البروز للمطر

بَابُ الْبُرُوزِ لِلْمَطَرِ 1171 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْرَانَ الثَّقَفِيُّ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مُطِرْنَا وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَسَرَ عَنْ ثَوْبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ، فَقُلْتُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ

7 - كتاب فضائل القرآن

7 - كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [الْمَائِدَة: 48]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُهَيْمِنُ: الأَمِينُ، الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}

[يُونُس: 58]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَضْلُ اللَّهِ: الإِسْلامُ، وَرَحْمَتُهُ: أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ} [الْإِسْرَاء: 82]. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ} [الْمَائِدَة: 15]. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الْأَنْبِيَاء: 50]. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الْأَنْبِيَاء: 10]، أَيْ: شَرَفُكُمْ، وَمَا تُذْكَرُونَ بِهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} [الْمُؤْمِنُونَ: 71]، أَيْ: بِمَا فِيهِ شَرَفُهُمْ.

باب فضل تعلم القرآن وتعليمه

بَابُ فَضْلِ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِهِ 1172 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ذَلِكَ أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا، وَكَانَ

يُعَلِّمُ مِنْ خِلافَةِ عُثْمَانَ إِلَى إِمْرَةِ الْحَجَّاجِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ. وَسُمِّيَ الْكِتَابُ قُرْآنًا، لأَنَّهُ جُمِعَ فِيهِ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَالْقَصَصُ، وَكُلُّ شَيْءٍ جَمَعْتَهُ، فَقَدْ قَرَأْتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ} [الْقِيَامَة: 17] وَقَدْ تُحْذَفُ الْهَمْزَةُ، فَيُقَالُ: قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ، أَيْ: جَمَعْتُهُ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «الْقُرانُ» بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَقَرَأَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ مِنَ الْقِرَاءَةِ، إِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِهَذَا الْكِتَابِ

باب فضل تلاوة القرآن

بَابُ فَضْلِ تِلاوَةِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {91} وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْءَانَ} [النَّمْل: 91 - 92]. 1173 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْمَاهِرِ بِالْقُرْآنِ مَثَلُ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَؤُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ

قَوْلُهُ: «مَثَلُ الْمَاهِرِ» أَيْ صِفَتُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي} [الرَّعْد: 35] أَيْ: صِفَتُهَا 1175 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ، هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ لَهُ أَجْرَانِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ السَّفَرَةُ: هُمُ الْمَلائِكَةُ، سُمُّوا سَفَرَةً، لأَنَّهُمْ يَنْزِلُونَ بِوَحْيِ اللَّهِ، وَمَا يَقَعُ بِهِ الصَّلاحُ بَيْنَ النَّاسِ، كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ الْقَوْمِ، يُقَالُ: سَفَرْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ، أَيْ: أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} [عبس: 15] وَيُقَالُ: السَّفَرَةُ: الْكَتَبَةُ وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ، وَسُمِّيَ الْكِتَابُ سِفْرًا، لأَنَّهُ يَسْفِرُ الشَّيْءَ وَيُبَيِّنَهُ، وَسُمِّيَ الْكَاتِبُ سَافِرًا، لأَنَّهُ يُبَيِّنُ الشَّيْءَ وَيُوَضِّحُهُ، وَمِنْهُ إِسْفَارُ الصُّبْحِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الْجُمُعَة: 5] أَيْ كُتُبًا، وَاحِدُهَا: سِفْرٌ

1175 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنُ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَريِّ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُونْجَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَلا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَلا طَعْمَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ، وَلا رِيحَ لَهَا. وَمَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، إِنْ لَمْ

يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ الْكِيرِ، إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ شَرَارِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، حَدِيثَ الْقُرْآنِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ. وَرَوَى مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا مُوسَى 1176 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ , قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا حَسَدَ إِلا عَلَى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا، فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ

شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ. فَبَيَّنَ أَنَّ قِيَامَهُ بِالْكِتَابِ هُوَ عَمَلُهُ وَفِعْلُهُ. قَالَ أَبُو رَزِينٍ: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} [الْبَقَرَة: 121] يَتَّبِعُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ 1177 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْكُوفِيُّ الْعَبْسِيُّ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟»، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «فَثَلاثُ آيَاتٍ يَقْرَؤُهُنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ 1178 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، يَعْنِي ابْنَ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُقَالُ، يَعْنِي لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: جَاءَ فِي الأَثَرِ، أَنَّ عَدَدَ آيِ الْقُرْآنِ عَلَى قَدْرِ دَرَجِ الْجَنَّةِ، فَمَنِ اسْتَوْفَى قِرَاءَةَ جَمِيعِ آيِ الْقُرْآنِ، اسْتَوْلَى عَلَى أَقْصَى دَرَجِ الْجَنَّةِ 1179 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ

بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو الأَسْوَدِ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ زَبَّانَ، هُوَ ابْنُ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأَحْكَمَهُ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ، فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيهِ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهِ». غَرِيبٌ وَسَهْلٌ: هُوَ سَهْلُ بْنُ مُعَاذٍ الْجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ 1180 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ لَهِيعَةَ، يَقُولُ: نَا مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ»

حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: مَعْنَاهُ: لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ، يَعْنِي: فِي جِلْدٍ، فِي قَلْبِ رَجُلٍ، يُرْجَى لِمَنِ الْقُرْآنُ مَحْفُوظٌ فِي قَلْبِهِ أَنْ لَا تَمَسَّهُ النَّارُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ حَمَلَ الْقُرْآنَ وَقَرَأَهُ، لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا كَمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: «احْفَظُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآنَ»، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَمًا لِنُبُوَّتِهِ، كَالآيَاتِ الَّتِي فِي عَصْرِ الأَنْبِيَاءِ، مِنْ كَلامِ الْمَوْتَى، أَوِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ يُعْدَمُ بَعْدَهُمْ، ذَكَرَهُ الْقُتَيْبِيُّ. قَالَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ: «تَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلامِهِ». وَقَالَ الْحَسَنُ: «فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى الْكَلامِ، كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ». وَقَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يُجَالِسْ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، قَضَاءُ اللَّهِ الَّذِي قَضَى: {شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الْإِسْرَاء: 82] 1181 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِيُّ، نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ الزَّيَّاتَ، عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ الطَّائِيِّ، عَنِ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ الأَعْوَرِ ,

عَنِ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ، قَالَ: مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الأَحَادِيثِ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلا تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الأَحَادِيثِ! قَالَ: أَوَ قَدْ فَعَلُوا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَلا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ»، فَقُلْتُ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " كِتَابُ اللَّهِ، كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلا يخلق عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى، قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا {1} يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الْجِنّ: 1 - 2]، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ". خُذْهَا إِلَيْكَ يَا أَعْوَرُ.

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ، وَفِي حَدِيثِ الْحَارِثِ مَقَالٌ 1182 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ تَمْتَامٌ الضَّبِّيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَا أَعْلَمُهُ إِلا مَرْفُوعًا، قَالَ: " تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللَّهَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ رَجُلانِ: رَجُلٌ يُبَاهِي بِهِ، وَرَجُلٌ يَسْتَأْكِلُ بِهِ "

1183 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ رَجُلٍ، أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَقْرَأْ عَلَى قَوْمٍ، فَلَمَّا قَرَأَ سَأَلَ، فَقَالَ عِمْرَانُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَقَالَ: قَالَ مَحْمُودٌ: هُوَ خَيْثَمَةُ الْبَصْرِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَلَيْسَ هُوَ خَيْثَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

باب

بَابٌ 1184 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى الْقَاضِي الزُّهْرِيُّ، بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ الصَّائِغُ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ نافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ قَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمُ ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ عُمَرُ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى! فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ رَجُلٌ قَارِئٌ الْقُرْآنَ، عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَاضٍ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِالْقُرْآنِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ». وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ

عَبْدِ الْوَارِثِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ 1185 - أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أَنا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَنا جَرِيرٌ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

باب فضل فاتحة الكتاب

بَابُ فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ 1186 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ , أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَقَرَأَ عَلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أُمَّ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ، وَلا فِي الإِنْجِيلِ، وَلا فِي الزَّبُورِ، وَلا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا، وَإِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْعَلاءِ، عَنْ

أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى 1187 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، نَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَرَادَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ: فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَسُمِّيَتْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، لأَنَّهَا أَصْلُ الْقُرْآنِ، وَأُمُّ كُلِّ شَيْءٍ: أَصْلُهُ، وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى، كَأَنَّهَا أَصْلُهَا وَمُعْظَمُهَا، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ، لأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ الْقُرْآنَ، وَكُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ شَيْئًا فَقَدْ أَمَّهُ 1188 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَيَّالِيُّ، أَنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ الْخُزَاعِيُّ، يُعْرَفُ بِفَضْلانَ، أَنا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ

عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَهُوَ أَخُو إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَصَاحَ بِهِ، فَقَالَ: «تَعَالَ يَا أُبَيُّ، فَعَجِلَ أُبَيٌّ فِي صَلاتِهِ»، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا مَنَعَكَ يَا أُبَيُّ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ؟ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الْأَنْفَال: 24] "، قَالَ أُبَيٌّ: لَا جَرَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَدْعُونِي إِلا أَجَبْتُكَ وَإِنْ كُنْتُ مُصَلِّيًا، قَالَ: «تُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ تَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ، وَلا فِي الإِنْجِيلِ، وَلا فِي الزَّبُورِ، وَلا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا؟» فَقَالَ أُبَيٌّ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «لَا تَخْرُجْ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَهَا» وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ لِيَخْرُجَ، قَالَ لَهُ أُبَيٌّ: السُّورَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَقَفَ، فَقَالَ: «نَعَمْ كَيْفَ تَقْرَأُ فِي صَلاتِكَ؟»، فَقَرَأَ أُبَيٌّ أُمَّ الْقُرْآنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ، وَلا فِي الإِنْجِيلِ، وَلا فِي الزَّبُورِ، وَلا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا،

وَإِنَّهَا لَهِيَ السَّبْعُ مِنَ الْمَثَانِي الَّتِي آتَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ «وَإِنَّهَا لَهِيَ السَّبْعُ مِنَ الْمَثَانِي» قِيلَ: أَرَادَ: هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الأُولَى، وَ «مِنْ» زَائِدَةٌ، وَأَرَادَ بِهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ هِيَ سَبْعُ آيَاتٍ، سُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ مَثَانِيَ، لأَنَّهَا تُثَنَّى فِي الصَّلاةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقِيلَ: سُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ مَثَانِيَ، لأَنَّهَا اسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لَمْ تُنْزَلْ عَلَى مَنْ قَبْلَهَا، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ مَثَانِيَ، لِمَا فِيهَا مِنَ الثَّنَاءِ، فَهِيَ مَفَاعِلُ مِنَ الثَّنَاءِ، وَالْوَاحِدُ مَثْنَى، كَالْمَحَامِدِ، وَاحِدُهَا مَحْمَدَةٌ. وَكَذَلِكَ فَسَّرُوا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الْحجر: 87]. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ «الْمَثَانِي» فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْقُرْآنُ كُلُّهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23] سُمِّيَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مَثَانِيَ، لأَنَّ الْقَصَصَ وَالأَمْثَالَ ثُنِّيَتْ فِيهِ، فَمَعْنَى قَوْلُهُ: «إِنَّهَا السَّبْعُ مِنَ الْمَثَانِي» أَيِ: الْفَاتِحَةُ سَبْعُ آيَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا

مِنَ الْمَثَانِي} [الْحجر: 87]: إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَثَانِي السُّوَرُ الَّتِي تَقْصُرُ عَنِ الْمِئِينَ، وَتَزِيدُ عَلَى الْمُفَصَّلِ، قِيلَ لَهَا: مَثَانِي، كَأَنَّ الْمِئِينَ جُعِلَتْ مَبَادِيَ، وَالَّتِي تَلِيهَا مَثَانِيَ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِجَابَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ لَا تُبْطِلُ الصَّلاةَ، كَمَا أَنَّكَ تُخَاطِبُهُ بِقَوْلِكَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَمِثْلُهُ يُبْطِلُ الصَّلاةَ مَعَ غَيْرِهِ. 1189 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ لأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَة: 2] فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ

الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا، قَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ»، ثُمَّ قَالَ: «أَصَبْتُمُ اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا». فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى،

عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَفِي رِوَايَتِهِ: «فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ». وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلا، عَنْ عَبدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ

قَوْلُهُ: «نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ» أَيْ: حُلَّ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} [النازعات: 2] وَهِيَ الْمَلائِكَةُ تَنْشُطُ أَرْوَاحَ الْمُسْلِمِينَ، أَيْ: تَحُلُّهَا حَلا رَفِيقًا، وَفِي رِوَايَةٍ «أَنُشِطَ مِنْ عِقَالٍ»، يُقَالُ: أَنْشَطْتُ الْعُقْدَةَ: إِذَا حَلَلْتُهَا، وَنَشَطْتُ الشَّيْءَ: إِذَا شَدَدْتَهُ بِلا أَلِفٍ، وَالأُنْشُوطَةُ: الْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الشَّيْءُ

باب فضل سورة البقرة وآل عمران

بَابُ فَضْلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ 1190 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ الْغَنَوِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ، يَقُولُ: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: " تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ، وَإِنَّهُمَا تُظِلانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ غَيَايَتَانِ، أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَأْتِي صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ بِالْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ

وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ لَهُمَا: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلا ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

وَقَوْلُهُ: «يُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ» لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ شَيْئًا يُوضَعُ فِي يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ: يُجْعَلُ لَهُ الْمُلْكُ وَالْخُلْدُ، وَمَنْ جُعِلَ لَهُ شَيْءٌ مِلْكًا، فَقَدْ جُعِلَ فِي يَدِهِ، وَيُقَالُ: هُوَ فِي يَدِكَ وَكَفِّكَ، أَيِ: اسْتَوْلَيْتَ عَلَيْهِ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ، أَنا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ، بِإِسْنَادِ حُمَيْدِ بْنِ زَنْجُوَيْهِ، مِثْلَهُ سَوَاءً، وَقَالَ: «وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ» وَلَمْ يَقُلْ: «يَأْتِي» وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَهُ: " فَيَقُولانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا، فَيُقَالُ لَهُمَا: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ " وَذَكَرَ مَا بَعْدَهُ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» 1192 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَعْقُوبُ، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِئُ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ، يُقَالُ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ: السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ، وَكَذَلِكَ أَمْثَالُهَا، وَالأَوَّلُ أَوْلَى وَأَصَحُّ. 1193 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، نَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي شَافِعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ، أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ

عَنْ صَاحِبِهِمَا، اقْرَءُوا الْبَقَرَةَ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ الْحُلْوَانِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلامٍ، عَنْ أَخِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ أَبِي سَلامٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: زَيْدُ بْنُ سَلامِ بْنِ أَبِي سَلامٍ الأَسْوَدُ أَخُو مُعَاوِيَةَ الدِّمشْقِيِّ، عَنْ أَبِي سَلامٍ، رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَوْلُهُ: «أَوْ غَيَايَتَانِ»، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْغَيَايَةُ: كُلُّ شَيْءٍ أَظَلَّ الإِنْسَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ مِثْلَ السَّحَابَةِ وَالْغَبَرَةِ، يُقَالُ: غَايَا الْقَوْمُ فَوْقَ رَأْسِ فُلانٍ بِالسَّيْفِ، كَأَنَّهُمْ أَظَلُّوهُ. وَقَوْلُهُ: «لَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» أَيِ: السَّحَرَةُ، يُقَالُ: أَبْطَلَ: إِذَا جَاءَ بِالْبَاطِلِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} [فصلت: 42]، قَالَ قَتَادَةُ: الْبَاطِلُ: إِبْلِيسُ لَا يَزِيدُ فِي الْقُرْآنِ، وَلا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] يَعْنِي بِالْبَاطِلِ: إِبْلِيسَ، لَا يُبْدِئُ وَلا يُعِيدُ، بَلِ اللَّهُ هُوَ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ.

قَالَ أَبُو عِيسَى فِي مَعْنَى قَوْلِهِ «يَأْتِيَانِ»: يَعْنِي يَجِيءُ ثَوَابُ قِرَاءَتِهِ، هَكَذَا فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا يُشْبِهُ هَذَا أَنَّهُ يَجِيءُ فَضْلُ الأَعْمَالِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. 1194 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الضَّحَّاكِيُّ الطُّوسِيُّ الْخَطِيبُ بِهَا، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزْدَادَ بْنِ مَسْعُودٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، نَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنِ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّ أَصْفَرَ الْبُيُوتِ الصِّفْرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ»

باب فضل آية الكرسي والآيتين من آخر سورة البقرة

بَابُ فَضْلِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ 1195 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟»، قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [الْبَقَرَة: 255]، قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ»، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ لِهَذِهِ الآيَةِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، إِلَى قَوْلِهِ «لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ»

1196 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عُمَرَ: نَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، وَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ، وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ»

فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ سَيَعُودُ» فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: دَعْنِي، فَإِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ، لَا أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً وَعِيَالا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ» فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ، إِنَّكَ تَزْعُمُ لَا تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَ: " إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [الْبَقَرَة: 255] حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: «مَا هِيَ؟»، قَالَ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ

آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [الْبَقَرَة: 255]، وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1197 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ جُرْنٌ فِيهِ تَمْرٌ، وَكَانَ أُبَيٌّ مِمَّا يَتَعَاهَدُهُ، فَيَجِدُهُ يَنْقُصُ، فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَإِذَا هُوَ بِدَابَّةٍ كَهَيْئَةِ الْغُلامِ الْمُحْتَلِمِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ السَّلامَ،

فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ أَجِنٌّ أَمْ إِنْسٌ؟ فَقَالَ: جِنٌّ، فَقُلْتُ: نَاوِلْنِي يَدَكَ، قَالَ: فَنَاوَلَنِي يَدَهُ، فَإِذَا يَدُ كَلْبٍ، وَشَعَرُ كَلْبٍ، فَقُلْتُ: هَكَذَا خَلْقُ الْجِنِّ؟ فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنَّهُ مَا فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنِّي سَيْرًا، فَقُلْتُ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُصِيبَ مِنْ طَعَامِكَ، فَقُلْتُ: فَمَا الَّذِي يُجِيرُنَا مِنْكُمْ؟ قَالَ: هَذِهِ الآيَةُ، آيَةُ الْكُرْسِيِّ، قَالَ: فَتَرَكَهُ، وَغَدَا أُبَيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ الْخَبِيثُ» 1198 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَحْيَى بْنُ

يَحْيَى، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، هُوَ الْمُلَيْكِيُّ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَرَأَ حِينَ يُصْبِحُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآيَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ {حم {1} تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {2}} [غَافِر: 1 - 2] حُفِظَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، فَإِنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي، حُفِظَ فِي لَيْلَتِهِ تِلْكَ حَتَّى يُصْبِحَ ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْمُلَيْكِيِّ، وَقَالَ: حم الْمُؤْمِن إِلَى {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غَافِر: 3] 1199 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، نَا يُونُسُ، وَأَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالا: نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ 1200 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَدَّادِيُّ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أَنا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ جِبْرِيلُ، إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ جِبْرِيلُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ فُتِحَ مِنَ السَّمَاءِ مَا فُتِحَ قَطُّ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ حَرْفًا مِنْهُمَا إِلا أُعْطِيتَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَوْلُهُ: «فَسَمِعَ نَقِيضًا» أَيْ: صَوْتًا 1201 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَرْمِيِّ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ

اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، فَأَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَلا تُقْرَءَانِ فِي دَارٍ ثَلاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ

باب السبع الطول

بَابُ السَّبْعِ الطُّوَلِ 1203 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرٌو، عَنْ حَبِيبِ بْنِ هِنْدٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ فَهُوَ خَيْرٌ» , يَعْنِي بِذَلِكَ السَّبْعَ الطّول مِنَ الْقُرْآنِ

باب فضل سورة الكهف

بَابُ فَضْلِ سُورَةِ الْكَهْفِ 1204 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، نَا سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطَفَانِيُّ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ 1205 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو الأَسْوَدِ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ زَبَّانَ، عَنْ سَهْلٍ، هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ أَوَّلَ سُورَةِ

الْكَهْفِ وَآخِرَهَا، كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ قَدَمِهِ إِلَى رَأْسِهِ، وَمَنْ قَرَأَهَا كُلَّهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ» 1206 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، نَا زُهَيْرٌ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرٍ

وَقَدْ صَحَّ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: كَانَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ، فَسَكَنَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتْ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، ثُمَّ قَرَأَ، فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَانْصَرَفَ، قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ عَرَجَتْ حَتَّى مَا أَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تِلْكَ الْمَلائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ». وَالْحِصَانُ: الْفَرَسُ الْفَحْلُ، بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَبِفَتْحِ الْحَاءِ: الْمَرْأَةُ الْعَفِيفَةُ. وَالشَّطَنُ: الْحَبْلُ الطَّوِيلُ الشَّدِيدُ الْفَتْلِ، يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ رَبَطَهُ بِحَبْلَيْنِ

باب في {الم {1} تنزيل} [السجدة: 1 - 2] السجدة وتبارك

بَابٌ فِي {الم {1} تَنْزِيلُ} [السَّجْدَة: 1 - 2] السَّجْدَةِ وَتَبَارَكَ 1207 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ تَبَارَكَ وَ {الم {1} تَنْزِيلُ} [السَّجْدَة: 1 - 2] " 1208 - أَخْبَرَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْعُرَةَ، نَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، جَمِيعًا، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ {تَنْزِيلُ} [السَّجْدَة: 2] السَّجْدَةَ، وَتَبَارَكَ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، مِثْلَ هَذَا. وَرَوَى زُهَيْرٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي الزُّبَيْرِ: سَمِعْتَ مِنْ جَابِرٍ يَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: إِنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ صَفْوَانُ، أَوِ ابْنُ صَفْوَانَ، وَكَأَنَّ زُهَيْرًا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ وَرُوِيَ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُشَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الْملك: 1] "

باب فضل سورة الإخلاص

بَابُ فَضْلِ سُورَةِ الإِخْلاصِ 1209 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلا سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، بِرِوَايَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ 1210 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، قَالَ: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ».

وَعَنْ عَائِشَةَ فِي رَجُلٍ، قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَهَا لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ» 1211 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، نَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ {2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4}} [الْإِخْلَاص: 1 - 4]، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ» فَسَأَلْتُهُ: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «الْجَنَّةُ»، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْهَبَ

إِلَى الرَّجُلِ فَأُبَشِّرَهُ، ثُمَّ فَرِقْتُ أَنْ يَفُوتَنِي الْغَدَاءُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآثَرْتُ الْغَدَاءَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ ذَهَبَ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ

باب المعوذتين

بَابُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ 1212 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجُوزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، وَنَفَثَ فِيهِمَا، وَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الْإِخْلَاص: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [النَّاس: 1] ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ قَوْلُهُ: «فَنَفَثَ فِيهِمَا»، أَيْ: تَفَلَ بِلا رِيقٍ، وَالتَّفْلُ لَا يَكُونُ إِلا وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّيقِ.

وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ، وَمِنْ عَيْنِ الإِنْسَانِ، حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ، أَخَذَ بِهِمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا» 1213 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَاكِمُ الطُّوسِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، نَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَسْلَمَ، عَنْ عَقَبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ رَاكِبٌ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى قَدَمِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَقْرَأُ مِنْ سُورَةِ هُودٍ، أَوْ مِنْ سُورَةِ يُوسُفَ؟ قَالَ: " لَنْ تَقْرَأَ بِشَيْءٍ أَبْلَغَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] "

وَصَحَّ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [النَّاس: 1] "

باب كيف القراءة والترجيع فيها

بَابُ كَيْفَ الْقِرَاءَةُ وَالتَّرْجِيعُ فِيهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4]، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا} [الْفرْقَان: 32] أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ مُرَتَّلا، وَهُوَ ضِدُّ الْمُعَجَّلِ. 1214 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: " كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1215 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: نَا شُعْبَةُ، قَالَ: نَا أَبُو إِيَاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، أَوْ جَمَلِهِ، وَهِيَ تَسِيرُ بِهِ، وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ، أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ قِرَاءَةً لَيِّنَةً، وَهُوَ يُرَجِّعُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 1216 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، أَنَّهُ «سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

باب التغني بالقرآن

بَابُ التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ 1217 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» أَيْ: يَجْهَرُ بِهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَوْلُهُ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ»، يَعْنِي: مَا اسْتَمَعَ لِشَيْءٍ

كَاسْتِمَاعِهِ، وَاللَّهُ لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، يُقَالُ: أَذِنْتُ لِلشَّيْءِ آذَنُ أَذَنًا بِفَتْحِ الذَّالِ: إِذَا سَمِعْتَ لَهُ، قَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} [الانشقاق: 2] أَيْ: سَمِعَتْ: يُرِيدُ: سَمْعَ الطَّاعَةِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " كَأَذَنِهِ لِكُلِّ مَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، أَيْ: يَجْهَرُ بِهِ " فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ قَوْلَهُ: «يَجْهَرُ بِهِ» تَفْسِيرًا لِلتَّغَنِّي، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكُلُّ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ لِلشَّيْءِ مُعْلِنًا بِهِ، فَقَدْ تَغَنَّى بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ تَفْسِيرًا، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى «التَّغَنِّي» هَهُنَا، وَفِيمَا. 1218 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَنا أَبُو عَاصِمٍ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَنا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى «التَّغَنِّي» هُوَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ وَتَحْزِينُهُ، لأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ، وَأَنْجَعُ فِي الْقُلُوبِ.

وَرُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ». ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَمَعْنَاهُ: «زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ»، وَيُرْوَى هَكَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يُقَالُ: عَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ، أَيْ: عَرَضْتُ الْحَوْضَ عَلَى النَّاقَةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْمُوعَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَلَيْسَ بِحِكَايَةِ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: مَعْنَى «التَّغَنِّي» هُوَ الاسْتِغْنَاءُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَمَعْنَاهُ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِالْقُرْآنِ عَنْ غَيْرِهِ. وَسُئِلَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، عَنْ هَذَا، فَقَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَغَنَّى إِذَا رَكِبَتِ الإِبِلَ، وَإِذَا جَلَسَتْ فِي الأَفْنِيَةِ، وَعَلَى أَكْثَرِ أَحْوَالِهَا، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ أَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ هِجِّيرَاهُمْ مَكَانَ التَّغَنِّي.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ مَعْنَى «يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» عَلَى الاسْتِغْنَاءِ، لَكَانَ «يَتَغَانَى» وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ هُوَ يَتَغَنَّى، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ بِالأَلْحَانِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ، وَأَحَبُّ مَا يُقْرَأُ إِلَيَّ حَدْرًا وَتَحْزِينًا.

وَقَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ أَنَسٍ بِلَحْنٍ مِنْ هَذِهِ الأَلْحَانِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ أَنَسٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَرَوْنَ هَذِهِ الأَلْحَانَ فِي الْقُرْآنِ مُحْدَثَةً 1219 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ رَجُلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: «لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى قَوْلُهُ: «مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ دَاوُدَ نَفْسَهُ خَاصَّةً، لأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ آلِ دَاوُدَ أُعْطِيَ مِنْ حُسْنِ الصَّوْتِ مَا أُعْطِيَ دَاوُدُ. وَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى آلِ أَحْمَدَ، وَيُرِيدُ نَفْسَ أَحْمَدَ، لأَنَّهُ الْمَفْرُوضُ». وَقَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ، أَوْصَى لآلِ فُلانٍ بِمَالٍ، هَلْ: لِفُلانٍ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غَافِر: 46] فَفِرْعَوْنُ أَوَّلُهُمْ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِآلِ دَاوُدَ: أَهْلَ بَيْتِهِ، وَلا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونُوا أَشْجَى أَصْوَاتًا مِنْ غَيْرِهِمْ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ، فَإِنَّا نَجِدُ حُسْنَ الصَّوْتِ يُتَوَارَثُ.

باب سماع القرآن

بَابُ سَمَاعِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الْأَعْرَاف: 204]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ {17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17 - 18]. وَقَالَ: {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الْحَج: 54] أَيْ: تَطْمَئِنَّ وَتَسْكُنَ إِلَى كَلامِهِ. 1220 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: أَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، نَا أَبِي، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.

وَأَخْرَجَهُ عَن مُحَمَّد بْن يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النِّسَاء: 41]، قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ» فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «اقْرَأْ عَلَيَّ». وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَبِي مُوسَى: «اسْتَمَعْتُ قِرَاءَتَكَ

اللَّيْلَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ عَلِمْتُ مَكَانَكَ لَحَبَّرْتُ لَكَ تَحْبِيرًا وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لأَبِي مُوسَى: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا، فَيَقْرَأُ أَبُو مُوسَى وَيَتَلاحَنُ. وَعَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِذَا أَشْفَى عَلَى خَتْمَةِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ بَقَّى مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يُصْبِحَ، فَيَجْمَعَ أَهْلَهُ فَيَخْتِمَهُ

مَعَهُمْ. وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: إِذَا وَافَقَ خَتْمُ الْقُرْآنِ أَوَّلَ اللَّيْلِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِنْ وَافَقَ خَتْمُهُ آخِرَ اللَّيْلِ صَلَّتْ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، فَرُبَّمَا بَقِيَ عَلَى أَحَدِنَا الشَّيْءُ فَيُؤَخِّرُهُ حَتَّى يُمْسِيَ أَوْ يُصْبِحَ

باب تعهد القرآن ووعيد من نسيه

بَابُ تَعَهُّدِ الْقُرْآنِ وَوَعِيدِ مَنْ نَسِيَهُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124]. 1221 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ الْمُعَقَّلَةِ: الَّتِي حُبِسَتْ بِالْعِقَالِ 1222 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُرْعُرَةَ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَمَا لأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ نُسِّيَ، وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَقَالَ: «مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا» قَوْلُهُ «نُسِّيَ» أَيْ: عُوقِبَ بِالنِّسْيَانِ عَلَى ذَنْبٍ أَوْ سُوءِ تَعَهُّدِهِ لِلْقُرْآنِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا هُوَ عَلَى التَّارِكِ لِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، الْجَافِي عَنْهُ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ». قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: مَا مِنْ أَحَدٍ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ نَسِيَهُ إِلا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، يَقُولُ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَمَّا الَّذِي هُوَ حَرِيصٌ عَلَى حِفْظِهِ، دَائِبٌ فِي تِلاوَتِهِ،

إِلا أَنَّ النِّسْيَانَ يَغْلِبُهُ، فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ، بِدَلِيلِ: مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا، يَقْرَأُ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ فَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا». قَوْلُهُ: «أَشَدُّ تَفَصِّيًا» أَيْ: ذَهَابًا وَانْفِلاتًا، وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ لازِمًا لِشَيْءٍ، فَفُصِلَ مِنْهُ، قِيلَ: تَفَصَّى مِنْهُ كَمَا يَتَفَصَّى الإِنْسَانُ مِنَ الْبَلِيَّةِ أَيْ: يَتَخَلَّصُ مِنْهَا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِهِ: «بَلْ نُسِّيَ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي فِيمَا نُسِخَتْ تِلاوَتُهُ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ «نُسِّيَ» أَيْ: نُسِخَتْ تِلاوَتُهُ، نَهَاهُمْ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ لِئَلا يُتَوَهَّمَ الضَّيَاعُ عَلَى مُحْكَمِ الْقُرْآنِ، فَأَعْلَمَهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، لَمَّا رَأَى فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ يَعْنِي نَسْخَ التِّلاوَةِ

باب في كم يقرأ

بَابٌ فِي كَمْ يُقْرَأُ 1223 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، أَنا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي كَمْ أَخْتِمُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي شَهْرٍ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ، قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ، قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ، قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي عَشْرٍ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ، قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ، قَالَ: «لَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ»، قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً»، قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: «اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ، وَلا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ». وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَرْبَعِينَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: فِي ثَلاثٍ، وَفِي خَمْسٍ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الاخْتِيَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّرْتِيلُ فِي الْقِرَاءَةِ. قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ لَا نُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يَقْرَإِ الْقُرْآنَ، لِلْحَدِيثِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: لَا يُقْرَأُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ».

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ، فَهُوَ رَاجِزٌ. وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ، رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ يُوتِرُ بِهَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ فِي الْكَعْبَةِ. وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ

باب

بَابُ 1224 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ المَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ، وَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ

باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف

بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ 1225 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْميدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ، فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ». قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا هَذِهِ الأَحْرُفُ فِي الأَمْرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَيْسَ يَخْتَلِفُ فِي حَلالٍ وَلا حَرَامٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ،

عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ 1226 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِئِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا، فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ» , فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ»، ثُمَّ قَالَ لِي: «اقْرَأْ» فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَوْلُهُ: «لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ»: إِذَا قَبَضَ عَلَيْهِ يَجُرُّهُ. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِئِ، أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ 1227 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، نَا أَبِي، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ جَدِّهِ،

عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَةً، أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ، فَقَرَأَ قِرَاءَةً سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلاةَ دَخَلْنَا جَمِيعًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، وَدَخَلَ آخَرُ، فَقَرَأَ سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَءَا، فَحَسَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَهُمَا، فَسَقَطَ فِي نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ، وَلا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ غَشِيَنِي، ضَرَبَ فِي صَدْرِي، فَفِضْتُ عَرَقًا، وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرَقًا، فَقَالَ لِي: " يَا أُبَيُّ , أُرْسِلَ إِلَيَّ: أَنِ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ: اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ: اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا، فَقُلْتُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ

الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1228 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ , أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي جُهَيْمٍ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَارَيَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ كِلاهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ تَلَقَّاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَاشَيَا جَمِيعًا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكِلاهُمَا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا سَمِعَا مِنْهُ، فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «

إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نُزِّلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَلا تُمَارُوا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِيهِ كُفْرٌ» 1229 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ الْهِلالِيَّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلا قَرَأَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ خِلافَهَا، فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، وَقَالَ: «كِلاكُمَا مُحْسِنٌ، فَلا تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الأَحْرُفِ السَّبْعَةِ،

وَأَكْثَرُوا فِيهَا الْقَوْلَ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ وَعْدٌ، وَوَعِيدٌ، وَحَلالٌ، وَحَرَامٌ، وَمَوَاعِظُ، وَأَمْثَالٌ، وَاحْتِجَاجٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ أَمْرٌ، وَنَهْيٌ، وَحَظْرٌ، وَإِبَاحَةٌ، وَخَبَرُ مَا كَانَ، وَمَا يَكُونُ، وَأَمْثَالٌ. وَأَظْهَرُ الأَقَاوِيلِ وَأَصَحُّهَا وَأَشْبَهُهَا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ اللُّغَاتُ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَهُ كُلُّ قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ بِلُغَتِهِمْ، وَمَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ مِنَ الإِدْغَامِ، وَالإِظْهَارِ، وَالإِمَالَةِ، وَالتَّفْخِيمِ، وَالإِشْمَامِ، وَالإِتْمَامِ، وَالْهَمْزِ، وَالتَّلْيِينِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ اللُّغَاتِ إِلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ مِنْهَا فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِهِمْ: هَلُمَّ، وَتَعَالَ، وَأَقْبِلْ.

ثُمَّ فَسَّرَهُ ابْنُ سِيرِينَ، فَقَالَ: فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِنْ كَانَتْ إِلا زَقْيَةً وَاحِدَةً» وَهِيَ فِي قِرَاءَتِنَا {صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 29] وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَبْعَةِ أَحْرُفٍ: يَعْنِي: سَبْعَ لُغَاتٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَرْفِ الْوَاحِدِ سَبْعُ لُغَاتٍ، وَلَكِنَّ هَذِهِ اللُّغَاتِ السَّبْعَ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْقُرْآنِ، فَبَعْضُهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هَوَازِنَ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ اللُّغَاتِ، وَمَعَانِيهَا فِي هَذَا كُلِّهِ وَاحِدَةٌ، مَعْنَاهُ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ مَأْذُونًا لِلْقَارِئِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى أَيِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ شَاءَ، قَالُوا: وَكَانَ ذَلِكَ تَوْسِعَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَحْمَةً عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ، إِذْ لَوْ كُلِّفَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ تَرْكَ لُغَتِهِمْ، وَالْعُدُولَ عَنْ عَادَةٍ نَشَئُوا عَلَيْهَا إِلَى غَيْرِهَا، لَشَقَّ عَلَيْهِمْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: " يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ، مِنْهُمُ الْعَجُوزُ، وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْغُلامُ، وَالْجَارِيَةُ، وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ «.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْحُرُوفِ اللُّغَاتُ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهَا الأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ، لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْوُجُوهِ أَيْسَرَ مِنْ بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتِّلاوَةِ، وَلأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَارِئَيْنِ» هَكَذَا أُنْزِلَتْ "، وَلَوْ كَانَ الاخْتِلافُ بَيْنَهُمَا فِي حَلالٍ، أَوْ حَرَامٍ، أَوْ وَعْدٍ، أَوْ وَعِيدٍ، أَوْ خَبَرٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَدِّقْهُمَا جَمِيعًا، لِمَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ مِنَ الْخُلْفِ، وَالتَّنَاقُضِ، وَكَلامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلا يَكُونُ هَذَا الاخْتِلافُ دَاخِلا تَحْتَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النِّسَاء: 82] إِذْ لَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَقْرَأَ كُلُّ فَرِيقٍ بِمَا شَاءَ فِيمَا يُوَافِقُ لُغَتَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ، بَلْ كُلُّ هَذِهِ الْحُرُوفِ مَنْصُوصَةٌ، وَكُلُّهَا كَلامُ اللَّهِ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ»، فَجَعَلَ الأَحْرُفَ كُلَّهَا مُنَزَّلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَارِضُ جِبْرِيلَ فِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ بِمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيُحْدِثُ اللَّهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ، وَيَنْسَخُ مَا يَشَاءُ، وَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَرْضَةٍ وَجْهًا مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ بِهِ، وَكَانَ يَجُوزُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَقْرَأَ وَيُقْرِئَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَهِيَ كُلُّهَا مُتَّفِقَةُ الْمَعَانِي، وَإِنِ اخْتَلَفَ بَعْضُ حُرُوفِهَا، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ جِبرِيلَ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ: «اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ»، فَقَالَ لَهُ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ، فَقَالَ: عَلَى حَرْفَيْنِ، حتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ، كَقَوْلِكَ: هَلُمَّ وَتَعَالَ

مَا لَمْ يَخْتِمْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ، وَآيَةَ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ. وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أُبَيُّ، إِنِّي أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ، فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ؟ فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي: قُلْ: عَلَى حَرْفَيْنِ، فَقُلْتُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ؟ فَقَالَ الْمَلَكُ: قُلْ: عَلَى ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ، قُلْتُ: عَلَى ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ مِنْهَا إِلا شَافٍ كَافٍ، إِنْ قُلْتَ: سَمِيعًا عَلِيمًا، عَزِيزًا حَكِيمًا، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ ". وَكَانَ الأَمْرُ عَلَى هَذَا حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعْدَهُ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِالْقِرَاءَاتِ الَّتِي أَقْرَأَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَّنَهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى أَنْ وَقَعَ

الاخْتِلافُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَاشْتَدَّ الأَمْرُ فِيهِ بَيْنَهُمْ حَتَّى أَظْهَرَ بَعْضُهُمْ إِكْفَارَ بَعْضٍ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ، وَخَافُوا الْفُرْقَةَ، فَاسْتَشَارَ عُثْمَانُ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ، فَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الأُمَّةَ بِحُسْنِ اخْتِيَارِ الصَّحَابَةِ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ هُوَ آخِرُ الْعَرَضَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَمَرَ بِكِتْبَتِهِ جَمْعًا بَعْدَ مَا كَانَ مُفَرَّقًا فِي الرِّقَاعِ بِمَشُورَةِ الصَّحَابَةِ حِينَ اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَخَافُوا ذَهَابَ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ بِذَهَابِ حَمَلَتِهِ، فَأَمَرَ بِجَمْعِهِ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، لِيَكُونَ أَصْلا لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ عُثْمَانُ بِنَسْخِهِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَجَمَعَ الْقَوْمَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِتَحْرِيقِ مَا سِوَاهُ، قَطْعًا لِمَوَادِ الْخِلافِ، فَكَانَ مَا يُخَالِفُ الْخَطَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْمَنْسُوخِ وَالْمَرْفُوعِ كَسَائِرِ مَا نُسِخَ وَرُفِعَ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ. وَالْمَكْتُوبُ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلْعِبَادِ، وَهُوَ الإِمَامُ لِلأُمَّةِ، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْدُوَ فِي اللَّفْظِ إِلَى مَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ رَسْمِ الْكِتَابَةِ وَالسَّوَادِ. فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِاللُّغَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَمَا يُوَافِقُ الْخَطَّ وَالْكِتَابَ، فَالْفُسْحَةُ فِيهَا بَاقِيَةٌ، وَالتَّوْسِعَةُ قَائِمَةٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا بِنَقْلِ الْعُدُولِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَا قَرَأَ بِهِ الْقُرَّاءُ الْمَعْرُوفُونَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

رُوِيَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَأَرَادَ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ اتِّبَاعَ مَنْ قَبْلِنَا فِي الْحُرُوفِ وَفِي الْقِرَاءَةِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، لَا يَجُوزُ فِيهَا مُخَالَفَةُ الْمُصْحَفِ الَّذِي هُوَ إِمَامٌ، وَلا مُخَالَفَةُ الْقِرَاءَةِ الَّتِي هِيَ مَشْهُورَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ سَائِغًا فِي اللُّغَةِ، أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى هَذَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ حَرْفًا إِلا بِأَثَرٍ صَحِيحٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِقٍ لِخَطِّ الْمُصْحَفِ أَخَذَهُ لَفْظًا وَتَلْقِينًا. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ» يُرِيدُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْ هَذِهِ الأَحْرُفِ السَّبْعَةِ شَافٍ لِصُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، لاتِّفَاقِهَا فِي الْمَعْنَى، وَكَوْنِهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ وَوَحْيِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44] وَهُوَ كَافٍ فِي الْحُجَّةِ عَلَى صِدْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإِعْجَازِ نَظْمِهِ، وَعَجْزِ الْخَلْقِ عَنِ الإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

باب جمع القرآن

بَابُ جَمْعِ الْقُرْآنِ 1230 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو ثَابِتٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: " بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ لِمَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا، فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي

فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ، وَاجْمَعْهُ، قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ بِأَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا كَلَّفَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ مُرَاجَعَتِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَيَا، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ، وَالرِّقَاعِ، وَاللِّخَافِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} [التَّوْبَة: 128] إِلَى آخِرِهَا مَعَ خُزَيْمَةَ، أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ،

فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، ثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ»، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ، أَيْ: كَثُرَ وَاشْتَدَّ، وَيُنْسَبُ الْمَكْرُوهُ إِلَى الْحَرِّ، وَالْمَحْبُوبُ، إِلَى الْبَرْدِ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا. وَالْعُسُبُ: جَمْعَ عَسِيبٍ وَهُوَ سَعَفُ النَّخْلِ. وَاللِّخَافُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَاحِدَتُهَا لَخْفَةٌ، وَهِيَ حِجَارَةٌ بِيضٌ رِقَاقٌ 1231 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنا خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، قَالَ: " لَمَّا نَسَخْنَا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ

الأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلا مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الْأَحْزَاب: 23] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلا مَعَ خُزَيْمَةَ» لَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ الْقُرْآنِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، لأَنَّ زَيْدًا كَانَ قَدْ سَمِعَهَا، وَعَلِمَ مَوْضِعَهَا مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ بِتَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ نَسِيَهَا، فَلَمَّا سَمِعَ ذَكَرَ، وَتَتَبُّعُهُ الرِّجَالَ فِي جَمْعِهِ كَانَ لِلاسْتِظْهَارِ، لَا لاسْتِحْدَاثِ الْعِلْمِ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ

بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدٌ، وَأَبُو زَيْدٍ. وَقَدْ شَرِكَهُمْ غَيْرُهُمْ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ هَؤُلاءِ أَشَدَّ اشْتِهَارًا. وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ

كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ". وَالْقُرَّاءُ الْمَعْرُفُونَ أَسْنَدُوا قِرَاءَتَهُمْ إِلَى الصَّحَابَةِ، فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، وَنَافِعٌ أَسْنَدَا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَسْنَدَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَأَسَنْدَ عَاصِمٌ إِلَى عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٍ، وَأَسْنَدَ حَمْزَةُ إِلَى عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَهَؤُلاءِ قَرَءُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ مَجْمُوعًا مَحْفُوظًا كُلُّهُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ أَيَّامَ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَلَّفًا هَذَا التَّأْلِيفَ، إِلا سُورَةَ بَرَاءَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الأَنْفَالِ، وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةَ، وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ، وَتُنَزَّلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُهُ، فَقَالَ: ضَعُوا هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتِ الأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا، فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

فَثَبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ عَلَى هَذَا التَّأْلِيفِ، وَالْجَمْعِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَرَكَ جَمْعَهُ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، لأَنَّ النَّسْخَ كَانَ يَرِدُ عَلَى بَعْضِهِ، وَيُرْفَعُ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ مِنْ تِلاوَتِهِ، كَمَا يُنْسَخُ بَعْضُ أَحْكَامِهِ، فَلَوْ جَمَعَهُ، ثُمَّ رُفِعَتْ تِلاوَةُ بَعْضِهِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى الاخْتِلافِ، وَاخْتِلاطِ أَمْرِ الدِّينِ، فَحَفِظَهُ اللَّهُ فِي الْقُلُوبِ إِلَى انْقِضَاءِ زَمَانِ النَّسْخِ، ثُمَّ وَفَّقَ لِجَمْعِهِ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ 1232 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، نَا ابْنُ شِهَابٍ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، حَدَّثَهُ: " أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَّةَ وَأَذَرْبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمانُ إِلَى حَفْصَةَ، أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ

بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهَا بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي

كُلِّ صَحِيفَةٍ، أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحَرَّقَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ زَادُوا فِيهِ، أَوْ نَقَصُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَالَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى جَمْعِهِ مَا جَاءَ بَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مُفَرَّقًا فِي الْعُسُبِ، وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، فَخَافُوا ذَهَابَ بَعْضِهُ بِذَهَابِ حَفَظَتِهِ، فَفَزِعُوا فِيهِ إِلَى خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَوْهُ إِلَى جَمْعِهِ، فَرَأَى فِي ذَلِكَ رَأْيَهُمْ، فَأَمَرَ بِجَمْعِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، بِاتِّفَاقٍ مِنْ جَمِيعِهِمْ، فَكَتَبُوهُ كَمَا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ قَدَّمُوا شَيْئًا أَوْ أَخَّرُوا، أَوْ وَضَعُوا لَهُ تَرْتِيبًا لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَقِّنُ أَصْحَابَهُ، وَيُعَلِّمُهُمْ مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ

عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ الآنَ فِي مَصَاحِفِنَا، بِتَوْقِيفِ جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِعْلامِهِ عِنْدَ نُزُولِ كُلِّ آيَةٍ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تُكْتَبُ عُقَيْبَ آيَةِ كَذَا فِي السُّوَرِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا، رُوِيَ مَعْنَى هَذَا عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ خَتْمَ السُّورَةِ حَتَّى تَنْزِلَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِذَا نَزَلَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، عَلِمَ أَنَّ السُّورَةَ قَدْ خُتِمَتْ. فَثَبَتَ أَنَّ سَعْيَ الصَّحَابَةِ كَانَ فِي جَمْعِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، لَا فِي تَرْتِيبِهِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ فِي مَصَاحِفِنَا، أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ} [الْبَقَرَة: 185]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [الْقدر: 1]

ثُمَّ كَانَ يُنَزِّلُهُ مُفَرَّقًا عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَحُدُوثِ مَا يَشَاءُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُرْءَانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الْإِسْرَاء: 106] فَتَرْتِيبُ النُّزُولِ غَيْرُ تَرْتِيبِ التِّلاوَةِ، وَكَانَ هَذَا الاتِّفَاقُ مِنَ الصَّحَابَةِ سَبَبًا لِبَقَاءِ الْقُرْآنِ فِي الأُمَّةِ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ، وَتَحْقِيقًا لِوَعْدِهِ فِي حِفْظِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحجر: 9]. ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ بَعْدَهُ عَلَى الأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَقْرَأَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى أَنْ وَقَعَ الاخْتِلافُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، وَعَظُمَ الأَمْرُ فِيهِ، وَكَتَبَ النَّاسُ بِذَلِكَ مِنَ الأَمْصَارِ إِلَى عُثْمَانَ، وَنَاشَدُوهُ اللَّهَ تَعَالَى فِي جَمْعِ الْكَلِمَةِ، وَتَدَارُكِ النَّاسِ قَبْلَ تَفَاقُمِ الأَمْرِ، وَقَدِمَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مِنْ غَزْوَةِ أَرْمِينِيَّةَ، فَشَافَهَهُ بِذَلِكَ، فَجَمَعَ عُثْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، وَشَاوَرَهُمْ فِي جَمْعِ الْقُرْآنِ فِي الْمَصَاحِفِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، لِيَزُولَ بِذَلِكَ الْخِلافُ، وَتَتَّفِقَ الْكَلِمَةُ، وَاسْتَصْوَبُوا رَأْيَهُ، وَحَضُّوهُ عَلَيْهِ، وَرَأَوْا أَنَّهُ مِنْ أَحْوَطِ الأُمُورِ لِلْقُرْآنِ، فَحِينَئِذٍ أَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ، أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَالرَّهْطَ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاثَةَ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى الأَمْصَارِ. وَرُوِيَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: لَمَّا كَثُرَ اخْتِلافُ النَّاسِ

فِي الْقُرْآنِ، قَالُوا: قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقِرَاءَةُ أُبَيٍّ، وَقِرَاءَةُ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، قَالَ: فَجَمَعَ عُثْمَانُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَكْتُبَ مَصَاحِفَ عَلَى حَرْفِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، ثُمَّ أَبْعَثُ بِهَا إِلَى الأَمْصَارِ؟ قَالُوا: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ أَعْرَبُ؟ قَالُوا: سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ أَكْتَبُ؟ قَالُوا: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَاتِبُ الْوَحْيِ، قَالَ: فَلْيُمْلِ سَعِيدٌ، وَلْيَكْتُبْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَكَتَبَ مَصَاحِفَ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الأَمْصَارِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُونَ: أَحْسَنَ وَاللَّهِ عُثْمَانُ. وَرُوِيَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ: " اتَّقُوا اللَّهَ أَيّهَا النَّاسُ، إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي عُثْمَانَ، وَقَوْلكُمْ: حَرَّاقُ الْمَصَاحِفِ، فَوَاللَّهِ مَا حَرَّقَهَا إِلا عَلَى مَلإٍ مِنَّا أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا؟ يَلْقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: قِرَاءَتِي خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِكَ، وَقِرَاءَتِي أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِكَ، وَهَذَا شَبِيهٌ بِالْكُفْرِ، فَقُلْنَا: مَا الرَّأْيُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ أَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّكُمْ إِذَا اخْتَلَفْتُمُ الْيَوْمَ كَانَ مَنْ بَعْدَكُمْ أَشَدَّ اخْتِلافًا، فَقُلْنَا: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، فَأَرْسَلَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَسَعِيدِ

بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: لِيَكْتُبْ أَحَدُكُمَا، وَيُمْلِ الآخَرُ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي شَيْءٍ، فَارْفَعَاهُ إِلَيَّ، فَمَا اخْتَلَفْنَا فِي شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قَالَ سَعِيدٌ: {التَّابُوتُ} [الْبَقَرَة: 248]، وَقَالَ زَيْدٌ: 0 التَّابُوهُ 0، فَرَفَعْنَاهُ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: اكْتُبُوهُ {التَّابُوتُ} [الْبَقَرَة: 248]، قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ وَلِيتُ الَّذِي وَلِيَ عُثْمَانُ لَصَنَعْتُ مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ. قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَرْحَمُ اللَّهُ عُثْمَانَ لَوْ لَمْ يَجْمَعِ النَّاسَ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ، لَقَرَأَ النَّاسُ الْقُرْآنَ بِالشِّعْرِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: كَانَتْ قِرَاءَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَاحِدَةً، كَانُوا يَقْرَءُونَ قِرَاءَةَ الْعَامَّةِ، وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، وَكَانَ عَلَى طُولِ أَيَّامِهِ يَقْرَأُ مُصْحَفَ عُثْمَانَ، وَيَتَّخِذُهُ إِمَامًا. وَيُقَالُ: إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ شَهِدَ الْعَرْضَةَ الأَخِيرَةَ الَّتِي عَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِبْرِيلَ، وَهِيَ الَّتِي بَيَّنَ فِيهَا مَا نُسِخَ وَمَا بَقِيَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: قَرَأَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فِي الْعَامِ الَّذِي تَوَفَّاهُ اللَّهُ فِيهِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ قِرَاءَةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، لأَنَّهُ كَتَبَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، وَشَهِدَ الْعَرْضَةَ الأَخِيرَةَ، وَكَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي جَمْعِهِ، وَوَلاهُ عُثْمَانُ كِتْبَةَ الْمَصَاحِفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. قَالَ الْحَسَنُ: اكْتُبْ فِي الْمُصْحَفِ فِي أَوَّلِ الإِمَامِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَاجْعَلْ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ خَطًّا

باب لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

بَابُ لَا يُسَافَرُ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ 1233 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 1234 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصَعْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ». وَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَمْلُ الْمُصْحَفِ إِلَى دَارِ الْكُفْرِ مَكْرُوهٌ، كَمَا جَاءَ فِي كِتَابِ الْحَدِيثِ، وَلَوْ كَتَبَ إِلَيْهِمْ كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَلا بَأْسَ، " كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ {قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمرَان: 64] ".

وَيُكْرَهُ تَنْقِيشُ الْجُدُرِ، وَالْخَشَبِ، وَالثِّيَابِ، بِالْقُرْآنِ وَبِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي تَحْرِيقِ مَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنَ الرَّسَائِلِ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى. وَرَوَى مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، قَالَ: كَانَ أَبِي يُحَرِّقُ الصُّحُفَ إِذَا اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ فِيهَا الرَّسَائِلُ. وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ تَفْضِيضِ الْمَصَاحِفِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا مُصْحَفًا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُمْ فَضَّضُوا الْمَصَاحِفَ عَلَى هَذَا أَوْ نَحْوِهِ. بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الرَّابِع من (شرح السّنة) ويليه الْجُزْء الْخَامِس، وأوله كتاب الدَّعْوَات.

8 - كتاب الدعوات

8 - كِتَابُ الدَّعَوَاتِ بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُمَّتِهِ 1235 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ تُسْتَجَابُ لَهُ، فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّه أَنْ أَدَّخِرَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1236 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصَعْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا، فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ 1237 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي، وَهِيَ نَائِلَةٌ مِنْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ 1238 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالا: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ

باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن لعنه من أمته أن يجعلها له قربة

بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ لَعَنَهُ مِنْ أُمَّتِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ قُرْبَةً 1239 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالُوَيْهِ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَهُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلاةً

وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بَالُوَيْهِ: «اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ»، وَقَالَ الْقَطَّانُ: «فَاجْعَلْهَا صَلاةً». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

باب فضل ذكر الله عز وجل ومجالس الذكر

بَابُ فَضْلِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَجَالِسُ الذِّكْرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [الْبَقَرَة: 152]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الذِّكْرُ طَاعَةُ اللَّهِ، مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ، فَقَدْ ذَكَرَهُ، وَمَنْ لَمْ يُطِعْهُ، فَلَيْسَ بِذَاكِرٍ وَإِنْ أَكْثَرَ التَّسْبِيحَ وَتِلاوَةَ الْكِتَابِ. 1240 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ سَنَةَ أَرْبَعِ مِائَةٍ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ، نَا خَلادُ بْنُ أَسْلَمَ، نَا النَّضْرُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , سَمِعْتُ الأَغَرَّ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ 1241 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الزَّاهِدُ بِنَيْسَابُورَ، أَنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَسَّاسُ، نَا عَفَّانُ، نَا وُهَيْبٌ، نَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلا يَبْتَغُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ يَحُفُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَحُولَ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا

وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ، قَالَ: وَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، وَقَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: لَا يَا رَبِّ، قَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟!. قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ، قَالَ: مِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟!. قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ، فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُونِي، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُونِي، قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا فِيهِمْ فُلانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُ، هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ وُهَيْبٍ بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: " فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ

وَهُوَ أَعْلَمُ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادِكَ فِي الأَرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وَيُهَلِّلُونَكَ، وَيَسْأَلُونَكَ ". وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1242 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ "

1243 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ

1244 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْدَعِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، نَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ أَبُو عَلِيٍّ الضَّرِيرُ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا

فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَأَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟»، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 1245 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، نَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ السَّكُونِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنيِّ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ فَقَالَ: «طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 1246 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو الأَسْوَدِ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمِنَ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ الْكُفَّارَ وَالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ أَوْ يَخْتَضِبَ دَمًا لَكَانَ الذَّاكِرُ لِلَّهِ كَثِيرًا أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ،

نَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَمَانٍ، بِمِصْرَ، نَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ»، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ». قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الْمُفَرِّدُونَ: الَّذِينَ ذَهَبَ الْقَرْنُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَبَقُوا وَهُمْ يَذْكُرُونَ اللَّهَ، قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، فَرد الرَّجُلُ: إِذَا تَفَقَّهَ وَاعْتَزَلَ النَّاسَ وَخَلا بِمُرَاعَاةِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ.

باب التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالنوافل والذكر

بَابُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالنَّوَافِلِ وَالذِّكْرِ 1247 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، نَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أَحْبَبْتُهُ، فَكُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ» سُئِلَ أَبُو عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ، فَقَالَ: كُنْتُ أَسْرَعَ إِلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ مِنْ سَمْعِهِ فِي الاسْتِمَاعِ، وَبَصَرِهِ فِي النَّظَرِ، وَيَدِهِ فِي اللَّمْسِ، وَرِجْلِهِ فِي الْمَشْيِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: هَذِهِ أَمْثَالٌ ضَرَبَهَا، وَالْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، تَوْفِيقُهُ فِي الأَعْمَالِ الَّتِي يُبَاشِرُهَا بِهَذِهِ الأَعْضَاءِ، يَعْنِي: يُيَسِّرُ عَلَيْهِ فِيهَا سَبِيلَ مَا يُحِبُّهُ، وَيَعْصِمُهُ عَنْ مُوَاقَعَةِ مَا يَكْرَهُ: مِنْ إِصْغَاءٍ إِلَى اللَّغْوِ بِسَمْعِهِ، وَنَظَرٍ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ بِبَصَرِهِ، وَبَطْشِ مَا لَا يَحِلُّ بِيَدِهِ، وَسَعْيٍ فِي الْبَاطِلِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: سُرْعَةَ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَالإِنْجَاحَ فِي الطَّلِبَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَسَاعِيَ الإِنْسَانِ إِنَّمَا تَكُونُ بِهَذِهِ الْجَوَارِحِ الأَرْبَعِ. وَقَوْلُهُ: «مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ» فَإِنَّهُ أَيْضًا مَثَلٌ، فَإِنَّ التَّرَدُّدَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا هُوَ صِفَةُ الْمَخْلُوقِينَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْبَدَاءُ عَلَيْهِ فِي الأُمُورِ غَيْرُ سَائِغٍ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُشْرِفُ فِي أَيَّامِ عُمُرِهِ عَلَى الْمَهَالِكِ مَرَّاتٍ ذَاتَ عَدَدٍ: مِنْ آفَةٍ تَنْزِلُ بِهِ، أَوْ دَاءٍ يُصِيبُهُ، فَيَدْعُو اللَّهَ، فَيَشْفِيهِ مِنْهَا، فَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ التَّرَدُّدِ، إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى

مَا رُوِيَ «أَنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ الْبَلاءَ». وَالْوَجْهُ الأَخَرُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَرْدِيدَ الرُّسُلِ، مَعْنَاهُ: مَا رَدَدْتُ رُسُلِي فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرْدِيدِي إِيَّاهُمْ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا رُوِيَ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى، وَإِرْسَالِ مَلَكِ الْمَوْتِ إِلَيْهِ، وَلَطْمِهِ عَيْنَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِي الْوَجْهَيْنِ عَطْفُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَبْدِ، وَلُطْفُهُ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: «يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» يُرِيدُ لِمَا يَلْقَى مِنْ عِيَانِ الْمَوْتِ، وَصُعُوبَتِهِ، وَكَرْبِهِ، لَيْسَ أَنِّي أَكْرَهُ لَهُ الْمَوْتَ، لأَنَّ الْمَوْتَ يُؤَدِّيهِ إِلَى الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ 1249 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ، نَا صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا هِشَامٌ الْكَتَّانِيُّ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ جِبْرِيلَ، عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا، فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَإِنِّي لأَغْضَبُ لأَوْلِيَائِي، كَمَا يَغْضَبُ اللَّيْثُ الْحَرِدُ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا زَالَ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَيَدًا، وَمُؤَيِّدًا، إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَلا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ يَسْأَلُنِي الْبَابَ مِنَ الْعِبَادَةِ، فَأَكُفُّهُ عَلَّهُ أَلا يَدْخُلَهُ عُجْبٌ، فَيُفْسِدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنَ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلا الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يُصلِحُ إِيمَانَهُ إِلا الْفَقْرُ، وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يُصلِحُ إِيمَانَهُ إِلا الصِّحَةُ، وَلَوْ أَسْقَمْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يُصلِحُ إِيمَانَهُ إِلا السَّقَمُ، وَلَوْ أَصْحَحْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، إِنِّي أُدَبِّرُ أَمَرَ عِبَادِي بِعِلْمِي بِقُلُوبِهِمْ، إِنِّي

عَلِيمٌ خَبِيرٌ ". وَأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْمُعَدِّلُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْخُشْنِيُّ، عَنْ صَدَقَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ: «وَإِنِّي لأَغْضَبُ لأَوْلِيَائِي كَمَا يَغْضَبُ اللَّيْثُ الْحَرِدُ» 1250 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي فِي نَفْسِكَ أَذْكُرْكَ فِي نَفْسِي، فَإِنْ ذَكَرْتَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلإٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ، أَوْ قَالَ: فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُ، فَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي شِبْرًا دَنَوْتُ مِنْكَ ذِرَاعًا، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي ذِرَاعًا، دَنَوْتُ مِنْكَ بَاعًا،

وَإِنْ أَتَيْتَنِي تَمْشِي، أَتَيْتُكَ أُهَرْوِلُ ". قَالَ قَتَادَةُ: وَاللَّهُ أَسْرَعُ بِالْمَغْفِرَةِ. صَحِيحٌ 1251 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ

1252 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِذَا تَلَقَّانِي عَبْدِي بِشِبْرٍ تَلَقَّيْتُهُ بِذِرَاعٍ، وَإِذَا تَلَقَّانِي بِذِرَاعٍ تَلَقَّيْتُهُ بِبَاعٍ، وَإِذَا تَلَقَّانِي بِبَاعٍ جِئْتُهُ، أَوْ قَالَ: أَتَيْتُهُ بِأَسْرَعَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1253 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو مُسْلِمٍ غَالِبُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَالِبٍ الرَّازِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ الْكُوفِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَنا ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ الأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ أَتَانِي بِحَسَنَةٍ، فَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا، أَوْ أَزِيدُ، وَمَنْ أَتَانِي بِسَيِّئَةٍ، فَمِثْلُهَا، أَوْ أَعْفُو، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ

بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي مَشْيًا، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ أَتَانِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً بَعْدَ أَنْ لَا يُشْرِكَ بِي شَيْئًا، جَعَلْتُ لَهُ مِثْلَهَا مَغْفِرَةً ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. رُوِيَ عَنِ الأَعْمَشِ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ: تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، يَعْنِي: بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ مَعْنَاهُ: إِذَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ الْعَبْدُ بِطَاعَتِي، وَاتِّبَاعِ أَمْرِي، تَتَسَارَعُ إِلَيْهِ مَغْفِرَتِي وَرَحْمَتِي وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [الْبَقَرَة: 152]، قَالَ: اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أَذْكُرْكُمْ بِمَغْفِرَتِي، قَوْلُهُ: «بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً» أَيْ: بِمَا يُقَارِبُ مِلأَهَا.

باب من جلس مجلسا لم يذكر الله فيه

بَابُ مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ 1254 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ نَبْهَانَ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُمْ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمْ بِهَا».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 1255 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، أَنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً» أَصْلُ التِّرَةِ: النَّقْصُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [مُحَمَّد: 35] أَيْ: لَنْ يَنْقُصَكُمْ، وَمَعْنَاهَا ههُنَا: التَّبِعَةُ، يُقَالُ: وَتَرْتُ الرَّجُلَ تِرَةً عَلَى وَزْنِ وَعَدْتُهُ عِدَةً.

باب أسماء الله سبحانه وتعالى

بَابُ أَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الْأَعْرَاف: 180]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الْإِسْرَاء: 110] وَالاسْمُ: هُوَ الْمُسَمَّى وَذَاتُهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مَرْيَم: 7] أَخْبَرَ أَنَّ اسْمَهُ يَحْيَى، ثُمَّ نَادَى الاسْمَ، فَقَالَ: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مَرْيَم: 12] وَيُقَالُ لِلتَّسْمِيَةِ اسْمٌ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي التَّسْمِيَةِ أَكْثَرُ. وَقِيلَ أَسْمَاءُ اللَّهِ أَوْصَافُهُ، وَأَوْصَافُهُ مَدَائِحُ لَهُ لَا يُمْدَحُ بِهَا غَيْرُهُ. وَاشْتِقَاقُ الاسْمِ قِيلَ: مِنَ الْوَسْمِ، وَالسِّمَةِ، وَهِيَ الْعَلامَةُ، فَالأَسْمَاءُ سِمَاتٌ، وَعَلامَاتٌ لِلْمُسَمَّيَاتِ يُعْرَفُ بِهَا الشَّيْءُ مِنْ غَيْرِهِ.

وَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ عَلَى أَنَّ اشْتِقَاقَهُ مِنَ السُّمُوِّ وَالْعُلُوِّ، فَكَأَنَّهُ عَلا عَلَى مَعْنَاهُ، وَظَهَرَ عَلَيْهِ، وَصَارَ مَعْنَاهُ تَحْتَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ، بِدَلِيلِ أَنَّكَ إِذَا صَغَّرْتَهُ، قُلْتَ: سُمَيٌّ، وَلَوْ كَانَ مِنَ السِّمَةِ، لَكَانَ يُصَغَّرُ عَلَى الوُسَيْمِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْوَعْدِ وَالْعِدَةِ: وُعَيْدٌ، وَتَقُولُ فِي تَصْرِيفِهِ: سَمَّيْتُ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الْوَسْمِ، لَقُلْتَ: وَسَمْتُ، وَإِذَا جَمَعْتَهُ، قُلْتَ: أَسْمَاءٌ، تَرُدُّ إِلَيْهَا لامَ الْفِعْلِ 1256 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلا وَاحِدَةً، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ: «مَنْ أَحْصَاهَا»، قِيلَ: أَرَادَ عَدَّهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: عَرَفَهَا، وَعَقَلَ مَعَانِيهَا، وَآمَنَ بِهَا، يُقَالُ: فُلانٌ ذُو حَصَاةٍ وَأَصَاةٍ: إِذَا كَانَ عَاقِلا مُمَيِّزًا. وَفِي بَعْضٍ الرِّوَايَاتِ: «مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَقَوْلُهُ: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الْجِنّ: 28] أَيْ: عَلِمَ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ. وَقِيلَ: مَنْ أَحْصَاهَا، أَيْ: أَطَاقَهَا، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] أَيْ: تُطِيقُوهُ، يَقُولُ: مَنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ بِحَقِّ هَذِهِ الأَسَامِي، وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهَا، كَأَنَّهُ إِذَا قَالَ: الرَّزَّاقُ، وَثِقَ بِالرِّزْقِ، وَإِذَا قَالَ: الضَّارُّ النَّافِعُ، عَلِمَ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الأَسْمَاءِ.

1257 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الضَّحَّاكُ الطُّوسِيُّ بِهَا، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الأَغَرِّيُّ الطُّوسِيُّ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الدِّمَشْقِيُّ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، هُوَ: اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ، الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، السَّلامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ، الْغَفَّارُ، الْقَهَّارُ، الْوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الْفَتَّاحُ، الْعَلِيمُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الْخَافِضُ، الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَكَمُ، الْعَدْلُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، الْحَلِيمُ، الْعَظِيمُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْعَلِيُّ، الْكَبِيرُ، الْحَفِيظُ، الْمُقِيتُ، الْحَسِيبُ،

الْجَلِيلُ، الْكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، الْمُجِيبُ، الْوَاسِعُ، الْحَكِيمُ، الْوَدُودُ، الْمَجِيدُ، الْبَاعِثُ، الشَّهِيدُ، الْحَقُّ، الْوَكِيلُ، الْقَوِيُّ، الْمَتِينُ، الْوَلِيُّ، الْحَمِيدُ، الْمُحْصِي، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الْوَاجِدُ، الْمَاجِدُ، الْوَاحِدُ، الصَّمَدُ، الْقَادِرُ، الْمُقْتَدِرُ، الْمُقَدِّمُ، الْمُؤَخِّرُ، الأَوَّلُ، الآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْوَالِي، الْمُتَعَالِي، الْبَرُّ، التَّوَّابُ، الْمُنْتَقِمُ، الْعَفُوُّ، الرَّءُوفُ، مَالِكُ الْمُلْكِ، ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ، الْمُقْسِطُ، الْجَامِعُ، الْغَنِيُّ، الْمُغْنِي، الْمَانِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، النُّورُ، الْهَادِي، الْبَدِيعُ، الْبَاقِي، الْوَارِثُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُورُ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ

مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يُعْلَمُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ ذِكْرُ الأَسْمَاءِ إِلا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ هَذِهِ الأَسَامِي مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الأَسَامِي فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَفِي أَحَادِيثِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا أَوْ دِلالَةً. وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَسْمَاءٌ سِوَى هَذِهِ الأَسَامِي أَتَى بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، مِنْهَا: الرَّبُّ، وَالْمَوْلَى، وَالنَّصِيرُ، وَالْفَاطِرُ، وَالْمُحِيطُ، وَالْجَمِيلُ، وَالصَّادِقُ، وَالْقَدِيمُ، وَالْوِتْرُ، وَالْحَنَّانُ، وَالْمَنَّانُ، وَالشَّافِي، وَالْكَفِيلُ، وَذُو الطَّوْلِ، وَذُو الْفَضْلِ، وَذُو الْعَرْشِ، وَذُو الْمَعَارِجِ وَغَيْرُهَا، وَتَخْصِيصُ بَعْضِهِنَّ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهَا أَشْهَرَ الأَسْمَاءِ. وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «مَنْ أَحْصَاهَا» مَعْنَاهُ: أَحْصَى مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى تِسْعًا وَتِسْعِينَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، سَوَاءً أَحْصَى مِمَّا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَوْ مِنْ سَائِرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، أَوِ السُّنَّةُ، ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ

باب ما قيل في الاسم الأعظم

بَابُ مَا قِيلَ فِي الاسْمِ الأَعْظَمِ 1258 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْنَانِيُّ، نَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُخْلِصُ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، نَا نُوحُ بْنُ الْهَيْثَمِ، نَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، نَا حَفْصُ ابْنُ أَخِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا دَعَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى»

1259 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، أَنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ بِالْبَصْرَةِ، نَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ، وَيَدِي فِي يَدِهِ، فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ»، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَإِذَا ذَلِكَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ، قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرَاهُ مُرَائِيًا» ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ مُنِيبٌ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، أَوْ أَبُو مُوسَى أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ

آلِ دَاوُدَ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا أُبَشِّرُهُ، قَالَ: «بَلَى»، فَبَشَّرْتُهُ، فَكَانَ لِي أَخًا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ هَذَا الدُّعَاءَ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ» قَالَ الأَزْهَرِيُّ: الأَحَدِ بُنِيَ لِنَفْيِ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنَ الْعَدَدِ، وَلَفْظُ الْوَاحِدِ بُنِيَ عَلَى انْقِطَاعِ النَّظِيرِ، وَلَفْظُ الْوَحِيدِ بُنِيَ عَلَى الْوِحْدَةِ وَالانْفِرَادِ 1260 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،

عَنْ أَسْمَاءَ هِيَ بِنْتُ يَزِيدَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ اسْمَ اللَّهِ الأَعْظَمَ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الْبَقَرَة: 163] وَ {الم {1} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ {2}} [آل عمرَان: 1 - 2]. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ

باب ثواب التسبيح

بَابُ ثَوَابِ التَّسْبِيحِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الْحجر: 98]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الْإِسْرَاء: 44]. 1262 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشَّيْرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ

كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْكَلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " 1263 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ

التَّاجِرُ، نَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ الأَبِيوَرْدِيُّ، نَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ، وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، أَوْ زَادَ عَلَيْهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ 1264 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، أَنا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ 1265 - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْجُلْفَرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ بِدِمَشْقَ فِي جَامِعِهَا سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَزَّازُ، وَأَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَذْلَمٍ، وَابْنُ رَاشِدٍ، أَنا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، نَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، نَا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ

1266 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ»، قَالُوا: وَكَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ بِهَا أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ بِهَا أَلْفُ خَطِيئَةٍ». وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، نَا مُوسَى الْجُهَنِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. هَذَا

حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ 1267 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ كُرَيْبًا أَبَا رِشْدِينَ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ غَدَاةٍ مِنْ عِنْدِهَا، وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَحَوَّلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمَّاهَا جُوَيْرِيَةَ، وَكَرِهَ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ، فَخَرَجَ وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَجَعَ بَعْدَ مَا تَعَالَى النَّهَارُ، فَقَالَ: «مَا زِلْتِ فِي مَجْلِسِكِ هَذَا مُنْذُ خَرَجْتُ بَعْدُ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: " لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَّ بِكَلِمَاتِكِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَوْلُهُ: «وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» الْمِدَادُ بِمَعْنَى الْمَدَدِ، أَيْ: قَدْرَ مَا يُوَازِيهَا فِي الْكَثْرَةِ وَالْعَدَدِ

باب عقد التسبيح باليد

بَابُ عَقْدِ التَّسْبِيحِ بِالْيَدِ 1268 - حَدَّثَنَا ، أَنا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشَّرِ الْوَاسِطِيُّ، نَا أَبُو الأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، نَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَعْقِدُ لِلتَّسْبِيحِ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَيُرْوَى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهَا خَلْفَ صَلاتِهِ بِيَدِهِ، يَعْنِي التَّسْبِيحَاتِ، وَالتَّحْمِيدَاتِ، وَالتَّكْبِيرَاتِ

باب ثواب التحميد

بَابُ ثَوَابِ التَّحْمِيدِ 1269 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، نَا يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ أَيُّوبَ الْمَخْزُومِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ بَشِيرٍ الْحَرَّانِيُّ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ خِرَاشٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَفْضَلَ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ. 1270 - أَنا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ أَبُو الْحَارِثِ الْوَرَّاقُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ

أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ». 1271 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ، مَا شَكَرَ اللَّهَ عَبْدٌ لَا يَحْمَدُهُ». قَوْلُهُ: «الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ»، قِيلَ: الْحَمْدُ هُوَ الشُّكْرُ. وَقِيلَ: الْحَمْدُ أَعَمُّ، فَإِنَّ الْحَمْدَ يَكُونُ بِمَعْنَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ مِنْ خِصَالِ الْحَمْدِ، كَمَا يَكُونُ عَلَى نِعَمِهِ. يُقَالُ: حَمِدْتُ فُلانًا عَلَى مَا أَسْدَى إِلَيَّ مِنَ

النِّعْمَةِ، وَحَمِدْتُهُ عَلَى عِلْمِهِ وَشَجَاعَتِهِ، وَالشُّكْرُ لَا يَكُونُ إِلا عَلَى النِّعْمَةِ، فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ، إِذْ لَا يُقَالُ: شَكَرْتُهُ عَلَى عِلْمِهِ، فَكُلُّ حَامِدٍ شَاكِرٌ، وَلَيْسَ كُلُّ شَاكِرٍ حَامِدًا. وَقِيلَ: الْحَمْدُ بِاللِّسَانِ قَوْلا. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الْإِسْرَاء: 111]، وَالشُّكْرُ بِالأَرْكَانِ فِعْلا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ: 13]. وَقِيلَ: لِلشُّكْرِ ثَلاثُ مَنَازِلَ: شُكْرُ الْقَلْبِ، وَهُوَ الاعْتِقَادُ بِأَنَّ اللَّهَ وَلِيُّ النِّعَمِ، وَشُكْرُ اللِّسَانِ، وَهُوَ إِظْهَارُ النِّعْمَةِ بِاللِّسَانِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضُّحَى: 11] وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَأْسُهُ، كَمَا أَنَّ كَلِمَةَ الإِخْلاصِ، وَهُوَ قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، رَأْسُ الإِيمَانِ، وَشُكْرُ الْعَمَلِ بِالأَرْكَانِ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ: 13]، وَقِيلَ: الْحَمْدُ: الرِّضَا. وَمَا يُكْتَبُ فِي صَدْرِ الْكُتُبِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ، قِيلَ: مَعْنَاهُ: أَحْمَدُ مَعَكَ. وَقِيلَ: أَشْكُرُ إِلَيْكَ نِعَمَهُ، وَأُحَدِّثُكَ بِهَا. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يُونُس: 10] أَيْ: آخِرُ دُعَائِهِمْ، وَقَدْ تَكُونُ الدَّعْوَى بِمَعْنَى الادِّعَاءِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا} [الْأَعْرَاف: 5]، وَقِيلَ: الدُّعَاءُ: الْغَوْثُ، يُقَالُ: دَعَا إِذَا اسْتَغَاثَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غَافِر: 60]، يَقُولُ: اسْتَغِيثُوا بِي إِذَا نَزَلَ بِكُمْ ضُرٌّ، أَسْتَجِبْ لَكُمْ دُعَاءَكُمْ، أَيْ: غَوْثَكُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} [يُونُس: 10]، قَالَ: كُلَّمَا اشْتَهَى أَهْلُ الْجَنَّةِ شَيْئًا، قَالُوا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ. فَيَجِيئُهُمْ مَا يَشْتَهُونَ، فَإِذَا طَعِمُوا مِمَّا آتَاهُمُ اللَّهُ، قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَذَلِكَ آخِرُ دَعْوَاهُمْ.

باب ثواب التهليل

بَابُ ثَوَابِ التَّهْلِيلِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الْفَتْح: 26]، قَالَ مُجَاهِدٌ: كَلِمَةَ التَّقْوَى: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى} [التَّوْبَة: 40] يَعْنِي الشِّرْكَ {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التَّوْبَة: 40] لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً} [الزخرف: 28] يَعْنِي لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَقَالَ: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [الرّوم: 27] أَيِ: التَّوْحِيدُ، وَالْخَلْقُ، وَالأَمْرُ، وَنَفْيُ كُلِّ إِلَهٍ سِوَاهُ، وَتَرْجَمَ عَنْ هَذَا كُلِّهِ بِقَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. 1272 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشَّيْرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ،

وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. 1273 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو الأَسْوَدِ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ مُوسَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ بِهِ، أَوْ أَدْعُوكَ بِهِ. فَقَالَ: يَا مُوسَى، قُلْ: لَا إِلَهَ

إِلا اللَّهُ. فَقَالَ: يَا رَبِّ، كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هَذَا، إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصُّنِي بِهِ. قَالَ: يَا مُوسَى، لَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي، وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ وُضِعْنَ فِي كِفَّةٍ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ، لَمَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ". 1274 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: " أَيْ عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ". فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ

أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التَّوْبَة: 113] وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْقَصَص: 56]. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. 1275 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ بَعْدَ صَلاةِ الْغَدَاةِ، كُنَّ لَهُ كَعَدْلِ أَرْبَعِ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.

باب ثواب سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر

بَابُ ثَوَابِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ 1276 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، أَنا مَنْصُورٌ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَحَبُّ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ، لَا تُسَمِّ غُلامَكَ يَسَارًا، وَلا رَبَاحًا، وَلا نَجَاحًا، وَلا أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: ثَمَّ هُوَ؟ فَلا يَكُونُ، فَيَقُولُ: لَا ". إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ، فَلا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ.

وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ الْيَوْمَ، فَسَبَّحَ، أَوْ كَبَّرَ، أَوْ هَلَّلَ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ: أَنَّهُ يَحْنَثُ، لأَنَّ الْكُلَّ كَلامٌ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إِلا أَنْ يُرِيدَهُ بِنِيَّتِهِ. 1277 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. 1278 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ،

عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي كَلامًا أَقُولُهُ. قَالَ: " قُلْ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ". قَالَ: هَؤُلاءِ لِرَبِّي فَمَا لِي؟ قَالَ: قُلِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ. 1279 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا الأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ خُزَيْمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهَا، أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى،

وَحَصًى تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: «أَلا أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا وَأَفْضَلُ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. 1280 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،

عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّهَا شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعْفًا بِهَا، فَقَالَ لَهَا: " سَبِّحِي مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَإِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ رَقَبَةٍ تُعْتِقِينَهَا، وَاحْمَدِي مِائَةَ مَرَّةٍ، فَإِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ فَرَسٍ تَحْمِلِينَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَبِّرِي مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ، فَإِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ بَدَنَةٍ تُهْدِينَهَا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَقُولِي: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِائَةَ مَرَّةٍ، فَإِنَّهَا خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَلَنْ يُرْفَعَ يَوْمَئِذٍ لأَحَدٍ عَمَلٌ أَفْضَلُ مِنْهُ إِلا مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا قُلْتِ أَوْ زَادَ ". 1281 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، نَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ أَبِي بَلْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ

سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يُحَدِّثُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا عَلَى الأَرْضِ رَجُلٌ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، إِلا كُفِّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ ". وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عَمْرٍو بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو بَلْجٍ: اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ سُلَيْمٍ. 1282 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ». قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ

اللَّهِ؟ قَالَ: «الْمِلَّةُ». قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «التَّكْبِيرُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ».

باب فضل لا حول ولا قوة إلا بالله

بَابُ فَضْلِ لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ 1283 - أخبرنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ، وَلا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ». وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَنِي، وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ. فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ». قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَلا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ؟»، قُلْتُ: بَلَى

يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي. قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ. قَوْلُهُ: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ»، أَيِ: ارْفُقُوا بِهَا، وَيُقَالُ: ارْبَعْ عَلَى نَفْسِكَ، أَيِ: انْتَظِرْ، وَيُقَالُ: مَعْنَاهُ: أَمْسِكُوا عَنِ الْجَهْرِ، وَقِفُوا عَنْهُ، يُقَالُ: رَبَعَ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ: إِذَا وَقَفَ عَنِ السَّيْرِ وَأَقَامَ. 1284 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى،

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ». قِيلَ: الْحَوْلُ: الْحِيلَةُ، وَقِيلَ: الْحَوْلُ: الْحَرَكَةُ، يَقُولُ: لَا حَرَكَةَ وَلا اسْتِطَاعَةَ إِلا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: الدَّفْعُ وَالْمَنْعُ.

باب الاستغفار

بَابُ الاسْتِغْفَارِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3]. 1285 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ سَبْعِينَ مَرَّةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. 1286 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ

الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 1287 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَوْلُهُ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي»، أَيْ: يُغَطَّى عَلَيْهِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْغَيْنِ، وَهُوَ الْغِطَاءُ وَالْحَائِلُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغَيْمِ: غَيْنٌ. 1288 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ

السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ الأَغَرَّ يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى رَبِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. 1289 - أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ، يَقُولُ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، مِائَةَ مَرَّةٍ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. 1290 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: كَانَ قَاصٌّ بِالْمَدِينَةِ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي. قَالَ: فَقَالَ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ. فَغَفَرَ لَهُ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا آخَرَ، فَقَالَ: أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي. قَالَ: قَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ. فَغَفَرَ لَهُ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ، فَقَالَ: أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي. قَالَ: قَالَ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، كِلاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ. 1291 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ اللَّيْثِ الْمَعْمَرِيُّ، أَنا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ السَّامِيُّ، نَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ رَبِّهِ، أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، فَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ , فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،

وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَجِنَّكُمْ وَإِنْسَكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ , مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ , مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَسْأَلَتَهُ، فَأَعْطَيْتُهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي , إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ فِي الْبَحْرِ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، وَأُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيِّ. 1292 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ السَّدُوسِيُّ، نَا الْمَهْدِيُّ بْنُ الْمَيْمُونِ، نَا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: " قَالَ: ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ، ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ إِنْ تَلْقَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً بَعْدَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ إِنْ تُذْنِبْ حَتَّى يَبْلُغَ ذَنْبُكَ عنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ تَسْتَغْفِرُنِي أَغْفِرْ لَكَ ".

وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الأَحْوَلُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «لَغَفَرْتُ لَكَ ثُمَّ لَا أُبَالِي». قَوْلُهُ: «عَنَانَ السَّمَاءِ»، قِيلَ: هُوَ مَا عَنَّ لَكَ مِنْهَا. وَيُقَالُ: أَرَادَ بِهِ السَّحَابَ، الْوَاحِدَةُ عَنَانَةٌ. وَيُرْوَى: «أَعْنَانَ السَّمَاءِ» أَيْ: نَوَاحِيَهَا. 1293 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو الأَسْوَدِ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ، قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. فَقَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، وَارْتِفَاعِ مَكَانِي، لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ

مَا اسْتَغْفَرُونِي ". 1294 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ

عَبْدِ الرَّزَّاقِ. 1295 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّكُمْ لَا تُذْنِبُونَ، فَتَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لَكُمْ، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، ثُمَّ جَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ، وَلَوْ تُخْطِئُونَ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمُ السَّمَاءَ، ثُمَّ تَتُوبُونَ لَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ».

1296 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاتِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، نَا أَبِي أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ، نَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا الْحَكَمُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ». هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ الْحَكَمُ بْنُ مُصْعَبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. 1297 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ الْعُمَرِيِّ،

عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ، قَالَ: لَقِيتُ مَوْلًى لأَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَسَمِعْتَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نُصَيْرَةَ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ.

باب التوبة

بَابُ التَّوْبَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التَّحْرِيم: 8]، قَالَ مُجَاهِدٌ: " النَّصُوحُ: أَنْ يَتُوبَ مِنَ الذَّنْبِ فَلا يَعُودَ إِلَيْهِ. قِيلَ: تَوْبَةٌ نَصُوحٌ، أَيْ: صَادِقَةٌ. يُقَالُ: نَصَحْتُهُ، أَيْ: صَدَقْتُهُ. وَقِيلَ: نَصُوحٌ، أَيْ: بَالِغَةٌ فِي النُّصْحِ، مَأْخُوذٌ مِنَ النّصْحِ، وَهُوَ الْخِيَاطَةُ، كَأَنَّ الْعِصْيَانَ يُخَرِّقُ، وَالتَّوْبَةُ تُرَقِّعُ. وَالنِّصَاحُ: الْخَيْطُ، وَقِيلَ: نَصُوحًا، أَيْ: خَالِصَةً. يُقَالُ: نَصَحَ الشَّيْءُ: إِذَا خَلَصَ، وَنَصَحَ لَهُ: أَخْلَصَ لَهُ الْقَوْلَ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النُّور: 31] ". وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: " التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، ثُمَّ تَلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [الْبَقَرَة: 222] ".

1298 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدَا اللَّهِ بُسْطَانِ لِمُسِيءِ اللَّيْلِ، لِيَتُوبَ بِالنَّهَارِ، وَلِمُسِيءِ النَّهَارِ، لِيَتُوبَ بِاللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَوْلُهُ: «يَدَا اللَّهِ بُسْطَانِ»، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [الْمَائِدَة: 64]، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ: يَدُ فُلانٍ بُسُطٌ بِضَمَّتَيْنِ: إِذَا كَانَ مِنْفَاقًا مُنْبَسِطَ الْبَاعِ. وَمِثْلُهُ فِي الصِّفَاتِ: رَوْضَةٌ أُنُفٌ، ثُمَّ يُخَفَّفُ، فَيُقَالُ: بُسْطٌ، كَعُنقٍ وَأُذنٍ.

1299 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، نَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ. 1300 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، وَأَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، قَالا: حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ الْحَسَنِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالُوَيْهِ الْمُزَكِّي، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَفْرَحُ

أَحَدُكُمْ بِرَاحِلَتِهِ إِذَا ضَلَّتْ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَهَا؟»، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ إِذَا تَابَ , مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ إِذَا وَجَدَهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. 1301 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَعُودُهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ، أَظُنُّهُ قَالَ: بِدَوِّيَّةٍ

مُهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَزَلَ، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ هَلَكَتْ رَاحِلَتُهُ، فَطَافَ عَلَيْهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ كَانَتْ رَاحِلَتِي، فَأَمُوتُ عَلَيْهِ. فَرَجَعَ فَأَغْفَى، فَاسْتَيْقَظَ، فَإِذَا هُوَ بِهَا عِنْدَهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. الدَّوِّيَّةُ وَالدَّاوِيَّةُ: اسْمٌ لِلْمَفَازَةِ الْمَلْسَاءِ الَّتِي يُسْمَعُ فِيهَا الدَّوِيُّ وَهُوَ الصَّوْتُ. 1302 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْفَارِسِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الأَصْبَهَانِيُّ، بِالرَّيِّ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْعَبْدِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا , نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ،

عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ، حَدِيثٌ عَنْ نَفْسِهِ، وَحَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ مِثْلَ ذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ، فَذَبَّهُ عَنْهُ». 1302 - قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي دَوِّيَّةٍ مُهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَقَامَ يَطْلُبُهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ حَتَّى أَمُوتَ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ جَرِيرٍ،

وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ. 1303 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْفَارِسِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الأَصْبَهَانِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْعَبْدِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، نَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. ح وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ عَمُّهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَتْ رَاحِلَتُهُ بِأَرْضِ فَلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ

الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «لَلَّهُ أَفْرَحُ»، مَعْنَاهُ: أَرْضَى بِالتَّوْبَةِ وَأَقْبَلُ لَهَا، وَالْفَرَحُ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ فِي نُعُوتِ بَنِي آدَمَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ الرِّضَا، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 53] أَيْ: رَاضُونَ، وَكَذَلِكَ فُسِّرَ الضَّحِكُ الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالرِّضَى، وَكَذَلِكَ الاسْتِبْشَارُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمُ: الرِّضَا. وَالْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَهِمُوا مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مَا وَقَعَ التَّرْغِيبُ فِيهِ مِنَ الأَعْمَالِ، وَالإِخْبَارِ عَنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَثْبَتُوا هَذِهِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِتَفْسِيرِهَا، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] 1304 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، ثُمَّ الْهَرَوِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا مَرْوَ، قَالَ: أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ، نَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ مِنْهَا، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَلِكُمُ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. 1305 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ، فَذَكَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ بِالْمَغْرِبِ بَابًا مَسِيرَةُ عَرْضِهِ سَبْعُونَ عَامًا لِلتَّوْبَةِ، لَا يُغْلَقُ مَا لَمْ

تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الْأَنْعَام: 158] ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1306 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا ابْنُ ثَوْبَانَ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ

يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَوْلُهُ: «مَا لَمْ يُغَرْغِرْ»، أَيْ: مَا لَمْ تَبْلُغْ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ، فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ يُتَغَرْغَرُ بِهِ 1307 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ يَعْنِي الْجَزَرِيَّ، عَنْ زِيَادٍ هُوَ ابْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ ابْنِ مَعْقِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ»

وَابْنُ مَعْقِلٍ هُوَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرَّنٍ الْمُزَنِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْوَلِيدِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، مَوْقُوفًا، قَالَ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ، وَالتَّائِبُ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ». وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ».

باب أفضل الاستغفار

بَابُ أَفْضَلِ الاسْتِغْفَارِ 1308 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا الْحُسَيْنُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ الْعَدَوِيُّ، حَدَّثَنِي شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ، أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، قَالَ:

وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ، وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «أَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ» يُرِيدُ عَلَى مَا عَاهَدْتُكَ عَلَيْهِ، وَوَاعَدْتُكَ مِنَ الإِيمَانِ بِكَ، وَإِخْلاصِ الطَّاعَةِ لَكَ، وَقَدْ يَكُونُ

مَعْنَاهُ: إِنِّي مُقِيمٌ عَلَى مَا عَهِدْتَ إِلَيَّ مِنْ أَمْرِكَ، وَمُتَمَسِّكٌ بِهِ، وَمُتَنَجِّزٌ وَعْدَكَ فِي الْمَثُوبَةِ وَالأَجْرِ عَلَيْهِ. وَاشْتِرَاطُ الاسْتِطَاعَةِ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ: الاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ وَالْقُصُورِ عَنْ كُنْهِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَوْلُهُ: «أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ» مَعْنَاهُ: الاعْتِرَافُ بِالنِّعْمَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «أَبُوءُ بِذَنْبِي» مَعْنَاهُ: الإِقْرَارُ بِهِ، وَفِيهِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الأَوَّلِ تَقُولُ الْعَرَبُ: بَاءَ فُلانٌ بِذَنْبِهِ إِذَا احْتَمَلَهُ كُرْهًا لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ، وَأَصْلُ الْبَوَاءِ اللُّزُومُ، مَعْنَاهُ: أُقِرُّ بِهِ وَأُلْزِمُ نَفْسِي، يُقَالُ: أَبَاءَ الإِمَامُ فُلانًا بِفُلانٍ إِذَا أَلْزَمَهُ دَمَهُ وَقَتَلَهُ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ} [الْبَقَرَة: 61] أَيْ: لَزِمَهُمْ وَرَجَعُوا بِهِ 1309 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الطَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ، أَوْ حِينَ يُمْسِي: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي، وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ،

أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ لَيْلَتِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ "

باب ما يقول إذا أخذ مضجعه

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ 1310 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجُوزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الأَيْمَنِ، وَقَالَ: «رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى الثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، لَمْ يَذْكُرْ

بَيْنَهُمَا أَحَدًا، وَفِيهِ عَنْ حَفْصَةَ، وَفِي رِوَايَتِهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ 1311 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينٍ، نَا عَبْدُ الْحَكِيمِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا، وَبِاسْمِكَ أَمُوتُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ»، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، بِرِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ 1312 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِهْرَانَ، نَا الْقَوَارِيرِيُّ،

نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ»، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» 1313 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ، بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى

الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: دَاخِلَةُ الإِزَارِ: طَرْفَهُ الَّذِي يَلِي جَسَدَ الْمُؤْتَزِرِ 1314 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَشْعَرِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ الأَزْدِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، نَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ الْغِفَارِيُّ، نَا أَبُو غَسَّانَ، عَنْ زُهَيْرٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ، ثُمَّ لِيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: بِاسْمِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا، فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَوْلُهُ: «مَا خَلَفَهُ» يُرِيدُ: لَعَلَّ هَامَّةً دَبَّتْ فَصَارَتْ فِيهِ بَعْدَهُ 1315 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، أَنا

مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورًا، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ وَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَا إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ "، قُلْتُ أَسْتَذْكِرُهُنَّ: وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ؟ قَالَ: «لَا وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ قَوْلُهُ: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ» أَيْ: أَرَدْتَ أَنْ تَأْتِيَ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ} [النَّحْل: 98] أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَقْرَأَ.

وَقَوْلُ الْبَرَاءِ: وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وَتَلْقِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ: «وَنَبِيِّكَ» حُجَّةٌ لِمَنْ يَرَى مُتَابَعَةَ اللَّفْظِ فِي الرِّوَايَةِ. 1316 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَهُنَّ ثُمَّ مَاتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ

قَوْلُهُ: «رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ» يُرِيدُ: رَغْبَةً إِلَيْكَ، وَرَهْبَةً مِنْكَ، وَلَكِنْ لَمَّا جَمَعَهُمَا فِي النَّظْمِ، حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخِرِ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي كَلامِ الْعَرَبِ، قَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا ... وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا وَالْعُيُونُ لَا تُزَجَّجُ، إِنَّمَا تُكَحَّلُ، فَلَمَّا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّظْمِ، حَمَلَ أَحَدَهُمَا عَلَى الآخَرِ فِي اللَّفْظِ. 1317 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَأْمُرُ رَجُلا إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ، أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَنْجَا وَلا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي

أَنْزَلْتَ، وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحَ أَصْبَحَ وَقَدْ أَصَابَ خَيْرًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ: «وَإِنْ أَصْبَحَ أَصَابَ خَيْرًا»، وَقَالَ: «وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ». وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: «يَا فُلانُ إِذَا أَوَيْتَ عَلَى فِرَاشِكَ» بِهَذَا، وَقَالَ: «فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا» وَأَرَادَ بِالْفِطْرَةِ: دِينَ الإِسْلامِ، وَقَدْ تَرِدُ الْفِطْرَةُ بِمَعْنَى السُّنَّةِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ»، فَذَكَرَ مِنْهَا: «الاسْتِنْشَاقَ» 1318 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ

بْنُ مُنِيبٍ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدٌ الْعَبَّاسُ بْنُ حَمْزَةَ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا، وَآوَانَا، وَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلا مُئْوِيَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ 1319 - حَدَّثَنَا الْمُطَهِّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ

دَاوُدَ بْنِ صَالِحٍ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: نَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا تَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي، وَآوَانِي، وَأَطْعَمَنِي، وَسَقَانِي، وَمَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ، وَأَعْطَانِي فَأَجْزَلَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَلِكَ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَكَ كُلُّ شَيْءٍ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ» 1320 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ: «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ

مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ، أَوْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ، أَوْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ، أَوْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 1321 - نَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ التَّيْمِيُّ , أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الأَطْرَابُلْسِيُّ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ خَادِمٍ؟ تُسَبِّحِينَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتَحْمَدِينَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، وَعِنْدَ مَنَامِكِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَامٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّلاةَ 1322 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، نَا عَلِيٌّ، أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَجَاءَ، فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: «أَلا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا، فَسَبِّحَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَاحْمَدَا

ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ

باب ما يقول حين يصبح

بَابُ مَا يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ 1323 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، نَا بَقِيَّةُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ زِيَادٍ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ إِنَّا أَصْبَحْنَا نُشْهِدُكَ وَنُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ مِنْ ذَنْبٍ، وَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ ذَنْبٍ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 1324 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا شُعْبَةُ، نَا أَبُو عَقِيلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَابِقَ بْنَ نَاجِيَةَ، عَنْ أَبِي سَلامٍ، قَالَ: كُنَّا فِي مَسْجِدِ حِمْصَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَقَالُوا: هَذَا قَدْ خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَدَاوَلْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ الرِّجَالُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقُولُ إِذَا أَمْسَى وَإِذَا أَصْبَحَ ثَلاثًا: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا،

وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا إِلا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَيُرْوَى هَذَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1325 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ السَّرَّاجُ، نَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَصْبَحَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» وَإِذَا أَمْسَى، قَالَ: «اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَيُرْوَى: «وَإِلَيْكَ النُّشُورُ» 1326 - أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، نَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْفَرْوِيُّ، نَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي مَوْدُودٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ، وَلا فِي السَّمَاءِ ثَلاثًا، لَمْ تَفْجَأْهُ فَاجِئَةٌ حَتَّى يُمْسِيَ، إِذَا قَالَهَا حِينَ يُمْسِي، لَمْ تَفْجَأْهُ فَاجِئَةٌ حَتَّى يُصْبِحَ ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ أَبَانٍ، وَزَادَ: «وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» 1327 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ سَالِمًا الْقَرَّاءُ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَهُ، أَنَّ أُمَّهُ، حَدَّثَتْهُ وَكَانَتْ تَخْدِمُ بَعْضَ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهَا، يَقُولُ: " قُولِي حِينَ تُصْبِحِينَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، فَإِنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُصْبِحُ، حُفِظَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ

قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي، حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ " 1328 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ غَنَّامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ قَالَ حِينَ يُصبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ، أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ،

أَدَّى شُكْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: «وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ» وَابْنُ غَنَّامٍ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامٍ الْبَيَاضِيُّ.

باب ما يقول المتزوج

بَابُ مَا يَقُولُ الْمُتَزَوِّجُ 1329 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، نَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا، وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ»، وَقَالَ: «وَإِذَا ابْتَاعَ أَحَدُكُمُ الْجَارِيَةَ، فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا، وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ، وَإِذَا ابْتَاعَ أَحَدُكُمْ بَعِيرًا، فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا،

فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا، فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ، وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ ". وَيُرْوَى بِهَذَا الإِسْنَادِ: «ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا، وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ»

باب ما يقول عند مواقعة الأهل

بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ مُوَاقَعَةِ الأَهْلِ 1330 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَرِيرٍ

باب ما يقول عند الكرب

بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ أَيُّوبَ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 83]، رُوِيَ أَنَّ أَيُّوبَ، قَالَ فِي مُنَاجَاتِهِ: «أَذْلَقَنِي الْبَلاءُ فَتَكَلَّمْتُ»، أَيْ: جَهَدَنِي. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يُونُسَ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ} [الْأَنْبِيَاء: 87]. 1331 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، نَا هِشَامٌ الدَّسْتُوائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ

الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ " وَالْكَرْبُ: الْغَمُّ 1332 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، أَنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ». الْحَلِيمُ: مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي لَا يَسْتَخِفُّهُ عِصْيَانُ الْعُصَاةِ، وَلا يَسْتَفِزُّهُ الْغَضَبُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِقْدَارًا، فَهُوَ مُنْتَهٍ إِلَيْهِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَهَمَّهُ أَمْرٌ، رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ»، وَإِذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ، قَالَ: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ» وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ

باب ما يقول عند الغضب

بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الْغَضَبِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} [الْأَعْرَاف: 201] قَالَ مُجَاهِدٌ: غَضَبٌ، وَقِيلَ: تَأْوِيلُهُ: مَا طَافَ بِهِ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ. 1333 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، فَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ "، فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!! قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ

باب ما يقول عند صياح الديك

بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ صِيَاحِ الدِّيكِ 1334 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الْحِمَارِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلابِ، وَنَهِيقَ الْحُمُرِ بِاللَّيْلِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لَا تَرَوْنَ»

باب ما يقول عند رؤية الهلال

بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلالِ 1335 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّغْرَتَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ زَنْجُوَيْهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، أَنا الْعَقَدِيُّ هُوَ أَبُو عَامِرٍ، أَنا سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي بِلالُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 1336 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ،

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، نَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ كَبَّرَ ثَلاثًا، وَهَلَّلَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: «هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ» ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: «آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ» ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا، وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا». هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ

باب ما يقول إذا رأى مبتلى

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا رَأَى مُبْتَلًى 1337 - أَخْبَرَنَا أَبُو تُرَابٍ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ يُوسُفَ الْمَرَاغِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَاركُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الآجُرِّيُّ، بِمَكَّةَ، أَنا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ، أَنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَهْرَمَانِ آلِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ رَجُلٍ رَأَى مُبْتَلًى، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ،

وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلا , إِلا لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلاءُ كَائِنًا مَا كَانَ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَهْرَمَانُ آلِ الزُّبَيْرِ، شَيْخٌ بَصْرِيٌّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، تَفَرَّدَ بِأَحَادِيثَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

باب ما يقول إذا دخل السوق

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ السُّوقَ 1338 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الشُّجَاعِيُّ بِنَيْسَابُورَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ النُّعْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْلَى، أَنا عَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ، أَنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، نَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قَالَ فِي سُوقٍ جَامِعٍ يُبَاعُ فِيهِ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: هُوَ قَهْرَمَانُ آلِ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْمَكِّيُّ، أَثْبَتُ مِنْهُ وَأَقْدَمُ 1339 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، أَنا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَنا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، أَنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ حُيَيِّ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي السُّوقِ مُخْلِصًا عِنْدَ غَفْلَةِ النَّاسِ، وَشُغْلِهِمْ بِمَا هُمْ فِيهِ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَلَيَغْفِرَنَّ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْفِرَةً لَمْ تَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» رُوِيَ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ يَدْخُلُ نِصْفَ النَّهَارِ، فَيُكَبِّرُ وَيُسَبِّحُ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: إِنَّهَا سَاعَةُ غَفْلَةٍ.

باب كفارة المجلس

بَابُ كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطّور: 48] قَالَ عَطَاءٌ: مِنْ كُلِّ مَجْلِسٍ تَجْلِسُهُ. 1340 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ البرورنجرذي، نَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّرْسِيُّ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا، فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلا كَانَ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا "

وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ جَالِسًا فِي نَفَرٍ، فَأَرَادُوا الْقِيَامَ، فَقَالَ رَجُلٌ: قُومُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: «قُومُوا بِاسْمِ اللَّهِ». وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةٍ، فَقِيلَ: ارْتَفِعُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَقُولُوا: ارْتَفِعُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّ اسْمَ اللَّهِ عَلا كُلَّ شَيْءٍ، وَلَكِنْ قُولُوا: «ارْتَفِعُوا بِاسْمِ اللَّهِ».

باب ما يقول إذا خرج إلى السفر

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ إِلَى السَّفَرِ 1341 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مُسَافِرًا، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ». وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِيهِ عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ»، وَقَالَ: «بَعْدَ الْكَوْنِ» بِالنُّونِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ

إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَاصِمٍ، وَزَادَ: «وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ» قَوْلُهُ: «وَعْثَاءِ السَّفَرِ» شِدَّتُهُ وَمَشَقَّتُهُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْوَعْثِ، وَهُوَ أَرْضٌ فِيهَا رَمْلٌ تَسُوخُ فِيهَا الأَرْجُلُ، وَيَشُقُّ فِيهَا الْمشي، وَقَوْلُهُ: «وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ» مَعْنَاهُ: أَنْ يَنْقَلِبَ مِنْ سَفَرِهِ كَئِيبًا حَزِينًا، غَيْرَ مَقْضِيِّ الْحَاجَةِ، أَوْ مَنْكُوبًا ذَهَبَ مَالُهُ، أَوْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ فِي سَفَرِهِ، أَوْ يَجِدُ أَهْلَهُ أَصَابَتْهُمْ آفَةٌ، أَوْ مَرَضٌ، أَوْ يَفْقِدُ بَعْضَهُمْ. وَقَوْلُهُ: «وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ» أَيْ: مِنَ التَّفَرُّقِ بَعْدَ الاجْتِمَاعِ، يُقَالُ: كَارَ الْعِمَامَةَ إِذَا لَفَّهَا، وَحَارَهَا، إِذَا نَقَضَهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ تَفْسُدَ أُمُورُنَا بَعْدَ اسْتِقَامَتِهَا، كَنَقْضِ الْعِمَامَةِ، وَيَرْوِي: «بَعْدَ الْكَوْنِ» بِالنُّونِ، يُقَالُ: حَارَ بَعْدَمَا كَانَ، يُرِيدُ: كَانَ عَلَى حَالَةٍ جَمِيلَةٍ فَحَارَ عَنْ ذَلِكَ، أَيْ: رَجَعَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ {14} بَلَى} [الانشقاق: 14 - 15] أَيْ لَنْ يَرْجِعَ، وَقِيلَ: الْحَوْرُ النُّقْصَانُ، وَالْكَوْرُ: الزِّيَادَة.

باب ما يقول إذا ركب الدابة

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ 1342 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ، أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيًّا حِينَ رَكِبَ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ، قَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، فَإِذَا اسْتَوَى، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ {13} وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ {14}} [الزخرف: 13 - 14]، ثُمَّ حَمِدَ ثَلاثًا، وَكَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، ثُمَّ ضَحِكَ "، فَقِيلَ: مَا يُضْحِكُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ، وَقَالَ مِثْلَ مَا قُلْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْنَا: مَا يُضْحِكُكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعَبْدُ، أَوْ قَالَ: عَجِبْتُ لِلْعَبْدِ، إِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ

إِلا أَنْتَ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا هُوَ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 1343 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ، قَالَ: " بِاسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ {13} وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ {14}} [الزخرف: 13 - 14]، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلاثًا، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاثًا، سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، ثُمَّ ضَحِكَ "، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: " إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ، إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، يَعْلَمُ أَنَّ الذُّنُوبَ لَا يَغْفِرُهَا أَحَدٌ غَيْرِي " قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا رَكِبَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ رَدِفَهُ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ لَهُ: تَغَنَّ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ، قَالَ لَهُ: تَمَنَّ 1344 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَلِيًّا الأَزْدِيَّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، عَلَّمَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى السَّفَرِ، «كَبَّرَ ثَلاثًا»، ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ {13} وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ {14}} [الزخرف: 13 - 14] اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى،

وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ لَنَا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ ". وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ» أَيِ: الْحَافِظُ، يُقَالُ: صَحِبَكَ اللَّهُ، أَيْ: حَفِظَكَ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 43] أَيْ: لَا يُجَارُونَ، وَمَنْ صَحِبَهُ اللَّهُ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ،

باب التوديع

بَابُ التَّوْدِيعِ 1345 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التُّسْتَرِيُّ، بِتُسْتَرَ، نَا أَبِي، نَا قَتَادَةُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَتَادَةَ الرُّهَاوِيُّ، حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَمِّهِ هِشَامِ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا عَقَدَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمِي، أَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَوَدَّعْتُهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَعَلَ اللَّهُ التَّقْوَى زَادَكَ، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَوَجَّهَكَ لِلْخَيْرِ حَيْثُمَا تَكُونُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 1346 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْكَرْمَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الْكَرْمَانِيُّ، نَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، نَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَرَادَ رَجُلٌ سَفَرًا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي، قَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ» فَلَمَّا مَضَى، قَالَ: «اللَّهُمَّ ازْوِ لَهُ الأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَدَّعَ رَجُلا أَخَذَ بِيَدِهِ، فَلا يَدَعُهَا حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: «أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَآخِرَ عَمَلِكَ».

وَرَوَاهُ سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: «وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ»، قِيلَ: أَرَادَ بِالأَمَانَةِ مَا يُخَلِّفُ مِنَ الأَهْلِ وَالْمَالِ.

باب ما يقول إذا نزل منزلا

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلا 1347 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى الْحَضْرَمِيِّينَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ نَزَلَ مَنْزِلا، فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ «. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي آخِرِهِ» إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ،

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ، أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَهُ 1348 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ، قَالَ: مَا نِمْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟»، قَالَ: لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ , لَمْ تَضُرَّكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1349 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، نَا بَقِيَّةُ، نَا صَفْوَانُ، عَنْ شُرَيْحٍ وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْوَلِيدِ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ، قَالَ: «يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّكِ، وَشَرِّ مَا فِيكِ، وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ، وَشَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ، وَمِنَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ، وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ، وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ» قَوْلُهُ: «سَاكِنِ الْبَلَدِ» أَرَادَ: الْجِنَّ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الأَرْضِ، وَالْبَلَدُ مِنَ الأَرْضِ: مَا كَانَ مَأْوَى لِلْحَيَوَانِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بِنَاءٌ.

باب التكبير إذا علا شرفا والتسبيح إذا نزل

بَابُ التَّكْبِيرِ إِذَا عَلا شَرَفًا وَالتَّسْبِيحُ إِذَا نَزَلَ 1350 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب ما يقول إذا قفل من السفر

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا قَفَلَ مِنَ السَّفَرِ 1351 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، «يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ»، ثُمَّ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ مَعْنٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

باب الدعاء للكفار بالهداية

بَابُ الدُّعَاءِ لِلْكُفَّارِ بِالْهِدَايَةِ 1352 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ النَّاسُ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَأْتِ بِهِمْ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ

باب الدعاء على الكفار

بَابُ الدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّارِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ» 1353 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، يَقُولُ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنَزِّلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ

أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ». وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ». قَوْلُهُ: أَحُولُ، يَعْنِي: أَحْتَالُ، وَالْحَوْلُ: الْحِيلَةُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: الْمَنْعُ وَالدَّفْعُ، وَقِيلَ: «بِكَ أَحُولُ» أَيْ: أَتَحَرَّكُ، وَالْحَوْلُ: الْحَرَكَةُ، يُقَالُ: حَالَ الشَّخْصُ: إِذَا تَحَرَّكَ، «وَبِكَ أَصُولُ» أَيْ: أَحْمِلُ عَلَى الْعَدُوِّ، وَيُرْوَى: «وَبِكَ أُحَاوِلُ»، أَيْ: أُطَالِبُ.

باب ترك الدعاء على الظالم

بَابُ تَرْكِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ 1354 - حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَهَا تَدْعُو عَلَى سَارِقٍ سَرَقَهَا، قَالَ: «لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ بِدُعَائِكِ عَلَيْهِ» قَوْلُهُ: «لَا تُسَبِّخِي» أَيْ: لَا تُخَفِّفِي، يُقَالُ: اللَّهُمَّ سَبِّخْ عَنِّي الْحُمَّى، أَيْ: خَفِّفْهَا، وَهَذَا كَمَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدِ انْتَصَرَ».

باب الاستعاذة

بَابُ الاسْتِعَاذَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 97] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [النَّاس: 4]: هُوَ الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُ إِلَى الْعَبْدِ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، أَيِ: انْقَبَضَ وَتَأَخَّرَ. 1355 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، نَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ، وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، إِلا أَنَّ الْحَزَنَ يَكُونُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ وَقَعَ، وَالْهَمُّ فِيمَا يُتَوَقَّعُ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ قَوْلُهُ: «وَضَلَعِ الدَّيْنِ» أَيْ: ثِقَلِهِ حَتَّى يَمِيلَ صَاحِبُهُ عَنِ الاسْتِوَاءِ لِثِقَلِهِ، وَالضَّلَعُ: الاعْوِجَاجُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِرَجُلٍ: عَلَيْهِ دُيُونٌ، قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ. . .». فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «وَقَهْرِ الرِّجَالِ»، قَالَ: فَفَعَلْتُ فَأَذْهَبَ اللَّهُ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي. 1356 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ:

سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، وَزَادَ: «وَالْبُخْلِ» 1357 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، نَا وَكِيعٌ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ، وَالْهَرَمِ، وَالْمَغْرَمِ، وَالْمَأْثَمِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ، وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ

قَلْبِي كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَعْضَ الأَلْفَاظِ 1358 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلا مَا قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ

وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَالْهَمِّ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ 1359 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَوْلٍ لَا يُسْمَعُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَؤُلاءِ الأَرْبَعِ».

وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَيْضًا، وَقَالَ: «وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ»، يَعْنِي: لَا يُجَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَلِّي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ: اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَ مَنْ حَمِدَهُ 1360 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي سُمَيٌّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ»، قَالَ سُفْيَانُ: الْحَدِيثُ ثَلاثٌ، زِدْتُ أَنَّا وَاحِدَةً لَا أَدْرِي أَيَّتَهُنَّ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ،

عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قِيلَ فِي جَهْدِ الْبَلاءِ: إِنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي يُمْتَحَنُ بِهَا الإِنْسَانُ حَتَّى يَخْتَارَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَيَتَمَنَّاهُ. وَالشَّمَاتَةُ: فَرَحُ الْعَدُوِّ بِبَلِيَّةٍ تَنْزِلُ بِمَنْ يُعَادِيهِ 1361 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ أَبُو أَحْمَدَ، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا أَبُو مَسْعُودٍ الْجُرَيْرِيُّ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، فَحَادَتْ بِهِ، فَكَادَتْ أَنْ تُلْقِيَهُ، فَقَالَ: «مَنْ يَعْرِفُ هَذِهِ الأَقْبُرَ؟»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمٌ هَلَكُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: «لَوْ أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ عَذَابَ

الْقَبْرِ»، ثُمَّ قَالَ لَنَا: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ»، فَقُلْنَا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»، فَقُلْنَا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، ثُمَّ قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»، فَقُلْنَا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، ثُمَّ قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»، فَقُلْنَا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ 1362 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ،

وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، وَآثَارٍ مَبْلُوغَةٍ، لَا يُعَجِّلُ مِنْهَا شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، وَلا يُؤَخِّرُ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ حِلِّهِ، وَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا لَكِ» 1362 - قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , الْقِرْدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هُمْ مِمَّا مُسِخَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَمْسَخْ قَوْمًا أَوْ يُهْلِكْ قَوْمًا، فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلا وَلا عَاقِبَةً، وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ قَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، وَحَجَّاجٍ ابْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 1363 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،

عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ طَمَعٍ يَهْدِي إِلَى طَبْعٍ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الطَّبْع الدَّنَسُ، وَالْعَيْبُ، وَكُلُّ شَيْنٍ فِي دِينٍ وَدُنْيَا، فَهُوَ طَبْعٌ، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ طَبِعٌ، يُقَالُ: أَصْلُهُ مِنَ الْوَسَخِ وَالدَّنَسِ يُصِيبَانِ السَّيْفَ 1364 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ، كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ

1365 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ، نَا أَبُو قُتَيْبَةَ، نَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ السَّلُولِيِّ، عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ ثَلاثًا، قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنِّي، وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ " 1365 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ ثَلاثًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» 1365 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لَا يُرَدُّ».

وَيُرْوَى هَذَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَنَسٍ، مَوْقُوفًا 1366 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كُنْتُ نَائِمَةً إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَقَدْتُهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَسْتُهُ بِيَدِي، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّهُ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ، وَبِمُعَافَاتِهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ

1366 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، نَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، هَذَا غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَوْلُهُ: وَقَبَ، أَيْ: دَخَلَ، يُرِيدُ الْقَمَرَ إِذَا دَخَلَ مَوْضِعَهُ، وَأَصْلُ الْوَقْبِ: الدُّخُولُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْقَمَرُ غَاسِقًا، لأَنَّهُ إِذَا خَسَفَ، أَوْ أَخَذَ فِي الْغَيْبُوبَةِ، أَظْلَمَ، وَالْغُسُوقُ، الإِظْلامُ 1368 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّحَّاكِيُّ، نَا أَبُو سَعْدٍ

عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الْوَاعِظُ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ , نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَمِنْ تَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَمِنْ فُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَمِنْ جَمِيعِ سُخْطِكَ وَغَضَبِكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ 1369 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّفَّاءُ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، أَنا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ الْعَبْسِيُّ، حَدَّثَنِي بِلالُ بْنُ يَحْيَى هُوَ الْعَبْسِيُّ، أَنَّ شُتَيْرَ بْنَ شَكَلٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ:

يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَلِّمْنِي تَعْوِيذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: " قُلْ: أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَشَرِّ بَصَرِي، وَشَرِّ لِسَانِي، وَشَرِّ قَلْبِي، وَشَرِّ مَنِيِّي " قَالَ: حَتَّى حَفِظْتُهَا، قَالَ سَعْدٌ: وَالْمَنِيُّ: مَاؤُهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ». وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ، وَالْقِلَّةِ، وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ». وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو: «

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ، وَسُوءِ الأَخْلاقِ» 1370 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ». وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ، يَقُولَ الرَّجُلُ: إِنَّهُ كَسْلانُ، أَوْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ: إِنَّكَ كَسْلانُ. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِهِ: «بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ» وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ، وَالْجُنُونِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ».

وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي: «يَا حُصَيْنُ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ» فَلَمَّا أَسْلَمَ، قَالَ: " قُلِ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي ".

باب جامع الدعاء

بَابُ جَامِعِ الدُّعَاءِ 1371 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، أَنا إِسْرَائِيلُ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي بُرْدَةَ , أَحْسَبُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجدِّي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ

1372 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْمَرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو سَعِيدٍ الطَّالْقَانِيُّ، أَنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ حَالِ النَّارِ، أَوْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 1373 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلُّويَةَ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الأَثْرَمِ الْمُقْرِئُ الْبَغْدَادِيُّ، بِالْبَصْرَةِ، نَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَبُو سَعِيدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ 1374 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ الْبَابَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكَادُ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ إِلا دَعَا بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ لأَصْحَابِهِ: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا،

وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَوْلُهُ: «وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا» أَيْ أَبْقِهِ مَعِي حَتَّى أَمُوتَ، قِيلَ: أَرَادَ بِالسَّمْعِ وَعْيَ مَا يُسْمَعُ وَالْعَمَلَ بِهِ، وَبِالْبَصْرِ الاعْتِبَارَ بِمَا يَرَى، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بَقَاءَ السَّمْعِ وَالْبَصْرِ بَعْدَ الْكِبَرِ وَانْحِلالِ الْقُوَى، فَيَكُونُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَارِثَيْ سَائِرِ الْقُوَى، وَالْبَاقِيَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَدَّ الْهَاءَ إِلَى الإِمْتَاعِ، فَلِذَلِكَ وَحَّدَهُ، فَقَالَ: «وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا» 1375 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ الْفَحَّامُ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ طُلَيْقِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو: «

رَبِّ أَعِنِّي وَلا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي، وَلا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي، وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا، لَكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «وَاغْسِلْ حَوْبَتِي»: الْحَوْبَةُ الزَّلَّةُ وَالْخَطِيئَةُ، وَالْحُوبُ: الإِثْمُ، وَكَذَلِكَ الْحَوْبُ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلا اسْتَأْذَنَ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: «أَلَكَ حَوْبَةٌ؟»، يَعْنِي: مَا تَأْثَمُ بِهِ إِذَا ضَيَّعْتَهُ، وَالْخَوْبَةُ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: الْفَقْرُ، يُقَالُ: خَابَ يَخُوبُ خَوْبًا: إِذَا افْتَقَرَ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخَوْبَةِ» وَالسَّخِيمَةُ: الضَّغِينَةُ

1376 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ يُونُسُ صَاحِبُ أَيْلَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ نَسْمَعُ عِنْدَ وَجْهِهِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، فَمَكَثْنَا سَاعَةً، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلا تُهِنَّا وَلا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَارْضَ عَنَّا»، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْنَا عَشْرُ آيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ثُمَّ قَرَأَ: " {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 1] عَشْرَ آيَاتٍ ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَيُونُسُ صَاحِبُ أَيْلَةَ: هُوَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ،

صَاحِبُ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهرِيِّ، وَهَذَا أَصَحُّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَ قَدِيمًا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَفِي رِوَايَةِ أَكْثَرِهِمْ: «وَأَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا وَارْضِنَا وَارْضَ عَنَّا» 1377 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكُرْكَانِيُّ الطُّوسِيُّ، بِهَا، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، نَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي الْقَيْظِ عَامَ الأَوَّلِ: «سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، وَالْيَقِينَ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى».

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 1378 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَّفَرِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الشُّجَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ النُّعْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ، أَنا أَبُو زُرْعَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الرَّازِيُّ، نَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى هُوَ ابْنُ إِيَاسِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا نَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 1379 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا

عَمْرٌو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مِحْصَنٍ الْفِهْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ دَعَا رَبَّهُ فَعَرَفَ الاسْتِجَابَةَ، فَلْيقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِعِزَّتِهِ وَجَلالِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَمَنْ أَبْطَأَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ". وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مِحْصَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْفِهْرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1380 - أَخْبَرَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغْدَادِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»، وَإِذَا رَأَى مَا يَسُرُّهُ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ»

1381 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، نَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 1382 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَجَّاجِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُشْكَانَ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ،

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ». قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَدْعُو بِهَذَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ 1383 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكُرْكَانِيُّ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُوسُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ السِّمْسَارُ، نَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ الرَّازِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا قَدْ صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللَّهَ بِشَيْءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ»، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تَسْتَطِيعُهُ، أَوْ لَا تُطِيقُهُ،

هَلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ". أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلا قَدْ صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ الْمَنْتُوفِ. . . وَذَكَرَ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ يَحْيَى الْحَسَّانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ قَوْلُهُ: «فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً» أَيْ: نِعْمَةً، كَقَوْلِهِ: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ} [التَّوْبَة: 50] أَيْ: نِعْمَةٌ، وَقِيلَ: حُظُوظًا حَسَنَةً.

باب الترغيب في الدعاء

بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الدُّعَاءِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [الْبَقَرَة: 186]. 1384 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ يُسَيْعٍ الْكِنْدِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ثُمَّ قَرَأَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي

سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غَافِر: 60]. هَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ ذَرٍّ وَقَدْ يَجِيءُ الدُّعَاءُ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} [الْكَهْف: 14] أَيْ: لَنْ نَعْبُدَ 1385 - حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبَّاسُ، فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِبَلْخَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْمُسْتَمْلِي، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الْمُعَلَّى، نَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، إِذَا رَفَعَ الْعَبْدُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ يَسْتَحْيِي أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا حَتَّى يَضَعَ فِيهِمَا خَيْرًا».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَوْلُهُ: «صِفْرًا» أَيْ: خَالِيًا، يُقَالُ: بَيْتٌ صِفْرٌ عَنِ الْمَتَاعِ، أَيْ: خَالٍ 1386 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الْعَبْدُ إِلَيْهِ يَدَهُ أَنْ يَرُدَّهَا صِفْرًا حَتَّى يَجْعَلَ فِيهَا خَيْرًا» 1387 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا ابْنُ ثَوْبَانَ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، حَدَّثَهُمْ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِدَعْوَةٍ إِلا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ

بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 1388 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْمُنْذِرِيُّ، نَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ

الْقَاضِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ وَهُوَ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الدُّعَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 1389 - أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الدَّرنيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْقُرَشِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلاءِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ بُدَيْلٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا أَبُو الْمَلِيحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَذْكُرُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَضِبَ عَلَيْهِ»

باب ترك الاستعجال

بَابُ تَرْكِ الاسْتِعْجَالِ 1390 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَسْتَجِيبُ اللَّهُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، أَوْ يَسْتَعْجِلْ»، قَالُوا: وَمَا الاسْتِعْجَالُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ، قَدْ دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ، قَدْ دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ، فَلا أَرَاكَ تَسْتَجِيبُ لِي، فَيَنْحَسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَدَعُ الدُّعَاءَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ

ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ: «فَيَنْحَسِرُ»، وَيُرْوَى: «فَيَسْتَحْسِرُ» أَيْ: يَمَلُّ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 19] أَيْ: لَا يَنْقَطِعُونَ عَنِ الْعِبَادَةِ. وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الْملك: 4] أَيْ: كَلِيلٌ مُنْقَطِعٌ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ يُكْثِرْ قَرْعَ الْبَابِ يُوشِكْ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ، وَمَنْ يُكْثِرِ الدُّعَاءَ يُوشِكْ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ.

باب من دعا فليعزم

بَابُ مَنْ دَعَا فَلْيَعْزِمْ 1391 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، أَوِ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ أَوِ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَا مُكْرِهَ لَهُ " 1392 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ

سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا مُكْرِهَ لَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1393 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ، فَلا يَقُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ

لِيَعْزِمْ، وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ

باب من تستجاب دعوته

بَابُ مَنْ تُسْتَجَابُ دَعْوَتُهُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النَّمْل: 62]. 1394 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْفَامِيُّ، نَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَنَالَ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو عُثْمَانَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا شَيْبَانُ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَهُنَّ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: أَبُو جَعْفَرٍ، الَّذِي رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنُ، لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ غَيْرَ حَدِيثٍ 1395 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا سَعْدَانُ الْقُمِّيُّ، عَنْ أَبِي مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مُدِلَّةَ مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ثَلاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: «وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَسَعْدَانُ الْقُمِّيُّ، هُوَ سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ، رَوَى عَنْهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَبُو مُجَاهِدٍ: هُوَ سَعْدٌ الطَّائِيُّ. وَأَبُو مُدِلَّةَ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا نَعْرِفُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَيُرْوَى عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا 1396 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدارابرجرذي، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيَرْفَعُ الْعَبْدَ الدَّرَجَةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ الدَّرَجَةُ؟ يَقُولُ: بِدُعَاءِ وَلَدِكَ لَكَ " 1397 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، نَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أَنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،

عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ، قَالَ: أَتَيْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَلَمْ أَلْقَهُ، فَلَقِيتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ: تُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَادْعُ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، يَقُولُ: " دُعَاءُ الْمُسْلِمِ مُسْتَجَابٌ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، مَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ إِلا قَالَ لَهُ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلِهِ ". قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ، فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ دَعْوَةٍ أَسْرَعَ إِجَابَةً مِنْ دَعْوَةِ غَائِبٍ لِغَائِبٍ».

وَرُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ لِي، وَقَالَ: «يَا أَخِي أَشْرِكْنَا فِي دُعَائِكَ وَلا تَنْسَنَا»، فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا، فَدَعَا لَهُ، بَدَأَ بِنَفْسِهِ.

باب أدب الدعاء ورفع اليدين فيه

بَابُ أَدَبِ الدُّعَاءِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِيهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ»، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ». 1398 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسَ، وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ , فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَقْرِئِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلامَ. وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. فَمَكَثَ يَسِيرًا،

ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرَمَّلٍ، وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رمالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. فَدَعَا بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ أَبِي عَامِرٍ». وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ». ، فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ. فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلا كَرِيمًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ

مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ 1399 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا

أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَجِيدٍ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ نُجْدَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، نَا أَبِي، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوا بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلا تَسْأَلُوا بِظُهُورِهَا، وَإِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ، فَفَرَغَ مِنْ دُعَائِهِ، فَلْيَمْسَحْ بِيَدَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ». ضَعِيفٌ. صَالِحُ بْنُ حَسَّانٍ الْمَدَنِيُّ الأَنْصَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ.

1400 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ، حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ البرونجردي، نَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ، نَا خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ، نَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، لَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا، فَإِذَا فَرَغْتُمْ فَامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ». وَرُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُرِيدُ الدُّعَاءَ أَنْ يَبْدَأَ بِحَمْدِ اللَّهِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَسْأَلَ حَاجَتَهُ. 1401 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا

أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي , وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ، بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رُوِيَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ». وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَلْيَبْدَأْ بِالْمِدْحَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ يَصُلي عَلَى

النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَسْأَلْ بَعْدُ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُنْجِحَ. 1402 - وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللَّؤْلؤي، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَمَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا الْفِرْيَانِيُّ، عَنْ صُبَيْحِ بْنِ مُحْرِزٍ الْحِمْصِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْبِحٍ الْمقرائي، قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ، وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَيُحَدِّثُ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ، فَإِذَا دَعَا الرَّجُلُ مِنَّا بِدُعَاءٍ، قَالَ: اخْتِمْهُ بِآمِينَ، فَإِنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ. قَالَ أَبُو زُهَيْرٍ: أُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ. خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْجَبَ إِنْ خَتَمَ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: بِأَيِّ شَيْءٍ يَخْتِمُ؟ قَالَ: «بِآمِينَ، فَإِنَّهُ إِنْ خَتَمَ بِآمِينَ، فَقَدْ أَوْجَبَ».

فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى الرَّجُلَ، فَقَالَ لَهُ: اخْتِمْ يَا فُلانُ بِآمِينَ وَأَبْشِرْ. وَهَذَا لَفْظُ مَحْمُودٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَالْمُقْرَاءُ: قَبِيلٌ مِنْ حِمْيَرَ

باب

بَابُ 1403 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُكْثِرْ، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا فِيمَنْ يَتَمَنَّى شَيْئًا مُبَاحًا مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، فَلْيَكُنْ فَزَعَهُ فِيهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَسْأَلَتُهُ مِنْهُ، وَإِنْ عَظُمَتْ أُمْنِيَتُهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النِّسَاء: 32] وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنْ يَتَمَنَّى الرَّجُلُ مَالَ غَيْرِهِ، أَوْ نِعْمَةً خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا حَسَدًا، أَوْ بَغْيًا، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النِّسَاء: 32].

9 - كتاب الجنائز

9 - كِتَابُ الْجَنَائِزِ يُقَالُ: الْجِنَازَةُ بِالْكَسْرِ: السَّرِيرُ، وَبِالْفَتْحِ: الْمَيِّتُ. بَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَثَوَابِهِ 1404 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

1405 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ». قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ. 1406 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، قَالَ: " نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبْعٍ:

نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ، وَعَنِ الْحَرِيرِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَالْقَسِّيِّ، وَآنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَأَمَرَنَا بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلامِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذِهِ الْمَأْمُورَاتُ كُلُّهَا مِنْ حَقِّ الإِسْلامِ، يَسْتَوِي فِيهَا جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ يَخُصُّ الْبَرَّ بِالْبَشَاشَةِ، وَالْمُسَاءَلَةِ،

وَالْمُصَافَحَةِ، وَلا يَفْعَلُهَا فِي حَقِّ الْفَاجِرِ الْمُظْهِرِ لِلْفُجُورِ، وَلَوْ تَرَكَ الإِجَابَةَ إِذَا دُعِيَ لِحَقِّ الدِّينِ كَانَ أَوْلَى. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذِهِ الْخِصَالُ السَّبْعُ مُخْتَلِفَةُ الْمَرَاتِبِ فِي حُكْمِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَفِي حُكْمِ الْوُجُوبِ، فَتَحْرِيمُ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ لِبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ خَاصَّةً لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَتَحْرِيمُ آنِيَةِ الْفِضَّةِ عَامٌّ فِي حَقِّ الْكُلِّ، لأَنَّهُ مِنْ بَابِ السَّرَفِ وَالْمَخِيلَةِ. وَأَمَّا السَّبْعُ الْمَأْمُورُ بِهَا، فَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْكِفَايَةِ، إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنِ الْبَاقِينَ، وَكَذَلِكَ رَدُّ السَّلامِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، إِذَا سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فَرَدَّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، كَفَى، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ. وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فِي حَقِّ مَنْ يَحْمَدُ اللَّهَ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلا يُشَمَّتْ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ فَضِيلَةٌ رُغِّبَ فِيهَا لِلثَّوَابِ وَالأَجْرِ، إِلا أَنْ يَكُونَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ، فَيَجِبُ تَعَهُّدُهُ. وَإِجَابَةُ الدَّاعِي حَقٌّ فِي دَعْوَةِ الإِمْلاكِ خَاصَّةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ

فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَنَاكِيرِ، فَإِنْ كَانَ، فَلا يَشْهَدُ حَتَّى يُنَحَّى، وَإِبْرَارُ الْمُقْسِمِ، فَإِنَّهُ خَاصٌّ فِي أَمْرٍ يَحِلُّ، وَيُمْكِنُ، وَيَتَيَسَّرُ، أَلا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَبِي بَكْرٍ فِي عِبَارَةِ الرُّؤْيَا: «أَصَبْتَ بَعْضًا، وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا». فَقَالَ: أَقْسَمْتُ لَتُحَدِّثَنِي مَا الَّذِي أَخْطَأْتُ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْسِمْ». وَلَمْ يُخْبِرْهُ. وَنَصْرُ الْمَظْلُومِ وَاجِبٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ

بِالْقَوْلِ، وَيَكُونُ بِالْفِعْلِ، وَيَكُونُ بِكَفِّهِ عَنِ الظُّلْمِ. هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ فِي كِتَابِهِ. . 1407 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ». قَالَ سُفْيَانُ: وَالْعَانِي: الأَسِيرُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَفَسَّرَ سُفْيَانُ «الْعَانِيَ» بِالأَسِيرِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ»، أَيْ كَالأُسَارَى، وَكُلُّ مَنْ

ذَلَّ وَاسْتَكَانَ، فَقَدْ عَنَا يَعْنُو، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] أَيْ: خَضَعَتْ وَذَلَّتْ، يُقَالُ: أُخِذَتِ الْبِلادُ عَنْوَةً، أَيْ بِخُضُوعٍ مِنْ أَهْلِهَا. 1408 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، سَمِعْتُ أَبَا قِلابَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كَانَ فِي خِرَافِ الْجَنَّةِ، أَوْ مَخْرَفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ. قَوْلُهُ: فِي خِرَافِ الْجَنَّةِ، وَيُرْوَى «فِي مَخَارِفِ الْجَنَّةِ» وَهِيَ جَمْعُ مَخْرَفٍ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: وَهُوَ جَنَى النَّخْلِ، سُمِّيَ بِهِ، لأَنَّهُ يُخْتَرَفُ، أَيْ: يُجْتَنَى. وَالْمَخْرَفُ أَيْضًا: النَّخْلَةُ الَّتِي يُخْتَرَفُ مِنْهَا. وَالْمِخْرَفُ، بِالْكَسْرِ: الْمِكْتَلُ الَّذِي يُخْتَرَفُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: يُرِيدُ فِي اجْتِنَاءِ ثَمَرِ الْجَنَّةِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: خَرَفْتُ النَّخْلَةَ أَخْرُفُهَا، فَشَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحُوزُهُ عَائِدُ الْمَرِيضِ مِنَ الثَّوَابِ بِمَا يَحُوزُ الْمُخْتَرِفُ مِنَ الثِّمَارِ. وَالْمَخْرَفَةُ: الطَّرِيقُ أَيْضًا. 1409 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، يَعْنِي الأَحْوَلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «جَنَاهَا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ أَبُو قِلابَةَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، فَهُوَ أَصَحُّ، وَأَحَادِيثُ أَبِي قِلابَةَ، إِنَّمَا هِيَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، إِلا هَذَا الْحَدِيثَ. وَالْجَنَى: مَا يُجْتَنَى مِنَ الثَّمَرِ وَالرُّطَبِ وَغَيْرِهَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرَّحْمَن: 54]. وَالْخُرْفَةُ: مَا يُخْتَرَفُ مِنَ النَّخِيلِ حِينَ يُدْرِكُ. 1410 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، نَا ثُوَيْرٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي، فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَا عِنْدَهُ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، قَالَ، يَعْنِي عَلِيًّا، لأَبِي مُوسَى: عَائِدًا جِئْتَ، أَمْ زَائِرًا؟ فَقَالَ: عَائِدًا. فَقَالَ عَلِيٌّ: فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلا يَعُودُهُ مَسَاءً إِلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ

أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَوْلُهُ: كَانَ فِي خِرَافِ الْجَنَّةِ، أَرَادَ بِهِ: أَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الْجَنَّةَ وَمَخَارِفَهَا كَمَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ، عَنْ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، مِنْهُمْ مَنْ وَقَفَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟! قَالَ: إِنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ".

باب المريض إذا قال: إني وجع أو وارأساه

بَابُ الْمَرِيضِ إِذَا قَالَ: إِنِّي وَجِعٌ أَوْ وَارَأْسَاهُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ أَيُّوبَ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 83]

1411 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبوْ زَكَرِيَّا، أَنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَارَأْسَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ، فَأَسْتَغْفِر لَكِ، وَأَدعو لَكِ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلَيَاهُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ، أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ، وَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ. ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ». قَالَ لَيْثٌ: حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ فِي مَرَضِهِ: إِنَّ طَاوُسًا كَانَ يَكْرَهُ الأَنِينَ، فَمَا سُمِعَ طَلْحَةُ يَئِنُّ حَتَّى مَاتَ

باب ما يقول العائد للمريض من قول الخير، والدعاء، والرقية

بَابُ مَا يَقُولُ الْعَائِدُ لِلْمَرِيضِ مِنْ قَوْلِ الْخَيْرِ، وَالدُّعَاءُ، وَالرُّقْيَةُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَفَرًا مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ، فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ، فَبَرَأَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ».

1412 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ، قَالَ: «لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». فَقَالَ لَهُ: «لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». قَالَ: قُلْتُ: طَهُورٌ؟! كَلا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، أَوْ تَثُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَعَمْ إِذًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

1413 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ، قَالَ: «أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شَافِيَ إِلا أَنْتَ، اشْفِ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَاهُ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ. 1414 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ فِي الْمَرِيضِ: «بِسْمِ

اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ. وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى الإِنْسَانُ الشَّيْءَ مِنْهُ، أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا، وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا: «بِسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا». 1415 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ النَّفْثِ فِي الرُّقَى. وَرُوِيَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: اشْتَكَيْتُ، فَحُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَاتَ يَرْقِينِي بِالْقُرْآنِ، وَيَنْفُثُ عَلَيَّ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: ارْقِ بالمعوذتين مِنْ غَيْرِ نَفْثٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: النَّفْثُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَعَلَّ مَنْ كَرِهَ

إِنَّمَا كَرِهَ التَّفْلَ وَالْبَزْقَ. رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ التَّفْلَ فِي الرُّقَى، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ الأَسْوَدُ إِذَا رَقَى نَفَخَ وَلَمْ يَتْفُلْ. 1416 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمِيَّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عُثْمَانُ: وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي. قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " امْسَحْ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَقُلْ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ ". قَالَ: «فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي، فَلَمْ أزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأْلَمُ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ ثَلاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ". 1417 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: «أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ». وَيَقُولُ: «

هَكَذَا كَانَ أَبِي إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ ابْنَيْهِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْهَامَّةُ: إِحْدَى الْهَوَامِّ ذَوَاتِ السُّمُومِ، كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِمَا. «وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ»، أَيْ: ذَاتِ لَمَمٍ، وَهُوَ كُلُّ مَا يُلِمُّ بِالإِنْسَانِ مِنْ خَبَلٍ وَجُنُونٍ وَنَحْوِهِمَا. وَيُقَالُ: الْهَوَامُّ: الْحَيَّاتُ، وَكُلُّ ذِي سُمٍّ يَقْتُلُ، فَأَمَّا مَا لَا يَقْتُلُ وَيَسُمُّ، فَهِيَ السَّوَامُّ، مِثْلُ الْعَقْرَبِ، وَالزُّنْبُورِ، وَمِنْهَا الْقَوَامُّ مِثْلُ الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْيَرَابِيعِ وَالْفَأْرِ، وَقَدْ تَقَعُ «الْهَامَّةُ» عَلَى مَا يَدِبُّ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ». أَرَادَ بِهَا الْقَمْلَ 1418 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ يَحِيدَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْبَغَوِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّامِيُّ الْهَرَوِيُّ، نَا

إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ الأَشْهَلِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا مِنَ الأَوْجَاعِ كُلِّهَا، أَنْ نَقُولَ: «بِسْمِ اللَّهِ الْكَبِيرِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ شَرِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ، وَمِنَ شَرِّ حَرِّ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، وَهُوَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: عِرْقٍ نَعَّارٍ، يُقَالُ: نَعَرَ الْعِرْقُ بِالدَّمِ: إِذَا ارْتَفَعَ دَمُهُ. يُقَالُ: مَا كَانَتْ فِتْنَةٌ إِلا نَعَرَ فِيهَا فُلانٌ، أَيْ: نَهَضَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ ".

1419 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُعَاذُ بْنُ خَالِدٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا، فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلا شُفِيَ، إِلا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَضَرَ أَجَلُهُ ".

باب كفارة المريض وما يصيب المؤمن من الأذى

بَابُ كَفَّارَةِ الْمَرِيضِ وَمَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الأَذَى قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} [الْبَقَرَة: 214]، قِيلَ: الْبَأْسَاءُ: فِي الأَمْوَالِ، وَهُوَ الْفَقْرُ. وَالضَّرَّاءُ: فِي الأَنْفُسِ، وَهُوَ الْقَتْلُ. وَالْبُؤْسُ: الْفَقْرُ. 1420 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: يُصِبْ مِنْهُ، أَيْ: يَبْتَلِيهِ بِالْمَصَائِبِ.

1421 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، نَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ، وَلا حَزَنٍ، وَلا أَذًى، وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ

أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ. 1422 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَرَضٍ، أَوْ وَجَعٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ إِلا كَانَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، أَوِ النَّكْبَةُ يُنْكَبُهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، كُلٌّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. 1423 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ

بْنُ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ، نَا الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بُهْلُولٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، نَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، نَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَصِيرُ أَبُو بَكْرٍ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ»، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ

1424 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِهَا لَمَمٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَنِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكِ، وَإِنْ شِئْتِ فَاصْبِرِي وَلا حِسَابَ عَلَيْكِ» , قَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ وَلا حِسَابَ عَلَيَّ 1425 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، نَا عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِمَلائِكَتِهِ: انْطَلِقُوا إِلَى عَبْدِي، فَصُبُّوا عَلَيْهِ الْبَلاءَ صَبًّا، قَالَ: فَيَأْتُونَهُ، فَيَصُبُّونَ عَلَيْهِ الْبَلاءَ صَبًّا، فَيَحْمَدُ اللَّهَ، فَيَرْجِعُونَ، فَيَقُولُونَ: يَا رَبُّ إِنَّا صَبَبْنَا عَلَيْهِ الْبَلاءَ

صَبًّا كَمَا أَمَرْتَنَا، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ " 1425 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ الْعَبْدَ يُؤْتَى مَالا وَوَلدًا وَصِحَّةً، قَالَ: فَشَكَاهُ الْمَلائِكَةُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: مُدُّوا لَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، فَإِنِّي مَا أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ " 1425 - وَبِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا مَرِضَ أَوْحَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى مَلائِكَتِهِ، فَيَقُولُ: يَا مَلائِكَتِي إِنِّي قَيَّدْتُ عَبْدِي بِقَيْدٍ مِنْ قُيُودِي، فَإِنْ أَقْبِضْهُ أَغْفِرْ لَهُ، وَإِنْ أُعَافِهِ فَجَسَدٌ مَغْفُورٌ لَا ذَنْبَ لَهُ "

باب ثواب ذهاب البصر

بَابُ ثَوَابِ ذَهَابِ الْبَصَرِ 1426 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا أَبِي، وَشُعَيْبٌ، قَالا: نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَمْرٍو هُوَ مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ، ثُمَّ صَبَرَ عَوَّضْتُهُ الْجَنَّةَ» يُرِيدُ عَيْنَيْهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ

باب المريض يكتب له مثل عمله

بَابُ الْمَرِيضِ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ عَمَلِهِ 1427 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا الْخَضِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا هُشَيْمٌ، أَنا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّكْسَكِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلا مَرَّتَيْنِ يَقُولُ: " مَنْ كَانَ يَعْمَلُ عَمَلا مِنْ خَيْرٍ، فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ، أَوْ قَالَ: سَفَرٌ، أَوْ سَقَمٌ، كُتِبَ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَطَرِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ

1428 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، أَنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ مِنْ عَمَلِ يَوْمٍ إِلا يُخْتَمُ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَرِضَ الْمُؤْمِنُ، قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: يَا رَبُّ عَبْدُكَ فُلانٌ قَدْ حَبَسْتَهُ، فَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: اكْتُبُوا لَهُ عَلَى مِثْلِ عَمَلِهِ حَتَّى يَبْرَأَ، أَوْ يَمُوتَ " 1429 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ مِنَ الْعِبَادَةِ، ثُمَّ مَرِضَ

قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ: اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ إِذْ كَانَ طَلِيقًا حَتَّى أُطْلِقَهُ أَوْ أَكْفِتَهُ إِلَيَّ " قَوْلُهُ: «أَوْ أَكْفِتَهُ إِلَيَّ» أَيْ: أَضُمَّهُ إِلَى قَبْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: 25] أَيْ: ذَوَاتِ كَفْتٍ، أَيْ: ضَمٍّ وَجَمْعٍ يَضُمُّهُمْ أَحْيَاءً عَلَى ظُهُورِهَا، وَأَمْوَاتًا فِي بُطُونِهَا. 1430 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، أَنا أَبُو رَبِيعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُ بِبَلاءٍ فِي جَسَدِهِ، قَالَ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، فَإِنْ شَفَاهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ ". أَبُو رَبِيعَةَ: سِنَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بَصْرِيٌ، رَوَى عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ

باب شدة المرض

بَابُ شِدَّةِ الْمَرَضِ 1431 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ بِالْكُوفَةِ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، بِالْمَوْصِلِ، نَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ»، قَالَ: فَقُلْتُ: ذَاكَ لأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ»، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلا حَطَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ

مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ جَرِيرٍ 1432 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُوعَكُ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ: «إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ»، قَالَ: قُلْتُ: ذَلِكَ بِأَنَّ لَكَ الأَجْرَ مَرَّتَيْنِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلا حُطَّ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 1433 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ المَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قَبِيصَةُ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا الْوَجَعُ عَلَيْهِ أَشَدُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ 1434 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي , أَنا أَبُو سَعْدٍ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نِزَارٍ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ زَكَرِيَّا النَّضْرَوِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلاءً، قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ، الأَمْثَلُ، فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا، ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ هُوِّنَ عَلَيْهِ، فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ مَا لَهُ ذَنْبٌ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 1435 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» 1435 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ، فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

1436 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ، أَوِ الْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ، وَمَالِهِ، وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 1437 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ

الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لَا تَزَالُ الرِّيحُ تُفَيِّئُهُ، وَلا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاءُ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ لَا تَهْتَزُّ حَتَّى تُسْتَحْصَدَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ 1438 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُمِيلُهَا الرِّيحُ مَرَّةً هَكَذَا، وَمَرَّةً هَكَذَا،

وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْخَامَةُ: الْغَضَّةُ الرَّطْبَةُ، وَالأَرْزَةُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ بِتَسْكِينِ الرَّاءِ: شَجَرٌ مَعْرُوفٌ بِالشَّامِ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ، يُقَالُ لَهُ: الأَرْزُ، وَاحِدُهَا: أَرْزَةُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِالْعِرَاقِ الصَّنَوْبَرُ، وَإِنَّمَا الصَّنَوْبَرُ ثَمَرُ الأَرْزِ، سُمِّيَ الشَّجَرُ صَنَوْبَرًا مِنْ أَجْلِ ثَمَرِهِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: هِيَ الأَرَزَةُ مَفْتُوحَةُ الرَّاءِ مِنَ الشَّجَرِ الأَرْزَنِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الآرِزَةُ مِثَالُ فَاعِلَةٍ، وَهِيَ الثَّابِتَةُ فِي الأَرْضِ. وَالْمُجْذِيَةُ: الثَّابِتَةُ، يُقَالُ: جَذَتْ تَجْذُو، وَأَجْذَتْ تُجْذِي، وَاجْذَوْذَتْ تَجْذَوْذِي: إِذَا انْتَصَبَ وَاسْتَقَامَ. وَالانْجِعَافُ: الانْقِلاعُ

1439 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَبْدُوسِيُّ الْمُزَكِّي بِنَيْسَابُورَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ، نَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ، وَالْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَهُوَ ابْنُ عُبَادَةَ، نَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، أَخْبَرَنِي مَوْلَى ابْنِ سِبَاعٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [النِّسَاء: 123]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ أَلا أُقْرِئُكَ آيَةً أُنْزِلَتْ عَلَيَّ؟»، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، فَأَقْرَأَنِيهَا، قَالَ: وَلا أَعْلَمُ إِلا أَنِّي وَجَدْتُ انْفِصَامًا فِي ظَهْرِي حَتَّى تَمَطَّيْتُ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَأَيُّنَا لَمْ يَفْعَلْ سُوءًا، وَإِنَّا لَمُجْزَوْنَ بِكُلِّ سُوءٍ عَمِلْنَاهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ، وَأَصْحَابُكَ الْمُؤْمِنُونَ، فَتُجْزَوْنَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَلَيْسَتْ لَكُمْ ذُنُوبٌ، وَأَمَّا الآخَرُونَ،

فَيُجْمَعُ ذَلِكَ لَهُمْ حَتَّى يُجْزَوْا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ يُضَعَّفُ، وَمَوْلَى ابْنِ سِبَاعٍ مَجْهُولٌ 1440 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو مَنْظُورٍ , عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ عَامِرٍ الرَّامِ أَخِي الْخَضِرِ،

قَالَ: إِنِّي لَبِبِلادِنَا إِذْ رُفِعَتْ لَنَا أَلْوِيَةٌ وَرَايَاتٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَدْ بُسِطَ لَهُ تَحْتَهَا كِسَاءٌ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَسْقَامَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَهُ السَّقَمُ، ثُمَّ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ، ثُمَّ عُوفِيَ، كَانَ كَالْبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ، ثُمَّ أَرْسَلُوهُ، فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ، وَلَمْ يَدْرِ لِمَ أَرْسَلُوهُ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ حَوْلَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الأَسْقَامُ؟ وَاللَّهِ مَا مَرِضْتُ قَطُّ، قَالَ: «قُمْ عَنَّا فَلَسْتَ مِنَّا»

باب الطاعون

بَابُ الطَّاعُونِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ». 1441 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، نَا عَاصِمٌ، حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ، قَالَتْ: قَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: يَحْيَى بِمَ مَاتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الطَّاعُونِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَامِدِ بْنِ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ 1442 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي: «أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنَ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

1443 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: أَسَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ». وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ: «لَا يُخْرِجُكُمْ إِلا فِرَارٌ مِنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، قَوْلُهُ: «فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» إِثْبَاتُ الْحَذَرِ، وَالنَّهْيُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِلتَّلَفِ، وَفِي قَوْلِهِ: «لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» إِثْبَاتُ

التَّوَكُّلِ وَالتَّسْلِيمِ لِقَضَاءِ اللَّهِ، فَأَحَدُ الأَمْرَيْنِ تَأْدِيبٌ وَتَعْلِيمٌ، وَالآخَرُ تَفْوِيضٌ وَتَسْلِيمٌ. وَرُوِيَ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَبْك، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضٌ عِنْدَنَا هِيَ أَرْضُ مِيرَتِنَا، وَإِنَّهَا وَبِيئَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهَا عَنْكَ فَإِنَّ مِنَ الْقَرَفِ التَّلَفَ». وَالْقَرَفُ: هُوَ مُدَانَاةُ الْوَبَاءِ، وَلَيْسِ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْوَى، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الطِّبِّ، فَإِنَّ اسْتِصْلاحَ الأَهْوِيَةِ مُعِينَةٌ عَلَى صِحَّةِ الأَبْدَانِ، وَفَسَادُهَا مُضِرٌّ مُسْقِمٌ كَالْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ. وَقِيلَ: قَوْلُهُ: «فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» رُخْصَةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا، وَأَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ» رُخْصَةٌ، فَلَوْ دَخَلَهَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى التَّوَكُّلِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا عَلَى عُمَرَ حِينَ اسْتَشَارَهُمْ فِي دُخُولِ الشَّامِ، وَقَدْ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ.

وَرُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ بُعِثَ إِلَى مِصْرَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بِهَا الطَّاعُونَ، فَقَالَ: إِنَّمَا جُبِلْنَا لِطَعْنٍ وَطَاعُونٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُرِيدُ بِهِ الشَّهَادَةَ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَهَّزَ جَيْشًا إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَنَايَاهُمْ قَتْلا فِي سَبِيلِكَ بِطَعْنٍ وَطَاعُونٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا» فَهَذَا نَهْيٌ إِذَا كَانَ قَصْدُهُ بِالْخُرُوجِ الْفِرَارَ مِنْهُ، فَلَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِحَاجَةٍ يُرِيدُهَا، أَوْ سَفَرٍ يَقْصِدُهُ، فَلا بَأْسَ بِهِ، بِدَلِيلِ، أَنَّهُ قَالَ: «فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ».

باب كراهية تمني الموت

بَابُ كَرَاهِيَةِ تَمَنِّي الْمَوْتِ 1444 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَسْلَمَ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا دَامَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَلَفٍ، عَنْ رَوْحٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ 1445 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي

عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَمَنَّى أَحَدٌ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنٌ فَيَزْدَادُ إِحْسَانًا، وَإِمَّا مُسِيءٌ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ 1446 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، أَنا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْحَسَنِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالُويَةَ الْمُزَكِّي، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

لَا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، إِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: " يُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، أَمَّا مِنَ الْخَوْفِ عَلَى دِينِهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، فَلا يُكْرَهُ، كَمَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ: «وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ». وَرُوِيَ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: تَمَنَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لِنَفْسِهِ وَلأَهْلِهِ الْمَوْتَ، فَقِيلَ لَهُ: تَمَنَّيْتَ لأَهْلِكَ، فَلِمَ تَمَنَّى لِنَفْسِكَ؟ قَالَ: لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَسْلَمُونَ عَلَى حَالِكُمْ هَذِهِ لَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَعِيشَ فِيكُمْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَالَ: لأَهْلُ بَيْتِي أَهْوَنُ عَلَيَّ مَوْتًا مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلانِ، وَلا يَأْتِي عَلَيْكُمْ عَامٌ إِلا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الآخَرِ.

باب ذكر الموت

بَابُ ذِكْرِ الْمَوْتِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [ص: 46] أَيْ: يُذَكِّرُونَ بِالدَّارِ الآخِرَةِ، وَيُزَهِّدُونَ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: يُكْثِرُونَ ذِكْرَ الآخِرَةِ 1447 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ، الْمَوْتِ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا، وَكَفَى بِالْيَقِينِ غِنًى، وَكَفَى بِالْعِبَادَةِ شُغْلا. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ، قَلَّ حَسَدُهُ، وَقَلَّ فَرَحُهُ. بَابُ

مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الْفجْر: 27]، أَيِ: الْمُصَدِّقَةُ بِالثَّوَابِ. قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ قَبْضَهَا، اطْمَأَنَّتْ إِلَى اللَّهِ، وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَرَضِيَ عَنِ اللَّهِ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَمَرَ بِقَبْضِ رُوحِهَا، وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. 1448 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِذَا أَحَبَّ الْعَبْدُ لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ

1449 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ، بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هَمَّامٍ مُخْتَصَرًا، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ،

عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ 1450 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، نَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ هُوَ الشَّعْبِيُّ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَالْمَوْتُ قَبْلَ لِقَاءِ اللَّهِ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَنِيفِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لَيْسَ وَجْهُهُ أَنْ يَكْرَهَ شِدَّةَ الْمَوْتِ، هَذَا لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ، وَبَلَغَنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ كَرِهَهُ حِينَ نَزَلَ بِهِ، وَلَكِنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْ ذَلِكَ الإِيثَارُ لِلدُّنْيَا، وَالرُّكُونُ إِلَيْهَا، وَالْكَرَاهِيَةُ أَنْ يَصِيرَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الدَّارِ الآخِرَةِ، وَيُؤْثِرَ الْمُقَامَ فِي الدُّنْيَا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَابَ قَوْمًا فِي كِتَابِهِ بِحُبِّ الْحَيَاةِ، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} [يُونُس: 7]، وَقَالَ: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [الْبَقَرَة: 96] 1451 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ، قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ، فَفَقَأَهَا، قَالَ: فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي، قَالَ: فَرَدَّ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي، فَقُلْ لَهُ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْتَ

تُرِيدُ الْحَيَاةَ، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا وَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ، فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ: فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ، قَالَ: رَبِّ أَدْنِنِي مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَجِبُّ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ الإِيمَانُ بِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَبِرَهُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِ عُرْفَ الْبَشَرِ، فَيَقَعُ فِي الارْتِيَابِ، لأَنَّهُ أَمْرٌ مَصْدَرُهُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحُكْمِهِ، وَهُوَ مُجَادَلَةٌ بَيْنَ مَلَكٍ كَرِيمٍ، وَنَبِيٍّ كَلِيمٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَخْصُوصٌ بِصِفَةٍ خَرَجَ بِهَا عَنْ حُكْمِ عَوَامِّ الْبَشَرِ، وَمَجَارِي عَادَاتِهِمْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خُصَّ

بِهِ، فَلا يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا بِحَالِ غَيْرِهِمَا، وَقَدِ اصْطَفَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُوسَى بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ، وَأَيَّدَهُ بِالآيَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ، كَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ، وَالْعَصَا، وَانْفِلاقِ الْبَحْرِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الآثَارُ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِكْرَامٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمَهُ بِهَا، فَلَمَّا دَنَتْ وَفَاتُهُ وَهُوَ بَشَرٌ يَكْرَهُ الْمَوْتَ طَبْعًا، وَيَجِدُ أَلَمَهُ حِسًّا، لَطُفَ لَهُ بِأَنْ لَمْ يُفَاجِئْهُ بِهِ بَغْتَةً، وَلَمْ يَأْمُرِ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ قَهْرًا، لَكِنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ مُنْذِرًا بِالْمَوْتِ، وَأَمَرَهُ بِالتَّعَرُّضِ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الامْتِحَانِ فِي صُورَةِ بَشَرٍ، فَلَمَّا رَآهُ مُوسَى اسْتَنْكَرَ شَأْنَهُ، وَاسْتَوْعَرَ مَكَانَهُ، فَاحْتَجَزَ مِنْهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، بِمَا كَانَ مِنْ صَكِّهِ إِيَّاهُ، فَأَتَى ذَلِكَ عَلَى عَيْنِهِ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي الصُّورَةِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي جَاءَهُ فِيهَا، دُونَ صُورَةِ الْمَلَكِيَّةِ الَّتِي هُوَ مَجْبُولٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ كَانَ فِي طَبْعِ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِيَّةٌ، وَحِدَّةٌ، عَلَى مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ وَكْزِهِ الْقِبْطِيَّ، وَإِلْقَائِهِ الأَلْوَاحَ، وَأَخْذِهِ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَضِبَ اشْتَعَلَتْ قَلَنْسُوَتُهُ نَارًا، وَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ الدِّينِ بِدَفْعِ مَنْ قَصَدَكَ بِسُوءٍ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ»،

فَلَمَّا نَظَرَ مُوسَى إِلَى شَخْصٍ فِي صُورَةِ بَشَرٍ، هَجَمَ عَلَيْهِ يُرِيدُ نَفْسَهُ، وَيَقْصِدُ هَلاكَهُ، وَهُوَ لَا يُثْبِتُهُ، وَلا يَعْرِفُهُ أَنَّهُ رَسُولُ رَبِّهِ دَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِيهِ ذَهَابُ عَيْنِهِ، فَلَمَّا عَادَ الْمَلَكُ، إِلَى رَبِّهِ، رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَأَعَادَهُ رَسُولا إِلَيْهِ، لِيُعْلِمَ نَبِيَّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إِذَا رَأَى صِحَّةَ عَيْنِهِ الْمَفْقُوءَةِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَهُ لِقَبْضِ رُوحِهِ، فَاسْتَسْلَمَ حِينَئِذٍ لأَمْرِهِ، وَطَابَ نَفْسًا بِقَضَائِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ رِفْقٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلُطْفٌ مِنْهُ فِي تَسْهِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ لِقَائِهِ، وَالانْقِيَادِ لِمَوْرِدِ قَضَائِهِ، قَالَ: وَمَا أَشْبَهَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ» يَكْرَهُ الْمَوْتَ بِتَرْدِيدِهِ رَسُولَهُ مَلَكَ الْمَوْتِ إِلَى نَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فِيمَا كَرِهَهُ مِنْ نُزُولِ الْمَوْتِ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِهِ، رَدًّا عَلَى مَنْ طَعَنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْمُلْحِدِينَ أَبَادَهُمُ اللَّهُ، وَكَفَى الْمُسْلِمِينَ، شَرَّهُمْ 1452 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ مَا أَوَّلُ مَا يَقُولُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَوَّلُ مَا يَقُولُونَ لَهُ»، قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ يَا رَبَّنَا، فَيَقُولُ: لِمَ؟ فَيَقُولُونَ: رَجَوْنَا عَفْوَكَ وَمَغْفِرَتَكَ، فَيَقُولُ: قَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ مَغْفِرَتِي "

باب الميت مستريح أو مستراح منه

بَابُ الْمَيِّتِ مُسْتَرِيحٌ أَوْ مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ 1453 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ أَوْ مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ، وَمَا الْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: " الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ: الْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلادُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

1454 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ الْمَوْتُ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُرْوَى مَرْفُوعًا «إِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ غُفِرَ لَهُ». وَعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ مُصَلاهُ مِنَ الأَرْضِ، وَمَصْعَدُ عَمَلِهِ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلا: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدُّخان: 29]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَبْكِي الأَرْضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا. قَالَ مَسْرُوقٌ: مَا غَبَطْتُ شَيْئًا لِشَيْءٍ كَمُؤْمِنٍ فِي لَحْدِهِ، أَمِنَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَاسْتَرَاحَ مِنَ الدُّنْيَا

باب حسن الظن بالله

بَابُ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ 1455 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا يُحْسَنُ بِاللَّهِ ظَنُّ مَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَحْسِنُوا أَعْمَالَكُمْ يَحْسُنْ بِاللَّهِ ظَنَّكُمْ، فَإِنَّ مَنْ سَاءَ عَمَلُهُ سَاءَ ظَنُّهُ، وَقَدْ يَكُونُ حُسْنُ الظَّنِّ أَيْضًا مِنْ نَاحِيَةِ الرَّجَاءِ وَتَأْمِيلِ الْعَفْوِ، وَاللَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ صَحَّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ».

وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ، وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَرْجُو اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ». وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلا 1456 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبِسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، نَا جَعْفَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: مَرِضَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَوَافَقَهُ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ أَرْجُو اللَّهَ، وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي

قَلْبِ الْعَبْدِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ بِالْمَوْتِ، فَبَشِّرُوهُ لِيَلْقَى رَبَّهُ وَهُوَ حَسَنُ الظَّنِّ بِهِ، وَإِذَا كَانَ حَيًّا فَخَوِّفُوهُ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ أَبِي عِنْدَ مَوْتِهِ: يَا مُعْتَمِرُ حَدِّثْنِي بِالرُّخَصِ، لَعَلِّي أَلْقَى اللَّهَ وَأَنَا حَسَنُ الظَّنِّ بِهِ.

باب الحث على الوصية

بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْوَصِيَّةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [الْبَقَرَة: 180]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [الْبَقَرَة: 182]، أَيْ: مَيْلا، مُتَجَانِفٌ: مَائِلٌ. قَوْلُهُ: «خَيْرًا»، قَالَ قَتَادَةُ: الْخَيْرُ: الْمَالُ، كَانَ يُقَالُ أَلْفًا فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ فَرْضًا، فَنُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ مِنْهُمْ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ، وَبَقِيَتْ فَرِيضَةً لِلَّذِينَ لَا يَرِثُونَ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقَارِبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَطَاوُسٌ، وَقَتَادَةُ.

قَالَ طَاوُسٌ: مَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ سَمَّاهُمْ، وَتَرَكَ ذَوِي قَرَابَتِهِ مُحْتَاجِينَ انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ، وَرُدَّتْ إِلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ فَرِيضَةَ الْوَصِيَّةِ مَنْسُوخَةٌ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ وَهِيَ مُسْتَحبَّةٌ 1457 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ

قَوْلُهُ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ» مَعْنَاهُ: مَا حَقُّهُ مِنْ جِهَةِ الْحَزْمِ وَالاحْتِيَاطِ إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ، لأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ، فَرُبَّمَا يَأْتِيهِ بَغْتَةً، فَيَمْنَعُهُ عَنِ الْوَصِيَّةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، لأَنَّهُ فَوَّضَ إِلَى إِرَادَتِهِ، فَقَالَ: «لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ» يَعنِي يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَذَهَبَ بَعْضُ التَّابِعِينَ إِلَى إِيجَابِهَا مِمَّنْ لَمْ يَجْعَلِ الآيَةَ مَنْسُوخَةً فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، ثُمَّ الاسْتِحْبَابُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ مَالٌ دُونَ مَنْ لَيْسَ لَهُ فَضْلٌ، وَهَذَا فِي الْوَصِيَّةِ الْمُتَبَرَّعِ بِهَا مِنْ صَدَقَةٍ، وَبِرٍّ وَصِلَةٍ، فَأَمَّا أَدَاءُ الدُّيُونِ وَالْمَظَالِمِ الَّتِي يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَرَدُّ الأَمَانَاتِ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا، وَأَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى أَوْلِيَائِهِ فِيهَا، لأَنَّ أَدَاءَ الْحُقُوقِ، وَالأَمَانَاتِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، وَلا دِرْهَمًا، وَلا بَعِيرًا، وَلا شَاةً، وَلا أَوْصَى بِشَيْءٍ».

قَوْلُهَا: «وَلا أَوْصَى بِشَيْءٍ» تُرِيدُ بِهِ وَصِيَّةَ الْمَالِ، لأَنَّ الإِنْسَانَ إِنَّمَا يُوصِي فِي مَالٍ يُورَثُ مِنْهُ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يُورَثُ مِنْهُ، فَيُوصِي فِيهِ، وَقَدْ أَوْصَى بِأُمُورٍ، فَكَانَ مِنْ وَصِيَّتِهِ: «الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». وَقَالَ: «أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ». فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ وَصِيَّةِ الصَّبِيِّ، وَالسَّفِيهِ وَتَدْبِيرِهِمَا، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ، كَمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ الإِعْتَاقُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، أَنَّهُ قِيلَ

لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّ هَهُنَا غُلامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ غَسَّانَ، وَوَرَثَتُهُ بِالشَّامِ، وَهُوَ ذُو مَالٍ، وَلَيْسَ لَهُ هَهُنَا إِلا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَوْصِ لَهَا، فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ. وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ شُرَيْحٌ: إِذَا أَصَابَ الْغُلامُ فِي وَصِيَّتِهِ جَازَتْ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ.

باب الوصية بالثلث

بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ 1458 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ فِي الأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا،

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ بِأَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَكَ، فَيَنْتَفِعَ بِكَ أُنَاسٌ، وَيَضُرَّ بِكَ آخَرِينَ». هذَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْحَفَرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ 1459 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ،

عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعَ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلا يَرِثُنِي إِلا ابْنَةٌ لِي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَبِشَطْرِهِ؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ فَقَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلا صَالِحًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ مَرِضَ عَامَ الْفَتْحِ مَرَضًا أَشْفَى مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ وَهُوَ بِمَكَّةَ، فَسَاقَ مِثْلَ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ: أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ، أَيْ: أَشْرَفَ عَلَيْهِ، يُقَالُ: أَشْفَى عَلَى الشَّيْءِ، وَأَشَافَ عَلَيْهِ: إِذَا قَارَبَهُ. وَقَوْلُهُ: «وَلا يَرِثُنِي إِلا ابْنَةٌ لِي»، يُرِيدُ: لَا يَرِثُنِي ذُو سَهْمٍ إِلا ابْنَةٌ دُونَ مَنْ يَرِثُهُ بِالتَّعْصِيبِ، لأَنَّ سَعْدًا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ زُهْرَةَ، فَفِي عَصَبَتِهِ كَثْرَةٌ. قَوْلُهُ: «عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» أَيْ: يَسْأَلُونَ الصَّدَقَةَ بِأَكُفِّهِمْ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى، أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الثُّلُثَ مِنْ مَالِهِ بِالْوَصِيَّةِ، وَأَنْ لَا يُجَاوِزَ الثُّلُثَ سَوَاءً كَانَ لَهُ وَارِثٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَالأَوْلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنِ الثُّلُثِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ»، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِسَعْدٍ: «أَوْصِ بِالْعُشْرِ»، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أُنَاقِصُهُ، حَتَّى قَالَ: «أَوْصِ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ». وَقَالَ عَلِيٌّ: لأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ، وَلأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالثُّلُثِ، فَمَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ، فَلَمْ يَتْرُكْ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يُوصِي بِالسُّدُسِ أَوِ الْخُمُسِ أَوِ الرُّبُعِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا كَانُوا يُوصُونَ بِالْخُمُسِ وَالرُّبُعِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ حَيْفٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ: السُّنَّةُ الرُّبُعُ إِلا أَنْ يَعْرِفَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ شُبَهًا فَلَهُ اسْتِغْرَاقُ الثُّلُثِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانَ السُّدُسُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الثُّلُثِ. قَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ يَسْأَلُهُ: أَوْصِ بِالْعُشْرِ. وَأَوْصَى زِيَادُ بْنُ مَطَرٍ، فَقَالَ: وَصِيَّتِي: مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْبَصْرَةِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى الْخُمُسِ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ تَرَكَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الثُّلُثَ وَإِلا فَالاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَهُ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، وَضَعَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ أَوِ الْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ، فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ»، ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} [النِّسَاء: 11] إِلَى قَوْلِهِ: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النِّسَاء: 12]. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُمَا الْمُرِّيَانِ: الإِمْسَاكُ فِي الْحَيَاةِ، وَالتَّبْذِيرُ عِنْدَ الْمَوْتِ، يَقُولُ: مُرٌّ فِي الْحَيَاةِ، وَمُرٌّ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَسَبَهُمَا إِلَى الْمَرَارَةِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الإِثْمِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُمَا الْمُرَّيَانِ، أَيِ: الْخَصْلَتَانِ، الْوَاحِدَةُ: الْمُرَّى مِثْلَ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى، وَلِلثِّنْتَيْنِ: الصُّغْرَيَانِ وَالْكُبْرَيَانِ. وَقَوْلُهُ: «أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي»، قَالَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَمُوتَ بِمَكَّةَ، وَهِيَ دَارٌ تَرَكُوهَا لِلَّهِ، فَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ بِهَا. وَرُوِيَ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُقِيمُ

الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلاثًا». وَمَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، وَتَغْيِيرُهُ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ «يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي وَصِيَّتِهِ مَا يَشَاءُ وَمِلاكُ الْوَصِيَّةِ آخِرُهَا». وَإِذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ لَيْسَ لِلْوَارِثِ رَدُّهُ، قَالَ مَكْحُولٌ: إِذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَحَاوِيجُ، فَلا أَرَى بَأْسًا، أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الثُّلُثِ.

باب الوصية للوارث

بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ 1460 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَخَذْتُ بِزِمَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا وَلُعَابُهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الإِثْلِبُ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ

وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا، وَلا عَدْلا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» إِشَارَةٌ إِلَى آيَةِ الْمِيرَاثِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمِيرَاثِ وَاجِبَةً لِلأَقْرَبِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [الْبَقَرَة: 180] ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا سَائِرُ الْوَرَثَةِ، كَمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ

أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ إِنْ أَجَازُوهَا جَازَتْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لأَجْنَبِيٍّ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَأَجَازَهُ الْوَرَثَةُ جَازَ. وَالإِجَازَةُ تَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَلا حُكْمَ لإِجَازَةِ الْوَارِثِ، وَرَدِّهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، أَوْصَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، أَنْ لَا تُكْشَفَ امْرَأَتُهُ الْفَزَارِيَّةُ، عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، وَالْحَكَمُ: إِذَا أَبْرَأَ الْوَارِثُ مِنَ الدَّيْنِ يَبْرَأُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ مَوْتِهَا: إِنَّ زَوْجِي قَضَانِي، وَقَبَضْتُ مِنْهُ، جَازَ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [الْبَقَرَة: 182]: هُوَ أَنْ يُعْطِيَ عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِهِ بَعْضَ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ، فَلا إِثْمَ عَلَى مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَحِيفَ فِي وَصِيَّتِهِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، فَلا حَرَجَ عَلَى وَصِيِّهِ أَوْ وَالِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصْلِحَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ، وَيَرُدُّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْعَدْلِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا كَانَ يُوصِي وَلا يَعْدِلُ، فَلا حَرَجَ عَلَى مِنْ حَضَرَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعَدْلِ، وَيَنْهَاهُ عَنِ الْحَيْفِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ لِلتُّهْمَةِ بِالْمَيْلِ إِلَى بَعْضِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لازِمٌ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لأَجْنَبِيٍّ بِمَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ، قَالَ الْحَسَنُ: أَحَقُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ. وَالْعَطِيَّةُ فِي الْمَرَضِ الَّذِي يَكُونُ الأَغْلَبُ مِنْهُ الْمَوْتَ مِنَ الثُّلُثِ إِذَا مَاتَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَإِذَا الْتَحَمَ فِي الْحَرْبِ فَمَخُوفٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ يَقْتُلُونَ الأُسَارَى، وَإِذَا ضَرَبَ الْحَامِلَ الطَّلْقُ فَمَخُوفٌ، لأَنَّهُ كَالتَّلَفِ وَأَشَدُّ وَجَعًا. قَالَ مَالِكٌ: الْحَامِلُ أَوَّلُ حَمْلِهَا بِشْرٌ وَسُرُورٌ، وَلَيْسَ بِمَرَضٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} [هود: 71]، وَقَالَ: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا} [الْأَعْرَاف: 189] وَأَوَّلُ الإِتْمَامِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا، لَمْ يَجُزْ لَهَا قَضَاءٌ فِي مَالِهَا إِلا فِي ثُلُثِهَا

باب ما يقال عند من حضره الموت من قول الخير

بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ مِنْ قَوْلِ الْخَيْرِ 1461 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنْ شَهِدْتُمُ الْمَرِيضَ أَوِ الْمَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: " قُولِي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى صَالِحَةً "، قَالَتْ: فَقُلْتُهَا، فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ 1462 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ

السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، نَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، أَخْبَرَنِي مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ عَبْدًا، فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا "، قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، عَزَمَ اللَّهُ لِي، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أْجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، قَالَتْ: فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنِ ابْنِ سَفِينَةَ

1463 - أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنِ ابْنِ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا "، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟! أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ، قُلْتُ: إِنَّ لِي بُنَيَّةً وَأَنَا غَيُورٌ، فَقَالَ: «أَمَّا ابْنَتُهَا، فَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا غِنًى، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ

1464 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الدَّارَابْجِرْدِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَلَيْسَ بِالنَّهْدِيِّ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يَس».

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَلَيْسَ بِالنَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَعْقِلٍ 1465 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، نَا يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَلْقِينُ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ مُسْتَحَبٌّ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا قَالَهُ الْمَرِيضُ مَرَّةً، فَلا يُلَقَّنُ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، وَلا يُكْثَرُ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: إِذَا قُلْتُ مَرَّةً، فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ أَتَكَلَّمْ بِكَلامٍ، وَأَرَادَ بِهَذَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ آخِرُ قَوْلِهِ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ "

باب شدة الموت

بَابُ شِدَّةِ الْمَوْتِ 1466 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ» وَأَرَادَ بِعَرَقِ الْجَبِينِ: شِدَّةَ السِّيَاقِ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَوْتُ الْمُؤْمِنِ بِعَرَقِ الْجَبِينِ، تَبْقَى عَلَيْهِ الْبَقِيَّةُ مِنَ الذُّنُوبِ، فَيُحَارَفُ بِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ، أَيْ: يُقَايَسُ بِهَا، فَتَكُونُ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِ، وَالْمُحَارَفَةُ: الْمُجَازَاةُ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: عَلَمٌ بَيِّنٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ مَوْتِهِ عَرَقُ الْجَبِينِ. وَيُرْوَى: مَوْتُ الْفُجَاءَةِ أَخْذَةُ الأَسَفِ. وَأَرَادَ بِالأَسَفِ: الْغَضَبَ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {غَضْبَانَ أَسِفًا} [الْأَعْرَاف: 150] أَيْ: شَدِيدَ الْغَضَبِ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] أَيْ: أَغْضَبُونَا.

باب إغماض الميت

بَابُ إِغْمَاضِ الْمَيِّتِ 1467 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، كَانَ يُحَدِّثُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغْمَضَ أَبَا سَلَمَةَ» 1468 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي

سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينِ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب يسجى الميت بثوب

بَابُ يُسَجَّى الْمَيِّتُ بِثَوْبٍ 1469 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، نَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ

باب تقبيل الميت

بَابُ تَقْبِيلِ المَيِّتِ 1470 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، وَهُوَ مَيِّتٌ، وَهُوَ يَبْكِي». وَرَوَاهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ عَاصِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: حَتَّى سَالَ دُمُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ عُثْمَانَ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَبَكَى

1471 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَعَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ

باب غسل الميت

بَابُ غَسْلِ الْمَيِّتِ 1472 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ، فَقَالَ: «اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي»، قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حَقْوَهُ، فَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» , تَعْنِي إِزَارَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.

وَرَوَاهُ أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَفِي حَدِيثِهَا «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا» وَفِيهِ «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ» وَفِيهِ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: «وَمَشَطْنَاهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ» 1473 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا حَفْصَةُ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: «تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ، فَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ،

عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، وَقَالَ: قَالَتْ: «فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلاثَةَ أَثْلاثٍ قَرْنَيْهَا وَنَاصِيتَهَا»، وَلَمْ يَقُلْ: «فَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا» وَالْحَقْوُ: الإِزَارُ، وَجَمْعُهَا حِقِيٌّ، وَأَحْقٍ، وَأَحْقَاءٌ، وَالأَصْلُ فِي «الْحَقْوِ» مَعْقِدُ الإِزَارِ، سُمِّيَ الإِزَارُ حَقْوًا، لأَنَّهُ يُشَدُّ عَلَى الْحَقْوِ. وَقَوْلُهُ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» يُرِيدُ: اجْعَلْنَهُ شِعَارًا لَهَا، وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي جَسَدَهَا، فَالشِّعَارُ: الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي الْجَسَدَ، وَالدِّثَارُ: فَوْقَ الشِّعَارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلأَنْصَارِ: «أَنْتُمْ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ» أَيْ: أَبْعَدُ مِنْكُمْ، كَمَا أَنَّ الدِّثَارَ أَبْعَدُ مِنَ الْجَسَدِ مِنَ الشِّعَارِ. وَالسُّنَّةُ فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ هُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَأَنْ يَغْسِلَ بِالسِّدْرِ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ أُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ إِذَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّرَنِ أَوِ الْوَسَخِ، وَيُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ وَشَعْرَهُ، وَيَغْسِلُ وِتْرًا، وَيَجْعَلُ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا لِيَكُونَ أَنْقَى لِبَدَنِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنْ أَنْقَى الْمَيِّتُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثِ غَسَلاتٍ، وَبِمَاءٍ قَرَاحٍ أَجْزَأَ، وَلَكِنْ أُحِبُّ، أَنْ لَا يُنْقَصَ عَنْ ثَلاثٍ، قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِغَسْلِ الْمَيِّتِ حَدٌّ مُوَقَّتٌ وَلا صِفَةٌ، وَلَكِنْ يُطَهِّرُهُ. قَالَ النَّخَعِيُّ: غَسْلُ الْمَيِّتِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ.

قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: تَكُونُ الْغَسَلاتُ كُلُّهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَفِي الآخِرَةِ شَيْءٌ مِنَ الْكَافُورِ. وَيَجُوزُ الْغَسْلُ فِي الْقَمِيصِ، وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسِّلَ فِي الْقَمِيصِ.

باب: المرأة تغسل زوجها الميت

بَابُ: الْمَرْأَةُ تَغْسِلُ زَوْجَهَا الْمَيِّتَ 1474 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَوِ اسْتَقْبَلْنَا مِنْ أَمْرِنَا مَا اسْتَدْبَرْنَا مَا غَسَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا نِسَاؤُهُ» وَرُوِيَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَلَتْ زَوْجَهَا أَبَا بَكْرٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ غَسْلُ زَوْجِهَا الْمَيِّتِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي غَسْلِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، فَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازِهِ 1475 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَتْ أَنْ تَغْسِلَهَا إِذَا مَاتَتْ هِيَ وَعَلِيٌّ، فَغَسَلَتْهَا هِيَ وَعَلِيٌّ»

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِغَسْلِ امْرَأَتِهِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَغْسِلُهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ غَسْلُ الْمَيِّتِ الْكَافِرِ، فَإِنَّ عَلِيًّا غَسَلَ أَبَاهُ أَبَا طَالِبٍ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَغَسَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ امْرَأَتَهُ حِينَ مَاتَتْ. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ نَصْرَانِيًّا، فَقَالَ: اغْسِلْهُ وَكَفِّنْهُ وَحَنِّطْهُ، ثُمَّ ادْفِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التَّوْبَة: 113]. وَلَوْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ فِيمَا بَيْنَ الرِّجَالِ، أَوْ رَجُلٌ فِيمَا بَيْنَ النِّسَاءِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْرَمٌ يُيَمَّمَانِ بِالصَّعِيدِ، وَلا يُغْسَلانِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يُصَبُّ عَلَيْهِمَا الْمَاءُ فَوْقَ الثِّيَابِ، وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَقُولُونَ: إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ مَعَهَا نِسَاءٌ يَغْسِلْنَهَا، وَلا مِنْ قَرَابَتِهَا أَحَدٌ، وَلا زَوْجٌ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا يُمِّمَتْ، فَمُسِحَ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنَ الصَّعِيدِ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَلَيْسَ مَعَهُ إِلا النِّسَاءُ يَمَّمْنَهُ أَيْضًا.

باب التكفين

بَابُ التَّكْفِينِ 1476 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ هِشَامٍ، وَقَالُوا: «مِنْ كُرْسُفٍ»

قَوْلُهُ: سُحُولِيَّةٌ، قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: سُحُولٌ جَمْعُ سَحْلٍ، وَهُوَ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: سُحُولِيَّةٌ، أَيْ: بِيضٌ نَقِيَّةٌ مِنَ الْقُطْنِ، وَالسَّحْلُ: الثَّوْبُ الأَبْيَضُ النَّقِيُّ مِنَ الْقُطْنِ، وَيُقَالُ: هِيَ ثِيَابٌ مَنْسُوبَةٌ إِلَى سَحُولَ قَرْيَةٍ مِنَ الْيَمَنِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: قَدْ رُوِيَ فِي كَفَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا، اسْتَحَبُّوا التَّكْفِينَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ لَفَائِفَ بِيضٍ مِنْ قُطْنٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُكَفِّنُ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ لَفَائِفَ، وَإِنْ شِئْتَ فِي قَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ، فَقَالُوا: تُكَفَّنُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: إِزَارٍ، وَخِمَارٍ، وَثَلاثِ لَفَائِفَ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ إِحْدَى اللَّفَائِفِ قَمِيصًا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: الْمَيِّتُ يُقَمَّصُ، وَيُؤَزَّرُ، وَيُلَفُّ فِي الثَّوْبِ الثَّالِثِ. وَعَنْ لَيْلَى الثَّقَفِيَّةِ، قَالَتْ: كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا، فَأَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَقْوُ، ثُمَّ الدِّرْعُ،

ثُمَّ الْخِمَارُ، ثُمَّ الْمِلْحَفَةُ، ثُمَّ أُدْرِجَتْ فِي الثَّوْبِ الآخَرِ». وَلَوْ كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، جَازَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلاثِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَالْخَمْسُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، إِسْرَافٌ وَكَرَاهِيَةٌ 1477 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ، وَمِنْ خَيْرِ أَكْحَالِكُمُ الإِثْمِدُ، فَإِنَّهُ يُنْبِتُ الشَّعْرَ، وَيَجْلُو الْبَصَرَ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَحْسِينُ الْكَفَنِ مُسْتَحَبٌّ، لِمَا 1478 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُرَادُ مِنْ هَذَا التَّحْسِينِ هُوَ الْبَيَاضُ وَالنَّظَافَةُ، لَا كَوْنُهُ مُرْتَفِعًا ثَمِينًا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

يَقُولُ: «لَا تَغَالَوْا فِي الْكَفَنِ، فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ، لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ مِشْقٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ، فَاغْسِلُوهُ وَكَفِّنُونِي فِيهِ، وَفِي ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ، الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ». قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُهْلُ: الصَّدِيدُ وَالْقَيْحُ، وَرُوِيَ بِلا هَاءٍ، وَبِالْهَاءِ صَحِيحٌ فَصِيحٌ، وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ الْمِيمَ، فَيَقُولُ لِلْمِهْلَةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ، فَلَبِسَهَا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا». فَأَبُو سَعِيدٍ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَعْنَى الثِّيَابِ: الْعَمَلُ، يُرِيدُ أَنَّهُ يُبْعَثُ

عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، أَوْ عَمَلٍ سَيِّئٍ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الثَّوْبَ نَفْسَهُ، بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً»، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فُلانٌ طَاهِرُ الثِّيَابِ إِذَا وَصَفُوهُ بِطَهَارَةِ النَّفْسِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ، وَفُلانٌ دَنِسُ الثِّيَابِ: إِذَا كَانَ بِخِلافِ ذَلِكَ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أَيْ: عَمَلَكَ فَأَصْلِحْ. وَيُسْتَحَبُّ تَجْمِيرُ الْكَفَنِ، قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ لأَهْلِهَا: «أَجْمِرُوا ثِيَابِي إِذَا مُتُّ، ثُمَّ حَنِّطُونِي، وَلا تَذُرُّوا عَلَى كَفَنِي حَنُوطًا، وَلا تُتْبِعُونِي بِنَارٍ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا، أَنَّهُ نَهَى، «أَنْ يُتَّبَعَ بِنَارٍ بَعْدَ مَوْتِهِ». وَاخْتَلَفُوا فِي الْمِسْكِ لِلْمَيِّتِ، فَكَرِهَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَوْصَى عُمَرُ فِي غَسْلِهِ أَنْ لَا يُقَرِّبُوهُ مِسْكًا، وَاسْتَحَبَّهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْمِسْكِ،

فَقَالَ: «هُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ». وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِسْكٌ، فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ، وَقَالَ: هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَنَسٌ جُعِلَ فِي حَنُوطِهِ مِسْكٌ فِيهِ مِنْ عَرَقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

باب إذا لم يوجد من الكفن ما يستر جميع بدنه

بَابُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْكَفَنِ مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ 1479 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إِلا نَمِرَةٌ، فَكُنَّا إِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رَأْسِهِ، خَرَجَتْ رِجَلاهُ، وَإِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رِجْلَيْهِ، خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضَعُوهَا مِمَّا يَلِي رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ»، قَالَ: وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ النَّمِرَةُ: ضَرْبٌ مِنَ الأَكْسِيَةِ. وَقَوْلُهُ: «أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ» أَيْ: أُدْرِكَتْ، يُقَالُ: يَنَعَ يَيْنَعُ، وَأَيْنَعَ يُونِعُ، وَيَنَعَ أَكْثَرُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} [الْأَنْعَام: 99]، يُقَالُ: الْيَنْعُ: النُّضْجُ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ الْيَانِعِ، وَهُوَ الْمُدْرَكُ. وَقَوْلُهُ: فَهُوَ يَهْدِبُهَا، أَيْ يَجْنِيهَا، يُقَالُ: هَدَبَ الثَّمَرَةَ يَهْدِبُهَا هَدْبًا: إِذَا اجْتَنَاهَا وَقَطَفَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَفَنَ الْمَيِّتِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِذَا اسْتَغْرَقَ كَفَنُهُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَقَتَادَةُ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: يُبْدَأُ بِالْكَفَنِ، ثُمَّ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ. قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: الْحَنُوطُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَقَالَ سُفْيَانُ: أَجْرُ الْقَبْرِ وَالْغَسْلِ مِنَ الْكَفَنِ.

باب: المحرم يموت

بَابُ: الْمُحْرِمُ يَمُوتُ 1480 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هُشَيْمٌ، أَنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، وَقَالَ: «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا» وَرَوَاهُ

مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالَ: «وَلا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَلا رَأْسَهُ». قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَخَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» قَوْلُهُ: فَوَقَصَتْهُ، أَيْ: صَرَعَتْهُ، فَدَقَّتْ عُنُقَهُ، وَقِيلَ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ مَائِلَ الْعُنُقِ: أَوْقَصُ، وَأَصْلُ الْوَقْصِ: الدَّقُّ وَالْكَسْرُ. قَوْلُهُ: «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» فِيهِ أَنَّهُ اسْتَبْقَى لَهُ شِعَارَ الإِحْرَامِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ، وَاجْتِنَابِ الطِّيبِ، وَلَمْ يَزِدْهُ ثَوْبًا ثَالِثًا تَكْرِمَةً لَهُ، كَمَا اسْتَبْقَى لِلشُّهَدَاءِ شِعَارَ الْجِهَادِ، فَلَمْ يُغْسَلُوا وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُرْمَ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ دُونَ وَجْهِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ، فِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا مَاتَ هَلْ يَنْقَطِعُ حُكْمُ إِحْرَامِهِ؟، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ إِحْرَامِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ تَخْمِيرُ رَأْسِهِ،

وَلا أَنْ يُقَرَّبَ مِنْهُ الطِّيبُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَنْقَطِعُ حُكْمُهُ، فَيُصْنَعُ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِسَائِرِ الْمَوْتَى، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ أَنَّ عَرُوسًا أُدْخِلتْ عَلَى زَوْجِهَا، فَمَاتَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «ادْفِنُوهَا فِي ثِيَابِهَا وَمُصَبَّغَاتِهَا». وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا مَاتَ لَا يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الْحَجِّ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ.

باب الإسراع بالجنازة

بَابُ الإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ 1481 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً، فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ 1482 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، نَا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ

سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً، قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ، قَالَتْ لأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلا الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإِنْسَانُ لَصَعِقَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَسْتَحِبُّونَ خَفْضَ الصَّوْتِ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَعِنْدَ الْقُرْآنِ،

وَعِنْدَ الْجَنَائِزِ» وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: إِنْ كَانُوا لَيَشْهَدُونَ الْجِنَازَةَ، فَيَظَلُّونَ الأَيَّامَ مَحْزُونِينَ يُعْرَفُ ذَلِكَ فِيهِمْ.

باب القيام للجنازة

بَابُ الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ 1483 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ، فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ: مَرَّتْ بِنَا جِنَازَةٌ، فَقَامَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُمْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا يَهُودِيَّةٌ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ،

فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا». وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا قُمْتُ لِلْمَلَكِ». 1485 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمٌ، نَا هِشَامٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا، فَلا يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ

1486 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكَيَّالِيُّ، أَنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الْفَضْلُ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كُنْتُمْ مَعَ جِنَازَةٍ، فَلا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: رَوَى الثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ سُهَيْلٍ، قَالَ: قَالَ فِيهِ: «حَتَّى تُوضَعَ بِالأَرْضِ»، وَرَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ: «حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ»، وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ 1487 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا

أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَقُومُ فِي الْجَنَائِزِ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ نَاسِخٌ لِلأَوَّلِ «إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا»، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: إِنْ شَاءَ قَامَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقُمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَقَدَّمُونَ الْجِنَازَةَ، فَيَقْعُدُونَ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَيْهِمُ الْجِنَازَةُ.

وَيُرْوَى عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اتَّبَعَ الْجِنَازَةَ «لَمْ يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ»، فَعَرَضَ لَهُ حَبْرٌ، فَقَالَ: هَكَذَا نَصْنَعُ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: «فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وَقَالَ: «خَالِفُوهُمْ».

باب المشي مع الجنازة

بَابُ الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ 1488 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الأَعْرَابِيِّ، نَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ الْمَخْرَمِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ «يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَكَذَا رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ، وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَرَوَى مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَمَالِكٌ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ»، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ. فَأَهْلُ الْحَدِيثِ، كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ أَصَحُّ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: إِنَّ الْمُرْسَلَ أَصَحُّ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمَشْيَ أَمَامَهَا أَفْضَلُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَعَنْ عُرْوَةَ مِثْلَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الْمَشْيُ وَرَاءَ الْجِنَازَةِ مِنْ خَطَإِ السُّنَّةِ. وَقَالَ أَنَسٌ: أَنْتُمْ مُشَيِّعُونَ، فَامْشُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا، وَعَنْ يَمِينِهَا، وَعَنْ شِمَالِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَرِيبًا مِنْهَا. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي

هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَمْشِيَانِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ، قَالَ: «مَا دُونَ الْخَبَبِ، فَإِنْ يَكُنْ خَيْرًا يُعَجَّلْ إِلَيْهِ، وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَبُعْدًا لأَهْلِ النَّارِ». وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلا تَتْبَعُ، لَيْسَ مِنْهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا». وَأَبُو مَاجِدٍ مَجْهُولٌ، كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يُضَعِّفُ حَدِيثَ أَبِي مَاجِدٍ. فَأَمَّا الرَّاكِبُ، فَكُلُّهُمْ قَالُوا: يَمْشِي خَلْفَهَا. رُوِي عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الرَّاكِبُ يَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا، خَلْفَهَا، وَأَمَامَهَا، وَعَنْ يَمِينِهَا، وَعَنْ يَسَارِهَا قَرِيبًا مِنْهَا».

وَكَرِهُوا الرُّكُوبَ فِي الْجِنَازَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، رُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا، فَقَالَ: «أَلا تَسْتَحْيُونَ؟! إِنَّ مَلائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ». وَيُرْوَى هَذَا عَنْ ثَوْبَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ.

أَمَّا الرُّجُوعُ عَنْهَا، فَلا بَأْسَ فِيهِ بِالرُّكُوبِ، رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ، ثُمَّ أُتِيَ بِفَرَسٍ عُرْيٍ، فَعُقِلَ حَتَّى رَكِبَهُ، فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ، وَنَحْنُ نَسْعَى حَوْلَهُ». قَوْلُهُ: يَتَوَقَّصُ، أَيْ يَنْزُو بِهِ، وَيُقَارِبُ الْخَطْوَ. وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ مِنَ الْجَوَانِبِ الأَرْبَعِ، فَيَبْدَأُ بِيَاسِرَةِ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةِ، فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ بِيَاسِرَةِ الْمُؤَخَّرَةِ، ثُمَّ بِيَامِنَةِ الْمُقَدَّمَةِ، فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ، ثُمَّ بِيَامِنَةِ الْمُؤَخَّرَةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا اتَّبَعَ أَحَدُكُمُ الْجِنَازَةَ، فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الأَرْبَعَةِ، ثُمَّ لِيَتَطَوَّعْ بَعْدُ أَوْ لِيَذَرْ، فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنْ كَثُرَ النَّاسُ، أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ حَمْلِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَمِنْ أَيْنَ حُمِلَ فَحَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ». وَعَنْ عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِ أُمِّهِ، فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى وَضَعَ. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ حَمَلَ سَرِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ عَلَى كَاهِلِهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ حَمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.

وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ حَمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِ الْمِسْوَرِ. وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَائِمًا بَيْنَ قَائِمَتَيِ السَّرِيرِ

باب الصلاة على الجنازة

بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ 1489 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. 1490 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ الْبِلالِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ بِمَكَّةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ

وَمِائَتَيْنِ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَغْفِرُوا لَهُ». 1490 - قَالَ: ونا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْفِقْهِ، مِنْهَا جَوَازُ النَّعْيِ، وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ النَّعْيَ، وَهُوَ أَنْ يُنَادِيَ فِي النَّاسِ، أَنَّ فُلانًا قَدْ مَاتَ، لِيَشْهَدُوا جِنَازَتَهُ. رَوَى إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ، فَإِنَّ النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْوَقْفُ أَصَحُّ. وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مُتُّ فَلا تُؤْذِنُوا بِي أَحَدًا، إِنِّي

أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْلَمَ بِهِ إِخْوَانُهُ، وَأَقَارِبُهُ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ مُؤْتَةَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ». وَالنَّجَاشِيُّ كَانَ مُسْلِمًا يَكْتُمُ إِيمَانَهُ فِيمَا بَيْنَ قَوْمٍ كُفَّارٍ، وَلَمْ يكُنْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَقُومُ بِحَقِّهِ فِي الصَّلاةِ عَلَيْهِ، فَلَزِمَ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَلِمَ بِمَوْتِ رَجُلٍ بِمَضْيَعَةٍ، لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ جَوَازُ الصَّلاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ، وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى الْقِبْلَةِ، لَا إِلَى بَلَدِ الْمَيِّتِ إِنْ كَانَ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الصَّلاةَ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَخْصُوصًا بِهِ،

وَهَذَا ضَعِيفٌ، لأَنَّ الاقْتِدَاءَ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَاجِبٌ عَلَى الْكَافَّةِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ، وَلا تَجُوزُ دَعْوَى التَّخْصِيصِ هَهُنَا، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، إِنَّمَا صَلَّى مَعَ النَّاسِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ فِيهِ مُسْتَدَلٌّ، لأَنَّ النَّجَاشِيَّ كَانَ مُسْلِمًا بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ قَوْمٍ كُفَّارٍ، فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقَّهُ فِي الصَّلاةِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ فِي الْبَلَدِ الآخَرِ، فَلَيْسَ كَهَؤُلاءِ، لأَنَّهُ قَدْ قَضَى حَقَّهُ فِي الصَّلاةِ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَلَدِهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يُكَبَّرُ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ

الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ آخِرُ مَا فَعَلَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: يُكَبِّرُ

بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ، أَرْبَعًا. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ خَمْسًا، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: إِذَا كَبَّرَ الإِمَامُ خَمْسًا، فَإِنَّهُ يَتَّبِعُ الإِمَامَ. رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا، وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُهَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سِتًّا، وَعَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا، وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ أَرْبَعًا. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ، كَبِّرْ مَا كَبَّرَ الإِمَامُ، فَإِذَا انْصَرَفَ فَانْصَرِفْ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ، فَكَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا، فعَجِبَ مِنْهُ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ، أَرْبَعًا، وَخَمْسًا، وَسِتًّا، وَسَبْعًا. فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَرْبَعٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانُوا يُكَبِّرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعًا، وَخَمْسًا، وَأَرْبَعًا، فَجَمَعَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلاثًا. وَقَالَ حُمَيْدٌ: صَلَّى بِنَا أَنَسٌ، فَكَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ. وَمَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ، كَبَّرَ، ثُمَّ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ، قَضَى مَا فَاتَهُ مِنَ التَّكْبِيرَاتِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَابْنِ شِهَابٍ.

قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: التَّكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ اسْتِفْتَاحُ الصَّلاةِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّحْلِيلُ عَنْهَا بِالتَّسْلِيمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهِ، فَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ التَّسْلِيمِ فِي الصَّلاةِ، يَعْنِي: تَسْلِيمَتَيْنِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّهُ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَقَالَ: «إِنِّي لَا أَزِيدُكُمْ عَلَى مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا: تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً. وَرُوِيَ عَنْ

عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً. وَرَوَى مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الْجِنَازَةِ تَسْلِيمَةً خَفِيَّةً. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ يُسَلِّمُ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ. وَرَفَعُ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى مِنْ صَلاةِ الْجِنَازَةِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُهُ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَيُرْوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ إِلا فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ

الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ، وَالْقَبْضِ بِالْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنْ يَقْبِضَ كَمَا فِي الصَّلاةِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، وَوَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَا يَقْبِضُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَأَحقُّهُمْ بِالصَّلاةِ عَلَى جَنَائِزِهِمْ مِنْ رَضُوهُمْ لِفَرَائِضِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالْوَلِيُّ أَحَقُّ بِالصَّلاةِ مِنَ الْوَالِي، لأَنَّ هَذَا مِنَ الأُمُورِ الْخَاصَّةِ، وَأَحَقُّ قَرَابَتِهِ الأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الأَبِ، ثُمَّ الْوَلَدُ، وَوَلَدُ الْوَلَدِ، ثُمَّ الأَخُ لِلأَبِ وَالأُمِّ، ثُمَّ الأَخُ لِلأَبِ، ثُمَّ أَقْرَبُهُمْ بِهِ عَصَبَةً، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَوْصَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، قَالَ: ليلني أَصْحَابِي، وَلا يُصَلِّي عَلَيَّ ابْنُ زِيَادٍ. وَأَوْصَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ عَوَّامٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَالِي أَحَقُّ مِنَ الْوَلِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ،

وَالأَسْوَدِ، وَسُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَلْمٍ، وَالْقَاسِمِ، وَالْحَسَنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الزَّوْجُ أَحَقُّ بِالصَّلاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنَ الأَخِ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا صُلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أُدْخِلَ الرِّجَالُ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِمَامٍ أَرْسَالا حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ النِّسَاءُ، فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ الْعَبِيدُ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ أَرْسَالا لَمْ يَؤُمَّهَمْ أَحَدٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَلِكَ لِعِظَمِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، وَتَنَافُسِهِمْ فِي أَنْ لَا يَتَوَلَّى الإِمَامَةَ فِي الصَّلاةِ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَصَلَّوْا فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.

باب الصلاة على الجنازة في المسجد

بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ 1491 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ مَاتَ، فَتَدْعُو لَهُ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةَ: «مَا أَسْرَعَ النَّاسَ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ، إِلا فِي الْمَسْجِدِ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعًا، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 1492 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ

بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، أَنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، أَنا الضَّحَّاكُ، يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَتْ: " ادْخُلُوا بِهِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ. فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ ". قَالَ مُسْلِمٌ: وَهَذَا سُهَيْلُ بْنُ دَعْدٍ، وَهُوَ ابْنُ الْبَيْضَاءِ، وَبَيْضَاءُ أُمُّهُ. وَثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ.

وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِمَا 1493 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلا شَيْءَ لَهُ». وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَيْسَ لَهُ أَجْرٌ». وَهَذَا ضَعِيفُ الإِسْنَادِ، وَيُعَدُّ مِنْ أَفْرَادِ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، وَإِنْ ثَبَتَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ نُقْصَانَ الأَجْرِ، لأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ يَنْصَرِفُ، فَلا يَشْهَدُ دَفْنَهُ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الصَّحَرَاءِ بِحَضْرَةِ الْقُبُورِ يَشْهَدُ دَفْنَهُ، فَيَسْتَكْمِلُ أَجْرَ الْقِيرَاطَيْنِ.

باب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة والدعاء للميت

بَابُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ 1494 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ، فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، فَلَمَّا سَلَّمَ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «سُنَّةٌ وَحَقٌّ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ طَلْحَةَ، وَيُرْوَى أَنَّهُ جَهَرَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَقَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرِهِمْ إِلَى قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِيهَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا، إِنَّمَا هِيَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. رُوِيَ عَنِ

ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْرَأُ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِيهَا، وَفِيهَا تَكْبِيرٌ وَتَسْلِيمٌ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الدُّعَاءِ فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الأَشْهَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا». وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَزَادَ فِيهِ: «اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا، فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ».

1495 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ، وَالثَّلْجِ، وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ». قَالَ: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ. وَفِي رِوَايَةٍ: «وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَعَذَابَ النَّارِ».

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ هَذَا الْحَدِيثُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ، فَسَمِعْتُهُ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَأُ عَلَى الطِّفْلِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا، وَسَلَفًا، وَأَجْرًا». 1496 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، سُئِلَ كَيْفَ تُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ؟ قَالَ: " أَنَا، لَعَمْرُ اللَّهِ، أُخْبِرُكَ: أَتَّبِعُها، فَإِذَا وُضِعَتْ، كَبَّرْتُ، وَحَمِدْتُ اللَّهَ، وَصَلَّيْتُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَقُولُ: اللَّهُمَّ

هَذَا عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا، فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ ".

باب أين يقوم الإمام من المرأة

بَابُ أَيْنَ يَقُومُ الإِمَامُ مِنَ الْمَرْأَةِ 1497 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا حُسَيْنٌ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، «فَقَامَ وَسَطَهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ، وَقَالَ: صَلَّى عَلَى أُمِّ كَعْبٍ مَاتَتْ وَهِيَ نُفَسَاءُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَلَى جِنَازَةِ رَجُلٍ، فَقَامَ حِيَالَ رَأْسِهِ، ثُمَّ جَاءُوا بِجِنَازَةِ امْرَأَةٍ،

فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ، وَيُرْوَى: عِنْدَ عَجِيزَتِهَا، فَقَالَ لَهُ الْعَلاءُ بْنُ زِيَادٍ: هَكَذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَامَ عَلَى الْجِنَازَةِ مُقَامَكَ مِنْهَا، وَمِنَ الرَّجُلِ مُقَامَكَ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ ". قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا، أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ صَدْرِ الْمَيِّتِ، رَجُلا كَانَ أَوِ امْرَأَةً.

باب الصلاة على القبر

بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْقَبْرِ 1498 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، نَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ دُفِنَ لَيْلا، فَقَالَ: «مَتَى دُفِنَ هَذَا؟»، قَالُوا: الْبَارِحَةَ. قَالَ: «أَفَلا آذَنْتُمُونِي؟»، قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا فِيهِمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَالَ: انْتَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَبْرٍ رَطْبٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَصَفُّوا خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى عَلَى قَبْرٍ، وَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاتِي عَلَيْهِمْ». وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إِلَى مَتَى يَجُوزُ الصَّلاةُ عَلَى الْقَبْرِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُصَلَّى إِلَى شَهْرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أمَّ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مَاتَتْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ». وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الدَّفْنُ بِاللَّيْلِ. قَالَ جَابِرٌ: رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبُرَةِ، فَأَتَوْهَا، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ، يَقُولُ: «نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ». 1499 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَسْوَدَ، رَجُلا أَوِ امْرَأَةً، كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، وَلَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ ذَاكَ الإِنْسَانُ؟» قَالُوا: مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَفَلا آذَنْتُمُونِي؟» فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَحَقَّرُوا شَأْنَهُ. قَالَ: «فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ». فَأَتَى قَبْرَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِإِسْنَادٍ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَزَادَ: فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاتِي عَلَيْهِمْ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ إِنَّمَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ، بِخِلافِ الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ.

باب الشهيد في سبيل الله لا يغسل ولا يصلى عليه

بَابُ الشَّهِيدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُغْسَلُ وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِ 1500 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَهُ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ " فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغْسَلُوا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا هُوَ السُّنَّةُ فِي الشَّهِيدِ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُ الْفِرَاءُ وَالْجُلُودُ، وَالْخِفَافُ، وَالأَسْلِحَةُ، وَيُدْفَنَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ الْعَامَّةِ. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّهِيدَ الْمَقْتُولَ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ لَا يُغْسَلُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلاةِ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ

وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ. وَتَأَوَّلَ الأَوَّلُونَ مَا رُوِيَ مِنْ صَلاتِهِ عَلَى حَمْزَةَ، فَجَعَلَهَا بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُودِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ». وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أُثْخِنَ فِي الْمَعْرَكَةِ، فَحُمِلَ وَبِهِ رَمَقٌ، فَمَاتَ بَعْدَهُ هَلْ يُغْسَلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُغْسَلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ، وَيُقَدَّمُ إِلَى الْقِبْلَةِ أَفْضَلُهُمْ، رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: «احْفِرُوا، وَأَوْسِعُوا، وَأَحْسِنُوا». وَيُرْوَى: «أَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا، وَادْفِنُوا الاثْنَيْنِ وَالثَّلاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا». فَمَاتَ أَبِي فَقُدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلَيْنِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِذَا وُضِعَتْ جَنَائِزُ لِلصَّلاةِ عَلَيْهَا، قُرِّبَ إِلَى الإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ، رُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَنَّهُ شَهِدَ

جِنَازَةَ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ امْرَأَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِهَا زَيْدِ بْنِ عُمَرَ، فَجُعِلَ الْغُلامُ مِمَّا يَلِي الإِمَامَ، وَفِي الْقَوْمِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالُوا: «هَذِهِ السُّنَّةُ». وَعَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ: كَانُوا يَجْعَلُونَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الإِمَامَ، وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الأَكْفَانَ إِذَا ضَاقَتْ جَازَ أَنْ يُكَفَّنَ الْجَمَاعَةُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،

قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَرَآهُ قَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: «لَوْلا أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا لَتَرَكْتُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الْعَافِيَةُ، حَتَّى يُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بُطُونِهَا». وَقَلَّتِ الثِّيَابُ، وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى، فَكَانَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ وَالثَّلاثَةُ يُكَفَّنُونَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، ثُمَّ يُدْفَنُونَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ عَنْهُمْ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ قُرْآنًا، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَدَفَنَهُمْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. أَمَّا الْقَتِيلُ ظُلْمًا فِي غَيْرِ الْقِتَالِ: فَيُغْسَلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ شَهِيدًا فِي الثَّوَابِ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُسِلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَهِيدًا.

وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَالْمَبْطُونُ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ "، يُرِيدُ: الْمَرْأَةَ تَمُوتُ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، وَقِيلَ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَمُوتُ وَلَمْ يَمْسَسْهَا رَجُلٌ، فَهَؤُلاءِ شُهَدَاءُ فِي ثَوَابِ الآخِرَةِ، وَفَرْضُ غُسْلِهِمْ وَالصَّلاةِ عَلَيْهِمْ بَاقٍ. وَالْمَقْتُولُ فِي الْحَدِّ يُغْسَلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُتْرَكُ الصَّلاةُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيمَنْ قُتِلَ فِي تَرْكِ الصَّلاةِ، فَالأَكْثَرُونَ، قَالُوا: يُصلَّى عَلَيْهِ، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ، يَقُولُ: يُصَلَّى عَلَى مَنْ يُقَادُ مِنْهُ، وَلا يُصَلَّى عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي رَجْمٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَتَلَهُ الإِمَامُ فِي حَدٍّ، فَلا يُصَلِّي عَلَيْهِ الإِمَامُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُ إِنْ شَاءَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ يُصَلِّ عَلَى مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ خَيْرًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُحَارِبِينَ أَوْ صُلِبَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَتْلاهِمْ عُقُوَبَةً لَهُمْ، وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ. فَأَمَّا الْمَقْتُولُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، فَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُغْسَلُ، وَهَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ؟ فَقَدْ قِيلَ: لَا يُغْسَلُ وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِ، كَالْقَتِيلِ فِي مُعْتَرَكِ الْكُفَّارِ، وَقِيلَ: يُغْسَلُ وَيُصلَّى عَلَيْهِ لأَنَّهُ مَقْتُولٌ مُسْلِمٌ.

وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عَلِيًّا صلَّى عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَهَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ، فَجَعَلَ عَمَّارًا مِمَّا يَلِيهِ، وَهَاشِمًا أَمَامَهُ، فَلَمَّا أُدْخِلا الْقَبْرَ جَعَلَ عَمَّارًا أَمَامَهُ وَهَاشِمًا مِمَّا يَلِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ طَائِرًا أَلْقَى يَدًا بِمَكَّةَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ، فَعَرَفُوهَا بِالْخَاتَمِ، فَغَسَلُوهَا وَصَلَّوْا عَلَيْهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلاةِ عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُصلَّى عَلَيْهِ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَا يَرَى الصَّلاةَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الإِمَامُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ رَجُلا قَتَلَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ: إِنَّمَا لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ تَحْذِيرًا لِلنَّاسِ عَنْ مِثْلِ مَا فَعَلَ. وَالسَّقْطُ يُصلَّى عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ بَعْدَ أَنِ اسْتَهَلَّ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَهِلَّ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ،

يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَرَفَعَ بَعْضُهُمْ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «الطِّفْلُ لَا يُصلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ» وَالأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ،

وَإِسْحَاقَ، لِمَا يُرْوَى عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «السَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ». قَالَ إِسْحَاقُ: إِنَّمَا الْمِيرَاثُ بِالاسْتِهْلالِ، أَمَّا الصَّلاةُ، فَإِنَّهُ يُصلَّى عَلَيْهِ، لأَنَّهُ نَسَمَةٌ كُتِبَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ وَالسَّعَادَةُ.

باب فضل الصلاة على الجنازة وانتظار دفنه

بَابُ فَضْلِ الصَّلاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَانْتِظَارِ دَفْنِهِ 1501 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَنْجُوفِيُّ، نَا رَوْحٌ، نَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً، وَحَمَلَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهَا». وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو الْمُهَزِّمِ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا 1502 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ يَتْبَعُهَا حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا، فَلَهُ قِيرَاطَانِ، أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ». فَذُكِرَ ذَلِكَ لابْنِ عُمَرَ، فَتَعَاظَمَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ

يَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1503 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عِيسَى الأُسْوَارِيِّ،

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُودُوا الْمَرْضَى، وَاتَّبِعُوا الْجَنَائِزَ تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ»

باب من صلى عليه أمة من الناس

بَابُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ 1504 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجِرْدِيُّ، نَا أَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيعِ عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ يَكْمُلُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَتَشَفَّعُونَ لَهُ إِلا شُفِّعُوا فِيهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَلامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ

1505 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلا لَا يُشْرِكُونَ باللَّهِ شَيْئًا إِلا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ إِذَا اسْتَقَلَّ أَهْلُ الْجِنَازَةِ، جَزَّأَهُمْ ثَلاثَةَ صُفُوفٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا أَوْجَبَ». وَاختلفوا فِي الْعَدَدِ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِمْ فَرْضُ صَلاةِ الْجِنَازَةِ، قِيلَ: وَاحِدٌ، وَقِيلَ: اثْنَانِ، وَقِيلَ: ثَلاثَةٌ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى عَلَى ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ فِي مَنْزِلِهِمْ، «فَتَقَدَّمَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ وَرَاءَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ وَرَاءَ أَبِي طَلْحَةَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ».

باب الثناء على الميت

بَابُ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ 1506 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِها مَرَضٌ، وَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ، فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ فَأُثْنِيَ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى، فَأُثْنِيَ خَيْرًا، فَقَالَ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ، فَأُثْنِيَ شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ»، قُلْنَا: وَثَلاثَةٌ؟ قَالَ: «وَثَلاثَةٌ»

قُلْتُ: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: «وَاثْنَانِ» , ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّزْكِيَّةَ وَالتَّعْدِيلَ لَا يُقْبَلُ إِلا مِنَ اثْنَيْنِ كَالشَّهَادَةِ

1507 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: مَرُّوا بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ»، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ»، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ

1508 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مُرَّ بِجِنَازَةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَثْنُوا عَلَيْهِ»، فَقَالُوا: كانَ مَا عَلِمْنَا، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ»، قَالَ: ثُمَّ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «أَثْنُوا عَلَيْهِ»، فَقَالُوا: بِئْسَ الْمَرْءُ كانَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: «وَجَبَتْ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ 1509 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ، وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ».

باب اللحد

بَابُ اللَّحْدِ سُمِّيَ اللَّحْدَ، لأَنَّهُ فِي نَاحِيَةٍ مُلْتَحَدًا مَعْدُوَلا، وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِيمًا كَانَ ضَرِيحًا. 1510 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ " كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا يَلْحَدُ، وَالآخَرُ لَا يَلْحَدُ، فَقَالُوا: أَيُّهُمَا جَاءَ أَوَّلا عَمِلَ عَمَلَهُ، فَجَاءَ الَّذِي يَلْحَدُ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، يُضْرِحُ لأَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ، يَلْحَدُ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَدَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ أَنْتَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، وَاذْهَبْ أَنْتَ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ فَلَحَدَ 1511 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا الْوَلِيدُ بْنُ بَكْرٍ الْغَمْرِيُّ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَخِي عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَالِكِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، نَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّحْدُ

لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 1512 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ جَرِيرٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ: «أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ: هَلْ يُلْقَى تَحْتَ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ؟ فَكَرِهَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَكْرَهْهُ آخَرُونَ، لأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: جُعِلَ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الَّذِي ألْحَدَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو طَلْحَةَ، وَالَّذِي أَلْقَى الْقَطِيفَةَ تَحْتَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَرِهَ، أَنْ يُجْعَلَ تَحْتَ الْمَيِّتِ ثَوْبٌ فِي الْقَبْرِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْقَطِيفَةَ فِي الْقَبْرِ لِيَكُونَ فِرَاشًا لَهُ، فَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ شُقْرَانُ حِينَ وُضِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهِ أَخَذَ قَطِيفَةً، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، وَيَفْتَرِشُهَا، فَدَفَنَهَا مَعَهُ فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ». وَشُقْرَانُ: اسْمُهُ صَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَبُهُ شُقْرَانُ.

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ دَفَنَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فِي بَطْنِهَا وَلَدُ مُسْلِمٍ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، أَنَّهُ دَفَنَ نَصْرَانِيَّةً فِي بَطْنِهَا وَلَدُ مُسْلِمٍ فِي مَقْبَرةٍ لَيْسَتْ بِمَقْبَرَةِ النَّصَارَى وَلا الْمُسْلِمِينَ. وَلا بَأْسَ بِنَبْشِ قُبُورِ الْكُفَّارِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ مَنْ لَا حُرْمَةَ لِدَمِهِ فِي حَيَاتِهِ، لَا حُرْمَةَ لِعَظْمِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، قَالَ أَنَسٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ». وَقَدْ أَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي نَبْشِ قَبْرِ أَبِي رِغَالٍ، فِي طَرِيقِهِ إِلَى الطَّائِفِ،

وَذَكَرَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَابْتَدَرُوهُ وَأَخْرَجُوهُ، وَكَانَ مِنْ بَقِيَّةِ قَوْمِ عَادٍ لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مِنَ النَّقْمَةِ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ، وَحُكْمُ ذَلِكَ الْغُصْنِ حَكْمُ الرِّكَازِ. وَفِي مُسَاوَمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّجَّارِ مَوْضِعَ الْمَسْجِدِ، وَفِيهِ الْقُبُورُ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا دُفِنَ فِي مِلْكِهِ، فَمَوْضِعُ الْقَبْرِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ أَوْلِيَائِهِ، وَالْكَفَنُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ، وَسَارِقُهُ سَارِقُ مِلْكِ الأَوْلِيَاءِ. وَلا يَجُوزُ نَبْشُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، رَوَتْ عَمْرَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا». فَإِنْ وَقَعَتِ الْحَاجَةُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ، وَكَانَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ حَاجَةٌ، فَأَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ

باب نزول الرجل قبر المرأة

بَابُ نُزُولِ الرَّجُلِ قَبْرَ الْمَرْأَةِ 1513 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ الْعَبْدِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا فُلَيْحُ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلالِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، فَرَأيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَانْزِلْ، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: قَالَ فُلَيْحٌ: أَرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوَّلَ فُلَيْحٌ قَوْلَهُ: «لَمْ يُقَارِفْ» أَيْ: لَمْ يُذْنِبْ، وَقِيلَ: أَيْ لَمْ يَقْرَبْ أَهْلَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ اللَّيْلَ، وَالْغَالِبُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وُقُوعُهُ بِاللَّيْلِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَلَّى دُخُولَ قَبْرِ الطِّفْلَةِ، وَيُصْلِحُ مِنْ شَأْنِ دَفْنِهَا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ بِنْتًا لِبَعْضِ بَنَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلا يُدْخِلُ الْمَيِّتَ قَبْرَهُ إِلا الرِّجَالُ مَا كَانُوا مَوْجُودِينَ، وَيُدْخِلُهُ فِيهِ أَفْقَهُهُمْ، وَأَقْرَبُهُمْ رَحِمًا، وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونُوا وِتْرًا ثَلاثَةً، أَوْ خَمْسَةً. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَّلَهُ عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُمْ أَدْخَلُوهُ قَبْرَهُ، وَيُرْوَى أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ عبدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ عَلَى زَيْنَبَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُدْخِلُهَا قَبْرَهَا؟ فَأَرْسَلْنَ إِلَيْهِ: يُدْخِلُهَا قَبْرَهَا مَنْ كَانَ يَرَاهَا فِي حَيَاتِهَا، قَالَ: صَدَقْنَ.

باب كيف يؤخذ الميت من شفير القبر

بَابُ كَيْفَ يُؤْخَذُ الْمَيِّتُ مِنْ شَفِيرِ الْقَبْرِ 1514 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا الثِّقَةُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «سُلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَخْذِ الْمَيِّتِ مِنْ شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْجِنَازَةَ تُوضَعُ فِي أَسْفَلِ الْقَبْرِ، وَيُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

دَخَلَ قَبْرًا لَيْلا، فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ، فَأَخَذَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتَ لأَوَّاهًا تَلاءً لِلقُرْآنِ»، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَالأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَدْخَلَ الْمَيِّتَ الْقَبْرَ، قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وَفِي رِوَايَتِهِ: «

عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ». وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: حَضَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ، فَلَمَّا وَضَعَهَا فِي اللَّحْدِ، قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَمَّا أَخَذَ فِي تَسْوِيَةِ اللَّبِنِ عَلَى اللَّحْدِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَجِرْهَا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَلَمَّا سَوَّى الْكَثِيبَ عَلَيْهَا قَامَ جَانِبَ الْقَبْرِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ جَافِ الأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهَا، وَصَعِّدْ بِرُوحِهَا، وَلَقِّهَا مِنْكَ رِضْوَانًا، فَقُلْتُ: أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: بَلَى. وَرُوِيَ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَلَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ سَعْدٍ بِثَوْبِهِ»، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَيُرْوَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ حَضَرَ جِنَازَةَ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ، فَأَبَى أَنْ يَبْسُطُوا عَلَيْهِ ثَوْبًا، وَقَالَ: إِنَّهُ رَجُلٌ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا بِالنِّسَاءِ». وَيُدْفَنُ الْمَيِّتُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ. قَالَ عُمَرُ وَذَكَرَ الْكَعْبَةَ: وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلا أَحْجَارٌ نَصَبَهَا اللَّهُ قِبْلَةً لأَحْيَائِنَا، وَيُوَجَّهُ إِلَيْهَا مَوْتَانَا.

باب

بَابٌ 1515 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَثَا عَلَى الْمَيِّتِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا» 1515 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ». وَالْحَصْبَاءُ لَا يَثْبُتُ إِلا عَلَى قَبْرٍ مُسَطَّحٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَطَّحَ قَبْرَ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رُشَّ قَبْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الَّذِي رَشَّ الْمَاءَ عَلَى قَبْرِهِ بِلالُ بْنُ رَبَاحٍ، بِقِرْبَةٍ، بَدَأَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى

رِجْلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِالْمَاءِ إِلَى الْجِدَارِ، لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَدُورَ مِنَ الْجِدَارِ». وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى تَسْطِيحِ الْقَبْرِ. وَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّاهُ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةٍ، وَلا لاطِئَةٍ، مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمًا، وَأَبَا بَكْرٍ رَأْسُهُ بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُمَرُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ، قَالَ: رَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا.

وَرِوَايَةُ الْقَاسِمِ تَدُلُّ عَلَى التَّسْطِيحِ. وَمَهْمَا صَحَّتِ الرِّوَايَتَانِ، فَكَأَنَّهُ غُيِّرَ الْقَبْرُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ، فَقَطْ سَقَطَ جِدَارُهُ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقِيلَ: فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ أُصْلِحَ، وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ أَصَحُّ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فِي هَذَا الْبَابِ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَفَنَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرًا، وَقَالَ: «لِيُعْلَمَ قَبْرُ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي». وَيُكْرَهُ أَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ فَوْقَ الأَرْضِ مُشْرِفًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِلا قَدْرَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ قَبْرٌ لِكَيْ لَا يُوطَأَ وَلا يُجْلَسَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَدْرُ شِبْرٍ، وَلا يُرَدُّ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تُرَابِهِ 1516 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا

مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسْدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَليٌّ: «أَلا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالا إِلا طَمَسْتَهُ، وَلا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلا سَوَّيْتَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ: رَأَيْتُنِي وَنَحْنُ شُبَّانٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، وَإِنَّ أَشَدَّنَا وَثْبَةً الَّذِي يَثِبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ حَتَّى نُجَاوِزَهُ

باب كراهية تجصيص القبر والبناء عليه

بَابُ كَرَاهِيَّةِ تَجْصِيصِ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ 1517 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «نَهَى عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ»، فَقِيلَ لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: ذَلِكَ أَرَادَ. والتَّقْصِيصُ: هُوَ التَّجْصِيصُ، وَالْقَصَّةُ: الْجَصُّ. وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ , عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ تُوطَأَ»

وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ، فُسْطَاطًا عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: انْزِعْهُ يَا غُلامُ، فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ. وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ضَرَبَتِ امْرَأَتُهُ الْقُبَّةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً، ثُمَّ رَفَعَتْهُ، فَسَمِعُوا صَائِحًا، يَقُولُ: أَلا هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا، فَأَجَابَهُ آخَرُ: بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا. فَأَمَّا الْجَرِيدُ عَلَى الْقَبْرِ، فَلا بَأْسَ بِهِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً».

وَأَوْصَى بُرَيْدةُ الأَسْلَمِيُّ، أَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَتَانِ. وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ فِي تَطْيِينِ الْقُبُورِ، مِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ أَنْ يُطَيَّنَ الْقَبْرُ.

باب إذا حضروا قبل أن يفرغ من القبر

بَابُ إِذَا حَضَرُوا قَبْلَ أَنْ يُفْرَغَ مِنَ الْقَبْرِ 1518 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَنَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، فَوَجَدْنَا الْقَبْرَ لَمْ يُلْحَدْ، فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ». وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ: «فَجَلَسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَجَلَسْنَا مَعَهُ»

باب الجلوس على القبر

بَابُ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ 1519 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ تَمْتَامٌ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَيَحْتَرِقَ ثَوْبُهُ حَتَّى تَخْلُصَ إِلَيْهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْجُلُوسَ عَلَى الْقَبْرِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا قَدِ اتَّكَأَ عَلَى قَبْرٍ، فَقَالَ لَهُ: «لَا تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ»، وَرَخَّصَ قَوْمٌ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهِ، وَحَمْلُ النَّهْيِ عَلَى الْقُعُودِ عَلَيْهِ لِلْحَدَثِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْقُبُورَ، وَيَضْطَجِعُ عَلَيْهَا. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ.

وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ: أَخَذَ بِيَدِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَأَجْلَسَنِي عَلَى قَبْرٍ، وَأَخْبَرَنِي عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْجُلُوسِ: الْجُلُوسُ لِلإِحْدَادِ، وَهُوَ أَنْ يُلازِمَهُ فَلا يَرْجِعَ عَنْهُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا الْجُلُوسُ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ إِلَى أَنْ يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ، فَلا بَأْسَ، لِمَا رَوَيْنَا، عَنْ أَنَسٍ: شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ. وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ يُدْفَنُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «ضَعُوا الْحَجَرَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَضَعُوا الْجَبُوبَةَ، يَعْنِي الْمَدَرَ، فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْقِيَامُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَهُوَ يُسَوَّى بِدْعَةٌ

باب السؤال في القبر

بَابُ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ 1520 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إِبْرَاهِيم: 27] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ: نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، يُقَالُ

لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ. . 1521 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ حِسَّ النِّعَالِ إِذَا وَلَّوْا عَنْهُ النَّاسُ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ يُجْلَسُ وَيُوضَعُ كَفَنُهُ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ يُسْأَلُ» كَثِيرٌ جَدُّ عَنْبَسَةَ: هُوَ كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ رَضِيعُ عَائِشَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ «إِنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ حِسَّ النِّعَالِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمَشْيِ فِي النِّعَالِ بِحَضْرَةِ الْقُبُورِ، وَبَيْنَ ظَهْرَانَيْهَا. رُوِيَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَّةِ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ فِي نَعْلَيْنِ، فَقَالَ: «يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ اخْلَعْ سِبْتِيَّتَيْكَ».

فَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى كَرَاهِيَةِ الْمَشْيِ بَيْنَ الْقُبُورِ فِي النِّعَالِ، وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُؤْذِيهِمْ صَوْتُ النِّعَالِ، وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنْ لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَالأَمْرُ بِالنَّزْعِ، قِيلَ: إِنَّمَا كَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَلْبَسُونَهَا غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ، إِلا أَهْلَ السِّعَةِ مِنْهُمْ، فَأَمَرَ بِنَزْعِهَا لِنَجَاسَتِهَا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَاهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِقَذَرٍ رَآهُ فِي نَعْلَيْهِ، فَكَرِهَ أَنْ يَطَأَ بِهِمَا الْقُبُورَ كَمَا كَرِهَ أَنْ يُحْدِثَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْقُبُورِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا كُرِهَ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُيَلاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ نِعَالَ السِّبْتِ مِنْ لِبَاسِ أَهْلِ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ، فَأَحَبَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ الْمَقَابِرِ عَلَى زِيِّ التَّوَاضُعِ، وَلِبَاسِ أَهْلِ الْخُشُوعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ: هِيَ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَحْلُوقَةُ الشَّعَرِ 1522 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، نَا عَبْدُ الأَعْلَى، نَا سَعِيدٌ، عَنْ قتَادَةَ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ، لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا ". قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، قَالَ: " وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً، يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ، غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ،

عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ. . . إِلَى قَوْلِهِ: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا»، وَقَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَيُمْلأُ عَلَيْهِ خَضِرًا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَوْلُهُ: «وَلا تَلَيْتَ»، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: هَكَذَا يَقُولُ الْمُحَدِّثُونَ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: فِيهِ قَوْلانِ، بَلَغَنِي عَنْ يُونُسَ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ لَا أَتْلَيَتْ سَاكِنَةُ التَّاءِ، يَدْعُو عَلَيْهِ بِأَنْ لَا تُتْلَى إِبِلُهُ، أَيْ: لَا يَكُونُ لَهَا أَوْلادٌ يَتْلُوهَا، يُقَالُ لِلنَّاقَةِ: قَدْ أَتْلَتْ، فَهِيَ مُتْلِيَةٌ، وَتَلاهَا وَلَدُهَا: إِذَا تَبِعَهَا، قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ وَلا ايْتَلَيْتَ، تَقْدِيرُهُ: افْتَعَلَتْ، مِنْ قَوْلِكَ: مَا أَلَوْتُ هَذَا، وَلا اسْتَطَعْتُهُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا دَرَيْتَ وَلا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَدْرِيَ، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: الأَلْوُ يَكُونُ جَهْدًا، وَيَكُونُ تَقْصِيرًا، وَيَكُونُ اسْتِطَاعَةً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: تَلَوْتَ، أَيْ لَا قَرَأْتَ، حَوَّلُوا الْوَاوَ يَاءً عَلَى مُوَافَقَةِ دَرَيْتَ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَلِلآخَرِ:

النَّكِيرُ، فَيَقُولانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ". 1523 - أَنا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارِ بْنِ أَيُّوبَ الْقُرَشِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْفَرَّاءُ أَبُو إِسْحَاقَ، نَا هِشَامُ بْنُ

يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ، عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: كانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى الْقَبْرِ بَكَى حَتَّى تُبَلَّ لِحْيَتُهُ، فَقِيلَ لَهُ، تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فَلا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟! فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ» 1523 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ» 1523 - وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الرَّجُلِ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ»، هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ، إِلا مِنْ حَدِيثِ

هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصَّوَابُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عِيسَى، وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، وَهُوَ يَبْكِي: أَنَا مِتُّ فَلا يَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي، فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ، وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَوْصَى حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، قَالَ: إِذَا انْطَلَقْتُمْ بِجِنَازَتِي، فَأَسْرِعُوا بِيَ الْمَشْيَ، وَلا تُتْبِعُونِي بِمَجْمَرٍ، وَلا تجعلن عَلَى لَحْدِي شَيْئًا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ التُّرَابِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُتْبَعُ الْمَيِّتُ بِصَوْتٍ وَلا نَارٍ».

باب عذاب القبر

بَابُ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ {45} النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غَافِر: 45 - 46] أَخْبَرَ أَنَّهُمْ بَعْدَ مَا أُغْرِقُوا يُعَذَّبُونَ بُكْرَةً وَأَصِيلا، ثُمَّ قَالَ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غَافِر: 46] أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدَّ مِمَّا كانُوا يُعَذَّبُونَ قَبْلَهُ، يَعْنِي فِي الْقَبْرِ. قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الْأَنْعَام: 93] إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ} [الْأَنْعَام: 93] أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ الْيَوْمَ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] إِنَّهُ عَذَابُ الْقَبْرِ. 1524 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1525 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا أَبُو يَحْيَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مَسَرَّةَ الْمَكِّيُّ، نَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، نَا شُعْبَةُ. ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْفَهَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ،

نَا أَبُو جَابِرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ تَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَسأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: " إِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ لَحَقٌّ، قَالَتْ: فَما سَمِعْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَلَّى صَلاةً إِلا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ

أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، كِلاهُمَا عَنِ الأَشْعَثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ 1526 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ الْبَصْرِيُّ، أَنَّهُ

سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي النَّجَّارِ، فَسَمِعَ صَوْتًا مِنْ قَبْرٍ، فَقَالَ: «مَتَى دُفِنَ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ؟»، فَقَالُوا: فِي الْجَاهِليَّةِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: «لَوْلا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ عَذَابَ الْقُبُورِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ

باب البكاء على الميت وما رخص فيه من إرسال الدمع

بَابُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا رُخِّصَ فِيهِ مِنْ إِرْسَالِ الدَّمْعِ 1527 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أَنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: حُضِرَ ابنٌ لِبِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَجِيءَ، قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ إِلَى أجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ»، فَرَدَّتْ إِلَيْهِ الرَّسُولَ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَمَا جَاءَ، قَالَ: فَقَامَ وَقُمْنَا وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَحْسِبُهُ، فَرُفِعَ الصَّبِيُّ

إِلَى حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، قَالَ: فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هَذِهِ الرَّحْمَةُ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ،

عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَوْلُهُ: «تَقَعْقَعُ» أَيْ: لَا يَثْبُتُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، كُلَّمَا صَارَتْ إِلَى حَالٍ لَمْ تَلْبَثْ أَنْ صَارَتْ إِلَى أُخْرَى، يُقَالُ: تَقَعْقَعَ الشَّيْءُ: إِذَا اضْطَرَبَ وَتَحَرَّكَ 1528 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ، نَا قُرَيْشٌ هُوَ ابْنُ حَيَّانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيمَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَلَّبَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: «يَابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ»، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ: «

إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلا نَقُولُ إِلا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُنُونَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ 1529 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةٍ، فَقَالَ: «قَدْ قَضَى؟»، فَقَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَبَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا، فَقَالَ: «أَلا تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ،

وَلا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ، أَوْ يَرْحَمُ، وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»، وَكَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ فِيهِ بِالْعَصَا، وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ، وَيَحْثِي التُّرَابَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قَوْلُهُ: فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةٍ. يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْقَوْمَ الْحُضُورَ الَّذِينَ غَشَوْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا يَغْشَاهُ مِنْ كَرْبِ الْوَجَعِ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ: قَدْ قَضَى؟ يَعْنِي: مَاتَ 1530 - أَخْبَرَنَا أَبُو تُرَابٍ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ يُوسُفَ الْمَرَاغِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبيدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا، قَالا: أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الآجُرِّيُّ، بِمَكَّةَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ

هَارُونَ بْنِ بُدَيْنَا الدَّقَّاقُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَتَّى أَتَى بِهِ النَّخْلَ، فَإِذَا هُوَ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِ أُمِّهِ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبْكِي، أَلَمْ تَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ؟! فَقَالَ: " إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ نَغْمَةِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ الشَّيْطَانِ، وَهَذِهِ رَحْمَةٌ، وَمَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ، يَا إِبْرَاهِيمُ لَوْلا أَنَّهُ قَوْلٌ حَقٌّ، وَوَعْدٌ صَادِقٌ، وَسبِيلٌ مَأْتِيَّةٌ، وَأَنَّ أَخِرَنَا يَلْحَقُ بِأَوَّلِنَا لَحَزِنَّا عَلَيْكَ حُزْنًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ، تَبْكِي الْعَيْنُ، وَيَوْجَلُ الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَوْلُهُ: سَبِيلٌ مَأْتِيَّةٌ، مَفْعُولٌ مِنَ الإِتْيَانِ، أَيْ: يَأْتِيهَا الْخَلْقُ، وَيُرْوَى: طَرِيقٌ مِيتَاءُ، أَيْ: مَسْلُوكٌ، وَفِي الْحَدِيثِ «مَا وَجَدْتَ فِي طَرِيقٍ مِيتَاءَ فَعَرِّفْهُ» يَعْنِي اللُّقَطَةَ 1531 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَيَّالِيُّ، أَنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ يُعْرَفُ بِفَضْلانَ، أَنا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى الأَنْصَارِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَزِينًا يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صِيرِ الْبَابِ»، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ قَدْ كَثُرَ بُكَاؤُهُنَّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ،

فَذَهَبَ الرَّجُلُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَنْتَهِينَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ غَلَبْنَنَا، فَقَالَ: اذْهَبْ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: «أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ، وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَصِيرُ الْبَابِ: شِقٌّ فِيهِ. 1532 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَتِيكٍ، وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو أُمِّهِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ، أَخْبَرَهُ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ، فَصَاحَ بِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيعِ»، فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ، فَجَعَلَ ابْنُ عَتِيكٍ يُسَكِّنُهُنَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُنَّ، فَإِذَا وَجَبَ، فَلا تَبْكِينَ بَاكِيَةٌ»، فَقَالُوا: وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «إِذَا مَاتَ»، قَالَتِ ابْنَتُهُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا، فَإِنَّكَ قَدْ كُنْتَ قَضَيْتَ جِهَازَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟»، فَقَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ

تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ» حَكَى الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: صَحَّفَ مَالِكٌ، فِي جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ جَبْرُ بْنُ عَتِيكٍ، وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلافٌ كَثِيرٌ. قَوْلُهُ: تَمُوتُ بِجُمْعٍ: هِيَ أَنْ تَمُوتَ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، وَتَكُونُ الَّتِي تَمُوتُ وَلَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ، وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ.

باب النهي عن النياحة والندب

بَابُ النَّهْيِ عَنِ النِّيَاحَةِ وَالنَّدْبِ 1533 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِليَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ 1534 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنا حِبَّانُ بْنُ هِلالٍ، نَا أَبَانٌ، نَا يَحْيَى، أَنَّ زَيْدًا، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلامٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ، حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "

أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ ". وقَالَ: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1535 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنِي أَبِي عِمْرَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَهَيْتُ عَنِ الْبُكَاءِ، إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنِ النَّوْحِ» وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ». فَالصَّالِقَةُ: هِيَ الرَّافِعَةُ صَوْتَهَا بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ، وَيَجُوزُ بِالسِّينِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الْأَحْزَاب: 19] أَيْ جَهَرُوا فِيكُمْ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالصَّلْقُ: الصَّوْتُ الشَّدِيدُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الَّتِي تَلْطِمُ وَجْهَهَا، يُقَالُ: سَلَقَهُ بِالسَّوْطِ، أَيْ: نَزَعَ جِلْدَهُ، وَالْحَالِقَةُ: الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا، وَالشَّاقَّةُ: الَّتِي تَشُقُّ ثَوْبَهَا. وَكَانَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ يَتْبَعَانِ الْجِنَازَةَ الَّتِي فِيهَا النَّوْحُ يَنْهَيَانِ عَنِ النَّوْحِ، فَإِذَا أبَيْنَ لَمْ يَدَعَا الْجِنَازَةَ. وَتَبِعَ مَسْرُوقٌ جِنَازَةً فِيهَا نِسَاءٌ يَصِحْنَ، فَأَمَرَ بِرَدِّهِنَّ، فَأَبَيْنَ، فَقَالَ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ، وَانْصَرَفَ

1536 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَابِرٍ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ حَامِدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْحَارِثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ»

باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه

بَابُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ 1537 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، نَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، بِمَكَّةَ، فَجِئْنَا نَشْهَدُهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ، فَجَلَسَ إِلَيَّ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثْمانَ: أَلا تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ

كانَ عُمَرُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ، قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلاءِ الرَّكْبُ؟ فَذَهَبْتُ، فَإِذَا صُهَيْبٌ، قَالَ: ادْعُهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ، فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ، وَالْحَقْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ، سَمِعْتُ صُهَيْبًا يَبْكِي، وَيَقُولُ: وَاأُخَيَّاهُ وَاصَاحِبَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيَّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟»، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، لَا وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَسْبُكُمُ القُرْآنُ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الْأَنْعَام: 164]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللَّهُ أَضْحَكَ

وَأَبْكَى، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: فَوَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ شَيْءٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَشْبَهُ بِدَلالَةِ الْكِتَابِ، ثُمَّ بِالسُّنَّةِ، وَمَا زِيدَ فِي عَذَابِ الْكَافِرِ فَبِاسْتِيجَابِهِ لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ. وَفَسَّرَ الْمُزَنِيُّ هَذَا الْكَلامَ، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُوصُونَ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِمْ وَبِالنِّيَاحَةِ، وَهِيَ مَعْصِيَةٌ، وَمَنْ أَمَرَ بِهَا، فَعُمِلَتْ بَعْدَهُ، كَانَتْ لَهُ ذَنْبًا، فَيَجُوزُ أَنْ يُزَادَ بِذَنْبِهِ عَذَابًا، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ رِوَايَةِ عُمَرَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوصُونَ أَهْلِيهِمْ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِمْ وَالنَّوْحِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي أَشْعَارِهِمْ، قَالَ قَائِلُهُمْ:

إِذَا مِتُّ فَانْعَيْنِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَابْنَةَ مَعْبَدِ / 50 فَالْمَيِّتُ تَلْزَمُهُ الْعُقُوبَةُ لِبُكَاءِ أَهْلِهِ، بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ وَوَصِيَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ، أَوْ كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُهُ، فَلا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ، فَيُعَاقَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِهَا، إِذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفُّهُمْ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيم: 6]. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا»، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ، وَلا هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ، فَهُوَ عَلَى مَا قَالَتْ عَائِشَةُ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَرْجُو إِنْ كَانَ يَنْهَاهُمْ فِي حَيَاتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. 1538 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ هِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ، وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ، فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ نَسِيَ، إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ، فَيَقُولُ: وَاجَبَلاهُ

وَاسَنَدَاهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، إِلا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ، أَهَكَذَا كُنْتَ "، وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي: وَاجَبَلاهُ، وَاكَذَا وَاكَذَا، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلا قِيلَ لِي: أَأَنْتَ كَذَلِكَ؟!.

باب الصبر عند الصدمة الأولى وثواب الصابرين

بَابُ الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى وَثَوَابِ الصَّابِرِينَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [الْبَقَرَة: 155 - 157]. قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْعِدْلانِ، وَنِعْمَ الْعِلاوَةُ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]، قَالَ عَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ الَّذِي أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ، فَرَضِيَ وَعَرَفَ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ. 1539 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ

مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَجَّاجِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ يُوسُفَ، أَنا عَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَنا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي»، فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، قَالَ: فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ، قَالَ: فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ

قَوْلُهُ: «عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» أَيْ: عِنْدَ فَوْرَةِ الْمُصِيبَةِ وَحَمْوَتِهَا، وَالصَّدْمُ: ضَرْبُ الشَّيْءِ الصُّلْبِ بِمِثْلِهِ، يُرِيدُ: أَنَّ الصَّبْرَ الْمَحْمُودَ وَالْمَأْجُورَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مَا كَانَ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْمُصِيبَةِ، لأَنَّهُ إِذَا طَالَتِ الأَيَّامُ وَقَعَ السُّلُوُّ طَبْعًا، فَلَمْ يُؤْجَرْ 1540 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبٌ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ حَمِدَ اللَّهَ وَصَبَرَ، فَالْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ أَمْرِهِ حَتَّى يُؤْجَرَ فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِهِ». وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ،

نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «فَالْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِيهِ». وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا إِسْرَائِيلُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ

باب ثواب من مات له ولد فاحتسب

بَابُ ثَوَابِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ 1541 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَمُوتُ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ: «إِلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» مَصْدَرُ حَلَّلْتُ الْيَمِينَ تَحْلِيلا وَتَحِلَّةً،

أَيْ: أَبْرَرْتُهَا، يُرِيدُ إِلا قَدْرَ مَا يُبِرُّ اللَّهُ قَسَمَهُ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مَرْيَم: 71] الآيَةَ، فَإِذَا مَرَّ بِهَا وَجَاوَزَهَا، فَقَدْ أَبَرَّ قَسَمَهُ، وَقِيلَ: لَيْسَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مَرْيَم: 71] قَسَمٌ فَتَكُونُ لَهُ تَحِلَّةٌ، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ إِلا التَّعْذِيرَ الَّذِي لَا يُصِيبُهُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: ضَرَبَهُ تَحْلِيلا، وَضَرَبَهُ تَعْذِيرًا: إِذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي ضَرْبِهِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، وَمَوْضِعُ الْقَسَمِ مَرْدُودٌ إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مَرْيَم: 68]، وَقِيلَ: الْقَسَمُ فِيهِ مُضْمَرٌ، مَعْنَاهُ وَإِنْ مِنْكُمْ وَاللَّهِ إِلا وَارِدُهَا، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [النِّسَاء: 72] أَيْ: وَاللَّهِ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ. 1543 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إِلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، وَكُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 1544 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ، نَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي حَسَّانٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ ابْنَانِ لِي، فَأَتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا تُحَدِّثُنَا يُسَخِّي بِأَنْفُسِنَا عَنْ مَوْتَانَا؟، قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: " صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ، أَوْ قَالَ: أَبَوَيْهِ، فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ كَمَا آخُذُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا، فَلا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُ الْجَنَّةَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ،

عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ التَّيْمِيِّ، وَرَوَاهُ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ أَبِي حَسَّانٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَعَلَّهُ سَقَطَ عَنْ هَذَا الإِسْنَادِ أَبُو السَّلِيلِ 1545 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا ابْنُ عُلَيَّةَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ»، قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: مَعْنَاهُ: قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا، فَيُكْتَبَ عَلَيْهِمُ الإِثْمُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} [الْوَاقِعَة: 46] أَيْ: عَلَى الإِثْمِ الْعَظِيمِ، وَقِيلَ: عَلَى الشِّرْكِ، وَقِيلَ: عَلَى الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَيُقَالُ: حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، أَيْ أَثِمَ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْحِنْثُ: الْعِدْلُ الثَّقِيلُ، وَبِهِ سُمِّيَ الذَّنْبُ حِنْثًا، وَيُقَالُ: بَلَغَ الْغُلامُ الْحِنْثَ، أَيِ الْحَدَّ الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ الْقَلَمُ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ.

1546 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النِّسَاءَ، قُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ مَوْعِدًا نَأْتِكَ فِيهِ، فَوَاعَدَهُنَّ مِيعَادًا، فَأَتَاهُنَّ فَوَعَظَهُنَّ، فَقَالَ لَهُنَّ فِيمَا يَقُولُ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاثًا إِلا كانُوا لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ»، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِي اثْنَانِ؟، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «وَاثْنَانِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ

1547 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ: مَا لِعبدي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلا الْجَنَّةُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1548 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا لِعَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ إِذَا قَبَضْتُ صِفْوَتَهُ مِنَ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلا الْجَنَّةُ " 1549 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،

عَنْ أَبِي سِنَانٍ، قَالَ: دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا، وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلانِيُّ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فَأخْرَجَنِي، فَقَالَ: أَلا أُبَشِّرُكَ، حَدَّثَني الضَّحَّاكُ بْنُ عَرْزَبٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْمَلائِكَةِ: أَقَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَقَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤادِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَما قَالَ؟ قَالُوا: اسْتَرْجَعَ وَحَمِدَكَ، قَالَ: ابْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 1550 - أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ، وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالا: نَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ بَارِقٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي أَبَا أُمِّي سِمَاكَ بْنَ الْوَلِيدِ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ

سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ مِنْ أُمَّتِي أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِمَا الْجَنَّةَ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: «وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ يَا مُوَفَّقَةُ»، فَقَالَتْ: فَمنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟، فَقَالَ: «فَأَنَا فَرَطٌ لأُمَّتِي، لَنْ يُصَابُوا بِمثْلِي». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ بَارِقٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ، وَسِمَاكُ بْنُ الْوَلِيدِ هُوَ أَبُو زُمَيْلٍ الْحَنَفِيُّ

باب التعزية

بَابُ التَّعْزِيَةِ 1551 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ، نَا عَمَّارُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ، نَا عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ». وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مَوْقُوفًا

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ مَنْصُورٍ كُنْيَتُهُ أَبُو سُفْيَانَ الْخُزَاعِيُّ مِنْ أَهْلِ وَاسِطَ، فِيهِ نَظَرٌ. وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ سَمِعُوا قَائِلا، يَقُولُ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ.

باب الطعام لأهل الميت

بَابُ الطَّعَامِ لأَهْلِ الْمَيِّتِ 1552 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاعِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانِ بْنِ مِهْرَانَ الْمُقْرِئُ النَّيْسَابُورِيُّ، بِهَا، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ الْبَزَّازُ، نَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَجَعْفَرٌ هَذَا: هُوَ جَعْفَرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَارَّةَ الْمَخْزُومِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، اسْتَحَبُّوا أَنْ يُوَجِّهُوا إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ الَّذِينَ أَوْجَعَتْهُمُ الْمُصِيبَةُ بِطَعَامٍ لِشَغْلِهِمْ بِالْمُصِيبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ عِنْدَ الْمَيِّتِ، رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَقْرَ فِي الإِسْلامِ». قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كَانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ الْقَبْرِ، يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقِيلَ: كَانُوا يَعْقِرُونَ وَيَقُولُونَ: كَانَ صَاحِبُ الْقَبْرِ يَعْقِرُهَا لِلأَضْيَافِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، فَيُكَافَأُ بِمِثْلِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلاثًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَالَ: «لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ»، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُوا لِي بَنِي أَخِي»، فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: «ادْعُوا لِيَ الْحَلاقَ، فَأَمَرَهُ فَحَلَقَ رُءُوسَنَا».

باب زيارة القبور

بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ 1553 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا مُعَرِّفُ بْنُ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبٍ هُوَ ابْنُ دِثَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّ زِيَارَتَهَا تُذَكِّرُ» 1554 - وَقَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنِ الأَشْرِبَةِ إِلا فِي ظُرُوفِ الأدَمِ، فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ، غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» 1553 - وَقَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي أَنْ لَا تَأْكُلُوا بَعْدَ ثَلاثَةٍ، فَكُلُوا وَانْتَفِعُوا بِها فِي أَسْفَارِكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ،

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، وَمُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ كُنْيَتُهُ أَبُو بَدَلٍ 1554 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأَذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّها تُذَكِّرُ الْمَوْتَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيُقَالُ: كَانَ قَبْرُ أُمِّهِ بِالأَبْوَاءِ، فَمَرَّ بِهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ زَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فِي أَلْفِ مُقَنَّعٍ، أَيْ: فِي أَلْفِ فَارِسٍ مُغَطًّى بِالسِّلاحِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: زِيَارَةُ الْقُبُورِ مَأْذُونٌ فِيهَا لِلرِّجَالِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَمَّا النِّسَاءُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ». فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُرَخِّصَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَلَمَّا رَخَّصَ عَمَّتِ الرُّخْصَةُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهَا لِلنِّسَاءِ، لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ، وَكَثْرَةِ جَزَعِهِنَّ. أَمَّا اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ، فَلا رُخْصَةَ لَهُنَّ فِيهِ، قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا».

وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي جِنَازَةٍ، فَرَأَى نِسْوَةً، قَالَ: «ارْجِعْنَ مَوْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ». وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِالْحُبْشِيِّ، فَحُمِلَ إِلَى مَكَّةَ فَدُفِنَ، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ أَتَتْ قَبْرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَتْ: وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حتَّى قِيلَ لَنْ يتَصَدَّعَا

فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعًا ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ حَضَرْتُكَ مَا دُفِنْتَ إِلا حَيْثُ مِتَّ، وَلَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ. وَيُكْرَهُ نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ، وَأَنْ يُنْقَلَ عَنْ مَكَانِهِ بَعْدَ مَا دُفِنَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، قَالَ جَابِرٌ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ حُمِلَ الْقَتْلَى لِيُدْفَنُوا بِالْبَقِيعِ، فَنَادَى مُنَادٍ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَدْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَضَاجِعِهِمْ، فَرَدَدْنَاهُمْ.

وَقَالَ جَابِرٌ: لَمَّا حُضِرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: مَا أُرَانِي إِلا مَقْتُولا، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ، وَدَفَنْتُ مَعَهُ آخَرَ فِي قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ آخَرَ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ مَاتَا بِالْعَقِيقِ، فَحُمِلا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَدُفِنَا بِهَا، وَحُمِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مِنَ الْجُرْفِ، وَالاخْتِيَارُ هُوَ الأَوَّلُ.

باب ما يقول إذا دخل المقابر

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْمَقَابِرَ 1555 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكُرْكَانِيُّ، نَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، وَقَالَ: «نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ» قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ السَّلامَ عَلَى الْمَوْتَى، كَهُوَ عَلَى الأَحْيَاءِ فِي تَقْدِيمِ الدُّعَاءِ عَلَى الاسْمِ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ دُعَاءٍ بِخَيْرٍ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [

هود: 73]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: سَلامٌ عَلَى آل يَاسِينَ الصافات 130، وَفِي خِلافِهِ قُدِّمَ الاسْمُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص: 78] وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ الْهُجَيْمِيِّ، أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: عَلَيْكُمُ السَّلامُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَيْكُمُ السَّلامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى، قُلْ: سَلامٌ عَلَيْكَ "، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ السُّنَّةَ فِي تَحِيَّةِ الْمَيِّتِ، أَنْ يَقُولَ: عَلَيْكُمُ السَّلامُ، بَلْ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فِي تَحِيَّةِ الأَمْوَاتِ، بِتَقْدِيمِ الاسْمِ عَلَى الدُّعَاءِ، كَمَا قَالَ الشَّمَّاخُ:

عَلَيْكَ سَلامٌ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الأَشْعَارِ. وَقَوْلُهُ: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ» لَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءِ شَكٍّ، وَلَكِنَّهُ عَلَى عَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ يُحَسِّنُ بِهِ كَلامَهُ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: إِنَّكَ إِنْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ شَكَرْتُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنِ ائْتَمَنْتَنِي لَمْ أَخُنْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ الاسْتِثْنَاءِ مُسْتَحَبٌّ فِي الأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الأَمْرِ شَكٌّ، تَبَرُّؤًا عَنِ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلا بِاللَّهِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، حَيْثُ قَالَ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102]، وَعَنْ مُوسَى، حَيْثُ قَالَ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الْكَهْف: 69]، وَعَنْ يُوسُفَ، حَيْثُ قَالَ: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يُوسُف: 99]، وَعَنْ شُعَيْبٍ، حَيْثُ قَالَ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الْقَصَص: 27]، وَعلَّمَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الْفَتْح: 27]،

وَقَالَ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا {23} إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْكَهْف: 23 - 24]. وَقِيلَ: الاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى اسْتِصْحَابِ الإِيمَانِ إِلَى الْمَوْتِ، أَيْ نَلْحَقُ بِكُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلا يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِ الْمَوْتِ. 1556 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا كانَتْ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا وَإِيَّاكُمْ مُتَوَاعِدُونَ غَدًا وَمُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ

10 - كتاب الزكاة

10 - كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [الْبَقَرَة: 43]. 1557 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَفَدَةَ الْعَطَّارِيُّ، أَدَامَ اللَّهُ بَرَكَتَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ

أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةَ أمْوَالِهمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حِبَّانَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَكَرِيَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِتَلَفِ الْمَالِ تَسْقُطُ الصَّدَقَةُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فَرَّطَ فِي الأَدَاءِ وَقْتَ الإِمْكَانِ، لأَنَّهُ قَالَ: «صَدَقَةُ أَمْوَالِهِمْ»، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطِّفْلَ الْغَنِيَّ يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ لِقَوْلِهِ: «مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ».

وَفِي قَوْلُهُ: «تُرَدُّ إِلَى فُقَرَائِهِمْ» دَلِيلٌ عَلَى الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ إِذَا بَانَ كَوْنُهُ غَنِيًّا يَوْمَ دُفِعَ إِلَيْهِ تَجِبُّ الإِعَادَةُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَقْلَ الصَّدقَةِ عَنْ بَلَدِ الْوُجُوبِ لَا تَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ فِيهِ، بَلْ صَدَقةُ أَهْلِ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِمُسْتَحِقِّي تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَكَرِهَ أَكْثَرُهُمْ نَقْلَهَا، وَاتَّفَقُوا مَعَ الْكَرَاهِيَةِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَقَلَ وَأَدَّى يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ إِلا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَإِنَّهُ رَدَّ صَدَقَةً حُمِلَتْ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى الشَّامِ إِلَى مَكَانِهَا مِنْ خُرَاسَانَ.

قَوْلُهُ: «وَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ»، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ خِيَارَ مَالِهِ، إِلا أَنْ يَتَبَرَّعَ رَبُّ الْمَالِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُعْطِيَ الأَرْدَأَ، وَلا لِلسَّاعِي أَنْ يَرْضَى بِهِ فَيَبْخَسَ بِحَقِّ الْمَسَاكِينِ، بَلْ حَقُّهُ فِي الْوَسَطِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ، لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحَزْرَةُ: خِيَارُ الْمَالِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَتْ حَزْرةً، لأَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَزَالُ يَحْزِرُهَا فِي نَفْسِهِ 1558 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ،

عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قَدِمَ عَلَيْنَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا، فَجَعَلَهَا فِي فُقَرَائِنَا، فَكُنْتُ غُلامًا يَتِيمًا، فَأَعْطَانِي مِنْهَا قَلُوصًا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

باب وعيد مانع الزكاة

بَابُ وَعِيدِ مَانِعِ الزَّكَاةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التَّوْبَة: 34]. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُلُّ مَالٍ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا، وَكُلُّ مَالٍ لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُونًا. 1559 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، أَوْ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، أَوْ كَمَا حَلَفَ: مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا

إِلا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ 1560 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ، يَعْنِي: شِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلا: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آل عمرَان: 180] الآيَةَ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالشُّجَاعُ: الْحَيَّةُ الذَّكَرُ، وَالأَقْرَعُ: الَّذِي انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ رَأْسِهِ مِنْ كَثْرَةِ سُمِّهِ، وَالزَّبِيبَتَانِ: هُمَا النُّكْتَتَانِ السَّوْدَاوَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ، وَهُوَ أَوْحَشُ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَيَّاتِ وَأَخْبَثُهُ، وَيُقَالُ: الزَّبِيبَتَانِ: الزِّبَدَتَانِ تَكُونَانِ فِي الشِّدْقَيْنِ إِذَا غَضِبَ الإِنْسَانُ، أَوْ كَثُرَ كَلامُهُ. وَاللِّهْزِمَةُ: اللَّحْيُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنَ الْحَنَكِ، وَفَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِالشِّدْقِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ 1561 - أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدٌ الْحُسَيْنُ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَخْبِطُ

وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا»، وَقَالَ: " يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَفِرُّ مِنْهُ وَيَطْلُبُهُ، وَيَقُولُ: أَنا كَنْزُكَ "، قَالَ: «وَاللَّهِ إِنْ يَزَالُ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ، فَيُلْقِمَهَا فَاهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1562 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَفْصٌ يَعْنِي ابْنَ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّما رُدَّتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَلا صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهُ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ

لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلا وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاهَا، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَلا صَاحِبَ بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهُ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلا جَلْحَاءُ، وَلا عَضْبَاءُ تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا، كُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَوْلُهُ: «بِقَاعٍ قَرْقَرٍ» الْقَاعُ: الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي لَيْسَ فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَلا انْخِفَاضٌ، وَهُوَ الْقِيعَةُ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النُّور: 39]، وَالْقَرْقَرُ: الْمُسْتَوِي الأَمْلَسُ مِنَ الأَرْضِ. قَوْلُهُ: «أَوْفَرَ مَا كَانَتْ»، يُرِيدُ كَمَالَ حَالِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالسِّمَنِ، فَتَكُونُ أَثْقَلَ لِوَطْئِهَا، وَالْعَقْصَاءُ: الْمُلْتَوِيَةُ الْقَرْنُ، وَالْجَلْحَاءُ: الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا، وَالْعَضْباءُ: الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنُ الدَّاخِلُ، وَإِنَّمَا نَفَى هَذِهِ الصِّفَاتِ عَنِ الْقَرْنِ لِيَكُونَ أَنْكَى وَأَدْنَى أَنْ يَمُورَ فِي الْمَبْطُوحِ. قَوْلُهُ: «وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وَرْدِهَا» أَرَادَ بِهِ، أَنْ يَسْقِيَ أَلْبَانَهَا الْمَارَّةَ، وَمَنْ يَنْتَابُ الْمَاءَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ. 1563 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَفْوَانٍ الْجُمَحِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُخَالِطُ الصَّدَقَةُ مَالا إِلا أَهْلَكَتْهُ» قِيلَ: هُوَ حَثَّ عَلَى تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَأَدَائِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ، فَتَذْهَبَ بِهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ تَحْذِيرَ الْعُمَّالِ عَنِ اخْتِزَالِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَخَلْطِهِمْ إِيَّاهُ بِمَالِهِمْ.

باب إرضاء المصدق وأجر العامل على الصدقة

بَابُ إِرْضَاءِ الْمُصَدِّقِ وَأَجْرِ الْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَةِ 1564 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَاكُمُ المُصَدِّقُ، فَلا يُفَارِقَنَّكُمْ إِلا عَنْ رِضًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ وَالْمُصَدِّقُ: بِتَخْفِيفِ الصَّادِ: الَّذِي يَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ، وَبِتَشْدِيدِ الصَّادِ: الْمُتَصَدِّقُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَيَأْتِيكُمْ رُكَيْبٌ مُبْغَضُونَ، فَإِذَا جَاءُوكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ، وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَبْتَغُونَ، فَإِنْ عَدَلُوا

فَلأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ ظَلَمُوا فَعَلَيْهَا، فَأَرْضُوهُمْ فَإِنَّ تَمَامَ زَكَاتِكُمْ رِضَاهُمْ وَلْيَدْعُوا لَكُمْ». 1565 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ. ح قَالَ أَبُو عِيسَى: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْحَقِّ كَالْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَصَحُّ، وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ

باب دعاء المصدق لرب المال

بَابُ دُعَاءِ الْمُصَدِّقِ لِرَبِّ الْمَالِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التَّوْبَة: 103] أَيِ: ادْعُ لَهُمْ إِنَّ دُعَاءَكَ سَكَنٌ لِقُلُوبِهِمْ. 1566 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ» فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: صَلاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التَّوْبَة: 103] وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُزَكِّي الدُّعَاءَ إِذَا أَدَّاهَا طَوْعًا دُونَ مَنِ اسْتُخْرِجَتْ مِنْهُ كَرْهًا وَقَهْرًا، وَأَصْلُ الصَّلاةِ الدُّعَاءُ، فَالصَّلاةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ، وَقَبُولُ مَا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ وَالتَّبْرِيكِ. وَأَمَّا الصَّلاةُ الَّتِي هِيَ تَحِيَّةٌ لِذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهَا بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ الْقُرْبَةِ وَالزُّلْفَةِ، فَهِيَ خَاصَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ إِلا آله تَبَعًا لَهُ. وَكَرِهَ قَوْمٌ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فُلانٍ إِلا عَلَى الأَنْبِيَاءِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَخْصُوصًا بِهِ، لأَنَّ الصَّلاةَ حَقُّهُ، وَلَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَيْثُ أَرَادَ،

أَوْ يُصَلِّيَ رَجُلٌ عَلَى آلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ.

باب القتال مع مانعي الزكاة

بَابُ الْقِتَالِ مَعَ مَانِعِي الزَّكَاةِ 1567 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ " فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنْعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقَّ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ،

عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الدِّينِ، وَفِيهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ، وَأَبْوَابٌ مِنَ الْفِقْهِ، وَمِمَّا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ أَهْلَ الرِّدَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا صِنْفَيْنِ: صِنْفٌ مِنْهُمُ ارْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ، وَعَادُوا إِلَى الْكُفْرِ، وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ طَائِفَتَانِ: طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَصْحَابُ مُسَيْلَمَةَ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ، مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ، الَّذِينَ صَدَّقُوهُمَا عَلَى دَعْوَى النُّبُوَّةِ، وَطَائِفَةٌ ارْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ، وَأَنْكَرُوا الشَّرَائِعَ، وَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى لَمْ يَكُنْ يُسْجَدُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ إِلا فِي ثَلاثِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْبَحْرَيْنِ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: جُوَاثًا،

وَعَنَى أَبُو هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ: «وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ» هَؤُلاءِ الْفِرَقُ، وَلَمْ يَشُكَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَتْلِ هَؤُلاءِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي أَمْرِهِمْ، بَلِ اتَّفَقَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ، وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ سَبْيَ ذَرَارِيهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَسَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، وَاسْتَوْلَدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ جَارِيَةً مِنْ سَبْيِ بَنِي حَنِيفَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الَّذِي يُدْعَى: ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ. ثُمَّ لَمْ يَنْقَرِضْ عَصْرُ الصَّحَابَةِ حَتَّى

أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْبَى. وَالصِّنْفُ الآخَرُ مِنْ قَوْمٍ لَمْ يَرْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ، لَكِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَأَقَرُّوا بِالصَّلاةِ، وَأَنْكَرُوا فَرْضَ الزَّكَاةِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التَّوْبَة: 103] خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَرَضَتِ الشُّبْهَةُ لِعُمَرَ فِي قِتَالِ هَؤُلاءِ لِتَمَسُّكِهِمْ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَهُؤَلاءِ فِي الْحَقِيقَةِ أَهْلُ بَغْيٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُدْعَوْا بِهَذَا الاسْمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، لِدُخُولِهِمْ فِي غُمَارِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، فَأُضِيفَ الاسْمُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى الرِّدَّةِ، إِذْ كَانَتْ أَعْظَمَ الأَمْرَيْنِ، وَأَهَمَّهُمَا. وَالرِّدَّةُ: اسْمٌ لُغَوِيٌّ يَنْطَلِقُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ مُقْبِلا عَلَى أَمْرٍ، فَارْتَدَّ عَنْهُ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الانْصِرَافُ عَنِ الطَّاعَةِ، وَمَنْعُ الْحَقِّ، وَكَانَ الاعْتِرَاضُ مِنْ عُمَرَ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْكَلامِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، يُرِيدُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ قَدْ تَضَمَّنَتْ عِصْمَةَ الدَّمِ وَالْمَالِ بِإِيفَاءِ شَرَائِطِهَا، ثُمَّ قَايَسَهُ بِالصَّلاةِ، وَرَدَّ الزَّكَاةَ إِلَيْهَا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِتَالَ الْمُمْتَنِعِ مِنَ الصَّلاةِ كَانَ إِجْمَاعًا مِنْ رَأْيِ الصَّحَابَةِ، فَرَدَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إِلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَاجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الاحْتِجَاجُ مِنْ عُمَرَ بِالْعُمُومِ، وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ تَابَعَهُ عُمَرُ عَلَيْهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ يُخَصُّ بِالْقِيَاسِ. وَقَوْلُ عُمَرَ: «مَا هُوَ إِلا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ» إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْمُوَافَقَةِ مُقَلِّدًا،

بَلِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِالْحُجَّةِ الَّتِي أَدْلَى بِهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْبُرْهَانِ الَّذِي أَقَامَهُ نَصًّا وَدَلالَةً. وَفِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ دَلِيلٌ عَلَى تَصْوِيبِ رَأْيِ عَلِيٍّ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي زَمَانِهِ، وَأَنَّهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَمَّا الْيَوْمَ فِي زَمَانِنَا إِذَا أَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرْضَ الزَّكَاةِ، وَامْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهَا، كَانُوا كُفَّارًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلاءِ وَبَيْنَ أُولَئِكَ الْقَوْمِ حَيْثُ لَمْ يُقْطَعْ بِكُفْرِهِمْ، وَكَانَ قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ مِنْهُمْ دُونَ الْقَصْدِ إِلَى دِمَائِهِمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا قَرِيبِي الْعَهْدِ بِالزَّمَانِ الَّذِي كَانَ يَقَعُ فِيهِ تَبْدِيلُ الأَحْكَامِ، وَوَقَعَتِ الْفَتْرَةُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُهَّالٌ بِأُمُورِ الدِّينِ، لِحُدُوثِ عَهْدِهِمْ بِالإِسْلامِ، فَدَاخَلَتْهُمُ الشُّبْهَةُ، فَعُذِرُوا، وَأَمَّا الْيَوْمَ، فَقَدِ اسْتَفَاضَ عِلْمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ حَتَّى عَرَفَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، فَلا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِتَأْوِيلٍ يَتَأَوَّلُهُ فِي إِنْكَارِهَا، وَكَذَلِكَ الأَمْرُ فِي كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا كَانَ عِلْمُهُ مُنْتَشِرًا، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنابَةِ، وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالْخَمْرِ، وَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي نَحْوِهَا مِنَ الأَحْكَامِ، إِلا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالإِسْلامِ، وَلا يَعْرِفُ حُدُودَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا جَهَالَةً لَمْ يَكْفُرْ، وَكَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ أُولَئِكَ الْقَوْمِ. فَأَمَّا مَا كَانَ الإِجْمَاعُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ طَرِيقِ عِلْمِ الْخَاصَّةِ، كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، وَأَنَّ قَاتِلَ الْعَمْدِ لَا يَرِثُ، وَأَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ، وَمَا أَشْبَهَ

ذَلِكَ مِنَ الأَحْكَامِ، فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا لَا يُكَفَّرُ، بَلْ يُعْذَرُ فِيهَا لِعَدَمِ اسْتِفَاضَةِ عِلْمِهَا فِي الْعَامَّةِ. وَقَوْلُهُ: «وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي السِّخَالِ وَالْفُصْلانِ وَالْعَجَاجِيلِ، وَأَنَّهُ إِذَا مَلَكَ نِصَابًا مِنَ الصِّغَارِ بِأَنْ حَدَثَتِ الأَوْلادُ فِي خِلالِ حَوْلِ الأُمَّهَاتِ، ثُمَّ مَاتَتِ الأُمَّهَاتُ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَبَقِيَتِ الصِّغَارُ نِصَابًا يُؤْخَذُ مِنْهَا صَغِيرَةً، وَلا يُكَلَّفُ صَاحِبُهَا كَبِيرَةً، وَهَذَا قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ فِيهَا كَبِيرَةٌ، وَيُرْوَى هَذَا عَنِ الثَّوْرِيِّ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَظْهَرِ أَقَاوِيلِهِ إِلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى: «وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالا»، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعِقَالُ صَدَقَةُ عَامٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعِقَالُ الْحَبْلُ الَّذِي يُعْقَلُ

بِهِ الْبَعِيرُ، وَعَلَى رَبِّ المَال تَسْلِيمُهُ مَعَ الْبَعِيرِ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ إِلا مَعَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَائِشَةَ: كَانَ مِنْ عَادَةِ الْمُصَدِّقِ إِذَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ، أَنْ يَعْمِدَ إِلَى قَرَنٍ، وَهُوَ الْحَبْلُ، فَيَقْرِنَ بِهِ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ يَشُدُّهُ فِي أَعْنَاقِهِمَا، لِئَلا تَتَشَرَّدَ الإِبِلُ، فَتُسَمَّى عِنْدَ ذَلِكَ الْقَرَائِنَ، فَكُلُّ قَرَنَيْنِ مِنْهَا عِقَالٌ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ النَّحْوِيُّ: إِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْيَانَ الإِبِلِ، قِيلَ: أَخَذَ عِقَالا، وَإِذَا أَخَذَ أَثْمَانَهَا، قِيلَ: أَخَذَ نَقْدًا، وَأَنْشَدَ لِبَعْضِهِمْ. أتَانَا أَبُو الْخَطَّابِ يَضْرِبُ طَبْلَهُ ... فَرُدَّ وَلَمْ يَأْخُذْ عِقَالا وَلا نَقْدًا وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى مَعْنَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعِقَالِ إِذَا كَانَ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ. وَفِي الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِلافَ إِذَا حَدَثَ فِي عَصْرٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْقَرِضِ

الْعَصْرُ حَتَّى زَالَ الْخِلافُ كَانَ إِجْمَاعًا، وَمَا مَضَى مِنَ الْخِلافِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِ مَعَالِمِ السُّنَنِ، نَقَلْتُهُ عَلَى طَرِيقِ الاخْتِصَارِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَلا شَيْئًا مِمَّا كَانَ يُلْزِمُهُ فِي الإِسْلامِ.

باب هدية العامل

بَابُ هَدِيَّةِ الْعَامِلِ 1568 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنَ الأَسْدِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: " مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبيِهِ،

أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرُ يُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ "، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَوْلُهُ: «بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ» الرُّغَاءُ: صَوْتُ الْبَعِيرِ، يُقَالُ: رَغَا الْبَعِيرُ يَرْغُو، وَالْخُوَارُ: صَوْتُ الْبَقَرِ، خَارَ الْبَقَرَةُ تَخُورُ، وَالْيُعَارُ: صَوْتُ الشَّاةِ، يُقَالُ: يَعَرَتِ الشَّاةُ تَيْعَرُ، وَفِي رِوَايَةٍ: «شَاةٌ لَهَا ثُؤَاجٌ» وَالثُّؤَاجُ: صَوْتُ النَّعْجَةِ، يُقَالُ: ثَأَجَتِ النَّعْجَةُ تَثْأَجُ ثُؤَاجًا وَثَأْجًا.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّالِ وَالْوُلاةِ وَالْقُضَاةِ سُحْتٌ، لأَنَّهُ إِنَّمَا يُهْدَى إِلَى الْعَامِلِ لِيُغْمِضَ لَهُ فِي بَعْضِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ، وَيَبْخَسَ بِحَقِّ الْمَسَاكِينِ، وَيُهْدَى إِلَى الْقَاضِي لِيَمِيلَ إِلَيْهِ فِي الْحُكْمِ، أَوْ لَا يُؤْمَنَ مِنْ أَنْ تَحْمِلَهُ الْهَدِيَّةُ عَلَيْهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ: «هَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ، فَيَنْظُرُ يُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ يُتَذَرَّعُ بِهِ إِلَى مَحْظُورٍ فَهُوَ مَحْظُورٌ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْقَرْضُ يَجُرُّ الْمَنْفَعَةَ، وَالدَّارُ الْمَرْهُونَةُ يَسْكُنُهَا الْمُرْتَهِنُ بِلا كِرَاءٍ، وَالدَّابَّةُ الْمَرْهُونَةُ يَرْكَبُهَا، وَيَرْتَفِقُ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَكُلُّ دَخِيلٍ فِي الْعُقُودِ يُنْظَرُ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ عِنْدَ الانْفِرَادِ كَحُكْمِهِ عِنْدَ الاقْتِرَانِ.

باب قدر ما يجب فيه الزكاة من المال

بَابُ قَدْرِ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْمَالِ 1569 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالذَّوْدُ: مَا بَيْنَ الثَّلاثِ إِلَى الْعَشْرِ مِنَ الإِبِلِ، يُقَالُ: الذَّوْدُ إِلَى الذَّوْدِ إِبِلٌ، يُرِيدُ: أَنَّ الْقَلِيلَ يُضَمُّ إِلَى الْقَلِيلِ، فَيَصِيرُ كَثِيرًا، وَلا وَاحِدٌ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، يُقَالُ لِلْوَاحِدِ: بَعِيرٌ، كَمَا يُقَالُ لِلْوَاحِدَةِ مِنَ النِّسَاءِ: الْمَرْأَةُ، وَيُقَالُ: الذَّوْدُ لِلإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمارَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمْرِ صَدَقَةٌ حتَّى يَبلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، وَالصَّاعُ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، فَكُلُّ وَسْقٍ مِائَةٌ وَسِتُّونَ مَنًّا، وَجُمْلَةُ الأَوْسُقِ الْخَمْسَةِ ثَمَانِ مِائَةِ مَنٍّ

وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِي الْوَرِقِ صَدَقَةٌ مَا لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَ أَوَاقٍ، وَالأَوَاقِي، جَمْعُ أُوقِيَّةٍ وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالا، وَلا تَجِبُ فِي الإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ وَالْحَبِّ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا كَمَا فِي قَرِينَتَيْهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ الْعُشْرُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْهَا. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ تَمْرٍ وَحَبٍّ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ الأَوْسُقِ بِحِسَابِهِ، قَلَّتِ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ مِنَ الْوَرِقِ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ رُبْعُ الْعُشْرِ، قَلَّتِ الزِّيَادَةُ أَمْ كَثُرَتْ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَكْحُولٍ، أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُضَمُّ الإِبِلُ إِلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلا التَّمْر إِلَى الزَّبِيب فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُضَمُّ الضَّأْنُ إِلَى الْمعز فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الآخَرِ، بَلْ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ، لأَنَّهُ شَرَطَ مِنَ الْوَرِقِ خَمْسَ أَوَاقٍ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الآخَرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ عَامَّتُهُمْ إِلَى أَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تُضَمُّ إِلَى الشَّعِيرِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الآخَرِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُضَمُّ الْقِطْنِيَّةُ إِلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالْقِطْنِيَّةُ أَصْنَافٌ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَعِنْدَ مَالِكٍ الْقِطْنِيَّةُ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْبُقُولِ وَالْخَضْرَوَاتِ، لأَنَّهَا لَا تُوسَقُ. وَالاعْتِبَارُ بِوَزْنِ الإِسْلامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»، وَأَرَادَ بِهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةُ الأَوْزَانِ فِي الأَمَاكِنِ وَالْبُلْدَانِ، فَمِنْهَا الْبَغْلِيُّ

كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ، وَمِنْهَا الطَّبَرِيُّ كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ، وَوَزْنُ الإِسْلامِ كُلُّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، وَهُوَ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ الْمَكَايِيلُ مُخْتَلِفَةٌ، فَصَاعُ أَهْلِ الْحِجَازِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ، وَصَاعُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَهُوَ صَاعُ الْحَجَّاجِ الَّذِي سَعَّرَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الأَسْوَاقِ، وَصَاعُ أَهْلِ الْبَيْتِ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ فِيمَا يَذْكُرُهُ زُعَمَاءُ الشِّيعَةِ وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، وَكَذَلِكَ أَوْزَانُ الأَرْطَالِ وَالأَمْنَاءِ لِلنَّاسِ فِيهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»، أَرَادَ بِهِ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دُونَ مَا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ، مَعْنَاهُ: أَنَّ الْوَزْنَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الزَّكَاةِ فِي النُّقُودِ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْهَا بِوَزْنِ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، فَإِذَا مَلَكَ مِنْهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ الصَّاعُ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا صاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، كُلُّ صَاعٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، فَأَمَّا فِي الْمُعَامَلاتِ، فَيُعْتَبرُ صَاعُ الْبَلَدِ الَّذِي يُعَامِلُ فِيهِ النَّاسُ وَوَزْنُهُمْ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِي عَشَرَةِ مَكَايِيلَ قَمْحٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، وَفِي الْبَلَدِ مَكِيلَةٌ وَاحِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ يُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَكَايِيلُ مُخْتَلِفَةٌ فَلَمْ يُقَيِّدْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ، وَلَوْ بَاعَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي بَلَدٍ هُمْ يَتَعَامَلُونَ بِالطَّبَرِيَّةِ، أَوْ بِالْبَغْلِيَّةِ، فَيَجِبُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ دُونَ وَزْنِ الإِسْلامِ.

وَلَوْ أَقَرَّ لإِنْسَانٍ بِمَكِيلَةِ بُرٍّ، أَوْ عَشَرَةِ أَرْطَالِ تَمْرٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى عُرْفِ الْبَلدِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ يَلْزَمُهُ بِوَزْنِ الْبَلَدِ، كَانَ أَوْزَنَ مِنْ دَرَاهِمِ الإِسْلامِ أَوْ أَنْقَصَ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي الإِقْرَارِ وَزْنُ الإِسْلامِ لَا يُنْظَرُ إِلَى عَادَةِ الْبَلَدِ، بِخِلافِ الْكَيْلِ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَالأَوْلَى أَنْ لَا يُفَرَّقَ، وَقِيلَ: إِنَّ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ بِمَكَّةَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى هَذَا الْعِيَارِ، كُلُّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، وَإِنَّمَا غَيَّرُوا السِّكَكَ مِنْهَا، وَنقَشُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، فَأَمَّا الدَّنَانِيرُ فَكَانَتْ تُحْمَلُ إِلَيْهِمْ مِنْ بِلادِ الرُّومِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهَا الْهِرَقْلِيَّةَ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّنَانِيرَ فِي الإِسْلامِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَهِيَ تُدْعَى الْمَرْوَانِيَّةَ. بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الْخَامِس من (شرح السّنة) ويليه الْجُزْء السَّادِس، وأوله بَاب زَكَاة الْإِبِل السَّائِمَة وَالْغنم وَالْوَرق

باب زكاة الإبل السائمة والغنم والورق

بَابُ زَكَاةِ الإِبِلِ السَّائِمَةِ وَالْغَنَمِ وَالْوَرِقِ 1570 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّ أنَسًا حَدَّثَهُ، أَنَّ

أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ. فِي أرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ، فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ - يَعْنِي سِتَّةً وَسَبعِينَ إِلَى تِسْعِينَ، فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتْسعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبِعينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلا أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ.

وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاثِ مِائَةٍ، فَفِيهَا ثَلاثٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاثِ مِائَةٍ، فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ بِشَاةٍ وَاحِدةٍ، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلا تِسْعِينَ وَمِائَةً، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. فَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ مَعَهُ الْحِقَّةُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلا ابْنَةُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ، وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبْونٍ، وَعِنْدَهُ حَقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ

مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَيُعْطِي مَعَهَا عِشرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ. وَلا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلا تَيْسٌ إِلا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ، وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ، فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ، فَلَمَّا قُبِضَ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، وَعُمَرُ حَتَّى قُبِضَ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَنَسٌ قَوْلُهُ: «هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، أَيْ: بَيَّنَ مِقْدَارَهَا، وَالْفَرْضُ: هُوَ التَّقْدِيرُ، وَسُمِّيَتِ الْفَرَائِضُ بِهَا، لِأَنَّهَا مُقَدَّرَاتٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [الْبَقَرَة: 236]، يُرِيدُ تَسْمِيَةَ الْمَهْرِ، وَالْفَرْضُ يَكُونُ بِمَعْنَى الإِيجَابِ، وَهُوَ فَرْضُ اللَّهِ أَصْلَ

الزَّكَاةِ. وَكَانَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ يَقُولُ: مَعْنَى الْفَرْضِ: السُّنَّةُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: الْفَرْضُ: الْوَاجِبُ، وَالْفَرْضُ: الْقِرَاءَةُ، يُقَالُ: فَرَضْتُ جُزْئِي، أَيْ قَرَأْتُهُ، وَالْفَرْضُ: السُّنَّةُ، وَمَا يُرْوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ كَذَا، أَيْ: سَنَّهُ. وَقَوْلُهُ: «وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ»، فَقَدْ قِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي الزِّيَادَةَ، وَقِيلَ: لَا يُعْطِي شَيْئًا، لِأَنَّ السَّاعِيَ إِذَا طَلَبَ فَوْقَ الْوَاجِبِ كَانَ خَائِنًا، فَإِذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ سَقَطَتْ طَاعَتُهُ. وَفِيهِ إِبَاحَةُ الدَّفْعِ عَنْ مَالِهِ إِذَا طُولِبَ بِغَيْرِ حَقِّهِ. وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْأَوْقَاصِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ زَائِدًا عَلَى وَاجِبِ النِّصَابِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ وَاجِبَ النِّصَابِ يَتَعَلَّقُ بِهِ

وَبِالْوَقَصِ، أَمِ الْوَقَصُ عَفْوٌ؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَبِالْوَقَصِ، لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ، «فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ»، دَلَّ أَنَّ ابْنَةَ الْمَخَاضِ فِي كُلِّهَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: الْوَقَصُ عَفْوٌ، فَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ جُمْلَةِ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَالْبَاقِي عَفْوٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ». وَفَائِدَةُ الْخِلافِ تَظْهَرُ فِيمَا إِذَا هَلَكَ الْوَقَصُ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ، هَلْ يُنْتَقَصُ شَيْءٌ مِنَ الْوَاجِبِ أَمْ لَا؟ مِثْلُ أَنْ مَلَكَ ثَلاثِينَ مِنَ الإِبِلِ، فَتَلَفَ مِنْهَا خَمْسٌ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ، إِنْ قُلْنَا: الْوَقَصُ عَفْوٌ، فَعَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَإِنْ قُلْنَا: يَتَعَلَّقُ الْوَاجِبُ بِالْكُلِّ، فَيَسْقُطُ سُدُسُهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِبِلَ إِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ لَا تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ، لِأَنَّهُ قَالَ: «إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ»، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِذَا زَادَتِ الإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ بِإِيجَابِ الشِّيَاهِ، فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ إِلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ، وَبِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَخَمْسِينَ، فَفِيهَا ثَلاثُ حِقَاقٌ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ، فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ الْحِقَاقِ الثَّلاثِ إِلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ، وَثَلاثُ حِقَاقٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ بِنْتُ لَبُونٍ مَعَ ثَلاثِ حِقَاقٍ، وَفِي

مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إِلَى الْمِائَتَيْنِ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ حَدِيثُ الصَّدَقَةِ، وَفِيهِ: «فَإِذَا زَادَتِ الإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ تُرَدُّ الْفَرَائِضُ إِلَى أَوَّلِهَا». وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ لَا تُقَاوِمُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. وَرَوَى شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ حَدِيثَ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَوَقَفَاهُ عَلَى عَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْفَعَاهُ. وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ مَا هُوَ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ خَمْسُ شِيَاهٍ، وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: إِذَا زَادَتِ الإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ، إِنْ شَاءَ اسْتَأْنَفَ الْفَرِيضَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً، وَعَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ. ثُمَّ مَنْ سَلَكَ الْمَسْلَكَ الْأَعَمَّ قَالَ: إِذَا زَادَتِ الإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا

زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةٌ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا ثَلاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ إِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَثَلاثِينَ، فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَقَدْ حَصَلَتِ الزِّيَادَةُ بِالْوَاحِدَةِ، فَتَتَغَيَّرُ بِهَا الْفَرِيضَةُ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْفَرَائِضِ، فَإِنَّ زِيَادَةَ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ مُنْتَهَى الْوَقَصِ فِيهَا تُوجِبُ تَغَيُّرَ الْفَرِيضَةِ، كَالْوَاحِدَةِ بَعْدَ الْخَامِسَةِ وَالثَّلاثِينَ، وَبَعْدَ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ. ورَوَى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نُسْخَةَ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَمَرَ عُمَّالَهُ بِالْعَمَلِ بِهَا، وَفِي تِلْكَ النُّسْخَةِ: فَإِذَا كَانَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ ثَلاثِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا تَتَغَيَّرُ الْفَرِيضَةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَا لَمْ تَبْلُغْ مِائَةً وَثَلاثِينَ، فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، أَعْطَى سِنًّا دُونَهَا مَعَ الْجُبْرَانِ، وَهُوَ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّاتَيْنِ أَوِ الْعِشْرِينَ الدِّرْهَمُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ، لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِبَدَلٍ عَنِ الْآخَرِ،

لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا بِحَرْفٍ أَوْ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أَعْطَى عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَبْتَاعَ السِّنَّ الَّتِي وَجَبَتْ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَأْخُذُ السَّاعِي قِيمَتَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَخْذَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَجَوَّزَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَوْ جَازَتِ الْقِيمَةُ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ الْفَرِيضَةَ عِنْدَ عَدَمِهَا إِلَى سِنٍّ فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا مَعَ جَبْرِ النُّقْصَانِ مَعْنًى. وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: «إِيتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ»، وَيُرْوَى: «خَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ».

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْخَمِيسُ: الثَّوْبُ الَّذِي طُولُهُ خُمْسُ أَذْرُعٍ، وَيُقَالُ لَهُ: مَخْمُوسٌ أَيْضًا، وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ لِلثَّوْبِ خَمِيسٌ، لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَمِلَهُ مَلَكٌ بِالْيَمَنِ، يُقَالُ لَهُ: الْخِمْسُ، أَمَرَ، فَعُمِلَ هَذِهِ الثِّيَابَ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَوْ لَمْ يَجِدِ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ، وَلا الَّتِي تَلِيهَا يَنْزِلُ إِلَى سِنٍّ دُونَ مَا يَلِي الْوَاجِبَ، وَيُعْطِي جُبْرَانَيْنِ أَرْبَعَ شِيَاهٍ، أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، أَوْ يَرْتَقِي إِلَى سِنٍّ فَوْقَ مَا يَلِي الْوَاجِبَ، وَيَسْتَرِدُّ جُبْرَانَيْنِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنَ السِّنِّ الْوَاحِدَةِ. وَقَوْلُهُ: «وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ سَائِمَةً، أَمَّا الْمَعْلُوفَةُ، فَلا زَكَاةَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ وَالإِبِلِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَوْجَبَ مَالِكٌ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ وَنَوَاضِحِ الإِبِلِ. وَقَوْلُهُ: «فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاثِ مِائَةٍ، فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ»، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ تَزِيدَ مِائَةً أُخْرَى، فَتَصِيرُ أَرْبَعَ مِائَةٍ، فَيَجِبُ فِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ: إِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاثِ مِائَةٍ وَاحِدَةً، فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ. وَقَوْلُهُ: «وَلا يُخْرِجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةً وَلا ذَاتَ عُوَارٍ»، فَالْعُوَارُ: النَّقْصُ وَالْعَيْبُ، وَيَجُوزُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ كُلُّ مَالِهِ أَوْ بَعْضُ مَالِهِ سَلِيمًا، فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ مَعِيبًا، فَإِنَّهُ

يَأْخُذُ وَاحِدًا مِنْ أَوْسَطِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِصَحِيحَةٍ، وَلا تُؤْخَذُ مَرِيضَةً بِحَالٍ. وَقَوْلُهُ: «وَلا تَيْسَ الْغَنَمِ»، أَرَادَ بِهِ فَحْلَ الْغَنَمِ، مَعْنَاهُ: إِذَا كَانَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا إِنَاثًا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الذَّكَرُ، إِنَّمَا يُؤْخَذُ الْأُنْثَى، إِلا فِي مَوْضِعَيْنِ وَرَدَ بِهِمَا السُّنَّةُ، وَهُوَ أَخْذُ التَّبَيُّعِ مِنْ ثَلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ، وَأَخْذُ ابْنِ اللَّبُونِ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ، بَدَلَ ابْنَةِ الْمَخَاضِ عِنْدَ عَدَمِهَا. فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا ذُكُورًا، فَيُؤْخَذُ الذَّكَرُ. وَقَوْلُهُ: «إِلا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ»، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ الاجْتِهَادَ، لِيَأْخُذَ مَا هُوَ الْأَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ، لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مِنْ مَالِهِمْ. وَقَوْلُهُ: «وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ»، فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ الْخُلْطَةَ تَجْعَلُ مَالَ الرَّجُلَيْنِ كَمَالِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ، وَهِيَ تَارَةً تُؤَثِّرُ فِي تَقْلِيلِ الزَّكَاةِ، وَتَارَةً فِي تَكْثِيرِهَا. بَيَانُ التَّقْلِيلِ: إِذَا كَانَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ ثَمَانُونَ شَاةً مُخْتَلِطَةً، فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهَا، لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا إِلا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ تَمَيَّزَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ عَلَيْهِمَا شَاتَانِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ بَيْنَ ثَلاثَةٍ، مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مُخْتَلَطَةً لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ إِلا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ تَمَيَّزَتِ الْأَنْصِبَاءُ، كَانَ عَلَيْهِمْ ثَلاثُ شِيَاهٍ. وَبَيَانُ التَّكْثِيرِ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ مُخْتَلِطَةٍ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَاةٌ، وَلَوْ تَمَيَّزَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

وَقَوْلُهُ: «وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجَتْمِعٍ»، نَهْيٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِلسَّاعِي وَرَبِّ الْمَالِ جَمِيعًا، نَهَى رَبَّ الْمَالِ عَنِ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ قَصْدًا إِلَى تَقْلِيلِ الصَّدَقَةِ، وَنَهَى السَّاعِي عَنْهُمَا قَصْدًا إِلَى تَكْثِيرِ الصَّدَقَةِ، وَبَيَانُهُ: إِذَا كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً مُخْتَلِطَةً، فَلَمَّا أَظَلَّهُمَا السَّاعِي، فَرَّقَاهَا، لِئَلا تَجِبَ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ، أَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً، فَأَرَادَ السَّاعِي جَمْعَهَا لِتَجِبُ الزَّكَاةُ، أَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ مُخْتَلِطَةً، فَأَرَادَ السَّاعِي تَفْرِيقَهَا لِيَأْخُذَ شَاتَيْنِ، أَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً، فَأَرَادَ أَرْبَابِ الْمَالِ جَمْعَهَا، لِئَلا تَجِبَ عَلَيْهِمَا إِلا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَأُمِرُوا بِتَقْرِيرِهَا عَلَى حَالَتِهَا. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «لَا خِلَاطَ»، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هَذَا وَهُوَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ، لِيَتَغَيَّرَ حُكْمُ الزَّكَاةِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا أَوْ جَمَعُوا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ كَانَ الْحُكْمُ لِلتَّفْرِيقِ، وَلَوْ فَعَلُوا بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ الزَّكَاةِ فِي الْحَوْلِ الْمَاضِي، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْخُلْطَةِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تُغَيِّرُ حُكْمَ الزَّكَاةِ، بَلْ عَلَيْهِمْ زَكَاةُ الانْفِرَادِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ: لَا حُكْمَ لِلْخُلْطَةِ حَتَّى يَكُونَ

نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخُلَطَاءِ نِصَابًا، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ، فَإِنَّ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ مُخْتَلَطَةً، فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا فِيهَا. وَلا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْخُلْطَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيُّ بَيَّنَ أَنْ لَا يَتَمَيَّزُ أَعْيَانُ الْأَمْوَالِ مِثْلُ أَنْ وَرِثَا أَوِ اشْتَرَيَا سَائِمَةً مَعًا، فَمَا مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِلا وَهِيَ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ أَنْ يَتَمَيَّزَ الْأَعْيَانُ، بِأَنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَائِمَةٌ، فَخَلَطَاهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ يَعْرِفُ عَيْنَ مَالِ نَفْسِهِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْخُلْطَةُ خُلْطَةُ الْمُجَاوَرَةِ، وَالْأُولَى خُلْطَةُ الْمُشَارَكَةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، إِذَا عَرَفَ الْخَلِيطَانِ كُلُّ وَاحِدٍ أَمْوَالَهُمَا، فَلَيْسَا بِخَلِيطَيْنِ. ثُمَّ الشَّافِعِيُّ شَرَطَ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْخُلْطَةِ فِي الْمُجَاوَرَةِ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي الْمُرَاحِ، وَالْمَسْرَحِ، وَمَوْضِعِ السَّقْيِ، وَالْحِلابِ، وَاخْتِلاطِ الْفُحُولَةِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا، فَلَيْسَا بِخَلِيطَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي، وَالْفَحْلُ، وَالْمُرَاحُ وَاحِدًا، فَإِنْ فَرَّقَهُمَا الْمَبِيتُ، هَذِهِ فِي قَرْيَةٍ، وَهَذِهِ فِي قَرْيَةٍ، فَلا تَبْطُلُ الْخُلْطَةُ. وَالْخَلِيطَانِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ يُزَكِّيَانِ زَكَاةً وَاحِدَةً أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، إِذَا بَلَغَ مَجْمُوعُ أَنْصَابِهِمْ نِصَابًا. وَقَوْلُهُ: «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ»، فَهَذَا فِي خُلْطَةِ الْمُشَارَكَةِ لَا يُتَصَوَّرُ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ يَكُونُ مِنْ مَالِيهِمَا إِلا أَنَ لَا يَكُونُ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ، مِثْلُ أَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسٌ مِنَ

الإِبِلِ، فَجَاءَ السَّاعِي وَهِيَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَأَخَذَ مِنْهَ شَاةً، رَجَعَ هُوَ عَلَى شَرِيكِهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ. وَيُتَصَوَّرُ فِي خُلْطَةِ الْمُجَاوَرَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً، لِكُلِّ وَاحِدٍ عِشْرُونَ يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ عَيْنَ مَالِهِ، فَأَخَذَ السَّاعِي شَاةً مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، رَجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِقِيمَةِ نِصْفِ شَاتِهِ، وَإِنْ ظَلَمَهُ السَّاعِي، فَأَخَذَ زِيَادَةً عَلَى فَرْضِهِ، لَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَظْلِمْهُ. وَقَوْلُهُ: «فِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ»، أَرَادَ بِهَا الْوَرِقَ، فَيَجِبُ فِيهَا إِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ رُبُعُ الْعُشْرِ، وَهُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً عَنْهَا فِي الْوَزْنِ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ جَوَازَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، ثُمَّ فِيهَا رُبُعُ الْعُشْرِ نِصْفُ دِينَارٍ، ثُمَّ مَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ. وَلا تَجِبُ فِي الْمَغْشُوشِ مِنْهُمَا حَتَّى يَكُونَ فِيهَا مِنَ النُّقْرَةِ الْخَالِصَةِ، أَوِ الذَّهَبِ الْخَالِصِ هَذَا الْقَدْرُ. قَوْلُهُ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلا تِسْعِينَ وَمِائَةً، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ»، هَذَا يُوهِمُ أَنَّهَا إِذَا زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَتِمُّ مِائَتَيْنِ كَانَتْ فِيهَا الصَّدَقَةُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ تِسْعِينَ، لِأَنَّهُ آخِرُ فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ الْمِائَةِ، وَالْحِسَابُ إِذَا جَاوَزَ الْآحَادَ كَانَ تَرْكِيبُهُ بِالْفُصُولِ كَالْعَشَرَاتِ وَالْمِئِينِ وَالْأُلُوفِ، فَذَكَرَ التِّسْعِينَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنْ لَا صَدَقَةَ فِيمَا نَقَصَ عَنْ كَمَالِ الْمِائَتَيْنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ». وَابْنَةُ الْمَخَاضِ مِنَ الإِبِلِ هِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا حَوْلٌ، وَطَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ سُمِّيَتِ ابْنَةَ مَخَاضٍ، لِأَنَّ أُمَّهَا تَمْخَضُ بِوَلَدٍ آخَرَ، وَالذَّكَرُ: ابْنُ مَخَاضٍ، وَالْمَخَاضُ: الْحَوَامِلُ.

وَابْنَةُ اللَّبُونِ هِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا حَوْلانِ، وَطَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، لِأَنَّ أُمَّهَا تَصِيرُ لَبُونًا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَالذَّكَرُ ابْنُ لَبُونٍ. وَالْحِقَّةُ هِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا ثَلاثُ سِنِينَ، وَطَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ، سُمِّيَتْ بِهَا، لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْحَمْلَ وَالضِّرَابَ، وَالذَّكَرُ: حق. وَالْجَذَعَةُ: الَّتِي تَمُتْ لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ، وَطَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ، لِأَنَّهَا تُجْذِعُ السِّنَّ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: «طَرُوقَةُ الْجَمَلِ»، هِيَ الَّتِي قَدْ طَرَقَهَا الْفَحْلُ، أَيْ: نَزَا عَلَيْهَا، فَإِذَا طَعَنَ فِي السَّادِسَةِ، وَأَلْقَى ثَنِيَّتَهُ، فَهُوَ ثَنِيٌّ، وَالْأُنْثَى ثَنِيَّةٌ، فَإِذَا طَعَنَ فِي السَّابِعَةِ، وَأَلْقَى رباعيتهُ، فَهُوَ رَبَاعٌ، وَالْأُنْثَى رَبَاعِيَةُ، فَإِذَا طَعَنَ فِي الثَّامِنَةِ، وَأَلْقَى السِّنَّ الَّتِي بَعْدَ الرَّبَاعِيَةِ، فَهُوَ سَدِيسٌ وَسَدَسٌ، فَإِذَا طَعَنَ فِي التَّاسِعَةِ، فَطَرَّ نَابُهُ وَطَلَعَ، فَهُوَ بَازِلٌ، فَإِذَا طَعَنَ فِي الْعَاشِرَةِ، فَهُوَ مُخْلِفٌ، ثُمَّ يُقَالُ بَعْدَهُ: بَازِلُ عَامٍ، وَبَازِلُ عَامَيْنِ، وَمُخْلِفُ عَامٍ، وَمُخْلِفُ عَامَيْنِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْجَذُوعَةُ وَقْتٌ وَلَيْسَ بِسِنٍّ، فَإِذَا لَقِحَتْ، فَهِيَ خَلِفَةٌ إِلَى عَشْرَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ عَشْرًا فَهِيَ عُشْرَاءُ.

باب صدقة البقر السائمة

بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ السَّائِمَةِ 1571 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، أَنا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ. فَأَمَرَهُ «أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلَّ ثَلاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ورَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ، عَن الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ، وَهَذَا أَصَحُّ وَقَوْلُهُ: «وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا»، لَمْ يُرِدْ بِهِ الزَّكَاةَ، إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْجِزْيَةَ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، نَسَّقَهَا عَلَى الزَّكَاةِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. «أَوْ عَدْلُهُ

مَعَافِرُ»، فَالْمَعَافِرُ: ضَرْبٌ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ، أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ بَالِغٍ دِينَارًا، أَوْ مَا يُعَادِلُ قِيمَتَهُ مِنَ الثِّيَابِ، وَيُقَالُ: الْمَعَافِرُ الْبُرُودُ. 1572 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخَذَ مِنْ ثَلاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا، وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً، فَأُتِي بِمَا دُونَ ذَلِكَ، فَأبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَأَسْأَلَهُ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَزْدَادُ فِي الْبَقَرِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ حَتَّى يَبْلُغَ سِتِّينَ، ثُمَّ يَجِبُ فِيهَا تَبِيعَانِ، وَبَعْدَهُ فِي كِلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَفِي كُلِّ ثَلاثِينَ تَبِيعٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِحِسَابِهِ إِلَى السِّتِّينَ.

وَالتَّبِيعُ: الْعِجْلُ مَا دَامَ يَتَّبِعُ الْأُمَّ إِلَى تَمَامِ السَّنَةِ، وَالْمَأْخُوذُ فِي الزَّكَاةِ: الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ، وَالْمُسِنَّةُ: الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا حَوْلانِ، وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ، وَهِيَ ثَنِيَّةٌ، لِأَنَّهَا تَجْذَعُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَتُثْنِي فِي الثَّالِثَةِ. أَمَّا الْغَنَمُ، فَلا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا، فَفِيهَا شَاةٌ جَذَعَةٌ مِنَ الضَّأْنِ، أَوْ ثَنِيَّةٌ مِنَ الْمَعِزِ، وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِائَتَيْنِ وَشَاةٍ ثَلاثُ شِيَاهٍ، وَفِي أَرْبَعِ مِائَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كِلِّ مِائَةٍ شَاةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ الْجَذَعَةُ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعِزِ جَمِيعًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ مِنْهُمَا إِلا الثَّنِيَّةُ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِساعيه: «اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ الَّتِي يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدِهِ، وَلا تَأْخُذْهَا، وَلا تَأْخُذِ الْأَكُولَةَ، وَلا الرُّبَّى، وَلا الْمَاخِضَ، وَلا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَخذ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ، وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وَخِيَارِهِ». وَالرُّبَى: الَّتِي يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، فَهِيَ تُرَبِّي وَلَدَهَا، وَالْمَاخِضُ: الْحَامِلُ، وَالْأَكُولَةُ: السَّمِينَةُ تُعَدُّ لِلذَّبْحِ، وَالْغِذَاءُ: صِغَارِ السَّخْلِ، جَمْعُ غَذِيٍّ.

باب لا زكاة في العبد والفرس

بَابُ لَا زَكَاةَ فِي الْعَبْدِ وَالْفَرَسِ 1573 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» 1574 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَلا فِي مَمْلُوكِهِ صَدَقةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ

وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إِلا صَدَقَةُ الْفِطْرِ». وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ، وَلا فِي الْعَبْدِ، إِلا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، فَتَجِبُ فِي قِيمَتِهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ. يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: فِي الْخَيْلِ صَدَقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجِبُ الزَّكَاةَ فِي الإِنَاثِ مِنْهَا فِي كُلِّ فَرَسٍ دِيَنارٌ، وَإِنْ شِئْتَ قَوَّمْتَهَا، فَجَعَلْتَ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ.

1575 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فأمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ، كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ، فَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ، فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، كَانَتْ آثارُهَا وَأَرْوَاثُها حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ، فَشَرِبَتْ مِنْهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ،

فَهِيَ لِذلِكَ أَجْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا، وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلا ظُهُورِهَا، فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الإِسْلامِ، فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ». وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُمُرِ، فَقَالَ: " مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {7} وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {8}} [الزلزلة: 7 - 8] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ، كِلاهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَوْلُهُ: «أَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ»، أَيْ: شَدَّهَا فِي طِوَلِهَا، وَهُوَ حَبْلٌ طَوِيلٌ يُشَدُّ أَحَدُ طَرَفَيْهِ فِي آخِيَةٍ أَوْ وَتَدٍ، وَيُعَلَّقُ يَدُ الْفَرَسِ فِي

الطَّرفِ الْآخَرِ لِتَدُورَ فِيهِ، وَلا يَعِيرَ، فَيَذْهَبُ عَلَى وَجْهِهِ. وَقَوْلُهُ: «فِي طِيَلِهَا»، لُغَةٌ فِي الطِّوَلِ. وَقَوْلُهُ: «فَاسْتَنَّتْ»، هُوَ أَنْ تَمْرَحَ فِي الطُّولِ، يُقَالُ: سَنَّ الْفَرَسُ، وَاسْتَنَّ: إِذَا لَجَّ فِي عَدْوِهِ مُقْبِلا وَمُدْبِرًا، وَفَرَسُ سَنِينٌ، وَذَلِكَ مِنَ النَّشَاطِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الاسْتِنَانُ أَنْ يَحْضِرَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فَارِسٌ. وَقَوْلُهُ: «تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا»، أَيْ: طَالِبًا بِنِتَاجِهَا الْغِنَى وَالْعِفَّةَ. وَقَوْلُهُ: «نِوَاءً لِأَهْلِ الإِسْلامِ»، أَيْ: مُعَادَاةٌ، يُقَالُ: نَاوَأَهُ مُنَاوَأَةً وَنِوَاءً بِالْهَمْزِ، وَغَيْرِ الْهَمْزِ: إِذَا عَادَاهُ. وَقَوْلُهُ: «فِي الْحُمُرِ هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ»، سَمَّاهَا جَامِعَةً لاشْتِمَالِ اسْمِ الْخَيْرِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ فَرَائِضَهَا وَنَوَافِلَهَا، سَمَّاهَا فَاذَّةً

لِخُلُوِّهَا عَنْ بَيَانِ مَا تَحْتِهَا، وَتَفْصِيلِ أَنْوَاعِهَا، وَالْفَذُّ: الْوَاحِدُ الْفَرْدُ، يُقَالُ: فَذَّ الرَّجُلُ عَنْ أَصْحَابِهِ: إِذَا شَذَّ عَنْهُمْ، وَبَقِيَ فَرْدًا. قَوْلُهُ: {خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]، يَعْنِي: يَرَى جَزَاءَ مَا عَمِلَ، لَا عَيْنَ عَمَلِهِ.

باب المستفاد لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول

بَابُ الْمُسْتَفَادِ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ 1576 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، نَا هَارُونُ بْنُ صَالِحٍ الطَّلْحِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتفَادَ مَالًا، فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ».

وَرَوَاهُ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْمُسْتَفَادِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنَ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنِ اسْتَفَادَ مَالًا زَكَاتيا، وَعِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ نِصَابٌ، يَضُمُّ إِلَيْهِ الْمُسْتَفَادَ فِي الْحَوْلِ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلَ مَا عِنْدَهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ. يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. أَمَّا إِذَا تَمَّ النِّصَابُ بِالْمُسْتَفَادِ، فَلا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّتَاجَ يُضَمُّ إِلَى الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ، وَكَذَلِكَ حَوْلُ الرِّبْحِ يَبْتَنِي عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْأَصْلِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنِ الْكُلِّ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّصَابَ إِذَا انْتَقَصَ فِي خِلالِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ، فَإِذَا تَمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسْتَأْنَفُ الْحَوْلُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَالنِّصَابُ شَرْطٌ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ فِي النَّاضِّ يُشْتَرَطُ النِّصَابُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ حَتَّى لَوْ مَلَكَ دِينَارًا،

فَصَارَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ عِشْرِينَ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، كَمَا فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ. قُلْتُ: زَكَاةُ التِّجَارَةِ تَجِبُ فِي الْقِيمَةِ، وَلا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، فَرُوعِيَ آخِرُ الْحَوْلِ فِيهَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا بَادَلَ مَالَهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِمَالٍ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ، يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيُبْتَدَأُ الْحَوْلُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ بَادَلَ بِجِنْسِهِ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، أَمَّا إِنْ بَادَلَ النَّقْدَ بِالنَّقْدِ، فَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَنْقَطِعُ. وَمَنْ وَرِثَ مَالًا، فَلا يَبْتَنِي حَوْلَ الْوَارِثِ عَلَى حَوْلِ الْمُوَرِّثِ، بَلْ يُسْتَأْنَفُ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ وَرِثَهُ، فَإِذَا تَمَّ، أَخْرَجَ الزَّكَاةَ.

باب تعجيل الصدقة

بَابُ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ 1577 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ، وَيُعِيدُ لَوْ عَجَّلَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ، وَلا يَجُوزُ تَعْجِيلُ صَدَقَةِ عَامَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. 1578 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ

الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأمَّا خَالِدٌ، فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا قَدِ احْتَبَسَ أَدرَاعهُ، وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَقَالَ: «قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهُوَ عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا». ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ». قَوْلُهُ: «وَأَعْتُدَهُ» يُرْوَى بِالتَّاءِ، وَالْأَعْتُدُ: جَمْعُ الْعَتَادِ، وَكَذَلِكَ الْأَعْتَادُ، وَهُوَ مَا أَعَدَّهُ الرَّجُلُ مِنَ السِّلاحِ وَالدَّوَابِّ وَالْآلَةِ لِلْحَرْبِ.

ثُمَّ لَهُ تَأْوِيلانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْآلاتِ كَانَتْ عِنْدَهُ لِلتِّجَارَةِ، فَطَلَبُوا مِنْهُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَهَا حُبُسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، وَجَوَازِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ. وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ اعْتَذَرَ لِخَالِدٍ، يَقُولُ: إِنَّ خَالِدًا لَمَّا حَبَسَ أَدْرَاعَهُ تَبَرُّعًا، وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ: إِنَّهُ احْتَسَبَ لَهُ مَا حَبَسَهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّ أَحَدَ أَصْنَافِ الْمُسْتحقين لِلصَّدَقَةِ هُمُ الْمُجَاهِدُونَ. وَفِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ بَدَلًا عَنِ الْأَعْيَانِ، وَعَلَى جَوَازِ وَضْعِ الصَّدَقَةِ فِي صنْفٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: «صِنْوُ أَبِيهِ»، أَيْ: أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [الرَّعْد: 4]، وَهِيَ جَمْعُ صِنْوٍ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ وَاحِدًا، وَفِيهِ النَّخْلَتَانِ، وَالثَّلاثِ، وَالْأَرْبَعِ. وَيُحْكَى عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: الصِّنْوُ: الْمِثْلُ، أَرَادَ مِثْلَ أَبِيهِ. وَقَوْلُهُ فِي صَدَقَةِ الْعَبَّاسِ: «فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ»، فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ قَلَّ الْمُتَابِعُونَ لِشُعَيْبٍ فِيهَا، لِأَنَّ الْعَبَّاسَ مِنْ صَلِيبَةِ بَنِي هَاشِمٍ لَا تَحِلُّ

لَهُ الصَّدَقَةُ، فَكَيْفَ يَسْتَأْثِرُهُ بِهَا. وَرَوَى غَيْرُهُ «هِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا»، وَتَأَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: لَعَلَّهُ أَخَّرَهَا عَلَيْهِ عَامَيْنِ لِحَاجَةٍ بِالْعَبَّاسِ إِلَيْهَا، كَمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَخَّرَ الصَّدَقَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ، فَلَمَّا أَحْيَا النَّاسُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَةَ عَامَيْنِ. قَوْلُهُ: «أَحْيَا النَّاسُ»، أَيْ: صَارُوا فِي الْحَيَا، وَهُوَ الْخِصْبُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى، أَنَّهُ قَالَ: «هِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا»، فَلَهُ تَأْوِيلانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَسَلَّفَ مِنْهُ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ، فَصَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ مَحِلِّهَا، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ تَعْجِيلَ صَدَقَةِ عَامَيْنِ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ قَبَضَ مِنْهُ صَدَقَةَ ذَلِكَ الْعَامِ الَّذِي شَكَاهُ فِيهِ الْعَامِلُ، وَتُعَجَّلُ صَدَقَةُ عَامٍ ثَانٍ، فَقَالَ: «هِيَ عَلَيَّ»، أَيِ: الصَّدَقَةِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ، وَأَنْتَ تُطَالِبُهُ بِهَا مَعَ مِثْلِهَا مِنْ صَدَقَةِ عَامٍ لَمْ يَحِلَّ، فَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ صَدَقَةَ أَحَدِ الْعَامَيْنِ بَعْدَ مَحِلِّهَا، وَاسْتَعْجَلَ صَدَقَةَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ.

باب زكاة الثمار وخرصها

بَابُ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَخَرْصِهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الْأَنْعَام: 141]. قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ الزَّكَاةُ.

1579 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي زَكَاةِ الْكَرْمِ: «يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ، ثُمَّ يُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا يُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا». 1579 - وَبِإِسْنَادِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ مَنْ يَخْرُصُ عَلَى النَّاسِ كُرُومَهُمْ وَثِمَارَهُمْ.

أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو عَمْرٍو مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الْحَذَّاءُ، أَنا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، أَنَّهُ تُخْرَصُ الثِّمَارُ عَلَى أَرْبَابِهَا، فَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاحِ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ بَعَثَ الإِمَامُ خَارِصًا يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: تُحَصَّلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ كَذَا مِنَ التَّمْرِ، وَمِنْ هَذَا الْعِنَبِ كَذَا مِنَ الزَّبِيبِ، فَيُحْصِي عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا يَصْنَعُونَ بِهَا مَا شَاءُوا، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُمُ الْعُشْرَ بَعْدَمَا أَدْرَكَ وَجَفَّ، فَإِنِ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ نُقْصَانًا عَمَّا خَرصَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: الْخَرْصُ بِدْعَةٌ. وَأَنْكَرَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْخَرْصَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا كَانَ يَخْرُصُ ذَلِكَ تَخْوِيفًا لِلْأَكَرَةِ، لِئَلا يَخُونُوا، فَأَمَّا أَنْ يَلْزَمَ بِهِ حُكْمٌ، فَلا، لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلَ بِهِ، وَالصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَجْوِيزِهِ. وَقَوْلُهُمْ: هُوَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ. لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَرِ، كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَحْصَرُ مِنْ بَعْضٍ، فَهُوَ كَتَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَالْحُكْمُ بِالاجْتِهَادِ. وَإِنَّمَا يُسَنُّ الْخَرْصُ فِي النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ دُونَ الْحُبُوبِ، لِأَنَّ الْحُبُوبَ لَا تُؤْكَلُ رَطِبَةً، وَثَمَرُ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تُؤْكَلُ رَطِبَةً، فَتَتْلَفُ حُقُوقَ الْمَسَاكِينِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «إِذَا خَرَصْتُمْ، فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدْعُوا الثُّلُثَ، فَدَعُوا الرُّبُعَ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْخَارِصُ يَدَعُ الثُّلُثَ لِلْخِرَفَةِ، وَكَذَا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ مَتْرُوكٌ لَهُمْ عَنْ عُرضِ الْمَالِ تُوسِعَةً عَلَيْهِمْ، فَقَدْ يَكُونُ مِنَ السُّقَاطَةِ، وَيَنْتَابُهَا الطَّيْرُ، وَيَخْتَرِفُهَا النَّاسُ لِلْأَكْلِ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُ الْخُرَّاصَ بِذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ لَهُمْ شَيْئًا شَائِعًا، بَلْ يُفْرَدُ لَهُمْ نَخْلاتٌ مَعْدُودَةٌ قَدْ عُلِمَ مِقْدَارُ ثَمَرِهَا بِالْخَرْصِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ، وَفِيمَا يُقْتَاتُ مِنَ الْحُبُوبِ مِمَّا يَزْرَعْهُ الْآدَمِيُّونَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا مِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى أَنَّهُ لَا عُشْرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ الْعُشْرِ فِي جَمِيعِهَا. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى إِيجَابِ الْعُشْرِ فِي الزَّيْتُونِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ

مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ، فَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُؤْخَذُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنَ الزَّيْتِ إِذَا بَلَغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُؤْخَذُ مِنْ ثَمَرِهِ. أَمَّا الْخضْرَاوَاتِ، فَلا عُشْرَ فِيهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ إِلَّا الْحَطَبَ، وَالْحَشِيشَ، وَالْقَصَبَ الْفَارِسِيَّ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، فَلَمْ يُوجِبَا فِيهِ الْعَشْرُ. وَرُوِيَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ.

وَكُلُّ ثَمَرَةٍ أَوْجَبْنَا فِيهَا الزَّكَاةَ، فَإِنَّهَا تَجِبُ بِبُدُوِّ الصَّلاحِ، وَوَقْتُ الإِخْرَاجِ بَعْدَ الاجْتِنَاءِ وَالْجَفَافِ. وَكُلُّ حَبٍّ أَوْجَبْنَا فِيهِ الْعُشْرَ، فَوَقْتُ وُجُوبِهِ اشْتِدَادُ الْحَبِّ، وَوَقْتُ الإِخْرَاجِ بَعْدَ الدِّيَاسَةِ وَالتَّنْقِيَةِ، وَلا حَوْلَ لَهَا، إِنَّمَا الْحَوْلُ لِلْمَوَاشِي وَالنُّقُودِ، لِأَنَّ نَمَاءَهَا لَا يَظْهَرُ إِلا بِمُضِيِّ الْحَوْلِ. قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلافَ فِيهِ، أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ مِنَ الثِّمَارِ إِلا النَّخِيلُ وَالْأَعْنَابُ، أَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ رَطِبًا إِنَّمَا يُؤْكَلُ بَعْدَ حَصَادِهِ مِثْلُ الْحُبُوبِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ لَا يُخْرَصُ، وَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ الْأَمَانَةُ.

باب قدر الصدقة فيما أخرجت الأرض

بَابُ قَدْرِ الصَّدَقَةِ فِيمَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ 1580 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ. الْعَثَرِيُّ: الْعِذْيُ وَهُوَ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ، وَيُرْوَى: «مَا سُقِيَ مِنْهُ بَعْلًا فَفِيهِ الْعُشْرُ». وَالْبَعْلُ: مَا شَرِبَ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيِ سَمَاءٍ وَلا غَيْرِهَا،

فَإِذَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ، فَهُوَ عِذْيٌ. وَقَوْلُهُ: «مَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ»، يُرِيدُ مَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي وَهِيَ النَّوَاضِحُ، وَاحِدَتُهَا نَاضِحَةٌ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ فِي الْمَسْقِيِّ مِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ بِمَاءِ السَّمَاءِ، أَوْ مِنْ نَهْرٍ يَجْرِي الْمَاءُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَئُونَةٍ، أَوْ كَانَ بَعْلًا، وَهُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعِرْقِهِ، الْعُشْرَ، وَفِيمَا سُقِيَ بِسَانِيَةٍ، أَوْ نَضْحٍ نِصْفُ الْعُشْرِ، لِأَنَّ الْمَئُونَةَ إِذَا كَثُرَتْ، قَلَّ الْوَاجِبُ نَظَرًا لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا قَلَّتَ الْمَئُونَةُ، وَعَمَّتِ الْمَنْفَعَةُ، زِيدَ فِي الْوَاجِبِ تُوسِعَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي النَّعَمِ إِذَا كَانَتْ سَائِمَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَعْلُوفَةً، فَلا زَكَاةَ فِيهَا لِكَثْرَةِ مَئُونَتِهَا.

باب زكاة العسل

بَابُ زَكَاةِ الْعَسَلِ 1581 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيسِيُّ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الْعَسَلِ فِي كُلِّ عَشْرَةِ أَزُقٍّ زِقُّ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرُ شَيْءٍ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِيهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَامِلِهِ عَلَى دِمَشْقَ: إِنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْعَيْنِ، وَالْحَرْثِ، وَالْمَاشِيَةِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى إِيجَابِهَا، وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، قَالُوا: فِيهِ الْعُشْرُ. وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: كَلَّمْتُ قَوْمِي فِي الْعَسَلِ،

فَقُلْتُ لَهُمْ: زَكُّوهُ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي ثَمَرٍ لَا يُزَكَّى. فَأَخَذْتُ مِنْهُمُ الْعُشْرَ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخَذَهُ عُمَرُ، فَبَاعَهُ، ثُمَّ جَعَلَ ثَمَنَهُ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ. ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ فِي خَلايَا الْعَسَلِ: «فِيهَا الْعُشْرُ». أَرَادَ بِالْخَلايَا: الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُعَسِّلُ فِيهَا النَّحْلُ، وَاحِدَتُهَا خَلِيَّةٌ، وَهِيَ مِثْلُ الرَّاقُودِ.

باب زكاة الورق والحلي

بَابُ زَكَاةِ الْوَرِقِ وَالْحُلِيِّ 1582 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعينَ دِرْهَمًا دِرْهمٌ، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: كِلاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْهُمَا جَمِيعًا. وَرُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا

وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ»، قَالَ: فَلا أَدْرِي أَعَلَيَّ، قَالَ: «بِحِسَابِ ذَلِكَ» أَوْ رَفَعَهُ. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْوَرِقِ حَتَّى يَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ نُقْرَةً خَالِصَةً، وَلا فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالا بِوَزْنِ مَكَّةَ، ثُمَّ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ، فَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا حَبَّةً، فَلا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ جَوَازَ الْوَازِنَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إِذَا كَانَتْ تَجُوزُ جَوَازَ الْوَازِنَةِ. 1583 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَتَتَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَيْدِيهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُمَا: «أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُ؟»، قَالَتَا: لَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟»، قَالَتَا: لَا، قَالَ: «فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَابْنُ لَهِيعَةَ يَضْعُفُ، وَلا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ وَرُوِيَ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ جَهَنَّمَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهِ، مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، وَجَابِرٌ، وَأَنَسٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ

ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمَحْظُورَةُ، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، فَمِنَ الْمَحْظُورِ الْأَوَانِي وَالْقَوَارِيرُ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا. وَمِنَ الْمُبَاحِ أَنْ تَتَّخِذَ الْمَرْأَةُ لِنَفْسِهَا أَوِ الزَّوْجِ لامْرَأَتِهِ سِوَارًا، أَوْ خَلْخَالًا، أَوْ عِقْدًا، أَوْ قُرْطًا، أَوْ خَاتَمًا، أَوْ نَحْوَهَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، وَكُلُّ هَذَا حَرَامٌ لِلرِّجَالِ إِلا خَاتَمَ الْفِضَّةِ. وَمَنْ جُدِعَ أَنْفُهُ أَوْ سَقَطَتْ سِنُّهُ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا أَوْ سِنَّا مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَمُبَاحٌ.

باب زكاة التجارة

بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [الْبَقَرَة: 267]، قَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ التَّجَارَةِ. 1584 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، أَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، أَنَّ أَبَاهُ، قَالَ: مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَى عُنُقِي أَدَمَةٌ أَحْمِلُهَا، فَقَالَ عُمَرُ: «أَلا تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا حِمَاسُ؟»، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا لِي غَيْرُ هَذِهِ الَّتِي عَلَى ظَهْرِي وَآهِبَةٌ فِي الْقَرَظِ، فَقَالَ: «ذَاكَ مَالٌ، فَضَعْ». قَالَ: فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَسِبَهَا، فَوَجَدْتُ قَدْ وَجَبَ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ

قَوْلُهُ: آهِبَةٌ. جَمْعُ إِهَابٍ، مِثْلُ آلِهَةٍ جَمْعُ إِلَهٍ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَمَّا بَعْدُ، «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ». وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ فِي الْعَرْضِ زَكَاةٌ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ التِّجَارَةُ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ التِّجَارَةَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهَا إِذَا كَانَتْ نِصَابًا عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا رُبُعَ الْعُشْرِ. وَقَالَ دَاوُدُ: زَكَاةُ التِّجَارَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالإِجْمَاعِ. وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ فِي مَالِ التِّجَارَةِ يَوْمَ يَشْتَرِيهِ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَأْسُ مَالِهِ يَوْمَئِذٍ نِصَابًا، فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ يَقُومُ مَا فِي يَدِهِ مِنَ الْعُرُوضِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ إِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِهِ عَرْضًا حِينَ ابْتَدَأَ التِّجَارَةَ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِهِ نَاضًّا، فَيَقُومُ بِجِنْسِهِ، فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا، أُخْرِجَ رُبُعُ الْعُشْرِ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ، فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتِمُّ النِّصَابَ.

باب الدين هل يمنع الزكاة

بَابُ الدَّيْنِ هَلْ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ 1585 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصَعْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، كَانَ يَقُولُ: «هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ، فَتُؤَدُّوا مِنْهَا الزَّكَاةَ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِهِ،

وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ، وَدَيْنُهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْفَاضِلِ عَنِ النِّصَابِ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ، وَدَيْنُهُ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ، أَوْ يَنْقُصُ النِّصَابُ لَوْ أَدَّاهُ مِنَ الْمَالِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالُوا: يَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاةِ الْعَيْنِ، وَلا يَمْنَعُ وُجُوبَ عُشْرِ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ. وَمَنْ كَانَ مَالُهُ دَيْنًا عَلَى مَلِيءٍ وَفِي، فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعْسِرٍ، فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَإِنْ قَبَضَهُ فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاةِ مَا مَضَى عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ ضَلَّتْ مَاشِيَتُهُ، أَوْ

غُصِبَ مَالُهُ أَحْوَالا، ثُمَّ وَجَدَهَا، زَكَّاهَا عَلَى أَظْهَرِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ زَكَاةُ حَوْلٍ وَاحِدٍ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلاةِ ظُلْمًا يَأْمُرُ بِرَدِّهِ إِلَى أَهْلِهِ، وَيُؤْخَذُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ كَانَ ضَمَارًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُرْجَى، فَإِذَا رُجِيَ، فَلَيْسَ بِضَمَارٍ، وَأَضْمَرْتُ الشَّيْءَ: إِذَا غَيَّبْتُهُ. قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَعْطَى النَّاسَ أَعْطِيَتَهُمْ يَسْأَلُ الرَّجُلَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ زَكَاةٌ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ مَالِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَا، أَسْلَمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. وَيُرْوَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِثْلُ هَذَا.

باب الركاز والمعدن

بَابُ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ 1586 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «جُرْحُ الْعَجْماءِ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَقَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» سُمِّيَتْ عَجْمَاءُ، لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَرَادَ «بِالْعَجْمَاءِ» الْبَهِيمَةَ.

قَوْلُهُ: «جُبَارٌ»، أَيْ: هَدَرٌ، وَأَرَادَ بِهِ أَنَّ الْبَهِيمَةَ إِذَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنِ الْمَالِكُ مَعَهَا، وَكَانَ نَهَارًا لَا ضَمَانَ عَلَى مَالِكِهَا، أَوِ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ مَعْدِنٍ، فَانْهَارَ عَلَيْهِ، فَلا ضَمَانَ. 1587 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ هَوَّادِ بْنِ سَابُورٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ: «إِنْ وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ، أَوْ سَبِيلٍ مِيتَاءٍ، فَعَرِّفْهُ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةَ، فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الرِّكَازُ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمَدْفُونِ فِي الْأَرْضِ، وَالْمَعْدَنُ:

اسْمٌ لِلْمَخْلُوقِ فِي الْأَرْضِ، وَقَدْ يَقَعُ اسْمُ الرِّكَازِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَدْفُونَ رَكَّزَهُ صَاحِبُهُ فِي الْأَرْضِ، وَالْمَخْلُوقُ رَكَّزَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، وَالْخَبَرُ وَرَدَ فِي الْمَدْفُونِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الرِّكَازُ: الْكَنْزُ الْعَادِي. وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الرِّكَازِ حَالَةَ مَا يَجِدُهُ لَا يُنْتَظَرُ بِهِ حَوْلٌ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَجِدَهُ مَدْفُونًا فِي مَوَاتٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ جَاهِلِيٍّ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مَلِكٌ فِي الإِسْلامِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، أَوْ كَانَ نَقْدًا بِضَرْبِ الإِسْلامِ، فَهُوَ لُقْطَةٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْوُجُوبَ هَلْ يَخْتَصُّ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَبِالنِّصَابِ؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ إِلَى أَنَّ الْخُمُسَ، لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيَجِبُ فِيهِمَا بَعْدُ أَنْ يَكُونَ نِصَابًا عِشْرِينَ مِثْقَالا مِنَ الذَّهَبِ، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، ثُمَّ احْتَاطَ، وَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أنَا الْوَاجِدُ لَخَمَّسْتُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَغَيْرَهُمَا. وَأَوْجَبَ مَالِكٌ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. وَمَصْرَفُ الرِّكَازِ مَصْرَفُ الزَّكَاةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْأَرْضِ كَالزَّرْعِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَصْرَفُهُ مَصْرَفُ خُمْسُ الْفَيْءِ، لِأَنَّهُ مِنْ مَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ. وَأَمَّا الْمُسْتَخْرَجُ مِنَ الْمَعْدَنِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً يَجِبُ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ عَلَى أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ نِصَابًا، وَلا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ كَالزَّرْعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ حِينَ يُحْصَدُ، وَلَمْ يَجِبُ الْخُمُسُ لِكَثْرَةِ الْمَئُونَةِ فِي تَحْصِيلِهِ، وَلا يُوجَبُ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. 1588 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرزيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَقْطَعَ لِبِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادنَ الْقَبَلِيَّةِ وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤخَذُ مِنْهَا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ».

وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي رِكَازِ أَرْضِ الْحَرْبِ الْخُمُسُ، وَفِي رِكَازِ أَرْضِ السِّلْمِ الزَّكَاةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنَ الْمَعْدَنِ الْخُمُسُ كَالرِّكَازِ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَأَحَدُ أَقَاوِيلِ الشَّافِعِيِّ. وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي كِلِّ جَوْهَرٍ يَنْطَبِعُ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ قِيَاسًا عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، ثُمَّ نَاقَضَ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ، فَلا يُؤَدِّي مِنْهُ الْخُمُسَ.

وَشَرَطَ بَعْضُهُمُ الْحَوْلَ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنَ الْمَعْدَنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ، وَلا شَيْءَ فِي الْعَنْبَرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ، هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ: الْخُمُسُ.

باب زكاة مال الصبي

بَابُ زَكَاةِ مَالِ الصَّبِيِّ 1589 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: «أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ، فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ، وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأكُلَهُ الصَّدَقَةُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، لِأَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ الصَّبَّاحِ ضَعِيفٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَوَى سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تَسْتَهْلِكُهَا الزَّكَاةُ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وُجُوبِهَا، مِنْهُمْ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، وَجَابِرٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ أَرْضُهُ، وَوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْهُ.

باب أخذ الزكاة من الوسط

بَابُ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنَ الْوَسَطِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: «إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ». وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُصَدِّقًا، فَقَالَ: «لَا تَأْخُذْ مِنْ حَزَرَاتِ أَنْفُسِ النَّاسِ». يُرِيدُ: لَا تَأْخُذْ خِيَارَ أَمْوَالِهِمْ، وَالْحَزَرَةُ: خِيَارُ الْمَالِ. 1590 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ، قَالَ: أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَقَرَأْتُ عَهْدَهُ: أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلا يُفَّرقَ

بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ عَظِيمَةٍ مُلَمْلَمَةٍ، فَأَبَى أَنْ يَأخُذَهَا، ثُمَّ أَتَاهُ بِأُخْرَى دُونَهَا، فَأَبَى أَنْ يَأخُذَهَا، ثُمَّ أَتَاهُ بِأُخْرَى دُونَهَا، فَأَخَذَهَا، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، وأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إِذَا أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَخَذْتُ جِيَادَ إِبِلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» وَالْمُلَمْلَمَةُ هِيَ النَّاقَةُ الْمُسْتَدِيرَةُ سِمْنًا. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقَالَ الْمُصَدِّقُ: إِنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِإِبِلٍ، «فَسَكَتَ». الْكَوْمَاءُ: مِشْرِفَةُ السَّنَامِ، وَالْكَوْمُ: مَوْضِعُ مُشْرِفٍ. وَالارْتِجَاعُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ أَنْ يَقْدَمَ الرَّجُلُ الْمِصْرَ بِإِبِلِهِ، فَيَبِيعُهَا، ثُمَّ يَشْتَرِي بِثَمَنِهَا مِثْلَهَا أَوْ غَيْرَهَا، فَهِيَ الرَّجْعَةُ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الصَّدَقَةِ إِذَا وَجَبَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ سِنٌّ، فَأَخَذَ مَكَانَهَا سِنَّا أُخْرَى، فَتِلْكَ الَّتِي أَخَذَ رَجْعَةٌ، لِأَنَّهُ ارْتَجَعَهَا مِنَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى رَبِّهَا.

باب إذا أدى زكاته فقد قضى ما عليه

بَابُ إِذَا أَدَّى زَكَاتَهُ فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ 1591 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هَرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ، فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا، إِلا أَنْ تَطَوَّعَ». وَابْنُ حُجَيْرَةَ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُجَيْرَةَ الْمِصْرِيُّ

باب حق المال

بَابُ حَقِّ الْمَالِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7]. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نُعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَارِيَةَ الدَّلْوِ وَالْقِدْرِ. وَيُقَالُ: الْمَاعُونُ الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَعْلاهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ. 1592 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مَدُّوَيْهِ، نَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، قَالَتْ: سَأَلْتُ، أَوْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَنِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: " إِنَّ فِي الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [الْبَقَرَة: 177] "، الْآيَة. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَأَبُو حَمْزَةَ مَيْمُونٌ الْأَعْوَرُ ضَعِيفٌ، وَرَوَى بَيَانٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ، قَوْلُهُ: «إِنَّ فِي هَذَا الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ»، وَهَذَا أَصَحُّ وَيُرْوَى: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: «الْمَاءُ»، قِيلَ: مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: «الْمِلْحُ». قِيلَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي أَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ.

باب صدقة الفطر

بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ 1593 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرِ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1594 - أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ والْأُنْثَى، والصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ نَافِعٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرِيضَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ، وَالْوَاجِبُ عِنْدَهُمْ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنَ الْفَرِيضَةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِلْكَ النِّصَابِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِهَا، بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ لِيَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ قَدْرَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، يَلْزَمَهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تَجِبُ إِلا عَلَى مَنْ يَمْلُكُ نِصَابًا، لِأَنَّ مَنْ حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِلْكُ الْمِائَتَيْنِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَدَاؤُهَا عَنِ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَعَمَّنْ أَطَاقَ الصَّوْمَ أَوْ لَمْ يُطِقْ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: «صَدَقَةُ الْفِطْرِ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَطَاقَ الصَّوْمَ». وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ الْمُسْلِمِينَ شَاهَدِهِمْ وَغَائِبِهِمْ، سَوَاءٌ كَانُوا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ، فَعَلَيْهِ فِي رَقِيقِ التِّجَارَةِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى رَقِيقِ التِّجَارَةِ. وَلا تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِطْرَةُ عَبْدِهِ الْكَافِرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ: «مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، وَلِأَنَّهَا طُهْرَةُ الْمُسْلِمِ كَزَكَاةِ الْمَالِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ: تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقُ.

1595 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: " كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، وَأَرَادَ بِالطَّعَامِ الْبُرَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجِبُ إِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ أَمْثَالِهِ

فِي بَلَدِهِ إِنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ حَبًّا، يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ، أَوِ التَّمْرُ أَوِ الزَّبِيبُ، فَإِنْ كَانَ قُوتُهُمْ لَحْمًا أَوْ حَبًّا لَا عُشْرَ فِيهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ أَقْرَبِ الْبِلادِ إِلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي جَوَازِ الْأَقط إِذَا كَانَ ذَلِكَ قُوتُهُمْ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الدَّقِيقِ، وَلا السَّوِيقِ، وَلا الْخُبْزِ، وَلا الْقِيمَةِ، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ جَمِيعَ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ أَخْرَجَ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ مِنَ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ، وَلا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. 1596 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ مِنَ

الشَّامِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، فَخَطَبَ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ: «إِنِّي أَرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدُلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا ذَكَرَ النَّاسُ مِنَ الْمُدَّيْنِ حِينَئِذٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ. وَرَوى ابْنُ عَجْلانَ، عَنْ عِيَاضٍ، قَالَ: ثُمَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ، وَقَالَ: «لَا أُخْرِجُ فِيهَا إِلا الَّذِي كُنْتُ أُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ صَدَقَةِ فِطْرِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا، فَذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، إِلَى وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِمَّنْ يمونون». وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ،

وَالسُّنَّةُ أَنْ تُخْرَجَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى، وَلَوْ عَجَّلَهَا بَعْدَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ يَجُوزُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ. وَرَخَّصَ ابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ فِي إِخْرَاجِهَا بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ، كَمَنْ أَخَّرَ إِخْرَاجَ زَكَاةِ الْمَالِ عَنْ مِيقَاتِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إِلَى مَا بَعْدِ صَلاةِ الْعِيدِ. وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَهُوَ صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ

الْحِجَازِ، وَعَلَيْهِ أَدَاءُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ الصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَهُوَ صَاعُ الْحَجَّاجِ الَّذِي سَعَّرَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَسْوَاقِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ».

باب الاعتداء في الصدقة

بَابُ الاعْتِدَاءِ فِي الصَّدَقَةِ 1597 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ. وَهَكَذَا رَوَى اللَّيْثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَابْنُ لَهِيعَة: يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: الصَّحِيحُ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ عَلَى الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الإِثْمِ مَا عَلَى الْمَانِعِ، وَلا يَحِلُّ لِرَبِّ الْمَالِ كِتْمَانُ الْمَالِ وَإِنِ اعْتَدَى عَلَيْهِ السَّاعِي. وَرُوِيَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَّاصِيَّةِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَهْلَ الصَّدَقَةِ يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا، أَفَنَكْتُمُ مِنْ أَمْوَالِنَا بِقَدْرِ مَا يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: «لَا».

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ لِلْمُصَّدِّقِ أَنْ يَسْتَحْلِفَ رَبَّ الْمَالِ إِنِ اتَّهَمَهُ، وَلَوْ كَتَمَ شَيْئًا وَاتَّهَمَهُ الْمُصَدِّقُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ، فَقِيلَ لَهُمُ: احْتَمِلُوا الضَّيْمَ، وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَلا تَكْتُمُوا الْمَالَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»، فَإِنْ كَتَمَ عَنِ السَّاعِي الْعَدْلِ عُزِّرَ، وَإِنْ كَتَمَ عَنْ غَيْرِ الْعَدْلِ لِيُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُعَزَّرْ. وَرُوِيَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنَ الإِبِلِ سَائِمَةٍ ابْنَةُ لَبُونٍ، فَمَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ كَتَمَهَا» وَيُرْوَى: وَمَنْ مَنَعَهَا، «فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ». قَوْلُهُ: «عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا»، قِيلَ: مَعْنَاهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، وَوَاجُبٌ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ

أَنَّ الْغَلُولَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْغَنِيمَةِ لَا تُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْغَرَامَةِ، بَلْ يُعَزَّرُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ فِي الْغَالِّ مِنَ الْغَنِيمَةِ: إِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْرِقَ رَحْلَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يَحْمِلُ الثَّمَرَةَ فِي أَكْمَامِهَا: فِيهِ الْقِيمَةُ مَرَّتَيْنِ، وَضَرْبُ النِّكَالِ، وَقَالَ: كُلُّ مَنْ دَرَأْنَا عَنْهُ الْحَدَّ، أَضْعَفْنَا عَلَيْهِ الْغُرْمَ. وَغَرَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ ضِعْفَ ثَمَنِ نَاقَةِ الْمُزَنِيِّ، لَمَّا سَرَقَهَا رَقِيقُهُ. وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا دِيَةَ الْمَقْتُولِ فِي الْحَرَمِ دِيَةً وَثُلُثَا. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ يَتَأَوَّلُ خَبَرَ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ السِّنَّ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ خِيَارِ مَالِهِ، فَلا يَزْدَادُ فِي الْعَدَدِ، وَيُزَادُ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ، وَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ يُشْطَرُ مَالُهُ، فَيُؤْخَذُ مِنْ خَيْرِ الشّطْرَيْن، وَقَرَأَ: وَشُطِّرَ مَالُهُ.

باب من لا تحل له الصدقة من الأغنياء والأقوياء

بَابُ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنَ الْأَغنِيَاءِ وَالْأَقْوِيَاءِ 1598 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ، يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ فِيهِمَا وَصَوَّبَ، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي قُوَّةٍ مُكْتَسِبٍ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَوِيَّ الْمُكْتَسِبَ الَّذِي يُغْنِيهُ كَسْبُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرَ الْقُوَّةِ دُونَ أَنْ

ضَمَّ إِلَيْهِ الْكَسْبَ، لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرُ الْقُوَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ أَخْرَقَ لَا كَسْبَ لَهُ، فَتَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ، وَإِذَا رَأَى الإِمَامُ السَّائِلَ جَلِدًا قَوِيًّا شَكَّ فِي أَمْرِهِ وَأَنْذَرَهُ، وَأَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ، أَوْ لَهُ عِيَالٌ لَا يَقُومُ كَسْبُهُ بِكِفَايَتِهِمْ، قَبِلَ مِنْهُ وَأَعْطَاهُ. 1599 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَيْحَانِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيِّ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ الْمِرَّةُ: الْقُوَّةُ، وَأَصْلُهَا مِنْ شِدَّةِ فَتْلِ الْحَبْلِ، يُقَالُ: أَمْرَرْتُ الْحَبْلَ: إِذَا أَحْكَمْتَ فَتْلَهُ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقَوِيِّ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ، هَلْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ،

وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ إِذَا لَمْ يَمْلُكْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أُعْطِيَ مِنَ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ فَقِيرٌ، فَبَانَ غَنِيًّا، رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ أَجَازَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. أَمَّا إِذَا بَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا، فَلا يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ. 1600 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ قُتَيْبَةُ نَا شَرِيكٌ، وَقَالَ عَلِيٌّ: أَنا شَرِيكٌ: الْمَعْنَى وَاحِدٌ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: «خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي حَكِيمِ بْنِ

جُبَيْرٍ، قَالَ أَبُو عِيسَى: نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلان، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا سُفْيَانُ، عَن حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، صَاحِبُ شُعْبَةَ: أَوَ غَيْرُ حَكِيمٌ حَدَّثَ بِهَذَا؟ قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُ زُبَيْدًا يُحَدِّثُ بِهَذَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْخُمُوشُ: مِثْلُ الْخُدُوشِ فِي الْمَعْنَى، وَالْكُدُوحُ: آثَارُ الْخُدُوشِ، وَكُلُّ أَثَرٍ مِنْ خَدْشٍ أَوْ عَضٍّ أَوْ نَحْوِهِ، فَهُوَ كُدُوحٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ: مُكَدَّحٌ، لِأَنَّ الْحُمُرَ تَعُضِّضُهُ. 1601 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرزيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسْدٍ، قَالَ: نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِي بَقِيعَ الْغَرْقَدِ، فَقَالَ لِي أَهْلِي: اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْأَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأكُلُهُ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلا يَسْأَلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ وَقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا، فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا»، قَالَ الْأَسْدِيُّ:

فَقُلْتُ: لَلِقْحَتُنَا خَيْرٌ مِنْ وَقِيَّةٍ، فَرَجَعْتُ، وَلَمْ أَسْأَلْهُ اللِّقْحَةُ: النَّاقَةُ الْمَرِيَّةُ. الْوَقِيَّةُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. وَقَوْلُهُ: «أَوْ عَدْلُهَا» يُرِيدُ قِيمَتَهَا، وَعَدْلُ الشَّيْءِ: مَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْقِيمَةِ، وَعِدْلُهُ بِكَسْرِهِ: إِذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الصُّورَةِ. وَرُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ، فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: «قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ إلّا لِخَمْسَةٍ اسْتَثْنَاهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْغَنِيِّ الَّذِي يُمْنَعُ أَخْذَ الصَّدَقَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ مِنَ الزَّكَاةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: حَدُّهُ أَنْ يَمْلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَالشَّرْعُ أَمَرَ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَدَفْعِهَا إِلَى الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا قَدْ ثَبَتَ غِنَاهُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفُقَرَاءِ.

وَقَالُوا إِذَا أُعْطِيَ الْفَقِيرُ مِنَ الصَّدَقَةِ، يُكْرَهُ أَنْ يُبَلَّغَ بِهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدُّهُ أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، لِحَدِيثِ الْأَسْدِيِّ. وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ حَدَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ غَنِيًّا بِالدِّرْهَمِ مَعَ كَسَبٍ، وَلا يَكُونُ غَنِيًّا بِأَلْفِ لِضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ، وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ، وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْفَقِيرُ مِنَ الصَّدَقَةِ إِلَى أَنْ يَزُولَ عَنْهُ اسْمَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ»، فَهُوَ فِي تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ وَجَدَ غَدَاءَ يَوْمِهِ وَعَشَاءَهُ لَمْ تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ وَجَدَ غَدَاءَهُ وَعَشَاءَهُ عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مَنْسُوخٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ. 1602 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرزيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ، تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ»، قَالُوا: فَمَنِ الْمِسْكينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى فَيُغْنِيهِ، وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلا يَقُومُ فَيسأل النَّاسَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ 1603 - أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ هَذَا الطَّوَّافَ الَّذِي يَطُوفُ عَلى النَّاسِ، تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَيَسْتَحْيِي أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيتصدّق عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ كَانَ فِي الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ هُوَ الطَّوَّافُ السَّائِلُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَلا يُفْطَنُ بِهِ، فَيُعْطَى، لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ تَأْتِيهِ بِمَسْأَلَتِهِ كِفَايَتُهُ، فَتَزُولُ حَاجَتُهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ اسْمُ الْمَسْكَنَةِ، وَلا يَزُولُ عَمَّنْ لَا يُفْطَنُ بِهِ، فَيُعْطَى. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَيْسَ بِفَقِيرٍ مَنْ جَمَعَ الدِّرْهَمَ إِلَى الدِّرْهَمِ، وَالتَّمْرَةَ إِلَى التَّمْرَةِ، وَلَكِنْ مَنِ أَنْقَى نَفْسَهُ وَثِيَابَهُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ {

يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [الْبَقَرَة: 273]، فَذَلِكَ الْفَقِيرُ. فَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَأَنْ يُتَحَرَّى وَضْعُهَا فِي أَهْلِ التَّعَفُّفِ دُونَ الْمُلْحِفِ الْمُلِحِّ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمًا فِي الصَّدَقَاتِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِمَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمِسْكِينُ الطَّوَّافُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ: الْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْفَقِيرُ: الَّذِي لَا يَسْأَلُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفَقِيرُ الَّذِي بِهِ زَمَانَةٌ، وَالْمِسْكِينُ: الصَّحِيحُ الْمُحْتَاجُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْفَقِيرُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلا حِرْفَةَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا، زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ، وَالْمِسْكِينُ: مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ وَلا تُغْنِيهِ، سَائِلا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ، فَالْمِسْكِينُ عِنْدَهُ أَحْسَنُ حَالا مِنَ الْفَقِيرِ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الْكَهْف: 79]، أَثْبَتَ لَهُمُ الْمُلْكَ مَعَ اسْمِ الْمَسْكَنَةِ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَحْسَنُ حَالا مِنَ الْمِسْكِينِ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَجِدُ الْقُوتَ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ: الْفَقِيرُ: الْمُحْتَاجُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: 15]، أَيِ: الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَالْمِسْكِينُ: الَّذِي أَذَلَّهُ الْفَقْرُ وَأَسْكَنَهُ، أَيْ: قَلَّلَ حَرَكَتَهُ، مِفْعِيلُ مِنَ السُّكُونِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الْكَهْف: 79]، سُمُّوا مَسَاكِينُ لِذُلِّهِمْ وَقُدْرَةُ الْمُلْكِ عَلَيْهِمْ، وَضَعْفِهِمْ عَنِ الانْتِصَارِ مِنْهُ. وَيَقَعُ اسْمُ الْمِسْكِينِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَذَلَّهُ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمَنْ لَمْ تَكُنْ مَسْكَنَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْفَقْرِ.

باب من تحل له الصدقة من الأغنياء

بَابُ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ 1604 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكينٌ، فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ، فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا ". هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ ابْنِ السَّبِيلِ، وَقَدْ

رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ ابْنِ السَّبِيلِ، أَوْ جَارٍ فَقِيرٍ، فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ، فَيَهْدِي لَكَ أَوْ يَدْعُوكَ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّدَقَاتِ لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التَّوْبَة: 60]. وَرُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَايَعْتُهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ». أَمَّا الْفَقِيرُ، فَمَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلا حِرْفَةَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا، وَالْمِسْكِينُ: مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا، وَلا تُغْنِيهِ عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى إِلَيْهِمَا مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ كِفَايَةِ سَنَةٍ. وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: هُمُ الْعَامِلُونَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَهُ مِنْهَا أَجْرٌ مِثْلُ عَمَلِهِ

فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا، رُوِيَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا فَرَغْتُ أَمَرَ لِي بِعُمَالَةٍ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ، قَالَ: «خُذْ مَا أُعْطِيتَ، فَإِنِّي قَدْ عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَمَّلَنِي». قَوْلُهُ: عَمَّلَنِي. مَعْنَاهُ: أَعْطَانِي الْعُمَالَةَ، وَهَذَا الْحَقُّ لِلْعَامِلِ الَّذِي يَتَوَلَّى أَخْذَ الصَّدَقَاتِ لَا لِلْإِمَامِ وَالْوَالِي، لِأَنَّهُمَا لَا يَلِيَانِ أَخْذَهَا. شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا، فَأَعْجَبَهُ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، فَأَدْخَلَ إِصْبَعَهُ فَاسْتَقَاءَهُ.

وَالصِّنْفُ الرَّابِعُ: هُمُ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، وَهُمْ قِسْمَانِ: قِسْمٌ مُسْلِمُونَ، وَقِسْمٌ كُفَّارٌ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، فَقِسْمَانِ: قِسْمٌ دَخَلُوا فِي الإِسْلامِ، وَنِيَّتُهُمْ ضَعِيفَةٌ يُرِيدُ الإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَالا تَأَلُّفًا، كَمَا أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، أَوْ تَكُونُ نِيَّتُهُمْ قَوِيَّةً فِي الإِسْلامِ، وَهُمْ شُرَفَاءٌ فِي قَوْمِهِمْ يُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ، تَرْغِيبًا لِأَمْثَالِهِمْ فِي الإِسْلامِ، كَمَا أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ، وَالزّبْرَقَان بْنِ بَدْرٍ، فَهَذَا وَاسِعٌ لِلإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ، وَلَكِنْ يُعْطِيهِمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ سَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يُعْطِيهِمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ مُؤَلَّفَةِ الْمُسْلِمِينَ: أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِإِزَاءِ قَوْمٍ كُفَّارٍ فِي مَوْضِعٍ مُنْتَاطٍ، لَا تَبْلُغُهُمْ جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ إِلا بِمَئُونَةٍ كَثِيرَةٍ، وَهُمْ لَا يُجَاهِدُونَ إِمَّا لِضَعْفِ نِيَّتِهِمْ، وَإِمَّا لِضَعْفِ حَالِهِمْ، فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ سَهْمِ الْغُزَاةِ، وَقِيلَ: مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ. وَمِنْهُمْ قَوْمٌ بِإِزَاءِ جَمَاعَةٍ مِنْ مَانِعِي الزَّكَاةِ يَأْخُذُونَ مِنْهُمُ الزَّكَاةَ يَحْمِلُونَهَا إِلَى الإِمَامِ، فَيُعْطِيهِمُ الإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَقِيلَ: مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ الإِمَامُ بَيْنَهُمَا. رُوِيَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ أَبَا بَكْرٍ بِثَلاثِ مِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ، فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهَا ثَلاثِينَ بَعِيرًا. أَمَّا الْكُفَّارُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ: هُوَ مَنْ يُخْشَى شَرُّهُ مِنْهُمْ، أَوْ يُرْجَى إِسْلامُهُ، فَيُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَ هَذَا طَمَعًا فِي إِسْلامِهِ أَوْ ذَاكَ، حَذَرًا مِنْ شَرِّهِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، لِمَا يَرَى مِنْ مَيْلِهِ

إِلَى الإِسْلامِ تَرْغِيبًا لَهُ فِيهِ. أَمَّا الْيَوْمَ، فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ بِحَمْدِ اللَّهِ، فَأَغْنَاهُ عَنْ أَنْ يَتَأَلَّفَ عَلَيْهِ رِجَالٌ، فَلا يُعْطَى مُشْرِكٌ تَأَلُّفًا بِحَالٍ، فَقَدْ قَالَ بِهَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الْمُؤَلَّفَةَ مُنْقَطِعَةٌ، وَسَهْمُهُمْ سَاقِطٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: سَهْمُهُمْ ثَابِتٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يُعْطَوْنَ إِنِ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى ذَلِكَ. ثُمَّ هَذَا إِذَا أَعْطَاهُمْ تَأَلُّفًا وَتَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الإِسْلامِ مِنْ غَيْرِ أَنَّ شَارِطَهُمْ، فَإِنَّ شَارِطَهُمْ عَلَى أَنْ يَسْلَمُوا، فَمَرْدُودَةٌ، لِأَنَّ الإِسْلامَ فَرْضٌ لَازِمٌ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ بِالاتِّفَاقِ. وَالصِّنْفُ الْخَامِسُ: هُمُ الرِّقَابِ، وَهُمُ الْمُكَاتِبُونَ لَهُمْ سَهْمٌ مِنَ الصَّدَقَةِ،

وَلا يُعْطَوْنَ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُمْ بِأَدَائِهِ الْعِتْقُ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُشْتَرَى بِسَهْمِ الرِّقَابِ عَبِيدٌ يُعْتَقُونَ. وَالصِّنْفُ السَّادِسُ: هُمُ الْغَارِمُونَ، فَهُمْ قِسْمَانِ: قِسْمٌ ادَّانُوا لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنَ الصَّدَقَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنَ الْمَالِ مَا يَفِي بُدُيُونِهِمْ، وَقِسْمٌ ادَّانُوا فِي إِصْلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ. وَالصِّنْفُ السَّابِعُ: سَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُمُ الْغُزَاةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ إِذَا أَرَادُوا الْخُرُوجَ إِلَى الْغَزْوِ، وَمَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى أَمْرِ الْغَزْوِ مِنَ الْحُمُولَةِ، وَالسِّلاحِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ. وَلا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنَ الزَّكَاةِ إِلَى الْحَجِّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ مِنْ زَكَاتِهِ فِي الْحَجِّ، وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: أَوْصَى إِلَيَّ رَجُلٌ بِمَالِهِ أَنْ أَجْعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَاجْعَلْهُ فِيهِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلَيَّ حَجَّةً، وَإِنَّ لأَبِي مَعْقِلٍ بَكْرًا. قَالَ أَبُو مَعْقِلٍ: صَدَقَتْ، جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطِهَا،

فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، فَأَعْطَاهَا. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي لاسٍ:

حَمَلَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَيُعْطِي فِي الْحَجِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنِ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ جَازَ، وَيُعْطِي فِي الْمُجَاهِدِينَ، وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وَالصِّنْفُ الثَّامِنُ: هُمْ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ، فَكُلُّ مَنْ يُرِيدُ مِنْهُمْ سَفَرًا مُبَاحًا يُعْطَى إِلَيْهِ قَدْرُ مَا يَقْطَعُ تِلْكَ الْمَسَافَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَقْطَعُ بِهِ الْمَسَافَةَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَلَدِ الْمُنْتَقَلِ إِلَيْهِ مَالٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ بِبَلَدٍ مَالٌ، فَلا يُعْطَى إِلا قَدْرُ مَا يَصِلُ بِهِ إِلَى مَالِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ صَرْفِ الرَّجُلِ جَمِيعَ زَكَاةِ مَالِهِ إِلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مَعَ وُجُودِ سَائِرِ الْأَصْنَافِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ: يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُقَسِّمَ زَكَاةَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنَ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ الَّذِينَ سِهَامُهُمْ

ثَابِتَةٌ قِيمَةً عَلَى السَّوَاءِ، ثُمَّ حِصَّةُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يصْرِفَ إِلَى أَقَلِّ مِنْ ثَلاثٍ مِنْهُمْ إِنْ وَجَدَ مِنْهُمْ ثَلاثًا فَأَكْثَرَ، وَلَوْ فَاتَ بَيْنَ أُوَلِئكَ الثَّلاثِ يَجُوزُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ بَعْضِ الْأَصْنَافِ إِلا وَاحِدًا، صَرَفَ إِلَيْهِ جَمِيعَ حِصَّةِ ذَلِكَ الصِّنْفِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الاسْتِحْقَاقِ، فَإِنِ انْتَهَتْ حَاجَتُهُ، وَفَضَلَ شَيْءٌ رَدَّهُ إِلَى الْبَاقِينَ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ صَرَفَ الْكُلَّ إِلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، أَوْ إِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، يَجُوزُ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَضَعَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَتَفْرِيقُهَا أَوْلَى. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ فِي الظِّهَارِ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا»، قَالَ: مَا أَمْلُكُ، قَالَ: «فَانْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ، فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ، فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ بَقِيَّتَهَا»، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وَضْعِهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَشَخْصٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْتَمِلُ الْأَجْزَاءَ، قَسَّمَهُ عَلَى الْأَصْنَافِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلا، جَازَ وَضْعُهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ.

قَالَ مَالِكٌ: يَتَحَرَّى مَوْضِعَ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ، وَيُقَدِّمُ الْأُولَى فَالْأُولَى مِنْ أَهْلِ الْخَلَّةِ وَالْفَاقَةِ، فَإِنْ رَأَى الْخَلَّةَ فِي الْفُقَرَاءِ فِي عَامٍ أَكْثَرَ، قَدَّمَهُمْ، وَإِنْ رَآهَا فِي ابْنِ السَّبِيلِ فِي عَامٍ آخَرَ، حَوَّلَهَا إِلَيْهِمْ. قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى هَذَا أَدْرَكْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنْ قَسَّمَ الإِمَامُ قَسَّمَهَا عَلَى الْأَصْنَافِ، وَإِنْ تَوَلَّى رَبُّ الْمَالِ قَسْمَتَهَا، فَوَضَعَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ، رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ.

باب تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته

بَابُ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ 1605 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَخْلَدٍ الْأَنْصَارِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِخْ أَلْقِهَا، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ وَكِيعٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ 1606 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ الطُّوسِيُّ، أَنا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ

بْنِ بَالُوَيْهِ الْمُزَكِّيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي، فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي أَوْ فِي بَيْتِي، فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ فَأُلْقِيهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْوَرَعِ، وَهُوَ أَنَّ مَا شَكَّ فِي إِبَاحَتِهِ يَتَوَقَّاهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَلالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ». وَجُمْلَةُ الْوَرَعِ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ أَمْرُ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، فَالأَوْلَى أَنْ يَجْتَنِبَهُ، وَكَذَلِكَ مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ

رِبَا أَوْ حَرَامٌ، وَمُعَامَلَةُ مَنْ يَتَّخِذُ الْمَلاهِي وَالصُّوَرَ، فَيَأْخُذُ عَلَيْهَا الْأَجْرَ، وَمُعَامَلَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَتَصَرَّفُونَ فِي الْخُمُورِ، فَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ. وَالثَّانِي: مَكْرُوهٌ، وَهُوَ أَنْ لَا يَقْبَلَ الرُّخَصَ الَّتِي رَخَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهِ، كَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَقَصْرِ الصَّلاةِ، وَتَرْكِ قَبُولِ الْهَدِيَةِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَالتَّشَكُكِ بِالْخَوَاطِرِ الَّتِي جِمَاعُهَا الْعَنَتُ وَالْحَرَجُ، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ فِي طَرِيقٍ تَمْرَةً أَوْ نَحْوَهَا مِنَ الطَّعَامِ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهَا، وَلا يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ الَّتِي سَبِيلُهَا التَّعْرِيفُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لِآلِ مُحَمَّدٍ».

باب تحريمها على موالي الرسول صلى الله عليه وسلم

بَابُ تَحْرِيمِهَا عَلَى مَوَالِي الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1607 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا، فَقَالَ: لَا، حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْأَلَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا، وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْمُهُ أَسْلَمُ. وَابْنُ أَبِي رَافِعٍ اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَحِلُّ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَكَهُمْ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى مِنَ الْغَنِيمَةِ مَعَ بَنِي هَاشِمٍ، وَتِلْكَ الْعَطِيَّةُ عِوَضٌ لَهُمْ عَمَّا حُرِمُوا مِنَ الصَّدَقَةِ. فَأَمَّا مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُبِحْ لَهُمْ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَ لَهُمْ، لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَإِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رَافِعٍ تَنْزِيهًا لَهُ، وَقَالَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» فِي الاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَالْأَخْذِ بِسِيرَتِهِمْ فِي الاجْتِنَابِ عَمَّا يَجْتَنِبُونَ عَنْهُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْفِيهِ الْمَئُونَةَ، إِذْ كَانَ أَبُو رَافِعٍ يَتَصَرَّفُ لَهُ فِي الْحَاجَةِ وَالْخِدْمَةِ، فَقَالَ لَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: إِذَا كَانَتْ تَسْتَغْنِي بِمَا أُعْطِيتَ، فَلا تَطْلُبْ أَوْسَاخَ النَّاسِ، فَإِنَّكَ مَوْلانَا وَمِنَّا. أَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، فَكَانَ مُبَاحًا لآلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَأْخُذُهَا تَنْزِيهًا، رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، قِيلَ لَهُ: تَشْرَبُ مِنَ الصَّدَقَةِ؟! فَقَالَ: إِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ.

باب حل الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم

بَابُ حِلِّ الْهَدِيَّةِ لِلَّنبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1608 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَالُوَيْهِ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْعَطَّارُ، نَا قَطَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُشَيْرِيُّ، نَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ، أَهَدِيَّةٌ هُوَ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا وَلَمْ يَأكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ، ضَرَبَ بِيَدِهِ، فَأَكَلَ مَعَهُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ،

عَنْ مَعْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلامِ الْجُمَحِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ 1609 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّجَائِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، نَا أَسْبَاطٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ 1610 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجُوزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَيُثِيبُ عَلَيْهَا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَلا يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْهَدِيَّةَ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا ثَوَابُ الدُّنْيَا، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُهَا، وَيُثِيبُ عَلَيْهَا فَتَزُولُ الْمِنَّةُ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ يُرَادُ بِهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ يَدٌ أَعْلَى مِنْ يَدِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَفِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، فَصَانَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا، وَأَبْدَلَهَا بِخُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ. 1611 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاثُ سُنَنٍ، فَكَانَتْ إِحْدَى السُّنَنِ الثَّلاثَةِ أَنَّهَا عَتَقَتْ، فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ، وَإِدَامٌ مِنْ إِدَامِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً فِيهَا لَحْمٌ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ،

وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ علَى بَرِيَرةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ إِلَيْنَا هَدِيَّةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1612 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ مُلاعِبُ الْأَسِنَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدِيَّةٍ، فَعَرَضَ عَلَيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الإِسْلامَ، فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ». وَرُوِيَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، قَالَ: أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمْتَ؟»، قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَإِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ»، يَعْنِي: هَدَايَاهُمْ يُقَالُ: زَبَدْتُ الرَّجُلَ، أَزْبَدَهُ زَبْدًا، إِذَا رَفَدْتَهُ، وَوَهَبْتَ لَهُ، وَالزَّبْدُ: الرَّفْدُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ كِسْرَى أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبِلَهُ، وَأَنَّ الْمُلُوكَ أَهْدُوا إِلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ، وَأَهْدَتِ الْيَهُودُ إِلَيْهِ شَاةً فِيهَا سُمٌّ، فَأَكَلَ مِنْهَا. وَقَدْ قِيلَ: كَانَ يَرُدُّ هَدَايَاهُمْ، ثُمَّ قَبِلَهَا، فَصَارَ الْأَوَّلُ مَنْسُوخًا.

قَالَ أَبُو عِيسَى: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نُهِيَ عَنْ هَدَايَاهُمْ بَعْدَ مَا كَانَ يَقْبَلُ مِنْهُمْ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِي رَدِّهِ هَدِيَّتَهُ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يُغِيظَهُ بِرَدِّ الْهَدِيَّةِ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى الإِسْلامِ، وَالْآخَرُ: أَنَّ لِلْهَدِيَّةِ مَوْضِعًا مِنَ الْقَلْبِ. وَقَدْ رُوِيَ «تَهَادَوْا تَحَابُّوا»، وَلا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمِيلَ بِقَلْبِهِ إِلَى مُشْرِكٍ، فَرَدَّ الْهَدِيَّةَ قَطْعًا بِسَبَبِ الْمَيْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب التعفف عن السؤال

بَابُ الَّتَعفُّفِ عَنِ السُّؤَالِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [الْبَقَرَة: 273] الْآيَةَ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ} [الْبَقَرَة: 273]، أَيِ: الْجَاهِلُ بِحَالِهِمْ. 1613 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، قَالَ: «مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ، فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أحَدٌ عَطاءً، هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1614 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1615 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي

بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَأتِيَ بِهِ، فَيَبِيعَهُ، فَيَأْكُلَ مِنْهُ، وَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 1616 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الإِسْمَاعِيلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ الْكُوفَانِيُّ الْهَرَوِيُّ، بِهَا، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ، بِهَا، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَلِيحٍ الطَّرَائِفِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ أَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَذْهَبَ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ،

فَيَكُفَّ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ، أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ 1617 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الطِّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُلَقَّبُ بِالصَّالِحِيِّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَلْيَبْدَأْ أَحَدُكُمْ بِمَنْ يَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنِ اسْتَغْنَى، أَغْنَاهُ اللَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ حَكِيمٍ وَالاسْتِعْفَافُ: الصَّبْرُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النُّور: 33]، أَيْ: لَيَصْبِرْ.

1618 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ الْجُوَيْنِيُّ، نَا بُنْدَارٌ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ أَبَا الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْأَيْدِي ثَلاثٌ: يَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا، وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَاسْتَعِفَّ عَنِ السُّؤَالِ مَا اسْتَطَعْتَ ". وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَلا تُلامُ عَلَى الْكَفَافِ». وَإِبْرَاهِيمُ: هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ الْهِجْرِيُّ، تَكَلَّمُوا فِيهِ

1619 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى». قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا

الْفَيْءِ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ورُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّمَا أنَا خَازِنٌ، فَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَشَرَهٍ، كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ».

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حَكِيمٍ: «فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ»، يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ حِرْصٍ وَشَرَهٍ، وَلا يَمْسِكُهُ ضَنًّا بِهِ، وَلَكِنْ يُنْفِقُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. قَوْلُهُ: «مَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ»، يُرِيدُ أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ ذِي سَقَمٍ وَآفَةٍ، فَيَزْدَادُ سَقَمًا، وَلا يَجِدُ شبعًا، فَيَنْجَعُ فِيهِ الطَّعَامُ. ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَقَوْلُهُ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى»، قِيلَ: الْعُلْيَا: هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى: هِيَ السَّائِلَةُ، جَاءَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ. وَقِيلَ: الْعُلْيَا: هِيَ الْمُتَعَفِّفَةُ، وَهُوَ أَشْبَهُهُمَا هَهُنَا. 1620 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّارُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ ثَوْبَانَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَتَكَفَّلُ أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا، وَأَتَكَفَّلُ لَهُ الْجَنَّةَ؟» قَالَ ثَوْبَانُ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا. قَالَ: فَكَانَ يُعْلَمُ أَنَّ ثَوْبَانَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: تَعَاهَدُوا ثَوْبَانَ، فَإِنَّهُ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا. قَالَ: وَكَانَتْ تَسْقُطُ مِنْهُ

الْعَصَا أَوِ السَّوْطُ، فَمَا يَسْألُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إِيَّاهُ حَتَّى يَنْزِلَ، فَيَأْخُذَهُ. 1621 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَتَقَبَّلُ لِي بِوَاحِدَةٍ، فَأَتَقَبَّلُ لَهُ الجنَّةَ؟» قَالَ ثَوْبَانُ: أَنَا، قَالَ: «لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا». وَكانَ ثَوْبَانُ تَسْقُطُ عِلاقَةُ سَوْطِهِ، فَلا يَأْمُرُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ، وَيَنْزِلُ هُوَ، فَيَأخُذُهُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَكْسَبَةٌ فِيهَا بَعْضُ الرِّيبَةِ خَيْرٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ. يُرِيدُ: فِيهِ بَعْضُ الشَّكِّ أَحَلالٌ أَمْ حَرَامٌ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا السُّؤَالُ لِذَوِي الْحَاجَةِ، فَحِسْبَةٌ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُئِلَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ الرَّجُلِ يَعْرِفُ فِي مَوْضِعٍ مُحْتَاجِينَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَسَعُهُمْ، وَهُوَ إِذَا تَكَلَّمَ يَعْلمُ أَنَّهُ يُعْطَى، تُرَى هَلْ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَجَرَهُ اللَّهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ. قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى أُوذِيَ، وَأَنَا أَفْعَلُهُ.

باب تحريم السؤال إلا من ضرورة ووعيد السائل

بَابُ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ إِلا مِنْ ضَرُورَةٍ وَوَعِيدِ السَّائِلِ 1622 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةَ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ»، وَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ قَوْلُهُ: «مُزْعَةُ لَحْمٍ»، أَيْ: قِطْعَةُ لَحْمٍ، يُقَالُ: مَزَعْتُ اللَّحْمَ: إِذَا قَطَعْتُهُ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا، مِنْهَا: أَنَّهُ يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاقِطًا ذَلِيلا،

لَا جَاهَ لَهُ وَلا قَدْرَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: لِفُلانٍ وَجْهٌ فِي النَّاسِ، أَيْ: قَدْرٌ وَمَنْزِلَةٌ. وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الَّذِي يُلْقَى بِهِ عَظْمًا لَا لَحْمَ عَلَيْهِ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ نَالَتْ مَوْضِعَ الْجِنَايَةِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلامَةً وَشِعَارًا يُعْرَفُ بِهِ، لَا مِنْ عُقُوبَةٍ مَسَّتْهُ فِي وَجْهِهِ. ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ. 1623 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ، فَأَخَذَ بِطَرَفِ رِدَائِهِ، فَسَأَلَهُ إِيَّاهُ، فَأَعْطَاهُ وَذَهَبَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَرُمَتِ الْمَسْأَلَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ إِلا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ بِهِ مَالَهُ، كَانَ خُمُوشًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرَضْفًا يَأْكُلهُ مِنْ جَهَنَّمَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُقِلَّ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ».

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ: «لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ»، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الدَّقَعُ: الْخُضُوعُ فِي طَلَبِ الْحَاجَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّقْعَاءِ، وَهُوَ التُّرَابُ، يَعْنِي الْفَقْرَ الَّذِي يُفْضِي بِهِ إِلَى التُّرَابِ، لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَا يَقِي بِهِ التُّرَابُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الدَّقَعُ: سُوءُ احْتِمَالِ الْفَقْرِ، وَالْخُمُوشُ: الْخُدُوشُ، وَالرَّضَفُ: الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ فَلْيَسْتَكْثِرْ». 1624 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ،

عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدُّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلا أَنْ يَسأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 1625 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ عُذَافِرٍ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، إِذْ جَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ يَسْتَعِينُونَهُ فِي نِكَاحِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا، فَانْطَلَقُوا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ كِنَانَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَيِّدُ قَوْمِكَ، وَأَتَوْكَ يَسْأَلُونَكَ، فَلَمْ تُعْطِهِمْ شَيْئًا؟! قَالَ: أَمَّا فِي مِثْلِ هَذَا، فَلا أُعْطِي شَيْئًا، وَلَوْ عَصَبَهُ بِقِدٍّ حَتَّى يَقْحَلَ، لَكَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ فِي مِثْلِ

هَذَا، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فِي قَوْمِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فِي قَوْمِي، أَتَيْتُكَ لِتُعِينَنِي فِيهَا، قَالَ: «بَلْ نَحْمِلُهَا عَنْكَ يَا قَبِيصَةُ، وَنُؤَدِّيهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ»، ثُمَّ قَالَ: " يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حَرُمَتْ إِلا فِي إِحْدَى ثَلاثٍ: فِي رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشِهِ، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَفِي رَجُلٍ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ حَلَّتْ لَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ الْقِوَامَ مِنَ الْعَيْشِ ثُمَّ يُمْسِكُ، وَفِي رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ، فَيَسْأَلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَمْسَكَ، وَمَا كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ سُحْتٌ يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ سُحْتًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الْقَحْلُ: الْتِزَاقُ الْجِلْدِ بِالْعَظْمِ مِنَ الْهُزَالِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ لَوْ عَصَبَهُ بِقِدٍّ، أَيْ لَوْ شَدَّهُ بِقِدٍّ حَتَّى يُهْزَلَ، فَلَصَقَ جِلْدُهُ بِعَظْمِهِ.

1626 - حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمُوسَوِيُّ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْد َكُشَائِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَرَّاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَ الرَّوْذِيُّ، أَنا أَبُو حَسَنٍ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلا لِثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، أوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ أَنْ قَدْ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ، وأَنْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ سُحْتٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ قَوْلُهُ: «تَحَمَّلَ حَمَالَةً»، أَيْ: تَكَفَّلَ كَفَالَةً، وَالْحَمِيلُ: الْكَفِيلُ وَالسِّدَادُ، بِكَسْرِ السِّينِ: كُلُّ شَيْءٍ سَدَدْتَ بِهِ خَلَلا، وَمِنْهُ: سِدَادُ

الْقَارُورَةِ، وَهُوَ صِمَامُهَا، وَالسَّدَادُ بِفَتْحِ السِّينِ: الإِصَابَةُ فِي الْمَنْطِقِ وَالتَّدْبِيرِ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّمْيِ وَنَحْوِهِ. وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [الْمَائِدَة: 42]، أَيْ: لِلْحَرَامِ، يَعْنِي الرِّشَا فِي الْحُكْمِ، سُمِّيَ سُحْتًا، لِأَنَّهُ يُسْحِتُ الْبَرَكَةَ، فَيَذْهَبُ بِهَا، يُقَالُ: سَحَتَهُ وَأَسْحَتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61]، وَقِيلَ: سُمِّيَ سُحْتًا لِأَنَّهُ مُهْلِكٌ، يُقَالُ: سَحَتَهُ اللَّهُ، أَيْ: أَهْلَكَهُ وَأَبْطَلَهُ. وَفِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةَ مِنَ النَّاسِ ثَلاثَةً: غَنِيًّا، وَفَقِيرَيْنِ، فَالْغَنِيُّ صَاحِبُ الْحَمَالَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْقَوْمِ تَشَاحُنٌ فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ، فَسَعَى رَجُلٌ فِي إِصْلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، وَضَمَنَ مَالًا يُبْذَلُ فِي تَسْكِينِ تِلْكَ النَّائِرَةِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ، وَيُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ قَدْرَ مَا تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ عَنِ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا. وَأَمَّا الْفَقِيرَانِ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلانِ مَعْرُوفَيْنِ بِالْمَالِ، فَهَلَكَ مَالُهُمَا، أَحَدُهُمَا: هَلَكَ مَالُهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ، كَالْجَائِحَةِ أَصَابَتْهُ مِنْ بَرْدٍ أَفْسَدَ زَرْعَهُ وَثِمَارَهُ، أَوْ نَارٍ أَحْرَقَتْهَا، أَوْ سَيْلٍ أَغْرَقَ مَتَاعَهُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ، فَهَذَا يَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ حَتَّى يُصِيبَ مَا يَسِدُّ خَلَّتَهُ بِهِ، وَيُعْطَى مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى هَلاكِ مَالِهِ، لِأَنَّ سَبَبَ ذَهَابِ مَالِهِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ.

وَالْآخَرُ: هَلَكَ مَالُهُ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ مِنْ لِصٍّ طَرَقَهُ، أَوْ خِيَانَةٍ مِمَّنْ أَوْدَعَهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ فِي الْغَالِبِ، فَهَذَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، وَيُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ بَعْدَ أَنْ يَذْكُرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الاخْتِصَاصِ بِهِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِشَأْنِهِ أَنْ قَدْ هَلَكَ مَالُهُ لِتَزُولَ الرِّيبَةُ عَنْ أَمْرِهِ فِي دَعْوَى هَلاكِ الْمَالِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ مِنْ بَابِ التَّبَيُّنِ وَالتَّعَرُّفِ، لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِثَلاثَةٍ مِنَ الرِّجَالِ فِي شَيْءٍ مِنَ الشَّهَادَاتِ، فَإِذَا قَالَ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ أَوْ جِيرَانِهِ مِنْ ذَوِي الْخِبْرَةِ بِشَأْنِهِ: إِنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَدَّعِيهِ، أُعْطِيَ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَيْخُرُجُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَطَلَبَ الْمَحْكُومُ لَهُ حُبِسَ مَنْ عَلَيْهِ، فَادَّعَى الْمَطْلُوبُ الإِفْلاسِ وَالْعُدْمِ، فَيُنْظَرُ فِي أَمْرِهِ، فَإِنْ لَزِمَهُ ذَلِكَ الدَّيْنُ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مِنَ ابْتِيَاعٍ أَوِ اسْتِقْرَاضٍ، فَلا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعُدْمِ، وَيُحْبَسُ إِلا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى هَلاكِ مَالِهِ، وَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا بِمُقَابَلَةِ مَالٍ، دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مِثْلَ بَدَلِ الإِتْلافِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَمَهْرِ الْمَنْكُوحَةِ، وَالضَّمَانِ، وَنَحْوُهَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا حَلَفَ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْعُدْمُ. 1627 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا

بَيْنَنَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، يَسْأَلُ الرَّجُلُ فِي الْفَتْقِ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ، فَإِذَا بَلَغَ أَوْ كَرَبَ أَمْسَكَ» أَرَادَ بِالْفَتْقِ: الْحَرْبَ تَقَعُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَيَكُونُ فِيهَا الْجِرَاحَاتِ. 1628 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَزِيدُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا، فَقَالَ: «يَسْأَلُ الرَّجُلُ فِي الْجَائِحَةِ وَالْفَتْقِ، فَإذَا اسْتَغْنَى أوْ كَرَبَ اسْتَعَفَّ» قَوْلُهُ: «كَرَبَ»، أَيْ: قَرُبَ وَدَنَا.

باب من أعطي من غير سؤال

بَابُ مَنْ أُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ 1629 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالا، فَقُلْتُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ مِنِّي إِلَيْهِ، فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ، فَخُذْهُ، وَمَا لَا، فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَوْلُهُ: «وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ»، كَأَنَّهُ أَرَادَ: وَأَنْتَ غَيْرُ طَامِعٍ فِيهِ، وَلا مُتَطَلِّعٌ إِلَيْهِ، يُقَالُ: أَشْرَفْتُ الشَّيْءَ: إِذَا عَلَوْتُهُ، وَأَشْرَفْتُ عَلَى الشَّيْءِ: اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْق.

قَالَ نَافِعٌ: كَانَ الْمُخْتَارُ يَبْعَثُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ بِالْمَالِ، فَيَقْبَلُهُ، وَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا، وَلا أَرُدُّ مَا رَزَقَنِي اللَّهُ.

باب فضل الصدقة

بَابُ فَضْلِ الصَّدقَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6}} [اللَّيْل: 5 - 6]. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 265]، الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {آتَتْ أُكُلَهَا} [الْكَهْف: 33]، أَيْ: أَعْطَتْ ثَمَرَهَا، يُرِيدُ أَثْمَرَتْ ضِعْفَيْ مَا يُثْمِرُ غَيْرُهَا مِنَ الْجِنَانِ، وَالإِتَاءُ: الرِّيعُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الْإِنْسَان: 8]. قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا مُشْرِكِينَ. 1630 - أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقْبَلُ الصَّدَقَاتِ، وَلا يَقْبلُ مَنْهَا إِلا الطَّيِّبَ يَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى تَصِيرَ اللُّقْمَةُ مِثْلَ أُحُدٍ».

وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُنَزَّلِ: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [الْبَقَرَة: 276]، وَ {أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التَّوْبَة: 104]. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1631 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلا طَيِّبًا، وَلا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ إِلا طَيِّبٌ، إِلا كَأَنَّمَا يَضَعُهَا فِي يَدِ الرَّحْمَنِ، فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهَا لَمِثْلُ

الْجَبَلِ الْعَظِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: {أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التَّوْبَة: 104] 1632 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلا الطَّيِّبَ، إِلا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً تَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1633 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا، وَمَا تَوَاضعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ». وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي رِوَايَتِهِ: «وَمَا زَادَ اللَّهُ رَجُلا بِعَفْوٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ قَوْلُهُ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنَ مَالٍ»، أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَارِكُ فِيهِ، فَيَزْدَادُ مَالُهُ. وَسُمِّيَتِ الزَّكَاةُ زَكَاةً لِلْبَرَكَةِ الَّتِي تَظْهَرُ فِي الْمَالِ، يُقَالُ: زَكَا الشَّيْءُ يَزْكُو: إِذَا كَثُرَ. 1634 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عُقْبَةُ بْنُ مُكَرَّمٍ الْعَمِّيُّ الْبَصْرِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الْخَزَّازُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السَّوْءِ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ 1635 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ". قَالَ أبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ،

عَنْ مَعْنٍ، عَنْ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، قَالُوا: أنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَلِلْجَنَّةِ أَبْوَابٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ» إِلَى آخِرِهَا. ويروى: قِيلَ: وَمَا زَوْجَانِ؟ قَالَ: «فَرَسَانِ، أَوْ عَبْدَانِ، أَوْ بَعِيرَانِ مِنْ إِبِلِهِ» مَعْنَاهُ: يَشْفَعُ إِلَى مَا يُنْفِقُ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ مِنَ الدَّرَاهِمِ، فَدِرْهَمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الدَّنَانِيرِ، فَدِينَارَيْنِ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَمْوَالِ. 1636 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ قَالَ: ذُبِحَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ شَاةٌ، فَلَمَّا سُلِخَتْ، جَاءَ مِسْكِينٌ يَسْتَطْعِمُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ نَفْسُهُ، فَقَطَعَ لَهُ مِنْهَا عُضْوًا، فَأَطْعَمَهُ، فَذَهَبَ الْمِسْكِينُ،

فَدَلَّ آخَرَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَطَعَ لَهُ مِنْهَا عُضْوًا، فَأَطْعَمَهُ، فَتَدَالُّوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُهُمْ حَتَّى أَطْعَمَ الشَّاةَ جَمِيعًا، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا تَرَكْتَ لَنَا بَعْضَ شَاتِنَا نَأْكُلُهُ، فَقَالَ: «كُلُّهَا وَاللَّهِ لَنَا». وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ مِنْهَا؟»، قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلا كَتِفُهَا، قَالَ: «بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا» 1637 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ، قَدْ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ»، أَوْ قَالَ: «يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ». قَالَ يَزِيدُ: فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمَ لَا يَتَصَدَّقُ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً

باب التصدق بالشيء اليسير

بَابُ التَّصَدُّقِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} [التَّوْبَة: 79]، الْآيَةَ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ} [التَّوْبَة: 79]، قِيلَ: الْجُهْدُ، بِضَمِّ الْجِيمِ: الْوِسْعُ وَالطَّاقَةُ، وَالْجَهْدُ، بِالْفَتْحِ: الْمُبَالَغَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الْأَنْعَام: 109]، أَيْ: بَالَغُوا فِي الْيَمِينِ وَاجْتَهَدُوا. 1638 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ، أَنا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْخَالِدِ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ

أَيْمَنَ مِنْهُ، فَلا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ، فَلا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَمَامَهُ، فَلا يَلْقَى إِلا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، نَا الْأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ 1639 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَامُوَيْهِ، أَنا أَبُو سَعِيدِ

بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيّ، قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: كَانَتْ لِي مِائَةُ أُوقِيَّةٍ، فَأَنْفَقْتُ مِنْهَا عَشْرَ أَوَاقٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: كَانَتْ لِي مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَنْفَقْتُ مِنْهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَقَالَ الآخَرُ: كَانَتْ لِي عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَأَنْفَقْتُ مِنْهَا دِينَارًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمْ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، كُلُّ إِنْسَانٍ أَخْرَجَ عُشْرَ مَالِهِ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أنَا أَبُو بَكْرٍ الْعُذَافِرِيُّ، نَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: فَتَصَدَّقْتُ بِعَشْرِ أَوَاقٍ، فَتَصَدَّقْتُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، فَتَصَدَّقْتُ بِدِينَارٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِعُشْرِ مَالِهِ، كُلُّكُمْ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ»

1640 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو هُوَ ابْنُ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، قَالَ شُعْبَةُ: أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلا أَشُكُّ، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَوْلُهُ: أَشَاحَ، وَيُرْوَى: أَعْرَضَ. وَأَشَاحَ لَهُ مَعْنَيَانِ، أَحَدُهُمَا: جَدَّ وَانْكَمَشَ فِي الإِيصَاءِ بِاتِّقَاءِ النَّارِ، وَالْآخَرُ: حَذِرَ النَّارَ، كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا حِينَ ذَكَرَهَا، فَأَعْرَضَ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْمُشِيحُ: الْحَذِرُ، وَالْمُشِيحُ: الْجَادُّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَشَاحَ، أَيْ: أَقْبَلَ. 1641 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ

بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، نَا سَعِيدٌ هُوَ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ. وروى أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ، وَلا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ» وَأَبُو مَعْشَرٍ: اسْمُهُ نَجِيحٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ. وَالْوَحَرُ: هُوَ الْحِقْدُ وَالْغَيْظُ.

باب كل معروف صدقة

بَابُ كُلِّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَاعُونُ: الْعارية. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَاعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْعَطَاءُ وَالْمَنْفَعَةُ، وَفِي الإِسْلامِ: الزَّكَاةُ وَالطَّاعَةُ. وَقِيلَ: هُوَ فَاعُولٌ مِنَ الْمَعْنِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ. وَقِيلَ: الْمَاعُونَ: الْمَاءُ. 1642 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، نَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ. 1643 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَنْصُورِيُّ، أنَا أَبُو الْعَبَّاسِ حَامِدُ بْنُ شُعَيْبٍ الْبَلْخِيُّ، نَا بِشْرٌ، هُوَ ابْنُ الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا الْمُنْكَدِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، حَدَّثَني أَبِي،

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَأَنَّ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. 1643 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا الْقَاسِمُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالُوا: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطعْ، أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفِ». قَالُوا: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ

بِالْخَيْرِ». قَالُوا: أَرَأيْتَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ «يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. 1644 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا الْمَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ، مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَبِكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَفِي بضع أَحَدِكُمْ صَدَقَةً». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيِّ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ 1644 - بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: «إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ». 1645 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، قَالَ: يَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، وَيَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقةٌ، وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَوْلُهُ: «أَوْ يَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ»، أَيْ: يَحْمِلُهُ. 1646 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلالِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ مَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، كُتِبَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ، وَمَا وَقَى بِهِ الرَّجُلُ عِرْضَهُ، كُتِبَ لَهُ بِهَا صَدَقَةٌ». قُلْتُ: مَا يَعْنِي «مَا وَقَى بِهِ»؟ قَالَ: مَا أَعْطَى الشَّاعِرَ، وَذَا اللِّسَانِ الْمُتَّقَى، وَمَا أَنْفَقَ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفَقَةٍ، فَعَلَى اللَّهِ خَلَفُهَا ضَامِنًا إِلا مَا كَانَ مِنْ نَفَقَةٍ فِي بُنْيَانٍ، أَوْ فِي مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قَوْلُهُ: مَا يَعْنِي: يَقُولُ الْهِلالِيُّ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. 1647 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ، سَمِعْتُ أنَسًا، يَقُولُ: سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟» قَالَ عُمَرُ: أَنَا. قَالَ: «وَمَنْ تَصَدَّقَ الْيَوْمَ؟» قَالَ عُمَرُ: أَنا. قَالَ: «وَمَنْ عَادَ مَرِيضًا؟» قَالَ عُمَرُ: أَنَا. قَالَ: «وَمَنْ شَهِدَ جَنَازَةً؟» قَالَ عُمَرُ: أَنَا. قَالَ: «وَجَبَتْ لَكَ، وَجَبَتْ لَكَ». قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ ثَلاثًا. هَذَا الْحَدِيثُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ». وَيُرْوَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا، وَقَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. 1648 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا

أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو الْأَسْوَدِ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَنْ كَانَ صَائِمًا، وَعَادَ مَرِيضًا، وَشَهِدَ جَنَازَةً، غُفِرَ لَهُ إِلا أَنْ يُحْدِثَ مِنْ بَعْدِهِ». زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ ضَعِيفٌ.

باب ثواب الغرس والزرع

بَابُ ثَوَابِ الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ 1649 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، أَوْ طَيْرٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلا كَانَتْ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. 1650 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُعَاذُ بْنُ خَالِدٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ

أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ، فَهُوَ لَهُ صَدقَةٌ». 1651 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَهِيَ لَهُ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ مِنْهُ، فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ». الْعَافِيَةُ: كُلُّ طَالِبٍ رِزْقًا مِنْ إِنْسَانٍ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ طَائِرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَإِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ يَطْلُبُ حَاجَةً، فَقَدْ عَفَاهُ يعفوه، وَهُوَ عَافٍ، وَجَمْعُ الْعَافِي عُفَاةٌ. 1652 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ،

عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا فِي نَخْلٍ لِي، فَقَالَ: «لِمَنْ هَذَا النَّخْلُ؟» فَقُلْتُ: لِي. فَقَالَ: «مَنْ غَرَسَهُ، أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟» قُلْتُ: مُسلِمٌ. قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، أَوْ طَيْرٌ، أَوْ سَبُعٌ إِلا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ». وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلا مَرَّ بِأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَهُوَ يَغْرِسُ جَوْزَةً، فَقَالَ: أَتَغْرِسُ هَذِهِ وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِيرٌ تَمُوتُ غَدًا، أَوْ بَعْدَ غَدٍ، وَهَذِهِ لَا تُطْعِمُ فِي كَذَا وَكَذَا عَامًا؟! فَقَالَ: وَمَا عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ لِي أَجْرُهَا، وَيَأْكُلُ مَهْنَأَهَا غَيْرِي.

باب ما يكره من إمساك المال وما يؤمر به من الإنفاق

بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ إِمْسَاكِ الْمَالِ وَمَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الإِنْفَاقِ 1653 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلاثُ لَيَالٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ أَجِدُ مَنْ يَتَقَبَّلُهُ مِنِّي لَيْسَ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي ذَرٍّ. قَوْلُهُ: «أَرْصُدُهُ»، أَيْ: أَعِدُّهُ. 1654 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي مَالٌ إِلا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، أَفَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: «تَصَدَّقِي وَلا تُوعِي، فَيُوعَى عَلَيْكِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قِيلَ: مَعْنَاهُ: تَصَدَّقِي مِنْ نَصِيبِكِ، وَلَا تُوعِي، أَيْ: لَا تَمْنَعِيهِ بِالإِيعَاءِ وَالادِّخَارِ. وَيُرْوَى: «وَلا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ»، وَالإِيكَاءُ: شَدُّ رَأْسِ الْوِعَاءِ بِالْوِكَاءِ، وَهُوَ الرِّبَاطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ، أَيْ: لَا تَمْنَعِي مَا فِي يَدِكِ، فَتَنْقَطِعَ مَادَّةُ بَرَكَةِ الرِّزْقِ عَنْكِ، فَإِنَّ مَادَّةَ الرِّزْقِ مُتَّصِلَةٌ بِاتِّصَالِ النَّفَقَةِ، وَمْنُقَطِعَةٌ بِانْقِطَاعِهَا. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ إِذَا أَدْخَلَ الشَّيْءَ بَيْتَهُ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعُرْفِ مُفَوَّضًا إِلَى رَبَّةِ الْمَنْزِلِ، فَهِيَ تُنْفِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فِي الْوَقْتِ، وَرُبَّمَا تَدَّخِرُ الشَّيْءَ مِنْهُ لِغَابِرِ الزَّمَانِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مُفَوَّضًا إِلَيْكِ، وَمُوَكَلا إِلَى تَدْبِيرِكِ، فَخُذِي قَدْرَ الْحَاجَةِ لِلنَّفَقَةِ، وَتَصَدَّقِي بِالْبَاقِي وَلا تَدَّخِرِي. 1655 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ،

أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: «أَنْفِقِي وَلا تُحْصِي، فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ. قَوْلُهُ: «لَا تُحْصِي»، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْصِي مَا يُحْصِيهِ لِلتَّبْقِيَةِ، فَيُحْصَى عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ، وَتَنْقَطِعُ الْبَرَكَةُ، وَقَدْ يَكُونُ مَرْجِعُ الإِحْصَاءِ إِلَى الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهِ، وَالْمُنَاقَشَةِ فِي الْآخِرَةِ. 1656 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ "، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى، لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ،

أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، فَإنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا فِي يَمينِهِ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: «بِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْضُ، أَوِ الْقَبْضُ». وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ: «بِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْضُ». قَوْلُهُ: «لَا يَغِيضُهَا»، أَيْ: لَا يُنْقِصُهَا، مِنْ غَاضَ الْمَاءُ: إِذَا ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: «سَحَّاءُ»، أَيْ: دَائِمَةُ الصَّبِّ، وَلَيْسَ لَهُ ذِكْرُ عَلَى أَفْعَلَ، كَمَا يُقَالُ: دِيمَةٌ هَطْلاءُ، وَلا يُقَالُ لِلذَّكَرِ: أَهْطَلُ. 1657 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، هُوَ ابْنُ بِلالٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ

مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ. 1658 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عِلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «مَا فَعَلَتِ الذَّهَبُ؟» قَالَتْ: قُلْتُ: هَا هُوَ ذِهْ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «ائْتِينِي بِهَا». وَهِيَ بَيْنِ التِّسْعَةِ وَالْخَمْسَةِ، فَجَعَلَهَا فِي كَفِّهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا ظَنُّ مُحَمَّدٍ بِاللَّهِ، لَوْ لَقِيَ اللَّهَ

وَهَذِهِ عِنْدَهُ، أَنْفِقِيهَا». 1659 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السَّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ إِلَى ثُدِيِّهِمَا أَوْ إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، ذَهَبَتْ عَنْ جِلْدِهِ حَتَّى تُجِنَّ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا أَنْفَقَ شَيْئًا، أَوْ حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ، عَضَّتْ كُلُّ حَلَقَةٍ مَكَانَهَا، فَيُوَسِّعُهَا وَلا تَتَّسِعُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

1660 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ السُّكَّرِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، نَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ أَبُو عُثْمَانَ الْبَزَّازُ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ، أَوْ جُنَّتَانِ مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ يُنْفِقُ، سَبَغَتْ عَلَيْهِ الدِّرْعُ، أَوْ مَرَّتْ حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ، قَلَصَتْ عَلَيْهِ، وَلَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا حَتَّى أَخَذَتْ بِعُنُقِهِ أَوْ تَرْقُوَتِهِ، فَهُو يُوَسِّعُهَا وَهِيَ لَا تَتَّسِعُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.

قَوْلُهُ: «تُجِنُّ بَنَانَهُ»، أَيْ: تَسْتُرُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} [الْأَنْعَام: 76]، أَيْ: وَارَاهُ وَسَتَرَهُ، وَسُمِّيَ الْجِنُّ جِنًّا لِتَوَارِيهِمْ عَنِ الْأَعْيُنِ. فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجَوَّادِ الْمُنْفِقِ، وَالْبَخِيلِ الْمُمْسِكِ، فَجَعَلَ مَثَلَ الْجَوَّادِ مِثْلَ رَجُلٍ لَبِسَ دِرْعًا سَابِغَةً، إِلا أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَلْبَسُهَا تَقَعُ عَلَى الصَّدْرِ وَالثَّدْيَيْنِ إِلَى أَنْ يَسْلُكَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهَا، وَيُرْسِلَ ذَيْلَهَا عَلَى أَسْفَلِ يَدَيْهِ، فَاسْتَمَرَّتْ حَتَّى سَتَرَتْ جَمِيعَ بَدَنِهِ، وَحَصَّنَتْهُ، وَجَعَلَ مَثَلَ الْبَخِيلِ مِثْلَ رَجُلٍ كَانَتْ يَدَاهُ مَغْلُولَتَيْنِ إِلَى عُنُقِهِ، ثَابِتَتَيْنِ دُونَ صَدْرِهِ، فَإِذَا لَبِسَ الدِّرْعَ، حَالَتْ يَدَاهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَمُرَّ عَلَى الْبَدَنِ، فَاجْتَمَعَتْ فِي عُنُقِهِ، وَلَزِمَتْ تَرْقُوَتَهُ، فَكَانَتْ ثِقَلا وَوَبَالا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَحْصِينٍ لِبَدَنِهِ. وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْجَوَّادَ إِذَا هَمَّ بِالنَّفَقَةِ، اتَّسَعَ لِذَلِكَ صَدْرُهُ، وَطَاوَعَتْهُ يَدَاهُ، فَامْتَدَّ بِالْعَطَاءِ وَالْبَذْلِ، وَالْبَخِيلُ يَضِيقُ صَدْرُهُ، وَتَنْقَبِضُ يَدُهُ عَنِ الإِنْفَاقِ فِي الْمَعْرُوفِ، فَهَذَا مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ عَلَى الْحَدِيثِ. 1661 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، سَمِعْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، عَلَيْهِمُ الْعَبَاءُ، وَالصُّوفُ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، قَالَ: فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لِمَا

رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، ثُمَّ قَامَ، فَدَخَلَ، فَأَمَرَ بِلالا، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: " {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النِّسَاء: 1]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الْحَشْر: 18]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. يَتَصَدَّقُ الرَّجُلُ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ قَدْ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ ثِيَابٍ وَطَعَامٍ، وَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً، يُعْمَلُ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ كانَ لَهُ أَجْرُهَا، وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً يُعْمَلُ

بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، كَانَ علَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ ينْقُصَ شَيْئًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. قَوْلُهُ: «مُجْتَابِي النِّمَارِ»، أَيْ: لابِسِي الْأُزُرِ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّطَةٍ، يُقَالُ: اجْتَابَ فُلانٌ ثَوْبًا: إِذَا لَبِسَهُ، وَالنِّمَارُ: جَمْعَ النَّمِرَةِ وَكُلُّ شَمْلَةٍ مُخَطَّطَةٍ مِنْ مَآزِرِ الْأَعْرَابِ، فَهِيَ نَمِرَةٌ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: النَّمِرَةُ: بُرْدَةٌ تَلْبَسُهَا الإِمَاءُ، وَجَمْعُهَا نَمِرَاتٌ وَنِمَارٌ. قَوْلُهُ: «يَتَصَدَّقُ الرَّجُلُ»، أَيْ: لِيَتَصَدَّقْ. لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الصَّفّ: 11]. أَيْ: آمِنُوا.

باب ثواب المنحة

بَابُ ثَوَابِ الْمِنْحَةِ 1662 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نِعْمَ الصَّدَقَةُ اللَّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِآخَرَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِمَعْنَاهُ، وَزَادَ: «إِنَّ أَجْرَهَا لَعَظِيمٌ» اللَّقْحَةُ: النَّاقَةُ ذَاتُ اللَّبَنِ، وَالْجَمْعُ لِقَاحٌ، وَالصَّفِيُّ: الْغَزِيرُ. 1663 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا شُعْبَةُ، نَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَنَحَ مِنْحةً وَرِقًا،

أَوْ مَنَحَ مِنْحَةَ وَرِقٍ، أَوْ هَدَى زُقَاقًا، أَوْ سَقَى لَبنًا، كَانَ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ أَوْ نَسَمَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «هَدَى زُقَاقًا»، أَرَادَ هِدَايَةَ الطَّرِيقِ، وَقِيلَ: أَرَادَ مَنْ هَدَّى بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: أَهْدَى وَتَصَدَّقَ بِزُقَاقٍ مِنَ النَّخْلِ، وَهِيَ السِّكَةُ مِنْهَا. 1664 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا كَبْشَةَ السَّلُولِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعُونَ حَسَنَةً، أَعْلاهَا مِنْحَةُ الْعَنْزِ، مَا مِنْهُنَّ حَسَنَةٌ يَعْمَلُهَا عَبْدٌ رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلا آتَاهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ،

عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ: قَالَ حَسَّانٌ: فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةٍ الْمِنْحَةُ: أَنْ يَمْنَحَ الرَّجُلُ أَخَاهُ نَاقَةً أَوْ شَاةً حَتَّى يَحْتَلِبَهَا عَامًا أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، فَيَنْتَفِعُ بِدَرِّهَا، ثُمَّ يَرُدُّهَا، فَجَائِزٌ، كَعَارِيَّةِ الْمَتَاعِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ مُدَّةً، ثُمَّ يَرُدُّهَا، وَكَذَلِكَ الإِفْقَارُ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ دَابَّتَهُ لِيَرْكَبَهَا مَا أَحَبَّ، ثُمَّ يَرُدُّهَا. وَمِنْحَةُ الْوَرِقِ: أَنْ يُعْطِيهِ هِبَةً أَوْ صِلَةً، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مِنْحَةُ الْوَرِقِ: هُوَ الْقَرْضُ. وَالْمِنْحَةُ قَدْ تَكُونُ صِلَةً عَلَى طَرِيقِ الْمِلْكِ، وَقَدْ تَكُونُ عَارِيَّةً، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ».

باب فضل سقي الماء وإثم منعه

بَابُ فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ وَإِثْمِ مَنْعِهِ 1665 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، نَا خَالِدٌ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا، فَقَالَ: «اسْقِنِي»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ، قَالَ: «اسْقِنِي»، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ: «اعْمَلُوا، فَإِنَّكُمْ علَى عَمَلٍ صَالِحٍ»، ثُمَّ قَالَ: «لَوْلا أَنْ تُغْلَبُوا، لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ»، يَعْني: عَاتِقَهُ وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الَّتِي سَبِيلُهَا الْمَعْرُوفُ كَالْمِيَاهِ فِي السِّقَايَاتِ، وَاللَّبَنِ يَشْرَبُهَا الْوَارِدَةُ عِنْدَ وُرُودِ الإِبِلِ. وَفِي قَوْلِهِ: «لَوْلا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ أَفْعَالِهِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ، فَرَغَّبَهُمْ فِي الْفِعْلِ بِمَا اسْتَحَبَّهُ وَتَمَنَّاهُ، وَتَرَكَ الْفِعْلَ شَفَقًا أَنْ يُتَّخَذَ سُنَّةً. 1666 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، نَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " غُفِرَ لامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسَ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ

الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1667 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الضَّالَّةَ تَرِدُ عَلَى حَوْضِ إِبِلِي، هَلْ لِي أَجْرٌ إِنْ سَقَيْتُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ فِي الْكَبِدِ الْحَرَّى أَجْرٌ»

1668 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلأُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا فِي الرَّجُلِ يَحْفُرُ بِئْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ، فَيَمْلِكُهَا وَمَا حَوْلَهَا وَبِقُرْبِهَا مَوَاتٌ فِيهِ كَلأٌ، فَإِنْ بَذَلَ صَاحِبُ الْبِئْرِ فَضْلَ مَائِهِ أَمْكَنَ النَّاسُ رَعْيَهُ، وَإِنْ مَنَعَ لَمْ يُمْكِنْهُمْ، فَيَكُونُ فِي مَنْعِهِ الْمَاءَ عَنْهُمْ مَنَعُ الْكَلأِ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالنَّهْيُ عِنْدَهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى التَّحْرِيمِ، لَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ؛

لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلا يَحِلُّ إِلا بِطِيبَةِ نَفْسِهِ، كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَقْيُ زَرْعِ غَيْرِهِ مِنْ فَضْلِ مَائِهِ، لَا يَجِبُ سَقْيُ مَاشِيَتِهِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ، وَلَكِنْ لَهُ طَلَبُ الْقِيمَةِ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِطْعَامُ الْمُضْطَرِّ، وَلَهُ طَلَبُ الْقِيمَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ بَذْلُهُ مَجَّانًا، لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ»، وَلَيْسَ كَالطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، لِأَنَّ مُنْقَطَعُ الْمَادَّةِ غَيْرُ مُسْتَخْلَفٍ، وَالْمَاءُ مُسْتَخْلَفٌ مَا دَامَ فِي مَنْبَعِهِ حَتَّى لَوْ جَمَعَ الْمَاءَ فِي حَوْضٍ، أَوْ خَزَنَهُ فِي إِنَاءٍ، فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالطَّعَامِ. وَلا يَجِبُ سَقْيُ زَرْعِ الْغَيْرِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْحُرْمَةِ مَا لِلْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ إِطْعَامَ الْحَيَوَانِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الاضْطِرَارِ وَاجِبٌ، وَلا يَجِبُ سَقْيُ الزَّرْعِ. وَهَذَا فِي الْفَضْلِ عَنْ حَاجَتِهِ، وَحَاجَةِ عِيَالِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَزْرِعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ، لَا يَجِبُ أَنْ يَجُودَ عَلَى الْغَيْرِ بِهِ. 1669 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ

الْمَرْوَزِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ، فَاقْتَطَعَهُ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِنَّهُ أَعْطَى بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى، وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يَقُولُ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي، كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ. وَجَعَلَ الْيَمِينَ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي اقْتِطَاعِ الْمَالِ، فَقَالَ: «وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»

1670 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ أمْسَكَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ مِنَ الْجُوعِ، فَلَمْ تَكُنْ تُطْعِمُهَا، وَلا تُرْسِلُهَا فَتَأْكُلَ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ وَخَشَاشُ الْأَرْضِ: هُوَ هَوَامُّهَا بِفَتْحِ الْخَاءِ، وَالْخِشَاشُ بِالْكَسْرِ: الْعُودُ الَّذِي يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْعَظْمِ، وَالْعِرَانُ مَا كَانَ فِي اللَّحْمِ، وَالْبُرَةُ فِي الْمِنْخَرِ، وَيُقَالُ الْبُرَةُ: حَلَقَةٌ مِنْ صُفْرٍ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْرٍ، فَهِيَ خِزَامٌ.

باب فضل صدقة الصحيح الشحيح

بَابُ فَضْلِ صَدَقَةِ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ} [الْبَقَرَة: 254]، الْآيَةَ. وَقَالَ: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المُنَافِقُونَ: 10]، الْآيَةَ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [الْبَقَرَة: 177]، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَأَنْتَ حَرِيصٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْغِنَى، وَتَخْشَى الْفَقْرَ. 1671 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، نَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، نَا أَبُو زُرْعَةَ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: " أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ

شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَقَوْلُهُ: «إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومُ»، يُرِيدُ النَّفْسَ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ. وَقَوْلُهُ: «لِفُلانٍ كَذَا»، كِنَايَةٌ عَنِ الْمُوصَى لَهُ. وَقَوْلُهُ: «قَدْ كَانَ لِفُلانٍ»، كِنَايَةٌ عَنِ الْوَارِثِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُوصِيَ مَمْنُوعٌ مِنَ الإِضْرَارِ فِي الْوَصِيَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ، لِقَوْلِهِ: «وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ»، وَأَنَّهُ إِذَا أَضَرَّ كَانَ لِلْوَرَثَةِ رَدُّ الضَّرَرِ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَثَلُ الَّذِي يُعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ، كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي إِذَا شَبِعَ».

باب حق السائل

بَابُ حَقِّ السَّائِلِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ {24} لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ {25}} [المعارج: 24 - 25]، وَالْمَحْرُومُ: الْمَمْنُوعُ الرِّزْقِ، وَأَصْلُ التَّحْرِيمِ: الْمَنْعُ، يُقَالُ: حَرَمَهُ عَطَاءَهُ، أَيْ: مَنَعَهُ، وَالرَّجُلُ مَحْرَمٌ لِلْمَرْأَةِ، أَيْ: مَمْنُوعٌ مِنْ نِكَاحِهَا. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا} [الْإِسْرَاء: 28]، أَيْ: لَا جَفَاءَ فِيهِ. 1672 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ بُجَيْدٍ، وَكَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمِسْكِينَ لَيَقُومُ عَلَى بَابِي، فَمَا أَجِدُ لَهُ شَيْئًا إِيَّاهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

إِنْ لَمْ تَجِدِي شَيْئًا تُعْطِينَهُ إِيَّاهُ إِلا ظِلْفًا مُحْرَقًا، فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ»، قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1673 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَدَّتِهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ»

قَوْلُهُ: «رُدُّوا السَّائِلَ»، لَمْ يُرِدْ بِهِ رَدَّ الْحِرْمَانِ، بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ يَرُدُّهُ بِشَيْءٍ يُعْطِيهِ وَإِنْ قَلَّ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: سَلَّمَ عَلَيَّ، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، أَيْ: أَجَبْتُهُ. ورُوِيَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ». وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ». وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْأَلْ بِوَجْهِ اللَّهِ إِلا الْجَنَّةَ».

قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ لَيَبْتَلِي أَهْلَ الْبَيْتِ بِالسَّائِلِ مَا هُوَ مِنَ الإِنْسِ، وَلا مِنَ الْجِنِّ، وَلَقَدْ أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا يَعْزِمُونَ عَلَى أَهَالِيهِمْ أَنْ لَا يَرُدُّوا سَائِلا. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَسْكُتُوا عَنِ السَّائِلِ حَتَّى يَفْرُغَ. وَعَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذَا بَعَثَتْ بِالصَّدَقَةِ إِلَى أَهْلِ الْبَيْتِ، تَقُولُ لِلسَّائِلِ: احْفَظْ عَلَيَّ مَا يَقُولُونَ، فَيَجِيءُ، فَيَقُولُ: قَالُوا كَذَا، فَتَرُدُّ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَالُوا، فَقِيلَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، تَبْعَثِينَ إِلَيْهِمْ بِالصَّدَقَةِ، وَتَدْعِينَ لَهُمْ بِهَذَا الدُّعَاءِ؟! فَقَالَتْ: إِنَّ مَا دَعَوْا بِهِ لِي أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَتِي، فَأُكَافِئُهُمْ بِمَا قَالُوا حَتَّى تَخْلُصَ لِي صَدَقَتِي.

باب خير الصدقة عن ظهر غنى

بَابُ خَيْرِ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الْإِسْرَاء: 29]، الْآيَةَ. قَوْلُهُ {فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الْإِسْرَاء: 29]، أَيْ: لَا تُسْرِفْ، فَتَبْقَى مَحْصُورًا مُنْقَطِعًا عَنِ النَّفَقَةِ وَالتَّصَرُّفِ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [الْبَقَرَة: 219]، أَيِ: الْفَضْلَ الَّذِي يَسْهُلُ إِعْطَاؤُهُ، أَيْ: تُعْطُونَ عَفْوَ أَمْوَالِكُمْ، فَتَتَصَدَّقُونَ بِمَا فَضَلَ مِنْ أَقْوَاتِكُمْ، وَأَقْوَاتِ عِيَالِكُمْ. 1674 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْكُوفِيُّ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ السُّفْلَى، وَابْدأْ بِمَنْ تَعُولُ»

1675 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَوْلُهُ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى»، أَيْ: غِنًى يَعْتَمِدُهُ، وَيَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى النَّوَائِبِ الَّتِي تَنُوبُهُ، كَمَا قَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى»، يَعْنِي: خَيْرُ مَا تَصَدَّقْتَ بِهِ الْفَضْلُ عَنْ قُوتِ عِيَالِكَ وَكِفَايَتِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [الْبَقَرَة: 219]، أَيْ: مَا فَضَلَ مِنْ أَهْلِكَ.

وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى»، أَيْ: مَا أَغْنَيْتَ بِهِ مَنْ أَعْطَيْتَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، يُرِيدُ إِجْزَالَ الْعَطَاءِ وَالإِكْثَارَ مِنْهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِيَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْخُرُوجِ عَنِ الْمَالِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «جُهْدُ الْمُقِلِّ». وَرَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا ".

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالاخْتِيَارُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ مِنْ مَالِهِ، وَيَسْتَبْقِي لِنَفْسِهِ قُوتًا لِمَا يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَرُبَّمَا يَلْحَقُهُ النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ، فَيبطل بِهِ أَجْرُهُ، وَيَبْقَى كَلا عَلَى النَّاسِ، وَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ خُرُوجَهُ مِنْ مَالِهِ أَجْمَعَ، لِمَا عَلِمَ مِنْ قُوَّةِ يَقِينِهِ، وَصِحَّةِ تَوَكُّلِهِ فَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ، كَمَا خَافَهَا عَلَى غَيْرِهِ. أَمَّا مَنْ تَصَدَّقَ وَأَهْلُهُ مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ وَالإِنْفَاقِ عَلَى الْأَهْلِ أَوْلَى، إِلا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ، فَيُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ، كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَذَلِكَ آثَرَ الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الْحَشْر: 9]، وَهِيَ الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ. 1676 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ حِينَ تَخلِّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي

صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ حُجَيْنِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ اللَّيْثِ

باب فضل النفقة على الأهل

بَابُ فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَهْلِ 1677 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا شُعْبَةُ، نَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّجُلُ إِذَا أَنْفَقَ النَّفَقَةَ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ 1678 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ زُفَرَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْبَعَةُ

دَنَانِيرَ: دِينَارٌ أَعْطَيْتَهُ مِسْكِينًا، وَدِينَارٌ أَعْطَيْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَفْضَلُهَا الدِّينَارُ الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ

باب فضل الصدقة على الأولاد والأقارب

بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَوْلادِ وَالْأَقَارِبِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14} يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ {15}} [الْبَلَد: 14 - 15]، أَيْ: ذَا قَرَابَةٍ، يُقَالُ: هُوَ ذُو مَقْرَبَتِي وَذُو قَرَابَتِي، وَقَلَّمَا يُقَالُ: فُلانٌ قَرَابَتِي. 1679 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَنِي أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، وَلَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ إِلا مَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتارِكَتِهِمْ كَذَا وَلا كَذَا، أَفَلِيَ أَجْرٌ إِنْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ لَكِ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ

عَبْدَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 1680 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ، فَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، بِمِثْلِهِ سَوَاءٌ، قَالَتْ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ»، وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِهَا، فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ، وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حِجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلالٌ، فَقُلْنَا: سَلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي، وَأَيْتَامٍ لِي فِي حِجْرِي؟ وَقُلْنَا: لَا تُخْبِرْهُ بِنَا، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «مَنْ هُمَا؟»، قَالَ: زَيْنَبُ، قَالَ: «أَيُّ الزَّيَانِبِ؟»، قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: " نَعَمْ لَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ عَلَيْهِمْ» 1681 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، نَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْر، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَأَخَذَتْهَا، فَقَسَّمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ولَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتْ وَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ نَافِعٍ أَبِي الْيَمَانِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ 1682 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْه، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّاسِبِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تُدْرِكَا، دَخَلْتُ أنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ»، وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ بِالْمُسَبِّحَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا، " وَبَابَانِ يُعَجَّلانِ فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ " قَالَ أَبُو عِيسَى: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، غَيْرَ حَدِيثٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، وَالصَّحِيحُ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ.

1683 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهِ طَيِّبٍ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمرَان: 92]، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمرَان: 92]، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءُ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ، فَقَالَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَخٍ بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، إِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ»، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَّمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: بَخٍ، مَعْنَاهُ تَعْظِيمُ أَمْرٍ وَتَفْخِيمُهُ، يُقَالُ: بَخْ بَخْ سَاكِنَةُ الْخَاءِ، كَمَا تُسَكَّنُ اللامُ مِنْ هَلْ وَبَلْ، وَيُقَالُ: بَخٍ بَخٍ مُنَوَّنًا مَخْفُوضًا تَشْبِيهًا بِصَهٍ، وَمَا أَشْبَهُ مِنَ الْأَصْوَاتِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: بَخٍ بَخٍ، وَبَهٍ بَهٍ بِمَعْنَى وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: «ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ»، بِالْبَاءِ، أَيْ: ذُو رِبْحٍ، كَقَوْلِكَ: لابِنٌ وَتَامِرٌ، وَيُرْوَى: رَايحٌ بِالْيَاءِ، أَيْ: أَنَّهُ قَرِيبُ الْعَائِدَةِ، يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ أَنْفَسِ مَالا وَأَحْضَرِهِ نَفْعًا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَبْسَ إِذَا وَقَعَ أَصْلُهُ مُبْهَمًا كَانَ

صَحِيحًا، وَيُصْرَفُ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمَحْبَسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَبَسَ عَقَارًا عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، فَمَاتَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُبَيِّنِ الْمُحَبِّسُ مَصْرِفَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ يُصْرَفُ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ جَعَلَ تِلْكَ الْأَرْضَ صَدَقَةً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَمْ يَذْكُرْ سُبُلَهَا، فَصَرَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَقْرَبُ إِلَيْهِ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ جَعَلَهَا بَيْنَ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَيُرْوَى: فَتَصَدَّقَ بِهِ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ، وَكَانَ مِنْهُمْ أُبَيٌّ وَحَسَّانٌ، وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يُعَدُّ مِنْ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ حَتَّى يُبَيِّنَ الْمَصْرِفُ، وَيُرَدَّ مُنْتَهَاهُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. 1684 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ

الْأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا، فَالْمَاءُ، فَإنَّهُ طَهُورٌ، وَقَالَ: الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالرَّبَابُ: هِيَ أُمُّ الرَّائِحِ بِنْتُ صُلَيْعٍ. 1685 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ

أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. ح وَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِيَنارٌ، فَقَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ»، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى ولَدِكَ»، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ»، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟، قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ»، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟، قَالَ: «أَنْتَ أَعْلَمُ». قَالَ سَعِيدٌ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ

إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ: يَقُولُ وَلَدُكَ: أَنْفِقْ عَلَيَّ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟، تَقُولُ زَوْجَتُكَ: أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي، يَقُولُ خَادِمُكَ: أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ بِعْنِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى مِنْ أَهْلِ النَّفَقَةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضٌ مِنْهُ، فَإِذَا ضَيَّعَهُ هَلَكَ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِالزَّوْجَةِ وَأَخَّرَهَا عَنِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَوَصَلَتْ إِلَى النَّفَقَةِ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخَادِمَ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ إِنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهِ، فَتَصِيرُ نَفَقَتُهُ عَلَى مَنْ يَبْتَاعُهُ. وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي الْقِيَاسِ أَمْرُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إِذَا فَضَلَ مِنْ قُوتِهِ أَكْثَرُ مِنْ صَاعٍ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ وَلَدِهِ، ثُمَّ عَنْ زَوْجَتِهِ، ثُمَّ عَنْ عَبْدِهِ. 1686 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ، أَوْ حَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ؟ فَقَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ»، فَقَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ؟ قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى زَوْجَتِكَ»، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ؟ قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ»، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ؟،

قَالَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ»، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ؟، قَالَ: «أَنْتَ أَبْصَرُ» 1687 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً لَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي، قَالَ: «أَوَ فَعَلْتِ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَمَّا إِنَّكَ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ، كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ

باب الصدقة على الجار

بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْجَارِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النِّسَاء: 36]، قِيلَ فِي الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى: الْجَارُ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، وَالْجَارُ الْجُنُبُ: هُوَ الْجَارُ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، وَالصَّاحِبُ بِالْجَنْبِ: الْمَرْأَةُ، وَقِيلَ: الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ، وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الضَّيْفُ. 1688 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، سَمِعْتُ طَلْحَةَ، قَالَ:

قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ». 1689 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ، وَإِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَاغْرِفْ لِجِيرَانِكَ مِنْهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ

عُمَرَ، وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ. وَأَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ اسْمُهُ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ عَلَى جِيرَانِهِ، أَوْ يُهْدِيَ إِلَيْهِمْ يَبْدَأُ بِأَقْرَبِهِمْ بَابًا مِنْهُ، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبِ، فَإِنْ كَانَ فِي جِيرَانِهِ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ يَبْدَأُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ دَارًا، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَقْرَبِهِمْ بِهِ بَابًا؛ لِأَنَّ قُرْبَ الْقَرَابَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى قُرْبِ الْجِوَارِ.

باب الصدقة عن الميت

بَابُ الصَّدَقَةِ عَنِ الْميت 1690 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْر، عَن مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ قَوْلُهُ: افْتُلِتَتْ، أَيْ: مَاتَتْ فُجَاءَةً، أَيْ: أَخَذَتْ فَلْتَةً بَغْتَةً، وَكُلُّ أَمْرٍ فُعِلَ عَلَى غَيْرِ تَمَكُّثٍ، فَقَدِ افْتُلِتَ. 1691 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ،

نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ حُجْرٍ، وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: لَيْسَ يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ إِلا الصَّدَقَةُ وَالدُّعَاءُ.

باب المرأة تتصدق من مال الزوج والخازن والعبد من مال المولى

بَابُ الْمَرْأَةِ تَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَالْخَازِنِ وَالْعَبْدِ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى 1692 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَنْصُورِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ بِاكْتِسَابِهِ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ» 1693 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُسْرِفَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلَهُ مِثْلُهَا لَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلَهُ بِمَا اكْتَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ 1694 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ وهُوَ شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَ مُحَمَّدٌ حَدِيثَ الإِنْفَاقِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ تَمَامَ الْحَدِيثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ: «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ»، أَيْ: حَاضِرٌ «إِلا بِإِذْنِهِ»، وَأَرَادَ بِهِ صَوْمَ التَّطَوُّعِ، فَأَمَّا قَضَاءُ رَمَضَانَ، فَتَسْتَأْذِنُهُ مَا بَيْنَ شَوَّالٍ إِلَى شَعْبَانَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ صِيَامٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ مَحْصُورٌ بِالْوَقْتِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْحُقُوقِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْمُهْلَةُ كَالْحَجِّ وَنَحْوِهِ، قَدِمَ عَلَيْهَا. 1695 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تأْذَنُ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ يُؤدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ حَمَلَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلَهُ: «يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ»، عَلَى مَا إِذَا أَخَذَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِهِ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَتِهَا، وَتَصَدَّقَتْ بِهِ، فَعَلَيْهَا أَنْ تُغَرِّمَ لِلزَّوْجِ حِصَّتَهُ، فَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ، فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهَا أَنْفَقَتْ مِنْ حَقِّهَا وَحَقِّ الزَّوْجِ. 1696 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، نَا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «لَا تُنْفِقِ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الطَّعَامَ؟ قَالَ: «ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَرْأَةِ تَصَّدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، قَالَ: «لَا، إِلا مِنْ قُوتِهَا، وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا، وَلا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَصَّدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إِلا بِإِذْنِهِ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ دُونَ إِذْنِهِ، وَكَذَلِكَ الْخَادِمُ، وَيَأْثَمَانِ إِنْ فَعَلا ذَلِكَ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خَارِجٌ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، أَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الْأَمْرَ لِلْأَهْلِ وَالْخَادِمِ فِي الإِنْفَاقِ وَالتَّصَدُّقِ مِمَّا يَكُونُ فِي الْبَيْتِ إِذَا حَضَرَهُمُ السَّائِلُ، أَوْ نَزَلَ بِهِمُ الضَّيْفُ، فَحَضَّهُمْ عَلَى لُزُومِ تِلْكَ الْعَادَةِ، كَمَا قَالَ لِأَسْمَاءَ: «لَا تُوعِي فَيُوعَى عَلَيْكِ»، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ، قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ». 1697 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ،

نَا عَبْدُ السَّلامِ هُوَ ابْنُ حَرْبٍ، عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: لَمَّا بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ، قَامَتِ امْرَأَةٌ جَلِيلَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نِسَاءِ مُضَرَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُلٌّ عَلَى آبَائِنَا وَأَبْنَائِنَا وَأَزْواجِنَا، فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ؟ قَالَ: «الرَّطْبُ تَأْكُلْنَهُ وَتُهْدِينَهُ» قَوْلُهُ: «امْرَأَةٌ جَلِيلَةٌ»، قَدْ يُرِيدُ بِهِ فِي الْجِسْمِ، وَقَدْ يُرِيدُ بِهِ كِبَرَ السِّنِّ. وَخص الطَّعَامِ الرَّطْبِ بِالْأَكْلِ لِمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بَيْنَ الْجِيرَةِ وَالْأَقَارِبِ أَنْ يَتَهَادَوْا بِالرَّطْبِ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ، لِسُرْعَةِ الْفَسَادِ إِلَيْهَا دُونَ الْيَابِسِ الَّذِي يَبْقَى عَلَى الادِّخَارِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ مَالِ الْآخَرِ مَا يَقَعُ بِهِ الضِّنَةُ دُونَ إِذْنِهِ. 1698 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذي يُؤدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ

باب نهي المتصدق أن يشتري صدقته

بَابُ نَهْيِ الْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ 1699 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبيلِ اللَّهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ، فَسَأَلَ رَسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا تَبْتَعْهُ، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ 1700 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالك عَن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبيْهِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ،

فَأَرَدْتُ أَنْ أَبْتَاعَهُ مِنْهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَا تَبْتَعْهُ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزْعَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَنَعَهُ عَنْ شِرَاءِ صَدَقَتِهِ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ شَيْءٌ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ، أَشْفَقَ عَلَيْهِ أَنْ تَفْسَدَ نِيَّتُهُ، وَيُحْبَطَ أَجْرُهُ فِيهَا، وَشَبَّهَهُ بِالْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا كَمَا مَنَعَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ الْفَتْحِ عَنْ مُعَاوَدَةِ دُورِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ بِالثَّمَنِ مِنْ غَلَّةِ أَرْضٍ كَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ تِلْكَ الْعَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ حَادِثٌ مِنْهَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ كَتَبَ لِرَجُلٍ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ لِلَّهِ فِي مَالِهِ يَطْلُبُهُ بِهِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ بِصَدَقَةٍ يُرِيدُ بِهَا رَجُلا، فَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَهِيَ لِرَجُلٍ يَأْكُلُهَا وَيَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَخْرَجَ شَيْئًا صَدَقَةً إِلَى الْمِسْكِينِ، فَوَجَدَهُ قَدْ ذَهَبَ، عَزَلَهُ حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي مِثْلِهِ، وَمِثْلُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَإبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَعْطَى السَّائِلَ شَيْئًا، فَيُسْخِطُهُ، انْتَزَعَهُ مِنْهُ، فَأَعْطَاهُ غَيْرَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَعْطَى مِنْ لَحْمِ بَدَنَةٍ نَحَرَهَا سَائِلا، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ، فَكَأَنَّهُ اسْتَقَلَّهُ، فَقَالَ: لَيْسَ إِلا هَذَا، فَعَزَلَهُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ إِنَّ السَّائِلَ رَجَعَ، فَقَالَ: أَعْطِنِيهَا، فَقَالَ: لَا نُعْطِيكَ، أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُعْطِيَ الْقَانِعَ، فَلَمْ تَقْنَعْ أَنْتَ بِمَا أُعْطِيتَ.

باب من تصدق بشيء ثم ورثه

بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ ثُمَّ وَرِثَهُ 1701 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَى أَمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ؟ قَالَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ»، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «صُومِي عَنْهَا»، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، ثُمَّ وَرِثَهَا حَلَّتْ لَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا الصَّدَقَةُ شَيْءٌ جَعَلَهَا لِلَّهِ، فَإِذَا وَرِثَهَا يَجِبُ أَنْ يُصْرِفَهَا فِي مِثْلِهِ.

11 - كتاب الصيام

11 - كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ وُجُوبِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [الْبَقَرَة: 183]. 1702 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَأمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، كَانَ هُوَ الْفِرَيضَةُ، وَتُرِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أنَا

أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ

باب فضل شهر رمضان

بَابُ فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ 1703 - أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» 1704 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، نَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ التَّوْسِعَةِ فِي أَنْ يَقُولَ: جَاءَ رَمَضَانُ، وَدَخَلَ رَمَضَانُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: شَهْرَ رَمَضَانَ. 1705 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ قَوْلُهُ: «صُفِّدَتْ»، أَيْ: شُدَّتْ بِالْأَغْلالِ، يُقَالُ: صَفَدْتُ الرَّجُلَ، فَهُوَ مَصْفُودٌ، وَصَفَّدْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ، فَهُوَ مُصَفَّدٌ، فَأَمَّا أَصْفَدْتُهُ بِالْأَلِفِ إِصْفَادًا، فَأَنْ تُعْطِيَهُ وَتَصِلَهُ، وَالصَّفَدُ: الاسْمُ مِنَ الْعَطِيَّةِ وَالْوِثَاقِ جَمِيعًا.

باب ثواب من صام رمضان

بَابُ ثَوَابِ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ 1706 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْكُوفَانِيُّ الْهَرَوِيُّ، بِهَا، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ، بِهَا الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ، قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَنْزِيُّ الْبَصْرِيُّ، بِمَكَّةَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ، نَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وَحَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ، نَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ

اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَقَوْلُهُ: «احْتِسَابًا»، أَيْ: طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَثَوَابِهِ، يُقَالُ: فُلانٌ يَحْتَسِبُ الْأَخْبَارَ وَيَتَحَسَّبُهَا، أَيْ: يَطْلُبُهَا. 1707 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ وَصَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا»، أَيْ: نِيَّةً وَعَزِيمَةً، وَهُوَ أَنْ يَصُومَهُ عَلَى التَّصْدِيقِ بِهِ، وَالرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ غَيْرُ كَارِهَةٍ لَهُ، وَلا مُسْتَثْقِلٌ لِصِيَامِهِ، وَلا مُسْتَطِيلٌ لِأَيَّامِهِ، لَكِنْ يَغْتَنِمُ طُولَ أَيَّامِهِ لِعِظَمِ الثَّوَابِ.

باب فضل الصيام

بَابُ فَضْلِ الصِّيَامِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ} [التَّوْبَة: 112]، وَ {السَّائِحُونَ} [التَّوْبَة: 112]: هُمُ الصَّائِمُونَ، وَسُمِّيَ الصَّائِمُ سَائِحًا، لِأَنَّ الَّذِي يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ مُتَعَبِّدًا لَا يَكُونُ لَهُ زَادٌ، فَحِينَ يَجِدُ يَطْعَمُ، فَالصَّائِمُ كَذَلِكَ يَمْضِي نَهَارُهُ لَا يَطْعَمُ شَيْئًا. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [الْبَقَرَة: 45]، أَيْ: بِالصَّوْمِ، وَسُمِّيَ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَأَصْلُ الصَّبْرِ الْحَبْسُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [الْكَهْف: 28]، فَفِي الصَّوْمِ حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ الْمَطَاعِمِ، وَبَعْضِ اللَّذَّاتِ. 1708 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ

ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، مِنْهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لَا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: «فَمَنْ كَانَ مِنَ الصَّائِمِينَ دَخَلَهُ، وَمَنْ دَخَلَهُ، لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا» 1709 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا، يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قِيلَ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَإذَا دَخَلُوا، أُغْلِقَ، فَيَشْرَبُونَ مِنْهُ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 1710 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ الْكُوفِيُّ الْعَبْسِيُّ، أَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ ".

وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، نَا الْأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ، عَنْ وَكِيعٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ: «فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ»، يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فَرْحَتُهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ بِالطَّعَامِ إِذَا بَلَغَ مِنْهُ الْجُوعُ، لِتَأْخُذَ مِنْهُ النَّفْسُ حَاجَتَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُرُورُهُ بِمَا وُفِّقَ لَهُ مِنْ تَمَامِ الصَّوْمِ الْمَوْعُودُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ. وَقَوْلُهُ: «وَلَخُلُوفُ فِيهِ»، الْخُلُوفُ: تَغَيُّرُ طَعْمِ الْفَمِ وَرِيحِهِ، لِتَأْخِيرِ الطَّعَامِ، يُقَالُ مِنْهُ: خَلَفَ فَمُهُ يَخْلُفُ خُلُوفًا، وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، فَقَالَ: وَمَا أَرَبُكَ إِلَى خُلُوفِ فَمِهَا. وَيُقَالُ: نَوْمَةُ الضُّحَى مُخْلِفَةٌ لِلْفَمِ، أَيْ: مُغِيِّرَةٌ، وَقِيلَ مَعْنَى كَوْنِهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ: الثَّنَاءُ عَلَى الصَّائِمِ وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ، لِئَلا يَمْنَعَهُ مِنَ الْمَوَاظَبَةِ عَلَى الصَّوْمِ الْجَالِبِ لِلْخُلُوفِ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَبْلَغُ فِي

الْقَبُولِ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ. قَوْلُهُ: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ»، أَيْ: جُنَّةٌ مِنَ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّهُ يَكْسَرُ الشَّهْوَةَ، فَلا يُوَاقِعُ الْمَعَاصِيَ. 1711 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَوْلُهُ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ»، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ لِنَفْسِهِ فِيهِ حَظًّا

لاطِّلاعِ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَهُوَ يَتَعَجَّلُ إِلَيْهِ إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. وَسُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ قَوْلِهِ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي»، فَقَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ، وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلا الصَّوْمُ، فَيَتَحَمَّلُ اللَّهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ. وَيُحْكَى عَنْ سُفْيَانَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: «الصَّوْمُ لِي»، قَالَ: لِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الصَّبْرُ، يَصْبِرُ الإِنْسَانُ عَنِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالنِّكَاحِ، وَثَوَابُ الصَّبْرِ لَيْسَ لَهُ حِسَابٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى قَوْلِهِ: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ كُلَّهَا لَهُ وَهُوَ يَجْزِي بِهَا، فَنَرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّ الصَّوْمَ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى جَزَاءَهُ، لِأَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ يَظْهَرُ مِنَ ابْنِ آدَمَ بِلِسَانٍ وَلا فِعْلٍ، فَيَكْتُبُهُ الْحَفَظَةُ، إِنَّمَا هُوَ نِيَّةٌ فِي الْقَلْبِ، وَإِمْسَاكٌ عَنِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، فَيَقُولُ: أَنَا أَتَوَلَّى جَزَاءَهُ عَلَى مَا أُحِبُّ مِنَ التَّضْعِيفِ، لَا عَلَى كِتَابٍ لَهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةً خَالِصَةً لِي لَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ، لَيْسَ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الْخَلْقُ، فَلا يُؤْمَنُ مَعَهَا الشِّرْكُ كَمَا جَاءَ، «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»، لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحِلُّهَا الْقَلْبُ،

فَلا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُ اللَّهِ، تَقْدِيرُهُ: أَنَّ نِيَّةَ الْمُؤْمِنِ مُفْرَدَةً عَنِ الْعَمَلِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلٍ خَالٍ عَنِ النِّيَّةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [الْقدر: 3]، أَيْ: لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. 1712 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا، فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرؤٌ قَاتَلَهُ، أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ "، وَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ صَائِمٍ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، إِنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرابَهُ مِنْ أَجْلِي، فَالصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ». أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ: «وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، وَقَالَ: «يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ جَرَّايَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَقُتَيْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَوْلُهُ: «فَلا يَرْفُثْ»، يُرِيدُ: لَا يَفْحُشْ، وَالرَّفَثُ: الْخَنَا وَالْفُحْشُ. قَوْلُهُ: " فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ "، يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: يَقُولُ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ نُطْقًا، يَرُدُّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ، أَيْ: لِيَتَفَكَّرَ أَنَّهُ صَائِمٌ، فَلا يَخُوضُ مَعَهُ، وَلا يُكَافِئُهُ عَلَى شَتْمِهِ، لِئَلا يَحْبِطَ أَجْرَ عَمَلِهِ، وَثَوَابَ صَوْمِهِ. وَقَوْلُهُ: «وَالصِّيَامُ لِي»، مَعْنَاهُ مَا سَبَقَ، ثُمَّ عقبه بِقَوْلِهِ: «كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا»، إِعْلامًا أَنَّ الصَّوْمَ مُسْتَثْنى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ، إِنَّمَا هُوَ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ دُونَ الصَّوْمِ الْمَخْصُوصِ مِنْ بَيْنِهَا بِهَذَا الْحُكْمِ.

باب وجوب الصوم برؤية الهلال

بَابُ وُجُوبِ الصَّوْمِ بِرُؤْيَةِ الْهِلالِ 1713 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَقَالَ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1714 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الشَّهْرُ

تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَروْهُ، فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَاقْدُرُوا لَهُ». هَكَذَا رَوَاهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى، وَابْنُ بُكَيْرٍ، كَمَا رَوَى أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ»، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ 1715 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلا نَحْسِبُ، الشَّهْرُ هَكَذا وَهَكَذا»، يَعْنِي: مَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاثِينَ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»، وَعَقَدَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ، «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»، يَعْنِي: تَمَامَ الثَّلاثِينَ وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»، وَخَنَّسَ سُلَيْمَانُ إِصْبَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ، يَعْنِي: تِسْعًا وَعِشْرِينَ. قَوْلُهُ: خَنَّسَ إِصْبَعَهُ، أَيْ: قَبَضَ. وَرُوِيَ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»، وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ، وَيُرْوَى: الإِبْهَامُ مِنَ الْيَدِ الْيُمْنَى. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «أُمِّيَّةٌ»، إِنَّمَا قِيلَ لِمَنْ لَا يَكْتُبُ وَلا يَقْرَأُ: أُمِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ، وَكَانُوا لَا يَكْتُبُونَ وَلا يَقْرَءُونَ،

وَيُقَالُ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ أُمِّيٌّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْحَالِ الَّذِي وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، لَمْ يَتَعَلَّمْ قِرَاءَةً وَلا كِتَابَةً. وَقَوْلُهُ: «يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ»، لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ تَسْعَةٌ وَعِشْرُونَ، بَلْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ فِي الْعُرْفِ ثَلاثِينَ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ، فَصَامَهُ، فَخَرَجَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَا يُلْزِمُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ بَارًّا فِي نَذْرِهِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ لَا بِعَيْنِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ثَلاثِينَ يَوْمًا. وَقَوْلُهُ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ»، أَيْ: خُفِيَ عَلَيْكُمْ، مِنْ قَوْلِكَ: غَمَمْتُ الشَّيْءَ: إِذَا غَطَّيْتُهُ، فَهُوَ مَغْمُومٌ. وَقَوْلُهُ: «فَاقْدُرُوا لَهُ»، مَعْنَاهُ: التَّقْدِيرُ لَهُ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ ثَلاثِينَ، يُقَالُ: قَدَرْتُ الشَّيْءَ أَقْدُرُهُ، وَأَقْدُرُهُ قَدْرًا بِمَعْنَى: قَدَّرْتُهُ: تَقْدِيرًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: 23]. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّقْدِيرُ بِحِسَابِ سَيْرِ الْقَمَرِ فِي الْمَنَازِلِ، أَيْ: قَدِّرُوا لَهُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّكُمْ عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوْ ثَلاثُونَ. قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: هَذَا خِطَابٌ لِمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذَا الْعِلْمِ. وَقَوْلُهُ: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ»، خِطَابٌ لِلْعَامَّةِ الَّتِي لَمْ تُعْنَ بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا

الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ». وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاثِينَ يَوْمًا».

1716 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ أوْ ظُلْمَةٌ أَوْ هَبْوَةٌ، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَلا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالا، وَلا تَصِلُوا رَمَضَانَ بِيَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ» الْهَبْوَةُ: الْغَبْرَةُ، يُقَالُ لِدُقَاقِ التُّرَابِ إِذَا ارْتَفَعَ: قَدْ هَبَا يَهْبُو هَبْوًا، فَهُوَ هَابٌّ.

وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا كَانَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نَظَرَ لَهُ، فَإِنْ رُئِيَ، فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ، أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ، أَصْبَحَ صَائِمًا، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ، وَلا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ. أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ هَذَا الصَّنِيعَ فِي شَعْبَانَ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، وَلا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلا يُفْطِرُ إِلا مَعَ النَّاسِ. وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصُومُ وَلا يُفْطِرُ إِلا بِرُؤْيَةِ الْهِلالِ، أَوْ إِكْمَالِ الْعَدَدِ ثَلاثِينَ، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَرَ الْهِلالَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِعِلَّةٍ فِي السَّمَاءِ، صَامَ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ صَحْوًا لَمْ يَصُومُوا.

باب قول النبي صلى الله عليه وسلم شهرا عيد لا ينقصان

بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ 1717 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّفَّارُ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، نَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ، وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ، وَذُو الْحَجَّةِ ". أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، أنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ، وَخَالِدٍ

قَالَ أَحْمَدُ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: لَا يَنْقُصَانِ مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، إِنْ نَقَصَ أَحَدُهُمَا تَمَّ الْآخَرُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، فَهُوَ تَمَامٌ غَيْرُ نُقْصَانٍ، يُرِيدُ فِي الثَّوَابِ. فَعَلَى قَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ الشَّهْرَانِ مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا تَفْضِيلَ الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

باب لا يتقدم شهر رمضان بصوم يوم أو يومين

بَابُ لَا يَتَقَدَّمُ شَهْرَ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ 1718 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، نَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقَدِّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِصيَامِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ، إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ 1719 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا أَنْ يُوافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ، فَعُدُّوا ثَلاثِينَ، ثُمَّ أَفْطِرُوا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَرِهُوا اسْتِقْبَالَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ رَجُلٌ، أَوْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ، أَوْ نَذْرٍ عَلَيْهِ، فَقَدْ 1720 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى. ح،، وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ»

1721 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَقِيَ نِصْفُ شَعْبَانَ، فَلا تَصُومُوا» قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُفْطِرًا، فَإِذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ شَعْبَانَ، أَخَذَ فِي الصَّوْمِ لِحَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا هُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِلا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، بِأَنْ يَكُونَ قَدِ اعْتَادَ صَوْمَ يَوْمِ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، أَوْ كَانَ يَصُومُ صَوْمَ دَاوُدَ، فَيَصُومُ عَلَى عَادَتِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ يُنْكِرُهُ فِي حَدِيثِ الْعَلاءِ، وَيُشْبِهُ إِنْ ثَبَتَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَحَبَّ إِجْمَامَ الصَّائِمِ فِي بَقِيَّةِ شَعْبَانَ لِيَتَقَوَّى بِذَلِكَ عَلَى صِيَامِ الْفَرْضِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، كَمَا كَرِهَ لِلْحَاجِّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِيَتَقَوَّى بِالإِفْطَارِ عَلَى الدُّعَاءِ.

وَقَدْ صَحَّ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِرَجُلٍ: «هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ شَيْئًا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ». وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ». قَوْلُهُ: «صُومُوا الشَّهْرَ»، أَرَادَ مُسْتَهَلَّ الشَّهْرِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْهِلالَ شَهْرًا. فَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الظَّاهِرِ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، «لَا تُقَدِّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِصِيَامِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ». يُحْكَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُمَا قَالا: سِرُّهُ: أَوَّلُهُ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: أَنَا أُنْكِرُ هَذَا التَّفْسِيرَ، وَأَرَاهُ غَلَطًا فِي النَّقْلِ، وَلا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا فِي اللُّغَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ سِرَّهُ آخِرُهُ، يُقَالُ: سِرُّ الشَّهْرِ وَسَرَرُ الشَّهْرِ وَسِرَارُهُ، سُمِّيَ سِرًّا لاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ، وَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ قَدْ أَوْجَبَ صَوْمَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرٍ، فَأَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً قَدِ اعْتَادَهَا مِنْ صِيَامِ أَوَاخِرِ الشَّهْرِ، فَتُرِكَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ لاسْتِقْبَالِ الشَّهْرَ، فَاسْتَحَبَّ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْضِيَهُ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ يَبْتَدِئُهُ مُتَبَرِّعًا مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ وَلا عَادَةٍ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِسِرِّهِ: وَسَطَهُ، وَسِرُّ كُلِّ شَيْءٍ جَوْفُهُ، وَعَلَى هَذَا أَرَادَ أَيَّامَ الْبِيضِ. 1722 - حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، أنَا الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَامِرِيُّ، أنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَزَّازُ، نَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عِصَامٍ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفِرْيَانَانِيُّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْصُوا هِلالَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ، وَلا تَصِلُوا رَمَضَانَ بِشَيْءٍ إِلا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ»

باب كراهية صوم يوم الشك

بَابُ كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ 1723 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، نَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ، فَقَالَ: كُلُوا. فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ عَمَّارٌ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ عَمَّارٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالُوا: لَوْ صَامَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ

أَنَّهُ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ. فَأَمَّا مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ مِنْ شَعْبَانَ، فَرَخَّصَ فِيهِ هَؤُلاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إِلا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، فَيَجُوزُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُصَامُ ذَلِكَ الْيَوْمُ عَنْ فَرْضٍ، وَلا تَطَوُّعٍ، لِلنَّهْيِ. يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ ابْنَتَا أَبِي بَكْرٍ تَصُومَانِ يَوْمَ الشَّكِّ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ، تَقُولُ: لِأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى صَوْمَهُ مِنْ رَمَضَانَ إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ، وَإِنْ كَانَ صَحْوًا، فَلا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَمَنْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا، فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَعَلَيْهِ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ، وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ.

باب الشهادة على رؤية الهلال

بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلالِ 1724 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلالَ. فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «يَا بِلالُ، أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا». وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلا.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمًا. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ، «فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ». وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَجُلا شَهِدَ عِنْدَهُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلالِ رَمَضَانَ، فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا، وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. وَذَهَبَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ هِلالَ رَمَضَانَ لَا يَثْبُتُ إِلا بِعَدْلَيْنِ، قِيَاسًا عَلَى هِلالِ شَوَّالٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى ثُبُوتِهِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ؟ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى قَبُولِهِ، لِأَنَّ بَابَهُ بَابُ الإِخْبَارِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إِلا بِقَوْلِ رَجُلٍ عَدْلٍ حُرٍّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَلا يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الإِخْبَارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَلا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: أَخْبَرَنِي فُلانٌ عَنْ فُلانٍ أَنَّهُ رَأَى الْهِلالَ. أَمَّا هِلالُ شَوَّالٍ، فَلا يَثْبُتُ إِلا بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّهُ

أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ، وَمَالَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَإِذَا رُئِيَ الْهِلالُ بِبَلَدٍ، وَرَأَى أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ بَعْدَهُ بِلَيْلَةٍ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنَ التَّابِعِينَ، الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعِكْرِمَةُ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ كُرَيْبٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ مِنَ الشَّامِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلالَ؟ قُلْتُ: رَأَيْتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَرَآهُ النَّاسُ. فَصَامُوا وَصَامَ

مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ أَوْ نَرَاهُ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: إِذَا ثَبَتَ بِخَبَرِ النَّاسِ أَنَّ أَهْلَ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ قَدْ رَأَوْهُ قَبْلَهُمْ، فَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ مَا أَفْطَرُوا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.

باب إذا أخطأ القوم الهلال

بَابُ إِذَا أَخْطَأَ الْقَوْمُ الْهِلالَ 1725 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، نَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. 1726 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الصَّوْمُ يَوْمَ يَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعِظَمِ النَّاسِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ رَأَى الْهِلالَ وَحْدَهُ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، كَمَنْ عَلِمَ طُلُوعَ الْفَجْرِ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ عَنِ الأَكْلِ بِعِلْمِهِ وَحْدَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ: لَا يَصُومُ بِرُؤْيَتِهِ وَحْدَهُ، وَلا يُفْطِرُ، لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصُومُ بِرُؤْيَتِهِ وَحْدَهُ، وَلا يُفْطِرُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ عَنِ النَّاسِ فِيمَا كَانَ سَبِيلُهُ الاجْتِهَادَ، فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا اجْتَهَدُوا، فَلَمْ يَرَوُا الْهِلالَ إِلا بَعْدَ الثَّلاثِينَ، فَلَمْ يُفْطِرُوا حَتَّى اسْتَوْفَوُا الْعَدَدَ، ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّهْرَ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ وِزْرٍ وَعَتَبٍ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهِ: فَإِنَّ كَانَ هَذَا فِي هِلالِ رَمَضَانَ، فَاسْتَوْفَوْا عَدَدَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ، ثُمَّ ابْتَدَءُوا الصَّوْمَ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ شَعْبَانَ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ الْيَوْمِ الأَوَّلِ، وَلا وِزْرَ عَلَيْهِمْ بِهِ. وَلَوِ اشْتَبَهَ عَلَى أَسِيرٍ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَصَامَ شَهْرًا بِالاجْتِهَادِ، جَازَ، فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ أَخْطَأَ بِالتَّأْخِيرِ، فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَخْطَأَ بِالتَّقْدِيمِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَكَذَلِكَ لَوِ اجْتَهَدَ فِي وَقْتِ الصَّلاةِ، فَوَقَعَتْ صَلاتُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ، فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ الْقَضَاءَ، لَمْ يُمْكِنْهُ الإِتْيَانُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَإِنْ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَكَذَلِكَ الْحَجِيجُ إِذَا أَخْطَئُوا يَوْمَ عَرَفَةَ، فَوَقَفُوا يَوْمَ الْعَاشِرِ، صَحَّ حَجُّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا الْقَضَاءَ، لَمْ يَأْمَنُوا مِنْ وُقُوعِ مِثْلِهِ فِي الْقَضَاءِ، فَوُضِعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا بِالتَّقْدِيمِ، فَوَقَفُوا يَوْمَ الثَّامِنِ، فَعَلَيْهِمُ الإِعَادَةُ، لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَإِنْ رَأَوُا الْهِلالَ بِالنَّهَارِ، فَهُوَ لِلَيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، سَوَاءٌ رَأَوْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْيَوْمُ مِنَ الشَّهْرِ الْمَاضِي. قَالَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ: إِنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ نَهَارًا، فَلا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلانِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالأَمْسِ. وَإِذَا أَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ الثَّلاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَائِمِينَ، فَشَهِدَ رَجُلانِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلالِ بِالأَمْسِ، يَأْمُرُهُمُ الإِمَامُ بِالْفِطْرِ، فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ صلَّى بِهِمْ

صَلاةَ الْعِيدِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُصَلِّي بِهِمْ مِنَ الْغَدِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ صَلاةَ الْعِيدِ مِنَ الْغَدِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلالَ بِالأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، فَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلاهُمْ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ مِنَ الْيَوْمِ، وَلا مِنَ الْغَدِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي الْوَقْتِ إِذَا جَاوَزَهُ لَمْ يَعْلَمْ فِي غَيْرِهِ كَعَرَفَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِلسُّنَّةِ الْمَأْثُورَةِ فِيهِ.

باب فضل السحور

بَابُ فَضْلِ السَّحُورِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [الْبَقَرَة: 187]، فَالْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: بَيَاضُ النَّهَارِ، وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ: سَوَادُ اللَّيْلِ. 1727 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 1728 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ. 1729 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى: مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ: هُوَ مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ، وَأَهْلُ مِصْرَ يَقُولُونَ: مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ: مُوسَى بْنُ عُلِيٍّ وَاسْتَحَبَّ أَهْلُ الْعِلْمِ تَأْخِيرَ السُّحُورِ، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: " تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً ".

باب تعجيل الفطر

بَابُ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ 1730 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، اسْتَحَبُّوا تَعْجِيلَ الْفِطْرِ بَعْدَمَا تَيَقَّن غُرُوبَ الشَّمْسِ، قَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ: مِنْ عَمَلِ النُّبُوَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ، وَالاسْتِينَاءُ بِالسَّحُورِ. 1731 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا، وَمَسرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ،

فَقُلْنَا: يَا أُمَّ الْمُؤمِنِينَ، رَجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاةَ، وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاةَ؟ قَالَتْ: «أَيَّهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاةَ؟» قُلْنَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. قَالَتْ: «هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». وَالْآخَرُ أَبُو مُوسَى. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وَأَبُو عَطِيَّةَ: اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ عَامِرٍ الْهَمْدَانِيُّ. وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَا، ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلاةِ. 1732 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيُّ، نَا أَبِي، نَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ،

حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا ". 1733 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قُرَّةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَلَوْ أَفْطَرَ رَجُلٌ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، ثُمَّ بَانَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ، فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّوْمِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَشَبَّهُوهُ بِمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا، وَالْأَوَّلُ أَولى بِخِلافِ النَّاسِي؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ لَا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنَ النِّسْيَانِ، وَهَذَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْكُثَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ غَيْبُوبَةَ الشَّمْسِ.

وَلَوْ أَكَلَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، فَبَانَ طَالِعًا، اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ، كَمَا لَوْ أَكَلَ فِي آخِرِ النَّهَارِ ظَانًّا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، فَبَانَ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقِيلَ: لَا قَضَاءَ هُنَا؛ لأَنَّ الْأَصْلَ كَانَ بَقَاءَ اللَّيْلِ، وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ إِنْ كَانَ قَدْ جَامَعَ، فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّ كَفَّارَةَ الْجِمَاعِ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ.

باب حصول الفطر بدخول الليل

بَابُ حُصُولِ الْفِطْرِ بِدُخُولِ اللَّيْلِ 1734 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ لِرَجُلٍ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا. ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ». فَنَزَلَ، فَجَدَحَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ، فَشَرِبَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ، فَقَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَهُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ. 1735 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ. قَوْلُهُ: «فَاجْدَحْ لِي»، فَالْجَدْحُ: هُوَ أَنْ يُخَاضَ السَّوِيقُ بِالْمَاءِ، وَيُحَرَّكَ حَتَّى يَسْتَوِيَ، وَالْمُجْدَحُ: الْعُودُ الَّذِي تُخَاضُ بِهِ الْأَشْرِبَةُ لِتَرِقَّ وَتَسْتَوِيَ. وَإِنَّمَا أَوْمَأَ إِلَى الْمَشْرِقِ؛ لِأَنَّ أَوَائِلَ الظُّلْمَةِ لَا تُقْبَلُ مِنْ ذَلِكَ الشِّقِّ إِلا وَقَدْ سَقَطَ الْقُرْصُ.

وَقَوْلُهُ: «فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»، قِيلَ: أَرَادَ قَدْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْفِطْرِ، كَمَا يُقَالُ: أَصْبَحَ وَأَمْسَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُفْطِرٌ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَطْعَمْ شَيْئًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ الْمُوَاصِلِينَ، يَقُولُ: لَيْسَ لِلْمُوَاصِلِ فَضْلٌ عَلَى الْآكِلِ؛ لأَنَّ الصِّيَامَ لَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ، فَهُوَ مُفْطِرٌ.

باب النهي عن الوصال في الصوم

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ 1736 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ»، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ فِي ذَاكُمْ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ، وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1737 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ»، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 1738 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوِصَالِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْتَ تَفْعَلُهُ؟ فَقَالَ: " إِنِّي لَسْتُ فِي ذَلِكَ

كَأَحَدٍ مِنْكُمْ، إنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، ثُمَّ قَالَ: اكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ " 1739 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَنْجُويْهِ الثَّقَفِيُّ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْعَطَّارُ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى السَّيْسَرِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصَلَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَوَاصَلَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ، لَوَاصَلْتُ وِصَالا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ، إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ النَّضْرِ التَّيْمِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِ حَدِيثِ الْوِصَالِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ مِنْ خَصَائِصِ مَا أُبِيحَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ لَا يَطْعَمُ بِاللَّيْلِ شَيْئًا. وَهُوَ مَحْظُورٌ عَلَى الأُمَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنْ طَعِمَ بِاللَّيْلِ شَيْئًا، وَإِنْ قَلَّ، خَرَجَ عَنِ الْكَرَاهِيَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ الْأَيَّامَ وَلا يُفْطِرُ. وَقَوْلُهُ: «إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي»، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا: إِنِّي أُعَانُ عَلَى الصِّيَامِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَكُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ يُؤْتَى عَلَى الْحَقِيقَةِ بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ يَطْعَمُهُمَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَرَامَةً لَهُ، لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ».

باب ما يقول عند الفطر

بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الْفِطْرِ 1740 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، نَا يَحْيَى، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، أَنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ نَا مَرْوَانُ الْمُقَفَّعُ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ، قَالَ: وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ، قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» 1741 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَفْطَرَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ»

باب ما يستحب أن يفطر عليه

بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَيْهِ 1742 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَتُمَيْرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تُمَيْرَاتٌ، حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 1743 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «

مَنْ وَجَدَ التَّمْرَ، فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ، فَلْيُفْطِرْ عَلَى الْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالرَّبَابُ: هِيَ أُمُّ الرَّائِحِ بِنْتُ صُلَيْعٍ.

باب نية الصوم من الليل

بَابُ نِيَّةِ الصَّوْمِ مِنَ اللَّيْلِ 1744 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا بَحْرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ سَابِقٍ الْخَوْلانِيُّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَكَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعْ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلا صِيَامَ لَهُ».

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ حَفْصَةَ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر، قَوْلُهُ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: قَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ فِي الْجَامِعِ بِيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ الْمِصْرِيِّ فِي مَوَاضِعَ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِ. وَرَوَى مَعْمَرٌ، وَسُفْيَانُ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفًا عَلَى حَفْصَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ثِقَةٌ، وَقَدْ رَفَعَهُ، وَالزِّيَادَاتُ عَنِ الثِّقَاتِ مَقْبُولَةٌ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ، إِذَا كَانَ قَضَاءً أَوْ كَفَّارَةً أَوْ نَذْرًا مُطْلَقًا، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلا بِأَنْ يَنْوِيَ لَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَمَّا أَدَاءُ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ تَبْيِيتَ النِّيَّةِ فِيهِ شَرْطٌ، لِأَنَّهُ صَوْمٌ مَفْرُوضٌ

كَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَحُكِيَ عَنْ إِسْحَاقَ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا نَوَى أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صَوْمَ جَمِيعِ الشَّهْرِ، أَجْزَأَهُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ الْعَامَّةُ، لِأَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ، فَيَقْتَضِي نِيَّةً عَلَى حِدَةٍ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ أَدَاءَ رَمَضَانَ، وَالنَّذْرَ الْمُعَيَّنَ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ. أَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ. وَرُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ بَدَا لَهُ الصَّوْمُ بَعْدَمَا زَالَتِ الشَّمْسُ، فَصَامَ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: لَا يَجُوزُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ إِلا بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ كَالْفَرْضِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَصُومُ تَطَوُّعًا حَتَّى يَجْمَعَ مِنَ اللَّيْلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مَا 1745 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجُوزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي،

فَيَقُولُ: «أَعِنْدَكِ غَدَاءٌ؟» فَأَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: «إِنِّي صَائِمٌ»، قَالَتْ: فَأَتَانِي يَوْمًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّهٌ، قَالَ: «وَمَا هِيَ؟» قُلْتُ: حَيْسٌ، قَالَ «أَمَا إِنِّي أَصْبَحْتُ صَائِمًا»، قَالَتْ: ثُمَّ أَكَلَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، وَأَنَّ الْمُتَطَوِّعَ بِالصَّوْمِ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ اخْتِلافٌ، سَيَأْتِي بَعْدَهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي. وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةُ.

باب تنزيه الصوم عن الرفث وقول الزور

بَابُ تَنْزِيهِ الصَّوْمِ عَنِ الرَّفَثِ وَقَوْلِ الزُّورِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا، فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَجْهَلْ». 1746 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَفِيفٍ الْكُلارُ الْبُوشَنْجِيُّ، بِهَا، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ

الشَّيْبَانِيُّ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ التَّمَّارُ، بِالْبَصْرَةِ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ 1747 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ

بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ»

باب قبلة الصائم

بَابُ قُبْلَةِ الصَّائِمِ 1748 - حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنْ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 1749 - حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ 1750 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ نِسائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ يَضْحَكُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَوْلُهَا: وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ. يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ: الإِرْبُ مَكْسُورَةُ

الأَلِفِ، وَالأَرَبُ مَفْتُوحَةُ الْأَلِفِ وَالرَّاءِ، وَكِلاهُمَا مَعْنَاهُ: وَطَرُ النَّفْسِ وَحَاجَتُهَا، يُقَالُ: لِفُلانٍ عِنْدِي إِرْبٌ وَأَرَبٌ، وَإِرْبَةٌ، وَمَأْرَبَةٌ، أَيْ: بُغْيَةٌ وَحَاجَةٌ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ كَانَ غَالِبًا لِهَوَاهُ. وَالإِرْبُ أَيْضًا: الْعُضْوُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ فِيهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَائِشَةُ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ إِذَا لَمْ تُحَرِّكِ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يُفْطِرُهُ، وَالتَّنَزُّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلشَّابِّ، وَيُرَخَّصُ فِيهِ لِلشَّيْخِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ. وَكَرِهَ قَوْمٌ الْقُبْلَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى الإِطْلاقِ، نَهَى عَنْهَا ابْنُ عُمَرَ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ. وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُنْقِصُ الْأَجْرَ وَلا تُفْطِرُهُ، وَالْمُبَاشَرَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقُبْلَةِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِذَا أَنْزَلَ بِقُبْلَةٍ، أَوْ مُبَاشَرَةٍ، فَسَدَ صَوْمُهُ بِالاتِّفَاقِ. وَرُوِيَ عَنْ مِصْدَعٍ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَمُصُّ لِسَانَهَا.

باب الصائم يصبح جنبا

بَابُ الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُبًا 1751 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمَا قَالَتَا: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلامٍ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ» 1751 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهُمَا قَالَتَا: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلامٍ ثُمَّ يَصُومُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا، اغْتَسَلَ وَأَتَمَّ صَوْمَهُ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: يُجْزِئُهُ التَّطَوُّعُ، وَيَقْضِي الْفَرِيضَةَ. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِي، «مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلا يَصُومُ»، فَبَعَثَ

مَرْوَانُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِيهِ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَقَدْ قِيلَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الإِسْلامِ حِينَ كَانَ الْجِمَاعُ مُحَرَّمًا فِي لَيَالِي الصَّوْمِ بَعْدَ النَّوْمِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ الْجِمَاعَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، جَازَ الصَّوْمُ وَإِنْ وَقَعَ الْغُسْلُ بِالنَّهَارِ، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُفْتِي بِمَا سَمِعَهُ مِنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنَّسْخِ، فَلَمَّا سَمِعَ حَدِيثَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَأُمِّ سَلَمَةَ، صَارَ إِلَيْهِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَجَعَ عَنْ فُتْيَاهُ فِيمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَنَّهُ لَا يَصُومُ. وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى أَنْ يُدْرِكَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ، فَلا صَوْمَ لَهُ.

باب كفارة الجماع في نهار رمضان

بَابُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ 1752 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، وَأَبُو عَمَّارٍ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَاللَّفْظُ لَفْظُ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «اجْلِسْ»، فَجَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ، قَالَ: «فَتَصَدَّقْ بِهِ»، قَالَ: مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَحَدٌ أَفْقَرَ مِنَّا، قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، قَالَ: «خُذْهُ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَرَوَى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: «فَأُتِيَ بِعَرَقٍ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا»، وَقَالَ فِيهِ: «كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ، وَصُمْ يَوْمًا، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ». وَالْعرق فَسَّرَهُ بِالْمِكْتَلِ، وَأَصْلُهُ السَّفِيفَةُ تُنْسَجُ مِنَ الْخُوصِ قَبْلَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الزِّبْلُ، فَسُمِّيَ الزَّبِيلُ وَالْمِكْتَلُ عِرْقًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ مَضْفُورٍ، فَهُوَ عرَقٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ جَامَعَ مُتَعَمِّدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يَفْسَدُ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَيُعَزَّرُ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ تَعْزِيرًا لِلَّهِ تَعَالَى يَجُوزُ لِلإِمَامِ تَرْكُهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِتَعْزِيرِ الْأَعْرَابِيِّ. وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ إِذَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِالْجِمَاعِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ.

وَكَفَّارَةُ الْجِمَاعِ مُرَتَّبَةٌ مِثْلُ الظِّهَارِ، فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ: كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ مُخَيَّرَةٌ، فَيُخَيَّرُ لِلْمُجَامِعِ بَيْنَ الْعِتْقِ، وَالصَّوْمِ، وَالإِطْعَامِ. وَفِيهِ دِلالَةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ أَنَّ طَعَامَ الْكَفَّارَةِ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْهُ، وَلا يَجِبُ أَكْثَرُ؛ لأَنَّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِذَا قُسِّمَتْ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدٌّ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ إِلا فِدْيَةُ الأَذَى يَجِبُ فِيهَا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ لِلْحَدِيثِ فِيهِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجِبُ أَنْ يُطْعَمَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنَ الْقَمْحِ نِصْفُ صَاعٍ، وَمِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْحُبُوبِ صَاعٌ، وَقَدْ رُوِيَ فِي خَبَرِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِسَلَمَةَ: «أَطْعِمْ عَنْكَ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسَقًا مِنْ تَمْرٍ». وَالْوَسَقُ يَكُونُ سِتِّينَ صَاعًا، فَيَكُونُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ. وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ حَدِيثَ الظِّهَارِ، وَقَالَ فِي الْعَرَقِ: هُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْعَرَقَ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلاثِينَ صَاعًا. وَرُوِيَ عَنْ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَفُسِّرَ الْعَرَقُ فِيهِ بِسِتِّينَ صَاعًا. فَخَرَجَ مِنَ اخْتِلافِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْعَرَقَ يَخْتَلِفُ فِي السِّعَةِ وَالضِّيقِ، فَيَكُونُ بَعْضُهَا أَكْبَرَ وَبَعْضُهَا أَصْغَرَ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ، وَقَدْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي رِوَايَاتِ الظِّهَارِ، وَلِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَجْوَدُ إِسْنَادًا وَأَحْسَنُ اتِّصَالا، غَيْرَ أَنَّ أَحْوَطَ الْأَمْرَيْنِ أَنْ يُطْعِمَ كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا أَوْ نِصْفَ صَاعٍ، وَلا يَقْتَصِرْ عَلَى الْمُدِّ؛ لِأَنَّ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْعَرَقُ الَّذِي أُتِيَ بِهِ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقَدَّرُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ قَاصِرًا عَنْ مَبْلَغِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَيَكُونُ الْبَاقِي دَيْنًا عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَجِدَهُ. وَقَوْلُهُ: «كُلْ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ»، اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، حُكِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ هَذَا خَاصًّا لِذَلِكَ الرَّجُلِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ، فَمَنْ فَعَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَلا دَلِيلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا ذَكَرَهَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا رَجُلٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ الرَّقَبَةَ، وَلَمْ يُطِقِ الصَّوْمَ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُ، فَأَمَرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ لِيَتَصَدَّقَ بِهِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَدِينَةِ أَحْوَجُ مِنْهُ، فَلَمْ يَرَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَتْرُكَ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ، فَأَمَرَهُ بِصَرْفِهِ إِلَى قُوتِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْوَقْتِ، وَصَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَجِدَهَا كَالْمُفْلِسِ يُمْهَلُ إِلَى الْيَسَارِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالَةِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ حَالَةَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ، أَمَرَهُ بِأَنْ يُكَفِّرَ، فَلَمَّا ذَكَرَ حَاجَتَهُ، أَخَّرَهَا عَلَيْهِ إِلَى الْوَجْدِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلرَّقَبَةِ يَوْمَ الْوُجُوبِ، فَلَمْ يَعْتِقْ حَتَّى عَدِمَهَا، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ بَعْدَمَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالإِطْعَامِ، وَإِنْ كَانَ عَادِمًا لِلرَّقَبَةِ يَوْمَ الْوُجُوبِ، عَاجِزًا عَنِ الصَّوْمِ،

فَقَبْلَ أَنْ يُطْعِمَ، قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ، فَعَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالإِعْتَاقِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَيَأْتِي بِأَسْرَعَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرّجل لَمَّا قَالَ: مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَحْوَجُ مِنَّا، قَالَ: «فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»، فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ. وَعِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّمَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَى مَنْ لَا يُلْزِمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، فَأَمَّا مَنْ يُلْزِمُهُ نَفَقَتُهُمْ عِنْدَ الْعُدْمِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ، فَلَا يَجُوزُ وَضْعُ طَعَامِ الْكَفَّارَةِ فِيهِمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ الصَّائِمَةِ إِذَا طَاوَعَتْ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، هَلْ يُلْزِمُهَا الْكَفَّارَةُ؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يُلْزِمُهَا الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهَا أَفْطَرَتْ بِجِمَاعِ عَمْدٍ كَالرَّجُلِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ عَلَى الرَّجُلِ دُونَهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانْتِ الْكَفَّارَةُ بِالصَّوْمِ، كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الرَّجُلَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فِعْلٍ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَلَمْ يُوجِبِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا كَفَّارَةً وَاحِدَةً. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ لازِمٍ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا حِكَايَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُفْطِرَةٌ بِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ تَكُونُ مُسْتَكْرَهَةً، أَوْ نَاهِيَةً لِصَوْمِهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرُوهُ حُجَّةً لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهَا عِنْدَ تَعَمُّدِ الْفِطْرِ بِالْجِمَاعِ. وَقَوْلُهُ: «صُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ»، فِيهِ بَيَانُ أَنَّ قَضَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ

لَا يَدْخُلُ فِي صِيَامِ الشَّهْرَيْنِ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرِ الْأَوْزَاعِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، دَخَلَ فِيهِ صَوْمُ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالإِطْعَامِ، فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الْجِمَاعِ. وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ مُتَعَمِّدًا، اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقَ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالُوا: لَوِ ابْتَلَعَ حَصَاةً، أَوْ نَوَاةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، فَلَمَّا رُفِعَ إِلَيْهِ عَثَّرَ، فَقَالَ: عَلَى وَجْهِكَ، وَيْحَكَ وَصِبْيَانَنَا صِيَامٌ، فَضَرَبَهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ إِذَا غَضِبَ عَلَى أَحَدٍ سَيَّرَهُ إِلَى الشَّامِ. 1753 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا بُنْدَارٌ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ

بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالا: نَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الْمُطَوِّسِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلا مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَإِنْ صَامَهُ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: أَبُو الْمُطَوِّسِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ الْمُطَوِّسِ، لَا أَعْرِفُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا عَلَى طَرِيقِ الإِنْذَارِ وَالإِعْلامِ بِمَا لَحِقَهُ مِنَ الإِثْمِ، وَفَاتَهُ مِنَ الْأَجْرِ، فَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ. وَلَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ قَضَاءٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ، فَأَفْطَرَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِي إِفْسَادِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ.

باب الصائم إذا أكل ناسيا

بَابُ الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ نَاسِيًا 1754 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدَانُ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا هِشَامٌ، نَا ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا نَسِيَ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ الْقُرْدُوسِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ النِّسْيَانَ ضَرُورَةٌ، وَالْأَفْعَالُ الضَّرُورِيَّةُ غَيْرُ مُضَافَةٍ فِي الْحُكْمِ إِلَى فَاعِلِهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهَا.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ، لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ غَيْرُ رَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، فَإِنَّهُمَا أَوْجَبَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَأَمَّا إِذَا جَامَعَ نَاسِيًا، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، كَمَا لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا. وَقَالَ قَوْمٌ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعِيدٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى غَيْرِ عَامِدٍ. وَمَنْ نَظَرَ، فَأَمْنَى، لَا يُفْسَدُ صَوْمُهُ، قَالَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

باب الصائم يستقيء

بَابُ الصَّائِمِ يَسْتَقِيءُ 1755 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ».

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الْوَاعِظُ، أنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَجَاءٍ، أنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ». وَرَوَاهُ نَافِع، عَن ابْنِ عُمَر مَوْقُوفًا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا وَرُوِيَ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ، قَالَ ثَوْبَانُ: صَدَقَ، أنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ. 1756 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

ثَلاثٌ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ: الْحِجَامَةُ، وَالْقَيْءُ، وَالاحْتِلامُ ". وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَم، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، مُرْسَلا، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ ثِقَةٌ وَالْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ»، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ: الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ. وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَوْ دَخَلَ جَوْفَ الصَّائِمِ غُبَارُ الطَّرِيقِ، أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ، أَوْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فِي حَلْقِهِ، لَا يُفْسَدُ صَوْمُهُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ ذَرَعَهُ

الْقَيْءُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ غَمْرٍ، فَدَخَلَ الْمَاءُ جَوْفَهُ، وَلَوِ اسْتَنْشَقَ، أَوْ مَضْمَضَ، فَبَالَغَ، فَوَصَلَ الْمَاءُ إِلَى مَوْضِعِ دِمَاغِهِ، أَوْ جَوْفِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ، كَمَا لَوِ اسْتَعْطَ، وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ، فَسَبَقَ الْمَاءُ إِلَى جَوْفِهِ، لَمْ يُفْسَدْ صَوْمُهُ، كَمَا لَوْ طَارَ الذُّبَابُ فِي حَلْقِهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ: «بَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ، إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا». وَلَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ، أَوِ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ، لَمْ يُفْسَدْ صَوْمُهُ، وَإِنْ وَجَدَ بَرْدَهُ فِي بَاطِنِهِ، رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ الْعَطَشِ، أَوْ مِنَ الْحَرِّ. وَقَالَ أَنَسٌ: لِي أَبْزَنُ أَتَقَحَّمُ فِيهِ، وَأَنَا صَائِمٌ. وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ ثَوْبًا فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ. وَرَخَّصَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الاكْتِحَالِ لِلصَّائِمِ، قَالَ الْأَعْمَشُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْرَهُ الْكُحْلَ لِلصَّائِمِ.

وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاقَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: «لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ»، وَلا يَصِحُّ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ.

باب السواك للصائم

بَابُ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ 1757 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا أُحْصِي «يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جَامِعِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ إِسْنَادَهُ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، إِلا أَنَّ قَوْمًا كَرِهُوا لَهُ أَنْ يَسْتَاكَ بِالْعُودِ الرَّطِبِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى كَرَاهِيَةِ السِّوَاكِ لَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِزَالَةِ الْخُلُوفِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَبِهِ

قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَلَوِ اسْتَاكَ، قَالَ عَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ، وَيَكْتَحِلُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ مَضْمَضَ، ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، لَمْ يَضُرَّهُ أَنْ يَزْدَرِدَ رِيقَهُ. وَلا يَمْضُغُ الْعِلْكَ، فَإِنِ ازْدَرَدَ رِيقَ الْعِلْكِ، لَا أَقُولُ: إِنَّهُ يُفْطِرُ، وَالْحَسَنُ يَنْهَى عَنْهُ.

باب الحجامة للصائم

بَابُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ 1758 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا أَبُو حَفْصٍ الرَّازِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ فِيهَا قَوْمٌ، يُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهُمُ احْتَجَمُوا صِيَامًا.

وَقَالَ بُكَيْرٌ، عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ: كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَلا تَنْهَى، وَفَعَلَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَكَرِهَ قَوْمٌ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَسْرُوقٌ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْتَجِمُونَ بِاللَّيْلِ، مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ: إِنَّمَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ. وَيَرْوِي مِثْلَهُ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، إِلا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالا: يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ، وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجِبُ عَلَى مَنِ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَاحْتَجَّ مَنْ حَكَمَ بِبُطْلانِ صَوْمِهِ بِمَا 1759 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أنَا الرَّبِيعُ، أنَا الشَّافِعِيُّ، أنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانَ الْفَتْحِ، فَرَأَى رَجُلا يَحْتَجِمُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ».

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَثَوْبَانُ، رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ

رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَتَأَوَّلَ بَعْضُ مَنْ رَخَّصَ فِيهَا هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، أَيْ: تَعَرَّضَا لِلإِفْطَارِ، أَمَّا الْمَحْجُومُ فَلِلضَّعْفِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْهَا، وَأَمَّا الْحَاجِمُ فَلِمَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَصِلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّمِ إِذَا ضَمَّ شَفَتَيْهِ عَلَى قَصَبِ الْمُلازِمِ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يَتَعَرَّضُ لِلْمَهَالِكِ: قَدْ هَلَكَ فُلانٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ هَلَكَ. وَحَمَلَ بَعْضُ مَنْ كَرِهَهَا، وَلَمْ يَحْكُمْ بِبُطْلانِ الصَّوْمِ هَذَا عَلَى التَّغْلِيطِ لَهُمَا، وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِمَا، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيمَنْ صَامَ الدَّهْرَ: «لَا صَامَ وَلا أَفْطَرَ»، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَعْنَى قَوْلِهِ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، أَيْ: بَطَلَ أَجْرُ صِيَامِهِمَا. وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ: إِنَّهُ مَرَّ بِهِمَا مَسَاءً، فَقَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»، كَأَنَّهُ عَذَرَهُمَا بِهَذَا الْقَوْلِ إِذْ كَانَا قَدْ أَمْسَيَا وَدَخَلا فِي وَقْتِ الْفِطْرِ، كَمَا يُقَالُ: أَصْبَحَ الرَّجُلُ وَأَمْسَى وَأَظْهَرَ، إِذَا دَخَلَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حَانَ لَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا، كَمَا يُقَالُ: أَحْصَدَ الزَّرْعُ: إِذَا حَانَ أَنْ يُحْصَدَ، وَأَرْكَبَ الْمُهْرُ: إِذَا حَانَ أَنْ يُرْكَبَ، هَذِهِ التَّأْوِيلاتُ ذَكَرَهَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِهِ.

باب الصوم في السفر

بَابُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ 1760 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ عُرْوَةَ 1761 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيزَرِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ 1762 - حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، نَا أَبُو أُمَيَّةَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا الْجَرِيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ 1763 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا الْجَرِيرِيُّ. ح، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَأَنا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، نَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلا يَجِدُ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، وَلا الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً، فَصَامَ فَحَسَنٌ، وَمَنْ وَجَدَ ضَعْفًا، فَأَفْطَرَ فَحَسَنٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ مُبَاحٌ فِي السَّفَرِ، وَالْفِطْرُ مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إِنْ صَامَ فِي السَّفَرِ، قَضَى فِي الْحَضَرِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَتْ طَائِفَةٌ: أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ أَيْسَرُهُمَا عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [الْبَقَرَة: 185]، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَمَّا الَّذِي يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ، وَلا يُطِيقُهُ، فَالْأَوْلَى بِهِ أَنْ يُفْطِرَ لِمَا 1764 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَغَيْرُهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا يَرَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ مَقْصُورٌ عَلَى مَنْ يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ، وَيُؤَدِّيهِ إِلَى مِثْلِ الْحَالَةِ الَّتِي صَارَ إِلَيْهَا الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ»، وَقَوْلُهُ حَيْثُ بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا، فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ»،

فَوَجْهُ هَذَا إِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ قَلْبُهُ قَبُولَ رُخْصَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَأَمَّا مَنْ رَأَى الْفِطْرَ مُبَاحًا وَقَوِيَ عَلَى الصَّوْمِ، فَصَامَ، فَهُوَ أَعْجَبُ إِلَيَّ. 1765 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ بَامُوَيْهِ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الإِخْمِيمِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا عِمْرَانُ بْنُ الْخَطَّابِ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَإِنْ كَانَ أَحدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا مِنَّا صَائِمٌ إِلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ رَشِيدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

باب من صام أياما من رمضان في السفر ثم أفطر

بَابُ مَنْ صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ 1766 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَ، وَأَفْطَرَ النَّاسُ مَعَهُ، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ، فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ

باب من أصبح صائما في السفر ثم أفطر

بَابُ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ ثُمَّ أفْطَرَ 1767 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ معَهُ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَشرِبَ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ، وَصَامَ بَعْضٌ، فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا، فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ». أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ، جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، فَلَوْ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى دَخَلَ بَلَدَ إِقَامَتِهِ، لَزِمَهُ إِتْمَامُ الصَّوْمِ، وَلَوْ أَصْبَحَ فِي السَّفَرِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْبَلَدَ فِي أَوَّلِ يَوْمِهِ، كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدْخُلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَهُ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ. وَلا فَرْقَ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ بِعُذْرِ السَّفَرِ بَيْنَ مَنْ يُنْشِئُ السَّفَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَبَيْنَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ مُسَافِرٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إِذَا أَنْشَأَ السَّفَرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [الْبَقَرَة: 185]، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: شَهِدَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، فَأَمَّا مَنْ شَهِدَ بَعْضَهُ، فَلَمْ يَشْهَدِ الشَّهْرَ. أَمَّا الْمُقِيمُ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى السَّفَرِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، وَشَبَّهُوهُ بِمَنْ أَصْبَحَ

صَائِمًا، ثُمَّ مَرِضَ، جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ، وَلَيْسَ كَالْمَرَضِ؛ لأَنَّهُ أَمْرٌ يَحْدُثُ لَا بِاخْتِيَارِهِ، وَالسَّفَرُ أَمْرٌ يُنْشِئُهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ إِذَا مَرِضَ فِي خِلالِ الصَّلاةِ يُصَلِّي قَاعِدًا، وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّلاةِ مُقِيمًا، ثُمَّ صَارَ مُسَافِرًا، بِأَنْ جَرَتِ السَّفِينَةُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقْصِرَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَصْبَحَ الْمُقِيمُ عَلَى نِيَّةِ السَّفَرِ فِي يَوْمِهِ، جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي بَيْتِهِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ سَفَرًا، وَقَدْ رُحِّلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ، وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأَكَلَ، فَقِيلَ لَهُ: سُنَّةٌ؟ قَالَ: سُنَّةٌ، ثُمَّ رَكِبَ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْبَلَدِ.

باب المحارب يفطر

بَابُ الْمُحَارِبِ يُفْطِرُ 1768 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، فَحَدَّثَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: " غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ غَزْوَتَيْنِ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْفَتْحِ، فَأَفْطَرْنَا فِيهِمَا ". قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ عُمَرَ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ أَمَرَ بِالْفِطْرِ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا». وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَحْوُ هَذَا، أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الإِفْطَارِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَبِهِ يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

باب الرخصة في الإفطار للحامل والمرضع

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الإِفْطَارِ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ 1769 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَيُوسُفُ بْنُ عِيسَى، قَالا: نَا وَكِيعٌ، نَا أَبُو هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: «ادْنُ، فَكُلْ»، فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: «ادْنُ أُحَدِّثْكَ عَنِ الصَّوْمِ أَوِ الصِّيَامِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلاةِ، وَعَنِ الْحَامِلِ، وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ»، وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِلَيْهِمَا أَوْ أَحَدَهُمَا، فَيَا لَهْفَ نَفْسِي أَلا أَكُونَ طَعِمْتُ مِنْ طَعَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلا نَعْرِفُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ، إِذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا، تُفْطِرَانِ وَتَقْضِيَانِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الإِطْعَامُ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمَا تَطْعَمَانِ مَعَ الْقَضَاءِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ الْحَامِلِ إِذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا، قَالَ: تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمَا تَقْضِيَانِ، وَلا إِطْعَامَ عَلَيْهِمَا كَالْمَرِيضِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْحَامِلُ تَقْضِي وَلا تُطْعِمُ، لأَنَّ ضَرَرَ الصَّوْمِ يَعُودُ إِلَى نَفْسِهَا كَالْمَرِيضِ، وَالْمُرْضِعُ تَقْضِي وَتُطْعِمُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ شَاءَتَا أَطْعَمَتَا، وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ شَاءَتَا قَضَتَا وَلا إِطْعَامَ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ. فَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ، يُطْعَمُ عَنْهُ وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لِعَجْزِهِ، قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، أَيْ: يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ وَيُشَقُّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَلَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَيُطْعِمُوا.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [الْبَقَرَة: 184]، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، فَكَانَ الْمُطِيقُ لِلصَّوْمِ فِي الابْتِدَاءِ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَصُومَ، وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ، فَنَسَخَهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [الْبَقَرَة: 185]، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ.

وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ قَرَأَ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [الْبَقَرَة: 184]، إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَادِرِينَ عَلَى الصَّوْمِ رُخْصَةٌ فِي الْفِطْرِ، وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: وَعَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُطِيقُونَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، ثُمَّ عَجَزُوا عَنِ الصَّوْمِ، فَعَلَيْهِمْ فِدْيَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ ضَعُفَ عَنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَبَّرَ، فَأَمَرَ بِإِطْعَامِ مَسَاكِينَ، فَأَطْعَمُوا خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى شَبِعُوا، وَالإِطْعَامُ وَاجِبٌ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ، وَقَالَ مَالِكٌ: مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَلا قَضَاءَ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الطَّعَامِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. وَقَالَ قَوْمٌ: يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: مَا كَانَ الْمُفْطِرُ يَتَقَوَّتُهُ يَوْمَهُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يُعْطِي كُلَّ مِسْكِينٍ عَشَاءَهُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَسَحُورَهُ حَتَّى يَتَسَحَّرَ.

باب تأخير المرأة قضاء الصوم إلى شعبان لحق الزوج وأنها لا تصوم تطوعا إلا بإذنه

بَابُ تَأْخِيرِ الْمَرْأَةِ قَضَاءَ الْصَوْمِ إِلَى شَعْبَانَ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا لَا تَصُومُ تَطَوُّعًا إِلا بِإِذْنِهِ 1770 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ: «إِنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ صِيَامٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى، وَقَالَ: قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْضِيَ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ مِنْ قَابِلٍ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَالْقَضَاءُ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي الْأَشْهُرِ الْعَشَرَةَ، وَيَتَعَيَّنُ لَهُ شَعْبَانُ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ بَعْضُهُمُ الْفِدْيَةَ إِذَا أَخَّرَ عَنْ شَعْبَانَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ: لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ.

فَأَمَّا مَنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ قَابِلٍ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بَعْدَهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَصُومُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَقْضِي وَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ: يُطْعِمُ وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَيُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وُجُوبُ الْقَضَاءِ مَعَ الإِطْعَامِ. 1771 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالا: نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلا بِإِذْنِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب التتابع في الصيام

بَابُ التَّتَابُعِ فِي الصِّيَامِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [الْبَقَرَة: 185]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْكَفَّارَةِ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النِّسَاء: 92]. 1772 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «يَصُومُ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا مَنْ أَفْطَرَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْضِيَهَا مُتَتَابِعَةً، وَلَوْ فَرَّقَ قَضَاءَهَا، فَجَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ الْحَكَمُ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ يَقُولانِ: لَا بَأْسَ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ مُتَقَطِّعًا. قَالَ الْحَكَمُ: مُتَتَابِعًا أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِقَضَائِهِ مُتَفَرِّقًا إِذَا أَحْصَيْتَ الْعَدَدَ.

أَمَّا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْجِمَاعِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا عَجَزَ فِيهَا عَنِ الرَّقَبَةِ، فَالْوَاجِبُ فِيهَا أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مُتَعَمِّدًا قَبْلَ إِتْمَامِهَا، يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الشَّهْرَيْنِ. وَلَوْ أَفْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوِ الْجِمَاعِ بِعُذْرِ حَيْضٍ، فَإِذَا طَهَرَتْ، بَنَتْ عَلَى مَا صَامَتْ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وَلَوْ أَفْطَرَ بِعُذْرِ سَفَرٍ فَيَسْتَأْنِفُ، وَلَوْ أَفْطَرَ بِعُذْرِ الْمَرَضِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الاسْتِئْنَافَ عَلى أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى بَعْدَمَا صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَيَجِبُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ إِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ، وَالإِطْعَامِ، وَالْكِسْوَةِ صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِيهَا، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَقَالَ: إِنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ. هَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَهُ مُطْلَقًا كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ.

باب من مات وعليه صوم

بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ 1773 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ، نَا أَبِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1774 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، نَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ:

إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: «أَرأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُخْتِكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَحَقُّ اللَّهِ أَحَقُّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي خَالِد، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْحَكَم، وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ، وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْل، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، وَعَطَاء، وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ عَنْ نَذْرٍ، أَوْ قَضَاءٍ عَنْ فَائِتٍ، مِثْلُ أَنْ أُفْطِرَ شَهْرَ رَمَضَانَ عَمْدًا، أَوْ أُفْطِرَ بِعُذْرِ السَّفَرِ أَوْ مَرَضٍ، فَأَقَامَ وَبَرَأَ، وَأَمْكَنَهُ الْقَضَاءُ، فَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَبِهِ قَالَ حَمَّادٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالَ الْحَسَنُ: إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاثُونَ رَجُلا كُلُّ وَاحِدٍ يَوْمًا، جَازَ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ يُطْعِمُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَقِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ عَنْ أَحَدٍ، كَمَا لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، بَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، عَلَى الإِطْعَامِ، مَعْنَاهُ: إِنْ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، فَكَأَنَّهُ قَدْ صَامَ عَنْهُ، سُمِّيَ الإِطْعَامُ صِيَامًا عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ وَالاتِّسَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا 1775 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا عَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ. وَأَشْعَثُ هُوَ ابْنُ سَوَّارٍ، وَمُحَمَّدٌ عِنْدِي: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَاتَّفَقَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَفْطَرَ بِعُذْرِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، ثُمَّ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْقَضَاءِ بِأَنْ دَامَ عُذْرُهُ حَتَّى مَاتَ، أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُطْعَمْ عَنْهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيُحْكَى ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ. وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلاةٌ، فَلا كَفَّارَةَ لَهَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُطْعَمُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يُصَلَّى عَنْهُ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا الصَّلاةَ بِقُبَاءَ، فَقَالَ: صَلِّ عَنْهَا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ.

باب صوم شعبان

بَابُ صَوْمِ شَعْبَانَ 1776 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1777 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَلَمْ أَرَهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا، بَلْ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ 1778 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الصَّوْمِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ قَالَ: «شَعْبانُ لِتَعْظيمِ رَمَضَانَ»، قِيلَ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَصَدَقَةُ بْنُ مُوسَى، لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِذَاكَ الْقَوِيُّ

1779 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَيْسٍ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ، تَقُولُ: «كَانَ أَحَبُّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصُومَهُ شَعْبانَ، ثمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ»

باب صوم ست من شوال

بَابُ صَوْمِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ 1780 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ سِمْعَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، نَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأنْصَارِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، فَذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ

وَقَدِ اسْتَحَبَّ قَوْمٌ صِيَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: هُوَ مِثْلُ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كِلِّ شَهْرٍ، وَاخْتَارَ أَنْ يَصُومَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، فَإِنْ صَامَ سِتَّةً مِنْ شَوَّالٍ مُتَفَرِّقَةً، فَجَائِزٌ. وَحَكَى مَالِكٌ الْكَرَاهِيَةَ فِي صِيَامِهَا عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ: كَانُوا يَخَافُونَ بِدْعَتَهُ، وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ أَهْلُ الْجَهَالَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ.

باب صوم يوم عاشوراء

بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ 1781 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ يَبْتَغِي فَضْلَهُ إِلا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَهَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ 1782 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، نَا هُشَيْمٌ، نَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى»، وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ 1783 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسدَّدٌ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ، «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيَصُمْ»، قَالَتْ: فَكُنَّا

نَصُومُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدِ الإِفْطَارِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ الْعَبْدِيِّ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ لاحِقٍ، وَقَالَ: وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ 1784 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ، «أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ، فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ، فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عُبَيْدٍ

وَفِي أَمْرِهِ بِالإِمْسَاكِ بَقِيَّةَ النَّهَارِ بَعْدَ مَا أَكَلَ، دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْوَقْتِ فِي الْعِبَادَةِ، وَعَلَى هَذَا مَنْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ أَصْبَحَ وَقَدْ نَسِيَ النِّيَّةَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ، ثُمَّ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا وَجَبَ الإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ النَّهَارِ، أَمَّا مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا بِعُذْرِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ طَهُرَتِ الْحَائِضُ أَوَّلَ النَّهَارِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاغْتَسَلَتْ، فَلا يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّشَبُّهُ؛ لأَنَّ الشَّرْعَ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الأَكْلِ مَعَ يَقِينِ الشَّهْرِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، إِذَا أَقَامَ وَبَرَأَ، التَّشَبُّهُ بِالصَّائِمِينَ. وَكَانَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَرْضًا فِي الابْتِدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ عَاشُورَاءَ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. 1785 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، عَامَ حَجَّ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ

لِهَذَا الْيَوْمِ: «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْنَا صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

باب في عاشوراء أي يوم هو

بَابٌ فِي عَاشُورَاءَ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ 1786 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَهَنَّادٌ، قَالا: نَا وَكِيعٌ، عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَيَّ يَوْمٍ أَصُومُهُ؟ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ هِلالَ الْمُحَرَّمِ، فَاعْدُدْ، ثُمَّ أَصْبِحْ مِنَ التَّاسِعِ صَائِمًا»، قَالَ: قُلْتُ: أَهَكَذَا كَانَ يَصُومُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ،

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ اسْمَ عَاشُورَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ أَعْشَارِ أَوْرَادِ الإِبِلِ، وَالْعُشْرُ عِنْدَهُمْ تِسْعَةُ أَيَّامٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ: وَرَدَتِ الإِبِلُ عَشْرًا: إِذَا وَرَدَتْ يَوْمَ التَّاسِعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَحْسِبُونَ فِي الْأَظْمَاءِ يَوْمَ الْوِرْدِ، فَإِذَا أَقَامُوا فِي الرَّعْيِ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَوْرَدُوا الْيَوْمَ الثَّالِثَ، قَالُوا: أَوْرَدْنَا رَبْعًا، وَإِنَمَا هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ فِي الأَظْمَاءِ، وَإِذَا قَامُوا فِي الرَّعْيِ ثَلاثًا، وَوَرَدُوا الْيَومَ الرَّابِعَ، قَالُوا: أَوْرَدْنَا خمْسًا، فَعَاشُورَاءُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ، وَمِنْ هَذَا قَالُوا: عِشْرِينَ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَمْ يَقُولُوا عِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِشْرِينَ، وَالْيَوْمُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْمُكَمِّلُ عِشْرِينَ طَائِفَةً مِنَ الْوِرْدِ، فَجَمَعُوهُ عِشْرِينَ. وَاسْتَحَبَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ التَّاسِعَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ

عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «صُومُوا الْيَوْمَ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ، وَخَالِفُوا الْيَهُودَ». وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «صُومُوا قَبْلَهُ، وَخَالِفُوا الْيَهُودَ». 1787 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطْفَانَ بْنَ طَرِيفٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ يُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، صُمْنَا يَوْمَ التَّاسِعَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ

باب فضل صوم المحرم

بَابُ فَضْلِ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ 1788 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ قَوْلُهُ: «شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ»، نَسَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ مَعَ أَنَّ الشُّهُورَ كُلَّهَا لِلَّهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشَّمْس: 13]. وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الْأَنْفَال: 41]، نَسَبَ الْمَغْنَمَ إِلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ أَشْرَفُ الْكَسْبِ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التَّوْبَة: 60]، وَلَمْ يَقُلْ: لِلَّهِ وَلِلْفُقَرَاءِ؛ لأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَاكْتِسَابُهَا مَكْرُوهٌ إِلا لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهَا.

باب صوم يوم عرفة

بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ 1789 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً، قَالَ: فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ صَامَ الدَّهْرَ، فَقَالَ: «لَا صَامَ وَلا أَفْطَرَ»، أَوْ «مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ»، قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ، وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، فَقَالَ: «وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟»، قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ، وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، فَقَالَ: «ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ»، قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ، وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ، قَالَ: «وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ قَوَّانَا لِذَلِكَ»، قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ، فَقَالَ: " ذَاكَ يَوْمُ بُعِثْتُ فِيهِ، وَوُلِدْتُ فِيهِ، وَقَالَ: صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ،

وَرَمَضَانَ إِلَى رَمضَانَ صَوْمُ الدَّهْرِ "، قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، قَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ»، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ». وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ غَضَبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّجُلِ عَنْ صَوْمِهِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ السَّائِلُ فِي صَوْمِهِ، فَيَتَكَلَّفُهُ، ثُمَّ يَعْجَزُ عَنْهُ فِعْلا، أَوْ يَسْأَمُهُ مَلالَةً، فَيَكُونُ صَائِمًا مِنْ غَيْرِ إِخْلاصٍ وَنِيَّةٍ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ بَعْضَ النَّوَافِلِ خَوْفًا مَنْ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ إِذَا فَعَلُوهُ اقْتِدَاءً بِهِ، كَمَا تَرَكَ الْقِيَامَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقَوْلُهُ: «لَا صَامَ وَلا أَفْطَرَ»، مَعْنَاهُ: الدُّعَاءُ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ، هُوَ أَنْ يسْرد صِيَامَ السَّنَةِ كُلِّهَا لَا يُفْطِرُ فِيهَا الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا.

1790 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»، وَقَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِمَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ قَالَ: «لَا صَامَ وَلا أفْطَرَ»، أَوَ «لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ

باب ترك صيام يوم عرفة للحاج

بَابُ تَرْكِ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ 1791 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُمَيْرٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ، " أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَها يَوْمَ عَرَفَةَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَ مِنْهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا

كَانَا يَصُومَانِهِ، وَكَانَ إِسْحَاقُ يَسْتَحِبُّهُ لِلْحَاجِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ صَامَ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَذَاكَ يَوْمٌ يَحْتَاجُ إِلَى قُوَّةٍ. وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: أَصُومُ فِي الشِّتَاءِ، وَلا أَصُومُ فِي الصَّيْفِ. وَاسْتَحَبَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الإِفْطَارَ فِيهِ، لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، وَالشَّافِعِيُّ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ». وَهَذَا نَهْيُ اسْتِحْبَابٍ، لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ. 1792 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا ابْنُ عُلَيَّةَ. ح وَأَنا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالا: نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: «حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُمَرَ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ،

وَأَنَا لَا أَصُومُهُ وَلا آمُرُ بِهِ، وَلا أَنْهَى عَنْهُ»، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ: «وَلا آمُرُ بِصِيَامِهِ، وَلا أَنْهَى عَنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَابْنُ نَجِيحٍ اسْمُهُ يَسَارٌ، وَقَدْ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ. وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ 1793 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ الْحُرُّ بْنُ الصَّبَّاحِ: جَاوَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَرَأَيْتُهُ يَصُومُ الْعَشْرَ

باب النهي عن صوم يومي العيد

بَابُ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيِ الْعِيدِ 1794 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرزيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1795 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،

عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: " إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْآخَرُ يَوْمٌ تأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسكِكُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَيُقَالُ لَهُ: مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَزْهَرَ هُوَ ابْنُ عَمِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُ لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَنْعَقِدُ، وَعَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ. وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلا صَامَ، فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ، فَقَالَ: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ، لَمْ يَكُنْ يَصُومُ يَوْمَ الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، وَلا يَرَى صِيَامَهُمَا».

وَرُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ اثْنَيْنِ، فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ، فَقَالَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَهَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ؟ فِيهِ قَوْلانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ كَأَثَانِي رَمَضَانَ يَصُومُ عَنْ رَمَضَانَ، وَلا يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَنْ نَذْرِهِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ قَضَاؤُهُ بِخِلافِ أَثَانِي رَمَضَانَ، لأَنَّ رَمَضَانَ لَا يَخْلُو عَنْهَا، وَالْعِيدُ يَخْلُو عَنْهُ.

باب النهي عن صيام أيام التشريق

بَابُ النَّهْيِ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ 1796 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ».

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ صِيَامَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ، وَلَمْ يَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحِجِّ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ الثَّلاثَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَابْنِ عُمَرَ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.

باب صوم يوم الاثنين والخميس

بَابُ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ 1797 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا أَبُو هِلالٍ، نَا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ فِيهِ النُّبُوَّةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ غَيْلانَ 1798 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ , أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رِفَاعَةَ، حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ

الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ» 1799 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

باب صيام أيام البيض ومن صام ثلاثة أيام من الشهر من غير تخصيص

بَابُ صِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ وَمَنْ صَامَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ 1800 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَامٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ صَائِمًا مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَلْيَصُمِ الثَّلاثَ الْبِيضَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 1801 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ،

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الْأَنْعَام: 160]، الْيَوْمُ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ". 1802 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودٌ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ،

نَا أَبُو دَاوُدَ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ؟ قَالَتْ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: مِنْ أَيَّةٍ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: «كَانَ لَا يُبَالِي مِنْ أَيَّةٍ صَامَ». وَقَالَ الْهَيْثَمُ: مِنْ أَيَّةٍ كَانَ يَصُومُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ. وَيَزِيدُ الرِّشْكُ هُوَ يَزِيدُ الضُّبَعِيُّ، وَهُوَ يَزِيدُ الْقَاسِمُ، وَالرِّشْكُ: هُوَ الْقَسَّامُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ

باب صوم يوم الجمعة وكراهية إفراده

بَابُ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَكَرَاهِيَةِ إِفْرَادِهِ 1803 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا الْقَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ الْكُوفِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَطَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامِ، وَقَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، رَوَاهُ شُعْبَة، عَنْ عَاصِمٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ 1804 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ، أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ 1805 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النُّعَيْمِيِّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمةٌ، فَقَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ: «أَفْطِرِي». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِي عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَخْتَصُّوا

لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَرِهُوا تَخْصِيصَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ، إِلا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أوَ بَعْدَهُ مَعَهُ، وَلَمْ يَكْرَهْهُ مَالِكٌ، وَقَالَ: رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَيَتَحَرَّاهُ.

باب كراهية صوم يوم السبت وحده

بَابُ كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ وَحْدَهُ 1806 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أُخْتِهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ، فَلْيَمْضَغْهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ فِي تَخْصِيصِ يَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ، أَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ.

باب صوم الدهر

بَابُ صَوْمِ الدَّهْرِ 1807 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمَكِّيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ، إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ، وَنفهت لَهُ النَّفْسُ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ، صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: «فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ

وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمَكِّيُّ هُوَ الشَّاعِرُ، اسْمُهُ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ. وَقَوْلُهُ: «هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ»، أَيْ: غَارَتْ وَدَخَلَتْ، وَمِنْهُ هَجَمْتُ عَلَى الْقَوْمِ: إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ، وَهَجَمَ عَلَيْهِمُ الْبَيْتُ: إِذَا سَقَطَ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: «نَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ»، أَيْ: أُعْيَتْ وَكَلَّتْ، وَيُقَالُ لِلْمُعْيِي: مُنَفِّهٌ وَنَافِهٌ، وَجَمْعُ النَّافِهُ نُفَّهٌ. وَقَوْلُهُ: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ»، بِمَعْنَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَكُونُ لَا بِمَعْنَى لَمْ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} [الْقِيَامَة: 31]. وَقَوْلُهُ: «وَكَانَ لَا يَفِرُّ إِذَا لاقَى»، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَفْرِغُ مَجْهُودَهُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ، بَلْ يَسْتَبْقِي بَعْضَ الْقُوَّةِ لِلْجِهَادِ، وَغَيْرِهِ مِنَ الأَعْمَالِ. 1808 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَأَنْتَ الَّذِي تَقُولُ: لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتَ؟ "، فَقُلْتُ: قَدْ قُلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّكِ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ، وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ،

عَنِ اللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَزَادَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيَّامِ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي 1809 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، قَالَتْ: وَمَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا تَامًّا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلا رَمَضَانَ ". وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَحْبُوبِيُّ: مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا كُلَّهُ؟ قَالَتْ: «مَا عَلِمْتُهُ صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إِلا رَمَضَانَ، وَلا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ

الأَبَدَ»، مَعْنَاهُ: إِذَا لَمْ يُفْطِرْ يَوْمَيِ الْعِيدِ، وَلا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ أَفْطَرَ هَذِهِ الأَيَّامَ، خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ، كَانَ يسْرد الصَّوْمَ، وَلا يُفْطِرُ فِي سَفَرٍ وَلا حَضَرٍ، وَكَذَلِكَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيُّ، كَانَ يسْرد الصَّوْمَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ. وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: نُحِبُّ أَنْ نُفْطِرَ أَيَّامًا غَيْرَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ صَوْمِهَا. 1810 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتقُومُ اللَّيْلَ؟» قُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَلا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ

حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِذَا ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»، فَشَدَّدْتُ فَشَدَّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ، وَلا تَزِدْ عَلَيْهِ»، قُلْتُ: وَمَا صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ؟ قَالَ: «نِصْفُ الدَّهْرِ»، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الزَّوْرُ: الزَّائِرُ، يُقَالُ رَجُلٌ صَوْمٌ، أَيْ: صَائِمٌ، وَنَوْمٌ أَيْ نَائِمٌ، وَالزَّوْرُ أَيْضًا جَمْعُ زَائِرٍ، كَقَوْلِهِمْ: رَاكِبٌ وَرَكْبٌ، وَتَاجِرٌ وَتَجْرٌ. وَفِي قَوْلِهِ: «وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَعَ ضَيْفِهِ، لِيَزِيدَ فِي إِينَاسِهِ مَوَاكَلَتُهُ، وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ إِكْرَامِ الضَّيْفِ.

باب فضل الصوم في سبيل الله

بَابُ فَضْلِ الصَّوْمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 1811 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، نَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَّاءُ، وَقَطَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالُوا: نَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَصُومُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعينَ خرِيفًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَن عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ

باب المتطوع بالصوم يفطر

بَابُ الْمُتَطَوِّعِ بِالصَّوْمِ يُفْطِرُ 1812 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّا خَبَّأْنَا لَكَ حَيْسًا، قَالَ: «أَمَا إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى وَالْحَيْسُ: ثَرِيدَةٌ مِنْ أَخْلاطٍ، يُقَالُ: هُوَ مِنَ الزُّبْدِ وَالتَّمْرِ، وَالْمَحْيُوسُ: الْمُتَوَالِدُ بَيْنَ الرَّقِيقَيْنِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَسَا يَحْسُو حَسْوًا. 1813 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ ابْنِ أُمِّ هَانِئٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: كُنْتُ قَاعِدةً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا، فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟»،

قُلْتُ: كُنْتُ صَائِمَةً، فَأَفْطَرْتُ، فَقَالَ: «أَمِنْ قَضَاءٍ كُنْتِ تَقْضِينَهُ؟» قَالَتْ: لَا. قَالَ: «فَلا يَضُرُّكِ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ»، وَيُرْوَى: «أَمِينُ نَفْسِهِ أَوْ أَمِيرُ نَفْسِهِ»، عَلَى الشَّكِّ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَطَوِّعَ بِالصَّوْمِ إِذَا أَفْطَرَ، لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ، وَكَذَلِكَ الْمُتَطَوِّعُ بِالصَّلاةِ إِذَا أَبْطَلَهَا، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَفْطَرَ أَوْ خَرَجَ مِنَ الصَّلاةِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ، يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. وَاحْتَجُّوا بِمَا 1814 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ بَرْقَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَدَرَتْنِي إِلَيْهِ حَفْصَةُ، وَكَانَتِ ابْنَةَ أَبِيهَا، فَقَالَتْ: يَا رسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا صَائِمتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، قَالَ: «اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: وَرَوَى صَالِحُ بْنُ أَبِي الأَخْضَر، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصٍ، عَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَة، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ هَذَا. وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَس، وَمَعْمَرٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر، وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عَائِشَةَ مُرْسَلا، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: عَنْ عُرْوَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: أَسَمِعْتُهُ مِنْ عُرْوَةَ؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ رَجُلٌ بِبَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ لأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْرُهُمَا بِذَلِكَ اسْتِحْبَابًا؛ لأَنَّ بَدَلَ الشَّيْءِ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِ الأُصُولِ يَحِلُّ مَحَلَّ أَصْلِهِ، وَهُوَ فِي الأَصْلِ مُخَيَّرٌ، فَكَذَلِكَ فِي الْبَدَلِ. رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُفْطِرَ الإِنْسَانُ فِي صِيَامِ التَّطَوُّعِ، وَيَضْرِبُ لِذَلِكَ أَمْثَالا: رَجُلٌ طَافَ سَبْعًا وَلَمْ يُوفِهِ، فَلَهُ مَا احْتَسَبَ، أَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَلَمْ يُصَلِّ أُخْرَى، فَلَهُ مَا احْتَسَبَ.

باب من دعي إلى طعام وهو صائم

بَابُ مَنْ دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ 1815 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 1816 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْد َكُشَائِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا ابْنُ عُلَيَّةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ، فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ قَوْلُهُ: «فَلْيُصَلِّ»، أَيْ: يَدْعُو. وَدُعِيَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَجَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَصَلَّى، يَقُولُ: فَدَعَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ خَرَجَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُفْطِرُ لِمَنْ يَغْشَاهُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: دُعِيَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِلَى طَعَامٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَفْطِرْ، فَقَالَ: لأَنْ تَخْتَلِفَ الْخَنَاجِرُ فِي صَدْرِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ

باب ثواب الصائم إذا أكل عنده

بَابُ ثَوَابِ الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ عِنْدَهُ 1817 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَوْلاةً لَنَا، يُقَالُ لَهَا: لَيْلَى، تُحَدِّثُ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَدَعَتْ لَهُ بِطَعَامٍ، فَدَعَاهَا لِتَأْكُلَ، فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ الصَّائِمَ إِذَا أكل عِنْدَهُ، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ حَتَّى يَفْرُغُوا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ أَبُو عِيسَى: وَأُمُّ عُمَارَةَ هِيَ جَدَّةُ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ.

باب ثواب من فطر صائما

بَابُ ثَوَابِ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا 1818 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كَانَ لَهُ أَجْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 1819 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ الرَّمْلِيُّ، نَا مُؤَمَّلٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا أَوْ جَهَّزَ غَازِيًا، فَلَهُ مِثْلُ أجْرِهِ». صَحِيحٌ

باب من زار قوما فلم يفطر عندهم

بَابُ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَمْ يُفْطِرْ عِنْدَهُمْ 1820 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا خَالِدٌ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ: «أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ»، ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتهَا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيُرْوَى: «مَنْ نَزَلَ عَلَى قَوْمٍ فَلا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا إِلا بِإِذْنِهِمْ»، وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا يَصِحٌّ.

باب ما جاء في ليلة القدر

بَابُ مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2}} [الْقدر: 1 - 2]. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا فِي الْقُرْآنِ «وَمَا أَدْرَاكَ»، فَقَدْ أَعْلَمَهُ، وَمَا قَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ» فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [الْقدر: 3]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». 1821 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ

عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالْخَمْسِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ 1822 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقُولُ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ 1823 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رِجَالا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا، فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1824 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ عَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ فَقَالَ: «هِيَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ». رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ

باب من قال هي ليلة إحدى وعشرين

بَابُ مَنْ قَالَ هِيَ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ 1825 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْوُسْطَى مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ صُبْحَهَا مِنَ اعْتِكافِهِ، قَالَ: «مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ مِنْ صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: فَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ

عَلَيْنَا، وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صَبِيحَةِ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَصَانَهَا عَنِ الطِّينِ. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ النَّفْضِ لِمَا عَلِقَ بِجَبْهَتِهِ مِنَ الأَرْضِ فِي السُّجُودِ. وَفِيهِ أَنَّ مَا رَآهُ فِي النَّوْمِ، فَقَدْ يَكُونُ تَأْوِيلُهُ أَنْ يَرَى مِثْلَهُ فِي الْيَقَظَةِ.

باب من قال هي ليلة ثلاث وعشرين

بَابُ مَنْ قَالَ هِيَ لَيْلَةُ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ 1826 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَكُونُ بِبَادِيَتِي، يُقَالُ لَهَا: الْوَطَأَةُ، وَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ أُصَلِّي بِهِمْ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ أنزلهَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَأُصَلِّيهَا فِيهِ، فَقَالَ: «انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، فَصَلِّهَا فِيهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَسْتَتِمَّ آخِرَ الشَّهْرِ فَافْعَلْ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ فَكُفَّ»، قَالَ: فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ، دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلا فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ، كَانَتْ دَابَّتُهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ.

وَرُوِيَ فِيهِ عَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَن أَبِيه. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي أَنَّهَا لَيْلَةُ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ 1827 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ مَضَى مِنَ الشَّهْرِ؟» قُلْنَا: اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ، وَبَقِيَ ثَمَانٍ، فَقَالَ: مَضَى اثْنَتَانِ وَعِشرُونَ، وَبَقِيَ سَبْعٌ، اطْلُبُوهَا اللَّيْلَةَ، الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ "

باب من قال هي ليلة سبع وعشرين

بَابُ مَنْ قَالَ هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ 1828 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " أَبَا الْمُنْذِرِ، أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْهَا، فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخْبِرَكُمْ، فَتَتَّكِلُوا، هِيَ وَالَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَنَّى عَلِمْتَ هَذَا؟ قَالَ: بِالآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَفِظْنَا وَعَدَدْنَا، هِيَ وَاللَّهِ لَا نَسْتَثْنِي، قَالَ: قُلْنَا لِزِرٍّ: وَمَا الآيَةُ؟ قَالَ: تَطْلُعُ الشَّمْسُ، كَأَنَّهَا طَاسٌ، لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدَةَ، وَعَاصِمٍ

قَالَ أَبُو عِيسَى: وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، «أَنَّهَا لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَآخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَأَنَّ هَذَا عِنْدِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُجِيبُ عَلَى نَحْوِ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ، يُقَالُ لَهُ: أَنَلْتَمِسُهَا فِي لَيْلَةِ كَذَا؟ فَيَقُولُ: الْتَمِسُوهَا فِي لَيْلَةِ كَذَا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَقْوَى الرِّوَايَاتِ عِنْدِي فِيهَا لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ يُصَلِّي فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، كَصَلاتِهِ فِي سَائِرِ السَّنَةِ، فَإِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ اجْتَهَدَ.

باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان

بَابُ الاجْتِهَادِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ 1829 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: شَدُّ الْمِئْزَرِ يَتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: هِجْرَانُ النِّسَاءِ، وَتَرْكُ غِشْيَانِهِنَّ. وَالآخَرُ: الْجِدُّ وَالتَّشْمِيرُ فِي الْعَمَلِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُقَالُ: شَدَدْتُ لِهَذَا الأَمْرِ مِئْزَرِي، أَيْ: تَشَمَّرْتُ لَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كَنَّى بِذِكْرِ الإِزَارِ عَنِ الاعْتِزَالِ عَنِ النِّسَاءِ، وَيُكَنَّى عَنِ الأَهْلِ بِالإِزَارِ وَاللِّبَاسِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [الْبَقَرَة: 187]. وَقَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ:

فِدًى لَكَ مِنْ أَخِي ثِقَةٍ إِزَارِي. أَيْ: أَهْلِي. 1830 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: مَنْ شَهِدَ الْعَشَاءَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَقَدَ أَخَذَ بِحَظٍّ مِنْهَا.

باب الاعتكاف

بَابُ الاعْتِكَافِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [الْبَقَرَة: 125]، وَالاعْتِكَافُ هُوَ الإِقَامَةُ عَلَى الشَّيْءِ، فَقِيلَ لِمَنْ لازَمَ الْمَسْجِدَ وَأَقَامَ الْعِبَادَةَ فِيهِ: مُعْتَكِفٌ، وَعَاكِفٌ. 1831 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1832 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ»، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ لَيْثٍ 1833 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلامٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، وَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ حَلَّ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ تَعْتَكِفَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَةً، فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ، فَضَرَبَتْ قُبَّةً، وَسَمِعَتْ زَيْنَبُ بِهَا، فَضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَدَاةِ، أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ: «مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا الْبِرِّ، انْزِعُوهَا فَلا أَرَاهَا»، فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتِكفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: تَرَكَ الاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الأُولَى: حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ. هَذَا أَيْضًا يَعْنِي: فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ. فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَبْتَدِئُ الاعْتِكَافَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَيَدْخُلُ الْمُعْتَكِفُ بَعْدَمَا صلَّى الْفَجْرَ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا مِنَ الْغَدِ، فَإِذَا أَرَادَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، يَدْخُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْعِشْرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى أَهْلَ الْفَضْلِ إِذَا اعْتَكَفُوا الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، لَا يَرْجِعُونَ إِلَى أَهَالِيهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ مَضَوْا. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ عَنِ الاعْتِكَافِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِنَذْرٍ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ، وَعَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ إِخْرَاجَهَا مِنْهُ بَعْدَ الإِذْنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ إِخْرَاجُهَا بَعْدَ الإِذْنِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الاعْتِكَافَ يَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ اعْتِكَافَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا يَجُوزُ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى جَوَازِ الاعْتِكَافَ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} [الْبَقَرَة: 187]، وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَأَبِي قِلابَةَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ إِلا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يَقُولُ: لَا يَكُونُ الاعْتِكَافُ إِلا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ: مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَبيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَعْتَكِفُ إِلا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَعْتَكِفُ أَحَدٌ إِلا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي رَحْبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ، وَلا يَعْتَكِفُ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، وَلا فِي الْمَنَارَةِ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي اعْتِكَافِهِ فِي شَوَّالٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّوَافِلَ الْمُعْتَادَةَ إِذَا فَاتَتْ تُقْضَى، كَالْفَرَائِضِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ مِنَ اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ، هَلْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاهُ فِي شَوَّالٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إِلا أَنْ يَشَاءَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ عَمَلٍ لَكَ أَنْ لَا تَدْخُلَ فِيهِ، فَإِذَا خَرَجْتَ مِنْهُ، لَا قَضَاءَ عَلَيْكَ إِلا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. وَفِي اعْتِكَافِهِ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الاعْتِكَافِ، لأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إِلا بِصَوْمٍ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. 1834 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا بُنْدَارٌ، نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنْسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمضَانَ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، اعْتَكَفَ عِشْرِينَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ 1835 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، نَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ يُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا، فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب خروج المعتكف لحاجة الإنسان

بَابُ خُرُوجِ الْمُعْتَكِفِ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ 1836 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ أَدْنَى إِلَيَّ رَأْسَهُ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، هَكَذَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، وَأَخْرَجَاهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَمْرَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ الأَصَحُّ

وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إِذَا أَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ لَا يَخْرُجُ عَنِ اعْتِكَافِهِ، وَمَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارٍ، فَلا يَحْنَثُ بِإِخْرَاجِ الرَّأْسِ. وَفِيهِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَجُوزُ لَهُ غَسْلُ الرَّأْسِ، وَتَرْجِيلُ الشَّعْرِ، وَفِي مَعْنَاهُ حَلْقُ الرَّأْسِ، وَتَقْلِيمُ الظُّفْرِ، وَتَنْظِيفُ الْبَدَنِ مِنَ الشَّعَثِ وَالدَّرَنِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، وَلا يَفْسَدُ بِهِ اعْتِكَافُهُ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ، وَلَوْ خَرَجَ لأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَهُ الْخُرُوجُ لِلْجُمُعَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَشُهُودُ الْجَنَازَةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ. وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ لِعِيَادَةٍ، وَلِصَلاةِ جَنَازَةٍ، فَإِنْ خَرَجَ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ إِنْ كَانَ وَاجِبًا إِلا أَنْ يَخْرُجَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ، فَسَأَلَ عَنِ الْمَرِيضِ مَارًّا، أَوْ أَكَلَ، فَلا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: السُّنَّةُ عَلَى

الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلا يَشْهَدُ جَنَازَةً، وَلا يَمَسُّ امْرَأَةً، وَلا يُبَاشِرُهَا، وَلا يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ إِلا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ. 1837 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

عَنْ عُرْوَةَ، وَعَمْرَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنِّي كُنْتُ لَآتِي الْبَيْتَ وَفِيهِ الْمَرِيضُ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إِلا وَأَنَا مَارَّةٌ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، وَكَانَ لَا يَأْتِي الْبَيْتَ لِحَاجَةٍ إِلا إِذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ» وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَرِيضُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ، فَلا يَعْرِجُ يَسْأَلُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. فَإِنْ شَرَطَ فِي اعْتِكَافِهِ الْخُرُوجَ لِشَيْءٍ مِنْهَا، جَازَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الاعْتِكَافِ شَرْطٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

أَمَّا الْخُرُوجُ لِلْجُمُعَةِ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ، لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي بُطْلانِ اعْتِكَافِهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ اعْتِكَافُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، كَمَا لَوْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، قَالُوا: إِذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ، يَجِبُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، لأَنَّهُ إِذَا اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِصَلاةِ الْجُمُعَةِ، وَفِيهِ قَطْعٌ لاعْتِكَافِهِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ مِمَّنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ، اعْتَكَفَ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ شَاءَ. وَلَيْسَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يُقَبِّلَ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ، أَوْ يَتَطَيَّبَ، وَلَوْ جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، أَمَّا إِذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ أَنْزَلَ، كَمَا لَا يُفْسَدُ بِهِ الْحَجُّ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقِيلَ: إِنْ أَنْزَلَ بَطَلَ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، فَلا يَبْطُلُ كَالصَّوْمِ. وَلَوْ حَاضَتِ الْمُعْتَكِفَةُ خَرَجَتْ، فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ أَيَّةَ سَاعَةٍ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وَبَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنَ اعْتِكَافِهَا.

باب من نذر اعتكاف ليلة

بَابُ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ 1839 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِليَّةِ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: «فَأوْفِ بِنَذْرِكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ بِمَا يَجُوزُ نَذْرُهُ فِي الإِسْلامِ، صَحَّ نَذْرُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ بَعْدَ الإِسْلامِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي يَمِينِ الْكَافِرِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ، وَإِذَا أَسْلَمَ، فَحَنِثَ أَوْ حَنِثَ فِي كُفْرِهِ، يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَلِكَ ظِهَارُهُ صَحِيحٌ مُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ

إِلَى أَنَّ يَمِينَ الْكَافِرِ لَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَلا يَصِحُّ ظِهَارُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الاعْتِكَافِ إِلا أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافًا بِصَوْمٍ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا، لِأَنَّ عُمَرَ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ، وَاللَّيْلُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَخْرُجُ عَنِ النَّذْرِ بِالاعْتِكَافِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى يُلْزَمُ بِالنَّذْرِ، وَلَوْ عَيَّنَ لِلاعْتِكَافِ مَسْجِدًا غَيْرَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ، وَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ شَاءَ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ سِوَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ لَا يَتَعَيَّنُ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ يَشَاءُ. وَالثَّانِي: يَتَعَيَّنُ، لأَنَّ الاعْتِكَافَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، فَيَتَعَيَّنُ لَهُ الْمَسْجِدُ بِالنَّذْرِ، وَالصَّلاةُ جَائِزَةٌ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، فَلا يَتَعَيَّنُ لَهَا مَسْجِدٌ سِوَى الْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ لِتَخْصِيصِ الشَّرْعِ إِيَّاهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ». بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء السَّادِس من (شرح السّنة) ويليه الْجُزْء السَّابِع، وأوله كتاب الْمَنَاسِك

12 - كتاب الحج

12 - كِتَابُ الْحَجِّ بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمرَان: 97] الْآيَةَ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا». 1840 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الْعَنَزِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «

الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ 1841 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَنا النَّضْرُ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ قَوْلُهُ: «فَلَمْ يَرْفُثْ»، قِيلَ: الرَّفَثُ: التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْجِمَاعِ، وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: الرَّفَثُ: كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ الْمَرْأَةِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَنْشَدَ شِعْرًا فِيهِ ذِكْرُ الْجِمَاعِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَقُولُ

الرَّفَثَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ! فَقَالَ: إِنَّمَا الرَّفَثُ مَا رُوجِعَ بِهِ النِّسَاءُ. وَكَانَ يَرَى الرَّفَثَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ {فَلا رَفَثَ} [الْبَقَرَة: 197] مَا خُوطِبَ بِهِ الْمَرْأَةُ دُونَ مَا يُتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْمَعَ امْرَأَةٌ، وَالرَّفَثُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} [الْبَقَرَة: 187]: الْجِمَاعُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الرَّفَثُ: إِتْيَانُ النِّسَاءِ، وَالْفُسُوقُ: السِّبَابُ، وَالْجِدَالُ: الْمِرَاءُ.

1842 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قِيلَ: الْحَجُّ الْمَبْرُورُ: هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَأْثَمِ، وَالْبَيْعُ الْمَبْرُورُ: الَّذِي لَا خِيَانَةَ فِيهِ وَلا شُبْهَةَ. 1843 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ، بِالْكُوفَةِ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ، بِالْمَوْصِلِ، نَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ،

نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ». وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى: «وَلَيْسَ لِحَجَّةٍ مَبْرُورَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ 1844 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ الْغَزِّيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ. حَ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً».

صَحِيحٌ، أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَصَحَّ عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تُعَدُّ حَجَّةً»

باب تقديم العمرة على الحج

بَابُ تَقْدِيمِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ 1845 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحُمَيْدِيِّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْحَجِّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخَرْجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَدْ صَحَّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ

الْحَجِّ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَإِنْ ثَبَتَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ الاخْتِيَارِ أَمَرَ بِتَقْدِيمِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الأَمْرَيْنِ وَأَهَمُّهُمَا، وَوَقْتُهُ مَحْصُورٌ، وَأَيَّامُ السَّنَةِ كُلُّهَا وَقْتٌ لِلْعُمْرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب العمرة في أشهر الحج

بَابُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ 1846 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا، أَخْبَرَهُ قَالَ: " اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عمر إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَأُخْبِرَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ، قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا وَهُوَ مَعَهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: فِي كُلِّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ، وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ، خَرَجَ فَاعْتَمَرَ.

باب وجوب الحج إذا وجد الزاد والراحلة

بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ إِذَا وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ، سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [الْبَقَرَة: 197].

1847 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: قَعَدْنَا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا الْحَاجُّ؟ قَالَ: «الشَّعِثُ التَّفِلُ»، فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْعَجُّ وَالثَّجُّ»، فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: «زَادٌ وَرَاحِلَةٌ» الْعَجُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: نَحْرُ الْبُدْنِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ الْمُكَلَّفَ الْقَادِرَ إِذَا وَجَدَ الزَّادَ، وَالرَّاحِلَةَ، وَأَمِنَ الطَّرِيقَ، يَلْزَمُهُ الْحَجُّ. وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ رُكُوبِ الْبَحْرِ إِذَا لَمْ

يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْكَبِ الْبَحْرَ إِلا حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا». وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ تَهْوِيلَ أَمْرِ الْبَحْرِ، وَخَوْفَ الْهَلاكِ مِنْهُ، كَمَا يَخَافُ مِنْ مُلامَسَةِ النَّارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلا يُبَيِّنُ لِي أَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى وُجُوبِهَا كَوُجُوبِ الْحَجِّ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [الْبَقَرَة: 196]، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

باب حج النساء

بَابُ حَجِّ النِّسَاءِ 1848 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا خَالِدٌ، نَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: «وَلَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ: عَن عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ،. . .، قَالَ: «جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ»

باب المرأة لا تخرج إلا مع محرم

بَابُ الْمَرْأَةِ لَا تَخْرُجُ إِلا مَعَ مَحْرَمٍ 1849 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ»، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوةِ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ امْرَأَتِي انْطَلَقَتْ حَاجَّةً؟ فَقَالَ: «انْطَلِقْ فَاحْجُجْ بِامْرَأَتِكَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ 1850 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ سَفَرًا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَصَاعِدًا إِلا مَعَ ابْنِهَا، أَوْ أَبِيهَا، أَوْ أَخِيهَا، أَوْ زَوْجِهَا، أَوْ ذِي مَحْرَمٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ 1851 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، هَكَذَا عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَلْزَمُهَا الْحَجُّ إِذَا لَمْ تَجِدْ رَجُلا ذَا مَحْرَمٍ يَخْرُجُ مَعَهَا، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْخُرُوجُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ. أَمَّا الْكَافِرَةُ إِذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوِ الأَسِيرَةُ الْمُسْلِمَةُ إِذَا تَخَلَّصَتْ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ، فَيَلْزَمُهَا الْخُرُوجُ مِنْ بَيْنِهِمْ بِلا مَحْرَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ وَحْدَهَا إِذَا اجْتَرَأَتْ، وَلَمْ تَخَفِ الْوِحْدَةَ.

باب حج الصبي

بَابُ حَجِّ الصَّبِيِّ قَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: حَجِّ بِي أَبِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. 1852 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ، فَلَمَّا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ، لَقِيَ رَكْبًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: «مَنِ الْقَوْمُ؟»، فَقَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَمَنِ الْقَوْمُ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا مِنْ مَحَفَّةٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ

1853 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مَحِفَّتِهَا، فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَهُ حَجٌّ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَضِيلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْسَبْ عَنِ الْفَرْضِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى أَنَّهُ لَا حَجَّ لِلصَّبِيِّ، وَالسُّنَّةُ أَوْلَى مَا اتُّبِعَ. وَقَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: حُجَّ بِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. ثُمَّ إِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ عَقْلَ مِثْلِهِ يُحْرِمُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ عَقْلَ مثْلِهِ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَيُجَرَّدُ، وَيُمْنَعُ الطِّيبُ، وَمَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْكَبِيرُ. ثُمَّ إِنْ لَمْ يَطِقِ الْمَشْيَ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولا، وَكَذَلِكَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيَرْمِي عَنْهُ وَلِيُّهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بِنَفْسِهِ. وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الصَّبِيِّ. وَإِذَا ارْتَكَبَ الصَّبِيُّ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ، تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ وَلِيُّهُ،

فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ، أَوْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. وَلَوْ حَجَّ صَبِيٌّ، ثُمَّ بَلَغَ، لَا يَكُونُ حَجُّهُ مَحْسُوبًا عَنْ فَرْضِ الإِسْلامِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إِذَا حَجَّ، ثُمَّ عُتِقَ، فَلَوْ بَلَغَ، أَوْ عُتِقَ بَعْدَ الإِحْرَامِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ، يُحْسَبُ عَنْ فَرْضِ الإِسْلامِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ، فَقَدْ قَضَى حَجَّهُ، وَإِنْ عُتِقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، فَلْيَحُجَّ، وَأَيُّمَا غُلامٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ، فَقَدْ قَضَى حَجَّهُ، وَإِنْ بَلَغَ فَلْيَحْجُجْ ".

باب النيابة في الحج عن الحي العاجز وعن الميت

بَابُ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ عَنِ الْحَيِّ الْعَاجِزِ وَعَنِ الْمَيِّتِ 1854 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصَعْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، وذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ مِنْ فَرَائِضِ الإِسْلامِ كَالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالأُمَّةُ مُجْمِعُونَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمرَان: 97]. وَالْحَجُّ فَرْضُ الْعُمْرِ، لَا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً، إِلا أَنْ يَنْذِرَ، فَيُلْزَمُ بِالنَّذْرِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ»، فَقَامَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَتَطَوُّعٌ». وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ، بِأَنْ كَانَ مَيِّتًا، أَوْ حَيًّا بِهِ عِلَّةٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا مِنْ زَمَانَةٍ، أَوْ كِبَرٍ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْحَجَّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَجَّ عَنِ الْحَيِّ الْعَاجِزِ، وَيَجُوزُ عَنِ الْمَيِّتِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا

يُحَجُّ عَنِ الْمَيِّتِ إِذَا أَوْصَى بِهِ، وَإذَا أَوْصَى يُقْضَى مِنَ الثُّلُثِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَيُرْوَى عَنِ النَّخَعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّمِنَ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ. لأَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا. تُرِيدُ أَسْلَمَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: إِذَا كَانَ لِلزَّمِنِ مَالٌ يَسْتَأْجِرُ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَبَذَلَ لَهُ بَعْضُ أَوْلادُهُ الطَّاعَةَ لِلْحَجِّ عَنْهُ، لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ؛ لأَنَّ الْمَرْأَةَ أَخْبَرَتْ بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى أَبِيهَا، وَوُجُوبُهُ يَكُونُ بِأَحَدِ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ إِمَّا بِالْمَالِ، أَوْ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ، أَوْ بِبَذْلِ طَاعَةٍ مِنْ ذِي قُوَّةٍ، فَعَجْزُهُ بِالْبَدَنِ كَانَ ظَاهِرًا، وَلَمْ يَجْرِ لِلْمَالِ ذِكْرٌ، إِنَّمَا جَرَى ذِكْرُ طَاعَتِهَا، وبَذْلُهَا نَفْسَهَا، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِهَا، وَحَصَلَ بِهَا الاسْتِطَاعَةُ كَمَا يُقَالُ فِي عُرْفِ اللِّسَانِ: فُلانٌ مُسْتَطِيعٌ لأَنْ يَبْنِيَ دَارَهُ إِذَا كَانَ يَجِدُ مَنْ يُطِيعُهُ فِي بِنَائِهَا، أَوْ يَقْدِرُ عَلَى مَالٍ يُنْفَقُ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الزَّمِنِ ابْتِدَاءً، وَعِنْدَ مَالِكٍ إِذَا زَمِنَ بَعْدَ الْوُجُوبِ يَسْقُطُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَسْقُطُ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْوُجُوبِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَجَّ الْمَرْأَةِ عَنِ الرَّجُلِ يَجُوزُ، وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لأَنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ فِي الإِحْرَامِ مَا لَا يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ، فَلا يَحُجُّ عَنْهُ إِلا رَجُلٌ مِثْلُهُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَلا الظَّعْنَ، قَالَ: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ». 1855 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاقْضِ اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ حَجٍّ، أَوْ كَفَّارَةٍ، أَوْ نَذْرِ صَدَقَةٍ، أَوْ زَكَاةٍ، أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَصَايَا، وَالْمِيرَاثِ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ، أَوْ لَمْ يُوصِ، كَمَا يَقْضِي عَنْهُ دُيُونَ الْعِبَادِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْضِي إِلا بِوَصِيَّةٍ، فَإِذَا أَوْصَى يَقْضِي مِنْ ثُلُثِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَصَايَا.

باب: الصرورة لا يحج عن الغير

بَابٌ: الصَّرُورَةُ لَا يَحُجُّ عَنِ الْغَيْرِ 1856 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، قَالَ: " سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَجُلا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَا شُبْرُمَةُ؟ قَالَ: فَذَكَرَ قَرَابَةً لَهُ، فَقَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ احْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ ". وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ 9، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ، وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: «فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ احْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ». وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عَزْرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُزَاعِيُّ يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ سَمِعَ مِنْهُ قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلا، يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟»، قَالَ: أَخٌ لِي: أَوْ قَرِيبٌ لِي،

فَقَالَ: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّرُورَةَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى عَنِ الرَّجُلِ لَمْ يَحُجَّ، أَيَسْتَقْرِضُ الْحَجَّ؟ فَقَالَ: لَا، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَفِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِحْرَامَ الصَّرُورَةَ عَنْ غَيْرِهِ يَنْقَلِبُ عَنْ فَرْضِ نَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ هَؤُلاءِ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّرُورَةِ أَنْ يَحُجَّ عَنِ الْغَيْرِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَعَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ، يَقَعُ عَنْ فَرْضِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الإِسْلامِ وَقَدْ نَذَرَ حَجًّا، فَأَحْرَمَ عَنِ النَّذْرِ، يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الإِسْلامِ، ثُمَّ بَعْدَهُ لَوْ أَحْرَمَ عَنِ التَّطَوُّعِ، يَقَعُ عَنِ النَّذْرِ. قَالَ زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ الْحَجَّ إِلَى الْبَيْتِ، وَلَمْ أَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلامِ، فَقَالَ: هَذِهِ حَجَّةُ الإِسْلامِ وَفِّي بِنَذْرِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِالْحَجِّ، وَالْفَرْضُ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَالُوا: حَجُّهُ عَلَى مَا نَوَى، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ.

باب أشهر الحج

بَابُ أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [الْبَقَرَة: 197] الْآيَةَ. 1857 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: " أَسَمِعْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُسَمِّي أَشْهُرَ الْحَجِّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كَانَ يُسَمِّي شَوَّالا، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَذَا الْحِجَّةِ، قُلْتُ لِنَافِعٍ: فَإِنْ أَهَلَّ إِنْسَانٌ بِالْحَجِّ قَبْلَهُنَّ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا " وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحجَّةِ.

قَالَ الإِمَامُ: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَنْعَقِدُ حَجًّا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: يَكُونُ عُمْرَةً، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرَمَ بِالْحَجِّ إِلا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ. أَمَّا الْعُمْرَةُ، فَجَمِيعُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَقْتٌ لَهَا إِلا أَنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِالْحَجِّ، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ، خَرَجَ فَاعْتَمَرَ. يُقَالُ: حَمَّمَ رَأْسُ فُلانٍ بَعْدَ الْحَلْقِ، إِذَا اسْوَدَّ، وَحَمَّمَ الْفَرْخُ: إِذَا شَوَّكَ، وَهُوَ بَعْدُ التَّزْغِيبِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: فِي كُلِّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ.

باب المواقيت

بَابُ الْمَوَاقِيتِ 1858 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

1859 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَدينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ، فَمهله مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَالْمُرَادُ مِنَ الإِهْلالِ: التَّلْبِيَةُ وَالإِحْرَامُ، وَأَصْلُ الإِهْلالِ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وَكُلُّ رَافِعٍ صَوْتَهُ: مُهِلٌّ. 1860 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبَوُ الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، وَسَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنِ الْمَهَلِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ، ثُمَّ انْتَهَى أَرَاهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنِ الْمَهَلِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ، أَحْسَبُهُ رُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ. قَالَ الإِمَامُ: الْعَقِيقُ مَوْضِعٌ يُقَالُ قُبَيْلَ ذَاتِ عِرْقٍ، فَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُحْرِمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنَ الْعَقِيقِ، فَإِنْ أَحْرَمُوا مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، أَجْزَأَهُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ بَيَّنَ لأَهْلِ الْمَشْرِقِ مِيقَاتًا أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ حَدَّ لَهُمْ كَمَا رَوَيْنَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَقِّتْ لَهُمْ شَيْئًا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، لأَنَّ فَتْحَ الْعِرَاقِ كَانَ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ ذَاتَ عِرْقٍ مِيقَاتًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَدَّهَا لَهُمْ عَلَى مُوَازَاةِ قَرْنٍ لأَهْلِ نَجْدٍ. 1861 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ، وَهُو جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنَ، شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: «فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ»، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ قَالَ الإِمَامُ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ حَدٌّ، لِئَلا يَتَعَدَّاهَا مَنْ أَتَى عَلَيْهَا مُرِيدًا لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، إِلا مُحْرِمًا، فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمِيقَاتَ، جَازَ، بِخِلافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الصَّلاةَ عَلَى مِيقَاتِ الزَّمَانِ لَا يَصِحُّ. وَلَوْ أَتَى عَلَيْهَا يُرِيدُ النُّسُكَ، فَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى جَاوَزَ، ثُمَّ أَحْرَمَ، يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ، وَيَصِحُّ نُسُكُهُ، وَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، فَلَوْ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا، يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ. وَلَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُحْرِمَ، فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ بَدَا لَهُ، وَلا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا إِلا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمِيقَاتِ، وَلَوْ جَاءَ الْمَدَنِيُّ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ، فَمِيقَاتُهُ الْجُحْفَةُ، وَكَذَلِكَ الْيَمَانِيُّ إِذَا أَتَى مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، فَمِيقَاتُهُ

مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لِقَوْلِهِ: «فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ». وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ، فَيُحْرِمُ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَإِذَا أَرَادَ الْمَكِّيُّ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، فَيُحْرِمُ فِي عُمْرَانَاتِ مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ الْقِرَانَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، فَخَرَجَ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ، فَيُحْرِمُ، وَهُوَ مِيقَاتُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ أَنْ يَعْتَمِرَ مِنَ الْجُعْرَانَةِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ مِنْهَا، يَعْنِي: عَامَ حُنَيْنٍ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ فَمِنَ التَّنْعِيمِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَخْطَأَهُ فَمِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْمَدْخَلَ لِعُمْرَتِهِ مِنْهَا. قَالَ الإِمَامُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كَرَاهِيَةِ تَقْدِيمِ الإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ، بَلِ اسْتَحَبَّهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»،

وَقَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَهَلَّ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَسُئِلَ عَلِيٌّ، عَنْ تَمَامِ الْعُمْرَةِ، قَالَ: أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ. وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ: الْحَسَنُ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمَالِكٌ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْكَرَ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ إِحْرَامَهُ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَنْ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ مَا يُفْسَدُ بِهِ إِحْرَامُهُ، أَوْ يحرجه لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: وَجْهُ الْعَمَلِ الْمَوَاقِيتُ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ.

باب الاغتسال للإحرام

بَابُ الاغْتِسَالِ لِلإِحْرَامِ 1862 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَحَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَا جَابِرٌ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَلَمَّا كُنَّا بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ وَالإِحْرَامِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيِّ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: وَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَيْفَ أَصْنَعُ، قَالَ: «اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي» قَالَ الإِمَامُ: الْغُسْلُ لِلإِحْرَامِ مُسْتَحَبٌّ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَ أَسْمَاءَ بِالْغُسْلِ فِي حَالِ نِفَاسِهَا، مَعَ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يُبيِحُ لَهَا شَيْئًا حَرَّمَهُ النِّفَاسُ، فَالطَّاهِرُ بِهِ أَوْلَى،

وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْغُسْلُ لِلإِحْرَامِ، وَقَدْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعِبَادَةُ التَّشَبُّهَ بِالْمُتَعَبِّدِينَ، رَجَاءً لِمُشَارَكَتِهِمْ فِي نَيْلِ الْمَثُوبَةِ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِمْسَاكِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لِمَنْ كَانَ مُفْطِرًا، أَوْ يُؤْمَرُ عَادِمُ الْمَاءِ، وَالتُّرَابِ، وَالْمَصْلُوبُ عَلَى الْخَشَبِ، وَالْمَحْبُوسُ فِي الْحَشِّ بِالصَّلاةِ حَسَبَ الإِمْكَانِ، ثُمَّ يُعِيدُ عِنْدَ الْخَلاصِ وَالْقُدْرَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَرَّدَ لِإهْلالِهِ وَاغْتَسَلَ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَغْتَسِلُ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِدُخُولِهِ مَكَّةَ، وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ.

باب التطيب عند الإحرام

بَابُ التَّطَيُّبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ 1863 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَاهُ مَنْصُورٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ.

وَرَوَى عُرْوَةُ، وَالْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالإِحْرَامِ 1864 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، أَنا أَبُو الْأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ الْعَبْدِيُّ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ سُفْيَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالت: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ثَلاثٍ مِنْ إِحْرَامِهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «وَبِيصُ الْمِسْكِ» وَبِيصُ الطِّيبِ: بَرِيقُهُ، يُقَالُ: وَبَصَ الشَّيْءُ يَبِصُ وَبِيصًا، وَبَصَّ أَيْضًا يَبِصُّ بَصِيصًا: إِذَا بَرَقَ.

وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ بِطِيبٍ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الإِحْرَامِ، وَأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ بَعْدَ الإِحْرَامِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ فِدْيَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ، رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَرُؤِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُحْرِمًا وَعَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الرُّبِ مِنَ الْغَالِيَةِ، وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَحُ طِيبًا، فَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَيْهِ وَرَوَتِ الْحَدِيثَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ تَطَيَّبَ بِمَا يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الإِحْرَامِ، عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، كَمَا لَوِ اسْتَدَامَ وَلَبِسَ الْمَخِيطَ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَاللِّبْسِ؛ لأَنَّ لاسْتِدَامَتِهِ حُكْمَ الابْتِدَاءِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ، فَاسْتَدَامَ لِبْسَهُ وَلَمْ يَنْزَعْهُ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَطَيَّبُ، وَعَلَيْهِ طِيبٌ فَاسْتَدَامَهُ لَمْ يَحْنَثْ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّدَ رَأْسَهُ بِالْعَسَلِ، وَعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا. فَتَلْبِيدُ الشَّعْرِ قَدْ يَكُونُ بِالصَّمْغِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَسَلِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي حِلِّ الإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِالشَّعْرِ، لِيَجْتَمِعَ وَيَتَلَبَّدَ، وَلا يَتَخَلَّلَهُ الْغُبَارُ، وَلا يَقَعَ فِيهِ الدَّبِيبُ.

باب التلبية

بَابُ التَّلْبِيَةِ 1865 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ تَلْبِيةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ». قالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزيدُ فِيهَا: " لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرُّغْبَى إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، أَهَلَّ بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُهِلُّ بِإِهْلالِ رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ، وَيَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، لَبَّيْكَ، وَالرُّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ» قَوْلُهُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ»، فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: إِجَابَتِي لَكَ يَارَبِّ، وَإِقَامَتِي مَعَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ: أَلَبَّ بِالْمَكَانِ، وَأَلَبَّ بِهِ: إِذَا أَقَامَ بِهِ، وَمَعْنَى التَّثْنِيَةِ فِيهِ، أَيْ: إِجَابَةٌ بَعْدَ إِجَابَةٍ، وَإِقَامَةٌ بَعْدَ إِقَامَةٍ، كَمَا يُقَالُ: حَنَانَيْكَ، أَيْ: رَحْمَةٌ بَعْدَ رَحْمَةٍ. وَالثَّانِي مَعْنَاهُ: اتَّجَاهِي إِلَيْكَ وَقَصْدِي، مِنْ قَوْلِهِمْ: دَارِي تَلُبُّ دَارَكَ، أَيْ تُوَاجِهُهَا، وَالتَّثْنِيَةُ لِلتَّأْكِيدِ. وَالثَّالِثُ: مَحَبَّتِي لَكَ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: امْرَأَةٌ لَبَّةٌ: إِذَا مَا كَانَتْ مُحِبَّةً لِوَلَدِهَا. وَالرَّابِعُ: إِخْلاصِي لَكَ، مِنْ لُبِّ الطَّعَامِ وَلُبَابِهِ، ثُمَّ قَلَبُوا الْبَاءَ الثَّانِيَةَ يَاءًا طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، كَمَا قَالُوا: تَظَنَّيْتُ، وَأَصْلُهَا: تَظَنَّنْتُ، وَقَالَ الْعَجَّاجُ: تَقَضِّيَ الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كُسِرَ. وَأَصْلُهُ: التَّقَضُّضُ.

وَقَوْلُهُ: «إِنَّ الْحَمْدَ»، بِكَسْرِ الْأَلِفِ، وَيَجُوزُ بِالْفَتْحِ، وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: مَنْ كَسَرَ، فَقَدْ عَمَّ، وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ، مَعْنَاهُ: أَنَّكَ إِذَا كَسَرْتَ «إِنَّ»، وَقَعَ بِهَا الابْتِدَاءُ، فَالْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ عَمَّ التَّلْبِيَةَ، وَغَيْرَهَا، وَإِذَا فُتِحَتْ، رَجَعَ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ إِلَى التَّلْبِيَةِ، أَيْ: لَبَّيْكَ بِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ فِي لَبَّيْكَ لَكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَارَ الْفَتْحَ، لأَنَّ الْوُقُوفَ لَيْسَ

بِحَسَنٍ عَلَى «لَبَّيْكَ» وَلا رَدَّهَا إِلَى مَا قَبْلَهَا، فَصَارَتْ «لَبَّيْكَ» مُبْتَدَأً بِهَا، وَاقِعَةً عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: لَبَّيْكَ بِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ فِيمَا وَفَّقْتَنِي لَهُ مِنْ هَذِهِ التَّلْبِيَةِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّ هَذِهِ الطَّاعَةِ. وَالرُّغْبَاءُ: الرَّغْبَةُ وَالْمَسْأَلَةُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ التَّلْبِيَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ: مَنْ تَرَكَهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ زَادَ زَائِدٌ شَيْئًا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ، فَلا بَأْسَ، كَمَا زَادَ ابْنُ عُمَرَ فِي تَلْبِيَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا فَرَغَ مِنَ التَّلْبِيَةِ، صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَأَلَ اللَّهَ رِضَاهُ فِي الْجَنَّةِ، وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنَ النَّارِ. 1866 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ، سَأَلَ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ، وَاسْتَعْفَاهُ بِرَحْمَتِهِ مِنَ النَّارِ»

باب رفع الصوت بالتلبية

بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ 1867 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ خَلادِ بْنِ السَّائِبِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي، أَوْ مَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِالإِهْلالِ يُرِيدُ أَحَدَهُمَا».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالإِهْلالِ مَشْرُوعٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا. قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالإِهْلالِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ، لِيُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ إِلا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ مِنًى، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِيهِمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ اصْطَدَامِ الرُّفَاقِ، وَعِنْدَ الإِشْرَافِ وَالْهُبُوطِ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَفِي اسْتِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَبِالأَسْحَارِ، وَنُحِبُّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

باب: من أين يهل ومتى يهل

بَابٌ: مِنْ أَيْنَ يُهِلُّ وَمَتَى يُهِلُّ 1868 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، وَاسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً، أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ 1869 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ، يَقُولُ: «بَيْدَاؤُكُمْ

هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ»، يَعْنِي: مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1870 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا، قالَ: وَمَا هُنَّ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلا الْيَمَانِيَّيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلالَ، وَلَمْ تُهْلِلْ أَنْتَ حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «أَمَّا الأَرْكَانُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ إِلا الْيَمَانِيَّيْنِ، وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ، فَإِنِّي رَأَيْتُ

رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا، وَأَمَّا الصُّفْرَةُ، فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا، وَأَمَّا الإِهْلالُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ»، السّبْتُ: جُلُودُ الْبَقَرِ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ، يُتَّخَذُ مِنْهَا النِّعَالُ، سُمِّيَتْ سِبْتِيَّةً، لأَنَّ شَعْرَهَا قَدْ سُبِتَ، أَيْ: حُلِقَ وَأُزِيلَ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ سِبْتِيَّةً، لأَنَّهَا انْسَبَتَتْ بِالدِّبَاغِ، أَيْ: لانَتْ، يُقَالُ: رُطَبٌ مُنْسَبِتَةٌ، أَيْ: لَيِّنَةٌ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ، أَذَّنَ فِي النَّاسِ، فَاجْتَمَعُوا، فَلَمَّا أَتَى الْبَيْدَاءَ أَحْرَمَ. وَعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا عَلا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ».

وَرُوِيَ عَنْ خُصَيْفِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، عَجِبْتُ لاخْتِلافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِهْلالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَوْجَبَ، فَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ، أَوْجَبَهُ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، فَحَفِظَتْهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالا، ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا عَلا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، فَقَالُوا: إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلا مِنْ شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلاهِ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ "، فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَهَلَّ مِنْ مُصَلاهِ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ. قَالَ الإِمَامُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ إِحْرَامُهُ عُقَيْبَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ يُحْرِمُ فِي مَكَانِهِ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُحْرِمُ إِذَا رَكِبَ، وَاسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ صَلاةٍ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَحْرَمَ. 1871 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: «

كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ، فَرُحِلَتْ، ثُمَّ رَكِبَ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا، ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ، ثُمَّ يُمْسِكُ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حتَّى يُصْبِحَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ، اغْتَسَلَ. وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعلَ ذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ الْمُجَاوِرِ يُلَبِّي بِالْحَجِّ، فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُلَبِّي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ، وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَحْلَلْنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ. وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَهْلَلْنَا مِنَ الْبَطْحَاءِ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ، قَالَ لأَهْلِ مَكَّةَ: أَهِلُّوا إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ. وَأَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ تِسْعَ سِنِينَ، يُهِلُّ بِالْحَجِّ لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ.

باب من أهل كإهلال غيره

بَابُ مَنْ أَهَلَّ كَإِهْلالِ غَيْرِهِ 1872 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ سِعَايَتِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟»، قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَأَهْدِ، وَامْكُثْ حَرَامًا، كَمَا أَنْتَ»، قَالَ: وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ

زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَأَشْرَكَهُ فِي الْهَدْيِ قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ مُبْهِمًا، ثُمَّ إِنْ شَاءَ صَرَفَهُ إِلَى الْحَجِّ، وَإِنْ شَاءَ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَإِنْ شَاءَ قَرَنَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَالَ: أَحْرَمْتُ كَإِحْرَامِ فُلانٍ، أَوْ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلانٌ، صَارَ مُحْرِمًا، ثُمَّ إِنْ كَانَ فُلانٌ مُحْرِمًا بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ، يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فُلانٌ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، فَيَنْعَقِدُ إِحْرَامُ هَذَا مُطْلَقًا، وَلَهُ صَرْفُهُ إِلَى غَيْرِ مَا صَرَفَ إِلَيْهِ فُلانٌ إِحْرَامَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا؛ لأَنَّ الْهَدْيَ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ، أَوِ الْمُتَمَتِّعِ دُونَ الْمُفْرِدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا، فَأَمَرَ عَلِيًّا بِاسْتِدَامَةِ إِحْرَامِهِ لِمَكَانِ هَدْيِهِ إِلَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ.

باب إفراد الحج

بَابُ إِفْرَادِ الْحَجِّ 1873 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ

1874 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحَلَّ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَلَمْ يَحِلُّوا حتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 1875 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلا نَرَى إِلا أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ

يَحِلَّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ ". قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحمَّدٍ، فَقَالَ: أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ 1876 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا أَتَى الْبَيْدَاءَ، فَنَظَرْتُ مَدَّ بَصَرِي مِنْ بَيْنِ رَاكِبٍ وَرَاجِلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ وَرائِهِ، كُلُّهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ يَلْتَمِسُ أَنْ يَقُولَ

كَمَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ، وَلا نَعْرِفُ غَيْرَهُ، فَلَمَّا طُفْنَا، فَكُنَّا عِنْدَ الْمَرْوَةِ، قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَحْلِلْ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ»، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ.

باب التمتع بالعمرة إلى الحج

بَابُ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [الْبَقَرَة: 196]. 1877 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، أَنا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى، فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمنْهُمْ مَنْ لَمْ يَهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ منْهُ حتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا

وَالْمَرْوَةِ، وَيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ يُهِلُّ بِالْحَجِّ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ»، فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا، فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ. وَعَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ

بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَقِيلٍ 1878 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حدَّثنا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ تَصِيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً، فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ، فَقالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُمْ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُمْ: «أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافٍ بِالْبَيْتِ، وَبيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَلالا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ،

فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّذِي قَدَّمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً»، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: «افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ فَلَوْلا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»، فَفَعَلُوا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ نَافِعٍ، وَهُوَ أَبُو شِهَابٍ وَرُوِيَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَعُثْمَانَ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ: بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، قَالَ: مَا كُنْتُ لأَدَعُ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ. وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَأَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهُ مُعَاوِيَةُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ النَّهْيُ أَيْضًا. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا اخْتِلافٌ مَحْكِيٌّ، وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ عَلَى جَوَازِهَا، وَاتَّفَقَتِ الأُمَّةُ عَلَيْهِ، قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ.

باب القران

بَابُ الْقِرَانِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [الْبَقَرَة: 196]. 1879 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ، فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَنَحَرَ

النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا، وَذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1880 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّهُمْ لَيَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 1881 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْدَاءِ وَإِنَّهُ رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ يُهِلُّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا جَمِيعًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ حُمَيْدٍ

1882 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مَلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ، قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدٍ 1883 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا الْوَلِيدُ، وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التِّنِّيسِيُّ، قَالا: نَا الأَوْزَاعِيُّ، نَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِوَادِي الْعَقِيقِ، يَقُولُ: " أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَوْلُهُ: «عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ»، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَعَ حَجَّةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَيْ عُمْرَةٌ يُدْرِجُهَا فِي حَجَّةٍ، لأَنَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ تَدْخُلُ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ إِذَا قُرِنَ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى جَوَازِ الإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، فَصُورَةُ الإِفْرَادِ: أَنْ يُفْرِدَ الْحَجَّ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَعْتَمِرُ، وَصُورَةُ التَّمَتُّعِ: أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، فَيَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَصُورَةُ الْقِرَانِ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ، فَيَصِيرُ قَارِنًا، وَلا يَجُوزُ إِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا بَعْدَ الطَّوَافِ إِلا أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهَا بَعْدَ إِتْمَامِ أَعْمَالِهَا، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلا يَجُوزُ إِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجُوزُ، وَيَصِيرُ قَارِنًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الأَفْضَلِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الإِفْرَادَ أَفْضَلُ، ثُمَّ التَّمَتُّعَ، ثُمَّ الْقِرَانَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، تَقْدِيمًا لِرِوَايَةِ جَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، لِتَقَدُّمِ صُحْبَةِ جَابِرٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُسْنِ سِيَاقِهِ، لابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ، وَآخِرِهِ، وَفَضْلِ حِفْظِ عَائِشَةَ، وَقُرْبِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إِحْرَامًا مَوْقُوفًا، وَخَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا، فَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحُجَّ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ وَصَفَ انْتِظَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَضَاءَ، طَلَبَ الاخْتِيَارَ فِيمَا وَسَّعَ اللَّهُ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَحْفَظَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَأَفْرَدَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ. قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الرَّجُلِ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؟ فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَلا عُمَرُ، وَلا عُثْمَانُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ كَمَا رَوَاهُ أَنَسٌ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُمْ: «أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكِمْ، وَاجْعَلُوا الَّذِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةٌ، فَلَوْلا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ»، فَلَوْلا أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ الْوُجُوهِ، لَمَا أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ، وَلَمَا تَمَنَّاهُ لِنَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: «لَوْلا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ»، وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، اسْتِطَابَةَ نُفُوسِ أَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحِلُّوا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يُعْجِبْهُمْ تَرْكُ الائْتِسَاءِ بِهِ، وَالْكَوْنُ مَعَهُ فِي عُمُومِ أَحْوَالِهِ، فَقَالَ هَذَا الْقَوْلُ، لِئَلا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ يأْمُرُهُمْ بِخِلافِ مَا يَفْعَلُ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْفَضْلَ لَهُمْ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَأَمَرَهُمْ بِهِ، وَأَنَّهُ لَوْلا أَنَّ سُنَّةَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، لَكَانَ مُوَافِقًا لَهُمْ فِي الإِحْلالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ».

وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْرِهِ لَهُمْ بِالإِحْلالِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ إِحْرَامُهُمْ مُبْهَمًا مَوْقُوفًا عَلَى انْتِظَارِ الْقَضَاءِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ عُمْرَةً، وَيُحْرِمُوا بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ إِحْرَامُهُمْ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ بِفَسْخِهِ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ خَاصًّا لَهُمْ، رُوِيَ عَنْ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً، أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا؟ قَالَ: «لَكُمْ خَاصَّةً». وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ فَسْخُ الْحَجِّ لِغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ، وَضَعَّفَ حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ بِلالٍ، وَقَالَ: لَيْسَ الْحَارِثُ بْنُ بِلالٍ بِمَعْرُوفٍ. وَقَدْ رَوَى فَسْخُ الْحَجِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَعَائِشَةُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْفَسْخَ إِنَّمَا وَقَعَ إِلَى الْعُمْرَةِ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلا يَسْتَبِيحُونَهَا، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ، وَفَسْخِ الْحَجِّ صَرْفًا لَهُمْ عَنْ سُنَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ. 1884 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ، نَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرُ، وَعَفَا الْأَثَرُ، وَانْسَلَخَ صَفَرٌ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ. قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمَرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: «حِلٌّ كُلُّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ

قَوْلُهُ: «بَرَأَ الدَّبَرُ»، أَرَادَ: بَرَأَ الدَّبَرُ مِنْ ظُهُورِ الإِبِلِ إِذَا انْصَرَفَتْ عَنِ الْحَجِّ دَبِرَةً ظُهُورُهَا. «وَعَفَا الْأَثَرُ»، أَيْ: ذَهَبَ أَثَرُ الدَّبَرِ، يُقَالُ: عَفَا الشَّيْءُ: إِذَا دَرَسَ وَامَّحَى، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ فَسْخُ الْحَجِّ. وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ مَعَ الْفَسَادِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَهَلَّ بِحجتين، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُلْزِمُهُ إِلا حَجَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَلا دَمَ عَلَيْهِ وَلا قَضَاءَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِهِمَا فَيَرْفُضُ إِحْدَاهُمَا إِلَى قَابِلٍ، وَيَمْضِي فِي الْأُخْرَى، وَعَلَيْهِ دَمٍ. قُلْنَا: لَوْ لَزِمْتَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَفْضُ إِحْدَاهُمَا، لأَنَّ فَسْخَ الإِحْرَامِ كَانَ خَاصًّا لأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُلْزِمُهُ حَجَّةً وَعُمْرَةً مِنْ عَامِهِ، وَيُهْرِيقُ دَمًا، وَيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَصِيرُ قَارِنًا، وَعَلَيْهِ دَمٌ. 1885 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ، حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ: «إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، وَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ مُعْتَمِرًا، فَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، فَصَارَ قَارِنًا. قَوْلُهُ: «لَبَّدْتُ رَأْسِي»، قِيلَ: التَّلْبِيدُ: أَنْ يَجْعَلَ فِي رَأْسِهِ شَيْئًا مِنَ الصَّمْغِ، أَوْ نَحْوَهُ حَتَّى يَجْتَمِعَ شَعْرُهُ وَيَتَلَبَّدَ، فَلا يَتَخَلَّلَهُ الْغُبَارُ، وَلا يَقَعَ فِيهِ الدَّبِيبُ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَطُولُ مَكْثُهُ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ وَقَضَاءِ مَنَاسِكِهِ، دُونَ الْمُعْتَمِرِ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ مُعْتَمِرًا، فَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، فَصَارَ قَارِنًا. 1886 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْهَدْيُ، فَلْيَحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى خِلافِهِ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَنْ تَمَتَّعَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَدْ كَانَ فِيهِمُ الْمُتَمَتِّعُ، وَالْقَارِنُ، وَالْمُفْرِدُ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الرَّئِيسُ فِي قَوْمِهِ: فَعَلْنَا كَذَا، وَصَنَعْنَا كَذَا، وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ بِنَفْسِهِ فِعْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ أَفْعَالَ أَصْحَابِهِ صَادِرَةٌ عَنْ رَأْيِهِ. قَوْلُهُ: «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ»، قِيلَ: مَعْنَاهُ فَرْضُهَا سَاقِطٌ بِالْحَجِّ، وَهُوَ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الْعُمْرَةَ وَاجِبَةً، وَمَنْ رَآهَا وَاجِبَةً، قَالَ: مَعْنَاهُ: دَخَلَ عمل الْعُمْرَةِ فِي عَمَلِ الْحَجِّ إِذَا قَرَنَ الرَّجُلُ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: دَخَلَتْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِهَذَا الْقَوْلِ. 1887 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا»، قَالَتْ: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ

ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِحَجٍّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ»، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ، أرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: «هَذَا مَكَانُ عُمْرَتِكِ»، قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا مِنْهَا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ. وَأمَّا الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ: «دَعِي الْعُمْرَةَ»، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اتْرُكِيهَا إِلَى الْقَضَاءِ، أَمَرَهَا بِفَسْخِ الْعُمْرَةِ وَالْخُرُوجِ عَنْهَا حَتَّى تَقْضِيَ مِنْ بَعْدُ، فَعَلَى هَذَا

كَانَتْ عُمْرَتُهَا مِنَ التَّنْعِيمِ قَضَاءً لَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهَا بِتَرْكِ الْعُمْرَةِ أَصْلا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِتَرْكِ أَعْمَالِهَا مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، فَتَكُونُ قَارِنَةً. وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ كَانَتْ عُمْرَتُهَا مِنَ التَّنْعِيمِ تَطَوُّعًا، أَعْمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا. 1888 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا لَيْثٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ، عَرَكَتْ، حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا، طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: «الْحِلُّ كُلُّهُ»، فَوَاقَعْنَا النَّسَاءَ، وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْويَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ، فَوَجدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكِ؟»، قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: «

إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ»، فَفَعَلَتْ، وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ، طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ حَلَلْتُ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا»، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْتُ، قَالَ: «فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ»، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ: إِذا صَنَعَ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى، إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ، قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي، فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعْيًا وَاحِدًا، حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا،

وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا: «طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ». وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ عَنِ الْعُمْرَةِ، وَالثَّانِي بَعْدَهُ عَنِ الْحَجِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ تَوٌّ، وَإِذَا اسْتَجْمَرَ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ»، وَمَعْنَى التَّوِّ: الْوِتْرُ، وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ تَوٌّ»، أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعٌ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ السَّعْيُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْرِمُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا.

قَالَ الإِمَامُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ شَاةٌ، وَيَذْبَحُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، جَازَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ ذَبَحَ مَكَانَ الشَّاةِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً، جَازَ، وَهُوَ بِالْفَضْلِ مُتَطَوِّعٌ. فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ، فَعَلَيْهِ صَوْمُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ يَصُومُهَا بَعَد مَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مَتَى شَاءَ، قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَهَا قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى يَكُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ مُفْطِرًا، وَيَصُومَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى

أَهْلِهِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [الْبَقَرَة: 196]. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الرُّجُوعِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، كَمَا رَوِينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [الْبَقَرَة: 196]، إِلَى أَمْصَارِكُمْ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: عَلَى الْقَارِنِ بَدَنَةٌ، وَزَعَمَ دَاوُدُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْقَارِنِ، لأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاسُوا الْقَارِنَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ. وَلا يَجِبُ دَمُ الْمُتَمَتِّعِ حَتَّى يَكُونَ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يَحُجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ بِإِحْرَامٍ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، فَإِنِ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ. وَلَوِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ، أَوْ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانِ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الْبَقَرَة: 196]. فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ

مَكَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَهْلُ الْحَرَمِ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَنْ كَانَ أَهْلُهُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ عَنِ الْحَرَمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ قَوْمٌ: مَنْ كَانَ أَهْلُهُ بِالْمِيقَاتِ، أَوْ دُونَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَالْعِبْرَةُ بِالْمَقَامِ، لَا بِالْمَوْلِدِ وَالْمَنْشَأِ، حَتَّى إِنَّ الْمَكِّيَّ إِذَا كَانَ مُقِيمًا بِالْعِرَاقِ، فَخَرَجَ وَتَمَتَّعَ، فَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَلَوْ أَقَامَ عِرَاقِيٌّ بِمَكَّةَ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ مُسَافِرًا، فَلَمَّا رَجَعَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ مِنَ الْحَاضِرِينَ. قَالَ الإِمَامُ: قَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي إِحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَقَدْ طَعَنَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ، وَنَفَرٌ مِنَ الْمُلْحِدِينَ فِي أَحَادِيثِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَطَالُوا لِسَانَ الْجَهْلِ فِي أَهْلِ الرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ، وَقَالُوا: لَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الإِسْلامِ إِلا حَجَّةً وَاحِدَةً، وَكَانَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ فِيهَا مَعَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي إِحْرَامِهِ هَذَا الاخْتِلافَ الْفَاحِشَ، فَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ

كَانَ مُفْرَدًا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَأَسَانِيدُ الْكُلِّ عِنْدَ أَهْلِ الرِّوَايَةِ، وَنَقَلَةُ الْأَخْبَارِ جِيَادٌ صِحَاحٌ، ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا هَذَا التَّنَاقُضَ! يُرِيدُونَ بِذَلِكَ تَوْهِينَ أَمْرِ الْحَدِيثِ، وَتَصْغِيرِ شَأْنِ النَّقْلِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَيَانَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ اخْتِلافِ الْأَحَادِيثِ، وَجَوَّدَ الْكَلامَ فِيهِ. وَالْوَجِيزُ الْمُخْتَصَرُ مِنْ جَوَامِعِ مَا قَالَ فِيهِ: أَنَّ مَعْلُومًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِهِ، كَجَوَازِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْفَاعِلِ لَهُ، كَقَوْلِهِ: بَنَى فُلانٌ دَارًا: إِذَا أَمَرَ بِبِنَائِهَا، وَضَرَبَ الْأَمِيرُ فُلانًا: إِذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا، وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِرَجْمِهِ وَلَمْ يَشْهَدْهُ، وَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلامِ. وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ، وَالْمُتَمَتِّعُ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ، وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ، فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلَّهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا، وَأَذِنَ فِيهَا، وكل قَالَ صِدْقًا، وَرَوَى حَقًّا، لَا يُنْكِرُهُ إِلا مَنْ جَهِلَ، أَوْ عَانَدَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. قَالَ الإِمَامُ: وَمَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلافِ الْحَدِيثِ إِلَى التَّمَتُّعِ، وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الاخْتِلافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ، لأَنَّ الْكِتَابَ، ثُمَّ السُّنَّةَ، ثُمَّ مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلافًا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَإِفْرَادَ الْحَجِّ، وَالْقِرَانِ، وَاسِعٌ كُلَّهُ، وَقَالَ: وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ، يُشْبِهُ أَنْ

يَكُونَ قَالَهُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَكُونُ مُقِيمًا عَلَى الْحَجِّ، إِلا وَقَدِ ابْتَدَأَ إِحْرَامَهُ بِحَجٍّ. قَالَ الإِمَامُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا، أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ مُتَعَارِضَةٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَرَوَيْنَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَ سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ، حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ! وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا»، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمُتْعَةِ: صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ. قَالَ الإِمَامُ: وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا لَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ، لَا يُنَافِي التَّمَتُّعَ، لأَنَّ خُرُوجَهُمْ كَانَ لِقَصْدِ الْحَجِّ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إِلَى أَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مُتْعَةً. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا أَهْدَيْتُ»، لَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ، بَلْ يَحْتَمِلُ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ، أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ، فَاسْتَحَبَّ اسْتِدَامَةَ حُكْمِ إِحْرَامِهِ لِمَكَانِ هَدْيِهِ إِلَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَخْرُجَ مِنْهُ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُتَمَتِّعِ إِذَا كَانَ قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ، هَلْ يَسْتَبِيحُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الْحَجِّ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَصِيرُ قَارِنًا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ». وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَبِيحُهَا، وَقَدْ حَلَّ بِالْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ عَنْهَا، كَمَنْ لَمْ يسق الْهَدْيَ، وَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِحْبَابٌ وَسُنَّةٌ، غَيْرُ حَتْمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. 1889 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِي بِالْيَمَنِ، فَجِئْتُ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ: «بِمَ أَهْلَلْتَ؟»، قُلْتُ: أَهْلَلْتُ كَإِهْلالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟»، قُلْتُ: لَا، فَأَمَرَنِي، فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي، فَمَشَّطَتْنِي، أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَيْسٍ، وَزَادَ: «ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ» هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، يَتَحَلَّلُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، وَيَسْتَبِيحُ مَحْظُورَاتَ الإِحْرَامِ إِلَى أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَأَمَرَ عَلِيًّا بِأَنْ يَمْكُثَ عَلَى إِحْرَامِهِ لِمَكَانِ هَدْيِهِ.

باب لا يصير محرما بتقليد الهدي

بَابُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ 1890 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا أَفْلَحُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «فَتَلْتُ قَلائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا، وَأَشْعَرَهَا، وَأَهْدَاهَا، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمةِ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ أَفْلَحَ. وَرَوَى ابْنُ عَوْن عَنِ الْقَاسِمِ عَن أُمِّ الْمِؤْمِنِينَ، قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي 1891 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ،

عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، أَنَّهَا أخْبَرَتْهُ، أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا، حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسِ، «أَنَا فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْفِقْهِ، مِنْهَا: اسْتِحْبَابُ الإِهْدَاءِ إِلَى مَكَّةَ، وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْغَنَمَ تُقَلَّدُ كَالإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تُقَلَّدُ الْغَنَمُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِمَا

1892 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً إِلَى الْبَيْتِ غَنَمًا، فَقَلَّدَهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ بَدَنَةً، أَوْ بَقَرَةً، قَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، وَأَشْعَرَهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً، قَلَّدَهَا خرب الْقِرَبِ، وَلا يُشْعِرُهَا. وَمِنْهَا أَنَّ إِشْعَارَ الْهَدْيِ سُنَّةٌ، إِنْ كَانَ مِنَ الإِبِلِ، فَيُقَلِّدُهَا، ثُمَّ يُشْعِرُهَا، وَهُو أَنْ يَطْعَنَ فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا بِمِبْضَعٍ، أَوْ حَدِيدَةٍ حَتَّى يَسِيلَ دَمُهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلامَةً أَنَّهَا هَدْيٌ، وَالشِّعَارُ: الْعَلامَةُ، وَيُشْعِرُهَا بَارِكَةً مُسْتَقْبِلَةً الْقِبْلَةَ، وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ الْبَقَرَ عَلَى الإِبِلِ فِي الإِشْعَارِ، وَقَالَ مَالِكٌ: تُشْعَرُ الْبَقَرُ إِنْ كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ وَإِلا فَلا، فَأَمَّا الْغَنَمُ، فَإِنَّهَا لَا تُشْعَرُ، لأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَرِدْ بِهِ، وَلأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْجَرْحَ، لِضَعْفِهَا، وَلا يَظْهَرُ عَلَيْهَا الدَّمُ، فَتُعْرَفُ بِهِ، لِكَثْرَةِ شَعْرِهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الإِشْعَارُ بِدْعَةٌ، لأَنَّهُ مُثْلَةٌ. وَيُقَالُ: هُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، وَقَالا بِقَوْلِ

عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهَا سُنَّةٌ. وَالْمُثْلَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا، أَنْ يُقْطَعَ عُضْوًا مِنَ الْحَيَوَانِ تَعْذِيبًا، وَأَمَّا الإِشْعَارُ، فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ مَا أُبِيحَ مِنَ الْكَيِّ، وَالتَّبْزِيغِ، وَالتَّوْدِيجِ فِي الْبَهَائِمِ، وَالْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ فِي الْآدَمِيِّينَ، أَوْ سَبِيلُ مَا شَرَعَ فِي الْآدَمِيِّينَ مِنَ الْخِتَانِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ الإِشْعَارِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، إِلَى أَنَّهُ فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ مِنَ السَّنَامِ، وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، يُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ هَذَا مِنَ الْمُبَاحِ، قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُبَالِي فِي أَيِّ الشِّقَّيْنِ أَشْعَرَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِمَا 1893 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّى رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ، فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسلت الدَّمَ، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ بِالْحَجِّ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ قَوْمُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الإِحْرَامَ، فَقَلَّدَ الْهَدْيَ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا، حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ، فَقَدْ أَحْرَمَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ.

باب الاغتسال لدخول مكة

بَابُ الاغْتِسَالِ لِدُخُولِ مَكَّةَ 1894 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا ابْنُ عُلَيَّةَ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ، أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ، وَيَغْتَسِلُ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَالَ حَمَّاد، عَنْ أَيُّوبَ: ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَارًا، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ. قَالَ الإِمَامُ: الاغْتِسَالُ سُنَّةٌ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَدُخُولُهَا نَهَارًا أَفْضَلُ، اسْتِنَانًا بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ دَخَلَ لَيْلا فَجَائِزٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَخَلَهَا لَيْلا عَامَ اعْتَمَرَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ.

باب من أين يدخل مكة

بَابُ مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ 1895 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقَلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. 1896 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ، دَخَلَهَا مِنْ أَعْلاهَا، وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى

باب رفع اليدين عند رؤية البيت

بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ 1897 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثْتُ عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلاةِ، وَإِذَا رُئِيَ الْبَيْتُ، وَعَلى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَبِجَمْعٍ، وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ» قَالَ الإِمَامُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ تُرْفَعُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَكَرِهَهُ

قَوْمٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ، قَالَ: سُئِلَ جَابِرٌ، عَنِ الرَّجُلِ يَرَى الْبَيْتَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ مَكَّةَ، فَأَقْبَلَ إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ أَتَى الصَّفَا، فَعَلاهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْبَيْتِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ اللَّهَ مَا شَاءَ أَنْ يَذْكُرَهُ وَيَدْعُو. وَقَالَ: وَالْأَنْصَارُ تَحْتَهُ.

باب طواف القدوم

بَابُ طَوَافِ الْقُدُومِ 1898 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ، هُوَ ابْنُ عِيسَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ

حَجَّ عُثْمَانُ، فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ مُعَاوِيةُ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرةً، ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةٌ، وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ، فَلا يَسْأَلُونَهُ؟ وَلا أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حِينَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّونَ، وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لَا تَبْتَدِئَانِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنَ الْبَيْتِ، تَطُوفَانِ بِهِ، ثُمَّ لَا تَحِلانِ، وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا، وَالزُّبَيْرُ، وَفُلانٌ، وَفُلانٌ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ مُرَاهِقًا، خَرَجَ إِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى.

باب كيف الطواف

بَابُ كَيْفَ الطَّوَافُ 1899 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ، سَعَى ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ يُصلِّي سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. 1900 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَرْمُلُ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حتَّى انْتَهَى إلَيْهِ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ». صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الإِمَامُ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الطَّوَافِ، أَنْ يَرْمُلَ ثَلاثًا مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَيْهِ، وَيَمْشِي أَرْبَعًا، فَلَوْ تَرَكَ الرَّمْلَ عَمْدًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَدْ أَسَاءَ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلا سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الطَّوَافِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَالرَّمَلُ سُنَّةٌ فِي طَوَافِ الدُّخُولِ، فَأَمَّا طَوَافُ الإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ، فَلا رَمْلَ فِيهِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ يَرْمُلْ فِي السَّبْعِ الَّذِي أَفَاضَ فِيهِ». وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، فَلا رَمَلَ عَلَيْهِ فِي الطَّوَافِ، عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: إِنَّهُ يَرْمُلُ فِي كُلِّ طَوَافٍ يَعْقُبُهُ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَيَجِبُ أَنْ يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَيَجْعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ، وَيَمْشِي عَلَى وَجْهِهِ.

1901 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَشَى عَنْ يَميِنِهِ، فَرَمَلَ ثَلاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَكَّسَ الطَّوَافَ، بِأَنْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ، وَيَمْشِي عَلَى وَجْهِهِ لَا يُحْسَبُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ فَارَقَ مَكَّةَ، أَجْزَأَهُ دَمٌ. وَالاضْطِبَاعُ سُنَّةٌ فِي الطَّوَافِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ بِرِدَائِهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ مِنْ تَحْتِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، فَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. رُوِيَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ أَخْضَرَ.

باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

بَابُ اسْتِلامِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ 1902 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مِنَ الْبَيْتِ إِلا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ. 1903 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ، اقْتَصَرُوا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: «لَوْلا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ»،

قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُرَى يَعْني، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَرَكَ اسْتِلامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ إِلا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ بَعْضِ الاخْتِيَارِ، مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ عَنْهُ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ، فَيَقَعُوا فِي فِتْنَةٍ. 1904 - أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو الْأَحْوَصِ، نَا الْأَشْعَثُ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْجَدْرِ، أَمِنَ

الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: «إنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ». قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: «فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا، وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِليَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجدر فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ ألْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ خَالَتِه عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلا أَنَّ قَوْمَكَ حَدِيثُوا عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ، بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحَجَرِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ».

أَرَادَ بِالْجَدْرِ: الْحَجَرَ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ بَعْضَ مَا هُوَ الْأَوْلَى، إِذَا لَمْ يَكُنْ فَرِيضَةً، عِنْدَ خَوْفِ الْفَسَادِ مِنْ فِعْلِهِ. وَفِي قَوْلِهِ: «وَأَنْ أَلْصَقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ»، بَيَانٌ أَنَّ النَّاسَ غَيْرُ مَحْجُوبِينَ فِي حَقِّ الدِّينِ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ أَيَّ وَقْتٍ شَاءُوا، كَمَا أَنَّ الْحَجَرَ جُزْءٌ مِنَ الْبَيْتِ، وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَحْجُبَ النَّاسَ عَنْهُ، وَمَا يَأْخُذُهُ السَّدَنَةُ مِنَ النَّاسِ عَلَى دُخُولِ الْبَيْتِ لَا يَطِيبُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَجْرُهُمْ عَلَى مَا يَتَوَلَّوْنَهُ مِنَ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الْأَنْفَال: 41]، قَالَ: السَّهْمُ الْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، إِنَّمَا هُوَ لِلْكَعْبَةِ، بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ أَضَافَ الْخُمُسَ إِلَى نَفْسِهِ لِشَرَفِهِ، وَسَهْمُ اللَّهِ وَسَهْمُ رَسُولِهِ وَاحِدٌ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَمْرُ الْمَسَاجِدِ، وَالْمَشَاهِدِ الرِّبَاطَاتِ، وَالْمَنَازِلِ الَّتِي يَنْتَابُهَا النَّاسُ لِإِقَامَةِ عِبَادَةٍ، أَوْ لِنَفْعٍ وَارْتِفَاقٍ، وَالْآبَارِ، وَالْحِيَاضِ الْمُسْبَلَةِ فِي الْمَفَاوِزِ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ يَأْتِيهَا شَيْئًا إِلا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ رَجُلٌ، أَوْ يُعْطِيهِ شَيْئًا عَلَى قِيَامِهِ بِمَصَالِحِهِ مِنْ سَقْيِ مَاءٍ، أَوْ تَنْظِيفِ مَكَانٍ، أَوْ نَحْوِهِ. قَالَ الإِمَامُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ لَا يَسْتَلِمُ إِلا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا، وَكَذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ يَمْسَحُ

الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِلسُّنَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أُخْبِرَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِنَّ الْحَجَرَ بَعْضَهُ مِنَ الْبَيْتِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ إِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَتْرُكِ اسْتِلامَهُمَا إِلا أَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى قَوَاعِدِ الْبَيْتِ، وَلا طَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ إِلا لِذَلِكَ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَجَرِ: مِنَ الْبَيْتِ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الْحَج: 29]. وَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الطَّوَافَ فِي الْحَجَرِ لَا يُحْسَبُ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنْ مَسَحَهُمَا كَفَّارَةً لِلْخَطَايَا»، وَمَعْنَى الاسْتِلامِ: هُوَ التَّمَسُّحُ بِالسَّلِمَةِ، وهِيَ الْحِجَارَةُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ السَّلامِ، وَهُوَ التَّحِيَّةُ، كَأَنَّهُ إِذَا اسْتَلَمَهُ اقْتَرَأَ مِنْهُ السَّلامَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ الْمُحَيَّا، أَيِ: النَّاسُ يُحَيُّونَهُ. 1905 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ بَامُوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى الزُّهْرِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ،

عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَبَّلَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ. وَقَالَ سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَ حَفِيًّا، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَسْتَحِبُّونَ تَقْبِيلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، اسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ، وَقَبَّلَ يَدَهُ، وَيَفْعَلُهُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، فَفِي كِلِّ وَتْرٍ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ يَدُهُ إِلَيْهِ اسْتَقْبَلَهُ إِذَا حَاذَاهُ وَكَبَّرَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ نَافِعٌ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ. قَالَ عَطَاءٌ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ إِذَا اسْتَلَمُوا قَبَّلُوا أَيْدِيَهُمْ.

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ: فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّ مُتَابَعَةَ السُّنَنِ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ لَهَا عَلَى عِلَلٍ مَعْلُومَةٍ، وَأَسْبَابٍ مَعْقُولَةٍ، وَأَنَّ أَعْيَانَهَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْقَهْ مَعَانِيهَا، إِلا أَنَّ مَعْلُومًا فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ تَقْبِيلَ الْحَجَرِ، إِنَّمَا هُوَ إِكْرَامٌ لَهُ، وَإِعْظَامٌ لِحَقِّهِ، وَتَبَرُّكٌ بِهِ، وَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَ الْأَحْجَارِ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا فَضَّلَ بَعْضَ الْبِقَاعِ وَالْبُلْدَانِ، وَكَمَا فَضَّلَ بَعْضَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ، وَبَابُ هَذَا كُلُّهُ التَّسْلِيمُ. وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ «أَنَّ الْحَجَرَ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ»، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ صَافَحَهُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، فَكَانَ كَالْعَهْدِ تَعْقِدُهُ الْمُلُوكُ بِالْمُصَافَحَةِ لِمَنْ يُرِيدُ مُوَالاتَهُ، وَكَمَا يُصْفَقُ عَلَى أَيْدِي الْمُلُوكِ لِلْبَيْعَةِ. 1906 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَبَجِرْدِيُّ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ طَوِيلا يَبْكِي، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ يَبْكِي، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ هَا هُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ». وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ».

باب الطواف راكبا

بَابُ الطَّوَافِ رَاكِبًا 1907 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: نَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «طَافَ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ، وَيَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. 1908 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا مَعْرُوفٌ، هُوَ ابْنُ خَرَّبُوذَ،

عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَطُوفُ حَوْلَ الْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ. وَالْمِحْجَنُ: عُودٌ مُعَقَّفُ الرَّأْسِ، يُحَرِّكُ الرَّاكِبُ بِهِ بَعِيرَهُ، يُقَالُ: حَجَنْتُ الشَّيْءَ وَاحْتَجَنْتُهُ: إِذَا أَخَذْتُهُ، وَضَمَمْتُهُ إِلَى نَفْسِكَ. 1909 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، نَا خَالِدٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ، أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ اسْتِلامِ الْحَجَرِ، فَقَالَ: كَانَ أَحَدُنَا إِذَا لَمْ يَخْلُصْ إِلَيْهِ، قَرَعَهُ بِعَصَا.

1910 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ لَهُمْ أَنَّ النَّاسَ غَشَوْهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَضْرِبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ رَكِبَ، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الطَّوَافِ عَلَى الْمَحْمُولِ وَإِنْ كَانَ مُطِيقًا، وَكَرِهَهُ قَوْمٌ إِلا مِنْ عُذْرٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّاكِبِ، هَلْ يَرْمُلُ فِي الطَّوَافِ أَمْ لَا؟.

باب طواف النساء وراء الرجال

بَابُ طَوَافِ النِّسَاءِ وَرَاءَ الرِّجَالِ 1911 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»، فَقَالَتْ: فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَهُوَ يَقْرَأُ بِـ الطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ: إِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ. يُرِيدُ نَاحِيَةً مُنْتَبِذَةً مُنْهُمْ. وَرَوَى نَافِعُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ سَعْيٌ بِالْبَيْتِ، وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا رَمَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الطَّوَافِ، وَلا اضْطِبَاعَ، وَلا سَعْيَ فِي الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، إِنَّمَا عَلَيْهَا الْمَشْيُ عَلَى الْعَادَةِ.

باب النهي عن الطواف عريانا

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا 1912 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدٌ إِسْمَاعِيلُ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: " بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمنًى: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ، وَيَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَإِنَّمَا قِيلَ: الْأَكْبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ: الْحَجُّ الْأَصْغَرُ، فَنَبَذَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَلَمْ يَحُجَّ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِكٌ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ، فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، قَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ: «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ».

باب الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

بَابُ الْحَائِضِ تَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ 1913 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةٍ لَا نَرَى إِلا الْحَجَّ، حتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، حِضْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ»، قَالَتْ: وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُمْ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.

1914 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: يَجُوزُ لِلْحَائِضِ أَنْ تَأْتِيَ بِالْمَنَاسِكِ كُلِّهَا، وَلا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إِذَا حَاضَتْ بَعْدَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، جَازَ لَهَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَائِضًا. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «النُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ إِذَا أَتَتَا عَلَى الْوَقْتِ تَغْتَسِلانِ وَتُحْرِمَانِ، وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ».

وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ إِلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ، فَلا يَتَكَلَّمَنَّ إِلا بِخَيْرٍ». هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ مَرْفُوعًا إِلا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَوْقُوفًا عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْمُحْدِثِ لَا يَجُوزُ، وَلا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، سُئِلَ مَالِكٌ، عَمَّنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ يَنْقُضُ وُضُوءَهُ، وهُوَ يَطُوفُ، فَقَالَ: مَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ طَافَ بَعْضَ الطَّوَافِ، أَوْ كُلَّهُ، وَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الطَّوَافَ وَالرَّكْعَتَيْنِ.

قَالَ: وَأَمَّا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَا أَصَابَهُ مِنَ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ. وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ طَوَافُهُ تَطَوُّعًا، وَانْتَقَضَ وُضُوءُهُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ، خَرَجَ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الطَّوَافَ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ إِتْمَامَهُ، تَرَكَ وَلَمْ يَطُفْ، وَكَذَلِكَ الصَّلاةُ النَّافِلَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا طَافَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، وَفَارَقَ مَكَّةَ لَا تَلْزَمَهُ الإِعَادَةُ، وَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُجْزَئُ الطَّوَافُ إِلا بِمَا تُجْزَئُ بِهِ الصَّلاةُ مِنَ الطَّهَارَةِ عَنِ الْحَدَثِ، وَالنَّجَاسَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا، فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ. وَالْكَلامُ فِي الطَّوَافِ مُبَاحٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إِلا بِذِكْرِ اللَّهِ، أَوْ حَاجَةٍ، أَوْ عِلْمٍ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ يَقُودُ إِنْسَانًا بِخِزَامَةٍ فِي أَنْفِهِ، فَقَطَعَهُمَا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: قُدْ بِيَدِهِ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَقِلُّوا الْكَلامَ فِي الطَّوَافِ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فِي صَلاةٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ، فَتُقَامُ الصَّلاةُ، أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ إِذَا سَلَّمَ: يَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ، فَيَبْنِي. وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.

باب الدعاء في الطواف

بَابُ الدُّعَاءِ فِي الطَّوَافِ 1915 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ، مَوْلَى السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِيمَا بَيْنَ رُكْنِ بَنِي جُمَحٍ وَالُّركْنِ الْأَسْوَدِ: «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»

باب فضل الطواف

بَابُ فَضْلِ الطَّوَافِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الْحَج: 26]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الْحَج: 29]، يَعْنِي: الْقَدِيمَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمرَان: 96]، وَقِيلَ سُمِّيَ عَتِيقًا، لأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنَ الْغَرَقِ أَيَّامَ الطُّوفَانِ. 1916 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا الْخَضِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَاهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: مَا لِي أَرَاكَ لَا تَسْتَلِمُ إِلا هذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ لَا تَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا، يَعْنِي الْحَجَرَ الْأَسْوَد َ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ؟ قَالَ: إِنْ أَفْعَلْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اسْتِلامَهُمَا يَحُطَّانِ الْخَطَايَا»، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ طَافَ أُسْبُوعًا يُحْصِيهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَلَهُ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ أَوْ نَسَمَةٍ، وَمَا رَفَعَ رَجُلٌ قَدَمَهُ، وَلا وَضَعَهَا

إِلا كَتَبَ لَهُ اللَّهُ بِهَا حَسَنَةً، وَمَحَا عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ مُوسَى الْجُهَنِيُّ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: أَكَثْرَةُ الطَّوَافِ لِلشَّابِّ مِثْلِي أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَمْ كَثْرَةُ الصَّلاةِ؟ قَالَ: كَثْرَةُ الطَّوَافِ لِلشَّابِّ مِثْلِكَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الطَّوَافُ هُنَاكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ، يَعْنِي: بِالْبَيْتِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ يُدْعَى الْمُلْتَزَمُ، لَا يَلْزَمُ مَا بَيْنَهُمَا أَحَدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ.

باب ركعتي الطواف

بَابُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ 1917 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: " اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: لَا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَزَادَ يَعْلَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ: «وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ». وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بِسُورَتَيِ الإِخْلاصِ، قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.

قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ عَطَاءً، يَقُولُ: يُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبُوعًا قَطُّ إِلا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَخَارِجَ الْحَرَمِ، صَلَّى عُمَرُ خَارِجًا مِنَ الْحَرَمِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ، فَرَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَافَ سُبُوعًا، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي الْبَيْتِ. وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الرَّجُلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ سُبُوعًا، أَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَعَشْرًا. وَسُئِلَ عَنِ الإِقْرَانِ، فَنَهَى عَنْهُ، وَشَدَّدَ فِيهِ، وَقَالَ: لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَانِ، فَقِيلَ: عَمَّنْ؟ فَقَالَ: عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ.

باب السعي بين الصفا والمروة

بَابُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 158]. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الشَّعَائِرُ: الْمَعَالِمُ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهَا، وَأَمَرَ بِالْقِيَامِ بِهَا. قَالَ: الْفَرَّاءُ: هِيَ أُمُورُ الْحَجِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [الْمَائِدَة: 2]، وَالشِّعَارُ: الْعَلامَةُ، وَمِنْهُ إِشْعَارُ الْهَدْيِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْبَدَنَةِ عَلامَةً يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهَا مِنَ الْهَدْيِ، وَسُمِّيَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ بِهِ، لأَنَّهُ مِنْ عَلامَاتِ الْحَجِّ. 1918 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، " أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ بِالْحَجِّ، فَقِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ، فَخَرَجَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَصَلَّى فِيهِ، وَنَفَسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُميْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ كَيْفَ تَفْعَلُ؟ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، وَتَسْتَثْفِرَ بِثَوْبِهَا، ثُمَّ تُحْرِمَ. ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَكِبَ وَمَعَهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ رُكْبَانٌ وَمُشَاةٌ، كُلُّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ، فَأَهَلَّ، قَالَ: وَنَحْنُ لَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ لَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، قَالَ جَابِرٌ: فَنَظَرْتُ أَمَامِي، وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، مَدَّ الْبَصَرِ مِنْ رُكْبَانٍ وَمُشَاةٍ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْكَعْبَةَ، فَطَافَ بِهَا سَبْعًا رَمَلَ فِيهَا ثَلاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَة: 125]، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 158] نَبْدأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَأَتَى الصَّفَا، وَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى بَدَا لَهُ الْبَيْتُ، ثُمَّ وَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. ثُمَّ مَشَى، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ، سَعَى حَتَّى

إِذَا أَصْعَدَتْ قَدَمَاهُ، مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى قَضَى طَوَافَهُ، ثُمَّ نَادَى النَّاسَ، وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ تَحْتَهُ، فَقَالَ: «إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، مَنْ لَمْ يكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ»، فَحَلَّ بَشَرٌ كَثِيرٌ. وَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِبُدْنٍ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِمَاذَا أَهْلَلْتَ؟» فَقَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثَلاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤخَذَ بَضْعَةٌ مِنْ كُلِّ بَدَنةٍ، فيُجْعَلَ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسَيَا مِنْ مَرَقِهَا ". 1919 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ يُرِيدُ الصَّفَا، يَقُولُ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»، فَبَدأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ: كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلاثًا، وَيَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَيَدْعُو، وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: كَانَ إِذَا نَزَلَ مِنَ الصَّفَا مَشَى، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدِيثُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَقَالَ فِيهِ: فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرُقِيَ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ، مِنْهَا أَنَّ أَدَاءَ فَرْضِ الْحَجِّ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّلِ سَنَةِ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ نَزَلَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَخَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ بِلا عُذْرٍ، فَإِنَّهُ خَرَجَ سَنَةَ سَبْعٍ قَاضِيًا لِلْعُمْرَةِ، وَخَرَجَ لِفَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ لِيَحُجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ، ثُمَّ حَدَّثَنَا هُوَ بِنَفْسِهِ السَّنَةَ الْعَاشِرَةَ مَعَ إِمْكَانِ الْحَجِّ قَبْلَهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَفِي بَدَاءَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالصَّفَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَبْدُوءَ بِهِ فِي الذِّكْرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَبْدُوءًا بِهِ فِعْلا، وَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، كَانَ ذَلِكَ الشَّوْطُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ لَهُ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، كَمَا يَجِبُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَصْعَدَ الصَّفَا قَدْرَ قَامَةِ رَجُلٍ، حَتَّى يَتَرَاءَى لَهُ الْبَيْتُ، وَيَمْشِيَ حَتَّى يَنْزِلَ مِنَ الصَّفَا، وَيَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي إِلَى أَنْ يَقْرَبَ مِنَ الْمَرْوَةِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَصْعَدَهَا قَدْرَ قَامَةِ رَجُلٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: السَّعْيُ مِنْ دَارِ بَنِي عَبَّادٍ إِلَى زُقَاقِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، فَلَوِ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ وَلَمْ يَرْقَ عَلَيْهِمَا، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ السَّعْيَ وَمَشَى بَيْنَهُمَا، فَجَائِزٌ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: لَئِنْ سَعَيْتُ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْعَى، وَلَئِنْ مَشَيْتُ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي، وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ إِذَا كَانَ تَطَوُّعًا، وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ لِلْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفْرِدًا، وَكَانَ هَدْيُهُ تَطَوُّعًا، وَمَنْ قَالَ: كَانَ قَارِنًا، أَوْ مُتَمَتِّعًا أَجَابَ بِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ كَانَ سُبْعُ بَدَنَةٍ، وَكَانَ الْفَضْلُ تَطَوُّعًا، فَحَصَلَ كُلُّهُ مِنْ حِصَّةِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ، وَقِيلَ فِي نَحْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ: إِنَّ سِنَّهُ كَانَ عَامَئِذٍ ثَلاثًا وَسِتِّينَ، لِيَكُونَ لِكُلِّ سَنَةٍ بَدَنَةٌ. 1920 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ،

عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [الْبَقَرَة: 158]. فَمَا أَرَى عَلَى أحَدٍ شَيْئًا أَلا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: كَلا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ، كَانَتْ «فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا»، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ، كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، فَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسلامُ، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 158] الْآيَةَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ. وَقَالَ عَاصِمٌ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 158]. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَاجِبٌ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعُلَمَاءِ. لَا يَتَحَلَّلُ الرَّجُلُ عَنِ الْحَجِّ، وَلا عَنِ الْعُمْرَةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقَ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا تَطَوُّعٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ، فَقَدْ حَلَّ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: عَلَى مَنْ تَرَكَهُ دَمٌ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [الْبَقَرَة: 158]، وَرَفْعُ الْجُنَاحِ يَدُلُّ عَلَى الإِبَاحَةِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ ذَلِكَ، لِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَتَحَرَّجُونَ عَنْهُ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْوُجُوبِ، مَا 1921 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُؤَمَّلٍ الْعَائِذِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ،

عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي بِنْتُ أَبِي تِجْرَاةَ، إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، قَالَتْ: دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ دَارَ آلِ أَبِي حُسَيْنِ نَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَرَأَيْتُهُ يَسْعَى، وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، حَتَّى لَأَقُولَ: إِنِّي لَأَرَى رُكْبَتَيْهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ». 1922 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَجَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالا: نَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ،

عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى بَعِيرٍ لَا ضَرْبَ، وَلا طَرْدَ، وَلا إِلَيْكَ إِلَيْكَ.

باب أين يصلى الظهر يوم التروية

بَابُ أَيْنَ يُصَلَّى الظُّهْرُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ 1923 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى، قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ لِلنَّفْرِ؟ قَالَ: بِالْأَبْطَحِ، ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ،

وَالصُّبْحَ، بِمِنًى، ثُمَّ يَغْدُو مِنْ مِنًى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى عَرَفَةَ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.

باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة

بَابُ التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ إِذَا غَدَا مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ 1924 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا، فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ، مِنَّا الْمُلَبِّي، وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا رُخْصَةٌ، وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْحَاجَّ يُدِيمُ

التَّلْبِيَةَ إِلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ». أَمَّا التَّكْبِيرُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، فَمَشْرُوعٌ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، مَنْ صَلَّى مِنْهُمْ جَمَاعَةً، أَوْ وَحْدَهُ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يُبْتَدَأُ التَّكْبِيرُ عَقِيبَ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيُخْتَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي صَلاةَ الْغَدَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، ثُمَّ يَسْتَنِدُ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَللَّهِ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ". وَرَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَقِيبَ صَلاةِ الْغَدَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ، يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَللَّهِ الْحَمْدُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا هَدَانَا».

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُبْتَدَأ ُ التَّكْبِيرُ عَقِيبَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيُخْتَمُ بَعْدَ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ لِأَنَّ النَّاسَ فِيهِ تِبَعٌ لِلْحَاجِّ، وَذِكْرُ الْحَاجِّ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ التَّلْبِيَةُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُبْتَدَأُ عَقِيبَ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيُخْتَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَالنِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ أَيْضًا أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُونَ، وَأَهْلُ السَّوَادِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكَبِّرُ النِّسَاءُ وَلا الْمُسَافِرُونَ، وَلا أَهْلُ السَّوَادِ، وَلا مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ، رُوِيَ عَنْ كُرَيْبٍ، قَالَ: لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُلَبِّي حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَكَبَّرَتْ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِثْلَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُكَبِّرْنَ لَيَالِي التَّشْرِيقِ بِتَكْبِيرِ الإِمَامِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ.

وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي التَّكْبِيرِ خَلْفَ النَّوَافِلِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ يُكَبِّرَانِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خَلْفَ النَّافِلَةِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا فَرَغَ، جَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمَنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ، وَفِي فُسْطَاطِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي الرَّجُلِ يَسْبِقُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ بِبَعْضِ الصَّلاةِ، فَيُكَبِّرُ الإِمَامُ؟ قَالَ: يَقْضِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ إِذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ الصَّلاةِ خَلْفَ الإِمَامِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ كَبَّرَ. قَالَ شُعْبَةُ: وَسَأَلْتُ الْحَكَمَ، وَحَمَّادًا عَنِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْمَسَاجِدِ، فَقَالَ: هُوَ مُحْدَثٌ، وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: هُوَ مُحْدَثٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ: أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ.

باب الوقوف بعرفة

بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [الْبَقَرَة: 199]. 1925 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ، أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَقِفَ بِهَا، ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [الْبَقَرَة: 199] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ.

وَقَوْلُهُ: «يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ»، مِنَ الْحَمَاسَةِ: وَهِيَ الشِّدَةُ، سُمُّوا بِهِ لِشَدَّتِهِمْ وَصَلابَتِهِمْ فِي دِينِهِمْ، كَانُوا لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَرَمِ لِلْوُقُوفِ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ قَطِينُ اللَّهِ يَعْنِي سُكَّانَ حَرَمِ اللَّهِ، وَعَرَفَاتٌ خَارِجُ الْحَرَمِ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِعَرَفَةَ. قَالَ الإِمَامُ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، فَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ فِي وَقْتِهِ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَوَقْتُهُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ حَصَّلَ مِنَ الْحَاجِّ بِعَرَفَةَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَإِلا فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْهَا وَقَفَ فِيهَا، جَازَ، وَالاخْتِيَارُ قُرْبُ الإِمَامِ. 1926 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، نَا أَبِي، عَنْ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَابِرٍ، فِي حَدِيثِهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَحَرْتُ هَهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ، وَوَقَفْتُ هَا هُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَا هُنا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: تَعْلَمُونَ أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إِلا بَطْنَ عُرَنَةَ، وَأَنَّ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إِلا بَطْنَ مُحَسِّرٍ، وَيُرْوَى هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا.

1927 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ خَالٍ لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالَ: كُنَّا فِي مَوْقِفٍ لَنَا بِعَرَفَةَ يُبَاعِدُهُ عَمْرٌو مِنَ الإِمَامِ جِدًّا، فَأَتَانَا ابْنُ مِرْبَعٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ «يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَقِفُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنُ مِرْبَعٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. وَابْنُ مِرْبَعٍ: اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ مِرْبَعٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ. وَالْمَشَاعِرُ: الْمَعَالِمُ.

وَقَوْلُهُ: «فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثِ مِنْ إِرْثِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ»، أَيْ: عَلَى بَقِيَّةٍ مِنْ شَرَائِعِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، يُرِيدُ: قِفُوا بِعَرَفَاتٍ أَيْنَمَا كُنْتُمْ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْحَرَمِ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهَا مَشْعَرًا، وَمَوْقِفًا لِلْحَاجِّ، وَمَا يَفْعَلُهُ قُرَيْشٌ مِنَ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَتَرْكِ عَرَفَةَ شَيْءٌ أَحْدَثُوهُ مِنْ عَنْدِ أَنْفُسِهِمْ، لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ وَقَفَ بِبَطْنِ عُرَنَةَ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ حَجُّهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: حَجُّهُ صَحِيحٌ، وَعَلَيْهِ دَمٌ. وَمَنْ صَدَرَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ شَاةٍ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ لَا يَسْقُطُ.

باب الجمع بين الظهر والعصر

بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ 1928 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ فِي حَجَّةِ الإِسْلامِ، قَالَ: «فَرَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ، فَخَطَبَ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ، ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، فَفَرَغَ مِنَ الْخُطْبَةِ، وَبِلالٌ مِنَ الْأَذَانِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلالٌ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَالَ: فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ، أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِّلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ،

ثُمَّ أَذَّنَ بِلَال، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. الْقَصْوَاءُ: مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: هِيَ الْمَقْطُوعَةُ طَرَفَ الْأُذُنِ، وَالذَّكَرُ مِنْهَا مُقَصًّى وَمَقْصُوٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ: أَقْصَى مِثْلَ عَشْوَاءٍ وَأَعْشَى. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا الْجَمْعُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، مَعَ إِمَامِ الْحَاجِّ لِمَنْ جَاءَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ الْجَمْعَ، وَصَلَّى كُلَّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ، جَازَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَفْضَلُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ، فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ، وَجَوَّزُوا أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ كُلُّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا مَعَ الْكَرَاهِيَةِ، وَلَمْ يُوجِبُوا الإِعَادَةَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ هَذَا الْجَمْعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَلِمَنْ جَاءَ أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ، وَلَمْ يَشْهَدِ الصَّلاةَ مَعَ الإِمَامِ. أَمَّا الْقَصْرُ، فَيَجُوزُ لِمَنْ جَاءَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَلا يَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَلا لِمَنْ جَاءَ مِنْ أَقَلِّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ إِذَا كَانَ الإِمَامُ مُسَافِرًا، وَسَلَّمَ عَنْ ثِنْتَيْنِ، يُسَلِّمُ مَعَهُ الْمُسَافِرُونَ، وَيَقُومُ أَهْلُ مَكَّةَ، فَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ.

رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ، صَلَّى لَهُمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمُ سَفَرٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمُ الْقَصْرَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مَعَ الإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَلَوْ وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ أَيَّامَ مِنًى، فَلا يُصَلُّونَ بِهَا الْجُمُعَةَ، إِنَّمَا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ.

باب الدعاء يوم عرفة

بَابُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ 1929 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.

باب فضل يوم عرفة

بَابُ فَضْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ 1930 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ، وَلا أَدْحَرُ، وَلا أَحْقَرُ، وَلا أَغْيَظُ مِنْهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلا لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمةِ، وَتَجاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلا مَا كَانَ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ»، فَقِيلَ: وَمَا رَأَى مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأى جِبْرِيلَ وَهُوَ يَزَعُ الْمَلائِكَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. قَوْلُهُ: «أَدْحَرُ»، أَيْ: أَبْعَدُ وَأَذَلُّ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الْإِسْرَاء: 39]، أَيْ: مُبْعَدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.

1931 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ النَّضْرِيُّ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا مَرْزُوقٌ، مَوْلَى طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا، ضَاحِينَ مِنْ كُلِّ فَجِّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ: يَا رَبِّ فُلانٌ كَانَ يَرْهَقُ، وَفُلانٌ وَفُلانَةٌ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «لَقَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ»، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ»

باب تعجيل الوقوف وتقصير الخطبة

بَابُ تَعْجِيلِ الْوُقُوفِ وَتَقْصِيرِ الْخُطْبَةِ 1932 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ " أَنْ لَا تُخَالِفْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي أَمْرِ الْحَجِّ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ مَالَتِ الشَّمْسُ، فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِهِ: الرَّوَاحُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ فِي مَلْحَفَةٍ مُعَصْفرَةٍ، وَقَالَ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْظِرْنِي أُفِضْ عَلَيَّ مَاءً، فَدَخَلَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي، فَقُلْتُ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ

السُّنَّةَ الْيَوْمَ، فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ، وَعَجِّلِ الصَّلاةَ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْمَا يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَدَقَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ، وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ.

باب الدفع من عرفة

بَابُ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [الْبَقَرَة: 198]، أَيْ: دَفَعْتُمْ فِي السَّيْرِ، يُقَالُ: أَفَاضَ مِنَ الْمَكَانِ: إِذَا أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الْمَكَانِ الْآخَرِ، وَأَصْلُهُ الدَّفْعُ، سُمِّيَ بِهِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا انْصَرَفُوا ازْدَحَمُوا، وَدَفَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. 1933 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَنَا جَالِسٌ مَعَهُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: «كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً، نَصَّ»، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ هِشامٌ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، وَقَالَ: «فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ». قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: الْعَنَقُ: السَّيْرُ الْوَسِيعُ، وَالنَّصُّ: أَرْفَعُ السَّيْرِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَصَصْتُ الْحَدِيثَ: إِذَا رَفَعْتُهُ إِلَى قَائِلِهِ، وَنَسَبْتُهُ إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: النَّصُّ: التَّحْرِيكُ حَتَّى يَسْتَخْرِجَ مِنَ النَّاقَةِ أَقْصَى سَيْرِهَا، وَالنَّصُّ أَصْلُهُ: مُنْتَهَى الْأَشْيَاءِ وَغَايَتِهَا، وَمَبْلَغُ أَقْصَاهَا. وَالْفَجْوَةُ: الْفُرْجَةُ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ. وَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ السَّكِينَةَ وَالتُّؤَدَةَ الْمَأْمُورُ بِهَا إِنَّمَا هِيَ مِنْ أَجْلِ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِحَامٌ وَفِي الْمَوْضِعِ سِعَةٌ، سَارَ كَيْفَ شَاءَ. 1934 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، مَوْلَى وَالِبَةَ الْكُوفِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَضَرْبًا لِلْإِبلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَالإِيضَاعُ: حَمْلُ الركاب عَلَى الْعَدْوِ السَّرِيعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} [التَّوْبَة: 47]. وَيُقَالُ: الإِيضَاعُ سَيْرٌ مِثْلُ الْخَبَبِ، وَمِثْلُهُ الإِيجَافُ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ، فِيمَا. 1935 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّها النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، وَوَحَدَّهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أسْفَرَ جدا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: شَنَّقَ لِلْقَصْوَاءِ، أَيْ: كَفَّهَا بِزِمَامِهَا، وَالْحِبَالُ: مَا كَانَ دُونَ الْجِبَالِ فِي الارْتِفَاعِ، وَاحِدُهَا: حَبْلٌ. وَالْقَصْوَاءُ: اسْمُ نَاقَتِهِ، وَكَانَتْ مَقْصُوَّةَ الْأُذُنِ، وَهُوَ أَنْ يُقْطَعُ طَرَفٌ مِنَ الْأُذُنِ، وَلا يُقَالُ: جَمَلٌ أَقْصَى.

باب الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة

بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةَ لِلاجْتِمَاعِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشُّعَرَاء: 64]، أَيْ: جَمَعْنَاهُمْ. 1936 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخَطْمِيَّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ، أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. 1937 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ،

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: " دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ، نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الصَّلاةُ أَمَامَكَ. فَرَكِبْتُ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ، نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلَّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ، فَصَلاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهَا شَيْئًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: «الصَّلاةُ أَمَامَكَ»، يُرِيدُ أَنَّ مَوْضِعَ هَذِهِ الصَّلاةِ الْمُزْدَلِفَةُ، وَهِيَ أَمَامَكَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ بَعْدَ مَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ صَلاةٍ فَاتَ وَقْتُهَا يُقِيمُ لَهَا، وَلا يُؤَذِّنُ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الْعَمَلِ إِذَا تَخَلَّلَ مِنْ صَلاتَيِ الْجَمْعِ لَا يَقْطَعُ نَظْمَ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ.

وَفِيهِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ مُسْتَصْحِبًا لِلطَّهَارَةِ فِي مَسِيرِهِ، إِلَى أَنْ يَبْلُغَ جَمْعًا، ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ الصَّلاةَ، أَسْبَغَ الْوُضُوءَ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَتَوَخَّى أَنْ يَكُونَ عَلَى طُهْرٍ فِي كِلِّ حَالٍ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ نَفْسَهُ عِبَادَةٌ وَقُرْبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الصَّلاةَ. 1938 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ، كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا، وَلا عَلَى أَثَرِ كُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُمَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلظُّهْرِ، وَلا يُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يُقِيمُ لَهَا. أَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ، وَلا يُؤَذِّنُ، لِحَدِيثِ أُسَامَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلْأُولَى، وَيُقِيمُ لِلثَّانِيَةِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجْمَعُ

بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ، يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، كَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَيُّهَا فَعَلْتَ أَجْزَاكَ، وَكَذَلِكَ الاخْتِلافُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ بِعُذْرِ السَّفَرِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُهُ.

باب التغليس بالفجر يوم النحر بالمزدلفة

بَابُ التَّغْلِيسِ بِالْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ 1939 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا، فَصَلَّى الصَّلاتَيْنِ، كُلَّ صَلاةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالْعَشَاءُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الْفَجرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ الْمَغْرِبَ وَالْعشَاءَ، فَلا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمِيعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلاةُ الْفَجْرِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ»، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ، أَصَابَ السُّنَّةَ، فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ، أَوْ دَفْعُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمَرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، عَن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ، مُخْتَصِرًا.

باب الدفع من جمع

بَابُ الدَّفْعِ مِنْ جَمْعٍ 1940 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، يَقُولُ: شَهِدْتُ عُمَرَ يُصَلِّي بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ، فَقَالَ «إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطلُعَ الشَّمْسُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا هُوَ سُنَّةُ الإِسْلامِ، أَنْ يَدْفَعَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ حِينَ أَسْفَرَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ طَاوُسٌ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلَيَّةِ يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نغير، فَأَخَّرَ اللَّهُ هَذِهِ، وَقَدَّمَ هَذِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي قَدِمَ الْمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَخَّرَ عَرَفَةَ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ.

قَوْلُهُ: «أَشْرِقْ ثَبِيرُ»، يُقَالُ: ادْخُلْ أَيُّهَا الْجَبَلُ فِي الشُّرُوقِ، كَمَا يُقَالُ أَجْنَبَ: دَخَلَ فِي الْجَنُوبِ، وَأَشْمَلَ: دَخَلَ فِي الشِّمَالِ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشُّعَرَاء: 60]، أَيْ: لَحِقُوهُمْ وَقْتَ دُخُولِهِمْ فِي شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَهُوَ طُلُوعُهَا. وَقَوْلُهُ: «كَيْمَا نُغِيرَ»، أَيْ: نَدْفَعُ لِلنَّحْرِ، يُقَالُ: أَغَارَ إِغَارَةَ الثَّعْلَبِ، أَيْ: أَسْرَعَ وَدَفَعَ فِي عَدْوِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ، قَالَ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَمْعٍ، وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَأَمَرَهُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَأَوْضَعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذَفِ، وَقَالَ: «لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا». وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَرِّكُ رَاحِلَتَهُ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَدْرَ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ.

باب تقديم الضعفة من جمع بليل

بَابُ تَقْدِيمِ الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ 1941 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَصَحَّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. وَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ أَبَاهُمَا كَانَ يُقَدِّمُ

نِسَاءَهُ وَصِبْيَانَهُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ بِمِنًى، وَيَرْمُوا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ. 1942 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، ثُمَّ جَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا، وَيَقُولُ: «أُبَيْنِيَّ لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ». 1943 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ دَاسَةَ التَّمَّارُ، أَنا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ بَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ، وَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا، وَيَقُولُ: «أُبَيْنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ». اللَّطْحُ: الضَّرْبُ الْخَفِيفُ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: اللَّطْحُ: الضَّرْبُ، يُقَالُ مِنْهُ: لَطَحْتُ الرَّجُلَ بِالْأَرْضِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: «أُبَيْنِيَّ» تَصْغِيرٌ، يُرِيدُ يَا بُنَيَّ. وَالْأُغَيْلِمَةُ تَصْغِيرُ الْغِلْمَةِ، كَمَا قَالُوا: أُصَيْبِيَةُ فِي تَصْغِيرِ الصِّبْيَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنِّسْوَانِ، وَالضَّعَفَةُ أَنْ يَدْفَعُوا مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، وَمَنْ دَفَعَ قَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَأَمَّا مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ بِهَا حَتَّى يَدْفَعَ مَعَ الإِمَامِ بَعْدَ الإِسْفَارِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَلَوْ دَفَعَ بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَأَجَازَهُ

قَوْمٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي النَّقْلِ، وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الضَّعَفَةِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ قَوْمٌ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إِلا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْدَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَكَذَلِكَ طَوَافُ الإِفَاضَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَعْنِي: عِنْدَهَا. وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً خَاصَّةً لَهَا دُونَ غَيْرِهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ لِلضَّعَفَةِ الَّذِينَ رُخِّصَ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، رُوِيَ أَنَّ أَسْمَاءَ رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَصَلَّتِ الصُّبْحَ، وَقَالَتْ: أَذِنَ لِلظُّعُنِ، يَعْنِي: النِّسَاءَ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ بَعْدَ

طُلُوعِ الشَّمْسِ ضُحَى يَوْمِ النَّحْرِ. فَأَمَّا رَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَبَعْدَ الزَّوَالِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ، فَبَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ.

باب الرمي على الراحلة

بَابُ الرَّمْيِ عَلَى الرَّاحِلَةِ 1944 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، عَنْ أَيْمَنَ بْنِ نَابِلٍ، أَخْبَرَني قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْكِلابِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَرْمِي الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ، لَيْسَ ضَرْبٌ وَلا طَرْدٌ، وَلَيْسَ قِيلَ: إِلَيْكَ إِلَيْكَ ". أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ بَامُوَيْهِ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، هُوَ الْأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، سَمِعَ أَبَا عِمْرَانَ، وَهُوَ أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: إِلَيْكَ إِلَيْكَ، كَمَا يُقَالُ: الطَّرِيقَ الطَّرِيقَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ أَيْمَنَ بْنِ نَابِلٍ وَهُوَ ثِقَةٌ. 1945 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا أَبُو

عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أُمِّ الْحُصَيْن، قَالَتْ: «حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ، وَبِلالا، وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْآخَرُ بِثَوْبِهِ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَالٍ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ الرَّمْيِ رَاكِبًا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ، فَاخْتَارَ قَوْمٌ الرُّكُوبَ، اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتَارَ قَوْمٌ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقْتَدَى بِهِ فِي فِعْلِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ 1946 - مَا أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ قَوْمٌ: يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا، وَيَمْشِي إِلَيْهِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مَاشِيًا، ذَاهِبًا، وَرَاجِعًا، يُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا رَمَوُا الْجِمَارَ، مَشَوْا ذَاهِبِينَ رَاجِعِينَ، وَأَوَّلُ مَنْ رَكِبَ مُعَاوِيَةُ.

باب حصى الرمي

بَابُ حَصَى الرَّمْيِ 1947 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَمَى الْجِمَارَ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. 1948 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: سَمِعتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ، فَارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ».

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَصَى الرَّمْيِ: وَمِنْ حَيْثُ أَخَذَ، أَجْزَأَهُ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ حَجَرٍ: مَرْمَرٍ، أَوْ بِرَامٍ، أَوْ كَذَّانٍ، أَوْ فِهْرٍ، وَإِنْ كَانَ كُحْلا، أَوْ زِرْنِيحًا، وَمَا أَشْبَهُ، لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ رَمَى مَا قَدْ رُمِيَ بِهِ مَرَّةً، كَرِهْتُهُ، وَأَجْزَأَ عَنْهُ، وَلَوْ رَمَى فَوَقَعَتْ حَصَاةٌ عَلَى مَحْمَلٍ فَاسْتَنَتْ، فَوَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ الْحَصَى، أَجْزَاهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي ثَوْبِ رَجُلٍ، فَنَفَضَهَا، لَمْ يُجْزِهِ.

باب من أين يرمي

بَابُ مِنْ أَيْنَ يَرْمِي 1949 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، نَا الْأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ، يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ، وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ، وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِي حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا، فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ: «مِنْ هَا هُنا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مِنْجَابِ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ. وَهُوَ الاخْتِيَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَرْمِيَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ سَبْعِ حَصَيَاتٍ. قَوْلُهُ: قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. إِنَّمَا ذَكَرَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَنَاسِكِ مَذْكُورَةٌ فِيهَا، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، فَتَوَلَّى بَيَانَهَا بِفِعْلِهِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يُرْمَى عَنِ الصَّبِيِّ، أَوِ الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يُرْمَى عَنْهُمَا، وَيَتَحَرَّى الْمَرِيضُ حِينَ يُرْمَى عَنْهُ، وَيُكَبِّرُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ، وَيُهْرِيقُ دَمًا، فَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ رَمَى الَّذِي رُمِيَ عَنْهُ.

باب الحاج متى يقطع التلبية

بَابُ الْحَاجِّ مَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ 1950 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخَبَرَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَرْدَفَهُ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَزَالُ يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ

يَقْطَعُهَا، غَيْرَ أَنَّهُمُ اختَلَفُوا، فَقَالَ بَعَضْهُمْ: يَقْطَعُهَا مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ يَقْطَعَهَا، وَقَالَ مَالِكٌ: يُلَبِّي حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِذَا زَالَتْ قَطَعَهَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ إِذَا رَاحَتْ إِلَى الْمَوْقِفِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا صَلَّى الصَّبْحَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَطَعَهَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ إِذَا غَدَا مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ. فَأَمَّا الْمُعْتَمَرُ، فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إِذَا افْتَتَحَ الطَّوَافَ، لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا وَغَيْرُ مُسْتَلِمٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا انْتَهَى إِلَى بُيُوتِ مَكَّةَ، قَطَعَهَا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ بَعْضِ الْمَوَاقِيتِ: فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إِذَا انْتَهَى إِلَى الْحَرَمِ، وَمَنْ أَحْرَمَ مِنَ التَّنْعِيمِ، يَقْطَعُهَا حِينَ يَرَى الْبَيْتَ.

باب الهدي وقسمة لحومها وجلودها

بَابُ الْهَدْيِ وَقِسْمَةِ لُحُومِهَا وَجُلُودِهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [الْبَقَرَة: 196]، قَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شَاةٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الْحَج: 36]، قِيلَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَسْأَلُ، يُقَالُ: قَنَعَ قُنُوعًا إِذَا سَأَلَ، وَقَنَعَ قَنَاعَةً: إِذَا عَفَّ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْمُعَتَرُّ: الَّذِي يُعَرِّضُ وَلا يَسْأَلُ، وَالْهَدْيُ وَالْهدي: مَا يُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، الْوَاحِدَةُ: هَدْيَةٌ وَهَدِيَّةٌ، أَهْلُ الْحِجَازِ يُخَفِّفُونَ الْهَدْيَ، وَتَمِيمٌ يثَقِّلُونَ الْيَاءَ. 1951 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: حَدَّثَني ابْنُ أَبِي لَيْلَى، أَنَّ عَلِيًّا، حَدَّثَهُ قالَ: «أَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا، فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ أَمَرَني بِجِلالِهَا، فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ بِجُلُودِهَا، فَقَسَمْتُهَا». رَوَاهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيّ عَنْ مُجَاهِدٍ، بِإِسْنَادِهِ، وَزَادَ: «وَأَنْ لَا أَعْطِيَ

الْجَزَّارَ مِنْهَا»، قَالَ: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا ذَبَحَهُ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يُجَوِّزْ أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ شَيْئًا مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ، لِأَنَّهُ يُعْطِيهِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا ذَبَحَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ أُضْحِيَةٍ، وَعَقِيقَةٍ، وَنَحْوِهَا. وَهَذَا إِذَا أَعْطَاهُ عَلَى مَعْنَى الْأُجْرَةِ، فَأَمَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ، فَلا بَأْسَ بِهِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الْجَازِرَ الْجَلْدَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَشُقُّ مِنَ الْجِلالِ إِلا مَوْضِعَ السَّنَامِ، وَإِذَا نَحَرَهَا، نَزَعَ جِلالَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، إِنَّهُ كَانَ يُجَلِّلُ بُدْنَهُ الْقَبَاطِيَّ، وَالْأَنْمَاطَ، وَالْحِلَلَ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ، فَيَكْسُوهَا. وَسَأَلَ مَالِكٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ: مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ بِجِلالِ بُدْنِهِ حِينَ كُسِيَتِ الْكَعْبَةُ هَذِهِ الْكِسْوَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يَتَصَدَّقُ بِهَا.

باب أكل لحم الهدي

بَابُ أَكْلِ لَحْمِ الْهَدْيِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الْحَج: 36]، قَوْلُهُ: «وَجَبَتْ»، أَيْ: سَقَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ، وَالْوُجُوبُ: السُّقُوطُ، يُقَالُ دَفَعْتُهُ، فَوَجَبَ، وَوَجَبَتِ الشَّمْسُ، أَيْ: سَقَطَتْ فِي الْمَغِيبِ. 1952 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدُنِنَا فَوْقَ ثَلاثِ مِنًى، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «كُلُوا وَتَزَوَّدُوا»، فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَالَ: حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: لَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.

قَالَ الإِمَامُ: إِذَا كَانَ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا يَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ أُضْحِيَةُ التَّطَوُّعِ، فَأَمَّا مَا كَانَ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ مِنَ الْهَدْيِ، مِثْلُ دَمِ التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانِ، وَالْوَاجِبِ بِإِفْسَادِ الْحَجِّ، وَفَوَاتِهِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، فَلا يَجُوزُ لِلْمُهْدِي

أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ. وَقَالَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ، وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: يُؤْكَلُ مِنَ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ الْحَكَمُ: يَأْكُلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ، وَمِنْ كُلِّ هَدْيٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إِلا مِنْ فِدْيَةِ الْأَذَى، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَالْمَنْذُورِ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْكُلِّ إِلا مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَالْمُنْذُورِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَلا يَأْكُلُ مِنْ وَاجِبٍ سِوَاهُمَا.

باب إذا عطب الهدي

بَابُ إِذَا عُطِبَ الْهَدْيُ 1953 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنَ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْحَرْهَا، ثُمَّ أَلْقِ قِلادَتَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا يَأْكُلُونَهَا». هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلا، وَرَوَاه عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنَ الْبُدْنِ؟ قَالَ: «انْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا فَيَأْكُلُونَهَا».

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلانًا الْأَسْلَمِيَّ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ بَدَنَةً، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أُزْحِفَ عَلَيَّ مِنْهَا شَيْءٌ! قَالَ: «تَنْحَرَهَا ثُمَّ تَصْبِغُ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْهَا عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ». قَالَ الإِمَامُ: إِذَا سَاقَ هَدْيًا، فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ يَذْبَحُهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِنْ كَانَ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُ، وَلا لِأَهْلِ رُفْقَتِهِ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ، بَلْ يَغْمِسُ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، فَيَضْرِبُ صَفْحَةَ سَنَامِهِ، وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ. وَذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَكَلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحَلَّ لِأَهْلِ رُفْقَتِهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنْحَرَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِذَا قَرِمَ إِلَى اللَّحْمِ، وَيَعْتَلُّ بِعَلَّةِ الْعَطَبِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ عَيَّنَهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ بِنَذْرٍ، أَوْ هَدْيٍ لَزِمَهُ بِتَمَتُّعٍ، أَوْ قِرَانٍ، أَوْ وَاجِبٍ فِي الْحَجِّ، فَلَهُ أَنْ يَتَمَوَّلَهُ وَأَكَلَهُ إِذَا عَطِبَ، وَالْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ.

وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَذَهَبَ بَضْعُهُمْ إِلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَمَوَّلَهُ وَيَأْكُلَهُ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ كَالإِيجَابِ، فَيَذْبَحُهُ وَلا يَحِلُّ لَهُ وَلا لِأَهْلِ رُفْقَتِهِ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَمَنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا، غَرِمَهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً، فَضَلَّتْ، أَوْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَذْرًا أَبْدَلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا، فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا. قَالَ الإِمَامُ: أَرَادَ بِالنَّذْرِ إِذَا كَانَ قَدْ عَيَّنَ عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا ضَلَّتْ، أَوْ مَاتَتْ، فَالْأَصْلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ أَوْجَبَهَا ابْتِدَاءًا، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ الضَّلالِ ذَبَحَهَا.

باب ركوب الهدي

بَابُ رُكُوبِ الْهَدْيِ 1954 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ لَهُ: «ارْكَبْهَا»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ، فَقَالَ: «ارْكَبْهَا وَيْلَكَ» فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. 1955 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبَّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً،

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْكَبْهَا»، فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَيْلَكَ ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ ارْكَبْهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ سَاقَ بَدَنَةً هَدْيًا، جَازَ لَهُ رُكُوبُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ بِهَا، وَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْكَبُهَا إِلا أَنْ يَضْطَرَّ إِلَيْهِ، لِمَا 1956 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عبْدِ اللَّهِ، سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَرْكَبُهَا، فَإِنْ فَعَلَ لِضَرُورَةٍ، وَنَقَصَهَا الرُّكُوبُ، ضِمْنَ النُّقْصَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِذَا اضْطَرَرْتَ إِلَى بَدَنَتِكَ، فَارْكَبْهَا رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ، وَإِنِ اضْطَرَرْتَ إِلَى لَبَنِهَا، فَاشْرَبْ مَا بَعْدَ ري فَصِيلِهَا، فَإِذَا

نَحَرْتَهَا، فَانْحَرْ فَصِيلَهَا مَعَهَا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِذَا أَنَتَجَتِ الْبَدَنَةُ، فَلْيَحْمِلْ وَلَدَهَا حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَحْمَلٌ، فَلْيَحْمِلْ عَلَى أُمِّهِ حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الْهَدْيَ إِذَا وَلَدَتْ، يُذْبَحُ الْوَلَدُ مَعَهَا، وَيَجُوزُ شُرْبُ لَبَنِهَا بَعْدَ الْفَضْلِ عَنْ رَيِّ الْوَلَدِ. قَالَ الإِمَامُ: وَالْهَدْيُ الْوَاجِبُ بِالشَّرْعِ، أَوْ بِالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ مُخْتَصٌّ بِالنَّعَمِ، وَهِيَ الإِبِلُ، وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَهْدِيَ شَيْئًا آخَرَ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ مَتَاعٍ يَلْزَمُ، وَعَلَيْهِ حَمْلُهُ إِلَى مَكَّةَ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نَقْلُهُ، بَاعَهُ، وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ بِالذُّكُورِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَهْدَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَلا كَانَ لِأَبِي جَهْلٍ، فِي رَأْسِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، يَغِيظُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ».

وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الذُّكُورَ مِنَ الإِبِلِ. وَتَجُوزُ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَلا تَجُوزُ الشَّاةُ إِلا عَنْ وَاحِدٍ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ذَبَحَ عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ». وَالسُّنَّةُ أَنْ تُنْحَرَ الإِبِلُ قِيَامًا، لِمَا 1957 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَةً يَنْحَرُهَا، قَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَذْبَحَهَا الْمُهْدِي بِيَدِهِ إِنْ قَدِرَ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَيْنَا عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةً، فَنَحَرَ مِنْهَا ثَلاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ. 1958 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَفْضَلَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ»، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِبَدَنَاتٍ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ، فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ، فَلَمَّا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرْطٍ: فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفيَّةٍ، فَلَمْ أَفْهَمْهَا، فَسَأَلْتُ الَّذِي يَلِيهِ، فَقَالَ: قَالَ: «مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ». قَوْلُهُ: «الْقِرُّ»، هُوَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، سُمِّيَ بِهِ، لِأَنَّهُ أَهْلُ الْمَوْسِمِ

يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَعَرَفَةَ، وَالنَّحْرِ فِي تَعَبٍ مِنَ الْحَجِّ، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ قَرُّوا بِمِنًى. وَقَوْلُهُ: «يَزْدَلِفْنَ»، أَيْ: يَقْتَرِبْنَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الشُّعَرَاء: 90]. وَفِي قَوْلِهِ: «مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ»، دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمُشَاعِ، وَفِيهِ دِلالَةٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ النُّثَارِ فِي عَقْدِ الإِمْلاكِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النُّهْبَى الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَوْفًا أَنْ يَدْخُلَ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ النُّهْبَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 1959 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، يُقَلِّدُهُ قَبْلَ أَنْ يُشْعِرَهُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُوَجِّهُهُ لِلْقِبْلَةِ يُقَلِّدُهُ نَعْلَيْنِ، وَيُشْعِرُهُ مِنَ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ حَتَّى يُوقَفَ بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ، ثُمَّ يَدْفَعَ بِهِ، فَإِذَا قَدِمَ مِنًى غَدَاةَ النَّحْرِ، نَحَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَكَانَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ بِيَدِهِ، يَصُفُّهُنَّ قِيَامًا، وَيُوَجِّهُهُنَّ لِلْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ». وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ إِذَا وَخَزَ فِي سَنَامِ بَدَنِهِ، قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى الْهَدْيَ بِمَكَّةَ يُخْرِجُهُ إِلَى الْحِلِّ، ثُمَّ يَسُوقُهُ إِلَى مَكَّةَ، فَيُنْحَرُ بِهَا.

باب الحلق والتقصير

بَابُ الْحَلْقِ وَالْتَقْصِيرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الْحَج: 29]، قِيلَ: مَعْنَاهُ: لِيُزِيلُوا أَدْرَانَهُمْ، قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِآخَرَ: مَا أَتْفَثَكَ، أَيْ: مَا أَدْرَنَكَ، وَقِيلَ التَّفَثُ: الْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: التَّفَثُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ: إِذْهَابُ الشَّعَثِ. 1960 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، نَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَخْبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَلَقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ

إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. 1961 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ»، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَالْمُقَصِّرِينَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَإِنَّمَا قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّقِينَ فِي الدُّعَاءِ، مَعَ أَنَّ التَّقْصِيرَ جَائِزٌ، لِمُبَادَرَتِهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ حِينَ أَمَرَ مِنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالإِحْلالِ، وَالْمُقْصِرُونَ وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَأَحَبُّوا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الْمَقَامِ عَلَى إِحْرَامِهِمْ، فَلَمَّا لَمْ يَرَوْا بُدًّا مِنَ الإِحْلالِ

كَانَ التَّقْصِيرُ فِي نُفُوسِهِمْ أَخَفُّ مِنَ الْحَلْقِ، فَمَالُوا إِلَى التَّقْصِيرِ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِهِمْ طَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَّرَهُمْ عَنِ الدُّعَاءِ، لِتَأَخُّرِهِمْ عَنِ الطَّاعَةِ. وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبَيْهِ. قَالَ الإِمَامُ: أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ: الإِحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ، أَوِ التَّقْصِيرُ. وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ: الإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ، وَالْحَلْقُ، أَوِ التَّقْصِيرُ. وَفِي الْحَلْقِ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ، بَلْ هُوَ مِنَ اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَلَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ، وَلا يُجْبَرُ بِالدَّمِ. وَالتَّقْصِيرُ جَائِزٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنِ

أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: «قَصَّرْتُ مِنْ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ»، قَالَ الإِمَامُ: وَكَانَ هَذَا فِي الْعُمْرَةِ، لِأَنَّ الْحَاجَّ يَحْلِقُ بِمِنًى، وَقِيلَ: إِنَّمَا يَجُوزُ التَّقْصِيرُ لِمَنْ لَمْ يُلَبِّدْ رَأْسَهُ، فَأَمَّا مَنْ لَبَّدَ، فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَالتَّقْصِيرُ: هُوَ أَنْ يَقْطَعَ أَطْرَافَ شَعْرِهِ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ، وَأَقَلُّ فَرْضِ الْحَلْقِ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ ثَلاثَ شَعَرَاتٍ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَحْلِقُ رُبُعَ الرَّأْسِ. وَالْمَرْأَةُ لَا تَحْلِقُ رَأْسَهَا، بَلْ تُقَصِّرُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا».

وَقَالَ الْحَكَمُ فِي تَقْصِيرِ شَعْرِ الْمَرْأَةِ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ. وَالسُّنَّةُ فِي الْحَلْقِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِهِ، لِمَا 1962 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ، فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: «

خُذْ»، وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ. وَفِي رِوَايَةٍ: نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ، فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ، فَقَالَ: «احْلِقْ»، فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ لِلْحَالِقِ: يَا غُلامُ، أَبْلِغِ الْعَظْمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ هَذَا الْعَظْمُ الَّذِي عِنْدَ مُنْقَطَعِ الصُّدْغَيْنِ. وَوَقْتُ الْحَلْقِ فِي الْحَجِّ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ يَذْبَحُهُ بَعْدَ الرَّمْيِ، ثُمَّ يَحْلِقُ، وَفِي الْعُمْرَةِ يَحْلِقُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ يَذْبَحُهُ، ثُمَّ يَحْلِقُ. وَتَرْتِيبُ أَعْمَالَهُ يَوْمَ النَّحْرِ: أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ يَذْبَحُ، ثُمَّ يَحْلِقُ، ثُمَّ

يَأْتِي مَكَّةَ، فَيَطُوفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ عَقِيبَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، فَلا سَعْيَ عَلَيْهِ بَعْدَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ، إِلا أَنْ يَشَاءَ. رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ». وَعَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَفَاضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ». قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ طَوَافِ الإِفَاضَةِ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، يُرْوَى عَنْ أَبِي حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامِ مِنًى».

وَلَوْ أَخَّرَهُ إِلَى مَا بَعْدِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا. قَالَ الإِمَامُ: وَلِلْحَجِّ تَحَلُّلانِ، وَأَسْبَابُ التَّحَلُّلِ ثَلاثَةٌ: رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْحَلْقُ، وَالطَّوَافُ، فَإِذَا أَتَى بِشَيْئَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثِ، فَقَدْ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، وَحَلَّ لَهُ جَمِيعُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ إِلا النِّسَاءَ، وَإِذَا أَتَى بِالثَّلاثِ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ، هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْحَلْقَ نُسُكًا، وَعَدَّهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، فَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورِ، قَالَ: إِذَا رَمَى، فَقَدْ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلا النِّسَاءَ، وَإِذَا رَمَى وَطَافَ، حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَذَبَحَ، وَحَلَقَ، حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الإِحْرَامِ، إِلا النِّسَاءَ وَالطِّيبِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَالصَّيْدُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا إِلا النِّسَاءَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ»، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ.

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلا النِّسَاءَ». وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ، فَلَهَا تُحَلُّلٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا طَافَ، وَسَعَى، وَحَلَقَ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ جَمِيعُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ الْحَلْقَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ قَالَ: قَدْ حَلَّ بَعْدَ السَّعْيِ.

باب من ترك ترتيب أعمال يوم النحر

بَابُ مَنْ تَرَكَ تَرْتِيبَ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ 1963 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدٍ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْألُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذْبَحْ وَلا حَرَجَ»، فَجَاءَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ: «

ارْمِ وَلا حَرَجَ»، فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إِلا قَالَ: «افْعَلْ وَلا حَرَجَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَن الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: «ارْمِ وَلا حَرَجَ»، وَأَتَاهُ آخَرُ، فَقَالَ: إِنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: «ارْمِ وَلا حَرَجَ»، وَأَتَاهُ آخَرُ، فَقَالَ: إِنِّي أَفَضْتُ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: «ارْمِ وَلا حَرَجَ». 1964 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، فَيَقُولُ: «لَا حَرَجَ»، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: «اذْبَحْ وَلا حَرَجَ»، قَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ

مَا أمْسَيْتُ؟ فَقالَ: «لَا حَرَجَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: تَرْتِيبُ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ سُنَّةٌ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ، ثُمَّ يَذْبَحَ، ثُمَّ يَحْلِقَ، ثُمَّ يَطُوفَ، فَلَوْ قَدَّمَ مِنْهَا نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُجَاهِدٌ، وَطَاوُسٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.

وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَدَّمَ نُسُكًا قَبْلَ نُسُكٍ، يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: «لَا حَرَجَ»، عَلَى رَفْعِ الإِثْمِ دُونَ الْفِدْيَةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، لَقِيَ رَجُلا مِنْ أَهْلِهِ قَدْ أَفَاضَ، وَلَمْ يَحْلِقْ جَهِلَ ذَلِكَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ، فَيَحْلِقَ، أَوْ يُقَصِّرَ، ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى الْبَيْتِ، فَيَفِيضُ. أَمَّا إِذَا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي الْحَجِّ، أَوْ فِي الْعُمْرَةِ، فَلا يُحْسَبُ سَعْيَهُ حَتَّى يُعِيدَهُ بَعْدَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلا مَا حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: يُجْزِئُهُ سَعْيُهُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، فَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ، فَمِنْ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ، أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا، أَوْ قَدَّمْتُ، فَكَانَ يَقُولُ: «لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ». وَهَذَا عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَعَى عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَيَكُونُ مَحْسُوبًا لَهُ، وَلا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُ بَعْدَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، فَسَعْيُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يُحْسَبُ قَبْلَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ.

باب الخطبة يوم النحر بمنى

بَابُ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى 1965 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ، يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ، ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الْحَجَةِ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ

دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ»، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: «وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُم ْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلا فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ أنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ». فَكَانَ مُحمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ، قَالَ: صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ: «أَلا هَلْ بَلَّغْتُ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: وَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، وَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، بِمِثْلِ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «هَذَا

يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»، وَوَدَّعَ النَّاسَ، فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ. قَوْلُهُ: «الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ»، أَرَادَ بِالزَّمَانِ الدَّهْرَ وَسِنِيهِ، قَالَ شِمْرٌ: الزَّمَانُ وَالدَّهْرُ وَاحِدٌ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْهَيْثَمِ، وَقَالَ: الزَّمَانُ زَمَانُ الْحَرِّ، وَزَمَانُ الْبَرْدِ، وَزَمَانُ الرُّطَبِ، وَيَكُونُ الزَّمَانُ مِنْ شَهْرَيْنِ إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالدَّهْرُ لَا يَنْقَطِعُ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الدَّهْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ يَقَعُ عَلَى بَعْضِ الدَّهْرِ، وَعَلَى مُدَّةِ الدُّنْيَا كُلِّهَا، سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: أَقَمْنَا عَلَى مَاءِ كَذَا دَهْرًا، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الزَّمَانُ وَالدَّهْرُ فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى. وَقَوْلُهُ: «قَدِ اسْتَدَارَ»، أَيْ: دَارَ. وَقَوْلُهُ: «وَأَعْرَاضَكُمْ»، هِيَ جَمْعُ الْعِرْضُ، وَالْعِرْضُ: مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنَ الإِنْسَانِ، يُرِيدُ الْأُمُورَ الَّتِي يَرْتَفِعُ الرَّجُلُ، أَوْ يَسْقُطُ بِذِكْرِهَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ دُونَ أَسْلافِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَسْلافِهِ، فَيَلْحَقُهُ النَّقِيصَةُ بِذِكْرِهِمْ وَعَيْبِهِمْ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ، إِلا مَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، فَإِنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْعِرْضُ: الْأَسْلافُ، وَزَعَمَ أَنَّ عِرْضَ الرَّجُلِ نَفْسُهُ، وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصْفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ «لَا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَبُولُونَ إِنَّمَا هُوَ عَرَقٌ يَجْرِي مِنْ أَعْرَاضِهِمْ، مِثْلَ رِيحِ الْمِسْكِ»، يَعْنِي: مِنْ أَبْدَانِهِمْ، وَبِحَدِيثِ أَبِي ضَمْضَمٍ «اللَّهُمَّ إِنِّي تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي

عَلَى عِبَادِكَ»، يُرِيدُ بِنَفْسِي، وَأَحْلَلْتُ مِنْ يَغْتَابُنِي. وَلَيْسَ إِلَيْهِ أَنْ يُحِلَّ مَنْ يَسُبُّ أَسْلافَهُ الْمَوْتَى، وَيَقُولُ حَسَّانٌ: فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَتِي وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ يُرِيدُ: نَفْسَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْأَعْرَاضِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ النُّفُوسَ، لَكَانَ ذِكْرُ الدِّمَاءِ كَافِيًا، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الدِّمَاءِ النُّفُوسُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّمَا هُوَ عَرَقٌ يَجْرِي مِنْ أَعْرَاضِهِمْ»، قَالَ الْأُمَوِيُّ: هِيَ الْمَغَابِنُ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي تَعْرَقُ مِنَ الْجَسَدِ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ فِيهِ: فُلانٌ طَيِّبُ الْعِرْضِ، يُرِيدُ طَيِّبَ الرِّيحِ، وَقَوْلُ أَبِي ضَمْضَمٍ: «تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي عَلَى عِبَادِكَ»، مَعْنَاهُ: تَصَدَّقْتُ عَلَى مَنْ ذَكَرَنِي، أَوْ ذَكَرَ أَسْلافِي بِمَا يَرْجِعُ عَيْبُهُ إِلَيَّ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَحَلَّ مِنْ أَسْلافِهِ مَا لَحِقَهُمْ بِذِكْرِهِ، وَلَكِنْ أَحَلَّ مِمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَذَى بِذِكْرِهِمْ. وَمَعْنَى قَوْلِ حَسَّانٍ: وَعِرْضِي، أَرَادَ: جَمِيعَ

أَسْلافِي الَّذِينَ أُمْدَحُ وَأُذَمُّ بِذِكْرِهِمْ، فَأَتَى بِالْعُمُومِ بَعْدَ الْخُصُوصِ. قَوْلُهُ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلالا»، وَيُرْوَى: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»، مَعْنَاهُ: لَا تَكُنْ أَفْعَالُكُمْ شَبِيهَ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ فِي ضَرْبِ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: لَا تُكَفِّرِ النَّاسَ، فَتَكْفُرَ كَمَا يَفْعَلُهُ الْخَوَارِجُ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «كُفَّارًا»، يَعْنِي لابِسِينَ السِّلاحَ، يُقَالُ: كَفَّرَ فَوْقَ دِرْعِهِ: إِذَا لَبِسَ فَوْقَهَا ثَوْبًا، وَسُمِّيَ الْكَافِرُ كَافِرًا، لِأَنَّهُ يَسْتُرُ بِكُفْرِهِ الإِيمَانَ، وَسُمِّيَتِ الْكَفَّارَةُ كَفَّارَةً، لِأَنَّهَا تُغَطِّي عَلَى الْآثَامِ. قَوْلُهُ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ»، أَيِ: الْبَلْدَةَ الْمُحَرَّمَةَ كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النَّمْل: 91]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} [الْبَقَرَة: 126]، وَيُقَالُ: إِنَّ الْبَلْدَةَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمَكَّةَ، وَلَهَا أَسْمَاءُ سِوَاهَا. قَالَ الإِمَامُ: الْمُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْحَجِّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ خُطْبَةً وَاحِدَةً، يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْغُدُوِّ إِلَى مِنًى بَعْدَ مَا صَلُّوا الصُّبْحَ مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَيَخْطُبُ يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ الصَّلاةِ خُطَبْتَيْنِ، وَيَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى يَعِظُّهُمْ فِيهَا، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَ النَّحْرِ، وَالرَّمْيِ وَيَخْطُبُ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ خُطْبَةً أُخْرَى يُوَدِّعُ فِيهَا

الْحَاجَّ، وَيُعَلِّمُهُمْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ التَّعْجِيلَ، وَتَرَكَ رَمْيَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَالْمَبِيتَ بِمِنًى، فَذَلِكَ لَهُ وَاسِعٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ، وَعَليّ يُعَبِّرُ عَنْهُ، وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، قَالا: رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَخْطُبُ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَنَحْنُ عِنْدَ رَاحِلَتِهِ». قَالَ الإِمَامُ: وَالْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشَرَةٌ: خُطْبَتَا الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالْخُسُوفَيْنِ، وَالاسْتِسْقَاءِ، وَأَرَبْعَةٌ فِي الْحَجِّ كُلُّهَا سُنَّةٌ، إِلا خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ، وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلاةِ، إِلا خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ، وَخُطْبَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ، كُلُّهَا إِشْفَاعٌ، إِلا ثَلاثًا فِي الْحَجِّ خُطْبَةَ يَوْمِ السَّابِعِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، وَالنَّفْرِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ»، مَعْنَاهُ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ بَدَّلَتْ أَشْهُرَ الْحُرُمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ تَعْظِيمَ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَيَتَحَرَّجُونَ فِيهَا عَنِ الْقِتَالِ، فَاسْتَحَلَّ بَعْضُهُمُ الْقِتَالَ فِيهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّ عَامَّةَ مَعَايِشَهُمْ كَانَتْ مِنَ الصَّيْدِ وَالْغَارَةِ، فَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمُ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ عَلَى التَّوَالِي، وَكَانُوا إِذَا اسْتَحَلُّوا شَهْرًا مِنْهَا، حَرَّمُوا مَكَانَهُ شَهْرًا آخَرَ، وَهُوَ النَّسِيءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التَّوْبَة: 37]، وَمَعْنَى النَّسِيءِ: تَأْخِيرُ تَحْرِيمِ رَجَبٍ إِلَى شَعْبَانَ، وَالْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ نَسَأْتُ الشَّيْءَ: إِذَا أَخَّرْتُهُ، وَكَانَ

ذَلِكَ فِي كِنَانَةَ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُنْسِئُونَ الشُّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ، وَإِذَا أَخَّرُوا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرٍ، وَمَكَثُوا لِذَلِكَ زَمَانًا، ثُمَّ احْتَاجُوا إِلَى تَأْخِيرِ تَحْرِيمِ صَفَرٍ إِلَى الرَّبِيعِ، فَعَلُوا هَكَذَا شَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ، حَتَّى اسْتَدَارَ التَّحْرِيمُ عَلَى السَّنَةِ كُلِّهَا، فَقَامَ الإِسْلامُ، وَقَدْ رَجَعَ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ»، وَيُقَالُ: كَانَ قَدِ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ حَتَّى خَرَجَ حِسَابُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَكَانُوا رُبَّمَا يَحُجُّونَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فِي شَهْرٍ، وَيَحُجُّونَ مِنْ قَابِلٍ فِي شَهْرٍ غَيْرِهِ، إِلَى أَنْ كَانَ الْعَامُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَافَى حَجُّهُمْ شَهْرَ الْحَجِّ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ ذُو الْحِجَّةِ، فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ الْيَوْمَ التَّاسِعَ، وَخَطَبَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ بِمِنًى، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ أَشْهُرَ النَّسِيءِ قَدْ تَنَاسَخَتْ بِاسْتِدَارَةِ الزَّمَانِ، وَعَادَ الْأَمْرُ إِلَى مَا وَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَ الْأَشْهُرِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ، لِئَلا يَتَبَدَّلَ فِي مُسْتَأْنَفِ الْأَيَّامِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّمَا أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ مَعَ الإِمْكَانِ، لِيُوَافِقَ أَهْلَ الْحِسَابِ، فَيَحُجَّ فِيهِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ»، أَنَّهُ فِي الْحَجِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَحُجُّونَ عَامَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعَامَيْنِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الَّتِي حَدَّثَنَا فِيهَا أَبُو بَكْرٍ قَبْلَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ الْحَجُّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَكَانَتْ حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ»، يَقُولُ: قَدْ ثَبَتَ الْحَجُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: «رَجَبُ مُضَرَ»، إِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى مُضَرَ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تُحَافِظُ عَلَى

تَحْرِيمِهِ أَشَدَّ مِنْ مُحَافَظَةِ سَائِرِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ يَسْتَحِلُّهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلا حَيَّان: خَثْعَمُ، وَطَيِّئٌ، فَإِنَّهُمَا كَانَا يَسْتَحِلانِ الشُّهُورَ، فَكَانَ الَّذِينَ يُنْسِئُونَ الشُّهُورَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ يَقُولُونَ: حَرَّمْنَا عَلَيْكُمُ الْقِتَالَ فِي هَذِهِ الشُّهُورِ إِلا دِمَاءَ الْمُحِلِّينَ، فَكَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَحِلُّ دِمَاءَهُمْ خَاصَّةً فِيهَا. وَقَوْلُهُ: «بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ»، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى تَوْكِيدِ الْبَيَانِ، كَمَا قَالَ فِي أَسْنَانِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِنْتَ مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونِ ذَكَرٍ»، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ لَا يَكُونُ إِلا ذَكَرًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا نَسَئُوا رَجَبًا، وَحَوَّلُوهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَسَمَّوْا بِهِ بَعْضَ الْأَشْهُرِ الْأُخَرِ، فَنَحَلُوهُ اسْمَهُ، فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَجَبًا هُوَ الشَّهْرِ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، لَا مَا سَمُّوهُ بِهِ عَلَى حِسَابِ النَّسِيءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب وقت رمي أيام منى

بَابُ وَقْتِ رَمْيِ أَيَّامِ مِنًى 1966 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا مِسْعَرٌ، عَنْ وَبَرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ: مَتَى أَرْمِي الْجِمَارَ؟ قَالَ «إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهِ»، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، فَقَالَ: «كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 1967 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رَمَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: عَنْ نَافِعٍ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: لَا تُرْمَى الْجِمَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلاثَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ.

باب رمي أيام التشريق والبيتوتة بمنى لياليها

بَابُ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْبَيْتُوتَةِ بِمنًى لَيَالِيهَا 1968 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، نَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، " أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي جَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرٍ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلا، وَيَدْعُو، وَيَرْفعُ يَدَيْهِ حَتَّى يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ بِذَاتِ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقومُ طَوِيلا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ،

فَيَقُولُ: هَكَذا رَأَيْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: فَيُسْهِلُ، أَيْ: يَنْزِلُ إِلَى السَّهْلِ، يُقَالُ: أَسْهَلَ الْقَوْمُ: إِذَا نَزَلُوا إِلَى السَّهْلِ مِنَ الْجَبَلِ. وَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يرْمِي الْجَمْرَةَ، إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَيُطِيلُ الْقِيَامَ، وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ فَلا يَقِفُ عِنْدَهَا». وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ لَيَالِي مِنًى مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ.

قَالَ الإِمَامُ: عَلَى الْحَاجِّ أَنْ يَبِيتَ بِمِنًى اللَّيْلَةَ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ مِنْ لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيَرْمِي كُلَّ يَوْمٍ بَعْدِ الزَّوَالِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةً عِنْدَ كُلِّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ عَلَى التَّرْتِيبِ، آخِرُهَا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ، فَمَنْ رَمَى الْيَوْمَ الثَّانِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيَتْرُكَ الْبَيْتُوتَةَ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ، وَرَمَى يَوْمَهَا، فَذَلِكَ لَهُ وَاسِعٌ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [الْبَقَرَة: 203]، وَمَنْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ، وَيَرْمِي الْيَوْمَ الثَّالِثَ بَعْدَ الزَّوَالِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةً إِلَى كُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حَصَيَاتٍ. رَوَى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ وَهُوَ بِمِنًى مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلا يَنْفِرَنَّ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنَ الْغَدِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا لَمْ تَنْفِرْ حَتَّى صَلَّيْتَ الْعَصْرَ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي، فَلا تَنْفِرَ حَتَّى تَرْمِيَ الْجَمَرَاتِ. قَالَ الإِمَامُ: وَمَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ هَذِهِ اللَّيَالِي مِمَّنْ لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ فِيهِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَمَنْ تَرَكَ مَبِيتَ لَيْلَةٍ، فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دَمٍ، وَفِي لَيْلَتَيْنِ ثُلُثَا دَمٍ عَلَى أَقْيَسِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي لَيْلَةٍ مُدٌّ، وَفِي لَيْلَتَيْنِ مُدَّانِ، وَفِي ثَلاثٍ دَمٌ، وَقِيلَ: فِي لَيْلَةٍ دِرْهَمٌ، وَفِي لَيْلَتَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَفِي ثَلاثٍ دَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَرَكَ مَبِيتَ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: مَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَلا دَمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، أَوْ ثَلاثَ حَصَيَاتٍ مِنْهَا، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقَدْ فَاتَ

الرَّمْيُ، وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَلَوْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، قَضَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ لِرَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ دَمٌ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ لِلْكُلِّ إِلا دَمٌ وَاحِدٌ. وَمَنْ تَرَكَ ثَلاثَ حَصَيَاتٍ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفِي حَصَاةٍ أَوْ حَصَاتَيْنِ أَقَاوِيلُ، كَمَا وَصَفْنَاهَا فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ. وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ سُمِّيَتْ بِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومُ الْأَضَاحِي، أَيْ: يَقْطَعُونَهَا وَيُقَدِّدِونَهَا.

باب الرخصة للرعاء وأهل سقاية الحاج في ترك المبيت

بَابُ الرُّخْصَةِ لِلرِّعَاءِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ 1969 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَخَّصَ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَنْ يَبِيتُوا بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كِلاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَالَ: اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ 1970 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ

مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أرْخَصَ لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ»، أَيْ: يَرْمُونَ الْغَدَ إِنْ شَاءُوا لِيَوْمَيْنِ، أَوْ لَا يَرْمُونَ الْغَدَ، وَيَرْمُونَ بَعْدَ الْغَدِ لِلْغَدِ، وَلِمَا بَعْدَهُ. قَالَ الإِمَامُ: قَدْ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ بَعْدَ مَا رَمَوْا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، أَنْ يَدَعُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَكَذَلِكَ رَخَّصَ فِيهِ لِرِعَايَةِ الإِبِلِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ مَنْ كَانَ لَهُ مَتَاعٌ، وَيَخْشَى عَلَيْهِ، أَوْ مَرِيضٌ يُرِيدُ تَعَهُّدَهُ، جَازَ لَهُ تَرْكُ الْمَبِيتِ بِهَا. وَلا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَلِي السِّقَايَةَ مِنْ أَوْلادِ الْعَبَّاسِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ مُخْتَصَّةٌ بِهِمْ، وَيَجُوزُ لِهَؤُلاءِ أَنْ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلا رُخْصَةَ لَهُمْ فِي تَرْكِ يَوْمَيْنِ عَلَى التَّوَالِي، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الْيَوْمِ الَّذِي يَرْمِي فِيهِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَتْرُكُ يَوْمَ الْقِرِّ، ثُمَّ يَرْمِي يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِلْيَوْمِ الَّذِي مَضَى، وَلِلَّذِي فِيهِ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي أَحَدٌ شَيْئًا حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ رَمَى يَوْمَ الْقِرِّ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ، فَرَمَى يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِلْيَوْمَيْنِ.

باب التحصيب ونزول الأبطح

بَابُ التَّحْصِيبِ وَنُزُولِ الْأَبْطَحِ وَبَطْحَاءُ الْوَادِي وَأَبْطَحُهُ: حَصَاهُ اللَّيِّنُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ. 1970 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، أَنا أَبُو وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ التَّحْصِيبُ: هُوَ أَنَّهُ إِذَا نَفَرَ مِنْ مِنًى إِلَى مَكَّةَ لِلتَّوْدِيعِ بَعْدَ الْفَرَاغِ، أَنْ يُقِيمَ بِالشِّعْبِ الَّذِي يُخْرِجُهُ إِلَى الْأَبْطَحِ، حَتَّى يَرْقُدَ سَاعَةً مِنَ

اللَّيْلِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُ سُنَّةً، وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْحَصْبَةِ، وَرَوَى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّحْصِيبَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: التَّحْصِيبُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: «لَيْسَ بِشَيْءٍ»، يُرِيدُ لَيْسَ بِنُسُكٍ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا نَزَلَهُ لِلاسْتِرَاحَةِ. وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: نُزُولُ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ.

باب طواف الوداع

بَابُ طَوَافِ الْوَدَاعِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الْحَج: 33]. قَالَ مَالِكٌ: مَحِلُّ الشَّعَائِرِ كُلِّهَا وَانْقِضَاؤُهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. 1971 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.

باب الرخصة للحائض في ترك طواف الوداع

بَابُ الرُّخْصَةِ لِلْحَائِضِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الْوَدَاعِ 1972 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلا أنَّهُ رُخِّصَ لِلْمَرْأَةِ الْحَائِضِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ. 1973 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضَتْ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ، فَقَالَ: فَلا إِذًا ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ. 1974 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ، فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلا حَابِسَتَكُمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَقْرَى حَلْقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟»، قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَانْفِرِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ. قَوْلُهُ: «عَقْرَى حَلْقَى»، قِيلَ: مَعْنَاهُ: عَقَرَهَا اللَّهُ وَحَلَقَهَا، أَيْ: أَصَابَهَا وَجَعٌ فِي حَلْقِهَا، كَمَا يُقَالُ رَأْسَهُ وَفَاهَهُ، وَيُقَالُ: حَلَقْتُهُ: إِذَا

أَصَبْتَ حَلْقَهُ، وَوَجَهْتُهُ إِذَا أَصَبْتَ وَجْهَهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَكَذَا يُرْوَى عَلَى فَعْلَى، وَقِيَاسُهُ فِي الْكَلامِ عُقْرًا وَحُلْقًا، كَقَوْلِهِمْ: تُعْسًا وَنُكْسًا عَلَى مَذْهَبِ الدُّعَاءِ، يَعْنِي: عَثَرَهَا اللَّهُ عَثْرًا وَقِيلَ: هُوَ صَحِيحٌ، مَعْنَاهُ: جَعَلَهَا اللَّهُ عَقْرَى حَلْقَى، وَقِيلَ: هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهَا بِأَنْ تُعْقَرَ، أَيْ: تَصِيرُ عَاقِرًا لَا تَلِدُ. وَأَمَّا حَلْقَى، يُقَالُ: أَصْبَحَتْ أُمُّهُ حَالِقًا، أَيْ: ثَاكِلًا حَتَّى تَحْلِقَ شَعْرَهَا. وَعَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ دُعَاءٌ لَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعَهُ، إِنَّمَا هُوَ عَادَةٌ بَيْنَهُمْ، كَقَوْلِهِمْ لَا أَبَا لَكَ، وَتَرِبَتْ يَمِينُكَ، وَنَحْوَهَا، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ لِلْأَمْرِ تَعْجَبُ مِنْهُ: عَقْرَى وَحَلْقَى. قَالَ الإِمَامُ: الطَّوَافُ ثَلاثٌ: طَوَافُ الْقُدُومِ، وَهُوَ سُنَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ، وَطَوَافُ الإِقَامَةِ، وَيُسَمَّى طَوَافَ الزِّيَارَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِدُونِهِ، وَلا يَقُومُ الدَّمُ مَقَامَهُ. وَالثَّالِثُ: طَوَافُ الْوَدَاعِ، لَا رَخْصَةَ فِي تَرْكِهِ لِمَنْ أَرَادَ مُفَارَقَةَ مَكَّةَ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، مَكِّيًّا كَانَ أَوْ آفَاقِيًّا، حَجَّ أَوْ لَمْ يَحُجَّ، فَإِنْ خَرَجَ، وَلَمْ يَطُفْ، رَجَعَ إِنْ كَانَ قَرِيبًا، رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ رَجُلا مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ لَمْ يَكُنْ وَدَّعَ الْبَيْتَ. وَلَوْ مَضَى وَلَمْ يَرْجِعْ، فَلا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ تَرَكَهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إِلا الْمَرْأَةَ الْحَائِضَ أَوِ النُّفَسَاء َ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْفِرَ، وَتَتْرُكَ طَوَافَ الْوَدَاعِ، وَلا دَمَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرَوَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إِذَا حَجَّتْ وَمَعَهَا نِسَاءٌ تَخَافُ أَنْ يَحِضْنَ، قَدَّمَتْهُنَّ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَفَضْنَ، فَإِنْ حِضْنَ بَعْدَ

ذَلِكَ لَمْ تَنْتَظِرْ بِهِنَّ أَنْ يَطْهُرْنَ، تَنْفِرُ بِهِنَّ وَهُنَّ حُيَّضٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ الْحَائِضَ تَجْعَلُ آخِرَ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ، يَعْنِي: تَصْبِرُ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ، وَقِيلَ: ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الاخْتِيَارِ إِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ مُهْلَةٌ أَمَّا إِذَا أَعْجَلَهَا السَّيْرُ، فَلَهَا أَنْ تَنْفِرَ بِلا وَدَاعٍ. وَفِي قَوْلِهِ لِصَفِيَّةَ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟»، حِينَ أُخْبِرَ أَنَّهَا أَفَاضَتْ، دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ طَوَافِ الإِفَاضَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بِدُونِهِ، وَأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ حَيْثُ جَعَلَهَا حَابِسَةً لَهُمْ أَنْ تَطْهُرَ، فَتَطُوفَ، وَلَمْ تَكُنْ قَدْ أَفَاضَتْ، وَلا يَلْزَمُهُ بِالتَّأْخِيرِ فِدْيَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا أَخَّرَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَزِمَهُ دَمٌ

باب ما يجتنب المحرم من اللباس

بَابُ مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ مِنَ اللِّبَاسِ 1975 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ، وَلا الْعَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا الْبَرَانِسَ، وَلا الْخِفَافَ، إِلا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلا وَرْسٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، بِإِسْنَادِهِ، وَزَادَ فِيهِ: «وَلا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ». الْقُفَّازَانِ: شَيْءٌ يَلْبَسُهُ النِّسَاءُ فِي أَيْدِيهِنَّ لِتَغْطِيَةِ الْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ. 1976 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الشَّعْثَاءِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: «إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُحْرِمُ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ إِزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.

قَالَ الإِمَامُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ لُبْسُ هَذِهِ الثِّيَابِ، وَلَوْ لَبِسَ عَامِدًا، وَجَبَ عَلَيْهِ الْفَدْيَةُ وَهُوَ دَمُ شَاةٍ، وَلا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ طَافَ ابْنُ عُمَرَ وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ. قَالَ نَافِعٌ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ عُمَرَ عَقَدَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ، إِنَّمَا غَرَزَ طَرَفَيْهِ عَلَى إِزَارِهِ. وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ: أُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيِ ثَوْبِي مِنْ وَرَائِي، ثُمَّ أَعْقِدُهُ وَأَنَا مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ: لَا تَعْقِدْ شَيْئًا. وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ بِالتُّبَّانِ بَأْسًا. قَالَ عَطَاءٌ: يَتَخَتَّمُ وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ الْكَرَاهِيَةُ فِي لِبْسِ الْمَنْطِقَةِ لِلْمُحْرِمِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ.

وَفِي قَوْلِهِ: «وَلا الْبَرَانِسَ»، بَعْدَ ذِكْرِ الْعَمَائِمِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزَ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ لَا بِمُعْتَادِ اللِّبَاسِ، وَلا بِنَادِرِهِ، فَإِنْ غَطَّى شَيْئًا مِنْهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا فِدْيَةَ فِي سَتْرِ أَقَلِّ مِنْ رُبُعِ الرَّأْسِ. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ سَتْرُ الْوَجْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، أَنَّهُ غَطَّى وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ حُرْمَ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، فَلا يَجُوزُ لَهُ سَتْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَمَّا الْمَرْأَةُ، فَحُرْمُهَا فِي وَجْهِهَا لَا يَجُوزُ لَهَا سَتْرُ وَجْهِهَا، وَيَجُوزُ لَهَا سَتْرُ رَأْسِهَا، فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى سَتْرِ الْوَجْهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ مَنْعِ أَبْصَارِ الْأَجَانِبِ، سَدَلَتْ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِهَا مُتَجَافِيًا عَنْ بَشْرَةِ الْوَجْهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ»، وَقَالَتْ: لَا تَلَثَّمْ وَلا تَتَبَرْقَعْ. وَمِمَّنْ قَالَ: تُسْدِلُ الثَّوْبَ، عَطَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.

وَلَوْ وَضَعَ الْمُحْرِمُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، أَوِ الْمُحْرِمَةُ عَلَى وَجْهِهَا، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْهُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ، وَمَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ. وَلَوْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ مِكْتَلا أَوْ طَبَقًا، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ. وَلا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِلَّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلالا، وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِلَّ رَاكِبًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّهُ، هَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ؟ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ

إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ لَبِسَتْ، فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ، وَحُرْمُهَا فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ لَهَا ذَلِكَ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهَا لَوْ فَعَلَتْ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَجَعَلُوا ذِكْرَ الْقُفَّازَيْنِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ مَالِكٌ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: وَلا تَنْتَقِبُ الْمُحْرِمَةُ، وَلا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ.

وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ الْخِمَارِ، وَالْقَمِيصِ، وَالسَّرَاوِيلِ، وَالْخُفِّ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهَا، سُئِلَتْ عَائِشَةُ: مَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ فِي إِحْرَامِهَا؟ قَالَتْ: تَلْبَسُ مِنْ خِزِّهَا، وَقَزِّهَا، وَأَصْبَاغِهَا، وَحُلِيِّهَا. وَلا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ لُبْسُ الْخُفِّ، بَلْ يَلْبَسُ النَّعْلَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ وَمَعَهُ خُفَّانِ يَقْطَعُهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، فَيَجْعَلُهُمَا كَالْمُكَعَّبِ، ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا، فَلَوْ لَبِسَ قَبْلَ الْقَطْعِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ الْمَقْطُوعَ، أَوِ الْمُكَعَّبِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ إِلا عِنْدَ عُدْمِ النَّعْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّعْلِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِقَطْعِ الْخُفِّ عِنْدَ عُدْمِ النَّعْلِ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ، وَلا يَقْطَعُهُمَا، لِأَنَّ فِي قَطْعِهِمَا فَسَادًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ

صَحِيحٌ، وَفِيهِ أَمْرٌ بِقَطْعِ الْخُفَّيْنِ، وَلا فَسَادَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ، أَوْ أَذِنَ فِيهِ، إِنَّمَا الْفَسَادُ فِيمَا نَهَتْ عَنْهُ الشَّرِيعَةُ، وَلَيْسَ عَلَى الْعِبَادِ فِي أَمْرِ الشَّرِيعَةِ إِلا الاتِّبَاعُ. وَلا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ السَّرَاوِيلَ مَعَ وُجُودِ الإِزَارِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، لِأَنَّ مُطْلَقَ الإِذْنِ فِي لِبْسِ السَّرَاوِيلِ يُوجِبُ الإِبَاحَةِ بِلا فِدْيَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَيُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَفْتِقُ السَّرَاوِيلَ، وَيَتَزَرُّ بِهِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ مُطْلَقَ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ يُحْمَلُ عَلَى اللُّبْسِ الْمَعْهُودِ دُونَ الاتِّزَارِ بِهِ. قَالَ الإِمَامُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ عَنِ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ، وَثِيَابِهِ، رَجُلا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، وَلا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ طَعَامٍ فِيهِ طِيبٌ ظَاهِرٌ، فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَلَوْ شَمَّ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ مِمَّا يُعَدُّ طِيبًا، كَالْوَرْدِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْوَرْسِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَلا شَيْءَ فِي الثِّمَارِ الَّتِي لَهَا رَائِحَةٌ كَالسَّفَرْجَلِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْأُتْرُجِّ، شَمَّهَا أَوْ أَكَلَهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّيْحَانِ، سُئِلَ عُثْمَانُ عَنِ الْمُحْرِمِ، هَلْ يَدْخُلُ الْبُسْتَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيَشُمُّ الرَّيْحَانَ، وَقَالَ جَابِرٌ: لَا يَشُمُّ. وَالْعُصْفُرُ لَيْسَ بِطِيبٍ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ. وَلَبِسَتْ عَائِشَةُ الثِّيَابَ

الْمُعَصْفَرَةَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: هُوَ طِيبٌ تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ. وَلَوْ دَهَنَ الْمُحْرِمُ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ بِأَيِّ دُهْنٍ كَانَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، فَإِنْ دَهَنَ جَسَدَهُ، فَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَكُونَ فِيهِ طِيبٌ 1977 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، أَوْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ غَيْرِ مُقَتَّتٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ». وَالْمُقَتَّتُ: الْمُطَيَّبُ. وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السُّرِّيِّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ حَمَّاد، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَشُمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ، وَيَنْظُرُ فِي الْمَرْآةِ، وَيَتَدَاوَى

بِمَا يَأْكُلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إِذَا ادَّهَنَ جَسَدَهُ. وَلا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِكُحْلٍ لَا طِيبَ فِيهِ مِنْ رَمَدٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَإِنِ اكْتَحَلَ بِمَا فِيهِ طِيبٌ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَرِهَ الإِثْمِدَ لِلْمُحْرِمِ سُفْيَانُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَرَوَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ إِذَا اشْتَكَى عَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، ضَمَدَهُمَا بِالصَّبْرِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا رَمِدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَقْطَرَ فِي عَيْنَيْهِ الصَّبْرَ إِقْطَارًا

باب من أحرم في ثيابه

بَابُ مَنْ أَحْرَمَ فِي ثِيَابِهِ 1978 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَةٌ يَعْنِي: جُبَّةً، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَحْرَمْتُ بِالْعُمْرَةِ وَهَذِهِ عَلَيَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كُنْتُ تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ؟»، قَالَ: كُنْتُ أَنْزَعُ هَذِهِ الْمُقَطَّعَةَ، وَأَغْسِلُ هَذَا الْخَلُوقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ، فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ

سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَطَاءٍ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَحْرَمَ فِي قَمِيصٍ، أَوْجَبَهُ، لَا يُمَزَّقُ عَلَيْهِ، بَلْ إِنْ نَزَعَهُ فِي الْحَالِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَحُكِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: يَشُقُّهُ، وَعَنِ الشَّعْبِيِّ يُمَزَّقُ عَلَيْهِ، وَالسُّنَّةُ بِخِلافِهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلا، فَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ السَّائِلَ كَانَ جَاهِلا بِالْحُكْمِ، قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالإِسْلامِ، وَلَمْ يَأْمُرُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِدْيَةِ، وَالنَّاسِي فِي مَعْنَى الْجَاهِلِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَمَّا مَا كَانَ مِنْ بَابِ الإِتْلافَاتِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ كَالْحَلْقِ، وَالْقَلْمِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ، فَلا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْعَامِدِ، وَالنَّاسِي، وَالْجَاهِلِ، فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ، وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي جِمَاعِ النَّاسِي هَلْ يُفْسِدُ الْحَجَّ، وَهَلْ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ أَمْ لَا؟. وَقَالَ إِسْحَاقُ: لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ نَاسِيًا، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي فِي شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ، أَنَّهُ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ. وَلَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ، أَوِ الْخُفِّ لِشِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ لَبِسَ السِّلاحَ لِخَوْفٍ، فَجَائِزٌ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَقَدْ يُحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ الإِحْرَامِ بِمَا يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الإِحْرَامِ، فَإِنَّهُ لَمَّا أُخْبِرَ بِغَسْلِ

الْخَلُوقِ، لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «انْزَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ»، وَمَنْ أَبَاحَ التَّطَيُّبَ لِلْإِحْرَامِ، قَالَ: لَمْ يَأْمُرْهُ بِغَسْلِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اسْتِدَامَةَ الطِّيبِ بَعْدَ الإِحْرَامِ حَرَامٌ، لَكِنْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّضَمُّخَ بِالزَّعْفَرَانِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ فِي حَالَتَيْ حُرْمِهِ وَحِلِّهِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ. وَقَوْلُهُ: «فَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ»، يُرِيدُ اجْتِنَابَ النِّسَاءِ، وَالطِّيبِ، وَاللِّبَاسَ دُونَ أَعْمَالِ النُّسُكِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ مَعَ تَوَابِعِهِ. وَمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِثْلَ أَنْ لَبِسَ، وَتَطَيَّبَ، وَحَلَقَ، وَقَلَّمَ، تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ، وَإِنِ اتَّفَقَ الْجِنْسُ مِثْلَ أَنْ لَبِسَ عِمَامَةً، وَقَمِيصًا، وَخُفًّا، أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَشَعْرَ بَدَنِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ فَعَلَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: إِذَا خَشِيَ الْعَدُوَّ لَبِسَ السِّلاحَ، وَافْتَدَى، وَلَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ فِي الْفِدْيَةِ.

باب نكاح المحرم

بَابُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ 1979 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ: إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ ابْنَةَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَرَدْتُ أَنْ تَحْصُرَ ذَلِكَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَقَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلا يَخْطِبُ، وَلا يُنْكَحُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الإِمَامُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ فَاسِدٌ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا، أَوِ الْمَرْأَةِ، أَوِ الْوَلِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،

وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إِذَا نَكَحَ الْمُحْرِمُ يُفْسَخُ بِطَلْقَةٍ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ صَحِيحٌ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا 1980 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا الْمُغِيرَةُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ». أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَأَخْرَجَهُ جَمِيعًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَزَوُّجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ، لِأَنَّهُ نَكَحَهَا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، فَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ نَكَحَهَا مُحْرِمًا، حُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: وَهِمَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلالا، فَظَهَرَ أَمْرُ تَزْوِيجِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ،

ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهُوَ حَلالٌ بِسَرِفَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَمَاتَتْ مَيْمُونَةُ بِسَرِفَ حَيْثُ بَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدُفِنَتْ بِسَرِفَ. وَالَّذِي يُؤَكِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: تَزَّوَجَهَا حَلالا، مَا 1981 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجُرْدِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ حَلالا، وَبَنَى بِهَا حَلالا، وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ، مُرْسَلا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاهُ، وَرَجُلا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ». وَصَحَّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ ابْنِ أُخْتِ مَيْمُونَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلالٌ، وَبَنَى بِهَا حَلالًا، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، وَدَفَنَّاهَا فِي الظُّلَّةِ الَّتِي بَنَى بِهَا فِيهَا. وَأَمَّا الْمُرَاجَعَةُ لِلْمُحْرِمِ، فَجَوَّزُوا جَمِيعًا.

باب اغتسال المحرم

بَابُ اغْتِسَالِ الْمُحْرِمِ 1982 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، فَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأَسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ: يُرِيدُ الْعَمُودَيْنِ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا الْخَشَبَةُ الَّتِي يُعَلِّقُ عَلَيْهَا الْبَكَرَةَ، وَيُقَالُ: قَرْنَا الْبِئْرِ: مَنَارَتَانِ تَبْنِيَانِ مِنْ حِجَارَةٍ، أَوْ مَدَرٍ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ مِنْ جَانِبَيْهَا، فَإِنْ كَانَتَا مِنْ خَشَبٍ، فَهُمَا زُرْنُوقَانِ. قَالَ الإِمَامُ: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ الاغْتِسَالُ، وَدُخُولُ الْحَمَّامِ، وَدُخُولِ الْمَاءِ، وَتَغْيِيبُ رَأْسِهِ فِيهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، رَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رُبَّمَا قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: تَعَالَ أُبَاقِيكَ فِي الْمَاءِ أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ. وَدَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَمَّامًا بِالْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا.

وَقَالَ جَابِرٌ: الْمُحْرِمُ يَغْتَسِلُ وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ إِنْ شَاءَ، حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُغَيِّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ، لَعَلَّهُ شَبَّهَهُ بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ بِالثِّيَابِ، وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلافِهِ. وَلَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ ثَلاثَ شُعُورٍ مِنْ جَسَدِهِ، أَوْ رَأْسِهِ، أَوْ نَتَفَ، فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَلَّمَ ثَلاثَةَ أَظَافِيرَ، فَفِي وَاحِدٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي اثْنَيْنِ مُدَّانِ، وَقِيلَ: فِي وَاحِدٍ ثُلُثُ شَاةٍ، وَفِي اثْنَيْنِ ثُلُثَا شَاةٍ، وَقِيلَ: فِي وَاحِدٍ دِرْهَمٌ، وَفِي اثْنَيْنِ دِرْهَمَانِ، ثُمَّ فِي الثَّلاثَةِ شَاةٌ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي تَرْكِ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى. وَلَوْ حَلَقَ مُحْرِمٌ شَعْرَ حَلالٍ، فَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، فَأَوْجَبَهَا بَعْضُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلَمْ يُوجِبْهَا بَعْضُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ خُصَيْفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدٍ، فِي الْمُحْرِمِ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِ الْحَلالِ: قَالَ أَحَدُهُمَا: لَيْسَ شَيْءٌ، وَقَالَ الْأَخَرُ: يَهْدِي. فَأَمَّا الْحَلالُ إِذَا حَلَقَ شَعْرَ مُحْرِمٍ تَجِبُ الْفِدْيَةُ، ثُمَّ إِنْ فَعَلَ بِأَمْرِ الْمُحْرِمِ، فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ أَمْرِهِ، فَعَلَى الْحَالِقِ، وَقِيلَ: فَدَى الْمُحْرِمُ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْحَالِقِ. قَالَ مَالِكٌ: الْمُحْرِمُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ، وَلا يَقْتُلَ قَمْلَةً، وَلا يَطْرَحَهَا مِنْ رَأْسِهِ إِلَى الْأَرْضِ، وَلا مِنْ جِلْدِهِ، وَلا مِنْ ثَوْبِهِ، فَإِنْ طَرَحَهَا، فَلْيُطْعِمْ حِفْنَةً مِنْ طَعَامٍ.

باب حجامة المحرم

بَابُ حِجَامَةِ الْمُحْرِمِ 1983 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. 1984 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُحَيْنَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «احْتَجَمَ بِلَحْيِ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: مِنْ شُقَيْقَةٍ كَانَتْ بِهِ. قَالَ الإِمَامُ: قَدْ رَخَّصَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ شَعْرًا، فَإِنْ قَطَعَ شَعْرًا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إِلا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبُطَّ الْجَرْحَ، وَيَفْقَأَ الدُّمَّلَ، وَيَقْطَعَ الْعِرْقَ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: عَلَى الْمُحْتَجِمِ دَمٌ. 1985 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُلْقَابَاذِيُّ، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحُسَنِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دِلَّوَيْهِ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ أَحْمَدُ الْأَزْهَرُ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ»

وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ ظُفْرٍ انْكَسَرَ لِمُحْرِمٍ؟ قَالَ: اقْطَعْهُ. وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَرْآةِ لِشَكْوًى كَانَتْ بِعَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنِ الْمُحْرِمِ أَيَحُكُّ جَسَدَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَلْيَحْكُكْ وَلْيَشْدُدْ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِالْحَكِّ بَأْسًا.

باب المحرم يجتنب الصيد

بَابُ الْمُحْرِمِ يَجْتَنِبُ الصَّيْدَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [الْمَائِدَة: 95] الْآيَةَ. قَوْلُهُ: حُرُمٌ جَمْعُ حَرَامٍ، يُقَالُ: رَجُلٌ مُحْرِمٌ وَحَرَامٌ وَحُرُمٌ، وَمُحِلٌّ وَحَلالٌ وَحِلٌّ، وَأَحْرَمَ الرَّجُلُ: إِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَحْرَمَ: إِذَا دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَكَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ. 1986 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ، أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلا أَنَّا حُرُمٌ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ الصَّيْدِ إِذَا كَانَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ لَحْمِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ الصَّيْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَجَوَّزَ أَبُو ثَوْرٍ شِرَاءَهُ.

باب جواز أكل لحم الصيد للمحرم إذا لم يصد لأجله ولم يأمر به

بَابُ جَوَازِ أَكْلِ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يُصَدْ لِأَجْلِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ 1987 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ، تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ، فَأَبَوْا، فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ، فَأَبَوْا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ، فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتَى بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا طُعْمَةٌ أَطْعَمَكَمُوهَا اللَّهُ». وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ، إِلا أَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَ مُحَمَّدٌ الْحَدِيثَيْنِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ: فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرْتُ، فَرَأَيْتُهُ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ، فَطَعَنْتُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟»، قُلْنَا: مَعَنَا رِجْلُهُ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكَلَهَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا ضَحِكَ لِرُؤْيَةِ الصَّيْدِ، فَفَطِنَ الْحَلالُ، فَأَخَذَهُ وَذَبَحَهُ، يُحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ. 1989 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ،

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَحْمُ الصَّيْدِ لَكُمْ فِي الإِحْرَامِ حَلالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوا، أَوْ يُصَادَ لَكُمْ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: وَالْمُطَّلِبُ لَا نَعْرِفُ لَهُ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُ لَحْمِ الصَّيْدِ إِذَا لَمْ يَصْطَدْ لِنَفْسِهِ، وَلا اصْطِيدَ لِأَجْلِهِ، أَوْ بِأَمْرِهِ وَبِإِشَارَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنِ اصْطِيدَ لِأَجْلِهِ أَوْ بِإِشَارَتِهِ، فَلا يَحِلُّ لَهُ، وَيَحِلُّ لِغَيْرِهِ، رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْعَرْجِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، فَقَالُوا: أَوَلا تَأْكُلُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي. وَإِلَيْهِ

ذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ يَتَزَوَّدُ صَفِيفَ الظِّبَاءِ فِي الإِحْرَامِ، وَأَرَادَ بِصَفِيفِ الظِّبَاءِ قَدِيدَهَا، يُقَالُ صَفَفْتُ اللَّحْمَ، أَصُفُّهُ صَفًّا. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ لَحْمَ الصَّيْدِ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ بِكُلِّ حَالٍ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَقَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ صَعْبِ بْنِ جُثَامَةَ، وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَ مَنْ أَبَاحَهُ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ إِنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ لِمَا ظَنَّ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ، فَتَرَكَهُ عَلَى التَّنَزُّهِ كَمَا رَوَيْنَا عَنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَوْ أَنَّ مُحْرِمًا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ، فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ، لَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ، وَقَدْ أَسَاءَ بِالدِّلالَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

باب ما يجوز للمحرم قتله من الوحش

بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ مِنَ الْوَحْشِ 1990 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ، والْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَمْسٌ قَتْلُهُنَّ حَلالٌ فِي الْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ".

1991 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ الْعَادِي». وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فِي الْحَرَمِ. قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ هَذِهِ الْأَعْيَانِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَبَرِ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهَا إِلا مَا حُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ

قَالَ: لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْفَأْرَةَ، وَلَمْ يُذْكرْ عَنْهُ فِيهِ فِدْيَةٌ، وَهُوَ خِلافُ النَّصِّ، وَأَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ كُلَّ سَبُعٍ ضَارٍّ، أَوْ عَادٍ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ، وَعَلَى دَوَابِّهِمْ مِثْلَ الذِّئْبِ، وَالْأَسَدِ، وَالْفَهْدِ، وَالنَّمِرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَنَحْوَهَا، وَقَاسَ عَلَيْهَا كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَقَالَ: لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا فِي الإِحْرَامِ أَوِ الْحَرَمِ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَعْيَانٍ بَعْضُهَا سِبَاعٌ ضَارِيَةٌ، وَبَعْضُهَا هَوَامٌّ قَاتِلَةٌ، وَبَعْضُهَا طَيْرٌ لَا تَدْخُلُ فِي مَعْنَى السِّبَاعِ، وَلا هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْهَوَامِّ، وَإِنَّمَا هُوَ حَيَوَانٌ مُسْتَخْبَثُ اللَّحْمِ، وَتَحْرِيمُ الْأَكْلِ يَجْمَعُ الْكُلِّ، فَاعْتَبَرَهُ، وَرَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ إِلا الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ مِنَ الصَّيْدِ، وَغَيْرُ الْمَأْكُولِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ، لِأَنَّ فِيهِ جُزْءًا مِنَ الْمَأْكُولِ. وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا عَقَرَ النَّاسَ، وَعَدَا عَلَيْهِمْ مِثْلَ الْأَسَدِ، وَالْفَهْدِ، وَالنَّمِرِ، وَالذِّئْبِ، فَهُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ السِّبَاعِ لَا يَعْدُو مِثْلَ الضَّبُعِ، وَالثَّعْلَبِ، وَالْهِرِّ، وَمَا أَشْبَهُهَا مِنَ السِّبَاعِ، فَلا يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ. وَقَالَ: مَا ضَرَّ مِنَ الطَّيْرِ، فَلا يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ إِلا مَا سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُرَابَ، وَالْحِدَأَةَ، وَإِنْ قَتَلَ شَيْئًا سِوَاهُ مِنَ النُّسُورِ، وَالْعِقْبَانِ، وَالرَّخْمِ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَقَالَ لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْغُرَابَ الصَّغِيرَ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ كُلُّ سَبُعٍ يَعْقِرُ، وَقَدْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلابِكَ»، فَافْتَرَسَهُ الْأَسَدُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ؟ فَذَكَرَ هَذِهِ الْخَمْسَةَ، قَالَ: «وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلا يَقْتُلُهُ»، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ

أَرَادَ بِهِ الْغُرَابَ الصَّغِيرَ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَبَّ، وَكَانَ عَطَاءٌ يَرَى فِيهِ الْفِدْيَةُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَلَمْ يُتَابِعُهُ عَلَى قَوْلِهِ أَحَدٌ. وقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا جَزَاءَ بِقَتْلِ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَاسُوا عَلَيْهِ الذِّئْبَ، وَقَالُوا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْفَهْدِ، وَالنَّمِرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَجَمِيعِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهَا، إِلا أَنْ يَبْتَدِئَهُ شَيْءٌ مِنْهَا، فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَتَلَهُ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْزَعَ الْمُحْرِمُ حَلَمَةً، أَوْ قُرَادًا مِنْ بَعِيرِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُقَرِّدُ بَعِيرًا وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَعْجَبُ إِلَيَّ. وَرَوَى الْحُرُّ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ فِي الْقَمْلَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ: يَتَصَدَّقُ بِكَسْرَةٍ أَوْ قَبْضَةٍ مِنْ طَعَامٍ. وَلَوْ صَالَ صَيْدٌ عَلَى مُحْرِمٍ، فَقَتَلَهُ فِي الدَّفْعِ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ: مَنْ حَلَّ بِكَ، فَاحْلِلْ بِهِ، يَعْنِي: مَنْ عَرَضَ لَكَ، فَحَلَّ بِكَ، فَكُنْ أَنْتَ أَيْضًا بِهِ حَلالا.

باب جزاء الصيد

بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [الْمَائِدَة: 95]. 1992 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: " سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الضَّبُعِ: أَصَيْدٌ هِيَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: أَيُؤْكَلُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ أَبِي عَمَّارٍ، هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْد، عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّار، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّبُعِ؟ فَقَالَ: «هُوَ صَيْدٌ، وَيَجْعَلُ فِيهِ كَبْشًا إِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ». قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إِبَاحَةِ لَحْمِ الضَّبُعِ، فَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الضَّبُعَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِبَاحَةُ لَحْمِ الضَّبُعِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ»، وَهَذَا عِنْدَ الْآخَرِينَ عَامٌّ خَصَّهُ حَدِيثُ جَابِرٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى: وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَرَاهِيَةِ لَحْمِ السَّبُعِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ. 1993 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ «قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ، وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ، وَفِي الْجَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ».

الْعَنَاقُ: الْأُنْثَى مِنْ أَوْلادِ الْمَعِزِ، وَالْجَفْرَةُ: الْأُنْثَى مِنْ أَوْلادِ الْمَعِزِ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، أَنَّهُ قَضَى فِي أُمِّ حُبَيْنِ بِحُلانٍ مِنَ الْغَنَمِ. وَأُمُّ حُبَيْنِ: دُوَيْبَةٌ عَلَى خِلْقَةِ الْحَرْبَاءِ عَرِيضَةُ الْبَطْنِ، وَالْحَبَنُ: عِظَمُ الْبَطْنِ، وَالحُلانُ وَالحُلامُ: وَلَدُ الْمِعْزَى، وَيُقَالُ: الْحَلامُ: الْحَمَلُ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ، وَفِي الشَّاةِ مِنَ الظِّبَاءِ شَاةٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ فِي النَّعَامَةِ إِذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَثَلَ الْمَجْهُولَ فِي الصَّيْدِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ، لَا مِنْ طَرِيقِ الْقِيمَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ مِنَ الْغَنَمِ جَزَاءٌ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ هَذِهِ الصُّيُودِ، سَوَاءٌ وَفَتْ بِقِيمَتِهَا، أَوْ لَمْ تَفِ بِهَا، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ مَوْكُولا إِلَى الاجْتِهَادِ، لِأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ بَدَلَهُ مُقَدَّرًا. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ الْمَثَلِ مِنَ النَّعَمِ: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ حَكَمُوا فِي بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَزْمَانٍ شَتَى بِالْمَثَلِ مِنَ النَّعَمِ، فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَهِيَ لَا تُسَاوِي بَدَنَةً، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ وَهِيَ لَا تُسَاوِي بَقَرَةً، وَفِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَهِيَ لَا تُسَاوِي كَبْشًا، فَدَلَّ أَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى مَا يَقْرُبُ مِنَ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ شَبَهًا مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي صِغَارِ أَوْلادِهَا صِغَارُ أَوْلادِ هَذِهِ. وَإِذَا أَصَابَ صَيْدًا أَعْوَرَ، أَوْ مَكْسُورًا، فَدَاهُ مِثْلَهُ، وَالصَّحِيحُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ فُدِيَ، فَفِي أَوْلادِهِ مِثْلَ مَا يَكُونُ فِي كِبَارِهِ، كَمَا أَنَّ دِيَةَ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ سَوَاءٌ. وَلَوِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحْرِمِينَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِلَى جَزَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ، كَمَا لَوْ قَتَلُوا رَجُلا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ هُوَ فِي الْجَزَاءِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ الْمِثْلَ مِنَ النَّعَمِ، فَيَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، فَيَتَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ يَوْمًا. وَلَهُ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ يَشَاءُ، لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ لَمْ يُخْرِجِ الْمِثْلَ يُقَوِّمِ الصَّيْدَ، ثُمَّ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ طَعَامًا، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقَوِّمَ الصَّيْدَ، فَإِنْ شَاءَ، صَرَفَ قِيمَتَهَا إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعَمِ، وَإِنْ شَاءَ إِلَى الطَّعَامِ، فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بِرٍّ، أَوْ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ شَاءَ، صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ، أَوْ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ يَوْمًا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ دَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، فَيَصُومُ بِكُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ: صَوْمُ يَوْمٍ، أَوْ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ، وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ غُلامًا مِنْ قُرَيْشٍ قَتَلَ حَمَامَةً مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ، فَأَمَرَ أَنْ يُفْدَى عَنْهُ بِشَاةٍ، وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ فِي حَمَامِ مَكَّةَ. وَالْحَمَامُ: كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْحَمَامِ مِنْ صَيْدِ الطَّيْرِ إِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ، أَوْ فِي الْحَرَمِ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ يُصْرِفُهَا إِلَى الطَّعَامِ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَقِيلَ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْحَمَامِ مِنْ عِظَامِ الطَّيْرِ كَالْكُرْكِيِّ، وَالْبَطِّ، وَالْحُبَارَى: شَاةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَأَمَّا صَيْدُ الْبَحْرِ، فَحَلالٌ لِلْمُحْرِمِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [الْمَائِدَة: 96] الْآيَةَ. وَكَذَلِكَ ذَبْحُ مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ كَالنَّعَمِ، وَالدَّجَاجِ، وَالْخَيْلِ حَلالٌ لِلْمُحْرِمِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَرَادِ، فَرَخَّصَ فِيهِ قَوْمٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصِيدَهَا وَيَأْكُلَهَا، وَقَالُوا: هِيَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَقَالَ: إِنْ هُوَ إِلا نَثْرَةَ حُوتٍ يَنْثُرُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ أَرَادَ بِنَثْرَةِ الْحُوتِ: عَطْسَتَهُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ مَرْفُوعًا «الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ». وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى الْمُحْرِمِ، فَإِنْ أَصَابَهَا، فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَصَبْتُ جَرَادَاتٍ بِسَوْطِي وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَطْعِمْ قَبْضَةً مِنْ طَعَامٍ. وَسَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ: تَعَالَ نَحْكُمُ، فَقَالَ كَعْبٌ: دِرْهَمٌ، وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكَ لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ، لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ.

باب المحرم إذا كان به أذى من رأسه يحلق ويفدي

بَابُ الْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ يَحْلِقُ وَيَفْدِي قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [الْبَقَرَة: 196]. أَرَادَ بِالنُّسُكِ: ذَبْحَ الشَّاةِ، يُقَالُ: نَسَكَ يَنْسُكُ نُسُكًا، أَيْ: ذَبَحَ، وَالذَّبِيحَةُ نَسِيكَةٌ، وَجَمْعُهَا نُسُكٌ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} [الْحَج: 67]. قِيلَ مَذْبَحًا، وَقِيلَ أَيْ: مَذْهَبًا مِنَ الطَّاعَةِ، يُقَالُ: نَسَكَ نُسْكَ قَوْمِهِ، أَيْ: ذَهَبَ مَذْهَبَهُمْ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [الْبَقَرَة: 128]، أَيْ: عَرِّفْنَا مُتَعَبَّدَاتِنَا، وَكُلُّ مُتَعَبَّدٍ مَنْسَكٌ. ثُمَّ سُمِّيَ أُمُورُ الْحَجِّ مَنَاسِكَ، وَالنُّسُكُ: الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ. 1994 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، نَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟»، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ بِشاةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَأَيُّوبَ، وَحُمَيْدٍ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ، وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ، وَالْقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " فَاحْلِقْ رَأْسَكَ، وَأَطْعِمْ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَالْفَرَقُ: ثَلاثَةُ آصُعٍ أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً "، وَأَرَادَ بِالْهَوَامِّ: الْقَمْلَ سَمَّاهَا هَوَامَّ، لِأَنَّهَا تَهِمُ فِي الرَّأْسِ وَتَدُبُّ. 1995 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ:

سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ، قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي: مَسْجِدَ الْكُوفَةِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ فِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ، فَقَالَ: حُمِلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: «مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ هَذَا، أَمَا تَجِدُ شَاةً؟»، قُلْتُ: لَا، قَالَ: «صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَاحْلِقْ رَأْسَكَ»، فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةٌ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا اخْتَارَ الإِطْعَامَ، يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، سَوَاءٌ أَطْعَمَ حِنْطَةً، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا. وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ، إِنْ تَصَدَّقَ بِالْبُرِّ أَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ، أَطْعَمَ كُلَّ وَاحِدٍ صَاعًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «أَوْ أَطْعَمَ ثَلاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ».

وَرُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «أَوُ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ زَبِيبٍ»، فَثَبَتَ بِاخْتِلافِ الرِّوَايَاتِ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ فِي الْقِدْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِدْيَةَ الْأَذَى مُخَيَّرَةٌ، يَتَخَيَّرُ الرَّجُلُ فِيهَا بَيْنَ الْهَدْيِ، وَالإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ، عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلا فَرْقَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ بِعُذْرٍ، أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ، إِنْ حَلَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ دَمٌ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَا غَيْرَ، وَكَذَلِكَ فِدْيَةُ قَلْمِ الْأَظْفَارِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرِ كَفِدْيَةِ الْحَلْقِ، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّعْدِيلِ، فَإِنْ شَاءَ ذَبَحَ الْمِثْلَ، أَوْ قَوَّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. أَمَّا فِدْيَةُ الاسْتِمْتَاعَاتِ، فَعَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ سَتَرَ رَأْسَهُ، أَوْ لَبِسَ مَا لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ، أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ، أَوْ تَطَيَّبَ، أَوْ بَاشَرَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ، فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الشَّاةِ، قَوَّمَ الشَّاةَ دَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الإِطْعَامِ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَكَذَلِكَ الْجِمَاعُ فِدْيَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ، غَيْرَ أَنَّ حُكْمَهُ أَغْلَظُ مِنْ سَائِرِ الاسْتَمْتَاعَاتِ، فَإِنْ جَامَعَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، فَسَدَ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةِ فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً فَسَبْعٌ مِنَ الْغَنَمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، قَوَّمَ الْبَدَنَةَ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ يَوْمًا.

وَإِنْ جَامَعَ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ لَا يَفْسَدُ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي أَنَّهَا بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ، وَهِيَ أَيْضًا عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ فِدْيَةٍ تَجِبُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ مِثْلَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ إِحْرَامٍ، مَعَ إِرَادَةِ النُّسُكِ، وَتَرْكِ الرَّمْيِ، وَالْبَيْتُوتَةِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَبِمِنًى لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَتَرْكِ طَوَافِ الْوَدَاعِ، فِدْيَتُهَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ، كَفِدْيَةِ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ. وَأَمَّا دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَكَذَلِكَ دَمُ الْفَوَاتِ، فَعَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ، فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَصُومُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ: ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي التَّمَتُّعِ. وَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِاللَّحْمِ وَالطَّعَامِ فِي هَذِهِ الْفِدْيَاتِ كُلِّهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، أَمَّا الصَّوْمُ فَحَيْثُ يَشَاءُ، لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ، وَقَالَ مَالِكٌ: الْهَدْيُ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا الصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ حَيْثُ أَحَبَّ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [الْمَائِدَة: 95].

باب المحرم يأتي امرأته

بَابُ الْمُحْرِمِ يَأْتِي امْرَأَتَهُ 1996 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّهُ كَانَ فِي حَلَقَةٍ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَذَكَرَ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَتَيْتَ عَظِيمًا، قَالَ: وَالرَّجُلُ يَبْكِي، فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ تَوْبَتِي أَنْ آمُرَ بِنَارٍ، فَأُؤَجِّجَهَا، ثُمَّ أُلْقِيَ نَفْسِي فِيهَا فَعَلْتُ، فَقَالَ: «إِنَّ تَوْبَتَكَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ، اقْضِيَا نُسُكَكُمَا، ثُمَّ ارْجِعَا إِلَى بَلَدِكُمَا، فَإِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ، فَاخْرُجَا حَاجَّيْنِ، فَإِذَا أَحْرَمْتُمَا فَتَفَرَّقَا، فَلا تَلْتَقِيَا حَتَّى تَقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا هَدْيًا».

وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ أَنَّهُمَا يَمْضِيَانِ فِي حَجِّهِمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجُّ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ. قَالَ الإِمَامُ: إِذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، فَسَدَ حَجُّهُ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، أَوْ بَعْدَهُ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ، ثُمَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُحْرِمَةٌ، وَطَاوَعَتْ، فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ أَيْضًا، وَعَلَيْهَا الْهَدْيُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا عَلَى الرَّجُلِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلا هَدْيٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ عَلَى الرَّجُلِ، كَمَا قَالَ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. وَإِذَا خَرَجَا فِي الْقَضَاءِ يَفْتَرِقَانِ حَذَرًا عَنْ مِثْلِ مَا وَقَعَ فِي الْأَدَاءِ. وَلَوْ جَامَعَ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ لَا يَفْسَدُ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، ثُمَّ تِلْكَ الْفِدْيَةُ بَدَنَةٌ أَمْ شَاةٌ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَمَرَ بِنَحْرِ بَدَنَةً، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَذَهَبَ

أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ، إِنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، لَا يَفْسَدُ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ جَامَعَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ، قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ. وَلَوْ قَبَّلَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ، أَوْ بَاشَرَ فِيهَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَفْسَدْ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَنْزَلَ فَسَدَ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ، وَلَوْ أَنْزَلَ بِفِكْرِهِ، أَوْ نَظَرٍ، أَوِ احْتِلامٍ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَفْسَدَ الْقَارِنُ نُسُكَهُ بِالْجِمَاعِ، فَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ حَتَّى يُتِمَّهُ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِإِفْسَادِهِ، وَهَدْيُ لِقِرَانِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ قَارِنًا.

باب الإحصار

بَابُ الإِحْصَارِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [الْبَقَرَة: 196]، الإِحْصَارُ: الْمَنْعُ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي يَقْصُدُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 273]، أَيْ: أَحْصَرَهُمُ الْجِهَادُ، فَمَنَعَهُمُ التَّصَرُّفَ، وَحَصَرْتُهُ أَيْ: حَبَسْتُهُ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاحْصُرُوهُمْ} [التَّوْبَة: 5]، أَيِ: احْبِسُوهُمْ، يُقَالُ لِمَنْ حُبِسَ فِي السِّجْنِ: حُصِرَ، وَالْحَصِيرُ: السَّجْنُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الْإِسْرَاء: 8]، أَيْ: سِجْنًا. 1997 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى، نَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَحَلَقَ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 1998 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا أُحْصِرَ عَنِ الْحَجِّ بِعَدُوٍّ، أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَهُوَ دَمُ شَاةٍ يَذْبَحُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ، ثُمَّ يَحْلِقَ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلا يَجْعَلُ التَّحَلُّلَ لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ حَتَّى يَذْبَحَهُ، وَمَنْ جَعَلَ الْحَلْقَ نُسُكًا، فَحَتَّى يَحْلِقَ. وَالْهَدَايَا كُلُّهَا يَخْتَصُّ ذَبْحُهَا بِالْحَرَمِ، إِلا هَدْيَ الْمُحْصَرِ، فَإِنَّ مَحِلَّ ذَبْحِهِ حَيْثُ يُحْصَرُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: دَمُ الإِحْصَارِ لَا يُرَاقُ أَيْضًا إِلا فِي الْحَرَمِ، فَيُقِيمُ الْمُحْصَرُ عَلَى إِحْرَامِهِ، فَيَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى مَكَّةَ وَيُوَاعِدُ مَنْ يَذْبَحُهُ بِهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، حَلَّ. وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي الْمُحْصَرِ إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: لَا بَدَلَ لَهُ وَالْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَجِدَ، وَالثَّانِي: لَهُ بَدَلٌ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِيهِ، فَفِي قَوْلٍ: عَلَيْهِ صَوْمُ الْمُتَمَتِّعِ، وَفِي قَوْلٍ: هُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ، كَفِدْيَةِ الطِّيبِ وَاللُّبْسِ.

ثُمَّ الْمُحْصَرُ إِنْ كَانَ حَجُّهُ حَجُّ فَرْضٍ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ الْفَرْضُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذِهِ أَوَّلَ سَنَةِ الْوُجُوبِ، أَوْ كَانَ حَجُّهُ تَطَوُّعًا، فَهَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ؟ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَزَادَ النَّخَعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، فَقَالُوا: إِذَا أُحْصِرَ عَنِ الْحَجِّ فَتَحَلَّلَ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُبْدِلُوا الْهَدْيَ الَّذِي نَحَرُوا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَيَحْتَجُّ بِهَذَا مِنْ يُوجِبُ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَمَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ دَمَ الإِحْصَارِ لَا يُذْبَحُ إِلا فِي الْحَرَمِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْدَالِ الْهَدْيِ، لِأَنَّهُمْ نَحَرُوا هَدَايَاهُمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [الْمَائِدَة: 95]. فَلَمْ تَقَعْ تِلْكَ الْهَدَايَا مَحْسُوبَةٌ، فَلَزَمَهُمُ الإِبْدَالُ. وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ، وَهُوَ كَالْمُحْصَرِ، وَالْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا عَتَقَ، أَتَى بِهِ، وَمَنْ جَعَلَ لِلْهَدْيِ بَدَلا، فَإِنْ صَامَ فِي حَالِ رِقِّهِ، جَازَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ لِلْهَدْيِ بَدَلا. أَمَّا الْحَاجُّ إِذَا أُحْصِرَ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَهَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلانِ،

أَحَدُهُمَا: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، كَمَنْ أُحْصِرَ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَعَنْ دُخُولِ مَكَّةَ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالْفَائِتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُحْصِرَ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَعَنْ دُخُولِ مَكَّةَ، ثُمَّ انْكَشَفَ لِلْعَدُوِّ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلانِ: فَإِنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَصَوْمُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ كَمَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا 1999 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: «أَلَيْسَ حَسْبكُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ، طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلا، فَيُهْدِيَ أَوْ يَصُومَ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا». أَمَّا الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ إِذَا حَبَسَهُ مَرَضٌ، أَوْ عُذْرٌ غَيْرُ حَبْسِ الْعَدُوِّ، فَهَلْ لَهُ التَّحَلُّلُ؟ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِلْ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ، فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا حَصْرَ إِلا حَصْرُ الْعَدُوِّ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ لَهُ التَّحَلُّلَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعُرْوَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كُسِرَ، أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ»، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالا: صَدَقَ، وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ لِمَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَا حَصْرَ إِلا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ وَالْعَرَجِ، إِذَا كَانَ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الإِحْرَامِ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ أَشْتَرِطُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَتْ: فَكَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُولِي: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَمَحِلِّي مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ حَبَسْتَنِي». 2000 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: «لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟» قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَجِدُنِي إِلا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: " حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي "، وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الرُّخْصَةِ فِيهِ، وَقَالَ: إِذَا أَحْرَمَ، وَشَرَطَ أَنْ يَخْرُجَ بِعُذْرِ كَذَا، يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ، وَلَهُ الْخُرُوجُ بِالْعُذْرِ الَّذِي سَمَّى، لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَهَؤُلاءِ يَقُولُونَ: لَا يُبَاحُ التَّحَلُّلُ بِعُذْرٍ سِوَى حَصْرِ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، لِأَنَّ التَّحَلُّلَ لَوْ كَانَ مُبَاحًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِمَا كَانَتْ تَحْتَاجُ ضُبَاعَةُ إِلَى الشَّرْطِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ إِحْرَامَهُ مُنْعَقِدٌ، وَلا يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالشَّرْطِ، كَمَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا. وَجَعَلُوا ذَلِكَ رُخْصَةً خَاصَّةً لِضُبَاعَةَ، كَمَا أَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ فِي رَفْضِ الْحَجِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ، مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ لِقَوْلِهِ: «مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي».

باب فوت الحج

بَابُ فَوْتِ الْحَجِّ 2001 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْحَجُّ عَرَفَاتٌ، مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَقَدْ أَدْرَكَ أَيَّامُ مِنًى ثَلاثٌ، مَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأخَّرَ، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ». قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: لَيْسَ عِنْدَكُمْ حَدِيثٌ أَشْرَفُ مِنْ هَذَا. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ.

قَوْلُهُ: «الْحَجُّ عَرَفَاتٌ»، يُرِيدُ مُعْظَمَ الْحَجِّ هُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ غَيْرِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ، فَأَتَاهُ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمِثْلُهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَاجَّ إِذَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِهِ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَوَقْتُهُ مَا بَيْنَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، يَجِبُ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْسُوبًا عَنِ الْعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ، وَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، يَصُومُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ فِي الْقَضَاءِ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ كَالْمُتَمَتِّعِ. 2002 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ، كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ، فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ بِالْبَيْتِ، وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَانْحَرُوا هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ

احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا، ثُمَّ ارْجِعُوا، فَإِنْ كَانَ عَامُ قَابِلٍ، فَحُجُّوا وَاهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعَ». وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ: «اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ، فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، فَاحْجُجْ وَاهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ». وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَوَقَفَ لَيْلا كَانَ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ، وَلا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَى أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَقَالَ الْحَسَنُ: عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَحَجُّهُ تَامُّ. وَمَنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَالْوُقُوفُ بِهَا، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَحَجُّهُ تَامٌّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَحُكِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، أَنَّ مَنْ فَاتَهُ جَمْعٌ وَلَمْ يَقِفْ بِهِ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَيَجْعَلُ إِحْرَامَهُ عُمْرَةً، وَمِمَّنْ تَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [الْبَقَرَة: 198]. وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ.

باب حرم مكة

بَابُ حَرَمِ مَكَّةَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمرَان: 97]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [الْبَقَرَة: 125]. وَقَوْلُهُ: {مَثَابَةً} [الْبَقَرَة: 125]، أَيْ: مَعَادًا يَصْدُرُونَ عَنْهُ، وَيَثُوبُونَ إِلَيْهِ، أَيْ: يَرْجِعُونَ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1} وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ {2}} [الْبَلَد: 1 - 2]، يَعْنِي: مَكَّةَ. لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنَ الإِثْمِ فِيهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ أُحِلَّتْ لَهُ سَاعَةٌ مِنَ النَّهَارِ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} [التِّين: 3]، يَعْنِي مَكَّةَ كَانَ آمِنًا قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُغَارُ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ يُغِيرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمرَان: 96]، يُقَالُ: بَكَّةُ: مَكَانُ الْبَيْتِ، وَمَكَّةُ سَائِرُ الْبَلَدِ، قِيلَ: سُمِّيَتْ بَكَّةَ، لِأَنَّ النَّاسَ يَبْكُونَ هُنَاكَ، أَيْ يَدْفَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الطَّوَافِ، وَقِيلَ: مَكَّةُ وَبَكَّةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَالْبَاءُ تُبْدَلُ مِنَ الْمِيمِ.

وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ} [الْحَج: 26]، أَيِ: الْمُصَلِّينَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [الْمَائِدَة: 97]، أَيْ: صَلاحًا وَمَعَاشًا لِأَمْنِ النَّاسِ بِهِ. 2003 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «لَا هِجْرَةَ، ولَكِنْ جِهَادٌ وَنيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا». وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنْفَرُ صَيْدُهُ، وَلا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ»، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلا الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لَقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ؟ قَالَ: «إِلا الإِذْخِرَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ. وَقَوْلُهُ: «لَا هِجْرَةَ»، يُرِيدُ بِهَا الْهَجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِنَّهَا ارْتَفَعَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ، لِأَنَّ مَكَّةَ صَارَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ دَارُ الإِسْلامِ، وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ عَنْهَا وَاجِبَةً قَبْلَ ذَلِكَ، لِكَوْنِهَا مَسَاكِنَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكُلُّ مَنْ أَسْلَمَ الْيَوْمَ فِي بَلْدَةٍ مِنْ بِلادِ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِمُفَارَقَتِهَا، وَالْهِجْرَةِ عَنْهَا إِلَى دَارِ الإِسْلامِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ»، وَيُرْوَى: " انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: جِهَادٍ، أَوْ نِيَّةٍ، أَوْ حَشْرٍ ".

أَرَادَ: انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ، وَتَرْكُ الْأَوْطَانِ، إِلا فِي ثَلاثٍ: جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ نِيَّةٍ يُفَارِقُ بِهَا الرَّجُلُ الْفِسْقَ وَالْفُجُورَ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَغْيِيرِهِ، أَوْ جَلاءٍ يُصيِبُ النَّاسَ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ. قَالَهُ الْقُتَيْبِيُّ. وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى قَوْلِهِ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ»، قَالَ: كَانَتِ الْهِجْرَةُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الآحَادَ مِنَ الْقَبَائِلِ كَانُوا إِذَا أَسْلَمُوا، وَهُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِمْ، فُتِنُوا وَأُوذُوا، فَأُمِرُوا بِالْهِجْرَةِ، لِيَزُولَ عَنْهُمْ ذَلِكَ. وَالْآخَرُ: أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ بِالْمَدِينَةِ كَانُوا فِي قِلَّةٍ وَضَعْفٍ، فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَيْهِمْ، لِيَتَقَوَّوْا بِهِمْ، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةَ، اسْتَغْنَوْا عَنْ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ مُعْظَمُ الْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: أَقِيمُوا فِي أَوْطَانِكُمْ عَلَى نِيَّةِ الْجِهَادِ، فَإِنَّ فَرْضَهُ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ مَدَى الدَّهْرِ، وَكُونُوا مُسْتَعَدِّينَ لَهُ لِتَنْفِرُوا إِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ. قَوْلُهُ: «وَلَمْ يُحِلَّ لِي إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ»، أَرَادَ بِهِ سَاعَةَ الْفَتْحِ أُبِيحَتْ لَهُ إِرَاقَةُ الدَّمِ فِيهَا دُونَ الصَّيْدِ، وَقَطْعُ الشَّجَرِ، وَسَائِرُ مَا حُرِّمَ عَلَى النَّاسِ مِنْهَا. وَيَسْتَدِلُّ بِهَذَا مَنْ يَذْهَبْ إِلَى أَنَّ مَكَّةَ، فُتِحَتْ عُنْوَةً لَا صُلْحًا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَتَأَوَّلَهُ غَيْرُهُمْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ غَيْرِ إِحْرَامٍ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ دَخَلَهَا وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.

وَقَوْلُهُ: «لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ»، أَيْ: لَا يُقْطَعُ، وَأَرَادَ بِهِ مَا لَا يُؤْذِي مِنْهُ، فَأَمَّا الْمُؤْذِي مِنَ الشَّوْكِ كَالْعَوْسَجِ، فَلا بَأْسَ بِقَطْعِهِ، كَالْحَيَوَانِ الْمُؤْذِي لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلا يَنْفِرُ صَيْدُهَا، وَلا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ»، وَالْعَضَدُ: الْقَطْعُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُوجِبُ تَحْرِيمَ قَطْعِ أَشْجَارِ الْحَرَمِ عَلَى الْعُمُومِ، سَوَاءٌ ذَلِكَ مَا غَرَسَهُ الْآدَمِيُّونَ، أَوْ نَبَتَ مِنْ غَيْرِ غَرْسٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ:

أَنَّ النَّهْيَ مَصْرُوفٌ إِلَى مَا نَبَتَ مِنْ غَيْرِ غَرْسٍ آدَمِيٍّ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِإِنْبَاتِهِ كَالْأَرَاكِ، وَالطَّرْفَاءِ، وَالْغَضَى، وَنَحْوَهَا. فَأَمَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِنْبَاتِهِ، كَالْفَوَاكِهِ، وَالْخِلافِ، وَالْعَرْعَرِ، وَالصَّنَوْبَرِ وَنَحْوَهَا، فَلا بَأْسَ بِقَطْعِهَا، كَمَا أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ غَيْرُ مُمْنُوعٍ عَنْ ذَبْحِ النَّعَمِ وَالْحَيَوَانِ الإِنْسِيَةِ. وَإِذَا قَطَعَ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ، فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ حَلالا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. فَعَلَيْهِ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ، وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ، يَتَخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَهَا، فَيَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَهَا دَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، فَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ. أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا كَمَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُضْمَنُ شَجَرُ الْحَرَمِ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ. أَمَّا إِذَا قَطَعَ غُصْنًا مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَخْلَفُ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَخْلَفُ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، فَيُصْرِفُهَا إِلَى الطَّعَامِ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَصُومُ. قَوْلُهُ: «وَلا يَنْفِرُ صَيْدُهُ»، مَعْنَاهُ: لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِالاصْطِيَادِ، وَلا يُهَاجُ، فَإِنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْرِمِ يُصِيبُ الصَّيْدَ، رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ غُلامًا مِنْ قُرَيْشٍ قَتَلَ حَمَامَةً مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ، فَأَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يُفْدَى عَنْهُ بِشَاةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ فِي جَزَاءِ صَيْدِ الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: «وَلا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلا مَنْ عَرَّفَهَا»، وَيُرْوَى: «وَلا يَحِلُّ لقطتهَا إِلا لِمُنْشِدٍ»، أَيِ: الْمُعَرِّفِ، فَالْمُنْشِدُ: الْمُعَرَّفُ، وَالنَّاشِدُ: الطَّالِبُ،

سُمِّيَ نَاشِدًا لِرَفْعِهِ صَوْتَهُ بِالطَّلَبِ، وَالنَّشِيدُ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وَمِنْهُ إِنْشَادُ الشِّعْرِ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي لُقْطَةِ الْحَرَمِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاجِدِهَا غَيْرُ التَّعْرِيفِ أَبَدًا، وَلا يَمْلِكُهَا بِحَالٍ، وَلا يَسْتَنْفِقُهَا، وَلا يَتَصَدَّقُ بِهَا حَتَّى يَظْفَرَ بِصَاحِبِهَا، بِخِلافِ لُقْطَةِ سَائِرِ الْبِقَاعِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ لُقْطَةِ الْحَاجِّ». وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ لُقْطَةِ الْحَرَمِ وَالْحِلِّ، وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ: «إِلا مَنْ عَرَّفَهَا»، يَعْنِي: كَمَا يُعَرِّفُهَا فِي سَائِرِ الْبِقَاعِ حَوْلا كَامِلا، حَتَّى لَا يَتَوَهَّمْ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهُ إِذَا نَادَى عَلَيْهَا وَقَتَ الْمَوْسِمِ، فَلَمْ يَظْهَرْ مَالِكُهَا، جَازَ لَهُ تَمَلُّكُهَا. وَقَوْلُهُ: «وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ»، فَالْخَلَى: الرَّطْبُ مِنَ النَّبَاتِ، فَلا يَجُوزُ قَطْعُ حَشِيشِ الْحَرَمِ، وَلا قَطْعُهُ رَطْبًا، إِنْ كَانَ لَا يُسْتَخْلَفُ إِلا الإِذْخِرِ لِإِذْنِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِيهِ، فَإِنْ قَطَعَ شَيْئًا سِوَاهُ، فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَهُوَ قِيمَتُهُ، يُصْرِفُهَا إِلَى الطَّعَامِ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَصُومُ، وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ الرَّعْيَ فِيهِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ أَبُو حَنِيفَةَ الرَّعْيَ، كَالاحْتِشَاشِ. وَيُجَوِّزُ قَطْعَ الْحَشِيشِ لِلدَّوَاءِ عَلَى أَظْهَرِ وَجْهَيْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، كَمَا يُجَوِّزُ قَطْعَ الإِذْخِرِ لِلْبُيُوتِ وَالْقُبُورِ، وَلا بَأْسَ بِقَطْعِ الْحَشِيشِ الْيَابِسِ، وَالشَّجَرِ الْيَابِسِ، كَالصَّيْدِ الْمَيِّتِ يَقُدُّهُ.

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا» وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِبَاحَةِ الشَّوْكِ إِذَا كَانَ صَلْبًا لَا يَرْعَاهُ الإِبِلُ كَالْحَطَبِ، فَأَمَّا مَا دُقَّ مِنْهُ حَتَّى يَرْعَاهُ الإِبِلُ، فَهُوَ الَّذِي يَتَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ. وَيُكْرَهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ نَقْلُ تُرَابِ الْحَرَمِ، وَإِخْرَاجُ الْحِجَارَةِ عَنْهُ، لِتَعَلُّقِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ بِهَا، وَلا يُكْرَهُ نَقْلُ مَاءِ زَمْزَمَ لِلتَّبَرُّكِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُهُ. وَقَالَ الْعَبَّاسُ فِي زَمْزَمَ: لَسْتُ أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ. فَالْحِلُّ الْحَلالُ، وَالْبِلُّ: الْمُبَاحُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ. 2004 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بْكَرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلا يَحِلُّ لَمِنْ كَانَ

يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، فَإِنِ ارْتَخَصَ أَحَدٌ، فَقَالَ: أُحِلَّتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا لِي، وَلَمْ يُحِلَّهَا لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، ثُمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ، قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ، مَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلا، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ، إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ قَتِيلِ خُزَاعَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهَا ذِكْرُ قَتِيلِ خُزَاعَةَ وَفِي رِوَايَتِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ»، يُرِيدُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ كِتْبَةِ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَدْوِينِهَا، وَعَلَى جَوَازِ كِتْبَةِ الْعِلْمِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّلَفِ وَعَامَّةِ الْخَلَفِ. وَقَوْلُهُ: «لَا يَحِلُّ لِمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا»، ظَاهِرُهُ لِتَحْرِيمِ الدِّمَاءِ كُلِّهَا حَقًّا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ. 2005 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، نَا ابْنُ أَعْيَنَ، نَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلاحَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ: «وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ»، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُبِيحَ لَهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَنْ يُرِيقَ دَمًا حَرَامًا إِرَاقَتِهِ، بَلْ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ إِرَاقَةُ دَمٍ كَانَ مُبَاحًا خَارِجَ الْحَرَمِ، وَكَانَ دُخُولُ الْحَرَمِ يُحَرِّمُهُ، وَصَارَ الْحَرَمُ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْحِلِّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنِ ارْتَكَبَ خَارِجَ الْحَرَمِ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ، هَلْ يَحِلُّ قَتْلُهُ فِيهِ؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ ذَلِكَ، وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا شُرَيْحٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ حِينَ كَانَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ

الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلا فَارًّا بِدَمٍ، وَلا فَارًّا بِخَرْبَةٍ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْخِرْبَةِ: السِّرْقَةُ، وَالْخِرَابَةُ عِنْدَهُمْ: سِرْقَةُ الإِبِلِ خَاصَّةً، يُقَالُ: رَجُلٌ خَارِبٌ، وَيُسَمُّونَ اللُّصُوصَ خِرَابًا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا، فَلِوَلِيِّ الدَّمِ الْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ قِصَاصًا، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ، وَإِذَا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ أَدَاءُ الدِّيَةِ، رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّمِ إِلا الْقِصَاصِ، فَإِنْ عَفَا، فَلا دِيَةَ لَهُ إِلا بِرِضَى الْقَاتِلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَفِي قَوْلِهِ: «فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ تَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَفِي قَوْلِهِ: «إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا قَتْلَ لِبَعْضِهِمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَطْفَالا لَيْسَ لِلْبَالِغِينِ الْقِصَاصُ حَتَّى يَبْلُغُ الْأَطْفَالُ، كَمَا لَوْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ غَائِبًا، لَا قِصَاصَ لِلْحَاضِرِينَ حَتَّى يَقْدَمُ الْغَائِبُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ لِلْبَالِغِ الاسْتِيفَاءِ قَبْلَ بُلُوغِ الطِّفْلِ، وَخَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.

باب دخول مكة بلا إحرام

بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ بِلا إِحْرَامٍ 2006 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ السَّامِرِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ، جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ خَطْلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتُلُوهُ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمِئِذٍ مُحْرِمًا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ، عَنْ مَالِكٍ. 2007 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،

عَنْ جَابِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عَمَامَةٌ سَوْدَاءُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الإِحْرَامُ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الإِحْرَامُ لِدُخُولِهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، كَالْمَكِّيِّ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ، ثُمَّ يَدْخُلُ، لَا يَلْزَمُهُ الإِحْرَامُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الإِحْرَامُ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْحَطَّابِينَ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى مَنْ دَارُهُ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَفِي أَمْرِهِ بِقَتْلِ ابْنِ خَطْلٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَرَمَ لَا يَعْصِمُ مِنْ إِقَامَةِ عُقُوبَةٍ وَجَبَتْ عَلَى إِنْسَانٍ، وَلا يُوجِبُ تَأْخِيرَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ خَطْلٍ كَانَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهٍ مَعَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَّرَ الْأَنْصَارِيَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَثَبَ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ، فَقَتَلَهُ، وَذَهَبَ بِمَالِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ لِخِيَانَتِهِ.

باب خراب الكعبة في آخر الزمان

بَابُ خَرَابِ الْكَعْبَةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ 2009 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدُ أَفْحَجُ يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا». قَوْلُهُ: «ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ»، تَصْغِيرُ السَّاقِ، صَغَّرَهُمَا لِدِقَّتِهِمَا وَصِغَرِهِمَا، وَفِي سُوقِ الْحُبْشِ حُمُوشَةٌ. وَالْأَفْحَجُ: الْبَعِيدُ مَا بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ، وَذَلِكَ مِنْ نُعُوتِ الْحُبْشَانِ.

باب حرم المدينة

بَابُ حَرَمِ الْمَدِيَنةِ 2010 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا كَتَبْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا الْقُرْآنَ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعَنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلائِكَةِ. وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ، ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ، وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَيُرْوَى: «مَا بَيْنَ عَايِرٍ إِلَى ثَوْرٍ». قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: عَايِرٌ وَثَوْرٌ: جَبَلانِ، وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يَعْرِفُونَ بِالْمَدِينَةِ جَبَلا، يُقَالُ لَهُ: «ثَوْرٌ»، وَإِنَّمَا «ثَوْرٌ» بِمَكَّةَ، فَيَرَوْنَ أَنْ أَصْلَ الْحَدِيثِ «مَا بَيْنَ عَايِرٍ إِلَى أُحُدٍ».

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صَيْدِ الْمَدِينَةِ، وَشَجَرِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: لَا جَزَاءَ عَلَى مَنِ اصْطَادَ فِي الْمَدِينَةِ صَيْدًا، أَوْ قَطَعَ شَجَرًا. وَقَالَ قَوْمٌ: تَحْرِيمُ الْمَدِينَةِ إِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمُ حُرْمَتِهَا دُونَ تَحْرِيمِ صَيْدِهَا وَشَجَرِهَا، وَاحْتَجُّوا بَحَدِيثِ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَخٍ لَهُ صَغِيرٍ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟»، وَالنُّغَيْرُ: صَيْدٌ، وَلَوْ كَانَ صَيْدُ الْمَدِينَةِ حَرَامًا لَمْ يَحِلَّ اصْطِيَادُهُ بِالْمَدِينَةِ، وَلَأَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَحْرِيمِ شَجَرِهَا دُونَ صَيْدِهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِهَا جَمِيعًا، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى طَائِرٍ أُخِذَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ يَرَى الْجَزَاءَ عَلَى مَنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْ صَيْدِ الْمَدِينَةِ، أَوْ قَطَعَ شَيْئًا مِنْ شَجَرِهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا». وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدًا، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانُوا يَرَوْنَ صَيْدَ الْمَدِينَةِ حَرَامًا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ تَرْتَعُ بِالْمَدِينَةِ مَا ذَعَرْتُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا حَرَامٌ»، وَوَجَدَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ غِلْمَانًا قَدْ أَلْجَأُوا ثَعْلَبًا إِلَى

زَاوِيَةٍ، فَطَرَدَهُمْ عَنْهُ، وَقَالَ: أَفِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْنَعُ هَذَا! وَأَخَذَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ نُهْسًا مِنْ يَدِ وَاحِدٍ اصْطَادَهُ، فَأَرْسَلَهُ. فَأَمَّا إِيجَابُ الْجَزَاءِ، فَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَذْهَبُ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ مَنِ اصْطَادَ فِي الْمَدِينَةِ صَيْدًا، أَوْ قَطَعَ شَجَرًا أُخِذَ سَلَبُهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ، فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُهُ، فَسَلَبُهُ، فَجَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ، فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ مِنْ غُلامِهِمْ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ قَطْعِ سِدْرِ الْمَدِينَةِ لِيَبْقَى شَجَرُهَا، فَيَسْتَأْنِسَ بِهَا، وَيَسْتَظِلَّ بِهَا مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا. قَوْلُهُ: «مَنْ آوَى مُحْدِثًا»، يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ «مُحْدِثًا» بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ صَاحِبُ الْحَدَثِ وَجَانِيهِ، وَ «مُحْدَثًا» بِفَتْحِ الدَّالِ وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُحْدَثُ، وَالْعَمَلُ الْمُبْتَدَعُ الَّذِي لَمْ تَجْرِ بِهِ سُنَّةٌ، وَقِيلَ: أَرَادَ مَنْ آوَى جَانِبًا، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: «لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ»، قِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْعَدْلِ: إِنَّهُ الْفَرِيضَةُ، وَالصَّرْفُ: النَّافِلَةُ، وَمَعْنَى الصَّرْفُ: الرِّبْحُ وَالزِّيَادَةُ، وَمِنْهُ صَرْفُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الصَّرْفُ: التَّوْبَةُ، وَالْعَدْلُ

وَالْفِدْيَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الْأَنْعَام: 70]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} [الْبَقَرَة: 123]. وَأَمَّا الصَّرْفُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا} [الْفرْقَان: 19]، حَمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى هَذَا. وَقَوْلُهُ: «يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ»، الذِّمَّةُ: الْأَمَانُ، مَعْنَاهُ: إِذَا أَعْطَى وَاحِدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَمَانًا لِبَعْضِ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ أَمَانَهُ مَاضٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُجيِرُ عَبْدًا، وَهُوَ أَدْنَاهُمْ وَأَقَلُّهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَمْ يُجَوِّزْ أَبُو حَنِيفَةَ أَمَانَ الْعَبْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْجِهَادِ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْأَمَانُ مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا أَمَّنَ وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، فَأَمَّا عَقْدُ الْأَمَانِ لِأَهْلِ نَاحِيَةٍ عَلَى الْعُمُومِ، فَلا يَصِحُّ إِلا مِنَ الإِمَامِ، كَعَقْدِ الذِّمَّةِ، لِأَنَّهُ الْمَنْصُوبُ لِمُرَاعَاةِ النَّظَرِ لِأَهْلِ الإِسْلامِ عَامَّةً. وَقَوْلُهُ: «فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا»، يُرِيدُ نَقَضَ الْعَهْدَ، يُقَالُ: خَفَرْتُ الرَّجُلَ: إِذَا أَمَّنْتُهُ، وَأَخْفَرْتُهُ بِالْأَلِفِ: إِذَا نَقَضْتُ عَهْدَهُ. وَقَوْلُهُ: «مَنْ

وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ»، فَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّرْطِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَ مَوَالِيهِ إِذَا أَذِنُوا لَهُ فِيهِ، لِأَنَّ الْوَلاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يَنْتَقِلُ بِحَالٍ، كَمَا لَا يَنْتَقِلُ النَّسَبُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى التَّوْكِيدِ لِتَحْرِيمِهِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ، يُرِيدُ: إِذَا سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ فِعْلَ هَذَا الصَّنِيعِ فَلا يَفْعَلْهُ مُسْتَسِرًّا بِهِ عَنْ أَوْلِيَائِهِ، بَلْ يُخْبِرُهُمْ وَيَسْتَأْذِنُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْذَنَ أَوْلِيَاءَهُ فِي مُوَالاةِ غَيْرِهِمْ، مَنَعُوهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ دُونَهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ، وَرُبَّمَا يُعْرَفُ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ، وَامْتِدَادِ الزَّمَنِ بِوَلاءِ مَنِ انْتَقَلَ إِلَيْهِمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِبُطْلانِ حَقِّ مَوَالِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الإِمَامُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ لِلَّهِ»، وَوَجٌّ: ذَكَرُوا أَنَّهَا مِنْ نَاحِيَةِ الطَّائِفِ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الإِمْلاءِ أَنَّهُ لَا يُصَادُ فِيهِ، وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ضَمَانًا، وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: مَنْ فَعَلَهُ يُؤَدِّبُهُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: لَسْتُ أَعْلَمُ لِتَحْرِيمِهِ «وَجًّا» مَعْنَى، إِلا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْحِمَى لِنَوْعٍ مِنْ مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ إِنَّمَا كَانَ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَفِي مُدَّةٍ مَحْصُورَةٍ، ثُمَّ نُسِخَ، فَعَادَ الْأَمْرُ إِلَى الإِبَاحَةِ كَسَائِرِ بِلادِ الْحِلِّ. قَالَ الإِمَامُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي هَذَا الْمَعْنَى النَّقِيعُ حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَلَى النَّظَرِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ، فَيَجُوزُ الاصْطِيَادُ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَنْعُ الْكَلأِ مِنَ الْعَامَّةِ، فَلَوْ أَتْلَفَ رَجُلٌ شَيْئًا مِنْ شَجَرِهِ، قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: عَلَيْهِ غُرْمُ مَا أَتْلَفَ، كَحَشِيشِ الْحَرَمِ. وَلا يَجُوزُ بَيْعُ النَّقِيعِ، وَلا بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ أَشْجَارِهِ كَالْمَوْقُوفِ.

باب فضل المدينة وحب النبي صلى الله عليه وسلم إياها ودعائه لها

بَابُ فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَحُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا وَدُعَائِهِ لَهَا 2011 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ، فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو. وَ «الْلابَةُ»: الْحَرَّةُ، وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا حِجَارَةٌ سُودٌ، وَجَمْعُهَا الْقَلِيلُ لابَاتٍ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الثَّلاثِ إِلَى الْعَشْرِ، فَإِذَا كَثُرَتْ فَهِيَ الْلابُ وَاللُّوبُ. وَقَوْلُهُ: «مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا»، أَيْ: مَا بَيْنَ طَرَفَيْهَا. وَقَوْلُهُ فِي أُحُدٍ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَرَادَ بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَسُكَّانَهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُف: 82]، أَيْ: أَهْلِ الْقَرْيَةِ، قَالَ الإِمَامُ: وَالْأَوْلَى إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلا يُنْكَرُ وَصْفُ الْجَمَادَاتِ بِحُبِّ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَوْلِيَاءِ، وَأَهْلِ الطَّاعَةِ، كَمَا حَنَّتِ الْأُسْطُوَانَةُ

عَلَى مُفَارَقَتِهِ حَتَّى سَمِعَ الْقَوْمُ حَنِينَهَا إِلَى أَنْ أَسْكَتَهَا الرَّسُولُ، وَكَمَا أُخْبِرَ أَنَّ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَحْيِ، فَلا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ جَبَلُ أُحُدٍ، وَجَمِيعُ أَجْزَاءِ الْمَدِينَةِ كَانَتْ تُحِبُّهُ، وَتَحِنُّ إِلَى لِقَائِهِ حَالَةَ مُفَارَقَتِهِ إِيَّاهَا، حَتَّى أَسْرَعَ إِلَيْهَا حِينَ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهَا، كَمَا أَقْبَلَ عَلَى الْأُسْطُوَانَةِ وَاحْتَضَنَهَا حِينَ سَمِعَ حَنِينَهَا عَلَى مُفَارَقَتِهِ. 2012 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفرٍ، فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ، أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. 2013 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءَوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ، وَخَلِيلُكَ، وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ»، ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ، فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ. وَقَوْلُهُ: «بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا»، يُرِيدُ فِي طَعَامِنَا الْمُكَيَّلِ بِالصَّاعِ وَالْمُدِّ، وَدَعَا لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ فِي أَقْوَاتِهِمْ. 2014 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلالٌ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

وَكَانَ بِلالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ، فَيَقُولُ: أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: «وَعِكَ»، يُقَالُ: وَعِكَتُهُ الْحُمَّى تَعِكُهُ، فَهُوَ مَوْعُوكٌ، أَيْ: مَحْمُومٌ. يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ، أَيْ: صَوْتَهُ. وَالإِذْخِرُ مَعْلُومٌ، وَالْجَلِيلُ: نَبْتٌ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ الثُّمَامُ. وَمَجَنَّةٌ: سُوقُ مَتْجَرٍ كَانَتْ بِقُرْبِ مَكَّةَ، وَشَامَةٌ وَطُفَيْلٌ: عَيْنَانِ هُنَاكَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّهُمَا جَبَلانِ حَتَّى أُثْبِتَ لِي أَنَّهُمَا عَيْنَانِ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْجُحْفَةَ كَانَتْ إِذْ ذَاكَ دَارُ الْيَهُودِ، فَلِذَلِكَ

دَعَا بِنَقْلِ الْحُمَّى إِلَيْهَا. وَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي عِيَادَةِ النِّسَاءِ الرِّجَالَ، وَعَادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنَ الْأَنْصَارِ. 2015 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نُبَيْهٍ الْكَعْبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَّاظِ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِدَهْمٍ أَوْ بِسُوءٍ، أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعْدٍ. قَوْلُهُ: «بِدَهْمٍ»، أَيْ: غَائِلَةٍ وَأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَجَيْشٌ دَهِمٌ، أَيْ: كَثِيرٌ. 2016 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَلى الإِسْلامِ، فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. الْكِيرُ: الزِّقُ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ الْحَدَّادُ، وَالْكُورُ: مَا كَانَ مَبْنِيًّا بِالطِّينِ، وَقَوْلُهُ: «يَنْصَعُ»، أَيْ: يَخْلُصُ، وَنَاصِعُ كُلِّ شَيْءٍ خَالِصُهُ. 2017 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى، يَقُولُونَ: يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: «تَأْكُلُ الْقُرَى»، أَيْ يُجْلَبُ إِلَيْهَا طَعَامُ الْقُرَى، فَهِيَ تَأْكُلُهَا، وَأَرَادَ مَا يَحْصُلُ مِنَ الْفُتُوحِ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَيُصِيبُونَ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَأَضَافَ الْأَكْلَ إِلَى الْقَرْيَةِ، وَالْمُرَادُ أَهْلُهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يُوسُف: 48]، أَضَافَ الْأَكْلَ إِلَى السِّنِينَ وَالْمُرَادُ أَهْلُ زَمَانِهَا، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هَذَا تَمْثِيلٌ مُرَادُهُ أَنَّ الإِسْلامَ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْمَدِينَةِ، ثُمَّ يَغْلِبُ عَلَى سَائِرِ الْقُرَى، وَيَعْلُو سَائِرَ الْمِلَلِ، فَكَأَنَّهَا قَدْ أَتَتْ عَلَيْهَا،

وَسُمِّيَتِ الْقَرْيَةُ قَرْيَةً، لاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا مِنْ: قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ، أَيْ: جَمَعْتُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: يَا مُزَاحِمُ، أَخْشَى أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ نَفَتِ الْمَدِينَةُ. 2018 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تَتْرُكُونَ الْمَدينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لَا يَغْشَاهَا إِلا الْعَوَافِي»، يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ، «وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجِدَانِهَا وُحُوشًا حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. الْعَوَافِي: طُلابُ الرِّزْقِ، يُقَالُ: رَجُلٌ عَافٍ، وَقَوْمٌ عُفَاةٌ. 2019 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، نَا أَنَسٌ، هُوَ ابْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تُفْتَحُ الْيَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ،

وَتُفْتَحُ الشَّامُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ». وَفِي رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ: «ثُمَّ تُفْتَحُ الشَّامُ، ثُمَّ تُفْتَحُ الْعِرَاقُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. قَوْلُهُ: «يَبُسُّونَ»، قِيلَ: الْبَسُّ سُرْعَةُ الذَّهَابِ، وَقِيلَ: الْبَسُّ السَّوْقُ اللَّيِّنُ، يُقَالُ: بَسَّ يَبُسُّ بَسًّا، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الْوَاقِعَة: 5]، أَيْ: سِيقَتْ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ: 20]، ويُقَالُ: يَبُسُّونَ هُوَ أَنْ يُقَالَ فِي زَجْرِ الدَّابَّةِ عِنْدَ السَّوْقِ: بَسْ بَسْ، وَهُوَ صَوْتُ الزَّجْرِ إِذَا سُقْتُهَا، وَهُوَ مِنْ كَلامِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ. بَسَسْتُ وَأَبْسَسْتُ.

2020 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِرِيُّ، بِدَنْدَانَقَانَ، نَا وَالِدِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الزَّاهِرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ، نَا أَبُو وَاثِلَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُزَنِيُّ، أَنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. حَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي إِلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيامَةِ أوْ شَهِيدًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ. الْلَأْوَاءُ: شِدَّةُ الضِّيقِ. 2021 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَأْمُونِ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ الْوَاسِطِيُّ، نَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ، أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

باب المدينة لا يدخلها الطاعون والدجال

بَابُ الْمَدِينَةِ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَالدَّجَّالُ 2022 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلا الدَّجَّالُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. الْأَنْقَابُ: الطُّرُقُ، وَكَذَلِكَ النِّقَابُ جَمْعُ نُقْبٍ، وَهُوَ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ} [ق: 36]، أَيْ: طَوَّفُوا وَسَارُوا فِي نُقُوبِهَا وَطُرُقِهَا، وَنَقِيبُ الْقَوْمِ: الَّذِي يَعْرِفُ طُرُقَ أُمُورِهِمْ، وَهُوَ الْأَمِينُ الَّذِي يَصْدُقُ عَنْهُمْ.

2023 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بُنْ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، نَا الْوَلِيدُ، نَا أَبُو عُمَرَ، وَهُوَ الْأَوْزَاعِيُّ، نَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ مِنْ بَلْدَةٍ إِلا سَيَطَؤُهَا الدَّجَّالُ إِلا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهَا الْمَلائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ السَّعْدِيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ. 2024 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَأْتِي الْمَسِيحُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَهِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ حَتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ الْمَلائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ قَالَ مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كُنْيَةُ الدَّجَّالِ أَبُو يُوسُفَ. بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء السَّابِع من (شرح السّنة) ويليه الْجُزْء الثَّامِن وأوله كتاب الْبيُوع

13 - كتاب البيوع

13 - كتاب البيوع بَابُ إِبَاحَةِ التِّجَارةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النِّسَاء: 29] 2024 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمِجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلامُ تَأَثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ. 2025 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، وَقَبِيصَةُ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، وَأَبُو حَمْزَةَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ.

باب الكسب وطلب الحلال.

بَابُ الْكَسْبِ وَطَلَبِ الْحَلالِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [الْبَقَرَة: 267] أَيْ: مِنْ حَلالِهِ، يُقَالُ لِلْحَلالِ: طَيِّبٌ، وَلِلْحَرَامِ: خَبِيثٌ، وَمِنْهُ قوْلُهُ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النِّسَاء: 3] أَيْ: مَا حَلَّ لَكُمْ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الْكَهْف: 19] يَعْنِي: أَحَلَّ طَعَامًا، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الْجُمُعَة: 10]، وقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النَّحْل: 14]، قَالَ مَطَرٌ: فِي التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي القُرْآنِ إِلا بِحَقٍّ، ثمَّ تَلا الآيَةَ. 2026 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ. ح، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ

بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»، قَالَ: «وَكَانَ دَاوُدُ لَا يَأْكُلُ إِلا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ. 2027 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ، فَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُسْرَجَ دَابَّتُهُ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» .

2027 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ، قَالَ: فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، الأَوَّلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالثَّانِي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. 2028 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ، وَلا يَقْبَلُ إِلا الطَّيِّبَ، وَإنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ

وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [الْمُؤْمِنُونَ: 51] وَقَالَ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [الْبَقَرَة: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، مَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ. 2029 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَدَّلُ، نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيِّ، نَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ، عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: «أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنْ إمَارَةِ السُّفَهَاءِ». قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أُمَرَاءُ سَيَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي، مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ،

فَلَيْسُوا مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلَنْ يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَأُولَئِكَ يَرِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ». 2029 - " يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، الصَّلاةُ قُرْبَانٌ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنَ السُّحْتِ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ، يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، النَّاسُ غَادِيَانِ: غَادٍ مُبْتَاعٌ نَفْسَهُ وَمُعْتِقٌ رَقَبَتَهُ، وَغَادٍ بَائِعٌ نَفْسَهُ وَمُوبِقٌ رَقَبَتَهُ ". قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيث كَرَاهِيَةُ الدُّخُولِ عَلَى أُمَرَاءِ الْجَوْرِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ عَلَى أَبْوَابِ السُّلْطَانِ فِتَنًا كَمَبَارِكِ الإِبِلِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُصِيبُونَ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئًا إِلا أَصَابُوا مِنْ دِينِكُمْ مِثْلَيْهِ. وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مِثْلَهُ. 2030 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا جَنَاحُ بْنُ نَذِيرٍ الْمُحَارِبِيُّ، بِالْكُوفَةِ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ

الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا أَبَانُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاقَكُمْ، كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلا مَنْ يُحِبُّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ، وَلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْلَمُ، أَوْ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حتَّى يَسْلَمَ، أَوْ يُسْلِمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ، وَلا يُؤْمِنُ حتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»، قَالُوا: وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: «غَشْمُهُ، وَظُلْمُهُ». «وَلا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالَ حَرَامٍ فَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ، وَلا يُنْفِقُ مِنْهُ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ، وَلا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ».

قَالَ الإِمَامُ: تَكَلَّمُوا فِي الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ الْبَجَلِيِّ الأَحْمَسِيِّ، مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَرْوِي الْحَدِيثَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَصَّارٍ، إِذَا كَسَبَ دِرْهَمًا كَانَ فِيهِ مَا يَقُوتُهُ وَعِيَالَهُ، وَلَمْ يُدْرِكْ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا كَسَبَ أَرْبَعَةَ دَوَانِيقَ أَدْرَكَ الصَّلاةَ فِي جَمَاعَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَقُوتُهُ وَعِيَالَهُ، أيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: يَكْسِبُ الدِّرْهَمَ، وَيُصَلِّي وَحْدَهُ.

باب الاتقاء عن الشبهات.

بَابُ الاتِّقَاءِ عَنِ الشُّبُهَاتِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الْإِسْرَاء: 64] قِيلَ: الْمُشَارَكَةُ فِي الأَمْوَالِ: اكْتِسَابُهَا مِنَ الْحَرَامِ، وَإِنْفَاقُهَا فِي الْمَعَاصِي، وَفِي الأَوْلادِ: خُبْثُ الْمَنَاكِحِ، وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ: ادْعُهُمْ إِلَى تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِثْلَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَأَوْلادِ الزِّنَا. 2031 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْحَلالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ، اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الْمُشَبَّهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ،

أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَكَرِيَّا. وَقَالَ عِيسَى عَنْ زَكَرِيَّا: «وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ». قَوْلُهُ: «اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ»، أَيِ: احْتَاطَ لِنَفْسِهِ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْوَرَعِ، وَهُوَ أَنَّ مَا اشْتَبَهَ عَلَى الرَّجُلِ أَمْرُهُ، فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَلا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ مُتَقَدِّمٌ، فَالْوَرَعُ أَنْ يَجْتَنِبَهُ وَيَتْرُكَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَجْتَنِبْهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَاعْتَادَهُ جَرَّهُ ذَلِكَ إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، هَذَا كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ مَرَّ بِتَمْرَةٍ سَاقِطَةٍ، فَقَالَ: «لَوْلا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ صَدَقَةٍ لأَكَلْتُهَا». قَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ.

وَمِنْ هَذَا لَوْ وَجَدَ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا لَا يَدْرِي هَلْ هُوَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ؟ فَالْوَرَعُ أَنْ يَجْتَنِبَهُ، وَلا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ، لأَنَّهُ فِي يَدِهِ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مُعَامَلَةُ مَنْ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ، أَوْ خَالَطَهُ رِبًا، فَالاخْتِيَارُ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهَا، وَيَتْرُكَهَا، وَلا يَحْكُمُ بِفَسَادِهَا مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّ عَيْنَهُ حَرَامٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهَنَ دِرْعَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ بِشَعِيرٍ أَخَذَهُ لِقُوتِ أَهْلِهِ، مَعَ أَنَّهُمْ يُرْبُونَ فِي مُعَامَلاتِهِمْ لَهُ، وَيَسْتَحِلُّونَ أَثْمَانَ الْخُمُورِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا دَخَلْتَ السُّوقَ فَاشْتَرِ، وَلا تَقُلْ: مِنْ أَيْنَ ذَا، وَمِنْ أَيْنَ ذَا؟ فَإِنْ عَلِمْتَ حَرَامًا فَاجْتَنِبْهُ. وَقَالَ سَلْمَانُ: إِذَا كَانَ لَكَ صَدِيقٌ عَامِلٌ أَوْ تَاجِرٌ، يُقَارِفُ الرِّبَا، فَدَعَاكَ إِلَى طَعَامٍ فَكُلْ، أَوْ أَعْطَاكَ شَيْئًا فَاقْبَلْ، فَإِنَّ الْمَهْنَأَ لَكَ، وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ.

وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ جَارٍ عَرِّيفٍ يُهْدِي إِلَيَّ، فَأَقْبَلُ؟ أَوْ أَوْلَمَ فَدَعَانِي فَآكُلُ؟ قَالَ: نَعَمْ لَكَ مَهْنَؤُهَا، وَعَلَيْهِ وِزْرُهَا. وَمِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، قَالُوا: إِذَا كَانَ الْمَالُ فِيهِ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ، فَلا بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، إِلا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الَّذِي يُطْعِمُهُ أَوْ يُهْدِيهِ إِلَيْهِ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ، فَلا يَحِلُّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: لَا تَسْأَلِ السُّلْطَانَ، فَإِنْ أَعْطَوْكَ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ يُصِيبُونَ مِنَ الْحَلالِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطُونَكَ. وَكَانَ الْمُخْتَارُ يَبْعَثُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَيَقْبَلانِهِ. وَبَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فِي الْفِتْنَةِ فِي قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَالا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَتِ الْفِتْنَةُ بَعَثَ إِلَيْهِ فَقَبِلَهُ. وَأَمَرَ الْحَجَّاجُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ، فَلَمَّا فَرَغَ كَسَاهُ بُرْنُسًا مِنْ خَزٍّ أَسْوَدَ فَلَبِسَهُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ. وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَا يَأْخُذُهَا. وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ لَا يَقْبَلُ. وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَا يَقْبَلُ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ رَدَّهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي عَلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الإِمَامُ: وَجُمْلَةُ الشُّبَهِ الْعَارِضَةِ فِي الأُمُورِ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ مَا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ فِي تَحْلِيلٍ وَلا تَحْرِيمٍ، فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ فِي التَّحْلِيلِ أَوِ التَّحْرِيمِ، فَعَلَيْهِ التَّمَسُّكَ بِالأَصْلِ، وَلا يَنْزِلُ عَنْهُ إِلا بِيَقِينِ عِلْمٍ. وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يَتَطَهَّرُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يَشُكُّ فِي الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَا لَمْ يَعْلَمِ الْحَدَثَ يَقِينًا. وَكَذَلِكَ الْمَاءُ

يَجِدُهُ فِي الْفَلاةِ يَشُكُّ فِي نَجَاسَتِهِ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ، فَعَلَيْهِ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْوَسْوَاسِ، وَكَالرَّجُلِ لَهُ زَوْجَةٌ وَجَارِيَةٌ، فَيَشُكُّ هَلْ طَلَّقَ الْمَرْأَةَ؟ أَوْ هَلْ أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ؟ فَلا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ الْفَرْجُ إِلا بِيَقِينِ طَلاقٍ أَوْ عِتْقٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْحَظْرَ. مِثْلُ أَنْ يَشُكَّ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ، أَوْ شِرَاءِ جَارِيَةٍ، أَوْ فِي لَحْمِ شَاةٍ أَنَّهَا مُذَكَّاةٌ أَوْ مَيْتَةٌ، فَلا يَحِلُّ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْمِلْكَ، وَالذّكَاةَ. وَكَذَلِكَ لَوِ اخْتَلَطَتِ امْرَأَتُهُ بِنِسَاءٍ أَجْنَبِيَّاتٍ، أَوْ مُذَكَّاةٌ بِمَيْتَاتٍ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ أَكْلَهَا حَتَّى يَعْرِفَ الزَّوْجَةَ وَالْمُذَكَّاةَ بِعَيْنِهَا. وَقَوْلُهُ: «مَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ» فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّ الشُّبَهَ فِي كَسْبِهِ وَمَعَاشِهِ، فَقَدْ عَرَّضَ دِينَهُ وَعِرْضَهُ لِلطَّعْنِ. قَالَ الإِمَامُ: وَنَوْعٌ مِنَ الاشْتِبَاهِ أَنْ يَقَعَ لِلرَّجُلِ حَادِثَةٌ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ وَجْهُ الْحُكْمِ فِيهَا بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، فَسَبِيلُهُ إِنْ كَانَ عَالِمًا أَنْ يَجْتَهِدَ، وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَلا يَجُوزُ لَهُ سُلُوكُ سَبِيلِ الاسْتِبَاحَةِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ، إِنْ كَانَ عَامِّيًّا. 2032 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ هَيْثَمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشنجِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الدَّيْنَوَرِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْبَلْخِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَليٍّ: مَا حَفِظْتَ

مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْهُ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: وَأَبُو الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيُّ اسْمُهُ: رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ، وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ هُوَ بُرَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ السَّلُولِيُّ بَصْرِيٌّ، وَاسْمُ أَبِي مَرْيَمَ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ. 2033 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ بِحِلٍّ أَوْ حَرَامٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا يَبِيعُ فِي سُوقِنَا إِلا مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ.

باب كسب الحجام

بَابُ كَسْبِ الْحَجَّامِ. 2034 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةَ أَحَدِ بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتَّى قَالَ: «اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ، أَوْ أَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ». وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، أَنَّ مُحَيِّصَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِهِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْحَجَّامَ إِنْ كَانَ حُرًّا، فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، فَإِنَّهُ يَعْلِفُهُ دَوَابَّهُ وَيُنْفِقُهُ عَلَى عَبِيدِهِ، قَوْلا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.

وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ حَلالٌ، وَالنَّهْيُ عَلَى جِهَةِ التَّنْزِيهِ عَنِ الْكَسْبِ الدَّنِيءِ، وَالتَّرْغِيبِ فِيمَا هُوَ أَطْيَبُ وَأَحْسَنُ مِنَ الْمَكَاسِبِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بَعْدَ الْمُعَاوَدَةِ بِأَنْ يُطْعِمَ رَقِيقَهُ، وَلَوْلا أَنَّهُ حَلالٌ مَمْلُوكٌ لَهُ لَكَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ رَقِيقَهُ، لأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ رَقِيقَهُ إِلا مِنْ مَالٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ مِلْكُهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا 2035 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ حُمَيْدٍ. وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لِلْحَاجِمِ: «اشْكُمُوهُ». قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الشَّكْمُ: الْجَزَاءُ. 2036 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ

بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ، وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ، وَقَالَ: «إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ، وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ لِصِبْيَانِكُمْ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَلا تُعَذِّبُوهُمْ بِالْغَمْزِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ. كِلاهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ. قَالَ الإِمَام: وَقد رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَنْ كَسْبِ الإِمَاءِ، وَهَذَا فِيمَنْ يُخَارِجَ أَمَتَهُ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا ضَرِيبَةً مَعْلُومَةً تُؤَدِّيهَا إِلَى السَّيِّدِ، فَنَهَى عَنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّنْزِيهِ، لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ، لأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهَا الْفُجُورُ، وَالْكَسْبُ بِالسِّفَاحِ خُصُوصًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ، وَقَدْ وَرَدَتِ الرُّخْصَةُ فِي كَسْبِهَا إِذَا عَمِلَتْ بِيَدَيْهَا. وَرُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْبِ الأَمَةِ إِلا مَا عَمِلَتْ بِيَدِهَا. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كَسْبِ الأَمَةِ حَتَّى يُعْلَمَ مِنْ أَيْنَ هُوَ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: لَا تُكلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ، فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهُ الْكَسْبَ سَرَقَ، وَلا تُكَلِّفُوا الأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ الْكَسْبَ، فَإِنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهَا الْكَسْبَ كَسَبَتْ بِفَرْجِهَا، وَعُفُّوا إذْ أَعَفَّكُمُ اللَّهُ، وَعَلَيْكُمْ مِنَ الْمَطَاعِمِ بِمَا طَابَ مِنْهَا.

باب تحريم ثمن الكلب والدم.

بَابُ تَحْرِيمِ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالدَّمِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [الْمَائِدَة: 3] 2037 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. الْحُلْوَانُ: مِنْ حَلَوْتُ الرَّجُلَ أَحْلُوهُ حُلْوَانًا: إِذَا أَعْطَيْتُهُ شَيْئًا، وَيُقَالُ، الْحُلْوَانُ: الرِّشْوَةُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُهُ مِنَ الْحَلاوَةِ، شُبِّهَ بِالشَّيْءِ الْحُلْوِ، يُقَالُ: حَلَوْتُ فُلانًا، إِذَا أَطْعَمْتُهُ الْحُلْوَ، كَمَا يُقالُ: عَسَلْتُهُ، إِذَا أَطْعَمْتَهُ الْعَسَلَ. 2038 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُرُونَجِرْدِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَمْدَانُ الصَّيْرَفِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمَّامُ، نَا خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ سِيرِينَ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الزَّمَّارَةِ». قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ مَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، فَمَهْرُ الْبَغِيِّ: أَنْ يُعْطِيَ امْرَأَةً شَيْئًا عَلَى أَنْ يَفْجُرَ بِهَا. وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ: مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَكَهِّنُ عَلَى كَهَانَتِهِ، وَفِعْلُ الْكَهَانَةِ بَاطِلٌ، لَا يَجُوزُ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَيْهَا. وَالزَّمَّارَةُ: هِيَ الزَّانِيَةُ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: هِيَ الْبَغِيُّ الْحَسْنَاءُ. قَالَ الإِمَامُ: النَّهْيُ عَنْ كَسْبِ الزَّمَّارَةِ، مَعْنَاهُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيث الآخَرِ، وَهُوَ مَهْرُ الْبَغِيِّ. قَالَ الأَزْهَرِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَهَى عَنْ كَسْبِ الْمَرْأَةِ الْمُغَنِّيَةِ، يُقَالُ: غِنَاءٌ زَمِيرٌ، أَيْ: حَسَنٌ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ مِنَ الرَّمْزِ، وَهُوَ الإِيمَاءُ بِالشَّفَتَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ. وَالزَّوَانِي يَفْعَلْنَ ذَلِكَ، وَالأَصَحُّ تَقْدِيمُ الزَّايِ. وَأَمَّا ثَمَنُ الْكَلْبِ، فَحَرَامٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِثْلُ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَمَهْرِ الْبَغْيِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مِنَ السُّحْتِ. وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي

هُرَيْرَةَ. وَذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِهِ الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ بَيْعَ الْكَلْبِ جَائِزٌ، وَيَضْمَنُ مُتْلِفَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَا أُبِيحَ اقْتِنَاؤُهُ مِنَ الْكِلابِ، جَازَ بَيْعُهُ، وَمَا يُحَرَّمُ اقْتِنَاؤُهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ، يُحْكَى ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ. وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ بَيْعَهُ لَا يُوجِبُ الْقِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَعَلَى مُتْلِفِهِ الْقِيمَةُ، كَأُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى قَاتِلِهَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سُفيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ. وَهَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ، فَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ظَاهِرِهِ وَكَرِهَ بَيْعَ السِّنَّوْرِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ. وَجَوَّزَ الأَكْثَرُونَ بَيْعَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ عَلَى بَيْعِ الْوَحْشِيِّ مِنْهُ، الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. 2039 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ،

عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: إنِّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَثَمَنِ الدَّمِ، وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْمُصَوِّرَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «وَكَسْبِ الأَمَةِ». قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَيْعُ الدَّمِ لَا يَجُوزُ، لأَنَّهُ نَجِسٌ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ نَهْيَهُ عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ عَلَى أُجْرَةِ الْحَجَّامِ، وَجَعَلَهُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ. وَالنَّهْيُ عَنْ كَسْبِ الأَمَةِ عَلَى وَجْهِ التَّنْزِيهِ، لأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تَكْتَسِبَ بِفَرْجِهَا خُصُوصًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَجْعَلَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا تُؤَدِّيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ. وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، لأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُغْتَبِطًا بِالرِّبْحِ، وَالآخَرُ مُهْتَضَمًا بِالنَّقْصِ. وَأَرَادَ بِالْمُصَوِّرِ الَّذِي يُصَوِّرُ صُوَرَ الْحَيَوَانِ، دُونَ مَنْ يُصَوِّرُ صُوَرَ الأَشْجَارِ وَالنَّبَاتِ، لأَنَّ الأَصْنَامَ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ كَانَتْ عَلَى صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ.

باب تحريم ثمن الخمر والميتة

بَاب تَحْرِيمِ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [الْمَائِدَة: 3] الآيَةَ. 2040 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةَ، وَالْخِنْزِيرَ، وَالأَصْنَامَ». فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لَا، هُوَ حَرَامٌ»، ثُمَّ قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الأَعْيَانِ النَّجِسَةِ، وَإِنْ كَانَ مُنْتَفَعًا بِهَا فِي أَحْوَالِ الضَّرُورَةِ، كَالسِّرْقِينِ وَنَحْوِهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ لَا يَجُوزُ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدِّبَاغِ فَيَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ». وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ. وَاخْتَلَفُوا فِي عَظْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَفِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ. فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى نَجَاسَتِهَا، وَتَحْرِيمِ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا لَا حَيَاةَ فِيهَا، وَلا يُحِلُّهَا الْمَوْتُ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ بَعْدَ زَوَالِ الزُّهُومَةِ عَنْهَا، وَقَالُوا بِطَهَارَةِ الْعَاجِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا، وَيَدَّهِنُونَ فِيهَا، لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا.

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ الْعَاجِ. وَمِنْ حُجَّتِهِمْ مَا رُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ سِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ». وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزُ بَيْعَهُ قَالَ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْعَاجِ فِي الْحَدِيثِ عَظْمَ الْفِيلِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ الذَّبْلُ، وَهُوَ عَظْمُ سُلَحْفَاةِ الْبَحْرِ، وَهُوَ طَاهِرٌ كَعَظْمِ الْحُوتِ. وَتَحْرِيمِ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ، دَلِيلٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا، وَعَلَى أَنَّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، مِثْلُ: الأَسَدِ، وَالْقِرْدِ، وَالدُّبِّ، وَالْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالرَّخَمَةِ، وَالنَّسْرِ، وَحَشَرَاتِ الأَرْضِ، وَنَحْوِهَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ أَرَاقَ خَمْرًا لِنَصْرَانِيٍّ، أَوْ قَتَلَ خِنْزِيرًا لَهُ، أَنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لَا ثَمَنَ لَهُمَا فِي حَقِّ الدِّينِ. وَفِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الأَصْنَامِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْخَشَبِ، وَالْحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَغَيْرِهَا. وَعَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ جَمِيعِ آلاتِ اللَّهْوِ وَالْبَاطِلِ، مِثْلُ: الطُّنْبُورِ، وَالْمِزْمَارِ، وَالْمَعَازِفِ كُلِّهَا. فَإِذَا طُمِسَتِ الصُّوَرُ وَغُيِّرَتْ آلاتُ اللَّهْوِ عَنْ حَالَتِهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ جَوَاهِرِهَا وَأُصُولِهَا، فِضَّةً كَانَتْ أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَشَبًا أَوْ غَيْرَهَا.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ كُلُّ صُورَةٍ مُصَوَّرَةٍ فِي رَقٍّ أَوْ قِرْطَاسٍ مِمَّا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الصُّورَةَ، وَكَانَ الرَّقُّ تَبِعًا لَهُ. فَأَمَّا الصُّوَرُ الْمُصَوَّرَةُ فِي الأَوَانِي وَالْقِصَاعِ، فَإِنَّهَا تَبَعٌ لِتِلْكَ الظُّرُوفِ، بِمَنْزِلَةِ الصُّوَرِ الْمُصَوَّرَةِ عَلَى جُدُرِ الْبُيُوتِ وَالسُّقُوفِ، وَفِي الأَنْمَاطِ وَالسُّتُورِ، فَالْبَيْعُ فِيهَا لَا يَفْسُدُ، وَفِي مَعْنَاهَا الدُّورُ الَّتِي فِيهَا التَّمَاثِيلُ. وَفِي الْحَدِيث دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الانْتِفَاعِ بِهِ. فَمِمَّنْ مَنَعَ مِنْهُ: ابْنُ سِيرِينَ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ اسْتِعْمَالَ نَجَاسَةٍ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، إِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي نَفْسِهِ، فَجَوَّزَ تَسْجِيرَ التَّنُّورِ بِالْعَذْرَةِ، وَإِيقَادَ النَّارِ بِعَظْمِ الْمَيْتَةِ، وَأَنْ تُزَبَّلَ الأَرْضُ بِالسِّمَادِ، وَقَالَ: إِذَا عُجِنَ بِمَاءٍ نَجِسٍ، أَطْعَمَ نَوَاضِحَهُ وَكِلابَهُ، وَيُلْبِسُ فَرَسَهُ وَأَدَاتَهُ جِلْدَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَجُوِّزَ الاسْتِصْبَاحُ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلا نَعْلَمُ خِلافًا فِي أَنَّ مَنْ مَاتَتْ لَهُ دَابَّةٌ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ لَحْمَهَا كِلابَهُ وَبُزَاتَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلا يَصِلُ مَا انْكَسَرَ مِنْ عَظْمِهِ إِلا بِعَظْمِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا، وَقَالَ: لَا يَدَّهِنُ السُّفُنَ بِشُحُومِ الْخَنَازِيرِ. 2041 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاس الأَصَمُّ ح. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، قَالَ: نَا أَبُو الْعَبَّاس الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،

عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلا بَاعَ خَمْرًا، فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلانًا بَاعَ الْخَمْرَ، أَمَا عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحُمَيْدِيِّ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. قَوْلُهُ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ»، أَيْ: عَادَاهُمُ اللَّهُ، وَقِيلَ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَسَبِيلُ «فَاعَلَ» أَنْ يَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِمْ: سَافَرْتُ، وَطَارَقْتُ النَّعْلَ، وَقَابَلْتُهَا. قَوْلُهُ: «فَجَمَلُوهَا»، مَعْنَاهُ: أَذَابُوهَا حَتَّى تَصِيرَ وَدَكًا، فَيَزُولَ عَنْهَا اسْمُ الشَّحْمِ، يُقَالُ: جَمَلْتُ الشَّحْمَ وَأَجْمَلْتُهُ وَاجْتَمَلْتُهُ: إِذَا أَذَبْتُهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلانِ كُلِّ حِيلَةٍ يُحْتَالُ بِهَا لِلتَّوَصُّلِ إِلَى مُحَرَّمٍ، وَأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِتَغْيِيرِ هَيْأَتِهِ، وَتَبْدِيلِ اسْمِهِ.

2042 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْريِّ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ:: أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا عَلِمْتَ أنَّ اللَّهَ حَرَّمَ شُرْبَهَا؟» فَسَارَّ الرَّجُلُ إِنْسَانًا إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِمَ سَارَرْتَهُ؟» فَقَالَ: أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّم بَيْعَهَا»، فَفَتَحَ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيح. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ. وَابْنُ وَعْلَةِ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَعْلَةَ السَّبَئِيُّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيق غَرِيبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا، وَالْمُشْتَرَى لَهُ.

2043 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَأبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ، فَجَاءَهُمُ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. فَقَالَ أبُو طَلْحَةَ: قُمْ يَا أَنَسُ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا. فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا، فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ.

قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ الْمُتَّخَذَ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، خَمْرٌ. وَفِي سُكُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِرَاقَتِهِمُ الْخَمْرَ وَتَرْكِ الإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَطْهِيرِهَا بِالْمُعَالَجَةِ، إِذْ لَوْ كَانَ إِلَى تَطْهِيرِهَا سَبِيلٌ لأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، كَمَا أَرْشَدَهُمْ إِلَى دِبَاغِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُتَّخَذُ الْخَمْرُ خَلا؟ قَالَ: «لَا». وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا؟ قَالَ: «أَهْرِقْهَا» قَالَ: أَفَلا أَجْعَلُهَا خَلا؟ قَالَ: «لَا». وَلَوْ كَانَتْ تُطَهَّرُ بِالْمُعَالَجَةِ، لَكَانَ لَا يَأْمُرُ بِإِرَاقَتِهَا مَعَ وُجُوبِ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْيَتِيمِ فِي مَالِهِ، وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَكَرِهَهُ سُفْيَانُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ. وَكَرِهَ قَوْمٌ إِمْسَاكَهَا بَعْدَ مَا عَرَفَهَا خَمْرًا إِلَى أَنْ تَصِيرَ خَلا، وَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ مُسْلِمٍ خَمْرٌ. قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لِمُسْلِمٍ وَرِثَ خَمْرًا أَنْ يَحْبِسَهَا يُخَلِّلُهَا، لَكِنْ إِنْ صَارَتْ خَلا لَمْ أَرَ بِأَكْلِهِ بَأْسًا. وَقِيلَ لابْنِ الْمُبَارَكِ: كَيْفَ يُتَّخَذُ الْخَلُّ بِأَنْ لَا يَأْثَمَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: انْظُرْ خَلا ثَقِيفًا، فَصُبَّ عَلَى الْعَصِيرِ قَدْرَ مَا لَا يَغْلِبُهُ الْعَصِيرُ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْهُ الْعَصِيرُ لَمْ يَغْلِ. وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ، وَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ خَمْرٌ، وَلَكِنْ يُصَبُّ عَلَى الْعَصِيرِ مِنَ الْخَلِّ حَتَّى يَتَغَيَّرَ. وَرَخَّصَ فِي تَحْلِيلِ الْخَمْرِ وَمُعَالَجَتِهَا: عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

قَالَ الإِمَامُ: أَمَّا كَسْرُ الدَّنِّ، وَشَقُّ الزِّقِّ، الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِلا لِلْخَمْرِ، فَمَشْرُوعٌ، فَإِنْ صَلَحَ لِغَيْرِهِ، فَلا يُفْعَلُ. وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى يَوْمَ خَيْبَرَ نِيرَانًا تُوقَدُ عَلَى الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، فَقَالَ: «اكْسِرُوهَا، وَأَهْرِيقُوهَا» فَذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ، وَالْمَنْعِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، لِيَتَبَيَّنَ لَهُمْ تَحْرِيمُهَا، لَا لِتَحْقِيقِ فِعْلِ الْكَسْرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا: نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا، قَالَ: «اغْسِلُوهَا». فَأَمَّا الصَّنَمُ، وَالصَّلِيبُ، وَالطُّنْبُورِ، وَالْمَلاهِي، فَتُكْسَرُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا، يَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، ويَكْسِرُ الصَّلِيبَ». وهَتَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ. فَإِنْ كَانَ الطُّنْبُورُ، وَالْمَلاهِي، بِحَيْثُ لَوْ حُلَّتْ أَوْتَارُهَا صَلَحَتْ لِلْمُبَاحِ، فَلا تُكْسَرُ وَتُحَلُّ. أُتِيَ شُرَيْحٌ فِي طُنْبُورٍ كُسِرَ، فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ.

باب السهولة في البيع والشراء

بَاب السُّهُولَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. 2044 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، نَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ، كَانَ سَهْلا إِذَا بَاعَ، سَهْلا إِذَا اشْتَرَى، سَهْلا إِذَا قَضَى، سَهْلا إِذَا اقْتَضَى» .

2045 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عُنْ عَطَاءِ بْنِ فَرُّوخَ، أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ قَبْضِ مَالِكَ؟ قَالَ: إِنَّكَ غَبَنْتَنِي، فَمَا ألْقَى أحَدًا مِنَ النَّاسِ إِلا وَهُوَ يَلُومُنِي، قَالَ: وَذَلِكَ يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاخْتَرْ مِنْ بَيْنِ أَرْضِكَ وَمَالِكَ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدْخَلَ اللَّهُ الْجَنَّةَ رَجُلا كَانَ سَهْلا مُشْتَرِيًا، وَبَائِعًا، وَقَاضِيًا، وَمُقْتَضِيًا».

باب كراهية الحلف في البيع.

بَاب كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ} [النَّحْل: 94] أَيْ: خَدِيعَةً، وَدَغَلا، وَغِشًّا. 2046 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ ممحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. قَوْلُهُ: «مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ» مِنْ قَوْلِهِمْ: نَفَقَ الْبَيْعُ يَنْفُقُ نِفَاقًا: إِذَا كَثُرَ الْمُشْتَرُونَ وَالرَّغَبَاتُ فِيهِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُنْفِقُ ثُمَّ يَمْحَقُ». وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمَنَّانُ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ ". فَالْمَنَّانُ، يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنَ «الْمِنَّةِ» الَّتِي هِيَ الاعْتِدَادُ بِالصَّنِيعَةِ، وَهِيَ إِنْ وَقَعَتْ فِي الصَّدَقَةِ أَبْطَلَتِ الأَجْرَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَعْرُوفِ كَدَّرَتِ الصَّنِيعَةَ. وَقِيلَ مِنَ «الْمَنِّ» وَهُوَ النَّقْصُ، يُرِيدُ النَّقْصَ مِنَ الْحَقِّ وَالْخِيَانَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} [الْقَلَم: 3] أَيْ: غَيْرَ مَنْقُوصٍ. وَسُمِّيَ الْمَوْتُ مَنُونًا، لأَنَّهُ يَنْقُصُ الأَعْدَادَ.

باب خيار المتبايعين ما داما في مجلس العقد

بَاب خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. 2047 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلا بَيْعَ الْخِيَارِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَكَانِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِالأَبْدَانِ. يُرْوَى فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شُرَيْحٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَطَاوُسٌ،

وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَكَانِ، وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ التَّوَاجُبِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَحَمَلُوا التَّفَرُّقَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيث عَلَى التَّفَرُّقِ فِي الرَّأْيِ وَالْكَلامِ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، لأَنَّ الْعِلْمَ قَدِ اسْتَقَرَّ بَيْنَ الْعَامَّةِ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لَا يَزُولُ إِلا بِقَبُولٍ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي، فَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْعَامَّةِ إِخْلاءُ الْحَدِيثِ عَنِ الْفَائِدَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ هُوَ التَّفَرُّقُ بِالأَبْدَانِ: مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا ابْتَاعَ الشَّيْءَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَجِبَ لَهُ، فَارَقَ صَاحِبَهُ فَمَشَى قَلِيلا ثُمَّ رَجَعَ، فَحَمَلَ التَّفَرُّقَ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ، وَرَاوِي الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْوَضِيءِ قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ، فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا لَهُ مِنْ رَجُلٍ، وَبَاتَا لَيْلَةً، فَلَمَّا أَرَدْنَا الرَّحِيلَ خَاصَمَهُ إِلَى أَبِي بَرْزَةَ، فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: لَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقولُ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا». وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةُ خِيَارٍ، وَلا

يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ»، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّفَرُّقِ تَفَرُّقُ الأَبْدَانَ. وَقَوْلُهُ: «خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» أَرَادَ: خَشْيَةَ أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الاسْتِقَالَةِ، لأَنَّ الإِقَالَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ، بَلْ يَجُوزُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ كَمَا يَجُوزُ قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيث: «إِلا بَيْعَ الْخِيَارِ» مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ. فَيَقُولُ: اخْتَرْتُ. فَيَكُونُ هَذَا إِلْزَامًا لِلْبَيْعِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمَجْلِسُ قَائِمًا، وَيَسْقُطُ خِيَارُهُمَا. وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ، وَقَالَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ يَرْجِعُ إِلَى مَفْهُومِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، مَعْنَاهُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِذَا تَفَرَّقَا لَزِمَ الْبَيْعُ، إِلا أَنْ يَتَبَايَعَا بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَيَبْقَى خِيَارُ الشَّرْطِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ. وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، لأَنَّ الاسْتِثْنَاءِ يَرْجِعُ إِلَى مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلامِ، وَظَاهِرُ الْكَلامِ إِثْبَاتُ الْخِيَارِ، وَالاسْتِثْنَاءُ مِنَ الإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا 2048 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ».

وَقَالَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادٍ: «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ». وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ: «أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ، فَإِذَا كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ». فَثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخِيَارِ اخْتِيَارُ لُزُومِ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ. وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا إِذَا بَاعَ، وَشَرَطَ فِيهِ نَفْيَ خِيَارِ الْمَكَانِ، يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَكَانِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي صِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ، فَلا يَصِحُّ فِي قَوْلٍ، وَيَصِحُّ فِي الآخَرِ، وَلا خِيَارَ. 2049 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ .

2050 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلا بَيْعَ الْخِيَارِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ، فَأَصَحُّ أَقَاوِيلِهِ: أَنَّ الْخِيَارَ إِذَا كَانَ لَهُمَا مِثْلُ خِيَارِ الْمَكَانِ، أَوْ خِيَارُ الشَّرْطِ إِذَا شَرَطَ لَهُمَا، أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا يُحْكَمُ بِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي، وَمَا حَصَلَ مِنَ الزَّوَائِدِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَلَهُ، وَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ يُحْكَمُ بِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِلْبَائِعِ، وَلَهُ الزَّوَائِدُ، وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ غَيْرُ نَافِذٍ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَتَصَرُّفُ الْبَائِعِ نَافِذٌ، وَهُوَ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لأَحَدِهِمَا، فَالْمِلْكُ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَلا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الآخَرِ فِيهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْخِيَارِ، أَمَّا مَنْ لَهُ الْخِيَارُ إِذَا تَصَرَّفَ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ، وَهُوَ فَسْخٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ،

وَهُوَ إِجَازَةٌ، وَإِلْزَامٌ لِلْبَيْعِ. قَدِ اشْتَرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْرًا مِنْ عُمَرَ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ» فَكَانَ هَذَا هِبَةً قَبْلَ التَّفَرُّقِ. قَالَ طَاوُسٌ فِيمَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا ثُمَّ بَاعَهَا: وَجَبَتْ لَهُ، وَالرِّبْحُ لَهُ. 2051 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» أَوْ قَالَ: «حَتَّى يَتَفَرَّقَا» «فَإِنْ صَدَّقَا وَبَيَّنَا، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَّبَا، مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ.

قَالَ الإِمَامُ: فِي الْحَدِيثِ بَيَان أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ إِذَا عَلِمَ بِمَا بَاعَ عَيْبًا أَنْ لَا يَكْتُمَهُ. قَالَ الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ: كَتَبَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ، لَا دَاءَ وَلا خَبِثَةَ وَلا غَائِلَةَ». قَالَ قَتَادَةُ: الْغَائِلَةُ: الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالإِبَاقُ. وَقِيلَ: مَعْنَى الْغَائِلَةِ: الْحِيلَةُ، أَيْ: لَا حِيلَةَ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْبَيْعِ، يُغْتَالُ بِهَا مَالُكَ، يُقَالُ: اغْتَالَنِي فُلانٌ: إِذَا احْتَالَ بِحِيلَةٍ يُتْلِفُ بِهَا مَالَكَ. وَأَرَادَ بِالدَّاءِ: الْجُنُونَ، وَالْجُذَامَ، وَالْبَرَصَ، وَنَحْوَهَا مِمَّا يُرَدُّ بِهِ. وَالْخِبْثَةُ: مَا كَانَ خَبِيثَ الأَصْلِ، بِأَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ مِنْ قَوْمٍ لَا يَحِلُّ سَبْيُهُمْ لِعَهْدٍ لَهُمْ، وَكُلُّ حَرَامٍ خَبِيثٌ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لَا يَحِلُّ لامْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلا أَخْبَرَ بِهِ. وَقِيلَ لإِبْرَاهِيمَ: إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ يَقُولُ: جَاءَ أَمْسَ مِنْ خُرَاسَانَ، جَاءَ الْيَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ، فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً.

باب خيار الشرط

بَاب خِيَارِ الشَّرْطِ. 2052 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي البُيُوع، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلابَةَ ". قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ إِذا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِلابَةَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ. الْخِلابَةُ: الْخَدِيعَةُ، وَهِيَ مَصْدَرُ خَلَبْتُ الرَّجُلَ: إِذَا خَدَعْتُهُ، أَخْلِبُهُ خَلْبًا وَخِلابَةً. وَفِي الْمَثَلِ: إِذَا لَمْ تَغْلِبْ فَاخْلُبْ، يَقُولُ: إِذَا أَعْيَاكَ الأَمْرُ مُغَالَبَةً، فَاطْلُبُهُ مُخَادَعَةً. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيث مَنْ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى

الْحُرِّ الْبَالِغِ، وَلَوْ جَازَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَيْعِ حِينَ عَلِمَ ضَعْفَ عَقْلِهِ وَكَثْرَةَ غُبْنِهِ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ إِذَا كَانَ مُفْسِدًا لِمَالِهِ سَفِيهًا، يُحْجَرُ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ فَاسِقًا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُفْسِدٍ لِمَالِهِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَهْلَ هَذَا الرَّجُلِ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْجُرْ عَلَيْهِ. فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَا أَصْبِرُ عَنِ الْبَيْعِ. قَالَ: «إذَا بَايَعْتَ، فَقُلْ لَا خِلابَةَ». وَقِيلَ: كَانَ اسْمُ ذَلِكَ الرَّجُلِ حَبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي جَوَازِ رَدِّ الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ. فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ خَاصٌّ فِي أَمْرِ حَبَّانَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقَوْلَ شَرْطًا فِي بُيُوعِهِ، لِيَكُونَ لَهُ الرَّدُّ إِذَا تَبَيَّنَ الْغَبْنُ فِي صَفْقَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْخَبَرُ عَامٌّ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ، إِذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي الْبَيْعِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ إِذَا ظَهَرَ الْغَبْنُ فِي بَيْعِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَكَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ مَنْ بَاعَ أَوِ اشْتَرَى عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ إِذَا صَدَرَ عَنْ غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَلا رَدَّ لَهُ بِالْغَبْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُشْتَرِي ذَا بَصِيرَةٍ، فَلَهُ

الْخِيَارُ إِذَا كَانَ مَغْبُونًا، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا كَانَ غَبْنًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ. قَالَ الإِمَامُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ شَرَطَ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَسَدَ الْبَيْعُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، لأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْبَيْعِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ. غَيْرَ أَنَّهُ جَوَّزَ خِيَارَ الثَّلاثِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً، فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ»، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا إِلا بِخَبَرٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَجُوزُ زَائِدًا بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً كَالأَجَلِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ قَدْرَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ، فَفِي الثَّوْبِ يَوْمَانِ وَثَلاثَةٌ، وَفِي الْحَيَوَانِ أُسْبُوعٌ وَنَحْوُهُ، وَفِي الدُّورِ شَهْرٌ وَنَحْوُهُ، وَفِي الضَّيْعَةِ سَنَةٌ وَنَحْوُهَا. وَلا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي كُلِّ عَقْدٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْعوضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، مِثْلُ عَقْدِ الصَّرْفِ، وَبَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ، وَلا فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، وَهُوَ عَقْدُ السَّلَمِ، لأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِيهَا لِكَيْ يَتَفَرَّقَا عَنْ عَقْدٍ لازِمٍ لَا عِلاقَةَ بَيْنَهُمَا، وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَنْفِي هَذَا الْمَعْنَى. وَلا يَجُوزُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي عَقْدِ الإِجَارَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوُجُوهِ.

باب وعيد آكل الربا.

بَاب وَعِيدِ آكِلِ الرِّبَا. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [الْبَقَرَة: 275] الآيَةَ. قَوْلُهُ: {يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} الْمَسُّ: الْجُنُونُ، أَيْ: كَمَا يَقُومُ الْمَجْنُونُ حَالَ جُنُونِهِ إِذَا صُرِعَ، وَكُلُّ مَنْ ضَرَبَهُ الْبَعِيرُ بِيَدِهِ، فَقَدْ خَبَطَهُ وَتَخَبَّطَهُ، والْخَبْطُ بِالْيَدَيْنِ، وَالرَّمْحُ بِالرِّجْلَيْنِ، وَالزَّبْنُ بِالرُّكْبَتَيْنِ. وَقَالَ عَطَاءٌ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الْإِسْرَاء: 64] قَالَ: الشِّرْكُ فِي الأَوْلادِ: الزِّنَا، وَفِي الأَمْوَالِ: الرِّبَا. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِلَى قَوْلِهِ: وَلا تُظْلَمُونَ} [الْبَقَرَة: 278 - 279] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الْبَقَرَة: 279] أَيْ: فَاعْلَمُوا، يُقَالُ: أَذِنَ يَأْذَنُ أَذَنًا: أَيْ عَلِمَ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 102] أَيْ: بِعِلْمِهِ. وَيُقْرَأُ: فَآذِنُوا أَيْ: أَعْلِمُوا مَنْ وَرَاءَكُمْ بِالْحَرْبِ، وَقَوْلُهُ تَعَالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [الْبَقَرَة: 276] أَيْ: يُهْلِكُهُ، وَيَذْهَبُ بِبَرَكَتِهِ. 2053 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا الْقَاضِي أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، نَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ، أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: " هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ

اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ رَأَى فِيهَا رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ رُؤْيَا؟ فَقُلْنَا: لَا. قَالَ: لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ، أَوْ فَضَاءٍ، فَمَرَرْنَا بِرَجُلٍ جَالِسٍ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ، وَبِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُهُ فِي شِدْقِهِ، فَيَشُقُّهُ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فِيهِ، فَيَصْنَعُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ يشدخُ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَلا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، فَعَادَ إلَيْهِ فَضَرَبَهُ، فَهُوَ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا إِلَى بَيْتٍ قَدْ بُنِيَ بِنَاءَ التَّنُّورِ، أَعْلاهُ ضَيِّقٌ وأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ، تُوقَدُ تَحتَهُ نَارٌ، فَإِذَا أُوقِدَتِ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادُوا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالا: انْطَلِقْ.

فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَأْتِيَ عَلَى نَهْرٍ مِنْ دَمٍ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، وَعَلَى شَطِّ النَّهْرِ رَجُلٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهْرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ رَمَى الرَّجُلَ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَقُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ فِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ فَأَدْخَلانِي دَارًا وَسْطَ الشَّجَرَةِ، فَلَمْ أَرَ دَارًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشُبَّانٌ، وَفِيهَا نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا، فَصَعِدَا بِيَ الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلانِي دَارًا أُخْرَى هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى وَأَفْضَلُ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَباب، فَقُلْتُ لَهُمَا: إِنَّكُمَا قَدْ طَوَّفْتُمَانِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ، فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ؟ قَالا: نَعَمْ. أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَإنَّهُ رَجُلٌ كَذَّابٌ يَتَحَدَّثُ بِالْكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَهُوَ يَصْنَعُ بِهِ مَا تَرَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ

بِالنَّهَارِ، فَهُوَ يُعْمَلُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا الَّذِي رَأَيْتَ فِي الْبَيْتِ وَالتَّنُّورِ، فَهُمُ الزُّنَاةُ. وَأَمَّا الَّذِي رَأَيْتَ فِي نَهْرِ الدَّمِ، فَذَاكَ آكِلُ الرِّبَا. وَأَمَّا الشَّيْخُ الَّذِي رَأَيْتَ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ فَذَاكَ إِبْرَاهِيمُ. وَأَمَّا الصِّبْيَانُ الَّذِي رَأَيْتَ حَوْلَهُ، فَأَوْلادُ النَّاسِ. وَأَمَّا النَّارُ الَّتِي رَأَيْتَ، وَالرَّجُلُ يُوقِدُهَا فَتِلْكَ النَّارُ، وَذَلِكَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ. وَأَمَّا الدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ، فَدَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ، فَدَارُ الشُّهَدَاءِ. وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ، ثُمَّ قَالا: ارْفَعْ رَأْسَكَ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ، قَالا: ذَاكَ مَنْزِلُكَ. فَقُلْتُ دَعَانِي فَلآتِي مَنْزِلِي. فَقَالا: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ لَكَ عَمَلٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ بَعْدُ، فَلَوْ قَدِ اسْتَكْمَلْتَهُ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَالْكُلُّوبُ: هُوَ الْكُلابُ، وَالْجَمْعُ كَلالِيبُ، وَيُرْوَى «فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ»،

وَمَعْنَاهُ: يَشُقُّهُ، وَيَقْطَعُهُ. تَدَهْدَهَ، وَيُرْوَى يَتَدَهْدَى، أَيْ: يَتَدَحْرَجُ، وَدهده وَدَهَى أَيْ: دَحْرَجَ. وَقَوْلُهُ: نَارٌ يَحُشُّهَا أَيْ: يُوقِدُهَا. 2054 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا هُشَيْمٌ، نَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: الرِّبَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حُوبًا، أَصْغَرُهَا حُوبًا كَمَنْ أَتَى أُمَّهُ فِي الإسْلامِ، وَدِرْهَمٌ مِنَ الرِّبَا أَشَدُّ مِنْ بِضْعٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً، قَالَ: وَيَأْذَنُ اللَّهُ بِالْقِيَامِ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ إِلا آكِلَ الرِّبَا، فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ. 2055 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبْدُوسٍ، إِمْلاءً، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرْقِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي خَيْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلا أَكَلَ الرِّبَا، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ».

باب بيان مال الربا وحكمه

بَاب بَيَانِ مَالِ الرِّبَا وَحُكْمِهِ. 2056 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاس الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، ورجُلٍ آخَرَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، وَلا الْبُرَّ بِالْبُرِّ، وَلا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ، وَلا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ، وَلا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ، إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ، وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ، وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ، وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ، وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ، وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ، يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ». وَنَقَّصَ أَحَدُهُمَا الْمِلْحَ وَالتَّمْرَ، وَزَادَ أَحَدُهُمَا «مَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى».

وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَالرِّبَا فِي اللُّغَةِ: الزِّيَادَةُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} [الرّوم: 39] أَيْ: لِيَكْثُرَ {فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الرّوم: 39] أَيْ: لَا يَنْمَى، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَخْذَةً رَابِيَةً} [الحاقة: 10] أَيْ: زَائِدَةً عَلَى الأَخَذَاتِ، وَالْمُحَرَّمُ فِي الشَّرِيعَةِ زِيَادَةٌ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرِّبَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي نَصَّ الْحَدِيثُ عَلَيْهَا، وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّبَا غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهَا بِأَعْيَانِهَا، إِنَّمَا ثَبَتَ لأَوْصَافٍ فِيهَا، وَيَتَعَدَّى إِلَى كُلِّ مَالٍ تُوجَدُ فِيهِ تِلْكَ الأَوْصَافُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الأَوْصَافِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي جَمِيعِهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ النَّفْعُ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الرِّبَا ثَبَتَ فِي الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ بِوَصْفٍ، وَفِي الأَشْيَاءِ الْمَطْعُومَةِ بِوَصْفٍ آخَرَ. وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ، فَقَالَ قَوْمٌ: ثَبَتَ فِي الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، بِوَصْفِ النَّقْدِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ قَوْمٌ: ثَبَتَ بِعِلَّةِ الْوَزْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، حَتَّى قَالُوا: يَثْبُتُ الرِّبَا فِي جَمِيعِ مَا يُبَاعُ وَزْنًا فِي الْعَادَةِ، مِثْلُ: الْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْقُطْنِ، وَنَحْوِهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَزْنَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً، اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إِسْلامُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْمَوْزُونَاتِ، وَلَوْ كَانَ الْوَزْنُ عِلَّةً، لَكَانَ لَا يَجُوزُ، لأَنَّ كُلَّ مَالَيْنِ اجْتَمَعَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا لَا يَجُوزُ إِسْلامُ

أَحَدِهِمَا فِي الآخَرِ، كَمَا لَا يَجُوزُ إِسْلامُ الدَّرَاهِمِ فِي الدَّنَانِيرِ، وَإِسْلامُ الْحِنْطَةِ فِي الشَّعِيرِ، لاتِّفَاقِهِمَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا. يَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ رَطْلَ حَدِيدٍ بِرَطْلَيْنِ، أَوْ رَطْلَ نُحَاسٍ، أَوْ صُفْرٍ، بِأَرْطَالٍ مِنْ جِنْسِهِ يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَقْدًا وَنَسِيئَةً، وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ يَدًا بِيَدٍ وَلا يَجُوزُ نَسِيئَةً، وَلا يَجُوزُ عِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ لَا نَقْدًا وَلا نَسِيئَةً. قَالَ شُعْبَةُ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ عَنِ الصُّفْرِ بِالْحَدِيدِ نَسِيئَةً؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَسَأَلْتُ عَنْهُ حَمَّادًا، فَكَرِهَهُ. وَأَمَّا الأَشْيَاءُ الأَرْبَعَةُ الْمَطْعُومَةُ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرِّبَا ثَبَتَ فِيهَا بِوَصْفِ الْكَيْلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ حَتَّى قَالُوا: يَثْبُتُ الرِّبَا فِي جَمِيعِ مَا يُبَاعُ كَيْلا فِي الْعَادَةِ، مِثْلُ الْجَصِّ وَالنُّورَةِ وَنَحْوِهِمَا. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهَا الطُّعْمُ مَعَ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ، فَكُلُّ مَطْعُومٍ هُوَ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا، وَلا يَثْبُتُ فِيمَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلا مَوْزُونٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَا رِبًا إِلا فِي ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ، أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ قَدِيمًا، وَقَوْلُ مَالِكٍ قَرِيبٌ مِنْهُ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: يَثْبُتُ فِيهَا الرِّبَا بِوَصْفِ الطُّعْمِ، وَأَثْبَتَ فِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ الْمَطْعُومَةِ، مِثْلُ الثِّمَارِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْبُقُولِ، وَالأَدْوِيَةِ، وَنَحْوِهَا، سَوَاءً كَانَتْ مَكِيلَةً أَوْ مَوْزُونَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِمَا رُوِيَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مَثَلا بِمَثَلٍ». فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِاسْمِ الطَّعَامِ،

وَالطَّعَامُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الطُّعْمِ، وَكُلُّ حُكْمٍ عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنْ مَعْنًى يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِلَّةً فِيهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النُّور: 2] وَقَالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [الْمَائِدَة: 38] وَالزَّانِي وَالسَّارِقُ، اسْمَانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، فَلَمَّا عَلَّقَ وُجُوبَ الْجَلْدِ وَالْقَطْعِ بِاسْمِ الزَّانِي وَالسَّارِقِ، كَانَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ عِلَّةً فِي وُجُوبِهِمَا، وَلأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا ضَمَّ الْمِلْحَ، الَّذِي هُوَ أَدْنَى مَا يُطْعَمُ، إِلَى الْبُرِّ، الَّذِي هُوَ أَعْلى الْمَطْعُومَاتِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا بَيْنَ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ لاحِقٌ بِهِمَا. أَمَّا حُكْمُ الرِّبَا: هُوَ أَنَّهُ إِذَا بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ، فَلا يَجُوزُ إِلا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا مِثْلَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، يُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْوَزْنِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْكَيْلِ لَا يَمْنَعُ الْعَقْدَ. وَإِنْ كَانَ مَكِيلا مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا، فَتُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِجِنْسِهِ كَيْلا، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمَوْزُونَاتِ الْمَطْعُومَةِ بِجِنْسِهِ كَيْلا، أَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمَكِيلاتِ الْمَطْعُومَةِ بِجِنْسِهِ وَزْنًا، لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ بَاعَ مُجَازَفَةً. وَكَمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ، يَفْسَدُ الْعَقْدُ. وَإِذَا بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ، نَظَرَ إِنْ بَاعَ بِمَا لَا يُوَافِقُهُ فِي وَصْفِ الرِّبَا، مِثْلُ أَنْ بَاعَ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، فَلا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ وَلا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِغَيْرِ مَالِ الرِّبَا، وَإِنْ بَاعَهُ بِمَا يُوَافِقُهُ فِي الْوَصْفِ مِثْلُ أَنْ بَاعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ، أَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ، أَوْ مَطْعُومًا بِمَطْعُومٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَيَجُوزُ مُتَفَاضِلا وَجُزَافًا، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» فِيهِ إِيجَابُ الْمُمَاثَلَةِ، وَتَحْرِيمُ الْفَضْلِ.

وَقَوْلُهُ: «عَيْنًا بِعَيْنٍ» فِيهِ تَحْرِيمُ النِّسَاءِ. وَقَوْلُهُ: «يَدًا بِيَدٍ» فِيهِ إِيجَابُ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ» فِيهِ إِطْلاقُ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلافِ الْجِنْسِ مَعَ إِيجَابِ التَّقَابُضِ. وَقَوْلُهُ: «مَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى» يَعْنِي مَنْ أَعْطَى الزِّيَادَةَ أَوْ أَخَذَهَا، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ: «لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ». وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلا، إِلا مَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ إِلا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْكَيْلِ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ. وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فَنِيَ عَلَفُ حِمَارِهِ، فَقَالَ لِغُلامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ طَعَامًا، فَابْتَعْ بِهِ شَعِيرًا وَلا تَأْخُذْ إِلا مِثْلَهُ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: «وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ، وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ، يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ». وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إِلا فِي الصَّرْفِ، وَهُوَ بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآخَرِ أَوْ بِجِنْسِهِ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلا الْبُرَّ بِالْبُرِّ» إِلَى أَنْ قَالَ: «إِلا يَدًا بِيَدٍ»، وَقَالَ فِي اخْتِلافِ الْجِنْسِ: «وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرَقِ، وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ، يَدًا بِيَدٍ»، ثُمَّ قَوْلُهُ: «يَدًا بِيَدٍ» مَحْمُولٌ عَلَى إِيجَابِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ فِي الصَّرْفِ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ، فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ مِنْهَا. وَيُقَالُ: كَانَ فِي الابْتِدَاءِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بَيْعُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ، وَبَيْعُ الدَّنَانِيرَ بِالدَّنَانِيرِ، مُتَفَاضِلا جَائِزًا يَدًا بِيَدٍ، ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا إِلَى إِيجَابِ الْمُمَاثَلَةِ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْمَذْهَبِ الأَوَّلِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّسْخُ، كَانَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَكَانَ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي

أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ». وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ حَدَّثَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ». وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ أُسَامَةَ «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ»، فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرِّبَا فِي صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، ذَهَبٍ بِوَرِقٍ، أَوْ تَمْرٍ بِحِنْطَةٍ، فَقَالَ: «الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ»، فَحَفِظَهُ، فَأَدَّى قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُؤَدِّ الْمَسْأَلَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 2057 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، قَالَ: فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي، فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهُ فِي يَدِهِ، قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنَ الْغَابَةِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْمَعُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأخُذَ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالبُرِّ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَوْلُهُ: «هَاءَ وَهَاءَ» أَرَادَ يَدًا بِيَدٍ، كَمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. مَعْنَاهُ: هَاكَ وَهَاتَ، أَيْ: خُذْ وَأَعْطِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ إِيجَابُ التَّقَابُضِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، يُقَالُ: هَاءَ يَا رَجُلُ، وَلِلاثْنَيْنِ: هَاءًا بِمَنْزِلَةِ هَاعًا، وَلِلْجَمْعِ: هَاءُوا، وَلِلْمَرْأَةِ: هَائِي، وَلِلْمَرْأَتَيْنِ: هَاءَا، وَلِلْجَمِيعِ: هَأْنَ بِمَنْزِلَةِ هَعْنَ، وَيُقَالُ: هَاؤُنَّ مِثْلُ هَاعُنَّ، وَيُقَالُ: هَاءِ يَا رَجُلُ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ، وَلِلاثْنَيْنِ: هَاؤُمَا، وَلِلْجَمْعِ: هَاؤُمُوا، وَلِلْمَرْأَةِ: هَاءِ، مَكْسُورٌ بِلا يَاءٍ، وَلِلْمَرْأَتَيْنِ: هَاؤُمَا، وَلِلنِّسْوَةِ: هَاؤُنَّ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] أَيْ: خُذُوا كِتَابِي وَانْظُرُوا مَا فِيهِ لِتَقِفُوا عَلَى نَجَاتِي، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: هَاكَ لِلْوَاحِدِ، وَهَاكُمَا لِلاثْنَيْنِ، وَهَاكُمْ لِلْجَمِيعِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ فِي بَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ، وَلا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالصَّرْفِ، لأَنَّ ذِكْرَ «هَاءَ وَهَاءَ» فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَحَمَلَهَا عُمَرُ عَلَى التَّقَابُضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، فَكَانَ أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ، أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالآخَرُ نَاجِزٌ، وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ إِلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ، فَلا تُنْظِرْهُ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ. وَالرَّمَاءُ: الرِّبَا. وَفِي رِوَايَةٍ: أَخَافُ عَلَيْكُمُ

الإِرْمَاءَ، يُقَالُ: أَرْمَى عَلَى الشَّيْءِ، وَأَرْبَا: إِذَا زَادَ عَلَيْهِ. 2058 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لَا فَضَلَ بَيْنَهُمَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ. 2059 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَجَاءَهُ صَائِغٌ، فَقَالَ: يَا أبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ، ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ، فَأَسْتَفْضِلُ فِي ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي؟ فَنَهَاهُ، فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُردِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا، هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إِلَيْنَا، وَعَهْدُنَا إِلَيْكُمْ .

2060 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ مُعَاوِيةَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، فَقَالَ لَهُ أبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلَ هَذَا إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ، أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ، لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا. ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ لَا تَبِعْ ذَلِكَ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ، وَزْنًا بِوَزْنٍ. 2061 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ،

وَلا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: «لَا تُشِفُّوا» أَيْ: لَا تُفَضِّلُوا، يُقَالُ: أَشَفَّ، أَيْ: أَفْضَلَ، وَشَفَّ يَشِفُّ: أَيْ: فَضَّلَ. وَفِي الْحَدِيثِ: نُهِيَ عَنْ شَفِّ مَا لَمْ يُضْمَنْ، أَيْ: رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ. والشَّفُّ: النُّقْصَانُ أَيْضًا، وَهُوَ مِنَ الأَضْدَادِ. وَالنَّاجِزُ: الْحَاضِرُ، يُقَالُ: نَجَزَ يَنْجُزُ نَجْزًا، إِذَا حَضَرَ، وَأَنْجَزَ الْوَعْدَ أَيْ: أَحْضَرَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ تَحْرِيمِ الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ لَا يَجُوزُ إِلا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْوَزْنِ، وَلا يَجُوزُ طَلَبُ الْفَضْلِ لِلصَّنْعَةِ، لأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ مَعَ الْفَضْلِ. قَالَ الإِمَامُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ وَمَعَهُمَا، أَوْ

مَعَ أَحَدِهِمَا، شَيْءٌ آخَرُ، مِثْلُ أَنْ بَاعَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ، أَوْ بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ، لَا يَجُوزُ، لأَنَّ اخْتِلافَ الْجِنْسِ فِي أَحَدِ شِقَّيِ الصَّفْقَةِ يُوجِبُ تَوْزِيعَ مَا فِي مُقَابَلَتِهِمَا عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَعِنْدَ التَّوْزِيعِ يَظْهَرُ الْفَضْلُ، أَوْ يُوجِبُ الْجَهْلَ بِالتَّمَاثُلِ حَالَة الْعَقْدِ، وَالْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ فِي بَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ بِمَنْزِلِ يَقِينِ التَّفَاضُلِ فِي إِفْسَادِ الْبَيْعِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِخَيْبَرَ، بِقِلادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ، ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ تِسْعَةِ دَنَانِيرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلادَةِ، فَنُزِعَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي جَامِعِهِ. وَقَوْلُهُ: «حَتَّى تُفَصَّلَ» وَيُرْوَى: «حَتَّى تُمَيَّزَ» أَرَادَ بِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْخَرَزِ وَالذَّهَبِ فِي الْعقدِ، لَا تَمْيِيزَ عَيْنِ الْمَبِيعِ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ. وَجَوَّزَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، إِذَا كَانَ الذَّهَبُ الَّذِي هِوَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ مَعَ السِّلْعَةِ، وَجَعَلُوا الْفَضْلَ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِ الْجِنْسِ، فَإِنْ كَانَ الذَّهَبُ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ أَقَلُّ أَوْ مِثْلُهُ، لَمْ يَجُزْ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا، إِلا أَنَّهُ حَدَّ الْكَثْرَةَ بِالثُّلُثَيْنِ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يَجُوزُ، سَوَاءً كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَهَذَا الَّذِي

ذَكَرُوهُ خِلافَ قَضِيَّةِ الْعُقُودِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ رُبْعٍ مَشْفُوعًا وَثَوْبًا بِمِائَةٍ، وَقِيمَةُ الشِّقْصِ مَثَلا قِيمَةُ الثَّوْبِ، أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِثُلُثَيِ الْمِائَةِ، فَعَلَى قَضِيَّةِ هَذَا يَلْزَمُ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ مَعَ غَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ: لَوْ بَاعَ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَصَاعَ بُرٍّ بِصَاعَيْ بُرٍّ، وَقِيمَةُ الشّقْصِ قيمةُ الصَّاعِ، يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشَّقْصَ بِثُلُثَيِ الصَّاعَيْنِ، وَحِينَئِذٍ يَبْقَى صَاعٌ بِمُقَابَلَةِ ثُلُثَيْ صَاعٍ، وَبِالاتِّفَاقِ لَوْ بَاعَ صَاعَ بُرٍّ بِثُلُثَيْ صَاعٍ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا. فَأَمَّا إِذَا بَاعَ فِضَّةً وَسِلْعَةً بِذَهَبٍ فَجَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنَ اخْتِلافِ الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ التَّقَابُضَ فِيمَا يُقَابِلُ الْفِضَّةَ مِنَ الذَّهَبِ شَرْطٌ، وَفِيمَا يُقَابِلُ السِّلْعَةَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَكَذَلِكَ كُلُّ صَفْقَةٍ جَمَعَتْ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ بِأَنْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعِ وَسلم، أَوْ بَيْعِ عَيْنٍ وَإِجَارَةٍ، فَلَهُ فِي صِحَّتِهَا قَوْلانِ أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ دَرَاهِمَ وَسِلْعَةٍ بِدِينَارٍ، إِلا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ يَسِيرَةً، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ وَمُدَّ صَيْحَانِيٍّ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ، أَوْ بِمُدَّيْ صَيْحَانِيٍّ، أَوْ بمُدِّ عَجْوَةٍ وَمُدِّ صَيْحَانِيٍّ، أَوْ راطل مِائَةَ دِينَارٍ عُتُقٍ مَروَانِيَّةٍ وَمِائَةَ دِينَارٍ مِنْ ضَرْبٍ مَكْرُوهٍ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ مِنْ ضَرْبٍ وَسَطٍ، لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْوَزْنُ وَاحِدًا. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اخْتِلافِ النَّوْعِ فِي أَحَدِ شِقَّيِ الْعَقْدِ يُوجِبُ تَوْزِيعَ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَعِنْدَ التَّوْزِيعِ رُبَّمَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ.

باب تحريم بيع مال الربا بجنسه جزافا

بَاب تَحْرِيمِ بَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ جُزَافًا. 2062 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ لَا تُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ». وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ جُزَافًا لِلْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ حَالَةَ الْعَقْدِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ صُبْرَتِي هَذِهِ مِنَ الْحِنْطَةِ بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ صُبْرَتِكَ، أَوْ دِينَارِي بِمَا يُوَازِنَهُ مِنْ دِينَارِكَ، جَازَ إِذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ، وَالْفَضْلُ مِنَ الدِّينَارِ الْكَبِيرِ، وَالصُّبْرَةُ الْكَبِيرَةُ لِبَائِعِهَا، فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ جُزَافًا، لأَنَّ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ حَرَامٍ.

باب المكيال والميزان

بَاب الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ. 2063 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَرُّوذِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حدَّثَنِي أَبُو الْمُنْذِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ». قَالَ الإِمَامُ: الْحَدِيثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا، حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الدَّرَاهِمِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِوَزْنِ مَكَّةَ، كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَالصَّاعُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، كُلُّ صَاعٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ، وَثُلُثٌ. فَأَمَّا فِي الْمُعَامَلاتِ فَإِطْلاقُ ذِكْرِ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي تَجْرِي الْمُعَامَلَةُ فِيهِ، وَلا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ إِلا مُتَسَاوِيَيْنِ

فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ مَكِيلا يَشْتَرِطُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْكَيْلِ، وَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا فَفِي الْوَزْنِ، ثُمَّ كُلُّ مَا كَانَ مَوْزُونًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْوَزْنِ، وَمَا كَانَ مَكِيلا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ، وَلا يُنْظَرُ إِلَى مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ بَعْدُ. وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمَكَيْلِ وَزْنًا، وَفِي الْمَوْزُونِ كَيْلا. وَلَوْ سَمَّى عَشَرَةَ مَكَايِيلَ، وَفِي الْبَلَدِ مَكَايِيلُ مُخْتَلِفَةٌ، لَا يَصِحُّ حَتَّى يُقَيَّدَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَالْقَفِيزُ وَالْمَكُّوكُ وَالْمُدُّ وَالصَّاعُ، كُلُّهَا كِيَلٌ، وَالأَوَاقِي وَزْنٌ، وَكَذَلِكَ الأَرْطَالُ إِلا أَنْ يُرِيدَ بِالأَرْطَالِ الْمَكَايِيلَ، فَيَكُونُ كَيْلا.

باب الاحتيال للخلاص عن الربا

بَاب الاحْتِيَالِ لِلْخَلاصِ عَنِ الرِّبَا. 2064 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا»؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاثِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ. الْجَنِيبُ: نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ، وَهُوَ أَجْوَدُ تُمُورِهِمْ. وَالْجَمْعُ: الدَّقَلُ، وَيُقَالُ: هُوَ أَخْلاطٌ رَدِيئَةٌ مِنَ التَّمْرِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: الْجَمْعُ كُلُّ لَوْنٍ مِنَ النَّخْلِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، يُقَالُ: كَثُرَ الْجَمْعُ فِي أَرْضِ بَنِي فُلانٍ.

قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُبَدِّلَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ، وَيَأْخُذَ فَضْلا، فَلا يَجُوزُ حَتَّى يَبِيعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَيَقْبِضُ مَا اشْتَرَاهُ، ثُمَّ يَبِيعُهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا دُفِعَ إِلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَلا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ إِلَى أَجَلٍ، وَيَشْتَرِيَهَا مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ إِلَى أَجَلٍ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ، أَوْ بِأَطْوَلَ مِنْ أَجَلِهِ لَا يَجُوزُ، وَكَرِهَ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ. وَيُسَمَّى هَذَا عِينَةُ مِنَ الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ: الْمَالُ الْحَاضِرُ، فَالْمُشْتَرِي يَشْتَرِي السِّلْعَةَ لِيَبِيعَهَا بِمَالٍ حَاضِرٍ يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْرِهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ بِأَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عَائِشَةَ، فَسَأَلَتْهَا عَنْ عَبْدٍ بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بَثَمَانِ مِائَةٍ نَسِيئَةً إِلَى الْعَطَاءِ، ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّ مِائَةٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ، وَبِئْسَ مَا ابْتَعْتِ، أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنْ يَتُوبَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا، فَقَدْ تَكُونُ عَائِشَةُ عَابَتِ الْبَيْعَ إِلَى الْعَطَاءِ، لأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ، ثُمَّ قَالَ: وَزَيْدٌ صَحَابِيٌّ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا، فَمَذْهَبُنَا الْقِيَاسُ، وَهُوَ مَعَ زَيْدٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ يَبِيعُ الْجَارِيَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إِلَى أَبْعَدِ مِنْ ذَلِكَ الأَجَلِ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ: لأَنَّ سِلْعَتَهُ رَجَعَتْ إِلَيْهِ بِعَيْنِهَا، وَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِائَةً بِأَكْثَرَ إِلَى أَجَلٍ. قَالَ الإِمَامُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ جَائِزٌ.

باب بيع الحيوان بالحيوانين

بَاب بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانَيْنِ. 2065 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " جَاءَ عَبْدٌ، فَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَسْمَعْ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِعْهُ. فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ، وَلَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدَهُ حتَّى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هُوَ، أَوْ حُرٌّ ". هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنِ اللَّيْثِ. وَحُكِيَ عَنِ الرَّبِيعِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، يُرِيدُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى، وَإِذَا قَالَ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، يُرِيدُ يَحْيَى بْنَ حَسَّانٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلِّهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ حَيَوَانٍ

بِحَيَوَانَيْنِ نَقْدًا، سَوَاءً كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا. اشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ، فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ: آتِيكَ بِالآخَرِ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إِنْ كَانَا مَأْكُولَيِ اللَّحْمِ، لَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ الشِّرَاءُ لِلذَّبْحِ، وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُخْتَلِفًا. وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ أَوْ بِالْحَيَوَانَيْنِ نَسِيئَةً، فَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُرْوَى فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً». وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، سَوَاءً كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا، مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَسَوَاءً بَاعَ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ، أَوْ بِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ. وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُخْتَلِفًا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مُتَّفِقًا فَلا. وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا، فَنَفَدَتِ الإبِلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلائِصِ الصَّدَقَةِ، فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ. وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَاعَ جَمَلا، يُقالُ لَهُ عُصَيْفِيرُ، بَعِشْرِينَ بَعِيرًا

إِلَى أَجَلٍ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يوفّيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي اتِّصَالِهِ، وَفِي سَمَاعِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ صَحِيفَةٌ، وَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ وَحَمَلَهُ عَلَى بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ، وَعِنْدَهُمْ مُحَرَّمَةٌ، حَتَّى لَمْ يُجَوِّزُوا إِسْلامَ ثَوْبٍ فِي ثَوْبٍ، وَلا إِسْلامَ شَيْءٍ فِي جِنْسِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَجَوَّزَهُ الآخَرُونَ فِي غَيْرِ مَالِ الرِّبَا. قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: كُنْتُ أَبِيعُ قِبْطِيَّةً بِقِبْطِيَّتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ.

باب بيع اللحم بالحيوان

بَاب بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ. 2066 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ». وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: كَانَ مِنْ مَيْسِرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ. 2067 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَوَجَدْتُ جَزُورًا قَدْ جُزِّئَتْ أَجْزَاءً، كُلُّ جُزءٍ مِنْهَا بِعَنَاقٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْهَا جُزْأً، فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهلِ الْمَدِينَةِ:

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ «نَهَى أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ». قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَأُخْبِرْتُ عَنْهُ خَيْرًا. قَالَ الإِمَامُ: حَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلا، لَكِنَّهُ يَتَقَوَّى بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ، وَاسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى تَحْرِيمِهِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ، فَقَالَ: أَعْطُونِي جُزْأً بِهَذَا الْعَنَاقِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصْلُحُ هَذَا. وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُحَرِّمُونَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عَاجِلا وَآجِلا. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُهُ مِنَ النَّاسِ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، سَوَاءً كَانَ اللَّحْمُ مِنْ جِنْسِ ذَاكَ الْحَيَوَانِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَسَوَاءً كَانَ الْحَيَوَانُ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى إِبَاحَةِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَاخْتَارَ الْمُزَنِيُّ جَوَازَهُ إِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْحَدِيثُ، وَكَانَ فِيهِ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ، مِمَّن يَكُونُ بِقَوْلِهِ اخْتِلافٌ، لأَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ حَيَوَانٍ بِحَيَوَانَيْنِ، فَبَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِمَا لَا رِبًا فِيهِ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ إِلا أَنْ يَثْبُتَ الْحَدِيثُ، فَنَأْخُذَ بِهِ، وَنَدَعَ الْقِيَاسَ.

باب بيع الرطب بالتمر

بَاب بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ. 2068 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفيانَ، أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ: أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الْبَيْضَاءُ. فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ. «فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْبَيْضَاءُ: نَوْعٌ مِنَ الْبُرِّ أَبْيَضُ اللَّوْنِ، وَفِيهِ رَخَاوَةٌ يَكُونُ بِبِلادِ مِصْرَ. وَالسُّلْتُ: نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ الْبُرِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْبَيْضَاءُ: الرُّطَبُ مِنَ السُّلْتِ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالرُّطَبِ مَعَ التَّمْرِ، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَمْ يَصِحَّ

التَّشْبِيهُ. وَالسُّلْتُ: حَبٌّ لَا قِشْرَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟» سُؤَالُ تَقْرِيرٍ لِيُنَبِّهَهُمْ بِهِ عَلَى عِلّة الْحُكْمِ، لَا سُؤَالُ اسْتِفْهَامٍ، لأَنَّ انْتِقَاصَ الرُّطَبِ بِالْجَفَافِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الْمَطْعُومِ بِجِنْسِهِ، وَأَحَدُهُمَا رُطَبٌ وَالآخَرُ يَابِسٌ، مِثْلُ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَبَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَاللَّحْمِ الرُّطَبِ بِالْقَدِيدِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ، وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ، فَلَمْ يُجَوِّزْهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟» فَاعْتَبَرَ التَّفَاوُتَ الَّذِي يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُتَعَقَّبِ عِنْدَ جَفَافِ الرُّطَبِ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ، لأَنَّهُمَا فِي الْمُتَعَقَّبِ مَجْهُولا الْمِثْلِ تَمْرًا، وَجَوَّزَهُ الآخَرُونَ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ، وَهُمَا رُطَبَانِ، فَإِنْ كَانَا قَدِيدَيْنِ يَجُوزُ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبُ بِالزَّبِيبِ. وَلا يَجُوزُ بَيْعُ مَطْعُومٍ مَطْبُوخٍ بِجِنْسِهِ مَطْبُوخًا وَلا نَيِّئًا، وَيَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ الْحَدِيثِ بِالْعَتِيقِ، وَالْبُرِّ الْحَدِيثِ بِالْعَتِيقِ، إِلا أَنْ يَكُونَ فِي الْحَدِيثِ نُدُوَّةٌ لَوْ زَالَتْ لَظَهَرَ النُّقْصَانُ فِي الْكَيْلِ، فَلا يَجُوزُ كَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ. وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَ عَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ، وَخَلِّهِ بِخَلِّهِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْخَلَّيْنِ أَوْ فِيهِمَا مَاءٌ، لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ جَوَّزَ بَيْعَ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ، وَالدُّهْنِ بِالدُّهْنِ، مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْكَيْلِ،

فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِثْلُ أَنْ بَاعَ عَصِيرَ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الرُّطَبِ، وَلَبَنَ الشَّاةِ بِلَبَنِ الْبَقَرِ، أَوْ دُهَنَ السِّمْسِمِ بِدُهْنِ الْجَوْزِ، يَجُوزُ مُتَفَاضِلا وَجُزَافًا، يَدًا بِيَدٍ. وَكَذَلِكَ لَحْمُ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الشَّاةِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّ اللَّحْمَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَلا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الشَّاةِ بِلَحْمِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ، إِلا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الشَّاةِ بِلَحْمِ الشَّاةِ. وَكَذَلِكَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَصْلِ شَيْءٍ فِيهِ الرِّبَا بِفَرْعِهِ، مِثْلُ: بَيْعِ اللَّبَنِ بِكُلِّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، من: زُبْدٍ، وَسَمْنٍ، وَمَخِيضٍ، وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِكُلِّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، مِنْ: عَصِيرٍ، وَخَلٍّ، وَدِبْسٍ، وَبَيْعُ السِّمْسِمِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، مِنْ: دُهْنٍ، وَكُسْبٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ، وَلا بِالْخُبْزِ، وَلا بِالسَّوِيقِ، وَلا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ، وَلا الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ. وَجَوَّزَ مَالِكٌ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ مِثْلا بِمِثْلٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالا: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْبُرِّ وَزْنًا بِوَزْنٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالْخُبْزِ إِذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلا بِمِثْلٍ، وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ. وَجَوَّزَ الأَوْزَاعِيُّ بَيْعَ الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ.

باب النهي عن المزابنة والمحاقلة

بَاب النَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ 2069 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ». وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلا، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ. 2070 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلا بِتَمْرٍ كَيْلا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلا، أَوْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ أَيْضًا. 2071 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ». وَالْمُحَاقَلَةُ: أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ حِنْطَةً. وَالْمُزَابَنَةُ: أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِمِائَةِ فَرَقٍ. وَالْمُخَابَرَةُ: كِرَاءُ الأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَة، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ الإِمَامُ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الْمُزَابَنَةَ وَالْمُحَاقَلَةَ بَاطِلَةٌ. وَيُرْوَى فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَسَعْدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ. فَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ بِجِنْسِهِ

مَوْضُوعًا عَلَى الأَرْضِ، وَالْمُحَاقَلَةُ: بَيْعُ الزَّرْعِ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ بِجِنْسِهِ نَقِيًّا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا الْمُحَاقَلَةُ؟ قَالَ الْمُحَاقَلَةُ فِي الْحَرْثِ كَهَيْأَةِ الْمُزَابَنَةِ فِي النَّخْلِ سَوَاءً، وَهُوَ بَيْعُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ. فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَفَسَّرَ لَكُمْ جَابِرٌ الْمُحَاقَلَةَ كَمَا أَخْبَرْتَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. وَأَصْلُ الْمُزَابَنَةُ مِنَ الزَّبْنُ، وَهُوَ الدَّفْعُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا وَقَفَ عَلَى غَبْنٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ أَرَادَ فَسْخَ الْعَقْدِ، وَأَرَادَ الْغَابِنُ إِمْضَاءَهُ، فَتَزَابَنَا، أَيْ: تَدَافَعْنَا، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْفَعُ صَاحِبَهُ عَنْ حَقِّهِ، وَخَصَّ بَيْعَ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِجِنْسِهِ بِهَذَا الاسْمِ، لأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ، وَمَا عَلَى الشَّجَرِ لَا يُحْصَرُ بِكَيْلٍ وَلا وَزْنٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَقْدِيرُهُ بِالْخَرْصِ، وَهُوَ حَدَسٌ وَظَنٌّ، لَا يُؤْمَنُ فِيهِ مِنَ التَّفَاوُتِ. فَأَمَّا إِذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ عَلَى الشَّجَرِ بِجِنْسٍ آخَرَ مِنَ الثِّمَارِ، عَلَى الأَرْضِ أَوْ عَلَى الشَّجَرِ، يَجُوزُ، لأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ شَرْطٍ، وَالتَّقَابُضُ شَرْطٌ فِي الْمَجْلِسِ، فَقَبْضُ مَا عَلَى الأَرْضِ بِالنَّقْلِ، وَقَبْضُ مَا عَلَى الشَّجَرِ بِالتَّخْلِيَةِ. وَأَمَّا الْمُحَاقَلَةُ، فَأَصْلُهَا مِنَ الْحَقْلِ، وَهُوَ الْقُرَاحُ وَالْمَزْرَعَةُ، وَيُقَالُ لِلأَقْرِحَةِ: مَحَاقِلُ وَمَزَارِعُ، وَفِي الْمَثَلِ «لَا يُنْبِتُ البَقْلَةَ إِلا الْحَقْلَةُ». وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ» أَيْ: بِمَزَارِعِكُمْ، فَهَذَا بَيْعُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَحَاقِلِ، فَسُمِّيَ بِاسْمِهَا. وَالْحَقْلُ: هُوَ الزَّرْعُ الأَخْضَرُ أَيْضًا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ» قَالَ: وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاؤُهُ الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَالْمُحَاقَلَةُ: كِرَاءُ الأَرْضِ بِالطَّعَامِ. وَلَمْ يُجَوِّزْ مَالِكٌ اكْتِرَاءَ الأَرْضِ بِالطَّعَامِ، وَجَوَّزَ الآخَرُونَ

بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنَ الطَّعَامِ، كَمَا يَجُوزُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، إِنَّمَا لَا يَجُوزُ بِمَا يَنْبُتُ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ بَعْدَ الاكْتِرَاءِ. وَالْمُخَابَرَةُ: اكْتِرَاءُ الأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَالْخُبْرُ: النَّصِيبُ، وَسُمِّيَ الأَكَّارُ خَبِيرًا، لأَنَّهُ يُخَابِرُ الأَرْضَ. وَكَانَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ يَقُولُ: أَصْلُ الْمُخَابَرَةِ مِنْ خَيْبَرَ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَهْلِهَا عَلَى النِّصْفِ، فَقِيلَ: خَابَرَهُمْ، أَيْ: عَامَلَهُمْ فِي خَيْبَرَ، فَتَنَازَعُوا، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ جَازَتْ بَعْدُ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُزَابَنَةُ: كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْجُزَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلا وَزْنُهُ وَلا عَدَدُهُ، أَنْ يُبَاعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِنَ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ، كَالطَّعَامِ الْمُصبَّرِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ، أَوِ الْكُرْسُفِ، أَوِ الْكَتَّانِ، أَوِ الْغَزْلِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ السِّلَعِ، لَا يُعْلَمُ كَيْلُ شَيْءٍ مِنْهُ وَلا وَزْنُهُ وَلا عَدَدُهُ، يَقُولُ لِرَبِّهَا: كِلْ سِلْعَتَكَ، أَوْ زِنْ، أَوِ اعْدُدْ مَا كَانَ يُعَدُّ، فَمَا نَقَصَ مِنْ كَذَا وَكَذَا صَاعًا، أَوْ رَطْلا، أَوْ عَدَدًا، فَعَلَيَّ غُرْمُهُ حَتَّى أُوَفِّيَكَ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ، وَمَا زَادَ فَلِي، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ، وَلَكِنَّهُ الْغَرَرُ وَالْمُخَاطَرَةُ وَالْقُمَارِ. 2072 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ، أَنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَالْمُعَاوَمَةِ» قَالَ أَحَدُهُمَا، وَقَالَ الآخَرُ: «وَبيْعُ السِّنِينَ، هِيَ الْمُعَاوَمَةُ» «وَعَنِ الثُّنَيَّا، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ،

عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ الإِمَامُ: الْمُعَاوَمَةُ هِيَ بَيْعُ السِّنِينَ، اخْتَلَفَ فِيهَا لَفْظُ الرَّاوِيَيْنِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ». وَصُورَةُ بَيْعِ السِّنِينَ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ نَخِيلِهِ سِنِينَ ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ أَكْثَرَ، فَهُوَ فَاسِدٌ، لأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ، هَذَا فِي بُيُوعِ الأَعْيَانِ، أَمَّا فِي بُيُوعِ الصِّفَاتِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. وَذَلِكَ الشَّيْءُ مُنْقَطِعٌ فِي الْحَالِ، وَسَيُوجَدُ عِنْدَ الْمَحِلِّ غَالِبًا. وَأَمَّا الثُّنَيَّا: فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ جُزْأً غَيْرَ مَعْلُومٍ، فَلا يَصِحُّ، لأَنَّ الْمَبِيعَ يَصِيرُ مَجْهُولا بِاسْتِثْنَاءِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ ثَمَرَ هَذَا الْحَائِطِ إِلا صَاعًا، لَا يَصِحُّ، فَإِنِ اسْتَثْنَى جُزْأً شَائِعًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ ثَمَرَ هَذَا الْحَائِطِ إِلا ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَه ُ يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوِ اسْتَثْنَى ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلاتٍ بِعَيْنِهَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ إِلا ثُلُثَهَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ إِلا صَاعًا، فَإِنْ كَانَتِ الصِّيعَانُ مَجْهُولَةً لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً، مَثَلا كَانَتْ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ، جَازَ، وَجَعَلَ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهَا الْعُشْرَ. وَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ، وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ تَمْرًا. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْقُطُرَ، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَزِنَ جُلَّةً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ عِدْلا مِنَ الْمَتَاعِ، وَيَأْخُذُ مَا بَقِيَ عَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، وَلا يَزِنُهُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: الْمُقَاطَرَةُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ إِلَى آخَرَ فَيَقُولُ لَهُ: بِعْنِي مَا لَكَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مِنَ التَّمْرِ جُزَافًا، بِلا كَيْلٍ وَلا وَزْنٍ، فَيَبِيعُهُ.

باب الرخصة في العرايا

بَاب الرُّخْصَةِ فِي الْعَرَايَا. 2073 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ، يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، إِلا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا، يأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ وَابْنُ نُمَيْرٍ. كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ. 2074 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،

عَنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَريَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. الْعَرِيَّةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ نَخَلاتٍ مَعْلُومَةٍ، بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاحِ فِيهَا خَرْصًا، بِالتَّمْرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ كَيْلا، اسْتَثْنَاهَا الشَّرْعُ مِنَ الْمُزَابَنَةِ بِالْجَوَازِ، كَمَا اسْتَثْنَى السَّلَمَ بِالْجَوَازِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ. سُمِّيَتْ عَرِيَّةٌ، لأَنَّهَا عَرِيَتْ مِنْ جُمْلَةِ التَّحْرِيمِ، أَيْ: خَرَجَتْ، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةً. وَقِيلَ: لأَنَّهَا عَرِيَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْحَائِطِ بِالْخَرْصِ وَالْبَيْعِ، فَعَرِيَتْ عَنْهَا، أَيْ: خَرَجَتْ. وَقِيلَ: هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَعْرَيْتُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ، أَيْ: أَطْعَمْتُهُ، فَهُوَ يَعْرُوهَا مَتَى شَاءَ، أَيْ: يَأْتِيهَا فَيَأْكُلُ رُطَبَهَا، يُقَالُ: عَرَوْتُ الرَّجُلَ: إِذَا أَتَيْتَهُ تَطْلُبُ مَعْرُوفَهُ، فَأَعْرَانِي أَيْ: أَعْطَانِي، كَمَا يُقَالُ: طَلَبَ إِلَيَّ فَأَطْلَبْتُهُ، وَسَأَلَنِي فَأَسْأَلْتُهُ، فَعَلَى هَذَا هِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى مَا ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ الْعَرِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ الرُّطَبَ عَلَى الشَّجَرَةِ بِالتَّمْرِ عَلَى الأَرْضِ، فِي قَدَرٍ مَعْلُومٍ لَا يُجَاوِزُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَثْنَاهَا مِنَ الْمُزَابَنَةِ. 2075 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ،

أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، إِلا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا ". وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْعَرَايَا مِنْ جِنْسِ الْمُزَابَنَةِ، وَلا تَصِحُّ إِلا بِاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ، فَيُخْرَصُ النَّخْلُ، فَيُقَالُ: ثَمَرُهَا إِذَا جَفَّ يَكُونُ كَذَا، فَيَبِيعَهُ بِقَدَرِهِ مِنَ التَّمْرِ كَيْلا، وَيَقْبِضُ مُشْتَرِي التَّمْرِ التَّمْرَ، وَيُخَلَّى بَيْنَ مُشْتَرِي الرُّطَبِ وَالنَّخْلَةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَقْطَعُهُ مَتَى شَاءَ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ فَاسِدًا. وَقَالَ مَالِكٌ: الْعَريَّةُ: أَنْ يُعَرِّيَ الرَّجُلُ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخْلَتَيْنِ فَيُعْطِيهَا رَجُلا، ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ فَيَشْتَرِيهَا مِنْهُ بِالتَّمْرِ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ: الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا، رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنَ التَّمْرِ. وَصُورَتُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُعَرِّيَ الرَّجُلُ مِنْ حَائِطِهِ ثَمَرَ نَخَلاتٍ، ثُمَّ يَبْدُوَ لَهُ فَيُبْطِلَهَا، وَيُعْطِيَهُ مَكَانَهَا تَمْرًا. وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ هَذَا، حَيْثُ قَالَ: «إِلا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا» وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرُوا بَيْعٌ، وَلأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةُ

مِنَ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ خَبَرًا فِيهِ: قُلْتُ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَوْ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ، لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَإِمَّا غَيْرُهُ: مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: وَسَمَّى رِجَالا مُحْتَاجِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، شَكَوْا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاسِ، وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ قُوتِهِمْ مِنَ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا.

باب قدر العرية

بَاب قَدْرُ الْعَرِيَّةِ. 2076 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى بْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» يَشُكُّ دَاوُدُ فِي خَمْسَةٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَغَيْرِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَان أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، إِذْ لَا حَظْرَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى رُخْصَةٍ أَوْ تَقْدِيرٍ. وَلا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَرَايَا فِي أَكْثَرِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَيَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا، أَمَّا فِي الْخَمْسَةِ الأَوْسُقِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَفْسَخُهُ. قَالَ الْمُزَنِيُّ: يَلْزَمُهُ فِي أَصْلِهِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، لأَنَّهَا شَكٌّ، وَأَصْلُ بَيْعِ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ حَرَامٌ بِيَقِينٍ، فَلا يَحِلُّ مِنْهُ إِلا مَا رَخَّصَ فِيهِ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَقِينٍ. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا هُوَ الأَصَحُّ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «إِلَى أَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ»، فَثَبَتَ أَنَّ الرُّخْصَةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَرَايَا عَلَى الشَّجَرَةِ بِبَيْعِهِ بِخَرْصِهِ مِنَ الزَّبِيبِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَمَا فِي ثَمَرِ النَّخْلِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ: الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، إِلا لأَصْحَابِ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ، وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ.

باب النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها

بَاب النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا. 2077 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ: «نُهِيَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ، وعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ، وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ». 2078 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ،

أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. 2079 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ». قَالَ عُثْمَانُ: فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ: مَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: طُلُوعُ الثُّرَيَّا.

الْمُرَادُ بِالْعَاهَةِ: الآفَةُ الَّتِي تُصِيبُ الثَّمَرَ وَالزَّرْعَ فَتُفْسِدُهُ، يُقَالُ: أَعَاهَ الْقَوْمُ، وَأَعْوَهُوا: إِذَا أَصَابَتْ مَاشِيَتَهُمْ أَوْ ثِمَارَهُمُ الْعَاهَةُ. 2080 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ، فَقِيلَ: وَمَا تُزْهِيَ؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ ". وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. 2081 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ، ح. وَأَنا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَحَامِلِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ سَهلِ بْنِ كَثِيرٍ، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، قُلْنَا: مَا هُوَ زَهْوُهُ؟ قَالَ: حَتَّى يَحْمَرَّ. قَالَ أَنَسٌ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ زَهَا النَّخْلُ: إِذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ، وَأَزْهَى: إِذَا احْمَرَّ، وَاصْفَرَّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَزْهُو خَطَأٌ فِي النَّخْلِ إِنَّمَا هُوَ يُزْهِي. 2082 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَس، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَزْهُوَ، وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. قَالَ الإِمَامُ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ. وَيُرْوَى فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، لأَنَّهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ هَلاكِهَا بِوُرُودِ الْعَاهَةِ عَلَيْهَا لِصِغَرِهَا وَضَعْفِهَا، وَإِذَا تَلِفَتْ لَا يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي بِمُقَابَلَةِ مَا دَفَعَ مِنَ الثَّمَنِ شَيْءٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» نَهَى الْبَائِعَ عَنْهُ، لِئَلا يَكُونَ آخِذًا مَالَ الْمُشْتَرِي إِلا بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ يُسَلَّمُ لَهُ، وَنَهَى الْمُشْتَرِيَ مِنْ أَجْلِ الْمُخَاطَرَةِ وَالتَّغْرِيرِ بِمَالِهِ، فَأَمَّا إِذَا بَاعَ وَشَرَطَ الْقَطْعَ عَلَيْهِ، يَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لأَنَّهُ يَأْمَنُ بِالْقَطْعِ مِنَ الْهَلاكِ بِالآفَةِ وَالْعَاهَةِ. وَأَمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاحِ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا، لأَنَّهَا تَأْمَنُ مِنَ الْعَاهَةِ بَعْدَهُ فِي الْغَالِبِ لِكِبَرِهَا وَغِلَظِ نَوَاتِهَا، ثُمَّ تَبْقَى إِلَى أَوَانِ الْجِدَادِ. وَبُدُوِّ الصَّلاحِ فِي الرُّطَبِ أَنْ يَصِيرَ بُسْرًا، وَهُوَ أَنْ يُرَى فِيهِ نُقَطُ الْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ. وَفِي الْخَوْخِ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْمِشْمِشِ، وَالتُّفَّاحِ، بِأَنْ يَطِيبَ بِحَيْثُ يُسْتَطَاعُ أَكْلُهُ. وَفِي الْبِطِّيخِ بِأَنْ يُرَى فِيهِ أَثَرُ النُّضْجِ. وَفِي الْقِثَّاءِ، وَالْبَاذِنْجَانِ، بِأَنْ يَتَنَاهَى بِحَيْثُ يُجْتَنَى فِي الْغَالِبِ. وَإِذَا بَاعَ ثَمَرَةَ حَائِطٍ بَدَا الصَّلاحُ فِي بَعْضِهِ، جَازَ بَيْعُ الْكُلِّ مُطْلَقًا إِذَا اتَّفَقَ الْجِنْسُ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، بِأَنْ كَانَ فِيهِ كَرْمٌ وَنَخِيلٌ، بَدَا الصَّلاحُ فِي ثَمَرِ النَّخِيلِ دُونَ الْكَرْمِ، يَجِبُ شَرْطُ الْقَطْعِ فِيمَا لَمْ يَبْدُ فِيهِ الصَّلاحُ.

وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرِ جَائِزٌ مُطْلَقًا، سَوَاءً كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيُؤْمَرُ بِالْقَطْعِ، فَإِنْ بَاعَ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، فَلا يَجُوزُ فِي الْحَالَيْنِ. وَالْخَبَرُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ. وَلَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الشَّجَرَةِ يَجُوزُ مُطْلَقًا، سَوَاءً كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ أَوْ بَعْدَهُ، لأَنَّ الثَّمَرَةَ كَالتَّابِعِ لِلشَّجَرَةِ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ إِلا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، فَإِنْ بَاعَ مَعَ الأَرْضِ جَازَ مُطْلَقًا. أَمَّا بَيْعُ الزَّرْعِ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ، فَإِنْ كَانَ زَرْعًا تُرَى حَبَّاتُهُ ظَاهِرَةٌ كَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا تُرَى حَبَّاتُهُ كَالْحِنْطَةِ، وَالذُّرَةِ، وَنَحْوِهَا، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لأَنَّ الْمَقْصُودَ، وَهُوَ الْحَبُّ، مُسْتَتِرٌ بِمَا لَيْسَ فِيهِ صَلاحُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى جَوَازِهِ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي الْقِشْرَةِ السُّفْلَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالرَّانِجِ، وَنَحْوِهَا فِي الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «حَتَّى يَحْمَرَّ، وَحَتَّى يَسْوَدَّ»، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ «يَبْدُو صَلاحُهُ، حُمْرَتُهُ، وَصُفْرَتُهُ»، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الاعْتِبَارِ بِحُدُوثِ هَذِهِ الصِّفَةِ فِي الثَّمَرَةِ، لَا إِتْيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ بُدُوِّ الصَّلاحِ فِي الثِّمَارِ غَالِبًا. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الاعْتِبَارَ بِالزَّمَانِ، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ جَازَ بَيْعُهُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ

بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ» فَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ: مَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: طُلُوعُ الثُّرَيَّا. وَالْمُرَادُ مِنْهُ عِنْدَ الآخَرِينَ حَقِيقَةَ بُدُوِّ الصَّلاحِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا مِنَ الأَحَادِيثِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى طُلُوعِ الثُّرَيَّا، مِنْ حَيْثُ إِنَّ بُدُوَّ الصَّلاحِ فِي الثِّمَارِ يَكُونُ بَعْدَ طُلُوعِهَا غَالِبًا. وَرَوَى عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا طَلَعَ النَّجْمُ قَطُّ وَفِي الأَرْضِ مِنَ الْعَاهَةِ شَيْءٌ إِلا رُفِعَ». وَعِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ أَبُو قُرَّةَ الْيَرْبُوعِيُّ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِيهِ نَظَرٌ. وَأَرَادَ بِالنَّجْمِ: الثُّرَيَّا، وَطُلُوعُهَا بِالْغَدَاة مَعَ الصُّبْحِ، وَذَلِكَ لِثَلاثَ عَشْرَةَ تَخْلُو مِنْ أَيَارَ. وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يُجَوِّزُ بَيْعَ الْمَالِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، ثُمَّ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ بَيْعَ الثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُصَّ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ أَقَاوِيلُ، أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي: صَحِيحٌ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ. وَالثَّالِثُ: فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ بَاطِلٌ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ أَجَازَ فِي الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَرِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ. وَلَوْ بَاعَ حَمَلَ الْبَاذِنْجَانَ، وَالْخِرْبَزَ، وَالْقِثَّاءَ، بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاحِ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْخِرْبَزِ أَثَرُ النُّضْجِ، وَفِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ، أَوْ عِظَمُ بَعْضِهِ، فَجَائِزٌ، وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتَلاحَقَ صِغَارُهُ بِكِبَارِهِ، وَمَا نَبَتَ بَعْدَهُ، فَلِلْبَائِعِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا نَبَتَ حَتَّى تَنْقَطِعَ ثَمَرَتُهُ.

باب وضع الجائحة

بَاب وَضْعِ الْجَائِحَةِ. 2083 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ، وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. الْجَوَائِحُ: هِيَ الآفَاتُ الَّتِي تُصِيبُ الثِّمَارَ، فَتُهْلِكُهَا، يُقَالَ: جَاحَهُمُ الدَّهرُ يَجُوحُهُمْ، وَأَجَاحَهُمُ الزَّمَانُ: إِذَا أَصَابَهُمْ بِمَكْرُوهٍ عَظِيمٍ. وَالأَمْرُ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ بَاعَ ثَمَرَةً عَلَى الشَّجَرِ، وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْتَرِي

بِالتَّخْلِيَةِ، ثُمَّ هَلَكَتْ بِآفَةٍ، يُسْتَحَبُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَضَعَهَا عَنِ الْمُشْتَرِي، وَلا يَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ يَأخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟». وَلَوْ كَانَتِ الْجَائِحَةُ مَوْضُوعَةً لَمْ يَكُنِ الْبَائِعُ آخِذًا مَالَ أَخِيهِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، إِلَى أَنَّهَا تُوضَعُ لُزُومًا، وَهُوَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، قَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَأبي عُبَيْدَة، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، لأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَتِمَّ بِالتَّخْلِيَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ سَقْيَهَا إِلَى أَنْ تُدْرَكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُوضَعُ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ، فَلا تُوضَعُ، وَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَأَمَّا إِذَا أَصَابَتْهَا الْجَائِحَةُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِالاتِّفَاقِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَبِيعٍ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إِلَى الْمُشْتَرِي يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ قَدْ قُبِضَ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ.

باب بيع الشجرة المثمرة

بَاب بَيْعِ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ. 2084 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلا قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَتَأْبِيرُ النَّخْلِ: هُوَ أَنَّ الطَّلْعَ إِذَا انْشَقَّ يُوضَعُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ طَلْعِ فُحَّالِ النَّخْلِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لِقَاحًا وَصَلاحًا لِلثَّمَرِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إِذَا بَاعَ نَخْلَةً قَدْ أُبِّرَتْ لَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ النَّخْلَةِ، إِلا أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَةَ مَعَهَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا طَلْعٌ لَمْ يَتَشَقَّقْ، فَيَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ، كَالأَغْصَانِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَشَقُّقِ الطَّلْعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ، فَلا يَدْخُلُ أَيْضًا فِي مُطْلَقِ بَيْعِهَا كَالْمُؤَبَّرِ، لأَنَّ الثَّمَرَةَ قَدْ ظَهَرَتْ بِالتَّشَقُّقِ، كَمَا لَوْ بَاعَ جَارِيَةً حَامِلا يَدْخُلُ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ عَنْهَا لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الأُمِّ.

وَلَوْ بَاعَ نَخِيلَهُ، وَبَعْضُ ثَمَرِهَا مُؤَبَّرٌ وَالْبَعْضُ طَلْعٌ، فَالْكُلُّ يَبْقَى لِلْبَائِعِ. وَكُرْسُفُ الْحِجَازِ كَالنَّخْلِ إِذَا بِيعَ أَصْلُهُ، لأنَّهُ شَجَرٌ يَحْمِلُ سِنِينَ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا تَشَقَّقَ جَوْزُهُ يَبْقَى لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ. أَمَّا كُرْسُفُ خُرَاسَانَ فَزَرْعٌ، لأَنَّهُ لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْجَوْزَقِ، أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَامَلَ فِيهِ الْقُطْنُ، لَا يَجُوزُ إِلا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا تَكَامَلَ فِيهِ الْقُطْنُ قَبْلَ التَّشَقُّقِ، لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، كَبَيْعِ الْجَوْزِ فِي الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّشَقُّقِ يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَيَدْخُلُ الْجَوْزَقُ فِي الْبَيْعِ، لأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ شِرَائِهِ بِخِلافِ ثَمَرِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، لأَنَّ الشَّجَرَةَ ثَمَّ مَقْصُودَةٌ لِثَمَرِ الْعَامِ الْمُقْبِلِ. وَحُكْمُ شَجَرِ الْوَرْدِ حُكْمُ النَّخْلِ إِنْ بَاعَهُ قَبْلَ تَفَتُّقِ كُمَامِهِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَتُّقِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إِلا بِالشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَفَتَّقَ بَعْضُهُ، فَمَا لَمْ يَتَفَتَّقْ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ، وَمَا تَفَتَّقَ يَبْقَى لِلْبَائِعِ، بِخِلافِ ثَمَرِ النَّخْلِ إِذَا كَانَ بَعْضُه مُؤَبَّرًا يَبْقَى الْكُلُّ لِلْبَائِعِ، لأَنَّ مَا تَفَتَّقَ مِنَ الْوَرْدِ، لَا يُتْرَكُ إِلَى إِدْرَاكِ الْبَاقِي، أَمَّا سَائِرُ الثِّمَارِ إِذَا بِيعَ شَجَرُهَا، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْعِقَادِ الثَّمَرَةِ، فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، إِلا أَنْ يَبِيعَ مَعَهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ انْعِقَادِهَا فَلِلْمُشْتَرِي، وَلا عِبْرَةَ بِخُرُوجِ النَّوْرِ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ نَخْلَهُ مُطْلَقًا، لَا يَدْخُلُ الطَّلْعُ فِي الْبَيْعِ إِلا بِالشَّرْطِ، كَالزَّرْعِ لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الأَرْضِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُؤَبَّرَةَ تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ

باب من باع عبدا وله مال

أَبِي لَيْلَى. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ: تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الشَّجَرَةِ، وَمَفْهُومُهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الطَّلْعُ فِيهِ. وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا، فَيَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِهَا كُلُّ مَا هُوَ مُثْبَتٌ فِيهَا لِلتَّأْبِيدِ كَالْبِنَاءِ وَالأَشْجَارِ، إِلا أَنْ يَسْتَثْنِيَهَا لِنَفْسِهِ، فَيَبْقَى لَهُ مَا اسْتَثْنَاهُ، وَلا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا مِنَ الْكُنُوزِ وَالدَّفَائِنِ وَالْمَنْقُولاتِ. وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّأْبِيدِ، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا يَجُزُّ مَا ظَهَرَ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْبُتُ مِثْلَ الْقَتِّ وَالْكُرَّاثِ وَنَحْوِهَا، فَالْجَزَّةُ الظَّاهِرَةُ مِنْهَا تَبْقَى لِلْبَائِعِ، وَأَصْلُهَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الأَرْضِ. بَاب مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ. 2085 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ». 2086 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ،

عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ». هَذَانِ الحَدِيثَانِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِمَا. أَخْرَجَهُمَا مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ. كِلاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَأَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ بِحَالٍ، وَأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ مَلَّكَهُ لَا يمْلِكُ، لأَنَّهُ مَمْلُوكٌ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا، كَالْبَهَائِمِ. وَقَوْلُهُ: «وَلَهُ مَالٌ» هَذِهِ إِضَافَةُ مَجَازٍ لَا إِضَافَةَ مِلْكٍ، كَمَا يُضَافُ السَّرْجُ إِلَى الْفَرَسِ، وَالإِكَافُ إِلَى الْحِمَارِ، وَالْغَنَمُ إِلَى الرَّاعِي، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: «فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ» أَضَافَ الْمَالَ إِلَيْهِ وَإِلَى الْبَائِعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ كُلُّهُ مِلْكًا لاثْنَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَثَبَتَ أَنَّ إِضَافَتَهُ إِلَى الْعَبْدِ مَجَازٌ وَإِلَى الْمَوْلَى حَقِيقَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْمَوْلَى إِذَا مَلَّكَ عَبْدَهُ مَالا، فَقَبِلَ الْعَبْدُ يَمْلِكُ، وَيُحْكَى ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا، لَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى، وَبِاسْمِهِ مَالٌ، لَا يَدْخُلُ مَالُهُ فِي الْبَيْعِ إِلا أَنْ يَبِيعَهُ مَعَهُ. ثُمَّ إِذَا بَاعَ الْمَالَ مَعَهُ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي بِاسْمِهِ عَيْنًا مَعْلُومَةً.

وَعِنْدَ مَالِكٍ يَصِحُّ بَيْعُ الْمَالِ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولا، أَوْ دَيْنًا عَلَى الْغَيْرِ، لأَنَّهُ تَبَعٌ لِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَمْلِ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا، وَلَوْ كَانَ كَالْحَمْلِ وَاللَّبَنِ، لَدَخَلَ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الأَصْلِ، فَلَمَّا لَمْ يَدْخُلْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ بَلْ هُوَ مَقْصُودٌ، فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ: مَنْ بَاعَ وَلِيدَةً قَدْ زُيِّنَتْ، فَمَا عَلَيْهَا لِلْمُشْتَرِي، إِلا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ الْبَائِعُ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَالْمَالُ يَكُونُ لِلْمَوْلَى. وَذَهَبَ النَّخَعِيُّ إِلَى أَنَّ الْمَالَ لِلْعَبْدِ إِذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ، إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ السَّيِّدُ». وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمَالَ لِلْمَوْلَى، كَمَا فِي الْبَيْعِ لَا يَتْبَعُهُ الْمَالُ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ فِي الْعِتْقِ عَلَى النَّدْبِ وَالاسْتِحْبَابِ، فَكَمَا أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ إِنْعَامًا مِنْهُ عَلَيْهِ وَمَعْرُوفًا اصْطَنَعَهُ إِلَيْهِ، نَدَبَه إِلَى مُسَامَحَتِهِ فِيمَا بِيَدِهِ مِنَ الْمَالِ إِتْمَامًا لِلصَّنِيعَةِ. وَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ مِنَ السَّادَةِ بِالإِحْسَانِ إِلَى مَمَالِيكِهِمْ إِذَا أَرَادُوا إِعْتَاقَهُمْ، وَالتَّجَافِي لَهُمْ عَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ أَقْرَبُ إِلَى الْبِرِّ. وَلا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ التَّسَرِّي عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: لَا مِلْكَ لَهُ. وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، يَجُوزُ لهُ التَّسَرِّي إِذَا مَلَّكَهُ الْمَوْلَى جَارِيَةً. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَسَرِّي الْعَبْدِ، وَيُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ.

باب النهي عن بيع ما اشتراه قبل القبض

بَاب النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْقَبْضِ. 2087 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ. 2087 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ». 2088 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ، فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِنَقْلِهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَا فِيهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ. 2089 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُسْتَوْفَى». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ: وَلا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلا مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبلَ الْقَبْضِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهُ. فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالسِّلَعِ وَالْعَقَارِ، فِي أَنَّ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْهَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ،

وَأَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَنْقُولِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا عَدَا الْمَطْعُومَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ مَا سِوَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ الإِمَامُ: وَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ إِجَارَتُهُ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنَ الْبَائِعِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فِي مَنْعِ الْجَوَازِ. وَلَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَجَائِزٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ يُنْفِذُ عِتْقَهُ، وَكَانَ قَبْضًا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، لأَنَّ الْعِتْقَ إِتْلافٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ لِمَا 2090 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ نَا سُفْيَانُ، نَا عَمْرٌو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي، فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ. فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: بِعْنِيهِ. فَبَاعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، ثُمَّ الْقَبْضُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَشْيَاءِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ مِثْلُ أَنِ اشْتَرَى أَرْضًا أَوْ دَارًا أَوْ شَجَرَةً ثَابِتَةً، فَقَبَضَهَا أَنْ يُخَلِّيَ الْبَائِعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فَارِغَةً بِلا حَائِلٍ، وَإِنْ كَانَ مَنْقُولا، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا أَخَذَهُ بِيَدِهِ، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا سَاقَهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ جُزَافًا، نَقَلَهُ مِنْ مَكَانِ الشِّرَاءِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَاعُونَ جُزَافًا، يَعْنِي الطَّعَامَ، يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ حَتَّى يُئْوُهُ إِلَى رِحَالِهِمْ. قَالَ الإِمَامُ: إِنِ اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً، فَقَبْضُهُ أَنْ يَنْقِلَهُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، فَإِنْ قَبَضَهُ جُزَافًا، فَقَبْضُهُ فَاسِدٌ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَلا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ حَتَّى يَكِيلَ أَوْ يَزِنَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ. وَكَذَلِكَ لَوِ اشْتَرَاهُ كَيْلا، فَقَبَضَ بِالْوَزْنِ، أَوِ اشْتَرَى وَزْنًا، فَقَبَضَ بِالْكَيْلِ، فَقَبْضُهُ فَاسِدٌ. وَلَوِ ابْتَاعَ طَعَامًا كَيْلا، وَقَبَضَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ كَيْلا، لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُهُ بِالْكَيْلِ الأَوَّلِ، حَتَّى يَكِيلَهُ عَلَى مَنِ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا، لِمَا رُوِيَ عَنْ

عُثْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا بِعْتَ فَكِلْ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ». وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي»، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَجَوَّزَ عَطَاءٌ بَيْعَهُ بِالْكَيْلِ الأَوَّلِ، وَسَوَاءً بَاعَهُ نَسِيئَةً أَوْ نَقْدًا. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ بَاعَهُ نَقْدًا يَجُوزُ بِالْكَيْلِ الأَوَّلِ، وَإِنْ بَاعَهُ نَسِيئَةً فَلا يَجُوزُ. وَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْلَمَ إِلَى إِنْسَانٍ فِي طَعَامٍ، وَقَبِلَ السَّلَمَ عَنْ غَيْرِهِ فِي مِثْلِهِ، فَأَمَرَ مَنْ قَبِلَ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ، لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْبِضَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَكِيلُ عَلَى مَنْ قَبِلَ مِنْهُ ثَانيًا. أَمَّا إِذَا اشْتَرَى مَوْزُونًا وَقَبَضَهُ، ثُمَّ بَاعَ وَزْنًا، جَازَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْوَزْنِ الأَوَّلِ، لأَنَّ الْوَزْنَ لَا يَتَفَاوَتُ، وَالْكَيْلُ اجْتِهَادٌ، وَقَدْ يَقَعُ التَّفَاوُتُ

بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، فَإِذَا اشْتَرَى مُكَايَلَةً وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً، يَحْتَاجُ أَنْ يَكِيلَ ثَانِيًا، فَإِنْ فَضَلَ يَكُونُ الْفَضْلُ لِلْبَائِعِ الثَّانِي، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ إِتْمَامُهُ. وَرُوِيَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الإِبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ، وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّنَانِيرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا، مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ». هَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ مَرْفُوعًا إِلا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ لَا يُجَوِّزُ بَيْعَ مَا اشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ، قَالُوا: إِذَا بَاعَ شَيْئًا بِدَرَاهِمَ، أَوْ بِدَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ، يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ عَنْهَا غَيْرَهَا، كَمَا يَجُوزُ الاسْتِبْدَالُ عَنِ الْقَرْضِ وَبَدَلُ الإِتْلافِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ مَا يُسْتَبْدَلُ فِي الْمَجْلِسِ، سَوَاءٌ اسْتَبْدَلُ عَنْهُ مَا يُوَافِقُهُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا أَوْ شَيْئًا آخَرَ، وَكَذَلِكَ فِي الْقَرْضِ وَبَدَلِ الإِتْلافِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَمْ تَفْتَرِقَا، وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ». وَقِيلَ: إِذَا اسْتَبْدَلَ شَيْئًا لَا يُوَافِقُهُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا، لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، وَلا شَيْءَ

بَيْنَهُمَا فِي اقْتِضَاءِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنِ الآخَرِ، لأَنَّهُ يَسْتَبْدِلُ مِنْهُ مَا يُوَافِقُهُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا، وَالتَّقَابُضُ فِي بَيْعِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآخَرِ شَرْطٌ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الاسْتِبْدَالُ عَنِ الثَّمَنِ بِحَالٍ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ اقْتِضَاءُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنِ الآخَرِ، فَأَمَّا إِذَا اقْتَضَى عَنْهُمَا شَيْئًا آخَرَ، فَلا يَجُوزُ، لأَنَّ مُقْتَضَى الدَّرَاهِمِ مِنَ الدَّنَانِيرِ لَا يُقْصَدُ بِهِ الرِّبْحُ، إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الاقْتِضَاءُ وَالتَّقَاصُّ بِالطَّرِيقِ الأَسْهَلِ، وَإِذَا اسْتَبْدَلَ مِنْهُمَا شَيْئًا آخَرَ، يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ الرِّبْحِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَجُوزُ اقْتِضَاءُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنِ الآخَرِ إِلا بِسِعْرِ الْيَوْمِ، وَهُوَ الأَصْوَبُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَجَوَّزَهُ غَيْرُهُ، سَوَاءً كَانَ بِأَغْلَى مِنْ سِعْرِ الْيَوْمِ أَوْ بِأَرْخَصَ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّهُمَا كَانَا يَنْهَيَانِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَابْنِ شِهَابٍ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: هَذَا إِذَا اشْتَرَى مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ، فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَحَالَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ الْحَنْطَةَ، جَازَ، فَأَمَّا إِذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِطَرِيقِ الْعَقْدِ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ هَلْ يَجُوزُ الاسْتِبْدَالُ عَنْهُ؟ نُظِرَ إِنْ ثَبَتَ سَلَمًا فَلا يَجُوزُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ». وَجَوَّزَ مَالِكٌ بَيْعَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ مِنَ الْمُسَلَّمِ

إِلَيْهِ، وَمِنْ غَيْرِهِ إِلا أَنْ يَكُونَ طَعَامًا، فَلَمْ يُجَوِّزِ الاسْتِبْدَالَ عَنْهُ. وَإِنْ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِ الاسْتِبْدَالِ عَنْهُ، كَأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إِذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ بَعْضُهُمْ، كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَحُكْمِ الصَّدَاقِ، وَبَدَلِ الْخُلْعِ، فِي الذِّمَّةِ كَالأَثْمَانِ عَلَى الأَصَحِّ. وَيَحْتَجُّ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَنْ يُجَوِّزُ بَيْعَ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْقَبْضِ سِوَى الطَّعَامِ، لأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُثَمَّنِ إِلا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ، وَهُوَ الطَّعَامُ. وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهِمْ، فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِبَائِعِهَا أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ عَيْنِهَا. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ حَتَّى يَجُوزَ لِبَائِعِهَا أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَهَا مَكَانَهَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْغَصْبِ وَالْوَدِيعَةِ، وَمَا يَتَعَيَّنُ فِي الْغَصْبِ وَالْوَدِيعَةِ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ بِالتَّعْيِينِ، قِيَاسًا عَلَى السِّلَعِ. وَلَوِ اسْتَبْدَلَ عَنِ الدَّيْنِ شَيْئًا مُؤَجَّلا لَا يَجُوزُ لِمَا 2091 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ محمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعكلِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ».

وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ الرَّبَذِيُّ أَبُو عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْ قَبْلِ حِفْظِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ: هُوَ النَّسِيئَةُ بِالنَّسِيئَةِ، بِأَنْ يُسَلِّمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ إِلَى سَنَةٍ فِي كُرِّ الطَّعَامِ، فَإِذَا انْقَضَتِ السَّنَةُ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِلدَّافِعِ: لَيْسَ عِنْدِي طَعَامٌ، وَلَكِنْ بِعْنِي هَذَا الْكُرَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إِلَى شَهْرٍ. فهَذَا وَكُلُّ مَا أَشْبَهَ هَذَا، نَسِيئَةٌ انْتَقَلَ إِلَى نَسِيئَةٍ. وَلَوْ قُبِضَ الطَّعَامُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِنَسِيئَةٍ، لَمْ يَكُنْ كَالِئًا بِكَالِئٍ. وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ حَقٌّ مُؤَجَّلٌ، فَعَجَّلَ بَعْضَهُ، وَوَضَعَ عَنْهُ الْبَاقِيَ، يَجُوزُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَالِكٌ. كَمَا لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ، أَنَّ يَزِيدَ فِي الْحَقِّ وَالأَجَلِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ عَنِ الْحَقِّ وَالأَجَلِ، فَيَكُونُ نُقْصَانُ الأَجَلِ بِمُقَابَلَةِ مَا نَقَصَ مِنَ الْحَقِّ.

باب بيع المصراة وغيره

بَاب بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَغَيْرِهِ. 2092 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تَصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا، إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا حَدِيثٌ يَتَضَمَّنُ فَوَائِدَ وَأَحْكَامًا. فَأَمَّا قَوْلُهُ: «لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ» فَصُورَتُهُ أَنْ يَقَعَ الْخُبْرُ بِقُدُومِ عِيرٍ تَحْمِلُ الْمَتَاعَ، فَيَتَلَقَّاهَا رَجُلٌ يَشْتَرِي مِنْهُمْ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَقْدَمُوا السُّوقَ، وَيَعْرِفُوا سِعْرَ الْبَلَدِ، بِأَرْخَصَ. فهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَدِيعَةِ، وَذَهَبَ إِلَى كَرَاهِيَتِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. رُوِيَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَول مَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، وَإِسْحَاق، وَلم يقل أحد مِنْهُم بِفساد البيع. غير أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَثْبَتَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ إِذَا قَدِمَ السُّوقَ وَعَرَفَ سِعْرَ الْبَلَدِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ يُتَلَقَّى الْجَلَبُ، فَإِنْ تَلَقَّاهُ إِنْسَانٌ، فَابْتَاعَهُ، فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالْخِيَارِ إِذَا وَرَدَ السُّوقَ». وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الإِصْطَخْرِيُّ: إِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ إِذَا كَانَ الْمُتَلَقِّي

قَدِ ابْتَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ، فَإِنِ ابْتَاعَهُ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ أَكْثَرَ، فَلا خِيَارَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الأَقْيَسُ، وَبَعْضُهُمْ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلَمْ يَكْرَهْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ التَّلَقِّي، وَلا جَعَلُوا لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ الْخِيَارُ إِذَا قَدِمَ السُّوقَ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: «وَلا يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» يُرْوَى «وَلا يَبِعْ» عَلَى سَبِيلِ النَّهْيِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ شَيْئًا وَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَتَفَرَّقَا وَخِيَارُهُمَا بَاقٍ، فَيَأْتِي الرَّجُلُ وَيَعْرِضُ عَلَى الْمُشْتَرِي سِلْعَةً مِثْلَ مَا اشْتَرَى أَوْ أَجْوَدَ بِمِثْلِ ثَمَنِهَا أَوْ أَرْخَصَ، أَوْ يَجِيءُ إِلَى الْبَائِعِ فَيَطْلُبُ مَا بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَهُ مِنَ الأَوَّلِ حَتَّى يَنْدَمَ، فَيَفْسَخَ الْعَقْدَ، فَيَكُونَ الْبَيْعُ بِمَعْنَى الاشْتِرَاءِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»، وَالْمُرَادُ مِنْهُ طَلَبُ مَا طَلَبَهُ أَخُوهُ، كَذَلِكَ هَذَا. ثُمَّ هَذَا الطَّالِبُ إِنْ كَانَ قَصْدُهُ رَدَّ عَقْدِهِمَا وَلا يُرِيدُ شِرَاءَهُ، يَكُونُ عَاصِيًا، سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ قَصَدَ غِبْطَةَ أَحَدِهِمَا، فَلا يَعْصِي إِلا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ. 2093 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ». 2093 - وَقَالَ: «لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. 2094 - أَخْبَرَنَا حسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 2095 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَسُمِ المُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ. وَصُورَةُ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ الآخَرِ: أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ شَيْئًا لِيَشْتَرِيَهُ بِثَمَنٍ رَضِيَ بِهِ مَالِكُهُ، فَجَاءَ آخَرُ وَزَادَ عَلَيْهِ يُرِيدُ شِرَاءَهُ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَالِكُ، أَوْ كَانَ الشَّيْءُ يُطَافُ بِهِ فِيمَنْ يَزِيدُ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ عَلَى بَعْضٍ، فَذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي النَّهْيِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا، وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الحِلْسَ والقَدَحَ؟ فَقَالَ رجلٌ: أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ، فَبَاعَهُمَا مِنْهُ ". وَقَالَ عَطَاءٌ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ. وَكَذَلِكَ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الآخَرِ، وَهُوَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً، فَأَجَابَتْهُ أَوْ أَجَابَهُ وَلِيُّهَا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ إِذْنُهَا، فَلَيْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا، وَلا مِنْ وَلِيِّهَا إِجَابَةٌ فِي حَقِّ الأَوَّلِ، بَلْ رَدَّهُ أَوْ سَكَتَ عَنْ جَوَابِهِ، فَيَجُوزُ لِلْغَيْرِ أَنْ

يَخْطُبَهَا، فَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي. قَالَ: «انْكَحِي أُسَامَةَ». وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِنِكَاحِ أُسَامَةَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَعَ الرُّكُونُ مِنْهَا إِلَى مَنْ خَطَبَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَاطِبَ، إِذَا كَانَ كَافِرًا، جَازَ أَنْ يُخْطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ، لِقَطْعِ اللَّهِ الأُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ. 2096 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا يَخْطُبَ الرَّجُلَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الخَاطِبُ». هَذَا حديثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، وَلَيْسَ فِيهِ «حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ» بَلْ قَالَ: «إِلا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ». وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ الْمُرَادُ بِالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ: هُوَ السَّوْمُ، لأَنَّ عِنْدَهُمْ خِيَارُ الْمَكَانِ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ، وَلا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ التَّوَاجُبِ بَيْعُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَلا تَنَاجَشُوا»، فَالنَّجْشُ: هُوَ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ السِّلْعَةَ تُبَاعُ فَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا، وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا بَلْ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَرْغِيبَ السُّوَّامِ فِيهَا، لِيَزِيدُوا فِي ثَمَنِهَا. وَالتَّنَاجُشُ: أَنْ يَفْعَلَ هَذَا

بِصَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يُكَافِئَهُ صَاحِبُهُ بِمِثْلِهِ إِنْ هُوَ بَاعَ، فَهَذَا الرَّجُلُ عَاصٍ بِهَذَا الْفِعْلِ، سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، لأَنَّهُ خَدِيعَةٌ، وَلَيْسَتِ الْخَدِيعَةُ مِنْ أَخْلاقِ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الخَدِيعَةُ فِي النَّارِ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ». وَالنَّجْشُ، قِيلَ أَصْلُهُ الْمَدْحُ مَعْنَاهُ: لَا يَمْدَحُ سِلْعَةً، وَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا، وَلا يُرِيدُ شِرَاءَهَا. وَقِيلَ: أَصْلُهُ التَّنْفِيرُ عَنِ الشَّيْءِ، مِنْ تَنْفِيرِ الْوَحْشِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ رجُلا لَوِ اعْتَرَفَ بِفِعْلِهِ فَاشْتَرَاهُ، أَنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ، وَلا خِيَارَ لَهُ إِذَا كَانَ النَّاجِشُ فَعَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْبَائِعِ. فَإِنْ فَعَلَهُ بِأَمْرِهِ، فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ بِالْخِيَارِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: «النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ». 2097 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ النَّجْشِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. 2098 - أَنا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَزيدُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَلا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُختِها لِتكْفأَ بِهِ مَا فِي إِنَائِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

قَوْلُهُ: «وَلا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ» فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْحَضَرِيَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ لِلْبَدَوِيِّ شَيْئًا، وَلا يَشْتَرِيَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، لأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَقَعُ عَلَى الْبَيْعِ وَالابْتِيَاعِ، يُقَالُ: بِعْتُ الشَّيْءَ وَشَرَيْتُهُ بِمَعْنَى اشْتَرَيْتُهُ، وَالْكَلِمَتَانِ مِنَ الأَضْدَادِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُ لِلْبَدَوِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَمَعْنَى النَّهْيِ: هُوَ التَّرَبُّصُ لَهُ بِسِلْعَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ كَانُوا يَحْمِلُونَ إِلَى الْبَلَدِ أَمْتَعِتَهُمْ، فَيَبِيعُونَهَا بِسِعْرِ الْيَوْمِ، وَيَرْجِعُونَ لِكَثْرَةِ الْمَئُونَةِ فِي الْبَلَدِ، فَيَكُونُ مِنْ بَيْعِهِمْ رِفْقٌ لأَهْلِ الْبَلَدِ وَسَعَةٌ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ يَأْتِي الْبَدَوِيَّ وَيَقُولُ لَهُ: ضَعْ مَتَاعَكَ عِنْدِي حَتَّى أَتَرَبَّصَ لَكَ، وَأَبِيعَهُ عَلَى مَرِّ الأَيَّامِ بِأَغْلَى، وَارْجِعْ أَنْتَ إِلَى بَادِيَتِكَ. فَيَفُوتُ بِفِعْلِهِ رِفْقُ أَهْلِ الْبَلَدِ، فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ. فَمَنْ فَعَلَهُ وَهُوَ بِالنَّهْيِ عَالِمٌ يَعْصِي، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلا يَعْصِي، فَإِنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ بِهِ ضيقٌ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ لِرُخْصِ الأَسْعَارِ، أَوْ قِلَّةِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ، وَسَعَةِ الْبَلَدِ، فَهَلْ يَحْرُمُ أَنْ يَبِيعَ لَهُ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، مِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ. وَإِذَا الْتَمَسَ الْبَدَوِيُّ مِنْهُ أَنْ يَتَرَبَّصَ لَهُ، فَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ. 2099 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَدَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ. وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: فَقِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَوْلُهُ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. وَقَالَ أَنَسٌ: نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَضَرِيَّ إِذَا بَاعَ لِلْبَدَوِيِّ لَا يَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْعٌ مِنَ ارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَدَوِيِّ، بِمَعْنَى الإِرْشَادِ دُونَ الإِيجَابِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: لَا بَأْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَوْلُهُ: «لَا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ» التَّصْرِيَةُ فَسَّرَهَا الشَّافِعِيُّ بِأَنْ يَرْبِطَ أَخْلافَ النَّاقَةِ أَوِ الشَّاةِ، وَيُتُرَكَ حَلْبَهَا الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاثَةَ حَتَّى يَجْتَمِعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا، ثُمَّ تُبَاعَ، فَيَظُنَّهَا الْمُشْتَرِيَ كَثِيرَةَ اللَّبَنِ، فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا، فَإِذَا حَلَبَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، وَقَفَ عَلَى التَّصْرِيَةِ وَالْغُرُورِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مَنْ صَرَّيْتُ الْمَاءَ، وَهُوَ حَبْسُ الْمَاءِ وَجَمْعُهُ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الرَّبْطِ، لَكَانَ مَصْرُورَةً، أَوْ مُصَرَّرَةً. وَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَصُرُّ ضُرُوعَ الْحَلُوبَاتِ إِذَا أَرْسَلَتْهَا تَسْرَحُ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الرِّبَاطَ إِصْرَارًا، فَإِذَا أَرَاحَتْ، حُلَّتْ تِلْكَ الأَصِرَّةُ وَحُلِبَتْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ المُصِرَّةِ مُصْرَرَةً، أُبْدِلَتْ إِحْدَى الرَّائَيْنِ يَاءً، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشَّمْس: 10] وَأَصْلُهُ: دسسها، أَيْ أَخْمَلَهَا بِمَنْعِ الْخَيِر. وَتُسَمَّى الْمُصَرَّاةُ مُحَفَّلَةً، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا، فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا، سُمِّيَتْ مُحَفَّلَةً لِحُفُولِ اللَّبَنِ وَاجْتِمَاعِهِ فِي ضَرْعِهَا، وَالْحَفْلُ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ. ثُمَّ حُكْمُ الْمُصَرَّاةِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ مَا حَلَبَهَا، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ، وَيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا حَلَبَ مِنَ اللَّبَنِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا خِيَارَ لَهُ بِسَبَبِ التَّصْرِيَةِ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ

مَا حَلَبَهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُفَ: يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا قِيمَةَ اللَّبَنِ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. وَالْمَعْنَى فِي إِيجَابِ صَاعٍ مِنَ التَّمْرِ بَعْدَ الْحَلْبِ، أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ لِنُقْصَانِهِ بِالْحَلْبِ، وَقَدْ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ بَعْضُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلا يَجِبُ رَدُّهُ، فَيَتَنَازَعَانِ فِي الْقَدْرِ الْمَوْجُودِ يَوْمَ الْعَقْدِ، فَالشَّرْعُ قَطْعُ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا بِإِيجَابِ بَدَلٍ مُقَدَّرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى قِلَّةِ اللَّبَنِ أَوْ كَثْرَتِهِ، كَمَا جَعَلَ دِيَةَ النَّفْسِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، مَعَ اخْتِلافِ أَحْوَالِ النُّفُوسِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَالْجَمَالِ وَالْقُبْحِ، وَسَوَّى بَيْنَ الأَصَابِعِ فِي الدِّيَةِ مَعَ اخْتِلافِهَا، وَهَذَا كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى امْرَأَةٍ حَامِلٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا أَوْجَبَ الشَّرْعُ عَلَى الْجَانِي غُرَّةً عَبْدًا أَوْ أَمَةً، عَلَى خِلافِ الْقِيَاسِ، لأَنَّهُمَا يَتَنَازَعَانِ فِي حَيَاتِهِ، فَيَدَّعِي الْجَانِي أَنَّهُ مَيِّتٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَيَقُولُ الْوَلِيُّ: كَانَ حَيًّا قَتَلْتَهُ فَعَلَيْكَ الدِّيَةُ. فَقَطَعَ الشَّرْعُ مَادَةَ النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا بِإِيجَابِ الغُرَّةِ، كَذَلِكَ هَهُنَا. 2100 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَا أَحَدُكُمُ اشْتَرَى لِقْحَةً مُصَرَّاةً، أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إِمَّا هِيَ، وَإِلا فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً، فَهُوَ بِالخِيَارِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ» أَرَادَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا حِنْطَةٍ، وَالتَّمْرُ مِنْ طَعَامِ الْعَرَبِ. قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَقْدِيرِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ بِالثَّلاثَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَتَقَدَّرُ بِالثَّلاثِ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلاثِ فَلَهُ الْخِيَارُ إِلَى تَمَامِ الثَّلاثِ، لأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا قَلَّمَا يُمْكِنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةٍ، فَإِنَّ النُّقْصَانَ الَّذِي يَجِدُهُ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الثَّلاثِ، قَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى اخْتِلافِ الْيَدِ وَتَبَدُّلِ الْمَكَانِ، فَجَعَلَ الشَّرْعُ الثَّلاثَ حَدًّا لَا يُجَاوَزُ، كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا تَأْخِيرَ لهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتّصرية، فَإِنْ أَخَّرَ سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الرَّدِّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، لأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ. وَالتَّقْدِيرُ بِالثَّلاثِ بِنَاءٌ لِلأَمْرِ عَلَى الْغَالِبِ، لأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَيْهَا قَبْلَ الثَّلاثِ، لَا أَنَّ زَمَانَ الرَّدِّ يَتَقَدَّرُ بِهَا. وَقَوْلُهُ: «لَا سَمْرَاءَ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْطِي غَيْرَ التَّمْرِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ التَّمْرِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ، وَلا يَجُوزُ إِعْطَاءُ غَيْرِهِ إِلا بِرِضَا الْبَائِعِ، فَإِنْ رَضِيَ بِجِنْسٍ آخَرَ فَكَأَنَّهُ اسْتَبْدَلَ عَنْ حَقِّهِ، فَيَجُوزُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ، وَهُوَ أَصَحُّ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ،

أَنَّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ صَاعًا مِمَّا يُقْتَاتُ، حِنْطَة كَانَ، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا، كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ قَوْلَهُ «لَا سَمْرَاءَ» أَيْ: لَا تَجِبُ السَّمْرَاءُ، وَهِيَ الْحِنْطَةُ. وَلا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ بَيْنَ النَّعَمِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَحِلُّ شُرْبُ لَبَنُهَا، حَتَّى لَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً ذَاتَ لَبَنٍ، فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً، فَلَهُ الرَّدُّ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ رَدُّ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ مَا حُلِبَ مِنَ اللَّبَنِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، لأنَّ لَبَنَ الآدَمِيَّةِ مِمَّا لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ. وَلَوِ اشْتَرَى أَتَانًا لَبُونًا أَوْ حَيَوَانًا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً، فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الأَصَحِّ، لأَنَّ لَبَنَهَا مَقْصُودٌ لِتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ رَدُّ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ مَا حَلَبَ مِنَ اللَّبَنِ، لأَنَّ لَبَنَهَا نَجِسٌ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ. وَفِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ لَبُونٍ بِلَبَنِ شَاةٍ، وَلا بِشَاةٍ لَبُونٍ فِي ضِرْعِهَا لَبَنٌ، لأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ للَّبَنَ فِي الضَّرْعِ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ، فَهُوَ كَبَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ وَمَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ آخَرُ، بِخِلافِ مَا لَوْ بَاعَ السِّمْسِمَ بِالسِّمْسِمِ يَجُوزُ، وَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِخْرَاجَ الدُّهْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لأَنَّ عَيْنَ الدُّهْنِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِمَا، وَاللَّبَنُ هَهُنَا مَوْجُودٌ فِي الضِّرْعِ حَتَّى لَوْ حَلَبَ اللَّبُونَ، ثُمَّ فِي الْحَالِ قَبْلَ اجْتِمَاعِ اللَّبَنِ فِي ضِرْعِهَا بَاعَهَا بِاللَّبَنِ، يَجُوزُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب النهي عن الملامسة والمنابذة

بَابُ النَّهْيِ عَنِ المُلامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ 2101 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ المُلامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ». قَالَ: وَالْمُلامَسَةُ: أَنْ يَلمَسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ، وَلا يَنْشُرَهُ وَلا يَتَبَيَّنَ مَا فِيهِ، أَوْ أَنْ يَبْتَاعَهُ لَيْلا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ. وَالْمُنَابَذةُ: أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ، وَيَنْبِذَ إِلَيْهِ الآخَرُ ثَوْبَهُ عَلَى غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْهُمَا، يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: هَذَا بِهَذَا. فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْمُلامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَغَيْرِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى. كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الإِمَامُ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْ يَجْعَلا لَمْسَ الشَّيْءِ أَوِ النَّبْذَ إِلَيْهِ بَيْعًا بَيْنَهُمَا، مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَتَأَمُّلٍ، ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ خِيَارٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بِيُوعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَنَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُعَاطَاةِ، فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ بَيْعًا، إِجْرَاءً لِلأَمْرِ عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَهُ بَيْنَهُمْ. وَاكْتَرَى الْحَسَنُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِرْدَاسَ، حِمَارًا، فَقَالَ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِدَانِقَيْنِ. فَرَكِبَهُ، ثُمَّ جَاءَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: الْحِمَارَ. فَرَكِبَهُ وَلَمْ يُشَارِطْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ. وَفِي النَّهْيِ عَنِ الْمُلامَسَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شِرَاءَ الأَعْمَى وَبَيْعَهُ بَاطِلٌ، لأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إِلَى رُؤْيَتِهِ، فَأَمَّا الْبَصِيرُ إِذًا اشْتَرَى عَيْنًا غَائِبَةً لَمْ يَرَهَا، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَازِهِ.

2102 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الغَرَرِ». قَالَ الإِمَامُ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلا، وَقَدْ صَحَّ مَوْصُولا. 2103 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَمَعْنَى بَيْعِ الْحَصَاةِ: أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: إِذَا نَبَذْتُ إِلَيْكَ الْحَصَاةُ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِيمَا نَبِيعُهُ. وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُنَابَذَةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ: انْبِذِ الْحَجَرَ، فَإِذَا وَقَعَ الْحَجَرُ، فَهَذَا لَكَ بَيْعًا، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحَصَاةِ. وَقِيلَ: الْحَصَاةُ أَنْ يَرْمِيَ بِحَصَاةٍ

فِي قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَيَقُولُ: أَيُّ شَاةٍ أَصَابَتْهَا الْحَصَاةُ كَانَتْ مَبِيعَةً مِنْكَ. وَأَمَّا الْغَرَرُ، فَهُوَ مَا خَفِيَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: طَوَيْتُ الثَّوْبَ عَلَى غَرِّهِ أَيْ: عَلَى كَسْرِهِ الأَوَّلُ. وَقِيلَ: سُمِّيَ غَرَرًا مِنَ الْغُرُورِ، لأَنَّ ظَاهِرَهُ بَيْعٌ يَسُرُّ وَبَاطِنَهُ مَجْهُولٌ يَغُرُّ. وَسُمِّيَ الشَّيْطَانُ غَرُورًا لِهَذَا، لأَنَّهُ يَحْمِلُ الإِنْسَانَ عَلَى مَا تُحِبُّهُ نَفْسُهُ وَوَرَاءَهُ مَا يَسُوءُهُ. فَكُلُّ بَيْعٍ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ مَجْهُولا أَوْ مَعْجُوزًا عَنْهُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَهُوَ غَرَرٌ. مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ الطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ، وَالسَّمَكَ فِي الْمَاءِ، أَوِ الْعَبْدَ الآبِقَ، أَوِ الْجَمَلَ الشَّارِدَ، أَوِ الْحَمَلَ فِي الْبَطْنِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَهُوَ فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ، وَالْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ. وَمِنْ جُمْلَةِ الْغَرَرِ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدَنِ، وَتُرَابُ الصَّاغَةِ لَا يَجُوزُ، لأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهِ مِنَ النَّقْدِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ: عَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْمُعَامَلَةَ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، لِلْجَهْلِ بِمَا فِيهَا مِنَ النُّقْرَةِ. 2104 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّغْرِتَانِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ، ثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، نَا هُشَيْمٌ، نَا أَبُو عَامِرٍ، نَا شَيْخٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ المُضْطَرِّينَ، وَعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ، وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ».

قَالَ الإِمَامُ: وَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ، وَأَبُو عَامِرٍ هُوَ صَالِحُ بْنُ عَارِمٍ. وَبَيْعُ الْمُضْطَرِّ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يُكْرَهَ الرَّجُلُ بِالْبَاطِلِ عَلَى بَيْعِ مَا لَهُ فَفَعَلَ، فَلا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَالثَّانِي: أَنْ تَرْكَبَهُ الدُّيُونُ، فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِبَيْعِ مَا لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ يَبِيعُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْمِثلِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، فَيَكُونُ جَائِزًا. وَإِذَا اضْطَرَّ الرَّجُلُ إِلَى بَيْعِ مَا لَهُ بِالْوَكْسِ لِمَؤُنةٍ رَهِقَتْهُ، فَسَبِيلُ هَذَا فِي حَقِّ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةُ أَنْ لَا يُفْتَاتَ عَلَيْهِ بِمَالِهِ، وَلَكِنْ يُعَانُ بِالاقْتِرَاضِ، وَالإِمْهَالِ، إِلَى أَنْ يُوسِرَ، أَوْ يَجِدَ السَّبِيلَ إِلَى بَيْعِ مَا لَهُ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ يَلْحَقُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، بَاعَ مَا لَهُ مَعَ الضَّرُورَةِ، فَبَيْعُهُ جَائِزٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ، فَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ الْمُشْتَرِي، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِجَازَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: السَّاجُ وَالْمُدْرَجُ فِي جِرَابِهِ، وَالثَّوْبُ

الْمُدْرَجُ فِي طَيِّهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا حَتَّى يُنْشَرَا، وَيُنْظَرُ إِلَى مَا فِي أَجْوَافِهِمَا. وَجَوَّزَ بَيْعَ الأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْشَرَ، وَإِذَا نَشَرَهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَقَالَ: لأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمُ الَّتِي لَا يَرَوْنَ بِهَا بَأْسًا. وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ بَيْعَ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَاللَّبَنَ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ، إِلا بِكَيْلٍ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لَا يَجُوزُ، كَبَيْعِ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ، وَلا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضِّرْعِ، لأَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَقَوْلُهُ: إِلا بِكَيْلٍ، مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ يُسَلّمَ فِي لَبَنِ الْغَنَمِ كَيْلا، فَجَائِزٌ. 2105 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ أبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: نَهَى عَنِ الْمُلامَسَةِ وَالمُنَابَذَةِ فِي البَيْعِ. وَالْمُلامَسَةُ: لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلا يَقْلِبُهُ إِلا بِذَلِكَ، وَالمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ، وَينْبِذَ الآخَرُ ثَوْبَهُ، وَيَكُونَ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا عَنْ غَيْرِ

نَظَرٍ وَلا تَرَاضٍ. وَاللّبْسَتَانِ: اشْتِمَالُ الصَّمَاءِ، وَالصَّمَاءُ: أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ، وَأَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، واللّبْسَةُ الأُخْرَى: احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهُوَ جَالِسٌ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ منْهُ شَيْءٌ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. 2106 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ العُرْبَانِ». قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوِ الْوَلِيدَةَ، أَوْ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ، ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ تَكَارَى مِنْهُ: أَنَا أُعْطِيكَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، عَلَى أَنِّي أَخَذْتُ السِّلْعَةَ،

باب بيع حبل الحبلة وثمن عسب الفحل

أَوْ رَكِبْتُ مَا تَكَارَيْتُ مِنْكَ، فَالَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ، أَوْ كِرَاءِ الدَّابَّةِ، وَإِنْ تَرَكْتُ ابْتِيَاعَ السِّلْعَةِ أَوِ الْكِرَاءَ، فَهُوَ لَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ. فَهَذَا تَفْسِيرُ الْعُرْبَانِ. وَفِيهِ لُغَتَانِ عُرْبَانٌ وَأُرْبَانٌ، وَيُقَالُ: عَرْبُونٌ وَأَرْبُونٌ. وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَ هَذَا الْبَيْعَ، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَيْضًا. وَمَالَ أَحْمَدُ إِلَى الْقَوْلِ بِإِجَازَتِهِ، وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ فِيهِ، لأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ فَقَالَ: رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ بَلاغٍ. بَابُ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَثَمَنِ عَسْبِ الفَحْلِ 2107 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهلُ الجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الجزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

عَنْ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيْثِ. كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ بَيْعَ نِتَاجِ النَّتَاجِ لَا يَجُوزُ، لأَنَّهُ مَعْدُومٌ مَجْهُولٌ، وَكَانَ مِنْ بُيُوعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إِلَى نَتَاجِ الدَّابَّةِ، فَبَاطِلٌ أَيْضًا لِلأَجَلِ الْمَجْهُولِ. وَرَوَى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ مِنَ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلاقِيحِ، وَعَنْ حَبَلِ الْحَبَلَةِ. وَالْمَضَامِينُ: بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ إنَاثِ الإِبِلِ. والْمَلاقِيحُ: بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ. وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ: بَيْعٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَهُ، كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمَلاقِيحُ: الْمَحْمُولاتُ فِي الْبَطْنِ، وَهِيَ الأَجِنَّةُ، وَالْوَاحِدَةُ مِنْهَا مَلْقُوحَةٌ، وَالْمَضَامِينُ: مَا فِي أَصْلابِ الْفُحُولِ. 2108 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْميربند كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ، نَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمَجْرِ».

قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْمَجْرُ: أَنْ يُبَاعَ الْبَعِيرُ أَوْ غَيْرُهُ بِمَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ. 2109 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الْفَحلِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الجَمَلِ». قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعَسْبُ هُوَ ضِرَابُ الْفَحْلِ، وَيُرْوَى: «نَهَى عَنْ شَبْرِ الْجَمَلِ»، وَهُوَ الضِّرَابُ أَيْضًا. وَالْمُرَادُ مِنَ النَّهْيِ هُوَ الْكِرَاءُ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى ضِرَابِهِ، كَمَا صَرَّحَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ»، فَعَبَّرَ بِالْعسْبِ عَنِ الْكِرَاءِ، لأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ، إِذْ نَفْسُ الضِّرَابِ وَالإِنْزَاءِ غَيْرُ حَرَامٍ، لأَنَّ بَقَاءَ النَّسْلِ فِيهِ. وَقِيلَ: الْعَسْبُ هُوَ الْكِرَاءُ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى الضِّرَابِ، يُقَالُ: عَسَبْتُ الرَّجُلَ أَعْسِبُهُ عَسْبًا، إِذَا أَعْطَيْتُهُ الْكِرَاءَ عَلَى ذَلِكَ. وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوِ اسْتَأْجَرَ فَحْلا لِلإِنْزَاءِ لَا يَجُوزُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، لأَنَّ الْفَحْلَ قَدْ يَضْرِبُ وَقَدْ لَا يَضْرِبُ، وَقَدْ تُلَقَّحُ الأُنْثَى وَقَدْ لَا تُلَقَّحُ. وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ. وَرَخَّصَ فِيهِ

الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، قَالَ: لأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَوْ مُنِعَ مِنْهُ لانْقَطَعَ النَّسْلُ، وَهُوَ كَالاسْتِئْجَارِ للإِرْضَاعِ، وَتَأْبِيرِ النَّخْلِ. وَمَا نَهَتِ السُّنَّةُ عَنْهُ، فَلا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. أَمَّا إِعَارَةُ الْفَحْلِ لِلإِنْزَاءِ وَإِطْرَاقُهُ، فَلا بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ لَوْ أَكْرَمَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِشَيْءٍ يَجُوزُ لَهُ قَبُولَ كَرَامَتِهِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ، مَا حَقُّ الإِبِلِ؟ قَالَ: «حَلْبُهَا عَلَى الْمَاءِ، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا، وَإِعَارَةُ فَحْلِهَا». وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُطْرِقُ الْفَحْلَ، فَنُكْرَمُ «فَرَخَّصَ لَهُ فِي الْكَرَامَةِ». قَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّهُ كُرِهَ عَسْبُ الْفَحْلِ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا لِمَنْ أَعْطَاهُ.

باب النهي عن بيع ما ليس عنده

بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ 2110 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَارِفِ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا الثِّقَةُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يُوسُفَ بْنَ مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْن مَاهكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ، وَلَيْسَ عِنْدِي، فَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ؟ قَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ». قَالَ الإِمَامُ: هَذَا فِي بُيُوعِ الأَعْيَانِ دُونَ بُيُوعِ الصِّفَاتِ، فَلَوْ قَبِلَ

السَّلَمَ فِي شَيْءٍ مَوْصُوفٍ عَامِّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْمَحِلِّ الْمَشْرُوطِ، يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ. وَفِي مَعْنَى بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فِي النِّسَاءِ، وَبَيْعِ الْعَبْدِ الآبِقِ، وَالطَّيْرِ الْمُنْفَلِتِ، وَبَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِي مَعْنَاهُ بَيْعُ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَا يَصِحُّ لأَنَّهُ غَرَرٌ، لأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يُجِيزُهُ مَالِكُهُ أَوْ لَا يُجِيزُهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَكُونُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا لأَشْتَرِي شَاةً، فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ، فَبِعْتُ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجِئْتُ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ». فَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ، فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ الْعَظِيمَ. وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ وَقْفَ الْبَيْعَ، تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ وَكَالَتَهُ كَانَتْ وَكَالَةَ تَفْوِيضٍ وَإِطْلاقٍ، وَالْوَكِيلُ الْمُطْلَقُ يَتَصَرَّفُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَيَصِحُّ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَيْضًا فِي إِعْتَاقِ عَبْدِ الْغَيْرِ، وَتَطْلِيقِ زَوْجَتِهِ دُونَ إِذْنِهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ. وَكَذَلِكَ لَوْ زُوِّجَ امْرَأَةً مَالِكَةً لأَمْرِهَا دُونَ إِذْنِهَا، يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَتِهَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَبْطَلَهُ جَمَاعَةٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَرُويَ

باب النهي عن بيعتين في بيعة وعن بيع وسلف

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُمَا كَانَ لَا يَرَيَانِ بِبَيْعِ القُطُوطِ بَأْسًا إِذَا خَرَجَتْ. قَالَ الأَزْهَرِيُّ: الْقُطُوطُ: الْجَوَائِزُ وَالأَرْزَاقُ، سُمِّيَتْ قُطُوطًا، لأَنَّهَا كَانَتْ تَخْرُجُ مَكْتُوبَةً فِي رِقَاعٍ وَصِكَاكٍ مَقْطُوعَةٍ. وَبَيْعُهَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَصِلَ إِلَى مَنْ كُتِبَتْ لَهُ فَيَمْلِكُ. وَأَصْلُ «القِطِّ» الْكِتَابُ، يُكْتَبُ لِلإِنْسَانِ فِيهِ شَيْءٌ يَصِلُ إِلَيْهِ، وَمِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} [ص: 16] أَيْ: نَصِيبَنَا مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي تُنْذِرُنَا بِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْقِطُّ: الْحِسَابُ. بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ 2111 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَنْ لبْسَتَيْنِ: أَنْ يَخْتَبِيَ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ لَيْسَ بَيْنَ فَرْجِهِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ اشْتِمالِ الْيَهُودِ ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفَسَّرُوا الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةٍ نَقْدًا، أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً إِلَى شَهْرٍ. فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا الثَّمَنُ، وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ. وَقَالَ طَاوُسٌ: لَا بَأْسَ بِهِ، فَيَذْهَبُ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنْ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُبَاتَّهُ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَهُوَ لهُ بِأَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ إِلَى أَبْعَدِ الأَجَلَيْنِ، أَمَّا إِذَا بَاتَّهُ عَلَى أَحَدِ الأَمْرَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، فَهُوَ صَحِيحٌ بِهِ لَا خِلافَ فِيهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ لَغْوٌ. وَالْوَجْهُ الآخَرُ مِنْ تَفْسِيرِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي الْبَيْعَةِ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي جَارِيَتَكَ. فَهَذَا فَاسِدٌ، لأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَ الْعَبْدِ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَشَرْطَ بَيْعِ الْجَارِيَةِ، وَذَلِكَ شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ بَطَلَ بَعْضُ الثَّمَنِ، فَيَصِيرُ مَا يَبْقى مِنَ الْمَبِيعِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَاقِي مَجْهُولا. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي بِهِ دَرَاهِمَ لَا يَصِحُّ. أَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، بِأَنْ بَاعَ دَارًا وَعَبْدًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ جَائِزٌ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، إِنَّمَا هِيَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ.

2112 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَنْ شِفِّ مَا لَمْ يُضْمَنُ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ». قَوْلُهُ: «عَنْ شِفِّ مَا لَمْ يُضْمَنْ»، الشِّفُّ: الرِّبْحُ، أَيْ: عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ. وَرَوَى أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ». قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ شِفِّ مَا لَمْ يُضْمَنْ، أَوْ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ: هُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، فَلا يَصِحُّ، لأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِالْقَبْضِ فِي ضَمَانِهِ. وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ:

هُوَ أَنْ يَقُولَ أَبِيعَكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَالْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الْقَرْضُ، فَهَذَا فَاسِدٌ، لأَنَّهُ جَعَلَ الْعَشْرَةَ وَرِفْقَ الْقَرْضِ ثَمَنًا لِلثَّوْبِ، فَإِذَا بَطَلَ الشَّرْطُ، سَقَطَ بَعْضُ الثَّمَنِ، فَيَكُونُ مَا يَبْقَى مِنَ الْمَبِيعِ بِمُقَابَلَةِ الْبَاقِي مَجْهُولا. وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا، ثُمَّ يُبَايِعَهُ عَلَيْهِ بَيْعًا يَزْدَادُ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُكَ هَذِهِ الْعَشْرَةَ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي عَبْدَكَ. فَفَاسِدٌ، لأَنَّ كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا. وَقَدْ يَكُونُ السَّلَفُ بِمَعْنَى السَّلَمُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي مِائَةً فِي كَذَا. أَوْ يُسْلِمَ إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ، وَيَقُولُ: فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ عِنْدَكَ، فَهُوَ بَيْعٌ عَلَيْكَ. وَقَوْلُهُ: «وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ»، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ نَقْدًا، أَوْ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً. فَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ

يَقُولَ: أَبِيعُكَ ثَوْبِي بِكَذَا وَعَلَيَّ قِصَارَتُهُ وَخِيَاطَتُهُ، فَهَذَا أَيْضًا فَاسِدٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَطْحَنَهَا الْبَائِعُ، أَوْ حِمْلَ حَطَبٍ عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى مَنْزِلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ زَرْعًا عَلَى أَنْ يَحْصُدَهُ، فَهَذَا كُلُّهُ فَاسِدٌ. وَلا فَرْقَ فِي مِثْلِ هَذَا بَيْنَ شَرْطَيْنِ أَوْ شَرْطٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْكُلِّ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ تَقْصُرَهُ. فَإِنَّ الْعَشْرَةَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَمَنِ الثَّوْبِ وَعَلَى أُجْرَةِ الْقِصَارَةِ، وَإِذَا فَسَدَ الشَّرْطُ لَا يُدْرَى كَمْ يَبْقَى ثَمَنَ الثَّوْبِ، وَإِذَا صَارَ الثَّمَنُ مَجْهُولا بَطَلَ الْبَيْعُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ شَرَطَ شَرْطًا وَاحِدًا فَالْعَقْدُ يَصِحُّ، مِثْلَ إِنْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْصُرَهُ، وَإِنْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ بِأَنْ شَرَطَ الْخِيَاطَةَ مَعَ الْقِصَارَةِ، يَفْسِدُ الْبَيْعُ. وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّرْطِ الْوَاحِدِ وَالشَّرْطَيْنِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ وَشَرْطٍ». ثُمَّ هَذَا النَّهْيُ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ الشُّرُوطِ، فَإِنَّ مِنَ الشُّرُوطِ مَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ، وَمَنْ بَاعَ نَخْلا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ». وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْبَيْعِ أَوْ مِنْ مَصْلَحَةِ الْبَيْعِ، فَهُوَ جَائِزٌ. أَمَّا مُقْتَضَاهُ هُوَ أَنْ يَبِيعَهُ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهِ، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا إِنْ شَاءَ، أَوْ يَسْكُنَهَا غَيْرُهُ. وَأَمَّا مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ ضَرَبَ لَهُ أَجَلا مَعْلُومًا، أَوْ شَرَطَ أَنْ يَرْهَنَ بِالثَّمَنِ دَارَهُ، أَوْ يُقِيمَ فُلانًا كَفِيلا بِالثَّمَنِ. فَأَمَّا مَا لَا يَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ الْبَيْعِ مِن الشُّرُوطِ، وَلا هُوَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ، إِلا شَرْطَ الْعِتْقِ. وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَحْمِلَهَا الْبَائِعُ إِلَى بَيْتِهِ، أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ، أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ

يُسَلِّمَهَا فِي بَلَدِ كَذَا، أَوْ فِي وَقْتِ كَذَا، وَعَلَى أَنْ لَا خِسَارَةَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ الْبَيْعِ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، لأَنَّهُ شَرْطٌ يَصِيرُ بِهِ الثَّمَنُ مَجْهُولا. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ دَارَهُ وَشَرَطَ فِيهِ رِضَا الْجِيرَانِ، أَوْ رِضَا فُلانٍ، فَفَاسِدٌ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، لأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَرْضَى فُلانٌ أَوْ لَا. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ، عَادَ الْمَبِيعُ إِلَيْهِ، أَوْ يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إِلَيْهِ، فَفَاسِدٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يَهِبَهُ، فَلا يَصِحُّ، لأَنَّهُ حَجَرَ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ مَقْصُودُ الْمِلْكِ مِنْ إِطْلاقِ التَّصَرُّفِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ: الشَّرْطُ بَاطِلٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. وَاحْتَجَّا بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ، أَنْ عَائِشَةَ اشْتَرَتْهَا، وَشَرَطَ قَوْمُهَا الْوَلاءَ لأَنْفُسِهِمْ، فَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُطْلانِ الشَّرْطِ، وَأَجَازَ الْبَيْعَ. وَشَرْطُ الْوَلاءِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ مِمَّا لَمْ يَنْقُلْهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ. وَشَرْطُ الْعِتْقِ مَخْصُوصٌ بِالسّنةِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ، لأَنَّ لَهُ مِنَ الْغَلَبَةِ وَالسّرَايَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، أَلا تَرَى أَنَّهُ يَسْرِي إِلَى مِلْكِ الْغَيْرِ؟ فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ، يُعْتَقُ كُلُّهُ، وَلا تَنْفَذُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ. وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنِ الْعَيْبِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ أَقْوَالِهِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْعُيُوبِ، عَلِمَ بِهِ فَكَتَمَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَأَمَّا فِي الْحَيَوَانِ، فَيَبْرَأُ عَنْ كُلِّ دَاءٍ بِبَاطِنِهِ لَا يَعْلَمُهُ، وَلا يَبْرَأُ عَنْ دَاءٍ بِظَاهِرِهِ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلا عَمَّا بِبَاطِنِهِ وَهُوَ بِهِ عَالِمٌ، لِمَا رَوَى مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلامًا بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْبَرَاءَةِ، فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ: بِالْعَبْدِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي. فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ، فَقَضَى عُثْمَانُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ بَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ،

وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ، فَبَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخُمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَبْرَأَ عَنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ، عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. أَمَّا إِذَا بَاعَ مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، فَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَمِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَإِنِ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ الْمُشْتَرِي: كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً: يَرُّدُهُ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ بِلا بَيِّنَةٍ، وَفِي الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ إِلَى سَنَةٍ، فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنَ الْعُهْدَةِ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى عُهْدَةِ السَّنَةِ: ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيُّ فِي كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ. وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِمَا رَوَى الْحَسَنُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ». وَضَعَّفَ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ عُقْبَةَ، وَلا يَثْبُتُ فِي الْعُهْدَةِ حَدِيثٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب شراء العبد بشرط الإعتاق

بَابُ شِرَاءِ الْعَبْدِ بِشَرْطِ الإِعْتَاقِ 2113 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيةً تُعْتِقُهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُهَا عَلَى أَنَّ وَلاءَهَا لَنَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ، إنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». هَذَا حديثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. 2114 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةَ فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، عَدَدْتُهَا لَهُمْ، وَيَكُونُ لِي وَلاؤُكِ. قَالَتْ: فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ ذَلِكَ، فَأبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِم ذَلِكَ فَأَبَوْا إِلا أَنْ يَكُونَ الْوَلاءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّه أَوْثَقُ، وإنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كريبٍ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. وَقَوْلُهَا: إِنَّ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، إِنَّمَا ذُكِرَتْ بِلَفْظِ الْعَدِّ، لأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِالدَّرَاهِمِ عَدَدًا، وَقْتَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ أَرْشَدَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْوَزْنِ، وَجَعَلَ الْعِيَارَ وَزْنَ أَهْلِ مَكَّةَ. قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا: جَوَازُ بَيْعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتِبِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ رَقَبَتِهِ، لأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِالْكِتَابَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَمَالِيكِ فِي الشَّهَادَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ إِذَا حَضَرَ الْقِتَالَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا بِيعَ لَا يَنْفَسِخُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ، حَتَّى لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ إِلَى الْمُشْتَرِي، عَتَقَ، وَوَلاؤُهُ لِلْبَائِعِ الَّذِي كَاتَبَهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: يُكْرَهُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْعَجْزِ لِلْخِدْمَةِ، وَلا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ لِلْعِتْقِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ بَرِيرَةَ عَلَى أَنَّهَا بِيعَتْ بِرِضَاهَا فَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ مِنْهَا. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمْ بَاعُوا نُجُومَ كِتَابَتِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ، فَأَجَازَهُ قَوْمٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ

أَعُدَّهَا لَهُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ. وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ بَيْعَ نُجُومِ الْكِتَابَةِ لَا يَجُوزُ، لأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ، فَيُسْقِطُهَا عَنْ نَفْسِهِ، فَهُوَ كَبَيْعِ الْمُسلم فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ. وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهَا: أَعُدُّهَا لَهُمْ أَوْ أَقْضِي عَنْكِ: هُوَ الثَّمَنُ الَّذِي تُعْطِيهِمْ عَلَى الْبَيْعِ عِوَضًا عَنِ الرَّقَبَةِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا». وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرَّقَبَةِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَمَوْضِعُ هَذَا الدَّلِيلِ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ فِي صَرِيحِ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ لَا يَشْتَرِطُونَ الْوَلاءَ إِلا وَقَدْ تَقَدَّمَهُ شَرْطُ الْعِتْقِ. وَفِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا»، وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ «ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي» بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْجَدِيدُ: إِلَى أَنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطُ لازِمٌ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كُلُّ شَرْطٍ فِي الْبَيْعِ يَهْدِمُهُ الْبَيْعُ إِلا شَرْطَ الْعِتَاقِ، وَكُلُّ شَرْطٍ فِي النِّكَاحِ يَهْدِمُهُ النِّكَاحُ إِلا الطَّلاقَ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُهُمْ فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ حَكَمُوا

بِالْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إِذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ، وَأَوْجَبُوا عَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ إِذَا هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ، إِلا فِيمَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، قَالَ: إِذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَأَعْتَقَهُ، عَتَقَ، وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ تَجِبُ الْقِيمَةُ، وَهُوَ الأَقْيَسُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ. فَأَمَّا إِذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَشَرَطَ الْوَلاءَ لِنَفْسِهِ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ، أَنَّ أَهْلَهَا بَاعُوهَا وَشَرَطُوا لأَنْفُسِهِمِ الْوَلاءَ، ثُمَّ أَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَ، وَحَكَمَ بِبُطْلانِ الشَّرْطِ، وَقَاسُوا عَلَيْهِ سَائِرَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي أَنَّهَا لَا تَمْنُعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ شَرْطَ الْوَلاءِ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ، لَكِنَّ الْقَوْمَ رَغِبُوا فِي بَيْعِهَا لِلْعِتْقِ، وَطَمُعُوا فِي وَلائِهَا لِجَهْلِهِمْ بِالْحُكْمِ فِي أَنَّ الْوَلاءَ لَا يَكُونُ إِلا لِلْمُعْتِقِ، فَلَمَّا عُقِدَ الْبَيْعُ، وَزَالَ مِلْكُهُمْ عَنْهَا، وَأَعْتَقَتْهَا عَائِشَةُ، بَيَّنَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمَ الشَّرْعِ، أَنَّ الْوَلاءَ لَا يَكُونُ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ» قُلْنَا: هَذِهِ اللَّفْظَةُ تَفَرَّدَ بِهَا هِشَامٌ، لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ ابْنَ شِهَابٍ، رَوَى عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا: «ابْتَاعِي وَأَعْتِقي، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَقَالَتْ عَمْرَةُ، عَنْ عَائِشَةَ: «ابْتَاعِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَقَالَ الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ: «اشْتَرِيهَا وأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ

أَعْتَقَ» وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ «اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى بِهِ، لأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى النَّاسِ شَرْطًا بَاطِلا، وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَى بَاطِلٍ، وَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ فِي اللَّهِ أَشَدُّ، وَعَلَيْهِمْ أَغْلَظُ. وَقِيلَ: لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ، كَانَتْ مُتَأَوَّلَةً عَلَى مَعْنَى: لَا تُبَالِي وَلا تَعْبَئِي بِمَا يَقُولُونَ، فَإِنَّ الْوَلاءَ لَا يَكُونُ إِلا لِمُعْتِقٍ، لَا أَنَّهُ أَطْلَقَ لَهَا الإِذْنَ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلاءِ. بِدَلِيلِ مَا رَوَى عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اشْتَرِيهَا وأَعْتِقِيهَا وَدَعِيهِم يَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا» فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْكَلامَ لَغْوٌ مِنْ جِهَتِهِمْ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ إِلَى أَن يُبَيِّنَ لَهُمُ الْحُكْمَ بَعْدَهُ. وَتَأَوَّلَ الْمُزَنِيُّ قَوْلَهُ: «اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ» فَقَالَ: مَعْنَاهُ اشْتَرِطِي عَلَيْهِمُ الْوَلاءَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرَّعْد: 25] أَيْ: عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الْإِسْرَاء: 7] أَيْ: عَلَيْهَا. وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: «اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ» عَلَى مَعْنَى الْوَعِيدِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الأَمْرُ وَبَاطِنُهُ النَّهْيُ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]. وَقَوْلُهُ: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتابِ اللَّهِ» يُرِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ، وَعَلَى مُوجَبِ قَضَايَاهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَيْسَ

باب من باع دابة واستثنى لنفسه ظهرها

فِي كِتَابِ اللَّهِ مَذْكُورًا نَصًّا، فَإِنَّ ذِكْرَ الْوَلاءِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَصًّا، وَلَكِنَّ الْكِتَابَ أَمَرَ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَمَ أَنَّ سُنَّتَهُ بَيَانٌ لَهُ، وَقَدْ جَعَلَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُضَافًا إِلَى الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ مَنْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ ظَهْرَهَا 2115 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الأَبِيوَرْدِيُّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكُنْتُ عَلى بَعِيرٍ لِي، فَاعْتَلَّ، فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ النَّاسِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا جَابِرُ؟ فَقُلْتُ: اعْتَلَّ بَعِيرِي. فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ زَجَرَهُ، فَمَا زِلْتُ فِي أَوْلِ النَّاسُ يَهْتَزُ رَأْسُهُ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، إنِّي حَدِيثُ عَهَدٍ بِعُرْسٍ، أَنْ أَعْجَلَ إِلَى أَهْلِي. قَالَ: وَتَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ: لَا بَلْ ثيِّبٌ. قَالَ: فَهَلا بِكْرًا تُلاعِبُكَ وَتُلاعِبُهَا.

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ، وَتَرَكَ عَلَيَّ جِوَارِيَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَضُمَّ إلَيْهِنَّ مِثْلَهُنَّ. قَالَ: لَا تَأْتِ أَهْلَكَ طَرُوقًا، قَالَ: مَا فَعَلَ جَمَلُكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَا. قَالَ: بِعْنِيهِ؟ قُلْتُ: لَا، بَلْ هُوَ لَكَ. قَالَ: بَلْ بِعْنِيهِ. قُلْتُ: فَاشْتَرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَخَذْتُهُ مِنْكَ بِوُقِيَّةٍ، ارْكَبْهُ، فإذَا جِئْتَ الْمَدِينَةَ فَأْتِنَا بِهِ. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَالَ لِبِلالٍ: زِنْ لَهُ أُوقِيَّةً، وَزِدْهُ قِيرَاطًا. قُلْتُ: هَذَا الْقِيرَاطُ الَّذِي زَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَارِقُنِي أَبَدًا، فَجَعَلْتُهُ فِي كِيسٍ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدِي حَتَّى جَاءَ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الحَرَّةِ، فَأَخَذُوهُ فِيمَا أَخَذُوا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ جَابِرٍ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي قَوْلِهِ: «زِنْ لَهُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا يَكُونُ وَزْنُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، قِيَاسُ هَذَا أَنَّ مَنْ بَاعَ مَكِيلا، أَوْ مَوْزُونًا، فَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ ذَرْعُ الْمَذْرُوعِ، أَمَّا إِذَا اشْتَرَى زَرْعًا، أَوْ ثَمَرًا عَلَى شَجَرٍ، فَالْجَدَادُ وَالْحَصَادُ يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَبْضِ. قَالَ الإِمَامُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَخَذْتُ هَذَا مِنْكَ بِكَذَا، فَقَالَ الآخَرُ: دَفَعْتُ، أَوْ أَعْطَيْتُ، أَوْ هُوَ لَكَ بِكَذَا، فَقَالَ: قَبِلْتُ. كَانَ بَيْعًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَشَاعِ، لأَنَّ زِيَادَةَ الْقِيرَاطِ هِبَةٌ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ. 2116 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّد بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زَكَرِيَّا، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا، يَقُولُ: حَدَّثَني جَابِرٌ، " أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَهُ، فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِوقيّة. قُلْتُ: لَا. ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ. فَبِعْتَهُ، فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلمَّا قَدِمنَا، أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأرْسَلَ عَلَى أَثَرِي، قَالَ: مَا كُنْتُ لآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَكَرِيَّا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ بَاعَ دَابَّتَهُ، وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ ظَهْرَهَا مُدَّةً، أَوْ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ سُكْنَاهَا مُدَّةً، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لازِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنِ اسْتَثْنَى مُدَّةً قَرِيبَةً يَجُوزُ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الثُّنْيَا. وَأَمَّا قِصَّةُ جَابِرٍ، وَبَيْعُهُ الْجَمَلِ، فَلَهُ تَأْوِيلانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ اسْتَثْنَى ظَهْرَهُ فِي الْبَيْعِ شَرْطًا، بَلْ أَعَارَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْبَيْعِ، كَمَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، أَنَّهُ قَالَ: «أَخَذْتُهُ مِنْكَ بِوُقِيَّةٍ، ارْكَبْهُ» وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «بِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَلا، وَأَفْقَرَنِي ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ». وَالإِفْقَارُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ: إِعَارَةُ الظَّهْرِ

لِلرُّكُوبِ، وَمِنْهُ اشتق فِقَار الظَّهْرِ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَدْ أَخَذْتُهُ، وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ»، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ الشَّرْطِ، لأَنَّهُ إِذَا وَعَدَهُ الإِفْقَارَ وَالإِعَارَةَ، كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا لَا يُشَكُّ فِي الْوَفَاءِ بِهِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي لَا خَلَفَ فِيهِ. وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَكْنُ جَرَى بَيْنَهُمَا حَقِيقَةُ بَيْعٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ تَسْلِيمٌ وَلا قَبْضٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْفَعَهُ بِشَيْءٍ، فَاتَّخَذَ بَيْعَ الْجَمَلِ ذَرِيعَةً إِلَى ذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ حِينَ أَعْطَاهُ الثَّمَنَ: «مَا كُنْتُ لآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ فَهُوَ مَالُكَ». قَالَ الإِمَامُ: وَلَوْ أَكْرَى دَابَّةً، أَوْ دَارًا مِنْ إِنْسَانٍ، ثُمَّ بَاعَهَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْفَعَتُهَا مُدَّةَ الإِجَارَةِ لِلْمُكْتَرِي، لأَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ، فَلا يَتَنَاوَلَهَا الْبَيْعُ بِخِلافِ مَا لَوِ اسْتَثْنَاهَا لِنَفْسِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ جَارِيَةً، وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَاعَ

باب الإقالة

جَارِيَةً قَدْ زَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَمَنْفَعَةُ بُضْعِهَا لِلزَّوْجِ. وَيُرْوَى فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيْتُهُ بِهِ، فَزَادَنِي وُقِيَّةً، ثُمَّ وَهَبَهُ لِي. وَيَحْتَجُّ بِهَذَا مَنْ يُجَوِّزُ هِبَةَ الْمَبِيعِ مِنَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِخِلافِ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَابُ الإِقَالَةِ 2117 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثَنَا شَرِيكٌ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَشِيرٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ شُرَيْحٍ الشَّامِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَقَالَ أَخَاهُ المُسْلِمَ صَفْقَةً كَرِهَهَا، أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ. وَيُرْوَى عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا، أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ».

باب فيمن اشترى عبدا فاستغله ثم وجد به عيبا

قَالَ الإِمَامُ: الإِقَالَةُ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ جَائِزَةٌ، قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَهِيَ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ الأَوَّلِ حَتَّى لَوْ تَبَايَعَا وَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلا، فَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِيمَا عَادَ إِلَيْهِ بِالإِقَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَلَوْ تَقَايَلا فِي السَّلَمِ، فَيَجُوزُ لِلْمُسَلَّمِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَرَدَّ، وَلَوْ كَانَ رَأَسُ الْمَالِ هَالِكًا فِي يَدِ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ، فَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ، فَلَوِ اسْتَبْدَلَ الْمُسَلَّمُ عَنْهُ شَيْئًا آخَرَ وَقَبَضَهُ، يَجُوزُ، لأَنَّ السَّلَمَ قَدِ ارْتَفَعَ بِالإِقَالَةِ، وَلَوْ أَقَالَ بَعْضَ السَّلَمِ، وَاسْتَرَدَّ بِقَدْرِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَقَبَضَ بَعْضًا، فَجَائِزٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ، وَأَجَازَهُ عَطَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ النَّخَعِيُّ، وَلَمْ يُجَوِّزْ مَالِكٌ الاسْتِبْدَالَ عَنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ الإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلا الإِقَالَةِ فِي بَعْضِ السَّلَمِ وَقَبْضِ الْبَعْضِ. بَابُ فِيمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا 2118 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ». 2119 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ: الدَّخْلُ وَالْمَنْفَعَةُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثُ: أَنَّ مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا، فَاسْتَغَلَّهُ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا فَأَخَذَ كَسْبَهُ، أَوْ دَارًا فَسَكَنَهَا، أَوْ

أَجَّرَهَا فَأَخَذَ غَلَّتَهَا، أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا، أَوْ أَكْرَاهَا، فَأَخَذَ الْكِرَاءَ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى بَائِعَهَا، وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي، لأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَقَولُهُ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» أَيْ: مِلْكُ الْخَرَاجِ بِضَمَانِ الأَصْلِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا يَحْدُثُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ نِتَاجِ الدَّابَّةِ، وَوَلَدِ الأَمَةِ، وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ وَصُوفِهَا، وَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ الْمُشْتَرَاةِ: إِنَّ الْكُلَّ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي، وَلَهُ رَدُّ الأَصْلِ بِالْعَيْبِ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، إِلَى أَنَّ حُدُوثَ الْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ رَدَّ الأَصْلِ بِالْعَيْبِ، بَلْ يَرْجِعُ بِالأَرْشِ، فَإِنْ هَلَكَ الْحَادِثُ، فَلَهُ رَدُّ الأَصْلِ بِالْعَيْبِ، فَأَمَّا الْغَلَّةُ، فَقَالُوا: لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ رَدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرُدَّ مَعَهُ الْغَلَّةَ، وَإِنْ رَدَّ بَعْدَهُ، فَيَبْقَى لَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَرُدُّ الْوَلَدَ مَعَ الأَصْلِ، وَلا يَرُدُّ الصُّوفَ، وَلَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالشُّبْهَةِ، أَوْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، رَدَّهَا وَالْمَهْرُ لِلْمُشْتَرِي، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ هُوَ الْواطِئُ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتُضَّتْ، فَلا رَدَّ لَهُ، لأَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ نَقْصٌ حَدَثَ فِي يَدِهِ، بَلْ يَسْتَرِدُّ مِنَ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَتِهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: وَطْءُ الثَّيِّبِ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَرَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ، أَنَّهُ قَالَ: ابْتَعْتُ غُلامًا فَاسْتَغْلَلْتُهُ، ثُمَّ ظَهَرْتُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ، فَخَاصَمْتُ فِيهِ إِلَى عُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَضَى لِي بِرَدِّهِ، وَقَضَى عَلَيَّ بِرَدِّ غَلَّتِهِ، فَأَتَيْتُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَرُوحُ إِلَيْهِ الْعَشِيَّةَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي مِثْلِ

باب تحريم الغش في البيع

هَذَا أَنَّ الخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، فَرَاحَ إلَيْهِ عُرْوَةَ، فَقَضَى لِي أَنْ آخُذَ الخَرَاجَ مِنَ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيِّ لَهُ. وَقَاسَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْغَصْبَ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى الْغَاصِبِ رَدَّ غَلَّةِ الْمَغْصُوبِ، لأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَالْخَرَاجُ بِمُقَابَلَتِهِ، وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانَ مَنْفَعَةِ الْمَغْصُوبِ، لأَنَّ يَدَهُ يَدُ عُدْوَانٍ بِخِلافِ يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ. وَمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا، أَوْ غَيْرَهُ، فَحَدَث بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهُ، وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمِ بِهِ، عَرَضَ الرَّأْيَ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ، فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ، فَإِنْ أَمْسَكَهُ، فَلا أَرْشَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ، غَرِمَ لِلْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ طَالَبَ الْبَائِعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَإِنْ شَاءَ غَرِمَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَرَدَّهُ. بَابُ تَحرِيمِ الْغِشِّ فِي البَيْعِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الْأَعْرَاف: 85] وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرَّحْمَن: 9] قِيلَ: أَرَادَ لِسَانَ الْمِيزَانِ.

2120 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ ثُمَّ قَالَ: مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ. 2121 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا، فَقَالَ: كَيْفَ تَبِيعُ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهَا، فَأَدْخَلَ، فَإذَا هُوَ مَبْلولٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

لَيْسَ مَنَّا مَنْ غَشَّنَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَوْلُهُ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيُهُ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ تَرَكَ اتِّبَاعِي، إِذْ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَخْلَاقِنَا وَأَفْعَالِنَا، أَوْ لَيْسَ هُوَ عَلَى سُنَّتِي وَطَرِيقَتِي، فِي مُنَاصَحَةِ الإِخْوَانِ، هَذَا كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: أَنَا مِنْكَ يُرِيدُ بِهِ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُتَابَعَةَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إِبْرَاهِيم: 36] وَالْغِشُّ: نَقِيضُ النُّصْحِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَشَشِ، وَهُوَ الْمَشْرَبُ الْكَدِرُ. قَالَ الإِمَامُ: وَالتَّدْلِيسُ فِي الْبَيْعِ حَرَامٌ، مِثْلَ أَنْ يُخْفَيَ الْعَيْبَ، أَوْ يُصِّرِيَ الشَّاةَ، أَوْ يُغَمِّرَ وَجْهَ الْجَارِيَةَ، فَيَظُنُّهَا الْمُشْتَرِي حَسْنَاءَ، أَوْ يُجَعِّدَ شَعْرَهَا، غَيْرَ أَنَّ الْبَيْعَ مَعَهُ يَصِحُّ، وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِذَا وَقَفَ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، ابْتَاعَ وَلِيدَةً مِنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا. وَلَوِ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ مَا هَلَكَ مَا اشْتَرَاهُ فِي يَدِهِ، أَوْ كَانَ عَبْدًا قَدْ أَعْتَقَهُ، فَيَرْجِعُ بِالأَرْشِ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ: كَمْ نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَتِهِ، فَيَسْتَرْجِعُ بِنِسْبَتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَا يُرَدُّ الْعَبْدُ مِنَ الادفان، وَيُرَدُّ مِنَ الإِبَاقِ الْبَاتِّ، وَالادِّفَانِ: أَنْ يَرُوغَ عَنْ مَوَالِيهِ الْيَوْمَ أَوِ الْيَوْمَيْنِ، وَلا يَغِيبَ عَنِ الْمِصْرِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَرُدُّ الرَّقِيقَ مِنَ الْعَبَّسِ، وَهُوَ الْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ، فَأَمَّا إِذَا بَاعَ عَبْدًا قَدْ أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الْكَتَبَةِ، أَوْ

زَيَّاهُ بِزِيِّ أَهْلِ حِرْفَةٍ، فَظَنَّهُ الْمُشْتَرِي كَاتِبًا أَوْ مُحْتَرِفًا بِتِلْكَ الْحِرْفَةِ، فَلَمْ يَكُنْ، فَلا خِيَارَ لَهُ عَلَى أَصَحِّ الْمَذْهَبِ، لأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَلْبَسُ ثَوْبَ الْغَيْرِ عَارِيَةً، وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ بِهِ فَلا خِيَارَ لَهُ. وَلَوْ كَذَبَ الْبَائِعُ فِي رَأْسِ الْمَالِ، فَكَذَلِكَ يَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ، وَلا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إِلا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا، ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً، وَكَذَبَ فِي رَأْسِ مَالِهِ، بِأَنْ كَانَ قَدِ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِمِائَةٍ وَعَشْرَةٍ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَهَلْ تَحُطُّ الْخِيَانَةُ؟ فِيهِ قَوْلانِ، أَحَدُهُمَا: لَا تَحُطُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي، وَهُوَ الأَصَحُّ: تَحُطُّ الْخِيَانَةُ وَلا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، وَإِنْ حُطَّتِ الْخِيَانَةُ. وَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَلاهُ الْغَيْرُ أَوْ أَشْرَكَهُ فِيهِ، يَجُوزُ إِذَا فَعَلَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَبَيَّنَ قَدْرِ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ جَدِيدٍ يَعْقِدُهُ الْمُشْتَرِي، لَا يَجُوزُ إِلا بَعْدَ قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ، فَإِنْ كَذَبَ فِي رَأْسِ الْمَالِ فِيهِمَا لَا تَصِحُّ التَّوْلِيَةُ وَالتَّشْرِيكُ، لأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِي فِيهِمَا يَنْبَنِي عَلَى الأَوَّلِ.

باب اختلاف المتبايعين

بَابُ اخْتِلافِ المُتَبَايِعَيْنِ 2122 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَيْرَبَنْدِ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، نَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، أَنا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حدَّثني أَبِي، عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: اشْتَرَى الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمْسِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا، فَأَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِ فِي ثَمَنِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّما أَخَذْتُهَا بِعَشَرَةِ آلافٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاخْتَرْ رَجُلا يَكُونُ بَيْني وبيْنَكَ. قَالَ الأَشْعَثُ: أَنْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفسِكَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا اخْتَلَفَ البَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ، أَوْ يَتَتَارَكَانِ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ونا النُّفَيْلِيُّ، أَنا هُشَيْمٌ، نَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ

الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَعْنَاهُ. وَقَالَ أَبُو عِيسَى نَا قُتَيْبَةُ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا مُرْسَلٌ وَعَوْنٌ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ. 2123 - قَالَ الإِمَامُ: وَفِيمَا أَجَازَ لِي أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حِمَّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو عِمْرَانَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ بْنِ الْعَبَّاسِ السَّمَرْقَنْدِيُّ الدَّارِمِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَنا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا هُشَيْمٌ، نَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْبَيِّعَانِ إِذَا اخْتَلَفَا وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيَّنَةٌ، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ البَيْعَ». قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ، فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُ بِكَذَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِأَقَلَّ، فَذَهَبَ عَامَّتُهُمْ إِلَى أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاللَّهِ لَقَدْ بِعْتُهُ بِكَذَا، فَإِذَا حَلَفَ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ: مَا اشْتَرَيْتُهَا إِلا بِمَا قُلْتُ، فَإِنْ حَلَفَ، فُسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا، وَرُدَّ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا دَفَعَ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلا فَرْقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، أَوْ تَالِفَةً فِي أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَرُدُّ قِيمَةَ السِّلْعَةِ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ بَعْدَ هَلاكِ السِّلْعَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، بَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ، إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً أَوْ هَالِكَةً، وَلا يَتَحَالَفَانِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الأَجَلِ أَوِ الْخِيَارِ أَوِ الرَّهْنِ أَوِ الضَّمِينِ، فَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالاخْتِلافِ فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهَا، وَلا تَحَالفَ عِنْدَهُمْ إِلا عِنْدَ الاخْتِلافِ فِي الثَّمَنِ.

باب السلم

بَابُ السَّلَمِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [الْبَقَرَة: 282] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ المَضْمُونَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَأَذِنَ فِيه، ثُمَّ قَالَ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [الْبَقَرَة: 282]. قِيلَ: الدَّيْنُ مَا لَهُ أَجَلٌ، والقرْضُ: مَا لَا أَجَلَ لَهُ، يُقَالُ أَدَنْتُ الرَّجُلَ وَدَايَنْتُهُ: إِذَا بِعْتَ مِنْهُ بأَجْلٍ، وأَدَّنْتُ مِنْهُ إِذا اشْتَريْتَ بأَجَلٍ مُسَمَّى، وَمِنْهُ الأَثَرُ: فَادَّانَ مُعْرِضًا، يُقَالُ: دَانَ، واسْتَدَانَ، وأَدَّانَ، إِذَا أَخَذَ الدَّيْنَ، فَإِذَا أَعْطَى الدَّيْنَ، قِيلَ: أَدَانَ.

وَرَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ السَّلَمُ، وَلَكِنِ السَّلَفُ، وَيَقُولُ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالسَّلَفُ لَهُ مَعْنَيَانِ فِي الْمُعَامَلاتِ، أَحَدُهُمَا: القَرْضُ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ للمُقْرِضِ، وَعَلَى الْمُسْتَقْرِضِ رَدُّهُ كَمَا أَخَذَهُ. والثَّانِي: هُوَ السَّلَمُ الْمَعْهُودُ، وَهُوَ تَسْليمُ مَالٍ عَاجِلٍ بِمُقَابَلَةِ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، يُقَالُ: سَلَفْتُ، وَأَسْلَفْتُ، وأَسْلَمْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. 2124 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ المَدينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، وَرُبَّمَا قَالَ: والثَّلاثَ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، وَإِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ، عَنْ صَدَقَةِ بْنِ الْفَضْلِ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَجَازُوا السَّلَمَ فِي الطَّعَامِ، وَالثِّيَابِ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الأَمْوَالِ مِمَّا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ قَابِلِ السَّلَمِ وَقْتَ الْعَقْدِ، قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فِي الْحِنْطَةِ، وَالزَّبِيبِ، وَالشَّعَيِرِ، وَالتَّمْرِ، إِلَى قَوْمٍ مَا هُوَ عِنْدَهُمْ. وَيُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ الَّتِي يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلافِهَا، فَيَكُونُ مَعْلُومًا بِالْوَزْنِ إِنْ كَانَ مَوْزُونًا، أَوْ بِالْكَيْلِ إِنْ كَانَ مَكِيلا، أَوْ بِالذِّرَعَانِ إِنْ كَانَ ثَوْبًا. وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ بِالْوَزْنِ، أَوْ فِي الْمَوْزُونِ بِالْكَيْلِ، إِذَا أَمْكَنَ كَيْلُهُ يَجُوزُ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، فَقَالَ فِي عَشْرَةِ مَكَايِيلَ وَزْنُهَا كَذَا لَا يَجُوزُ، لأَنَّهُ قَلَّمَا يَتَّفِقُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى مَا يَتَشَارَطَانِ. وَقَوْلُهُ: «وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ» أَرَادَ: أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ. وَقَدْ رُوِيَ هَكَذَا

صَرِيحًا. وَيَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ عَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْمَحِلِّ الْمَشْرُوطِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوجَدُ نَادِرًا لَا يَصْلُحُ السَّلَمُ فِيهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ، فَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ، عَلَى أَنَّ السَّلَمَ يَجُوزُ فِيمَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا فِي الْحَالِ، إِذَا ضَرَبَ لَهُ أَجَلا يُوجَدُ فِيهِ غَالِبًا، أَوْ يَكُونُ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ، وَيَنْقَطِعُ قَبْلَ الْمَحَلِّ، ثُمَّ يُوجَدُ عِنْدَ الْمَحَلِّ، لأَنَّ الثَّمَرَ اسْمٌ لِلرُّطَبِ وَالْيَابِسِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِلرُّطَبِ لَا غَيْرَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمَرِ، أَرَادَ بِهِ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ، ثُمَّ أَجَازَ السَّلَمَ فِي الثَّمَرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاثَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرُّطَبَ مِنْهَا يَنْقَطِعُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، وَلا يُوجَدُ إِلا فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمَ إِلا فِيمَا يَكُونُ عَامَ الْوُجُودِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى الْمَحَلِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَفِيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ مُؤَجَّلا يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ الأَجَلُ مَعْلُومًا بِالسِّنِينَ أَوْ بِالشُّهُورِ أَوْ بِالأَيَّامِ، أَوْ يُسْلَمُ إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ، مِثْلَ مَجِيءِ شَهْرِ كَذَا، أَوْ إِلَى عِيدِ كَذَا، أَوْ نَحْوَهُ، فَإِنْ ذَكَرَ أَجَلا مَجْهُولا مِثْلَ: الْحَصَادِ، وَالْعَطَاءِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ، فَلا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَبِيعُوا إِلَى الْعَطَاءِ، وَلا إِلَى الأَنْدَرِ، وَلا إِلَى الدِّيَاسِ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ حَالا، فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: إِذَا أَجَازَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضْمُونًا إِلَى أَجَلٍ، كَانَ حَالا أَجْوَزَ، وَمِنَ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ أَبْعَدَ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلا مُؤَجَّلا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الأَجَلَ كَمَا ذَكَرَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ، كَذَلِكَ ذَكَرَ الأَجَلَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ ذِكْرُ الأَجَلِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ إِذَا ذُكِرَ الأَجَلُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَكَذَلِكَ ذِكْرُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ، فَإِنَّ السَّلَمَ جَائِزٌ فِيمَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلا مَوْزُونٍ، مِثْلَ: الثِّيَابِ وَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ، لَمَا جَازَ السَّلَمُ إِلا فِي الْمَكِيلِ أَوِ الْمَوْزُونِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ يَجِبُ بَيَانُ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ وَكَذَا الأَجَلُ. قَالَ الإِمَامُ: وَإِذَا ذَكَرَ الأَجَلَ مَعْلُومًا، يَلْزَمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، يَلْزَمِ الأَجَلُ حَتَّى لَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ. وَأَمَّا الْقَرْضُ، فَاخْتَلَفُوا فِي لُزُومِ الأَجَلِ فِيهِ، فَذَهَب قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى لُزُومِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَإِذَا أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ لَا يَجُوزُ الاسْتِبْدَالُ عَنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَجَوَّزَ مَالِكٌ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ الاسْتِبْدَالَ إِذَا قَبَضَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ تَبَرَّعَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ بِأَجْوَدِ مِمَّا وَصَفَ، أَوْ رَضِيَ الْمُسْلِمُ بِالأَرْدَإِ وَالنَّوْعُ وَاحِدٌ، فَجَائِزٌ بِالاتِّفَاقِ.

باب التسعير

بَابُ التَّسْعِيرِ 2125 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: سَعِّرْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّمَا يَرْفَعُ اللَّهُ وَيَخْفِضُ، إنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ لأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلمَةٌ» قَالَ لَهُ آخَرُ: سَعِّرْ، قَالَ: «أَدْعُو اللَّهَ».

باب الاحتكار

بَابُ الاحْتِكَارِ 2126 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، نَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ، أَنَّ مَعْمَرًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ». فَقِيلَ لِسَعِيدٍ: فَإِنَّكَ تَحْتَكِرُ، قَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ مَعْمَرًا الَّذِي كانَ يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيث كانَ يَحْتكِرُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَمَعْمَرٌ: هُوَ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ، وَأَبُوهُ أَبُو مَعْمَرٍ أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الاحْتِكَارِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا حُكْرَةَ فِي سُوقِنَا، لَا يَعْمَدُ رِجَالٌ بِأَيْدِيهِمْ فُضُولٌ مِنْ أَذْهَابٍ إِلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ نَزَلَ بِسَاحَتِنَا فَيَحْتَكِرُونَهُ عَلَيْنَا، وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٌ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبِدِهِ فِي الشَّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ، وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ.

وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنِ الْحُكْرَةِ. وَكَرِهَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ الاحْتِكَارَ فِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ. قَالَ مَالِكٌ: يُمْنَعُ مِنَ احْتِكَارِ الْكَتَّانِ، وَالصُّوفِ، وَالزَّيْتِ، وَكُلِّ شَيْءٍ أَضَرَّ بِالسُّوقِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الاحْتِكَارَ فِي الطَّعَامِ خَاصَّةً، لأَنَّهُ قُوتُ النَّاسِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ، فَلا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنَّمَا يَكُونُ الاحْتِكَارُ فِي مِثْلِ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالثُّغُورِ، دُونَ الْبَصْرَةِ، وَبَغْدَادَ، لأَنَّ السُّفُنَ تَخْتَرِقُهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالأَوْزَاعِيُّ: مَنْ جَلَبَ طَعَامًا مِنْ بَلَدٍ، فَحَبَسَهُ يَنْتَظِرُ زِيَادَةَ السِّعْرِ، فَلَيْسَ بِمُحْتَكِرٍ، إِنَّمَا الْمُحْتَكِرُ مَنِ اعْتَرَضَ سُوقَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا دَخَل الطَّعَامُ مِنْ ضَيْعَتِهِ، فَحَبَسَهُ، فَلَيْسَ بِمُحْتَكِرٍ. قَالَ الإِمَامُ: الْحَدِيثُ وَإِنْ جَاءَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ، فَاحْتِكَارُ الرَّاوِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِبَعْضِ الأَشْيَاءِ، أَوْ بَعْضِ الأَحْوَالِ، إِذْ لَا يُظَنُّ بِالصَّحَابِيِّ، أَنَّهُ يَرْوِي الْحَدِيثَ ثُمَّ يُخَالِفُهُ، وَكَذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَا يُظَنُّ بِهِ فِي فَضْلِهِ وَعِلْمِهِ أَنَّهُ يَرْوِي الْحَدِيثَ ثُمَّ يُخَالِفُهُ، إِلا أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى بَعْضِ الأَشْيَاءِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَكِرُ الزَّيْتَ. 2127 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ لِي مَعْمَرٌ: قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ يَجْمَعُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ، أَوْ بَعْضِ السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرْنِي،

ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيعُ نَخَلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَيَحْبِسُ لأهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: مَنْ كَانَتْ تِجَارَتُهُ فِي الطَّعَامِ، لَيْسَ لَهُ تِجَارَةٌ غَيْرُهَا، كَانَ طَاغِيًا أَوْ خَاطِئًا أَوْ بَاغِيًا ". ورُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الرَّجُلُ فُلانٌ لَوْلا بَيْعُهُ، وَكَانَ يَبِيعُ الطَّعَامَ.

باب الرهن

بَابُ الرَّهْنِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [الْبَقَرَة: 283] أَيِ: ارْهَنُوا واقْبِضُوا، والرَّهنُ: الشَّيْءُ المَلْزُومُ، يُقَالُ: هَذَا رَاهِنٌ لَكَ، أَيْ: دائِمٌ مَحْبُوسٌ عَلَيْكَ، وَكُلُّ شَيْءٍ دَامَ، فَقَدْ رَهَنَ، وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَقْرَأُ «فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ» وَيْجعَلُ الرَّهَانَ فِي الخَيْلِ. 2128 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ يُوسُفَ، نَا قَبِيصَةُ، نَا سُفْيَانُ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 2129 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُغَلّسِ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، نَا يَعْلَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: «اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُعلَّى بْنِ أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنِ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ، وَجَوَازِ الرَّهْنِ بِالدُّيُونِ، وَجَوَازِ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ قُيِّدَ بِالسَّفَرِ، وَبَيَانُ الْكِتَابِ يُطْلَبُ مِنَ السُّنَّةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُمْ لَا يَخْلُوا عَنِ الرِّبَا، وَثَمَنِ الْخَمْرِ، لأنَّهُ يُعْرَضُ عمَا فَعَلُوهُ

باب الانتفاع بالرهن

فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ، أَمَّا بَيْعُ السِّلاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَلا يَجُوزُ، وَيُكْرَهُ مِنَ الْبُغَاةِ، وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْن حُصَيْنٍ، بَيْعَ السِّلاحِ فِي الْفِتْنَةِ. بَابُ الانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ 2130 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ ويَشْربُ النَّفَقَةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الرَّهْنِ لَا تُعَطَّلْ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ، فَذَهَبَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، إِلَى أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الرَّهْنِ بِالْحَلْبِ، وَالرُّكُوبِ، دُونَ غَيْرِهِمَا بِقَدْرِ النَّفَقَةِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَتَرَكَهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ، فَلُه رُكُوبُهُ وَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَرْكَبُ الضَّالَةَ بِقَدْرِ عَلْفِهَا وَتُحْلَبُ، وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ.

وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ، إِلَى أَنَّ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، لأَنَّ الْفُرُوعَ تَابِعٌ للأُصُولِ، وَالأَصْلُ مِلكٌ لِلرَّاهِنِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا، فَمَاتَ، كَانَ كَفَنُهُ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا 2122 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، نَا الشَّافِعِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ».

قَالَ الشَّافِعِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: غُنْمُهُ: زِيَادَتُهُ، وَغُرْمُهُ: هَلاكُهُ وَنَقْصُهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ، لَا يُخَالِفُهُ. قَوْلُهُ: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ»، مَعْنَاهُ: لَا يَسْتَغْلِقُ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ إِلَى الرَّاهِنِ، بَلْ مَتَى أَدَّى الْحَقَّ لِلْمَرْهُونِ بِهِ، افْتَكَّ وَعَادَ إِلَى الرَّاهِنِ. وَحُكِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ: هُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إِلَى كَذَا وَكَذَا، وَإِلا فَالرَّهْنُ لَكَ بِحَقِّكَ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ، يَعْنِي: لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَدَعَ الرَّاهِنُ أَدَاءَ حَقِّهِ، وَيُرْوَى مِثْلُ هَذَا التَّفْسِيرِ، عَنْ طَاوُسٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ: أَنَّ الرَّهِنَ يَرْجِعُ إِلَى الرَّاهِنِ، فَيَكُونُ غُنْمُهُ لَهُ، وَيَرْجِعُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ، فَيَكُونُ غُرْمُهُ عَلَيْهِ، وَشَرْطُهُمَا بَاطِلٌ. وَقَوْلُهُ: «الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» قِيلَ: أَرادَ لِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِهِ، وَقَوْلُهُ: «لَهُ غُنْمُهُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوَائِدَ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهُ تَكُونُ لِلْرَاهِنِ، وَقَوْلُهُ: «وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ، وَلا يَسْقُطُ بِهَلاكِهِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إِنْ كَانَ قَدْرُ الْحَقِّ يَسْقُطُ بِهَلاكِهِ الْحَقُّ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنَ الْحَقِّ، فَبِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنَ الْحَقِّ يَسْقُطُ، وَالْبَاقِي وَاجِبٌ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْحَقِّ، يَسْقُطُ الْحَقُّ، وَلا يَجِبُ ضَمَانُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ

باب من اشترى شيئا ثم أفلس بالثمن للبائع أخذ عين ماله

ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ: ذَهَبَتِ الرِّهَانُ بِمَا فِيهَا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَحْدُثُ مِنَ الرَّهْنِ مِنْ وَلَدٍ وَثَمَرٍ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهَا مَرْهُونَةٌ كَالأَصْلِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الضَّمَانِ، فَالأَصْلُ مَضْمُونٌ، وَالْحَادِثُ مِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: الْوَلَدُ الَّذِي يُحَدِّثُ مَرْهُونٌ، وَالثَّمَرَةُ خَارِجَةٌ عَنِ الرَّهْنِ. قَالَ الإِمَامُ: وَإِذَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دَوَامَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الرَّهْنِ، لأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَرْكَبُهَا إِلا وَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ جَوَازُ رَهْنِ الْمَشَاعِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَقِصُ بِهِ قِيمَتَهُ، عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلِ الْمَنْفَعَةَ لَهُ، وَيَسْتَعْمِلُ الدَّابَّةَ الْمَرْهُونَةَ بِالنَّهَارِ، وَيَرُدُّهَا إِلَى الْمُرْتَهِنِ بِاللَّيْلِ، وَلا يُسَافِرُ عَلَيْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَفْلَسَ بالثَّمَنِ لِلْبَائعِ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ 2133 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ، فَأَدْرَكَ رَجُلٌ مَالَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَوَجَدَ الْبَائِعُ عَيْنَ مَالِهِ، فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ، وَيَأْخُذَ عَيْنَ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَأَفْلَسَ بِالْبَاقِي، أَخَذَ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنَ الثَّمَنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَضَى بِهِ عُثْمَانُ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ذَلِكَ، وَلا نَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ، وَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَوْ مَاتَ مُفْلِسًا، فَهُو كَمَا لَوْ أَفْلَسَ فِي حَيَاتِهِ عَلَى هَذَا الاخْتِلافِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ مُفْلِسًا، أَوْ أَفْلَسَ فِي حَيَاتِهِ، وَقَدْ

أَخَذَ الْبَائِعُ شَيْئًا مِنَ الثَّمَنِ، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ، بَلْ يُضَارِبُ الْغُرَمَاءُ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مُرْسَلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٌ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ، وَلَمْ يَقْبِضِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا، فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وإِنْ مَاتَ المُشْتَرِي، فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الغُرَمَاءِ» وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَلَئِنْ ثَبَتَ، فَمُتَأَوَّلٌ عَلَى مَا لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مَلِيئًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا 2134 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْر الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الْمُعْتَمِرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ، عَنِ ابْنِ خَلْدَةَ الزُّرَقِيِّ، وَكَانَ قَاضِي الْمَدِينَةِ، قَالَ:

باب قسمة مال المفلس بين الغرماء

جِئْنَا أَبا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَفْلَسَ، فَقَالَ هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ، فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ». قَوْلُهُ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ قَضَى فِيهِ بِعَيْنِهِ، إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَضَى فِيمَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الإِفْلاسِ، وَابْنُ خَلْدَةَ: هُوَ عُمَرُ بْنُ خَلْدَةَ. بَابُ قِسْمَةِ مَالِ المُفْلِسِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ 2135 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَشَجِّ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ»، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِه: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلا ذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ الأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ أَنْ يُقَالَ: سَبَقَ الْحَاجَّ، أَلا وَإِنَّهُ ادَّانَ مُعْرِضًا، فَأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ، فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ نَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، وَإيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ، فَإِنَّ أوَّلَهُ هَمٌّ، وَآخِرَهُ حَرْبٌ. قَوْلُهُ: فَادَّانَ مُعْرِضًا، أَيِ: اسْتَدَانَ مُعْرِضًا عَنِ الأَدَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ رِينَ، أَيْ: أَحَاطَ بِمَالِهِ الدَّيْنُ، يُقَالُ: رِينَ بِالرَّجُلِ رَيْنًا، إِذَا وَقَعَ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِنَّ مَالَ الْمُفْلِسِ يُقْسَمُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ، فَإِنْ نَفَذَ مَالُهُ وَفَضَلَ الدِّينُ يُنْظَرُ إِلَى الْمَيْسَرَةِ، وَتَصَرُّفُ الْمُفْلِسِ فِي مَالِهِ غَيْرُ نَافِذٍ، قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَفْلَسَ وَتَبَيَّنَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ، وَلا بَيْعُهُ وَلا شِرَاؤُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ وَلَهُ عَبْدٌ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَعْتَقَهُ، لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَصَرُّفُ الْمَدْيُونِ نَافِذٌ مَا لَمْ يَحْجِرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي، ثُمَّ بَعْدَ الْحَجْرِ لَا يَنْفَذُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ.

باب حسن قضاء الدين

بَابُ حُسْنِ قَضَاءِ الدَّيْنِ 2136 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْرًا، فَجَاءَتْهُ إِبلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ فِي الإِبِلِ إِلا جَمَلا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطِهِ إيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْبَكْرُ فِي الإِبِلِ بِمَنْزِلِ الْغُلامِ مِنَ الذُّكُورِ، وَالْقَلُوصُ بِمَنْزِلِ الْجَارِيَةِ مِنَ الإِنَاثِ، وَالرَّبَاعِيُّ: هُوَ الَّذِي أَتَتْ عَلَيْهِ سِتُّ سِنيِنَ، وَدَخَلَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، فَإِذَا طَلَعَتْ رَبَاعِيتُهُ، قِيلَ لِلذَّكَرِ: رَبَاعٌ، وَلِلأُنْثَى رَبَاعِيَةٌ خَفِيفَةَ الْيَاءِ، وَقَوْلُهُ: «خِيَارٌ»، يُقَالُ: جَمَلٌ خِيَارٌ، وَنَاقَةٌ خِيَارَةٌ، أَيْ: مُخْتَارَةٌ. وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ جَوَازُ اسْتِسْلافِ الإِمَامِ لِلْفُقَرَاءِ إِذَا رَأَى بِهِمْ خُلَّةً وَحَاجَةٌ، ثُمَّ يُؤَدِّيهِ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ إِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَلَ إِلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الإِمَامِ، فَيَضْمَنُ مِنْ خَاصِّ مَالِهِ، إِلا أَنْ يَكُونَ الاسْتِقْرَاضُ بِمَسْأَلَةِ الْفُقَرَاءِ، فَيَضْمَنُ مِنْ مَالِهِمْ، أَوْ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ يَضَمُن مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الإِمَامِ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إِذَا اسْتَقْرَضَ لَهُ شَيْئًا لِحَاجَتِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْوَلِيِّ، يَضْمَنُهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ فِي الْمَسَاكِينِ أَهْلَ رُشْدٍ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ بِخِلافِ الْيَتِيمِ. وَفِيهِ دَليِلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ، وَثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِاسْتِسْلافِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ إِلا الْوَلائِدَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَا جَاءَ السَّلَمُ فِيهِ، جَازَ اسْتِقْرَاضُهُ إِلا الْجَوَارِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، قَالُوا: إِذَا كَانَتِ الْجَارِيَةُ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، جَازَ اسْتِقْرَاضُهَا، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا يَرُدُّ مِثْلَ مَا اسْتَقْرَضَ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الأَمْثَالِ، لأَنَّ الْحَيَوَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّ الْمِثْلِ، فَأَمَّا مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا عَلَى غَيْرِهِ أَوْ غَصَبَهُ فَتُلِفَ عِنْدَهُ، فَعَلَيْهِ فِي الْمُتَقَوَّمِ الْقِيمَةُ، وَفِي الْمِثْلِيِّ الْمِثْلُ، وَحَدُّ الْمِثْلِيِّ: كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ، وَجَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَمَا لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الأَوْصَافِ، فَهُوَ مُتَقَوَّمٌ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا، فَرَدُّهُ أَحْسَنُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، كَانَ مُحْسِنًا، وَيَحِلُّ ذَلِكَ

لِلْمُقْرِضِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَلالٍ فِي قَضَاءِ ثَمَنِ جَمَلِ جَابِرٍ: «اقْضِهِ وَزِدْهُ» وَاشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَاوِيلَ، وَثَمَّ رَجُلٌ يَزِنُ بِالأَجْرِ، فَقَالَ لِلْوَزَّانِ «زِنْ وأَرْجِحْ». فَأَمَّا إِذَا شَرَطَ فِي الْقَرْضِ أَنْ يَرُدَّ أَكْثَرَ، أَوْ أَفْضَلَ، أَوْ فِي بَلَدٍ آخَرَ، فَهُوَ حَرَامٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ لأَبِي بُرْدَةَ: إِنَّكَ بِأَرْضٍ، الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، فَإِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقُّ، فأَهْدَى لَكَ حِمْلَ تِبْنِ، أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ، أَوْ حِمْلَ قَتٍ، فَلا تَأْخُذْهُ، فَإنَّهُ رِبًا. وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ رَجُلٍ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ، ثُمَّ إِنَّ الْمُسْتَقْرِضَ أَفْقَرَ الْمُقْرِضَ ظَهْرَ دَابَّتِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا أَصَابَ مِنْ دَابَّتِهِ، فَهُوَ رِبًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسَتَحَّلُ فِيهِ الرِّبَا بِالْبَيْعِ، وَالْخَمْرُ بِالنَّبِيذِ، وَالْبَخْسُ بِالزَّكَاةِ. وَأَرَادَ بِالْبَخْسِ: مَا يَأْخُذُهُ الْوُلاةُ بِاسْمِ الْعُشْرِ يَتَأَوَّلُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَاتُ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْمَكْسَ. أمَّا إِذَا أَقْرَضَ شَيْئًا، فَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا، فَجَائِزٌ، لأَنَّهُ تَوْثِيقٌ لِلدَّيْنِ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: مَنْ أَسْلَفَ سَلْفًا، فَلا يَأْخُذَنَّ رَهْنًا وَلا صَبِيرًا، وَالْمُرَادُ مِنَ الصَّبِيرِ: الْكَفِيلُ، وَكَرِهَ إِبْرَاهِيمُ السَّفْتُجَةَ، وَفَعَلَهَا مَيْمُونُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ.

2137 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ نَا شُعْبَةُ، أَنا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بِمِنًى يُحدِّثُ: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: «دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالا، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ إيَّاهُ» قَالُوا: لَا نَجِدُ إِلا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: «اشْتَرُوهُ، فَأعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ التَّشْدِيدُ عَلَى الْمَدْيُونِ الْمليء بِالْقَوْلِ. رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ

باب ثواب من أنظر معسرا

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ». أَرَادَ بِاللَّيِّ: الْمُطِلَّ، يُقَالُ: لَوَاهُ حَقَّهُ لَيًّا وَلَيَّانًا، أَيْ: مَطَلَهُ، وَالْوَاجِدُ: الْغَنِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: «يُحِلُّ عِرْضَهُ»، أَي: يُغْلِظُ لَهُ وَيُنْسِبُهُ إِلَى سُوءِ الْقَضَاءِ، وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّكَ ظَالِمٌ وَمُتَعَدٍّ، وَعُقُوبَتُهُ: أَنْ يُحْبَسَ لَهُ حَتَّى يُؤَدِّي الْحَقَّ. فَأَمَّا الْمُعْسِرُ، فَلا حَبْسَ عَلَيْهِ، بَلْ يُنْظَرُ، لأَنَّهُ غَيْرُ ظَالِمٍ بِالتَّأْخِيرِ، فَلا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَطْلُ الْغَنيُّ ظُلْمٌ»، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَخْفِيهِ، حُبِسَ وَعُزِّرَ، حَتَّى يُظْهِرَ مَالَهُ، وَإِنِ ادَّعَى هَلاكَ مَالِهِ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ لَمْ يُقِمِ الْبَيِّنَةَ حُبِسَ، وَلا غَايَةَ لِحَبْسِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْكَشْفِ عَنْهُ، فَمَتَى ظَهَرَ لِلْحَاكِمِ عُدْمُهُ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَرُوِيَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ رَجُلا فِي تُهْمَةٍ». وَرُوِيَ «أَنَّهُ حَبَسَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ». وَذَهَبَ شُرَيْحٌ إِلَى أَنَّ الْمُعْسِرَ يُحْبَسُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. بَابُ ثَوَابِ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [الْبَقَرَة: 280] أيْ: يَسَارٍ.

2138 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْميكالِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدَانَ الْحَافِظُ، نَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ رَجُلا بِحَقٍّ، فَاخْتَبَأَ مِنْهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: الْعُسْرَةُ، فَاسْتَحلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَحَلَفَ، فَدَعَا بِصَكِّهِ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَنْجَاهُ اللَّه مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ. 2139 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْن أَبِي أُوَيْسٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا جِئْتَ مُعْسِرًا،

فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، قَالَ: فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ مُزَاحِمٍ. كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. 2140 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْن أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَلَقَّتْ رُوحَ رَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ لَا: قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: لَا، إِلا أَنِّي كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَكُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِروا المُوسِرَ، وَيَتَجاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: تَجَاوَزُوا عَنْهُ «. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وَأَبِي مَسْعُودٍ،» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي ". 2141 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى، نَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ». وَرَوَاهُ أَبُو الْيُسْرِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 2142 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي الْيُسْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ» .

باب التشديد في الدين

2143 - أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حِمَّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أَنا عِيسَى بْنُ عُمَرَ بْنِ الْعَبَّاسِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمَهُ، أَوْ مَحَا عَنْهُ، كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِي الصَّلاةِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكَثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ. فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ، فَكَذَبَ، وَوَعَدَ، فَأَخْلَفَ».

2144 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلا غَيْرَ مُدْبِرٍ، يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ. فَلَمَّا أَدْبَرَ، نَادَاهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ قُلْتَ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، إِلا الدَّيْنَ، كَذَلِكَ قَالَ: جِبْرِيلُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ. ورُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ». 2145 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ

حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، أَنَّهُ قَالَ: " كُنَّا يَوْمًا جُلُوسًا فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟ فَسَكَتْنَا وَفَرِقْنَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّه، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نَزَلَ؟ قَالَ: فِي الدَّيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، مَا دَخَلَ الجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ ". وَمُحَمَّدُ بْنُ جَحْشٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشِ بْنِ رِيَابٍ الْمَدَنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، قُتِلَ أَبُوهُ بِأُحُدٍ. 2146 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ،

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالِ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 2147 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .

باب صاحب الحق إذا أخذ من مال الغريم حقه

2148 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا حَمْدُونُ السِّمْسَارُ، نَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، عَنْ كَثِيرٍ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَاحِبُ الدَّيْنِ مَأْسُورٌ بِدَيْنِهِ، يَشْكُو إِلَى رَبِّهِ الْوَحْدَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ مَعْمَرٌ: قِيلَ لابْنِ طَاوُسٍ فِي دَيْنِ أَبِيهِ: لَوِ اسْتَنْظَرْتَ الْغُرَمَاءَ، قَالَ: أَسْتَنْظِرُهُمْ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَنْزِلِهِ مَحْبُوسٌ؟ قَالَ: فَبَاعَ مَالَ ثَمَنِ أَلْفٍ بِخُمْسُ مِائَةٍ. بَابُ صَاحِبِ الْحَقِّ إِذَا أَخَذَ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ حَقَّهُ 2149 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ، أنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَةَ جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ سِرًّا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا حَدِيثٌ يَشْتَمِلُ عَلَى فَوَائِدَ وَأَنْوَاعٍ مِنَ الْفِقْهِ، مِنْهَا: جَوَازُ ذِكْرِ الرَّجُلِ بِبَعْضِ مَا فِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ قَوْلَهَا: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ. وَمِنْهَا وُجُوبُ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الأَوْلادِ عَلَى الآبَاءِ، وَفِيهِ اتِّفَاقٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ بَالِغًا زَمَنًا وَهُوَ مُعسِرٌ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْوَالِدِ الْمُوسِرِ، فَإِنْ بَلَغَ مَحَلا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ نَفَقَتِهِ بِالاكْتِسَابِ، سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنِ الأَبِ، وَإِذَا وَجَبَتْ نَفَقَةُ الأَوْلادِ

فَنَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ عِنْدَ الزَّمَانَةِ وَالإِعْسَارِ عَلَى الْوَالِدِ الْمُوسِرِ. وَمِنْهَا: أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ، لأَنَّهُ قَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ»، وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَاضِي يَقْضِي بِعِلْمِ نَفْسِهِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُكَلِّفْهَا الْبَيِّنَةَ فِيمَا ادَّعَتْهُ، إِذْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَالِمًا بِكَوْنِهَا فِي نِكَاحِ أَبِي سُفْيَانَ، وَفِيهِ اخْتِلافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، ذَكَرْتُهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. وَمِنْهَا: جَوَازُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَجُوزُ إِذَا تَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ اسْتَخْفَى فِرَارًا مِنَ الْحَقِّ، ومُعَانَدَةً مِنَ الْخَصْمِ، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، إِذَا كَانَ لَهُ اتِّصَالٌ بِالْحَاضِرِ بِأَنِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ، وَادَّعَتْ لَهُ وَدِيعَةً فِي يَدِ حَاضِرٍ، أَوِ ادَّعَتِ الشُّفْعَةَ عَلَى حَاضِرٍ فِي شِقْصٍ اشْتَرَاهُ وَبائِعُهُ غَائِبٌ. وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَى غَيْرِهِ يَمْنَعُهُ إِيَّاهُ، فَظَفِرَ مِنْ مَالِهِ بِشَيْءٍ، جَازَ لَهُ أَنْ يَقْتَضِيَ مِنْهُ حَقَّهُ، سَوَاءً كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ إِيَّاهُ، ثُمَّ يَبِيعُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، فَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ مَنْزِلَ الرَّجُلِ الشَّحِيحِ لَا يَجْمَعُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ، وَسَائِرُ الْمَرَافِقِ الَّتِي تَلْزَمْهُ لَهُمْ، ثُمَّ أَطْلَقَ لَهَا الإِذْنُ فِي أَخْذِ كِفَايَتِهَا وَكِفَايَةِ أَوْلادِهَا، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ إِلا بِصَرْفِ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهَا فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ جِنْسَ حَقِّهِ لَوْ أَوْدَعَهُ دَرَاهِمَ، وَلَهُ عَلَى الْمُودِعِ مِثْلُهَا، فَلَهُ أَخْذُهَا عَنْ حَقِّهِ، فَإِنْ جَحَدَ الْمُودِعُ مَالَهُ، لَهُ أَنْ يَجْحَدَ وَدِيعَتَهُ، فيُمْسِكُهَا عَنْ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ دَنَانِيرَ،

فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْحَدَهَا وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَقَّهُ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَأْخُذُ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ عَنِ الآخَرِ، وَلا يَجُوزُ الأَخْذِ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جُحُودُ وَدِيعَتِهِ، سَوَاءً كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنْ يَخُونَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِزِيَادَةٍ جَزَاءً لِخِيَانَتِهِ، فَأَمَّا اسْتِيفَاءُ قَدْرِ حَقِّهِ فَمَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فِي حَدِيثِ هِنْدٍ، فَلا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ عَنِ الْخِيَانَةِ. 2150 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو الْيَمَانِ، نَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا أَصْبَحَ الْيَومَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مَسِيكٌ،

باب الصلح على النصف

فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ مِنْ أَنْ أُطْعِمَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ لَهَا: «لَا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَوْلُهَا مَسِيكٌ: أَيْ شَحِيحٌ. بَابُ الصُّلْحِ عَلَى النِّصْفِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النِّسَاء: 128] 2151 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنُ أَبِي حَدْرَد

دَيْنًا، كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: يَا كَعْبُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُمْ فَاقْضِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مُلازَمَةُ الْغَرِيمِ وَاقْتِضَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى حَطِّ بَعْضِ الْحَقِّ جَائِزٌ. قَالَ الإِمَامُ: وَالصُّلْحُ فِي الأَمْوَالِ نَوْعَانِ: صُلْحُ حَطِيطَةٍ، وَصُلْحُ مُعَاوَضَةٍ، وَيَجُوزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ جَمِيعًا، فَصُلْحُ الْحَطِيطَةِ: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَلْفًا، فَيُصَالِحُهُ عَلَى بَعْضِهَا، فَجَائِزٌ، وَجُعِلَ كَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنِ الْبَاقِي، وَإِذَا ادَّعَى عَيْنًا، فَصَالَحَ عَلَى نِصْفِهَا، جُعِلَ كَأَنَّهُ وَهَبَ مِنْهُ النِّصْفَ الْبَاقِي.

باب مطل الغني

وَصُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ عَيْنًا فَيُقِرُّ، فَيُصَالِحُهُ عَلَى عَيْنٍ أُخْرَى، أَوْ يَدَّعِي دَيْنًا فَيُصَالِحُهُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ، فَيَصِحُّ، وَهُوَ بَيْعٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبُيُوعِ حَتَّى لَا يَجُوزُ عَلَى مَجْهُولٍ، وَلا أَنْ يُصَالِحَهُ مِنْ دَيْنٍ عَلَى مَالٍ نَسِيئَةٍ، لأَنَّهُ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، كَمَا لَا يَصِحُّ مِثْلُهُ فِي الْبُيُوعِ، وَرُوِيَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلا صُلْحًا حَرَّمَ حَلالا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، والْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم، إِلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلالا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» هَذَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا، فَإِنِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَأَنْكَرَ، فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ، لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ يُشْتَرَطُ الْمَالُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي دَعْوَى الْقَذْفِ وَدَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إِلا فِي حَالِ الإِنْكَارِ، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَى الإِقْرَارِ وَالإِنْكَارِ جَمِيعًا. بَابُ مَطْلِ الْغَنِيِّ 2152 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ،

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِئٍ، فَلْيَتْبَعْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. قَوْلُهُ: «أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ» بِالتَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ: أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ، «فَلْيَتْبَعْ» أَيْ: فَلْيَحْتَلْ، يُقَالُ: أَتْبَعْتُ غَرِيمِي عَلَى فُلانٍ فَتَبِعَهُ، أَيْ: أَحَلْتُهُ فَاحْتَالَ، وَتَبِعْتُ الرَّجُلَ بِحَقِّي أُتْبِعُهُ تِبَاعَةً، إِذَا طَالَبْتُهُ بِهِ، وَأَنَا تَبِيعُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الْإِسْرَاء: 69] أَيْ: تَابِعًا مُطَالِبًا بِالثَّأْرِ. وَقَوْلُهُ: «فَلْيَتْبَعْ» لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ، بَلْ عَلَى طَرِيقِ الإِبَاحَةِ إِنِ اخْتَارَ، قَبِلَ الْحِوَالَةَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ، وَزَعَمَ دَاوُدُ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إِذَا أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ، فَإِنْ أَبَى يُكْرَهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَبِلَ الْحِوَالَةَ، تَحَوَّلَ الدَّيْنُ مِنَ الْمَحِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَلا رُجُوعَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمَحِيلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِلا أَنْ يَرَاهُ الْمُحْتَالُ حَالَةَ قَبُولِ الْحِوَالَةِ مَلِيئًا، فَبَانَ مُعْسِرًا، رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ، وَاحْتَجَّ

باب ضمان الدين

هَؤُلاءِ بِقَوْلِهِ: «إِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلى مَلِيءٍ» وَالْحِوَالَةُ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ، فَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْمَلاءَةِ فِي الْحَدِيثِ سُقوطُ سَبِيلِ الْمُحْتَالِ عَلَى الْمَحِيلِ بَعْدَ مَا قَبِلَ الْحِوَالَةَ عَلَى مَنْ هُوَ مَلِيءٌ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى حُدُوثِ الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ مِنْ بَعْدُ، لأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ تَحَوَّلَ مِنْ ذِمَّةِ الْمَحِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَسُمِّيَتْ «الْحِوَالَةُ» لِهَذَا. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يرجع على الْمُحِيل إِذا أفلس الْمحَال عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَتْبَعَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَلِيئًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَلِيئًا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ، وَالأَوَّلُ أَوْلَى، لأَنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَطَ الْمَلاءَةَ وَقْتَ الْحِوَالَةِ لَا فِيمَا بَعْدَهَا، وَقِيلَ: إِنْ أَفْلَسَ فِي حَيَاتِهِ، لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ، لأَنَّ الْمُعْسِرَ قَدْ يُوسَرُ، وَإِذَا مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، يَرْجِعُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَخَارَجَ الشَّرِيكَانِ وَأَهْلُ الْمِيرَاثِ، فَيَأْخُذُ هَذَا عَيْنًا وَهَذَا دَيْنًا فَإِنْ تَوَى لأَحَدِهِمَا، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ. بَابُ ضَمَانِ الدَّيْنِ 2153 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»، قَالُوا: لَا، قَالَ: «هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟» قَالُوا: لَا فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ

صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»، قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ: «هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟»، قَالُوا: ثَلاثَةُ دَنَانِيرَ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالَثَةِ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: «هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟»، قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟»، قَالُوا: ثَلاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ عَنِ الْمَيِّتِ، سَوَاءً تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَتْرُكْ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَخْلِفْ وَفَاءً، وَالاتِّفَاقُ لَوْ ضَمِنَ عَنْ حَيٍّ مُعْسِرٍ دَيْنًا، ثُمَّ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ الضَّمَانُ بِحَالِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُنَافِ مَوْتُ الْمُعْسِرِ دَوَامَ الضَّمَانِ لَا يُنَافِي ابْتَدَاءَهُ. 2154 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حدَّثني يَحْيَى بْنُ بَكِيرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ المُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسَألُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟ فإنْ

حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً، صَلَّى، وَإِلا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبُكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الفُتُوحَ، قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تَوَفَّى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالا، فَلِوَرَثَتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُقَيْلٍ. 2155 - أَنا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْجَوْهَرِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيُّ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَتَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «هَلْ عَلَى صَاحِبُكُمْ دَيْنٌ؟» قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «هَلْ تَرَكَ لَهُ مِنْ وَفَاءٍ» قَالُوا: لَا، قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»، قَالَ عَلِيُّ بْنُ

أَبِي طَالِبٍ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَقَالَ: «جَزَاكَ اللَّهُ يَا عَلِيُّ خَيْرًا، كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ فَكَّ رِهَانَ أَخِيهِ إِلا فَكَّ اللَّهُ رِهَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ مِنَ النَّارِ، كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ، لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقْضِي عَنْ أَخِيهِ دَيْنَهُ إِلا فَكَّ اللَّهُ رِهَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَأَجَازَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْكَفَالَةَ بِالْبَدَنِ، وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلا فِي الْحُدُودِ، وَقَالَ جَرِيرٌ، وَالأَشْعَثُ، لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُرْتَدِّينَ: اسْتَتَبْهُمْ وَكَفَّلْهُمْ، فَتَابُوا، وَكَفَّلَهُمْ عَشَائِرَهُم. وَقَالَ حَمَّادٌ: إِذَا تَكَفَّلَ بِنَفْسٍ، فَمَاتَ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَكَمُ: يَضْمَنُ.

باب الشركة

بَابُ الشَّرِكَةِ قَالَ جَابِرٌ: اشْتَرَكْنَا، كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ. 2156 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ. قَوْلُهُ: «أَرْمَلُوا» أَيْ: فَنِيَتْ أَزْوَادُهُمْ، يُقَالُ: أَرْمَلَ الْقَوْمُ، فَهُمْ مُرْمِلُونَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُنَاهَدَةِ، وَخَلْطِ الأَزْوَادِ فِي الأَسْفَارِ، وَلَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النِّهْدِ بَأْسًا، يَأْكُلُ هَذَا بَعْضًا وَهَذَا بَعْضًا.

2157 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَنا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " قَالَتِ الأنْصَارُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ: لَا. فَقَالُوا: تَكْفُونَا المُئُونَةَ وَنَشْرَكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وأَطَعْنَا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: الشَّرِكَةُ عَلَى وُجُوهٍ: شَرِكَةٌ فِي الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ جَمِيعًا، بِأَنْ وَرِثَ جَمَاعَةٌ مَالا أَوْ مَلَكُوهُ، بِشِرَاءٍ أَوِ اتِّهَابٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ خَلَطُوا مَالا يَتَمَيَّزُ. وَشَرِكَةٌ فِي الأَعْيَانِ دُونَ الْمَنَافِعِ، بِأَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَنْفَعَةِ دَارِهِ أَوْ عَبْدِهِ، وَمَاتَ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الْوَرَثَةِ، فَالْعَيْنُ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَالْمَنْفَعَةِ لِلْمُوصَى لَهُ. وَشَرِكَةٌ فِي الْمَنَافِعِ دُونَ الأَعْيَانِ، بِأَنِ اسْتَأْجَرَ جَمَاعَةٌ دَارًا، أَوْ وُقِفَ شَيْءٌ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَالْمَنْفَعَةُ لَهُمْ دُونَ الْعَيْنِ.

وَشَرِكَةٌ فِي الْحُقُوقِ وَفِي الأَبْدَانِ، مِثْلَ حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقصَاصِ يَرِثُهُ جَمَاعَةٌ. وَشَرِكَةٌ فِي حُقُوقِ الأَمْوَالِ، كَالشُّفْعَةِ تَثْبُتُ لِجَمَاعَةٍ، فَالشَّرِكَةُ فِي الأَعْيَانِ قَابِلَةٌ لِلْقِسْمَةِ إِنِ احْتَمَلَتِ الْعَيْنُ الْقِسْمَةَ، وَقِسْمَةُ الْمَنَافِعِ تَكُونُ بِالْمهَايَاةِ يَسْتَوْفِيهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، ثُمَّ يَسْتَوْفِي الآخَرُ بِقَدْرِهِ. وَنَوْعٌ آخَرُ مِنَ الشَّرِكَةِ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْمُعَامَلاتِ، وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ، أَحَدُهُمَا: شَرِكَةُ الْعِنَانِ، وَهِيَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَيَخْلِطَا، ثُمَّ يَأْذَنُ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ، فَمَا يَحْصُلُ مِنَ الرِّبْحِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، فهَذَا النَّوْعُ مِنَ الشَّرِكَةِ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَ أَنْ يَتَّفِقَ صِفَةُ الْمَالَيْنِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: شَرِكَةُ الْوُجُوهِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَا مِنْ غَيْرِ مَالٍ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا فِي الذِّمَّةِ وَيَبِيعَا، فَمَا يَحْصُلُ مِنَ الرِّبْحِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا. وَالثَّالِثُ: شَرِكَةُ الأَبْدَانِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ مُحْتَرِفَانِ عَلَى أَنْ يَعْمَلا، فَمَا يَحْصُلُ مِنَ الرِّبْحِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِمَا، فَأَبْطَلَهُمَا الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَجَازَهُمَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ، سَوَاءً اتَّفَقَتْ حِرْفَةُ الْمُحْتَرِفِينَ، أَوِ اخْتَلَفَتَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: اشْتَرَكْتُ أَنَا، وَعَمَّارٌ، وَسَعْدٌ، فِيمَا نُصِيبُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَجَوَّزَ أَحْمَدُ الاشْتِرَاكَ فِي الاصْطِيَادِ، وَالاحْتِطَابِ. وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، أَبْطَلَهَا الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَجَازَهَا الأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِهِمَا سَوَاءً،

باب التوكيل

ثُمَّ مَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا بِالشِّرَاءِ يُشَارِكُهُ الآخَرُ فِيهِ، وَإِنْ مَلَكَ بإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ لَا يُشَارِكُهُ الآخَرُ فِيهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ تَفْسُدِ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا، وَكُلُّ ضَمَانٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِغَصْبٍ أَوْ إِتْلافٍ، كَانَ الآخَرُ مُؤَاخَذًا بِهِ. بَابُ التَّوْكِيلِ 2158 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَريَ لَهُ بِهِ شَاةً، أَوْ أُضحِيَةً، فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِهِ بِالْبَرَكَةِ، فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ».

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، فَوَصَلَهُ، وَيَرْوِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَيُقَالُ: عُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ الْبَارِقِيُّ بِهَذِهِ الْقِصَّةُ أَوْ مَعْنَاهَا. وَبَارِقٌ: جَبَلٌ نَزَلَهُ بَعْضُ الأَزْدِ، ثُمَّ نَزَلَ عُرْوَةُ الْكُوفَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الْمُعَامَلاتِ، وَفِي كُلِّ مَا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ، فَقَدْ وُكِّلَ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ فِي الصَّرْفِ، وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِلَى قُهْرُمَانَهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ، أَنْ يُزَّكِيَ عَنْ أَهْلِهِ، الصَّغِيرِ والْكَبِيرِ. قَالَ الإِمَامُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي بَيْعِ عُرْوَةَ الشَّاةَ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ لَهُ فِي الْبَيْعِ، فَذَهَب بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ مَالَ الْغَيْرِ دُونَ إِذْنِهِ، يَكُونُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ، فَإِنْ أَجَازَ صَحَّ، وَيُحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجُوِّزْ، وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ وَكَالَتَهُ كَانَتْ وَكَالَةَ تَفْوِيضٍ وَإِطْلاقٍ، وَالْوَكِيلُ الْمُطْلَقُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَيَكُونُ تَصْرَفُّهُ صَادِرَا عَنْ إِذْنِ الْمَالِكِ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ لِلْوَكِيلِ أَجْرًا مَعْلُومًا عَلَى عَمَلِهِ، كَانَ ابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالْحَسَنُ، لَا يَرَوْنَ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ، فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ:

باب العارية

إذَا قَالَ: بِعْ بكَذَا، فَمَا كَانَ مِنَ الرِّبْحِ فَلَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَلا بَأْسَ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ». بَابُ العَارِيَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7]، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَارِيَةَ الدَّلْوِ وَالْقِدرِ. 2159 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: "

دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَيْهَا دِرْعُ قِطْرٍ ثَمَنُ خَمَسَةُ دَرَاهِمَ، فَقَالَتِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَارِيَتي، انْظُرْ إلَيْها، فإنَّها تُزْهَى أَنْ تَلْبسَهُ فِي الْبَيْتِ، وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ إِلا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. الْقِطْرُ: ضَرْبٌ مِنَ الْبُرُودِ غَلِيظٌ. وَقَوْلُهَا «تُزْهَى» أَيْ: تَأْنَفُ وَتَتَكَبَّرُ، يُقَالُ: زَهِيَ الرَّجُلُ يُزْهَى: إِذَا دَخَلَهُ الزَّهْوُ، وَهُوَ الْكِبْرُ، قَوْلُهَا: «تُقَيَّنُ»، أَيْ تُزيَّنُ، يُقَالُ: قَيَّنَ الْعَرُوسَ: إِذَا زَيَّنَهَا، وَالْقِينَةُ الَّتِي تُزَيَّنُ الْعَرَائِسَ، وَالْقِينَةُ: الْمَاشِطَةُ، وَالْقِينَةُ: الْمُغَنِّيَةُ، وَالْقِينَةُ: الأَمَةُ، وَالْقَيْنُ: الْعَبْدُ. 2160 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يَقُولُ: " كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ، يُقَالُ لَهُ: الْمَنْدُوبُ فَرَكِبَ، فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ جَوَازُ اسْتِعَارَةِ الْفَرَسِ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْنٍ أَمْكَنَ الانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا يَجُوزُ إِعَارَتُهَا. وَقَوْلُهُ: «وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا» يُرِيدُ: مَا وَجَدْنَاهُ إِلا بَحْرًا، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، وَحَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ «إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ» أَيْ: مَا هَذَانِ إِلا سَاحِرَانِ. وَأَرَادَ بِهِ الْفَرَسَ، شَبَّهَهُ بِالْبَحْرِ، أَيْ: إِنَّ جَرْيَهُ كَجَرْيِ الْبَحْرِ، أَوْ أَنَّهُ يَسْبَحُ فِي جَرْيِه كَالْبَحْرِ إِذَا مَاجَ. وَفِيهِ إِبَاحَةُ التَّوَسُّعِ فِي الْكَلامِ، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِيهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ جَمِيعَ أَوْصَافِهِ، وَفِيهِ إِبَاحَةُ تَسْمِيَةِ الدَّوَابِّ، وَكَانَ مِنْ عَادَةِ

الْعَرَبِ تَسْمِيَةِ الدَّوَابِّ، وَأَدَاةُ الْحَرْبِ، بِاسْمٍ يُعْرَفُ بِهِ إِذَا طُلِبَ سِوَى الاسْمِ الْجَامِعِ. وَكَانَ سَيْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّى ذَا الْفقَارِ، وَرَايَتُهُ الْعُقَابُ، وَدِرْعُهُ ذَاتُ الفُضُولِ، وَبَغْلَتُهُ دُلْدُلُ، وَبَعْضُ أَفْرَاسِهِ السِّكْبُ، وَبَعْضُهَا الْبَحْرُ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطِنَا فَرَسٌ، يُقَالُ لَهُ: اللَّحِيفُ، وَيُرْوَى اللَّخِيفُ، وَيُقَالُ: سُمِّيَ الْفَرَسُ اللَّحِيفُ لِطُولِ ذَنَبِهِ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ: كَأَنَّهُ كَانَ يَلْحَفُ الأَرْضَ بِذَنَبِهِ، أَيْ: يُغَطِّيهَا. وَقَالَ مُعَاذٌ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ، يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرُ، وَكَانَتْ نُوقُهُ تُسَمَّى الْقَصْوَاءُ، وَالْعَضْبَاءُ، وَالْجَدْعَاءُ. قَالَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ: إِنَّمَا يُرَادُ بِتَسْمِيَةِ مَا وَصَفْنَا فِيمَا نَرَى إِيجَازُ الْكَلامِ، لأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ فِي مَرْبَطِهِ الْخَيْلُ الْكَثِيرَةُ، وَالسُّيُوفُ الْكَثِيرَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ، فَإِذَا طُلِبَ بِاسْمٍ يُعْرَفُ بِهِ كَانَ أَوْجَزَ وَأَخَفَّ مِنْ أَنْ يُطْلَبَ بِالاسْمِ الْجَامِعِ، فَيُقَالُ: أَيُّهَا؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ ذَلِكَ الاسْمَ، فَيَكُونُ أَيْمَنَ لَهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى بَغْلَتَهُ الدُّلْدُلَ، وَهُوَ طَائِرٌ، وَحِمَارَهُ الْيُعْفُورَ وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ، لأَنَّهُمَا أَخَفُ وَأَسْرَعُ مِنَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَسَمَّى بَعْضَ خَيْلِهِ جَنَاحًا، وَبَعْضَهَا السِّرْحَانَ وَهُوَ الذِّئْبُ، لأَنَّ ذَا الْجَنَاحِ وَالسِّرْحَانِ أَخَفُ وَأَسْرَعُ مِنَ الْخَيْلِ، وَسَمَّى رَايَتَهُ الْعُقَابَ لِسُرْعَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى الصِّيدِ، وَيُقَالُ: كَانَتْ رَايَتُهُ الْعُقَابُ قِطْعَةً مِنْ مِرْطٍ أَسْوَدَ،

باب ضمان العارية

وَكَانَ لِوَاؤُهُ أَبْيَضَ، وَيُرْوَى: كَانَ اسْمُ رِدَائِهِ الْفَتْحَ، وَاسْمُ غَنَمِهِ غَيْثَةٌ وَبَرَكَةٌ، لِيَكْثُرَ لَبَنُهَا، وَيُبَارَكَ فِيهَا، وَيُرْوَى أَنَّ اسْمَ جَارِيَتِهِ خَضِرَةٌ. بَابُ ضَمَانِ الْعَارِيَةِ 2161 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَيْرَبَنْدِ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ التَّمَّارُ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالا: نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْهُ أَدْرَاعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «بَلْ عَارِيَةٌ مَضُمُونَةٌ». 2162 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَيْرَبَنْدِ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ،

أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ، نَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْعَارِيَةُ مُؤداةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، والدَّيْنُ مَقْضِيٌ، والزَّعِيمُ غَارِمٌ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ضَمَانِ الْعَارِيَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، إِلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ، إِلا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهَا، فَيَضْمَنُ بالتَّعَدِّي، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ ظَهَرَ هَلاكُهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ خَفِيَ هَلاكُهُ ضَمِنَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا لِلانْتِفَاعِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَتَعَدَّى فَيَضْمَنَ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث صَفْوَانَ: «بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ» لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ، لأَنَّ مَا يَكُونُ أَمَانَةً لَا يَصِيرُ بِالشَّرْطِ مَضْمُونًا كَالْوَدَائِعِ، وَلَكِنْ كَانَ صَفْوَانُ جَاهِلا بِحُكْمِ الإِسْلامِ، فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ حُكْمَ الإِسْلامِ ضَمَانُ الْعَارِيَةِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: «العَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ» دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ أَدَاءِ عَيْنِهَا عِنْدَ قِيَامِهَا، وَأَدَاءِ قِيمَتِهَا عِنْدَ هَلاكِهَا. وَقَوْلُهُ: «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ» فَالْمِنْحَةُ: مَا يَمْنَحُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ مِنْ أَرْضٍ يَزْرَعُهَا مُدَّةً، أَوْ شَاةٍ يَشْرَبُ دَرَّهَا، أَوْ شَجَرَةٍ يَأْكُلُ ثَمَرَهَا، ثُمَّ يَرُدُّهَا فَتَكُونُ مَنْفَعَتُهَا لَهُ، وَالأَصْلُ فِي حُكْمِ الْعَارِيَةِ، عَلَيْهِ رَدُّهَا. وَأَجْزَاءُ الْعَارِيَةِ إِذَا تَلِفَتْ بِالاسْتِعْمَالِ لَا يَجِبُ ضَمَانُهَا، لأَنُّه مَأْذُونٌ فِي إِتْلافِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُؤْنَةِ رَدِّ الْعَارِيَةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَقَوْلُهُ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فَالزَّعِيمُ: الْكَفِيلُ، فَكُلُّ مَنْ تَكَفَلَّ دَيْنًا عَنِ الْغَيْرِ، عَلَيْهِ الْغُرْمُ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَلى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حتَّى تُؤَدِّي» ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ نَسِيَ، قَالَ: هُوَ أَمِينُكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

باب الغصب

بَابُ الغَصْبِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النِّسَاء: 29]. 2163 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الأنْصَاريَّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنِ النُّهْبَى والْمُثْلَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ: هُوَ جَدُّ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَبُو أُمِّهِ. 2164 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ،

باب إثم من غصب أرضا

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا». وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَتَتَأَوَّلُ النُّهْبَى فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْجَمَاعَةِ يَنْتَهِبُونَ الْغَنِيمَةَ، فَلا يُدْخِلُونَهُ فِي الْقَسْمِ، وَالْقَوْمُ يُقَدَّمُ إِلَيْهِمُ الطَّعَامُ فَيَنْتَهِبُونَهُ، فَكُلٌّ يَأْخُذُ بِقَدْرِ قُوَّتِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِلا فَنَهْبُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مُحَرَّمٌ لَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ، وَمَنْ فَعَلَهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ وَالزَّجْرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ إِثْمِ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا 2165 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ،

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، طوَّقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ. قَوْلُهُ: «طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» قِيلَ: أَرَادَ طَوْقَ التَّكْلِيفِ لَا طَوْقَ التَّقْلِيدِ، وَهُوَ أَنْ يُطَوَّقَ حَمْلَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ يَخْسِفُ بِهِ الأَرْضَ، فَتَصِيرُ الْبُقْعَةُ الْمَغْصُوبَةُ فِي عُنُقِهِ كَالطَّوْقِ، وَهَذَا أَصَحُّ، لِمَا 2166 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُف، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، نَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سبْعِ أَرَضينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

باب من غرس أرض غيره بغير إذنه

بَابُ مَنْ غَرَسَ أَرْضَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ 2167 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْمَيْرَبَنْدِ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَرَذِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً، فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ». قَالَ الْجُمَحِيُّ: قَالَ هِشَامٌ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ، أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ إِلَى أَرْضٍ قَدْ أَحْيَاهَا رَجُلٌ قَبْلَهُ، فَيَغْرِسُ فِيهَا، أَوْ يُحْدِثُ فِيهَا شَيْئًا، لِيَسْتَوْجِبَ بِهِ الأَرْضَ، هَذَا الْكَلامُ أَوْ نَحْوُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا التَّفْسِيرُ فِي الْحَدِيثِ، وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ حَدِيثٌ آخَرُ سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ عَوَّامٍ، يُحَدِّثُهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ،

عَنْ أَبِيهِ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ، أَنَّ رَجُلا غَرَسَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ نَخْلا، فَاخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى لِلأَنْصَارِيِّ بِأَرْضِهِ، وقَضَى عَلَى الآخَرِ أَنْ يَنْزِعَ نَخْلَهُ، قَالَ: «فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا يُضْرَبُ فِي أُصُولِهَا بِالْفُئُوسِ وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عَمٌّ». قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: «نَخْلٌ عَمٌّ»: هِيَ التَّامَّةُ فِي طُولِهَا وَالْتِفَافِهَا، وَوَاحِدَتُهَا: عَمِيمَةٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ: عَمِيمَةٌ إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فِي خَلْقِهَا. قَالَ الإِمَامُ: مَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا أَوْ غَرَسَهَا، قُلِعَ زَرْعُهُ وَغِرَاسُهُ، وَلا شَيْءَ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الأَرْضِ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهَا، وَضَمَانُ نُقْصَانِ دَخْلِ الأَرْضِ بِالْغَرْسِ أَوِ الْقَلْعِ، وَإِنْ أَدْرَكَ الزَّرْعَ، فَهُوَ لِمَنْ كَانَ الْبِذْرُ لَهُ، لأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ، عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا حُصِدَ الزَّرْعُ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الأَرْضِ، وَلِلزَّارِعِ الأُجْرَةُ، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ»، وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: لَا أَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ إِلا بِرِوَايَةِ شَرِيكٍ، وَيُحْكَى، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: زَادَ أَبُو إِسْحَاقَ فِيهِ «بِغَيْرِ إِذْنِهِ» وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ هَذَا الْحَرْفَ.

باب من حلب ماشية الغير بغير إذنه

قَالَ الإِمَامُ: إِنْ ثَبَتَ قَوْلُهُ: «بِغَيْرِ إذْنِهِ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: «لَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ» عَلَى سَبِيلِ الْعُقُوبَةِ وَالْحِرْمَانِ لِظُلْمِهِ وَغَصْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ، فَمَنْ زَرَعَ أَرْضَ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْبِذْرُ مِنَ الزَّارِعِ، فَمَا حَصَلَ فَلَهُ، وَإِنْ كَانَ الْبِذْرُ مِنْ مَالِكِ الأَرْضِ، فَمَا حَصَلَ فَلِمَالِكِ الأَرْضِ، وَلِلْزَارِعِ أَجْرُ عَمَلِهِ. وَلَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ، فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ، وَالْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلا فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ الْعَيْنَ وَلَوْ هَلَكَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ خَاصَمَهُ الْمَالِكُ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ يَدِهِ بِالْبَيِّنَةِ، رَجَعَ هُوَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ الْغَاصِبِ. رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَتَّبعُ البيِّعُ مَنْ بَاعَ». بَابُ مَنْ حَلَبَ مَاشِيَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ 2168 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ

تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟ فإنَّما تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فَلا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَالْمَشْرُبَةِ كَالْغُرْفَةِ يُوضَعُ فِيهَا الْمَتَاعُ، وَرُوِيَ «فَينتثل طَعَامُهُ» بِالثَّاء، أَيْ: يُسْتَخْرَجُ، وَيُقَالُ لِلتُّرَابِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْبِئْرِ: نَثِيلٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: «نَثَلَ مَا فِي كِنَانَتِهِ» أَيْ: صَبَّهَا وَنَثَرَهَا. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِبَ مَاشِيَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ، وَمَالِكُهَا غَيْرُ حَاضِرٍ، فَلَهُ أَنْ يَحْلِبَهَا وَيَشْرَبَ وَيَضْمَنَ لِلْمَالِكِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَطْعِمَةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَهُ لَهُ، كَمَا لَوْ أَكَلَ مَالَ نَفْسِهِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى إِبَاحَتِهِ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ، إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَالِكُ حَاضِرًا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ حَلَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَنًا مِنْ غَنَمِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَرْعَاهَا عَبْدٌ لَهُ، وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ فِي مَخْرَجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ،

وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُها فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ، فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا، فَلْيُصوِّتْ ثَلاثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ أَحَدٌ، فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلا يَحْمِلْ». وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ صَحِيفَةِ سَمُرَةَ. وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لابْنِ السَّبِيلِ فِي أَكْلِ ثِمَارِ الْغَيْرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ دَخَلَ حَائِطًا، فَلْيَأْكُلْ وَلا يَتَّخِذْ خُبْنَةً» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: «مَنْ

باب الماشية إذا أتلفت مال الغير

أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ». وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُبَاحُ إِلا بِإِذْنِ الْمَالِكِ، إِلا لِضَرُورَةِ مَجَاعَةٍ يَأْكُلُهَا بِالضَّمَانِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَالِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ، وَرَدُّ الشَّيْءِ إِلَى نَظِيرِهِ حَيْثُ شَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُرُوعَ الْمَوَاشِي فِي حِفْظِ اللَّبَنِ بِالْغُرْفَةِ الَّتِي يَحْفَظُ فِيهَا الإِنْسَانُ مَتَاعَهُ، وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَى مَنْ حَلَبَ لَبَنًا مُسْتَرْسَلا مِنَ الْمَاشِيَةِ فِي مَرَاحِهَا، أَوْ مِنَ الرَّاعِيَةِ إِذَا كَانَتْ مَحْرُوسَةً حِرَاسَةَ مِثْلِهَا، كَمَا لَوْ سَرَقَ مَتَاعًا مِنَ الْغُرْفَةِ. بَابُ الْمَاشِيَةِ إذَا أَتْلَفَتْ مَالَ الغَيْرِ 2169 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو

إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعدِ بْنِ مُحيصة، «أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا، فَأَفْسَدَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا». قَوْلُهُ: ضَامِنٌ، أَيْ: مَضْمُونٌ عَلَى أَهْلِهَا. قَالَ الإِمَامُ: ذَهَبَ إِلَى هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَاشِيَةُ بِالنَّهَارِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ، فَلا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهَا، وَمَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ، يَضْمَنُهُ رَبُّهَا، لأَنَّ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَوَائِطِ وَالْبَسَاتِينِ يَحْفَظُونَهَا بِالنَّهَارِ، وَأَصْحَابَ الْمَوَاشِي يُسَرِّحُونَهَا بِالنَّهَارِ، وَيَرُدُّونَهَا بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَرَاحِ، فَمَنْ خَالَفَ هَذِهِ الْعَادَةَ، كَانَ خَارِجًا عَنْ رُسُومِ الْحِفْظِ إِلَى حَدِّ التَّضْيِيعِ، هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُ الدَّابَّةِ مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْهُ سَوَاءً كَانَ رَاكِبُهَا، أَوْ سَائِقُهَا، أَوْ قَائِدُهَا، أَوْ كَانَتْ وَاقِفَةً، وَسَوَاءً أَتْلَفَتْ بِيَدِهَا، أَوْ رِجْلِهَا، أَوْ فَمِهَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، إِلَى أَنَّ الْمَالِكِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا، فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَيْلا كَانَ أَوْ نَهَارًا، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» وَهَذَا حَديثٌ عَامٌّ خَصَّهُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ مَعَهَا، قَالُوا: إِنْ كَانَ يَسُوقُهَا، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ كَانَ قَائِدَهَا أَوْ رَاكِبَهَا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْ بِفَمِهَا أَوْ يَدِهَا، وَلا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْ بِرِجْلِهَا، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الرِّجْلُ جُبَارٌ» وَهَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ مَعْرُوفٌ بِسُوءِ الْحِفْظِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا لَا يُضَمِّنُونَ مِنَ النَّفْحَةِ، وَهِيَ الرَّمْيَةِ بِالرِّجْلِ، وَيُضَمِّنُونَ مِنْ رَدِّ الْعِنَانِ، وَقَالَ حَمَّادٌ: لَا تُضْمَنُ النَّفْحَةُ إِلا أَنْ يَنْخُسَ إِنْسَانٌ الدَّابَةَ، قَالَ الْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ: إِذَا سَاقَ الْمكاري حِمَارًا عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَتَخِرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إذَا سَاقَ دَابَّةً فَأْتعَبَهَا، فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصابَتْ، وَإنْ كَانَ خَلْفَهَا مُتَرَسِّلا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ غَلَبْتُهُ الدَّابَّةُ، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا، فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلانِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، والْبِئْرُ جُبَارٌ» وَأَرَادَ بِالْمَعْدِنِ، وَالْبِئْرِ: أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ قَوْمًا لِيَعْمَلُوا فِي مَعْدِنٍ لَهُ، فَانْهَارَ الْمَعدِنُ عَلَيْهِمْ، أَوِ اسْتَأْجَرَ رَجُلا لِيَحْفُرَ لَهُ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ، فَانْهَارَتْ عَلَيْهِ، فَدِمَاؤُهُمْ هَدَرٌ، لأَنَّهُمْ أَعَانُوا عَلَى قَتْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْبِئْرِ أَنْ يَحْفِرَ الرَّجُل بِئْرًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ، فَتَرَدَّى فِيهَا إِنْسَانٌ فَهَلَكَ، فَهُوَ هَدَرٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي دَارِهِ بِئْرٌ، فَأَذِنَ لإِنْسَانٍ بِدُخُولِهَا فَدَخَلَ فَسَقَطَ فِيهَا، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَكُونَ لَيْلا، أَوِ الدَّاخِلِ أَعْمَى، أَوْ كَانَتْ مُغَطَّاةً، وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا ضَمِنَ الدِّيَةَ عَاقِلَتُهُ وَلا قَوَدَ. وَرُوِيَ «وَالنَّارُ جُبَارٌ» قِيلَ: هُوَ تَصْحِيفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ «الْبِئْرُ جُبَارٌ»، وَإِنْ صَحَّ، فَتَأْوِيلُهُ النَّارُ يُوقِدُهَا الرَّجُلُ فِي مِلْكِهِ، فَتَطِيرُ بِهَا الرِّيحُ إِلَى مَالٍ لِغَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّهَا، فَهُوَ هَدَرٌ. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا إِذَا أَوْقَدَهَا فِي وَقْتِ سُكُونِ الرِّيحِ، ثُمَّ هَبَّتِ الرِّيحُ، فَإِنْ أَوْقَدَ فِي أَرْضٍ فَلاةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ فِي وَقْتِ هُبُوبِ الرِّيَاحِ وَلا

باب الشفعة

حَائِلَ ثُمَّ يَمْنَعُهَا مِنْ أَنْ تَطَيِّرَهَا الرِّيحُ، فَتُصِيبُ زَرْعَ الْغَيْرِ، فَيَضْمَنُ، كَمَا لَوْ رَمَى مِنْ مِلْكِهِ نَارًا إِلَى مَالِ الْغَيْرِ فَأَحْرَقَهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى قَوْلِهِ «الْمَعْدِنُ جُبَارٌ»: وَهَذَا أَصْلٌ لِكُلِّ عَامِلٍ عَمِلَ عَمَلا بِكِرَاءٍ، فَعَطِبَ فِيهِ أَنَّهُ هَدَرٌ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنِ اسْتَعْمَلَهُ، إِلا أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً، ضَمِنَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ مِن الدِّيَّةِ، وَمِنْ هَذَا لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ هَدَمَا حَائِطًا، فَسَقَطَ عَلَيْهِمَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا، كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي لَمْ يَمُتْ نِصْفُ الدِّيَّةِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَيَسْقُطُ النِّصْفَ، لأَنَّ الْمَيْتَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ. وَلَوْ مَالَ حَائِطٌ إِلَى الطَّرِيقِ، فَسَقَطَ فَأَصَابَ إِنْسَانًا، لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إِلا أَنْ يَبْنِيَهُ مَائِلا، فَيَضْمَنُ، لأَنَّ الْمَيْلَ حَادِثٌ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِيهِ تَعَدٍّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، وَأَشْهَدَ، فَلَمْ يَهْدِمْ حَتَّى سَقَطَ، ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. بَابُ الشُّفْعَةِ 2170 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، أَنا أَبُو مَسْعُودٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الْخَطِيبُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فَلا شُفْعَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مَعْنَاهُ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرٍ. 2171 - أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِفَت الطُّرُقُ، فَلا شُفْعَةَ». وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: «فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَم».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قِيلَ: الشُّفْعَةُ اشْتِقَاقُهَا مِنَ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ أَنْ يَضُمَّ الْمَأْخُوذَ إِلَى مَا عِنْدَهُ فَيشفعه، أَيْ: يَزِيدُهُ. قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ فِي الرَّيْعِ الْمُنْقَسِمِ، إِذَا بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَلِلْبَاقِينَ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، وَإِنْ بَاعَ بِشَيْءٍ مُتَقَوَّمٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ، فَيَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ مَا بَاعَهُ بِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنْ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ، وَأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْمَشَاعِ دُونَ الْمَقْسُومِ، هَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرِهِمْ، إِلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ، قَالُوا: الشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا 2172 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ،

عَنْ أَبِي رَافِعٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ. والسَّقَبُ: الْقُرْبُ، بِالسِّينِ وَالصَّادِ. يُرِيدُ بِمَا يَلِيهِ، وَبِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الشُّفْعَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الشُّفْعَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْبِرِّ وَالْمَعُونَةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكَ بَابًا»، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الشُّفْعَةَ، فَيُحْمَلُ الْجَارُ عَلَى الشَّرِيكِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، وَاسْمُ الْجَارِ قَدْ يَقَعُ عَلَى الشَّرِيكِ، لأَنَّهُ يُجَاوِرُ شَرِيكَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مُجَاوَرَةِ الْجَارِ، فَإِنَّ الْجَارَ لَا يُسَاكِنُهُ، وَالشَّرِيكُ يُسَاكِنُهُ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرِكَةِ. قَالَ الإِمَامُ: يَدلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَحَقُّ» وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ أَحَقَّ مِنْهُ، وَالشَّرِيكُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ أَحَقَّ مِنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ

غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَتَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا، وَأَبُو سَلَمَةَ حَافِظٌ، وَكَذَلِكَ أَبُو الزُّبَيْرِ، وَلا يُعَارَضُ حَدِيثُهُمَا بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَيَحْتَجُّ مَنْ يُثْبِتُ الشُّفْعَةَ فِي الْمَقْسُومِ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مُشْتَرِكًا بِهَذَا، وَبِقَوْلِهِ: «إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ،

باب عرض الدار على الشريك قبل البيع

وَصُرِفَتِ الطُّرُقِ»، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الطَّرِيقُ فِي الْمَشَاعِ، فَإِنَّ الطَّرِيقَ فِي الْمَشَاعِ يَكُونُ شَائِعًا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَدْخُلُ مِنْ حَيْثُ يَشَاءُ، فَإِذَا قُسِّمَ الْعَقَارُ بَيْنَهُمْ، مَنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَطَرَّقَ شَيْئًا مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ، فَتَصِيرُ الطَّرِيقُ بِالْقِسْمَةِ مَصْرُوفَةً. وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ بِئْرٌ أَوْ حَمَّامٌ أَوْ طَاحُونَةٌ، لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَلا شُفْعَةَ لِلآخَرِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، لأَنَّ الشُّفْعَةَ لِدَفْعِ مَؤُنَةِ الْمُقَاسَمَةِ، وَلا يَلْحَقُهُ هَهُنَا مَؤُنَةُ الْمُقَاسَمَةِ، وَعِنْدَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ تَثْبُتُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ لِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا يَتَأَبَّدُ ضَرَرُهُ كَمَا فِي الْمُنْقَسِمِ. وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ لِلذِّمِّيِّ. بَابُ عَرْضِ الدَّارِ عَلَى الشَّرِيكِ قَبْلَ الْبَيْعِ 2173 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ شَرِيكًا فِي رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى

يُؤذِنَ شَرِيكَهُ، فَإنْ رَضِيَ أَخَذَهُ وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، عَنْ زُهَيْرٍ. الرَّبْعُ وَالرَّبْعَةُ: الْمَنْزِلُ الَّذِي يَرْبَعُ بِهِ الإِنْسَانُ وَيتوطنه. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ رِبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ»، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةِ لَا تَثْبُتُ إِلا فِي الْعَقَارِ وَالأَرَاضِي، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَشْجَارٌ وَأَبْنِيَةٌ، فَيَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ أَخْذُها تَبَعًا لِلأَرْضِ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الشُّفْعَةِ تَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الأَمْوَالِ الْمُشْتَرِكَةِ مِنَ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهَا، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّرِيكُ شَفِيعٌ، وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ مُسْنَدًا، إِنَّمَا هُوَ عَنِ ابْنِ مُلَيْكَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْتَالَ لإِبْطَالِ حَقِّ الشَّفِيعِ، وَإِذَا أَرَادَ الْبَيْعُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْرِضَ عَلَى الشَّرِيكِ، فَإِنْ رَغِبَ فِيهِ، لَمْ يَخْتَرْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَلَوْ أَخْبَرَهُ فَتَرَكَ أَوْ عَفَا عَنِ الشُّفْعَةِ، فَلا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّهُ عَنِ

باب وضع الخشب على جدار الجار

الشُّفْعَةِ، لأَنَّهُ عَفْوٌ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ، فَإِذَا بِيعَ، فَلَهُ أَخْذُهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الْحَكَمُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَلا شُفْعَةَ لَهُ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَنْ بِيعَتْ شُفْعَتُهُ وَهُوَ شَاهِدٌ لَا يُغَيِّرُهَا، فَلا شُفْعَةَ لَهُ، أَمَّا بَعْدَ الْبَيْعِ إِذَا عَلِمَ بِهِ الشَّفِيعُ، فَالأَخْذُ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ أَخَّرَ مَعَ الإِمْكَانِ بَطل حَقُّهُ، وَقِيلَ: لَا يُبْطُلُ مَا لَمْ يَمْضِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ أَبَدًا مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ غَائِبًا لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ. بَابُ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ 2174 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ». قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا بَنَى الرَّجُلُ بِنَاءً، فَاحْتَاجَ فِيهِ إِلَى أَنْ يَضَعَ رَأْسَ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ، فَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْجَارُ عَلَيْهِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَالاسْتِحْبَابِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيدِ: هَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ، وَكَانَ سَمُرَةُ يَدْخُلُ إِلَى نَخْلِهِ، فَيَتَأَذَّى بِهِ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ، فَأَبَى، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَهُ، فَأَبَى، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى، قَالَ: «فَهَبْهُ لَهُ وَلَكَ كَذَا وَكَذَا» أَمْرًا رَغَّبَهُ فِيهِ، فَأَبَى، فَقَالَ: «أَنْتَ مُضَارُّ» وَقَالَ لِلأَنْصَارِيِّ: «اذْهَبْ فَاقْلَعْ نَخْلَهُ». قَوْلُهُ: «عَضُدٌ» أَيْ: طَرِيقَةٌ مِنَ النَّخْلِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ عَضِيدٌ، وَالْعَضِيدُ مِنَ النَّخْلِ: مَا لَمْ يَطُلْ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ، إِذَا صَارَ لِلنَّخْلَةِ جِذٌ يُتَنَاوَلُ مِنْهُ، فَهُوَ عَضِيدٌ، وَهَذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الرَّدْعِ عَنِ الإِضْرَارِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ، لأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَلَعَ نَخْلَهُ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ

بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ، خَلِيجًا لَهُ مِنَ الْعُرَيْضِ، فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَأَبَى مُحَمَّدٌ، فَكَلَّمَ الضَّحَّاكُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَدَعَا عُمَرُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُخلِّيَ سَبِيلَهُ، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ لَكَ مَنْفَعَةٌ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلا وَآخِرًا، وَلا يَضُرُّكَ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ، فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ. أَمَّا إِذَا اسْتَعْلَتْ شَجَرَتُهُ، فَخَرَجَتْ أَغْصَانُهَا إِلَى هَوَاءِ دَارِ الْجَارِ، أَوْ خَرَجَتْ عُرُوقُهَا إِلَى دَارِ الْجَارِ، أَمَرَ بِصَرْفِهَا، وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنِ الْجَارِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، قُطِعَ. 2175 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، نَا خَالِدُ الْحَذَّاءِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّريقِ جُعِلَ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ». وَهَذَا أَيْضًا عَلَى مَعْنَى الإِرْفَاقِ، فَإِنْ كَانَتِ السِّكَّةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ، فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لأَهْلِهَا، فَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْيِيقِهَا يَجُوزُ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَبْنِي فِيهَا بِنَاءً خَارِجًا إِلَى هَوَاءِ السِّكَّةِ، وَلا أَنْ يُضَيِّقَ مَنْفَذَهَا،

وَلا لِمَنْ ظَهَرَ دَارُهُ إِلَيْهَا أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا بَابًا إِلا بِإِذْنِ جَمَاعَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَتِ السِّكَّةُ نَافِذَةً، فَحَقُّ الْمَمَرِّ فِيهَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ بَنَى إِلَيْهَا سَابَاطًا مِنْ مُلْكِهِ، أَوْ دِكَّةً عَلَى بَابِهِ، أَوْ غَرَسَ شَجَرَةً، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِمْ مُنِعَ، كَالْقَاعِدِ فِي السُّوقِ لِلْبَيْعِ، وَيُشَبِّهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِذَا بَنَى، أَوْ قَعَدَ لِلْبَيْعِ، بِحَيْثُ يَبْقَى لِلْمَارَّةِ مِنْ عَرْضِ الطَّرِيقِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ، فَلا يَمْنَعُ، لأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُزِيلُ ضَرَرَ الْمَارَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي أَرَاضِي الْقُرَى الَّتِي تُزْرَعُ إِذَا خَرَجُوا مِنْ حُدُودِ أَرَاضِيهِمْ إِلَى سَاحَاتِهَا، لَمْ يُمْنَعُوا إِذَا تَرَكُوا لِلْمَارَّةً سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، فَأَمَّا الطُّرُقُ إِلَى الْبُيُوتِ الَّتِي يَقْتَسِمُونَهَا فِي دَارٍ يَكُونُ مِنْهَا مَدْخَلُهُمْ إِلَيْهَا، فَيَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ لَا يَضِيقُ عَنْ مَآرِبِهِمِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهَا، كَمَمَرِّ السَّقَّاءِ، وَالْحَمَّالِ، وَمَسْلَكِ الْجَنَازَةِ وَنَحْوِهَا. 2176 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيف، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَقْطَعُ السّدر، قَالَ: «يُصَبُّ عَلَيْهِ العَذَابُ»، وَقَالَ: «يُصَوَّبُ رأْسُهُ فِي النَّارِ»، قَالَ: فَسَأَلْتُ بَنِي عُرْوَةَ عَنْ ذَلِكَ،

باب المساقاة والمزارعة والمضاربة

فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عُرْوَةَ قَطَعَ سِدْرَةً كَانَتْ فِي حَائِطِهِ، فَجَعَلَ مِنْهَا بَابًا لِحَائِطٍ. قَالَ الإِمَامُ: قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً، صَوَّبَ اللَّهُ رأْسَهُ فِي النَّارِ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمَّا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ يَعْنِي: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَالْبَهَائِمِ عَبَثًا وَظُلْمًا، بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا، صَوَّبَ اللَّهُ رأْسَهُ فِي النَّارِ. بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ 2177 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ،

أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ لِيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخَيِّرُ يَهُودَ يَأْخُذُونَهُ بِذَلِكَ الْخَرَصِ، أَوْ يَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْخَرَصِ».

قَوْلُهُ: «أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا» أَيْ: يَعْمَلُوا فِي النَّخْلِ مِنْهَا، وَيَزْرَعُوا بَيَاضَ أَرْضِهَا، وَلِذَلِكَ سَمُّوا الْمُسَاقَاةَ مُعَامَلَةً. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ، وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ نَخِيلَهُ أَوْ كَرْمَهُ إِلَى رَجُلٍ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِمَا فِيهِ صَلاحُهَا وَصَلاحُ ثَمَرِهَا، عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنَ الثَّمَرِ، نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ أَوْ رُبُعٌ عَلَى مَا يَتَشَارَطَانِ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ أَبْطَلَ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالا بِقَوْلِ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ مِنَ الأَشْجَارِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ إِلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، لأَنَّ ثَمَرَهُمَا ظَاهِرٌ يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ، فَيُمْكِنُ خَرْصُهُ، وَعَلَّقَ الْقَوْلَ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الثِّمَارِ كَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالتُّفَّاحِ، لِتَعَذُّرِ خَرْصِهَا بِتَفَرُّقِ ثِمَارِهَا فِي تَضَاعِيفِ الأَوْرَاقِ. وَجَوَّزَ مَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ فِي جَمِيعِهَا، وَجَوَّزَ مَالِكٌ فِي الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ، وَجَوَّزَ أَبُو ثَوْرٍ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالرّطابِ وَالْبَاذِنْجَانِ، وَمَالَهُ ثَمَرَةٌ قَائِمَةٌ إِذَا دَفَعَ أَرْضًا وَذَلِكَ فِيهَا.

أَمَّا الْمُزَارَعَةُ: وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْبِذْرُ مِنْ مَالِكِ الأَرْضِ، وَمِنَ الزَّارِعِ الْعَمَلُ، وَشَرَطَ لَهُ جُزْأً مَعْلُومًا مِمَّا يَحْصُلُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ والرُّبُعِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، وَعُرْوَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَطَاوُسٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَحُجَّتُهُمْ مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ، وَقِيَاسًا عَلَى الْمُسَاقَاةِ وَعَلَى الْمُضَارَبَةِ، الَّتِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِهَا. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى، أَنَّ الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا كُنَّا نَرَى بِالْمُزَارَعَةِ بَأْسًا حَتَّى سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، يَقُولُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا، فَتَرَكْنَا مِنْ أَجْلِهِ». وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ الْمُزَارَعَةَ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، إِذَا كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّخِيلِ بَيَاضٌ لَا يُتَوَصَّلُ إِلَى سَقْيِ النَّخِيلِ إِلا بِسَقْيِ الْبَيَاضِ، فَإِنْ أَفْرَدَ الْمُزَارَعَةَ عَنِ الْمُسَاقَاةِ، أَوْ أُمْكِنَ سَقْيُ النَّخِيلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْقِيَ الْبَيَاضَ، لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يُجَوِّزِ الْمُخَابَرَةِ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمُسَاقَاةِ، لأَنَّ الْبِذْرَ فِي الْمُخَابَرَةِ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ، فَالْمُزَارَعَةِ: اكْتِرَاءُ الْعَامِلِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ، وَالْمُخَابَرَةِ: اكْتِرَاءُ الْعَامِلِ الأَرْضَ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.

قَالَ الإِمَامُ: وَذَهَب الأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ، وَضَعَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، لِمَا فِيهِ مِنَ الاضْطِرَابِ: مَرَّةً يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَرَّةً يَقُولُ: حَدَّثَنِي عُمُومَتِي عَنْهُ، وَصَارَ إِلَى الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي مُعَامَلَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَافِعِ، حَدِيثٌ مُجْمَلٌ، وَجَاءَ تَفْسِيرُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ رَافِعٍ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهَا مَا 2178 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، سَمِعَ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيَّ، عَنْ رَافِعٍ، قَالَ: " كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلا، وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ، لِي وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّما أَخْرَجَتْ ذِهِ، وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. 2179 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ رَبيِعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ،

عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: حَدَّثني عَمَّايَ، أَنَّهُمْ «كَانُوا يُكْرُونَ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَنبُتُ عَلَى الأَرْبَعَاءِ، أَوْ شَيْءٌ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الأَرْضِ، فَنَهَانَا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ»، فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدَّرَاهِمِ؟ فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: وَكَانَ الَّذِي نُهِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذُوُو الفَهْمِ بِالحَلالِ، وَالْحَرَامِ، لَم يُجِيزُوهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مَعْنَاهُ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ. الأَرْبِعَاءُ: جَمْعُ الرَّبِيعِ، وَهِيَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ، مِثْلُ الْجَدْوَلِ وَالسَّريِّ وَنَحْوِهِ. قَالَ الإِمَامُ: فَقَدْ أَعْلَمَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِنَ الْمُزَارَعَةِ مَا عُقِدَ عَلَى الْجَهَالَةِ أَوِ الْخَطَرِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ لِلْعَامِلِ مَا عَلَى السَّوَاقِي وَالْجَدَاوِلِ، أَوْ يَجْعَلَ حَقَّهُ فِي قِطْعَةٍ بِعَيْنِهَا، وَفِيهِ خَطَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ تِلْكَ الْقِطْعَةَ رُبَّمَا لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، أَوْ رُبَّمَا لَا تُنْبِتُ إِلا تِلْكَ الْقِطْعَةَ، فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلآخَرِ نَصِيبٌ، فَهُوَ كَمَا لَوْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ ثَمَرَةُ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا، لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَكَذَلِكَ لَو

شَرط فِي عقد الْمُضَاربَة لِلْعَامِلِ مَا يربح على الْجُزْء دون مَا يربح على غَيره لَا يَصح، وَكَذَلِكَ لَو شَرط لنَفسِهِ أَو لِلْعَامِلِ درهما من الرِّبْح، ثُمَّ الْبَاقِي بَينهمَا لَا يَصح، لِأَنَّهُ بِمَا لَا يحصُل إِلا دِرْهَم، فيستبد أَحدهمَا بِجَمِيعِهِ. 2180 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لَوْ تَرَكْتَ الْمُخَابَرَةَ، فإنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا، قَالَ: أَيْ عَمْرُو، إِنِّي أُعْطيهِمْ وأُعِينُهُمْ، وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ أَخْبَرَنِي، يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، ولَكِن قَالَ: «أَنْ يَمْنحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا». هَذَا حديثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ. فَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ تَحْرِيمُ الْمزَارَعَةِ، إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَتَمَانَحُوا أَرَاضِيَهُمْ، وَأَنْ يُرْفُقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا 2181 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ،

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ». هَذَا حديثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ الإِمَامُ: والمخابرةُ فِي معنى الْمُزَارعَة، قد جوَّزها كثيرٌ من العُلماء، وَمن ذهب إِلَى تَحْرِيم الْمُزَارعَة يحرمُ المخابرة أَيْضا. 2182 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ مُحَمَّدٌ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنَّا نُخَابِرُ، وَلا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى زَعَمَ رَافِعٌ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا، فَتَرَكْنَاهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ». هَذَا حديثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ.

وَالْمرَاد من المخابرة: الْمُزَارعَة على النّصْف وَالثلث وَنَحْوهمَا، والخبرُ والخُبرَةُ: النصيبُ، والخبير: الأكَّارُ، وتأويلُ هَذَا الْحَدِيث عِنْد من يجوزِّها مَا سبق. ورُوي عَنْ عُمَر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّهُ عَامَلَ النَّاس عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَهُ الشَّطْرُ، وَإنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ، فَلَهُمْ كَذَا ". وَقَالَ الْحَسَن: لَا بَأْس أَن تكون الأرضُ لأَحَدهمَا، فينُفقان جَمِيعًا فَمَا خرج فَهُوَ بينهُما، وَرَأى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْس أَن يُجتنى القطنُ على النّصْف، وَقَالَ إِبْرَاهِيم، وَابْن سِيرِينَ، وَعَطَاء، وَالْحكم، وَالزُّهْرِيّ، وَقَتَادَة: لَا بَأْس أَن يُعطيَ الثَّوْب على أَن ينسجَهُ بالثلثِ وَالرّبع وَنَحْوه، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد. وَقَالَ مَعمر: لَا بَأس أَنْ يُكرِيَ المَاشِيَةَ عَلَى الثُّلُثِ والرُّبُعِ، وَرُوِيَ

عَنِ ابْن نجيحٍ، عَنْ أَبِيه، قَالَ: كَانَ مَعَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ غُلَام يخدِمُه بِطَعَام بَطْنه. قَالَ الإِمَامُ: أما القِراض وَهُوَ المُضاربة، فاتفق أهلُ الْعلم على جَوَازه، وَلَا يجوزُ إِلا على الدّنانير أَو الدَّرَاهِم، وَهُوَ أَن يُعطيَ شَيْئا مِنْهَا إِلَى رجُل ليعملَ فِيهِ ويتجر، فَمَا يحصلُ من الرِّبْح، يكون بَينهمَا مُنَاصَفَة، أَو أَثلَاثًا على مَا يتشارطان، والدليلُ عَلَيْهِ مَا 2183 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ، ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، خَرَجَا فِي جَيْشٍ إِلَى العِرَاقِ، فَلَمَّا قَفَلا، مَرَّا عَلَى عَامِلٍ لِعُمَرَ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ، وَهُوَ أَمِيرُ البَصْيَرَةِ، فَقَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، هَهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، فَأُسْلِفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ العِرَاقِ، ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ المَالِ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ، فَلَمَّا قَدِمَا الْمَدِينَةَ، بَاعَا، فَرَبِحَا، فَلمَّا دَفَعَاهَا إِلَى عُمَرَ، قَالَ لَهُمَا: أَكُلِّ الْجَيْشِ قَدْ أَسْلَفَ كَمَا أَسْلَفَكُمَا؟ قَالا: لَا،

فَقَالَ عُمَرُ: ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَسْلَفْكُمَا، أَدِّيَا المَالَ وَرِبْحَهُ، فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّه، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَكَ هَذَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنينَ، لَوْ هَلَكَ المَالُ أَوْ نَقَصَ، لَضَمِنَّاهُ، فَقَالَ: أَدِّيَاهُ، فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ، وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ، يَا أَمِيرَ المُؤمِنينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا، فَأَخَذَ عُمَرُ رأْسَ المَالِ وَنِصفِ رِبْحِهِ، وَأخَذَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، نِصْفَ رِبحِ ذَلِكَ المَالِ ". قَالَ الإِمَامُ: وحديثُ الْمُسَاقَاة يدلُّ على جَوَاز مُسَاقَاة الْمُسلم الذِّمِّيّ، وَكَذَلِكَ المزارعةُ، واستدلَّ بِهِ بَعضُهم على جَوَاز مُضاربة الْمُسلم الْكَافِر، لِأَن المَال فيهمَا فِي أحد الشقين، وَالْعَمَل فِي الشق الآخر، وَمِنْهُم من كره مُضَارَبَة الْمُسلم الذِّميَّ بِخِلَاف الْمُسَاقَاة والمزارعة، لأنَّ الْعَمَل فيهمَا يتَّفق من الْمُسلم وَالذِّمِّيّ، وَفِي الْمُضَاربَة قد يتصرَّف الذِّمِّيّ فِي الْخمر وَالْخِنْزِير، ويُعامل بالربا، فيكرهُ معهُ لِهَذَا.

باب الإجارة وجواز إجارة الأراضي

قَوْله: «وَلَهُم شطرُ مَا يخرج مِنْهَا» وروى مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْن عُمَر، قَالَ: «وَلِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَطْرَ ثَمَرِهَا»، وَفِيه دَلِيل على أنَّ ربَّ الأَرْض إِذا بيَّن حصَّة نَفسه، أَو فِي الْمُضَاربَة بَيَّنَ ربُّ المَال حصةَ نَفسه، كَانَ الْبَاقِي لِلْعَامِلِ، كَمَا لَو بيَّن حصَّة الْعَامِل كَانَ الْبَاقِي لربِّ الأَرْض وَالْمَال، وَقَالَ بعضُ أهل الْعلم: إِذا بيَّن حصَّة نَفسه، لم يكن الْبَاقِي لِلْعَامِلِ، وَلَا يصِحُّ حَتَّى يبين حِصَّة الْعَامِل. وَاخْتلف أهلُ الْعلم فِي الْمضَارب إِذا خَالف ربَّ المَال، فرُوي عَنِ ابْن عُمَر، أَنَّهُ قَالَ: الرَّبحُ لربِّ المَال، وَعَن أَبِي قِلابَة وَنَافِع: الرِّبْح لربِّ المَال وَالْعَامِل ضَامِن لِلْمَالِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد فِي المودَع إِذا اتَّجر فِي مَال الْوَدِيعَة بِغَيْر إِذن الْمَالِك، وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: الرِّبْح لِلْعَامِلِ، وَيتَصَدَّق بِهِ، والوضيعة عَلَيْهِ، وَهُوَ ضَامِن لرأس المَال، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِن اشْترى بِعَين مَال الْقَرَاض، فالشراء فَاسد، وَإِن اشْترى فِي الذِّمَّة، فَهُوَ للْمُشْتَرِي، فَإِن صرف مَال الْقَرَاض إِلَيْهِ صَار ضَامِنا. بَاب الْإِجَارَة وَجَوَاز إِجَارَة الْأَرَاضِي قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [الْقَصَص: 26]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ: {

عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [الْقَصَص: 27] أَيْ: تَكُونَ أَجِيرًا لي، وَيُقَالَ: أَيْ تَجْعَلَ ثَوَابِي مِنْ تَزْوِيجِي إيَّاكَ ابْنَتِي رَعْيَ غَنَمِي هَذِهِ الْمُدَّة، مِنْ قَوْلِهِمْ، أَجرَهُ اللَّهُ يَأْجُرُهُ أَيْ: أَثَابَهُ، وَيُقَالَ لِمَهْرِ المرأَةِ: أَجْرٌ، لأنَّهُ عِوَضٌ مِنْ بَضْعِها، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الْبَقَرَة: 112] أَيْ: عِوَضُهُ. وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الْكَهْف: 77] أَيْ: لأَخَذْتَهُ، يَعْني أُجْرَةَ إقَامَةِ الجِدَارِ. 2184 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ، فَقَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ، قَالَ: أَبِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ؟ قَالَ: أمَّا بالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ فَلا بَأْسَ بِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ رَبِيعَةَ.

قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دليلٌ على جَوَاز إِجَارَة الْأَرَاضِي، وَذهب عامةُ أهل الْعلم إِلَى جَوَازهَا بالدرهم وَالدَّنَانِير، وَغَيرهَا من صُنوف الْأَمْوَال، سَوَاء كَانَ مِمَّا تُنبت الأَرْض أَو لَا تُنبت، إِذا كَانَ مَعْلُوما بالعيان أَو بِالْوَصْفِ، كَمَا يجوز إِجَارَة غير الْأَرَاضِي من العبيد والدَّوَابِّ وَغَيرهَا، وَجُمْلَته أَن مَا جَازَ بيعُه، جَازَ أَن يُجعل أُجْرَة فِي الْإِجَارَة. وَلَو اسْتَأْجر أَجِيرا ليتعهَّد نخيله على أَن لَهُ ثمرةَ نخلةٍ بِعَينهَا، فَإِن كَانَ قبل خُرُوج الثَّمَرَة لَا يجوزُ، كَمَا لَا يجوز بيع الْمَعْدُوم، وَإِن كَانَ بعد خُرُوج الثَّمرة، يجوز، ثُمَّ إِن كَانَ قبل بدوِّ الصّلاح، فَلَا يجوز إِلا بِشَرْط الْقطع، إِلا أَن يشْتَرط معهُ النخلةَ، كَمَا فِي البيع، وَإِن استأجرهُ على جزءٍ شَائِع من الثَّمر، ثلث وَربع، فَإِن كَانَ بعد بدوِّ الصّلاح فِي الثِّمَار، يجوزُ، وَإِن كَانَ قبله، لَا يجوز كَمَا لَا يجوز بيعُه، لِأَنَّهُ لابدَّ من شَرط الْقطع فِي بيع الثِّمَار قبل بدُوِّ الصّلاح، وَلَا يُمكن قطعُ الْجُزْء الشَّائِع إِلا بِقطع الْكل. أما الْمُسَاقَاة، فَلَا تصحُّ إِلا قبل خُرُوج الثِّمَار، فَيكون لِلْعَامِلِ جزءٌ مِمَّا يحصُل بعد عمله، كَمَا فِي الْمُضَاربَة يكون لِلْعَامِلِ جزءٌ مِمَّا يحصل من الرِّبْح بعد عمله، وَقد جَاءَ فِي الْحَدِيث النَّهيُ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ، قيل: هُوَ أَن يَقُول: اطحن هَذَا بِكَذَا وَزِيَادَة قفيز من نفس الطحين، فَذَلِك غير جَائِز.

باب استئجار الأحرار

بَاب استِئْجَارِ الأَحْرَارِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [الْقَصَص: 27]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [الْقَصَص: 26]، وَقَالَتْ عَائِشَة: «استَأجَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، رَجُلا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَهُوَ عَلى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهمَا، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ». وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، جَازَ وَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا. 2185 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ جَدِّهِ،

باب إثم من منع أجرة الأجير

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَى عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: وَمَنِ اسْتَأْجر شَيْئا، فَمَاتَ أَحدهمَا، لَا تبطل الْإِجَارَة عِنْد أَكثر أهل الْعلم، بل إِن مَاتَ الآجِرُ يتْرك فِي يَد الْمُسْتَأْجر، وَإِن مَاتَ المستأجرُ، فَفِي يَد وَارثه إِلَى انْقِضَاء الْأَجَل، وَبِهِ قَالَ ابْن سِيرِينَ، والحسنُ، والحَكمُ، وَإيَاس بْن مُعَاوِيَة، قَالَ ابْن عُمَر: أَعْطَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بالشَّطْرِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبيِ بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يَذْكُر أنَّ أَبَا بَكْر، وَعُمَر جدَّدا الْإِجَارَة بعد مَا قبض النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَنَّهُ تنفسخُ الْإِجَارَة. بَاب إِثْمِ مَنْ مَنَعَ أُجْرَةَ الأَجِيرِ 2186 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ،

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتأَجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وأَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْن مُحَمَّدٍ الْعَلاءُ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمُفَضَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، نَا جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ».

باب أخذ الأجرة على تعليم القرآن والرقية به

بَاب أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ القُرْآنِ والرُّقْيَةِ بِهِ 2187 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَيْدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ، نَا أَبُو مَعْشَرٍ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْبَرَاءُ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ أَبُو مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ، أَوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلا لَدِيغًا، أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ عَلى شَاءٍ فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتابُ اللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام: فِي الْحَدِيث دليلٌ على جَوَاز أخذِ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن، وَجَوَاز شَرطه، وَإِلَيْهِ ذهب عَطَاء، وَالْحكم، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَبُو ثَوْر، قَالَ الحكم: مَا سمعتُ فَقِيها يكرههُ. وَفِيه دليلٌ على جَوَاز الرّقية بِالْقُرْآنِ، وبذكر اللَّه، وأخذِ الْأُجْرَة عَلَيْهِ، لِأَن الْقِرَاءَة وَالْفِقْه من الْأَفْعَال الْمُبَاحَة، وَفِيه إِبَاحَة أجر الطَّبِيب والمعالج. وَذهب جمَاعَة من أهل الْعلم إِلَى أَن أَخذ الْأُجْرَة، والعوض، على تَعْلِيم الْقُرْآن غيرُ مُبَاح، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَأَبِي حنيفَة، وَإِسْحَاق، وَقَالَ مَنْصُور، عَنْ إِبْرَاهِيم: أَنَّهُ كره أجر الْمعلم، وَقَالَ جَابِر بْن زَيْد: لَا بَأْس بِهِ مَا لم يشْتَرط. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوي، عَنْ عُبَادَة، عَنِ ابْن الصَّامِت، قَالَ: قلتُ يَا رَسُول اللَّه رجل أهْدى إليَّ قوسًا مِمَّن كنت أعلِّمُه الكتابَ وَالْقُرْآن، وَلَيْسَت بمالِ، فأرمي عَلَيْهَا فِي سَبِيل اللَّه؟ قَالَ: «إِنْ كُنت تُحِبُّ أَنْ تُطِوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا». وَمن أباحَهُ، تَأَول الْحَدِيث على أنهُ كَانَ تبرع بِهِ، وَنوى الاحتساب فِيهِ، وَلم يكن قصدُهُ وقتَ التَّعْلِيم إِلَى طلب عوض ونفع، فحذره النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبطالَ أجره وحسبته، كَمَا لَو ردَّ ضَالَّة إِنْسَان حِسبة لم يكن لهُ أَن يَأْخُذ عَلَيْهِ عِوَضًا، فأمَّا إِذا لم يحْتَسب، وَطلب عَلَيْهِ الْأُجْرَة، فَجَائِز بِدَلِيل حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَذهب قوم إِلَى أنهُ لَا بَأْس بِأخذ المَال مَا لم يشْتَرط، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَابْن سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيّ.

باب إحياء الموات

وَقَالَ بعضُ أهل الْعلم: أخذُ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن لهُ حالان، فَإِذا كَانَ فِي الْمُسلمين غيرُهُ مِمَّن يقومُ بِهِ، حلَّ لَهُ أخذُ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن، لِأَنَّهُ غيرُ مُتَعَيّن عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ فِي حَال أَو مَوضِع لَا يقومُ بِهِ غيرُه، لم يحل لهُ أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهِ، وتأوَّل على هَذَا اختلافَ الْأَخْبَار فِيهِ، ويَستدل بِحَدِيث ابْن عَبَّاس مَنْ يرى بيع الْمَصَاحِف، وَأخذ الْأُجْرَة على كتبتها. وَاخْتلف أهل الْعلم فِي بيع الْمَصَاحِف، قَالَ ابْن عُمَر: بئس التِّجَارَة بيعُ الْمَصَاحِف وكتابتُها بِالْأَجْرِ، ويُروى عَنْهُ، أنهُ كَانَ يَقُول: وَدِدْتُ أَنَّ الْأَيْدِي تُقْطَعُ فِي بَيْعِ المَصَاحِفِ، وَكره بيعهَا وشراءها عَلْقَمَة وَشُرَيْح وَابْن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ، وكرهت طَائِفَة بيعهَا ورخصوا فِي شِرَائهَا، رُوي ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن جُبَير، وَالْحكم، وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: الأمرُ فِي شِرَائهَا أَهْون، وَمَا أعلم فِي بيعهَا رخصَة. وَرخّص أكثرُ الْفُقَهَاء فِي بيعهَا وشرائها، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَالشَّعْبِيّ، وَعِكْرِمَة، وَإِلَيْهِ ذهب سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي. بَاب إِحْيَاءِ المَوَاتِ 2188 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ،

عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ، فَهُوَ أَحَقُّ»، قَالَ عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ عُمَرُ فِي خِلافَتِهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 2189 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ». قَالَ الإِمَامُ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلا، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والعملُ على هَذَا

عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمن بعدهمْ، أَن من أَحْيَا مواتًا لم يجر عَلَيْهِ ملكُ أحد فِي الْإِسْلَام، يملكهُ، وَإِن لم يَأْذَن لهُ السُّلْطَان فِيهِ، وَهُوَ قولُ أَكثر أهل الْعلم، روى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَذهب بَعضهم إِلَى أنهُ يحْتَاج إِلَى إِذن السُّلطان، وَهُوَ قولُ أَبِي حَنيفة، وخالفهُ صاحباهُ. وَقَوله: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» هُوَ أَن يغصِب أَرض الْغَيْر، فيغرس فِيهَا أَو يزرع، فَلَا حق لهُ، ويقلعَ غراسه وزرعه. قَالَ الإِمَامُ: وإحياءُ الْموَات يكون بالعمارة، وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف مَقْصُود المحيي من الأَرْض، فَإِن أَرَادَ دَارا، فَلَا يملك حَتَّى يَبْنِي حواليه ويسقف، وَإِن أَرَادَ بُستانًا، فبأن يحوّط ويشق الْأَنْهَار ويغرس ويرتب لَهُ مَاء، وَإِن أَرَادَ الزِّرَاعَة، فبأن يجمع التُّرَاب محيطًا بهَا ويحرث أَو يزرع، وَيعْتَبر فِي جَمِيع مقاصده عرف النَّاس. وَإِذا ملك أَرضًا بِالْإِحْيَاءِ يملك حواليها قدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ العامر للمرافق، فَلَا يملكهُ غيرهُ بِالْإِحْيَاءِ، وَيملك مَا وراءَهُ، وَإِن كَانَ قَرِيبا من العامر، فَإِن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع لعبد اللَّه بْن مَسعود، الدورَ بِالْمَدِينَةِ وَهِي بَين ظهراني عمَارَة الْأَنْصَار من الْمنَازل والنخيل، فَقَالَ بَنو عبد بْن زهرَة: نَكِّبْ عَنَّا ابْن أم عبد، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللَّهُ إِذا، إنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ للِضَّعيفِ فِيهمْ حَقُّهُ» قَوْله: نكب عَنَّا، أَي: نحِّهِ عنَّا، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إنَّهُمْ {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 74] أَي: عادلون عَنِ الْقَصْد، وَقَوله: «لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً» أَي: لَا يطهرها.

باب الحمى

بَاب الحِمَى 2190 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا حِمَى إِلا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ»، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِمًى بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِيهِ لإِبِلِ الصَّدَقَةِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.

قَالَ الإِمَامُ: وَكَانَ الْحمى جَائِزا لرَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخاصِّ نَفسه، لكنه لم يفعل، إِنَّمَا حمى النَّقيع لمصَالح الْمُسلمين للخيل المعدَّة لسبيل اللَّه، وَمَا فضل من سُهمان أهل الصَّدقات، وَمَا فضل من نعم الْجِزْيَة، وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْروف بِالْمَدِينَةِ: مُستنقع للْمَاء، ينبتُ فِيهِ الكلأَ عِنْد نضوبه عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيّ: وَهُوَ بلدٌ ليسَ بالواسع الَّذِي إِذا حمي ضَاقَتْ البلادُ على أهل الْمَوَاشِي حَوله، وَلَا يجوز لأحد من الْأَئِمَّة بعد رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يحمي لخاصِّ نَفسه. وَاخْتلفُوا فِي أنهُ هَل يحمي للْمصَالح؟ مِنْهُم من لم يجوِّز، لقَوْله عَلَيْهِ السَّلامُ: «لَا حِمى إِلا لله وَلِرَسُولِه»، وَمِنْهُم من جوَّز ذَلِكَ على نَحْو مَا حَمى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمصَالح الْمُسلمين، بِحَيْثُ لَا يبينُ ضررهُ على من حماه عَليه، وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين، وتأوَّل هَؤُلَاءِ الْحَدِيث على أَن يحمي لخاص نَفسه، فَإِن عُمَر بْن الْخَطَّاب قد حمى بعد الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا 2191 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، نَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ، يُقَالُ لَهُ: هني عَلَى الْحِمَى، فَقَالَ لَهُ: " يَا هني، اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ،

وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّ دَعْوَةَ المَظْلُومِ مُجَابَةٌ، أَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الغُنَيْمَةِ، وَإيَّايَ وَنَعَمَ بْنَ عَوْفٍ، وَابْنَ عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى زَرْعٍ وَنَخْلٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ والغُنَيْمَةِ، إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُ، يَأْتِينِي بِبَنِيهِ، فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا؟ لَا أَبَا لَكَ، فَالْمَاءُ وَالْكَلأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَايْمُ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنْ قَدْ ظَلَمْتُهُمْ، إِنَّهَا لَبِلادُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِليَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلامِ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْلا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا حَمَيْتُ عَلَى المُسْلِمينَ مِنْ بِلادِهِمْ شِبْرًا ". وَرُوِيَ أنَّ عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ والرَّبْذَةَ، وتأوَّل الشَّافِعِيّ قولَهُ عَلَيْهِ السَّلام: «لَا حِمى إِلا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» على إبِْطَال مَا كَانَ يفعلُه أهلُ الْجَاهِلِيَّة، قَالَ: كَانَ الرَّجل الْعَزِيز إِذا انتجعَ بَلَدا مخصِبًا، أوفى بكلب على جبل إِن كَانَ بِهِ، أَو نشْزٍ إِن لم يكن بِهِ، ثُمَّ استعوى الْكَلْب، وَوَقف لَهُ من يسمعُ مُنْتَهى صَوته بالعُواء، فَحَيْثُ انْتهى صوتهُ حماهُ من كل نَاحيَة لنَفسِهِ، ويرعى مَعَ الْعَامَّة فِيمَا سواهُ، ويمنعُ هَذَا من

باب الإقطاع

غَيره لِضُعَفَاء مَاشِيَته، فنرى أَن قَول رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حِمى إِلا لله ولِرسوله» لَا حمى على هَذَا الْمَعْنى الْخَاص، وَأَن قولَه: «لله» فَللَّه كلُّ محمي وَغَيره، ورسولُ اللَّه إِنَّمَا يحمي لصلاح عَامَّة الْمُسلمين، وَلَا لما يحمي لَهُ غَيره من خاصَّة نَفسه، هَذَا قولُ الشَّافِعِيّ ذكرهُ فِي كِتَابه. وَحَاصِل الْمَقْصُود مِنْهُ أنهُ لَا حِمى لأحد إِلا على الْوَجْه الَّذِي حماه رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي بعض الْأَحَادِيث " لَا حِمَى إِلا فِي ثلاثٍ: ثَلةُ البِئْرِ، وطولُ الفَرَسَ، وَحلْقَهِ القَوْمِ "، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثَلة الْبِئْر: أَن يحتَقر الرجلُ بِئْرا فِي مَوضع لَيْسَ بِملك لأحد، فلهُ من حوالي الْبِئْر من الأَرْض، مَا يكونُ ملقى لثلَّة الْبِئْر، وَهُوَ مَا يخرج من ترابها لَا يدْخل فِيهِ عَلَيْهِ أحد. وطولُ الْفرس: أَن يكون الرجل فِي الْعَسْكَر، فيربط فرسه، فَلهُ من ذَلِكَ الْمَكَان مستدار لفرسه فِي طوله يحميه من النَّاس. وحلقة الْقَوْم يَعْنِي لَا يجلسُ فِي وسط حَلقتهم، ويقَالَ: هُوَ أَن يتخطى الْحلقَة، فَإِنَّهَا حمى لأَهْلهَا. بَاب الإقْطاع 2192 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا سُفْيَانُ،

عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيدِ، قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطَعَ لَهُمُ البَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: لَا، إِلا أَنْ تُقْطِعَ لإخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا، قَالَ: «أَمَّا لَا، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، فَإنَّهُ سَتُصيْبُكُمْ أَثَرَةٌ بَعْدِي». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الْحَدِيث يدل على أَنَّهُ لَا يجوز للْإِمَام أَن يُقطع للنَّاس من بِلَاد العَنوة، مَا لم يجر عَلَيْهِ ملكُ مُسْلِم، وَمن أقطعهُ السلطانُ أَرضًا مِنْهَا صَار أوْلى بهَا من غَيره، فَإِذا أَحْيَاهَا وعمرها مَلكها، وَلَا يمِلكُها قبل الْإِحْيَاء، كَمَا لَو تحجَّر أَرضًا كَانَ أولى بهَا من غَيره، وَلَا يملكُها إِلا بِالْإِحْيَاءِ، وَكَذَلِكَ لَو أفرخ طَائِر على شَجَرَة مَمْلُوكَة لرجل، كَانَ أولى بالفرخ من غَيره، وَلَا يمِلكه حَتَّى يأخذهُ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلقمة بْن وَائِل، عَنْ أَبِيه، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعهُ أرْضًا بِحَضرَ مَوْتَ». وَرُوِيَ عَنْ عُمَر، أنهُ أَقطع، وَاشْترط الْعِمَارَة ثَلَاث سِنِين، وأقطع عُثْمَان وَلم يشْتَرط ". قَالَ الْخطابِيّ: وَيُشبه أَن يكون إقطاعهُ من الْبَحْرين، إِنَّمَا هُوَ على أحد الْوَجْهَيْنِ، إِمَّا أَن يكونَ من الْموَات الَّذِي لم يملكهُ أحد، فيُتملَّك بِالْإِحْيَاءِ، وَإِمَّا أَن يكون ذَلِكَ من الْعِمَارَة من حَقه فِي الْخمس، فقد رُوِيَ أَنَّهُ افْتتح الْبَحْرين، وَترك أرْضهَا، وَلم يقسمها، كَمَا فتح أرضَ بني النَّضِير، فَتَركهَا، وَلم يقسمها كَمَا قسم خَيْبَر. أما الْمَعَادِن، فنوعان: نوع مِنْهَا يكون نفعهُ ظَاهرا، كالملح فِي الْجبَال، والنِّفط، والقارة، والكبريت، والمومياء، فهَذَا النَّوْع لَا يُملك بالعمارة، وَلَا يجوز للسُّلْطَان إقطاعُه، والناسُ فِيهِ شَرَعٌ سَوَاء، فَهُوَ كَالْمَاءِ والكلأ، وَالْحِجَارَة، فِي غير الْملك، فَإِن أتاهُ رجلَانِ، فَإِن وسعهما، عملا فِيهِ، وَإِن لم يَسعهما، كَانَ أسبقهما أولى بِهِ، فَيَأْخُذ قدر حَاجته، ثُمَّ يدعهُ إِلَى الثَّانِي، وَإِن جَاءَا مَعًا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا 2193 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، أَنا صَدَقَةُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَأْرِبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، عَنْ سُمَيِّ بْنِ قَيْسٍ،

عَنْ شمير، عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ الْمَأْرِبِيِّ، أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَقْطَعَهُ المِلْحَ الَّذِي بِمَأْرِبَ، فَأَقْطَعَهُ إيَّاهُ، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَدْرِي مَاذَا أَقْطَعْتَ؟ إِنَّمَا أَقْطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. قَالَ: «فَرَجَعَهُ مِنْهُ»، قَالَ: وَسَأَلَهُ مَاذَا يُحْمَى مِنَ الأَرَاكِ؟ قَالَ: «مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الإِبِلِ». فبَيَّن بهَذَا أَن المعدِنَ الظَّاهِر لَا يجوز إقطاعُه، كَالْمَاءِ الْعد، وَهُوَ الدَّائم الَّذِي لَا يَنْقَطِع، وَقَوله: استقطع، أَي: سَأله أَن يُقطعه. وقولُ: «مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الإِبِلِ» أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أَنما يحمي من الْأَرَاك مَا بَعد عَنْ حَضْرَة الْعِمَارَة، وَلَا تبلغهُ الإبلُ الرَّائِحَة إِذا أرْسلت فِي الرَّعْي. وَفِيه دليلٌ على أَن الكَلأ والرعي فِي غير الْملك لَا يمْنَع من السَّارحة، وَلَيْسَ لأحد أَن يستأثِر بِهِ دون سَائِر النَّاس، فأمّا مَا كَانَ فِي ملك

الرجل من الْكلأ والأراك فمملوك لَهُ، ولهُ منعهُ عَنْ غَيره كَسَائِر الْأَشْجَار. وَفِي الْحَدِيث دليلٌ على أَن الْحَاكِم إِذا حكم بشيءٍ، ثُمَّ تبيَّن لهُ أَن الْحق فِي خِلَافه، عَلَيْهِ ردُّه، فَإِن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ عَنْ إقطاعه بعد مَا أخبر أَنَّهُ كَالْمَاءِ العِدّ، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " المُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثلاثٍ: فِي المَاءِ والْكَلأ وَالنَّارِ " وَالْمرَاد مِنْهُ الْكلأ الَّذِي ينبتُ فِي الْموَات، وَأما النارُ، قيل: أَرَادَ بِهِ الْحِجَارَة الَّتِي توري النَّار لَا يُمنع أحدٌ أَن يَأْخُذ مِنْهَا حجرا إِذا كَانَ فِي مَوات، وأمَّا النَّار الَّتِي أوقدها الرَّجل، فلهُ مَنع الْغَيْر مِنْهَا، وَقيل: لهُ أَن يمْنَع من يَأْخُذ مِنْهَا جَذوة، وَلَكِن لَا يمْنَع من يستصبح مِنْهَا مصباحًا، أَو يُدني مِنْهَا ضِغثًا، لأنهُ لَا ينقصُ من عينهَا شَيْئا. وَالنَّوْع الثَّانِي من الْمَعَادِن: مَا يكون نفعهُ بَاطِنا، لَا يُنالُ إِلا بمؤنة، مثل مَعادن الذَّهَب، وَالْفِضَّة، وَالْحَدِيد، والنُّحاس، وَسَائِر الْجَوَاهِر، يجوز للسُّلْطَان إقطاع مثل هَذِه الْمَعَادِن، والدليلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ كثير بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عَوْف الْمُزنِيّ، عَنْ أَبِيه، عَنْ جدِّه، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ

بِلالَ بْن الْحَارثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّة جلسيها وغُورِيَّهَا، وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنَ قُدْسَ، وَلَمْ يُعْطِه حَقَّ مُسْلِم وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا»، وَرُوِيَ مثلهُ عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس. وَمعادن القَبَلِيَّة: من نَاحيَة الْفَرْع. وَقَوله: «جلسيها» يُرِيد: نجديَّها، يقَالَ لنجد: جَلسٌ. قَالَ الْأَصْمَعِي: وكلُّ مُرْتَفع جَلسٌ، والغَورُ: مَا انخفض من الأَرْض. وَهل تملك مثلُ هَذِه الْمَعَادِن بِالْإِحْيَاءِ؟ للشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ، أَحدهمَا تُملك، كالأرض وكما يجوز إقطاعُها، فعلى هَذَا إِذا وصل إِلَى النّيل، ملك، كَمَا لَو حفر بِئْرا فِي موَات للْملك لَا يملك حَتَّى يصل إِلَى المَاء، وَالْقَوْل الثَّانِي: لَا تملك بِالْإِحْيَاءِ بِخِلَاف الأَرْض، لِأَنَّهَا إِذا أَحييت مرَّة، ثَبت إحياؤها، والمعدِنُ يحْتَاج إِلَى أَن يعْمل فِيهِ كلَّ يَوْم حَتَّى يرتفقَ منهُ، وَقد يجوز إقطاعُ مَا لَا يملك بِالْإِحْيَاءِ، كمقاعد الْأَسْوَاق، فعلى هَذَا إِذا ابْتَدَأَ رجلٌ الْعَمَل فِي مَعْدن مِنْهَا كَانَ لهُ مَنع الْغَيْر، وَإِن كَانَ يسعُ الْكل فَإِذا عطله لم يكن لَهُ منع الْغَيْر عَنْهُ، كَمَا لَو حفر بِئْرا فِي موَات للارتفاق كَانَ أولى بهَا من غَيره، أَو نزل منزلا بالبادية كَانَ أولى بِهِ، فَإِذا تَركه

لم يكن لَهُ منعُ الْغَيْر عَنْهُ، وَقد يكون نوعٌ من الإقطاع إرفاقًا من غير تمْلِيك، كالمقاعد فِي الْأَسْوَاق يرتفق بِهِ الرجل، فَيكون أولى بِهِ، وَمَا حواليه قدر مَا يضعُ متاعهُ للْبيع، ويقفُ فِيهِ المُشْتَرِي، وَيجوز للسُّلْطَان إقطاعهُ من غير أَن يكون فِي ملك. وَرُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُغفَّل، عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ احْتَفَرَ بِئْرًا، فَلَيْسَ لأَحدٍ أَنْ يَحْفِرَ حَوْلَهُ أَرْبَعيِنَ ذِرَاعا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ». قَالَ الإِمَامُ: وَكَذَلِكَ المنازلُ فِي الْأَسْفَار، والرباط الْمَوْقُوف على الْمَارَّة، إِذا نزل رجُلٌ فِي مَوضِع، أَو وضع فِيهِ متاعهُ، كَانَ أولى بِهِ من غَيره، فَإِن فارقهُ فِراقَ ترك لم يمْنَع غيرَه من نُزُوله. رُوي عَنْ عَائِشَة، أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ». وَعَن أسمر بْن مُضرِّس، قَالَ: أتيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايعتهُ، فَقَالَ: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَم يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِم فَهُوَ لَهُ».

ورُوي عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة، عَنْ أَبِيه، عَنْ أَسمَاء بنت أَبِي بَكْر: «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ نَخْلا». قَالَ الْخطابِيّ: النّخل مَال ظَاهر الْعين، حاضرُ النَّفْع، كالمعادن الظَّاهِرَة فَيُشبه أَن يكون إِنَّمَا أعطاهُ ذَلِكَ من الْخمس الَّذِي هُوَ سَهمه، وَالله أعلم. ورُوي: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الْمُهَاجِرِينَ الدُّورَ بِالْمَدِينَةِ». وَرُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَن يُورث دور الْمُهَاجِرين النِّسَاء، فَمَاتَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، فورثته امْرَأَته دَارا بِالْمَدِينَةِ». وتأوَّلوا هَذَا الإقطاعَ على وَجْهَيْن، أَحدهمَا: أَنه أقطعهم الْعَرَصَة ليبنوا فِيهَا، فعلى هَذَا الْوَجْه صَارَت الدُّورُ ملكا لَهُم بِالْبِنَاءِ، وتوريثه الدّور نسَاء الْمُهَاجِرين خُصُوصا، يشبه أَن يكون إِنَّمَا خصَّهُن بالدور من بَين سَائِر الْوَرَثَة، لِأَنَّهُنَّ غرائب بِالْمَدِينَةِ لَا عشيرة لهنَّ، فَجعل نصيبهن من الْمِيرَاث فِي الدُّور لما رأى فِي ذَلِكَ من الْمصلحَة. والتأويل الثَّانِي: أَن إقطاع الْمُهَاجِرين الدّور كَانَ على سَبِيل الْعَارِية، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو إِسْحَاق المرزوي، فعلى هَذَا الْوَجْه لَا يجْرِي فِيهَا الإرثُ، لِأَن الإرثَ إِنَّمَا يجْرِي فِيمَا يكون مَمْلُوكا للموروث منهُ، غير أَنَّهَا تُركت

باب ترتيب سقي الأراضي بين الشركاء

فِي أَيدي أَزوَاجهم بَعدهم على سَبِيل الإرفاق بِالسُّكْنَى، كَمَا كَانَت دورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحجرُه فِي أَيدي نِسَائِهِ بعدهُ لَا على سَبِيل الْمِيرَاث، فَإِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَحْنُ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ». ويُحكى عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ نساءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي معنى المعتدات، لأنُهن لَا يُنكحن، وللمعتدَّة السُّكْنَى، فَجعل لَهُنَّ سُكْنى البُيوت مَا عِشن، وَلَا يملكن رقابها. قد ذكر هَذِه الْجُمْلَة أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ فِي كِتَابه. ورُوي عَنْ نَافِع، عَنِ ابْن عُمَر، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع الزبير حُضْرَ فرسه، فَأجرى فرسه حَتَّى قَامَ، ثُمَّ رمى بِسَوْطِهِ، فَقَالَ: «أعْطُوهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ السَّوطُ». بَاب تَرْتيِبِ سَقْيِ الأَرَاضِي بَيْنَ الشُّرَكَاءِ 2194 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجٍ مِنَ الحَرَّةِ، كَانَا

يَسْقِيَانِ بِهِ كِلاهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ». فَاسْتَوعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئذٍ حَقَّهُ لِلزُّبَيْرِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ سَعَةٍ لَهُ وَلِلأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ "، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ إِلا فِي ذَلِكَ {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النِّسَاء: 65] الآيَةَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ ابْن جُرَيْج: قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ: فَقَدَّرَتِ الأَنْصَارُ وَالنَّاسُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إسْق ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجُدْرِ»، وَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.

الشِّراج: مسايل المَاء، من الْحرار إِلَى السِّهل، وَاحِدهَا: شريج وشرْج، والحرة: حِجَارَة سود بَين جبلين، وجمعهما حرُّون وحرَّات وحرار. وَقَوله: «أَن كَانَ ابْن عَمَّتك؟» مَعناهُ: لِأَن كَانَ، أَو لأجل أَن كَانَ ابْن عَمَّتك، كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [الْقَلَم: 14] أَي: لِأَن كَانَ ذَا مَال. وَقَوله: «حَتَّى يَبْلُغَ الجُدْرَ» والجدرُ: الْجِدَار، يُرِيد جِذم الجذار الَّذِي هُوَ الْحَائِل بَين المشارب، وَبَعْضهمْ يرويهِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، يُرِيد مبلغ تَمام الشّرْب من جذر الْحساب، والأوَّل أصح. وَقَوله: «فَاسْتَوْعَى لِلزُّبَيْر حَقَّهُ» أَي: اسْتَوْفَاهُ، مَأْخُوذ من الْوِعَاء الَّذِي يجمع فِيهِ الْأَشْيَاء، كأنُه جمعهُ فِي وعائه. قولهُ: «أَحْفَظَ»، أَي: أغضب، وَفِي بعض الْحَدِيث: بدرت مني كلمة أحفظتهُ، أَي: أغضبته، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلامُ أَولا «اسْق يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ، ثُمَّ لَمَّا أَحْفَظَهُ»، قَالَ: «احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الجُدْرَ» كَانَ الأول مِنْهُ أمرا مِنْهُ للزبير بِالْمَعْرُوفِ وأخذا بالمسامحة وَحسن الْجوَار، بترك بعض حَقه، دون أَن يكون حكما مِنْهُ عَلَيْهِ، فلمَّا رأى الْأنْصَارِيّ يجهل مَوضِع حقِّه، أَمر الزُّبير بِاسْتِيفَاء تَمام حَقه. وَفِيه دليلٌ على أَنَّهُ يجوز للْإِمَام أَن يَعفوَ عَنِ التَّعْزِير، حَيْثُ لم يُعَزّر الْأنْصَارِيّ الَّذِي تكلم بِمَا أَغضب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقيل: كَانَ قولُهُ الآخر عُقُوبَة للْأَنْصَارِيِّ فِي مَاله، وَكَانَت الْعُقُوبَات إِذْ ذَاك يَقع بعضُها فِي الْأَمْوَال، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي مَانع الزَّكَاة: «إنّا آخذُوهَا وَشطْرَ مَالِهِ

عَزِمَةٍ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا» وكما كَانَ من شقّ الزِّقاق، وَكسر الدِّنان عِنْد ابْتَدَأَ تَحْرِيم الْخمر، والأوَّل أصح. وَفِي الْحَدِيث أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ حَكَم على الْأنْصَارِيّ فِي حَال غَضَبه مَعَ نَهْيه الْحَاكِم أَن يحكمَ وَهُوَ غَضْبَان، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعصومًا من أَن يقولَ فِي السخط والرِّضَا إِلا حَقًا. وفقهُ هَذَا الْحَدِيث أَن مياهَ الأودية، والسيول، الَّتِي لَا تملك منابُعها ومجاريها على الْإِبَاحَة، والنَّاسُ فِي الارتفاق بهَا شَرَعٌ سَوَاء، وأنَّ من سبق إِلَى شَيْء مِنْهَا كَانَ أَحَق من غَيره، وَأَن أهلَ الشّرْب الْأَعْلَى مقدمون على من هُوَ أَسْفَل مِنْهُم لسبقهم إِلَيْهِ، وَأَن حق الْأَعْلَى أَن يَسقيَ زرعه حَتَّى يبلغ المَاء الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ لَيْسَ لهُ حَبسه عَمَّن هُوَ أسفلُ مِنْهُ بعد مَا أَخذ منهُ حاجتهُ، فأمَّا إِذا كَانَ منبعُ المَاء ملكا لِوَاحد بِأَن حفر بِئْرا فِي ملكه، أَو فِي مواتٍ للْملك، فَهُوَ أولى بذلك المَاء من غَيره. وَاخْتلفُوا فِي أَنَّهُ هَل يملك المَاء فِي منبعه فِي أَن يُحرزهُ فِي بركَة، أَو إِنَاء؟ فأصحُّ أَقْوَال أَصْحَاب الشَّافِعِيّ، أنهُ غيرُ مَمْلُوك لهُ مَا لم يُحرزه، وَاتَّفَقُوا على أَن لهُ منعَ مَا فضل عَنْ حَاجته عَنْ زرع الْغَيْر، وَلَا يجوز أَن يمْنَع الفضلَ عَنْ مَاشِيَة الْغَيْر، لقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ المَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الكَلأَ» وَلَو كَانَ منبعُ المَاء ملكا لجَماعَة وهم شُرَكَاء فِيهِ، فَإِن الْأَعْلَى والأسفل فِيهِ سَوَاء، فَإِن اصْطَلحُوا على أَن يكون المَاء مُنَاوَبَةً بَينهم، فهم على مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ، وَإِن اخْتلفُوا يُقرع بَينهم، فَمن خرجت لَهُ القرعةُ كَانَ مبدوأً بِهِ.

14 - كتاب العطايا والهدايا

14 - كِتَاب العَطَايا وَالهَدَايا بَاب الوَقْفِ 2195 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، نَا ابْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ، وَلا يُوهَبُ، وَلا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ، قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: غَيْرَ مُتأَثِّلٍ مَالا.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. قَوْله: «غَيْرَ مُتأَثِّلِ مَالا» أَي: جَامع، وكل شَيْء لهُ أصل قديم، أَو جمع حَتَّى يصير لَهُ أصل، فَهُوَ موثَّل، ومجد موثَّل، وأثْلة الشَّيْء: أَصله. وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد عَامَّة أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ بعدهمْ من الْمُتَقَدِّمين، لم يَخْتَلِفُوا فِي إجَازَة وقف الْأَرْضين وَغَيرهَا من المنقولات، وللمهاجرين وَالْأَنْصَار أوقاف بِالْمَدِينَةِ، وَغَيرهَا لم يُنقل عَنْ أحد مِنْهُم أَنَّهُ أنكرهُ، وَلَا عَنْ وَاقِف أَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا فعله لحَاجَة وَغَيرهَا. وَقَالَ مُغيرَة، عَنْ إِبْرَاهِيم: «لَا حبيسَ إِلا حبيسٌ فِي سَبِيل اللَّه من سلَاح أَو كرَاع». وَفِيه دليلٌ على أنَّ من وقف شَيْئا، وَلم ينصب لَهُ قيمًا معينا يجوز، لِأَنَّهُ قَالَ: لَا جُناحَ على من وَليهَا أَن يأكلَ مِنْهَا، وَلم يعين لَهُ قيمًا. وَفِيه دليلٌ على أنهُ يجوزُ للْوَاقِف أَن ينتفعَ بوقفه، لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْأكل لمن وليه، وَقد يَلِيهِ الْوَاقِف، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للَّذي سَاق الْبَدنَة «اركَبْهَا»: وَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ

دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاءِ المُسْلِمِينَ؟» فاشتراها عثمانُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَوَقَفَ أَنَسٌ دَارًا فَكَانَ إِذَا قَدِمَهَا نَزَلَهَا. وَلَو وقف شَيْئا وَشرط أَن يَأْكُل مِنْهُ الواقفُ أَو ينتفعَ بِهِ، اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ بعضُهم: يجوز، لِأَن عُثْمَان تصدق ببئر رُومة على أَن يكون دلوُهُ فِيهِ كدلاء الْمُسلمين، وَقَالَ بَعضهم: إِن كَانَ وَقفا خَاصّا على أَقوام بأعيانهم، لَا يجوز أَن يشترِطَ الواقفُ نَفسه مَعَهم، وَإِن كَانَ وَقفا عَاما، جَازَ، كَمَا لَو بنى مَسْجِدا، أَو قنطرة، لَا يخْتَص بِالِانْتِفَاعِ بِهِ قومٌ دون قوم فَيجوز أَن يكون هُوَ كواحد مِنْهُم، لِأَنَّهُ لما جَازَ بِلَا شَرط، فَإِذا شَرط ذَلِكَ، فَلَا يرد. ويجوزُ وقفُ الْمشَاع، جَعَلَ ابْن عُمَرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارِ عُمَرَ سُكْنَى لِذَوِي الحَاجَةِ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّه. وشرطُ الْوَاقِف مرَاعِي فِي الْوَقْف من إِدْخَال قومٍ بِصفة، وإخراجهم عِنْد زَوَال ذَلِكَ الْوَصْف، رويُ أَن الزبير جعل دوره صَدَقَة، وَقَالَ: لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلا مُضَرَّ بهَا، فإنِ اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ، فَلا شَيء لَهَا، أَرَادَ بِالْمَرْدُودةِ: الْمُطلقَة.

قَالَ أَبُو عبيد: وَفِي حَدِيث الزبير من الْفِقْه أَن الرجلَ يَجْعَل الدَّارَ وَالْأَرْض، وَقفا على قوم، وَيشْتَرط أَنَّهُ يَزِيد فيهم من شَاءَ، وينقُصُ من شَاءَ، فَيجوز لهُ ذَلِكَ، وَهَذَا الْوَقْف خَاصَّة دون الصَّدَقَة النافذة الْمَاضِيَة، لِأَن حكمهَا يخْتَلف، أَلا ترى أَن الْوَقْف قد يجوزُ أَن لَا يُخرجهُ صَاحبه من يَده، وأنَّ الصَّدَقَة لَا تكونُ مَاضِيَة حَتَّى تخرَج من يَد صَاحبهَا. وَقَالَ الزُّهْرِيّ فِيمَن جعل ألف دِينَار فِي سَبِيل اللَّه، وَدَفعها إِلَى غُلَام لَهُ بِأَجْر يتجر بهَا، وَجعل ربحها صَدَقَة للْمَسَاكِين أَو لم يَجْعَل: لَيْسَ لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهَا. قَالَ أهل اللُّغَة: إِذا قَالَ فِي الْوَصِيَّة: هَذَا لِعقب فلَان، فَهُوَ لأولاده الذُّكُور وَالْإِنَاث، وللذكور وَالْإِنَاث من أولادِ ابْنه، وَلَيْسَ لأَوْلَاد بَنَاته شَيْء، وَلَو قَالَ: لولد فلَان، فَهُوَ للذكور وَالْإِنَاث من ولد نَفسه، لَيْسَ لأَوْلَاد بَنَاته شَيْء، لأَنهم لَا يُنسبون إِلَيْهِ. وَلَو قَالَ: لذرية فلَان فَهُوَ لأولاده وَأَوْلَاد بنيه وَبنَاته من الذُّكُور وَالْإِنَاث، لِأَنَّهُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الْأَنْعَام: 84] وَأدْخل فِيهِ عِيسَى، وَكَانَ من أَوْلَاد الْبِنْت. وَلَو قَالَ: للأرامل من ولد فلَان، فَهُوَ للنِّسَاء اللَّاتِي مَاتَ أَزوَاجهنَّ، وَلَا حظَّ فِيهِ للرِّجَال، وَالرجل تَمُوت امرأتُه، يُقَالَ لَهُ: أيم، وَلَا يُقَالَ لهُ: أرمل، وَلَو قَالَ: للعزاب من أَوْلَاد فلَان، يعْطى للرجل الَّذِي لَا نسوان لَهُم، وللنساء اللواتي لَا أَزوَاج لَهُنَّ.

باب العمرى والرقبى

بَاب العُمْرى وَالرُّقْبَى 2196 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا، لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا، لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ المَوَاريثُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالعُمْرَى أَنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ». 2197 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ،

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ». 2198 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُعْمِرُوا وَلا تُرْقِبُوا، فَمنْ أُعْمِرَ شَيْئًا، أَوْ أُرْقِبَهُ، فَهُوَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 2199 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ لَا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى، فَهِيَ لِلَّذي أُعْمِرَهَا حَيَاتَهُ وَلِعَقِبِهِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرٍ. قَالَ الإِمَامُ: العُمرى جَائِزَة بالِاتِّفَاقِ، وَهِي أَن يَقُول الرجل لآخر: أعمرتُك هَذِه الدَّار، أَو جعلتُها لَك عمرَك، فَقبل، فَهِيَ كَالْهِبَةِ إِذا اتَّصل بهَا القبضُ، ملكهَا المعمَّر، وَنفذ تصرُفه فِيهَا، وَإِذا مَاتَ تُورث مِنْهُ، سَوَاء قَالَ: هِيَ لعقبك من بعْدك أَو لورثِتك أَو لم يقل، وَهُوَ قَول زَيْد بْن ثَابِت، وَابْن عُمَر، وَبِهِ قَالَ عُرْوَة بْن الزُّبير، وَسليمَان بْن يَسَار، وَمُجاهد، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وأصحابُ الرَّأْي. قَالَ حبيب بْن أَبِي ثَابِت: كُنَّا عِنْد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، فَجَاءَهُ أعرابيٌ، فَقَالَ: إِنِّي أعطيتُ بعضَ بنيَّ نَاقَة حَيَاته وَإِنَّهَا تناتجت، فَقَالَ: هِيَ لهُ حياتَه وَمَوته، قَالَ: فَإِنِّي تصدقتُ بهَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَذَلِك أبعدُ لَك مِنْهَا. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ إِذا لم يقلْ: هِيَ لعقبِك من بعْدك، فَإِذا مَاتَ يَعودُ إِلَى الأول، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أُعمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعقبِهِ» وَهَذَا قَول جَابِر، ورُوي عَنْ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلمَة، عَنْ جَابِر، قَالَ: إنَّمَا العُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبكَ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتُ، فَإنَّها تَرْجِعُ إلَى صَاحِبهَا. قَالَ مَعْمَر: وَكَانَ الزُّهْرِيّ يُفتي بِهِ، وَهَذَا قَول مالَك، ويُحكى عَنْهُ أنهُ قَالَ: الْعُمْرَى تمليكُ الْمَنْفَعَة دون الرَّقَبَة، فَهِيَ لهُ مُدَّة عمره، وَلَا يُورث، وَإِن جَعلها لَهُ ولعقبه، كَانَت الْمَنْفَعَة مِيرَاثا عَنْهُ.

باب الرجوع في الهبة

وَأما الرقبى: هِيَ أَن يَجْعَلهَا الرجُل على أَن أيَّهما مَاتَ أَولا كَانَ للْآخر مِنْهُمَا، فكلُّ وَاحِد مِنْهُمَا يرقُبُ موتَ صَاحبه، فَاخْتلف أهل الْعلم فِي جَوَازهَا، فَذهب جمَاعَة من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّهَا جَائِزَة كالعمرى، وَإِذا مَاتَ الْمَدْفُوع إِلَيْهِ يُورث عَنْهُ، وَشرط الرُّجُوع بَاطِل، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَذهب قومٌ إِلَى أَن الرقبى غير جَائِزَة، وَقيل: إِنَّهَا عَارِية لَا تورث، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، وَالْأول مُوَافق لظَاهِر الْحَدِيث. وَفِيه دَلِيل على أَن من وهب شَيْئا، وَشرط فِيهِ شرطا فَاسِدا مثل أَن شَرط أَن لَا يَبِيعهُ، أَو لَا يهب، أَو إِن كَانَت جَارِيَة أَن لَا يَطَأهَا، وَمَا أشبه ذَلِكَ، أَن الْهِبَة صَحِيحَة وَالشّرط بَاطِل. وَلَو قَالَ: جعُلتها لَك حَياتِي، فَلَا يُورث من الْمَدْفُوع إِلَيْهِ، وَهِي عَارِية، وَقيل: بَاطِلَة. وَفِي حَدِيث العُمرى، دَلِيل على أنَّ أَلْفَاظ العُقود على عادات النَّاس. وَلَو قَالَ: أخدمتك هَذِه الْجَارِيَة، قيل: هُوَ هبة، وَقَالَ بَعضهم: عَارِية، وَإِن قَالَ: كسوتُك هَذَا الثَّوْب، فهبة، وَلَو قَالَ: حَملتك على هَذَا الْفرس، فَجعله بعضُهم كالعمرى، وبعضُهم عَارِية يُرجع بهَا. بَاب الرُّجُوعِ فِي الهِبَةِ 2200 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ،

سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. 2201 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَائِدُ فِي هبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: الْهِبَة لَا يحصل بهَا الملكُ إِلا بعد التَّسْلِيم، وَإِذا سَلَّمَ، فَلَا يحل لهُ الرُّجُوع إِلا فِيمَا يهب لوَلَده لتخصيص السّنة.

باب الرجوع في هبة الولد والتسوية بين الأولاد في النحل

بَاب الرُّجُوعِ فِي هَبَةِ الوَلَدِ والتَّسْوَيَةِ بَيْنَ الأَوْلادِ فِي النَّحلِ 2202 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، يُحَدِّثَانِهِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا " فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَارْجِعْهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. رَوَاهُ حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ» قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.

وَقَالَ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنِ الشَّعْبِيّ، قَالَ: «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» ثُمَّ قَالَ: " أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إلَيْكَ فِي البِرِّ سَوَاءٌ؟ قَالَ: بلَى، قَالَ: فَلا إِذا ". وَقَالَ أَبُو حيَّان عَنِ الشَّعْبِيّ: قَالَ: «فَلا تُشْهِدُني إِذا، فَإِنيِّ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ». والمرادُ من الْجور: هُوَ العدولُ عَنِ التَّسْوِيَة. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيث فوائدُ، مِنْهَا: استحبابُ التَّسْوِيَة بَين الْأَوْلَاد فِي النَّحْل وَفِي غَيرهَا من أَنْوَاع البرِّ حَتَّى فِي القُبل، ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا، حَتَّى لَا يَعْرضَ فِي قلب المفضولِ مَا يمنعهُ من بره. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَو نحلَ البعضَ وفضَّلهُ، يَصح، لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْجِعْهُ» وَلَو لم يَصح لما احْتَاجَ إِلَى الرُّجوع. وَاخْتلف أهلُ الْعلم فِي تَفْضِيل بعض الْأَوْلَاد على بعض فِي النَّحل، فَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ مَكْرُوه، وَلَو فعل نفذ، وَهُوَ قَول مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، قَالَ إِبْرَاهِيم: كَانُوا يستحبُّون أَن يعدلُوا بَين أَوْلَادهم حَتَّى فِي القُبَل. وَذهب قومٌ إِلَى أنهُ لَا يجوز التفضيلُ، وَيجب التَّسْوِيَة بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث، وَلَو فضل، لَا ينفذ، وَهُوَ قَول طَاوُس، وَبِهِ قَالَ دَاوُد، وَلم يجوزه سُفْيَان الثَّوْرِيّ. وَذهب قومٌ إِلَى أَن التَّسْوِيَة بَين الْأَوْلَاد أَن يُعطي الذكرُ مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِن سوى بَينهمَا، أَو فضَّل بعضَ الذُّكُور على بعض، أَو بعض الْإِنَاث على بعض، لم ينفذ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْح، وَهُوَ قَول أَحْمَد،

وَإِسْحَاق، وَاحْتَجُّوا بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ»، والجور مَرْدُود. وَمن أجَازه قَالَ: إِنَّه مَيلٌ عَنْ بَعضهم إِلَى بعض، وعدولٌ عَنِ الطَّرِيق الْأَحْسَن، وَالْفِعْل الْأَفْضَل، بِدَلِيل أَنَّهُ قَالَ: " فارجعه " وَلَو لم يكن نَافِذا لما احْتَاجَ إِلَى الرُّجُوع، وَيدل عَلَيْهِ مَا روينَا أَنَّهُ قَالَ: «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» وَلَو كَانَت بَاطِلَة لما جَازَ إشهادُ الْغَيْر عَلَيْهَا. وَقَدْ فَضَّلَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَة بِجِدَادِ عِشْرِينَ وَسَقًا نَحَلَهَا إيَّاهَا دُونَ سَائِرِ أَوْلادِهِ،

وَفَضَّلَ عُمَرُ بْن الخَطَّابِ عَاصِمًا بِشَيء أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَفَضَّلَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْن عَوْفٍ وَلَدَ أُمِّ كُلْثُومٍ. وَفِي الْحَدِيث دليلٌ على أنَّ الْوَالِد إِذا وهب لوَلَده شَيْئا وَسلم إِلَيْهِ، جَازَ لهُ الرجوعُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْأُمَّهَات والأجداد، فَأَما غيرُ الْوَالِدين فَلَا رُجُوع لَهُم فِيمَا وهبوا وسلموا، لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العائدُ فِي هبتِه كالعائد فِي قيئه» وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، غير أَن الأولى أَلا يرجع إِلا عَنْ غَرَض ومقصود، مثل أَن يُرِيد التَّسْوِيَة بَين الْأَوْلَاد، أَو إِبْدَاله بِمَا هُوَ أَنْفَع للْوَلَد، وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ لَا رُجُوع لهُ فِيمَا وهب لوَلَده، وَلَا لأحد من ذَوي مَحَارمه، وَله أَن يرجع فِيمَا وهب للأجانب، مَا لم يثب عَلَيْهِ، يُروى ذَلِكَ عَنْ أَحْمَد، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وجوَّز مَالِك الرُّجُوع فِي الْهِبَة على الْإِطْلَاق، إِذا لم يكن الموهوبُ قد تغيَّر عَنْ حَاله، وَقَالُوا جَمِيعًا: لَا يرجع أحد الزَّوجين فِيمَا وهب لصَاحبه. قَالَ الزُّهْرِيّ فِيمَن قَالَ لامْرَأَته: هبي لي بعضَ صَداقك أَو كلَّهُ، ثُمَّ لم يمكُثْ إِلا يَسِيرا حَتَّى طَلقهَا فَرَجَعت فِيهِ؟ قَالَ: يُردُّ إِلَيْهَا إِن كَانَ خلبها، وَإِن كَانَت أَعطَتْهُ عَنْ طيب نفس لَا خديعةَ فِيهِ جَازَ، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} [النِّسَاء: 4]

واحتجِّ من جَوَّز للْأَب الرُّجُوع على الْخُصُوص بِمَا 2203 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، قَالَ: أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ إِلا الْوَالِدَ مِنْ وَلَدِهِ» وَرَوَاهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسدَّدٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ طَاوُسٍ. قَالَ الإِمَامُ رحمهُ اللَّه: من وهب شَيْئا بِشَرْط الثَّوَاب فَهُوَ لَازم، ثُمَّ ذهب بعضُ أهل الْعلم إِلَى أَنَّهَا مُعَاوضَة يثبتُ فِيهَا أحكامُ الْمُعَاوَضَات من الرِّد بِالْعَيْبِ، وَخيَار الثَّلَاث، وَخيَار الْمَكَان، وَحكم الرِّبا، وَيجب

أَن يكون الثوابُ مَعلومًا، وَقيل: لَيْسَ بمعاوضة لَا يثبت فِيهَا الرَّد بِالْعَيْبِ، وَلَا خِيَار الثَّلَاث، وَيجوز مَعَ جَهَالَة الثَّوَاب، فَإِن لم يثُب رَجَعَ، وَلَو وهب شَيْئا من مَال الرِّبَا ليثيبه بِمَا يوافقهُ فِي الْعلَّة لَا يشْتَرط التَّقَابُض فِي الْمجْلس، وَاخْتلفُوا فِي الْهِبَة الْمُطلقَة الَّتِي لم يُشترط فِيهَا الثَّوَاب، فَذهب غيرُ وَاحِد من الْفُقَهَاء إِلَى أَنَّهَا تَقْتَضِي الثَّوَاب، لما رُوي عَنْ عَائِشَة «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثيبُ عَلَيْهَا». ورُوي عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَن أَعْرَابِيًا أهْدى لرَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكرَة، فعوَّضهُ مِنْهَا بست بكرات، فتسخط، فَبلغ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمدَ اللَّه، وثنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ فُلَانًا أَهْدَى إِلَيَّ نَاقَةً، فَعَوَّضْتُهُ مِنْهَا بِسِتّ بَكَرَاتٍ، فَظَلَّ سَاخِطًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَقْبَلَ هَدِيَّةً إِلا مِنْ قُرَشيٍّ، أَوْ أَنْصَارِيٍّ، أَوْ ثَقَفِيٍّ، أَوْ دَوْسِيٍّ». وَمِنْهُم من جعَل الناسَ فِي الْهَدَايَا على ثَلَاث طَبَقَات: هبةُ الرجُل مِمَّن هُوَ دونه، فَهُوَ إكرامٌ وإلطاف لَا يَقْتَضِي الثَّوَاب، وَكَذَلِكَ هبةُ النظير من النظير، لِأَنَّهُ يُقصد بهَا التوددُ والتَّقربُ، وَأما هبة الْأَدْنَى من الْأَعْلَى فَيَقْتَضِي الثَّوَاب، لأنَّ الْمُعْطِي يقْصد بهَا الرِّفد وَالثَّوَاب، ثُمَّ قدرُ ذَلِكَ الثَّوَاب على العُرف وَالْعَادَة، وَقيل: قدر قيمَة الْمَوْهُوب، وَقيل: حَتَّى

باب قبض الموهوب

يَرضى الْوَاهِب، كَمَا روى أَبُو هُرَيْرَةَ من هَدِيَّة الأَعْرَابِيّ، وَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِيّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ الْهِبَة الْمُطلقَة لَا تَقْتَضِي الثَّوَاب، سَوَاء وهب لنظيره، أَو لمن دونه أَو فَوْقه. وكلُّ من أوجب الثَّوَاب إِذا لم يُثب، كَانَ للْوَاهِب الرُّجُوع فِي هِبته، قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: من وهب هبة لصلة الرَّحِم، أَو عَليّ وَجه الصَّدَقَة، فإنَّهُ لَا يرجع فِيهَا، وَمن وهب هبة يرى إِنَّمَا أَرَادَ بهَا الثَّوَاب، فَهُوَ على هِبته يرجع فِيهَا إِن لم يرض مِنْهَا. ورُوي " أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِي امْرَأَة تخرجُ من عِنْد عَائِشَة مَعهَا شيءٌ تحملهُ، فَقَالَ لَهَا: مَا هَذَا، فَقَالَت: أهْديتُهُ لعَائِشَة، فَأَبت أَن تقبلَه منِّي، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَائِشَة حِين دخل عَلَيْهَا: أَلا قَبِلْتيِه مِنْهَا مَرَّةً وَاحِدة، قَالَت: يَا رسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مُحْتَاجَةٌ، وَهِيَ كَانَتْ أَحْوَجُ إليْهِ مِنِّي، قَالَ: فَهَلا قَبِلْتِيهِ وَأعْطَيْتِهَا خَيْرًا مِنْهُ ". بَاب قَبْضِ المَوْهُوبِ 2204 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكرٍ الصِّدِّيقَ نَحَلَها جَادَّ عِشْريْنَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالغابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ

الوَفَاةُ، قَالَ: واللهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيَّ غِنًى مِنْكَ بَعْدِي، وَلا أَعَزُّ عَلِيَّ فَقْرًا مِنْكِ بَعْدِي، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْريْنَ وَسْقًا، فَلَوْ كُنْتِ جددتيه، وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتاكِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ يَا أَبَتِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، لَتَرَكْتُهُ إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ، فَمَنِ الأُخْرَى؟ قَالَ: ذُو بَطْنِ ابْنَةِ خَارِجَةَ أَرَاهَا جَارِيَةً. قَوْله: جاد عشْرين وسْقا، يَعْنِي: مَا يُجد منهُ فِي كل صِرام عشرُون وسْقا، وَفِيه دليلٌ على جَوَاز تَفْضِيل بعض الْأَوْلَاد فِي النِّحلة على بعض، وَأَن الْهِبَة لَا يحصُل بهَا الملكُ مَا لم يتَّصل بهَا الْقَبْض من الْمَوْهُوب لَهُ، وَأَن من وهب لوَارِثه شَيْئا، وَكَانَت الهبةُ فِي الصِّحَّة، وَالْقَبْض فِي مرض موت الْوَاهِب، كَانَ كابتداء الْعَطِيَّة فِي الْمَرَض، وَتَكون مَردودة، والهدية مَنْدُوب إِلَيْهَا، وَيحصل الْملك فِيهَا بعد وصولها، إِلَى الْمهْدي، فَإِن مَاتَ الْمهْدي قبل وصولها إِلَى المهدى لَهُ، كَانَت لوَارث الْمهْدي، قَالَ عُبَيْدَة: إِن مَاتَا وَقد فصلت الْهَدِيَّة فِي حَيَاة الْمهْدي لهُ، فَهِيَ لوَرثَته، وَإِن لم تكن فصلت، فلورثة الْمهْدي، قَالَ الْحَسَن: هِيَ لوَرَثَة الْمهْدي لهُ إِذا قبضهَا الرسولُ.

باب ما لولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم

والصَّدقة يملكُها المتصدَّق عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ، وَإِن لم يقل بِلِسَانِهِ: قبلت، وَمن وهب دينا لَهُ على آخر أَو أبرأهُ سقط، وَإِن لم يقل: قبلت، وَمن أُهْدِيَ إِلَيْهِ شَيْء يسْتَحبّ لَهُ أَن يُكَافِئهُ، فقد روى عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَهْدَى لَكُمْ فَكَافِئُوه، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تَكَافئوهُ فادْعُوا لَهُ». بَابُ مَا لِوَلِيِّ اليَتيِمِ أَنْ يَنَالَ مِنْ مَالِ اليَتيِمِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [الْبَقَرَة: 220]، وَقَالَ: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النِّسَاء: 6] أيْ: مُبَادَرَةً، يَقُولُ: لَا تُبَادِرُوا بُلُوغَ اليَتَامَى بِإنْفَاقِ أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 6]. قَالَتْ عَائِشَة: «أُنْزِلَتْ فِي وَلِيِّ اليَتِيمِ الَّذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ،

وَيُصْلحُ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ فَقِيرًا يَأْكُلُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ». ويُرْوَى عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: «يَأكُلُ الوَصِيُّ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ»، وَقيل: يَأْكُلُ بِالمَعْرُوفِ قَدْرَ مَا يَسُدُّ بِهِ خَلَّتْهُ. 2205 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَيْرَبَنْدِ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ التَّمَّارُ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ، نَا حُسَيْنٌ يَعْنِي الْمُعَلِّمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَجُلا أَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِي شَيْءٌ، وَلِي يَتِيمٌ؟ قَالَ: فَقَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلا مُبَادِرٍ وَلا مُتَأَثِّلٍ». قَوْله: غير متأثل، أَي: غير متخذ مِنْهُ أصلَ مَال، وأثلة الشَّيْء: أَصله. قَالَ الإِمَامُ: الأبُ الْفَقِير يستحقُّ النِّفَقَةَ فِي مَال وَلَده، صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيث فِيهِ، لأنَّ الْيَتِيم اسمٌ للصَّغير الَّذِي لَا أَب لهُ، إِنَّمَا الْحَدِيث فِي ولي الْيَتِيم الَّذِي يقوم بصلاح أمره وَمَاله،

فلهُ أَن يَأخذ من مَاله قدرَ أجر مثل عمله، وَقيل فِي قَوْله عزَّ وَجل: {إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الْأَنْعَام: 152] هُوَ أَن يَأْخُذ من مَاله مَا يَستُر عَوْرَته، ويَسدُّ جَوْعَته. وَاخْتلف أهل الْعلم فِيهِ، فَذهب قومٌ إِلَى أنهُ يَأْكُل من مَاله وَلَا يقْضِي، يُروى ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قولُ الْحَسَن، والنَّخعي، وَبِهِ قَالَ أحمدُ بْن حَنْبَل. 2206 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنَّ لِي يَتِيمًا وَإِنَّ لَهُ إِبِلا، أَفَأَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ إِبِلِهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّةَ إِبِلِهِ، وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا، وَتلُطُّ حَوْضَهَا، وَتَسْقِيَهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ، وَلا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ». قولهُ: «تَهْنَأُ جَرْبَاهَا» أَي: تَطليها بالقطران، والهناء: القطران، وقولهُ: «وتلُطُّ حَوْضَها» الصَّوابُ: وتلوطُ حَوْضهَا، أَي: تطينه وتصلحهُ، واللط: الْمَنْع، يقَالَ لطَّ الغريمُ، وألطَّ: إِذا مَنع الْحق.

قَالَ الْحَسَن فِي الْيَتِيم، إِذا كَانَت لهُ مَاشِيَة: إِنَّ لِلوصيِّ أَن يُصيب من ثلَّتِها ورِسلها، وَأَرَادَ بالثلة: الصُّوف، والرِّسل: اللَّبن. وَذهب قومٌ إِلَى أنهُ يَأكل ويؤديه إِلَيْهِ إِذا كبِر، وَهُوَ قَول سَعيد بْن جُبَير، وَمُجاهد، وعَبيدة السَّلماني، وَإِلَيْهِ ذهبَ الأَوْزَاعِيّ. قَالَ الإِمَامُ: وعَلى وليِّ الْيَتِيم مُراعاة النّظر والمصلحة فِي مَاله، وَكَانَ ابْن سِيرِينَ، أحبُّ الْأَشْيَاء إِلَيْهِ فِي مَال الْيَتِيم أَن يجْتَمع نصحاؤهُ وأولياؤه فَيَنْظُرُونَ الَّذِي هُوَ خير لهُ. وَكَانَ طَاوُس إِذا سُئل عَنْ شَيْء من أَمر الْيَتَامَى، قَرَأَ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [الْبَقَرَة: 220]. وَقَالَ عَطَاء فِي يتامى الصَّغِير وَالْكَبِير: يُنفق الوليُّ على كل إِنْسَان بِقَدرِهِ من حِصَّته. وَلَا بَأْس باستخدام الْيَتِيم فِي السَّفر والحضر، إِذا كَانَ صلاحًا لهُ، قَالَ أَنَس: أَخذ بيَدي أَبُو طَلْحَة، وَانْطَلق بِي إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِن أنسا غُلَام كيسٌ، فليخدُمْك قَالَ: فخدمتهُ فِي السَّفر والحضر، وَقَالَ النَّخعِيّ: حكم الْيَتِيم كَمَا تحكم ولدك، قيل: مَعْنَاهُ: امنعهُ عَنِ الْفساد.

باب اللقطة

بَاب اللُّقَطَةِ 2207 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلا فَشَأْنُكَ بِهَا، قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ "، قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟، قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر عَنْ رَبِيعَةَ: «عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِها، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، فَأَدِّهَا إلَيْهِ» وَقَالَ سُفْيَان عَنْ رَبِيعَةَ: «عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِها، وَإلا فَاسْتَنْفِقْ بِهَا». قَالَ الإِمَامُ: اللّقطَة، اسمٌ لِلْمَالِ الَّذِي يوجدُ ضائعًا، فيلتقط، حُكيَ عَنِ الْخَلِيل، أَنَّهُ قَالَ: اللقَطة، بتحريك الْقَاف: الَّذِي يلقطُ الشَّيْء، واللقْطة بِسُكُون الْقَاف: مَا يُلتقط، قَالَ الْأَزْهَرِي: هَذَا الَّذِي قالهُ قياسٌ، لِأَن «فُعلة» فِي أَكثر كَلَامهم جَاءَ فَاعِلا، و «فُعْلة» جَاءَ مَفْعُولا، غير أَنَّ كَلَام الْعَرَب جَاءَ فِي اللّقطَة على غير قِيَاس، وَأجْمع أهل اللُّغَة ورواة الْأَخْبَار على أنَّ اللّقطَة هِيَ الشَّيْء الْمُلْتَقط، وَكَذَلِكَ قَالَ الْفراء، وَابْن الأَعْرَابِيّ، والأصمعي، والالتقاط: وجود الشَّيْء على غير طلب، وَمِنْه قولهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} [يُوسُف: 10]، وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [الْقَصَص: 8]. والعفاصُ: الوعاءُ الَّذِي تكون فِيهِ النفقةُ من جلد، أَو خرقَة، أَو غير ذَلِكَ، ولهَذَا يُسمى الْجلد الَّذِي تُلبسه رأسُ القارورة العِفاصَ، لِأَنَّهُ كالوعاء لَهَا، وَلَيْسَ بالصِّمام، الَّذِي يدْخل فِي فَم القارورة، فَيكون سدادًا لَهَا. والوكاء: الْخَيط الَّذِي يُشد بِهِ العِفاص.

وقولهُ فِي ضَالَّة الْإِبِل: «مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا» أَرَادَ بالسِّقاء أَنها إِذا وَردت المَاء، شربت مِنْهُ مَا يكون فِي رِيُّها لظمئها، وَهِي من أطول الْبَهَائِم ظَمَأً، لِكَثْرَة مَا تحمل من المَاء، وَأَرَادَ بالحذاء: أخفافها، وَأَنَّهَا تقوى بهَا على السّير، وَقطع الْبِلَاد الشاسعة، وَورد الْمِيَاه النائية. قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: وفقهُ هَذَا الْحَدِيث أَن من وجد لُقطةً يَعرف عفاصها ووكاءها وعددها، ثُمَّ يُعرِّفها سنة فِي المجامع، وأبواب الْمَسَاجِد، وَيكون أكثرُ تَعْرِيفه حَيْثُ وجدهَا، فَإِن ظهر مالكُها، دَفعهَا إِلَيْهِ، وَإِن لم يظْهر فَلهُ أَن يتملَّكها، فيأكلها، ويستمتع بهَا، سَوَاء كَانَ فَقِيرا أَو غَنِيا، ثُمَّ إِذا ظهر مالِكُها، دفع قيمتهَا إِلَيْهِ، وَهُوَ قَول بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمن بعدهمْ، يُروى ذَلِكَ، عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَائِشَة، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ بعد مَا عرفّها سنة يتَصَدَّق بهَا، وَلمن يكن لَهُ أَن ينْتَفع بهَا إِذا كَانَ غَنِيا، يرْوى ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَبِهِ قَالَ عَطَاء، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَعَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَالْأول ظَاهر الْحَدِيث، وَقد رُوي عَنْ سَلمَة بْن كُهيل، عَنْ سُوَيْد بْن غَفلة، قَالَ: لقِيت أَبِي بْن كَعْب، قَالَ: " وجدتُ صرة فِيهَا مائةُ دِينَار، فأتيتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلا. فَعَرَّفْتُها، ثُمَّ أَتَيْته، فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلا. فعرفتها، ثُمَّ أَتيتهُ، فَقلت: لم أجد من يعرفهَا، فَقَالَ: احْفَظْ عَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا، فَإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإلا فاسْتَمْتعْ بِهَا. فاستمتعتْ. فلقيتهُ بعدُ بمكَّة، فَقَالَ: لَا أَدْرِي ثَلَاثَة أَحْوَال أَو حولا وَاحِدًا ".

فهَذَا يدلُّ على أَن الْغَنِيّ يَستمتع باللقطة، فإنَّ أَبِي بْن كَعْب كَانَ من مياسير الْأَنْصَار. ورُوي أَن عليا وجد دِينَارا، على عهد رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأكلها، وَلَو كَانَت اللّقطَة كالصدقة، لم تحلَّ لعَلي بْن أَبِي طَالب، لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّن لَا تحل لهُ الصَّدقة. ومذهبُ عَامَّة الْفُقَهَاء، أَن تَعْرِيف اللّقطَة سنة وَاحِدَة، كَمَا جَاءَ فِي خبر زَيْد بْن خَالِد، والثلاثُ فِي حَدِيث أَبِي بْن كَعْب شكٌّ لم يصِرْ إِلَيْهِ أحد من أهل الْعلم. وَظَاهر الْحَدِيث يدلُّ على أَن قليلَ اللّقطَة وكثيرَها سَوَاء فِي وجوب تَعْرِيفهَا سنة، وَإِلَيْهِ ذهب بعض أهل الْعلم، وَذهب قوم إِلَى أَن الْقَلِيل لَا يجبُ تعريفُه، ثُمَّ مِنْهُم من قَالَ: مَا دُونَ عَشْرة دَرَاهِم قَلِيل، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا يُعرَّف مَا فَوق الدِّينَار، لما رُوِيَ عَنْ عَليّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ وجد دِينَارا، فَسَأَلَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هَذَا رِزْقُ اللَّه، فَاشْتَرِ بِهِ دَقيقًا وَلْحمًا» فَأكل مِنْهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعلي، وَفَاطِمَة، ثُمَّ جَاءَ صاحبُ

الدِّينار ينشُد الدينارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ أَدِّ الدِّينَارَ»، فَفِيهِ دليلٌ على أَن الْقَلِيل لَا يُعرف. قَالَ الإِمَامُ: وَقد رُوي عَنْ عَطَاء بْن يَسَار، أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعَلي: «عَرِّفْهُ». وَقَالَ بَعضهم: إِن كَانَ دون دِينَار يُعرف جُمُعَة، وَهُوَ قَول إِسْحَاق، وَقَالَ قومٌ: ينْتَفع بِالْقَلِيلِ التافه من غير تَعْرِيف، كالنعل، وَالسَّوْط، والجراب، وَنَحْوهَا وَلَا يتموله، لما رُوِيَ عَنْ جَابِر، قَالَ: «رخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العَصَا، وَالسَّوْطِ، والحَبْلِ، وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ». وَاخْتلفُوا فِي تَأْوِيل قَوْله: «اعرف عِفاصها ووِكاءها» وَأَنه لَو جَاءَ رجُلٌ، وادَّعي اللقطةَ، وَعرف عفاصها ووكاءها ووصفها، هَل يجبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ أم لَا؟ فَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ يجبُ الدّفع إِلَيْهِ من غير بَيِّنَةٍ

وَهُوَ المقصودُ من معرفَة العِفاص والوكاء، وَهُوَ قَول مَالِك، وَأَحْمَد، وَقد رُوِيَ فِي حَدِيث أَبِي بْن كَعْب من طَرِيق حَمَّاد، عَنْ سَلمَة بْن كُهيل، عَنْ سُويد بْن غفَلَة، عَنْ أَبِي بْن كَعْب، «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَعَرَفَ عَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا، فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ». وَقَالَ الشَّافِعِيّ: إِذا عرَّف الرجل العِفاص والوكاء وَالْعدَد وَالْوَزْن، وَوَقع فِي نَفسه أَنَّهُ صَادِق، فلهُ أَن يُعْطِيهِ، وَلَا أجبرهُ عَلَيْهِ إِلا بِبَيِّنَة، لِأَنَّهُ قد يُصيبُ الصّفة بِأَن يسمع الْمُلْتَقط يصفها، وَبِهِ قَالَ أَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالُوا: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَعَرَفَ عَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا» لفظ تفرد بروايته حَمَّاد من بَين سَائِر الروَاة، فعلى هَذَا تأويلُ قَوْله: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكاءَهَا» لِئَلَّا يخْتَلط بِمَالِه اختلاطًا، لَا يُمكنهُ التمييزُ إِذا جَاءَ مَالِكهَا، وليتميز عَنْ تركته إِذا مَاتَ، فَلَا يقتسمها ورثُته فِي جملَة تركته، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا 2208 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، " أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا،

ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّها، فَأَدِّهَا إِلَيْهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، فَضَالَةُ الغَنَمِ؟ قَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا! مَعَهَا حِذَاؤُهَا، وَسِقَاؤُهَا، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ أَيْضًا. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: «تُعَرِّفُهَا حَوْلا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، دَفَعْتَهَا إِلَيْهِ، وَإِلا عَرَفْتَ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ أَفْضِهَا فِي مَالِكَ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُها دَفَعْتَهَا إِلَيْهِ». فقولهُ: «أَفِضْهَا» يَعْنِي اخلطها بِمَالك. فَتبين بهَذَا أَن معرفَة هَذِه الْأَشْيَاء لِإِمْكَان التَّمْيِيز بعد الْخَلْط بمالِه، لَا لوُجُوب الدّفع إِلَى من يدعيها من غير بَيِّنَة. وَمن وجد لقطَة، فَلَا يُكره لَهُ أخذُها عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُنكر على عليَّ وأُبي بْن كَعْب أَخذهَا، وَكره أَحْمَد بْن حَنْبَل أَخذهَا، وَقد قيل: يجب أخذهَا حَتَّى لَا يضيع مَال مُسْلِم، وَإِذا أَخذهَا يُستحب أَن يُشهد عَلَيْهَا، لما رُوِيَ عَنْ مطرِّف بْن عَبْد اللَّهِ، عَنْ عِيَاض بْن حمَار، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدَ لُقْطَةً، فَلْيُشْهِدْ ذَوِي

عَدْلٍ، وَلَا يَكْتُمُ، فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبهَا، فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ». وهَذَا أَمر تَأْدِيب وإرشاد، وَذَلِكَ لمعنيين، أحَدُهما: مَا لَا يؤُمن أَن يحمِلَهُ الشيطانُ على إِِمْسَاكهَا، وَترك أَدَاء الْأَمَانَة فِيهَا، وَالثَّانِي: رُبمَا تخترمُه المنيةُ، فتحوزها ورثتهُ فِي جملَة التَّرِكَة، وَقد قيل: الْإِشْهَاد واجبٌ. وَقَوله فِي ضَالَّة الْغنم: «هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب»، فهَذَا رُخصة فِي أَخذهَا، معناهُ: أَنَّهَا طعمة لكل آخذ، فَإِن لم تأخذها أَنْت يَأْخُذهَا غَيْرك، أَو يأكلها الذِّئْب. وحكُم الضَّالة، أَنَّهُ إِن وجدهَا فِي صحراء، وَكَانَ مِمَّا يمْتَنع من صغَار السِّباع بقوته، كَالْإِبِلِ، وَالْبَقر، وَالْخَيْل، وَالْبِغَال، وَالْحمير، أَو بعدوه، كالظبي والأرنب، أوْ بطيرانه، فَلَا يجوز أَخذهَا إِلا للْإِمَام، وَلَا بَأْس لَهُ أَن يَأْخُذهَا، فيمسكها فِي مَوضِع الضوال إِلَى أَن يطْلبهَا مالكُها، فَإِن أَخذهَا رجل، كَانَ ضَامِنا، وَلَا يخرج عَنِ الضَّمَان بِالْإِرْسَال، حَتَّى يردَّ إِلَى الْمَالِك. وَإِن كَانَ ممَّا لَا يمْتَنع من صغَار السِّباع، كالشاة، والفصيل، والعجل، وَالْبَعِير الكسير، وَنَحْوهَا، يجدهَا فِي صحراء أَو مهلُكة، فلهُ أَن يأكلها، وَالْقيمَة فِي ذمَّته لمَالِكهَا إِلَّا أَن يتَبَرَّع بإمساكها، والإنفاق عَلَيْهَا وتعريفها، قَالَ مَالِك: إِذا وجد الشَّاة فِي الصَّحرَاء، فَأكلهَا، لَا غرم عَلَيْهِ، لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ لكَ»، وَعند الْعَامَّة معنى قَوْله: «هِيَ لَكَ» فِي إِبَاحَة الْأكل لَا فِي سُقُوط الْغرم، وَكَذَلِكَ الْأَطْعِمَة الَّتِي لَا تبقى، لَهُ أَن يأكلها وَالْقيمَة فِي ذمَّته، وَلَو لم يَأْكُل أَو كَانَ حَيَوَانا لَا يحل أكلهَا، كالجحش، يَبِيعهَا ويمسك ثمنهَا إِلَى أَن تمْضِي مُدة التَّعْرِيف، ثُمَّ يتَمَلَّك. وَإِن وجد الضَّالة فِي قَرْيَة، وَبَين ظهراني عمَارَة، فَعَلَيهِ أَن يُعرِّفها سنة، كَسَائِر الْأَمْوَال، لَا فرق

بَين ضَالَّة الْإِبِل وَالْغنم، لِأَن الْعَادة لم تجر بإرسال الْإِبِل فِي الْبَلَد من غير حَافظ، وَالْمرَاد من الْحَدِيث فِي الْفرق بَين الْإِبِل وَالْغنم فِي الصَّحرَاء، لِأَن الْإِبِل تُرسل فِي الصَّحرَاء بِلَا حَافظ، وَالشَّاة جعلهَا لهُ أَو لِأَخِيهِ أَو للذئب، والذئابُ يُخشى مِنْهَا فِي الصَّحرَاء على الْغنم، لِأَنَّهَا لَا تأوي إِلَى الْأَمْصَار والقرى. وَذهب بَعضَهم إِلَى أَنَّهُ لَا فرق فِي الْإِبِل، وأمثالها من الْحَيَوَانَات الْكِبَار بَين الصَّحرَاء والقرى فِي أَنَّهُ لَا يجوز أخذُها، لظَاهِر الْحَدِيث وَلما رُوِيَ عَنْ جرير قَالَ: سَمِعت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُول: «لَا يئْوِي الضَّالَّةَ إِلا ضَالٌّ»، وَرُوِيَ أنَّ ثَابِت بْن الضَّحَّاك، وجد بَعِيرًا، فَسَأل عُمَر، فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَى الْموضع الَّذِي وجدته، فَأرْسلهُ». 2209 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا يَحْيَى، نَا حُمَيْدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرَقُ النَّارِ»

وتأويله عِنْد الْأَكْثَرين على الْحَيَوَان الْمُمْتَنع يجده فِي الصَّحرَاء، فَلَا يجوز أَن يَأْخُذهُ. قَالَ الإِمَامُ: أَو أَرَادَ بِهِ إِذا آواها وَلم يعرفهَا، بِدَلِيل مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَالم الجيشاني، عَنْ زَيْد بْن خَالِد الْجُهَنِيّ، عَن رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ آوى ضَالَّةً، فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرَّفْهَا». 2210 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَيْرَبَنَدْ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُصِيبُ هَوَامِيَ الإِبِلِ؟، فَقَالَ: «ضَالَّةُ المُؤْمِنِ أَوِ الْمُسْلِمِ حَرَقُ النَّارِ». قَالَ أَبُو عُبيد: الهوامي: هِيَ الْإِبِل الْمُهْملَة الَّتِي لَا راعي لَهَا، وَلَا حَافظ، يقَالَ: بعيرُ هام وناقة هامية. وَقَوله: «حرقُ النَّار»، قَالَ ثَعْلَب: حرق النَّار: لهبها، معناهُ: إِذا أَخذهَا إِنْسَان ليتملكها، أدَّته إِلَى النَّار. وَقيل: إِذا وجد الشَّاة فِي الْقرْيَة، جَازَ أكلُها، كَمَا لَو وجدهَا فِي الصَّحرَاء، وَلَو وجد طَعَاما رطبا لَا يبْقى، فللشافعي فِيهِ قَولَانِ، أَحدهمَا: يأكلهُ وَالثمن فِي ذمَّته، وَالثَّانِي، وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ: يَبِيعهُ ويُمسك ثمنه، ويعرفهُ بعد البيع، لأنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل للملتقط: شَأْنك بهَا إِلا بعد السَّنة، إِلا الصغار من الْحَيَوَانَات، يجدهَا فِي مهلكه، فلهُ أكلُها.

2211 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، نَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " سَمِعْتُ رَجُلا مِنْ مُزَيْنَةَ يَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ، فَقَالَ: مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَأْكُلُ الشَّجَرَ وَتَرِدُ الْمَاءَ، دَعْهَا حَتَّى يَأْتِيَ بَاغِيهَا. وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، احْبِسْهَا حَتَّى يَأْتِيَ بَاغِيهَا. ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ حَرِيسَةِ الْجَبَلِ تُؤْخَذُ مِنْ مَرَاتِعِهَا، قَالَ: فِيهَا ثَمَنُهَا مَرَّتَيْنِ وَضَرْبُ نَكَالٍ، فَمَا أُخِذَ مِنْهَا مَنْ أَعْطَانِهِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ إِذَا بَلَغَ مَا يُؤخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنُ المِجَنِّ. وَسَأَلَهُ عَنِ الثِّمَارِ، فَقَالَ: مَا كَانَ فِي أَكْمَامِهَا، فَمَنْ أَكَلَ بِفَمِهِ، وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ وُجِدَ قَدْ حَمَلَ، فَفِيهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ، وَضَرْبُ نَكالٍ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْ أَجْرَانِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ، إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ المِجَنِّ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجِدُ فِي السَّبِيلِ العَامِرِ مِنَ اللُّقَطَةِ؟ قَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلا فَهِيَ لَكَ. قَالَ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجِدُ فِي الْخَرَابِ الْعَادِيِّ؟، قَالَ: فِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ ". قَالَ الإِمَامُ: أَرَادَ بحريسة الْجَبَل: الْبَقر، أَو الشَّاة، أَو الْإِبِل، الْمَأْخُوذَة من المرعى، يقَالَ: احترس الرَّجلُ، إِذا أَخذ الشَّاة من المرعى، وَإِيجَاب الثّمن مرَّتَيْنِ يُشبه أَن يكون على سَبِيل الْوَعيد والزجر، وَإِلَّا فالشيء الْمُتْلف لَا يُضمن بِأَكْثَرَ من ثمن مثله، وَكَانَ عمرُ بْن الْخَطَّاب يحكم بِهِ، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمَد بْن حَنْبَل، وَقد قيل: كَانَ فِي صدر الْإِسْلَام يَقع بعضُ الْعُقُوبَات فِي الْأَمْوَال، ثُمَّ نسخ، وَالله أعلم، وَأَرَادَ «بِضَرْب النكال» التَّعْزِير. وَقَوله: «وَمَا سُرق مِنْهَا من أعطانه» أَرَادَ بِهِ: إِذا كَانَ الْبَعِير محرزا فِي مراحه، أَو عطنه، فَيجب الْقطع على سارقه، وَإِن كَانَ مُرْسلا فِي صحراء أَو جبل لَيْسَ لهُ حَافظ فَلَا قطع على من أَخذه، وَالْمرَاد من «ثمن الْمِجَن» ثَلَاثَة دَرَاهِم، فقد رُوي عَنِ ابْن عُمَر، عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِم». وَجعل بعض الْعلمَاء الْحَد فِيمَا يجب فِيهِ الْقطع ثَلَاثَة دَرَاهِم.

وقولهُ فِي الثِّمَار: «مَنْ أَكَلَ بِفَمِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ»، فَالخُبنة: مَا يحملهُ الرجل فِي ثَوْبه، ويرفعهُ إِلَى فَوق، يُقَالَ للرجل إِذا رفع ذيلهُ فِي الْمَشْي: قد رفع خُبنته، قَالَ ابْن الأَعْرَابِيّ: أخبن الرجل إِذا خبأ فِي خُبنة سراويله مِمَّا يَلِي الْبَطن، وأثبن: إِذا خبأ فِي ثبنته مِمَّا يَلِي الظّهْر. فَفِيهِ إِبَاحَة الْأكل من الثَّمر المعلَّق على مَا ذهب إِلَيْهِ بعض أهل الْعلم، أَو لضَرُورَة تَدْعُو إِلَى الْأكل، وَأوجب على الْحَامِل الغُرم والنِّكال، وَهُوَ التَّعْزِير، لِأَنَّهُ لَيْسَ من بَاب الضَّرُورَة، وَلم يُوجب الْقطع لعدم الحِرز، فَإِن حَوَائِط الْمَدِينَة لم يكن لَهَا حيطان تكون بهَا الثَّمَرَة محرزة. وَقَوله: «وَمَنْ أَخَذَ مِنْ أَجْرَانِهِ» فَهُوَ جمع الجرين، وَهُوَ البيدر وَهُوَ حِرز الثِّمَار، كَمَا أَن المراح حِرز للغنم، لِأَن حرز الْأَشْيَاء على حسب عادات النَّاس فِي أَمْثَالهَا، فَأوجب الْقطع فِي الثَّمر، بعد مَا آواهُ الجرين لوُجُود الْحِرْز. وَمن وجد مَالا فِي طَرِيق مَسلوك، فَهُوَ لقطَة، وَإِن وجد فِي أَرض العادية الَّتِي لم يجر عَلَيْهَا ملكٌ فِي الْإِسْلَام، فَهُوَ ركاز يجب فِيهِ الخُمس، وَالْبَاقِي للواجد، وَالله أعلم. وَمن اشْترى أَرضًا، فَوجدَ فِيهَا دَفِينا، كَانَ لبَائِعه إِن ادَّعاهُ، وَإِن لم يَدعه، رَجَعَ إِلَى من تلقى بائعهُ الْملك مِنْهُ، فَإِن تنَازع فِيهِ البَائِع وَالْمُشْتَرِي كَانَ للْمُشْتَرِي، لِأَن الْيَد لَهُ. 2212 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهِ،

نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى العَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي بَاعَ الأَرْضَ: إنَّما بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكما إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلامٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، فَقَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلامَ الْجَارِيَةَ، وَأنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِكُمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، مُنْقَطِعًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا أَنْ يَعْلِفُوهَا، فَسَيَّبُوهَا فَأَخَذَهَا فَأَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ». وَذَهَبَ إِلَى هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْعلم أَنَّ صَاحبهَا إِذا تَركهَا بمهلكة، فَأَخذهَا رجلٌ، ملكهَا، وَهُوَ قَول أَحْمَد، وَإِسْحَاق.

باب اللقيط

وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يملكهَا، بل هِيَ لُقطة، وَلَا يَزُول ملك صَاحبهَا بِالْعَجزِ عَنْهَا، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّه بْن الْحَسَن قَاضِي الْبَصْرَة، فِيهَا وَفِي النواة، يلقيها من يَأْكُل التَّمْر، إِن قَالَ صَاحبهَا: لم أبحها للنَّاس: فالقولُ قولهُ مَعَ يَمِينه. بَاب اللَّقِيطِ 2213 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُنَيْنِ أَبِي جَمِيلَةَ رَجُلٍ مِن بَنِي سُلَيْمٍ، أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ؟ قَالَ: وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً، فَأَخَذْتُهَا، فَقَالَ عَرِيفُهُ: يَا أَمِيرَ المَؤمِنينَ إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقَالَ: كَذَلِكَ؟، فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ، فَهُوَ حُرٌّ، وَلَكَ وَلاؤُهُ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ.

قَالَ مَالِك: الأمرُ المجتمعُ عَلَيْهِ عندنَا فِي المنبوذ أَنَّهُ حر، وَوَلَاؤُهُ للْمُسلمين يرثونه، ويعقلون عَنْهُ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ بَيَان أَن اللَّقِيط إِذا وجد لَا يجوز تضييعُه، وَهُوَ مَحْكُوم بحريَّته وإسلامه، فَيكون مِيرَاثه للْمُسلمين إِذا مَاتَ، وَنَفَقَته فِي بَيت مَال الْمُسلمين، وَإِذا التقطهُ غيرُ أَمِين، لَا يتْرك فِي يَده، بل يَأْخُذهُ الإمامُ، فيضمه إِلَى أَمِين، وَينْفق عَلَيْهِ من بَيت المَال.

15 - كتاب الفرائض

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم 15 - كِتَابُ الفَرَائضِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النِّسَاء: 7]. أَي: مؤقتًا مُقَدرا، وَالْفَرْض: التَّوْقِيت: وأصلهُ: الْقطع، يقَالَ: فرضت لفُلَان، إِذا قطعتَ لهُ من المَال شَيْئا. 2214 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا أَبُو عَامِرٍ، نَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلا أَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمُ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الْأَحْزَاب: 6] فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالا، فَلْيَرِثْهُ عَصَبتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا، أَوْ ضَيَاعًا، فَلْيَأْتِنِي، فَأَنَا مَوْلاهُ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قولهُ: «أَو ضَياع»، فالضياع: اسمٌ لكلِّ مَا هُوَ يعرض أَن يضيع إِن لم يُتعهّد، كالذرية الصِّغار، والزَّمنى الَّذين لَا يقومُونَ بِكلِّ أنفسهم، وَمن يدْخل فِي معناهم، جَاءَ مَنْصُوبًا، بِالْمَصْدَرِ نَائِبا عَنِ الِاسْم، كَمَا يقَالَ: مَاتَ، وَترك فقرا، أَي فُقَرَاء، فَإِذا كسرت الضَّاد فَهُوَ جمع ضائع، مثل جَائِع وجياع. قَوْله: «فَأَنَا مَوْلاهُ» أَي: وليه والكافل لَهُ. 2215 - أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَأَيُّكُمْ تَرَكَ دَيْنًا، أَوْ ضَيْعَةً فَادْعُونِي، فَإِنِّي وَلِيُّهُ، وَأَيُّكُمْ تَرَكَ مَالا، فَلْيُؤثِرْ بِمَالِهِ عَصَبَتَهُ مَنْ كَانَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. 2216 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا وُهَيْبٌ، نَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ، فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ وُهَيْبٍ. قَوْله: «أَلْحقوا الفَرَائِضَ» أَي: أعْطوا ذَوي السِّهام سِهَامهمْ. قَوْله: «لأَوْلَى رَجُلٍ»، أَي: لأَقْرَب رجل، وَالْوَلِيّ: القُربُ، وَأَرَادَ قربَ النّسَب، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [الْقِيَامَة: 34]، أَي: قاربك مَا تكره، فاحذر. وَذكر: «الذَّكر» للتَّأْكِيد، كَمَا قَالَ فِي الزَّكَاة: «فابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ». قَالَ الإِمَامُ: أَسبَاب الْمِيرَاث ثلاثةٌ: نسب وَنِكَاح وَوَلَاء، فَالْمُرَاد بِالنّسَبِ أَن الْقَرَابَة: يَرث بُعضهم من بعض، وبالنكاح: أَن أحد الزَّوْجَيْنِ يرثُ الآخر، وبالولاء: أَن المعِتق وعصابته يَرِثُونَ من الْمُعْتق. وَجُمْلَة الْوَرَثَة: سَبْعَة عشر، عشرَة من الرِّجَال، وَسَبْعَة من النِّسَاء، فَمن الرِّجَال: الابنُ، وَابْن الابْن وَإِن سفل، وَالْأَب، وَالْجد أَب الْأَب وَإِن علا، والأخُ، سَوَاء كَانَ لأَب وَأم أَو لأَب أَو لأم، وَابْن الْأَخ لأَب وَأم أَو لأَب وَإِن سفل، وَالْعم للْأَب وَالأُم أَو للْأَب، وابناهما وَإِن سفلوا، وَالزَّوْج، وَالْمُعتق،

وَمن النِّسَاء: البنتُ، وبنتُ الابْن وَإِن سفلت، وَالأُم، وَالْجدّة أم الْأُم، أَو أم الْأَب، وَالْأُخْت سَوَاء كَانَ لأَب وَأم أَو لأَب أَو لأم، وَالزَّوْجَة، والمعتقة. وَسِتَّة من هَؤُلَاءِ لَا يلحقهم حجبُ الحِرمان بِالْغَيْر: الْأَب، وَالِابْن، والزوجُ، وَالأُم، وَالْبِنْت، وَالزَّوْجَة. وَهَؤُلَاء الْوَرَثَة ينقسمون إِلَى أَصْحَاب فَرَائض، وعصبات، فأصحاب الْفَرَائِض: من لَهُم فروض مقدَّرة، والعصبةُ: من يجوز جَمِيع التَّرِكَة إِذا انْفَرد، وَإِن كَانَ معهُ صَاحب فرض أَخذ مَا فضل عَنْ صَاحب الْفَرْض، فتوريث الْوَلَاء توريثُ تعصيب، وتوريثُ الزَّوْجِيَّة تَوْرِيث فرض. أما أهلُ النّسَب، فَمنهمْ من يَرث بالفرضية، وهم: الْأُم، وَالْجدّة، وَأَوْلَاد الْأُم، وَمِنْهُم من يَرث بِالتَّعْصِيبِ، وهم: الابْن، وَابْن الابْن، وَالْأَخ، وَابْن الْأَخ، وَالْعم، وَابْن الْعم، وَمِنْهُم من يَرث تَارَة بالفرضية وَتارَة بِالتَّعْصِيبِ، وهم: الْأَب، يَرث بِالتَّعْصِيبِ فَإِن كَانَ للْمَيت ولد يَرث الْأَب بالفرضية السُّدس، وَكَذَلِكَ الْبِنْت، تَرث بالفرضية فَإِن كَانَ مَعهَا ابْن عصبها، وَكَانَ المالُ بَينهمَا للذّكر مثلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْأُخْت، للْأَب وَالأُم أَو للْأَب، تَرث بالفرضية فَإِن كَانَ مَعهَا أخٌ عصبها، وَكَانَ المالُ بَينهمَا للذّكر مثلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْأُخْت، للْأَب وَالأُم أَو للْأَب، تصير عصبَة أَيْضا مَعَ الْبِنْت، فلهَا الْبَاقِي بعد فرض الْبِنْت. والفروض سِتَّة: النصفُ، وَالرّبع، والثُّمن، والثُّلثان، وَالثلث، والسُّدس. فالنصف: فرض ثَلَاثَة: فرض الزَّوْجَة عِنْد عدم الْوَلَد، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 12]،

وفرضُ الْبِنْت الْوَاحِدَة للصُّلب، أَو للِابْن إِذا لم يكن ولدُ الصلب، لقَوْله عز وَجل: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النِّسَاء: 11]، وفرضُ الْأُخْت الْوَاحِدَة للْأَب وَالأُم أَو للْأَب، إِذا لم يكن ولدٌ لأَب وَأم، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النِّسَاء: 176]. والرُّبُعُ: فرض الزَّوْج إِذا كَانَ للميتة ولد، وَفرض الزَّوْجَة إِذا لم يكن للْمَيت ولد، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 12]. وَالثمن: فرض الزَّوْجَة إِذا كَانَ للْمَيت ولدٌ، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النِّسَاء: 12]، والزوجتانِ والثلاثُ والأربعُ يشتركن فِي الرّبع وَالثمن. وَالثُّلُثَانِ: فرضُ البنتين للصلب فَصَاعِدا، أَو للِابْن عِنْد عدم ولد الصلب لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النِّسَاء: 11]، وَفرض الْأُخْتَيْنِ للْأَب وَالأُم، أَو للْأَب فَصَاعِدا، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النِّسَاء: 176]. والثلثُ: فرض ثَلَاثَة: فرض الْأُم، إِذا لم يكن للْمَيت ولدٌ، وَلَا اثْنَان من الْإِخْوَة، لقَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النِّسَاء: 11]، وَفرض الِاثْنَيْنِ من أَوْلَاد الْأُم فَصَاعِدا، ذكرهم وأنثاهم فِيهِ سَوَاء،

لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النِّسَاء: 12]، وفرضُ الْجد مَعَ الْإِخْوَة للْأَب وَالأُم، أَو للْأَب فِي بعض الْأَحْوَال على مَذْهَب زَيْد بْن ثَابِت. وَأما السُّدس، فَفرض سَبْعَة: فرض الْأَب إِذا كَانَ للْمَيت ولد، وَفرض الْأُم إِذا كَانَ للْمَيت ولد أَو اثْنَان من الْإِخْوَة، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 11]، وَفرض الْجد مَعَ الْإِخْوَة فِي بعض الْأَحْوَال على مَذْهَب زَيْد، وَفرض الْجدّة، وَفرض الْوَاحِد من أَوْلَاد الْأُم، ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النِّسَاء: 12]، والمرادُ مِنْهُ الْأَخ وَالْأُخْت للْأُم، وَفرض بَنَات الابْن إِذا كَانَ للْمَيت ابْنة وحيدة للصلب، فلبنت الصلب النصفُ، ولبنات الابْن السدسُ تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَفرض الْأَخَوَات للْأَب إِذا كَانَ للْمَيت أُخْت وَاحِدَة لأَب وَأم فلهَا النّصْف، وللأخوات للْأَب السدسُ تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ. وَقَوله: «فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأُولَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»، قَالَ الإِمَامُ: هَذَا يدل على أَن بعض الْوَرَثَة يحجُب الْبَعْض، والحجبُ نَوْعَانِ: حجب نُقْصَان، وحجب حرمَان. فحجبُ النُّقْصَان: هُوَ أَن الْوَلَد وَولد الابْن يحجب الزَّوْج من النّصْف

إِلَى الرّبع، وَالزَّوْجَة من الرّبع إِلَى الثّمن، وَالأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس، وَكَذَلِكَ الِاثْنَان من الْإِخْوَة فَصَاعِدا يحجبون الْأُم إِلَى السُّدس. وحجب الحرمان: هُوَ أَن الْأُم تُسقط الْجدّة، سَوَاء كَانَت أم الْأُم، أَو أم الْأَب، والأبُ يُسقط أمَّ نَفسه عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَهُوَ قَول عُثْمَان، وَعلي، وَزَيْد بْن ثَابِت، ورُوي عَنْ عُمَر، وَابْن مَسْعُود، وَعمْرَان بْن حُصَيْن: أَن الْأَب لَا يُسقط أمَّ نَفسه، وَاخْتلفُوا فِي أَن الْأَب هَل يُسقط أمَّ الْأُم؟ فَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ يُسقطها، كَمَا أَن الْأُم تسْقط أم الْأَب، وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَن الْأَب لَا يسْقط أم الْأُم، وَكَذَلِكَ الْجدّة الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم تُسقط البُعدى من جِهَة الْأَب، والقربى من جِهَة الْأَب لَا تسْقط البُعدى من جِهَة الْأُم، وَإِذا استوتا فِي الدرجَة، اشتركتا فِي السُّدس. وأولادُ الْأُم يسقطون بأَرْبعَة: بِالْأَبِ، وَالْجد وَإِن علا، وبالولد، وَولد الابْن وَإِن سفل، وَأَوْلَاد الْأَب وَالأُم يسقطون بِثَلَاثَة: بِالْأَبِ، وَالِابْن، وَابْن الابْن، وَلَا يسقطون بالجد على مَذْهَب زَيْد، وَأَوْلَاد الْأَب يسقطون بأَرْبعَة: بهؤلاء الثَّلَاث، وبالأخ للْأَب وَالأُم. وَأقرب الْعَصَبَات يُسقط الْأَبْعَد، فأقربُهم الابْن، ثُمَّ ابْن الابْن، ثُمَّ الْأَب، ثُمَّ الْجد أَب الْأَب وَإِن علا، فَإِن كَانَ مَعَ الْجد أَخ لأَب وَأم، أَو لأَب، يَشْتَرِكَانِ على مَذْهَب زَيْد فِي الْمِيرَاث، فَإِن لم يكن جد، فالأخ للْأَب وَالأُم، ثُمَّ الْأَخ للْأَب، ثُمَّ بَنو الْإِخْوَة يقدم أقربهم سَوَاء كَانَ لأَب وَأم، أَو لأَب، فَإِن اسْتَووا فِي الدَّرجة فأولاهم الَّذِي هُوَ لأَب وَأم، ثُمَّ الْعم للْأَب وَالأُم، ثُمَّ الْعم للْأَب، ثُمَّ بنوهم على تَرْتِيب مِيرَاث

باب ميراث الأولاد

بني الْإِخْوَة، ثُمَّ عَم الْأَب، ثُمَّ عَم الْجد على هَذَا التَّرْتِيب، فَإِن لم يكن أحد من عصبات النّسَب، وعَلى الْمَيِّت وَلَاء، فالميراث للْمُعْتق، فَإِن لم يكن حَيا، فلعصبات المعتِق. رُوي عَنِ ابْن سِيرِينَ، قَالَ: «توفيت فُكيهة بنت سَمْعَان، فَتركت ابْن أَخِيهَا لأَبِيهَا، وَبني بني أَخِيهَا لأَبِيهَا وَأمّهَا، فورث عُمَر بني أَخِيهَا لأَبِيهَا». بَاب مَيَراثِ الأَوْلادِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النِّسَاء: 11]. 2217 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ

مِنْهُمَا السُّدُسَ وَالثُّلُثَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: كَانَت الوصيةُ للأقارب وَاجِبَة فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، إِلَى أَن نُسخت بِآيَة الْمِيرَاث، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خطبَته عامَ حجَّة الْوَدَاع: «إِنَّ اللَّه قَدْ أَعْطَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلا وَصَيَّة لِوَارِثٍ».

2218 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا أَبُو قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ هُزَيْلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ، يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ، وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَللأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ المُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلبِنْتِ النِّصْفُ، ولابْنَةِ الابْنِ السُّدُسُ تَكمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، ومَا بَقِيَ فَلِلأُخْتِ»، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى، فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرَ فِيكُمْ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

قَالَ الإِمَامُ: الابنُ إِذْ انْفَرد أخذَ كل الْمِيرَاث، والبنون يشتركون فِيهِ، وللبنت الْوَاحِدَة النّصْف، وللبنتين فَصَاعِدا الثُّلُثَانِ. وَإِذا خلف بَنِينَ وَبَنَات، فالمالُ بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَوْلَاد الابْن بِمَنْزِلَة أَوْلَاد الصُّلب عِنْد عدم أَوْلَاد الصلب، وَإِذا اجْتمع ولدُ الصُّلب مَعَ ولد الابْن، فَإِن كَانَ ولد الصُّلب ذكرا، فَلَا شَيْء لولد الابْن، وَإِن كَانَ ولد الصُّلب أُنْثَى، فَإِن كَانَت وَاحِدَة، فلهَا النّصْف، ثُمَّ إِن كَانَ ولدُ الابْن ذكرا، فالباقي لَهُ، وَإِن كَانَ أُنْثَى وَاحِدَة أَو أَكثر، فلهنَّ السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَإِن كَانُوا ذُكُورا وإناثًا فالباقي بَينهم، للذّكر مثلُ حظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِن كَانَ ولد الصُّلب أَكثر من وَاحِدَة كلُّهُنَّ إناث، فَلَهُنَّ الثلثانِ، ثُمَّ لَا شَيْء لبنات الابْن، إِلا أَن يكون مَعَهُنَّ أَو أسفلَ مِنْهُنَّ ذكرٌ، فيُعصبهن، فَكَانَ الْبَاقِي بَينهم، للذّكر مثلُ حظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَكَذَلِكَ حُكم مِيرَاث الْإِخْوَة للْأَب وَالأُم مَعَ الْإِخْوَة للْأَب، فَإِن كَانَ ولدُ الْأَب وَالأُم ذكرا فَلَا شَيْء لولد الْأَب، وَإِن كَانَت أُنْثَى، نظر إِن كَانَت وَاحِدَة، فلهَا النّصْف، ثُمَّ إِن كَانَ ولد الْأَب ذكرا، فالباقي لَهُ، وَإِن كَانَ أُنْثَى وَاحِدَة فَأكْثر، فَلَهُنَّ السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَإِن كَانُوا ذُكُورا وإناثًا، فالباقي بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِن كَانَ ولدُ الْأَب وَالأُم أَكثر من وَاحِدَة، كُلهنَّ إناث، فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ، ثُمَّ لَا شَيْء لولد الْأَب إِلا أَن يكون فيهم ذكر، فَيكون

الْبَاقِي لَهُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ. هَذَا قَول عَامَّة الصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء، إِلا ابْن مَسْعُود فإنهُ يَقُول: إِذا مَاتَ عَنْ بنت، وَبَنَات ابْن، وَبني ابْن، فللبنت النّصْف، ولبنات الابْن أضرُّ الْأَمريْنِ من الْمُقَاسَمَة، أَو السُّدس. وَلَو مَاتَ عَنْ بنتين، وَأَوْلَاد ابْن بَنِينَ وَبَنَات، فللبنتين الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقِي لبني الابْن، وَلَا شَيْء لبنَاته، وَلَا يَزِيد حَظّ الْبَنَات على الثُّلثَيْنِ. وَكَذَلِكَ يَقُول: إِذا مَاتَ عَنْ أُخْت لأَب وَأم، وإخوة وأخوات لأَب، فللأخت للْأَب وَالأُم النّصْف، وللأخوات للْأَب أضرّ الْأَمريْنِ من السُّدس، أَو الْمُقَاسَمَة مَعَ الْإِخْوَة. وَلَو مَاتَ عَنْ أُخْتَيْنِ لأَب وَأم، وإخوة وأخوات لأَب، فلأختين لأَب وَأم الثلثانِ، وَالْبَاقِي للإخوة للْأَب، وَلَا شَيْء للأخوات. وَتفرد ابْن مَسعود بِخمْس مسَائِل فِي الْفَرَائِض هَذِه أَرْبَعَة، وَالْخَامِسَة، قَالَ: من لَا يَرث كالابن الْكَافِر، وَالرَّقِيق، وَالْقَاتِل، يحجب أَصْحَاب الْفَرَائِض حجب النُّقْصَان، فيردُّ الزَّوْج إِلَى الرّبع، وَالزَّوْجَة إِلَى الثّمن، وَالأُم إِلَى السُّدس، وَعَامة الصَّحَابَة على أَنَّهُ لَا يحجب، كَمَا لَا يحجب حجب الحرمان. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي حَدِيث هزيلٌ دَلِيل على أَن الْأُخْت للْأَب، وَالأُم أَو الْأَب مَعَ الْبِنْت عصبَة، وَهُوَ قَول عَامَّة العُلماء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ، إِلا ابْن عَبَّاس، فَإِنَّهُ قَالَ: تسْقط الْأُخْت بالبنت، لأنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النِّسَاء: 176] فَإِنَّمَا جعل للْأُخْت النّصْف إِذا لم يكن للْمَيت ولد. قَالَ الإِمَامُ: وَقَول الْعَامَّة مُوَافق لظَاهِر الْآيَة من حَيْثُ أَن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بيَّن فرض الْأَخَوَات فِي هَذِه الْآيَة، وَلَا فرض للأخوات مَعَ الْوَلَد بِحَال.

باب ميراث الإخوة

بَاب مِيرَاثِ الإِخْوَةِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النِّسَاء: 176] الْآيَة. 2219 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا، يَقُولُ: " جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ، وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَعَقَلْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسَولَ اللَّهِ: لِمَنِ الْمِيرَاثُ، إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلالَةٌ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا شُعْبَةُ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: " إِنَّمَا لِي أَخَوَاتٌ، فَنَزَلَتْ آيةُ الْفَرَائِضِ. قَالَ الإِمَامُ: الْحَدِيث يَدلُّ على طَهَارَة المَاء الْمُسْتَعْمل، وَأَن الْكَلَالَة اسمٌ للْوَرَثَة. قَالَ الإِمَامُ: الإخوةُ للْأُم، للْوَاحِد مِنْهُم السُّدسُ، وللاثنين فَصَاعِدا الثلثُ، ذكرهُم وأنثاهم فِيهِ سَوَاء، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النِّسَاء: 12] الْآيَة. وَكَانَ سَعْد يقْرَأ هَذَا الْآيَة: «وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ لأُمٍّ». وميراثُ الْإِخْوَة للْأَب وَالأُم، أَو للْأَب بِمَنْزِلَة مِيرَاث الْأَوْلَاد عِنْد عدم ولد الْأَب وَالأُم إِلا فِي مَسْأَلَة المشرَّكة، وَهِي: زوج، وَأم، وإخوة لأم، وإخوة لأَب وَأم، فَللزَّوْج النّصْف، وَللْأُمّ السُّدس، وللإخوة للْأُم الثُّلُث ويُشاركهم الْإِخْوَة للْأَب وَالأُم بالإخوة للْأُم، فيُقسم الثلثُ بَينهم على عدد رُءُوسهم، ذكرهم وأنثاهم فِيهِ سَوَاء، وَإِن كانَ مَكَان الْإِخْوَة للْأَب وَالأُم إخوةٌ للْأَب، فَلَا شَيْء لَهُم، وَهُوَ قَول عُمَر، وَعُثْمَان، وَابْن مَسْعُود،

وَزَيْد، وَبِهِ قَالَ شُرَيْح، وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَالزُّهْرِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك وَالشَّافِعِيّ، قَالَ عُمَر: لم يزدهمُ الْأَب إِلا قربًا، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا شَيْء للإخوة للْأَب وَالأُم، لأَنهم عصبَة لم يبْق لَهُم شَيْء كالإخوة للْأَب، وَهُوَ قَول عَليّ، وَابْن عَبَّاس، وَأَبِي مُوسَى، وَأَبِي بْن كَعْب، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيّ، وَالثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، ويُروى عَنِ ابْن مَسْعُود، وَزَيْد هَذَا، وَالْأَشْهر مِنْهُمَا التشريكُ، وَاتَّفَقُوا على أَن ولد الْأَب وَالأُم، أَو ولدَ الْأَب، إِذا كَانُوا إِنَاثًا يُعطي إلَيْهِنَّ فرضهن وتُعالُ الْمَسْأَلَة. قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: وَقد روينَا عَنْ جَابِر، أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا يَرِثُنِي كَلالَةٌ»، وَاخْتلفُوا فِي «الكِلالَةِ» فَذَهَبَ أَكثر الصَّحَابَة إِلَى أَنَّ الكَلالَة من لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد، رُوي عَنِ الشَّعْبِيّ، أَنَّهُ قَالَ: سُئل أَبُو بَكْر عَنِ الْكَلَالَة، فَقَالَ: إِنِّي سأقولُ فِيهَا برأيي، فَإِن كَانَ صَوَابا، فَمن اللَّه، وَإِن كَانَ خطأ فمني وَمن الشَّيْطَان: أراهُ مَا خلا الْوَالِد وَالْولد، فَلَمَّا اسْتخْلف عمرُ قَالَ: إنِّي لأَسْتَحيي اللَّه أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ.

وَهِي اسمٌ للْمَيت وَالْوَرَثَة جَمِيعًا، سُمِّيَ بهَا الْمَيِّت، لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ ذهَاب طَرفَيْهِ، فَكل عمودُ نسبه، وسمِّي بهَا الورثةُ، لأَنهم يتكللون الميتَ من جوانبه، وَلَيْسَ فِي عَمُود نسبه أحد كالإكليل يُحيط الرَّأْس من جوانبه، ووسط الرَّأْس عَنْهُ خَال، فَهِيَ فِي حَدِيث جَابِر اسْم للْوَرَثَة، وَفِي قَوْله: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النِّسَاء: 176] اسمٌ للْمَيت، وَأَرَادَ جَابِر بقوله: «إِنَّمَا يَرِثنِي كَلَالَة»، أَي: يَرِثنِي وَرَثَة لَيْسُوا بِولد وَلَا وَالِد، وَكَانَت لَهُ أَخَوَات. وَاخْتلف القولُ فِيهَا عَنْ عُمَر، وَابْن عَبَّاس، فرُويَ عَنْهُمَا مثل قَول سَائِر الصَّحَابَة، ورُوي عَنْهُمَا أنَّ الْكَلَالَة من لَا ولد لهُ، وَهُوَ آخرُ الْقَوْلَيْنِ من عُمَر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ورُوي عَنْ عُمَر، أنهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَة، فَقَالَ: «تَكْفِيكَ آيةُ الصَّيْفِ»، وَأَرَادَ بذلك: أنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنزل فِي الْكَلَالَة: آيَتَيْنِ إِحْدَاهمَا فِي الشتَاء، وَهِي الَّتِي فِي أوَّل {[النِّساء، وَالْأُخْرَى فِي الصَّيف وَهِي الَّتِي فِي آخرهَا، وفيهَا من الْبَيَان مَا لَيْسَ فِي: الشتَاء، فَلذَلِك أحالهُ عَلَيْهَا. وَمن ذهب إِلَى أَن الْكَلَالَة اسمٌ لمن لَا ولد لَهُ. تمسَّك بِظَاهِر قَوْله:] إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 176] وبيانهُ عِنْد الْعَامَّة مَأْخُوذ من حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّهِ، وَذَلِكَ

أَنَّ الْآيَة نزلت فِيهِ، وَلم يكن لهُ يَوْم نُزُولهَا أبٌ وَلَا ابْن، لِأَن أَبَاهُ عَبْد اللَّهِ بْن حرَام قُتِلَ يَوْم أُحُد، وآيةُ الْكَلَالَة نزلت فِي آخر عهد النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلامُ، رُوي عَنِ الْبَراء بْن عَازِب، أَنَّهُ قَالَ: آخر آيَة نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النِّسَاء: 176] فَصَارَ شَأْن جَابِر بَيَانا لمراد الْآيَة، لَا لنزولها فِيهِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: وَفِيه وجهٌ آخر وَهُوَ أشبهُ بِمَعْنى الْحَدِيث، وَذَلِكَ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للسَّائِل عَنِ الْكَلَالَة: «تُجزيك آيَة الصَّيف» فَوَقَعت الإحالة مِنْهُ على الْآيَة فِي بَيَان معنى «الْكَلَالَة» فَوَجَبَ أَن يكون ذَلِكَ مُستنبطًا من نفس الْآيَة دون غَيرهَا، وَوجه ذَلِكَ وتحريرهُ أنَّ الْوَالِد وَالْولد اسمان مشُتقَّان من الْولادَة، فكلُّ من انتظمه اسْم الْولادَة من أَعلَى وأسفل يُحتمل أَن يُدعي ولدا، فالوالد يسمَّى ولدا، لِأَنَّهُ قد ولد، والمولود يُسمى ولدا، لِأَنَّهُ قد وَلِدَ، كالذُّريَّة اسمٌ مُشتق من ذَرأ اللَّه الْخلق، والولدُ ذُرِّيَّة، لأَنهم ذُرِئوا، أَي: خلقُوا، وَالْأَب ذُرِّيَّة، لِأَن الْوَلَد ذُرئ مِنْهُ، يدلُّ على صِحَة ذَلِكَ قولهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: 41] يريدُ، وَالله أعلم، نوحًا وَمن معهُ، فَجعل الْآبَاء ذريَّة كالأولاد، لصدور الاسمين مَعًا عَنِ الذرء، فعلى هَذَا قد يَصِحُّ أَن المرادَ بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 176] أَي: ولادَة فِي الطَّرفَيْنِ من أَعلَى وأسفل، وَالله أعلم.

باب في ميراث الأب والجد

بَاب فِي مِيرَاثِ الأَبِ والْجَدِّ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 11]. 2220 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَتَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْجَدِّ، فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلا، لاتَّخَذْتُهُ»، أَنْزَلَهُ أَبًا يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ. هَذَا حِديثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: الأبُ يَأْخُذ جَمِيع التَّرِكَة إِذا انْفَرد، ويأخذُ الْفضل عَنْ أَصْحَاب الْفَرَائِض، إِن كَانَ مَعهَا صاحبُ فرض، وَلم يكن للْمَيت ولد،

فَإِن كَانَ للْمَيت ابْن فللأب السُّدس، وَالْبَاقِي للْوَلَد، وَإِن كَانَ الْوَلَد أُنْثَى فللأب السُّدس، وللولد فَرضهَا، وَالْبَاقِي للْأَب بالعُصوبة. والجدُّ: أَب الْأَب، وَإِن علا بِمَنْزِلَة الْأَب عِنْد عدم الْأَب، إِلا فِي أَربع مسَائِل، إِحْدَاهَا: فِي زوج وأَبوين، وَالثَّانيَِة: فِي زَوْجَة وأبوين، فَإِن للْأُم فيهمَا ثلث مَا يبْقى بعد نصيب الزَّوْج وَالزَّوْجَة، وَالْبَاقِي للْأَب، فَيكون فِي الْحَقِيقَة للْأُم فِي زوج وأبوين، السُّدس، وَفِي زَوْجَة وأبوين الرّبع، وَإِن كانَ مَكَان الْأَب جد، فللأم فيهمَا ثلثُ جَمِيع المَال. هَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم من الصَّحَابَة، فَمن بعدهمْ. قَالَ ابْن مَسْعُود: مَا كَانَ ليراني أَن أفضِّلَ أمَّا على أَب. وَذهب ابْن عَبَّاس فِي زوج وأبوين، وَزَوْجَة وأبوين، إِلَى أَن للْأُم فيهمَا ثلث جَمِيع المَال، وَهُوَ قولُ شُرَيْح، وَقَالَ ابْن سِيرِينَ فِي زَوْجَة وأبوين كَذَلِك، لِأَنَّهُ لَا يكون فِيهِ تَفْضِيل الْأُم على الْأَب، وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنْ عُمَر، وَابْن مَسْعُود، فِي زوج وجد وَأم، أَو زَوْجَة وجد وَأم، رُوي عَنْهُمَا أنَّ للْأُم فيهمَا ثلث مَا يبْقى بعد نصيب الزَّوْج وَالزَّوْجَة، وَالْبَاقِي للْجدّ كَمَا فِي الْأَب، وَرُوِيَ أَن للْأُم فيهمَا السُّدس. الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة: أَن أم الْأَب تسْقط بِالْأَبِ، وَلَا تسْقط بالجد، وَهَذَا قَول الْأَكْثَرين، ورُوي عَنْ عُمَر، وَابْن مَسْعُود، أنَّ أمَّ الْأَب تَرث مَعَ الْأَب. وَالْمَسْأَلَة الرَّابِعَة: أَن الْأَب يحجب الْإِخْوَة. وَاخْتلف أهل الْعلم فِي الْجد مَعَ الْإِخْوَة للْأَب وَالأُم، أَو للْأَب، فَذهب جمَاعَة إِلَى أنَّ الْجد يُسقطهم كَالْأَبِ، وَهُوَ قَول أَبِي بَكْر الصّديق، وَابْن عَبَّاس، وَابْن الزبير، ومعاذ، وَأَبِي الدَّرْدَاء، وَعَائِشَة. قَالَ ابْن عَبَّاس: يَرِثنِي ابْن ابْني دون إخوتي، وَلَا أَرثُ أَنا ابْن ابْني، وَبِهِ

قَالَ الْحَسَن، وَعَطَاء، وَطَاوُس، وَقَتَادَة، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة، وَإِسْحَاق. وَذهب جمَاعَة إِلَى أنَّ الجدّ لَا يسقطهم، وَهُوَ قولُ عُمر، وعُثمان، وَعلي، وَزَيْد بْن ثَابِت، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسعود، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد. ثمَّ تَفْصِيل مِيرَاث الْجد مَعَ الْإِخْوَة على مَذْهَب زَيْد بْن ثَابِت، أَنَّهُ إِن لم يكن مَعَهم صَاحب فرض، فللجد خيرُ الْأَمريْنِ، إمَّا الْمُقَاسَمَة مَعَ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات، للذّكر مثلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، أَو ثلث جَمِيع المَال، أَو الْمُقَاسَمَة مَعَهم، وَإِن كَانَ مَعَهم صاحبُ فرض، فللجد خيرُ الْأُمُور الثَّلَاثَة: إِمَّا سدسُ جَمِيع المَال، أَو الْمُقَاسَمَة مَعَهم، أَو ثلث مَا يبْقى بعد نصيب صَاحب الْفَرْض، وَقَالَ عَليّ: يُقاسم الْجد الْإِخْوَة مَا دَامَت الْمُقَاسَمَة خيرا لهُ من السُّدس، فَإِن كَانَ السُّدسُ خيرا لَهُ من الْمُقَاسَمَة، فلهُ السُّدس، وَعند عَليّ، وَابْن مَسْعُود، للْأُخْت مَعَ الْجد فَرضهَا، وعَلى مَذْهَب زَيْد لَا يفْرض للْأُخْت مَعَ الْجد إِلا فِي مَسْأَلَة الأكدرية، وَهِي: زوج، وَأم، وجد وَأُخْت، فَللزَّوْج النّصْف، وَللْأُمّ الثُّلُث، وللجد السُّدس، وَللْأُخْت النّصْف وتعول الْمَسْأَلَة من سِتَّة بِنِصْفِهَا إِلَى تِسْعَة، يَنْضَم نصيب الْأُخْت إِلَى نصيب الْجد فَيقسم بَينهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَلَا يستقيمُ أَرْبَعَة على ثَلَاثَة، فَيضْرب ثَلَاثَة فِي تِسْعَة، فَيصير سبعا وَعشْرين، للزَّوْج تِسْعَة، وَللْأُمّ سِتَّة، يبْقى اثْنَا عشر، للجدِّ مِنْهَا ثَمَانِيَة، وَللْأُخْت أَرْبَعَة، فَإِن كَانَ مَكَان الْأُخْت أَخ، فَلَا شَيْء لَهُ، وَإِن كَانَ فِيهَا أختَان، فَللزَّوْج النّصْف، وَللْأُمّ السُّدس، وللجد السُّدسُ وَالْبَاقِي للأختين، هَذَا قولُ زَيْد بْن ثَابِت، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ.

وَقَالَ عَليّ فِي الأكدرية: يُترك نصيبُ الْأُخْت فِي يَدهَا، وَقَالَ ابْن مَسْعُود فِي زوج وَأم وجد وَأَخ: إِن للزَّوْج النّصْف، وَللْأُمّ ثلث مَا يبْقى، وللجد سهم، وللأخ سهم، وَإِذا اجْتمع مَعَ الْجد أَوْلَاد الْأَب وَالأُم، وَأَوْلَاد الْأَب، فهم سَوَاء فِي حق الْجد، كَأَنَّهُمْ من جِهَة وَاحِدَة، ثُمَّ بعد نصيب الْجد إِن كَانَ ولد الْأَب وَالأُم ذكرا، أَخذ الْبَاقِي، وَإِن كَانَت أُنْثَى فَإِن كَانَ الْبَاقِي قدر فَرضهَا أَو أقل، فلهَا وَلَا شَيْء لولد الْأَب، وَإِن كَانَ أَكثر فالفضل عَنْ قدر فَرضهَا لولد الْأَب، مثل أَن مَاتَ عَنْ جد، وَأَخ لأَب، وَأم، وَأَخ لأَب، فللجد الثُّلُث، وَالْبَاقِي للْأُخْت للْأَب وَالأُم، وَإِن كَانَ أُخْت لأَب وَأم، وَأُخْت لأَب، فَالْمَال بَين الْجد وَالْأُخْت، للْأَب وَالأُم نِصْفَانِ. وَلَو كَانَ مَعَ الْجد أُخْت لأَب وَأم، وَأَخ لأَب، فللجد أَرْبَعَة من عشرَة، وَللْأُخْت للْأَب وَالأُم خَمْسَة، وللأخ للْأَب سهم، وَقَالَ عَليّ فِي جد، وَأُخْت لأَب وَأم، وَأَخ لأَب: فللأخت النّصْف، وَالْبَاقِي بَين الْجد وَالْأَخ نِصْفَانِ. وَبَين الصَّحَابَة اختلافات شَاذَّة فِي آحَاد مسَائِل الْجد مَعَ الْإِخْوَة، وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَكثر الْفُقَهَاء أحدُ المذهبين: إِمَّا حجب الْإِخْوَة بالجدِّ، أَو توريثهما على مَذْهَب زَيْد بْن ثَابِت على التَّفْصِيل الَّذِي سبق، وَالله أعلم. ورُوي عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، أَنَّ عُمَرَ كَانَ كَتَبَ مِيرَاثَ الجَدِّ حَتَّى إِذا طُعِنَ دَعَا بِهِ فَمَحَاهُ، ثُمَّ قَالَ: سَتَرَوْنَ رَأْيَكُم فِيهِ. وسُئل عَليّ عَنْ فَرِيضَة، فَقَالَ: إنُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَدّ فَهَاتِهَا، وَقَالَ عَلي: مَنْ

باب في ميراث الأم والجدة

سرَّه أَنْ يتقحم جراثيم جَهَنَّم، فليقضِ بَين الْجد وَالإِخْوَة، وَقَالَ عُبَيْدَة: إِنِّي لأحفظُ فِي الْجد ثَمَانِينَ قَضِيَّة مُخْتَلفَة. بَاب فِي مِيرَاث الْأُم وَالْجدّة قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النِّسَاء: 11]. 2221 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ،

وَمَا عَلِمْتُ لَك فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَسَأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ، فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ، فأَنْفَذَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ، ثُمَّ جَاءَتِ الجَدَّةُ الأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ إِلا لِغَيْرِكِ، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا، وَلَكِنْ هُوَ ذَلِكَ السُّدُسُ، فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ، فَهُوَ بَيْنَكُمَا، وأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ، فَهُوَ لَهَا. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ورُوي عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد، قَالَ: جَاءَتِ الجَدَّتَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ،

باب الولاء

فَجَعَل أبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا. قَالَ الإِمَامُ: وَالْعلم عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم أَن للجدَّة السُّدسَ، سَوَاء كَانَت أمَّ الْأُم، أَو أمَّ الْأَب، وَإِذا اجتمعتا، فَذَلِك السُّدس بَينهمَا نِصْفَانِ، وَلَا مِيرَاث لأَب الْأُم، وَلَا لكل جدة تُدلي بِهِ، وَلَا مِيرَاث للجدة مَعَ الْأُم، رُوي عَنِ ابْن بُريدة، عَنْ أَبِيه، «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَل للجَدَّةِ السُّدُسَ إذَا لَمْ تَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ». قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود: الجدَّات لَيْسَ لَهُم ميراثٌ، إِنَّمَا هِيَ طعمة أطعمنها، فأقربُهُنَّ وأبعدُهُنَّ سَوَاء. قَالَ الإِمَامُ: وَللْأُمّ السُّدسُ إِذا كَانَ للْمَيت ولد، أَو ولد ابْن، أَو اثْنَان من الْإِخْوَة، فَإِن لم يكن للْمَيت ولد وَلَا اثْنَان من الْإِخْوَة، فلهَا الثُّلُث إِلا فِي زوج وأبوين، وَزَوْجَة وأبوين، فإنَّ لَهَا فيهمَا الثُّلُث مَا يبْقى بعد نصيب الزَّوْج وَالزَّوْجَة. بَاب الوَلاء 2222 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا مَالِكٌ، عَنْ نَافعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». هَذَا حَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيل على أَنَّ من أعتق عبدا يثبتُ لهُ عَلَيْهِ حقُّ الْوَلَاء ويرثه، وَقد رُوي عَنْ أَنَس، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهم» وَعَلِيهِ عامةُ أهل الْعلم، فَإِن لم يكن الْمُعْتق حَيا، فميراث الْعَتِيق لعصبات الْمُعْتق، فَإِن لم يكن لهُ عصبَة فلمُعتق الْمُعْتق، ثُمَّ لعصابته، وترتيب عصبات الْوَلَاء، كترتيب عصبات النّسَب، حَتَّى لَو كَانَ للْمُعْتق أَب وَابْن، فَالْولَاء لِابْنِ الْمُعْتق دون أَبِيه، وَإِن كَانَ لَهُ أبٌ وَأَخ، فللأب دون الْأَخ، غير أَن ابْن الْمُعْتق وأخاهُ لَا يعصِّب الْبِنْت والأختَ، وَإِذا كَانَ للْمُعْتق جد وَأَخ، فَفِيهِ قَولَانِ، أحدُهما: الْأَخ أولى، لأنهُ يُدْلِي بالبنوة، فَكَانَ أولى من الجدِّ الَّذِي يُدلي بالأبوة، كَمَا أَن الابْن أولى من الْأَب، فعلى هَذَا ابْن أَخ الْمُعْتق وَإِن سفل أولى من جدِّه، وَالثَّانِي: هما سَوَاء، فعلى هَذَا الْجد أولى من ابْن الْأَخ، والأخُ أولى من

أَب الْجد، وَابْن الْأَخ مَعَ أَب الْجد سَوَاء، وَكَذَلِكَ عَم الْمُعْتق مَعَ أَب الْجد، فِيهِ قَولَانِ: أحدُهما: هما سَوَاء، وَالثَّانِي: الْعم أولى، وَفِي النّسَب الْجد وَأب الْجد، وَإِن علا أولى من ابْن الْأَخ وَالْعم بالِاتِّفَاقِ. وَلَا مِيرَاث لمعتق عصبَة الرَّجل إِلا لمعتق الْأَب أَو الْجد، فَإِن من أعتق عبدا يثبت لهُ الْوَلَاء على أَوْلَاده، وَأَوْلَاد بنيه، ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا، وَلَا يثبت على أَوْلَاد بَنَاته إِلا أَن يكون أبوهُم رَقِيقا، فَيثبت الْوَلَاء لموَالِي الْأُم، ثُمَّ إِذا عتق الْأَب ينجرّ الْوَلَاء إِلَى موَالِي الْأَب، وَكَذَلِكَ من أعتق أمة، فَلَا وَلَاء لهُ على أَوْلَادهَا إِلا أَن يكون أبوهم رَقِيقا، فَيثبت لهُ الْوَلَاء على أَوْلَادهَا، فَإِذا عتق الأبُ، انجرَّ إِلَى موَالِيه، وَإِنَّمَا يثبت الْوَلَاء لمعتق الْأَب إِذا لم يكن على الْوَلَد لغيره وَلَاء، فَإِن كَانَ الْأَب معتقَ رجل، وَالِابْن مُعتق غَيره، فَلَا وَلَاء لمعتق الْأَب على الابْن، وَالْمَرْأَة لَا تَرث بِالْوَلَاءِ إِلا من معتقها، أَو مِمَّن ينتمي إِلَى معتقها بولاء أَو نسب حَتَّى تَرث من معنقها ومعتق معتقها، وَأَوْلَاد بني معتقها كَالرّجلِ. وَرُوِيَ أنَّ ابْنة حَمْزَة أعتقت عبدا لَهَا، فَمَاتَ، وَترك ابْنَته ومولاته بنت حَمْزَة، " فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيراثَهُ بَيْنَ ابْنَتَيْهِ وَموْلاتِهِ بِنْتُ حَمْزَةَ نِصْفَيْنِ. وَسُئِلَ إِبْرَاهِيم عَنْ أُخْتَيْنِ اشترت إِحْدَاهمَا أَبَاهَا، فأعتقته، ثُمَّ مَاتَ،

قَالَ: لَهما الثُّلُثَانِ فريضتهما، وَمَا بَقِي، فللمعتقة دون الْأُخْرَى، وَهَذَا قولُ الْعلمَاء، أما إِذا كَانَ للْمُعْتق ابْن وَبنت، أَو أَخ وَأُخْت، فميراث الْعَتِيق لِابْنِ الْمُعْتق أَو للْأَخ، وَلَا شَيْء لبِنْت الْمُعْتق، وَلَا للْأُخْت، روى الزُّهْرِيّ، عَنْ سَالم، عَنْ أَبِيه، أَنهُ كَانَ يَرث موَالِي عُمَر دون بَنَات عُمَر. وَفِي الْحَدِيث دليلٌ على أَن الْمولى الْأَسْفَل لَا يَرث، لِأَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصَّ المعتِق بِالْوَلَاءِ. ورُوي عَنْ عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الوَلاء لِمَنْ أَعْطَى الوَرقَ وَوَلِي النِّعْمَةَ»، وَهَذَا قولُ أَكثر أهل الْعلم، وحُكي عَنْ شُرَيْح، وَطَاوُس، إِثْبَات الْمِيرَاث للْمولى الْأَسْفَل، وَفِيه دليلٌ أَيْضا على أنَّ من أسلم على يَدَيْهِ رجلٌ لَا يَرِثهُ، وَلَا يثبت الْوَلَاء بالحِلْف والموالاة، لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أضَاف الْوَلَاء إِلَى الْمُعْتق بِالْألف وَاللَّام، فيوجبُ ذَلِكَ قطعه عَنْ غَيره، كَمَا يقَالَ: الدَّار لزيد، فِيهِ إِيجَاب الْملك فِيهَا لزيد وقطعها عَنْ غَيره. قَالَ ابْن عَبَّاس: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النِّسَاء: 33]، قَالَ: وَرَثَة {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 33]، كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لما قدمُوا الْمَدِينَة يرثُ المهاجريُّ الْأنْصَارِيّ دون ذَوي رَحمَه، للأخوة الَّتِي آخي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَينهم،

فَلَمَّا نزلت {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النِّسَاء: 33] نسخت، ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النِّسَاء: 33] من النَّصْر، والرفادة، والنصيحة، وَقد ذهب الْمِيرَاث ويوصي لَهُ. وَذهب بعضُ أهل الْعلم إِلَى إِثْبَات الْوَلَاء بِعقد الْمُوَالَاة، وَهُوَ قولُ سُفْيَان، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِذا أسلم على يَد رجُل، فلهُ ميراثهُ ويعقلُ عَنْهُ، وَهُوَ قولُ إِسْحَاق، لما رُوي عَنْ تَمِيم الدَّارِيّ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُول اللَّه، مَا السّنة فِي الرَّجل من أهل الشّرك يُسلم على يَد رجل من الْمُسلمين؟ قَالَ: «هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاه ومَمَاتِهِ» وَهَذَا الْحَدِيث ضعَّفهُ أَحْمَد من قبل إِسْنَاده على أنهُ لَيْسَ فِيهِ ذكرُ الْمِيرَاث، فيُحتمل أَن يكون ذَلِكَ فِي الْمِيرَاث، وَيحْتَمل أَن يكون فِي رعي الذِّمام والإثار بِالْبرِّ، وَمَا أَشبه ذَلِكَ من الْأُمُور، فيُحمل على هَذِه الْمعَانِي دون الْمِيرَاث، لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ». وَلَو أعتق الْيَهُودِيّ، أَوِ النَّصْرَانِي عبدا مُسلما، فيثبتُ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاء، وَإِن كَانَ لَا يرثهُ لاخْتِلَاف الدِّين، كَمَا أَنَّ النّسَب لَا يمْتَنع ثُبُوته مَعَ اخْتِلَاف الدَّين، وَإِن كَانَ التوارُثُ مُمْتَنعا حَتَّى لَو أسلم الْمُعْتق ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيق ورثهُ، وَقَالَ مَالِك: لَا وَلَاء عَلَيْهِ بِحَال، وميراثهُ للْمُسلمين، أما إِذا أعتق يَهُودِيّ يَهُودِيّا، ثُمَّ أسلم الْمُعْتق، قَالَ: لَا يبطل ولاؤهُ حَتَّى لَو مَاتَ الْعَتِيق بعد إِسْلَام الْمُعْتق يَرِثهُ الْمُعْتق، وَلَو كَانَ للْمُعْتق ولد مُسْلِم يَرث الْمُعْتق إِذا أسلم الْمُعْتق قبل إِسْلَام الْمُعْتق بالِاتِّفَاقِ، ورُوي عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، أنهُ أعتق عبدا لَهُ نَصْرَانِيّا، فَتوفي فَأمر عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ أَن يَجْعَل مالهُ فِي بَيت مَال الْمُسلمين.

باب جر الولاء

2223 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَقَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» أَوْ كَمَا قَالَ. بَاب جَرِّ الوَلاء 2224 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلُيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ أَبَاهُ يَعْقَوبَ تَزَوَّجَ أَمَّ عَبْدِ الرَّحمنِ، فَوَلَدَتْهُ، وَكَانَ يَعْقُوبُ مُكَاتِبًا لأَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، وَكَانَتْ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلاةً لِرَجُلٍ مِنَ الْحُرْقَةِ، فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ فِي وِلايَتِهِ، فَقَضَى عُثْمَانُ أَنَّ مَا وَلَدَتْ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

باب الولاء لا يباع ولا يوهب

وَيَعْقُوبُ مُكَاتَبٌ فَهُوَ لِلْحُرَقِيِّ، وَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ، فَهُوَ لأَوْسٍ». قَالَ الإِمَامُ: وَمعنى هَذَا أَن الْأُم إِذا كَانَت مُعتقة إِنْسَان، وَالْأَب رَقِيق أَو مُكاتب، فولاء الْوَلَد لموَالِي الْأُم، فَإِن عتق الْأَب، انجر إِلَى موَالِيه، سَوَاء كَانَ ولادَة الْمَوْلُود قبل عتق الْأَب أَو بعده، فَإِن مَاتَ الْمَوْلُود قبل عتق الْأَب، وَأخذ موَالِي الْأُم مِيرَاث الْمَوْلُود، ثُمَّ عتق الْأَب فَلَا يُستردُّ من موَالِي الْأُم مَا أخذُوا، لِأَن الِاعْتِبَار بِيَوْم الْمَوْت، وَلم يكن لموَالِي الْأَب وَلَاء على الْمَوْلُود يَوْم مَوته. ورُوي أَنَّ الزبير اشْترى عبدا فأعتقهُ، وَلذَلِك العَبْد بنُون من امْرَأَة حُرَّة، قَالَ الزُّبير: هم موَالِي. وَقَالَ موَالِي أمّهم: هم موالينا. فَقضى عُثْمَان للزبير بولائهم، ورُوي أَيْضا عَنْ عُمَر، أنهُ قَالَ فِي الْحرَّة تكون تَحت العَبْد تَلد لهُ أَوْلَادًا، ثُمَّ يعْتق أَبوهم: إِنَّه يصير ولاؤُهم إِلَى موَالِي أَبِيهِم. وَهَذَا قولُ عَامَّة أهل الْعلم. وَلَو عتق الْجد، وَالْأَب مَمْلُوك يجرُّ موَالِي الْجد وَلَاء الْوَلَد عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَقَالَ قومٌ: لَا يجرُّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة. بَاب الوَلاء لَا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ 2225 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ

الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ». هَذَا حديثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أخرجهُ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. كُلٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ. 2226 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وعَنْ هِبَتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الإِمَامُ: اتّفق أهلُ الْعلم على هَذَا، أَن الْوَلَاء لَا يباعُ وَلَا يوهبُ وَلَا يورثُ، إِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ يُورث بِهِ، كالنسب يُورث بِهِ وَلَا يُورث، وَكَانَت العربُ فِي الْجَاهِلِيَّة تبيع وَلَاء مواليها، فنهاهم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، وَزعم قومٌ أَن السَّائبة تضع ولاءه حيثُ شَاءَ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا، لأنَّ الْوَلَاء كالنسب إِذا اسْتَقر لم يَزُل إِلا مَا اسْتَثْنَاهُ الْإِجْمَاع من جرِّ الْوَلَاء.

2227 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلاثَةً: اثْنَانِ لأُمٍّ، وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ، فَهَلَكَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لأُمٍّ، وَتَرَكَ مَالا وَمَوَالِيَ، فَوَرِثَ أَخُوهُ الَّذِي لأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَالَهُ وَوَلاءَهُ مَوَالِيهِ، ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ، وَوَلاءَ الْمَوَالِي، وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ لأَبِيهِ، فَقَالَ ابْنُهُ: قَدْ أَحْرَزْتُ مَا كَانَ أَبِي أَحْرَزَ مِنَ الْمَالِ، وَوَلاءِ الْمَوَالِي، وَقَالَ أَخُوهُ: لَيْسَ كَذلِكَ، إِنَّمَا أَحْرَزْتَ الْمَالَ، وَأَمَّا وَلاءُ الْمَوالِي فَلا، أَرَأَيْتَ لَوْ هَلَكَ أَخِي الْيَوْمَ أَلَسْتُ أَرِثُهُ؟ فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى لأَخِيهِ بِوَلاءِ الْمَوَالِي. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٍ، إِنَّهُمْ قَالُوا: الْوَلاءُ لِلْكُبْرِ، يَعْنُونَ: مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْمُعْتِقِ بِأَبٍ أَوْ أُمٍّ.

باب ميراث ذوي الأرحام

قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ بيانُ أَن الْوَلَاء لَا يُورث، وَإِنَّمَا يَرث بِهِ من كَانَ وَارِثا للْمُعْتق من عصباته لَو قدر موت الْمُعْتق يَوْم موت الْعَتِيق، فَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَانَ الْمِيرَاث بِالْوَلَاءِ للْأَخ للْأَب، لِأَن الْمُعْتق لَو مَاتَ الْيَوْم كَانَ مِيرَاثه للْأَخ للْأَب دون ابْن الْأَخ للْأَب وَالأُم، حَتَّى لَو أعتق رجلٌ عبدا، وَمَات عَنْ ثَلَاثَة بَنِينَ، ثُمَّ مَاتَ البنون عَنْ عشرَة بَنِينَ لوَاحِد اثْنَان، وَللْآخر ثَلَاثَة وللثالث خَمْسَة، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيق، كَانَ مِيرَاثه بَينهم أعشارًا، لِأَن الْمُعْتق لَو مَاتَ الْيَوْم كَانُوا فِي مِيرَاثه سَوَاء. وَلَو ظهر للْمُعْتق مالٌ قديمٌ، كَانَ بَينهم أَثلَاثًا، لِأَنَّهُ ميراثٌ لِآبَائِهِمْ من الْجد، لكلِّ وَاحِد ثَلَاثَة، ثُمَّ نصيبُ كل وَاحِد مِنْهُم يرثهُ أولادهُ، وحُكي عَنْ شُرَيْح، أَنَّهُ كَانَ يَقُول: يُورث الْوَلَاء كَمَا يُورث المالُ، حَتَّى قَالَ فِي هَذِه الصُّورَة: يُجعل مَال الْمولى بَينهم أَثلَاثًا، وَقَالَ: لَو أعتق عبدا، وَمَات عَنِ ابْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ أحد الِابْنَيْنِ عَنِ ابْن، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيق، فَنصف مِيرَاثه لِابْنِ الْمُعْتق، وَنصفه لِابْنِ الابْن، وَعند الْعَامَّة جَمِيع مِيرَاثه لِابْنِ الْمُعْتق بَاب مِيرَاثُ ذَوِي الأَرْحَامِ 2228 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ».

وَهَذَا حديثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. 2229 - أَخْبَرَنَا الإمامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابِجِرْدِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا، أَوْ ضَيْعَةً فَإِلَيْنَا، وَمَنْ تَرَكَ مَالا فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، أَرِثُ مَالَهُ، وَأَفُكُّ عَانَهُ، والْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَرِثُ مَالَهُ، وَيَفُكُّ عَانَهُ».

قولهُ: «يفك عانه» يُرِيد عانيه، فَحذف الْيَاء، والعاني: الْأَسير وَأَرَادَ مَا يَلزمُه بِسَبَب الْجِنَايَات الَّتِي سَبِيلهَا أَن تتحمَّلها الْعَاقِلَة، كَمَا صرح بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيث من رِوَايَة شُعْبَة، عَنْ بديل بْن ميسرَة، قَالَ: «يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُ مَالَهُ». وهَذَا حجَّة لمن ذهبَ إِلَى تَوْرِيث الْأَرْحَام وهم أَوْلَاد الْبَنَات، وَالْجد أَب الْأُم، وأولادُ الْأُخْت، وَبَنَات الْأَخ، وَبَنَات الْعم، وَالْعم للْأُم، والعمة، وَالْخَال، وَالْخَالَة، فَاخْتلف النَّاسُ فِي توريثهم، فَذهب جمَاعَة مِنْهُم إِلَى أنهُ لَا مِيرَاث لَهُم، بل يصرف مالُ الْمَيِّت الَّذِي لم يخلف وَارِثا إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين إِرْثا لَهُم بأخوة الْإِسْلَام. وَهُوَ قولُ أَبِي بَكْر، وَزَيْد بْن ثَابِت، وَابْن عُمَر، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وتأوَّلوا حَدِيث الْمِقْدَام على أَنَّهُ طعمة أطِعمها الخالُ عِنْد عدم الْوَارِث، وسماهُ وَارِثا مجَازًا على معنى أنهُ صَار المَال مصروفًا إِلَيْهِ، يدلُّ عَلَيْهِ أنَّ الْخَال لَا يعقل ابْن أُخْته، كَذَلِك لَا يَرِثُهُ. وَذهب كثيرٌ من أهل الْعلم إِلَى توريثهم عِنْد عدم الْوَرَثَة، وَهُوَ قولُ عُمَر، وَعلي، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّعْبِيّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ، وَأَحْمَد، وأصحابُ الرَّأْي، ثُمَّ عِنْد عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود يُقدم ذَوُو الْأَرْحَام على مَوْلَى الْعتاق، وَعند عَليّ يُقدم مَوْلَى الْعتاق عَلَيْهِم، وَهَذَا قولُ هَؤُلَاءِ الفُقهاء، ويقدمون الردَّ على أَصْحَاب الْفَرَائِض، سوى الزَّوْجَيْنِ مثل الْبِنْت، وَالأُم، وَالْأُخْت، على تورث من لَيْسَ بِذِي فرض من ذَوي الْأَرْحَام، ثُمَّ عِنْد عَليّ مَا فضل من فرائضهم يُردُّ عَلَيْهِم، ويُقسم على سِهَام فرائضهم، وَهُوَ قَول أَبِي حنيفَة، وَعند ابْن مَسْعُود لَا يردُّ على بنت الابْن مَعَ بنت

الصُّلب، بل يكون للْبِنْت النصفُ، ولبنت الابْن السُّدسُ، وَالْبَاقِي للْبِنْت، وَكَذَلِكَ لَا يرد على أَخ لأم مَعَ أم، بل يكون الْبَاقِي بعد فرضهما للْأُم، وَلَا على جدة إِذا كَانَ مَعهَا غَيرهَا ممَّن لَهُ فَرِيضَة. ثمَّ الْمَشْهُور من مَذهبهم فِي تَرْتِيب ترويثهم، تَقْدِيم من ينتمي إِلَى الميِّت، وهم أَوْلَاد الْبَنَات، ثُمَّ من ينتمي إِلَيْهِ الميِّت، وهم الأجدادُ والجدَّاتُ، ثُمَّ تُعتبر جهةُ أخوة الْمَيِّت، ثُمَّ جِهَة أخوة الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من آبَائِهِ وأمَّهاته، كَمَا فِي تَوْرِيث الْعَصَبَات، فَمَا دَامَ للْمَيت أحدٌ من أَوْلَاد الْبَنَات وَإِن سفلَ، فَلَا شَيْء لأَب الْأُم، وَلَا شَيْء لأحد من بَنَات الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات مَعَ وجود أحد من الأجداد والجدات وَإِن علا، وَلَا شَيْء لأحد من العمات والأخوال والخالات مَعَ وجود أحد من بَنَات الْإِخْوَة، أَو الْأَخَوَات وَإِن سَفل. ثمَّ فِي تَوْرِيث أَوْلَاد الْبَنَات يُقدمُ الْأَقْرَب إِلَى الْمَيِّت ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، فَإِن اسْتَووا فِي الدَّرجة، يُقدم الأقربُ إِلَى الْوَارِث، فَإِن اسْتَووا فِيهِ، فهم شُرَكَاء فِي الْمِيرَاث، وَإِن اخْتلفت أبدانهُم يُقسمُ بَينهم للذّكر مثلُ حظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَفِي تَوْرِيث الأجداد والجدَّات يُقدمُ الأقربُ إِلَى الْمَيِّت، فَإِن اسْتَووا فِي الدرجَة، فَلَا يُراعى القربُ إِلَى الْوَارِث، بل يُجعل الثُّلُثَانِ فِي جَانب الْمَيِّت ذكرا كَانَ فِي جَانِبه أَو أُنْثَى، وَالثلث فِي جَانب أمه ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، ثُمَّ إِن كَانَ فِي أحد الْجَانِبَيْنِ جمَاعَة يُجعل ذَلِكَ الثُّلُثَانِ أَو الثُّلُث بَينهم، فَإِن اخْتلفت أبدانهُم، يُقسم بَينهم للذّكر مثل حظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَفِي تَوْرِيث بَنَات الْإِخْوَة وَأَوْلَاد الْأَخَوَات يُقدَّمُ الأقربُ إِلَى الْمَيِّت سَوَاء كَانَ من قبل الْأَب وَالأُم، أَو من قبل الْأَب، أَو من قبل الْأُم، فَإِن اسْتَووا فِي الدَّرجة، يقدم الأقربُ إِلَى الْوَارِث من أَي جِهَة كَانَ، فَإِن اسْتَووا فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يقدمُ من كَانَ من قبل الْأَب وَالأُم، ثُمَّ من كَانَ من قبل الْأَب، ثُمَّ من كَانَ من قبل الْأُم، وَكَذَلِكَ فِي تَوْرِيث

باب الرجل يموت ولا وارث له

العمَّات والأخوال، والخالات، وَأَوْلَادهمْ، يُقدمُ الْأَقْرَب إِلَى الْمَيِّت، سَوَاء كَانَ من جِهَة الأخوال، أَو من جِهَة العمَّات، والأعمام، فَإِن اسْتَووا فِي الدَّرجة يقدمُ الأقربُ إِلَى الْوَارِث، فَإِن اسْتَووا فِيهِ، فَإِن انْفِرَاد قَرَابَات الْأَب من الْأَعْمَام، أَو العمات، أَو قَرَابَات الْأُم من الأخوال، والخالات، أَو أولادُهم، يُقدَّمُ من كَانَ الْأَب وَأم، ثُمَّ من كَانَ لأَب، ثُمَّ من كَانَ لأم، فَإِن اسْتَووا، فهم شُرَكَاء فِيهِ، فَإِن اخْتلفت أبدانهم قسم بَينهم للذّكر مثلُ حظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَإِن اجْتمع قرَابَة الْأَب، مَعَ قرَابَة الْأُم يَجْعَل الثُّلُثَانِ فِي قرَابَة الْأَب وَالثلث فِي قرَابَة الْأُم، ثُمَّ يُقدمُ فِي الثُّلثَيْنِ أَو الثُّلُث من كَانَ لأَب وَأم، ثُمَّ من كَانَ لأَب، ثُمَّ من كَانَ لأم، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من مذاهبهم على كَثْرَة اخْتلَافهمْ فِيهِ. وُروي عَنْ عُمَر أَنَّهُ أعْطى الْخَالَة الثُّلُث، والعمة الثُّلثَيْنِ. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود: الْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُم، والعمة بِمَنْزِلَة الْأَب، وَبنت الْأَخ بِمَنْزِلَة الْأَخ، وكل رحمٍ بِمَنْزِلَة رَحمَه الَّتِي يُدْلِي بهَا إِذا لم يكن وَارِث. وَقَالَ الشَّعْبِيّ فِي بنت أَخ وعمة: إنَّ المالَ لبِنْت الْأَخ. وَقَالَ مَسْرُوق فِي بنت أَخ وخال: للخال نصيب أُخْته، ولبنت الْأَخ نصيب أَبِيهَا. بَاب الرَّجُلِ يَمُوت وَلَا وَارِثَ لَهُ 2230 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الضَّحَّاكِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ، نَا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، نَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنَ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدَ بْنَ وَرْدَانَ يُحَدَّثُ، عَنْ عُرْوَةَ،

عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ مَوْلًى لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ، فَجَاءُوا بِمِيرَاثِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهَهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أعْطُوهُ إيَّاهُ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ويُروى هَذَا الْحَدِيث عَنْ عَائِشَة، أنَّ مَوْلًى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ، وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا، وَلا حَمِيمًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أعْطُوا مِيرَاثَهُ رَجُلا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ». وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إنَّ عِنْدِي مِيرَاثَ رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ، وَلَسْتُ أَجِدُ أَزْدِيًّا أَدْفَعُهُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: اذْهَبْ فَالْتَمِسْ أَزْدِيًّا حَوْلا. قَالَ: فَأَتَاهُ بَعْدَ الْحَوْلِ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ. قَالَ: فَانْظُرْ أَوَّلَ خُزَاعِيٍّ تَلْقَاهُ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ: عَلَيَّ الرَّجُلَ. فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: انْظُرْ كبر خُزَاعَةَ فَادْفَعْهُ إلَيْهِ "، ويُرْوَى أَكْبَرَ رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ الإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ هَذَا عِنْد أهل الْعلم على سَبِيل تَوْرِيث أهل الْقرْيَة والقبيلة، بل مالُ من لَا وَارِث لهُ، لعامة الْمُسلمين يَضَعهُ الإِمَام

حَيْثُ يرَاهُ على وَجه الْمصلحَة، فوضعهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أهل قبيلته على هَذَا الْوَجْه، وَالله أعلم. ورُوي عَنْ وَاثِلَة بْن الْأَسْقَع، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المرأةُ تَحُوزُ ثَلاثَ مَوَارِيثَ، عَتِيقَهَا وَلَقِيطَها وَوَلَدَهَا الَّذِي لاعَنَتْ بِهِ، وَهَذَا حديثٌ غيرُ ثابتٍ عِنْد أهل النَّقْل. وَاتفقَ أهلُ الْعلم على أَنَّهَا تَأْخُذ مِيرَاث عتيقها. وَذهب عَامَّة أهل الْعلم إِلَى أنَّ الْمُلْتَقط لَا وَلَاء لَهُ على اللَّقِيط، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يثبت الْوَلَاء إِلا للمعتِق، وَكَانَ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه يَجْعَل وَلَاء اللَّقِيط لملتقطه، أما الولدُ الَّذِي نفاهُ الرجُل بِاللّعانِ، فَلَا خلاف أَن أَحدهمَا لَا يرثُ الآخر، لأنَّ التَّوَارُث بِسَبَب النّسَب، وَقد انْتَفَى النسبُ بِاللّعانِ، أما نسبه من جِهَة الْأُم، فثابت ويتوارثان. وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة تَوْرِيث الْأُم مِنْهُ، فَذهب قومٌ إِلَى أنَّ جَمِيع مِيرَاث الْوَلَد للْأُم إِن كَانَت حيَّة، وَإِن لم تكن حيَّة، فلورثتها، وَإِلَيْهِ ذهب النَّخعِيّ، وَالشَّعْبِيّ، وَمَكْحُول، وَهُوَ قولُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ، قَالَ سُفْيَان: هِيَ بِمَنْزِلَة أَبِيه وأمِّه. ورُوي عَنِ ابْن مَسْعُود، وَابْن عُمَر، أنَّ الْأُم عصبَة من لَا عصبَة لهُ، قَالَ أَحْمَد: تَرثه أمُّه وعصبتهُ أمه، وَقَالَ الْحَسَن: للْأُم الثُّلُث، وَالْبَاقِي لعصبة الْأُم، فَإِن كَانَ لهُ أَخ، فَلهُ السُّدسُ، وَهُوَ قولُ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، قَالَ: ترثهُ أمهُ وأخوهُ من أمِّه وعصبة أمه، فَإِن قذفهُ قاذفٌ، جلد قاذفهُ، وَقَالَ مَالِك، وَالشَّافِعِيّ: إِن كَانَت أمه حرَّة أَو عَرَبِيَّة، فلهَا الثُّلُث، وَالْبَاقِي لبيت المَال. وَهُوَ مذهبُ زَيْد بْن ثَابِت، وَبِهِ قَالَ سُلَيْمَان بْن

باب الأسباب التي تمنع الميراث

يَسَار، وعروةُ بْن الزبير، وَالزُّهْرِيّ، وَإِن كَانَت مُعتَقة، فلهَا الثُّلُث وَالْبَاقِي لموَالِي الْأُم. وَإِن كَانَ لهُ إخْوَة يَرِثُونَ مِنْهُ بأخوة الْأُم، فَإِن قيل: كَيفَ صرفتم الْبَاقِي إِلَى عصباتها من جِهَة الْوَلَاء، وَلم تصرفوا إِلَى عصبتها من جِهَة النّسَب؟ قُلْنَا: كَمَا لَو كَانَ الْأَب مَمْلُوكا، كَانَ الْفضل عَنْ فرض الْأُم لمولاها دون عصبتها من جِهَة النّسَب. وَقَالَ عَليّ وَابْن مَسْعُود: عصبته عصبَة أمه. وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: مِيرَاث ابْن الْمُلَاعنَة كميراث غَيره مِمَّن يَمُوت، وَلَا عصبَة لهُ، فللأم فرضُها، وَالْبَاقِي ردٌّ عَلَيْهَا، وَإِن كَانَ مَعهَا صاحبُ فرض آخر، يرد الْفضل عَلَيْهِم على قدر سِهَامهمْ، وَهُوَ قَول عَليّ، قَالَ عَليّ، وَابْن مَسْعُود، فِي ولد مُلاعنة ترك جدَّته وَإِخْوَته لأمه، قَالا: للجدَّة الثُّلُث، وللإخوة الثُّلُثَانِ. وَعند زَيْد: للجدة السُّدس، وللإخوة الثلثُ، وَالْبَاقِي لبيت المَال. وَولد الزِّنا لَا يَرثُ من الزَّاني وَلَا الزَّانِي مِنْهُ، وَهُوَ مَعَ الْأُم كَوَلَد الْمُلَاعنَة عِنْد أهل الْعلم، ورُوي عَنْ عَليّ، أَنَّهُ قَالَ فِي ولد الزِّنَا لأولياء أمه: «خُذُوا ابنكم ترثونهُ وتعقلونه وَلَا يرثكم». بَاب الأَسْباب الَّتي تَمْنَعُ الميراثَ 2231 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. كُلٌّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد عَامَّة أهل الْعلم من الصَّحَابَة، فَمن بعدهمْ، أنَّ الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم، والمسلمَ لَا يرثُ الْكَافِر، لقطع الْولَايَة بنيهما، إِلا مَا رُوِيَ عَنْ مُعاذ، وَمُعَاوِيَة، أَنَّهُمَا قَالا: الْمُسلم يرثُ الْكَافِر، وَلَا يَرِثهُ الْكَافِر. وحُكي ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، كَمَا أنَّ الْمُسلم ينْكح الْكِتَابِيَّة وَلَا ينْكح الْكَافِر الْمسلمَة، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه، فأمَّا الكفَّار فيرث بَعضهم من بعض مَعَ اخْتِلَاف مللهم، كاليهودي من النَّصْرَانِي، وَالنَّصْرَانِيّ من الْمَجُوسِيّ، والوثني، لِأَن الْكفْر كلَّهُ مِلةٌ وَاحِدَة، وَاخْتِلَاف الْملَل فِيهِ كاختلاف الْمذَاهب فِي الْإِسْلَام، هَذَا قولُ عَامَّة أهل الْعلم، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الْأَنْفَال: 73]. وذهبَ جماعةٌ إِلَى أنَّ اخْتِلَاف الْملَل فِي الْكفْر يمْنَع التوارثَ، فَلَا يرثُ اليهوديُّ النَّصْرَانِي، وَلَا النصرانيُّ الْمَجُوسِيّ، يرْوى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَاحْتَجُّوا بِمَا 2232 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابِجِرْدِيُّ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا حَمَّادٌ، أَنا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى». وَتَأَوَّلَ من ورث أَحدهمَا من الآخر الْحَدِيث على الْإِسْلَام مَعَ الْكفْر، أما الْكفْر فكلهُ ملةٌ وَاحِدَة، فتوريثُ بَعضهم من بعض لَا يكون إِثْبَاتًا للتوارُث بَين أهل ملتين شَتَّى. أما الْمُرْتَد، فَلَا يَرث أحدا لَا مُسلمًا وَلَا كَافِرًا وَلَا مُرْتَدا، وَاخْتلفُوا فِي مِيرَاثه، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا يُورث مِنْهُ، بل مَاله فَيْء، وَهُوَ قَول ابْن أَبِي ليلى، وَرَبِيعَة، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّ مِيرَاثه لأقاربه الْمُسلمين، رُوي ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَالشَّعْبِيّ، وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيّ، وَإِسْحَاق، وَأَبُو يُوسُف، وَمُحَمَّد. وَذهب بَعضهم إِلَى أنَّ مَا اكْتَسبهُ فِي الْإِسْلَام لوَرثَته الْمُسلمين، وَمَا اكْتسب بعد الرِّدة فَيْء، وَهُوَ قولُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَبِي حنيفَة، وَحكي عَنْ قَتَادَة أنَّ مِيرَاث الْمُرْتَد لأهل الدَّين الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ، والْحَدِيث يدلُ على منع الْإِرْث، لأنهُ لم يفُصِّل بَين كفر وَكفر، والأسير فِي أَيدي الكفَّار إِذا مَاتَ يُورث مِنْهُ، وَيَرِث إِذا مَاتَ لَهُ قريب عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، إِلا مَا حُكي عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أنهُ كَانَ لَا يورِّث الأسيرَ. قَالَ الإِمَامُ: والأسبابُ الَّتِي تمنع الميراثَ أَرْبَعَة: اخْتِلَاف الدَّين كَمَا

بَينا، وَالرّق، وَالْقَتْل، وعمى الْمَوْت، فالرقيق لَا يَرث أحدا، وَلَا يَرِثهُ أحد، لِأَنَّهُ لَا ملك لهُ، وَلَا فرق بَين القِنِّ والمدبَّر وَالْمكَاتب وَأم الْوَلَد، وَأما من بعضهُ حر، فَلَا يَرث أحدا وَيُورث منهُ بِنصفِهِ الْحر، على أصح قولي الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا أنَّ الْعمة لَا ترثُ من ابْن الْأَخ، وَيَرِث مِنْهَا ابْن الْأَخ، وَالْجدّة أم الْأُم تَرث من بنت الْبِنْت، وَلَا ترثها بنت الْبِنْت، وَحكي عَنْ عَليّ، وَابْن مَسْعُود أَن من نصفه حر يَرث بِنصفِهِ الْحر، ويحجب الزَّوْجَة من الرّبع إِلَى ثمن وَنصف، وَالأُم من الثُّلُث إِلَى سُدس وَنصف، وَالْقَتْل يمْنَع الْمِيرَاث. 2233 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ، فَأصَابَ سَاقَهُ، فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ، فَمَاتَ، فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْن جعْشمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اعْدُدْ لِي عَلَى مَاءٍ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ عُمَرُ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ ثَلاثِينَ حِقَّةً، وَثَلاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ؟ فَقَالَ: هَأَنَذَا. فَقَالَ: خُذْهَا، فَإنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ».

قَالَ الإِمَامُ: إيجابُ مائَة وَعشْرين من قِبَلِ أَنَّهُ قتل محرمه، فقد رُوي أنَّ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَسليمَان بْن يَسَار، سُئلا: أتُغلظ الديَّة فِي الشَّهْر الْحَرَام؟ فَقَالَا: لَا، وَلَكِن تُزاد للحُرمة. قَالَ مَالِك: أراهما أَرَادَا مثل مَا صنعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب، فِي قتل المُدلجي حِين أصَاب ابْنه. ورُوي عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «القَاتِلُ لَا يَرِثُ»، وَإِسْنَاده ضَعِيف. وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد عَامَّة أهل الْعلم أنَّ من قتل مورِّثه لَا يَرث، عمدا كَانَ الْقَتْل أَو خطأ، من صبي أَو مَجْنُون أَو بَالغ عَاقل. وَجُمْلَته أنَّ كلِّ قتل يُوجب قصاصا، أَو دِيَة، أَو كَفَّارَة يمْنَع الميراثَ، وَقَالَ بَعضهم: قتلُ الْخَطَأ لَا يمنعُ الميراثَ، وَهُوَ قَول مَالِك، لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِيهِ إِلا أَنَّهُ لَا يَرث من الدِّيةِ شَيْئا، وَبِهِ قَالَ الحكم،

وَعَطَاء، وَالزُّهْرِيّ. وَقَالَ قومٌ: يَرث من الدِّية وَغَيرهَا، وَقَالَ قومٌ: قتل الصَّبي لَا يمْنَع الْمِيرَاث، وَهُوَ قَول أَبِي حنيفَة. وَاخْتلفُوا فِي قتل المتأوِّل، كالباغي مَعَ الْعَادِل إِذا قتل أحدهُم الآخرَ فِي الْقِتَال، فَقَالَ بَعضُهم: لَا يتوارثان لِأَنَّهُمَا قاتلان. وَهُوَ ظَاهر الْحَدِيث، وَقَالَ بَعضهم: يتوارثان، لِأَنَّهُمَا متأولان. وَقَالَ بَعضهم: إِذا قتل الْعَادِل أَبَاهُ يَرِثهُ، لِأَنَّهُ محق، وَإِن قَتله الْبَاغِي لَا يَرِثهُ، لِأَنَّهُ غير مُحق، وَلَو كَانَ الْقَتْل فِي حد لَا يحرم الْمِيرَاث عِنْد الْأَكْثَرين، وَلَو جرح رجلٌ أَبَاهُ فَمَاتَ الْجَارِح قبل موت الْمَجْرُوح يَرِثهُ الْمَجْرُوح، لأنَّ حرمَان الْقَاتِل لجنايته وقصده إِلَى استعجال الْمِيرَاث، وَلَا جِنَايَة من الْمَجْرُوح. وَأما عمى الْمَوْت هُوَ أنَّ المتوارثين إِذا عمي مَوْتهمَا بِأَن غرقا فِي مَاء، أَو انهدمَ عَلَيْهِمَا بِنَاء، أَو غابا، فجَاء نعيُهما، وَلم يدر أيُّهما سبق موتهُ، فَلَا يُورثُ أَحدهمَا من الآخر، بل ميراثُ كلِّ وَاحِد مِنْهُمَا لمن كَانَ حَيَاته يَقِينا بعد مَوته من ورثته. قَالَ ربيعَة عَنْ غير وَاحِد من عُلَمَائهمْ: إنهُ لم يتوارث من قُتِل يَوْم الْجمل، وَيَوْم صفّين، وَيَوْم الْحرَّة، إِلا من علم أَنَّهُ قتل قبل صَاحبه. وَحكي عَنِ ابْن مَسْعُود: أَن كل وَاحِد يَرث من صَاحبه تليد مَاله دون مَا ورث مِنْهُ، وكل من لَا يَرث من هَؤُلَاءِ لَا يحجبُ الْغَيْر عَنِ الْمِيرَاث عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، وَهُوَ قَول عَليّ وَزَيْد، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: يحتجبون وَلَا يَرِثُونَ. وَلَو مَاتَ رجُل ووارثه حمل فِي الْبَطن، يُوقف لهُ الْمِيرَاث، فَإِن خرج حَيا كَانَ لَهُ، وَإِن خرج مَيتا فَلَا يُورث مِنْهُ، بل هُوَ لسَائِر ورثته الأول، وَإِن خرج حَيا ثُمَّ مَاتَ يُورث منهُ، سَوَاء استهلَّ أَو لم يستهل، بعد أَن وجد فِيهِ أَمارَة الْحَيَاة من عطاس، أَو تنفس، أَو حَرَكَة دالَّة على الْحَيَاة، سوى اخْتِلَاج الْخَارِج عَنِ الْمضيق، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَذهب قومٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُورث منهُ مَا لم

يستهِلَّ، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بْن سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَقَتَادَة، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ، وَمَالك، قَالَ الزُّهْرِيّ: أرى العُطاس استهلالا، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وُرِّثَ»، والاستهلال: هُوَ رفع الصَّوت، وَالْمرَاد مِنْهُ عِنْد الآخرين وجود أَمارَة الْحَيَاة، وعبَّر عَنْهَا بالاستهلال، لِأَنَّهُ يستهل حَالَة الِانْفِصَال فِي الْأَغْلَب، وَبِهِ تعرف حَيَاته، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِذَا اسْتَهَلَّ الصَّبيُّ وَرِثَ وَوُرِّثَ، وصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَالْخُنْثَى: من لهُ آلَة الرِّجال وَآلَة النِّساء، فَسئلَ عَليّ عَنْهُ، فَقَالَ: يُوَرَّثُ مِنْ قِبَلِ مَبَالِهِ، معناهُ: إِن كَانَ يَبُول بِآلَة الرِّجال فَهُوَ رجلٌ وميراثهُ مِيرَاث الذُّكور، وَإِن كَانَ يَبُول بِآلَة النِّسَاء فامرأة وميراثها مِيرَاث النِّساء، وَإِن كَانَ يَبُول بهما، فَهُوَ مُشكل، فَاخْتَلَفُوا فِي أمره، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ يُورَّث بأضر حاليه، فَإِن كَانَ يَرث فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ دون الْأُخْرَى يُوقف، وَإِن ورث فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ أقل، دُفع إِلَيْهِ الْأَقَل وَيُوقف الْبَاقِي، وَهُوَ قولُ الشَّافِعِيّ، وَعند أَبِي حنيفَة لَا يُوقف الْبَاقِي، بل يُدفع إِلَى الْوَرَثَة. وَقَالَ الشَّعْبِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَالثَّوْرِيّ: للخنثى نصف مِيرَاث ذكر، ونصفُ مِيرَاث أُنْثَى. سُئِلَ جَابِر عَنْ مَوْلُود لَيْسَ لَهُ مَا للذَّكر، وَلَا لهُ مَا للْأُنْثَى، يخرج من سُرته كهيأة الْبَوْل الغليظ سُئل عَنْ مِيرَاثه، فَقَالَ: نصف حَظّ الذَّكر وَالْأُنْثَى.

وَإِذا اجْتمع فِي وَاحِد سببان للميراث يَرث بهما، مثل أَن مَاتَت امْرَأَة عَنْ زوج هُوَ معتقها، فلهُ النّصْف بِالزَّوْجِيَّةِ، وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ. أَو عَنْ أم هِيَ معتِقها، فلهَا الثُّلُث بالفرضية وَالْبَاقِي بِالْوَلَاءِ. وَلَو مَاتَ عَنِ ابْني عَم أَحدهمَا أَخ لأم، فللذي هُوَ أَخ لأم السُّدسُ وَالْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَانِ، قضى عَليّ فِي ابْني عَم، أحدُهما أَخ الْأُم وَالْآخر زوج، أنَّ للزَّوج النّصْف، وللأخ من الْأُم السُّدسَ، وَمَا بَقِي بَينهمَا نِصْفَانِ، هَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود فِي بني عَم أحدهم أَخ لأم، قَالَ: المَال أجمع لِأَخِيهِ لأمِّه أنزلهُ منزلَة الْأَخ من الْأَب وَالأُم، فَأخْبر عَليّ بقوله، فَقَالَ: يرحمهُ اللَّه إِن كَانَ لفقيهًا، أما أَنا فَلم أكن لأزيده على فرض اللَّه، لهُ سَهم السُّدس، ثُمَّ يقاسمهم كرجلٍ مِنْهُم. فَإِن اجْتمع فِي شخص قرابتان لَا يحلُّ فِي الْإِسْلَام طَرِيق حصولهما، مثل إِن نكح مَجُوسِيّ ابْنَته، فَأَتَت مِنْهُ بِولد، فالمنكوحة أم الْوَلَد وَأُخْته، فَاخْتلف أهلُ الْعلم فِيهِ، فَذهب جماعةٌ إِلَى أَنَّهُ يَرث بهما، فَإِذا مَاتَ المولودُ بعد موت الْأَب، فللأم الثُّلُث بالأمومة، وَالنّصف بالأخوة، وَبِهِ قَالَ عَليّ، وَابْن مَسْعُود، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْرِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَذهب قومٌ إِلَى أَنَّهُ يَرث بأقواهما وَهُوَ الأمومة، فلهَا الثُّلُث، وَلَا شَيْء لَهَا بالأخوة، فَإِن لم تَرث بالأقوى حِينَئِذٍ تَرث بِالْآخرِ، مثل إِن نكح ابْنَته، فَأَتَت ببنت، ثُمَّ نكح تِلْكَ الْبِنْت، فَأَتَت بِولد، فَالْأولى أُخْت هَذَا الْوَلَد وجدته، وَالثَّانيَِة أمه وَأُخْته، فَإِذا مَاتَ الْمَوْلُود، فللأم الثُّلُث، وَالْبَاقِي للْأَب، وَلَا شَيْء للموطوءة الأولى، لأنَّ أخوَّتها سَاقِطَة بِالْأَبِ، وجدودتها بِالْأُمِّ، فَإِن مَاتَ بعد موت الْأَب، فللأم الثُّلُث، وللجدة النّصْف بالأخوة، لأنَّ جدودتها محجوبة بِالْأُمِّ، فَإِن مَاتَ بعد موت الْأُم، فللجدة السُّدس بالجدودة، وَلَا تَرث بالأخوة، هَذَا قولُ زَيْد بْن ثَابِت، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ.

باب توريث المرأة من دية زوجها

بَاب تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا 2234 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، قَالَ: نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ يَقُولُ: الدِّيَةُ لِلعَاقِلَةِ، وَلا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا، حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ»، فَرَجَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ.

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِيه دليلٌ على أنَّ الدِّيَة تجب للمقتول ثُمَّ ينْتَقل منهُ إِلَى ورثته كَسَائِر أملاكه، وَهَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم. ورُوي عَنْ عَليّ أَنَّهُ كَانَ لَا يورِّث الْإِخْوَة من الْأُم، وَلَا الزوجَ، وَلَا الْمَرْأَة من الدِّيَة شَيْئا، وَإِذا وَجَبت الدِّيَة للمقتول، فَلَو جرح رجل، ثُمَّ الْمَجْرُوح عَفا عَنِ الدِّيَة قبل اندمال الْجراحَة وَمَات مِنْهَا، يكون من ثلثه، وَهَذَا فِي جِنَايَة الْخَطَأ الَّتِي تجب فِيهَا الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وعفوه يكون وَصِيَّة لَهُم دون الْقَاتِل، وَإِن كَانَت الْجِنَايَة عمدا، فعفوه عَنِ الْقصاص صَحِيح، وَإِن كَانَت مُوجبَة للدية فعفوه عَنْهَا وَصِيَّة للْقَاتِل، وَلَا يَصح على أصح الْمذَاهب، كَمَا لَا مِيرَاث للْقَاتِل. وَلَو قُتل رجُل عمدا، فَيثبت الْقصاص لجَمِيع الْوَرَثَة عِنْد بعض الْعلمَاء، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالُوا: لَو عَفا واحدٌ مِنْهُم سقط الْقَتْل، وَتعين حق البَاقِينَ فِي الدِّيَة، سَوَاء كَانَ الْعَافِي رجلا أَو امْرَأَة. وَقَالَ بَعضهم: يثبت القودُ لجَمِيع الْوَرَثَة إِلا الزَّوْج وَالزَّوْجَة، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَالنَّخَعِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَقَالُوا: لَا عَفْو للزَّوْج وَالْمَرْأَة، وَقَالَ قومٌ: يثبت للذكور من الْعصبَة، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْن شبْرمَة، وَلَا عَفْو للنِّسَاء عِنْدهم. وحدّ الْقَذْف موروث بِالْقصاصِ عِنْد الشَّافِعِيّ، وَهُوَ حق الْمَقْذُوف، وَيسْقط بعفوه، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَنَّهُ حقُّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يُورث وَلَا يَسقط بعفوه كَسَائِر الْحُدُود. ورُوي عَنْ أَبِي سَلمَة، عَنْ عَائِشَة، عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَلى المُقْتَتلِينَ أَن يَنْحجِزوا الأولى فَالْأولى وإنْ كَانَت امْرَأَة»،

باب توريت المبتوتة

وَأَرَادَ بالمقتتلين: أَوْلِيَاء الْقَتِيل الَّذين يطْلبُونَ الْقود، وَقَوله: «ينحجزوا» أَي: يكفوا عَنِ الْقود إِذا عَفا واحدٌ مِنْهُم، وَإِن كَانَ الْعَافِي امْرَأَة، وَأَرَادَ بِالْأولَى فَالْأولى: الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب. بَاب تَوْرِيتِ الْمَبْتُوتةِ 2235 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، قَالَ: نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْمَرْأَةَ فَيَبُتُّهَا، ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُماضرَ بِنْتَ الأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ، فَبتَّهَا، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، فَوَرَّثهَا عُثْمَانُ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَأَمَّا أَنَا فَلا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتَوتَةٌ. قَالَ الإِمَامُ: اتّفق أهل الْعلم على أَنَّهُ لَو طلق امْرَأَته طَلَاقا رَجْعِيًا، ثُمَّ مَاتَ أحدُهما قبل انْقِضَاء العدَّة يرثُه الآخر، أما إِذا أَبَانهَا فِي مَرضه

فَإِن مَاتَت الْمَرْأَة قبله فَلَا مِيرَاث لَهُ، وَإِن مَاتَ الزَّوْج، فَاخْتلف أهل الْعلم فِي توريثها، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا مِيرَاث لَهَا، لأنَّ الْمِيرَاث بِسَبَب النِّكَاح، وَقد ارْتَفع، كَمَا لَو أَبَانهَا فِي حَالَة الصِّحَّة يَنْقَطِع الْمِيرَاث، وَهُوَ قَول عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْف، وَابْن الزُّبَيْر، وَإِلَيْهِ ذهبَ الشَّافِعِيّ فِي أظهر قوليه. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهَا ترثهُ، وَهُوَ قَول عُثْمَان، وَعلي، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ، وَمَالك، وَابْن أَبِي ليلى، وَأَصْحَاب الرَّأْي، ثُمَّ عِنْد مَالِك تَرث، وَإِن كَانَ بعد انْقِضَاء عدتهَا، وَنِكَاح زوج آخر، وَعند ابْن أَبِي ليلى تَرث مَا لم تنْكح، وَعند أَصْحَاب الرَّأْي تَرث مَا دَامَت فِي الْعدة، وَإِن مَاتَ الزَّوْج بعد انْقِضَاء عدتهَا، فَلَا مِيرَاث لَهَا، وَقَالَ الشَّعْبِيّ: تَرثه، فَقَالَ ابْن شبْرمَة: تزوج إِذا انْقَضتْ عدَّتها؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أرأيتَ إِن مَاتَ الزَّوج الآخر، فَرجع عَنْ ذَلِكَ. بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الثَّامِن من (شرح السّنة) ويليه الْجُزْء التَّاسِع وأوله كتاب النِّكَاح

16 - كتاب النكاح

16 - كتاب النِّكَاح بَاب التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرَّعْد: 38]. 2236 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَزْدَادَ بْنِ مَسْعُودٍ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَجَلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ، فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كُلٍّ عَنِ الأَعْمَشِ والباءة: كِنَايَة عَنِ النِّكَاح، وَيُقَالُ للجماع أَيْضا: الباءَة، وَأَصلهَا الْمَكَان، وَالَّذِي يأوي إِلَيْهِ الْإِنْسَان، وَمِنْه اشتق مباءَة الْغنم، وَهِي الْموضع الَّذِي تأوي إِلَيْهِ بِاللَّيْلِ، سمي النِّكَاح بهَا، لِأَن من تزوج امْرَأَة بوأها منزلا. والوجاء: دق الْأُنْثَيَيْنِ، والخِصاء: نزعهما، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يقطع النِّكَاح، فَإِن الموجوءَ لَا يَضربُ. وَفِي بعض الْأَحَادِيث «صُوموا وَوَفِّرُوا أَشْعَارَكُمْ فَإنَّهَا مَجَفَرة». يَعْنِي: مقطعَة للنِّكَاح، وَنقص للْمَاء، يقَالَ للبعير إِذا أَكثر الضِّرابَ حَتَّى ينقطعَ: قد جَفَرَ يَجفُرُ جُفُورًا، فَهُوَ جافرٌ. وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على اسْتِحْبَاب النِّكَاح لمن تاقت نَفسه إِلَيْهِ، وَوجد أهبته، وَيكرهُ لَهُ أَن لَا ينْكح، وَذهب بعض أهل الظَّاهِر إِلَى أَنَّهُ يجب أَن ينكِح، والعامةُ على اسْتِحْبَابه.

رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوب، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِينَ: الحَيَاء، والتَّعَطُّرُ، والسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ ". 2237 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَنا ابْنُ شِهَابٍ، سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ»، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا. هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أخرجهُ مُسْلِم، عَنْ أَبِي كُريب، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضا عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن زِيَاد، عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد وَأَرَادَ بالتبتل: الانقطاعَ عَنِ النِّسَاء، ثُمَّ يُستعملُ فِي الِانْقِطَاع إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل: 8]. أَي: انْفَرد لَهُ فِي الطَّاعَة، والبتُول: الْمَرْأَة المنقطعة عَنِ الرِّجَال، ويقَالَ: سُميت فَاطِمَة البتول، لانقطاعها عَنْ نسَاء الْأمة فضلا ودينًا وحسبًا،

ويقَالَ: صَدَقَة بَتَّةٌ بَتلة، أَي: مُنقطة عَنِ الإملاك، وَكَانَ التبتل من شَرِيعَة النَّصَارَى، فَنهى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته عَنْهُ، ليكْثر النسلُ، ويدومَ الجهادُ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس لسَعِيد بْن جُبَير: «تَزَوَّجْ، فإنَّ خَيْرَ هَذه الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِساءً». 2238 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأْذَنُ لِي أَخْتَصِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خِصَاءُ أُمَّتِي الصِّيَامُ وَالْقِيَامُ» وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على أَن مَنْ لَا يجد أهبة النِّكَاح يجوز لَهُ المعالجة، لقطع الْبَاءَة بالأدوية، لأمر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمعالجة لقطعها بِالصَّوْمِ، فَأَما

باب اختيار ذات الدين

من لَا تتوقُ نَفسه إِلَى النِّكَاح وَهُوَ قَادر عَلَيْهِ، فالتخلي لِلْعِبَادَةِ لَهُ أفضل من النِّكَاح عِنْد الشَّافِعِيّ، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن النِّكَاح أفضل. 2239 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " بَاب اخْتِيَار ذَاتِ الدِّينِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الْفرْقَان: 74]. 2240 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ". هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَوْله: لحسبها. قيل: الحسبُ: الفعال الْحَسَن للرجل، وآبائه، مَأْخُوذ من الْحساب، وَذَلِكَ أَنهم إِذا تفاخروا، عدَّ كلُّ وَاحِد مِنْهُم مَناقبه، ومآثر آبَائِهِ، وحَسبها، فالحسبُ بِالْجَزْمِ، الْعد، والمعدُودُ «حَسب» بِالنّصب كالعدّ وَالْعدَد، وَقيل: الحسبُ: عَدَدُ ذَوي قرَابَته. وَقَوله: «تَرِبَتْ يَدَاكَ»، مَعناه: الْحَث والتحريض، وَأَصله الدُّعَاء بالافتقار، ويقَالَ: تَرِبَ الرجلُ: إِذا افْتقر، وأترب: إِذا أيسر وَلم يكن قصدُهُ بِهِ وقوعَ الْأَمر، بل هِيَ كلمة جَارِيَة على أَلْسِنَة الْعَرَب، كَقَوْلِهِم: لَا أَرض لَك، وَلَا أمَّ لَك، وكما قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصفية حِين حَاضَت: «عقرى حلقي أَحَابِسَتُنا هِيَ». معناهُ: عقر اللَّه جَسدَها، وأصابها وَجع الْحلق، وَلم يُرد بِهِ وُقُوع الْأَمر، وَقيل: قصد بِهِ وُقُوع الْأَمر، لِأَنَّهُ رأى فِيهِ أَن الْفقر خير لَهُ من الْغنى، وَقيل: أَرَادَ وُقُوع الْأَمر لتعديه ذَوَات الدَّين إِلَى ذَوَات الْجمال وَالْمَال، مَعْنَاهُ: تربت يداك إِن لم تفعل مَا أَمرتك بِهِ، وَالْأول أولى.

وَفِيه من الْفِقْه مُرَاعَاة الْكَفَاءَة فِي المناكح، وَأَن الدَّين أولى مَا اعْتبر مِنْهَا. وَاخْتلف العلماءُ فِي تَحْدِيد الْكَفَاءَة، فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنَّهَا بأَرْبعَة أَشْيَاء: الدَّين، وَالْحريَّة، وَالنّسب، والصنعة، وَالْمرَاد بِالدّينِ: الْإِسْلَام وَالْعَدَالَة، فَلَا يكون الْفَاسِق كفءًا للعفيفة، كَمَا لَا يكون الْكَافِر كفءًا للمسلمة، وَلَا العَبْد للْحرَّة، وَلَا الْمُعْتق للْحرَّة الْأَصْلِيَّة، وَلَا دنيء الحرفة لمن فَوْقه. وَمِنْهُم من اعْتبر فِيهَا السَّلامَة من الْعُيُوب: وَهِي الْجُنُون، والجذام، والبرص، والجَبّ، وَإِن كَانَ فِي الرجل أحدُ هَذِه الْعُيُوب، فَلَا يكون كفءًا للْمَرْأَة البريئة مِنْهَا، وَمِنْهُم من يعْتَبر الْيَسَار أَيْضا، فَيكون جِمَاعهَا سِتّ خِصَال. فَإِذا زُوِّجت امْرَأَة دون رِضَاهَا مِمَّن لَا يكون كفءًا لَهَا، لَا يَصح النِّكَاح، سَوَاء كَانَ المزوج أَبَا أَو غيرهُ، وَسَوَاء كَانَت الْمَرْأَة بَالِغَة أَو صَغِيرَة، وَإِن زَوجهَا وليُّها بِرِضَاهَا، صَحَّ النِّكَاح إِلا أَن تزوج مُسلمةٌ من كَافِر، فَلَا يَصح بِحَال. أما الرجل إِذا نكح امْرَأَة دونه فِي الْكَفَاءَة، فَيصح، وَإِن كَانَ صَغِيرا، فَقبل لَهُ الْأَب نِكَاح أمة، لَا يَصح، وَكَذَلِكَ لَو قبل لَهُ نِكَاح مَعِيبَة بجنون، أَو جُذام، أَو برص، أَو رَتَق، لَا يَصح، وَإِن قبل لَهُ نِكَاح كِتَابِيَّة، أَو دَنيئة فِي النّسَب، فقد اخْتلف فِيهِ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ. وَذهب مَالِك إِلَى أَن الْكَفَاءَة فِي الدَّين وَحده، وأهلُ الْإِسْلَام كلهم بَعضهم أكفاء لبَعض، ويُروى مَعْنَاهُ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ، وعُبيد بْن عُمَيْر، وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَابْن عون، وَحَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ: الْكَفَاءَة فِي الدَّين وَالنّسب، وَكَانَ يَقُول: إِذا نكح المَولى عَرَبِيَّة يفرّق بَينهمَا، وَهُوَ قَول أَحْمَد، ويُروى عَنِ ابْن عَبَّاس، وسَلمان، أَن المَولى لَا يكون

كفءًا للعربية، وَذهب قوم إِلَى أَن قُريْشًا بَعضهم أكفاء بعض، وَالْعرب بَعضهم أكفاء بعض، وَمن كَانَ من الموَالِي لَهُ أَبَوَانِ، أَو ثَلَاثَة فِي الْإِسْلَام، فبعضهم أكفاءُ بعض، فأمَّا مَنْ كَانَ عبدا فَعتق، أَو ذِمِّيا فَأسلم، فَلَا يكون كفءًا لامْرَأَة من الموَالِي لَهَا أَبَوَانِ، أَو ثَلَاثَة فِي الْإِسْلَام، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي. ويحتج من يعتبرُ مجردَ الدَّين بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَاتِم الْمُزنِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقُهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ»، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّه وَإِن كَانَ فِيهِ! قَالَ: «إِذَا جَاءَكُم من تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأنْكِحُوه» ثَلَاث مراتٍ. وَأَبُو حَاتِم الْمُزنِيّ لَهُ صُحْبَة، وَلَا يُعرف لَهُ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرُ هَذَا الْحَدِيث. 2241 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطُّوسِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ، نَا الْحَارِثُ

باب ما يتقى من فتنة النساء

بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، نَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، نَا حَيْوَةُ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، قَالا: نَا شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حَيْوَةَ قَالَ الْحَسَن: هَب لنا من أَزوَاجنَا فِي طَاعَة اللَّه، وَمَا شَيْء أقرّ لعين مُؤمن من أَن يرى حَبِيبه فِي طَاعَة اللَّه، وَعَن الْحَسَن أَتَاهُ رجل، فَقَالَ: إِن لي بِنْتا أحبها وَقد خطبهَا غيرُ وَاحِد، فَمن تُشِير عَليّ أَن أزوجها؟ قَالَ: زوّجها رجلا يَتَّقِي اللَّه، فَإِنَّهُ إِن أَحبها أكرمها، وَإِن أبغضها لم يظلمها. بَاب مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ النِّساءِ 2242 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا الْغَزَارِيُّ،

وَجَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي عَلَى أُمَّتِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ 2243 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ الْهَرَوِيُّ، أَنا أَبو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُقَيْلِ بْنِ الأَزْهَرِ بْنِ عُقَيْلٍ الْبَلْخِيُّ، أَنا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا فِتْنَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ فِتْنَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ 2244 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ

الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ، وَسَالِمٍ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَقيل: إِن شؤمَ الدَّار ضيقُها، وسوءُ جوارها، وشؤمُ الْفرس: أَلا يُغزي عَلَيْهَا، وشؤم الْمَرْأَة: أَن لَا تَلد، وَقيل: شُؤْم الْفرس صعوبتُه، وَسُوء خلقه، وشؤم الْمَرْأَة: غلاء مهرهَا، وسوءُ خلقهَا، وَقيل: هَذَا مِنْهُ إرشاد لمن كَانَت لَهُ دَار يكره سكناهَا، أَو امْرَأَة يكره صحبتهَا، أَو فرس لَا يُعجبهُ بِأَن يفارقها بالانتقَالَ عَنِ الدَّار، وتطليق الْمَرْأَة، وَبيع الْفرس، وَلَا يكون ذَلِكَ من بَاب الطِّيرة الْمنْهِي عَنْهَا، كَمَا رُوِيَ أَن امْرَأَة، قَالَت: يَا رسولَ اللَّه، سكنا دارَنا هَذِه وَنحن كثير، فهلكنا، وحسنٌ ذاتُ بَيْننَا، فَسَاءَتْ أخلاقُنا، وكثيرة أَمْوَالنَا، فافتقرنا، قَالَ: «أَفَلا تَنْتَقِلُونَ عَنْهَا ذَمِيمَةً». قَالَت: كَيفَ نصْنَع؟ قَالَ: «تَبِيعُونَهَا أَوْ تَهَبُونَهَا».

باب نكاح الأبكار

قَالَ الْخطابِيّ: فاليُمن والشؤم اسمان لما يُصيب الإنسانَ من الْخَيْر وَالشَّر، وَهَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة مَحالّ لَيْسَ لَهَا بأنفسها وطباعها فعل، وَلَا تَأْثِير، إِنَّمَا ذَلِكَ كُله بِمَشِيئَة اللَّه وقضائه، وخصت هَذِه الأشياءُ بِالذكر، لِأَنَّهَا أَعم الْأَشْيَاء الَّتِي يقتنيها الْإِنْسَان، وَلما كَانَ الْإِنْسَان لَا يَخْلُو عَنِ الْعَارِض فِيهَا، أضيف إِلَيْهَا اليمنُ والشؤم إِضَافَة مكانٍ وَمحل، وهما صادران عَنْ مَشِيئَته عَزَّ وَجَلَّ. بَاب نِكَاحِ الأَبْكَارِ 2245 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا مُحَارِبٌ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: تَزَوَّجْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَزَوَّجتَ؟» فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا، فَقَالَ: «مَا لَكَ وَلِلْعَذَارَى ولِعَابِهَا». فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرِو

بْنِ دِينَارٍ، فَقَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابرَ بْنَ عَبدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ الْحَارِثِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ 2246 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا، وأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» عبد الرَّحْمَن بْن سَالم هُوَ ابْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عويم بْن سَاعِدَة، وَعبد الرَّحْمَن بْن عويم لَيست لَهُ صُحْبَة.

باب النظر إلى المخطوبة

وَقَوله: أنتق أرحامًا. قيل: أَكثر أَوْلَادًا، يقَالَ: امْرَأَة نَافق ومنتاق: كَثِيرَة الْأَوْلَاد، وَقيل: هُوَ من النتق والقلع، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ} [الْأَعْرَاف: 171]. وَرُوِيَ عَنْ معقل بْن يَسَار، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ فإنِّي مُكَاثِر بِكُمُ الأمَمَ». بَاب النَّظَرِ إلَى المَخْطُوبَةِ 2247 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيّ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، نَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: خَطَبْتُ امْرَأَةً، فَقَالَ لِي

النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟» قُلْتُ: لَا. قَالَ: «فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَوْله: «يُؤدَمَ بَيْنَكُمَا». أَي: يكون بَيْنكُمَا المحبةُ والموافقة، يُقَال: أَدَمَ اللَّه بَينهمَا على مِثَال فعل، يأدِمُ أَدْمًا، وَأَصله من أَدَم الطَّعَام، لِأَن طيبَهُ يكون بِهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي لُغَة أُخْرَى، يقَالَ: آدم اللَّه بَينهمَا يُؤدِمُ إيدامًا، فَهُوَ مُؤدَمٌ بَينهمَا. ورُوي عَنْ جَابِر، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ المَرأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ». والعملُ على هَذَا عِنْد بعض أهل الْعلم، قَالُوا: إِذا أَرَادَ الرجل أَن ينكِحَ امْرَأَة، فَلهُ أَن ينظر إِلَيْهَا، وَهُوَ قولُ الثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، سَوَاء أَذِنت الْمَرْأَة، أَو لم تأذَن، وَإِنَّمَا ينظر مِنْهَا إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ

باب إرسال الرسول

فَقَط، وَلَا يجوز أَن ينظر إِلَيْهَا حاسِرة، وَأَن ينظر إِلَى شَيْء من عورتها. وَقَالَ الأَوْزَاعِيّ: لَا ينظر إِلا إِلَى وَجههَا. وَقَالَ مَالِك: لَا ينظر إِلَيْهِ إِلا بِإِذْنِهَا. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي قَوْله للْمُغِيرَة: «هَلْ نَظَرْتَ؟» دَلِيل على أَن الْمُسْتَحبّ أَن يكون نظره إِلَيْهَا قبل الْخطْبَة حَتَّى لَا يشق عَلَيْهَا تركُ الْخطْبَة إِذا لم تعجبه. ورُوي عَنْ أَبِي الزبير، عَنْ جَابِر، أَن رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ المَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطانٍ، فَإِذَا أبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرأَةً، فَأَعْجَبَتْهُ، فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ». بَاب إرْسَالِ الرَّسُول 2248 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ،

باب النهي عن مباشرة المرأة المرأة ثم تنعتها لزوجها

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: «اذْكُرْهَا عَلَيَّ». قَالَ زَيْدٌ: فَانْطَلَقْتُ، فَقَلْتُ: يَا زَيْنَبُ أَبْشِرِي، أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُكِ، فَقَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بَاب النَّهْيِ عَنْ مُبَاشَرَةِ المَرْأَةِ المَرأةَ ثُمَّ تَنْعَتها لِزَوْجِهَا 2249 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُبَاشِرُ الْمَرأَةُ الْمَرْأَةَ حَتَّى تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا، كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إلِيهَا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقٍ قَالَ الإِمَامُ: يُستدل بهَذَا الْحَدِيث على جَوَاز السَّلم فِي الْحَيَوَان، إِذْ أخبر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ وصف الشَّيْء يَجعله كالمعاينة. 2250 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الجُلُودِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ، قَالَ: نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، نَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: لَا يجوز للرجل أَن ينظر إِلَى عَورَة الرجل، وعورتهُ مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة، وَكَذَلِكَ المرأةُ مَعَ الْمَرْأَة، وَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَى سَائِر الْبدن إِذا لم يكن خوفُ فتْنَة أَو شَهْوَة. وَقَالَ مَالِك، وَابْن أَبِي ذِئْب: الْفَخْذ لَيست بِعَوْرَة، لما رُوِيَ عَنْ

عَبْد الْعَزِيزِ بْن صُهيب، عَنْ أَنَس، قَالَ: أَجْرَى نَبِيُّ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ " حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكثرُ أهل الْعلم على أَن الْفَخْذ عَورَة لما 2251 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْمَرٍ وَفَخِذَاهُ مَكْشُوفَتَانِ، قَالَ: «يَا مَعْمَرُ، غَطِّ فَخِذَيْكَ، فَإِنَّ الْفَخِذَيْنِ عَوْرَةٌ».

وَمُحَمَّدُ بْنُ جَحْشٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَلابْنِهِ مُحَمَّدٍ صُحْبَةٌ ويُروى عَنِ ابْن عَبَّاس، وجرهد، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الفَخِذُ عَوْرَةٌ». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدِيث أَنَس أسْند، وَحَدِيث جرهد، أحوط حَتَّى يُخرج من اخْتلَافهمْ. وَلَا يجوز مضاجعةُ الرجل الرجلَ، وَلَا مضاجعةُ الْمَرْأَة المرأةَ، وَإِن كَانَ من مَحَارمه، ويُفرق بَين الصّبيان فِي المضجع بعد مَا بلغُوا عشر سِنِين، لِأَنَّهَا سنّ يحْتَمل فِيهَا الْبلُوغ، رُوي أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بالصَّلاةِ فِي سَبْعِ سِنينَ، واضْرِبُوهُم عَلَيْهَا فِي عَشْرٍ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ». ورُوي عَنْ أَبِي رَيحانة، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ

الرَّجُلَ بِغَيْرِ شِعَارٍ، وَمُكَامَعَةِ المرأةِ المرأةَ بِغَيْرِ شِعَارٍ»، وَالْمرَاد بالمكامعة المضاجعة، يقَالَ لزوج الْمَرْأَة: هُوَ كميعها، أَي: ضجيعها، وَرُوِيَ فِي الْحَدِيث أَنَّهُ «نهى عَنِ المكاعمة وَهُوَ تَقْبِيل فَم الْغَيْر»، أَخذ من كِعام الْبَعِير، وَهُوَ أَن يُشد فمُه إِذا هاج حَتَّى لَا يعَض، يقَالَ كعمتُه: أكعمُه، فَهُوَ مكعوم. وَأما المرأةُ مَعَ الرجل، فَإِن كَانَت أَجْنَبِيَّة حرَّة، فجميعُ بدنهَا عَورَة فِي حق الرجل، لَا يجوز لَهُ أَن ينظر إِلَى شَيْء مِنْهَا إِلا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ إِلَى الكوعين، لقَوْله عز وَجل: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النُّور: 31] قيل فِي التَّفْسِير: هُوَ الْوَجْه والكفان، وَعَلِيهِ غض الْبَصَر عَنِ النّظر إِلَى وَجههَا ويديها أَيْضا عِنْد خوف الْفِتْنَة، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النُّور: 30]. قَالَ قَتَادَة: عَمَّا لَا يحل لَهُم، وَقَالَ: خَائِنة الأعُين: النّظر إِلَى مَا نهي عَنْهُ. قَالَ الإِمَامُ: وَإِذا اتّفقت نظرة، فَلَا يُعِيدهَا قصدا، لما رُوي عَنْ جرير بْن عَبْد اللَّهِ، قَالَ: سألتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نظر الفُجاءةِ، قَالَ: «اصرِفْ بَصَرَكَ». وَرُوِيَ عَنْ بُريدة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَلي: «يَا عَليُّ لَا تُتْبعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَة».

قَالَ الإِمَامُ: والْحَدِيث الأول يدل على أَن النظرة الأولى إِنَّمَا تكون لَهُ لَا عَلَيْهِ إِذا كَانَت فُجاءة من غير قصدة، فَأَما القصدُ إِلَى النّظر فَلَا يجوز لغير غَرَض، وَهُوَ أَن يُريد نِكَاح امْرَأَة، أَو شِرَاء جَارِيَة، أَو تحمل شَهَادَة عَلَيْهَا، فيتأملها. وَإِذا كَانَ بِعَوْرَة الْمَرْأَة دَاء، فَلَا بَأْس للطبيب الْأمين أَن ينظر إِلَيْهَا كَمَا ينظر الخَتَّان إِلَى الْفرج عِنْد الخِتان. قَالَ الحسنُ، وَالشَّعْبِيّ، فِي الْمَرْأَة بهَا الْجرْح وَنَحْوه: يُخرق الثَّوْب على الْجرْح، ثُمَّ ينظر إِلَيْهِ، يَعْنِي: الطَّبِيب. وَالْمَرْأَة فِي النّظر إِلَى الرجل الْأَجْنَبِيّ، كَهُوَ مَعهَا، لما رُوِيَ عَنْ أم سَلمة، أَنَّهَا كَانَت عِنْد رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَيمونة إِذْ أقبل ابْن أم مَكْتُوم، فَدخل عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بعد مَا أمرنَا بالحجاب، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجِبَا مِنْهُ» فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه، أَلَيْسَ هُوَ أعمى لَا يُبِصرنا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَعَمْيَاوَان أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟». وَالْأمة عورتها مثلُ عَورَة الرجل مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة، وَكَذَلِكَ المحارمُ بَعضهم مَعَ بعض، ويغض الْبَصَر إِلا لغَرَض، كره عَطَاء النّظر إِلَى الْجَوَارِي يبُعن إِلا أَن يُرِيد أَن يَشْتَرِي.

وَيجوز للزَّوْج أَن ينظر إِلَى جَمِيع بدن امْرَأَته، وأمَته الَّتِي تحل لَهُ، وَكَذَلِكَ هِيَ مِنْهُ إِلا نفس الْفرج، فَإِن النّظر إِلَيْهِ مَكْرُوه، وَكَذَلِكَ فرج نَفسه، فَإِذا زوج أمَته، حرم النّظر إِلَى عورتها، رُوِيَ عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب، عَنْ أَبِيه، عَنْ جده، أَن رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُم أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلا يَنْظُرُ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ، وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ»، ويُروى: «فَلا يَنْظُرُ إِلَى عَوْرَتِهَا». وَيكرهُ للرجل كشفُ عَوْرَته لغير حَاجَة، وَإِن كَانَ خَالِيا، قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَسْتَحْيَا مِنْهُ». ويُروى عَنِ ابْن عُمَر بِإِسْنَاد غَرِيب أَن رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلا عِنْدَ الغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ». قَالَ الزُّهْرِيّ فِي النّظر إِلَى الَّتِي لم تَحض من النِّسَاء: لَا يصلح النّظر إِلَى شَيْء مِنْهُنَّ، وَإِن كَانَت صَغِيرَة، ورُوي عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} [النُّور: 60]، قَالَ: هُوَ الجلباب.

باب النهي عن أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية

بَاب النَّهي عَنْ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بالمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الْأَحْزَاب: 32]. أَي: لَا تَلِنَّ بالْقَوْل، يُقَالُ: خَاضَعَ الرَّجُلُ المرأةَ: إِذا خَضَعَ لَهَا بِكَلامِهِ، أَيّ: لَيَّنَ. 2252 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّد بْن رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ الحمو: جمعه الأحماء، وهم الأصهار من قِبَل الزَّوْج، والأختان من قِبل الْمَرْأَة، والأصهار تجمع الْفَرِيقَيْنِ أَيْضا، وَأَرَادَ هَهُنَا أَخا الزَّوْج، فَإِنَّهُ لَا يكون محرما للْمَرْأَة، وَإِن كَانَ أَرَادَ أَبَا الزَّوْج وَهُوَ محرم، فَكيف بِمن لَيْسَ بِمحرم؟!.

وَقَوله: «الحمو الْمَوْت». قَالَ أَبُو عُبَيْد: يَقُول: فليمت، وَلَا يفعلنَّ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْن الأَعْرَابِيّ: هَذِه كلمة تَقُولهَا الْعَرَب، كَمَا تَقول الأسدُ الْمَوْت. أَي: لقاؤه مثل الْمَوْت، وكما يَقُولُونَ: السُّلْطَان نَار. فَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام: إِن خلْوَة الحمو مَعهَا أَشد خلْوَة غَيره من الْبعدَاء. قَالَ الإِمَامُ: وَأَرَادَ احذر الحمو، كَمَا تحذر الْمَوْت. 2253 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قَامَ بِالْجَابِيَةِ خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَامَ فِينَا كَقِيَامِي فِيكُمْ، فَقَالَ: «أَكْرِمُوا أَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبَ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَحْلِفُ وَلا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدُ وَلا يُسْتَشْهَدُ، أَلا فَمَنْ سَرَّهُ بُحْبُحَةُ الجَنَّةِ، فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ، وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، وَلا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمْ، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ، وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَهُوَ مُؤمِنٌ».

وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَامَ بِالْجَابِيَةِ خَطِيبًا فَذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ، قَالَ: " أَكْرِمُوا أَصْحَابِي، فَإِنَّهُمْ خِيَارُكُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَقَالَ: فَمَنْ سَرَّهُ بُحْبُوحَةُ الجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالجَمَاعَةِ " قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: بَحبحة الْجنَّة، وبُحْبُوحَةُ الجَنَّةِ: وَسطُها، وبُحبوحة كل شَيْء: وَسطه وخياره، وَفِي حَدِيث خُزَيْمَة «وتَبَحْبَحَ الحَيَا» أَي: اتَّسع الْغَيْث. ورُوي عَنْ جَابِر، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَلِجُوا عَلَى المُغيباتِ، فإنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ أَحَدِكُمْ مَجْرى الدَّمِ». والمغيبةُ: الْمَرْأَة الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوجهَا، والمغيباتُ جمعهَا. قَالَ الإِمَامُ: خلوةُ الرجل بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّة، والمسافرَةُ بهَا حرَام، فَإِن كَانَت من الْمَحَارِم، فَلَا بَأْس بالمسافرة بهَا، والدخولِ عَلَيْهَا، ويَستأذِن خُصُوصا فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة الَّتِي تضع فِيهَا ثِيَابهَا: قبل صَلَاة الْفجْر،

باب استئذان المرأة البالغة في النكاح

وَبعد صَلَاة الْعشَاء، وَوقت الظهيرة، وَكَذَلِكَ الْمُرَاهق الْأَجْنَبِيّ، وَلَا يجوز لَهَا أَن تنكشف لَهُم، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النُّور: 58] الْآيَة. قَالَ الزُّهْرِيّ: كَانَ المملوكون، وَمن لم يبلغ الْحلم يستأذنون فِي هَذِه الْأَوْقَات الثَّلَاثَة، فَإِذا بلغ الأطفالُ الْحلم، فَإِنَّهُم يستأذنون على كل حَال، وَلَا يدْخل الرجل على والدته إِلا بِإِذن، وَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النُّور: 59]. وَسُئِلَ حُذَيْفَة: أيستأذن الرجل على والدته؟ قَالَ: نعم، وَقَالَ: إِن لم تفعل رأيتَ مِنْهَا مَا تكره. قَالَ الإِمَامُ: وَعبد الْمَرْأَة محرم لَهَا بِمَنْزِلَة الْأَقَارِب عِنْد أَكثر أهل الْعلم، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النُّور: 31]. ورُوي عَنْ أَبِي جُمَيْع سَالم بْن دِينَار، عَنْ ثَابِت، عَنْ أَنَس أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، وَعلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إِذا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغَ رَأْسَهَا، فَلمَّا رأى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى، قَالَ: «إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلامُكِ». بَاب استِئْذَانِ المَرْأَةِ البَالِغَةِ فِي النِّكَاحِ 2254 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو

إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْله: «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا»، أَرَادَ بهَا الثّيّب، بِدَلِيل أَنَّهُ ذكر حكم الْبكر بعْدهَا، وَقد روى زِيَاد بْن سَعْد، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن الْفضل «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»، ويُروى «الثَّيِّبُ يُعْرِبُ عَنْهَا لِسَانُهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا». قَوْله: يُعرب. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُروى بِالتَّخْفِيفِ، قَالَ الفرَّاء: هُوَ يُعرِّب بِالتَّشْدِيدِ، يُقَالُ: عرَّبْتُ عَنِ الْقَوْم إِذا تَكَلَّمت عَنْهُم، وَأكْثر أهل اللُّغَة على أَنَّهُمَا لُغَتَانِ صحيحتان، يجوز أعربت وعرَّب.

2255 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» قُلْتُ: إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحْيِي؟ قَالَ: «إِذْنُهَا صُمَاتُهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: اتّفق أهلُ الْعلم على أَن تَزْوِيج الثّيّب الْبَالِغَة الْعَاقِلَة لَا يجوز دون إِذْنهَا، فَإِن زوَّجها وَليهَا دون إِذْنهَا، فَالنِّكَاح مَرْدُود، فَأَما البِكر الْبَالِغَة إِذا زَوجهَا وليُّها قبل الاسْتِئْذَان، فَاخْتلف أهل الْعلم فِيهِ، فَذهب قوم إِلَى أَن النِّكَاح مَرْدُود، لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» وَإِلَيْهِ ذهب الأَوْزَاعِيّ، وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ إِن زَوجهَا أَبوهَا، أَو جدُّها من غير اسْتِئْذَان، فَجَائِز، يُروى ذَلِكَ عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد، وَسليمَان بْن يَسَار، وَسَالم بْن عَبْد اللَّهِ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَابْن أَبِي ليلى، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَقَالُوا: معنى قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» هُوَ على استطابة النَّفس،

كَمَا أَمر تبَارك وَتَعَالَى رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشاورة الْأَصْحَاب، فَقَالَ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمرَان: 159] وَذَلِكَ على استطابة نُفُوسهم. وَرُوِيَ عَنِ ابْن عُمَر، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمِرُوا النِّسَاء فِي بَنَاتِهِنَّ». ورُوي أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر نعيمًا، أَن يُؤامر أم ابْنَته فِيهَا، وَكَانَ ذَلِكَ على استطابة نفوس الْأُمَّهَات، لِأَن جَوَاز العقد على الْبَنَات مُتَوَقف على رضى الْأُمَّهَات. وَاتَّفَقُوا على أَن الْبكر إِذا استُؤذنت فِي النِّكَاح، يُكتفى بسكوتها، وَيشْتَرط صريحُ نطق الثّيّب، وَقيل: السُّكُوت من الْبكر إِذن فِي حق الْأَب وَالْجد، فَأَما فِي حق غَيرهمَا من الْأَوْلِيَاء فَيشْتَرط النُّطْق، وَالْأَكْثَرُونَ على أَنَّهُ إِذن فِي حق جَمِيع الْأَوْلِيَاء.

ويحتج من يجوز إِجْبَار الْبكر الْبَالِغَة على النِّكَاح بقوله: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»، قَالُوا: مَفْهُومه يدل على أَن الْوَلِيّ أحقُّ بالبكر مِنْهَا بِنَفسِهَا، وَذكر كل وَاحِدَة على الِانْفِرَاد دَلِيل على اخْتِلَافهمَا فِي الحكم، وَمعنى قَوْله «أَحَق بِنَفسِهَا». أَرَادَ فِي اخْتِيَار الزَّوْج لَا فِي العقد، فَإِن مُبَاشرَة العقد عَلَيْهَا إِلَى وَليهَا. 2256 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ، أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَرَدَّ نِكَاحَهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيل أَن تزويجَ الثّيّب لَا يجوز إِلا بِإِذْنِهَا، وذكرُ الثيابة فِي الْحَدِيث يدلُّ على أَن حكم الْبكر بِخِلَاف ذَلِكَ، لِأَن تَقْيِيد الشَّيْء بأخص أَوْصَافه يدل على أَن مَا عداهُ بِخِلَافِهِ، وَلَيْسَ المُرَاد من رد النِّكَاح رفعا بعد الِانْعِقَاد، وَإِنَّمَا هُوَ حكم بِأَنَّهُ مَرْدُود غيرُ مُنْعَقد.

باب تزويج الصغيرة

وَقد رُوي عَنْ عِكْرِمَة أَنَّ جَارِيةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، «فَخَيَّرهَا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وَهَذَا حَدِيث مُرسل لَا تقوم بِهِ الحجةُ، وَرَوَاهُ بَعضهم عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس مُتَّصِلا وَلَا يَصح. وَاخْتلف أهل الْعلم فِيهِ، فَذهب قوم إِلَى أَن النِّكَاح بَاطِل، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، وَقَالَ قوم: مَوْقُوف على إجازتها، فَإِن أجازت، جَازَ، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي. بَاب تَزْوِيجِ الصَّغِيرةِ 2257 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَحْمَدَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، قَالَ: نَا

أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعٍ، وَكُنْتُ أَلْعَبُ بِالبَنَاتِ، وَكُنَّ جَوَارِي يَأْتِينَنِي، فَإِذَا رَأَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقَمِعْنَ مِنْهُ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ هِشَامٍ قَوْلهَا: ينقمِعن: يتغيبن، والانقماع: الدُّخُول فِي بَيت أَو ستر. يُسَرِّبُهُنَّ، أَي: يرسلهن إليَّ. 2258 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِي عَشْرَةَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2259 - وبهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، نَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَن عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي». قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2260 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالِهِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، قَالَ: فَذَهَبَتْ أُمُّهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إنَّ ابْنَتِي تَكْرَهُ ذَلِكَ. فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفَارِقَهَا، وَقَالَ: «لَا تَنْكِحُوا الْيَتَامَى حَتَّى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ، فَإِذَا سَكَتْنَ، فَهُوَ إِذْنُهُنَّ». فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْيَتيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ صَمَتَتْ، فَهُوَ إِذْنُهَا، وَإنْ أَبَتْ، فَلا جَوَازَ عَلَيْهَا» قَالَ الإِمَامُ: اتّفق أهل الْعلم على أَنَّهُ يجوز للْأَب وَالْجد تزويجُ الْبكر الصَّغِيرَة، لحَدِيث عَائِشَة أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزَوجهَا وَهِي بنتُ سبع. وَاخْتلفُوا فِي الْيَتِيمَة إِذا زَوجهَا غيرُ الْأَب وَالْجد، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَن النِّكَاح صَحِيح، وَلها الْخِيَار إِذا بلغت فِي فسخ النِّكَاح، أَو إِجَازَته، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، وَذهب قوم إِلَى أَن النِّكَاح مَرْدُود، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَاحْتج بِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قَالَ: «الْيَتِيمَة تُستأمر»، واليتيمة اسْم للصغيرة الَّتِي لَا أَب لَهَا، وَهِي قبل الْبلُوغ لَا معنى لإذنها، وَلَا عِبْرَة لإبائها، فَكَأَنَّهُ شَرط بُلوغها، وَمَعْنَاهُ: لَا تُنكح حَتَّى تبلغ فتستأمر، وَذهب أَحْمَد، إِلَى أَن الْيَتِيمَة إِذا بلغت تسع سِنِين، جَازَ لغير الْأَب وَالْجد تَزْوِيجهَا بِرِضَاهَا، وَلَا خِيَار لَهَا، وَلَعَلَّه قَالَ ذَلِكَ لما علم أَن كثيرا من نسَاء الْعَرَب يدركن إِذا بلغن هَذَا السن، قَالَت عَائِشَة: «وَإِذا بلغت الْجَارِيَة تسع سِنِين، فَهِيَ امْرَأَة». وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيّ هَل يُزوج بَنَات الْمُوصي؟ فَذهب أَكْثَرهم أَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ، وَإِن فوض إِلَيْهِ، قَالَ الشَّعْبِيّ: لَيْسَ إِلَى الأوصياء من النِّكَاح شَيْء،

باب رد النكاح بغير الولي

إِنَّمَا ذَاك إِلَى الْأَوْلِيَاء. وَقَالَ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان: للْوَصِيّ أَن يُزوج الْيَتِيمَة قبل الْبلُوغ، وحُكي ذَلِكَ عَنْ شُرَيْح أَنَّهُ أجَاز نِكَاح الْوَصِيّ مَعَ كَرَاهِيَة الْأَوْلِيَاء، وَأَجَازَ مَالِك إِذا فوَّض إِلَيْهِ الْأَب. بَاب رَدِّ النِّكَاحِ بِغَيْرِ الوَلِيِّ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النُّور: 32] الْآيَة، وَقَالَ: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النِّسَاء: 25]، والأَيِّمُ: المرأةُ الَّتِي ماتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، أَوْ طَلَّقَهَا، وَتُسَمَّى البِكْرُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا أَيِّمًا أَيْضا، ويقَالَ لِلرَّجُلِ إِذا لَمْ تَكُنْ لَهُ امرأَةٌ: أَيِّمٌ أَيْضا، ويُقَالُ للمرأةِ: أَيِّمٌ وَأَيِّمَةٌ، وإنَّمَا قيل لَهَا: أَيِّمٌ، لأنَّ أَكْثَرَ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ، فَهو كالمُستَعَارِ لِلرِّجَالِ. 2261 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا نِكاحَ إِلا بِوَلِيٍّ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهَكَذَا رَوَاهُ إِسْرَائِيلُ وَشَرِيكٌ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَرَوَى

بَعْضُهُمْ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَرَوَى شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلا، وَرِوَايَةُ مَنْ أَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَصَحُّ 2262 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «أيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، ثَلاثًا، فَإِنْ أَصَابَهَا، فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ نَحْوَ هَذَا، وَرَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، ورُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُرْوَى: «أيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا»، وَالْمَوْلَى وَالْوَلِيُّ وَاحِدٌ، وَالْمَوَالِي: بَنُو الأَعْمَامِ وَالْعُصْبَةُ أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مَرْيَم: 5]، وَالْمَوْلَى: الْمُعْتِقُ وَالْعَتِيقُ أَيْضًا، وَالْمَوْلَى: النَّاصِرُ أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [مُحَمَّد: 11]، أَيْ: نَاصِرُهُمْ قَوْله: اشتجروا، أَي: اخْتلفُوا وَتَنَازَعُوا، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النِّسَاء: 65]، أَي: فِيمَا أوقع خلافًا بَينهم. وَضعف بَعضهم هَذَا الْحَدِيث، لِأَن ابْن جُرَيْج، قَالَ: ثُمَّ لقِيت الزُّهْرِيّ، فَسَأَلته، فَأنكرهُ، قَالَ يَحْيَى بْن معِين: لم يذكر هَذَا الْحَرْف عَنِ ابْن جُرَيْج إِلا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم، وَسَمَاع إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم عَنِ ابْن جُرَيْج لَيْسَ بِذَاكَ. وَالْعَمَل على حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ» عِنْد عَامَّة أهل

الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمن بعدهمْ، وَهُوَ قولُ عُمَر، وَعلي، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَعَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَة، وَغَيرهم، وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، والحسنُ الْبَصْرِيّ، وشُريح، وَإِبْرَاهِيم النخَعي، وَقَتَادَة، وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَغَيرهم، إِلَيْهِ ذهب ابْن أَبِي ليلى، وَابْن شُبرمة، وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَعَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا تُنكح الْمَرْأَة إِلا بِإِذن وَليهَا، أَو ذِي الرَّأْي من أَهلهَا، أَو السُّلْطَان». ورُوي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيه، قَالَ: «كَانَت عَائِشَة تخْطب إِلَيْهَا الْمَرْأَة من أَهلهَا فتشهدُها، فَإِذا بقيت عُقدةُ النِّكَاح، قَالَت لبَعض أَهلهَا زوِّجْ، فَإِن الْمَرْأَة لَا تلِي عقد النِّكَاح».

وَقد أجَاز بَعضهم للْمَرْأَة تَزْوِيج نَفسهَا، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِن زوجت نَفسهَا بِإِذن الْوَلِيّ، صَحَّ النِّكَاح، وَإِن تزوجت بِغَيْر إِذْنه لَا يَصح، لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أيُّما امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا». وَمَعْنَاهُ عِنْد الْعَامَّة: أَن يَلِي الْوَلِيّ العقد عَلَيْهَا، أَو يَأْذَن لَهَا فِي تَوْكِيل من يَلِي العقد عَلَيْهَا من الرِّجَال، فَإِن وكلت دون إِذن الْوَلِيّ، فَبَاطِل. وَقَالَ مَالِك: إِن كَانَت الْمَرْأَة دنيئة فلهَا أَن تُزوِّج نَفسهَا، أَو تَأمر مَنْ يُزوجها، وَإِن كَانَت شريفة فَلَا، وَلَفظ الْحَدِيث عَام فِي سلب الْولَايَة عَنْهُن من غير تَخْصِيص. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» دَلِيل على أَن العقد لَا يكون مَوْقُوفا على إجَازَة الْوَلِيّ، وَفِي قَوْله: «فَإِن أَصَابَهَا فلهَا الْمهْر» دَلِيل على أَن وَطْء الشُّبْهَة يُوجب مهرَ الْمثل، وَلَا يجب بِهِ الحدُّ، ويثبتُ النّسَب. قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: فَمن فعله عَالما عزّر، لما رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة بْن خَالِد، قَالَ: جمعتِ الطريقَ رفْقَة فيهم امرأَةٌ ثيِّب، فولَّت رجلا مِنْهُم أمرهَا، فَزَوجهَا رجلا، فجلد عُمَر بْن الْخَطَّاب الناكحَ والمنكِحَ، ورد نِكَاحهَا.

وَقَوله: «فإِن اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَليُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ». قَالَ الإِمَامُ: هَذَا يُؤَكد مَا ذكرنَا من أَن الْمَرْأَة لَا تُباشر العقد بِحَال، إِذْ لَو صلحت عبارتُها لعقد النِّكَاح، لأطلق لَهَا ذَلِكَ عِنْد اخْتِلَاف الْأَوْلِيَاء، وَلم يَجعله إِلَى السُّلْطَان، وَأَرَادَ بِهَذِهِ المشاجرة مشاجرة العضل دون المشاجرة فِي السَّبق، فَإِن الْوَلِيّ إِذا عضَل، وَلم يكن فِي دَرَجَته غَيره، كَانَ التزويجُ إِلَى السُّلْطَان، لَا إِلَى من هُوَ أبعد من الْأَوْلِيَاء، وَكَذَلِكَ الْوَلِيّ الْأَقْرَب إِذا غَابَ إِلَى مَسَافَة الْقصر زَوجهَا السُّلْطَان بنيابته عِنْد الشَّافِعِيّ. وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن الْغَيْبَة المنقطعة تنقل الْولَايَة إِلَى الْأَبْعَد، كَمَا لَوْ مَاتَ الْأَقْرَب أَو جُن، كَانَ التَّزْوِيج إِلَى الْأَبْعَد بالِاتِّفَاقِ، وَفرق بنيهما من حَيْثُ إِن الْمَوْت وَالْجُنُون يُخرجانه من الْولَايَة، والغيبة لَا تخرجه عَنِ الْولَايَة، غير أَنَّهُ تعذر الوصولُ إِلَى تَزْوِيجه، فينوب السُّلْطَان مَنَابه، كَمَا فِي العضل. أما إِذا كَانَت الْمَرْأَة لَهَا أولياءُ فِي دَرَجَة وَاحِدَة مثل الْإِخْوَة، أَو بني الْإِخْوَة، أَو الْأَعْمَام، أَو بني الْأَعْمَام، وَاخْتلفُوا فِيمَن يَلِي العقد عَلَيْهَا، فَإِذا أذِنت الْمَرْأَة لوَاحِد، فَهُوَ الْوَلِيّ، وَإِن لم تعين وَاحِدًا وَاخْتلفُوا، يُقرع بَينهم، وَلَو بَادر وَاحِد مِنْهُم، وَزوجهَا بِرِضَاهَا من كُفْء دون إِذن البَاقِينَ، صَحَّ النِّكَاح، وَلزِمَ، وَإِن زَوجهَا بِرِضَاهَا من غير كُفْء، فللباقين رده، لما يلحقهم من الْعَار بدناءة من يدْخل عَلَيْهِم فِي نسبهم، وَلَو زَوجهَا الْأَقْرَب من غير كُفْء بِرِضَاهَا، فَلَا اعْتِرَاض للأبعد، إِذْ لَيْسَ للأبعد فِي هَذِه الْحَالة عَلَيْهَا ولَايَة. وَمن أَرَادَ نِكَاح امْرَأَة وَهُوَ وليُّها لَا وليَّ لَهَا سواهُ، مثل ابْنة عَمه، أَو مُعتقته، زَوجهَا السُّلْطَان مِنْهُ، فَلَو زَوجهَا الوليُّ من نَفسه بِرِضَاهَا،

اخْتلف أهلُ الْعلم فِيهِ، فَذهب قوم إِلَى أَن لَا يجوز، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَأَجَازَهُ قوم، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، وخطب الْمُغيرَة بْن شُعْبَة امْرَأَة هُوَ أولى النَّاس بهَا، فَأمر رجلا فَزَوجهُ. وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْف لأم حَكِيم بنت قارظ: «أتجعلين أَمرك إِلَيّ»؟ فَقَالَت: نعم. فَقَالَ: قد تَزَوَّجتك. وَاحْتج الشَّافِعِيّ على أَن الْمَرْأَة لَا تلِي العقد بِمَا 2263 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدِّثَني مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: " زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ، فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ: زَوَّجْتُكَ، وَفَرَشْتُكَ، وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا؟! لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا. وَكَانَ رَجُلا لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [الْبَقَرَة: 232]، فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ " قَوْله: فرشتك، يَعْنِي: جَعلتهَا فراشا، يقَالَ: فرشت الرجل: إِذا فرشت لَهُ، كَمَا يقَالَ: وزنتُ الرجل وكلتهُ، إِذا وزنتَ وكلت لَهُ،

والعضل: هُوَ منع الْوَلِيّ وليَّته من النِّكَاح، وأصل العضل: هُوَ التَّضْيِيق وَالْمَنْع، وَأَصله من عَضلت الناقةُ، إِذا نشِب وَلَدهَا، وَلم يسهُل مخرجُهُ، فَفِيهِ دَلِيل على أَن النِّكَاح لَا يَصح إِلا بِعقد ولي، وَلَو كَانَ لَهَا سَبِيل إِلَى تَزْوِيج نَفسهَا، لم يكن لعضله معنى، وَلَا كَانَ المنعُ يتَحَقَّق من جِهَته لوصولها إِلَى تَزْوِيج نَفسهَا. 2264 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ».

باب إعلان النكاح بضرب الدف

قَالَ الإِمَامُ: اخْتلف أهل الْعلم فِي الْفَاسِق، هَل لَهُ ولَايَة التَّزْوِيج؟ فَأثْبت أَكْثَرهم لَهُ الْولَايَة، وَذهب أكثرُ أهل الْعلم إِلَى أَن النِّكَاح لَا ينْعَقد إِلا بِبَيِّنَة، وَلَيْسَ فِيهِ خلاف ظَاهر بَين الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ من التَّابِعين وَغَيرهم، إِلا قوم من الْمُتَأَخِّرين، يقَالَ: هُوَ قَول أَبِي ثَوْر: إِن الشَّهَادَة غير شَرط فِي النِّكَاح. وَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنَّهُ لَا ينعِقد حَتَّى يكونَ الشهودُ حضورًا حَالَة العقد. وَذهب بعضُ أهل الْمَدِينَة إِلَى أَنهم إِذا أعْلنُوا النِّكَاح، وَأشْهدُوا وَاحِدًا بعد وَاحِد، فَجَائِز، وَهُوَ قَول مَالِك. وَاخْتلفُوا فِي صفة الشُّهُود، فَذهب كثير مِنْهُم إِلَى أَنَّهُ لَا ينْعَقد إِلا بمشهد رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ ينْعَقد بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ، وَهُوَ قَول أَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَزَاد أَصْحَاب الرَّأْي، فَقَالُوا: ينْعَقد بِشَهَادَة فاسقين معلنين بِالْفِسْقِ. بَاب إعْلانِ النِّكَاحِ بِضَربِ الدُّفِّ 2265 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، نَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، قَالَ: قَالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ: جاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي،

فَجَعَلَتْ جُوَيْريَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، وَيَنْدِبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إذْ قَالَتْ إحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ. فَقَالَ: «دَعِي هَذِهِ، وَقُولِي بِالَّذي كُنْتِ تَقُولِينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: إعلانُ النِّكَاح، وَضرب الدفُ فِيهِ مُسْتَحبّ، وَقد رُوِيَ عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد، عَنْ عَائِشَة بِإِسْنَاد غَرِيب، قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، واجْعَلُوهُ فِي المَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ». 2266 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عَبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ، أَنا أَبُو بَلْجٍ،

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ هُوَ الْجُمَحِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَلالِ وَالْحَرَامِ الصَّوْتُ وَالدُّفُّ فِي النِّكَاحِ». مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الدَّفَّ لُغَةٌ، وَأَمَّا الْجَنْبُ، فَالدَّفُّ بِالْفَتْحِ لَا اخْتِلافَ فِيهِ وَقَوله: «الصَّوْت». فبعض النَّاس يذهب بِهِ إِلَى السماع، وَهَذَا خطأ إِنَّمَا مَعْنَاهُ إعلان النِّكَاح، واضطراب الصَّوْت بِهِ، وَالذكر فِي النَّاس، كَمَا يقَالَ: فلَان قد ذهب صَوته فِي النَّاس. 2267 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأة إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ،

باب خطبة النكاح والحاجة

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ، فَإِنَّ الأنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قلت: وضر الدُّف فِي العُرس والختان رخصَة، رُوي عَنِ ابْن سِيرِينَ، أَن عُمَر بْن الْخَطَّاب كَانَ إِذا سمع صَوتا، أَو دُفّا، قَالَ: مَا هَذَا؟ فَإِن قَالُوا: عرس، أَو ختان، صَمَتَ. وَكره عكرمةُ، وَإِبْرَاهِيم نِهابَ الْعرس، وَلم يكرههُ الشّعبِيّ. بَاب خُطْبَةِ النِّكَاحِ والحَاجَةِ 2268 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَخْطُبَ

خُطْبَةَ الْحَاجَةِ، فَلْيَبْدَأْ، فَلْيَقُلْ: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ، فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَقُرأُ هَذِهِ الآيَاتِ الثَّلاثَ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمرَان: 102]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النِّسَاء: 1]، {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا حَتَّى بَلَغَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الْأَحْزَاب: 70 - 71]. وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ مِنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، وَأَبِي

باب لفظ النكاح

عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ»، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ: ورُوي عَنْ قُرَّة، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلمَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ كَلامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بالحَمْدِ لله فَهُوَ أَجْذَمُ». والأجذم: الْمَقْطُوع الْيَد، وَمَعْنَاهُ: الْمُنْقَطع الأبتر الَّذِي لَا نظام لَهُ. بَاب لَفْظِ النِّكَاحِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الْأَحْزَاب: 37]. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النُّور: 32]. وقالَتِ امرأَةٌ: يَا رسُولَ اللَّه، إنِّي وَهَبْتُ نَفْسي لَكَ، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنيِها. فَقَالَ: «قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ».

2269 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ هِشَامٌ، حَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقُولُ: أَتَهَبُ الْمَرأَةُ نَفْسَهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الْأَحْزَاب: 51] الآيَةَ، قُلْتُ: مَا أَرَى رَبَّكَ إِلا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ ". هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ الإِمَامُ: اخْتلف أهلُ الْعلم فِي عقد النِّكَاح بِلَفْظ الهِبَةِ، والبَيْعِ، وَالتَّمْلِيك، فَأَجَازَهُ بَعضهم، وَهُوَ قولُ أَصْحَاب الرَّأْي، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الْأَحْزَاب: 50]، وَمنعه بعضُهم

باب الوفاء بشرط النكاح

إِلا بِلَفْظ الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الْأَحْزَاب: 50]، ولقطع الْمُشَاركَة بَين النِّكَاح وَغَيره من الْعُقُود فِي اللَّفْظ، كَمَا لَا ينْعَقد سَائِر الْعُقُود بِلَفْظ الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ. وَقَالَ بَعضهم: كَانَ نِكَاح النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينْعَقد بِلَفْظ الْهِبَة دون نِكَاح غَيره، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الْأَحْزَاب: 50]. بَاب الوَفَاءِ بِشَرطِ النِّكاحِ 2270 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاتِي الْكُوفِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ فُرُوجَ النِّسَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَغَيْرُهُ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ

قَالَ الإِمَامُ: هَذَا عَنْ أَكثر أهل الْعلم خاصٌّ فِي شَرط الْمهْر إِذا سمى لَهَا مَالا فِي الذِّمَّة، أَو عينا عَلَيْهِ أَن يُوفيها مَا ضَمِن لَهَا، أَو فِي الْحُقُوق الْوَاجِبَة الَّتِي هِيَ مُقْتَضى العقد، أما مَا سوى ذَلِكَ مثل أَن شَرط فِي العقد للْمَرْأَة أَن لَا يُخرجها من دارها، أَو لَا ينقلها من بَلَدهَا، أَو لَا ينْكِحهَا عَلَيْهِ، أَو نَحْو ذَلِكَ، فَلَا يلْزمه الوفاءُ بِهِ، وَله إخْرَاجهَا، ونقلها، وَأَن ينكِحَ عَلَيْهَا، وَبِهِ قَالَ عَطَاء، وَالشَّعْبِيّ، وَقَتَادَة، وَابْن الْمُسَيِّب، وَالْحَسَن، وَابْن سِيرِينَ، والنَّخعي، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْرِيّ، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، قَالَ النَّخعِيّ: كلُّ شَرط فِي النِّكَاح فَإِن النِّكَاح يهدمه إِلا الطَّلَاق. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَو تزَوجهَا على أَن لَا يُخرجهَا من دارها، وَلَا يخرُج بهَا من بَلَدهَا، أَو مَا شبه بذلك، يلْزمه الْوَفَاء بِهِ، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب معنى ذَلِكَ، وَقَالَ عُمَر: مَقَاطِعُ الحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ، وَلَو تزوج امْرَأَة على أَلفَيْنِ، وَشرط أَن لَا يُخرجها من دارها، فَإِن أخرجهَا، فصداقُها أربعةُ آلَاف، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذهب قوم إِلَى أَن الشَّرْط بَاطِل، والمسمى فَاسد، وَلها مهرُ الْمثل، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَقَالَ شُريح: إِن أخرجهَا، فلهَا أَرْبَعَة آلَاف. وَقَالَ حَمَّاد: لَهَا أَلفَانِ أخرجهَا أَو لم يُخرجهَا.

باب ما لا يجوز من الشرط

بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الشَّرْطِ 2271 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَسْأَلُ الْمَرْأةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، وَلتنكح، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْله: «لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتها». مثلٌ يُرِيد بِهِ الاستئثار عَلَيْهَا بحظها، ويُروى: «لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتها»، قَالَ أَبُو عُبَيْد، وأصلُ الصحفة: الْقطعَة، وَجَمعهَا صِحاف، وَقَوله: «لِتَكْتَفِئَ» من كفأتُ القِدرَ وَغَيرهَا: إِذا كببتها، ففرغتَ مَا فِيهَا، وحوَّلتَ مَا فِيهَا إِلَى غَيرهَا، يَقُول: لَا تُميل حظَّ أُخْتهَا من زَوجهَا إِلَى نَفسهَا.

باب إذا أنكح الوليان

قَالَ ابْن مَسْعُود: «لَا تَشْتَرِطُ المَرْأةَ طَلاقَ أُخْتِهَا»، وَلم يرد بالأخت الْأُخْت من النّسَب، لِأَن الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ حرَام، بل أَرَادَ ضَرَّتهَا الْمسلمَة، فَهِيَ أُخْتهَا فِي الدَّين. بَاب إِذا أنْكَحَ الوَلِيَّانِ 2272 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُلَيْمَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ، فَالنِّكَاحُ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ، فَالْبَيْعُ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا».

باب من أعتق أمة ثم نكحها

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا قولُ عَامَّة أهل الْعلم أَن الْمَرْأَة إِذا زوَّجها وليَّان من رجلَيْنِ، وَكَانَ أحدُهما سَابِقًا، وعُرف السابقُ مِنْهُمَا أَن الأول صَحِيح، وَالثَّانِي بَاطِل، سَوَاء دخل بهَا الثَّانِي، أَو لم يدْخل إِلا مَا حُكي عَنْ عَطَاء، أَنَّهُ قَالَ: إِن كَانَ قد دخل بهَا الثَّانِي، فَهِيَ للثَّانِي، وَبِهِ قَالَ مَالِك. فَأَما إِذا وَقعا مَعًا، فهما باطلان، وَكَذَلِكَ إِذا احتملَ وقوعهما مَعًا، وَاحْتمل سبقُ أَحدهمَا غيرَ أَن الِاحْتِيَاط فِي هَذِه الصُّورَة أَن يأمرهما الحاكمُ بِالطَّلَاق، ويطلقها أَحدهمَا، ثُمَّ يُزَوّجهَا من الآخر، وَإِن عُرف سبقُ أَحدهمَا ثُمَّ اشْتبهَ يُوقَّف إِلَى أَن يتَبَيَّن، وَكَذَلِكَ إِذا سبق أَحدهمَا، وَلم يُعرف السابقُ على أحد الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ الأقيسُ عِنْدِي. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهُمَا باطلان فِي هَذِه الصُّورَة أَيْضا، كَمَا لَو احْتمل وقُوعهما مَعًا وَاحْتمل السَّبق. بَاب مَنْ أَعْتَقَ أَمَةً ثُمَّ نَكَحَها 2273 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ

أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، وَأَخْرَجَاهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، وَشُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دليلٌ على أَنَّهُ لَا كَرَاهِيَة فِيمَن يعِتقُ أمَةً، ثُمَّ ينكِحُها، وَقد صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يعتقُ جَارِيَته ثُمَّ يَتَزَوَّجهَا: «لَهُ أَجْرانِ». وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو أعْتقهَا، ثُمَّ تزَوجهَا، وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، فَذهب جمَاعَة من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيرهم إِلَى جَوَازه، وَإِلَيْهِ ذهب سعيدُ بْن الْمُسَيِّب، والحسنُ الْبَصْرِيّ، وَإِبْرَاهِيم النَّخعي، وَالزُّهْرِيّ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيّ، وأَحمد، وَإِسْحَاق، وَلم يُجوِّز جماعةٌ إِلا بِصَدَاق جَدِيد، وَهُوَ قولُ مَالِك، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وتأولوا الْحَدِيث على أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَخْصُوصًا بِأَن يَجْعَل الْعتْق صَدَاقا، كَمَا كَانَ مَخْصُوصًا بِأَن ينْكح بِلَا مهر، فَكَانَت هِيَ فِي معنى الْمَوْهُوبَة.

وَقَالَ الشَّافِعِيّ: إِذا قَالَت لَهُ أمتُه: أعتقني على أَن أنكِحك، وصداقي عتقي، فَأعْتقهَا على ذَلِكَ، فلهَا الخيارُ فِي أَن تنكِحَ أَو تدع، وَيرجع السيِّد عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا، فَإِن نكحته، ورضيت بِالْقيمَةِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهَا، فَلَا بَأْس، وَمن جوَّز أَن يُجعلَ العتقُ صَدَاقا قَالَ: يجب عَلَيْهَا أَن تنكحه كَمَا لَو قَالَت: أعتقني على أَن أخيطَ لَك كَذَا، أَو قَالَت الْمَرْأَة: طَلقنِي على أَن أعملَ لَك كَذَا، فَأعتق أَو طلق، يلْزمهُمَا مَا ضِمنتا. وحُكي عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ قَالَ: تكونُ زَوْجَة لَهُ بِهَذِهِ اللَّفْظَة، لِأَن المرويِّ أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق صفيَّة، وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، فهَذَا يدل على أَن إِعْتَاقه إِيَّاهَا عَلَيْهِ كَانَ نِكَاحا، وَمن لم يَجْعَلهَا زَوْجَة بِهَذِهِ اللَّفْظَة، تَأَوَّلَه على أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَخْصُوصًا بِهِ، أَو على أَنَّهُ نَكَحَهَا بعد ذَلِكَ، وَجعل الْعتْق صَدَاقا لَهَا. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا هُوَ الْأَصَح كَمَا. 2274 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب نكاح العبد وعدد المنكوحات

بَاب نِكاحِ العَبْدِ وَعَدَدِ المَنْكُوحَاتِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النِّسَاء: 3]، يَعْني: اثنتينِ وَثَلاثًا وَأَرْبَعًا. قَالَ الشَّافِعِيّ: انْتَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بالحرائِرِ إِلَى أربَع تَحْرِيمًا مِنْهُ لأنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ غَيْرُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ، والآيةُ تَدُلُّ على أنَّها على الأحْرارِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 3] وَمُلْكُ الْيَمين لَا يَكونُ إِلا للأحرار. 2275 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُتْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: «يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ، وَيُطَلِّقُ طَلْقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ الأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ، فَشَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرًا وَنِصفًا»

قَالَ الإِمَامُ: اتّفقت الْأمة على أَن الحرَّ يجوز لَهُ أَن ينِكحَ أَربع حرائر، ثُمَّ إِن كَانَ مُسلما، فَإِن شَاءَ نكحهنَّ مسلماتٍ، أَو كتابيات، وَلَا يجوز لَهُ أكثرُ من أَربع، أما العَبْد فَلَا ينكِح أَكثر من امْرَأتَيْنِ، وَقَالَ ربيعةُ بْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ: ينِكح العَبْد أربعَ نسْوَة، قَالَ مَالِك: وَذَلِكَ أحسنُ مَا سَمِعت. وَاتَّفَقُوا على أَن العَبْد إِذا كَانَ فِي نِكَاحه أمة، فَطلقهَا طَلْقَتَيْنِ لَا تحِلُّ لَهُ إِلا بعد زوج، كَالْحرِّ يُطلِّق الحرةَ ثَلَاث تَطْلِيقَات، وَاخْتلف أهل الْعلم فِيمَا لَو كَانَ أحد الزَّوْجَيْنِ حرا، والآخرُ رَقِيقا، فَذهب أكثُرهم إِلَى أَن عدد الطلقات مُعْتَبر بِالرِّجَالِ، كَمَا فِي عدد المنكوحات، فَيملك الحرُّ على زَوجته الْأمة ثَلَاث طلقات، وَلَا يملك العبدُ على زَوجته الْحرَّة إِلا طَلْقَتَيْنِ، وَهُوَ قولُ عُثْمَان، وَابْن مَسْعُود، وَابْن عُمَر، وَزَيْد بْن ثَابِت، وَابْن عَبَّاس، وَإِلَيْهِ ذهب عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح، وَابْن الْمُسَيِّب، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. 2276 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «الطَّلاقُ بالرِّجالِ، والعِدَّةُ بالنِّساءِ». مَعْنَاهُ: يُعْتَبَرُ الطَّلاقُ بِالرِّجَالِ، وَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ وَذهب قوم إِلَى أَن الِاعْتِبَار بِالْمَرْأَةِ فِي عدد الطَّلَاق، فَيملك العَبْد على زَوجته الْحرَّة ثَلَاثَة طلقات، وَلَا يملك الْحر على زَوجته الْأمة إِلا طَلْقَتَيْنِ، وَهُوَ قَول عَبيدة، وَبِهِ قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَاتَّفَقُوا على أَن الِاعْتِبَار فِي الْعدة بِالْمَرْأَةِ، فَإِن كَانَت عدتُها بِوَضْع الْحمل،

فالحرة وَالْأمة فِيهَا سواءٌ، وَإِن كَانَت بِالْأَقْرَاءِ، فالحرة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء، وَالْأمة بقُرءين، وَإِن كَانَت بِالْأَشْهرِ، فَإِن كَانَت عدَّة وَفَاة، فالأمة تَعْتَد بشهرين، وَخمْس لَيَال على نصف عدَّة الْحر، وَإِن كَانَت عِدَّةَ طَلَاق، فَفِيهَا قَولَانِ، أقيسُهما على الأَمة شهرٌ وَنصف، لِأَن الْأَيَّام تقبلُ التنصيف، بِخِلَاف الْأَقْرَاء، وَالثَّانِي: شَهْرَان كالقرءين، وَاخْتلفُوا فِي حَدِيث عُمَر: «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ، فَشَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا». مِنْهُم من قَالَ: هَذَا تعليقُ القَوْل من عُمَر، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ شكُّ من الرَّاوِي. وَالْحر وَالْعَبْد فِي مُدَّة العُنة سَوَاء، وَهِي سنة كَامِلَة. وَاخْتلفُوا فِي مُدَّة الْإِيلَاء، فَذهب الشَّافِعِيّ إِلَى أَن الْحر وَالْعَبْد فِيهِ سَوَاء، لِأَنَّهَا لِمَعْنى يرجع إِلَى الطَّبْع، وَهُوَ قلَّة الصَّبْر عَنِ الزَّوْج، وَمَا يرجع إِلَى الطَّبْع يَسْتَوِي فِيهِ الْحر وَالْعَبْد، كَمَا فِي مُدَّة العُنة، وَالْحيض، وَالرّضَاع. وَذهب مَالِك، وَأَبُو حنيفَة إِلَى أَن مُدَّة الْإِيلَاء، تتنصَّف بالرقِّ، ثُمَّ عِنْد مَالِك تتنصف برق الرجل، وَعند أَبِي حنيفَة برق الْمَرْأَة، وظِهار العَبْد كظهار الْحر، وَصِيَام الْكَفَّارَة فِي حَقه شَهْرَان، كَالْحرِّ بالِاتِّفَاقِ. وَلَو نكح العبدُ بِغَيْر إِذن الْمولى، فَالنِّكَاح بَاطِل، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم، لما رُوِيَ عَنْ جَابِر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، فَهُوَ عَاهِرٌ». وَذهب مَالِك، وَأَصْحَاب الرَّأْي، إِلَى أَن النِّكَاح

مَوْقُوف، فَإِن أجَازه الْمولى، جَازَ. وَإِذا نكح العَبْد بِغَيْر إِذن الْمولى، فوطئ، فَلَا حدَّ، وَيجب المهرُ مُتَعَلقا بِذِمَّتِهِ إِلَى أَن يُعتق على أصح الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي: تُباع رقبته فِيهِ، كَدين الْجِنَايَة. وَلَا يجوز للْحرّ نكاحُ الْأمة إِلا بِشَرْطَيْنِ: أَن يخَاف على نَفسه العنتَ، وَلَا يجد مهرَ حرَّة، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا إِلَى قَوْله ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النِّسَاء: 25]، وَهُوَ قَول جَابِر، وَبِهِ قَالَ طَاوُس، وَعَمْرو بْن دِينَار، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَجوز أَصْحَاب الرَّأْي للْحرّ نكاحَ الْأمة إِلا أَن يكون فِي نِكَاحه حرَّة. وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: لَا تُنكح الْأمة على الْحرَّة إِلا أَن تشَاء الْحرَّة، فَإِن أطاعت، فلهَا الثُّلُثَانِ، وَيجوز للْعَبد أَن يجمع بَين أمتين، أَو بَين أمة وحرة، أَو ينْكح أمة على حرَّة عِنْد الشَّافِعِيّ، وَلم يجوزه أصحابُ الرَّأْي كَالْحرِّ، وَلَا يجوز للْمُسلمِ نكاحُ الْأمة الْكِتَابِيَّة حرّا كَانَ أَو عبدا، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النِّسَاء: 25]، وَهُوَ قَول مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَجوزهُ أَصْحَاب الرَّأْي. وَيجوز وَطْء الْكِتَابِيَّة بِملك الْيَمين، وَلَا يجوز وَطْء الْمَجُوسِيَّة، والوثنية، وَالشَّافِعِيّ لَا يُجوِّز للرجل أَن ينكِح جَارِيَة الابْن، لِأَن على الابْن إعفافَه، فَهُوَ مُوسر بِمَال الابْن،

باب ما يحل ويحرم من النساء والجمع بينهن

وَله أَن ينْكح جَارِيَة الْأَب، قَالَ رجل لِابْنِ عُمَر: إِن أُمِّي أحلَّت لي جاريتها، قَالَ: " إِنَّهَا لَا تحل لَك إِلا بِإِحْدَى ثَلَاث: هبةٍ، أَو نِكَاح، أَو شِرَاء ". بَاب مَا يَحِلّ وَيَحْرُمُ مِنَ النِّسَاءِ والجَمْع بَيْنَهُنَّ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النِّسَاء: 23]. قَالَ ابْن عَبَّاس: حَرُمَ مِنَ النَّسَب سَبْعٌ، وَمِنَ الصَّهْرِيَّةِ سَبْع، ثُمَّ قَرَأَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النِّسَاء: 23] الْآيَة. قَالَ أَنسٌ فِي المُحْصَنَاتِ مِنَ النِّساءِ ذَوَاتِ الْأزْوَاج الحرائرِ حرامٌ إِلا مَا مَلَكَتْ أيمانُكُمْ، لَا يَرى بَأسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ مِنْ

عَبْدِهِ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: «مَا زادَ عَلى الأرْبَعِ حَرَامٌ، كالأُمِّ، والبِنْتِ، والأُخْتِ». قَالَ الإِمَامُ: إِلا فِي مِلْكِ اليَمِينِ، فَإنَّه لَا عَدَدَ فِيهِ، وَقَالَ سعيدُ بْن جُبَيْر: عَن ابْن عَبَّاس، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 24] هُنَّ السَّبَايَا اللائي لَهُنَّ أَزْوَاجُ، هُنَّ لَكُمْ حَلالٌ.

2277 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلا بَيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن يُوسُف، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

قَالَ الإِمَامُ: المُحَرَّماتُ فِي كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَربع عشرةَ سوى من يحرم الجمعُ بَينهُنَّ: سبعٌ بِالنّسَبِ، وَسبع بالسَّبب، مِنْهَا اثْنَان بِالرّضَاعِ، وَأَرْبع بالصهرية، وَالسَّابِعَة الْمُحْصنَات، وَهن ذَوَات الْأزْوَاج، فالنسب قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ إِلَى قَوْله وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النِّسَاء: 23]. وَجُمْلَته أَنَّهُ يحرمُ على الرجلِ أُصُولُهُ وفصولهُ، وفصولُ أولِ أُصُوله، وأولُ فصل من كلِّ أصل بعده، فالأصول: هِيَ الْأُمَّهَات والجدات وَإِن عَلوْنَ، والفصول: هِيَ الْبَنَات، وَبَنَات الْأَوْلَاد، وَإِن سَفلَن، وفصول أول الْأُصُول: هِيَ الْأَخَوَات، وَبَنَات الْإِخْوَة، وَالْأَخَوَات وَإِن سَفلنَ، وَأول فصل من كل أصل بعده هِيَ: العمات، والخالات، وَإِن عَلَتْ درجتهن. وَالرّضَاع قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النِّسَاء: 23]، وَجُمْلَته أَنَّهُ يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب. والصهرية قَوْله تبَارك وَتَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النِّسَاء: 22]. وَقَوله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ إِلَى قَوْله: مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النِّسَاء: 23]، وَجُمْلَته أَن كل من عقد النِّكَاح على امْرَأَة تحرم الْمَنْكُوحَة على آبَاء الناكح وَإِن عَلوا، وعَلى أبنائه وَأَبْنَاء أَوْلَاده من النّسَب وَالرّضَاع جَمِيعًا وَإِن سفلوا بمجردِ العقد، تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، وَيحرم على الناكح أمهاتُ الْمَنْكُوحَة، وجداتها من النّسَب وَالرّضَاع جَمِيعًا بِمُجَرَّد العقد، فَإِن دخل بالمنكوحة حرمت عَلَيْهِ بناتها، وَبَنَات أَوْلَادهَا من النّسَب وَالرّضَاع جَمِيعًا، وَإِن فَارقهَا قبل أَن يدْخل بهَا، جَازَ لَهُ نكاحُ بناتها.

هَذِه جملَة اتّفقت الأمةُ عَلَيْهَا إِلا مَا حُكي عَنْ عَليّ «أَن أم الْمَرْأَة لَا تحرم على الرجل مَا لم يدْخل بالبنت الربيبة». وَالْوَطْء بِملك الْيَمين يُثبت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة كَمَا بِملك النِّكَاح. وَرُوِيَ أَن عُمَر وهب لِابْنِهِ جَارِيَة، فَقَالَ: «لَا تَمَسَّها فَإِنِّي قَدْ كَشَفْتُها». ووهب سَالم بْن عَبْد اللَّهِ لابنِهِ جَارِيَة، فَقَالَ: «لَا تَقْرَبْهَا، فَإنِّي قَدْ أَرَدْتُهَا، وَلَمْ أَنْبِسطْ إِلَيْهَا». وَعَن الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أَيْضا: التَّحْرِيم بالكشف، وَقَالَ مَسْرُوق عِنْد الْمَوْت لجاريةٍ: «بيعوها فإنِّي لَمْ أُصِبْ مِنْهَا إِلا مَا يُحرِّمُهَا عَلَى وَلَدِي مِنْ لَمْسٍ أَوْ نَظَرٍ». وَلَو جامعَ امْرَأَة بشبهةٍ، أَو نِكَاح فَاسد، يحرم على الْوَاطِئ أمهَا وابنتُها وَهِي على أَبِيه وَابْنه مُحرمَة، وَلَكِن لَا تثبت الْمَحْرَمِيَّة، وَمن زنى بِامْرَأَة، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا يحرم على الزَّانِي أمُّ المزنيِّ بهَا وابنتها، وَلَا الزَّانِيَة على أَبِي الزَّانِي وَابْنه، يُروى ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَابْن عَبَّاس، وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَعُرْوَة، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَذهب جمَاعَة إِلَى التَّحْرِيم، يُروى ذَلِكَ عَنْ عمرَان بْن حُصَيْن، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ جَابِر بْن زَيْد، وَالْحَسَن، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي. ويُروى ذَلِكَ عَنْ يَحْيَى الْكِنْدِيّ، عَنِ الشَّعْبِيّ فِيمَن يلْعَب بِالصَّبِيِّ إِن أدخلَهُ فِيهِ، فَلَا يتزوجنَّ أمَّه، وَيَحْيَى هَذَا غير مَعْرُوف لم يُتَابع عَلَيْهِ.

وَلَا يجوز للرجل أَن يجمع بَين الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاح، سَوَاء كَانَ الْأُخوة بَينهمَا بِالنّسَبِ، أَو بِالرّضَاعِ، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النِّسَاء: 23] فَإِن نكحهما مَعًا فنكاحهما بَاطِل. وَإِن نكحَ وَاحِدَة، ثُمَّ نكحَ الْأُخْرَى، فنكاحُ الْأُخْرَى بَاطِل، فَإِن فَارق الأولى قبل الدُّخُول بهَا، أَو بعد مَا دخل بهَا، أَو انْقَضتْ عِدتُها، حلَّ لَهُ نكاحُ الْأُخْرَى، فَأَما قبل انْقِضَاء عدتهَا لَا تحل إِن كَانَت رَجْعِيَّة، وَإِن كَانَت بَائِنَة، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ يجوزُ لَهُ نكاحُ الْأُخْرَى، وأربعَ سواهَا، وَهُوَ قَول الْقَاسِم، وَعُرْوَة، وَبِهِ قَالَ ربيعَة، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ لَا يجوز مَا لم تنقض عدتهَا، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي. وَكَذَا لَا يجوزُ الجمعُ فِي النِّكَاح بَين الْمَرْأَة وعمتها، أَو خَالَتهَا، وَإِن عَلت فِي الدرجَة من الرَّضَاع وَالنّسب جَمِيعًا. وَجُمْلَته أَن كل امْرَأتَيْنِ من أهل النّسَب لَو قَدَّرت إِحْدَاهمَا ذكرا حرمت الْأُخْرَى عَلَيْهِ، فالجمعُ بَينهمَا حرامٌ، وَلَا بَأْس بِالْجمعِ بَين الْمَرْأَة وَزَوْجَة أَبِيهَا، أَو زَوْجَة ابْنهَا، وَإِن كُنَّا لَو قَدرنَا إِحْدَاهمَا ذكرا، حَرمُت الْأُخْرَى عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا نسب بَينهمَا، جمع عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر بَين زَيْنَب بنت عَليّ، وَامْرَأَة عَليّ ليلى بنت مَسْعُود التَّمِيمِيّ.

قَالَ ابْن سِيرِينَ، وَالْحَسَن: لَا بَأْس بِهِ. وَجمع الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن عَليّ بَين بِنْتي عَم فِي لَيْلَة. وَكَرِهَهُ جَابِر بْن زَيْد للقطيعة، وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيم، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النِّسَاء: 24]. وكلُّ امْرَأتَيْنِ لَا يجوز الجمعُ بَينهمَا فِي النِّكَاح، فَإِذا اجتمعتا عِنْده بِملك الْيَمين لَا يجوز أَن يجمع بَينهمَا فِي الْوَطْء، حَتَّى لَو اشْترى أُمًّا وابنتها، فوطئ إِحْدَاهمَا، حَرُمت الْأُخْرَى على التَّأْبِيد، وَإِذا ملك أُخْتَيْنِ أَو جَارِيَة وعمتها، أَو خَالَتهَا، فَإِذا وطئ إِحْدَاهمَا لَا يجوز لَهُ أَن يطَأ

الْأُخْرَى حَتَّى يُحرم الْوَلِيّ على نَفسه، نهى عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعلي عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ نَافِع: كَانَ لِابْنِ عُمَر أختَان مملوكتان، فوطئ إِحْدَاهمَا، ثُمَّ أَرَادَ أَن يطَأ الْأُخْرَى، فَأخْرج الَّتِي وَطئهَا عَنْ ملكه، وَسُئِلَ عُثْمَان عَنِ الْأُخْتَيْنِ من ملك الْيَمين هَل يجمع بَينهمَا، فَقَالَ عُثْمَان: أَحَلَّتْهُمَا آيَة، وحرمتهما آيَة، فَأَما أَنا، فَلَا أحب أَن أصنع ذَلِكَ، فَقَالَ رجل من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَو كَانَ إِلَيّ من الْأَمر شيءٌ، ثُمَّ وجدت أحدا فعل ذَلِكَ، جعلتُه نكالا. قَالَ ابْن شِهَاب: أراهُ عَليّ بْن أَبِي طَالب. قَالَ الإِمَامُ: قَوْله: أَحَلَّتْهُمَا آيَة، أَرَادَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 3]، وَقَوله: حرمتهما آيَة قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النِّسَاء: 23]. وَعَامة الْفُقَهَاء على التَّحْرِيم، لِأَن قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النِّسَاء: 23] أخص فِي هَذَا الحكم من قَوْله جلّ ذكره: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 3] فِي الْأَمر بِحسن الائتمار، وَمثل ذَلِكَ لَا يعم. قَالَ الإِمَامُ: فَإِذا ملك أُخْتَيْنِ، فوطئ إِحْدَاهمَا، فَإِذا حرَّم الْمَوْطُوءَة بِعِتْق، أَو بيع، أَو تَزْوِيج، أَو كِتَابَة، حل لَهُ وَطْء الْأُخْرَى. وَهُوَ قَول مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تحلُّ لَهُ بِالتَّزْوِيجِ، وَالْكِتَابَة، وَمن اشْترى أمة ونكح أُخْتهَا، لَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْء بِملك الْيَمين.

باب المحرمات بالرضاع

بَاب المُحَرَّمَاتِ بِالَّرضَاعِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النِّسَاء: 23]، وَالرَّضَاعَةُ وَالرَّضَاعَة: الاسْمُ مِنَ الإِرْضَاعِ، والرَّضَاعَةُ: اللُّؤم بالفَتْح لَا غَيْر، وَقَدْ رَضُعَ يَرْضُعُ، وَأَمَّا الصَّبيُّ يُقَالُ لَهُ: رَضَعَ أَمّهُ يرضع، وَرَضَعَهَا. 2278 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَاهُ فُلانًا لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ فُلانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا

مِنَ الرَّضَاعَةِ أَدَخَلَ عَلَيَّ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الوِلادَةِ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 2279 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الوِلادَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2280 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ عَمُّكِ، فَأْذَنِي لَهُ»، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ». وَذَلِكَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الحِجَابُ. هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ 2281 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، قَالَ: نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ جُدْعَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ عَمِّكَ بِنْتِ حَمْزَةَ، فَإِنَّهَا أَجْمَلُ فَتَاةٍ فِي قُرَيْشٍ؟ قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ حَمْزَةَ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ جُدْعَانَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ 2282 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْد اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ فِي أُخْتِي بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاعِلٌ مَاذَا»؟ قَالَتْ: تَنْكِحُهَا، قَالَ: «أُخْتُكِ؟!» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَوَ تُحِبِّينَ ذَلِكَ»، قَالَتْ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأُحِبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي، قَالَ: «فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي» قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَخْطُبُ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَوَاللَّهِ

لَوْ لَمْ تَكنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَة: وثُوَيبَةُ مولاة لأبي لَهب، كَانَ أَبُو لَهب أعْتقهَا، فأرضعتِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهب أريَهُ بعضُ أَهله بشرِّ حيبةِ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لقيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهب: لم ألقَ بعدكم غير أَنِّي سُقيتُ فِي هَذِه بعتاقتي ثويبة. قيل فِي قَوْله: «سُقيِتُ فِي هَذِهِ» أَرَادَ الوقبة الَّتِي بَين الْإِبْهَام والسَّبابة. وَابْنَة أَبِي سَلمَة اسْمهَا دُرة. قَوْله: بشرِّ حيبة بِالْحَاء، أَي: بشر حَال، يقَالَ: فلَان

بشر حيبة، أَي: بِحَال سوء بِفَتْح الْحَاء، والحِيبة بِكَسْر الْحَاء: الهمُّ وَالْحَاجة. قَالَ الإِمَامُ: الْحَدِيث يدل على أَن حُرمة الرَّضَاع كَحُرْمَةِ النّسَب فِي المناكح، فَإِذا أرضعتِ الْمَرْأَة رضيعًا يحرُمُ على الرَّضِيع، وعَلى أَوْلَاده من أقَارِب المرضِعة كلُّ من يحرمُ على وَلَدهَا من النّسَب، وَلَا تحرم المرضعةُ على أَب الرَّضيع، وَلَا على أَخِيه، وَلَا تحرم عَلَيْك أمُّ أختك من الرَّضاع إِذا لم تكن أما لَك، وَلَا زَوْجَة أَبِيك، ويُتصور هَذَا فِي الرَّضاع، وَلَا يُتصور فِي النّسَب لَك أمُّ أُخْت إِلا وَهِي أمٌ لَك، أَو زوجةٌ لأَبِيك، وَكَذَلِكَ لَا يحرم عَلَيْك أمُّ نافلتك من الرَّضَاع إِذْ لم تكن ابْنَتك، أَو زَوْجَة ابْنك، وَلَا جدةُ ولدك من الرَّضَاع إِذْ لم تكن أمك، أَو أمَّ زَوجتك، وَلَا أختُ ولدك من الرَّضَاع إِذْ لم تكن ابْنَتك، أَو ربيبتك. وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على أَن الزَّانِيَة إِذا أرضعت بِلَبن الزِّنا ولدا لَا تثبت الحرمةُ بَين الرَّضِيع وَبَين الزَّانِي وَأهل نسبه، كَمَا لَا يثُبت بِهِ النّسَب، فَإِن كَانَ لَبنهَا من وَطْء شُبْهَة، أَو نِكَاح فَاسد، أَو ملك يَمِين تثُبت بِهِ الحرمةُ، كَمَا يثبت النسبُ، وَلبن الضِّرار محرم عِنْد الْعَامَّة إِلا مَا حُكي عَنِ ابْن أَبِي ذِئْب، أَنَّهُ قَالَ: لَا يحرم.

وَفِيه دَلِيل على أَن لبن الْفَحْل يحرِّم حَتَّى تثبتُ الْحُرْمَة من جِهَة صَاحب اللَّبن، كَمَا تثبتُ من جَانب الْمُرضعَة، فَإِن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثبت عمومة الرَّضاع، وألحقها بِالنّسَبِ، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمن بعدهمْ. سُئل ابْن عَبَّاس عَنْ رجل لَهُ امْرَأَتَانِ، أرضعت إِحْدَاهمَا غُلَاما، وَالْأُخْرَى جَارِيَة، فَهَل يتَزَوَّج الغلامُ الْجَارِيَة؟ قَالَ: لَا، اللِّقاح وَاحِد، قيل: اللِّقاح اسْم مَاء الْفَحْل، أَرَادَ أَن مَاء الْفَحْل الَّذِي حملت مِنْهُ وَاحِد، وَاللَّبن الَّذِي أُرْضِعَتا بِهِ كَانَ أَصله مَاء الْفَحْل، وَقيل: وَيحْتَمل أَن يكون اللقَاح بِمَعْنى الإلقاح، يقَالَ: ألقح الفحلُ بالناقة إلقاحًا ولقاحًا، كَمَا يقَالَ: أعطَاهُ إِعْطَاء وَعَطَاء، وَالْأَصْل فِيهِ لِلْإِبِلِ، ثُمَّ يُستعار فِي النِّسَاء. وَذهب بعض أهل الْعلم إِلَى أَن لبن الْفَحْل لَا يحرِّم، وَهُوَ قَول عُرْوَة بْن الزبير، وَعَبْد اللَّهِ بْن الزبير، وَبَعض أَزوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُروى أَنَّ عَائِشَة كَانَتْ تَأْذَنُ لِمَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا وَبَنَاتُ أَخيها، وَلا تَأْذَنُ لِمَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ إِخْوَتِها وَبني أُخْتِهَا، وَإِلَيْهِ ذهب إِسْمَاعِيل بْن عُلية، وَدَاوُد الْأَصْبَهَانِيّ، ويُروى أَيْضا عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَأَبِي سَلمَة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، وَسليمَان بْن يَسَار، وَإِبْرَاهِيم: أَن لبن الْفَحْل لَا يُحرِّم. وَلَو نكح رجل امْرَأَة رضيعة، فأرضعتها أمُّ الزَّوْج، أَو جدَّتُه، أَو ابْنَته، أَو أُخْته، أَو امْرَأَة أَخِيه، بِلَبن أَخِيه يَنْفَسِخ النكاحُ بَينهمَا، فعلى الزَّوْج للرضيعة نصفُ الْمهْر المسمَّى فِي النِّكَاح، وتغرم الْمُرضعَة للزَّوْج نِصف مهر مثلهَا.

وَلَو تزوج صَغِيرَة وكبيرة، فأرضعت الكبيرةُ الصغيرةَ، انْفَسَخ نكاحُهما، لِأَنَّهُمَا صارتا أما وبنتًا مَعًا، ثُمَّ إِن كَانَ الرَّضاع بِلَبن الزَّوْج، فهما محرمتان عَلَيْهِ على التَّأْبِيد، لِأَن الصَّغِيرَة ابنتهُ، والكبيرة أم من كَانَت زَوْجَة لَهُ، وَإِن كَانَ بِلَبن غَيره، فَإِن كَانَ بعد الدُّخُول بالكبيرة، فَكَذَلِك، لِأَن الْكَبِيرَة أمُّ زَوجته، وَالصَّغِيرَة بنتُ زَوجته الَّتِي دخل بهَا، وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول بالكبيرة، فالكبيرة مُحرمَة عَلَيْهِ على التَّأْبِيد، وَيجوز لَهُ أَن يَبْتَدِئ نكاحَ الصَّغِيرَة، وَلَو تزوج رضيعتين، فأرضعتهما أَجْنَبِيَّة مَعًا، انْفَسَخ نكاحُهما، لِأَنَّهُمَا صارتا أُخْتَيْنِ، وَللزَّوْج أَن يَبْتَدِئ نِكَاح وَاحِدَة مِنْهُمَا، وَلَا يجوزُ الْجمع بَينهمَا، لِأَنَّهُمَا أختَان وَلَو أرضعتهما على التَّرْتِيب، فبإرضاع الأولى لَا يَنْفَسِخ نِكَاحهمَا، فَإِذا أرضعت الثَّانِيَة، انْفَسَخ نكاحُ الثَّانِيَة، وَفِي انْفِسَاخ نِكَاح الأولى قَولَانِ، أصَحهمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة: يَنْفَسِخ، لِأَن انْعِقَاد الْأُخوة بَينهمَا برضاع الثَّانِيَة مَعًا، كَمَا لَو أرضعتهما مَعًا، وَإِذا نزل للبكر لبن، فأرضعت بِهِ صَبيا، تثبت الْحُرْمَة إِذا كَانَت فِي سنّ يحْتَمل فِيهَا الْبلُوغ، وَهِي تسع سِنِين، وَلَو نزل للرجل لبن فأرضع بِهِ صَبيا لَا تثُبت بِهِ الْحُرْمَة. قَالَ الإِمَامُ: والرَّضاع كالنسب فِي تَحْرِيم المناكحة، وَإِثْبَات الْمَحْرَمِيَّة حَتَّى تجوز الْخلْوَة والمسافرة بمحارم الرَّضَاع، وَيسْتَحب لَهُ برُّ الْمُرضعَة، فقد رُوِيَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْل، قَالَ: " كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ، فَبَسَطَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَاءَه حَتَّى قَعَدَتْ، قيل: هَذِه كانَتْ أَرْضَعَتِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

باب ما تثبت به الحرمة من عدد الرضعات

ويُروى عَنْ حجاج بْن حجاج الْأَسْلَمِيّ، عَنْ أَبِيه، قَالَ: قلت يَا رَسُول اللَّه، مَا يُذْهبُ عني مذمَّة الرَّضاع؟ فَقَالَ: " غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ "، وَأَرَادَ بِهِ ذِمامَ الرَّضَاع وحقَّه، فَقَالَ: «إِنَّهَا حَضنتكَ وَأَنت صغيرٌ فكافئها، واقضِ ذمامها بخادمٍ يخدِمهَا، ويكفيها المهنة». والمذمَّة بِكَسْر الذَّال من الذِّمام، والمذَمة بِالْفَتْح من الذمِّ. وَلَا يثبت بِسَبَب الرَّضَاع مِيرَاث وَلَا عتق، وَلَا تجب بِهِ نَفَقَة، وَلَا يسقُط بِهِ قِصاصٌ، وَلَا شَهَادَة، إِنَّمَا حكمه تَحْرِيم النِّكَاح، وَثُبُوت الْمَحْرَمِيَّة. بَاب مَا تَثْبُتُ بِهِ الحُرْمَةُ مِنْ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ 2283 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْن حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كانَ فِيمَا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ «عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ»، ثُمَّ نُسِخَتْ بِخَمْسٍ مَعْلُوماتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ فِيمَا يُقْرَأُ فِي القُرْآنِ.

هَذَا حَدِيث صَحِيح، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى، عَنْ مَالِك 2284 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ مِنَ الرَّضَاعِ وَالْمَصَّتَانِ». هَكَذَا رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ويروى: «لَا تُحَرِّمُ الإمْلاجَةُ وَلَا الإِمْلاجتَانِ»، فَهُوَ كَقَوْلِه: المصَّةُ والمصَّتان، والملجُ: المصُّ، ويُقَالُ: مَلج الصبيُّ أمهُ يَمْلجُها، ومَلِجَ يملَجُ، وأملجتِ الْمَرْأَة صَبيَّها، والإملاجة أَن تمصَّهُ لَبنهَا مرّة وَاحِدَة، ويُروى: " لَا تُحَرِّمُ المَلحةُ والمَلحتان، بِالْحَاء يَعْنِي الرضعة الْوَاحِدَة، يقَالَ: ملح يملُحُ: إِذا رضع، والملجة بِالْجِيم: المصة. قَالَ الإِمَامُ: اخْتلف أهل الْعلم فِيمَا تثبتُ بِهِ الْحُرْمَة من الرَّضَاع، فَذهب جمَاعَة من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيرهم، إِلَى أَنَّهُ لَا تثبتُ بِأَقَلّ من

باب رضاعة الكبير

خمس رَضعَات متفرقات، وَبِهِ كَانَت تُفتي عَائِشَة، وبعضُ أَزوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَول عَبْد اللَّهِ بْن الزبير، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَإِسْحَاق، وَقَالَ أَحْمَد: إِن ذهب ذَاهِب إِلَى قَول عَائِشَة فِي خمس رَضعَات، فَهُوَ مَذْهَب قوي. وَذهب أَكثر أهل الْعلم إِلَى أَن قَلِيل الرَّضَاع، وَكَثِيره محرِّم، يُروى ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَابْن عُمَر، وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَعُرْوَة بْن الزبير، وَالزُّهْرِيّ، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَمَالك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَعَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك، ووكيع، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَذهب أَبُو عُبَيْد، وأبور ثَوْر، وَدَاوُد إِلَى أَنه لَا يحرم أقلُّ من ثَلَاث رَضعَات، لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالمَصَّتَانِ». ويُحكى عَنْ بَعضهم أَن التَّحْرِيم لَا يَقع بِأَقَلّ من عشر رَضعَات، وَهُوَ قَول شَاذ. وَقَول عَائِشَة: فَتوفي رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِي فِيمَا يُقرأ فِي الْقُرْآن، أَرَادَت بِهِ قربَ عهد النّسخ من وَفَاة رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بعضُ من لم يبلغهُ النّسخ يَقْرَؤُهُ على الرَّسْم الأول، لِأَن النّسخ لَا يُتصور بعد رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيجوز بَقَاء الحكم مَعَ نسخ التِّلَاوَة كالرجم فِي الزِّنَى، حكمهُ بَاقٍ مَعَ ارْتِفَاع التِّلَاوَة فِي الْقُرْآن، لِأَن الحكم يثبت بأخبار الْآحَاد، وَيجب الْعَمَل بِهِ، والقرآنُ لَا يثبت بأخبار الْآحَاد، فَلم تجز كتبتُه بْن الدَّفتين. بَاب رَضَاعَةِ الكَبِيرِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [الْبَقَرَة: 233].

2285 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ، فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي، فَقَالَ: «انْظُرْنَ مَا إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ مُحَمَّد بْن مُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَمعنى قَوْله: «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعةِ». أَي: الرضَاعَة الَّتِي تثُبت بهَا الْحُرْمَة مَا يكون فِي الصغر حِين يكون الرَّضِيع طفْلا يسد اللَّبن جَوْعَتَهُ، فَأما مَا كَانَ بعد بُلُوغ الصَّبِي حدّا لَا يسدُّ اللَّبن جوعته، وَلَا يُشْبِعُه إِلا الحبُّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ من الثُّفل، فَلَا تثبت بِهِ الْحُرْمَة.

وَرُوِيَ عَنِ ابْن مَسْعُود، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا رضاعَ إِلا مَا أَنْشَرَ العَظْمَ، وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ». وَعَن عَائِشَة، قَالَت: «يحرم من الرَّضَاع مَا أنبتَ اللحمَ والدمَ». ويُروى: مَا شدَّ العظمَ، وَهُوَ المُرَاد من الإنشار أَيْضا، من يروي بالراء غير الْمُعْجَمَة، والإنشار: الْإِحْيَاء فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 22]، ويُروى: مَا أَنشزَ الْعظم بالزاي الْمُعْجَمَة، مَعْنَاهُ: زَاد فِي حجمه فنشز. ورُوي عَنْ أمَّ سَلمَة، قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ». وَاخْتلف أهل الْعلم فِي تَحْدِيد مُدَّة الرَّضَاع، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهَا حولان، لقَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [الْبَقَرَة: 233]. فدلَّ على أَن الْحَوْلَيْنِ تمامُ مدَّتهَا، فَإِذا انْقَضتْ، فقد انْقَطع حُكمها، يُروى مَعْنَاهُ عَنْ عُمَر، وَابْن مَسْعُود، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وأمَّ سَلمَة، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، ويحكى عَنْ مَالِك أَن

جعل حكم الزِّيَادَة على الْحَوْلَيْنِ، إِذا كَانَ يَسِيرا حكم الْحَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مُدَّة الرَّضَاع ثَلَاثُونَ شهرا، لقَوْله عز وَجل: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الْأَحْقَاف: 15]، وَهُوَ عِنْد الْأَكْثَرين لأَقل مُدَّة الْحمل، وَأكْثر مُدَّة الرَّضَاع، والفصال: الْفِطَام، وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا} [الْبَقَرَة: 233] أَي: فطامًا. وَقَالَ بَعضهم: مُدَّة الرَّضَاع ثلاثُ سِنِين، وَقد رُوي عَنْ عَائِشَة، أَن أَبَا حُذَيْفَة بْن عتبَة بْن ربيعَة كَانَ تَبنَّى سالِمًا، وأنكحه بنتَ أَخِيه هِنْد بنت الْوَلِيد بْن عتبَة، وَهُوَ مَوْلَى لامْرَأَة من الْأَنْصَار، كَمَا تبنَّى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيدا، وَكَانَ من تبنى رجلا فِي الْجَاهِلِيَّة، دَعَاهُ النَّاس إِلَيْهِ، وَورث من مِيرَاثه حَتَّى أنزل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ إِلَى قَوْله: فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الْأَحْزَاب: 5]، فَردُّوا إِلَى آبَائِهِم، فَمن لم يعلم لَهُ أبٌ، كَانَ مَوْلَى وأخا فِي الدِّين، فَجَاءَت سهلة بنت سُهيل بْن عَمْرو امْرَأَة أَبِي حُذَيْفَة، فَقَالَت: يَا رَسُول اللَّه، إِنَّا كُنَّا نرى سالما ولدا، فَكَانَ يراني فُضلا، وَقد أنزل اللَّه فيهم مَا قد عَلِمْتَ، فَكيف ترى؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْضِعِيه خَمْسَ رَضَعَاتٍ تَحْرُمِي عَلَيْه». فَأخذت بذلك عَائِشَة فِيمَن كَانَت تحب أَن يدْخل عَلَيْهَا من الرِّجَال، فَكَانَت تَأمر أُخْتهَا أمَّ كُلْثُوم، وَبَنَات أَخِيهَا أَن يُرضعن من أحبت أَن يدخلَ عَلَيْهَا من الرِّجَال خمس رَضعَات، وأبى سَائِر أَزوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يدْخل عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرضَاعَة أحد من النَّاس، وقلن: مَا نرى الَّذِي أَمر بِهِ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهلة إِلا رخصَة فِي سَالم وَحده، لَا يدْخل علينا بِهَذِهِ الرضَاعَة أحد.

باب شهادة المرضعة على الرضاعة

بَاب شَهَادَةِ المُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعَةِ 2286 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حِبَّانٌ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي وَلا أَخْبَرْتِنِي، فَأَرْسَلَ إِلَى آلِ أَبِي إِهَابٍ، فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: مَا عَلِمْنَا أَرْضَعَتْ صَاحِبتَنَا، فَرَكِبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟» فَفَارَقَهَا، وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ أَيُّوب: عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي مُليكة، حَدَّثَنِي عُبيد بْن أَبِي مَريَم، عَنْ عُقبة بْن الْحَارِث، قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ، لَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ، وَزَادَ فِيهِ: «كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّها قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْكَ» وَعبد اللَّه بْن أَبِي مُليكة هُوَ عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي مليكَة، يكنى: أَبَا مُحَمَّد، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن الزبير استقضاه على الطَّائِف. وَفِيه دَلِيل على قبُول شَهَادَة الْمُرضعَة على الرَّضَاع، وَاخْتلفُوا فِي عدد من يثبت الرَّضَاع بشهادتهنَّ من النِّسَاء، فَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ يثبت بِشَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة، وتُستحلف، يُروى ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَبِهِ يَقُول أَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنَّهُ لَا يثبت بِأَقَلّ من أَربع، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا لَا يطلع عَلَيْهِ إِلا النِّسَاء غَالِبا كالولادة، والثيابة، والبكارة، وَالْحيض، وَهُوَ قَول عَطَاء، وَقَتَادَة، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ. وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ يثبت بِشَهَادَة امْرَأتَيْنِ، وَهُوَ قَول مَالِك، وَابْن أَبِي ليلى، وَابْن شبْرمَة، وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: تثبت الْولادَة بِشَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا، إِذا كَانَ الْحمل ظَاهرا والفراش قَائِما. ورُوي عَنْ عَليّ بْن أَبِي طَالب، أَنَّهُ أجَاز شَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا فِي الاستهلال، وَهُوَ قَول الشَّعْبِيّ، وَالنَّخَعِيّ. وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ وَقَدْ

باب لا يخطب على خطبة الغير

قِيلَ: " إشارةٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مفارقتها من طَرِيق الْوَرع، لَا من طَرِيق الحكم، أخذا بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَاب الْفرج، وَلَيْسَ فِيهِ دلالةٌ على وجوب الحكم بقول الْمَرْأَة الْوَاحِدَة، لأنَّ سَبِيل الشَّهَادَات أَن تُقام عِنْد الْحُكَّام، وَلم يُوجد هَهُنَا إِلا إِخْبَار امْرَأَة عَنْ فعلهَا فِي غير مجْلِس الحكم، والزوجُ مكذبٌ لَهَا، وبمثل هَذَا لَا يثبُت الحكمُ حَتَّى يكون دَلِيلا على جَوَاز شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة. بَاب لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ 2287 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَخْطُب أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ». وَهَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَالْخطْبَة من الرجل، والاختطاب من ولي الْمَرْأَة، وَالْخطْبَة بِرَفْع الْخَاء خطْبَة الْمِنْبَر وَالنِّكَاح لَا غير، والخَطب: الْأَمر، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} [طه: 95]. أَي: مَا أَمرك الَّذِي تخاطب بِهِ.

باب المشرك يسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أو أختان

بَاب الْمُشْرِكِ يُسْلِمُ وتحتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبعِ نِسْوَةٍ أَوْ أُخْتَان 2288 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا الثِّقَةُ، أَحْسَبُهُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ غَيْلانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ «أَنَّ غَيْلانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ»

2289 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «فَارِقْ وَاحِدَةً، وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا».

فَعَمَدْتُ إِلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَاقِرٍ مُنْذُ سِتينَ سَنَةً، فَفَارَقْتُهَا " وروى أَبُو وهب الجيشاني، عَنِ الضَّحَّاك بْن فَيْرُوز الديلمي، عَنْ أَبِيه، قَالَ: قلت يَا رَسُول اللَّه، إِنِّي أسلمت، وتحتي أختَان، قَالَ: «اخترْ أَيَّتهما شِئْتَ». قَالَ الإِمَامُ: إِذا أسلم مُشْرك، وَتَحْته أكثرُ من أَربع نسْوَة، فأسلمن مَعَه، أَو تخلفن وَهن كتابيات، فَإِنَّهُ يخْتَار مِنْهُنَّ أَرْبعا، ويُفارق الْبَوَاقِي، وَظَاهر الْحَدِيث يدل على أَنَّهُ لَا فرق بَين أَن يكون نكحهن مَعًا، أَو متفرقات، وَأَنه إِن نكحهن متفرقات يجوز لَهُ إمْسَاك الْأَوَاخِر، وَهُوَ قَول الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن، حِين نَاظر الشَّافِعِيّ بهَا. وَكَذَلِكَ لَو أسلم عَنْ أُخْتَيْنِ يختارُ وَاحِدَة مِنْهُمَا، سَوَاء نكحهما مَعًا، أَو احداهما بعد الْأُخْرَى، وَله إمْسَاك من نَكَحَهَا آخرا على قَول هَؤُلَاءِ. وَذهب سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَبُو حنيفَة، إِلَى أَنَّهُ إِن نكحهن مَعًا، فَلَيْسَ لَهُ إمْسَاك وَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَإِن نكحهن متفرقات، فيُمسك أَرْبعا

من الأوليات، ويُفارق الأخريات، وَكَذَلِكَ فِي الْأُخْتَيْنِ، وَالْأول أشبه بِظَاهِر الْحَدِيث، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل الِاخْتِيَار إِلَى الزَّوْج فِي الْإِمْسَاك والمفارقة، وَمن حكم بِبُطْلَان نِكَاح الْكل، أَو عيَّن الأوليات للإمساك، فقد أبطل معنى الِاخْتِيَار، وَلِأَن كلَّ عقد مضى فِي الشّرك على اعْتِقَادهم يجوز الْإِمْسَاك بعد الْإِسْلَام بِحكم ذَلِكَ العقد، وَلَا يتَعَرَّض لما مضى فِي الشّرك إِذا كَانَ المحلُّ مِمَّا يجوز ابْتِدَاء العقد عَلَيْهِ، كَمَا لَو نكح فِي حَال الشّرك بِلَا بَيِّنَة، وَفِي العدَّة، ثُمَّ أسلما وَالْعدة منقضية يقران عَلَيْهِ، فَإِن كَانَت الْعدة بَاقِيَة، أَو نكح امْرَأَة من مَحَارمه، ثُمَّ أسلما، لَا يقران عَلَيْهِ، لأنَّ ابْتِدَاء العقد عَلَيْهِمَا فِي الْإِسْلَام لَا يجوز، وَكَذَلِكَ لَو نكح فِي الشّرك امْرَأَة على خمر، أَو خِنْزِير، ثُمَّ أسلما بعد قَبضه، فَلَا مهر لَهَا عَلَيْهِ، وَإِن أسلما قبل الْقَبْض، فعلى الزَّوْج لَهَا مهر مثلهَا، لِأَنَّهُ لم يمض تمامهُ فِي الشّرك، وَكَذَلِكَ لَو تبَايعا درهما بِدِرْهَمَيْنِ، ثُمَّ أسلما بعد التَّقَابُض، لَا يتَعَرَّض لَهُ، وَإِن كَانَ قبل التقايض، فمردود. وَلَو نكح عبدٌ فِي الشّرك أَكثر من امْرَأتَيْنِ، ثُمَّ أسلم، يخْتَار مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ، فَإِن عُتِق قبل اجْتِمَاع إِسْلَامه وإسلامهن، فَلهُ إمْسَاك أَربع مِنْهُنَّ، وَإِن نكح العَبْد فِي الشّرك أَربع إِمَاء، فَإِن كَانَ وَقت اجْتِمَاع إِسْلَامه وإسلامهن رَقِيقا، يخْتَار مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ، وَإِن كَانَ هُوَ حرا وَهن حرائر فَلهُ إمساكهن جَمِيعًا، وَإِن كَانَ هُوَ حرا وَهن أرقاء فَلَيْسَ لَهُ إِلا إمْسَاك وَاحِدَة مِنْهُنَّ، بِشَرْط أَن يكون مُعسرا خَائفًا على نَفسه من العَنت، كَالْحرِّ إِذا أَرَادَ ابْتِدَاء نِكَاح الْأمة، لَا يجوز إِلا بعد وجود هذَيْن الشَّرْطَيْنِ. وَلَو أسلم وَتَحْته أمُّ وابنتُها، فَإِن كَانَ بعد الدُّخُول بهما، فَلَا يجوز إمساكُ وَاحِدَة مِنْهُمَا، وهما محرمتان عَلَيْهِ على التَّأْبِيد، وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول بهما، فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: يخْتَار أيَّتهما شَاءَ كالأختين، وَالثَّانِي

باب الزوجين المشركين يسلم أحدهما

وَهُوَ الْأَصَح: تتَعَيَّن الْبِنْت للإمساك، لِأَن العقد على الْبِنْت يحرم الْأُم، وَالْعقد على الْأُم لَا يحرم النبت مَا لم يُوجد الدخولُ، وَإِن كَانَ قد دخل بالبنت، تعيّنت هِيَ للإمساك، وَإِن كَانَ قد دخل بِالْأُمِّ، وَلم يدْخل بالبنت، فعلى القَوْل الأول لَهُ إمْسَاك الْأُم، وعَلى القَوْل الآخر لَا يُمسك وَاحِدَة مِنْهُمَا، وهما محرمتان عَلَيْهِ، حَرُمت الأمُّ بِالْعقدِ على الْبِنْت، وَحرمت الْبِنْت بِإِصَابَة الأمِّ. بَاب الزَّوْجَيْنِ المُشْرِكَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا 2290 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَيْرَبَنْدِكُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ حَمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ دَاسَةَ التَّمَّارُ، أَنا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَزَوَّجَتْ، فَجَاءَ زَوْجُهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَعَلِمَتْ بِإِسْلامِي، فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَوْجِهَا الآخَرِ، وَرَدَّهَا إِلى زَوْجِهَا الأَوَّلِ "

قَالَ الإِمَامُ: إِذا أسلم الزَّوْجَانِ المشركان مَعًا، دَامَ النِّكَاح بَينهمَا، وَكَذَلِكَ إِذا أسلم الزَّوْج، وَتَخَلَّفت الْمَرْأَة وَهِي كِتَابِيَّة يَدُوم النِّكَاح بَينهمَا، فَأَما إِذا كَانَت هِيَ مُشركَة أَو مَجُوسِيَّة، أَو أسلمت الْمَرْأَة، وتخلف الزَّوْج على أيِّ دين كَانَ، فَاخْتلف أهل الْعلم فِيهِ، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ إِن كَانَ قبل الدُّخُول بهَا تتنجزُ الْفرْقَة بَينهمَا بِنَفس الْإِسْلَام، وَإِن كَانَ بعد الدُّخُول بهَا، يتَوَقَّف على انْقِضَاء الْعدة، فَإِن أسلم المتخلف مِنْهُمَا قبل انْقِضَاء عدَّة الْمَرْأَة، فهما على النِّكَاح، وَإِن لم يسلم، بَان أنَّ الْفرْقَة وَقعت باخْتلَاف الدَّين، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب الأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن الْفرْقَة تتنجز بَينهمَا إِذا أسلم أَحدهمَا بِنَفس الْإِسْلَام، رُوي ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَإِلَيْهِ ذهب الْحَسَن، وَعِكْرِمَة، وَقَتَادَة، وَعَطَاء، وَطَاوُس، وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة، وَأَبِي ثَوْر، وَقَالَ مَالِك: إِذا أسلم الرجل قبل امْرَأَته، وَقعت الْفرْقَة إِذا عُرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام فَأَبت، وَقَالَ الثَّوْرِيّ: إِذا أسلمت الْمَرْأَة، عُرض على زَوجهَا الْإِسْلَام، فَإِن أَبى، فرق بَينهمَا، وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: إِذا كَانَا فِي دَار الْإِسْلَام، فَأسلم أَحدهمَا، لَا تقع الْفرْقَة بَينهمَا حَتَّى يلْتَحق الْكَافِر بدار الْكفْر، أَو يعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام، فيأبى، وَإِن كَانَا فِي دَار الْحَرْب، فحتى يلْتَحق الْمُسلم بدار الْإِسْلَام، أَو يمْضِي بِالْمَرْأَةِ ثَلَاثَة أَقراء، وَلَا يفرق هَؤُلَاءِ بَين مَا بعد الدُّخُول وَقَبله، وَاخْتِلَاف الدَّار عِنْد أَصْحَاب الرَّأْي يُوقع الْفرْقَة بَين الزَّوْجَيْنِ حَتَّى لَو دخل أحد الزَّوْجَيْنِ الْكَافرين دَار الْإِسْلَام، وَعقد الذِّمَّة، وَالْآخر فِي دَار الْحَرْب، تقع الْفرْقَة بَينهمَا، وَالدَّلِيل على أَن اخْتِلَاف الدَّار لَا يُوجب الْفرْقَة مَا يرْوى عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس، قَالَ: «

رَدَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي العَاصِ بِالنِّكَاحِ الأَوَّلِ، وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا»، وَفِي رِوَايَة: «رَدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ سِتِّ سِنينَ. وَلَيْسَ لَهُ وَجه إِن صحَّ إِلا أَن تكون عدَّتُها قد تطاولت باعتراض سَبَب حَتَّى بلغت هَذِه الْمدَّة، وَكَانَ قد افترق بَينهمَا الدَّار، فَإِن أَبَا الْعَاصِ حِين أطلقهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْأسر أَتَى مَكَّة، وجهز زَيْنَب إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمكث بِمَكَّة، غير أَن هَذِه الرِّوَايَة يُعارضها مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب، عَنْ أَبِيه، عَنْ جده، أنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي العَاصِ ابْن الرَّبِيع بِنَكاحٍ جَدِيدٍ «.

وَرُوِيَ أَن جمَاعَة من النِّسَاء» ردَّهنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّكَاحِ الأول على أزواجهنَّ " عِنْد اجْتِمَاع الإسلامين بعد اخْتِلَاف الدِّين وَالدَّار، منهنَّ: بنتُ الْوَلِيد بْن الْمُغيرَة، كَانَت تَحت صَفْوَان بْن أُميَّة، فَأسْلمت يَوْم الْفَتْح، وهرب زَوجهَا صَفْوَان من الْإِسْلَام، فَبعث إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْن عَمه وهب بْن عُمَيْر برداء رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانًا لِصَفْوَان، فَلَمَّا قدم، جعل لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسيير أَرْبَعَة أشهر، وَشهد مَعَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنينًا، والطائف وَهُوَ كَافِر، وَامْرَأَته مسلمة حَتَّى أسلم صَفْوَان، فاستقرت عِنْده امْرَأَته بذلك النِّكَاح. وَأسْلمت أمُّ حَكِيم بنت الْحَارِث بْن هِشَام امْرَأَة عِكْرِمَة بْن أَبِي جهل يَوْم الْفَتْح بِمَكَّة، وهرب زَوجهَا عِكْرِمَة من الْإِسْلَام حَتَّى قدم الْيمن، فارتحلت أم حَكِيم حَتَّى قدمت عَلَيْهِ الْيمن، فدعته إِلَى الْإِسْلَام، فَأسلم، فَقدم على رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْفَتْح، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثب إِلَيْهِ فَرحا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاء حَتَّى بَايعه، فثبتا على نِكَاحهمَا ذَلِكَ. قَالَ الإِمَامُ: فَأَما إِذا خرجت الْمَرْأَة إِلَى دَار الْإِسْلَام مراغمة لزَوجهَا، فقد ارْتَفع النِّكَاح بَينهمَا، لِأَنَّهَا لَو قهرت فِي دَار الْحَرْب زَوجهَا، وَقعت الفُرقة بَينهمَا، وَلَو استعبدته، كَانَ مَمْلُوكا لَهَا. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على أَن الْمَرْأَة إِذا ادَّعت الفِراق على الزَّوْج بعد مَا علم بَينهمَا النِّكَاح وَأنكر الزوجُ، أَن القَوْل قولُ الزَّوْج

باب النهي عن نكاح الشغار

مَعَ يَمِينه، سَوَاء كَانَت الْمَرْأَة قد نكحت زوجا آخر، أَو لم تنكِحْ. وَكَذَلِكَ لَو أسلم الزَّوْجَانِ قبل الدُّخُول، فاختلفا، فَقَالَ الزَّوْج: أسلمنَا مَعًا، فَالنِّكَاح بَيْننَا باقٍ، وَقَالَت: بل أسلم أَحَدنَا قبل الآخر، فَلَا نِكَاح بَيْننَا، فَالْقَوْل قولُ الزَّوْج مَعَ يَمِينه، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ بعد الدُّخُول أسلمت الْمَرْأَة، ثُمَّ بعد انْقِضَاء عدتهَا ادّعى الزَّوْج إِنِّي كنت أسلمت قبل انْقِضَاء عدَّتك، وادَّعت انْقِضَاء عدتهَا قبل إِسْلَامه، كَانَ القَوْل قولَ الزَّوْج مَعَ يَمِينه، وعَلى قِيَاس هَذَا لَو طلق امْرَأَته طَلَاقا رَجْعِيًا، ثُمَّ بعد انْقِضَاء عدتهَا، ادّعى أَنَّهُ كَانَ قد رَاجعهَا قبل انْقِضَاء الْعدة، وَأنْكرت، كَانَ القَوْل قَوْله، وَفِيه اخْتِلَاف. بَاب النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ 2291 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الشِّغَارِ» وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن يُوسُف، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِك.

ويروى عَنْ أَيُّوب، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْن عُمَر، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا شِغَارَ فِي الإِسْلامِ». قَالَ الإِمَامُ: صورةُ نِكَاح الشِّغار مَا ورد فِي الْحَدِيث، وَهُوَ منهيٌّ عَنْهُ، وأصل الشَّغر فِي اللُّغَة: الرّفْع، يقَالَ: شَغرَ الكلبُ: إِذا رفع رجله عِنْد الْبَوْل، سُمِّي هَذَا النكاحُ شغارًا، لِأَنَّهُمَا رفعا الْمهْر بَينهمَا. وَاخْتلف أهلُ الْعلم فِي صِحَة هَذَا العقد، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَن النِّكَاح بَاطِل للنَّهْي عَنْهُ، كَنِكَاح الْمُتْعَة، وكما لَو نكح امْرَأَة على عَمَّتهَا، أَو خَالَتهَا، يكون بَاطِلا، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَأَبُو عُبَيْد، وَشبهه أَبُو عَليّ بْن أَبِي هُرَيْرَةَ بِرَجُل زوج ابْنَته، واستثني عضوا من أعضائها، فَلَا يصحُّ بالِاتِّفَاقِ، فَكَذَلِك الشِّغار، لِأَن كل وَاحِد زوَّج وليته، واستثني بُضعها حَيْثُ، جعله صَدَاقا لصاحبتها.

باب نكاح المتعة

وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن النِّكَاح جَائِز، ولكلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا مهر مثلهَا، وَهُوَ قَول عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح، وَبِهِ قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالَ الشَّافِعِيّ: لَو سمي لَهما أَو لإحداهما صَداق، فَلَيْسَ بالشِّغار الْمنْهِي عَنْهُ، وَالنِّكَاح ثَابِت، وَالْمهْر فَاسد، وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا مهرُ مثلهَا. بَاب نِكَاحِ المُتْعَةِ 2292 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ يَحْيَى بْن قَزعَة، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ الإِمَامُ: نِكَاح الْمُتْعَة كَانَ مُبَاحا فِي أول الْإِسْلَام، وَهُوَ أَن ينكِحَ الرجل الْمَرْأَة إِلَى مدَّة، فَإِذا اقْتَضَت، بَانَتْ مِنْهُ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

باب نكاح المحلل

روى الرَّبِيع بْن سَبَرةَ، عَنْ أَبِيه، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُم فِي الاستِمْتَاعِ مِنَ النِّساء، وإنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». قَالَ الإِمَامُ: اتّفق الْعلمَاء على تَحْرِيم نِكَاح الْمُتْعَة، وَهُوَ كالإجماع بَين الْمُسلمين، وَرُوِيَ عَنِ ابْن عَبَّاس شَيْء من الرُّخْصَة للْمُضْطَر إِلَيْهِ بطول العُزبة، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ حَيْثُ بلغه النَّهْي. بَاب نِكَاحِ المُحَلِّلِ 2293 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ، عَنْ أَبِي وَاصِلٍ، عَن ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ لَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحلَّلَ لَهُ».

وَرَوَى هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحِلَّ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَأَرَادَ بالمُحلِّ المُحَلِّل، وَأراد بِهِ أَن يطلَّق الرجل امْرَأَته ثَلَاثًا، فنكحت زوجا آخر حَتَّى يُصيبها، فَتحل للْأولِ، ثُمَّ يفارقها، فهَذَا منهيٌ عَنْهُ. فَإِن شَرط فِي العقد مفارقتها، فَالنِّكَاح بَاطِل عِنْد الْأَكْثَرين، كَنِكَاح الْمُتْعَة، وسمِّي محللا لقصده إِلَيْهِ، وَإِن كَانَ لَا يحصل التَّحْلِيل بِهِ، وَقيل: يصحُّ النِّكَاح، ويفسُد الشَّرْط، وَلها صَداقُ مثلهَا، فَأَما إِذا لم يكن ذَلِكَ فِي العقد شرطا، وَكَانَ نِيَّة وعقيدة، فَهُوَ مَكْرُوه غير أَن النِّكَاح صَحِيح، وَإِن أَصَابَهَا، ثُمَّ طَلقهَا، وَانْقَضَت عدتهَا، حلت للْأولِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم. وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعي: لَا تحِل إِلا أَن يكون نِكَاح رَغْبَة، فَإِن كَانَت نِيَّة أحد الثَّلَاثَة: إمَّا الزوجُ الأول، أَو الثَّانِي، أَو الْمَرْأَة التحليلَ، فالنكاحُ باطلٌ، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ: إِذا تزَوجهَا على نِيَّة التَّحْلِيل للْأولِ، ثُمَّ بدا لَهُ أَن يُمسكها لَا يُعجبنِي إِلا أَن يُفارقها، ويستأنف نِكَاحا جَدِيدا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل، وَقَالَ مالكٌ: يُفرق بَينهمَا بِكُل حَال.

باب العزل والإتيان في غير المأتى

بَاب العَزْلِ والإِتْيَانِ فِي غَيْرِ المَأْتَى 2294 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمَتُنَا، وَسَانِيَتُنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ؟ قَالَ: «اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإنَّهَا سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». فَلَبِثَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: إنَّ الجَارِيَةَ قَدْ حَبَلَتْ، فَقَالَ: «قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ 2295 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَن ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْعَزْلِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النَّسَاءَ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، فَقُلْنَا: نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسْمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ إِلا وَهِيَ كَائِنَةٌ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ قُتَيْبَةَ أَيْضًا وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على جَوَاز استرقاق الْعَرَب، وَقَوله: «وَمَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا». ويُروى: «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا»، قَالَ المبرّد: مَعْنَاهُ: لَا بَأْس عَلَيْكُم أَن تَفعلُوا، وَمعنى «لَا» الثَّانِيَة طرحُها. قَالَ الإِمَامُ: اخْتلف أهل الْعلم فِي كَرَاهِيَة الْعَزْل، فرخَّص فِيهِ غيرُ وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، قَالَ جَابِر: كُنَّا نعزلُ وَالْقُرْآن ينزلُ، وَرخّص فِيهِ زيد بْن ثَابِت، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوب، وَسَعْد

بْن أَبِي وَقاص، وَابْن عَبَّاس أَنهم كَانُوا يعزلون. وَكَرِهَهُ جمَاعَة من الصَّحَابَة وَغَيرهم، لما رُوي أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عَنِ الْعَزْل، فَقَالَ: «ذَلِكَ الوَأْدُ الخَفِيُّ». وَرُوِيَ عَنِ ابْن عُمَر، أَنَّهُ كَانَ لَا يعْزل، قَالَ مَالِك: لَا يُعزل عَنِ الْحرَّة إِلا بِإِذْنِهَا، وَلَا عَنْ زَوجته الْأمة إِلا بِإِذن أَهلهَا، ويعزل عَنْ أمته بِغَيْر إِذْنهَا، وَرُوِيَ، عَنِ ابْن عَبَّاس: «تُسْتَأْمَرُ الحُرَّةُ فِي العَزْلِ، وَلا تَسْتَأَمَرُ الجَارِيَة». وَبِهِ قَالَ أَحْمَد. وَفِي الْحَدِيث دلَالَة على أَنَّهُ لَو أقرّ بِوَطْء أمته، وَادّعى الْعَزْل، أَن الْوَلَد لَاحق بِهِ إِلا أَن يَدعِي الِاسْتِبْرَاء. ورُوي عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حَرْمَلَة، عَنِ ابْن مَسْعُود، كَانَ نَبِي اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكره عشر خِصَال: " الصُّفْرَة: يَعْنِي الخلوق، وتغيير الشيب، وجر الْإِزَار، والتختم بِالذَّهَب، والتبرج بالزينة لغير محلهَا، وَالضَّرْب بالكعاب، والرُّقي إِلا بالمعوذات، وَعقد التمائم، وعزل المَاء عَنْ

مَحَله، وَفَسَاد الصَّبِي غير مُحرِّمه ". قَالَ الإِمَامُ: أما كَرَاهِيَة الخَلوق، والتختم بِالذَّهَب، وجر الْإِزَار، فَفِي حق الرِّجَال دون النِّسَاء، وتغيير الشيب يكره بِالسَّوَادِ دون الْحمرَة، والتبرج بالزينة: هُوَ أَن تتزين الْمَرْأَة لغير زَوجهَا، وَفَسَاد الصَّبِي: هُوَ أَن يطَأ الْمُرْضع، فَإِذا حملت فسد لَبنهَا، وَفِيه فَسَاد الْوَلَد، وَقَوله: غير مُحرمَة، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ كره، وَلم يبلغ بالكراهية حد التَّحْرِيم. 2296 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: " كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا: إِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [الْبَقَرَة: 223] ".

هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي نُعَيْم، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ قُتَيْبَة، كلٌّ عَنْ سُفْيَان قَالَ الإِمَامُ: اتّفق أهل الْعلم على أَنَّهُ يجوز للرجل إتيانُ زَوجته فِي قُبِلها من جَانب دبرهَا، وعَلى أَي صفة شَاءَ، وَفِيه نزلت الْآيَة: قَالَ ابْن عَبَّاس: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [الْبَقَرَة: 223]، قَالَ: ائْتِهَا من بَين يَديهَا، وَمن خلفهَا بعد أَن يكون فِي المأتى. وَقَالَ عِكْرِمَة: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [الْبَقَرَة: 223] إِنَّمَا هُوَ الْفرج. وَمثله عَنِ الْحَسَن، عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [الْبَقَرَة: 223] قَالَ: إِن شِئْت فاعزل، وَإِن شِئْت فَلَا تعزل، وَقيل فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [الْبَقَرَة: 223]، أَي: هن لكم بِمَنْزِلَة الأَرْض تُزرع، وَمحل الْحَرْث: هُوَ القُبُل. أما الْإِتْيَان فِي الدبر فَحَرَام، فَمن فعله جَاهِلا بِتَحْرِيمِهِ، نهى عَنهُ، فَإِن عَاد عُزِّرَ، رُوي عَنْ خُزَيْمَة بْن ثَابِت، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ لَا تَأتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ». وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى

امْرَأةً فِي دُبُرِهَا». 2297 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّارُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدّبرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ» وَرُوِيَ أَن عُمَر ضرب رجلا فِي مثل ذَلِكَ، وسُئل أَبُو الدَّرْدَاء عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَهل يفعل ذَلِكَ إِلا كَافِر. وَذكر لِابْنِ عُمَر ذَلِكَ، فَقَالَ: هَل يَفْعَله أحد من الْمُسلمين؟. وسُئل ابْن عَبَّاس عَنِ الخضخضة: قَالَ: نِكَاح الْأمة خير مِنْهُ، وَهُوَ خير من الزِّنَى.

باب الغيلة

بَاب الغِيلَةِ 2298 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الأَسَدِيَّةِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ، فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ». قَالَ مَالِكٌ: والغيلَةُ: أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرأَتَهُ وَهِيَ تُرضِعُ. وهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ. يُقَالُ: أَغَالَ الرَّجُلُ وَأُغَيْلٌ، وَالْوَلَدُ مُغَالٌ وَمُغيَلٌ

باب خيار العتق

قَالَ الإِمَامُ: وَقد رُوِيَ عَنْ أَسمَاء بنت يَزِيد بْن السَّكن، قَالَت: سمعتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُول: «لَا تَقْتُلُوا أَوْلادكُم سِرّا، فإنَّ الغَيْلَ يُدْرِكُ الفَارِسَ فيدعثره عَنْ فَرَسِهِ». يَعْني: يصرعهُ ويسقطه، وَأَرَادَ بهَذَا أَن الْمُرْضع إِذا جُومعت، فَحملت، فسد لَبنهَا، وينُهك الولدُ إِذا اغتذي بذلك اللَّبن، فَإِذا صَار رجلا، وَركب الْخَيل، فركضها رُبمَا أدْركهُ ضعف الغيل، فَزَالَ وَسقط عَنْ متونها، فَكَانَ ذَلِكَ كَالْقَتْلِ لَهُ غير أَنَّهُ سر لَا يُرى وَلَا يُعرف. بَاب خِيَارُ العِتْقِ قَالَت عَائِشَة فِي بَريرَةَ: إنَّها عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِها. 2299 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُحَمَّدٌ، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا، يُقَالُ لَهُ: مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبَّاسُ، أَلا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ

مغيث بَريرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغَيثًا». فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ رَاجَعْتِيهِ»، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «إِنَّمَا أَشْفَعُ». قَالت: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: لَا خلاف بَين أهل الْعلم أَن الْأمة إِذا عتقتْ وَهِي تَحت عبد، أَن لَهَا الْخِيَار بَين الْمقَام تَحْتَهُ، وَبَين الْخُرُوج عَنْ نِكَاحه، وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عتقت وَزوجهَا حر، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا خِيَار لَهَا، وَهُوَ قولُ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَذهب قوم إِلَى أَن لَهَا الْخِيَار، وَهُوَ قولُ الشَّعْبِيّ، والنِّخعي، وَحَمَّاد، وَإِلَيْهِ ذهب سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوي عَنِ الْأسود، عَنْ عَائِشَة، قَالَت: كَانَ زوج بَرِيرَة حرا، فَخَيرهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَكَذَا روى أَبُو مُعَاوِيَة، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ إِبْرَاهِيم، عَنِ الْأسود، وَرَوَاهُ أَيْضا جرير، عَنْ مَنْصُور، عَنْ إِبْرَاهِيم، عَنِ الْأسود، وروى أَبُو عوَانَة، عَنْ مَنْصُور، وَالْأَعْمَش، عَنْ إِبْرَاهِيم، عَنِ الْأسود، عَنْ عَائِشَة، قصَّة بَرِيرَة، وَقَالَ: قَالَ الْأسود: كَانَ زَوجهَا حرا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: قَول الْأسود مُنْقَطع، وَقَول ابْن عَبَّاس: رَأَيْته عبدا أصح. وروى الْقَاسِم، وَعُرْوَة بْن الزبير، عَنْ عَائِشَة، قَالَت: كَانَ زوجُ بَرِيرَة عبدا، وروايتهُما أولى من رِوَايَة الْأسود إِن ثبتَتْ مُسندَة، لِأَن عَائِشَة عمةُ

الْقَاسِم، وخالةُ عُرْوَة، فَكَانَا يدخلَانِ عَلَيْهَا، ويسمعان كَلَامهَا بِلَا حجاب، وَالْأسود يسمع كَلَامهَا من وَرَاء حجاب، وَلَئِن تَعَارَضَت الرِّوَايَة عَنْ عَائِشَة، فَحَدِيث ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ عبدا، لَا معَارض لَهُ، فَكَانَ أولى. وروى عَبْد اللَّهِ بْن دِينَار، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة، أَنَّهَا أَرَادَت أَن تعْتق مملوكين لَهَا زَوْجَيْنِ، فَسَأَلت النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأمرهَا أَن تبدأ بِالرجلِ قبل الْمَرْأَة، فَفِيهِ دَلِيل على أَنَّهَا إِذا عُتقت تَحت حر لَا خِيَار لَهَا، إِذْ لَو كَانَ يُثبت لَهَا الْخِيَار لم يكن للبداية بِعِتْق الزَّوْج معنى، وَلَا فَائِدَة، وَكَذَلِكَ لَو عُتقا مَعًا لَا خِيَار لَهَا، وَلَو عُتقت قبله، فَلم تعلم بِعتْقِهَا حَتَّى عُتق الزَّوْج، فَفِي ثُبُوت الْخِيَار قَولَانِ: أظهرهمَا: لَا خِيَار لَهَا، وَخيَار الْعتْق على الْفَوْر بعد الْعلم بِالْعِتْقِ على أحد قولي الشَّافِعِيّ، فَإِن أخرت الْفَسْخ مَعَ الْإِمْكَان، بَطل حَقّهَا، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن لَهَا الْخِيَار مَا لم يصبهَا الزَّوْج، وَهُوَ قَول ابْن عُمَر، وَحَفْصَة، ويروى عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَة، قصَّة بَرِيرَة: خَيرهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهَا: «إِنْ قَربكِ فَلَا خِيَار لَك». قَالَ الإِمَامُ: مَتى صَحَّ الْحَدِيث، فالمصير إِلَيْهِ هُوَ الْوَاجِب، وَقد قَالَ الشَّافِعِيّ: كَانَ لَهَا الْخِيَار مَا لم يُصبها بعد الْعتْق، وَلَا أعلم فِي تأقيت الْخِيَار شَيْئا يتبع إِلا قَول حَفْصَة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لم يَمَسهَا، وَإِذا اخْتَارَتْ فِرَاقه، فَلَا صدَاق لَهَا إِن كَانَ قبل الدُّخُول، وَإِن كَانَ بعد الدُّخُول، فالمهر وَاجِب.

باب خيار العيب

بَاب خِيَارِ العَيْبِ 2300 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرأَةً وَبِهَا جُنُونٌ، أَوْ جُذامٌ، أَوْ بَرَصٌ، فَمَسَّهَا، فَلَهَا صَدَاقُهَا، وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا» قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: اخْتلف أهلُ الْعلم فِي فسخ النِّكَاح بِالْعَيْبِ، فَقَالَ بَعضهم: لَا يُفسخ النِّكَاح بِالْعَيْبِ إِلا أَن يكون الزَّوْج مجبوبًا، أَو عنينًا، وَلم ترضَ بِهِ الْمَرْأَة يُفرق بَينهمَا بِطَلْقَة، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَقَالَ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِن كَانَ بعد الدُّخُول، فَهِيَ امْرَأَته، وَإِن كَانَ قبله، فرق بَينهمَا. وَقَالَ بَعضهم: يُفسخ النِّكَاح بِسبع من الْعُيُوب: الْجُنُون، والجُذام، والبرص، فَأَي الزَّوْجَيْنِ وجد بِصَاحِبِهِ عَيْبا من هَذِه الْعُيُوب لَهُ فسخ النِّكَاح، سَوَاء كَانَ قبل الدُّخُول أَو بعده، وَهُوَ قَول عُمَر بْن الْخَطَّاب،

وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَكَذَلِكَ إِذا وجدت المرأةُ زَوجهَا مجبوبًا أَو عنينًا، أَو وجد الزَّوْج امْرَأَته رتقاء، أَو قرناء، فَيثبت بِهِ فسخ النِّكَاح، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، ثُمَّ إِن كَانَ الْفَسْخ قبل الدُّخُول، فَلَا مهر لَهَا، سَوَاء كَانَ الْفَسْخ من قِبله، أَو من قِبلها، وَإِن كَانَ بعد الدُّخُول، فلهَا مهر مثلهَا، وَإِن حدث شَيْء من هَذِه الْعُيُوب بعد العقد، فَكَذَلِك فِي ثُبُوت حق الْفَسْخ، سَوَاء حدث قبل الدُّخُول، أَو بعده إِلا العُنة، فَإِن حدوثها بعد الدُّخُول لَا يثبت لَهَا حق فسخ النِّكَاح، وَإِذا فسخ بِعَيْب حدث بعد الدُّخُول، فلهَا الْمُسَمّى، وَإِن حدث قبله، فمهر الْمثل. وَكَذَلِكَ إِذا غرَّ أحد الزَّوْجَيْنِ، بِأَن شَرط فِي العقد أَنَّهُ حر، أَو نسيب، فَبَان رَقِيقا، أَو أدنى نسبا مِمَّا شَرط، يثبت للْآخر فَسْخُ النِّكَاح عِنْد الشَّافِعِيّ، وَلها مهر الْمثل إِن كَانَ بعد الدُّخُول، ثُمَّ إِن كَانَ الْعَيْب بِالْمَرْأَةِ، أَو الْغرُور من قبل وليِّها، فَهَل يرجع الزَّوْج بِمَا غرم

من الْمهْر على وَليهَا؟ فِيهِ قَولَانِ: أصَحهمَا: لَا يرجع، لِأَنَّهُ غرم بِمُقَابلَة مَنْفَعَة استوفاها، وَالثَّانِي: يرجع وَهُوَ قَول عُمَر. قَالَ مَالِك على حَدِيث عُمَر: إِنَّمَا يكون لزَوجهَا الغرمُ على وَليهَا إِذا كَانَ وليُّها الَّذِي أنْكحهَا أَبَاهَا، أَو أخاها، أَو من يُرى أَنَّهُ يعلم ذَلِكَ مِنْهَا، فَأَما إِذا كَانَ وَليهَا الَّذِي أنْكحهَا ابْن عَم، أَو مَوْلَى، أَو مِمَّن لَا يرى أَنَّهُ يعلم ذَلِكَ مِنْهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ غرم، وَترد الْمَرْأَة مَا أخذت من صدَاق نَفسهَا، ويُترك لَهَا مَا اسْتَحلَّهَا بِهِ إِذا مَسهَا. ثمَّ إِن كَانَ الْغرُور من قبل الْمَرْأَة بِالْحُرِّيَّةِ، فالأولاد أَحْرَار، وعَلى الزَّوْج قيمتهم بِاعْتِبَار يَوْم السُّقُوط، ثُمَّ يرجع بهَا على الْغَار عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَقَالَ الحكم، فكاك الْوَلَد على أَبِيهِم. وَخيَار الْعَيْب على الْفَوْر بعد الْعلم إِلا العُنة، فَإِنَّهُ يُضربُ لَهَا أجل سنة من يَوْم مرافعته إِلَى السُّلْطَان، لاحْتِمَال أَنَّهُ عجز لعَارض يَزُول بمرور فُصُول السّنة عَلَيْهِ، ثُمَّ إِن لم يزل، فالفسخ بعد السّنة على الْفَوْر، روى سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، عَنْ عُمَر، أَنَّهُ أَجَّلَ العَنينَ سَنَةً، وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: يُضرب لَهُ أجل سنة، فَإِن مسَّها وَإِلَّا فرِّق بَينهمَا.

وَإِذا أعْسر الزوجُ بِنَفَقَة امْرَأَته، فَهَل يثبت لَهَا الخروجُ عَنِ النِّكَاح؟ اخْتلف فِيهِ أهل الْعلم، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَن لَهَا الْخُرُوج عَنِ النِّكَاح، وَهُوَ قَول عُمَر، وَعلي، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَسليمَان بْن يَسَار، وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَد الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، قَالَ: نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنِ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنِفقُ عَلَى امْرَأَتِهِ؟ قَالَ «يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا». قَالَ أَبُو الزِّنادِ: فَقُلْتُ: سُنَّةٌ؟ فَقَالَ سعيدٌ: سُنَّةٌ. قَالَ الشَّافِعِيّ: وَالَّذِي يُشبه قَول سَعِيد سُنة، أَن يكون سُنةَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مَالِك: وعَلى ذَلِكَ أدْركْت أهل الْعلم ببلدنا.

باب الصداق

وَقَالَ الْحَسَن وَالشَّعْبِيّ: ينْفق عَلَيْهَا أَو يُطلقها، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا يثُبت بِهِ الخروجُ عَنِ النِّكَاح، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي الْإِعْسَار بالصَّداق، غير أَن فِي الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ إِذا رضيت بِهِ الْمَرْأَة، ثُمَّ بدا لَهَا، فلهَا الخروجُ على قَول من يثبت بِهِ الْخُرُوج عَنِ النِّكَاح، وَفِي الْإِعْسَار بِالصَّدَاقِ سقط حَقّهَا من الْخُرُوج عَنِ النِّكَاح إِذا رضيت مرّة بَاب الصَّداقِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النِّسَاء: 24]، وَأَرَادَ بالأجْرِ: الصَّداقَ. قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النِّسَاء: 4]، فَإنْ قيلَ: المَهْرُ عِوَضٌ عَنِ الاسْتِمْتَاعِ، فلِم سَمَّاهُ نِحْلَةً، والنِّحْلَةُ، هِيَ العَطِيَّةُ بِلا عِوَض؟ قِيلَ: أَرَادَ بِهِ تَدَيُّنا وَفَرْضًا فِي الدِّين، كَمَا يُقَالُ: فُلانٌ انْتَحَلَ مَذْهَبُ كَذَا، أَيْ: تَدَيَّنَ بِهِ، وقيلَ: سماهُ نِحْلَةً، لأنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَيْء يَحْصُلُ للمرأةِ بِغيرِ عِوضٍ، لأنَّ الزَّوْجَيْنِ يَشْتَرِكَان فِي الاسْتِمْتاعِ، وابْتغاءِ اللَّذَةِ، وَربَّما تَكُونُ شَهْوَتُها أَغْلَبَ، ولَذَّتُها أَكْثَرَ، فَكَانَ المَهْرُ نِحْلةً مِنْهُ لَهَا فِي الْحَقِيقَة بِلَا عِوض، وقيلَ: لأنَّ المَهْرَ

كانَ فِي شرْع مَنْ قَبلْنا للأولياء دونَ النِّساء، كَمَا قَالَ شُعَيبٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} [الْقَصَص: 27]. فاشْتَرَطَ العَمَلَ لِنَفْسِهِ لَا لابْنَتِهِ، فَلمَّا جَعَلَ اللَّهُ المَهْرَ لِلنِّسَاءِ فِي شَرْعِنَا، كَانَ ذَلِكَ نِحْلَةً مِنْهُ لَهُنَّ، وَالله أعلم 2301 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءتْهُ امْرأَةٌ، فَقالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ، فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلا، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيء تُصْدِقُهَا إيَّاهُ؟»، فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلا إِزَارِي هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ أَعْطَيْتَهَا إيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا»، فَقَالَ: مَا أَجِدُ، فَقَالَ: «فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟» قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ

رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن يُوسُف، عَنْ مَالِك، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ زُهَيْر بْن حَرْب، عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ. وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَعَلِّمْهَا مِنَ القُرْآنِ». وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ».

وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: «قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا»، وَقَالَ أَبُو غَسَّانَ، عَنْ أَبِي حَازِم: «أَمْكَنَّاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». وَرُوِيَ نَحْوُ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: فَقَالَ: «مَا تَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ؟»، قَالَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ، أَوِ الَّتِي تَلِيهَا، قَالَ: «قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ» قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا دَلِيل على أَن أقل الصَدَاق لَا تَقْدِير لَهُ، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «التمس شَيْئا»، وَهَذَا يدل على جَوَاز أيِّ شَيْء كَانَ من المَال، وَإِن قلَّ، ثُمَّ قَالَ: «وَلَو خَاتمًا من حَدِيد»، وَلَا قيمَة لخاتم الْحَدِيد إِلا الْقَلِيل التافه، وَمِمَّنْ ذهب إِلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِير لأَقل الصَدَاق، بل مَا جَازَ أَن يكون مَبِيعًا، أَو ثمنا، جَازَ أَن يكون صَدَاقا ربيعَة، وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب، فِي ثَلَاث قبضات زبيب مهر، وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: لَو أصدقهَا سَوْطًا، جَازَ. وَذهب قوم إِلَى أَن أقل الصَدَاق يتَقَدَّر بنصاب السّرقَة، وَهُوَ قَول مَالِك، وَأَصْحَاب الرَّأْي، غير أَن عِنْد مَالِك نِصَاب السّرقَة ثَلَاثَة دَرَاهِم، وَعند أَصْحَاب الرَّأْي عشرَة دَرَاهِم. وَكَانَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ يكره أَن يتَزَوَّج الرجل على أقل من أَرْبَعِينَ درهما، وَيَقُول: مثل مهر الْبَغي. يَعْنِي: مَا دون ذَلِكَ.

وَالْأول أولى، لما روينَاهُ من الْحَدِيث، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزبير، عَنْ جَابِر، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَتِهِ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا، فَقَدِ اسْتَحَلَّ». 2302 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ وَمَعَهُ امْرَأةٌ لَهُ، فَقَالَ: إنِّي تَزَوَّجْتُهَا بِنَعْلَيْنِ، فقَالَ لَهَا: «رَضِيتِ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَوْ لَمْ يُعْطِنِي لَرَضِيتُ، قَالَ: «شأْنُكَ وَشَأْنُهَا» وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ لِبْسِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلا جَاءَ

إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ. فَقَالَ لَهُ: «مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الأَصْنَامِ؟!» فَطَرَحَهُ، ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: «مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟!» فَطَرَحَهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أتَّخِذُهُ؟، قَالَ: «اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلا تُتِمَّهُ مِثْقَالا».

وَإِسْنَادُهُ غَرِيبٌ، وَحَدِيثُ سَهْلٍ أَصَحُّ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَر فِي كَرَاهِيَة خَاتم الْحَدِيد. وَفِيه دَلِيل على أَن المَال غيرُ مُعْتَبر فِي الْكَفَاءَة، وَفِيه دَلِيل على أَنَّهُ يجوز أَن يَجْعَل تَعْلِيم الْقُرْآن صَدَاقا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَذهب بعض أهل الْعلم إِلَى أَنَّهُ لَا يجوز، وَلها مهر الْمثل، وَهُوَ قَول أَحْمَد، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَلم يجوِّزه مَالِك، وَقَالَ مَكْحُول: لَيْسَ لأحد بعد رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَفْعَله. وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن، وعَلى جَوَاز أَن يَجْعَل مَنْفَعَة الْحر صَدَاقا، وَجُمْلَته أَن كل عمل جَازَ الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ، جَازَ أَن يَجعله صَدَاقا، وَلم يجوِّز أَصْحَاب الرَّأْي أَن يَجْعَل مَنْفَعَة الْحر صَدَاقا. ويحتج من جوَّز عقد النِّكَاح بِلَفْظ التَّمْلِيك بِرِوَايَة من روى «فقد ملكتكُها». وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، وَلم يجوِّز جماعةٌ من الْعلمَاء بِغَيْر لفظ الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَلَا حجَّة فِيهِ لمن أجَاز بِلَفْظ التَّمْلِيك، لِأَن العقد كَانَ وَاحِدًا، فَلم يكن إِلا بِلَفْظ وَاحِد، وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِيهِ، فَالظَّاهِر أَنَّهُ كَانَ بِلَفْظ التَّزْوِيج على وفَاق قَول الْخَاطِب: زوجنيها، إِذْ هُوَ الْغَالِب من أَمر الْعُقُود، أَنَّهُ قَلما يخْتَلف فِيهِ لفظ الْمُتَعَاقدين، وَمن نقل غير لفظ التَّزْوِيج، لم يكن قَصده مُرَاعَاة لفظ العقد، وَإِنَّمَا قَصده بَيَان أَن العقد جرى على تَعْلِيم الْقُرْآن، بِدَلِيل أَن بَعضهم روى بِلَفْظ الْإِمْكَان، وَاتَّفَقُوا على أَن العقد بهَذَا اللَّفْظ لَا يجوز.

باب استحباب تخفيف المهر

وَفِيه دَلِيل على أَنَّهُ لَو قَالَ: زوِّجني ابْنَتك، فَقَالَ: زوجتُ، صحَّ وَإِن لم يقل: قبلتُ بعده، وَكَذَلِكَ البيع وَغَيره. بَاب اسْتِحْباب تَخْفيفِ المَهْرِ 2303 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَارِي، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَة: كَمْ كَانَ صَدَاقُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قَالَ: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ وَقِيَّةٍ ".

زادَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَارِي فَتِلْكَ خَمْسُمائَةِ دِرْهَمٍ، هَذَا صَدَاقُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَزْوَاجِهِ، وَفِي رِوَايَتِهِ أُوِقِيَّة. هَذَا حَدِيث صَحِيح، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم، عَنْ عَبْد الْعَزِيزِ بْن مُحَمَّد وَالْأُوقِية: أَرْبَعُونَ درهما، والنش: عشرُون، قَالَ ابْن الأَعْرَابِيّ: النش: النّصْف من كل شَيْء، ونش الرَّغِيف: نصفه. ورُوي عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ وَاسْمُهُ هَرَمٌ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَلا لَا تُغَالُوا فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، وَتَقْوى عِنْدَ اللَّه، لَكَانَ أَوْلاكُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ، وَلا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرِ مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقيَّةً». قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: الْأُوقِيَّة: أَرْبَعُونَ درهما، فَيكون جملَته أَربع مائَة وَثَمَانِينَ درهما. وَرُوِيَ أَنَّ النَّجَاشِيَّ، زَوَّجَ أُمَّ حَبيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَدَاقِ أَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ شُرَحْبيلَ بْنِ حَسْنَةَ

باب من تزوج بلا مهر

بَاب مَنْ تَزَوَّجَ بِلا مَهْرٍ 2304 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأُمُّهَا بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَمَاتَ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا، فَابْتَغَتْ أُمُّهَا صَداقَهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ، وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نُمْسِكْهُ، وَلَمْ نَظْلِمْهَا، فَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ، فَجَعَلُوا بَيْنَهُمَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَضَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا، وَلَهَا الْمِيرَاثُ» قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: إِذا رضيت الْمَرْأَة الْبَالِغَة بِأَن تزوَّج بِلَا مهر فزوجت، فَلَا مهر بهَا بِالْعقدِ، وللمرأة مُطَالبَته بعد ذَلِكَ بِالْفَرْضِ، فَإِن فرض لَهَا شَيْئا، فَهُوَ كالمسمى فِي العقد، وَإِن دخل بهَا قبل الْفَرْض، فلهَا مهرُ مثل نسَاء عصبتها من أُخْتهَا، وعمتها، وبناتِ أَخِيهَا، وبناتِ عمِّها دون أمهَا، وخالاتها، لِأَن نسب أمهَا، وخالاتها لَا يرجع إِلَى نَسَبهَا.

وَإِن مَاتَ أَحدهمَا قبل الدُّخُول، فَاخْتلف أهل الْعلم فِي أَنَّهَا هَل تسْتَحقّ الْمهْر؟ فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا صدَاق لَهَا، وَلها الميراثُ، وَعَلَيْهَا الْعدة، وَهُوَ قَول عَليّ بْن أَبِي طَالب، وَزَيْد بْن ثَابِت، وَعَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، وَعَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن لَهَا مهرَ مثلهَا، لِأَن الْمَوْت كالدخول فِي تَقْرِير الْمُسَمّى، فَكَذَلِك فِي إِيجَاب مهر الْمثل إِذا لم يكن فِي العقد مُسَمّى، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَة، عَنِ ابْن مَسْعُود، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رجل تزوج امْرَأَة وَلم يفْرض لَهَا صَدَاقا، وَلم يدْخل بهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: لَهَا صداقُ نِسائها، لَا وَكَسَ وَلَا شططَ، وَعَلَيْهَا العِدَّة، وَلها الميراثُ، فَقَامَ مَعقِل بْن سِنَان الْأَشْجَعِيّ، فَقَالَ: قضى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَع بنت واشق امْرَأَة منا مثل مَا قضيتَ، ففرح بهَا ابْن مَسْعُود.

وَقَالَ الشَّافِعِيّ: فَإِن كَانَ يثُبت حَدِيث بروع بنت واشق، فَلَا حجَّة فِي قَول أحد دون النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ مرّة: عَنْ معقل بْن يَسَار، وَمرَّة عَنْ معقل بْن سِنَان، وَمرَّة عَنْ بعض أَشْجَع، وَإِن لم يثبت، فَلَا مهر لَهَا، وَلها الميراثُ، أما إِذا تزوج صَغِيرَة بِلَا مهر، فلهَا مهر مثلهَا بِنَفس العقد، لِأَن البخس بِحَقِّهَا لَا يجوز، وَقيل: لَا يصحُّ العقد. وَلَو نكح امْرَأَة، وسمى لَهَا صَدَاقا، فَاخْتلف أهل الْعلم فِي كَرَاهِيَة الدُّخُول عَلَيْهَا قبل أَن يُعْطي شَيْئا من الْمهْر، فكرههُ جمَاعَة، مِنْهُم: عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، وَعَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، وَإِلَيْهِ ذهب قَتَادَة، وَالزُّهْرِيّ، وَقَالَ مَالِك: لَا يدْخل حَتَّى يُقدِّم شَيْئا من صَدَاقهَا أدناه ربعُ دِينَار، أَو ثلاثةُ دَرَاهِم، سَوَاء كَانَ فرض لَهَا، أَو لم يفْرض. وَكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُول فِي الْقَدِيم: إِن لم يُسمِّ لَهَا مهْرا، كرهت أَن يَطَأهَا قبل أَن يُسمي أَو يعطيَها شَيْئا، وَقَول سُفْيَان الثَّوْرِيّ قريب من هَذَا. وَرخّص فِي ذَلِكَ جمَاعَة مِنْهُم: سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَهُوَ قَول أَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَلَو شَرط الْوَلِيّ لنَفسِهِ مَالا فِي عقد النِّكَاح، فَاخْتلف أهل الْعلم فِي لُزُومه، فَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ يفْسد بِهِ الْمُسَمّى، وَيجب للْمَرْأَة مهر الْمثل، وَلَا شَيْء للْوَلِيّ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن مَا شَرط الْوَلِيّ لنَفسِهِ يكون للْمَرْأَة كُله، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاء، وَطَاوُس، وَهُوَ قَول مَالِك، وَالثَّوْرِيّ.

باب الخلوة بالمنكوحة

وَقَالَ أَحْمَد: مَا شَرط الْأَب لنَفسِهِ يكون لَهُ دون سَائِر الْأَوْلِيَاء، لِأَن يَد الْأَب مبسوطة فِي مَال وَلَده، رُوِيَ عَنْ عَليّ بْن الْحُسَيْن، أَنَّهُ زوِّج ابْنَته، وَاشْترط لنَفسِهِ مَالا، وَعَن مَسْرُوق أَنَّهُ زوِّج ابْنَته، وَشرط لنَفسِهِ عشرَة آلَاف دِرْهَم يَجْعَلهَا فِي الْحَج وَالْمَسَاكِين. بَاب الخِلْوةِ بالْمَنْكُوحَةِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النِّسَاء: 21]، قيلَ: معناهُ: خلا، وَقيل: إِذا كانَ مَعهَا فِي لحافٍ واحدٍ. 2305 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ، فَيَخْلُو بِهَا، وَلا يَمَسُّهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا: " لَيْسَ لَهَا إِلا نِصْفُ الصَّدَاقِ، لأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ

وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [الْبَقَرَة: 237] " قَالَ الإِمَامُ: الْمُطلقَة بعد الْفَرْض قبل الْمَسِيس تسْتَحقّ نصف الْمَفْرُوض، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [الْبَقَرَة: 237]. فَإِن خلا بهَا وَلم يمسَّها، ثُمَّ طَلقهَا، فَاخْتلف أهل الْعلم فِيهِ، فَذهب جمَاعَة من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيرهم إِلَى أَنَّهُ لَا يجب لَهَا إِلا نصفُ الصَدَاق، لعدم الدُّخُول، وَهُوَ قولُ ابْن عَبَّاس، وَابْن مَسْعُود، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَقَالَ قوم: يجب لَهَا جَمِيع الْمهْر، يُروى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، قَالَ: إِذا أُرخيت الستور، فقد وَجب الصَدَاق، وَمثله عَنْ زَيْد بْن ثَابِت، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي. وَقَالُوا: إِذا كَانَ هُنَاكَ مَانع شَرْعِي بِأَن كَانَت الْمَرْأَة حَائِضًا، أَو نفسَاء، أَو أَحدهمَا صَائِم، أَو محرم، أَو بهَا رَتَق، أَو قَرن، فَلَا يتقررُ المهرُ، وَإِن كَانَ الزَّوْج مجبوبًا، أَو عنينًا يتقررُ، وَحمل بَعضهم قولَ عُمَر على وجوب تَسْلِيم الصَّداق إِلَيْهَا، لَا على التَّقْرِير، وَاخْتلف أهل الْعلم فِي أَن النّظر إِلَى الْفرج هَل يُوجب الصَدَاق؟، قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: إِذا نظر الرجل من امْرَأَته إِلَى مَا لَا يحلُّ لغيره، فقد وَجب الصَدَاق.

باب المتعة

بَاب الْمُتْعَةِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [الْبَقَرَة: 241]. 2306 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلا الَّتِي تُطَلَّقُ وَقَدْ فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ، وَلَمْ تُمَسَّ، فَحَسْبُهَا نِصْفُ مَا فُرِضَ لَهَا» قَالَ الإِمَامُ: اتّفق أهل الْعلم على أَن الْمُطلقَة قبل الْفَرْض والمسيس تستحِق الْمُتْعَة، وَأَن الْمُطلقَة بعد الْفَرْض قبل الْمَسِيس لَا مُتعة لَهَا، بل لَهَا نصفُ الْمَفْرُوض، وَاخْتلفُوا فِي الْمَدْخُول بهَا، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا مُتعة لَهَا، لِأَنَّهَا تستحِق الْمهْر، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهَا تستحِق الْمُتْعَة، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [الْبَقَرَة: 241]، وَهُوَ قَول عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، وَبِهِ قَالَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، لِأَن الْمهْر

الَّذِي تستحقه بِمُقَابلَة مَا أتلف عَلَيْهَا من مَنْفَعَة البُضع، فلهَا المُتعةُ على وَحْشَة الفِراق، فعلى القَوْل الأول لَا مُتعة إِلا لوَاحِدَة، وَهِي المطلقةُ قبل الْفَرْض والمسيس، وعَلى القَوْل الثَّانِي للكلِّ مُتْعَة إِلا لوَاحِدَة، وَهِي الْمُطلقَة بعد الْفَرْض قبل الْمَسِيس، فكلُّ مَوضِع أَوجَبْنَا الْمُتْعَة إِنَّمَا تجب بفرقة صدرت من جِهَته فِي الْحَيَاة، لَا لِمَعْنى فِيهَا، أَو من جِهَة أَجْنَبِي مثل أَن يُطلق، أَو يُخالع، أَو يُلاعن، أَو يُبدل الدِّين، أَو يرْتَفع النكاحُ برضاع أجنبيَّة، أما إِذا كَانَت الفرقةُ من جِهَتهَا بِأَن بدلت الدِّين، أَو أرضعت، أَو فسخت النِّكَاح بِعَيْب وجدت بِالزَّوْجِ، أَو هُوَ بِعَيْب فِيهَا، فَلَا مُتعة لَهَا، لِأَن الْفَسْخ وَإِن كَانَ من قبله فِي عيبها، فَهُوَ لِمَعْنى فِيهَا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: لم يذكر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُلَاعنَة مُتعة. وكل فُرقة لَا توجب الْمُتْعَة، فَإِن كَانَت تِلْكَ الفُرقة بعد الْفَرْض قبل الْمَسِيس، لَا يجب للْمَرْأَة نصفُ الْمهْر إِلا وَاحِدَة، وَهِي أَن الرجل إِذا اشْترى امْرَأَته بعد الْفَرْض قبل الْمَسِيس، يجب عَلَيْهِ نصفُ الْمهْر لبائعها، وَإِن كَانَ قبل الْفَرْض لَا مُتعة لَهَا، لِأَن الْمُتْعَة تجبُ بالفراق، والفراق فِي ملك المُشْتَرِي، فَلَو وَجَبت الْمُتْعَة، لَوَجَبَتْ لَهُ على نَفسه، وَأما فُرقة الْمَوْت، فَلَا توجب الْمُتْعَة، وَلَيْسَ للمتعة تَقْدِير. قَالَ الشَّافِعِيّ: وأستحسن بِقدر ثَلَاثِينَ درهما. ورُوي أَن عَبْد الرَّحْمَنِ طلَّق امْرَأَته، ومتَّعها بخادم سَوْدَاء حممها إِيَّاهَا، يَعْنِي: مَتعهَا بهَا، وَكَانَت العربُ تسميها التحميم

باب الوليمة

بَاب الوَلِيمَةِ 2307 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ سُقْتَ إلَيْهَا؟». قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ قَوْله: كم سُقتَ إِلَيْهَا، أَي: مَا أمهرتها، وَقيل للمهر: سوق، لِأَن الْعَرَب كَانَت أَمْوَالهم الْمَوَاشِي، فَكَانَ الرجل إِذا تزوج، سَاق إِلَيْهَا الْإِبِل والشَّاء مهْرا لَهَا.

2308 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، قَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ 2309 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، وَهُشَيْمٌ كُلُّهُمْ، عَنْ حُمَيْدٍ،

عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَضَرًا مِنَ الأَلْوَانِ، فَقَالَ: «مَهْيَمْ؟»، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قَوْله: وضرًا، أَي: لطخًا من طيبٍ لَهُ لونٌ، وَيكون الوضر من الصُّفْرَة، والحمرة وَالطّيب، ويقَالَ: وضرَ الْإِنَاء يوضَر: إِذا اتسخ، وَقَوله: مَهيم، أَي: مَا أَمُرك وَمَا شأنُك، وَمَا هَذَا الَّذِي أرى بك، كلمة يَمَانِية، وَقد رُوي أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْن عَوْف وَعَلَيْهِ رَدْعُ زعفران، أَي: أثر لَونه، وَلم يُنكر عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: يُشبه أَن يكون ذَلِكَ شَيْئا يَسِيرا، فَرخص لَهُ فِيهِ لقلته، قَالَ الإِمَامُ: وَقد رخص فِيهِ بَعضهم للمتزوج. وَقَوله: على وزن نواة من ذهب. قَالَ الشَّافِعِيّ: هِيَ ربع النَّش، والنش: نصف الْأُوقِيَّة، قَالَ أَحْمَد: هِيَ وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم وَثلث، وَقَالَ إِسْحَاق، هِيَ وزن خَمْسَة دَرَاهِم من ذهب، وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيّ، فَهِيَ اسْم مَعْرُوف لمقدار مَعْلُوم، فَهِيَ كالأوقية اسمٌ لأربعين درهما، والنش لعشرين درهما، وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ كَانَ تزوَّجها على قدر نواة من ذهب قيمتهَا خَمْسَة دَرَاهِم، وَلَيْسَ بِصَحِيح.

وَقَوله: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ» دَلِيل على اسْتِحْبَاب الدُّعَاء للمتزوج، ورُوي عَنْ سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِيه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رفَّأَ الإنْسانَ إذَا تَزَوَّجَ، قَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَك، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ»، قَوْله: رفَّأ. يُرِيد هنأه، ودعا لَهُ، وَمَعْنَاهُ الْمُوَافقَة، وَمِنْه رفو الثَّوْب، وَكَانَ من عاداتهم أَن يَقُولُوا لَهُ: بالرَّفاء والبنين، وَقد ورد النَّهْي عَنْ هَذِه اللَّفْظَة. وَفِي الْحَدِيث أَمر بالوليمة، وَهِي طَعَام الإملاك، وَظَاهر الحَدِيث يدل على وُجُوبهَا، وَالْأَكْثَرُونَ على أَن ذَلِكَ سنة مُسْتَحبَّة، وَالتَّقْدِير بِالشَّاة لمن أطاقها، وَلَيْسَ عَليّ الحتم، فقد صَحَّ عَنْ صَفِيَّة بنت شَيْبَة، قَالَت: «أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ». وَعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ

اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ». ورُوي عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى صَفَيَّةَ بِسويقٍ، وَتَمْرٍ». 2310 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، قَالَ: فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ، وَلا لَحْمٍ، أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ. قَالُوا: إِنْ هُوَ حَجَبَهَا، فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُسَلِمِينَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، هُوَ أَخُو إِسْمَاعِيلَ

2311 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أَوْلَمَ بِشَاةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَيُرْوَى: أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا، وَلَحْمًا، حَتَّى تَرَكُوهُ 2312 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ابْتَنَى بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَأَشْبَعَ الْمُسْلِمِينَ خُبْزًا وَلَحْمًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ والوليمة غير وَاجِبَة بل هِيَ سنة، ويسُتحب للمرء إِذا أحدث اللَّه لَهُ

باب الإجابة إلى الوليمة إذا دعي إليها

نعْمَة أَن يُحدث لَهُ شكرا، وَمثله الْعَقِيقَة، والدعوة على الْخِتَان، وَعند الْقدوم من الْغَيْبَة، كلهَا سنَن مُسْتَحبَّة، شكرا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على مَا أحدث لَهُ من النِّعْمَة، وآكدُها اسْتِحْبَابا وَلِيمَة الْعرس، والإعذار، والخُرس، الْإِعْذَار: دَعْوَة الْخِتَان، والخُرْسِ: دَعْوَة السَّلامَة من الطلْق بَاب الإجَابَةِ إِلَى الوَليمةِ إذَا دُعِيَ إلَيْهَا 2313 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دُعيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ الإِمَامُ: اخْتلف أهل الْعلم فِي وجوب الْإِجَابَة إِلَى وَلِيمَة النِّكَاح،

فَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهَا مُسْتَحبَّة، وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَة، يَحرجُ إِذا تخلف عَنْهَا بِغَيْر عذر، لما. 2314 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إلَيْهَا الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَكَذَا وَرَوَى زِيَادُ بْنُ

سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الأَعْرَجَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «شَرُّ الطَّعامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ». قَالَ الإِمَامُ: هَذَا التَّشْدِيد فِي الْإِجَابَة والحضور، أما الْأكل فَغير وَاجِب، بل يسْتَحبّ إِن لم يكن صَائِما لما. 2315 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الذِّرقِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الشِّيرَازِيُّ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَضِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَطِيرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، نَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ 2316 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الفَرَّاءِ، قَالَ: عَمِلْتُ طَعَامًا، فَدَعَوْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، فَجَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ

رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ، فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا، فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا، فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ». قَالَ الإِمَامُ: هَذَا حَدِيث مُرسل، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» قَالَ الإِمَامُ: من كَانَ لَهُ عُذر، أَو كَانَ الطريقُ بَعيدا تلْحقهُ الْمَشَقَّة، فَلَا بَأْس أَن يتَخَلَّف، رُوي عَنْ عَطَاء، قَالَ: دُعي ابْن عَبَّاس إِلَى طَعَام وَهُوَ يُعالج أَمر السِّقاية، فَقَالَ للْقَوْم: أجِيبُوا أَخَاكُم، واقرئُوا عَلَيْهِ السَّلامُ، وَأَخْبرُوهُ أَنِّي مَشْغُول. قَالَ الإِمَامُ: أما الْإِجَابَة إِلَى غير وَلِيمَة النِّكَاح فمستحبة غير وَاجِبَة، لقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ». 2317 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ

بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ، وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهُوَ صَائِمٌ 2318 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ،

عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَلِيمَةِ: «أَوَّلُ يَوْمٍ حَقٌّ، وَالثَّانِي مَعْرُوفٌ، وَالثَّالِثُ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ». هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مُرْسَلا، ويُرْوَى مُتَّصِلا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ حَقٌّ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ» وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: " دُعِيَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَوَّلَ يَوْمٍ فَأَجَابَ، وَالْيَوْمَ الثَّانِي فَأَجَابَ، وَدُعِيَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، فَحَصَبَهُمْ بِالْبَطْحَاءِ، وَقَالَ: اذْهَبُوا أَهْلَ رِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ ". ورُوي عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس: أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ طَعَامِ

باب من دعا رجلا فجاء معه آخر

المُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ». وَالصَّحِيح أَنَّهُ عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرسل. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: والمتباريان: هما المتعارضان بفعليهما ليرى أَيهمَا يغلب صَاحبه، وَإِنَّمَا كره ذَلِكَ لما فِيهِ من المباهاة والرياء، وَقد دُعي بعض الْعلمَاء، فَلم يُجِبْ، فَقيل لَهُ: إِن السّلف كَانُوا يدعونَ فيجيبون، فَقَالَ: كَانُوا يدعونَ للمؤاخاة والمواساة، وَأَنْتُم الْيَوْم تدعون للمباهاة والمكافأة. قَالَ الإِمَامُ: وَرُوِيَ أَن عُمَر، وَعُثْمَان، دعيا إِلَى طَعَام، فأجابا، فَلَمَّا خرجا، قَالَ عُمَر لعُثْمَان: " لقد شهِدت طَعَاما وددتُ أَنِّي لم أشهده، قَالَ: وَمَا ذَلِكَ، قَالَ: خشيتُ أَن يكون جُعِلَ مباهاة ". بَاب مَنْ دَعَا رَجلا فَجَاءَ مَعَهُ آخَرُ 2320 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الأَصْفَهَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ فِينَا رَجُلٌ نَازِلٌ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلامٌ لَحَّامٌ، فَقَالَ لِغُلامِهِ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا لَعَلِّي أَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ: «إِنَّكَ دَعَوْتَنِي خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَإِنَّ هَذَا تَبِعَنِي، فَإِنْ أَذِنْتَ لَهُ وَإِلا رَجَعَ؟»، قَالَ: لَا، بَلْ آذَنُ لَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ الإِمَامُ: وَفِيه دَلِيل على أَنَّهُ لَا يحل طعامُ الضِّيَافَة لمن لم يُدعَ إِلَيْهَا، وَقد رُوِيَ أَن سلمَان دَعَا رجلا إِلَى طَعَامه، فجَاء مِسْكين فَأخذ كِسرة فَنَاوَلَهُ، فَقَالَ سلمَان: إِنَّمَا دعوناك لتأكل، فَمَا رغبتُك أَن يكون الأجرُ لغيرك، والوِزْرُ عَلَيْك. وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الرجل إِذا قُدِّمَ إِلَيْهِ طعامٌ، وَخُلِّيَ بَينه وَبَينه، فَإِنَّهُ يتخيرُ، إِن شَاءَ أكل، وَإِن شَاءَ أطْعم غَيره، وَإِن شَاءَ حمله إِلَى منزله، فَأَما إِذا أَجْلِس على مائدة، كَانَ لَهُ أَن يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ،

باب الرجوع إذا رأى منكرا

وَلَا يحمل مِنْهَا شَيْئا، وَلَا يُطعِم مِنْهَا غَيره. وَقد اسْتحْسنَ بعض أهل الْعلم أَن يُناول أهلُ الْمَائِدَة الْوَاحِدَة بَعضهم بَعْضًا شَيْئا، فَإِن كَانُوا على مائدتين لم يجز. وَذهب بعض أهل الْعلم إِلَى أَن من قدم طَعَاما إِلَى رجل ليأكله، فَإِنَّهُ لَا يجْرِي مجْرى التَّمْلِيك، وَأَن لَهُ أَن يحول بَينه وَبَينه إِذا شَاءَ. بَاب الرُّجُوعِ إذَا رَأَى مُنْكَرًا 2321 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أنَّهَا اشْتَرَتْ نِمْرِقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ،

فَمَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا بَالُ هَذِهِ النِّمْرِقَةِ؟»، قَالَتِ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ تَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدُهَا، فَقَالَ: " إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ". ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلائِكَةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيل على أَن من دُعى إِلَى وَلِيمَة فِيهَا شَيْء من الْمَنَاكِير، أَو الملاهي، فَإِن الْوَاجِب أَن لَا يُجيب إِلا أَن يكون مِمَّن لَو حضر تُترك وترفع بِحُضُورِهِ، أَو بنهيه. وَرُوِيَ عَنْ سفينة أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ، أَن رجلا ضاف عَليّ بْن أَبِي طَالب، فَصنعَ لَهُ طَعَاما، فَقَالَت فَاطِمَة: لَوْ دَعَوْنا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكَلَ مَعَنَا، فَدَعَوه، فجَاء فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عِضَادَتي الْبَاب، فَرَأَى القِرَامَ قَدْ ضُرِبَ بِهِ فِي نَاحيَة البَيْتِ، فَرَجَعَ، قَالَت فَاطِمَة: فَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ:

يَا رَسُول، اللَّه مَا رَدَّكَ؟، قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ لي، أَوْ لِنَبِيٍّ أَن يَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقًا». ورُوي عَنْ عَائِشَة، قَالَت: أخذتُ نمطًا، فسترتُه على الْبَاب، فَجَذَبَهُ يَعْنِي: رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى هتكه أَو قطعه، وَقَالَ: «إِنَّ اللَّه لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الحِجَارةَ والطِّينَ». وَرُوِيَ أَنا أَبَا مَسْعُود رأى صُورَة فِي الْبَيْت، فَرجع ودعا ابْن عُمَر أَبَا أَيُّوب، فَرَأى فِي الْبَيْت سترا على الْجِدَار، فَقَالَ: أتسترون الْجدر؟ فَقَالَ ابْن عُمَر: غلبنا عَلَيْهِ النِّسَاء، فَقَالَ: من كنتُ أخْشَى عَلَيْهِ، فَلم أكن أخْشَى عَلَيْك، وَالله لَا أطعَمُ لكم طَعَاما فَرجع.

باب القسم بين الضرائر

قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على كَرَاهِيَة الْقعُود على الصُّور، وَرخّص بعض أهل الْعلم فِيمَا كَانَ مِنْهَا من الأنماط الَّتِي تُوطأ وتُداس بالأرجل. ورُوي أَنا أَبَا ذَر دُعي لوليمة، فَلَمَّا حضر، إِذا هُوَ بِصَوْت، فَرجع، فَقيل لَهُ: أَلا تدخل، فَقَالَ: أسمع فِيهَا صَوتا، وَمن كثر سوادًا كَانَ من أَهله، وَمن رَضِي عملا، كَانَ شريكَ من عمله. قَالَ الإِمَامُ: وَكَذَلِكَ إِذا دعَاك من أَكثر مَاله من حرَام، أَو من لَا تأمن أَن يلحقك فِي إجَابَته ضَرَر فِي دين أَو دنيا، فَلَا عَلَيْك الْإِجَابَة. بَاب القَسْمِ بَيْنَ الضَّرَائِرِ 2322 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قُبِضَ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ، وَكَانَ يَقْسِمُ مِنْهُنَّ لِثَمَانٍ».

هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مُوسَى، عَنْ هِشَام بْن يُوسُف، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ الإِمَامُ: إِذا كَانَ عِنْد الرجل أَكثر من امْرَأَة وَاحِدَة، يجب عَلَيْهِ التسويةُ بَينهُنَّ فِي الْقسم إِن كُنَّ حرائر، سَوَاء كُنَّ مسلمات أَو كتابيات، فَإِن كَانَ تَحْتَهُ حرةٌ وَأمة، فيقسِمُ للْحرَّة لَيْلَتَيْنِ، وللأمة لَيْلَة وَاحِدَة، فَإِن ترك التَّسْوِيَة بَينهُنَّ فِي فعل الْقسم، عصى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلِيهِ الْقَضَاء للمظلومة. ورُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مائلٌ»، وَفِي إِسْنَاده نظر، وَأَرَادَ بهَذَا الْميل الميلَ بِالْفِعْلِ، وَلَا يُؤاخذ بميل الْقلب إِذا سوَّى بَينهُنَّ فِي فعل الْقسم، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النِّسَاء: 129]، مَعْنَاهُ: لن تَسْتَطيعُوا أَن تعدلوا بِمَا فِي الْقُلُوب، فَلَا تميلوا كلَّ الْميل، أَي: لَا تُتبعوا أهواءكم أفعالكم.

ورُوي عَنْ أَبِي قِلابَة أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقسم بَين نِسَائِهِ فيعدل، وَيَقُول: «اللَّهُمَّ هَذِه قِسْمَتي فِيمَا أمِلكُ، فَلَا تَلُمْني فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ». هَكَذَا روى حَمَّاد بْن زَيْد، وغيرُ وَاحِد من الْحَدِيث، عَنْ أَيُّوب، عَنْ أَبِي قِلابَة مُرْسلا، وَهُوَ الْأَصَح، وَرَوَاهُ حَمَّاد بْن سَلمَة، عَنْ أَيُّوب، عَنْ أَبِي قِلابَة، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد، عَنْ عَائِشَة مُتَّصِلا. وَقَوله: «فَلا تَلُمني فِيمَا لَا أَمْلِكُ» أَرَادَ بِهِ الحبَّ، وميل الْقلب. وَفِيه دَلِيل على أَن الْقسم بَينهُنَّ كَانَ فرضا على الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ على غَيره، حَتَّى كَانَ يُراعي التَّسْوِيَة بَينهُنَّ فِي مَرضه مَعَ مَا يلْحقهُ من الْمَشَقَّة، قَالَت عَائِشَة: «إِن رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ أَيْنَ أَنَا غَدًا، أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ يُريد يَوْمَ عَائِشَة، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حيُثُ شاءَ، فكانَ فِي بيتِ عَائِشَة حتَّى مَاتَ عِنْدَهَا». 2323 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب هبة المرأة نوبتها لضرتها

قَالَ الإِمَامُ: احْتج بعضُ أهل الْعلم بهَذَا الْحَدِيث على أَن الْقسم بَينهُنَّ لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ، وتأولوا قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الْأَحْزَاب: 51]، وَقَالَ بَعضهم: كَانَ هَذَا قبل أَن يُسن الْقسم، وَإِن كَانَ بعده، فَلم يكن عَلَيْهِ أَكثر من التَّسْوِيَة بَينهُنَّ، وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِكَ بِإِذْنِهَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ للزَّوْج أَن يبيت فِي نوبَة وَاحِدَة عِنْد الْأُخْرَى من غير ضَرُورَة، وَلَا أَن يجمع بَين اثْنَتَيْنِ فِي لَيْلَة وَاحِدَة من غير إذنِهنَّ. بَاب هِبَةِ المَرْأَةِ نَوْبَتَهَا لِضَرَّتِها 2324 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا زُهَيْرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ زُهَيْرٍ قَالَ الإِمَامُ: إِذا وهبت بعضهنَّ نوبتها، فَلَا يلْزم فِي حق الزَّوْج،

باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرا

بل لَهُ أَن يدْخل على الواهبة، وَلَا يرضى بغَيْرهَا عَنْهَا، فَإِن رَضِي الزَّوْج، فَجَائِز، ثُمَّ إِن وهبت نوبتها لوَاحِدَة بِعَينهَا، فَيكون الزَّوْج عِنْد الْمَوْهُوبَة لَهَا نوبتين: نوبتها، ونوبة الواهبة، ورضى الْمَوْهُوبَة غير شَرط، وَإِن تركت حَقّهَا من الْقسم من غير أَن خصَّت وَاحِدَة من ضرائرها بنوبتها، فيسوي الزوجُ بَين ضرائرها، وَيخرج الواهبة من الْقسم، وللواهبة أَن ترجع عَنِ الْهِبَة مَتى شَاءَت. بَاب القرْعَةِ بَيْنَ النَّسَاء إِذا أرَادَ سَفَرًا 2325 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، قَالَ: نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ

باب تخصيص الجديدة بسبع ليال إن كانت بكرا وثلاث إن كانت ثيبا

قَالَ الإِمَامُ: إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُسَافِرَ سَفَرَ حَاجَةٍ، وَيَحْمِلُ بَعْضَ نِسَائِهِ مَعَ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِلا أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، ثُمَّ إِذا حمل مَعَ نَفسه وَاحِدَة بالقُرعة لَا يجب عَلَيْهِ أَن يقْضِي للباقيات مُدَّة سَفَره، وَإِن طَالَتْ، وَلَا مُدَّة مكثه فِي بلد، إِذا لم يزدْ على مقَام الْمُسَافِرين، فَإِن زَاد مُكثه فِي مَوضِع على مُدَّة الْمُسَافِرين، فَعَلَيهِ قَضَاء مَا زَاد للباقيات، هَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم، وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ يقْضِي للبواقي مُدَّة غيبته بِكُل حَال، وَالْأول قَول عَامَّة أهل الْعلم، وَهُوَ الْأَصَح، لِأَن المسافرة وَإِن حظيت بِصُحْبَة الزَّوْج، فقد تعبت بِمَشَقَّة السّفر، والتسوية بَينهَا وَبَين من هِيَ فِي رَاحَة الْإِقَامَة والسكون عدولٌ عَنِ الْإِنْصَاف. وَلَو خرج بِوَاحِدَة من غير قرعَة، فَعَلَيهِ الْقَضَاء للبواقي، وَهُوَ بهَذَا الْفِعْل عَاص، وَإِذا أَرَادَ سفر نقلة، فَلَيْسَ لَهُ تخصيصُ بعضهنَّ لَا بِالْقُرْعَةِ وَلَا بغَيْرهَا، بل إِمَّا أَن يحملهنَّ جَمِيعًا، أَو يتركهنَّ جَمِيعًا، فَإِن خصَّ بعضهنَّ، عصى، وَعَلِيهِ الْقَضَاء للمخلَّفات، فَإِذا حمل مَعَ نَفسه بالقُرعة اثْنَتَيْنِ إِلَى السّفر، فَعَلَيهِ التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي السّفر، وعمادُ الْقسم فِي حق الْمُقِيم اللَّيْل، وَالنَّهَار تبع لَهُ، فَإِن كَانَ الرجل مِمَّن يعْمل بِاللَّيْلِ، فعماد الْقسم فِي حَقه النَّهَار، وَاللَّيْل تبع لَهُ، وَفِي حق الْمُسَافِر مَا دَامَ سائرًا، فَمن وَقت الْحُلُول إِلَى الارتحال قل أم كثر، لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا بَاب تَخْصِيصِ الجَديدَة بِسَبْعِ لَيَالٍ إِن كانَتْ بِكْرًا وَثَلَاث إِن كانَتْ ثَيِّبًا 2326 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، نَا أَبُو

أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، نَا أَيُّوبُ، وَخَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا، ثُمَّ قَسَمَ». قَالَ أَبُو قِلابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ 2327 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ، وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ، قَالَ لَها: «لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ، وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ، وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ». فَقَالَتْ: ثَلِّثْ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي بَكْر بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم، قَالُوا: إِذا تزَّوج الرجل جَدِيدَة على قديمَة يخص هَذِه الجديدة إِن كَانَت بكرا بِسبع لَيَال يبيت عِنْدهَا على التوالي، ثُمَّ يُسوي بعد ذَلِكَ بَينهمَا فِي الْقسم، وَإِن كَانَت الجديدة ثَيِّبًا يبيت عِنْدهَا ثلاثَ ليالٍ، ثُمَّ يُسوي، وخُصَّت البِكْرُ بِالزِّيَادَةِ، لِأَنَّهَا ذاتُ خَفَرٍ وحياء، فاحتيج فِيهَا إِلَى فضل إمهال ليصل الزَّوْج إِلَى الأرب مِنْهَا، والثَّيِّب قد جربت الرِّجَال، فَلم يحْتَج مَعهَا إِلَى ذَلِكَ خلا أَنَّهَا لما استحدثت الصُّحْبَة، أكرمت بِزِيَادَة وصلَة، فَإِن اخْتَارَتْ الثّيّب أَن يبيت عِنْدهَا سبعا يجوز، ثُمَّ عَلَيْهِ قَضَاء جَمِيع السَّبع للقديمة، فَحق الثّيّب فِي ثَلَاث لَيَال بِلَا قَضَاء، أَو فِي سبع بِشَرْط الْقَضَاء وَهُوَ قَول الشَّعْبِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ يقْضِي الْكل للقديمة، وَهُوَ قَول الحكم وَحَمَّاد، وَأَصْحَاب الرَّأْي،

باب حق الزوج على المرأة وحقها عليه

وَقَالَ بعض أهل الْعلم: للبكر ثلاثُ ليالٍ، وللثيب ليلتان. وَهُوَ قَول الأَوْزَاعِيّ. بَاب حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى المرأَةِ وَحَقِّها عَلَيْهِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [الْبَقَرَة: 228] وَقَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} [النِّسَاء: 34]، أَيْ: قَيِّماتٌ بحقوقِ أَزْوَاجِهنَّ، والقُنُوتُ: القيامُ، والقُنُوتُ: الدُّعاء، وقيلَ: قَانِتَاتٌ، أَي: مُصَلِّياتٌ، وَمِنْهُ قولُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9]. 2328 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ، لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ 2329 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ خَرَجَ فِي غَزَاةٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، ثُمَّ رَجَعَ، فَرَأَى رِجَالا يَسْجُدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ، لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا»

ورُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، فِي خُطْبَةِ حِجَةِ الْوَدَاعِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ، فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ». قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز ضرب النِّسَاء على مَا أتين بِهِ من الْفَوَاحِش، وتركن من الْفَرَائِض، وَكَذَلِكَ إِذا خرجت بِغَيْر إِذْنه من بَيته، أَو أدخلت بَيته غير ذِي مَحرم لَهَا، أَو خانته خِيَانَة ظَاهِرَة، فَلهُ تأديبُها بِالضَّرْبِ، لِأَنَّهُ قيِّم عَلَيْهَا، وَمَسْئُول عَنْهَا، رُوي أَن معَاذًا رأى امْرَأَته تنظر من كُوة فِي خِباء فضربها. 2330 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَيْرَبَنْدِ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السّجزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ،

نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، نَا أَبُو قَزْعَةَ سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَاهِلِيِّ الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلا تَضْرِبَ الْوَجْهَ، وَلا تُقَبِّحْ، وَلا تَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ» قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: فِي هَذَا إِيجَاب النَّفَقَة وَالْكِسْوَة لَهَا، وَهُوَ على قدر وُسع الزَّوْج، وَإِذا جعله النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًا لَهَا، فَهُوَ لَازم حضر أَو غَابَ، فَإِن لم يجد فِي وقته، كَانَ دينا عَلَيْهِ كَسَائِر الْحُقُوق الْوَاجِبَة، سَوَاء فرض لَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ أَيَّام غيبته، أَو لم يفْرض. وَفِي قَوْله: «وَلَا يضْرب الْوَجْه» دلَالَة على جَوَاز ضربهَا على غير الْوَجْه، وَقد نهى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضرب الْوَجْه نهيا عَاما، لَا يضرِبُ آدَمِيًّا وَلَا بَهِيمَة على الْوَجْه. وَقَوله: «لَا تُقبِّح» مَعْنَاهُ: لَا يُسْمِعُها الْمَكْرُوه، وَلَا يشتمُها بِأَن يَقُول: قبحك اللَّه، وَمَا أشبهه من الْكَلَام. وَقَوله: «وَلَا تهجر إِلا فِي الْبَيْت» أَي: لَا يهجرها إِلا فِي المضجع، وَلَا يتحوَّل عَنْهَا، أَو يحوِّلها إِلَى دَار أُخْرَى.

باب

بَاب 2331 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكمِ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، أَنَّهَا حَدَّثَتْ أَنَّ امْرَأةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَتَشَبَّعَ مِنْ زَوْجِي بِمَا لَمْ يُعْطِنِي؟ فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المُتَشَبِّعَ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدَةَ، كُلٌّ عَنْ هِشَامٍ والجارة: الضَّرة، وَالْعرب تسمي امْرَأَة الرجل جارته، وَتَدْعُو الضَّرتين جارتين، والمتشبِّع: المتكثر بِأَكْثَرَ مِمَّا عِنْده يتصلف بِهِ وَهُوَ الرجل يُري أَنَّهُ شبعان، وَلَيْسَ كَذَلِك «كلابِسِ ثَوْبِي زُورٍ»، قَالَ أَبُو عُبَيْد: هُوَ الْمرَائِي يلبس ثِيَاب الزُّهاد يُري أَنَّهُ زاهد، قَالَ غَيره: هُوَ أَن يلبس قَمِيصًا يصل بكُمَّيه كُمَّين آخَرين، يُري أَنَّهُ لابس قميصين،

باب المداراة مع النساء

فَكَأَنَّهُ يسخر من نَفسه، ويُروى عَنْ بَعضهم أَنَّهُ كَانَ يكونُ فِي الْحَيّ الرجلُ لَهُ هَيْئَة ونُبل، فَإِذا احْتِيجَ إِلَى شَهَادَة زور، شهد بهَا، فَلَا تُرد من أجل نبله وَحسن ثوبيه، وَقيل: أَرَادَ بِالثَّوْبِ نَفسه، فَهُوَ كِنَايَة عَنْ حَاله ومذهبه، وَالْعرب تُكني بِالثَّوْبِ عَنْ حَال لابسه، تَقول: فلَان نقيُّ الثِّيَاب. إِذا كَانَ بَرِيئًا من الدنس، وَفُلَان دَنِسُ الثِّيَاب، إِذا كَانَ بِخِلَافِهِ، وَمَعْنَاهُ: المتشبِّع بِمَا لم يُعط بِمَنْزِلَة الْكَاذِب الْقَائِل مَا لم يكن. بَاب المُدَارَاةِ مَعَ النَّسَاء 2332 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، نَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلا يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي

شَيْبَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الجُعْفِيِّ، وَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا، فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ». مِثْلَ مَعْنَاهُ 2333 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، بِهَا، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، أَنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْتَقيمُ لَكَ الْمَرْأَةُ عَلَى خَلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، إنَّمَا هِيَ كَالضِّلْعِ، إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُقِيمَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا تستمتع بِهَا وَفِيهَا أَوَدٌ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. قَالَ الإِمَامُ: الأوَدُ: العِوَجُ 2334 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنَّا نَتَّقِي الْكَلامَ وَالانْبِسَاطَ إِلَى

نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا شَيْءٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمْنَا، وَانْبَسَطْنَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْن 2335 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ، وَلَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَوْله: «لم يخنز اللَّحْم». أَي: لم يُنتن، يُقَالُ: خَنِزَ يخنَزُ، وخزِنَ يخزَنُ، وَخَزَنَ يخزُنُ: إِذا أَنتن.

باب حسن العشرة معهن

بَاب حُسْنِ العِشْرَةِ مَعَهُنَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 19]. 2336 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَلْعَبُ بِاللُّعَبِ، فَيَأْتِينِي صَوَاحِبِي، فَإِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَرْنَ مِنْهُ، فَيَأْخُذُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَرُدُّهُنَّ إِلَيَّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2337 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أنَّهَا قَالَتْ: " كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَأْتِينِي صَوَاحِبِي، قَالَتْ: فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَسٌ: يَنْقَمِعْنَ: يَفْرِرْنَ، قَالَت: فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ، فَيَلْعَبْنَ مَعِي ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. قَوْلُهُ: يَنْقَمِعْنَ، أَيْ: يَتَغَيَّبْنَ، وَالانْقِمَاعُ لِلدُّخُولِ فِي بَيْتٍ أَوْ سِتْرٍ 2338 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى»، قَالَتْ: فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فقَالَ: " أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً،

فَإِنَّكَ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ". قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أهْجُرُ إِلا اسْمَكَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ 2339 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، نَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ،

نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالت: «وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِالْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللَّهِ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لأَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَام بْن يُوسُف، عَنْ مَعْمَر، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَوْله: «فاقْدُرُوا». من قَوْلهم: قدَرْتُ الْأَمر كَذَا، أقدُرُ، وأقدِرُ: إِذا نظرت فِيهِ ودبَّرته. 2340 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالا: أَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَأَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو

الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرأَةً تَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجهِنَّ شَيْئًا، قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَا سَهْلٍ، فَيُرْتَقَى، وَلا سمينٍ فَيُنْتَقَلَ. قَالَت الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ، أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجْرَهُ. وَقالت الثَّالِثةُ: زَوْجِي العَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ، أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ، أُعَلَّقْ. قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لَا حَرَّ وَلا قُرَّ، وَلا مَخَافَةَ وَلا سَآمَةَ. قَالَتِ الخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ.

قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ، أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ، أَوْ جَمَعَ كُلا لَكِ. قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ. قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمُبَارِكِ، قَلِيلاتُ الْمَسَارِحِ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ، أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ. قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أبُو زَرْعٍ أنَاس مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَني فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ وَمُنِقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلا أُقَبَّحُ، وَأرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وأَشْرَبُ فأَتَقَنَّحُ. أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فُسَاحٌ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ،

بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَما جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثيثًا، وَلا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقيثَا، وَلا تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَني وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ، وَمِيرِي أَهْلَكِ. قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنيةِ أَبِي زَرْعٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عِيسَى: «وَأَشْرَبُ فَأَتَقَمَّحُ» بِالْمِيمِ قَول الأولى: «زَوْجي لحمُ جَمَلٍ غَثٍّ»، أَي: مهزول. على رَأس جبل: تصفُ قلَّة خَيره، وبُعده مَعَ القِلة كالشيء فِي قُلَّةِ

الْجَبَل الصَّعب لَا يُنال إِلا بالمشقة، فَكَذَلِك هَذَا لَا يُوصل إِلَى خَيره إِلا بِمَوْتِهِ، لبخله، وَقَوْلها: «وَلَا سمينٌ فَيُنْتَقَلَ». أَي: يَنْقُلهُ النَّاس إِلَى مَنَازِلهمْ للْأَكْل، ويُروى «فَيُنْتَقَى» أَي: لَا نقي لَهُ فيستخرج، يقَالَ: نقوت الْعظم ونقيتُه وانتقيتُه: إِذا استخرجتَ النقي مِنْهُ، وَهُوَ المخ، تَقول: لَيْسَ فِيهِ نفع تتحمل سوء عشرته لذَلِك، تَشْكُو سوء خلقه، وَقلة خَيره. ويُروى: «زَوْجي لحمُ جَمَلٍ غَثٍّ على جَبَلٍ وَعْرٍ»، أَي: غليظ حزْن يصعُب الصعُود إِلَيْهِ، ويُروى: «لحمُ جَمَلٍ غَثٍّ على رأسِ قَوْزِ وَعْثٍ». والقوز: العالي من الرمل كَأَنَّهُ جبل، فالصعود فِيهِ شاق، وَجمعه أقواز وقيزان، والوعث: الرمل الرَّقِيق يشْتَد على صَاحبه المشيُ فِيهِ. وَقَول الثَّانِيَة: «لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ»، أَي: لَا أنشره لقبح آثاره، «إِنِّي أَخَاف أَنْ لَا أَذَرَهُ». أَي: لَا أبلغ صفته من طولهَا، وَقيل: لَا أقدر على فِرَاقه للأولاد، والأسباب الَّتِي بيني وَبَينه، «إِن أذكُر أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ» أَي: عيوبه، قَالَ عَليّ بْن أَبِي طَالب: «أَشْكُو إِلَى اللَّه عُجَري وبُجَري». أَي: همومي وأحزاني، وأصل العجرة الشَّيْء يجْتَمع فِي الْجَسَد كالسلعة، والبُجرة نَحْوهَا، يقَالَ: أفضيت إِلَيْهِ بعجري وبُجري، أَي: أطلعته على أسراري، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: العُجرُ فِي الظّهْر، والبُجرُ فِي الْبَطن. قَالَ أَبُو عُبَيْد: العُجر: أَن يتعقَّد العصب أَو الْعُرُوق حَتَّى ترَاهَا ناتئة من الْجَسَد، والبُجر نَحْوهَا، إِلا أَنَّهَا فِي

الْبَطن خَاصَّة، واحدتها بُجرةٌ، وَمِنْه قيل: رجل أبجر: إِذا كَانَ عَظِيم الْبَطن. وَقَول الثَّالِثَة: «زَوْجي العَشَنَّقُ»، أَي: الطَّوِيل، تُرِيدُ أَنَّهُ منظر لَا خير فِيهِ، إِن ذكرت مَا فِيهِ طَلقنِي، وَإِن سكت تركني معلقَة، لَا أيِّما وَلَا ذاتَ بعل، فهَذَا معنى قَوْلهَا: «وَإِن أسكت أَعَلَّقُ» من قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النِّسَاء: 129]. وَقَول الرَّابِعَة: «زَوجي كَليلِ تهَامَةَ لَا حَرَّ وَلَا قُرَّ»، فالقُر: الْبرد. تُرِيدُ حسن خلقه، وسهولة أُمُوره، أَي: لَا ذُو حر، وَلَا ذُو قر، لِأَن فِي كلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَذَى، وَلَيْسَ عِنْده أَذَى وَلَا مَكْرُوه. «وَلَا مَخَافَةَ»، أَي: لَا أَخَاف شَره، «وَلَا سآمَةَ»، أَي: لَا يسأمني، فيمل صحبتي. وَقَول الْخَامِسَة: «زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ»، أَي: نَام وغَفِلَ عَنْ معايب الْبَيْت الَّتِي يلْزَمنِي إصلاحها، والفهد كثير النّوم، يُقَالُ: أنومُ من فَهد، تصفه بِالْكَرمِ، وَحسن الْخلق. وَقَوْلها: «إِنْ خَرَجَ أَسِدَ»، تَقول: إِذا خرج إِلَى لِقَاء الْعَدو، خافه كل شُجَاع، وَكَانَ كالأسد الَّذِي يخافه كل سَبُع، «وَلَا يسْأَل عمَّا عَهِدَ»، أَي: عَمَّا رأى فِي الْبَيْت من طَعَام ومأكول، لسخائه، وسعة قلبه. وَقَول السَّادِسَة: «زَوْجي إِنْ أَكَلَ لَفَّ»، تُرِيدُ الإكثارَ مَعَ التَّخْلِيط، أَي: قَمَشَ وَخَلطَ من كل شَيْء، يقَالَ للْقَوْم إِذا اخْتلفُوا: لفٌّ ولفيف، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الْإِسْرَاء: 104]، أَي: من كل قَبيلَة. «وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ»، أَي: شرب مَا فِي الْإِنَاء كلَّه، فَلم يبْق شَيْئا، أَخذ من الشفافة،

وَهِي الْبَقِيَّة من الشَّرَاب تبقى فِي الْإِنَاء، فَإِذا شربهَا صَاحبهَا، قيل: اشتفها، «وَإِن اضْطَجَعَ الْتَفَّ»، أَي: نَام فِي نَاحيَة، وَلم يُضاجعني، وَقَوْلها: «وَلا يُولِجُ الكَفِّ لِيَعْلَمَ البَثَّ»، تريدُ: لَا يضطجعُ معي ليعلم حزني على بعده، وَمَا عِنْدِي من الْمحبَّة لَهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: أرى أَنَّهُ كَانَ بجسدها عيبٌ أَو دَاء تكتئبُ بِهِ، لِأَن البث هُوَ الْحزن، فَكَانَ الزَّوْج لَا يُدخل يَده، فيمسُّ ذَلِكَ الْموضع، لعلمه أَن ذَلِكَ يؤذيها، تصفه بِالْكَرمِ، وَأنكر القُتبيُّ هَذَا، وَقَالَ: كَيفَ تمدحه بهَذَا وَقد ذمَّته فِي صدر الْكَلَام؟ وَقَررهُ غَيره، وَقَالَ: إِنَّمَا شكتِ الْمَرْأَة قلَّة تعهُّده إِيَّاهَا، تَقول: إِنَّه يتلفف منتبِذًا عَنْهَا إِذا نَام، وَلَا يُدخل كَفه دَاخل ثوبها فعل الرجل بِزَوْجَتِهِ، وَمعنى البث: مَا تضمره من الْحزن على عدم الحظوة مِنْهُ. قَالَ أَبُو بَكْر الأنباريُّ: لَا حجَّة على أَبِي عُبَيْد فِيهِ، لِأَن النسْوَة كنَّ تعاقدن أَن لَا يكتمنَ من أَخْبَار أَزوَاجهنَّ شَيْئا، فمنهنَّ من كَانَ أمورُ زَوجهَا بَعْضهَا حَسَنَة، وبعضُها قبيحة، فَأخْبرت بِهِ، وَقَالَ أَحْمَد بْن عُبَيْد: أَرَادَت أَنَّهُ لَا يتفقد أموري، ومصالح أسبابي، كَقَوْلِهِم: مَا أَدخل يَده فِي الْأَمر، أَي: لم يتفقده. وَقَول السَّابِعَة: «زَوْجي عيَايَاء»، العياياء: الْعنين الْعَاجِز عَنْ مباضعة النِّسَاء، أما الغياياء بالغين الْمُعْجَمَة، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لَيْسَ بِشَيْء. والطَّباقاء: الَّذِي أُمُوره مُطبقة عَلَيْهِ، وَقيل: هُوَ العييُّ الفدمُ الأحمق. قَوْلهَا: «كُلُّ داءٍ لَهُ داءٌ»، أَي: كل شَيْء من أدواء النَّاس فَهُوَ

فِيهِ، مَعْنَاهُ: كل عيب يكون فِي الرِّجَال فَهُوَ فِيهِ. وَقَوْلها: «شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ»، الشج فِي الرَّأْس خَاصَّة، وَهُوَ أَن يعلوَ الرَّأْس بالعصا، والفل: الْكسر فِي سَائِر الْبدن، تَقول: إِن زَوجهَا إِذا غضب، لم يملِك نَفسه، فإمَّا أَن يشج رَأْسِي، أَو يكسِر عضوا من أعضائي، أَو يجمعهما عليَّ، وَقيل: فلَّك، أَي: كسرك بِالْخُصُومَةِ والعذل. وَقَوْلها: «أَو جمع كُلا لكِ»، أَي: جمع الضَّرْب وَالْخُصُومَة لَك. وَقَول الثَّامِنَة: «زَوْجِي المَسُّ مَسُّ أرْنَبٍ، والرِّيحُ ريحُ زَرْنَبٍ». الزرنب: نوع من الطّيب، تُرِيدُ زَوجي لين العريكة، شبهته بالأرنب فِي لين مسِّه، وتريد بِالرِّيحِ طيبَ ريح جسده، وَيجوز أَن تُرِيدُ طيبَ الثَّنَاء فِي النَّاس، تَقول: هُوَ طيِّب الذّكر أَو الْعرض. وَقَول التَّاسِعَة: «زَوْجِي رَفِيعُ العِمادِ». تصفه بالشرف، تُرِيدُ: عماد بَيت الشّرف، أَي: بَيته وحسبه رفيع فِي قومه، وَالْعرب تضع الْبَيْت مَوضِع الشّرف فِي النّسَب والحسب، وَقَوْلها: «طَوِيل النجاد»، فالنجاد: حمائل السَّيف، تصفه بطول الْقَامَة، لِأَن الْقَامَة إِذا طَالَتْ، طَال النِّجاد، وَقَوْلها «عَظيمُ الرَّمادِ»، أَرَادَت أَن قِدرَهُ لَا تنزِل عَنِ النَّار لأجل الضَّيْف، فيكثر رمادهُ، تصفه بالجود. وَقَوْلها: «قريبُ البيتِ مِنَ النَّادِ»، فالنادي والندِيُّ: الْمجْلس، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مَرْيَم: 73]، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29]. والندوة: الِاجْتِمَاع للمشورة، تريدُ أَنَّهُ ينزل وسط الحِلَّة، أَو قَرِيبا مِنْهُ، ليعلموا مَكَانَهُ، فيغشاه الأضياف. وَقَول الْعَاشِرَة: «لَهُ إِبلٌ كَثيراتُ الْمُبَارَك، قَلِيلاتُ المَسَارِحِ»،

يُقَالُ: سَرَحتُ الْإِبِل فَسَرَحَتْ، اللَّازِم وَالْوَاقِع وَاحِد، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النَّحْل: 6]، تُرِيدُ أَن إبَله تكون باركة بِفنَاء دَاره قَلما تسرح، لَا يسرحها جَمِيعًا لأجل الضَّيْف حَتَّى يَنْحَرهَا لَهُم، أَو يسقيهم أَلْبَانهَا، وَقيل: مَعْنَاهُ: أَن إبِله كَثِيرَة فِي حَال بُروكها، فَإِذا سرحت كَانَت قَليلَة لِكَثْرَة مَا نحر مِنْهَا للأضياف فِي مباركها. وَقَوْلها: «إِذا سَمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ، أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ». فالمِزهر: الْعود، وَهُوَ المِعزَف، أرادات أَن الْإِبِل إِذا سَمِعت صَوت المعازف، علمت بنزول الضَّيْف، وأيقنت أَنَّهَا منحورة لَهُم. وَقَول الْحَادِيَة عشر: «أناسَ من حلي أُذُني»، من النَّوس وَهُوَ الْحَرَكَة، وكل شَيْء تحرّك متدليًا، يقَالَ لَهُ: نَاس ينوسُ نوسًا ونوسانًا، وأناسه غَيره إناسة، تَقول: حلاني بالقِرَطَة والشُّنوف حَتَّى تنوس بأذنيها، أَي: تحركهما، «، وملأ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ» تُرِيدُ أحسن إليَّ حَتَّى سمِنتُ، وَلم تُرد بِهِ العضُد خَاصَّة، بل أَرَادَت الْجَسَد كُله، وَقَوْلها: «وَبَجَّحَني»، أَي: فرحني. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهُ: عظمني، فعظمت عِنْدِي نَفسِي، ويروى: بجحني فَبَجحتُ، أَي: فرحني، ففرحتُ. وَقَوْلها: «وَجَدَني فِي أهلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ» الرِّوَايَة بِالْفَتْح، وَقَالَ أَبُو عبيد بالخفض، وَقَالَ: هُوَ مَوضِع بِعَيْنِه، وَقيل: بِشق: بِمَشَقَّة، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ

إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ} [النَّحْل: 7]، وَمن فتح، قَالَ: مَعْنَاهُ: وجدني فِي شقّ جبل لَيْسَ لنا من المَال إِلا الْغنم، وَهِي قَليلَة، فَحَمَلَنِي إِلَى أَهله، وهم أهل صَهِيل، وأطيط، أَي: أهل خير وإبل، والصهيل: صَوت الْخَيل، والأطيط: صَوت الْإِبِل. ودائس: الَّذِي يدوس الطَّعَام، يقَالَ: داسهُ يدوسُهُ، ودرسهُ يدرُسه، تُرِيدُ أَنهم أَصْحَاب زرع وكدس يدوسونه وينقونه، وَقَالَ عِيسَى: الدائس: الأندر، والمنقي: الغربال. وَأَصْحَاب الْحَدِيث يَقُولُونَ: ومُنِقٌّ بِكَسْر النُّون، قَالَ أَبُو عبيد: لَا أعرفُ المُنِقَّ، وأحسِبه المُنِقي بِفَتْح النُّون من تنقية الطَّعَام. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أويس، عَنْ أَبِيه، المنِق بِكَسْر النُّون: نقيق أصوات الْمَوَاشِي والأنعام، تصف كَثْرَة مَاله. وَقَوْلها: «أقُولُ فَلا أُقَبَّحُ»، أَي: لَا يرُدُّ عليَّ قولي لكرامتي عَلَيْهِ، يُقَالُ: قبحتُ فلَانا: إِذا قلتَ لَهُ: «قبَّحك اللَّه». وَقَوْلها: «وأَرْقُدُ فأَتَصَبَّحُ»، أَي: أَنَام الصَّبحة، لِأَنَّهَا مكفية، والصَّبحة: نوم أول النَّهَار بِفَتْح الصَّاد ورفعها، وَقَوْلها: «وأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ». قَالَ ابْن السّكيت: أَي: أقطع الشّرْب. وَقَالَ أَبُو زَيْد: التقنح: أَن يشرب فَوق الرّيّ، يُقَالُ: قنحتُ من الشَّرَاب، أقنحُ قنحًا: إِذا تكارهت على شربه بعد الرِّيّ، وَأما التقمح بِالْمِيم: أَن تشرب حَتَّى تروى، فَترفع رَأسهَا، يقَالَ: بعير قامح، وإبل قِماح، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} [يس: 8]، المقمح: الرافع رَأسه، الغاضُّ بَصَره.

وَقَوْلها: «عكومها رَداح». فالعكوم: الأعدال والغرائر الَّتِي فِيهَا الثِّيَاب، وضروب الْأَمْتِعَة، رداح، أَي: عَظِيمَة ثَقيلَة من كَثْرَة مَا فِيهَا من الْأَمْتِعَة، «وَبَيْتُهَا فُسَاحٌ»، أَي: وَاسع، يُقَالُ: بَيت فسيحٌ وفُساح. وَقَوله: «مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبةٍ»، تشبهه فِي الدِّقة بِمَا شُطِبَ من جريد النّخل، وَهُوَ سعفُه، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُشقق مِنْهُ قضبان دِقاق يُنسج مِنْهَا الحصُر، أَرَادَت أَنَّهُ ضَرْبُ اللَّحْم دقيقُ الخصر. وَقَالَ ابْن الأَعْرَابِيّ: أَرَادَت بمسلِّ الشطبة سَيْفا يُسل من غمدة، شبهته بِهِ. وَقَوْلها: «يُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ»، تصفه بقلة الْأكل، والجفرة تَأْنِيث الجفر: وَهُوَ من ولد الْمعز الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر، وَفصل عَنْ أمِّه، وَأخذ فِي الرَّعْي. وَقَوْلها فِي بنت أَبِي زرع «ملْء كسائها». تُرِيدُ عَظِيمَة الْعَجز والفخذين، أَي: هِيَ ذَات لحم تملأ كساءها. «وَغَيْظَ جَارَتِهَا». أَي: تحسدها جارتُها لجمالها وكمالها. وَقَوْلها «لَا تَبُثُّ حديثَنا». أَي: لَا تشيعه وَلَا تَنِم، ويروى «لَا تنُثُّ»، بالنُّون وَمَعْنَاهُ قريب من الأول. وَقَوْلها: «لَا تَنْقُثُ ميرتنَا». أَي: لَا تسرق، والميرة: مَا يمتار البدويُّ من الْحَضَر من دَقِيق وَغَيره، تُرِيدُ أَنَّهَا أمينة على مَا ائتمنت عَلَيْهِ من حفظ الطَّعَام. وَقَوْلها «وَلا تملأُ بَيْتَنَا تَعشيشًا». أَرَادَت لَا تخوننا فِي الطَّعَام فتخبأ فِي كل زَاوِيَة شَيْئا كالطير تعشش فِي مَوَاضِع شَتَّى، وَقيل: أَرَادَ أنَّها تقُمَّ الْبَيْت، وَلَا تدع فِيهِ القُمامة، فَيصير مثل عُش الطَّائِر. ويُروى «

تَغْشيشًا» بالغين الْمُعْجَمَة، فَيكون تفعيلا من الْغِشّ والخيانة، وَقَالَ ابْن السِّكيت: التغشيش: النميمة، أَي: لَا تنقل حديثنا وَلَا حَدِيث غَيرنَا إِلَيْنَا. وَقَوْلها: «وَالأَوْطَابُ تَمْخُضُ». فالأوطاب: أسقيةُ اللَّبن، وَاحِدهَا وطبٌ، وَقَوْلها: «يَلْعَبَانِ تَحْتَ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ». قيل: أَرَادَت بالرمانتين الثديين، مَعْنَاهُ: كَانَت ناهدَ الثديين، قَالَ أَبُو عُبَيْد: مَعْنَاهُ: أَنَّهَا ذَات كفل عَظِيم إِذا استلقت، نتأ الكفلُ بهَا من الأَرْض حَتَّى يصير تحتهَا فجوةٌ يجْرِي فِيهَا الرُّمَّان. وَقَوْلها: «رَكِبَ شَرِيّا». أَي: فرسا يستشري فِي سيره، أَي: يلِج ويتمادى، وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: أَي حادّ الجري، يقَالَ: شَرِيَ الرجلُ فِي غَضَبه، واستشرى: إِذا جدَّ. قَالَ ابْن السِّكيت: مَعْنَاهُ فرسا خيارًا فائقًا، وسراة المَال وشراته

بِالسِّين والشين خيارهُ. وَقَوْلها: «خطِّيَّا». تَعْنِي: الرمْح، سمي خطيًا، لِأَنَّهُ يُحمل من بلد بِنَاحِيَة الْبَحْرين، يُقَالُ لَهُ: الْخط، فنسب إِلَيْهِ، وأصل الرمْح من الْهِنْد، وَلكنهَا تُحمل مِنْهَا إِلَى الْخط فِي الْبَحْر، ثُمَّ مِنْهَا تتفرق فِي الْبِلَاد، وَإِنَّمَا قيل لقرى عمان والبحرين: خطّ، لِأَن ذَلِكَ السَّيْف كالخط على جَانب الْبَحْرين والبدو وَالْبَحْر، فَإِذا انْتَهَت السُّفن المملوءة رماحًا إِلَيْهَا، فرِّغت وَوضعت فِي تِلْكَ الْقرى، وَقَوْلها: «نعما ثريًا». أَي: كثيرا، يقَالَ: أثرى بَنو فلَان: إِذا كثرت أَمْوَالهم، وَقَول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَائِشَة: «كُنْتُ لَكِ كَأَبي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ». فِي الألفة والرِّفاء لَا فِي الْفرْقَة والخلاء. والرِّفاء: الْمُوَافقَة، والخلاء: المباعدة والمجانبة. 2341 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكْم لِنِسَائِكُمْ».

باب النهي عن ضرب النساء

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وبهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، نَا مُحَمَّدُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ بَاب النَّهْي عَنْ ضرب النِّسَاء قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَضْرِبَنَّ ظَعينَتَكَ ضَرْبَكَ أُمَيَّتَكَ». 2342 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاعِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانِ بْنِ مِهْرَانَ الْمُقْرِئُ النَّيْسَابُورِيُّ، بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ الْبَزَّارُ، نَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، قَالَ: وَعَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فِي النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُعَانِقُهَا آخِرَ النَّهَارِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ مُحَمَّد بْن يُوسُف، عَنْ سُفْيَان، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة، عَنِ ابْن نُمير، عَنْ هِشَام 2343 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ، نَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْطُبُ وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي عَقَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشَّمْس: 12]: انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي أَهْلِهِ مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ "، وَذَكَرَ النِّسَاءَ، فَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ، فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، فَلَعَلَّهُ يُضاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ»، ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ، فَقَالَ: «لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ ممَّا يَفْعَلُ؟». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ

باب هجران المرأة وضربها عند النشوز

بَاب هجْرانِ المرأَةِ وَضَربِهَا عِنْدَ النُّشُوزِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النِّسَاء: 34]. قَوْله: «نُشُوزَهُنَّ»، أَي: عِصْيَانَهُنَّ وَتَعَالِيَهُنَّ عَمَّا أَوْجَبَ اللَّه عَلَيْهِنَّ مِنْ طَاعَة الأزْوَاجِ، وَقيل: النُّشوزُ: كراهيةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ، يُقَالُ: نَشَزَتِ المرأةُ تَنْشِزُ، فَهيَ نَاشِزٌ بِغَيْر هَاء. قَالَ الشَّافِعِيّ على الْآيَة: وَفِي ذَلِكَ دِلالَةٌ على اخْتِلاف المرأَةِ فِيمَا تُعَاتَبُ فِيهِ، وَتُعَاقَبُ عَلَيْهِ، فَإِذا رأى مِنْهَا دلالَةً على الخَوْفِ من فِعْلٍ وَقَوْلٍ، وَعَظَهَا، فَإِنْ أَبْدَتْ نشُوزَهَا، هَجَرَهَا، فَإن أقامَتْ عَلَيْهِ، ضَرَبَهَا، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النِّسَاء: 128]، وَهُوَ أَنَّ المرأةَ تَشِحُّ على مَكَانِهَا مِنْ زَوْجِهَا، وَالرَّجُلُ يَشِحُّ على المرأةِ بِنَفْسِهِ إِذا كانَ غَيْرُهَا أَحَبَّ إليهِ مِنْهَا، يُقَالُ: شحَّ يَشُحُّ وَيَشِحُّ. 2344 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ، أَنَّهُ قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَكَانتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرينَ، ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آليْتَ شَهْرًا؟ قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ حُمَيْدٍ

قَوْله: «آلَى». أَي: حلف، وَقَوله: «انفَكَّتْ رِجْلُهُ». أَي: زَالَت، والمشربَةُ: الغرفة. 2345 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا». قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَلَمَّا مَضَت تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَعُدُهُنَّ، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: بَدَأَ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَوْله: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُون». هَذَا إِذا عين شهرا، فَقَالَ: لله عليَّ أَن أصومَ شهر كَذَا، فَخرج نَاقِصا لَا يلْزمه سوى ذَلِكَ، فَإِن لم يُعيِّن، فَقَالَ: لله عليَّ صومُ شهر يلْزمه صومُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. قَالَ الإِمَامُ: إِذا نشزَتِ المرأةُ، وعظها الزَّوْج، فَإِن لم تَنْتَهِ، هجرها فِي المضجع، وَلَا تخرج من الدَّار، فَإِن أصرَّت عَلَيْهِ، ضربهَا ضربا غير مُبرِّح، وَيَتَّقِي الْوَجْه فِي الضَّرْب.

2346 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ»، فَأَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَئِرَ النِّسَاءِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَأَذِنَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُنَّ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ، وَلا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ»

وَإيَاس بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ذُباب لَا تُعرف لَهُ صُحْبَة، قَالَه مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل. قَوْله: «ذَئِرَ النِّسَاء»، أَي: اجترأن ونشزن، يقَالَ مِنْهُ، امْرَأَة ذَئِر، والذائر: النفور. قَالَ الْأَصْمَعِي: يقَالَ: امرأةٌ ذائرٌ على مِثَال فَاعل، ويقَالَ: الذائر: المغتاظ على خَصمه، المستعد للشر. وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على أَن ضربَ النِّسَاء فِي منع حُقُوق النِّكَاح مُبَاح، ثُمَّ وَجه تَرْتِيب السّنة على الْكتاب فِي الضَّرْب يحتمِل أَن يكون نَهي النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضربهن قبل نزُول الْآيَة، ثُمَّ لما ذئر النِّسَاء، أذن فِي ضربهنَّ وَنزل الْقُرْآن مُوَافقا لَهُ، ثُمَّ لما بالغوا فِي الضَّرْب، أخبر أَن الضَّرْب وَإِن كَانَ مُبَاحا على شكاسة أخلاقهن، فالتحمل وَالصَّبْر على سوء أخلاقهنَّ، وتركُ الضَّرْب أفضلُ وأجمل. ويحكى عَنِ الشَّافِعِيّ هَذَا الْمَعْنى. وَأما إِذا كَانَ النُّشوزُ من جِهَة الزَّوْج، فَإِن منعهَا شَيْئا من حَقّهَا، أجبر على أَدَائِهِ وَإِن لم يمْنَعهَا شَيْئا من حَقّهَا، لكنه يكره صحبتهَا، فيفارقُها فِي المضجع، أَو يريدُ طَلاقهَا، فَلَا حِيلَة، لِأَنَّهُ مُبَاح لَهُ، فَإِن سمحت الْمَرْأَة بترك بعض حَقّهَا من قسم، أَو نَفَقَة طلبا للصلح فحسنٌ، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا} [النِّسَاء: 128]، قَالَت عَائِشَة: هِيَ الْمَرْأَة تكون عِنْد الرجل لَا يستكِثرُ مِنْهَا فيريدُ طَلاقهَا، ويتزوج

باب الشقاق بين الزوجين

غَيرهَا، تقولُ لَهُ: أمسكني، وَلَا تُطلقني، ثُمَّ تزوج غَيْرِي، فَأَنت فِي حِلٍّ من النَّفَقَة عَليّ، وَالْقِسْمَة لي، فَذَلِك قَوْله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النِّسَاء: 128]. وَلما كبِرت سودةُ، جعلت نوبتها من رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَائِشَة. بَاب الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النِّسَاء: 35].

والشِّقَاقُ: العداوَةُ والخلافُ، لأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ فِي شِقٍّ، أَي: فِي ناحيةٍ، وَمِنْه قَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ، وَتَعَالى كِبْرِيَاؤُهُ: {فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: 2]. 2347 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: " {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النِّسَاء: 35]. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلَى عَلِيٍّ، وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَأَمَرَهُمْ عَلِيٌّ، فَبَعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: أَتَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا؟ عَلَيْكُمَا إِنَ رَأَيْتُمَا أَنْ تجمعَا أَنَ تَجْمَعَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا أَنْ تُفَرِّقَا. قَالَ: قَالَتِ الْمَرْأَةُ: رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِي، وَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ:

فَلا، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ حتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ ". والفِئامُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ قَالَ الإِمَامُ: إِذا ظهر بَين الزَّوْجَيْنِ شقَاق، فَاشْتَبَهَ حالُهما، فَلم يفعل الرجل الصِّفحَ، وَلَا الفُرقة، وَلَا الْمَرْأَة تأدية الْحق، وَلَا الْفِدْيَة، وخرجا إِلَى مَا لَا يحلُّ قولا وفعلا، بعث الإمامُ حكما من أَهله إِلَيْهِ، وَحكما من أَهلهَا إِلَيْهَا، رَجُلين حُرَّينِ عَدْلَيْنِ، ليستطلع كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا رأيَ من بُعثَ إِلَيْهِ أَن رغبته فِي الوصلة أَو الْفرْقَة، ثُمَّ يجْتَمع الحكمان، فينفِّذان مَا يجْتَمع عَلَيْهِ رأيُهما من الصَّلاح، وَاخْتلف القولُ فِي جَوَاز بعث الْحكمَيْنِ من غير رضى الزَّوْجَيْنِ، فأصحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يجوز إِلا برضاهما، وَلَيْسَ لِحِكَمِ الزَّوْج أَن يُطلِّق إِلا بِإِذْنِهِ، وَلَا لِحِكَمِها أَن يختلع على مَالهَا إِلا بِإِذْنِهَا، وَهُوَ قولُ أَصْحَاب الرَّأْي، فَإِن عليا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِين قَالَ الرجلُ: أمَّا الْفرْقَة، فَلَا، قَالَ: كذبتَ حَتَّى تُقرَّ بِمثل الَّذِي قرت بِهِ، فَثَبت أَن تَنْفِيذ الْأَمر مَوْقُوف على إِقْرَاره وَرضَاهُ.

باب من سأله أبوه تطليق امرأته

وَالْقَوْل الثَّانِي: يجوز بعثُ الْحكمَيْنِ دون رضاهما، وَيجوز لحَكم الزَّوْج أَن يُطلِّق دون رِضَاهُ، ولحَكَمِها أَن يختلِعَ دون رِضَاهَا، إِذا رَأيا الصَّلاح فِيهِ كالحاكم يحكم بَين الشخصين، وَإِن لم يكن على وفْق مرادهما، وَهُوَ قَول عَليّ، وَبِهِ قَالَ مَالِك. بَاب مَنْ سَأَلَهُ أَبُوهُ تَطْليِقَ امْرَأَتِهِ 2348 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،

عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ كُنْتُ أُحِبُّهَا، وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُهَا، فَأَمَرَنِي بِطَلاقِهَا، فَأَبَيْتُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، طِلِّقْهَا». وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ خَالُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ

17 - كتاب الطلاق

17 - كِتَابُ الطَّلاقِ بَاب الخُلْعِ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [الْبَقَرَة: 229]. قَالَ طَاوس: «إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّه فِيمَا افْتَرَضَ لكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ فِي العِشْرَةِ والصُّحْبَةِ». 2349 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، أَنا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلامِ،

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلِ الْحَديقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْليقَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ورُوي عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ، كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَضَرَبَهَا، فَكَسَرَ بَعْضَهَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الصُّبْحِ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتًا، فَقَالَ: «خُذْ بَعْضَ مَالِهَا وَفَارِقْهَا»، قَالَ: وَيَصْلُحُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنِّي أَصْدَقْتُهَا حَدِيقَتَيْنِ، وَهُمَا بِيَدِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذْهُمَا وَفَارِقْهَا». فَفَعَلَ. فَفِيهِ دَلِيل على أَن الزوجَ إِذا ضرب زَوجته ضربَ تَأْدِيب، فَاخْتلعت نَفسهَا، فَجَائِز، أما إِذا أكرهها بِالضَّرْبِ من غير سَبَب حَتَّى اخْتلعت نَفسهَا، لَا يصحُّ الْخلْع، وَلَا تقع بِهِ البينونةُ، هَذَا إِذا قَالَ الزَّوْج: طلقتُك على ألف، وأكرهها على الْقبُول، فَإِن أكرهها على الْتِزَام المَال، وَقَالَ الزوجُ: طلقتُك مُطلقًا، يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا، وَلَا يلْزمهَا المَال. وَلَو لم ينلها بِالضَّرْبِ، لكنه آذاها بِمَنْع بعض حُقُوقهَا حَتَّى ضجرت، فَاخْتلعت نَفسهَا، فهَذَا الْفِعْل مِنْهُ حرَام، وَلَكِن الْخلْع نَافِذ، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النِّسَاء: 19]. وَالْمرَاد مِنْهُ أَن يكون عِنْد الرجل امْرَأَة يمقتُها

فيضارَّها بِسوء المعاشرة ليضطرها إِلا الافتداء، وَمعنى العضل: التَّضْيِيق وَالْمَنْع. وَالْخلْع مباحُ بِلَا كَرَاهِيَة أَن تكره الْمَرْأَة صُحْبَة الزَّوْج، وَلَا يُمكنهَا القيامُ بأَدَاء حُقُوقه، فتتحرَّج، فتختلع نَفسهَا، وَلَو اخْتلعت نَفسهَا بِلَا سَبَب، فَجَائِز مَعَ الْكَرَاهِيَة لما فِيهِ من قطع سَبَب الوصلة. رُوي عَنْ أَبِي أَسمَاء، عَنْ ثَوْبَان، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امَرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ». وَرُوِيَ عَنْ مُعرِّف بْن وَاصل، عَنْ مُحارب بْن دثار، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَحَلَّ اللَّه شَيْئا أَبْغَضَ إليْهِ مِنَ الطَّلاقِ». ويُروى أَيْضا عَنْ محَارب، عَنِ ابْن عُمَر، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبْغَضُ الْحَلَال إِلَى اللَّه الطَّلاقُ». وَفِي الْحَدِيث دليلٌ على أَنَّهُ يجوز للزَّوْج أَن يخالعها على جَمِيع مَا أَعْطَاهَا، وَذهب أكثرُ أهل الْعلم إِلَى أَنَّهُ جَائِز على مَا تَرَاضيا عَلَيْهِ قلَّ

ذَلِكَ أم كثر، وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ لَا يَزِيد على مَا سَاق إِلَيْهِ، وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: لَا يَأْخُذ مِنْهَا جَمِيع مَا أَعْطَاهَا، بل يتْرك شَيْئا. وَفِيه دَلِيل على أَن الْخلْع فِي حَال الْحيض، وَفِي طهر جَامعهَا فِيهِ لَا يكون بدعيًا، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن لَهُ فِي مخالعتها من غير أَن تعرف حَالهَا، وَلَوْلَا جَوَازه فِي جَمِيع أحوالها لأشبه أَن يتعرف الْحَال فِي ذَلِكَ، وَاتفقَ أهل الْعلم على أَنَّهُ إِذا طَلقهَا على مَال، فقِبلت، فَهُوَ طَلَاق بَائِن، وَاخْتلفُوا فِي الْخلْع، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ فسخ، وَلَيْسَ بِطَلَاق، وَلَا ينتِقص بِهِ الْعدَد، وَهُوَ قولُ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، وَعَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَة، وَطَاوُس، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَأَبُو ثَوْر، احْتَجُّوا بقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [الْبَقَرَة: 229]، ثُمَّ ذكر بعده الْخلْع، فَقَالَ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [الْبَقَرَة: 229]، ثُمَّ ذكر الطَّلقَة الثَّالِثَة، فَقَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [الْبَقَرَة: 230]، وَلَو كَانَ الْخلْع طَلَاقا، لَكَانَ الطَّلَاق أَرْبعا، وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَن الْخلْع تَطْلِيقَة بَائِنَة ينتقِص بِهِ عددُ الطَّلَاق، وَهُوَ قَول عُمَر، وَعُثْمَان، وَعلي، وَابْن مَسْعُود، وَبِهِ قَالَ الْحَسَن، وَالنَّخَعِيّ، وَعَطَاء، وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَشُرَيْح، وَالشَّعْبِيّ، وَمُجاهد، وَمَكْحُول، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ فِي أصح قوليه، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَاخْتلفُوا فِي عدَّة المختلعة بعد الدُّخُول، فَذهب أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمن بعدهمْ، وعامةُ الْفُقَهَاء إِلَى أَن عدتهَا، وعدة

باب الطلاق قبل النكاح

الْمُطلقَة سَوَاء ثَلَاثَة قُرُوء، وَقَالَ بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيرهم: «عدةُ المختلعة حيضةٌ وَاحِدَة»، لما رُوِيَ عَنْ عَمْرو بْن مُسْلِم، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس، أَنَّ امْرَأة ثَابِت بْن قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا، فَأَمَرَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ، قَالَ إِسْحَاق: إِن ذهب ذَاهِب إِلَى هَذَا، فَهُوَ مَذْهَب قوي. وَاخْتلفُوا فِي المختلعة إِذا طَلقهَا زَوجهَا فِي العِدَّة هَل يَقع أم لَا؟ فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنَّهُ لَا يَقع، قَالَ ابْن عَبَّاس، وَابْن الزبير: لَا يلْحق المختلعة الطلاقُ فِي الْعدة، لِأَنَّهُ طلق مَا لَا يملك، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَذهب قوم إِلَى أَن يلْحقهَا صريحُ الطَّلَاق، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالُوا: لَو قَالَ لَهَا: أَنْت بَائِن، وَنوى الطَّلَاق، أَو طَلقهَا على مَال، أَو أرسل، فَقَالَ: كلُّ امْرَأَة لي طَالِق، قَالُوا: لَا يقعُ. وَفِي الرَّجْعِيَّة يَقع الطَّلَاق بِكُل حَال بالِاتِّفَاقِ، قَالَ ابْن عَبَّاس فِي رجل قَالَ لامْرَأَته: إِذا جَاءَ رَمَضَان فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا، وَبَينه وَبَين رَمَضَان سِتَّة أشهر، فندم. قَالَ ابْن عَبَّاس: يُطلق وَاحِدَة، فتنقضي عدتهَا قبل أَن يَنْقَضِي رَمَضَان، فَإِذا مضى خطبهَا إِن شَاءَت. بَاب الطَّلاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا

نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الْأَحْزَاب: 49]. قَالَ ابْن عَبَّاس: «جَعَلَ اللَّه الطَّلاقَ بَعدَ النِّكاح»، وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة. 2350 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الطيَّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا طَلاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلا عِتَاقَ إِلا بَعْدَ مِلْكٍ، وَلا وِصَالَ فِي صِيَامٍ، وَلا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلامٍ، وَلا رَضَاعَ بَعْدَ فِطَامٍ، وَلا صَمْتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ» جُوَيْبِر بْن سَعِيد الْبَلْخِيّ ضعفه يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان، وَيَحْيَى بْن معِين.

وروى عَمْرو بْن شُعَيْب، عَنْ أَبِيه، عَنْ جده، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نَذْرَ لابنِ آدم فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلا طَلاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو أحسن شَيْء رُوي فِي هَذَا الْبَاب. قَالَ الإِمَامُ: اتّفق أهلُ الْعلم على أَنَّهُ لَو نجزَ طَلَاق امْرَأَة قبل النِّكَاح، أَو عتق عبد قبل الْملك أَنَّهُ لَغْو، وَكَذَلِكَ لَو علق الطَّلَاق، أَو الْعتْق قبل الْملك بِصفة من غير إِضَافَة إِلَى الْملك، فَهُوَ لَغْو حَتَّى لَو وجدت الصّفة بعد الْملك لَا يَقع، وَإِنَّمَا اخْتلف أهل الْعلم فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِالنِّكَاحِ، بِأَن قَالَ لامْرَأَة أَجْنَبِيَّة: إِذا نكحتُك، فَأَنت طَالِق، أَو قَالَ لعبد: إِذا مَلكتك، فَأَنت حر. فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنَّهُ لَغْو، وَلَا يَقع بعد حُصُول الْملك، رُوي ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَابْن عَبَّاس، وَجَابِر بْن عَبْد اللَّهِ، ومعاذ بْن جبل، وَعَائِشَة، وَهُوَ وَقَول سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وعُروة بْن الزبير، وَأَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، وَعبيد اللَّه بْن عَبْد اللَّهِ بْن عتبَة، وَأَبَان بْن عُثْمَان، وَعلي بْن حُسَيْن، وَشُرَيْح، وَسَعِيد بْن جُبَير، وَالقَاسِم، وَطَاوُس، وَالْحَسَن، وَعِكْرِمَة، وَعَطَاء، وعامر بْن سَعْد، وَجَابِر بْن زَيْد، وَنَافِع بْن جُبَير، وَمُحَمَّد بْن كَعْب، وَسليمَان بْن يَسَار، وَمُجاهد، وَالشَّعْبِيّ، وَقَتَادَة، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ. ورُوي عَنْ عُمَر، وَابْن مَسْعُود، وَابْن عُمَر، أَنهم قَالُوا: يَقع بِهِ الطَّلَاق إِذا نكح، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب أَصْحَاب الرَّأْي، ويُروى هَذَا أَيْضا عَنْ سَالم بْن عَبْد اللَّهِ، وَالقَاسِم بْن مُحَمَّد،

وَسليمَان بْن يَسَار، وَقَالَ ربيعَة، وَمَالك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالثَّوْرِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، إِن سمَّى امْرَأَة بِعَينهَا، أَو وقَّتَ وقتا، أَو قَالَ: إِن تزوَّجت من بلد كَذَا، أَو من قَبيلَة كَذَا، فَإِذا نكح يَقع، وَإِن عمَّ فَلَا يَقع، ويُروى مثلُ هَذَا عَنِ ابْن مَسْعُود أَيْضا، وَإِبْرَاهِيم النَّخعي. وَقَالَ أَحْمَد، وَأَبُو عُبَيْد: إِن كَانَ نكح لم يُؤمر بالفراق، وَإِن لم ينكِح، فَلَا يفعل، ورُوي مثله، عَنِ ابْن الْمُبَارَك، وَإِسْحَاق. وَذكر عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رجل حلف بِالطَّلَاق لَا يتَزَوَّج، ثُمَّ بدا لَهُ أَن يتَزَوَّج، هَل لَهُ رخصَة بِأَن يَأْخُذ بقول الْفُقَهَاء الَّذين رخصوا فِي هَذَا؟، فَقَالَ: إِن كَانَ يرى هَذَا القَوْل حَقًا من قبل أَن يُبتلى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فَلهُ أَن يَأْخُذ بقَوْلهمْ، وَإِلَّا فَلَا أرى لَهُ ذَلِكَ، وَلَو علَّق رجل طَلَاق زَوجته بِصفة، فَقبل وجود تِلْكَ الصّفة أَبَانهَا بِأَقَلّ من ثَلَاث طلقات، ثُمَّ نَكَحَهَا، ثُمَّ وجدت الصّفة، يَقع الطَّلَاق على أحد قولي الشَّافِعِيّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة. وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ: لَا يَقع. وَلَو أَبَانهَا بِثَلَاث طلقات، ثُمَّ نَكَحَهَا بعد زوج آخر، فَوجدت الصّفة، لَا تطلق، وَكَذَلِكَ لَو علق عتق عَبده بِصفة، فَزَالَ ملكه عَنْهُ، ثُمَّ ملكهُ، ثُمَّ وجدت الصّفة، هَل يعْتق؟ على قَوْلَيْنِ. وَقَوله: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلامٍ». الْيَتِيم: اسْم الصَّغِير لَا أَب لَهُ، لَهُ سهم من الْخمس، فَإِذا بلغ زَالَ عَنْهُ اسْم الْيَتِيم، فَلَا يسْتَحق مَا يُستحق بِمَعْنى الْيُتْم، وَالْمرَاد من الِاحْتِلَام الْبلُوغ. وَقَوله: «وَلَا رَضَاعَ بَعْدَ فِطام»: المُرَاد مِنْهُ بعد انْقِضَاء الْحَوْلَيْنِ، لِأَنَّهُ أوانُ الْفِطَام فِي الْغَالِب.

باب تحريم الطلاق في الحيض

وَقَوله: «لَا صَمْتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ». مَعْنَاهُ: ردُّ عَادَة الْجَاهِلِيَّة، فَإِنَّهُ كَانَ من نُسك أهل الْجَاهِلِيَّة الصُّمات حِين يعْتَكف الْوَاحِد مِنْهُم الْيَوْم وَاللَّيْلَة صامتًا لَا ينْطق، فنُهوا عَنْ ذَلِكَ، وأُمِروا بِالذكر والنطق بِالْخَيرِ. قَالَ طَاوس: من تكلم وَاتَّقَى اللَّه، خير مِمَّن صمت وَاتَّقَى اللَّه. وَلَو قَالَ لامْرَأَة: إِن نكحتك، فَأَنت عليَّ كَظهر أُمِّي، فنكحها لم يكن مُظَاهرا، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ إِن نَكَحَهَا، كَانَ مُظَاهرا، لَا يجوز أَن يمْسِكهَا مَا لم يُكفِّر، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَمثل هَذَا عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد، وَسليمَان بْن يَسَار أَيْضا رِوَايَة. بَاب تَحْريمِ الطَّلاقِ فِي الحَيْضِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطَّلَاق: 1] قرأَ عَبدُ اللَّه بْن عُمر: «فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ». قَوْله: لِعِدَّتِهِنَّ، أَي: فِي وقتِ عِدَّتِهِنَّ، كَمَا تقولُ: كَتَبَ لِعَشْرٍ مِنَ الشَّهْرِ، أَي: فِي وقتٍ خلا فِيهِ مِنَ الشَّهْرِ عَشرٌ.

2351 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلا». وَرَوَاهُ يُونُسُ

بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَقُولا: «ثُمَّ تَحِيضُ، ثُمَّ تَطْهُرُ» 2352 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنٍ، مَوْلَى عَزَّةَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وأَبو الزُّبيرِ يَسْمَعُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ، فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ». قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ، أَوْ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ. الشَّافِعِيُّ يَشُكُّ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَجَّاجِ

بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ» قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: فِيهِ دَلِيل على أَن الطَّلَاق فِي حَال الْحيض بِدعَة، وَكَذَلِكَ فِي الطُّهْر الَّذِي جَامعهَا فِيهِ، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَإِن شَاءَ طَلَّقَ قبل أَن يمسَّ»، وَفِي أمره بمراجعتها دَلِيل على أنَّ الطَّلَاق وَاقع مَعَ كَونه بدعيًا، ولولاه لم يحْتَج إِلَى الْمُرَاجَعَة، قَالَ يُونُس بْن جُبَير فِي هَذَا الْحَدِيث: قلت لِابْنِ عُمَر: فَهَل عُدَّ ذَلِكَ طَلَاقا؟، قَالَ: فَمَهْ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ واسْتَحْمَقَ؟ مَعْنَاهُ: أَرَأَيْت إِن عجز واستحمق، أيُسقِطُ عَنْهُ الطَّلَاق حمقُه أَو يُبطله عجزُه؟ فهَذَا من بَاب مَحْذُوف الْجَواب الْمَدْلُول عَلَيْهِ بالفحوى. ورُوي أَن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، كَانَ إِذا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ لأَحَدهم: إِن كنتَ طَلقتهَا ثَلَاثًا، فقد حرمت عَلَيْك حَتَّى تنكِح زوجا غيركَ، وَلَو طلقت مرّة أَو مرَّتين، فَإِن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمرنِي بهَذَا.

وَفِيه دَلِيل على أَن من طلق زَوجته الْمَدْخُول بهَا فِي حَال الْحيض، أَو فِي طهر جَامعهَا فِيهِ، وَقد بَقِي من عدَّة طَلاقهَا شَيْء، أَنَّهُ يُؤمر بمراجعتها حَتَّى يُطلقها بعد إِن شَاءَ فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ، وَهَذِه الْمُرَاجَعَة اسْتِحْبَاب، وَقَالَ مَالِك: يجب عَلَيْهِ الْمُرَاجَعَة، وَإِذا طَلقهَا فِي الْحيض، وراجعها جَازَ لَهُ أَن يطلقهَا فِي الطُّهْر الَّذِي يعقب تِلْكَ الْحَيْضَة قبل الْمَسِيس، كَمَا رَوَاهُ يُونُس بْن جُبَير، وَأنس بْن سِيرِينَ، وَغَيرهمَا، عَنِ ابْن عُمَر. وَأما مَا رَوَاهُ نَافِع، عَنِ ابْن عُمَر عُمَر «ثُمَّ لِيُمْسِكهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحيض ثُمَّ تَطْهُر»، فاستحبابٌ استحبَّ تَأْخِير الطَّلَاق إِلَى الطُّهْر الثَّانِي حَتَّى لَا تكون مُرَاجعَته إِيَّاهَا للطَّلَاق، كَمَا يكره النِّكَاح للطَّلَاق، بل يمسُّها فِي الطُّهْر الأول ليتَحَقَّق معنى الْمُرَاجَعَة، ثُمَّ لم يكن لَهُ الطَّلَاق بعده، لكَونهَا فِي طهر جَامعهَا فِيهِ، فَيتَأَخَّر الطَّلَاق إِلَى الطُّهْر الثَّانِي. وَفِي قَوْله فِي رِوَايَة سَالم: «ثُمَّ لِيُطَلِّقهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلا»، دَلِيل على أَنَّهُ لَا بِدعَة فِي طَلَاق الْحَامِل، فَإِن طَلقهَا فِي حَال رُؤْيَة الدَّم، أَو بعد الْجِمَاع، فَجَائِز، وَكَذَلِكَ لَو طلق غير الْمَدْخُول بهَا فِي حَال الْحيض، أَو طلق الآيسة، أَو الصَّغِيرَة الَّتِي لم تَحض قطُّ بعد مَا جَامعهَا، لَا يكون بدعيًا، إِنَّمَا البدعةُ فِي طَلَاق امْرَأَة يلْزمهَا العدَّة بِالْأَقْرَاءِ، فَإِن طلق هَذِه فِي حيض أَو نِفَاس، أَو فِي طهر مسَّها فِيهِ، يكون بدعيًا، وَإِن طَلقهَا فِي طهر لم يمسَّها فِيهِ يكون سُنيًا. وَلَو قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق للسُّنة، فَإِن كَانَت فِي طهر لم يمسَّها فِيهِ، يَقع الطَّلَاق فِي الْحَال، وَإِن كَانَت فِي حيض أَو نِفَاس، فَلَا يَقع حَتَّى تطهر، فَإِذا طهرت، طُلقت سَوَاء، اغْتَسَلت أَو لم تَغْتَسِل، وَإِن كَانَت فِي طهر جَامعهَا فِيهِ، فَلَا يَقع حَتَّى تحيض، ثُمَّ تطهر.

وَلَو قَالَ: أَنْت طَالِق للبدعة، فَإِن كَانَت فِي حيض أَو نِفَاس، أَو طهر جَامعهَا فِيهِ، يَقع فِي الْحَال، وَإِن كَانَت فِي طهر لم يُجامعها فِيهِ، لَا يَقع حَتَّى يُجَامِعهَا الزَّوْج، أَو تحيض. وَلَو قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق للسُّنة والبدعة، أَو لَا للسّنة، وَلَا للبدعة، يَقع فِي الْحَال فِي أَي حَالَة كَانَت، فَأَما إِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا، أَو للصغيرة، أَو الآيسة، أَو للحامل: أَنْت طَالِق للسُّنة، أَو للبدعة، أَو لَا للسُّنة والبدعة، أَو لَا للسُّنة وَلَا للبدعة، يَقع فِي الْحَال، لِأَنَّهُ لَا سنة فِي طلاقهن، وَلَا بِدعَة، فَيلْغُو ذكرهَا، وَالطَّلَاق بِالْعِوَضِ لَا يكون بدعيًا فِي أَي حَال كَانَ. وَفِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر اللَّه أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء». دَلِيل أَن الْأَقْرَاء الَّتِي أَمر النِّسَاء أَن يعتددن بهَا هِيَ الْأَطْهَار دون الْحيض، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيَّن أَن وَقت الطَّلَاق هُوَ زمَان الطُّهْر، ثُمَّ قَالَ: «تِلْكَ الْعدة الَّتِي أَمر اللَّه أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء»، أَي فِيهَا النِّسَاء، وَأَرَادَ بِهِ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطَّلَاق: 1]، أَي: فِي وَقت عِدَّتهنَّ، وَهَذَا قَول زَيْد بْن ثَابِت، وَعَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، وَعَائِشَة. قَالَت عَائِشَة: «هَل تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاء؟ إِنَّمَا الْأَقْرَاء الْأَطْهَار»، وَهَذَا قَول الْفُقَهَاء السَّبْعَة، وَسَالم بْن عَبْد اللَّهِ، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالشَّافِعِيّ. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن الْأَقْرَاء هِيَ الْحيض، يُروى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، وَعلي، وَابْن مَسْعُود، وَابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيّ، وَالثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي.

وأصل هَذَا الِاخْتِلَاف أَن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَة: 228]، والقروء: وَاحِدهَا قُرء، وَيجمع أَقراء، وَهُوَ من الأضداد يَقع على الطُّهْر وَالْحيض جَمِيعًا، وَالْأَصْل فِي الْقُرْء: الْوَقْت، قَالَ الشَّاعِر: كَمَا هَبَّت لِقَارِئِهَا الرِّياحُ أَي: لوَقْتهَا، يقَالَ: قد أقرأتِ الْمَرْأَة: إِذا دنا حيضُها، وأقرأت: إِذا دنا طهرهَا. وَاحْتج من ذهب إِلَى أَنَّهَا الْحيض بِمَا رُوي عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ لامْرَأَة: «دعِي الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ»، وَإِنَّمَا تدع الْمَرْأَة الصَّلَاة أَيَّام حَيْضهَا. وَمن قَالَ: هِيَ الْأَطْهَار يحْتَج من طَرِيق اللُّغَة بقول الشَّاعِر:

مُورِّثة عزا وَفِي الحيِّ رفْعَة ... لما ضَاعَ فِيهِ من قُرُوء نسائكا وَأَرَادَ بهَا الْأَطْهَار. وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِي أَن الْمُعْتَدَّة إِذا شرعت فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة تَنْقَضِي عدتهَا على قَول من يَجْعَلهَا أطهارًا، ويحسب بَقِيَّة الطُّهْر الَّذِي وَقع فِيهِ الطَّلَاق قرءًا. قَالَت عَائِشَة: «إِذا طعنت الْمُطلقَة فِي الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة، فقد بَرِئت مِنْهُ». وَقَالَ ابْن عُمَر «إِذا طلق الرجل امْرَأَته، فَدخلت فِي الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة، فقد بَرِئت مِنْهُ، وَبرئ مِنْهَا، وَلَا تَرثه وَلَا يَرِثهَا». وَمن ذهب إِلَى أَن الْأَقْرَاء هِيَ الْحيض، يَقُول: لَا يحْسب بَقِيَّة الطُّهْر الَّذِي وَقع فِيهِ الطَّلَاق قرءًا، وَلَا تَنْقَضِي عدتهَا مَا لم تظهر من الْحَيْضَة الثَّالِثَة، وَمِنْهُم من يَقُول: حَتَّى تَغْتَسِل إِن لم يبلغ دَمهَا أَكثر الْحيض، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، ويروى عَنْ عَليّ شَرط الِاغْتِسَال. وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّلَاق إِذا كَانَ فِي حَال الْحيض أَنَّهُ لَا يحْسب بَقِيَّة الْحيض قرءًا.

باب الجمع بين الطلقات الثلاث وطلاق البتة

بَاب الجَمْعِ بَيْنَ الطَّلَقَاتِ الثَّلاثِ وطَلاقِ البَتَّة 2353 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْد يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْمُزَنِيَّةَ الْبَتَّةَ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي سُهَيْمَةَ البَتَّةَ، وَوَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلا وَاحِدَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلا وَاحِدَةً؟». فَقَالَ رُكَانَةُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلا وَاحِدَةً. فَرَدَّهَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَالثَّالِثَةُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

ورُوي عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي الْبَتَّةَ، فَقَالَ: «مَا أَرَدْتَ بِهَا؟»، قُلْتُ: وَاحِدَةً. قَالَ: «وَاللَّهِ؟»، قُلْتُ: وَاللَّهِ، قَالَ: «فَهُوَ مَا أَرَدْتَ» وَمعنى قَوْله: «بتة»، أَي: قَاطِعَة، وأصل الْبَتّ: الْقطع. يُقَال: صدقةٌ بتةٌ بتلةٌ، أَي مُنْقَطِعَة عَنْ جَمِيع الْأَمْلَاك. قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيث فوائدُ مِنْهَا مَا اسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِيّ على أَن الْجمع بَين الطلقات الثَّلَاث مُبَاح، وَلَا يكون بِدعَة، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ ركَانَة: «مَا أردْت بهَا؟»، وَلم يَنْهَهُ أَن يُرِيد أَكثر من وَاحِدَة، وَهُوَ قولُ الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد. وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ لَو جمع بَين طَلْقَتَيْنِ، أَو ثَلَاث طلقات، يكون بِدعَة، وَهُوَ قَول مَالِك، وَإِسْحَاق، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فِيمَا لَو طلق امْرَأَته الْحَامِل ثَلَاثًا، فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنَّهُ لَا يكون بدعيًا، وَاخْتلف فِيهِ أَصْحَاب الرَّأْي، فَقَالَ أَبُو حنيفَة، وَأَبُو يُوسُف: يكون بدعيًا إِلا أَن يُفرِّقها على الشُّهُور، فيوقع فِي كل شهر وَاحِدَة، وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن: لَا يُوقع على الْحمل إِلا وَاحِدَة، وَيتْرك الثَّانِيَة حَتَّى تضع الْحمل.

وَفِيه دَلِيل على أَن طَلَاق الْبَتَّةَ واحدةٌ إِذا لم يُرد أَكثر مِنْهَا، وَأَنَّهَا رجعيَّة، وَهُوَ قَول عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَبِهِ قَالَ عَطَاء، وَسَعِيد بْن جُبَير، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَقَالَ: إِذا نوى بهَا اثْنَيْنِ أَو ثَلَاثًا، فَهُوَ مَا نوى. قَالَ شُرَيْح: أما الطَّلَاق فَسنة، فأمضوه، وَأما الْبَتَّةَ فبدعة، فديِّنوه. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ وَاحِدَة بَائِنَة، إِن لم يكن لَهُ نيةٌ، وَإِن نوى ثَلَاثًا، فَهُوَ ثَلَاث، وَإِن نوى اثْنَتَيْنِ، لم يكن إِلا وَاحِدَة، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهَا ثَلَاث طلقات، وَهُوَ قَول عَليّ بْن أَبِي طَالب، ويروى أَيْضا عَنِ ابْن عُمَر، وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَعُرْوَة بْن الزبير، وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَابْن أَبِي ليلى، وَالأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ أَحْمَد: أخْشَى أَن يكون ثَلَاثًا، وَلَا أجترئ أَن أُفْتِي بِهِ. ورُوي عَنْ عَليّ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَل الخليَّة والبريَّة، والبائنة، والبتة، وَالْحرَام، ثَلَاثًا. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على أَن من طلق زَوجته وَنوى عددا أَنَّهُ يَقع مَا نوى، سَوَاء طَلقهَا بِصَرِيح لفظ الطَّلَاق أَو بِالْكِنَايَةِ، لقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّمَا لامرئ مَا نوى». يُروى ذَلِكَ عَنْ عُرْوَة بْن الزبير، وَهُوَ قَول مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَإِسْحَاق، وَأَبِي عُبَيْد. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ إِذا نوى بِصَرِيح لفظ الطَّلَاق أَكثر من وَاحِدَة لَا يَقع

إِلا وَاحِدَة، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَأَحْمَد، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالَ الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي: يجوزُ إرادةُ الثَّلَاث بِالْكِنَايَةِ، وَلَو أَرَادَ بهَا اثْنَتَيْنِ لَا تقع إِلا وَاحِدَة بَائِنَة. وصرائح أَلْفَاظ الطَّلَاق عِنْد الشَّافِعِيّ ثَلَاثَة: لفظ الطَّلَاق، والفِراق، والسَّراح، يَقع بهَا الطلاقُ من غير نِيَّة، وَالْكِنَايَة: كل لفظ يُنبئ عَنِ الْفرْقَة، مثل قَوْله: أَنْت خليَّة، أَو بريَّة، أَو بتَّةٌ أَو بتلةٌ، أَو حرَام، أَو حرَّة، أَو قَالَ: حبلُكِ على غارِبك، أَو ألحقي بأهلك، أَو قَالَ: اعْتدي، أَو استبرئي رَحِمك، أَو لَا ملكَ لي عَلَيْك، أَو قَالَ: قومِي، أَو اخْرُجِي، أَو اذهبي، أَو تقنعي، أَو تستري، وَنَحْو ذَلِكَ، يَقع بهَا الطَّلَاق إِذا نوى، وَإِن لم ينوِ، فَهُوَ لَغْو، وَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِذا قَالَ: لَا حَاجَة لي فِيك نِيَّته، وطلاقُ كل قوم بلسانهم، وَقَالَ الْحَسَن: إِذا قَالَ: ألحقي بأهلك نيتهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِذا قَالَ: مَا أَنْت بامرأتي نِيَّته، وَإِن نوى طَلَاقا، فَهُوَ مَا نوى،

وَلَا تَنْقَطِع الرَّجعة بِشَيْء مِنْهَا إِن كَانَ بعد الدُّخُول، قِيَاسا على صَرِيح لفظ الطَّلَاق عِنْد الشَّافِعِيّ، إِنَّمَا تَنْقَطِع بِذكر عوض، أَو اسْتِيفَاء عدد الثَّلَاث. وَقَالَ ابْن عُمَر فِي الخليَّة، والبريَّة: إِن كل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاث طلقات، وَبِهِ قَالَ مَالِك فِي الْمَدْخُول بهَا، وَقَالَ: يُديَّن فِي غير الْمَدْخُول بهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي البائنة. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِذا قَالَ: برئتُ مِنْك، وبرئتِ مني، ثَلَاث طلقات بِمَنْزِلَة الْبَتَّةَ، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن الْكِنَايَات أَكْثَرهَا تقطع الرّجْعَة. وَإِذا حدَّث الرجل نَفسه بِالطَّلَاق، وَلم يتَلَفَّظ، لَا يَقع بِهِ شَيْء عِنْد أَكثر أهل الْعلم، لقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ أَنفُسُها، مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلَ بِهِ». والى هَذَا ذهب عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح، وَسَعِيد بْن جُبَير، وَالشَّعْبِيّ، وَقَتَادَة، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِذا عزم على ذَلِكَ وَقع الطَّلَاق، وَإِن لم يتَلَفَّظ بِهِ، وَهُوَ قَول مَالِك، وَاتَّفَقُوا على أَنَّهُ لَو عزم على الظِّهَار، لم يلْزمه حكمُه، وَلَو حدَّث نَفسه فِي الصَّلَاة، لم تبطل صلَاته، وَلَو كَانَ حَدِيث النَّفس بمنزل الْكَلَام، لبطلت بِهِ الصَّلَاة، وَلَو قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق هَكَذَا، وَأَشَارَ بِثَلَاث أَصَابِع، كَانَ ثَلَاثًا، فَإِن أَشَارَ بإصبعين، فَهُوَ اثْنَتَانِ، قَالَه الشَّعْبِيّ، وَقَتَادَة، وَالْآخرُونَ.

وَلَو قَالَ رجل لامْرَأَته: أَنْت طَالِق عشرا أَو مائَة، تقع الثَّلَاث. سَأَلَ رجل ابْن مَسْعُود، فَقَالَ: طلقتُ امْرَأَتي ثَمَانِي تَطْلِيقَات، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: فَمَاذَا قيل لَك؟ قَالَ: قيل لي: إِنَّهَا قد بَانَتْ مِنْك، قَالَ ابْن مَسْعُود: «أَجَلْ، مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّه فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ لَبْسًا، جَعَلْنَا لَبْسَهُ بِهِ، لَا تَلبِسُوا على أَنفُسِكُمْ، وَنَتَحَمَّلُهُ عَنْكُمْ، هُوَ كَمَا تَقُولُونَ». وَقَالَ رجل لِابْنِ عَبَّاس: إِنِّي طلقتُ امْرَأَتي مائَة طَلْقَة، فَمَاذَا ترى عليَّ؟ قَالَ ابْن عَبَّاس: «طلقت مِنْك بِثَلَاث، وَسبع وَتسْعُونَ اتَّخذت آيَات اللَّه هزوا». أما إِذا كتب بِطَلَاق امْرَأَته، فَإِن كَانَ أخرس وَقع، وَإِن كَانَ ناطقًا، اخْتلف أهل الْعلم فِيهِ، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ يَقع بِهِ الطلاقُ فِي حق الْغَائِب، وَإِن لم ينوِ، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل، وَقَالَ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ: إِذا وجَّه الْكتاب إِلَيْهَا وَقع، وَله أَن يرجع قبل أَن يُوَجه الْكتاب إِلَيْهَا، وَعند الشَّافِعِيّ: إِن

باب الخيار

نوى مَعَ الْكِتَابَة، يَقع بِهِ الطَّلَاق، وَإِن لم ينْو، فَلَا يَقع، وَذهب بعض أَصْحَابه إِلَى أَن الْكِنَايَة يَقع بهَا الطَّلَاق إِذا نوى فِي حق الْحَاضِرَة، كَمَا يَقع فِي حق الغائبة، وَفرق بَعضهم بَين أَن يكْتب فِي بَيَاض أَو على الأَرْض، فأوقعه إِذا كتب فِيمَا يكْتب عَلَيْهِ عَادَة من رَق، أَو بَيَاض، أَو لوح، وأبطله إِذا كتب على الأَرْض. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي حَدِيث رُكانة دَلِيل على أَن يَمِين الحكم لَا تُحسب قبل استحلاف الْحَاكِم، فَإِن رُكانة، لما قَالَ: وَالله مَا أردْت إِلا وَاحِدَة أعَاد إِلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَالله مَا أردْت إِلا وَاحِدَة، فحلَّفه بعد مَا كَانَ حلف من قبل تَحْلِيفه، وَفِيه أَن الْيَمين باسم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَافِيَة على التَّجْرِيد من غير أَن يضم إِلَيْهِ شَيْئا من الصِّفَات، وَيجوز تعليقُ الطَّلَاق على الشُّرُوط، وَكَذَلِكَ العِتاق، قَالَ نَافِع: طلَّق رجل امْرَأَته الْبَتَّةَ إِن خرجت، فَقَالَ ابْن عُمَر: إِن خرجت، فقد بتَّت مِنْهُ، وَإِن لم تخرج، فَلَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ قَتَادَة: إِذا قَالَ: إِذا حملت، فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا، يَغْشَاهَا عِنْد كل طهر مرّة، فَإِن استبان حملهَا، فقد بَانَتْ. بَاب الخيَارِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الْأَحْزَاب: 28] الْآيَة. 2354 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، أَنا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهَا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ، قَالَتْ: فَبَدَأَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلا عَلَيْكِ أَنْ تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} [الْأَحْزَاب: 28] إِلَى تَمَامِ الآيَتَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أسْتأْمِرُ أَبَوَيَّ؟! فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الآخِرَةَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَزَادَ: «ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ». وَرَوَاهُ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، وَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ. قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا»

2355 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، نَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «خَيَّرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ الإِمَامُ: اخْتلف أهل الْعلم فِيمَن خير امْرَأَته، فَاخْتَارَتْ نَفسهَا، فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنَّهُ يَقع بِهِ طَلْقَة وَاحِدَة رَجْعِيَّة، يرْوى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَعَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، وَإِلَيْهِ ذهب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ ابْن أَبِي ليلى، وَسُفْيَان، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ يَقع بِهِ طَلْقَة بَائِنَة، يرْوى ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَعَن عُمَر، وَابْن مَسْعُود رِوَايَة أُخْرَى مثل ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالَ بَعضهم: يَقع بِهِ الثَّلَاث. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت، وَبِهِ قَالَ الْحَسَن، وَهُوَ قَول مَالِك، أما إِذا اخْتَارَتْ الزَّوْج، فَلَا يَقع بِهِ شَيْء عِنْد الْأَكْثَرين، قَالَ مَسْرُوق: مَا أُبَالِي خيرت امْرَأَتي وَاحِدَة، أَو مائَة، أَو ألفا بعد أَن تختارني. قَالَت عَائِشَة: «خيرنا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاخترناه، أَفَكَانَ طَلَاقا؟».

وحُكي عَنِ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ: يَقع بِهِ طَلْقَة رجعيَّة، وَهُوَ قَول مَالِك، ويُروى ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَزَيْد. وَإِذا فوَّض الرجلُ طَلَاق امْرَأَته إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفسك. أَو خيَّرها، أَو قَالَ لَهَا: أَمرك بِيَدِك. وَأَرَادَ بِهِ تَفْوِيض الطَّلَاق، فَطلقت نَفسهَا فِي الْمجْلس يَقع، وَلَو فَارَقت مجلسها قبل أَن تُطلق نَفسهَا، فَذهب أَكثر الْفُقَهَاء إِلَى أَن الْأَمر خرج من يَدهَا بمفارقة الْمجْلس كَمَا لَو ردَّته، فَلَا يَقع إِذا طلقت نَفسهَا بعده، كَمَا لَو بَاعَ من رجل شَيْئا، فَفَارَقَ الْمجْلس قبل أَن يقبل، وَهُوَ قَول شُرَيْح، ومسروق، وَعَطَاء، وَمُجاهد، وَالشَّعْبِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَذهب قوم إِلَى أَن خِيَارهَا لَا يبطُل بمفارقة الْمجْلس، وَلها تطليقُ نَفسهَا بعده، وَهُوَ قَول قَتَادَة، وَالْحَسَن، وَالزُّهْرِيّ. وَاخْتلف أهل الْعلم فِيمَا لَو قَالَ الزوجُ لَهَا: أمُرِك بِيَدِك، فَطلقت نَفسهَا، ونوت أَكثر من وَاحِدَة، فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنَّهُ لَا يَقع إِلا وَاحِدَة، وَهُوَ قَول عُمَر، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي. رُوي أَن مُحَمَّد بْن عَتيق، قَالَ: ملَّكت امْرَأَتي أمرهَا، ففارقتني، فَقَالَ زَيْد بْن ثَابِت: إرتجعها إِن شِئْت، فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَة، وَأَنت أملكُ بهَا. وَقَالَ ابْن عُمَر: إِذا جعل أمرهَا بِيَدِهَا، فَطلقت نَفسهَا ثَلَاثًا، وَأنكر الزَّوْج، وَقَالَ: لم أجعَل أمرهَا بِيَدِهَا إِلا فِي وَاحِدَة، كَانَ القَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَإِسْحَاق، وَقَالَ عُثْمَان بْن عَفَّان:

باب الطلاق على الهزل

الْقَضَاء مَا قَضَت، وَهُوَ قَول مَالِك، وَأَحْمَد. ورُوي عَنِ الْحَسَن فِي أَمرك بِيَدِك: أَنَّهَا ثَلَاث. ورُوي عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أَن رجلا من ثَقِيف ملَّك امْرَأَته أمرهَا، فَقَالَت: أنتَ الطَّلَاق، قَالَت ذَلِكَ ثَلَاثًا، فاختصما إِلَى مَرْوَان، فاستحلفه مَا ملَّكها إِلا وَاحِدَة، وردهَا إِلَيْهِ، وَكَانَ الْقَاسِم يُعجبهُ هَذَا الْقَضَاء. بَاب الطَّلاقِ على الْهَزْلِ 2356 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ حَبِيبِ بْنِ أَرَدَكَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ مَاهِكَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلاقُ، وَالنِّكَاحُ، والرَّجْعَةُ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَابْنُ مَاهِكٍ عِنْدِي هُوَ يُوسُفُ بْنُ مَاهِكٍ، وَابْنُ حَبِيبِ بْنِ أَرَدَكَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ الإِمَامُ: اتّفق أهلُ الْعلم على أَن طَلَاق الهازل يَقع، وَإِذا جرى صريحُ لفظ الطَّلَاق على لِسَان الْعَاقِل الْبَالِغ لَا ينفعُه أَن يَقُول: كنتُ فِيهِ لاعبًا أَو هازلا، لِأَنَّهُ لَو قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، لتعطلت الْأَحْكَام، وَلم يَشَأْ مطلِّق، أَو ناكح، أَو مُعْتِق أَن يَقُول: كنت فِي قولي هازلا، إِلا قَالَ، فَيكون فِي ذَلِكَ إبطالُ أَحْكَام اللَّه تَعَالَى، فَمن تكلم بِشَيْء مِمَّا جَاءَ ذكرُه فِي هَذَا الْحَدِيث، لزمَه حكمُه، وَخص هَذِه الثَّلَاث بِالذكر، لتأكيد أَمر الْفرج، وَالله أعلم. وَاتفقَ أهل الْعلم على أَن طَلَاق الصَّبِي، وَالْمَجْنُون لَا يَقع، قَالَ عليٌّ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ القَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، ويروى هَذَا من عَليّ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثٍ». وَاخْتلف أهل الْعلم فِيمَن علق طَلَاق امْرَأَته، أَو عتق عَبده على فعل من أَفعاله، فَفعله نَاسِيا، أَو حلف بِاللَّه أَن لَا يفعل كَذَا، فَفعله نَاسِيا، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا يحنثُ، وَهُوَ قَول عَطَاء، وَعَمْرو بْن دِينَار، وَالشَّعْبِيّ، وَأحد قولي الشَّافِعِيّ، وتلا الشَّعْبِيّ {لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [الْبَقَرَة: 286]، وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ يحنَثُ، وَهُوَ قَول مَكْحُول، وَقَتَادَة، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب الأَوْزَاعِيّ، وَمَالك، وَابْن أَبِي ليلى، وَالثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه، وَكَانَ أَحْمَد بْن حَنْبَل يُحنث فِي الطَّلَاق، وَيقف عَنْ إِيجَاب الْحِنْث فِي سَائِر الْأَيْمَان، قَالَ شُعْبَة: سَأَلت الحكم وحمادًا عَنِ الرجل يمرُّ بالعشَّار وَمَعَهُ رَقِيق، يَقُول: هم أَحْرَار، قَالَ الحكم: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ حَمَّاد: أخْشَى أَن يعتقوا. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا قِيَاس قَول أهل الْعلم. وَاخْتلف أهل الْعلم فِي طَلَاق المكرَه، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا يَقع، وَكَذَلِكَ لَا يصِح إعتاقُه، وَلَا شَيْء من تَصَرُّفَاته بِالْإِكْرَاهِ، لما رُوي عَنْ صَفِيَّة بنت شَيْبَة، عَنْ عَائِشَة، قَالَت: سمعتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُول: «

لَا طَلاقَ وَلا عِتَاقَ فِي إِغْلاقٍ». وَمعنى الإغلاق، قيل: هُوَ الْإِكْرَاه، كَأَنَّهُ يغلق عَلَيْهِ الْبَاب، ويُحبس حَتَّى يُطَلِّقَ. وَهُوَ قَول عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَعلي بْن أَبِي طَالب، وَعَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، وَعَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، وَعَبْد اللَّهِ بْن الزبير، وَبِهِ قَالَ شُرَيْح، وَعَطَاء، وَطَاوُس، وَجَابِر بْن زَيْد، وَالْحَسَن، وَالشَّعْبِيّ، وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَالقَاسِم، وَسَالم، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَذهب قوم إِلَى أنَّ طَلَاق الْمُكْره وَاقع، وَهُوَ قَول النَّخعي، وَقَتَادَة، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب أَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالَ شُرَيْح: الْقَيْد كُرهٌ، والوعيد كرهٌ. وَقَالَ أَحْمَد: الكرهُ: القتلُ، أَو الضَّرْب الشَّديد، والتخويف بقتل الْأَب، أَو الابْن، أَو الْأَخ لَيْسَ بإكراه. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ إِكْرَاه فِي جَمِيع الْأُمُور. وَاتَّفَقُوا على من أُكره على الرِّدة، فتلفظ بهَا، لَا يُكفَّر، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النَّحْل: 106]. وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق السَّكْرَان، فَذهب بعضُ أهل الْعلم إِلَى أَن طَلَاقه لَا يقعُ، لِأَنَّهُ لَا يعقِل، كَالْمَجْنُونِ، وَهُوَ قَول عُثْمَان، وَابْن عَبَّاس، وَبِهِ قَالَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد، وَطَاوُس، وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَيَحْيَى بْن

باب لفظ التحريم

سَعِيد، وَاللَّيْث بْن سَعْد، وَإِلَيْهِ ذهب ربيعَة، وَأَبُو يُوسُف، وَإِسْحَاق، وَأَبُو ثَوْر، والمزني. وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن طَلَاقه وَاقع، لِأَنَّهُ عاصٍ لم يزُلْ عَنْهُ بِهِ الخطابُ، وَلَا الْإِثْم، بِدَلِيل أَنَّهُ يؤمرُ بِقَضَاء الصَّلَوَات، وَيَأْثَم بإخراجها عَنْ وَقتهَا، وَبِهِ قَالَ عليٌّ، ورُوي ذَلِكَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَسليمَان بْن يَسَار، وَعَطَاء، وَالْحَسَن، وَالشَّعْبِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَابْن سِيرِينَ، وَمُجاهد، وَهُوَ قَول مَالِك، وَالثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَأَبِي حنيفَة، وَقَالُوا: لَو قَتَل قُتِلَ، وَاحْتَجُّوا بِأَن الصَّحَابَة بلغُوا حد السَّكْرَان حدَّ المفتري، لِأَنَّهُ إِذا سكر افترى، فلولا أَنَّهُ مؤاخذ بافترائه، لم يحدوه حدَّ المفترين، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: أَقْوَاله لَازِمَة. إِلا أَنهم توقفوا فِي قَتله إِذا ارْتَدَّ فِي حَال السكر استيناء بِهِ ليتوب فِي صحوه، وَهُوَ لَو ارْتَدَّ صَاحِيًا، لاستتيب، وَلم يقتل فِي فوره، فَكَذَلِك إِذا ارْتَدَّ وَهُوَ سَكرَان يُستتاب فِي حَال مَا يَعقِلُ. بَاب لَفْظِ التَّحْرِيمِ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {1} قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {2}} [التَّحْرِيم: 1 - 2]. 2357 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَاذُ بْنُ فُضَالَةَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ فِي الْحَرَامِ: يُكَفِّرُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الْأَحْزَاب: 21] ". هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَقَالَ فِي الْحَرَامِ، يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَابْن حَكِيم هُوَ يَعْلَى بْن حَكِيم. قَالَ الإِمَامُ: إِذا قَالَ لامْرَأَته: أنتِ عليَّ حرَام، أَو حرمتُك، فَإِن نوى بِهِ طَلَاقا، فَهُوَ طَلَاق، وَإِن نوى ظِهَارًا، فَهُوَ ظهارٌ، وَإِن أطلق، فَلَيْسَ بِطَلَاق، وَلَا ظِهَار، وَعَلِيهِ كفارةُ الْيَمين بِهَذِهِ اللَّفْظَة، وَكَذَلِكَ لَو نوى تَحْرِيم ذَاتهَا، فَلَا تحرم، وَعَلِيهِ كَفَّارَة الْيَمين، وَإِذا قَالَ ذَلِكَ لأمته، فَإِن نوى بِهِ عتقا، عَتَقَتْ، وَإِلَّا فَعَلَيهِ كَفَّارَة الْيَمين، وَلَيْسَ بِيَمِين، وَإِن حرم طَعَاما على نَفسه، فَلَا يحرم، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِذا أكله، وَلَو قَالَ: كل مَا أملكهُ عليَّ حرَام، فَإِن لم يكن لَهُ زَوْجَة، وَلَا جَارِيَة، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَت لَهُ زَوْجَة، أَو جَارِيَة، فَعَلَيهِ كَفَّارَة الْيَمين، وَإِن كنَّ عددا، فَلَا يجب إِلا كَفَّارَة وَاحِدَة على أصح الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا من أَن لفظ التَّحْرِيم فِي الْمَرْأَة، وَالْجَارِيَة، تجب

بِهِ كفارةُ الْيَمين، وَلَيْسَ بِيَمِين، وَلَا يجب فِي الطَّعَام بِهِ شَيْء، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، عَنِ ابْن عَبَّاس، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن لفظَ التَّحْرِيم يَمِين، فَإِذا حرَّم زَوجته، أَو جَارِيَته على نَفسه، جُعِلَ كَأَنَّهُ حلف أَن لَا يَطَأهَا، فَإِذا وَطَأَها يجب عَلَيْهِ كَفَّارَة الْيَمين، وَإِذا حرَّم طَعَاما فَأَكله، يجب عَلَيْهِ كفارةُ الْيَمين، يُروى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْر، وَعَائِشَة، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ ابْن عَبَّاس، ورُوي عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، قَالَ: الْحَرَام يمينٌ. وَهُوَ قَول سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، ورُوي عَنْ عُمَر، أَنَّهُ قَالَ: يَقع بِهِ طَلْقَة رجعيَّة، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ،

وَعَن عُثْمَان أَنَّهُ يكون ظِهَارًا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد، ورُوي عَنْ عَليّ، وَزَيْد، وَأبي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ يَقع بِهِ ثَلَاث طلقات، اخْتَارَهُ مَالِك. وَاحْتج من جعل لفظ التَّحْرِيم يَمِينا بِمَا 2358 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، نَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنِ عُمَيْرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ. فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ شَرِبْتُ عَسَلا عِنْدَ زَيْنَبَ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ». فَنَزَلَتْ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التَّحْرِيم: 1] {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التَّحْرِيم: 4] لِعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التَّحْرِيم: 3] لِقَوْلِهِ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلا ".

هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَفِيهِ دَلِيل على أَن التَّحْرِيم وَقع على الْعَسَل، لَا على أمِّ وَلَده مَارِيَة الْقبْطِيَّة. المغافير: وَاحِدهَا مغْفُور، وَهُوَ شَيْء يشبه الصَّمغ يكون فِي

باب فيمن طلق البكر ثلاثا

الرَّمث، وَفِيه حلاوة، وَله رَائِحَة مُنكرَة، قَالَ الكِسائي: يُقَالُ: خرج الْقَوْم يتمغفرون: إِذا خَرجُوا يجتنونه من شَجَره، قَالَ الْفراء: وَفِيه لُغَة أُخْرَى، المغاثير بالثاء، وَهَذَا كَقَوْلِهِم: ثوم، وفوم، وجدث وجدف للقبر. بَاب فِيمَنْ طَلَّقَ البِكْرَ ثَلاثًا 2359 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، وَعَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: " إِنَّمَا كَانَتِ الثَّلاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُجْعَلُ وَاحِدَةً وَأَبِي بَكْرٍ وَثَلاثٍ مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ طَلاقُ الثَّلاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ» قَالَ الإِمَامُ: اخْتلف النَّاس فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث، لِأَن نسخ الحكم لَا يُتصور بعد وَفَاة رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْقِطَاع الْوَحْي. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُريج: يُمكن أَن يكون ذَلِكَ فِي نوع خَاص من الثَّلَاث، وَهُوَ أَن يَقُول لَهَا: أنتِ طَالِق، أنتِ طَالِق، أنتِ طَالِق، فَإِن كَانَ قصدُه الإيقاعَ بِكُل لَفْظَة، تقع الثَّلَاث، وَإِن كَانَ قصدهُ التوكيدَ، والتكرار، فَلَا يَقع إِلا وَاحِدَة، فَكَانَ فِي عهد رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعهد أَبِي بَكْر، والنَّاسُ على صدقهم، وسلامتهم، لم يظْهر فيهم الخِبُّ،

والخِداعُ، كَانُوا يصدقون أَنهم أَرَادوا بهَا التوكيد، فلمَّا رأى عُمَر فِي زَمَانه أمورًا ظَهرت، وأحوالا تَغَيَّرت، ألزمهم الثَّلَاث. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا بيَّن فِي قَوْله: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَناةٌ. وَمِنْهُم من تَأَوَّلَه على غير الْمَدْخُول بهَا، فقد روى أَيُّوب عَنْ غير وَاحِد، عَنْ طَاوس، أَن أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: أما علمتَ أَن الرجل كَانَ إِذا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا قبل أَن يدْخل بهَا جعلوها وَاحِدَة على عهد رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر، وصدرًا من إِمَارَة عُمَر؟ فَأقر بِهِ ابْن عَبَّاس، وَذهب إِلَى هَذَا جمَاعَة من أَصْحَاب عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، مِنْهُم: سَعِيد بْن جُبَير، وَطَاوُس، وَأَبُو الشعْثَاء، وَعَمْرو بْن دِينَار، وَقَالُوا: من طلق الْبكر ثَلَاثًا، فَهِيَ وَاحِدَة. وعامةُ أهل الْعلم على خلاف قَوْلهم.

وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق، أَنْت طَالِق، أَنْت طَالِق، قَالَه ثَلَاثًا: فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا يَقع إِلا وَاحِدَة، لِأَنَّهَا تبين باللفظة الأولى، فَلَا حكم لما بعْدهَا، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَذهب جمَاعَة إِلَى وُقُوع الثَّلَاث كَمَا فِي الْمَدْخُول بهَا، وَهُوَ قَول ربيعَة، وَمَالك، وَابْن أَبِي ليلى، وَالأَوْزَاعِيّ، وَاللَّيْث بْن سَعْد. وتأوَّل بَعضهم حَدِيث ابْن عَبَّاس على طَلَاق الْبَتَّةَ، كَانَ عُمَر يَرَاهَا وَاحِدَة، فَلَمَّا تتايع النَّاس فِيهِ ألزمهم الثَّلَاث. 2360 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ مُحَمِّدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ بُكَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: " طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَجَاءَ يَسْتَفْتِي، فَذَهَبْتُ مَعَهُ أَسْأَلُ لَهُ، فَسَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالا: «لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ زَوْجًا غَيْرَكَ» وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا قَبْلَ

باب المطلقة ثلاثا لا تحل إلا بعد إصابة زوج غيره

أَنْ يَمَسَّهَا، فَقَالَ: «الْوَاحِدَةُ تُبينُهَا، وَالثَّلاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ». بَاب المُطَلَّقَةِ ثَلاثًا لَا تَحِلُّ إِلا بَعْدَ إِصَابة زَوْجٍ غَيْره قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [الْبَقَرَة: 230]. 2361 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخَلالُ، نَا أَبو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إنِّي كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي، فَبَتَّ طَلاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟

لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ، وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ». وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَنَادَى: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلا تَسْمَعُ مَا تَجْهَرُ بِهِ هَذِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ والعُسَيْلَةُ: تَصْغِير الْعَسَل، شبه لَذَّة الْجِمَاع بالعسل، وَإِنَّمَا أَدخل الْهَاء فِي التصغير على نِيَّة اللَّذَّة، وَقيل: على معنى النُّطْفَة، وَقيل: على معنى الْقطعَة، يُرِيد قِطْعَة من الْعَسَل، كَمَا قَالُوا: ذُو الثُّدَيَّة على معنى قِطْعَة من الثدي، وَقيل: على معنى الْوَقْعَة الْوَاحِدَة الَّتِي تحل للزَّوْج الأول. وَقيل: الْعَسَل يُذكَّر ويؤنَّث، فَإِذا أنِّث، قيل فِي تصغيرها: عُسيلة. وَالْعَمَل على هَذَا الْحَدِيث عِنْد عَامَّة أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيرهم، قَالُوا: إِذا طلق الرجل امْرَأَته ثَلَاثًا، فَلَا تحل لَهُ بعد ذَلِكَ، حَتَّى تنْكح زوجا آخر، ويصيبها الزَّوْج الثَّانِي، فَإِن فَارقهَا، أَو مَاتَ

عَنْهَا قبل أَن أَصَابَهَا فَلَا تحل، وَلَا تحل بِإِصَابَة شُبْهَة، وَلَا زنى، وَلَا ملك يَمِين. وَلَو طلق امْرَأَته الْأمة ثَلَاثًا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا، لَا يحلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِملك الْيَمين حَتَّى يُصيبها زوجُ آخر، رُوي ذَلِكَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت، وَقَالَهُ أهل الْعلم عَامَّة، وَكَانَ ابْن الْمُنْذر، يَقُول: فِي الْحَدِيث دلالةٌ على أَن الزَّوْج الثَّانِي إِن وَاقعهَا وَهِي نَائِمَة، أَو مغمى عَلَيْهَا لَا تحسُّ باللذة أَنَّهَا لَا تحِلُّ للزَّوْج الأول، لِأَن الذواق أَن تُحِسَّ باللذة، قَالَ الإِمَامُ: وَعَامة أهل الْعلم على أَنَّهَا تحل. وَلَو طلق امْرَأَته طَلْقَة أَو طَلْقَتَيْنِ، فنكحت زوجا آخر، وأصابها، ثُمَّ فَارقهَا، وعادت إِلَى الزَّوْج الأول، فَإِنَّهَا تعود إِلَيْهِ بِمَا بَقِي من الطَّلَاق عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَهُوَ قَول عُمَر، قَالَ: «أَيُّمَا امَرْأةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُها تَطْلِيقةً أَوْ تَطَلِيقَتيْن، ثُمَّ تَركَهَا حَتَّى تَحِلَّ، وتزوَّج زَوْجًا غَيْرهُ، فَيَمُوتُ عَنها أَو يُطَلِّقُها، ثُمَّ يَنْكِحُها زَوْجُها الأَوَّلُ، تَكُونُ عِنْدَهُ على مَا بقيَ مِنْ طَلاقِهَا». قَالَ مَالِك: وَتلك السّنة عندنَا الَّتِي لَا اخْتِلَاف فِيهَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تعود إِلَيْهِ بِثَلَاث طلقات، وَالزَّوْج الثَّانِي يهدِم مَا دون الثَّلَاث كَمَا يهدِمُ الثَّلَاث، وَهُوَ قَول عَليّ.

باب الإيلاء

بَاب الإِيلاءِ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [الْبَقَرَة: 226]، والإيلاءُ: اليمينُ، وَهُوَ الأَليَّةُ، يُقَالُ: آلى فُلانٌ مِن امرأَتِهِ، أَيْ: حَلَفَ أَن لَا يَقْرَبَهَا، يُقَال: آلى: وتأَلَّى وائْتَلَى، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النُّور: 22]. وَيقْرَأ: «وَلَا يتألَّ». 2362 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، نَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ آلَى مِنَ امْرَأَتِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا مَضَتِ الأَرْبَعَةُ الأَشْهُرِ، وُقِفَ حتَّى يُطَلِّقَ أَوْ يَفِيءَ، وَلا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلاقٌ إِذَا مَضَتِ الأَرْبَعَةُ الأَشْهُرِ حتَّى يُوقَفَ».

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَائِشَةَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

2363 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ،

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: «يُوقَفُ الْمُؤْلِي» قَالَ الإِمَامُ: الْإِيلَاء: أَن يحلف الرجلُ أَن لَا يقربَ امْرَأَته أَكثر من أَرْبَعَة أشهر، فَلَا يُتعرض لَهُ قبل مُضي أَرْبَعَة أشهر، فَإِذا مَضَت أربعةُ أشهر، فَاخْتلف أهلُ الْعلم فِيهِ، فَذهب أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقع الطلاقُ بمضيِّها، بل يُوقف، فإمَّا أَن يَفيءَ، ويُكفِّر عَنْ يَمِينه، أَو يُطلق، وَهُوَ قَول مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. قَالَ الشَّافِعِيّ: فَإِنْ طَلَّقَ، وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَاحدةً. وَقَالَ بعض أهل الْعلم: إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر يَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق. قَالَ ابْن عَبَّاس: «عزمُ الطَّلَاق انْقِضَاء الْأَشْهر الْأَرْبَعَة»، ثُمَّ اخْتلفُوا

فَقَالَ بَعضهم: يَقع عَلَيْهَا طَلْقَة وَاحِدَة رَجْعِيَّة، وَهُوَ قَول سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَأَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، وَقضى بِهِ مَرْوَان بْن الحكم، وَهُوَ رَأْي ابْن شِهَاب. وَقَالَ بَعضهم: إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر، وَقعت عَلَيْهَا طلقةٌ بَائِنَة، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالَ الْأسود بْن يَزِيد: إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر، فنُفست، وأشهدَ، فَهِيَ امْرَأَته، وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيم: إِن كَانَ لَهُ عذر، فَأشْهد، فَهِيَ امْرَأَته. وَمن قَالَ بِوُقُوع الطَّلَاق بعد مُضي الْمدَّة، قَالَ: إِذا حلف على أَرْبَعَة أشهر يكون مؤليًا، وبمضيِّها يَقع الطَّلَاق، وَأما على قَول من قَالَ بِالْوَقْفِ. لَا يكون مؤليًا، لِأَن الْوَقْف يكون فِي حَال بَقَاء الْيَمين، وَقد ارْتَفَعت هَهُنَا بِمُضِيِّ أَرْبَعَة أشهر، أما إِذا حلف على أقل من أَرْبَعَة أشهر، فَلَا

باب الظهار

يثبت حكمُ الْإِيلَاء، بل هُوَ حَالف، فَإِن جَامعهَا قبل مُضي الْمدَّة الْمَحْلُوف عَلَيْهَا، فَعَلَيهِ كَفَّارَة الْيَمين. وَلَو حلف أَن لَا يَطَأهَا حَتَّى تفطِم وَلَدهَا، فَإِن أَرَادَ وَقت الْفِطَام، وَهُوَ مُضيُّ الْحَوْلَيْنِ، فَإِن بَقِي من الْحَوْلَيْنِ أَكثر من أَرْبَعَة أشهر، فَهُوَ مؤل، فَإِن بَقِي أقل، فَلَيْسَ بمؤل، وَإِن أَرَادَ فعل الْفِطَام، والصبيُّ فِي سنّ لَا يحْتَمل الْفِطَام فِي أَرْبَعَة أشهر، فَهُوَ مؤل، وَإِن كَانَ يحْتَمل الْفِطَام فِي أَرْبَعَة أشهر، فَلَيْسَ بمؤل. قَالَ مَالِك: بَلغنِي أَن عليا سُئل عَنْ ذَلِكَ، فَلم يَرهُ إِيلَاء، وَهُوَ قَول مَالِك. بَاب الظِّهَارِ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ إِلَى قَوْله وَزُورًا} [المجادلة: 2]، أَي: كَذِبًا، سُمِّيَ زُورًا، لأَنَّهُ مَيْلٌ عَنِ الحقِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ} [الْكَهْف: 17]، أَيْ: تَمِيلُ. وَقَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3].

2364 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ ثَعْلَبَةَ كَانَتْ تَحْتَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، فَتَظَاهَرَ مِنْهَا، وَكَانَ بِهِ لَمَمٌ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَوْسًا تَظَاهَرَ مِنِّي، وَذَكَرَتْ أَنَّ بِهِ لَمَمًا، وَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ إِلا رَحْمَةً لَهُ، إِنَّ لَهُ فِيَّ مَنَافِعَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنُ فِيهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرِيهِ فَلْيَعْتِقْ رَقَبَةً». قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدَهُ رَقَبَةً، وَلا يَمْلِكُهَا، قَالَ: «مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ كَلَّفْتُهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مَا اسْتَطَاعَ. قَالَ: «مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا»، قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ: «مُرِيهِ فَلْيَذْهَبْ إِلَى فُلانِ بْنِ فُلانِ، فَقَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّ عِنْدَهُ شَطْرَ تَمْرٍ صَدَقَةً، فَلْيَأْخُذْهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَتَصَدَّقْ بِهِ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا»

قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: لَيْسَ معنى «اللَّمَمُ» هَهُنَا: الخَبل، وَالْجُنُون، وَلَو كَانَ بِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَاهر فِي تِلْكَ الْحَال، لم يكن يلْزمه شَيْء، بل معنى «اللمم» هَهُنَا: الإلمامُ بالنِّساء، وَشدَّة الْحِرْص، والتوقان إلَيْهِنَّ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا كَمَا رُوي عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار، عَنْ سَلمَة بْن صَخْر فِي حَدِيث الظِّهَار، قَالَ: كنت امْرأ أُصِيب من النِّسَاء مَا لَا يُصيب غَيْرِي، فَلَمَّا دخل شهرُ رَمَضَان، خفتُ أَن أُصِيب من امْرَأَتي شَيْئا، فظاهرت مِنْهَا حَتَّى يَنْسَلِخَ شهرُ رَمَضَان، فَبينا هِيَ تُحَدِّثنِي ذاتَ لَيْلَة، إِذْ تكشفَ لي مِنْهَا شَيْء، فَلم ألبث أَن وقعتُ عَلَيْهَا، فانطلقتُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرتهُ، فَذكر الْحَدِيث، وَفِيه: «فَأَطْعِمْ وَسَقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكينًا».

قَالَ الإِمَامُ: صورةُ الظِّهار أَن يَقُول الرجل لامْرَأَته: أنتِ عليَّ كَظهر أُمِّي، فَإِذا عَاد، يلزمُه الكفَّارةُ، وَلَا يجوز لَهُ أَن يقربهَا مَا لم يُخرج الْكَفَّارَة، وَهِي عتقُ رَقَبَة مُؤمنَة، فَإِن لم يجد، فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين، فَإِن لم يستطِع، فإطعامُ سِتِّينَ مِسْكينا. وَاخْتلف أهل الْعلم فِي الْعود، فَذهب قوم إِلَى أَن الْكَفَّارَة تجب بِنَفس الظِّهَار، وَالْمرَاد من الْعود: هُوَ الْعود إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة من نفس الظِّهَار، وَهُوَ قَول مُجَاهِد، وَالثَّوْرِيّ، وَقَالَ قوم: هُوَ إِعَادَة لفظ الظِّهَار وتكريره، وَقَالَ قوم: هُوَ الْوَطْء، وَبِهِ قَالَ الْحَسَن، وَطَاوُس، وَالزُّهْرِيّ، وَقَالَ قوم: هُوَ الْحرم على الْوَطْء، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَأَحْمَد، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَعند الشَّافِعِيّ، الْعود: هُوَ أَن يمْسِكهَا عقب الظِّهَار زَمَانا يُمكنهُ أَن يُفارقها، فَلم يفعل، فَإِن طَلقهَا عقيب الظِّهَار فِي الْحَال، أَو مَاتَ أَحدهمَا فِي الْوَقْت، فَلَا كَفَّارَة، لِأَن الْعود لِلْقَوْلِ هُوَ الْمُخَالفَة، وقصده بالظهار التَّحْرِيم، فَإِذا أمْسكهَا على النِّكَاح، فقد خَالف قَوْله، فَيلْزمهُ الْكَفَّارَة، وَفِي الْعَرَبيَّة لِمَا قَالوا أَي: فِيمَا قَالُوا، وَفِي بعض مَا قَالُوا.

وَلَو شبهها بعضو من أَعْضَاء الْأُم سوى الظّهْر، فَقَالَ: أَنْت عَليّ كيد أُمِّي، أَو كبطن أُمِّي، أَو قَالَ: يُدك أَو بطنُك، عليَّ كَظهر أُمِّي، أَو كبطن أُمِّي، فَهُوَ ظِهَار على أصح قولي الشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن شببها بِبَطن الْأُم، أَو فرجهَا، أَو فَخذهَا، فَهُوَ ظِهَار كالظهر، وَإِن شبهها بعضو آخر سواهَا، فَلَيْسَ بظهار، وَلَو قَالَ: أَنْت عليَّ كعين أُمِّي، أَو كروح أُمِّي، فَهُوَ ظِهَار، إِلا أَن يُرِيد بِهِ الْكَرَامَة، فَلَا يكون ظِهَارًا، وَلَو قَالَ: كأمي، أَو مثل أُمِّي، فَلَيْسَ بظهار إِلا أَن يُرِيد بِهِ الظِّهَار. وَلَو قَالَ: أَنْت عليَّ كَظهر جدتي، أَو ابْنَتي، أَو أُخْتِي، أَو عَمَّتي، أَو خَالَتِي، فظهار، وَكَذَلِكَ إِن شبهها بِامْرَأَة مُحرمَة عَلَيْهِ بِسَبَب الرَّضَاع على أصح الْقَوْلَيْنِ، فَإِن كَانَت محرَّمة بالصِّهريَّة، فَلَيْسَ بالظهار على الْأَصَح كالملاعنة. قَالَ الإِمَامُ: فِي حَدِيث سَلمَة بْن صَخْر: «ظَاهَرْتُ مِنْهَا حتَّى يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضَانَ». فَفِيهِ دَلِيل على أَن الظِّهَار الْمُؤَقت ظِهَار، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، وأصحُّ قولي الشَّافِعِيّ. وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ لَا يجب بِهِ شَيْء، وَهُوَ قَول مَالِك، وَاللَّيْث، وَابْن أَبِي ليلى. ثُمَّ اخْتلف قَول الشَّافِعِيّ فِي أَنَّهُ إِذا ظَاهر مؤقتًا، بِأَن ظَاهر يَوْمًا، أَو شهرا، أَن التَّأْقِيت هَل يسْقط أم لَا؟ فَقَالَ فِي قَول: يتأبد، كَمَا لَو طَلقهَا مُدَّة

يتأبد، وَالثَّانِي: لَا يتأبد، حَتَّى لَو طَلقهَا فِي الْوَقْت، ثُمَّ رَاجعهَا بعد مُضي الْمدَّة، فَأَمْسكهَا، وَوَطئهَا، لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي حَدِيث أَوْس بْن الصَّامِت دليلٌ على أَن الْمظَاهر إِذا جَامع قبل أَن يُكفَّر لَا يجبُ عَلَيْهِ إِلا كَفَّارَة وَاحِدَة، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم، وَبِهِ قَالَ سُفْيَان، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَقَالَ بَعضهم: إِذا وَاقعهَا قبل أَن يُكفِّر، فَعَلَيهِ كفَّارتان، وَهُوَ قَول عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مهْدي. وَلَو ظَاهر من أَربع نسْوَة بِكَلِمَة وَاحِدَة، فَعَلَيهِ أَربع كفَّارات على أظهر قولي الشَّافِعِيّ، كَمَا لَو طلقهن، يَقع على كل وَاحِدَة طَلْقَة. وَقَالَ فِي الْقَدِيم: لَا يجب إِلا كَفَّارَة وَاحِدَة، وَهُوَ قَول ربيعَة، وَمَالك، ويُروى ذَلِكَ عَنْ عُرْوَة بْن الزبير، وَلَو ظَاهر من امْرَأَة وَاحِدَة مرَارًا قبل أَن يُكفِّر، فَإِن قَالَهَا مُنْفَصِلَة، أَو أَرَادَ بِكُل وَاحِدَة ظِهَارًا آخر، فَعَلَيهِ كفَّارات، وَإِن قَالَهَا مُتَتَابِعًا، وَقَالَ: أردْت ظِهَارًا وَاحِدًا، فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَاحِدَة، وَقَالَ مَالِك: لَا يجب إِلا كَفَّارَة وَاحِدَة إِلا أَن يكفِّر عَنِ الأول، ثُمَّ يُظاهر ثَانِيًا، فَعَلَيهِ كَفَّارَة أُخْرَى. وَمن ظَاهر من أمته، فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ، كَمَا لَو طَلقهَا لَا يَقع، وَعند مَالِك يلْزمه الكفَّارة إِذا أَرَادَ أَن يمسَّها.

باب ما يجزئ من الرقاب في الكفارة

بَابُ مَا يُجْزِئُ مِنَ الرِّقَابِ فِي الكَفَّارَةِ 2365 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ جَارِيَةً لِي كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لِي، فَجِئْتُهَا، فَفَقَدَتْ شَاةً مِنَ الْغَنَمِ، فَسَأَلْتُهَا عَنْهَا، فَقَالَتْ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا، وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا، وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ، أَفَأُعْتِقُهَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا»، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: «أَعْتِقْهَا» 2365 - قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشْيَاءُ كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ» 2365 - قَالَ: وَكُنَّا نَتَطَيَّرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نَفْسِهِ، فَلا يَصُدَّنَّكُمْ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَقَالَ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَبُو مَيْمُونَةَ اسْمُهُ أُسَامَةُ وَقَوله: أسفتُ عَلَيْهَا. أَي: غضبْتُ، والأسف: الْغَضَب، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55]، أَي: أغضبونا، وَقَالَ: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [طه: 86]، أَي: شَدِيد الْغَضَب. قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: فِيهِ دَلِيل على أَن شَرط الرَّقَبَة فِي جَمِيع الْكَفَّارَات أَن تكون مُؤمنَة، لِأَن الرجل لما قَالَ: عليَّ رَقَبَة، أفأعتقُها؟ لم يُطلق لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجوابَ بإعتاقها حَتَّى امتحنها بِالْإِيمَان، وَلم يسْأَل عَنْ جِهَة وُجُوبهَا، فَثَبت أَن جَمِيع الْكَفَّارَات فِيهَا سَوَاء، وَهُوَ مَذْهَب أَكثر أهل الْعلم، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.

وَذهب بَعضهم إِلَى أَن يجوز إِعْتَاق الْكَافِرَة فِي جَمِيع الكفَّارات إِلا فِي كَفَّارَة الْقَتْل، حُكي ذَلِكَ عَنْ عَطَاء، وَهُوَ قَول الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَاتَّفَقُوا على أَنَّهُ لَا يُجزئ الْمُرْتَد، وَقد شَرط اللَّه الْإِيمَان فِي رَقَبَة الْقَتْل، وَأطلق ذكر الرَّقَبَة فِي غَيره، فَوَجَبَ أَن يحمل المُطلق على المقيَّد، كَمَا قيد الشَّهَادَة بِالْعَدَالَةِ فِي مَوضِع، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطَّلَاق: 2]، وَأطلق فِي مَوضِع، ثُمَّ الْكل سَوَاء فِي كَون الْعَدَالَة شرطا فِيهِ. وَاخْتلف قَول الشَّافِعِيّ فِيمَن نذر إِعْتَاق رَقَبَة مُطلقًا، فَهَل يخرج عَنْهُ بِإِعْتَاق رَقَبَة كَافِرَة أم لَا؟ قَالَ الإِمَامُ: أقربُها إِلَى الِاحْتِيَاط وأشبهها بِظَاهِر الْحَدِيث، أَن لَا يجوز. وَيجوز إِعْتَاق الصَّغِير عَنِ الْكَفَّارَة إِذا كَانَ أحدُ أَبَوَيْهِ مُسلما، أَو كَانَ قد سباه مُسْلِم، لِأَنَّهُ مَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ تبعا لِلْأَبَوَيْنِ أَو للسابي، وَشَرطه أَن يكون سليم الرّقّ، سليم الْبدن، عَنْ عيب يُضِرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرا بَينا حَتَّى لَا يجوز أَن يعْتق عَنْ كَفَّارَته مكَاتبا، وَلَا أم ولد، وَلَا عبدا اشْتَرَاهُ بِشَرْط الْعتْق، وَلَو اشْترى قريبُهُ الَّذِي يُعتق عَلَيْهِ بنيَّة الْكَفَّارَة، عتق عَلَيْهِ، وَلَا يحوز عَنِ الْكَفَّارَة، وجوَّز أَصْحَاب الرَّأْي الْمكَاتب إِذا لم يكن أدَّى شَيْئا من نُجُوم الْكِتَابَة، وَعتق الْقَرِيب، وجوَّزوا الْمُدبر، وجوَّز طَاوس أم الْوَلَد، وَلم يجوزها الْأَكْثَرُونَ، وَيجوز الْأَعْوَر، والأعرج، والأبرص، ومقطوع الْأذن، وَالْأنف، والخصي، والمجبوب، والأخرس الَّذِي يعقل الْإِشَارَة، لِأَن هَذِه الْعُيُوب لَا تُخِلُّ بِالْعَمَلِ خَللا بيِّنًا، وَلَا يجوز الْأَعْمَى، وَلَا الْمَجْنُون، وَلَا المريضُ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَال مَرضه، وَلَا مَقْطُوع

إِحْدَى الْيَدَيْنِ، أَو إِحْدَى الرجلَيْن، وَلَا مَقْطُوع إِبْهَام، أَو سبَّابة، أَو وسطى، من إِحْدَى الْيَدَيْنِ، وَيجوز مقطوعُ الْخِنْصر، والبنصر، فَإِن كَانَ مقطوعهما لَا يجوز، وجوَّز أَصْحَاب الرَّأْي مَقْطُوع إِحْدَى الْيَدَيْنِ، أَو إِحْدَى الرجلَيْن، وَلم يُجوِّزوا مَقْطُوع الْأُذُنَيْنِ، وَلَا الأَصَمّ، وَلَا الْأَخْرَس، لفَوَات جنس من الْمَنْفَعَة على الْكَمَال، وَيجوز إِعْتَاق ولد الزِّنَى عَنِ الْكَفَّارَة عِنْد الْأَكْثَرين. سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: يُجزئهُ، وَقَالَ الزُّهْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ: لَا يجوز، لما رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلاثَةِ».

باب اللعان

وَاخْتلفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث قيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي رجل بِعَيْنِه كَانَ موسومًا بالشرِّ، ورُوي أَن ابْن عُمَر كَانَ إِذا قيل لَهُ: وَلَدُ الزِّنَا شرُّ الثَّلَاثَة، قَالَ: بل هُوَ خير الثَّلَاثَة. وَقيل معنى قَوْله: «شَرُّ الثَّلاثة» أصلا ونسبًا، لِأَنَّهُ خلق من مَاء خَبِيث، وَلَا يُؤمن أَن يُؤثر ذَلِكَ فِيهِ، ويدُبَّ فِي عروقه، فيحمله على الشَّرّ. وَقَول ابْن عُمَر هُوَ خير الثَّلَاثَة، فوجهه أَنَّهُ لَا إِثْم لَهُ فِي الذَّنب الَّذِي بَاشرهُ الزانيان، فَهُوَ خير مِنْهُمَا لبراءته من الذَّنب. بَاب اللِّعانِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النُّور: 6]. الْآيَات. 2366 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، أخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرَ الْعَجْلانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا أَيَقْتُلُهُ، فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي عَنْ ذَلِكَ يَا عَاصِمُ، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَّمَا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ، جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا». فَقَالَ سَهْلٌ، فَتَلاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلاعُنِهِمَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ مالكٌ: قَالَ ابْن شِهَاب: فكانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ المتلاعِنَيْنِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَزَادَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ، فَلا أُرَاهُ إِلا قَدْ صَدَقَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلا أُرَاهُ إِلا كَاذِبًا»، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ الأَسْحَمُ: الشَّديد السوَاد، يُقَالُ: غُرابٌ أسحم، أَي شَدِيد السوَاد، والوحرةُ: دُويبةٌ شبه الوزغة تلزق الأَرْض، جمعهَا وَحَرٌ، وَمِنْه وحرُ الصَّدر، وَهُوَ الحقد والغيظ، سمي بِهِ لتشبُّثه بِالْقَلْبِ، ويُقَالُ: فلانٌ وَحِرُ الصَّدر، إِذا دبَّت الْعَدَاوَة فِي قلبه كدبيب الوَحَر.

وَإِنَّمَا كره النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْأَلَة عَاصِم، لِأَنَّهُ كَانَ يسْأَل لغيره، وَلم يكن بِهِ إِلَيْهِ حَاجَة، وَلما فِيهِ من هتك الْحُرْمَة، فأظهر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَرَاهِيَة إيثارًا لستر العورات. قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: وحكمُ هَذَا الْمَسْأَلَة أَنَّهُ من رمى إنْسَانا بالزنى، فَإِن كَانَ الْمَقْذُوف مُحصنا، يجب على الْقَاذِف جلدُ ثَمَانِينَ إِن كَانَ حرا، وَإِن كَانَ عبدا، فجلد أَرْبَعِينَ، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: 4]، وَإِن كَانَ الْمَقْذُوف غير مُحصن، فعلى قَاذفه التَّعْزِير. وشرائطُ الْإِحْصَان خَمْسَة: الْإِسْلَام، وَالْعقل، وَالْبُلُوغ، وَالْحريَّة، والعفة من الزِّنَى، حَتَّى إِن من زنى فِي أول بُلُوغه مرّة، ثُمَّ تَابَ، وحسُنت حَالَته، وامتد عمره، فقذفه قَاذف لَاحَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا حدَّ فِي النِّسْبَة إِلَى غير الزِّنَى من الْفَوَاحِش، إِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِير، سُئل عَليّ عَنْ قَول الرجل للرجل: يَا فَاجر، يَا خَبِيث، يَا فَاسق، قَالَ: هنَّ فواحشُ، فِيهِنَّ تَعْزِير، وَلَيْسَ فِيهِنَّ حد. وَكَانَ الشَّعْبِيّ يَقُول فِي الرجل إِذا دخل بِالْمَرْأَةِ، فَقَالَ: لم أَجدهَا عذراء: إِن عَلَيْهِ الْحَد. وَكَانَ إِبْرَاهِيم النَّخعي لَا يرى عَلَيْهِ الْحَد، وَيَقُول: العُذرة تذْهب من النَّزوة وَمن التعنيس. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا قَول الْعلمَاء. وَلَا فرق فِي مُوجب الْقَذْف بَين من يقذف أَجْنَبِيّا، أَو زَوجته، غير أَن الْمخْرج مِنْهُمَا مُخْتَلف، فَإِذا قذف أَجْنَبِيّا، لَا يسْقط الحدُّ عَنْهُ إِلا بِالْإِقْرَارِ من جِهَة الْمَقْذُوف، أَو إِقَامَة أَرْبَعَة من الشُّهَدَاء على زِنَاهُ، وَإِذا قذف زَوجته، فَلَا يسْقط إِلا بِأحد هذَيْن، أَو بِاللّعانِ، وَعند أَصْحَاب الرَّأْي لَا حدَّ على من قذف زَوجته، إِنَّمَا مُوجبه اللّعان، وَالشَّرْع جعل اللّعان فِي حق الزَّوْج بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة، فَقَالَ اللَّه جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ

يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النُّور: 6]، فثبتَ أَن اللِّعان حجَّة الْقَاذِف على صدقه كالبيِّنة، وَلَو شهد الزَّوْج على زَوجته بالزنى مَعَ ثَلَاثَة، فشهادة الزَّوْج مَرْدُودَة عِنْد بعض أهل الْعلم، وَهُوَ قَاذف عَلَيْهِ الحدُّ إِلا أَن يُلاعن، وَهُوَ قَول النَّخعي، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، وَذهب قوم إِلَى أَن شَهَادَة الزَّوْج مَقْبُولَة، وَعَلَيْهَا الْحَد، وَهُوَ قَول الشَّعْبِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَمن جعل الزَّوْج قَاذِفا بِهَذِهِ الشَّهَادَة، قَالَ: حكم الثَّلَاثَة الَّذين شهدُوا حكم شُهُود الزِّنَى إِذا لم يكملوا أَرْبَعَة. وَاخْتلف فيهم أهل الْعلم، فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنهم قذفة، عَلَيْهِم حد الْقَذْف، لما رُوي عَنْ عُمَر أَنَّهُ شهد عِنْده ثَلَاثَة على رجل بالزنى، وَلم يكمل الرَّابِع شَهَادَته، فجلد الثَّلَاثَة، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، وَأظْهر قولي الشَّافِعِيّ، وَذهب بَعضهم إِلَى أَنهم لَا يحدُّون، لأَنهم جَاءُوا مَجِيء الشُّهُود، وَلَو شهد أَربع على زنى امْرَأَة، وأقامت الْمَرْأَة أَربع نسْوَة على أَنَّهَا عذراء، لَا حدَّ عَلَيْهَا، لِأَن عذرتها تَنْفِي زنَاهَا، وَلَا حدَّ على قاذفها لقِيَام الْبَيِّنَة على زنَاهَا، وَقد يتَصَوَّر عود العُذرة. قَالَ الشَّعْبِيّ: مَا كنتُ لأقيم الْحَد على امْرَأَة عَلَيْهَا من اللَّه خَاتم، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَن الحدَّ يُقَام عَلَيْهَا. وَيجْرِي اللِّعان بَين الزَّوْجَيْنِ الرقيقين والذميين، كَمَا يجْرِي بَين الحرَّين الْمُسلمين عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَهُوَ قَول سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَسليمَان بْن يَسَار، وَالْحَسَن، وَبِهِ قَالَ ربيعَة، وَمَالك، وَاللَّيْث، وَالثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَجُمْلَته أَن من صَحَّ يَمِينه، صَحَّ لِعَانه، وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ لَا يَصح اللّعان إِلا مِمَّن هُوَ من أهل الشَّهَادَة، وَهُوَ قَول حَمَّاد، وَالزُّهْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، حَتَّى قَالُوا: لَو

كَانَ أحد الزَّوْجَيْنِ ذِمِّيا، أَو رَقِيقا، أَو محدودًا فِي قذف، فَلَا لعان. وَاتَّفَقُوا على جَوَاز لعان الْفَاسِق، وَالْأَعْمَى، وَفِي قَول سهل: «فَتَلاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ». دَلِيل على أَن اللِّعان يَنْبَغِي أَن يكون بِمحضر جمَاعَة من الْمُؤمنِينَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُستر، كَمَا أَن الحدَّ يُقَام بِمحضر جمَاعَة من النَّاس، ليَكُون أبلغ فِي الزّجر، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النُّور: 2]. ويُلاعَن فِي الْمَسْجِد، فقد رُوي فِي حَدِيث سهل بْن سَعْد: «فَتَلاعَنَا فِي المَسْجِدِ وأَنا شَاهِدٌ». وَقَوله: «فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا» فِيهِ دَلِيل على أَن الْجمع بَين الطلقات الثَّلَاث لَا يكون بِدعَة، إِذْ لَو كَانَ بِدعَة، لأنكر عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِن لم يكن يَقع فِي هَذَا الْموضع لوُقُوع الْفرْقَة بِاللّعانِ، وَلَكِن الرجل كَانَ جَاهِلا بالحكم، فَلَو لم يكن جَائِزا، لمَنعه عَنْهُ حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ الحكم، فَلَا يجترئ عَلَيْهِ فِي الْموضع الَّذِي يَقع. وَاخْتلف أهل الْعلم فِي الْوَقْت الَّذِي تقع فِيهِ الْفرْقَة بَين الزَّوْجَيْنِ فِي اللِّعان، فَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ تقع بفراغ الزَّوْج من اللّعان، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ يَقع بتلاعنهما جَمِيعًا، رُوي ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَأَحْمَد، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَنَّهُ يَقع بتفريق الْقَاضِي بَينهمَا بعد تلاعنهما، حَتَّى لَو طَلقهَا قبل قَضَاء الْقَاضِي يقعُ، وَذهب عُثْمَان البتي إِلَى أَن الْفرْقَة لَا تقع وفراق الْعجْلَاني امْرَأَته كَانَ بِالطَّلَاق.

وَفرْقَة اللَّعان فرقة فسخ عِنْد كثير من أهل الْعلم حَتَّى لَا تسْتَحقّ الْمَرْأَة نَفَقَة الْعدة، وَلَا السُّكْنَى، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: اللَّعان تطليفة بَائِنَة، وَلها السُّكْنَى وَالنَّفقَة فِي الْعدة، ويحتج من لَا يُوقع الْفرْقَة بِنَفس اللّعان بتطليق الْعجْلَاني الْمَرْأَة بعد اللِّعان، فَلَو كَانَت الْفرْقَة وَاقعَة، لم يكن للتطليق معنى، وَمن أوقع بِاللّعانِ الْفرْقَة، حمل ذَلِكَ مِنْهُ على الْجَهْل بالحكم، أَو يحْتَمل أَنَّهُ لما قيل لَهُ: لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا. وجد من ذَلِكَ فِي نَفسه، فَقَالَ: «كَذبتُ عَلَيْهَا إِن أمسكتُها هِيَ طَالِق ثَلَاثًا». يُرِيد بذلك تَأْكِيد تِلْكَ الْفرْقَة، يدل عَلَيْهِ أَن الْفرْقَة لَو لم تكن وَاقعَة، لكَانَتْ الْمَرْأَة فِي حكم المطلقات ثَلَاثًا، وَأَجْمعُوا على أَنَّهَا لَيست فِي حكم المطلقات ثَلَاثًا تحلُّ لَهُ بعد زوج آخر. وَقَول ابْن شِهَاب: «فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةُ المُتَلاعِنَين». يُرِيد أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ بعد اللِّعان. وَفِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ لَا أَرَاهُ إِلا قَدْ صَدَقَ». دَلِيل على أَن التحلية بالنعوت الْمَكْرُوهَة إِذا أُرِيد بهَا التَّعْرِيف، لَا تكون غيبَة يَأْثَم بهَا قائلُها، وَفِيه دَلِيل على جَوَاز الِاسْتِدْلَال بالشبه، وَفِيه بَيَان أَن مَعَ جَوَاز الِاسْتِدْلَال بِهِ لَا يُحكم بِهِ إِذا كَانَ هُنَاكَ مَا هُوَ أقوى مِنْهُ فِي الدّلَالَة على ضد مُوجبه، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُوجب الحدِّ عَلَيْهَا بالشبه لما جَاءَت بِهِ على النَّعْت الْمَكْرُوه، لوُجُود الْفراش، كَمَا لم يُعتبر الشّبَه فِي ولد وليدة زَمعَة لوُجُود مَا هُوَ أقوى، وَهُوَ الْفراش. وَفِيه دَلِيل على أَن الْمَرْأَة كَانَت حَامِلا، وَأَن اللّعان وَقع على نفي الْحمل، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَالشَّافِعِيّ، أَن اللّعان على نفي الْحمل جَائِز، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي

إِلَى أَن اللِّعان على نفي الْحمل لَا يجوز، فَإِن فعل صحِّ، تعلق بِهِ أَحْكَامه، غير أَن الْوَلَد يلْزمه لُزُوما لَا يُمكنهُ نَفْيه بعده. 2368 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، أَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالأُمِّ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ يَحْيَى بْن بُكير، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى، وَقُتَيْبَة، كلٌّ عَنْ مَالِك ويحتج بهَذَا الْحَدِيث من لَا يرى وقوعَ الْفرْقَة إِلا بتفريق الْحَاكِم بَينهمَا، وَمن أوقع الْفرْقَة بِنَفس اللِّعان، قَالَ: إِضَافَة التَّفْرِيق إِلَيْهِ، لِأَن سَببه كَانَ بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَمَا لَو ادّعى على رجل شَيْئا بَين يَدي الْقَاضِي، فَأقر الْمُدعى عَلَيْهِ، فألزمه الْقَاضِي الْأَدَاء، يُضَاف الحكمُ فِيهِ إِلَى القَاضِي، وَثُبُوت الْحق بِإِقْرَار الْمُدَّعِي عَلَيْهِ، أَو مَعْنَاهُ: أَنَّهُ بيَّن أَن الْفرْقَة قد وَقعت بَينهمَا باللِّعان يدل عَلَيْهِ أَن الْوَلَد يكون لاحقًا بِالْأُمِّ من غير حكم الْحَاكِم، ثُمَّ أضيف الإلحاقُ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

2369 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: أَنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُتَلاعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي، قَالَ: «لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَدَقَتْ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ الإِمَامُ فِي قَوْله: «لَا سبيلِ لكِ عَلَيْهَا» دليلٌ على وُقُوع الْفرْقَة باللِّعان، وَأَنَّهَا لَا تحلُّ لَهُ أبدا، وَإِن أكذب الرجل نَفسه، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم، يُروى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، وَعلي، وَابْن مَسْعُود، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَأَبُو يُوسُف، حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيّ: لَو لاعنَ زَوجته الْأمة، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا تحِلُّ لَهُ إصابتها، كَمَا لَو اشْترى أُخْته من الرَّضَاع

لَا يحلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، لِأَن حُرْمَة الرَّضَاع مؤبَّدة، وَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى أَنَّهُ إِذا أكذب نَفسه، يرتفعُ تَحْرِيم العقد، فَيجوز لَهُ نِكَاحهَا، كَمَا يلْحقهُ النسبُ الْمَنْفِيّ بعد الإكذاب، يُروى ذَلِكَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَير: تعود مَنْكُوحَة لَهُ إِذا أكذب نَفسه. وَفِيه دَلِيل على أَن زوج الْمُلَاعنَة لَا يرجع عَلَيْهَا بِالْمهْرِ إِن كَانَ قد دخل بهَا، وَإِن أقرَّت الْمَرْأَة بالزنى، فَأَما إِذا تلاعنا قبل الدُّخُول، فَاخْتلف فِيهِ أهلُ الْعلم، فَذهب قوم إِلَى أَن لَهَا نصفَ الْمهْر، وَهُوَ قَول قَتَادَة، وَالشَّعْبِيّ، وَالْحَسَن، وَسَعِيد بْن جُبَير، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ الحكم، وَحَمَّاد: لَهَا الصَدَاق كَامِلا، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لَا صدَاق لَهَا. 2370 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، نَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ». فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «البَيِّنَةُ وَإِلا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ». فقَالَ هِلالٌ: وَالَّذِي

بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النُّور: 6 - 9]، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأرْسَلَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ هِلالٌ، فَشَهِدَ وَالنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟». ثُمَّ قامَتْ فَشَهِدتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ، وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ»، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ: عظيمُهما، ويُروى: خدل السَّاقَيْن، أَي: الممتلئ السَّاق، المكتنز اللَّحْم.

وَفِيه دَلِيل على أَن مُوجب قذف الزَّوْجَة الحدُّ، كَمَا فِي قذف الْأَجَانِب، فَإِن لم يُقم بيِّنة، وَلم يُلاعن، يُحَدُّ، وَفِيه دَلِيل على أَنَّهُ إِذا قذف امْرَأَته بِرَجُل بِعَيْنِه، ثُمَّ لَاعن، سقط عَنْهُ حدُّ المرمي بِهِ، كَمَا يسْقط حدُّ الزَّوْجَة، لِأَنَّهُ مُضْطَر إِلَى ذكر من يقذفها بِهِ، كَمَا هُوَ مُضْطَر إِلَى قذف زَوجته، لإِزَالَة الضَّرَر عَنْ نَفسه، ثُمَّ اللِّعان كَانَ حجَّة لَهُ فِي حقِّ الزَّوْجَة، كَذَلِك فِي حق المرمي بِهِ، هَذَا إِذا سمَّى المرمي بِهِ فِي اللِّعان، فَإِن لم يُسمِّه، فَفِي سُقُوط حدِّه للشَّافِعِيّ قَولَانِ: فَإِن قُلْنَا: لَا يسقُط، فَلهُ إِعَادَة اللّعان لإسقاطه، وَذهب قوم إِلَى أَن حد المرمي بِهِ لَا يسْقط اللّعان، وَهُوَ قَول مَالِك، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَفِي قَوْله عِنْد الْخَامِسَة: «إنَّها مُوجِبَةٌ». دَلِيل على أَن حكم اللّعان لَا يثبت إِلا بِاسْتِيفَاء الْكَلِمَات الْخمس، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى أَنَّهُ إِذا أَتَى بِالْأَكْثَرِ، قَامَ مقَام الْكل. والسُّنة فِي اللّعان أَن يُوقف الْملَاعن عِنْد الْكَلِمَة الْخَامِسَة، ويُحذِّر، ويقَالَ: إِنَّهَا مُوجبَة. يَعْنِي: تُوجب الْغَضَب فِي حَقّهَا، واللَّعن فِي حَقه. ورُوي فِي حَدِيث عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس، فَلَمَّا كَانَت الْخَامِسَة قيل: «يَا هِلالُ، اتَّقِ اللَّه، فإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، وإنَّهَا المُوجِبَةُ الَّتي تُوجِبُ عَلَيْكَ العَذَابَ». وقيلَ لَهَا عِنْدَ الخَامِسَةَ كَذَلِك.

ورُوي عَنِ ابْن عَبَّاس أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمر رجلا حِين أَمر المتلاعنين أَن يتلاعنا أَن يضع يَده على فِيهِ عِنْد الْخَامِسَة يَقُول: إنَّها مُوجِبَةٌ ". ويُبدأ فِي اللِّعان بِالرجلِ: فيقيمه الْحَاكِم، ويلقنه كلمة كلمة، ثُمَّ يُقيم الْمَرْأَة، فيلقنها كلمة كلمة. ورُوي فِي حَدِيث ابْن عُمَر، أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنيا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ»، قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنيا أَهْوَنُ من عَذَابِ الآخِرَةِ. قَالَت: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ. وَفِي قَوْله: «لَوْلَا مَا مضى مِنْ كتاب اللَّه، لَكَانَ لي وَلها شأَنٌ». دَلِيل على أَن الْقَاضِي يجب عَلَيْهِ أَن يحكم بِالظَّاهِرِ، وَإِن كَانَت هُنَاكَ شُبْهَة تعترض، وَأُمُور تدل على خِلَافه، فَإِن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمضى حكم اللِّعان، وَلم يحكم عَلَيْهَا بالزنى بِظَاهِر الشّبَه. ورُوي عَنْ عباد بْن مَنْصُور، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس فِي قصَّة هِلَال بْن أُميَّة بعد ذكر التلاعن، «فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَينهمَا، وَقضى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لأَبٍ، وَلا تُرْمَى وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدهَا، فَعَلَيْهِ الحدُّ، وَقضى أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَّرَقانِ مِنْ غَيْرِ طَلاقٍ، وَلَا مُتَوَفَّى عَنْهَا».

وَفِيه من الْفِقْه أَن الرجل إِذا قذف زَوجته، ولاعَنَ عَنْهَا، وَنفى وَلَدهَا، ثُمَّ قَذفهَا قَاذف، يجب عَلَيْهِ الْحَد، سَوَاء لاعنت بعد لِعَانه، أَو امْتنعت، فحدَّث للزنى، وَلَو قَذفهَا زوجُها، فَعَلَيهِ التَّعْزِير بِخِلَاف مَا لَو ثَبت زنَاهَا بِبَيِّنَةٍ، أَو إِقْرَار من جِهَتهَا لَا يجب الحدُّ على قاذفها، سَوَاء قَذفهَا زَوجهَا أَو غَيره، لِأَن البيِّنة وَالْإِقْرَار حجَّة عَامَّة، واللِّعان حجَّة خَاصَّة فِي حق الزَّوْج، هَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَنَّهُ إِن كَانَ هُنَاكَ ولدٌ حيّ قد نَفَاهُ باللِّعان لَا يجب الْحَد على قاذفها، وَإِن كَانَ بعد موت الْوَلَد الْمَنْفِيّ، أَو كَانَ اللِّعان جرى بَينهمَا لَا على نفي ولد، فَيجب الحدُّ على قاذفها، وَهَذَا تَفْصِيل لَا يَصح فِي أثر وَلَا نظر. وَفِيه دَلِيل على أَن فرقة اللِّعان فرقة فسخ، وَلَا سُكنى للملاعنة، وَلَا نَفَقَة كَمَا قَالَه الشَّافِعِيّ رَحمَه اللَّه. قَالَ الإِمَامُ: وَيتَعَلَّق بِلعان الزَّوْج عِنْد الشَّافِعِيّ خمسةُ أَحْكَام: سُقُوط حد الْقَذْف عَنْهُ، وَوُجُوب حد الزِّنَى على الْمَرْأَة، كَمَا لَو أَقَامَ بيِّنة على زنَاهَا، وَانْقِطَاع الْفراش عَنْهُ، وتأبُّدُ التَّحْرِيم، وَنفي النّسَب. وَلَا يتَعَلَّق بِإِقَامَة البيِّنة شَيْء مِنْهَا إِلا سُقُوط حد الْقَذْف عَنْهُ، وَوُجُوب حد الزِّنَى عَلَيْهَا، ثُمَّ بعد لعان الزَّوْج إِذا أَرَادَت الْمَرْأَة إِسْقَاط حد الزِّنَى عَنْ نَفسهَا فَإِنَّهَا تلاعن، لقَوْل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النُّور: 8]، وَالْمرَاد بِالْعَذَابِ: الحدُّ، وَلَا يتَعَلَّق بِلعان الْمَرْأَة إِلا هَذَا الحكم الْوَاحِد. وَلَو أَقَامَ الزَّوْج بيِّنة على زنَاهَا، لم يكن لَهَا إِسْقَاط الْحَد بِاللّعانِ، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن الزَّوْج إِذا امْتنع عَنِ اللّعان، يُحبس حَتَّى يُلاعن،

باب الرجل يجد مع امرأته رجلا

فَإِذا لَاعن فَلَا حدَّ عَلَيْهَا، إِنَّمَا عَلَيْهَا اللَّعان، وَلَو قذف زَوجته، ثُمَّ أَبَانهَا قبل اللَّعان، يجوز لَهُ أَن يُلَاعن عَنْهَا لنفي النّسَب إِن كَانَ هُنَاكَ ولد، وَإِن لم يكن، فلإسقاط الْحَد وَالتَّعْزِير إِن طلبته الْمَرْأَة، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَالشَّعْبِيّ، وَالقَاسِم بْن مُحَمَّد، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد. وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ لَا حد وَلَا لعان، وَهُوَ قَول حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان، وَالنَّخَعِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَلَو مَاتَت الْمَرْأَة قبل أَن يُلَاعن الزَّوْج يُحدُّ الزَّوْج، وَلَا يُلاعن، إِلا أَن يكون ثَمّ ولدٌ يُرِيد نَفْيه، وَقَالَ الشَّعْبِيّ: يُلاعن، وَقَالَ حَمَّاد: يُجلد، فَأَما إِذا أنشأ الْقَذْف بعد الْبَيْنُونَة، فَلَا لعان لَهُ، بل عَلَيْهِ الحدُّ إِلا أَن يكون ثَمَّ ولدٌ يلْحقهُ، فَلهُ أَن يُلَاعن لنفيه، وَكَذَلِكَ لَهُ اللّعان لنفي ولد يلْحقهُ بِنِكَاح فَاسد، أَو وَطْء شُبْهَة. ثُمَّ إِذا لَاعن، يسْقط عَنْهُ حدُّ الْقَذْف، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن الْقَذْف بعد الْبَيْنُونَة، وَفِي النِّكَاح الْفَاسِد لَا يثبت اللّعان، وَقذف الْأَخْرَس بِالْإِشَارَةِ قذف، ولعانه بِالْإِشَارَةِ مُوجب للْحكم، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَنَّهُ لَا حكم لقذفه وَلَا للعانه بِالْإِشَارَةِ، وَاتَّفَقُوا على جَوَاز طَلَاقه، وعتقه، وَبيعه، بِالْإِشَارَةِ، والكتبة. بَاب الرجُلِ يَجِدُ مَعَ امْرأَتِهِ رَجُلا 2371 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلا أُمْهِلُهُ حتَّى آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْن حَرْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ سُهَيْلٍ، بِإِسْنَادِهِ، وَزَادَ، قَالَ: كَلا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسمعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ إنَّهُ لَغَيُورٌ، وأَنا أَغْيَرُ منهُ، وَاللَّهِ أَغْيَرُ منِّي» قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: يشبه أَن تكون مراجعةُ سَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَمَعا فِي الرُّخْصَة، لَا ردا لقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَبى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سكتَ، وانقادَ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيل على أَن من قتل رجلا، ثُمَّ ادِّعى أَنَّهُ وجده على امْرَأَته أَنَّهُ لَا يسْقط عَنْهُ القصاصُ بِهِ حَتَّى يُقيم البيِّنة على زِنَاهُ، وَكَونه مُحصنا مُسْتَحقّا للرجم، كَمَا لَو قَتله، ثُمَّ ادّعى أَنَّهُ كَانَ قد قتل أَبِي، فَعَلَيهِ البيِّنة، وَكَذَلِكَ لَو قطع يَده، ثُمَّ ادّعى عَلَيْهِ سَرقَة لَا يقبل حَتَّى يُقيم بَيِّنَة على أَنَّهُ سرق نِصَابا من حرز لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ، وَقد قَالَ عَليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَلْيُعْطِ بِرُمَّتِهِ، أَي: يسلم إِلَى

باب الغيرة

أَوْلِيَاء الْقَتِيل ليقتلوه. والرمة: الْحَبل الَّذِي يُشد بِهِ الْأَسير إِلَى أَن يقتل، أَي: يُسلم إِلَيْهِم بِحَبل فِي عُنُقه، وَقيل: أَرَادَ إِعْطَاء الْبَعِير برمتِهِ يَعْنِي: إبل الدِّية، والرمة: الْحَبل الَّذِي فِي عنق الْبَعِير. ورُوي عَنْ عُمَر أَنَّهُ أهْدر دَمه، وَيُشبه أَن يكون أهْدر دَمه فِيمَا بَينه وَبَين اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذا تحقق زِنَاهُ وإحصانُه، أما فِي الحكم، فيقتص مِنْهُ، وَقَالَ أَحْمَد: إِن جَاءَ ببيِّنة أَنَّهُ وجده مَعَ امْرَأَته فِي بَيته يُهدر دَمه، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاق. بَاب الغَيْرةِ 2372 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلا مَعَ امْرَأَتِي، لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُنْذِرِينَ وَالْمُبَشِّرِينَ، وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الجَنَّةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ،

عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، وَقَالَ: «لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّه، وَلا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ، وَلا شَخْصَ أَحَبُّ إِليه المِدحةُ». وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: «لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ»

قيل: الْغيرَة من اللَّه: الزّجر، وَالله غيور، أَي: زجور يزْجر عَنِ الْمعاصِي، وَقَوله: «لَا أَحَدٌ أَغْيَرُ مِنَ اللَّه»، أَي: أزْجر عَنِ الْمعاصِي مِنْهُ. قَوْله: «غَيْرَ مُصفحٍ»، أَي: أضربه بحده للْقَتْل والإهلاك، لَا بعرضه للزجر والإرهاب، يقَالَ: وَجه هَذَا السَّيْف مُصفحٌ، أَي: عريض، وصفحا السَّيف وجهاه، وغِرارهُ: حدَّاهُ، ويقَالَ: أصفحته بالسَّيف أصفح بِهِ: إِذا ضَربته بعرضه. 2373 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَمَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ،

باب إثم من جحد ولده أو ادعى إلى غير أبيه

عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقٍ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الْغَيْرَةَ مِنَ الإِيمَانِ» ورُوي عَنْ عَليّ، أَنَّهُ قَالَ فِي خطبَته: «بَلَغَني أَنَّ نِسَاءكُم يُزَاحِمْنَ العُلُوجَ فِي السُّوقِ، أَمَا تَغَارُونَ، أَلا إِنَّهُ لَا خَيْرَ فيمَنْ لَا يَغَارُ». بَاب إِثمِ مَنْ جَحَدَ وَلَدَهُ أَوِ ادَّعَى إِلى غَيْرِ أَبِيه 2374 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، أَنَّهُ سَمِعَ الْمَقْبُرِيَّ، قَالَ: حدَّثَني أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلاعَنَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ

مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ فِي الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ» 2375 - حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، أَنا أَبُو عَاصِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَامِرِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَوْبَةَ الْبَزَّازُ، نَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عِصَامٍ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ هُوَ الْفِرْيَانَانِيُّ، نَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلاعَنَةِ، قَالَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَلْحَقَتْ بِقَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ الْجَنَّةَ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَنْكَرَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ، احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الأَشْهَادِ». بَكَّارُ بْنُ عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، وَعَمُّهُ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ أَبُو عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّبَذِيُّ ضَعِيفَانِ 2376 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَبَا بَكْرَةَ، وَكَانَ قَدْ تَسَوَّرَ حِصَارِ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ، فَجَاءا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالا: سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ

باب الشك في الولد

بَاب الشَّكِّ فِي الوَلَدِ 2377 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «مَا أَلْوَانُهَا؟»، قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: «فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «أَنَّى تَرَى ذَلِكَ؟»، قَالَ: أَرَاهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: «فَلَعَلَّ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، عَنْ

مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ والأوْرَقُ: الأسمر، وَمِنْه قيل للرماد: أَوْرَق، وللحمامة: وَرْقَاء، فالأورق من الْإِبِل وَالْحمام: الَّذِي لونُه لونُ الرماد. قَالَ الإِمَامُ: وَفِيه دَلِيل على أَن امْرَأَة الرجل إِذا أَتَت بِولد لَا يُشبههُ لوقت يُمكن أَن يكون مِنْهُ، لَا يُباحُ لَهُ قذفُها، وَلَا نفي الْوَلَد، وَإِن زنَّها بريبة، فَإِن تَيَقّن أَن الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ بِأَن لم يكن أَصَابَهَا، أَو أَتَت بِهِ لأقلَّ من سِتَّة أشهر من وَقت الْإِصَابَة، أَو لأكْثر من أَربع سِنِين، فَعَلَيهِ نفيُه، لِأَنَّهُ كَمَا هُوَ مَمْنُوع من نفي نسبه مَمْنُوع من استلحاق من هُوَ منفي عَنْهُ بِالْيَقِينِ. وَلَو رأى امْرَأَته تَزني، أَو سمع مِمَّن يَثِق بقوله يُبَاح لَهُ قَذفهَا، وَاللّعان، والستر أولى إِذا لم يكن ثَمَّ نسب يلْحقهُ، وَهُوَ يعلم أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ. وَلَو أَتَت امْرَأَة الصَّبِي بِولد، فَإِن كَانَ الصَّبِي ابْن عشر سِنِين، يلْحق بِهِ إِلا أَن يَنْفِيه بِاللّعانِ بعد تَيَقّن بُلُوغه، لِأَن الْبلُوغ بالاحتلام مُتَصَوّر بعد عشر سِنِين، وَالنّسب يثبت بالإمكان، وَإِن كَانَ دون عشر سِنِين، فمنفي عَنْهُ بِلَا لِعان. وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على أَنَّهُ لَا يصير قَاذِفا بالتعريض مَا لم يُصَرح بِالْقَذْفِ، وَهُوَ أَن ينْسبهُ إِلَى الزِّنَى صَرِيحًا، أَو يذكر كِنَايَة، فَيَقُول: يَا فَاسق، يَا فَاجر، وَنَحْوهمَا، ثُمَّ يقر بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الزِّنَى، فَأَما التَّعْرِيض مثل قَوْله:

باب الولد للفراش

يَا ابْن الْحَلَال، أَو أما أَنا، فَمَا زَنَيْت، وَلَيْسَت أُمِّي بزانية، فَلَيْسَ بِقَذْف، وَإِن أَرَادَهُ عِنْد الْأَكْثَرين، وَقَالَ مَالِك: يجب الحدُّ بالتعريض، لما رُوِيَ عَنْ عمْرَة بنت عَبْد الرَّحْمَنِ، أَن رجلَيْنِ استبَّا فِي زمَان عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ أَحدهمَا للْآخر: وَالله مَا أَبِي بزانٍ، وَلَا أُمِّي بزانية. فَاسْتَشَارَ عُمَر فِي ذَلِكَ، فَقَالَ قَائِل: مدح أَبَاهُ وَأمه، وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ كَانَ لأَبِيهِ وأمِّه مَدْحٌ سوى هَذَا، نرى أَنْ يُجْلَدَ الحدَّ، فَجَلَدَهُ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ ثَمَانِينَ. وَفِي الْحَدِيث إثباتُ الْقيَاس حَيْثُ أحَال اخْتِلَاف اللَّوْن بَين الْوَالِد والمولود على نزع الْعرق، بِالْقِيَاسِ على اخْتِلَاف ألوان الْإِبِل مَعَ اتِّحَاد الْفَحْل واللقاح. بَاب الوَلدِ لِلفِراشِ 2378 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ

الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: إِنَّ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ لَهُ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَتَسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَليدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ لِلْفِراشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: «احْتَجِبِي مِنْهُ» لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حتَّى لَقِيَ اللَّهَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ لَيْثٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ مُسَدَّدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ»

قَالَ الإِمَامُ: كَانَت لأهل الْجَاهِلِيَّة عاداتٌ فِي الْأَنْكِحَة، وَفِي أَمر الْإِمَاء، أبطلها الشَّرْع، فَمن عَادَتهم فِي الْأَنْكِحَة مَا رُوي عَنْ عَائِشَة أَن النِّكَاح فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ على أَرْبَعَة أنحاء: فنكاح مِنْهَا نكاحُ النَّاس الْيَوْم يخطبُ الرجل إِلَى الرجل وليتَه، أَو ابْنَته، فيصدقُها، ثُمَّ ينكِحها، ونكاحٌ آخر، كَانَ الرجل يَقُول لامْرَأَته إِذا طهرتْ من طمثها: أرسلي إِلَى فلَان، فاستبضعي مِنْهُ، ويعتزلها زَوجهَا حَتَّى يتبيَّن حملُها من ذَلِكَ الرجل، فَإِذا تبيَّن حملُها، أَصَابَهَا زَوجهَا إِذا أحبَّ، وَإِنَّمَا يفعل ذَلِكَ رَغْبَة فِي نجابة الْوَلَد، فَكَانَ هَذَا نكاحَ الاستبضاع. وَنِكَاح آخر يجْتَمع الرَّهط دون الْعشْرَة، فَيدْخلُونَ على الْمَرْأَة كلُّهم يُصِيبهَا، فَإِذا حملت وَوضعت، ومرَّت ليالٍ بعد أَن تضع حملهَا، أرْسلت إِلَيْهِم حَتَّى يجتمعوا عِنْدهَا، تَقول لَهُم: قد ولدتُ، فَهُوَ ابنُك يَا فلَان، تسمي من أحبَّت، فيلحقُ بِهِ ولدُها لَا يَسْتَطِيع أَن يمْتَنع الرجل. ونكاحٌ رَابِع يجْتَمع النَّاس الْكثير، فَيدْخلُونَ على الْمَرْأَة لَا تمْتَنع مِمَّن جاءها، وهُن البغايا كنَّ ينصِبنَ على أبوابهنَّ راياتٍ تكون عَلما، فَمن أرادُهنَّ دخل عليهنَّ، فَإِذا حملت إحداهُنَّ، وَوضعت حملهَا، دعوا لَهُم الْقَافة، ثُمَّ ألْحقُوا وَلَدهَا بِالَّذِي يرَوْنَ ودُعي ابْنه، لَا يمْتَنع من ذَلِكَ، فَلَمَّا بُعث مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحقِّ، هدم نِكَاح الْجَاهِلِيَّة كُله إِلا نِكَاح النَّاس الْيَوْم.

قَالَ الإِمَامُ: وَمن عاداتهم فِي الْإِمَاء أَنهم كَانُوا يقتنون الولائد، ويضربون عَلَيْهِم الضرائب، فيكتسبنَ بِالْفُجُورِ، وهنَّ البغايا اللَّاتِي ذكرهن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْله: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النُّور: 33]، وَكَانَت سادتهم يُلمون بهنَّ، وَلَا يجتنبونهن، وَكَانَ من سيرتهم إلحاقُ الْوَلَد بالزنى، فَإِذا جَاءَت الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ بِولد، وَكَانَ سيِّدها يَطَؤُهَا، وَقد وَطئهَا غَيره بالزنى، فَرُبمَا ادَّعاه الزَّانِي وادَّعاه السَّيد، فدعوا لَهُ الْقَافة، فَحكم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَلَدِ لسَيِّدهَا لإِقْرَاره بِوَطْئِهَا، ومصيرها فراشا لَهُ بِالْوَطْءِ، وأبطل مَا كَانَ عَلَيْهِ أهلُ الْجَاهِلِيَّة من إِثْبَات النّسَب بالزنى، كَمَا رُوي عَنْ سَعِيد بْن جُبير، عَنِ ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا مُسَاعَاة فِي الإِسلام مَنْ سَاعَى فِي الجَاهِلِيَّة، فَقَدْ لَحِقَ بِعَصَبته، ومَن ادَّعى ولدا مِنْ غير رِشْدَةٍ، فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ». وَالْمرَاد بالمساعاة: الزِّنَى، وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَجْعَل المساعاة فِي الْإِمَاء دون الْحَرَائِر، لِأَنَّهُنَّ يسعين لمواليهن، فيكتسبن لَهُم بضرائب كَانَت عَلَيْهِنَّ، فَأبْطل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المساعاة فِي الْإِسْلَام، وَلم يُلحق بهَا النّسَب، وَعَفا عَمَّا كَانَ مِنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأثبت بِهِ النّسَب، وَفِي هَذَا كَانَت منازعةُ عبد بْن زَمعَة، وَسَعْد بْن أَبِي وَقاص، كَانَت لزمعة أمةٌ يُلمُّ بهَا، وَكَانَت لَهُ عَلَيْهَا ضريبة، وَكَانَ قد أَصَابَهَا عتبةُ بْن أَبِي وَقاص، وَظهر بهَا حمل، وَهلك عتبَة كَافِرًا، فعهد إِلَى أَخِيه سَعْد أَن يستلحق ولد أمة زَمعَة، وادَّعى عبد بْن زَمعَة أَنَّهُ أخي ولد على فرَاش أَبِي، فَقَضَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْد بْن زمْعَةَ بِمَا يَدَّعيه، وأبْطَلَ دَعْوَةَ الجَاهليَّةِ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيث من الْفِقْه إِثْبَات الدَّعْوَى فِي النّسَب كَمَا فِي الْأَمْوَال، وَفِيه أَن الْأمة تصير فراشا بِالْوَطْءِ، فَإِذا أقرّ السيِّد بِوَطْئِهَا، ثُمَّ أَتَت بِولد لمُدَّة يُمكن أَن يكون مِنْهُ، يلْحقهُ، وَلم يكنه نَفْيه باللِّعان إِلا أَن يَدعِي الِاسْتِبْرَاء بعد الْوَطْء، والوضع بعده بِأَكْثَرَ من سِتَّة أشهر، فَحِينَئِذٍ يَنْتَفِي عَنْهُ الْوَلَد. 2379 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلائِدَهُمْ، ثُمَّ يَدَعُونَهُنَّ يَخْرُجْنَ، لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا، إِلا أَلْحَقتُ بِهِ وَلَدَهَا، فَأَرْسِلُوهُنَّ بَعْدُ، أَوْ أَمْسِكُوهُنَّ» وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن الْأمة لَا تصير فراشا بِالْوَطْءِ، فَإِن أَتَت بِولد لَا يلْحق السيِّد، وَإِن أقرَّ بِوَطْئِهَا مَا لم يقر بِالْوَلَدِ، وَإِن أقرّ السَّيد بِالْوَطْءِ، وادَّعى الِاسْتِبْرَاء، فادعت الْأمة أَنَّهُ لم يَسْتَبْرِئهَا، فَالْقَوْل قَول السَّيِّد، فَإِن قَالَ السَّيد: كنت أعزل، لحقه النّسَب، لِأَن الْعلُوق مَعَ الْعَزْل مُمكن. 2380 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،

عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلائِدَهُمْ، ثُمَّ يَعْزِلُونَهُنَّ، لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إِلا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا، فاعْزِلُوا بَعْدُ، أَوِ اتْرُكُوا» قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيث أَن من مَاتَ، فَأقر وَارثه بِابْن لَهُ، ثَبت نسبه، وَإِن كَانَ الْمقر وَاحِدًا بعد أَن كَانَ مِمَّن يحوز جَمِيع مِيرَاث الْمَيِّت، فَإِن مَاتَ عَنْ عدد من الْوَرَثَة، فَأقر بَعضهم بِنسَب، وَأنكر بَعضهم، فَلَا يثبت النّسَب، وَلَا الميراثُ، فَإِن قيل: لم يُوجد فِي قصَّة وليد زَمعَة إقرارُ جَمِيع الْوَرَثَة، لِأَنَّهُ أقرّ بِهِ عبد بْن زَمعَة وَحده، وَكَانَت أُخْته سَوْدَة تَحت النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلم يكن من جِهَتهَا إقرارٌ وَلَا دَعْوَى. قيل: قد رُوي أَنَّهُ لم يكن لزمعة يَوْم مَاتَ وارثٌ غير ابْنه عبد زَمعَة، لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا، وَأسْلمت سَوْدَة فِي حَيَاته، وَأسلم عبد بْن زَمعَة، بعده، فَكَانَ مِيرَاثه لعبد وَحده، وَقد لَا يُنكر إِن ثَبت كونُ سَوْدَة من الْوَرَثَة أَن تكون قد وكَّلت أخاها بِالدَّعْوَى، أَو أقرَّت بذلك، عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِن لم يذكر فِي الْقِصَّة، وَالِاعْتِبَار فِي هَذَا بقول من يسْتَحق التَّرِكَة بِالْإِرْثِ، سَوَاء كَانَ اسْتِحْقَاقه بِنسَب، أَو نِكَاح، أَو وَلَاء، فَلَو مَاتَ عَنِ ابْن، فَأقر بِأَخ لَهُ، لحقه، واشتركا فِي

الْمِيرَاث، وَلَو كَانَ مَعَه زَوْجَة فأنكرت لم يثبت، وَلَو مَاتَ عَنْ بنت، فأقرت بِأَخ لَهَا، لم يثبت، لِأَنَّهَا لَا ترثُ جَمِيع المَال، فَإِن كَانَت مُعتقة أَبِيهَا، ثَبت، وَلَو مَاتَ عَنِ ابْن، فَأقر بِأَخ للْمَيت، هُوَ يلْحق النّسَب بالجد، فَإِن مَاتَ جده بعد أَبِيه، يثبت إِذا كَانَ هُوَ مِمَّن ورث جَمِيع تَرِكَة الْجد، وَإِن مَاتَ جده قبل أَبِيه يشْتَرط أَن يكون هَذَا حائزا جَمِيع تَرِكَة من حَاز تَرِكَة الجدِّ حَتَّى يثبت بقوله النّسَب، وَلَو أقرَّ بوارث يحجب الْمقر، يثبت بقوله النّسَب دون الْمِيرَاث، مثل أَن مَاتَ عَنْ أَخ، فَأقر بِابْن للْمَيت، يثبت نسب الابْن بِإِقْرَار الْأَخ، وَلَا مِيرَاث للِابْن، لِأَنَّهُ لَو ورث حجب الْأَخ، وَإِقْرَار المحجوب لَا يثبت بِهِ النّسَب، فَفِي إِثْبَات الْمِيرَاث لَهُ نفي نسبه، فأثبتنا النّسَب ومنعنا الْمِيرَاث، هَذَا كُله على مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَمعنى قَوْله. وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن النّسَب لَا يثبت بقول الْوَاحِد، وَلَا يشْتَرط إِقْرَار من يَرث جَمِيع المَال، بل يشْتَرط عدد الشَّهَادَة، فَإِن من مَاتَ عَنْ بَنِينَ وَبَنَات، فَأقر مِنْهُم ابْنَانِ أَو ابْن وبنتان يثبت النّسَب، وَالْمِيرَاث، وَإِن أنكر الْبَاقُونَ، والْحَدِيث حجَّة لِلْقَوْلِ الأول. وَلَو مَاتَ عَنْ بَنِينَ، فَأقر بَعضهم بِأَخ آخر، وَأنكر الْآخرُونَ، فَلَا نسب وَلَا مِيرَاث للْمقر بِهِ، عِنْد بعض أهل الْعلم، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ يدْخل فِي الْمِيرَاث مثل أَن كَانَا أَخَوَيْنِ أقرّ أَحدهمَا بِأَخ ثَالِث، وَأنكر الآخر، لَا يثبت النّسَب بالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ عِنْد أَبِي حنيفَة يَأْخُذ الْمقر بِهِ نصف مَا فِي يَد الْمقر، وَقَالَ ابْن أَبِي ليلى، وَأَبُو يُوسُف: يَأْخُذ ثلث مَا فِي يَد الْمقر. وَلَو مَاتَ عَنِ ابْنَيْنِ، فَأقر أَحدهمَا بدين على الْمَيِّت، وَأنكر الآخر،

لَا يجب على الْمقر إِلا نصف الْمقر بِهِ على أظهر الْقَوْلَيْنِ. وَقَالَ فِي الْقَدِيم: يجب عَلَيْهِ جَمِيع الدَّين إِلا أَن تكون حِصَّته من التَّرِكَة أقل من الدَّين، فَلَا يلْزمه أَكثر مِمَّا خصّه، وَلَو شهد اثْنَان من الْوَرَثَة بدَين لإِنْسَان على الْمَيِّت، فعلى القَوْل الأول يُقبل، وَيثبت فِي جَمِيع التَّرِكَة، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَالْحكم، وَمَالك، وعَلى القَوْل الآخر: لَا يقبل، وَيكون كَالْإِقْرَارِ، فَيكون من نصيبهما، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَأما أمره سَوْدَة بالاحتجاب عَنْهُ بعد الحكم بالإخوة، فعلى معنى الِاسْتِحْبَاب والتنزه عَنِ الشُّبْهَة، لما رأى من شبه الْغُلَام بِعتبَة، والاحتراز عَنْ مَوَاضِع الشّبَه من بَاب الدَّين، وَقَوله: «الولدُ للفِرَاشِ»، يَعْنِي: لصَاحب الْفراش وَهُوَ الزَّوْج، أَو مَالِك الْأمة، لِأَنَّهُ يفترشها بِالْحَقِّ، وَقَوله: «للعَاهِرِ الحَجَرُ». فالعاهر: الزَّانِي، يقَالَ: عهر إِلَيْهَا يعهر: إِذا أَتَاهَا للفجور، والعهر: الزِّنَا، وَقيل: أَرَادَ بِالْحجرِ الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ.

باب القائف

وَقيل: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لَيْسَ كل زَان يُرجم، وَإِنَّمَا يُرجم بعض الزناة، وَهُوَ الْمُحصن، وَإِنَّمَا معنى الْحجر هُنَا الخيبة والحرمان، يَعْنِي: لَا حَظّ لَهُ فِي النّسَب، كَقَوْل الرجل لمن خيبه وآيسه من الشَّيْء: لَيْسَ لَك غير التُّرَاب، وَمَا فِي يدك إِلا الْحجر. وَقد رُوي عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إنْ جَاء يَطْلُبُ ثَمَنَ الكَلْبِ فَاملأ كَفَّهُ تُرابًا». وَأَرَادَ بِهِ الحرمان والخيبة، وَقد كَانَ بعض السّلف يرى أَن يوضع التُّرَاب فِي كَفه جَريا على ظَاهر الْحَدِيث. بَاب القَائِفِ قَالَ الإِمَامُ: سُمِّيَ القائِفُ قائفًا، لأنَّهُ يَتْبَعُ الآثَارَ، ومنهُ قولهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الْإِسْرَاء: 36]، أَي: لَا تَتْبَعْ، يُقَالُ: قَفَوْتُهُ أقْفُوهُ، وقفته، أقُوفُهُ، وَقَفَّيْتُهُ: إِذا اتَّبَعْتَ أَثَرَهُ. 2381 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مَسْرُورٌ، فَقَالَ: «أَيْ عَائِشَةُ، أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا المُدْلِجيَّ دَخَلَ عَلَيَّ»، فَرَأَى أُسَامَةَ، وَزَيْدًا، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ لَيْثٍ وَقَالَ ابْن جُرَيْج، عَنِ الزُّهْرِيّ: تبرُق أساريرُ وَجهه: وَهِي الخطوط الَّتِي فِي الْجَبْهَة، وَاحِدهَا: سِرَرٌ وسِرٌ، وَجمعه أسرار وأسِرَّة، والأسارير: جمعُ الْجمع. قَالَ الإِمَامُ: إِذا ادّعى رجلَانِ أَو أَكثر نسب مَوْلُود مَجْهُول النّسَب، أَو اشْتَركَا فِي وَطْء امْرَأَة، فَأَتَت بِولد لمُدَّة يُمكن أَن يكون لكل

وَاحِد مِنْهُمَا، فتنازعاه، يرى الْوَلَد القائفَ مَعَهم، فَأَيهمْ ألحقهُ القائفُ، لحقه، فَإِن أَقَامَ الآخر بيِّنة، كَانَ الحكم للبينة، وَمِمَّنْ أثبت الحكم بالقافة عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَابْن عَبَّاس، وَأنس بْن مَالِك. قَالَ حُمَيْد: شكّ أَنَس فِي ابْن لَهُ، فَدَعَا لَهُ الْقَافة، وَهُوَ قَول عَطَاء، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَعَامة أهل الْحَدِيث. وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَنَّهُ لَا حكم لقَوْل الْقَائِف، بل إِذا ادّعى جمَاعَة من الرِّجَال نسب مَوْلُود يلْحق بهم جَمِيعًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يُلحق برجلَيْن وبثلاثة، وَلَا يُلحق بِأَكْثَرَ، وَلَا يلْحق بامرأتين، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْحق بامرأتين. والْحَدِيث حجَّة لمن حكم بقول الْقَائِف، وَذَلِكَ أَن النَّاس كَانُوا قد ارْتَابُوا فِي نسب أُسَامَة من زَيْد، إِذْ كَانَ زَيْد أَبيض اللَّوْن، وَجَاء أُسَامَة أسود اللَّوْن، قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعت أَحْمَد بْن صَالِح يَقُول: كَانَ أُسَامَة أسود شَدِيد السوَاد مثل القار، وَكَانَ زَيْد أَبيض مثل الْقطن، وَكَانَ المُنَافِقُونَ يَتَكَلَّمُونَ فيهمَا بِمَا يسوء النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَاعه، فَلَمَّا سمع قَول مجزِّز فيهمَا، فَرح بِهِ، وسرِّي عَنْهُ، وَلَو لم يكن ذَلِكَ حَقًا، لَكَانَ لَا يظْهر عَلَيْهِ السرُور، بل كَانَ يُنكر عَلَيْهِ، ويمنعه عَنْهُ، وَيَقُول لَهُ: لَا تقل هَذَا، لِأَنَّك إِن أصبت فِي شَيْء، لم آمن عَلَيْك أَن تُخطئ فِي غَيره، فَيكون فِي خطئك قذف مُحصنَة، وَنفي نسب. وَإِذا دَعَاهُ رجلَانِ، فألحقه الْقَائِف بهما، أَو لم يكن قائف، فَإِن كَانَ الْوَلَد كَبِيرا، قيل لَهُ: انتسب إِلَى أَيهمَا شِئْت، وَإِن كَانَ صَغِيرا، فَيُوقف حَتَّى يبلغ فينتسب. رُوي أَن رجلَيْنِ تداعيا ولدا، فَدَعَا لَهُ عُمَر الْقَافة، فَقَالُوا: قد اشْتَركَا فِيهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَر: والِ أَيهمَا شِئْت،

وَهَذَا قَول الشَّافِعِيّ، فَإِن انتسب إِلَى أَحدهمَا، ثُمَّ وجد الْقَائِف، فألحقه بِالثَّانِي، كَانَ الحكم لقَوْل الْقَائِف، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِذا قَالَ الْقَائِف: هُوَ ابنهما. يلْحق بهما يَرث مِنْهُمَا ويرثانه. وَقد رُوي عَنْ زَيْد بْن أَرقم، قَالَ: كنتُ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجَاء رجل من الْيمن، فَقَالَ: إِن ثَلَاثَة نفر من أهل الْيمن أَتَوا عليا يختصمون فِي ولد، وَقد وَقَعُوا على امْرَأَة فِي طُهر وَاحِد، فَقَالَ: إِنِّي مُقرعٌ بَيْنكُم، فَمن قَرَعَ، فَلهُ الْوَلَد، وَعَلِيهِ لصاحبيه ثلثا الدِّيَة، فأقرع بَينهم، فَجعله لمن قرع، فَضَحِك النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذهب إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه إِلَى ظَاهر هَذَا الْحَدِيث، وَقَالَ بِالْقُرْعَةِ، وَقَالَ: هُوَ السّنة فِي دَعْوَى الْوَلَد، وَكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُول بِهِ فِي الْقَدِيم، وَقيل لِأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي حَدِيث زَيْد بْن أَرقم، فَقَالَ: حَدِيث الْقَافة أحب إِلَيّ، وَقد تكلم بَعضهم فِي إِسْنَاد حَدِيث زَيْد بْن أَرقم.

باب نكاح الزانية

بَاب نِكاحِ الزَّانيَةِ 2382 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبيِدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي امْرَأَةً لَا تَرُدُّ يَدَ لامِسٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلِّقْهَا». قَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، قَالَ: «فَأَمْسِكْهَا إِذًا» 2383 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو

الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَدْفَعُ يَدَ لامِسٍ، قَالَ: «طَلِّقْهَا». قَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا وَهِيَ جَمِيلَةٌ. قَالَ: «اسْتَمْتِعْ بِهَا». ويُروى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ قَوْله: «لَا تَردُّ يَدُ لامِسٍ»، مَعْنَاهُ أَنَّهَا مطاوعة لمن أرادها، وَلَا ترد يَده، وَفِي قَوْله: «فأمْسِكْهَا»، دَلِيل على جَوَاز نِكَاح الْفَاجِرَة، وَإِن كَانَ الِاخْتِيَار غير ذَلِكَ، وَهُوَ قَول أهل الْعلم، وَأما قَول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النُّور: 3]، فَإِنَّمَا نزلت فِي امْرَأَة بغي من الْكفَّار

خَاصَّة يقَالَ لَهَا: عنَاق، كَمَا رُوي عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب، عَنْ أَبِيه، عَنْ جده، قَالَ: كَانَ رجل يُقَالُ لَهُ: مَرْثَد بْن أَبِي مرْثَد الغنوي، كَانَ يحمل الْأُسَارَى من مَكَّة حَتَّى يَأْتِي بهم الْمَدِينَة، وَكَانَ بِمَكَّة بغيٌّ، يقَالَ لَهَا: عَنَاقُ، وَكَانَت صديقَة لَهُ، قَالَ: فَأتيت النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقلت: يَا رَسُول اللَّه، أنكِحُ عنَاق؟ فَأمْسك رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلم يُرد شَيْئا، فَنزلت: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النُّور: 3] فدعاني، فقرأها عَلَيَّ، وَقَالَ لي: «لَا تَنْكِحْهَا». ورُوي عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد، عَنِ ابْن الْمُسَيِّب، فِي قَوْله: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النُّور: 3]، قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة نسختها {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النُّور: 32] فَهِيَ من أيامى الْمُسلمين.

ورُوي أَن عُمَر بْن الْخَطَّاب ضرب رجلا وَامْرَأَة فِي زنى، وحرص أَن يجمع بَينهمَا، فَأبى الْغُلَام، وَحكي عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود فِي الرجل يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَتَزَوَّجهَا، قَالَ: لَا يزَالَانِ زَانِيَيْنِ مَا اجْتمعَا. وَعَن عَائِشَة، قَالَت: هما زانيان. وَإِذا زنى رجل بِامْرَأَة، فَلَا عدَّة عَلَيْهَا، لِأَن الْعدة لصيانة مَاء الرجل، وَلَا حُرْمَة لماء الزَّانِي، بِدَلِيل أَنَّهُ لَا يثبُت بِهِ النسبُ، وَيجوز لَهَا أَن تنكِحَ فِي الْحَال، وَعند مَالِك لَا يجوز حَتَّى تقضي عدتهَا. فَأَما إِذا حبِلت من الزِّنَى، فَاخْتلف أهلُ الْعلم فِي جَوَاز نِكَاحهَا، فَأَجَازَهُ بعض أهل الْعلم، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَأَبِي حنيفَة، وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن، غير أَنَّهُ يُكره لَهُ الْوَطْء حَتَّى تضع، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا يجوز لَهَا أَن تنكِح حَتَّى تضع الْحمل، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَبِي يُوسُف، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَلَو زنى رجل بِامْرَأَة، وَهِي غير زَانِيَة بِأَن كَانَت نَائِمَة أَو مُكْرَهَة، فَلَا عدَّة، وَلَا نسب، وَلها الْمهْر، وَإِن كَانَت هِيَ زَانِيَة وَالرجل جَاهِل، فعلَيْهَا الْعدة وَيثبت النسبُ، وَلَا مهر لَهَا، لِأَن بِنَاء الْعدة وَالنّسب على حُرْمَة المَاء. قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي ولد الزِّنَى: اشترها للْخدمَة، وَلَا تشترها لطلب وَلَدهَا.

18 - كتاب العدة

18 - كتابُ العِدَّة بَاب مقامِ المُطَلَّقَةِ فِي الْبَيْتِ حتَّى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطَّلَاق: 1]، وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطَّلَاق: 6] الوُجْدُ والجِدَةُ فِي المَال: السَّعَةُ، والمقدِرَةُ وَرَجُلٌ واجِدٌ، أيْ: غَنيٌّ، مِنَ الوُجْدِ والجِدَةِ، وَوَجَدَ الضَّالَةَ وِجْدَانًا، وَوَجَدَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ وَجْدًا وَمَوْجِدةً، وفُلانٌ يَجِدُ بِفُلانَةٍ وَجْدًا يَعْنِي فِي الحُبِّ. 2384 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُمَا يَذْكُرَانِ: " أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

بْنِ الْحَكَمِ الْبَتَّةَ، فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، فَقَالَتِ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مَرْوَانُ، وَارْدُدِ الْمَرْأَةَ إِلَى بَيْتِهَا. فَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي. وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ: أَمَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ. فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنْ كَانَ بِكِ شَرٌّ فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنَ الشَّرِّ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ رَحمَه اللَّه: لم يخْتَلف أهلُ الْعلم فِي أَن الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة تسْتَحقّ النَّفَقَة، وَالسُّكْنَى، وَاخْتلفُوا فِي المبتوتة، فَقَالَت طَائِفَة: لَا نَفَقَة لَهَا، وَلَا سُكنى إِلا أَن تكون حَامِلا، رُوي ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح، وَالشَّعْبِيّ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَقَالَت طَائِفَة: لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفقَة حَامِلا كَانَت أَو حَائِلا، رُوي ذَلِكَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب سُفْيَان، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَقَالَت طَائِفَة: لَهَا السُّكْنَى بِكُل حَال، وَلَا نَفَقَة لَهَا إِلا أَن تكون حَامِلا، وحُكي ذَلِكَ عَنِ ابْن الْمُسَيِّب، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَاللَّيْث بْن سَعْد، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَالشَّافِعِيّ، وَسُئِلَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنِ الْمَرْأَة يطلقهَا زَوجهَا فِي بَيت بالكراء، على من الكِراءُ؟ قَالَ: على زَوجهَا، فَإِن لم يكن عِنْد زَوجهَا مَال، فعلَيْهَا، فَإِن لم يكن عِنْدهَا، فعلى الْأَمِير. وَاحْتج من لم يَجْعَل لَهَا السُّكْنَى بِمَا رُوي عَنِ الشَّعْبِيّ، عَنْ فاطمةَ بِنْتِ قيسٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلاثًا، فَلَمْ

يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى، وَلَا نَفَقَة، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِنْدَ عَمْرو ابْن أُمِّ مَكْتومٍ الأَعْمَى، فاعْتَدَّتْ عِنْدَهُ. فَأَما من جعل لَهَا السُّكْنَى، وَهُوَ قولُ الْأَكْثَرين، فَاخْتَلَفُوا فِي سَبَب نقل فَاطِمَة، فرُوي عَنْ عُرْوَة، أَن عَائِشَة أنْكرت ذَلِكَ على فَاطِمَة، وَقَالَت: إنَّ فاطمةَ كَانَتْ فِي مكانٍ وَحْشٍ، فَخِيفَ على نَاحيتها، فلذَلِكَ رَخَّصَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَة، أَنَّهَا قَالَت: مَا لِفَاطِمة أَلا تَتَّقي اللَّه؟ يَعْنِي فِي قَوْلهَا: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ. وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، إِنَّمَا نُقلت فَاطِمَة لطول لسانها على أحمائها. روى عَمْرو بْن مَيْمُون بْن مهْرَان، عَنْ أَبِيه، عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، قَالَ: فَتَنَتْ فاطمةُ النَّاسَ، كَانَتْ للِسَانِهَا ذَرَابَةٌ، فاسْتَطَالَتْ على أحْمَائِها، فَأَمَرَهَا

رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعَتَدَّ فِي بيتِ ابْن أُمِّ مَكْتُومٍ، ورُوي هَذَا عَنِ ابْن عَبَّاس فِي معنى قَوْله عز وَجل: {وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطَّلَاق: 1]. قَالَ ابْن عَبَّاس: الْفَاحِشَة المبينة: أَن تَبْذَأ على أهل زَوجهَا، فَإِذا بَذُؤت، فقد حل إخراجُها. وَقيل فِي تَفْسِير الْفَاحِشَة أَنَّهَا إِذا زنت، تُخرج لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهَا، يُروى ذَلِكَ عَنِ ابْن مَسْعُود. وإنكار عَائِشَة، وَابْن الْمُسَيِّب، على فَاطِمَة بنت قيس، من حَيْثُ إِنَّهَا كتمت السَّبب الَّذِي أمرهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن تعتدَّ فِي غير بَيت زَوجهَا، وَذكرت أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَجْعَل لَهَا نَفَقَة، وَلَا سُكْنى، فَيَقَع بِهِ السامعُ فِي فتْنَة، يظنُّ أَن للمبتوتة أَن تعتدَ حَيْثُ تشَاء. وَيجوز للمعتدة الانتقَالَ عَنْ بَيت الْعدة عِنْد الضَّرُورَة، بِأَن خَافت هدمًا، أَو غرقًا، أَو حريقًا، وَإِن لم يكن بهَا ضَرُورَة، وأرادت الْخُرُوج لشغل، فَإِن كَانَت رَجْعِيَّة، فَلَا يجوز، وَإِن كَانَت بَائِنَة فيحوز بِالنَّهَارِ، وَلَا يجوز بِاللَّيْلِ، لما رُوِيَ عَنْ أَبِي الزبير، عَنْ جَابِر، قَالَ: طُلِّقتْ خَالَتِي ثَلاثًا، فَخَرَجَتْ تَجُدُّ نَخْلا لَهَا، فَلَقِيَهَا رَجُلٌ فَنَهَاهَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخرُجي فَجُدِّي

باب المبتوتة لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا

نَخْلَكِ لَعَلَّكِ أَنْ تَصَدَّقي مِنْهُ، أَوْ تَفْعَلي خيرا». وَالنَّخْل لَا يُجَدُّ فِي غَالب الْعرف إِلا بِالنَّهَارِ، وَقد نُهي عَنْ جدَاد اللَّيْل، وَهَذَا قَول ابْن عُمَر، قَالَ: لَا تبيتُ الْمُتَوفَّى عَنْهَا زوجُها وَلَا المبتوتة إِلا فِي بَيتهَا. وَإِلَى هَذَا ذهب الشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تخرج المبتوتة لَيْلًا وَلَا نَهَارا، كالرجعية، وَتخرج الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا نَهَارا إِن شَاءَت. وَقَالَ عُرْوَة بْن الزبير فِي الْمَرْأَة البدوية يتوفى عَنْهَا زَوجهَا: إنَّها تَنْتَوِي حَيْثُ يَنْتَوِي أَهْلُهَا. قَالَ رَحمَه اللَّه: وَهَذَا قَول أهل الْعلم، قَالَ الشَّافِعِيّ: لِأَن سُكْنى أهل الْبَادِيَة سُكْنى مقَام غِبْطَة، وظعن غِبْطَة. بَاب المَبتُوتَةِ لَا نَفَقَةَ لهَا إِلا أَنْ تَكُونَ حَامِلا لقَوْل اللَّه تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطَّلَاق: 6]. 2385 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَأْرسَلَ إِلَيْهَا وَكيْلُهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ. فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ»، ثُمَّ قَالَ: «تِلْكَ امْرَأةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، فَاعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ، فَإِذَا حَلَلْتِ، فَآذِنِينِي»، قَالَتْ: فَلَمَّا حللت، ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعاويةُ، فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ»، قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: «انْكِحِي أُسَامَةَ». فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بِهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ صُخَيْرٍ الْعَدَوِيُّ، عَنْ فَاطِمَةَ، وَقَالَ: «وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ»

قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيث أنواعٌ من الْفِقْه، مِنْهَا أَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا، أَو المختلعة لَا تستحِق نَفَقَة الْعدة إِلا أَن تكون حَامِلا، وَلها السُّكْنَى، لقَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ إِلَى قَوْله: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطَّلَاق: 6] وَإِنَّمَا سقط سُكنى فَاطِمَة لبذاءة لسانها. وَمعنى الْبَتَّةَ الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث: هُوَ الثَّلَاث. وَقد رُوي أَنَّهَا كَانَت آخِرَ تَطْلِيقَة بقيت لَهَا من الثَّلَاث. وَفِيه جوازُ التَّعْرِيض للْمَرْأَة بِالْخطْبَةِ فِي الْعدة عَنِ الْغَيْر، لِأَن قَوْله لَهَا: «فَإذا حَلَلْتِ فآذِنيني»، تَعْرِيض بِالْخطْبَةِ، وَاتفقَ أهلُ الْعلم على أَن التَّصْرِيح بِالْخطْبَةِ لَا يجوز فِي عِدَّة الْغَيْر، أما التَّعْرِيض بِالْخطْبَةِ، فَيجوز فِي عدَّة الْوَفَاة، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتقدس: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [الْبَقَرَة: 235]، أما الْمُعْتَدَّة عَنْ فرقة الْحَيَاة، نظر إِن كَانَت مِمَّن لَا يحِل لمن بَانَتْ مِنْهُ نِكَاحهَا كالمطلقة ثَلَاثًا، والمبانة باللِّعان، وَالرّضَاع، يجوز خطبتها تعريضًا كالمعتدة عَنِ الْوَفَاة، وَإِن كَانَت مِمَّن يحلُّ للزَّوْج نكاحُها كالمختلعة، والمفسوخة نِكَاحهَا، فَيجوز لزَوجهَا خطبتها تَصْرِيحًا وتعريضًا، وَهل يجوز للْغَيْر تعريضًا؟، فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: يجوز كالمطلقة ثَلَاثًا. وَالثَّانِي: لَا يجوز، لِأَنَّهُ يجوز لصَاحب الْعدة مُعاودتُها، كالرجعية لَا يجوز للْغَيْر تعريضها بِالْخطْبَةِ بالِاتِّفَاقِ، والتعريض بِالْخطْبَةِ: أَن يعرض لَهَا بِمَا يدلها بِهِ على إِرَادَته خطبتها من غير تَصْرِيح، وتُجيبه الْمَرْأَة بِمثل ذَلِكَ، مثل أَن يَقُول: إِذا حللتِ فآذنيني، رُبَّ رَاغِب فِيك، رُبَّ حَرِيص عَلَيْك، من يجدُ مثلك. قَالَ الْقَاسِم: يَقُول: إِنَّك عليَّ لكريمة، وَإِنِّي فِيك لراغب، وَإِن اللَّه

سائق إِلَيْك خيرا، وَنَحْو ذَلِكَ من القَوْل. وَقَالَ عَطَاء: يعرض، وَلَا يبوح، يَقُول: إِن لي حَاجَة، أَبْشِرِي، وَأَنت بِحَمْد اللَّه نافقة، وَتقول هِيَ: قد أسمع مَا تَقول: وَلَا تعد شَيْئا، وَلَا يواعدها وليَّها بِغَيْر علمهَا، وَإِن وَاعَدت رجلا فِي عدتهَا، ثُمَّ نَكَحَهَا بعد، لم يفرق بَينهمَا. وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ} [الْبَقَرَة: 235] يَقُول: إِنِّي أُرِيد التَّزْوِيج، ولوددتُ أَنَّهُ يسر لي امرأةٌ صَالِحَة. وَقَالَ الْحَسَن {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [الْبَقَرَة: 235] الزِّنَى. قَالَ الشَّافِعِيّ: والتعريض عِنْد أهل الْعلم جَائِز سرا وَعَلَانِيَة، على أَن السِّرّ الَّذِي نهي عَنْهُ الْجِمَاع. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: السِّرّ: الإفصاح بِالنِّكَاحِ، يقَالَ للمجامعة: سر، وللزنى: سر، ولفرجي الرجل وَالْمَرْأَة: سر. وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على أَن المَال مُعْتَبر فِي الْكَفَاءَة، وَدَلِيل على جَوَاز تَزْوِيج الْمَرْأَة بِرِضَاهَا من غير كُفْء، فَإِن فَاطِمَة كَانَت قرشية زوَّجها من أُسَامَة، وَهُوَ من الموَالِي. وَفِي دَلِيل على جَوَاز الْخطْبَة على خطْبَة الْغَيْر إِذا لم تكن الْمَرْأَة قد أَذِنت للْأولِ، وركنت إِلَيْهِ، فَإِن أَذِنت فِي رجل، وركنت إِلَيْهِ، فَلَيْسَ للْغَيْر أَن يخطُب على خطبَته، وَالنَّهْي فِي هَذَا الْموضع. وَفِيه دَلِيل على أَن المشير إِذا ذكر الْخَاطِب عِنْد المخطوبة بِبَعْض مَا فِيهِ من الْعُيُوب على وَجه النَّصِيحَة لَهَا، والإرشاد إِلَى مَا فِيهِ حظها، لم يكن غيبَة مُوجبَة للإثم.

باب سكنى المتوفى عنها زوجها

وَقَوله: «لَا يَضَعُ عصاهُ عَنْ عَاتِقِهِ». يُتأول على وَجْهَيْن: أَحدهمَا الضَّرْب بهَا، والتأديب. وَالْآخر: كَثْرَة السّفر، والظعن عَنِ الوطن، يقَالَ: رفع الرجل عَصَاهُ: إِذا سَار، وَوضع عَصَاهُ: إِذا نزل وَأقَام. قَالَ الإِمَامُ: وَالْأول أولاهما لما روينَا فِي حَدِيث أَبِي بَكْر بْن أَبِي جهم، «أَمَّا أَبُو جَهْم فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ للنِّساء». وَفِيه دَلِيل على إِبَاحَة تَأْدِيب النِّسَاء، وَلَو كَانَ غير جَائِز، لم يذكر ذَلِكَ من فعله إِلا مَقْرُونا بِالنَّهْي عَنْهُ، وَالْإِنْكَار لَهُ. وَفِي قَوْله: «وَأَمَّا مُعَاوية فَصُعلُوكٌ». دَلِيل على أَن الرجل إِذا لم يجد نَفَقَة أَهله، وَطلبت فِرَاقه، فرق بَينهمَا. وَفِيه أَيْضا بَاب من الرُّخْصَة، ومذهبٌ لحمل الْكَلَام على سَعَة الْمجَاز، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: «وأَمَّا أَبُو جَهْم فَلا يَضَعُ عصاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوية فَصُعلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ»، وَقد كَانَ لَا محَالة يَضَعهَا فِي حَال من الْأَحْوَال، وَقد كَانَ لمعاوية مَال وَإِن قل. بَاب سُكْنَى المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا 2386 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ، أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ

سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ، فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ، فَقَتَلُوهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، فَإِنَّ زَوْجي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَنْزِلٍ يَمْلِكُهُ، وَلا نَفَقَةٍ. فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ». فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، دَعَانيِ، أَوْ أمَرَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ قُلْتِ؟» قَالَتْ: فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، فَقَالَ: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ». قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ، أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَاتَّبَعَهُ، وَقَضَى بِهِ.

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: لَا خلاف بَين أهل الْعلم فِي الْمُعْتَدَّة الرَّجْعِيَّة أَنَّهَا تسْتَحقّ النَّفَقَة، وَالسُّكْنَى على زَوجهَا، سَوَاء كَانَ الزَّوْج حرا، أَو عبدا، وَسَوَاء كَانَت الْمَرْأَة حرَّة، أَو أمة. وَأما البائنة: فلهَا السُّكْنَى عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَاخْتلفُوا فِي نَفَقَتهَا، مِنْهُم من أوجبهَا، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا نَفَقَة لَهَا إِلا أَن تكون حَامِلا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ. والملاعنة كالمطلقة ثَلَاثًا فِي اسْتِحْقَاق السُّكْنَى، وَفِي اسْتِحْقَاق النَّفَقَة إِن كَانَت حَامِلا، وَلم ينف الزَّوْج حملهَا، فَأَما الْمُعْتَدَّة عَنْ وَطْء الشُّبْهَة، والمفسوخة نِكَاحهَا بِعَيْب، أَو خِيَار عتق، فَلَا نَفَقَة لَهَا، وَلَا سُكْنى، وَإِن كَانَت حَامِلا. والمعتدة عَنِ الْوَفَاة لَا نَفَقَة لَهَا حَامِلا كَانَت أَو حَائِلا، لم يخْتَلف فِيهَا أهل الْعلم، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [الْبَقَرَة: 240]، نسخ بِآيَة الْمِيرَاث بِمَا فرض لهُنَّ من الرّبع، أَو الثّمن، وَنسخ أجلُ الْحول بِأَن جعل أجلهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَقَالَ جَابِر: لَيْسَ للمتوفى عَنْهَا زَوجهَا نَفَقَة، حسبُها الْمِيرَاث.

باب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا

وَاخْتلفُوا فِي السُّكْنَى للمعتدة عَنِ الْوَفَاة، وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: لَا سُكْنى لَهَا، بل تَعْتَد حَيْثُ شَاءَت، وَهُوَ قَول عَليّ، وَابْن عَبَّاس، وَعَائِشَة، وَبِهِ قَالَ عَطَاء، وَجَابِر بْن زَيْد، وَالْحَسَن، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة، وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن لفريعة أَن ترجع إِلَى أَهلهَا. وَقَوله لَهَا آخرا: «امكثي فِي بيتكِ حتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ». استحبابٌ. وَالْقَوْل الثَّانِي: لَهَا السُّكْنَى، وَهُوَ الْأَصَح، وَهُوَ قَول عُمَر، وَعُثْمَان، وَعَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَقَالُوا: إِذْنه لفُريعة أَولا صَار مَنْسُوخا بقوله آخرا: «امكثي فِي بيتكِ حتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ». وَفِيه دَلِيل على جَوَاز نسخ الحكم قبل الْفِعْل. بَاب عِدَّةِ المُتَوفَّى عَنها زَوْجُها إِذا كانَتْ حَاملا 2387 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، «أَنَّ سُبَيْعَةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، عَنْ مَالِكٍ 2388 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، قَالَ: نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَمَرَّ بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَقَالَ: قَدْ تَصَنَّعْتِ لِلأَزْوَاجِ إِنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ! فَذَكَرَتْ ذَلِكَ سُبَيْعَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ، أَوْ لَيْسَ كَمَا قَالَ أَبُو السَّنابِلِ، قَدْ حَلَلْتِ، فَتَزَوَّجِي».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيرهم، قَالُوا فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا: إِذا كَانَت حَامِلا تَنْقَضِي عدتهَا بِوَضْع الْحمل، وَهُوَ قولُ عُمَر، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَعَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيرهم من الصَّحَابَة. قَالَ عُمَر: «لَوْ وَلَدَتْ، وَزَوْجُهَا على سَرِيره لم يُدْفَنْ بعد، لحَلَّتْ». وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي. ورُوي عَنْ عَليّ، وَابْن عَبَّاس أَنَها تَنْتَظِرُ آخِرَ الأَجَلَيْنِ، مَنْ وضع الحَملِ، أَوْ أَربعة أشهرٍ وَعشرا. قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظ، وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَة! أنزلت {[ُ النِّسَاء القُصرى بعد الطُّولى؟ قَوْله: «أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْليظ»، أَرَادَ أَن الْحَامِل قد تمتد بهَا مُدَّة الْحمل إِلَى تِسْعَة أشهر وَإِلَى أَربع سِنِين، وَلَا يحكم بِانْقِضَاء عدتهَا مَا لم تضع، فَإِذا ألزمتموها هَذَا التَّغْلِيظ، فاجعلوا لَهَا الرُّخْصَة بِانْقِضَاء عدتهَا إِذا وضعت قبل أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَقَوله: «نَزَلَتْ سُورة النِّساء القُصْرى بعد الطُّولى»، أَرَادَ بالقصرى: سُورَة الطَّلَاق، وبالطولى: سُورَة الْبَقَرَة، وَأَرَادَ أَن قَوْله فِي سُورَة الطَّلَاق] وَأُولاتُ الأَحْمَالِ

باب عدة المتوفى عنها زوجها والإحداد

أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [سُورَة الطَّلَاق: 4] نزلت بعد قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [الْبَقَرَة: 234] فِي سُورَة الْبَقَرَة، فَحَمله على النّسخ، وَعَامة الْفُقَهَاء خصُّوا الْآيَة بِخَبَر سُبيعة. بَاب عِدَّةِ المُتَوفَّى عَنها زَوْجُها والإحداد 2389 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الثَّلاثَةَ، قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِهِ بَطْنَهَا، ثُمَّ قَالَت: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ

ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» 2389 - قَالَتْ زَينبُ: وَسَمِعْتُ أَمِّي أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنُهَا، أَفَنُكَحِّلُهَا؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ». قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزينَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشًا، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابَهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا، وَلا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ، أَوْ شَاةٍ، أَوْ طَيْرٍ، فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ، فَتُعْطَى بَعْرَةً، فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ ". حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن يُوسُف،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِك، وَقَالَ فِي حَدِيث أم حَبِيبَة: ثُمَّ مست بعارضيها قَالَ الإِمَامُ: معنى الْإِحْدَاد: هُوَ الِامْتِنَاع عَنِ الزِّينَة، يُقَالُ: أحدَّت الْمَرْأَة على زَوجهَا، فَهِيَ مُحِدٌ، وحدَّت أَيْضا، وحدود اللَّه: مَا يجب الِامْتِنَاع دونهَا، ويُسمى الحاجبُ حدَّادًا، لِأَنَّهُ يمْنَع النَّاس من الدُّخُول. وَقَوْلها: «فَتَفْتَضُّ بِهِ»، فسَّره القُتبي، وَقَالَ: هُوَ من فضضتُ الشَّيْء إِذا كسرتَه، أَو فرَّقته، وَمِنْه قَول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمرَان: 159]، أَي تفَرقُوا: وأرادت أَنَّهَا تكسر مَا كَانَت فِيهِ من الْعدة بدابَّة، أَو طَائِر، تمسح بِتِلْكَ الدَّابَّة قُبُلَها، وتنبِذُها، فقلَّما تعيش الدَّابَّة. وَقَالَ الْأَخْفَش: تفتض مَأْخُوذ من الْفضة، أَي تتطهر بِهِ، شبه ذَلِكَ بِالْفِضَّةِ لنقائها. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيّ «فَتَقْبِصُ» بِالْقَافِ، وَالْبَاء، والصَّاد غير مُعْجمَة، وَهُوَ الْأَخْذ بأطراف الْأَصَابِع، وَالْقَبْض بضاد مُعْجمَة: الْأَخْذ بالكف كلهَا. والحِفْشُ: الْبَيْت الصَّغِير. وَمعنى رميها بالبعرة: كَأَنَّهَا تَقول: كانَ جلوسها فِي الْبَيْت، وحبسُها نَفسهَا سنة على زَوجهَا أهونَ عَلَيْهَا من رمي هَذِه البعرة، أَو هُوَ يسير فِي جنب مَا يجبُ من حق الزَّوْج. وَكَانَت عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زوجُها فِي الِابْتِدَاء حولا كَامِلا، كَمَا قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [الْبَقَرَة: 240]، أَي: فليوصوا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول، أَي: متعوهنَّ مَتَاعا، وَلَا تخرجوهن إِلَى الْحول، فنسخ أَرْبَعَة أشهر وَعشر، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ

وَعَشْرًا} [الْبَقَرَة: 234]. والإحدادُ واجبٌ عَلَيْهَا فِي مُدَّة عدَّة الْوَفَاة عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، وَهُوَ أَن تمْتَنع من الزِّينَة وَالطّيب، فَلَا يجوز لَهَا تدهين رَأسهَا بِأَيّ دُهن كَانَ، سَوَاء كَانَ فِيهِ طيب، أَو لم يكن، لما فِيهِ من الزِّينَة، وَلها تدهينُ جَسدهَا بدُهن لَا طيب فِيهِ، فَإِن كَانَ فِيهِ طيب فَلَا يجوز، وَلَا يجوز لَهَا أَن تكتحلَ بكحل فِيهِ طيبٌ، وَلَا فِيهِ زِينَة، كالحكل الْأسود. وَلَا بَأْس بالكحل الْفَارِسِي، لِأَنَّهُ لَا زِينَة فِيهِ، بل هُوَ يزيدُ الْعين مرهًا وقبحًا. فَإِن اضطرت إِلَى كحل فِيهِ زِينَة، فَرخص فِيهِ كثيرٌ من أهل الْعلم، مِنْهُم سَالم بْن عَبْد اللَّهِ، وَسليمَان بْن يَسَار، وَعَطَاء، وَالنَّخَعِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالَ الشَّافِعِيّ: تكتحلُ بِهِ لَيْلًا، وتمسحه بِالنَّهَارِ، وَكَذَلِكَ الدِّمام: وَهُوَ أَن تطلي حوالي عينيها بصبر، فَفِيهِ زِينَة، لَا يجوز لَهَا ذَلِكَ إِلا أَن يَقع ضَرُورَة، فتفعله لَيْلًا، وتمسحه بِالنَّهَارِ، رُوي عَنْ أم سَلمَة، قَالَت: دخل عليَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين توفّي أَبُو سَلمَة، وَقد جعلتُ عليَّ صبرا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلمَة؟»، فَقَالَت: إِنَّمَا هُوَ صبرٌ لَيْسَ فِيهِ طيب، قَالَ: «إِنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْه، فَلَا تَجْعَليه إِلا باللَّيْلِ، وَتَنْزِعيه بالنَّهار، وَلَا تَمَتَشطي بالطِّيب، وَلَا بالْحِنَّاءِ، فَإِنَّهُ خِضَابٌ»، قلت: بِأَيّ شَيْء أمتِشطُ

يَا رَسُول اللَّه؟ قَالَ: «بالسِّدْرِ تُغَلِّفينَ بِهِ رأْسَكِ». وَقَوله: «يَشُبّ الْوَجْه»، أَي: يوقده، ويلونه، ويحسنه، وَرجل مشبوبٌ: إِذا كَانَ أسود الشّعْر، أَبيض الْوَجْه. 2390 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، نَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلا ثوب عَصْبٍ، وَلا تَكْتَحِلُ، وَلا تَمَسُّ طِيبًا إِلا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ، أَوْ أَظْفَارٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم أَن

الحاد يجوز لَهَا لبسُ الْبيض من الثِّيَاب، وَيجوز لبسُ الصُّوف والوبر، وكلُّ مَا نسج على وَجه لم يدْخل عَلَيْهِ صبغ من خَز، أَو غَيره، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا صُبغ لغير الزِّينَة، مثل السوَاد، وَمَا صبغ لقبح على حزن، أَو نفي وسخ، كالكحلي، وَنَحْوه. وَأما الْمَصْبُوغ للزِّينَة كالأحمر، والأصفر، والأخضر الناضر، فَلَا يجوز لبسه، وَلَا تلبس الوشي، والديباج والحلي. وَقَالَ سُفْيَان، وَأَصْحَاب الرَّأْي: لَا تلبس الثوبَ الْمَصْبُوغ، وَقَالَ مَالِك: لَا تلبس الْمَصْبُوغ إِلا بِالسَّوَادِ، والعصبُ: نوع من البرود يعصب غزله، ثُمَّ يُصبغ، ثُمَّ يُنسج، فَلَا بَأْس بلبسه. وَلَا يجوز لَهَا استعمالُ الطّيب، فَإِن طهرت من الْمَحِيض، فرُخِّص لَهَا فِي اسْتِعْمَال شَيْء من قُسط، أَو أظفار فِي مَحل حَيْضهَا، والنبذة: الْقطعَة الْيَسِيرَة، والقُسط: عودٌ يُحمل من الْهِنْد يَجْعَل فِي الْأَدْوِيَة، والأظفار: شيءٌ طيب أسود يَجْعَل فِي الدخنة لَا وَاحِد لَهَا. ويُروى نبذة من كست أظفار، وَأَرَادَ بالكست: الْقسْط، وتبدل الْقَاف بِالْكَاف، والطاء بِالتَّاءِ، كَمَا يقَالَ: كافور وقافور. وَقَالَ سَالم بْن عَبْد اللَّهِ، وَسليمَان بْن يَسَار فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زوجُها: إِذا خشيت على بصرها من رمد، أَو شكوى، تداوى بكحل، وَإِن كَانَ فِيهِ طيب. وَأما الْمُعْتَدَّة عَنِ الطَّلَاق هَل يجب عَلَيْهَا الْإِحْدَاد فِي الْعدة؟ نظر إِن كَانَت رَجْعِيَّة لَا يجب، بل لَهَا أَن تصنع مَا يمِيل قلب زَوجهَا ليراجعها، وَفِي البائنة فِي الْخلْع، والطلقات الثَّلَاث قَولَانِ: أَحدهمَا: يجب عَلَيْهَا الإحدادُ كالمتوفى عَنْهَا زَوجهَا، وَهُوَ قَول سَعِيد بْن الْمُسَيِّب،

فصل

وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة. وَالثَّانِي: لَا يجب، وَهُوَ قَول عَطَاء، وَبِهِ قَالَ مَالِك. فَصْلٌ قَالَ الإِمَامُ: اعْلَم أَن عدَّة الْوَفَاة أَرْبَعَة أشهر وَعشر، سَوَاء كَانَت الْمَرْأَة مِمَّن تحيض، أَو لَا تحيض، وَسَوَاء مَاتَ الزَّوْج بعد الدُّخُول بهَا أَو قبله، إِلا أَن تكون حَامِلا، فَتعْتَد بِوَضْع الْحمل، وَإِذا مَضَت بالحائل أربعةُ أشهر وَعشرا، فقد حلت، وَإِن لم ترَ فِيهِنَّ عَادَتهَا من الْحيض، وَقَالَ مَالِك: إِن لم تَرَ فِيهِنَّ عَادَتهَا من الْحيض، فَلَا تحل حَتَّى ترى عَادَتهَا، وَلَا فرق فِي الْإِحْدَاد بَين الْحرَّة، وَالْأمة، وَالصَّغِيرَة، والكبيرة، والمسلمة، والذمية. قَالَ الزُّهْرِيّ: لَا أرى أَن تقرب الصبيةُ الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا الطّيب، لِأَن عَلَيْهَا الْعدة، وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: لَا إحداد على الصَّبية، والذمية، أما المبانة فِي حَال الْحَيَاة إِن لم تكن مَدْخُولا بهَا، فَلَا عدَّة عَلَيْهَا، يَقُول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الْأَحْزَاب: 49] وَإِن كَانَت مَدْخُولا بهَا، فَإِن كَانَت حَامِلا، فَتكون عدتُّها بِوَضْع الْحمل، لقَوْل اللَّه تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطَّلَاق: 4] وَإِن لم تكن حَامِلا، فَإِن كَانَت مِمَّن لم تِحض قطّ، أَو بلغت سنّ الآيسات، فَتعْتَد بِثَلَاثَة أشهر لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطَّلَاق: 4]. وَإِن كَانَت

باب امرأة المفقود

مِمَّن تحيض فعِدَّتها بِثَلَاثَة أَقراء، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَة: 228]. فَإِن ارْتَفَعت حَيْضَتهَا قبل بُلوغها سنّ الآيسات، فَذهب أكثرُ أهل الْعلم إِلَى أَنَّهَا لَا تحل حَتَّى يمْضِي بهَا ثَلَاثَة أَقراء، أَو تبلغ سنَّ الآيسات، فَتعْتَد بِثَلَاثَة أشهر، وَهُوَ قَول عُثْمَان، وَعلي، وَزَيْد بْن ثَابِت، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَبِهِ قَالَ عَطَاء، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، ويُحكى عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا تَتَرَبَّص تِسْعَة أشهر، فَإِن لم يعاودها الدمُ تعتدُّ بِثَلَاثَة أشهر، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وتأوَّل الشَّافِعِيّ قَول عُمَر على امْرَأَة بَقِي لَهَا إِلَى سنّ الآيسات تِسْعَة أشهر، وَللشَّافِعِيّ قَول فِي الْقَدِيم، أَنَّهَا تَتَرَبَّص أَربع سِنِين، وَهِي أَكثر مُدَّة الْحمل، ثُمَّ تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر، وَترك هَذَا القَوْل فِي الْجَدِيد، وَقَالَ الزُّهْرِيّ فِي الَّتِي ارْتَفَعت حيضتُها قبل الْكبر. عدتهَا: سنة. وَقَالَ الْحَسَن: تتربصُ سنة، فَإِن حَاضَت، وَإِلَّا تربصت بعد السّنة ثَلَاثَة أشهر. قَالَ الإِمَامُ: والمستحاضة تعتدُّ بِالْأَقْرَاءِ عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، ثُمَّ إِن كَانَت مُعْتَادَة تراعى عادتُها فِي الْحيض وَالطُّهْر، فَإِذا مَضَت بهَا ثَلَاثَة أَقراء، حلَّت، وَإِن كَانَت ناسية، فتنقضي عدتهَا بِثَلَاثَة أشهر، وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: عدَّة الْمُسْتَحَاضَة سنة. بَاب امْرَأَةِ المَفْقُودِ 2391 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا

أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، عَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إِذَا قَدِمَ، وَقَدْ تَزَوَّجتِ امْرَأَتُهُ: «هِيَ امْرَأَتُهُ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَلا تُخَيَّرُ» قَالَ الإِمَامُ: إِذَا غَابَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ، فَلَيْسَ للْمَرْأَة أَن تنكِحَ زوجا آخر حَتَّى يأيتها يقينُ وَفَاة الزَّوْج الْغَائِب، أَو يقينُ طَلَاقه، عِنْد أَكثر أهل الْعلم، ويُروى عَنْ عُمَر، أَنَّهُ قَالَ: «تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سنينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَة أَشْهُرٍ وَعشرا، ثُمَّ تَحِلُّ». ويُروى عَنْ عُمَر، أَنَّهَا إِذا نكحَت بعد الْعدة، فجَاء زَوجهَا يُخيَّر زوجُها بَين صَدَاقهَا، وَبَين الْمَرْأَة، وَمِنْهُم من يُنكر هَذَا على عُمَر. وَقَالَ مَالِك: إِن تزوجت بعد انْقِضَاء عدتهَا، دخل بهَا أَو لم يدْخل، فَلَا سَبِيل لزَوجهَا الأول عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْن الْمُسَيِّب: إِذا فُقِدَ فِي الصَّفّ عِنْد الْقِتَال، تَتَرَبَّص امرأتُه سنة. وَإِذا طَلقهَا الزَّوْج الْغَائِب، أَو مَاتَ، فعدتها من وَقت طَلَاقه، أَو وَفَاته عِنْد أَكثر أهل الْعلم، حَتَّى لَو أَتَاهَا الْخَبَر بعد مَا مضى زمَان عدتهَا، فقد حلت، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود، وَابْن عُمَر، وَابْن عَبَّاس، وَبِهِ

باب اجتماع العدتين

قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَسَعِيد بْن جُبير، وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح، وَمُجاهد، وَابْن سِيرِينَ، وَعِكْرِمَة، وَحَمَّاد بْن زَيْد، وَالزُّهْرِيّ، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالشَّافِعِيّ. ورُوي عَنْ عَليّ، أَنَّهُ قَالَ: عدتهَا من وَقت بُلُوغ الْخَبَر إِلَيْهَا، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَقَتَادَة. وَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ: إِن ثَبت مَوْتُهُ ببيِّنة فَمن وَقت الْمَوْت، وَإِن ثَبت بِالسَّمَاعِ فَمن وَقت الْعلم. بَاب اجْتِمَاعِ العِدَّتَيْنِ 2392 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الأَوَّلِ، ثُمَّ كَانَ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الأَوَّلِ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنَ الآخَرِ، ثُمَّ لَمْ يَنْكِحْهَا أَبَدًا». قَالَ سَعِيدٌ: وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا

قَالَ الإِمَامُ: إِذا اجْتمع على الْمَرْأَة عدَّتانِ من شَخْصَيْنِ، بِأَن وطِئت فِي عدَّة الْغَيْر بِالشُّبْهَةِ، فَإِن العدتين لَا تتداخلان عِنْد أَكثر أهل الْعلم، بل يُنظر، إِن كَانَ بهَا حمل من أَحدهمَا، تقدم عدَّة الْحمل، فَإِن كَانَ الْحمل من الأول، تستأنِف الْعدة عَنِ الثَّانِي بعد وضع الْحمل، وَإِن كَانَ الْحمل من الثَّانِي، تَنْقَضِي عدَّتُها عَنِ الثَّانِي بِوَضْع الْحمل، ثُمَّ تكمل بَقِيَّة عدَّة الأول، وَإِن لم يكن بهَا حمل، فتكمل عدَّة الأول، ثُمَّ تسْتَأْنف الْعدة عَنِ الثَّانِي، وَإِن نكحت فِي عدتهَا، فالزمان الَّذِي يستفرشها الثَّانِي لَا يكون محسوبًا من عدَّة وَاحِد مِنْهُمَا، فَإِذا فرق بَينهمَا، أكملت بَقِيَّة عدَّة الأول، ثُمَّ استأنفت الْعدة من الثَّانِي. وَمِمَّنْ ذهب إِلَى أَن العدتين لَا تتداخلان عُمَر، وَعلي، وَبِهِ قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَذهب قوم إِلَى أَن العدَّتين تتداخلان، فَإِذا مَضَت بهَا ثَلَاثَة أَقراء من وَقت إِصَابَة الثَّانِي، فقد حلت مِنْهُمَا، وَهُوَ قَول مَالِك، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَقَالَ إِبْرَاهِيم فِيمَن تزوج فِي الْعدة، فَحَاضَت عِنْده ثَلَاث حيض: بَانَتْ من الأول، وَلَا تحتسب بِهِ لمن بعده، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: تُحتسب. وَاخْتَارَهُ سُفْيَان، وَقَوله: «ثُمَّ لَمْ يَنْكِحُهَا أَبدًا»، هَذَا قَول تفرد بِهِ عُمَر أَن من نكحَ امْرَأَة فِي عدَّة الْغَيْر يُفرق بَينهمَا، ثُمَّ لَا تحلُّ لَهُ أبدا، وَعَامة أهل الْعلم على أَنَّهَا تحل لَهُ بعد الْخُرُوج عَنْ عدَّة الأول.

باب استبراء أم الولد

بَاب اسْتِبْراء أُمِّ الوَلَدِ 2393 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا هَلَكَ سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ» قَالَ الإِمَامُ: أمُّ الْوَلَد إِذا هلك عَنْهَا سيدُها، يجب عَلَيْهَا التربُّصُ بِاتِّفَاق الْعلمَاء، وَاخْتلفُوا فِي مُدته، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَن عَلَيْهَا أَن تَعْتَد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، كَالْحرَّةِ إِذا مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا، لما رُوي عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ، قَالَ: «لَا تُلَبِّسوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةُ المُتَوفَّى عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهرٍ وَعشرٌ». يَعْنِي: أمَّ الوَلَدِ. وَهَذَا قَول سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَسَعِيد بْن جُبير، وَالْحَسَن، وَابْن سِيرِينَ، وَإِلَيْهِ ذهب الأَوْزَاعِيّ، وَإِسْحَاق بْن راهُويه. وَذهب قوم إِلَى أَنَّهَا تعتدُّ بِثَلَاث حيض، رُوي ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَهُوَ قَول عَطَاء، وَالنَّخَعِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَقَالَ قوم: «تعتدُّ بِحَيْضَة»، رُوي ذَلِكَ عَنِ ابْن عُمَر، وَهُوَ قَول

باب استبراء الأمة المسبية والمشتراة

عُرْوَة بْن الزبير، وَالقَاسِم بْن مُحَمَّد، وَالشَّعْبِيّ، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَتَأَول بعضُهم حَدِيث عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو، على أمِّ الْوَلَد بِعَينهَا أعْتقهَا مَوْلَاهَا، ثُمَّ تزَوجهَا، فَهَذِهِ إِذا مَاتَ سيِّدها عَلَيْهَا أَن تعتدَّ بأَرْبعَة أشهر وَعشر بِاتِّفَاق أهل الْعلم، وَإِذا زوج الرجل أم وَلَده، ثُمَّ مَاتَ الْمولى وَهِي فِي نِكَاح الْغَيْر، أَو فِي عدَّة الزَّوْج، فَلَا يجب عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاء عَنِ السيِّد، وَلَو مَاتَ الزَّوْج قبل موت الْمولى، عَلَيْهَا أَن تعتدَّ عَنِ الزَّوْج بشهرين وَخمْس لَيَال، وَلَو مَاتَ الْمولى، أَو أعْتقهَا قبل مُضِيّ شَهْرَيْن وَخمْس لَيَال، فَهَل لَهَا أَن تقتصر على عدَّة الْإِمَاء، أم عَلَيْهَا أَن تكمل أَرْبَعَة أشهر وَعشرا؟ فِيهِ قَولَانِ، وَلَو مَاتَ الْمولى بعد انْقِضَاء عدتهَا من الزَّوْج أَو أعْتقهَا، عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاء عَنِ الْمولى. وَلَو مَاتَ الْمولى وَالزَّوْج جَمِيعًا، وَلم يُدرَ أَيهمَا سبق موتُه، فَإِن كَانَ بَين موتيهما أقلُّ من شَهْرَيْن وخمسُ ليالٍ، يجب عَلَيْهَا أَن تَعْتَد بأَرْبعَة أشهرٍ وَعشر، وَلَا اسْتِبْرَاء عَلَيْهَا من السَّيِّد، لِأَنَّهَا يَوْم موت السَّيِّد إِمَّا إِن كَانَت فِي نِكَاح الزَّوْج، أَو عدته إِن كَانَ موت الزَّوْج سَابِقًا، وَإِن كَانَ بَين الموتين شَهْرَان وخمسُ ليالٍ فَأكْثر، عَلَيْهَا أَن تَعْتَد بأَرْبعَة أشهر وَعشر، فِيهَا حَيْضَة من موت الآخر مِنْهُمَا، لِأَن الزَّوْج إِن مَاتَ أَولا، فعلَيْهَا الِاسْتِبْرَاء بِحَيْضَة عَنِ الْمولى، وَإِن مَاتَ الْمولى أَولا، فعلَيْهَا أَن تَعْتَد عَنِ الزَّوْج بأَرْبعَة أشهرٍ وَعشر. بَاب اسْتِبراء الأمةِ المسْبِيَّةِ والمُشْتَراةِ 2394 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَيْرَبَنْدِكُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ،

أَنا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنا شَرِيكٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيث أَنْوَاع من الْفِقْه، مِنْهَا: أَن الزَّوْجَيْنِ إِذا سُبيا، أَو أَحدهمَا، يرْتَفع النكاحُ بَينهمَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ، لَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُبيحُ للسَّابي وَطْء المسبيَّةِ بعد أَن تضع الْحمل، أَو تحيض حَيْضَة من غير فصل، وفيهن ذواتُ أَزوَاج، وَلم يختلفِ أهلُ الْعلم فِي سبي أحد الزَّوْجَيْنِ دون الآخر، أَنَّهُ يُوجب ارْتِفَاع النِّكَاح بَينهمَا، وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو سُبيا مَعًا، فَذهب جمَاعَة إِلَى ارْتِفَاع النِّكَاح، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ وطأهُنَّ بعد وضع الْحمل، أَو مُرُور حَيْضَة بهَا من غير فصل بَين ذَات زوج، وَغَيرهَا، وَبَين من سُبت مِنْهُنَّ مَعَ الزَّوْج، أَو وَحدهَا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ السَّبي كلُّ هَذِه الْأَنْوَاع، فَدلَّ أَن الحكم فِي ذَلِكَ وَاحِد، وَإِلَى هَذَا ذهب مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَبُو ثَوْر. وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: إِذا سُبيا مَعًا، فهما على نِكَاحهمَا.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَلْقَمَة الْهَاشِمِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيد، أَن رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث يَوْم حُنين بعثًا إِلَى أَوْطَاس، فلقُوا الْعَدو، فقاتلوهم، وظهروا عَلَيْهِم، وَأَصَابُوا سَبَايَا، فكأنَّ نَاسا من أَصْحَاب رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحرجوا من غِشيانهنَّ من أجل أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين، فَأنْزل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 24]، أَي: فهُنَّ لكم حَلَال، إِذا انْقَضتْ عدتهن. وَالْمرَاد من الْمُحْصنَات فِي هَذَا الْموضع: المتزوجات، فدلَّ إباحتُهُنَّ للموالي على ارْتِفَاع النِّكَاح بَينهُنَّ، وَبَين أَزوَاجهنَّ بِالسَّبْيِ، وَتَأَول ابْن عَبَّاس الْآيَة على الْأمة الْمُزَوجَة يَشْتَرِيهَا رجل، وَجعل بيعهَا طَلَاقا، وَأحل للْمُشْتَرِي وَطأهَا، وَعَامة أهل الْعلم على خِلَافه، وَلم يجْعَلُوا بيع الْأمة ذَات الزَّوْج طَلَاقا. وَفِيه أَن استحداثَ المُلْك فِي الْأمة يُوجب الِاسْتِبْرَاء، فَلَا يجوز لمن يملك جَارِيَة وَطْؤُهَا مَا لم يمضِ زمَان الِاسْتِبْرَاء، سَوَاء كَانَت بكرا، أَو ثَيِّبًا، تَملكهَا من رجل أَو امْرَأَة، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتبَة إِذا عجزت، والمبيعة إِذا عَادَتْ إِلَى بَائِعهَا بإقالة، أَو ردٍّ بِعَيْب، فَلَا يحل وَطْؤُهَا إِلا بعد الِاسْتِبْرَاء، وَقَالَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد، وَسَالم بْن عَبْد اللَّهِ: لَا يجب اسْتِبْرَاء غير الْبَالِغَة، وَهُوَ قَول اللَّيْث بْن سَعْد، وَقَالَ ابْن عُمَر: إِذا وهبت الوليدة الَّتِي تُوطأ، أَو بِيعَتْ، أَو أعتقت، فليُستبرأ رحمُها بِحَيْضَة، وَلَا تستبرأ العذارء. وَفِيه، أَن وَطْء الحبالى من السبايا لَا يجوز، وَقد رُوي عَنْ رُويفع بْن ثَابِت الْأنْصَارِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ

اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حنين: «لَا يحِلُّ لامرئ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ أَن يَسْقي ماءَهُ زَرْعَ غيرهِ». يَعْنِي: إتْيَان الحبالى، «وَلَا يَحِلُّ لامرئ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبي حتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَلا يَحِلُّ لامرئ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسِمِ». قَالَ الإِمَامُ: اتّفق أهلُ الْعلم على تَحْرِيم الْوَطْء على الْمَالِك فِي زمَان الِاسْتِبْرَاء، وَاخْتلفُوا فِي الْمُبَاشرَة سوى الْوَطْء، فَلم يَرَ الحسنُ بَأْسا أَن يقبِّلها ويُباشرها، وَقَالَ عَطَاء: لَا بَأْس أَن يُصيب من جَارِيَته الْحَامِل مَا دون الْفرج، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الْمُؤْمِنُونَ: 6]، وَذهب قوم إِلَى تَحْرِيمهَا كَالْوَطْءِ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَله قَول آخر: إِنَّهَا تحرم فِي الْمُشْتَرَاة، وَلَا تحرم فِي المسبية، لِأَن الْمُشْتَرَاة رُبمَا تكون أم ولد الْغَيْر، فَلم يملكهَا المُشْتَرِي، وَالْحمل فِي المسبية لَا يمْنَع الْملك. وَفِيه بَيَان أَن اسْتِبْرَاء الْحَامِل يكون بِوَضْع الْحمل، واستبراء الْحَائِل إِن كَانَت مِمَّن تحيض بِحَيْضَة بِخِلَاف الْعدة تكون بالأطهار، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هُنَاكَ فِي حَدِيث ابْن عُمَر: «يُطَلِّقها طَاهِرا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّها، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أَمر اللَّه أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّساء»، فَجعل الْعدة بالأطهار، والاستبراء بِالْحيضِ. وَفِيه بَيَان أَنَّهُ لَا بُد من حَيْضَة كَامِلَة بعد حُدُوث الْملك، حَتَّى لَو اشْتَرَاهَا

وَهِي حَائِض لَا تَعْتَد بِتِلْكَ الْحَيْضَة. وَقَالَ الْحَسَن: إِذا اشْتَرَاهَا حَائِضًا أَجْزَأت عَنِ الِاسْتِبْرَاء، وَإِن كَانَت الْأمة مِمَّن لَا تحيض، فاستبراؤها بِمُضِيِّ شهر. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: بِثَلَاثَة أشهر. وَفِيه مستدل لمن ذهب إِلَى أَن الْحَامِل لَا تحيض، وَأَن الدَّم الَّذِي ترَاهُ الحاملُ لَا يكون حيضا، وَإِن كَانَ فِي حِينه وعَلى وَصفه، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل الْحيض دَلِيل بَرَاءَة الرَّحِم، وَاخْتلف أهلُ الْعلم فِيهِ، فَذهب قوم إِلَى أَن الْحَامِل لَا تحيض، وَلَا يجوز لَهَا ترك الصَّوْم وَالصَّلَاة إِذا رَأَتْ الدَّم على الْحَبل كالمستحاضة، وَبِهِ قَالَ الْحَسَن، وَعَطَاء، وَإِبْرَاهِيم، وَالْحكم بْن عُتيبة، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي. وَذهب قوم إِلَى أَنَّهَا تحيض، فعلَيْهَا ترك الصَّلَاة، وَالصَّوْم، فِي حَال رُؤْيَة الدَّم، ويجتنبها زَوجهَا كَمَا فِي حَال الحيال، يُروى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَة، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَالشَّعْبِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَمَالك، وَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِيّ، غير أَن الْعدة لَا تَنْقَضِي بِهِ، لِأَن الْحيض جُعل علما لبراءة الرَّحِم من طَرِيق الظَّاهِر، فَإِذا وجد مَا هُوَ أقوى من الدّلَالَة، سقط اعْتِبَاره، حَتَّى لَو كَانَت تعتدُّ بِالْأَقْرَاءِ، فزنت وحبلت من الزِّنَى، ثُمَّ كَانَت ترى الدَّم على حمل الزِّنَى يحْسب ذَلِكَ عَنِ الْعدة، وَقَالَ الْحَسَن: إِذا رَأَتْ الدَّم عِنْد الطلق يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ، فَهُوَ نِفَاس. 2395 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا يَزِيدُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقَالُوا: هَذِهِ أَمَةٌ لِفُلانٍ، فَقَالَ: «أَيُلِمُّ بِهَا؟»،

باب نفقة الزوجة

فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، أَمْ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ المُجِحُّ: الْحَامِل المقرب، وَفِيه بيانُ تَحْرِيم وَطْء الحبالى من السبايا، وَقَوله: «كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، أَمْ كَيْفَ يُوَرَّثُهُ». يُرِيد: أَن ذَلِكَ الْحمل قد يكون من غَيره، فَلَا يحل لَهُ استلحاقه، وتوريثه، وَقد ينفشُّ مَا كَانَ حملا فِي الظَّاهِر، فَتعلق الْجَارِيَة مِنْهُ، فَيكون ولدا لَا يحل لَهُ استرقاقه واستخدامه، فليجتنب من وَطئهَا حَتَّى تضع الْحمل. وَالله أعلم. بَاب نفقَةِ الزَّوْجَةِ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطَّلَاق: 7] وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النِّسَاء: 3]، قَالَ الشَّافِعِيّ: أَنْ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولونَ. فِيهِ دليلٌ على أنَّ

على الرَّجُلِ نَفَقَةَ امرأَتِهِ. قَالَ الكسَائي: يُقَالُ: عالَ الرَّجُلُ يَعوُلُ: إِذا كَثُرَ عِيَالُهُ، واللُّغَةُ الجَيَّدَةُ: أَعَالَ: أَمَّا عالَ يَعُولُ، فَمَعْنَاه: جَار، وعَالَ يَعيلُ: إِذا افْتَقَرَ. وقولهُ عزَّ وجلَّ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النِّسَاء: 3]، أَيْ: أَقْرَبُ أَن لَا تَجُوروا. وَقيل: مَعْنَاهُ أَن لَا تعولُوا جَمْعَ نسَاء، أَي: تَمونُوهُنَّ. يُقَالُ: عالَ العِيالَ: إِذا مَانَهُمْ. وَرَوَى جابِرُ بْن عبدِ اللَّه، عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الوداعِ «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروفِ». قَالَ الشَّافِعِيّ: فَفِي الْقُرْآن والسُّنة بيانُ أَن على الرجل مَا لَا غنى بامرأته عَنْهُ من نَفَقَة، وَكِسْوَة، وخدمة فِي الْحَال الَّتِي لَا تقدر على مَا لَا صَلَاح لبدنها من زمانةٍ وَمرض إِلا بِهِ.

قَالَ الشَّافِعِيّ: النفقةُ نفقتان: نفقةُ المقتر، وَنَفَقَة الموسع، فَأَما مَا يلْزم المقتِر لامْرَأَته إِن كَانَ الْأَغْلَب ببلدها أَنَّهَا لَا تكون إِلا مخدومة مُدٌّ بمُدِّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كل يَوْم من طَعَام الْبَلَد الْأَغْلَب من قوت مثلهَا، ولخادمها مثله، ومكيلةٌ من أَدَم بلادها، زيتًا كَانَ أَو سمنًا، ويفرض لَهَا من دهن، ومشط أقلُّ مَا يكفيها، وَلَا يكون ذَلِكَ لخادمها، وَفِي كل جُمُعَة رَطْل لحم، وَفرض لَهَا من الْكسْوَة مَا يكتسي مثلُها ببلدها عِنْد المقتر، وَإِن كَانَ زَوجهَا موسعًا، فرض لَهَا مُدَّان، وَمن الْأدم وَاللَّحم ضعف مَا لامْرَأَة المقتر، وَكَذَلِكَ فِي الدّهن والمشط، وَاجُعِلَ لخادمها مدا وَثلثا، وَإِنَّمَا جعلت أقل الْفَرْض مدا بِالدّلَالَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَفعه إِلَى الَّذِي أصَاب أَهله فِي شهر رَمَضَان عرقًا فِيهِ خَمْسَة عشر صَاعا لستين مِسْكينا، وَإِنَّمَا جعلت أَكثر مَا افترضت مُدين، لِأَن أَكثر مَا أَمر بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فديَة الْأَذَى مُدان لكل مِسْكين، وَالْفَرْض على الْوسط الَّذِي لَيْسَ بالموسع، وَلَا المقتر بَينهمَا مُد وَنصف، ولخادمها مُد. هَذَا كَلَام الشَّافِعِيّ ومذهبه. 2396 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا، أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا، بَعَثُوا بِنَفَقَةٍ مَا حَبَسُوا " قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دليلٌ على أَن الزَّوْج إِذا غَابَ عَنْ زَوجته لَا تسْقط نفقتُها، وَإِذا لم يُنفق عَلَيْهَا مُدَّة تكون نَفَقَتهَا دينا عَلَيْهِ، وَكَذَا الإدام، وَالْكِسْوَة، وَنَفَقَة الْخَادِم، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن نَفَقَة الزَّوْجَة لَا تصير دينا فِي الذِّمَّة مَا لم يفرضها الْقَاضِي، فَأَما إِذا غَابَتْ الْمَرْأَة بِغَيْر إِذْنه، أَو هربت، أَو نشزت، فتسقُط نفقتُها. وَلَو امْتنع عَلَيْهِ مباشرتها لمَرض، أَو حيض، أَو نِفَاس، أَو رتق، أَو قرن، لَا تسْقط نَفَقَتهَا، وَإِن كَانَت هِيَ صَغِيرَة لَا تحتمِل الْجِمَاع، فَلَا نَفَقَة لَهَا، وَإِن كَانَت هِيَ كَبِيرَة، وَالزَّوْج صَغِير، فَعَلَيْهِ النَّفَقَة، وَلَا تسْقط نَفَقَتهَا بِالصَّوْمِ، وَالصَّلَاة، وَلَو أسلمت الْكَافِرَة بعد الدُّخُول، وتخلَّف زَوجهَا، فَلَا تسْقط نفقتُها، لِأَنَّهَا أدَّت فرضا عَلَيْهَا، كَمَا لَو صلَّت، أَو صَامت، وَإِن أسلم الزَّوْج، وَتَخَلَّفت الْمَرْأَة، فَلَا نَفَقَة لَهَا، لِأَنَّهَا بالامتناع عَنِ الْإِسْلَام نَاشِزَة.

باب نفقة الأولاد والأقارب

بَاب نَفَقَةِ الأَوْلادِ والأَقَارِبِ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [الْبَقَرَة: 233] فهَذَا رِزْقٌ أَوْجَبَ بِسَبَب الْوَلَد، وقولُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ} [الْبَقَرَة: 233]، أَيْ: تَطْلُبُوا لَهُمْ مُرْضِعَةً. 2397 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ 2398 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ

بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ كَسْبُهُ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» قَالَ الإِمَامُ: وَرَوَاهُ سُفْيَان، عَنْ مَنْصُور، عَنْ عمَارَة بْن عُمَيْر، عَنْ عمته، عَنْ عَائِشَة، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: يجب على الرجل نفقةُ الْوَالِدين، والمولودين، لقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهِنْد: «خُذِي مَا يَكْفيك وَوَلَدَكِ بِالمعروفِ». وَفِيه دَلِيل على وجوب نَفَقَة الْوَلَد، وَإِذا وَجب على الرجل نفقةُ وَلَده، فنفقة وَالِده أولى مَعَ عظم حرمته. قَالَ رَحمَه اللَّه: وَإِنَّمَا يجب على الْمُوسر أَن يُنفق على من كَانَ مُعسرا زَمنا من الْوَالِدين والمولودين، وَلَا تجب نَفَقَة من كَانَ مِنْهُم مُوسِرًا، أَو قَوِيا يُمكنهُ تَحْصِيل نَفَقَته، هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ.

وَأوجب سَائِر الْفُقَهَاء نَفَقَتهم عِنْد الْإِعْسَار، وَلم يشترطوا الزمانة، وَلَا يجب نفقةُ غير الْوَالِدين والمولودين من الْأَقَارِب. وَأوجب أصحابُ الرَّأْي كلِّ ذِي رحم محرم من الْإِخْوَة، وَأَوْلَاد الْإِخْوَة، والأعمام، والأخوال، وَنَفَقَة الْقَرِيب على قدر الْكِفَايَة، وَلَا تصير دينا فِي الذِّمَّة. وَإِن احْتَاجَ الْأَب المُعسِرُ إِلَى نِكَاح، فعلي الْوَلَد الْمُوسر إعفافه، بِأَن يُعطيه مهر امْرَأَة، أَو ثمن جَارِيَة يتسرَّاها، ثُمَّ عَلَيْهِ نَفَقَة زَوجته، وسريته، وَلَا يجب على الْأَب إعفافُ وَلَده، وَقد رُوي عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب، عَنْ أَبِيه، عَنْ جده، أَن رجلا أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِن لي مَالا وَولدا، وَإِن وَالِدي يحْتَاج مَالِي، قَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَوْلادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُم، كُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلادِكُمْ». فَفِيهِ دَلِيل على أَنَّهُ إِذا لم يكن لَهُ مَال، وَله كسب يلْزمه أَن يكْتَسب للإنفاق على وَالِده، وَكَذَلِكَ الْوَلَد. وَذهب بعض أهل الْعلم إِلَى أَن يَد الْوَالِد مبسوطة فِي مَال وَلَده، يَأْخُذ مِنْهُ مَا يَشَاء، وَذهب عامتهم إِلَى أَنَّهُ لَا يَأْخُذ إِلا عِنْد الْحَاجة.

باب أي الوالدين أحق بالولد

بَاب أَيِّ الوَالِدَيْنِ أَحَقُّ بالوَلدِ 2399 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيَّرَ غُلامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَبُو مَيْمُونَةَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ، وَهِلالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ: هُوَ هِلالُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أُسَامَةَ، مَدِينِيٌّ ورُوي عَنْ عُمارة الْجرْمِي، قَالَ: خيَّرني عَليّ بَين أُمِّي وعمِّي، ثُمَّ قَالَ لأخ لي أَصْغَر مني: «وَهَذَا أَيْضًا لَوْ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا لَخَيَّرْتُهُ»، وَكنت ابْن سبع، أَو ثَمَانِي سِنِين. قَالَ الإِمَامُ: إِذا فَارق الرجلُ امْرَأَته، وَبَينهمَا ولدٌ صَغِير دون سبع سِنِين، فَإِن الْأُم أولى بحضانته إِن رَغِبَتْ، وعَلى الْأَب نفقتُه، وَإِن لم ترغب فعلى الْأَب أَن يسْتَأْجر امْرَأَة تحضنه، وَإِن كَانَت الْأُم رقيقَة، أَو غير مَأْمُونَة، أَو كَانَت كَافِرَة، وَالْأَب مُسْلِم، فَلَا حق للْأُم فِي الْحَضَانَة، وَقَالَ أصحابُ الرَّأْي: الْأُم أَحَق، وَإِن كَانَت ذميَّة. وَإِن كَانَت الْأُم حرَّة مسلمة مَأْمُونَة، فَالْحق لَهَا مَا لم تنكِح، فَإِذا نكحت، سقط حقُّها إِلا أَن تتَزَوَّج عمَّ الصَّبِي، فَلَا يسقُط حَقّهَا من الْحَضَانَة عِنْد بعض الْعلمَاء، فَإِن طَلقهَا زوجُها، عَاد حَقّهَا، سَوَاء كَانَ الطَّلَاق بَائِنا، أَو رَجْعِيًا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا لَا يعود حَقّهَا. وَقَالَ مَالِك: لَا يعود أبدا، فَإِذا مَاتَت الْأُم، أَو كَانَت رقيقَة، أَو كَافِرَة، أَو نكحت، فَأم الْأُم، وَإِن علت أولى من الْأَب مَا لم تنْكح، فَإِن نكحت سقط حقُّها إِلا أَن تنكِح جدَّ الصَّبِي، فَلَا يسْقط حقُّها، فَإِن لم يكن أحد من أُمَّهَات الْأُم، فالأب أولى، ثُمَّ بعده أُمَّهَات الْأَب، وَإِن عَلونَ أولى من الْجد، وَلَا حق لأحد من نسَاء الْقَرَابَة مَعَ الْأَب إِلا لأم الْأُم، وأمهاتهم، وَلَا مَعَ الْجد أَب الْأَب إِلا لأم الْأُم، وأمهاتها، أَو لأم الْأَب وأمهاتها، وَالدَّلِيل على أَن الْأُم أولى من الْأَب مَا رُوي عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب، عَنْ أَبِيه، عَنْ جده عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو، أَن امْرَأَة

قَالَت: يَا رَسُول اللَّه، إِن ابْني هَذَا كَانَ بَطْني لَهُ وعَاء، وثديي لَهُ سقاء، وحجري لَهُ حَوَّاء، وَإِن أَبَاهُ طَلقنِي، وَأَرَادَ أَن يَنْزعهُ مني، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنكِحي». والحواء: اسْم للمكان الَّذِي يحوي الشَّيْء. وَالدَّلِيل على أَن الْجدّة أم الْأُم أولى من الْأَب مَا 2400 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: " كَانَتْ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ، ثُمَّ إِنَّهُ فَارَقَهَا، فَرَكِبَ عُمَرُ يَوْمًا إِلَى قُبَاءَ، فَوَجَدَ ابْنَهُ يَلْعَبُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَخَذَ بِعَضُدِهِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الدَّابَّةِ، فَأَدْرَكَتْهُ جَدَّةُ الْغُلامِ، فَنَازَعَتْهُ إِيَّاهُ، فَأَقْبَلا حَتَّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَقَالَ عُمَرُ: ابْنِي، وَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: ابْنِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، فَمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ الْكَلامَ " وَإِذا اجْتمع نسَاء الْقَرَابَة، فأولاهن الأمُّ، ثُمَّ أمُّ الأمِّ، وَإِن علت، ثُمَّ أم الْأَب وَإِن علت، ثُمَّ أم الجدِّ، ثُمَّ الأختُ للْأَب وَالأُم، ثُمَّ الأختُ للْأَب، ثُمَّ الْأُخْت للْأُم، ثُمَّ الْخَالَة، ثُمَّ العمةُ على هَذَا التَّرْتِيب،

وَلَا حق لرجال الْعصبَة مَعَ وَاحِدَة من هَؤُلَاءِ، هَذَا إِذا كَانَ الْمَوْلُود دون سبع سِنِين، فَإِن بلغ سبع سِنِين، وعقل عَقل مثله، فيُخير بَين الْأَبَوَيْنِ، سَوَاء كَانَ الْمَوْلُود ذكرا أَو أُنْثَى، فَأَيّهمَا اخْتَارَهُ، يكون عِنْده، وَهُوَ قَول كثير من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَذهب الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن الْأُم أَحَق بالغلام حَتَّى يَأْكُل ويلبس وَحده، وبالجارية حَتَّى تحيض، ثُمَّ بعده الْأَب أَحَق بهما. وَقَالَ مَالِك: الْأُم أَحَق بالجارية وَإِن حَاضَت مَا لم تنْكح، وبالغلام مَا لم يَحْتَلِم، وَإِذا بلغ الصَّبِي سبع سِنِين، فَأكْثر وَلم يعقل عقل مثله، أَو بلغ مَجْنُونا، فالأم أولى بِهِ كالطفل، فَإِذا اخْتَار الَّذِي يعقل عقل مثله، أحد الْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَاخْتَارَ الآخر، صرف إِلَى الآخر، فَإِن كثر تردُّدُه بَينهمَا، عرف بِهِ خفَّة عقله، فَتكون الأمُّ أولى بِهِ كالطفل، وَإِنَّمَا يُخَيّر بَين الْأَبَوَيْنِ إِذا كَانَ الأبوان حرَّين مُسلمين مأمونين، فَإِن كَانَ أَحدهمَا كَافِرًا، أَو رَقِيقا، أَو فَاسِقًا يكون الآخر أولى بِهِ، وَإِذا نكحت الأمُّ فَلَا يُخَيّر، وَكَانَ عِنْد الْأَب، وكما يُخَيّر الْمَوْلُود بعد أَن عقل عقل مثله بَين الْأَبَوَيْنِ يُخير أَيْضا بَين الْأُم وَالْجد، وَبَين الأمِّ والعمِّ، وَمهما ثَبت الْحق للْأُم، إِمَّا حق الْحَضَانَة، أَو اخْتَارَهَا الْمَوْلُود بعد التَّخْيِير، فَأَرَادَ الْأَب سفرا، لم يكن لَهُ نزعُه من الأمِّ، وَإِن أَرَادَ النقلَة إِلَى بلد آخر، وَبَينهمَا مَسَافَة الْقصر، فَلهُ نزع الْمَوْلُود من الْأُم، وَحمله مَعَ نَفسه، وَكَذَلِكَ رجال الْعصبَة لَهُم نزع الْمَوْلُود من الْأُم، وَنَقله حَتَّى لَا يضيع نسبه إِلا أَن تخرج الأمُّ مَعَه إِلَى ذَلِكَ الْبَلَد، فَلَا يُنزع مِنْهَا، وَمهما كَانَ الْمَوْلُود عِنْد الْأُم، فَلَيْسَ لَهَا منع الْأَب من زيارته، وإخراجه إِلَى الْكتاب والصناعة إِن كَانَ من أَهله، ويأوي إِلَى الأمِّ، وَإِن كَانَ

عِنْد الْأَب، فَلَيْسَ لَهُ مَنعه من أَن يَأْتِي الْأُم، أَو تَأتيه الْأُم، فَإِن كَانَت جَارِيَة، فَلَيْسَ لَهُ منع الْأُم من أَن تزورها، وَله منعهَا عَنِ الْخُرُوج إِلَى الْأُم إِلا أَن تمرض الْأُم، فتأتيها عَائِدَة، وَإِذا كَانَ الْوَلَد رَقِيقا لرق الْأُم، فالسيد أَحَق بِهِ من أَبَوَيْهِ، فَإِن اجْتمع فِي ملك رجل أمٌّ وَوَلدهَا الصَّغِير، فَفرق بَينهمَا فِي الْعتْق، فَجَائِز، لِأَن الْعتْق لَا يمْنَع الْحَضَانَة، أما إِذا بَاعَ أَحدهمَا دون الآخر، فَإِن كَانَ بعد الْبلُوغ الْمَوْلُود سبع سِنِين، فَجَائِز، لِأَن الْوَلَد يَسْتَغْنِي عَنِ الْأُم فِي هَذَا السن، وَالْأولَى أَن لَا يفعل، وَإِن كَانَ دون سبع سِنِين، فَلَا يجوز، وَالْبيع مَرْدُود عِنْد بعض أهل الْعلم، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، لما رُوي عَنْ أَبِي أَيُّوب، قَالَ: سَمِعت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدةٍ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللَّه بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». وَكَذَلِكَ حكم الْجدّة، وَحكم الْأَب وَالْجد، وَأَجَازَ بَعضهم البيع مَعَ الْكَرَاهِيَة، وَإِلَيْهِ ذهب أَصْحَاب الرَّأْي. كَمَا يجوز التَّفْرِيق فِي الْبَهَائِم بَين الْأُمَّهَات وَأَوْلَادهَا. وَقَالَ الشَّعْبِيّ: إِنَّمَا كره التَّفَرُّق بَين السبايا فِي البيع، فَأَما المولد، فَلَا بَأْس. وَرخّص أَكْثَرهم فِي التَّفْرِيق بَين الْأَخَوَيْنِ فِي البيع، وَمنع بَعضهم، لما رُوِيَ عَنْ عَليّ بِإِسْنَاد غَرِيب، قَالَ: وهب لي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلامين أَخَوَيْنِ، فَبِعْت أَحدهمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ غُلامُكَ؟» فَأَخْبَرته،

فَقَالَ: «رُدَّهُ رُدَّهُ»، وَإِذا وَقع فِي السَّبي ولد مَعَ أحد أَبَوَيْهِ يجْتَهد الإِمَام حَتَّى لَا يُفرِّق بَينهمَا فِي الْقِسْمَة، وَكَذَلِكَ الْإِخْوَة والمحارم، فَإِن فرق لغير ضَرُورَة، كرهه جمَاعَة من أهل الْعلم. وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ يجوز، إِلا بَين الْوَلَد الصَّغِير والوالدين، ثُمَّ اخْتلفُوا فِي حد الْكبر الَّذِي يُبيح التَّفْرِيق، قَالَ الشَّافِعِيّ: هُوَ أَن يبلغ سبع سِنِين، أَو ثَمَانِي سِنِين، وَقَالَ الأَوْزَاعِيّ: حَتَّى يَسْتَغْنِي عَنْ أمه، وَقَالَ مَالِك: حَتَّى يثغر، وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: حَتَّى يحتِلم، وَقَالَ أَحْمَد: لَا يُفرق بَينهمَا، وَإِن كبر واحتلم، وجوَّز أَصْحَاب الرَّأْي التفريقَ بَين الْأَخَوَيْنِ الصغيرين، فَإِن كَانَ أَحدهمَا كَبِيرا، لَا يجوز.

باب حد البلوغ

بَاب حَدِّ البُلُوغِ 2401 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَدَّنِي، ثُمَّ عُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي»، قَالَ نَافِعٌ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: هَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَكَتَبَ أَنْ يُفْرَضَ لابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي الْمُقَاتِلَةِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهَا فِي الذُّرِّيَّةِ ". هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عُبيد اللَّه بْن سَعِيد، عَنْ أَبِي أُسَامَة، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن نُمَيْر، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم، قَالُوا: إِذا اسْتكْمل الْغُلَام، أَو الجاريةُ خمس عشرَة سنة، كَانَ بَالغا، وَبِهِ قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَابْن الْمُبَارَك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَإِذا احْتَلَمَ وَاحِد مِنْهُمَا قبل بُلُوغه خمس عشرَة سنة بعد استكمال تسع سِنِين يحكم بِبُلُوغِهِ، وَكَذَلِكَ إِذا حَاضَت الْجَارِيَة بعد استكمال تسع، وَلَا حيض، وَلَا احْتِلَام قبل بُلُوغ التسع، وَإِذا أَتَت الْجَارِيَة بِولد قبل بُلُوغهَا خمس عشرَة سنة يحكم ببلوغها قبل ذَلِكَ بِسِتَّة أشهر، لِأَنَّهَا أقل مُدَّة الْحمل. قَالَ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأعجل من سَمِعت من النِّسَاء يحضن نسَاء بتهامة، يحضن وَهن بَنَات تسع. وَقَالَ الْحَسَن بْن صَالِح: أدْركْت جَارِيَة لنا جدة بنتَ إِحْدَى وَعشْرين سنة، وَعَن أَبِي الْعَالِيَة، أَن عُمَر بْن الْخَطَّاب، قَالَ: «يُكتب للصَّغِير حسناتُه، وَلَا تُكتب عَلَيْهِ سيئاته، فَإِذا بلغ ثَلَاث عشرَة سنة، كتب عَلَيْهِ وَله»، فَذكر ذَلِكَ لِلْحسنِ، فَقَالَ: ذَلِكَ حِين يَحْتَلِم. قَالَ أَحْمَد، وَإِسْحَاق: للبلوغ ثَلَاث منَازِل، بُلُوغ خمس عشرَة، أَو الِاحْتِلَام، فَإِن لم يُعرف سنُّه، وَلَا احتلامُه، فالإنبات، يَعْنِي: الْعَانَة. وحُكي عَنْ مَالِك أَيْضا أَنَّهُ جعل الإنبات بلوغًا، وَقَالَ فِي السن: إِذا بلغ من السن مَا لَا يُجَاوِزهُ غُلَام إِلا احْتَلَمَ، حكم بِبُلُوغِهِ، وَلم يَجْعَل الْخَمْسَة عشر حدا. وَجعل الشَّافِعِيّ الإنبات بلوغًا فِي أَوْلَاد الْكفَّار دون الْمُسلمين حَتَّى يجوز قتل من أنبت من السَّبي، لِأَن الْكفَّار لَا يُوقف على مواليدهم، فيُعرف بلوغهم بِالسِّنِّ. وَلَا يُمكن الرُّجُوع إِلَى قَوْلهم، لأَنهم متهمون فِي ذَلِكَ لدفع الْقَتْل عَنْ أنفسهم. رُوي عَنْ عطيَّة القُرظي، قَالَ: كنتُ من سبي قُريظة، فكانُوا

باب نفقة المماليك

ينظرونَ «فَمن أنبت الشّعْر قُتل، وَمن لم ينْبت لم يُقتل، فَكنت مِمَّن لم يُنبِت». وَقَالَ أَبُو حنيفَة: حدُّ بُلُوغ الْغُلَام ثَمَانِي عشرَة سنة، إِلا أَن يَحْتَلِم قبلهَا، وحد بُلُوغ الْجَارِيَة سبع عشرَة سنة إِلا أَن تحيضَ قبلهَا. بَاب نَفَقَةِ المَمَالِيكِ 2402 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا، وَعَلَى غُلامِهِ بُرْدًا، فَقُلْتُ: لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتهُ، كانَتْ حُلَّةً، وأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ. قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلامٌ، وَكَانَتْ أُمَّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ مِنْهَا، فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: «أَسَابَبْتَ فُلانًا؟». قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِليَّةٌ». قُلْتُ عَلَى

سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدَهُ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلْ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا يُكَلِّفْهُ مِنَ العَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ، فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ أَبِي كُريب، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة، عَنِ الأَعْمَشِ قَوْله: «فَلْيُطْعِمَهُ مِمَّا يَأْكُلْ، وَلْيُلْبِسَهُ مِمَّا يَلْبَسُ» هَذَا خطاب مَعَ الْعَرَب الَّذين لبوسُ عامتهم، وأطعمتهم مُتَقَارِبَة، يَأْكُلُون الجَشِب، وَيلبسُونَ الخشن، فَأَمرهمْ أَن يُطعموا، ويُلبسوا رقيقَهم، مِمَّا يَأْكُلُون وَيلبسُونَ، فَأَما من خَالف معاش السَّلف، وَالْعرب، فَأكل رَقِيق الطَّعَام، وَلبس جيِّد الثِّيَاب، فَلَو آسى رَقِيقه، كَانَ أحسن، فَإِن لم يفعل، فَلَيْسَ عَلَيْهِ لرقيقه إِلا مَا هُوَ الْمَعْرُوف من نَفَقَة رقيقَة بَلَده، وكِسوتهم كَمَا. 2403 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ،

وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ عَجْلانَ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وكِسْوَتُهُ بالمَعْرَوفِ، وَلا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلا مَا يُطِيقُ». هَذَا حَدِيث صَحِيح، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكيرِ بْنِ الأَشَجِّ قَالَ الشَّافِعِيّ: والجواري إِذا كَانَت لَهُنَّ فراهة وجمال، فالمعروف أَنَّهُنَّ يُكسين أحسن من كسْوَة الَّتِي دونهن. قَالَ: وَمعنى قَوْله «لَا يُكَلَّفُ مِنَ العَمَلِ إِلا مَا يُطيقُ». يَعْنِي وَالله أعلم: إِلا مَا يُطيق الدَّوَام عَلَيْهِ، لَا مَا يُطيق يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ، أَو ثَلَاثَة، وَنَحْو ذَلِكَ ثُمَّ يعجز، وَجُمْلَة ذَلِكَ مَا لَا يضر بِبدنِهِ الضَّرَر الْبَين، فَإِن عمي أَو زمِن، أنْفق عَلَيْهِ مَوْلَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَن يسترضع الْأمة غير وَلَدهَا إِلا أَن يكون فِيهَا فضل عَنْ ربِّه، أَو يكون وَلَدهَا يغتذي بِالطَّعَامِ، فيقيم بدنه، فَلَا بَأْس بِهِ. وَإِذا كَانَت لرجل دَابَّة، أَو شَاة، أَو بعير، علفه بِمَا يقيمه، فَإِذا امْتنع، أَخذه السُّلْطَان بعلفه، أَو بِبيعِهِ. وَلَا تُحلبُ أُمَّهَات النَّسْل إِلا فضلا عَمَّا يُقيم أَوْلَادهنَّ، هَذَا كُله قَول الشَّافِعِيّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

باب الأكل مع الخادم

2404 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ هَذَا الشَّهْرَ هَهُنَا عِنْدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: أَتَرَكْتَ لأَهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فارْجِعْ، فاتْرُكْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَوْله: «من يقوت» يُرِيد من يلْزمه قوته، وَفِيه بيانُ أَن لَيْسَ للرجل أَن يتصدَّق بِمَا لَا يفضلُ عَنْ قوت أَهله يلْتَمس بِهِ الثَّوَاب، فَإِنَّهُ يَنْقَلِب إِثْمًا. بَاب الأَكْلِ مَعَ الْخَادِمِ 2405 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ،

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامٍ، وَقَدْ كَفَاهُ حَرَّهُ، وَعَمَلَهُ، فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ، فَلْيَأْكُلْ مَعَهُ، وَإِلا فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً مِنْ طَعَامٍ» 2406 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَتَى خَادِمُ أَحَدِكُمْ بِطَعَامِهِ قَدْ وَلِيَ حَرَّهُ، وَمَشَقَّتَهُ، وَدُخَانَهُ، وَمَئُونَتَهُ، فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً فِي يَدِهِ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ حَفْص بْن عُمَر، عَنْ شُعْبَة، عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ والأكلة مَضْمُونَة الْألف: اللُّقْمَة، والأكلة بِفَتْحِهَا: الْمرة الْوَاحِدَة من الْأكل، ويُروى: «فَلْيُجْلِسْهُ»، فَإِنْ أَبَى، فَليُرَوِّغْ لَهُ لُقْمةً فَيُنَاوِلهُ

باب ثواب المملوك إذا نصح لسيده

إيَّاها "، والترويغ: أَن يرويهِ دسمًا، يُقَالُ: روَّغ فلَان طَعَامه، ومرَّغه، وسنبَلَه، إِذا روَّاه دسمًا. وَهَذَا التَّخْصِيص لمن ولي إصْلَاح الطَّعَام، لِأَنَّهُ رُبمَا اشتهاه، وَأَقل مَا يرد شَهْوَته لقْمَة أَو لقمتان، وَفِيه دَلِيل على أَنَّهُ لَا يجب على السَّيِّد أَن يُسَوِّي بَين مَمْلُوكه، وَبَين نَفسه فِي المآكل، إِذا كَانَ مِمَّن يعْتَاد رقيقَ الطَّعَام ولذيذه، إِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يُشبعه من طَعَام يُقيمه، كَمَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يكسوه من حُرِّ الثِّيَاب، إِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يستره بِمَا يَقِيه الحرِّ فِي الصَّيف، وَالْبرد فِي الشتَاء، وَالله أعلم. بَاب ثَوَابِ المَمْلُوكِ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ 2407 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِك، عَنْ نَافِع، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ العبْدَ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَأَحْسنَ عِبَادَة اللَّه، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتين». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ

2408 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالَوَيْهِ الْمُزَكِّي، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ. ح وَأَنا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، نَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعِمَّا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَطَاعَةَ سَيِّدِهِ، نعما لَهُ نعما». وأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلِهِ. وَقَالَ: «نِعِمَّا لِلْعَبْدِ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ مُحَمَّد بْن رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 2409 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:

باب وعيد من ضرب عبده أو قذفه

كَانَ جَرِيرٌ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَبَقَ العَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ دَاوُدُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ» قَالَ شَقِيق بْن سَلمَة: لَيْسَ على الْمَمْلُوك إِلا الصَّلواتُ الْخمس، وصيامُ رَمَضَان، ويغتسل من الْجَنَابَة، ويطيع مولاهُ، وَهُوَ فِي الْجنَّة، وَله أَجْرَانِ. وَعَن الْحَسَن فِي الْمَمْلُوك يَبْعَثهُ مَوْلَاهُ فِي حَاجَة، وتُقام الصَّلَاة بأيَّتِهما يبْدَأ؟ قَالَ: بحاجة مَوْلَاهُ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا إِذا لم يَفُتِ الوقتُ. بَاب وَعيدِ مَنْ ضَرَبَ عَبْدَهُ أَوْ قَذَفَهُ 2410 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، نَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ مَمْلُوكًا لِي، فَسَمِعْتُ قَائِلا مِنْ خَلْفِي «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ» مَرَّتَيْنِ، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا أَنَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ»، قَالَ: فَمَا ضَرَبْتُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَزَادَ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَقَالَ: «لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ» 2411 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: كُنَّا نَبِيعُ الْبَزَّ فِي دَارِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، فَخَرَجَتْ جَارِيَةٌ، فَقَالَتْ لِرَجُلٍ شَيْئًا مَا أَدْرِي مَا هُوَ، فَلَطَمَهَا، فَرَأَى ذَلِكَ سُوَيْدُ بْنُ مُقَرِّنٍ، فَقَالَ: «لَطَمْتَ وَجْهَهَا، لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَا لَنَا إِلا خَادِمٌ، فَلَطَمَهُ رَجُلٌ مِنَّا، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَعْتِقَهُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ ورُوي عَنِ ابْن عُمَر، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُول: «مَنْ ضَرَبَ غُلامًا لَهُ حدا لَمْ يأْتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ، فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ». 2412 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ، جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ فُضَيْلٍ 2413 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابِجِرْدِيُّ، نَا عَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْجَابِرِ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ،

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ، فَلْيُمْسِكْ» 2414 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّءُ الْمَلَكَةِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَتَكَلَّمَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ فِي فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، وَهُوَ فَرْقَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، كَانَ حَائِكًا مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، أَصْلُهُ مِنْ أَرْمِينِيَّةَ، انْتَقَلَ إِلَى الْبَصْرَةِ، نُسِبَ إِلَى سبخَةَ، لأَنَّهُ كَانَ يَأْوِيهَا، مَاتَ قَبْلَ الطَّاعُونِ، وَكَانَ الطَّاعُونُ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاثِينَ وَمِائَةٍ 2415 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ

الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا يَزِيدُ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: «الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ، وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ صَالح أَبُو الْخَلِيل هُوَ صَالِح بْن أَبِي مَريَم ضُبعي، بَصرِي. قَوْله: «وَمَا يَفيصُ بهَا لِسَانُهُ». هُوَ بالصَّاد غير مُعْجمَة يَعْنِي: مَا يبين كَلَامه، يقَالَ: فلَان مَا يفيص بِكَلِمَة: إِذا لم يقدر على أَن يتَكَلَّم بِبَيَان، وَفُلَان ذُو إفاصة، أَي: ذُو بَيَان. وَأما الْإِفَاضَة بالضاد الْمُعْجَمَة فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يُونُس: 61]، أَي: تخوضون فِيهِ وتكثرون، كَانَ طَاوس لَا يرى بتقييد الرجل عَبده بَأْسا ليحبسه عَنِ الْفُجُور، وَيكرهُ الضَّرْب، وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو: لَا تضرب خادمك، وَاضْرِبْ امْرَأَتك. ورُوي أَن أَبَا هُرَيْرَةَ رأى رجلا رَاكِبًا وَغُلَامه يسْعَى خَلفه، فَقَالَ: يَا عَبْد اللَّهِ، احمله، فَإِنَّهُ أَخُوك، وروحك مثلُ روحه.

19 - كتاب العتق

19 - كتاب العتق ثَوَابُ العِتْقِ قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [الْبَلَد: 13] وَقَوله: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [الْبَلَد: 11] يَعْنِي: لَمْ يَقْتَحِمَ العَقَبَةَ فِي الدُّنيا، أَي: لَمْ يَتَحَمَّلَ الأَمْرَ العظيمَ فِي طاعةِ اللَّه، ثُمَّ فَسَّرَ اقْتِحَامَ العَقَبَة بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَكُّ رَقَبَةٍ {13} أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14}} [الْبَلَد: 13 - 14]، وَقَالَ الأَزْهَريُّ: لَمْ يَقْتَحِمِ العَقَبَةَ الشَّاقَّةَ، أَي: لَمْ يَقْطَعْهَا، واقْتِحَامُهَا: فَكُّ رَقَبَةٍ، أَي: الجوازُ عَلَيْهَا يَكُونُ بِفَكِّ الرَّقَبَةِ. 2416 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ. ح وَأَخْبَرَنِي أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا أَبِي، وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُرْجَانَةَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ

أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ حَتَّى يُعْتِقَ فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ مَرْجَانَةَ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَرْجَانَةُ أُمُّهُ وَكَانَ بعض أهل الْعلم يستحِبُّ أَن لَا يكون العَبْد الَّذِي يعتقهُ خصيَّا، لينال بِعِتْقِهِ الموعودَ فِي الْحَدِيث. 2417 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا بِأَرِيحَا، فَمَرَّ بِي وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ مُتَوَكِّئًا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، فَأَجْلَسَهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ، فَقَالَ: عَجَبٌ مَا حَدَّثَنِي الشَّيْخُ يَعْنِي: وَاثِلَةَ، قُلْتُ: مَا حَدَّثَكَ؟ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَأتَاهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَاحِبَنَا قَدْ أَوْجَبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقِ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ»

قَوْله: «أَوْجَبَ»، أَي: ركب خَطِيئَة مُوجبَة، يسْتَوْجب بهَا النَّار، يُقَالُ فِي ذَلِكَ للرجل، قد أوجب، ويقَالَ للحسنة والسيئة: قد أوجبت. وَهِي مُوجبَة يَعْنِي: توجب الْجنَّة أَو النَّار 2418 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ»، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَغْلاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ صَانِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ»، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ». هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مُوسَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. قَوْلُهُ: «أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ». فَالأَخْرَقُ: الَّذِي لَيْسَ فِي يَدِهِ صَنْعَةٌ

2419 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ التَّاجِرُ، نَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. ح وَأَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، نَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ الْيَامِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي عَمَلا يُدْخِلُني الْجَنَّةَ. قَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ، لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ، أَعْتِقِ النَّسْمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ». قَالَ: أَوَ لَيْسَتَا وَاحِدَةً؟ قَالَ: لَا، عِتْقُ النَّسْمَةِ: أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ: أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا وَالْمِنْحَةُ الْوَكُوفُ، وَالْفَيْءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ، فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ، وَاسْقِ الظَّمْآنَ، وَمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ، فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلا مِنْ خَيْرٍ "

قَوْله: «لَئِنْ أَقْصَرْتَ الخُطبَةَ». أَي: جِئْت بهَا قَصِيرَة، «لَقَدْ أَعْرَضْتَ المسألَةَ». أَي: جِئْت بهَا عريضة، أَي: وَاسِعَة، قَوْله: «أعتِقِ النَّسمَةَ»، النسم: الرّوح، أَي: أعتق ذَا نسمَة، وكل دَابَّة فِيهَا روح، فَهِيَ نسمَة: «والمِنْحَةُ الوَكُوفُ»، أَي: غزيرة اللَّبن، وَمِنْه وكف البيتُ والدمعُ. 2420 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالا: نَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِيُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ فِيهِ، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَعْتَقَ نَفْسًا مُسْلِمَةً، كَانَتْ فِدْيَتَهُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

باب من أعتق شركا له من عبد

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْحِمْصِيُّ بَاب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكا لَهُ مِنْ عَبْدٍ 2421 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، وَكانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ، وَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلا عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ الإِمَامُ: فِي الْحَدِيث دليلٌ على أَن من أعتق نصِيبه من عبد مُشْتَرك بَينه، وَبَين غَيره وَهُوَ موسِر بِقِيمَة نصيب الشَّرِيك، يُعتق كلُّه عَلَيْهِ بِنَفس الْإِعْتَاق، وَلَا يتَوَقَّف على أَدَاء الْقيمَة، وَلَا على الِاسْتِسْعَاء،

وَيكون وَلَاؤُه كُله للْمُعْتق، وَإِن كَانَ مُعسرًا عتق نصيبُه، وَنصِيب الشَّرِيك رَقِيق لَا يُكَلف إِعْتَاقه، وَلَا يُستسعى العبدُ فِي فكه، وَهُوَ قَول ابْن أَبِي ليلى، وَابْن شُبرُمَة، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد. وَقَالَ ربيعَة، وَمَالك: لَا يُعتق نصيبُ الشَّرِيك بِنَفس اللَّفْظ مَا لم يؤد إِلَيْهِ قِيمَته، وَقَالَهُ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم، لِأَنَّهُ رُوي عَنْ سَالم، عَنْ أَبِيه، يبلُغ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا كَانَ العَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصيبَهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يُقوَّمُ عَلَيْهِ لَا وَكْسَ، وَلَا شَطَطَ، ثُمَّ يُعْتَقُ». وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا يعْتق نصيب الشَّرِيك، بل يستسعى العَبْد، فَإِذا أدّى قيمَة النّصْف الآخر إِلَى الشَّرِيك، عتق كلُّه، وَالْوَلَاء بَينهمَا، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَإِسْحَاق، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الشريكُ المعتِق مُوسِرًا، فَالَّذِي لم يُعتِق بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ أعتق نصيب نَفسه، وَإِن شَاءَ استسعى العَبْد فِي قيمَة نصِيبه، فَإِذا أدّى، عتق، وَكَانَ الْوَلَاء بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن شَاءَ ضمن الْمُعْتق قيمَة نصِيبه، ثُمَّ شَرِيكه بعد مَا يضمن، رَجَعَ على العَبْد، فاستسعاه فِيهِ، فَإِذا أَدَّاهُ عتق، وَوَلَاؤُهُ كُله لَهُ. وَذهب قَتَادَة إِلَى أَن الْمُعْتق إِن لم يكن لَهُ مَال يستسعى العَبْد وَإِن كَانَ لَهُ مَاله، قُوِّم عَلَيْهِ، وَاحْتج من قَالَ بالسعاية بِمَا. 2422 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ،

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي عَبْدٍ، أُعْتِقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلا يُسْتَسْعَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْله: «غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ»، قَالَ بَعضهم: أَي لَا يُستغلى عَلَيْهِ فِي الثّمن. وروى شُعْبَة، وَهِشَام هَذَا الْحَدِيث، عَنْ قَتَادَة، وهما أثبت مَنْ روى عَنْ قَتَادَة، وَلم يذكرَا فِيهِ السّعَايَة وَرَوَاهُ همَّام، عَنْ قَتَادَة، وَجعل ذكر السّعَايَة من كَلَام قَتَادَة، وَلم يَجعله من متن الْحَدِيث. وتأوَّل بعضُ النَّاس معنى السّعَايَة على أَنَّهُ يستسعى العَبْد، أَي: يستخدم لسَيِّده الَّذِي لم يعتِق إِن كَانَ المعتِق مُعسرا، وَقَوله: «غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ»، أَي: لَا يُحمل من الْخدمَة فَوق مَا يلْزمه، إِنَّمَا يُطَالِبهُ بِقدر مَاله فِيهِ من الرّقّ، وَقَوله: «شِقْصًا»، أَي: نَصِيبا، والشقص والشقيص: النَّصِيب. قَالَ الإِمَامُ: فِي حكم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِتْق نصيب الشَّرِيك بِإِعْتَاق الآخر نصِيبه دَلِيل على أَن لِلْعِتْقِ من السَّرَايَة، وَالْغَلَبَة مَا لَيْسَ لغيره، حَتَّى لَو أعتق

باب من أعتق مماليكه عند موته ولا مال له غيرهم

رجل جُزْءا شَائِعا من عبد كُله ملك لَهُ يُعتق، كلُّه، وَكَذَلِكَ لَو طلَّق الرجل جُزْءا شَائِعا من زَوجته، بِأَن قَالَ: نصفك، أَو ثلثك طَالِق، تطُلق كلُّها، وَاتفقَ أهلُ الْعلم على الطَّلَاق، وَقَالَ أَكْثَرهم فِي الْعتْق كَذَلِك. وَذهب الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ لَو أعتق جُزْءا معينا من عَبده، بِأَن قَالَ: يدك حر، أَو رجلك، أَو شعرك حر، أعتق كُله، وَكَذَلِكَ لَو طلق جُزْءا معينا من امْرَأَته، كَمَا لَو يُسمى جُزْءا شَائِعا، وكما لَو خص بعض الزَّمَان، فَقَالَ: أَنْت طَالِق شهرا، يعم، أَو ذكر بعض الطَّلَاق، فَقَالَ: أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة تتمّ، وَلَو أعتق بعض عَبده بعد مَوته لَا يسري، لِأَن ملكه قد زَالَ بِالْمَوْتِ، وَإِن أعتق بعضه فِي مرض مَوته، سرى إِلَى الْبَاقِي إِن خرج كُله من الثُّلُث. بَاب مَنْ أَعْتَقَ مَمَالِيكَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ 2423 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمَالِيكَ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، أَوْ

قَالَ: أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ سِتَّةَ مَمَالِيكَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ فِيهِ قَوْلا شَدِيدًا، ثُمَّ دَعَاهُمْ، فَجَزَّأَهُمْ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَقَالَ: أَعْتَقَ ستَّةَ مَمْلُوكينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ وَأَبُو الْمُهلب اسْمه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَمْرو، ويقَالَ: مُعَاوِيَة بْن عَمْرو وَهُوَ عمُّ أَبِي قِلابَة، وَأَبُو قِلابَة اسْمه عَبْد اللَّهِ بْن زَيْد الجَرْمي. قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا دَلِيل على أَن الْعتْق الْمُنجز فِي مرض الْمَوْت، وَكَذَلِكَ التَّبَرُّع الْمُنجز فِي مرض الْمَوْت، كالمعلق بِالْمَوْتِ فِي الِاعْتِبَار من الثُّلُث، وَفِي أَن من لَا يَصح لَهُ الْوَصِيَّة لَا يصحُّ التَّبَرُّع مَعَه فِي مرض الْمَوْت، ويفترقان فِي حكمين، أَحدهمَا: أَنَّهُ يجوز لَهُ الرُّجُوع عَنِ الْمُعَلق بِالْمَوْتِ، لِأَن الْملك لم يحصل للمتبرع عَلَيْهِ قبل الْمَوْت، وَلَا يملك الرُّجُوع عَنِ الْمُنجز بِحُصُول الْملك لَهُ. وَالثَّانِي: أَن فِي الْمُنجز يُقدم الأسبق، فالأسبق وَفِي الْمُعَلق بِالْمَوْتِ لَا يُقدم مَا لم يُقيد بَيَانه، وَلَو قَالَ فِي مرض مَوته

لثَلَاثَة أعبد لَهُ: سَالم حر، وغانم حر، وَزِيَاد حر، وَلم يخرج من الثُّلُث إِلا وَاحِد مِنْهُم، عتق الأول، وَإِن خرج اثْنَان من الثُّلُث عتق الْأَوَّلَانِ، وَفِي الْمُعَلق بِالْمَوْتِ، وَلَو قَالَ: إِذا مت، فسالم حر، وغانم حر، وَزِيَاد حر، وَلم يخرج إِلا وَاحِد مِنْهُم من الثُّلُث يُقرع بَينهم، فَإِن قيد بِالتَّأْخِيرِ، فَقَالَ: إِذا مت، فسالم حر، ثُمَّ غَانِم حر، ثُمَّ زِيَاد حر، أَو قَالَ: سَالم حر، وأعتقوا غانما، وَلم يخرج إِلا وَاحِد من الثُّلُث، عتق الأول. وَفِي الْحَدِيث إِثْبَات القُرعة بَينهم إِذا أعتقهم مَعًا فِي مرض مَوته، أَو بعد مَوته، ليتميز الْعَتِيق عَنْ غَيره، فَإِن كَانُوا ثَلَاثَة قيمُهم سَوَاء، أَقرع بَينهم بسهمي رق، وَسَهْم حريَّة، فَمن خرج لَهُ سهم لحرية، كَانَ حرا من وَقت إنْشَاء الْعتْق، وَمَا اكْتسب من ذَلِكَ الْوَقْت فَلَهُ، ورق الْآخرَانِ. وَإِن كَانُوا سِتَّة، جزأهم ثَلَاثَة أَجزَاء على اعْتِبَار الْقيمَة، فَإِن كَانَت قيمهم سَوَاء، جعل كل اثْنَيْنِ جُزْءا، وَإِن تفاوتت قيمهم، بِأَن كَانَ ثَلَاث مِنْهُم قيمةُ كل وَاحِد مائَة، وَثلث قيمَة كل وَاحِد خَمْسُونَ، ضم كل وَاحِد مِمَّن قلَّت قِيمَته إِلَى وَاحِد مِمَّن كثرت قِيمَته، ثُمَّ أَقرع بَينهم بسهمي رق، وَسَهْم حريَّة، وَإِن لم يُمكن التَّسْوِيَة بَين الْأَجْزَاء فِي الْعدَد بِأَن كَانَت قيمَة وَاحِد مائَة، وَقِيمَة اثْنَيْنِ مائَة، وَقِيمَة ثَلَاثَة مائَة، جعل الْوَاحِد جُزْءا، والاثنين جُزْءا، وَالثَّلَاثَة جُزْءا، وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة، قيمَة وَاحِد مائَة وَخَمْسُونَ، وَقِيمَة الآخر مائَة، وَقِيمَة الثَّالِث خَمْسُونَ، أَقرع بَينهم بسهمي رق، وَسَهْم حريَّة، فَإِن خرجت الْقرعَة للَّذي قِيمَته مائَة وَخَمْسُونَ، عتق ثُلُثَاهُ، وَتمّ الثُّلُث، وَإِن خرجت الْقرعَة للَّذي قِيمَته مائَة، عتق كُله، وَهُوَ ثلث مَاله، وَإِن خرجت الْقرعَة للَّذي قِيمَته خَمْسُونَ، عتق كُله، ثُمَّ تُعَاد الْقرعَة بَين الآخرين، فيقرع بَينهمَا بِسَهْم رق، وَسَهْم حريَّة، فَإِن

باب العتق عن الميت

خرج سهم الْحُرِّيَّة للَّذي قِيمَته مائَة، عتق نصفه، وَإِن خرج للَّذي قِيمَته مائَة وَخَمْسُونَ، عتق ثلثه. وَذهب إِلَى الإقراع جمَاعَة من أهل الْعلم، وَهُوَ قَول عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ لَا يُقرع، بل يُعتق من كل عبد ثُلثُه، ويُستسعى فِي ثُلثَيْهِ للْوَرَثَة حَتَّى يُعتق كُله، رُوي ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، كَمَا لَو وهبهم، أَو أوصى بِهِ لإِنْسَان وَلَا مَال لَهُ غَيرهم، لَا يجمع الْهِبَة وَالْوَصِيَّة فِي وَاحِد مِنْهُم بِالْقُرْعَةِ، بل ينفذ فِي ثلث كل وَاحِد مِنْهُم، كَذَلِك الْعتْق، وَهَذَا قِيَاس لَا ترد بِهِ السّنة، وَلِأَن الْعتْق مبناه على التغليب، والتكميل، إِذا وجد إِلَيْهِ السَّبِيل، وعَلى هَذَا لَو أعتق عبدا فِي مرض مَوته لَا مَال لَهُ سواهُ، عتق ثلثه عِنْد مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وثلثاه يكون رَقِيقا للْوَرَثَة، وَعند أَصْحَاب الرَّأْي يستسعي فِي الثُّلثَيْنِ. بَاب العِتْقِ عَنِ الْمَيِّت 2424 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الأنْصَارِيِّ، أَنَّ أُمَّهُ أَرَادَتْ أَنْ تُوصِيَ، ثُمَّ أَخَّرَتْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ تُصْبِحَ، فَهَلَكَتْ، وَقَدْ كَانَتْ هَمَّتْ بِأَنْ تُعْتِقَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ

باب من يعتق بالملك

بْنِ مُحَمَّدٍ: أَيَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ: إنَّ أُمِّي هَلَكَتْ، فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ». قَالَ الإِمَامُ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، مُتَّصِلٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي نَوْمٍ نَامَهُ، فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رِقَابًا. بَاب مَنْ يُعْتِقَ بالمُلْكِ 2425 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيِّ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الفارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّد بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ،

نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَريَهُ، فَيُعْتِقَهُ». هَذَا حَدِيث صَحِيح وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم، قَالُوا: إِذا اشْترى الرجل أحدا من آبَائِهِ، أَو أمهاته، أَو وَاحِدًا من أَوْلَاده، أَو أَوْلَاد أَوْلَاده، أَو ملكه بِسَبَب آخر، يُعتق عَلَيْهِ من غير أَن يُنشئ فِيهِ عتقا، وَقَوله: فيعتقه. لم يرد بِهِ أَن إنْشَاء الْإِعْتَاق شَرط، بل أَرَادَ بِهِ أَن الشِّرَاء يخلصه عَنِ الرّقّ. وَاخْتلف أهل الْعلم فِي غير الْوَالِدين والمولودين من الْمَحَارِم، فَذهب أكثرُ أهل الْعلم إِلَى أَن من ملك ذَا رحم محرم كالأخ، وَابْن الْأَخ، وَالْعم، والعمة، وَالْخَال، وَالْخَالَة، يُعتق عَلَيْهِ، يُروى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَلَا يُعرف لَهما مُخَالف فِي الصَّحَابَة، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَجَابِر بْن زَيْد، وَعَطَاء، وَالشَّعْبِيّ، وَالزُّهْرِيّ، وَالْحكم، وَحَمَّاد، وَإِلَيْهِ ذهب سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ حَمَّاد بْن سَلمَة، عَنْ قَتَادَة، عَنِ الْحَسَن، عَنْ سَمُرَة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحمٍ مُحَرَّمٍ، فَهُوَ حُرٌّ».

باب بيع المدبر

وَقَالَ مَالِك: لَا يعْتق إِلا الْوَالِد، وَالْولد، وَالإِخْوَة. وَقَالَ قوم: لَا يُعتق إِلا الوالدون، والمولودون. وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَذهب بعض أهل الظَّاهِر إِلَى أَن الْأَب لَا يُعتق على الابْن، لِأَن فِي الْحَدِيث: «فَيَشْتَرَيه فَيُعْتِقُهُ». وَإِذا صَحَّ الشِّرَاء، ثَبت الْملك، وَالْملك يُفِيد التَّصَرُّف، وَحَدِيث سَمُرَة لَا يُعرف مُسْندًا إِلا من حَدِيث حَمَّاد بْن سَلمَة، وَرَوَاهُ بَعضهم عَنْ قَتَادَة، عَنِ الْحَسَن، عَنْ عُمَر، وَرَوَاهُ بَعضهم عَنِ الْحَسَن مُرْسلا. بَاب بَيْعِ المُدَبِّرِ 2426 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ

الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، سَمِعَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَّا غُلامًا لَهُ، لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعيْمٌ النَّخَّامُ»، قَالَ عَمْرٌو: فَسَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَزَادَ أَبُو الزُّبَيْرِ يُقَالُ لَهُ: يَعْقُوبُ. هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد عَنْ قُتَيْبَة، عَنْ سُفْيَان عَنْ عَمْرو، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ 2427 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ

مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْتَقْتَ غُلامَكَ عَنْ دُبُرٍ مِنْكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ، أَوْ مَنْ يَبْتَاعُهُ مِنِّي؟» فَابْتَاعَهُ النَّخَّامُ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ «أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْكَ شَيْءٌ، فَعَلَى أَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ، فَعَلَى ذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ، فَهَكَذَا، وَهَكَذَا». وَلَمْ يَحْفَظْ زُهَيْرٌ كَيْفَ صَنَعَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ، وَقَالَ: فَهَكَذَا وَهَكَذَا. يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ، وَعَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ قَالَ الإِمَامُ: اخْتلف أهل الْعلم فِي بيع المدبَّر، فَأجَاز جمَاعَة بَيْعه على الْإِطْلَاق، يُروى ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِد، وَطَاوُس، وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، رُوي عَنْ عَائِشَة «أَنَّهَا بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا سَحَرَتْها، فأَمَرَتِ ابْن أَخيها أَن يَبِيعهَا مِنَ الأعْرَابِ مِمَّنْ يسيءُ مَلَكَتَها».

وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن بيع المدبَّر لَا يجوز إِذا كَانَ التَّدْبِير مُطلقًا، وَهُوَ أَن يَقُول: إِذا مُت، فَأَنت حر من. غير أَن يُقيد بِشَرْط أَو زمَان، وَهُوَ قَول سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَالشَّعْبِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وقاسوا المدبَّر على أم الْوَلَد، لتَعلق عتق كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَوْت الْمولي على الْإِطْلَاق. وتأوَّل بَعضهم الْحَدِيث على التَّدْبِير المقيَّد، وَهُوَ أَن يَقُول: إِن مُت من مرضِي هَذَا، أَو فِي شهر كَذَا، فَأَنت حر. وَالْأول أولى، لِأَن الْحَدِيث جَاءَ فِي بيع المدبَّر، وَاسم التَّدْبِير إِذا أطلق يُفهم مِنْهُ التَّدْبِير الْمُطلق لَا غَيره، وَلَيْسَ كأمِّ الْوَلَد، لِأَن سَبَب الْعتْق فِي أمِّ الْوَلَد أَشد تَأْكِيدًا مِنْهُ فِي المدبَّر، بِدَلِيل أَن استغراق تَرِكَة الْمَيِّت بِالدّينِ لَا يمْنَع عتق أمِّ الْوَلَد، وَيمْنَع عتق المدبَّر، وَعتق أم الْوَلَد يكون من رَأس المَال، وَعتق المدبَّر يكون من الثُّلُث، فَظهر الْفرق بَينهمَا، وَقَالَ ابْن سِيرِينَ: لَا يُباع المدبَّر إِلا من نَفسه. وَقَالَ اللَّيْث بْن سَعْد: يُكره بيعُه إِلا أَن يَبِيعهُ مِمَّن يعتقهُ، وَأَجَازَ مَالِك بيعهُ إِذا كَانَ على الْمَيِّت دين يُحِيط بِتركَتِهِ، فَأَما فِي الْحَيَاة، فَلَا يجوز بَيْعه بِحَال. ويُروي هَذَا عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَقضى فِي المدبَّر إِذا جنى أَنَّهُ يسلم إِلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ، يخدِمهُ من دِيَة جرحه، فَإِن أدّى، رَجَعَ إِلَى سَيّده، وَعند من أجَاز بَيْعه يُبَاع فِي الْجِنَايَة، وَأَجَازَ الْحَسَن بيع المدبَّر إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ صَاحبه، وَاتَّفَقُوا على جَوَاز وَطْء المدبَّرة كَمَا يجوز وَطْء أم الْوَلَد، رُوِيَ نَافِع أَنَّ ابْن عُمَرَ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ، فكانَ يَطَأُهُمَا. وَاخْتلف قَول الشَّافِعِيّ فِي جَوَاز الرُّجُوع عَنِ التَّدْبِير بالْقَوْل، فَأجَاز الرُّجُوع فِي قَول كَمَا جَازَ بَيْعه،

باب عتق أم الولد

وَهُوَ قَول مُجَاهِد، وَطَاوُس، وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ، لِأَن التَّدْبِير بِمَنْزِلَة الْوَصِيَّة بِدَلِيل اعْتِبَاره من الثُّلُث، وَمن أوصى لإِنْسَان بِشَيْء، جَازَ لَهُ الرجوعُ فِيهِ، وَالْقَوْل الثَّانِي: لَا يجوز لَهُ إِبْطَاله بالْقَوْل، وَيجوز بَيْعه قبل وجود الصّفة المعَّلق بهَا العِتقُ، وَالله أعلم، وَعتق المدبَّر يكون من الثُّلُث عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، حُكيَ عَنْ إِبْرَاهِيم، وَسَعِيد بْن جُبَير، ومسروق أَن الْمُدبر يُعتق من جَمِيع المَال. بَاب عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ 2428 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَيُّمَا وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا، وَلا يَهَبُهَا، وَلا يُوَرِّثُهَا، وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ مِنْهَا مَا عَاشَ، فَإِذَا مَاتَ، فَهِيَ حُرَّةٌ» وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أُمُّ الْوَلَدِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا وَإِنْ كَانَ سَقْطًا، وَيُرْوَى عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا وَلَدَتْ أَمَةُ

الرَّجُلِ مِنْهُ، فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ أَوْ بَعْدَهُ». قَالَ الإِمَامُ: فَذهب عَامَّة أهل الْعلم إِلَى أَن بيع أمِّ الْوَلَد لَا يجوز، وَإِذا مَاتَ الْمولى تعْتق بِمَوْتِهِ من رَأس المَال مُقدمًا على الدُّيُون، والوصايا، وَقد رُوي عَنْ عَطَاء، عَنْ جَابِر، قَالَ: بعنا أُمَّهَات الْأَوْلَاد على عهد رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْر، فَلَمَّا كَانَ عُمَر نَهَانَا، فَانْتَهَيْنَا، فَقَالَ بعض أهل الْعلم: يحتِمل أَن يكون ذَلِكَ مُبَاحا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، ثُمَّ نهي عَنْهُ. وَلم يظْهر النَّهْي لمن بَاعهَا، وَلم يعلم أَبُو بَكْر بِبيع من بَاعهَا مِنْهُم فِي زَمَانه، لقصر مُدَّة أَيَّامه، واشتغاله بِأُمُور الدَّين، ومحاربة أهل الرِّدَّة، وَظهر ذَلِكَ فِي زمن عُمَر، فَنهى عَنْ ذَلِكَ، وَمنع مِنْهُ، ورُوي فِيهِ عَنْ عَليّ خلاف، وَعَن ابْن الزبير أَنَّهُ كَانَ يَبِيعهَا، وَعَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا تعْتق فِي نصيب وَلَدهَا، ورُوي عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ لي عُبَيْدَة: بعث إِلَى عَليّ والى شُرَيْح، يَقُول: إِنِّي أبْغض الِاخْتِلَاف، فاقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون، يَعْنِي: فِي أمِّ الْوَلَد حَتَّى يكون النَّاس جمَاعَة، أَو أَمُوت كَمَا مَاتَ صَاحِبَايَ. فهَذَا يدل على أَنَّهُ وَافق الْجَمَاعَة على أَنَّهَا لَا تبَاع، وَاخْتِلَاف الصَّحَابَة إِذا ختم بِاتِّفَاق، وانقرض الْعَصْر عَلَيْهِ، كَانَ إِجْمَاعًا. وَتجوز الْوَصِيَّة لأم الْوَلَد، ثُمَّ عتقُها يكون من رَأس المَال، والوصيةُ من الثُّلُث، أوصى عُمَر لأمهات أَوْلَاده بأَرْبعَة آلَاف أَرْبَعَة آلَاف لكل امْرَأَة

مِنْهُنَّ. وَبيع الْمكَاتب غيرُ جَائِز عِنْد أَكثر أهل الْعلم. وَإِذا أَتَت أمُّ الْوَلَد بِولد من زوج أَو زنى، فَحكم الْوَلَد حكمُ الْأُم، يكون رَقِيقا لمولى الأمِّ يستخدمه، ويؤاجره، وَلَا يجوز بيعُه، ويُعتق بِمَوْتِهِ من رَأس المَال، هَذَا إِذا كَانَ الِاسْتِيلَاد بِملك الْيَمين، أما إِذا نكح رجل أمة الْغَيْر، واستولدها، فَالْوَلَد رَقِيق لمَالِك الْأُم، وَإِذا اشْترى الْوَالِد وَلَده بعد ذَلِكَ يُعتق عَلَيْهِ بِحكم الْملك، وَله عَلَيْهِ الْوَلَاء، وَإِذا اشْترى أمة لَا يثبت لَهَا حكم الِاسْتِيلَاد عِنْد بعض أهل الْعلم، وَهُوَ قَول مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، لِأَنَّهَا علقت برقيق، وَعند أَصْحَاب الرَّأْي يثبت لَهَا حكم الِاسْتِيلَاد، وَاخْتلف قَول الشَّافِعِيّ فِيمَا لَو استولد جَارِيَة الْغَيْر بِالشُّبْهَةِ، ثُمَّ ملكهَا، هَل يثبت لَهَا حكم الِاسْتِيلَاد أم لَا؟ وَجْهَان: أَحدهمَا: لَا يثبت لَهَا حكم الِاسْتِيلَاد، لِأَنَّهُ لم يستولد فِي الْملك، وَالثَّانِي: يثبت، لِأَنَّهَا علقت بَحر، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي. وَاخْتلف قَول الشَّافِعِيّ فِي ولد المدبَّرة، وَالْمُعَلّق عتقهَا بِالصّفةِ، وَولد الْمُكَاتبَة، هَل يكون بِمَنْزِلَة الْأُم حَتَّى يعْتق الْأُم أم لَا؟ فأصح قوليه أَن حكم التَّدْبِير، وَالتَّعْلِيق لَا يثبت فِي الْوَلَد، وَثَبت حكم الْكِتَابَة، لِأَنَّهَا أقوى بِدَلِيل أَنَّهَا تمنع البيع. وَقد قَالَ: يثبت للْوَلَد حكم الْأُم. وكل ذَات رحم، فولدها بمنزلتها فِي التَّدْبِير، وَالْكِتَابَة، وَتَعْلِيق الْعتْق، ويعتقون بِعتْقِهَا، ويرقون برقها.

باب المكاتب

بَاب الْمكَاتب قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النُّور: 33]. قَالَ مُجاهدٌ وَعَطَاء: مَالا. وَقَالَ ابْن جُرَيْج: قُلْتُ لعَطَاء: أَوَاجِبٌ عليَّ إِذا عَلِمْتُ لَهُ مَالا أَنْ أُكاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ إِلا وَاجِبًا. وَقَالَهُ عُمَر بْن دِينَار. قُلْتُ لِعَطَاء: تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لَا. ثُمَّ أَخبرني أَنَّ مُوسَى بْن أَنسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ سأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتبَة، وكانَ كثير المَال، فَأبى، فانطَلَقَ إِلَى عُمَرَ،

فَقَالَ عُمَرَ: كَاتِبْهُ. فَأَبَى، فَضَرَبَهُ بالدِّرَّةِ ويتلوا عُمَرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النُّور: 33] فكاتَبَهُ. قَالَ الشَّافِعِيّ: وأَظْهَرُ مَعَاني الْخَيْر فِي العَبْد بدلالةِ الكتابِ الاكْتِسَابُ، مَعَ الأمانةِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنْ كِتَابَتِهِ إِذَا كَانَ هَكَذَا. 2429 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاق الهاشميُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ» ويُروى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ عَبْدٌ إِنْ عَاشَ، وَإِنْ مَاتَ، وَإِنْ جَنَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ الإِمَامُ: ويُروى عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب، عَنْ أَبِيه، عَنْ جده، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «المُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بقيِ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبتِهِ دِرْهَمٌ». وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد، أَن زَيْد بْن ثَابِت، قَالَ: المُكَاتَبُ هُوَ عبدٌ مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَمثله عَنْ عَائِشَة، وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا سُلَيْمَان بْن يَسَار، فعرفته بالصوت، فَقَالَت سُلَيْمَان، ادخل فَإنَّك مَمْلُوك مَا بَقِي عَلَيْك شَيْء.

قَالَ رَحمَه اللَّه: الْكِتَابَة جَائِزَة بِاتِّفَاق أهل الْعلم، وَهُوَ أَن يُكاتب عَبده على مَال مَعْلُوم، فَإِذا أَدَّاهُ، عتق، فَيصير العَبْد بِالْكِتَابَةِ أَحَق بمكاسبه، وَإِذا أدّى، عتق، وَمَا فضل من النُّجُوم من مَاله يكون لَهُ، ويتبعه أَوْلَاده فِي الْعتْق، وَلَا يجوز عِنْد الشَّافِعِيّ على أقل من نجمين، وجوَّز أَبُو حنيفَة الْكِتَابَة على نجم وَاحِد وَحَالَة، وَإِذا عجز الْمكَاتب عَنْ أَدَاء بعض مَا عَلَيْهِ عِنْد الْمحل، وَإِن قل، فللسيِّد فسخ كِتَابَته، وردُّه إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الرّقّ، وَإِذا مَاتَ قبل أَدَاء النُّجُوم، اخْتلف أهل الْعلم، فَذهب كثير مِنْهُم إِلَى أَنَّهُ يَمُوت رَقِيقا، وترتفع الْكِتَابَة، سَوَاء ترك وَفَاء، أَو لم يتْرك، كَمَا لَو تلِف الْمَبِيع قبل الْقَبْض يَنْفَسِخ البيع، وَهُوَ قَول عُمَر، وَابْن عُمَر، وَزَيْد بْن ثَابِت، وَبِهِ قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيّ، وَقَتَادَة، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ إِن ترك وَفَاء بِمَا بَقِي عَلَيْهِ من الْكِتَابَة، كَانَ حرا، وَإِن كَانَ فِيهِ فضل، فَالزِّيَادَة لأولاده الْأَحْرَار، رُوي ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَابْن مَسْعُود، وَهُوَ قَول عَطَاء، وَطَاوُس، وَالنَّخَعِيّ، وَالْحَسَن، وَشُرَيْح، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَإِذا أدّى الْمكَاتب بعض كِتَابَته فِي حَيَاته، فَلَا يعْتق شَيْء مِنْهُ مَا لم يؤدِّ آخر النُّجُوم عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق. وَقَالَ بَعضهم: يُعتق بِقدر مَا يُؤَدِّي. يُروى ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَقَالَهُ النَّخعِيّ، وَقد رُوِيَ يَزِيد بْن هَارُون، عَنْ حَمَّاد بْن سَلمَة، عَنْ أَيُّوب، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَصَابَ المُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا، وَرِثَ بِحسابِ مَا عَتَقَ منهُ». قَالَ: وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤَدِّي المكاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى دِيَّةَ حُرٍّ، وَمَا بقيَ

دِيَّةَ عَبْدٍ». وَهَكَذَا روى يَحْيَى بْن أَبِي كثير، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى خَالِد الحذَّاء، عَنْ عِكْرِمَة، عَنْ عَليّ قَوْله. وَعَامة أهل الْعلم على أَن الْمكَاتب إِذا قُتِل، وَقد بَقِي شَيْء من النُّجُوم يجب على قَاتله قِيمَته كَالْعَبْدِ، إِلا إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ بِظَاهِر هَذَا الْحَدِيث، وَالْآخرُونَ لَعَلَّهُم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْحَدِيث غير ثَابِت وَلَو ثَبت، وَجب القَوْل بِهِ إِذا لم يكن مَنْسُوخا، أَو مُعَارضا بِمَا هُوَ أولى مِنْهُ. وروى الزُّهْرِيّ عَنْ نَبهَان، مُكاتب لأم سَلمَة، عَنْ أمِّ سَلمَة، قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ». وَهَذَا عِنْد أهل الْعلم على التورع، وَالِاحْتِيَاط، لِأَنَّهُ بِعرْض أَن يعْتق فِي كل سَاعَة، بِأَن يُؤَدِّي نجومه، لَا أَنَّهُ يعْتق قبل أَدَاء النُّجُوم، قَالَ الشَّافِعِيّ: وَيجْبر السَّيِّد على أَن يضع من كِتَابَته شَيْئا، لقَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النُّور: 33] وَاحْتج بِأَن ابْن عُمَر كَاتَبَ عبدا لَهُ على خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم، ثُمَّ وضع عَنْهُ خَمْسَة آلَاف من أخر كِتَابَته، وَلم يُوجب قوم ذَلِكَ. وَإِذا كَاتب الرجل عَبده كِتَابَة فَاسِدَة، يعْتق بأَدَاء المَال، ويتبعه الْأَوْلَاد والأكساب كَمَا فِي

باب العتق على الخدمة

الْكِتَابَة الصَّحِيحَة، ويفترقان فِي بعض الْأَحْكَام، وَهِي أَن الْكِتَابَة الصَّحِيحَة لَا يملك الْمولى فَسخهَا مَا لم يعجز الْمكَاتب عَنْ أَدَاء النُّجُوم، وَلَا يبطل بِمَوْت الْمولى، وَيعتق بِالْإِبْرَاءِ عَنِ النُّجُوم، وَالْكِتَابَة الْفَاسِدَة يملك الْمولى فَسخهَا قبل أَدَاء المَال، وَإِذا فسخ، ثُمَّ أدّى لَا يعْتق، وَيبْطل بِمَوْت الْمولى، وَلَا يعْتق بِالْإِبْرَاءِ عَنِ النُّجُوم، وَإِذا عتق بِالْأَدَاءِ لَا يثبت التراجع فِي الْكِتَابَة الصَّحِيحَة، وَيثبت فِي الْكِتَابَة الْفَاسِدَة، فَيرجع الْمولى عَلَيْهِ بِقِيمَة رقبته، وَهُوَ يرجع على الْمولى بِمَا دفع إِلَيْهِ إِن كَانَ مَالا. بَاب العِتْقِ على الخِدْمَةِ 2430 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: «أَعْتَقَتْنِي أمُّ سَلَمَةَ، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ أَنْ أخْدِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَاشَ» قَالَ الإِمَامُ: لَو قَالَ رجل لعبد: أعتِقُكَ على أَن تخدمني شهرا.

فَقبل، عتق فِي الْحَال، وَعَلِيهِ خدمَة شهر، وَلَو قَالَ: على أَن تخدمني أبدا، أَو قَالَ مُطلقًا، فَقبل، عتق فِي الْحَال، وَعَلِيهِ قيمَة رَقَبَة للْمولى، ورُوي عَنْ سفينة، قَالَ: كنت مَمْلُوكا لأمِّ سَلمَة، فَقَالَت: " أعتقك وَأَشْتَرِط عَلَيْك أَن تخْدم رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عشتَ، فَقلت: إِن لم تشترطي عليَّ مَا فَارَقت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عشتَ، فأعتقتني واشترطت عليَّ ". قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الشَّرْط إِن كَانَ مَقْرُونا بِالْعِتْقِ، فعلى العَبْد الْقيمَة، وَلَا قيمَة عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بعد الْعتْق، فَلَا يلْزم الشَّرْط، وَلَا شَيْء على العَبْد عِنْد أَكثر الْفُقَهَاء، وَكَانَ ابْن سِيرِينَ يثبت الشَّرْط فِي هَذَا. وَقَالَ أَحْمَد: يَشْتَرِي هَذِه الْخدمَة من الَّذِي شَرط لَهُ، قيل لَهُ: يَشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ؟ قَالَ: نعم. بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء التَّاسِع من شرح السّنة ويليه الْجُزْء الْعَاشِر وأوله

20 - كتاب الأيمان

20 - كِتَابُ الأَيْمَانِ بَابُ الْيَمِينِ بِاللَّهِ أَوْ بِصِفةٍ مِنْ صِفَاتِهِ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْيَمِينَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ لِلْحَلِفِ: يَمِينٌ بِاسْمِ يَمِينِ الْيَدِ، وَكانُوا يَبْسُطُونَ أَيْمَانَهُمْ إِذَا تَحَالَفُوا. وَيَقُولُونَ فِي اليَمِينِ: وَايْمُنُ اللَّهِ، وَيَحْذِفُ بَعْضُهُمُ النُّونَ، فَيَقُولُ: وَايْمُ اللَّهِ. 2431 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وَهُوَ يَسيرُ فِي رَكْبٍ، وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهَ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ. وَرَوَاهُ سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ عُمَرُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا ذَاكِرًا وَلا آثِرًا. وَقَوْلُهُ: «ذَاكِرًا»، لَمْ يُرِدْ بِهِ الذِّكْرَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النِّسْيَانِ، بَلْ أَرَادَ بِهِ مُحَدِّثًا عَنْ نَفْسِي، مُتَكَلِّمًا بِهِ. وَقَوْلُهُ: «وَلا آثِرًا» يُرِيدُ: مُخْبِرًا بِهِ، مِنْ قَوْلِكَ: أَثَرْتُ الْحَدِيث آثُرُهُ: إِذَا رَوَيْتَهُ، يَقُولُ: مَا حَلَفْتُ ذَاكِرًا عَنْ نَفْسِي، وَلا مُخْبِرًا عَنْ غَيْرِي. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْيَمِينُ إِنَّمَا تَنْعَقِدُ بِاللَّهِ، أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَالْيَمِينُ بِهِ أَنْ يَقُولَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَالَّذِي أَعْبُدُهُ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ». وَالْيَمِينُ بِأَسْمَائِهِ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ، وَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالْخَالِقِ، وَالْبَارِئِ، وَالرَّزَّاقِ، وَالرَّبِّ، وَالسَّمِيعِ، وَالْبَصِيرِ، وَبَاسِطِ الرِّزْقِ، وَفَالِقِ الإِصْبَاحِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ». فَهَذَا كُلُّهُ يَمِينٌ، سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ. وَحُرُوفُ الْقَسَمِ ثَلاثَةٌ: الْبَاءُ، وَالتَّاءُ، وَالْوَاوُ، كَقَوْلِهِ: بِاللَّهِ،

وَتَاللَّهِ، وَوَاللَّهِ. وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا هَا اللَّهِ إِذًا. وَالْيَمِينُ بِصِفَاتِ الذَّاتِ، كَقَوْلِهِ: وَعَظَمَةِ اللَّهِ، وَجَلالِ اللَّهِ، وَعِزَّةِ اللَّهِ، وَقُدْرَةِ اللَّهِ، وَكِبْرِيَاءِ اللَّهِ، وَعِلْمِ اللَّهِ، وَكَلامِ اللَّهِ، فَهَذَا كُلُّهُ يَمِينٌ، سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ، أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ، فَهُوَ يَمِينٌ إِذَا أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: «وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ»، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ صِفَاتِ الذَّاتِ. وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إِلا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَمِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: شَهِدْتُ بِاللَّهِ، أَوْ أَشْهَدُ بِاللَّهِ، أَوْ عَزَمْتُ بِاللَّهِ، أَوْ أَعْزِمُ بِاللَّهِ، فَلا يَكُونَ يَمِينًا إِلا أَنْ يُرِيدَهُ، وَلَوْ قَالَ: أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ، أَوْ حَلَفْتُ بِاللَّهِ، أَوْ أُقْسِمُ بِاللَّهِ، أَوْ أَحْلِفُ بِاللَّهِ، فَإِنْ أَرَادَ بِالأَوَّلِ إِخْبَارًا عَنْ يَمِينٍ فِي الْمَاضِي، أَوْ أَرَادَ بِالثَّانِي وَعْدَ يَمِينٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِمَا يَمِينًا فِي الْوَقْتِ، فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَفِيهِ قَوْلانِ. وَلَوْ قَالَ: شَهِدْتُ أَوْ أَشْهَدُ، أَوْ عَزَمْتُ، أَوْ أَعْزِمُ، أَوْ أَقْسَمْتُ، أَوْ أُقْسِمُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِذِكْرِ اللَّهِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَاهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: كُلُّهَا يَمِينٌ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَنْهَوْنَنَا، وَنَحْنُ غِلْمَانٌ أَنْ نَحْلِفَ بِالشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ. وَلَوْ قَالَ: وَخَلْقِ اللَّهِ، وَرِزْقِ اللَّهِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَهُوَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ، وَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ

أَنْ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ». فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ، فَقَالَ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1]، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشَّمْس: 1]، {وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ {2}} [الْفجْر: 1 - 2]؟ قِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: وَرَبِّ السَّمَاءِ، وَرَبِّ الشَّمْسِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج: 40]، {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23]. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثِ الأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنِ الإِسْلامِ، وَقَالَ بَعْدَ مَا بَيَّنَ لَهُ: لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ». قِيلَ: تِلْكَ كَلِمَةٌ جَرَتْ عَلَى لِسَانِهِ عَلَى عَادَةِ الْكَلامِ الْجَارِي عَلَى الأَلْسُنِ، لَا عَلَى قَصْدِ الْقَسَمِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهَا كَثِيرًا فِي خِطَابِهَا تُؤَكِّدُ بِهَا كَلامَهَا عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّوْقِيرِ، وَالتَّعْظِيمِ لَهُ، كَالْحَالِفِ بِاللَّهِ يَقْصِدُ بِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي يَمِينِهِ التَّعْظِيمَ، وَالتَّوْقِيرَ،

يَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ فِيهِ ذِكْرَ أَبِي الأَعْرَابِيِّ، وَلا يُحْلَفُ بِأَبِي الْغَيْرِ تَعْظِيمًا، وَتَوْقِيرًا. وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ، مَعْنَاهُ: وَرَبِّ أَبِيهِ. كَمَا سَبَقَ فِي تَأْوِيلِ الآيَةِ. وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُضْمِرُونَ ذَلِكَ فِي أَيْمَانِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُهُمْ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ التَّعْظِيمِ لآبَائِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلا، يَقُولُ: لَا وَالْكَعْبَةِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ، أَوْ أَشْرَكَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَفَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّغْلِيظِ، وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الرِّياءُ شِرْكٌ».

باب وعيد من حلف بغير الإسلام

وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الآيَةَ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الْكَهْف: 110]، قَالَ: لَا يُرَائِي. وَرُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا أَيْضًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وَعِيدًا لِمَا أَنَّهُ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَلا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ عِنْدِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا قَالَ: وَأَمَانَةِ اللَّهِ، كَانَ يَمِينًا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ. بَابُ وَعِيدِ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ 2432 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا، عُذِّبَ يَوْمَ القِيَامةِ، وَمَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ كَاذِبًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمنْ قَالَ لِمُؤْمِنٍ: يَا كَافِرُ، فَهُوَ كَقَتْلِهِ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَقَالُوا: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِغَيْرِ الإِسْلامِ، فَقَالَ: إِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ بَرِيءٌ عَنِ الإِسْلامِ، فَفَعَلَ، ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرِهِمْ، إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ أَتَى بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا 2433 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ ".

هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. قَالَ الإِمَامُ: فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ، بَلْ يَأْثَمُ بِهِ، وَيَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ، لأَنَّهُ جَعَلَ عُقُوبَتَهُ فِي دِينِهِ، وَلَمْ يُوجِبْ فِي مَالِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، لأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْمَعْبُودِ، فَإِذَا حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَقَدْ ضَاهَى الْكُفَّارَ فِي ذَلِكَ، فَأُمِرَ بِأَنْ يَتَدَارَكَهُ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. وَقَوْلُهُ «فَلْيَتَصَدَّقْ»، قِيلَ: أُمِرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْمَالِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُقَامِرَ بِهِ. يُحْكَى ذَلِكَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَقِيلَ: يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ مِنْ مَالِهِ كَفَّارَةً لِمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنَ الإسْلامِ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، فَلَنْ يَرْجِعَ إِلَى الإسْلامِ سَالِمًا ".

باب لغو اليمين

بَابُ لَغْوِ الْيَمِينِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [الْبَقَرَة: 225]. 2434 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " لَغْوُ الْيَمِينِ: قَوْلُ الإِنْسَانِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ ". قَالَ الإِمَامُ: هَذَا صَحِيحٌ، وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ

باب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها يتحلل ويكفر

بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: اللَّغْوُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الْكَلامُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَعَقْدُ الْيَمِينِ: أَنْ يُثْبِتَهَا عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مَاضٍ كَاذِبًا، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، فَهُوَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ الَّتِي تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الإِثْمِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ هُوَ فِيهَا غَيْرُ صَادِقٍ، وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ، قَالُوا: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ. هُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُكَفِّرُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا يَتَحَلَّلُ ويُكَفِّرُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} [الْبَقَرَة: 224] الآيَةَ. قَالَ الأَزْهَرِيُّ: {عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [الْبَقَرَة: 224] أَيْ: مَانِعًا لَكُمْ عَنِ الْبِرِّ،

وَالاعْتِرَاضُ: الْمَنْعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مَنَعَكَ عَنْ أَمْرٍ تُرِيدُهُ، فَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْكَ، وَتَعَرَّضَ لَكَ، وَالأَصْلُ فِيهِ: الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ يَعْتَرِضُ فِيهِ بِنَاءٌ أَوْ شَيْءٌ يَمْنَعُ السَّابِلَةَ مِنْ سُلُوكِهِ، وَقِيلَ: الْعُرْضَةُ: الاعْتِرَاضُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، يَقُولُ: لَا تَعْتَرِضُوا بِالْيَمِينِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ أَلا تَبَرُّوا وَلا تَتَّقُوا. 2435 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ، وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ،

عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَرَوَاهُ يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ: «فأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» قَالَ الإِمَامُ: الْيَمِينُ فِي الْجُمْلَةِ مَكْرُوهَةٌ إِلا فِيمَا لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} [الْبَقَرَة: 224]. أَيْ: مَانِعًا لَكُمْ عَنِ الْبِرِّ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ، فَرَأَى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ بِأَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ، أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ، فَالأَفْضَلُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ، وَيُكَفِّرَ، وَإِلا فَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [الْمَائِدَة: 89]، أَيِ: احْفَظُوهَا بَعْدَ مَا حَلَفْتُمْ مِنَ الْحِنْثِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَحْلِفُوا. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا حَنِثَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَقِيلَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ، وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. 2436 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ». ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأُتِيَ بِشَائِلٍ

فَأَمَرَ لَنَا بِثَلاثِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا، قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لَا يُبَارِكُ اللَّهُ لَنَا أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَحْمِلُهُ، فَحَلفَ لَا يَحْملُنَا، فَحَمَلَنَا. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فأَتَينَا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فقَالَ: «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَخَلَفِ بْنِ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَالشَّائِلُ: وَاحِدُ الشُّوَلِ، وَهِيَ الإِبِلُ، وَقِيلَ: الشَّائِلُ مِنَ النُّوقِ الَّتِي قَلَّ لَبَنُهَا. وَفِي قَوْلِهِ: «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ»، أَضَافَ النِّعْمَةِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا صُنْعٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا صُنْعٌ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: «لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلا أَتَيْتُ الَّذي هُوَ خَيْرٌ» وَجْهٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ يَمِينَهُ، وَالنَّاسِي

كَالْمُضْطَرِّ، فَأَضَافَ الْفِعْلَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الصَّائِمِ: «مَنْ نَسِيَ فَأَكَلَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّما أَطْعَمَهُ اللَّهُ». وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ لَمَّا رَزَقَ وَأَغْنَمَ هَذِهِ الإِبِلَ، لَمْ يَسعنِي أَنْ أَمْنَعَكُمُوهَا، فَكَأَنَّهُ حَمَلَكُمْ، إِذْ لَيْسَ لِي مَالٌ أَحْمِلُ عَلَيْهِ أَبْنَاءَ السَّبِيلِ. 2437 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لأَنْ يلج أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثم لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَوْلُهُ: «يَلِجَّ»: مِنَ اللَّجَاجِ، يَقُولُ: إِقَامَتُهُ عَلَى الْيَمِينِ، وَتَرْكُ التَّحَلُّلِ بِالْكَفَّارَةِ أَكْثَرُ إِثْمًا مِنَ التَّحَلُّلِ، فَكَأَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالتَّحَلُّلِ إِذَا رَأَى التَّحَلُّلَ خَيْرًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَلِجُّ، فَلا يُكَفِّرُ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيهَا.

باب التكفير قبل الحنث

بَابُ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الحِنْثِ 2438 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ، فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَهلُ الْعِلْمِ فِي تَقْدِيمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَنْثِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى جَوَازِهِ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقَ، إِلا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: إِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ، لَا يَجُوزُ، إِنَّمَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْعِتْقِ أَوِ الإِطْعَامِ أَوِ الْكِسْوَةِ، كَمَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ، وَلا يَجُوزُ تَعْجِيلُ صَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَجَوَّزُوا تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ مَالِكٌ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ، وَجَوَّزَ تَعْجِيلَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِنْ كَفَّرَ بَعْدَ الْحِنْثِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ، أَجْزَأَهُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا كلُّ حقٍّ مَالِيٍّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِ السَّبَبَيْنِ، مِثْلُ أَنْ عَجَّلَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ بَعْدَ الظِّهَارِ قَبْلَ الْعَوْدِ، أَوْ فِدْيَةَ الأَذَى بَعْدَ وُجُودِ الْعُذْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ، أَوْ جَزَاءَ الصَّيْدِ بَعْدَ جَرْحِ الصَّيْدِ قَبْلَ الْمَوْتِ، أَوْ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ خُرُوجِ الرُّوحِ. وَلا يَجُوزُ تَعْجِيلُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ عَلَى الْفِعْلِ، لأَنَّ الصَّوْمَ وَالإِحْرَامَ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، بَل هُمَا يُحَرِّمَانِ الْجِمَاعَ، وَمَا يُحَرِّمُ شَيْئًا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ مَا يَجِبُ بِارْتِكَابِ ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ بِخِلافِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهَا أَحَدُ سَبَبَيِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، لَا أَنَّهَا تُحَرِّمُ الْحِنْثَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، كَالنِّصَابِ مَعَ الْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ سَبَبَانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا الرَّجُلُ بَيْنَ أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةً مِنَ الْمَسَاكِينِ، أَوْ يَكْسُوَهُمْ، أَوْ يَعْتِقَ رَقَبَةً، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا، فَيَصُومُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ وَكَّدَ الْيَمِينَ، فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَكِّدْ، فَإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ. ثُمَّ إِنِ اخْتَارَ الطَّعَامَ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنَ الطَّعَامِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِنِ اخْتَارَ الْكِسْوَةَ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ ثَوْبٌ وَاحِدٌ مِنْ قَمِيصٍ، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ مِقْنَعَةٍ، أَوْ إِزَارٍ يَصْلُحُ لِكَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مَا تَجُوزُ صَلاتُهُ فِيهِ، فَيَكْسُو الرِّجَالَ ثَوْبًا ثَوْبًا، وَالنِّسَاءَ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ دِرْعًا وَخِمَارًا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ.

باب الاستثناء في اليمين

بَابُ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ 2439 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا الْمَسْعُودِيُّ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدِ اسْتَثْنَى ". قَالَ الإِمَامُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلا حِنْثَ عَلَيْهِ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَهَكَذَا رَوَاهُ سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ.

باب النذر ولزوم الوفاء به إذا كان في طاعة

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ إِذَا كَانَ مَوْصُولا بِالْيَمِينِ، فَلا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ الْيَمِينِ بِاللَّهِ، أَوْ بِالطَّلاقِ وَالْعِتَاقِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ: إِذا حلف بِطَلَاق أَو عتق، فالاستثناء لَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا، وَيَقَعُ الطَّلاقُ وَالْعِتَاقُ. وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: الاسْتِثْنَاءُ إِنَّمَا يَعْمَلُ فِي يَمِينٍ يَدْخُلُهَا الْكَفَّارَةُ. حَتَّى قَالَ مَالِكٌ: إِذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَاسْتَثْنَى، فَاسْتِثْنَاؤُهُ سَاقِطٌ، وَالْحِنْثُ لَهُ لازِمٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الاسْتِثْنَاءِ إِذَا كَانَ مُنْفَصِلا عَنِ الْيَمِينِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إِلا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالاسْتِثْنَاءِ سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ كَسَكْتَةِ الرَّجُلِ لِلتَّذَكُّرِ، أَوْ لِلْعَيِّ، أَوْ لِلتَّنَفُّسِ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ، أَوِ اشْتَغَلَ بِكَلامٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا، ثَمَّ اسْتَثْنَى، فَلا يَصِحُّ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ جَائِزٌ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، أَوْ يَقُمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الأَمْرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهُ الاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ حِينٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَعْدَ سِنِينَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. بَابُ النَّذْرِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الْإِنْسَان: 7]. 2440 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الأيلِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ،

باب كراهية النذر

عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، فَلا يَعْصِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ مَالِكٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ طَاعَةً يَلْزَمُهُ الْوَفَاءَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ، وَأَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً، فَلا يَجُوزُ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلا تَلْزَمُهُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، إِذْ لَوْ كَانَتْ فِيهِ كَفَّارَةٌ، لأَشْبَهَ أَنْ يَبِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِينَ. بَابُ كَرَاهِيَةِ النَّذْرِ 2441 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنَ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ قَدَّرَهُ لَهُ، وَلَكِنَّ النَّذْرَ يُوَافِقُ

القَدَرَ، فَيُخْرَجُ بِذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 2442 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، كَرِهُوا النَّذْرَ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَفَاءِ بِهِ أَجْرٌ إِنْ كَانَ طَاعَةً. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى نَهْيِهِ عَنِ النَّذْرِ إِنَّمَا هُوَ التَّأْكِيدُ لأَمْرِهِ،

وَتَحْذِيرُ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ حَتَّى لَا يُفْعَلَ، لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ حُكْمِهِ، وَإِسْقَاطُ لُزِومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذْ صَارَ مَعْصِيَةً، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجْلِبُ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا، وَلا يَصْرِفُ عَنْهُمْ ضَرًّا، وَلا يَرُدُّ شَيْئًا قَضَاهُ اللَّهُ. يَقُولُ: فَلا تَنْذِرُوا عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ لَكُمْ، أَوْ تَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ شَيْئًا جَرَى الْقَضَاءُ بِهِ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاخْرُجُوا عَنْه بِالْوَفَاءِ، فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لازِمٌ لَكُمْ. هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَوَجْهُهُ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيةً، وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ: «وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ»، فَثَبَتَ بِذَلِكَ وُجُوبُ اسْتِخْرَاجِهِ مِنْ مَالِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: «إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنَ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ قَدَّرَهُ لَهُ» اسْتِدْلالٌ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ النَّذْرَ إِنَّمَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً، وَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي، أَوْ سَلِمَ مَالِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا، وَإِلَيْهِ يَذْهَبُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: النَّذْرُ وَعْدٌ عَلَى شَرْطٍ، فَكُلُّ نَاذِرٍ وَاعِدٌ، وَلَيْسَ كُلُّ وَاعِدِ نَاذِرًا. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ النَّذْرَ يَلْزَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَقُلْ نَذْرًا، فَعَلَيْهِ الْمَشْيُ، أَفْتَى بِهِ سَعِيدُ بْنُ المسيِّبِ.

باب من نذر قربة وغير قربة ترك ما لا قربة فيه

بَابُ مَنْ نَذَرَ قُرْبَةً وَغَيْرَ قُرْبَةٍ تَرَكَ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ 2443 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلا يَقْعُدَ، وَلا يَسْتَظِلَّ، وَلا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ تَضَمَّنَ نَذْرُهُ نَوْعَيْنِ: مِنْ طَاعَةٍ، وَغَيْرِ طَاعَةٍ، فَالصَّوْمُ طَاعَةٌ، أَمْرَهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَالْقِيَامُ فِي الشَّمْسِ وَتَرْكُ الْكَلامِ لَيْسَ بِطَاعَةٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِتْعَابِ الْبَدَنِ، وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ الآصَارَ وَالأَغْلالَ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَمَّا الْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَيَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، لأَنَّهُ مِنَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَكَانَ النَّاسُ

يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الْحَج: 27]، وَإِنْ تَجَاوَزَ إِلَى الْحَفَاءِ، فَحِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ النَّذْرُ مَعْصِيَةً، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى مَشَقَّةٍ تُتْعِبُ الْبَدَنَ، وَلا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ امْرَأَةً، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ. قَالَ: «أَوْفِي بِنَذْرِكِ». قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: ضَرْبُ الدُّفِّ لَيْسَ مِمَّا يُعَدُّ فِي بَابِ الطَّاعَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا النُّذُورُ، وَأَحْسَنُ حَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْمُبَاحِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِإِظْهَارِ الْفَرَحِ بِسَلامَةِ مَقْدِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مِنْ بَعْضِ غَزَوَاتِهِ، وَكَانَتْ فِيهِ مَسَاءَةُ الْكُفَّارِ، وَإِرْغَامُ الْمُنَافِقِينَ، صَارَ فِعْلُهُ كَبَعْضِ الْقُرَبِ، وَلِهَذَا اسْتُحِبَّ ضَرْبُ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِهِ، وَالْخُرُوجِ بِهِ عَنْ مَعْنَى السِّفَاحِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ، وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجَاءِ الْكُفَّارِ: «اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّه أَشَدُّ عَلَيْها مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ».

باب من نذر شيئا فعجز عنه

بَابُ مَنْ نَذَرَ شَيْئًا فَعَجَزَ عَنْهُ 2444 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الْبَيْتِ. فَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ عزَّ وَجَلَّ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ»، ثمَّ أمَرَهُ فَرَكِبَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ ابْنِ سَلامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ

أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، فَقِيلَ: إِنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَقَالَ رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدْنَةً»، وَيُرْوَى: «وَلْتُهْدِ هَدْيًا». 2445 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الرُّعَيْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَى الْبَيْتِ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُقْبَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْ أُخْتَكَ، فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ» قُلْتُ: نَذْرُهَا تَرْكَ الاخْتِمَارِ مَعْصِيَةٌ، لأَنَّ سَتْرَ الرَّأْسِ وَاجِبٌ عَلَى

الْمَرْأَةِ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ نَذْرُهَا، وَكَذَلِكَ الْحَفَاءُ، وَلَوْ نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ حَافِيًا، فَلا يَلْزَمُ الْحَفَاءُ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ إِتْعَابِ الْبَدَنِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إِلا أَنْ يَعْجَزَ، فَيَرْكَبُ مِنْ حَيْثُ عَجَزَ، وَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَقِيلَ: مِنَ الْمِيقَاتِ. وَإِذَا رَكِبَ لِعَجْزٍ، هَلْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ دَمَ شَاةٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصَحُّهُمَا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلا عَلَى وَجْهِ الاحْتِيَاطِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالرُّكُوبِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِفِدْيَةٍ، وَحَيْثُ أَمَرَ فَاسْتِحْبَابٌ، كَمَا رُوِيَ: «وَلْتُهْدِ بَدَنَة»، وَلا تَجِبُ الْبَدَنَةُ لُزُومًا. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَيْهِ بَدَنَةٌ. قَوْلُهُ: «وَلْتَصُمْ ثَلاثةَ أَيَّامٍ» أَرَادَ: عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْهَدْيِ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ كَمَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، إِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، وَتَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَلَوْ حَجَّ رَاكِبًا لِغَيْرِ عَجْزٍ، فَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، ثُمَّ فِي الْقَضَاءِ يَمْشِي بِقَدْرِ مَا رَكِبَ، وَيَرْكَبُ بِقَدْرِ مَا مَشَى، وَقِيلَ وَهُوَ الأَصَحُّ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ رَكِبَ لِلْعَجْزِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، وَحَمَّادٌ: إِذَا عَجَزَ رَكِبَ، ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ، فَيَرْكَبُ مَا مَشَى، وَيَمْشِي مَا رَكِبَ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ مَاشِيًا حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْحَجِّ، أَوْ بِالْعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ فِي الْحَجِّ حَتَّى تَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ عَقْدًا وَوَطْأً وَهُوَ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَفِي الْعُمْرَةِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيَحْلِقَ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ إِتْيَانَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، أَوِ الْعُمْرَةُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ مَوْضِعًا مِنَ الْحَرَمِ سَمَّاهُ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ إِذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَيْهِ وَإِتْيَانَهُ إِذَا لَمْ

يُصَرِّحْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ إِذَا أَتَاهُ فَحَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ، أَوِ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوْ صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ، وَلَوْ نَذَرَ إِتْيَانَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوِ الْمَسْجِدَ الأَقْصَى يلَزْمُهُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ نَذَرَ إِتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ إِذَا أَتَاهُ يَعْتَكِفُ فِيهِ، أَوْ يُصَلِّي، أَوْ إِذَا أَتَى مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ يَزُورُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الإِتْيَانُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يأْتِيَ مَسْجِدًا آخَرَ سِوَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ، لَا يَلْزَمُهُ الإِتْيَانُ، لَا خِلافَ فِيهِ، بِخِلافِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لأَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِوُجُوبِ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِلْحَجِّ، أَوِ الْعُمْرَةِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، لأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ الثَّلاثَةَ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ فِي قَوْلِهِ: " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا ". فَعَلَى هَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ لَا يَخْرُجُ عَنِ النَّذْرِ إِذَا صَلَّى فِي

غَيْرِهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلَّيَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلا يَخْرُجُ إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ». وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلا يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِالصَّلاةِ فِي غَيْرِهِ. وَلَوْ نَذَرَ أنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوْ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْرُجُ عَنِ النَّذْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ لِلَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: «صَلِّ هَهُنَا»، ثُمَّ عَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «صَلِّ هَهُنَا»، ثُمَّ عَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «شَأْنُكَ إِذًا»، وَلَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، أَوْ إِلَى الْبَيْتِ، وَنَوَى مَسْجِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى فُقَرَاءِ بَلَدٍ عَيْنِهِ يَجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ، وَلا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِي غَيْرِ فُقَرَاءِ ذَلِكَ الْبَلَدِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ وُلِدَ لِي ذَكَرٌ أَنْ أَنْحَرَ عَلَى رَأْسِ بُوَانةَ عِدَّةً مِنَ الْغَنَمِ، قَالَ: «هَلْ بِهَا مِنْ هَذِهِ الأوْثَانِ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَ بِهِ لِلَّهِ»،

وَبُوَانَةُ أَسْفَلَ مَكَّةَ دُونَ يَلَمْلَمَ، يُقَالُ: كَانَ السَّائِلُ كَرْدَمُ بْنُ سُفْيَانَ الثَّقَفِيُّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ بَدَنَةٍ جَعَلَتْهَا امْرَأَةٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: الْبُدْنُ مِنَ الإِبِلِ، وَمَحَلُّ الْبُدْنِ الْبَيْتُ الْعَتِيقِ، إِلا أَنْ تَكُونَ سَمَّتْ مَكَانًا مِنَ الأَرْضِ، فَلْتَنْحَرْهَا حَيْثُ سَمَّتْ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ بَدَنَةً، فَبَقَرَةً، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ بَقَرَةً، فَعَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ، ثُمَّ جِئْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ سَعِيدٌ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ بَقَرَةً، فَسَبْعًا مِنَ الْغَنَمِ، ثُمَّ جِئْتُ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ سَالِمٌ، ثُمَّ جِئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ سَالِمٌ. قَالَ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً، فَإِنَّهُ يُقَلِّدُهَا نَعْلَيْنِ، وَيُشعِرُهَا، ثُمَّ يَسُوقُهَا حَتَّى يَنْحَرَهَا عِنْدَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، أَوْ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، لَيْسَ لَهَا مَحل دُونَ ذَلِكَ، وَمَنْ نَذَرَ جَزُورًا مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ، فَلْيَنْحَرْهَا حَيْثُ شَاءَ.

باب لا نذر في معصية ولا في ما لا يملك

بَابُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيةٍ وَلا فِي مَا لَا يَمْلِكُ 2446 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ قَوْمًا أَغَارُوا، فَأَصَابُوا امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، وَنَاقَةً للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ وَالنَّاقَةُ عِنْدَهُمْ، ثمَّ انْفَلَتَتِ الْمَرْأَةُ، فَرَكِبَتِ النَّاقةَ، فَأَتَتِ الْمَدِينَةَ، فَعُرِفَتْ نَاقَةُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ لَئِنْ أَنْجَانِيَ اللَّهُ عَلَيْهَا لأَنْحَرَنَّهَا، فَمَنَعُوا أَنْ تَنْحَرَهَا حتَّى يَذْكُرُوا ذَلِكَ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «بِئْسَ مَا جَزَيْتِهَا أَنْ نَجَّاكِ اللَّهُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْحَرِيهَا، لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلا فِيمَا لَا يَملِكُ ابْنُ آدَمَ». وَقَالا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْحَدِيثِ: وَأَخَذَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَنْعَقِدُ فِي الْمَعْصيَةِ، وَلا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ حَتَّى لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَلَوْ نَذَرَ نَحْرَ وَلَدَهُ، فَبَاطِلٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ وَلَدِي، فَقَالَ: لَا تَنْحَرِي ابْنَكِ، وَكفِّرِي عَنْ يَمِينِكِ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي يَجْعَلُ ابْنَهُ نَحِيرَةً، قَالَ: يُهْدِي كَبْشًا. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ، وَلَوْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ، عَلَيْهِ ذَبْحُ شَاةٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ ذَبْحَ وَالَدِهِ، أَوْ قَتْلَ وَلَدِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الشَّاةُ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ فِي نَذْرِ الْمَعْصِيَة بِمَا 2447 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ القُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ البُرُلُّسِيُّ، نَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ،

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ الأَعْشَى، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ الْيَمَامَةَ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارةُ يَمِينٍ». وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَأَمَّا إِذَا نَذَرَ مُطْلَقًا، فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَةُ

باب نذر اللجاج والغضب

الْيَمِينِ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ شَيْئًا لَا يُطِيقُهُ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا. بَابُ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ 2448 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " مَنْ قَالَ: مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّمَا كَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ".

أَصْلُ الرِّتَاجِ: الْبَابُ، وَمَنْ ذَكَرَ هَذَا لَا يُرِيدُ بِهِ نَفْسَ الْبَابِ، إِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ هَدْيًا إِلَى الْكَعْبَةِ، فَيَضَعُهُ مِنْهَا حَيْثُ نَوَاهُ وَأَرَادَهُ قَالَ الإِمَامُ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إِذَا الْتَزَمَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ، فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ الْقِسْمَةَ، فَقَالَ: إِنْ عُدْتَ تَسْأَلُنِي الْقِسْمَةَ، فَكُلُّ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّ الْكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ مَالِكَ، كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَكَلِّمْ أَخَاكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَمِينَ عَلَيْكَ، وَلا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ، وَلا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلا فِيمَا لَا تَمْلِكُ». قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي النَّذْرِ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ مِثْلُ أَنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُ فُلانًا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوْ أُصَلِّيَ، فَهَذَا نَذْرٌ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، لأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنِ الْفِعْلِ، كَالْحَالِفِ يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنِ الْفِعْلِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ كَمَا لَوْ حَنَثَ فِي يَمِينِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَطَاوُسٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ أَقْوَالِهِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقَ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْوَفَاءَ بِمَا سَمَّى، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَلَوْ حَلَفَ الرَّجُلُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ، أَوْ قَالَ: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُخْرِجُ ثُلُثَ مَالِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إِلَى مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ مِنَ الْمَالِ دُونَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنَ الْعَقَارِ، وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا. وَاحْتَجَّ مَالِكٌ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ، وَأُجَاوِرُكَ، وَأَنخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ». قَالَ شُعْبَةُ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ، وَحَمَّادًا عَنْ رَجُلٍ قَالَ: إِنْ فَارَقْتُ غَرِيمِي، فَمَا لِي عَلَيْهِ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ؟ قَالا: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ.

باب قضاء النذر عن الميت

بَابُ قَضَاءِ النَّذْرِ عَنِ الْمَيِّتِ 2449 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ؟ فَقَالَ رسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْضِهِ عَنْهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ، أَوْ كَفَّارَةٌ، أَوْ نَذْرٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَصَايَا وَالْمِيرَاثِ، كَمَا يَجِبُ قَضَاءُ دُيُونَ الْعِبَادِ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ، أَوْ لَمْ يُوصِ، وَبِهِ قَالَ

عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهَا لَا تُقْضَى مَا لَمْ يُوصِ بِهَا، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْضَى مَا لَمْ يُوصِ، وَإِذَا أَوْصَى تُقْضَى مِنْ ثُلُثِهِ مُقَدَّمًا عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا. وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَعَلَتْ عَلَيْهَا مَشْيًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ، فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَهَا أَنْ يَمْشِيَ عَنْهَا.

21 - كتاب الإمارة والقضاء

21 - كِتَابُ الإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ وُجُوبِ طَاعَةِ الْوَالِي قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النِّسَاء: 59]. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الأُمَرَاءُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الفُقَهَاءُ. 2450 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْكُوفِيُّ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ الإِمَامَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى الإِمَامَ، فَقَدْ عَصَانِي». حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 2451 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ، فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 2452 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَرْوَنْجِرِدِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ

باب الطاعة في المعروف

بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَبِي ذَرٍّ: «اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الأَطْرَافِ وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ يَقُولُ: «وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ اسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا». بَابُ الطَّاعةِ فِي الْمَعْرُوفِ 2453 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبيدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيةٍ، فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيةٍ، إِنَّما الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ» 2454 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ. ح، وَأَنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصعبٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّه قَالَ: كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا: «فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَغَيْرُهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ 2455 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ تَمْتَامٌ الضَّبِّيُّ، نَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ، نَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، نَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ الزِّبْرِقَانِ، عَنِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيةِ الخَالِقِ» اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ الْوُلاةُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: مَا أَمَرَ بِهِ الْوُلاةُ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَهُمْ يَسَعُهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ، فِيمَا كَانَتْ وِلايَتُهُ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَسَعُ الْمَأْمُورُ أَنْ يَفْعَلَهُ حَتَّى يَكُونَ الَّذِي يَأْمُرُهُ عَدلا، وَحَتَّى يَشْهَدَ عَدْلٌ سِوَاهُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَأْمُورِ ذَلِكَ، وَفِي الزِّنَا حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ ثَلاثَةٌ سِوَاهُ. وَحُكِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ كَانَ عَلَى الْعِرَاقِ، قَالَ لِعِدَّةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ يَكْتُبُ إِلَيَّ فِي أُمُورٍ أَعْمَلُ بِهَا فَمَا

باب الصبر على ما يكره من الأمير ولزوم الجماعة

تَرَيَانِ؟ قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَنْتَ مَأْمُورٌ، وَالتَّبْعَةُ عَلَى آمِرِكَ. فَقَالَ لِلْحَسَنِ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قَدْ قَالَ هَذَا، قَالَ: قُلْ، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ، فَكَأَنَّكَ بِمَلَكٍ قَدْ أَتَاكَ، فَاسْتَنْزَلَكَ عَنْ سَرِيرِكِ هَذَا، فَأَخْرَجَكَ مِنْ سَعَةِ قَصْرِكَ إِلَى ضِيقِ قَبْرِكَ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَعْرِضَ لِلَّهِ بِالْمَعَاصِي، فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَتَغَيَّظُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: قُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، مَنْ هَذَا الَّذِي تَتَغَيَّظُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَلِمَ تَسْأَلُ عَنْهُ؟ قُلْتُ: لأَضْرِبَ عُنُقَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لأَبِي بَرْزَةَ: لَوْ قُلْتُ لَكَ ذَلِكَ أَكُنْتَ تَفْعَلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: مَا كَانَ ذَلِكَ لأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنَّ أَحَدًا لَا يجَبُ طَاعَتُهُ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ إِلا بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ حَقٌّ إِلا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرَ إِلا بِحَقٍّ، وَلا يَحْكُمُ إِلا بِعَدْلٍ، وَقَدْ يُتَأَوَّلُ هَذَا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَتْلَ فِي سَبِّ أَحَدٍ إِلا فِي سَبِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَابُ الصَّبْرِ عَلَى مَا يُكْرَهُ مِنَ الأَمِيرِ وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ 2456 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو

الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي اليُسْرِ وَالْعُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ 2457 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ،

عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ، قَالَ: «دَعَانَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبَايَعْنَا، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أنْ بَايَعْنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، وَيُسْرِنَا، وأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. قَوْلُهُ: «وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا» أَيْ: يَسْتَأْثِرُ عَلَيْنَا، فَيُفَضِّلُ غَيْرُكُمْ نَفْسَهُ عَلَيْكُمْ، وَقَوْلُهُ: «بَوَاحًا» أَيْ: جِهَارًا، يُقَالُ: بَاحَ بِالسِّرِّ، وَأَبَاحَهُ: إِذَا جَهَرَ بِهِ، وَقَوْلُهُ: «عِنْدَكُمْ مِن اللَّهِ فِيهِ بُرْهانٌ» أَيْ: آيَةٌ أَوْ سُنَّةٌ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ 2458 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنِ الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابنِ عبَّاسٍ يَرْوِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، فَيَمُوتُ، إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 2459 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ الدِّمْيَاطِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةِ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنكَرَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ»، قَالُوا: أَفَلا نَقْتُلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا مَا صَلُّوا، لَا مَا صَلُّوا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَسَنِ بْنِ الرَّبِيعِ الْبَجَلِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ. وَيُرْوَى: «فَمَنْ أَنْكَرَ بِلِسَانِهِ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ» وَرُوِيَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ وُلِّيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيةِ اللَّهِ، وَلا ينْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ».

2460 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ اللَّيْثِ الْوَاعِظُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا عَفَّانُ، نَا مُوسَى بْنُ خَلَفٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْحَارِثِ الأشْعَرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِماتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ، وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ، فَكَادَ أَنْ يُبْطِئَ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: إنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ تَعْمَلَ بِهِنَّ، وَأَنْ تَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ، فَإِمَّا أَنْ تُبَلِّغَهُمْ، وَإِمَّا أَنْ أُبَلِّغَهُمْ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَخِي، إِنِّي أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي أَنْ أُعَذَّبَ، أَوْ يُخْسَفَ بِي، فَجَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى امْتَلأَ الْمَسْجِدُ، وَقَعَدُوا عَلَى الشُّرَفِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ، وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ، أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِن خَاصِّ مَالِهِ بِوَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: هَذِهِ

دَارِي، وَهَذَا عَمَلِي، فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ عَمَلِي، فَجَعَلَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي عَمَلَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ يَسُرُّهُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟! وَإِنَّ اللَّهَ عزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، فَاعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وَآمُرَكُمْ بِالصَّلاةِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِعَبْدِهِ مَا لمْ يلْتَفِتْ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ، فَلا تَلْتَفِتُوا. وَآمُرَكُمْ بِالصِّيَامِ، فَإِنَّ مَثَلَ الصِّيَامِ كَمَثلِ رَجُلٍ مَعَهُ صُرَرٌ مِنْ مِسْكٍ فِي عِصَابَةٍ، كُلُّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَجِدَ رِيحَ الْمِسْكِ، وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. وَآمُرَكُم بِالصَّدَقَةِ، فإنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ، فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ إِلَى أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي، فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حتَّى فَكَّ نَفْسَهُ. وَآمُرَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ كَثِيرًا، فإنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوَّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ، فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا

فَتَحَصَّنَ فِيهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ، اللَّهُ أمَرَنِي بِهِنَّ: بِالْجَمَاعَةِ، وَالسَّمْعِ، وَالطَّاعَةِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قَيْدَ شِبْرٍ، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلا أَنْ يُرَاجِعَ، وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى؟ قَالَ: «وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَا سَمَّاهُمُ الْمُسْلِمُونَ الْمُؤْمِنُونَ عِبَادَ اللَّهِ» هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلامٍ، أَنَّ أَبَا سَلامٍ حَدَّثَهُ، وَأَبُو سَلامٍ اسْمُهُ مَمْطُورٌ.

قَوْلُهُ: «رِبْقَةَ الإِسْلامِ»، الرِّبْقُ: الْخَيْطُ، الْوَاحِدُ رِبْقَةٌ، وَأَرَادَ بِهِ: فَارَقَ عَقْدَ الإِسْلامِ بِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَاتِّبَاعِ الْبِدْعَةِ. وَقَوْلُهُ: «مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ» وَاحِدَتُهَا جُثْوَةٌ بِضَمِّ الْجِيمِ، أَيْ: جَمَاعَاتُ جَهَنَّمَ، وَالْجُثْوَةُ: الشَّيْءُ الْمَجْمُوعُ. 2461 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا العُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي بِسَيْفِهِ يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لَا يُحَاشِي مُؤْمِنًا لإِيمَانِهِ، وَلا يَفِي لِذِي عَهْدٍ بِعَهْدِهِ، فَلَيْسَ مِنْ

أُمَّتِي، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ للعَصَبَةِ، أَوْ يُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ، أَوْ يَدْعُو إِلَى الْعَصَبَةِ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَوْلُهُ: «تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ»، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ الأَمْرُ الأَعْمَى كَالْعَصَبِيَّةِ لَا يَسْتَبِينُ مَا وَجْهُهُ، وَقِيلَ: هُوَ فِي تَخَارُجِ الْقَوْمِ، وَقَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَأَصْلُهُ مِنَ التَّعْمِيَةِ، وَهُوَ التَّلْبِيسُ. 2462 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ النُّعيميُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نَا الأَعْمَشُ، نَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا»، قَالُوا: فَمَا تأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ 2462 - وَصَحَّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ، وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا؟ قَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ» قَالَ حُذَيْفَةُ: مَا مَشَى قَوْمٌ إِلَى سُلْطَانِ اللَّهِ فِي الأَرْضِ لِيُذِلُّوهُ، إِلا أَذَلَّهُمُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا. وَيُرْوَى مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الأرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ». قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُمَا حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: لَا يَأْمُرُ السُّلْطَانَ بِالْمَعْرُوفِ إِلا رَجُلٌ عَالِمٌ بِمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى، رَفِيقٌ بِمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى، عَدْلٌ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَرَجَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى الْجَبَّانَةِ يَتَعَبَّدُونَ، وَاتَّخَذُوا مَسْجِدًا وَبَنَوْا بُنْيَانًا، فَأَتَاهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالُوا:

باب من يخرج على الإمام والوفاء ببيعة الأول

مَرْحَبًا بِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَقَدْ سَرَّنَا أَنْ تَزُورَنَا، قَالَ: مَا أَتَيْتُكُمْ زَائِرًا، وَلَسْتُ بِالَّذِي أَتْرُكُ حَتَّى يُهْدَمَ مَسْجِدُ الْجَبَّانِ، إِنَّكُمْ لأَهَدى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ النَّاسَ صَنَعُوا كَمَا صَنَعْتُمْ مَنْ كَانَ يُجَاهِدُ الْعَدُوَّ، وَمَنْ كَانَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَنْ كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ؟! ارْجِعُوا فَتَعَلَّمُوا مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَعَلِّمُوا مَنْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ. قَالَ: وَاسْتَرْجَعَ فَمَا بَرِحَ حَتَّى قَلَعَ أَبْنِيَتَهُمْ وَرَدَّهُمْ. بَابُ مَنْ يَخْرُجُ عَلَى الإِمَامِ وَالْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ 2463 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عبَّادٍ الدّبرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ عَرْفَجَةَ، عَنِ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ

باب كراهية طلب الإمارة والعمل به

ورُوِيَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الآخِرَ مِنْهُمَا». 2464 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتَهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ»، قَالُوا: فَمَا تأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ بَابُ كَرَاهِيَةِ طَلَبِ الإِمَارَةِ وَالْعَمَلِ بِهِ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَة لَا تَسْأَلِ

الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ، وُكِلْتَ إِلَيْهَا». 2465 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعمَ المُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «نِعْمَ المُرْضِعَةُ» مَثَلٌ ضَرَبَهُ لِلإِمَارَةِ، وَمَا يَصِلُ إِلَى الرَّجُلِ مِنَ الْمَنَافِعِ فِيهَا، وَاللَّذَّاتِ، وَضَرَبَ «الْفَاطِمَةَ» مَثَلا لِلْمَوْتِ الَّذِي يَهْدِمُ عَلَيْهِ تِلْكَ اللَّذَّاتِ، وَيَقْطَعُ مَنَافِعَهَا عَنْهُ. 2466 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الحجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى الأشْعَرِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنا وَرَجُلانِ مِن بَنِي عَمِّي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلاكَ اللَّهُ، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يُؤَمَّرَ فأَخِّرْهُ.

2467 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الدَّارَابَجِرْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابنِ عَجْلانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ مَغْلُولا حتَّى يَفُكَّ عَنْهُ الْعَدْلُ، أَوْ يُوبِقَهُ الْجَوْرُ» 2468 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، نَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ عبَّادِ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُريْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «وَيْلٌ لِلأُمَرَاءِ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ، وَيْلٌ لِلأُمَنَاءِ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ أَنَّ نَوَاصِيَهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِالثُّرَيَّا يَتَجَلْجَلُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَلُوا عَمَلا» وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْعِرَافَةَ حَقٌّ وَلا بُدَّ لِلنَّاسِ مِن عُرَفَاءَ، وَلَكِنَّ الْعُرَفَاءَ فِي النَّارِ»، وَالْعَرِّيفُ: هُوَ الْقَيِّمُ بِأَمْرِ الْقَبِيلَةِ وَالْمَحَلَّةِ يَلِي أُمُورَهُمْ، وَيَتَعَرَّفُ الأَمِيرُ مِنْهُ أَحْوَالَهُمْ، وَهُوَ حَقٌّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لِلنَّاسِ. وَقَوْلُهُ: «الْعُرَفَاءَ فِي النَّارِ» مَعْنَاهُ: التَّحْذِيرُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلرِّئَاسَةِ، وَالتَّأَمُّرِ عَلَى النَّاسِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ، وَلَمْ يُؤَدِّ الأَمَانَةَ فِيهِ، أَثِمَ، وَاسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَالنَّارِ. وَرُوِيَ عَنْ عُقبةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ»، وَأَرَادَ بِصَاحِبِ الْمَكْسِ: الَّذِي يَأْخُذُ مِنَ التُّجَّارِ

باب الراعي مسئول عن رعيته

إِذَا مَرُّوا عَلَيْهِ مَكْسًا بِاسْمِ الْعُشْرِ، فَأَمَّا السَّاعِي الَّذِي يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ، وَمَنْ يَأْخُدُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْعُشْرَ الَّذِي صُولِحُوا عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحْتَسِبٌ مَا لَمْ يَتَعَدَّ، فَيَأْثَم بِالتَّعَدِّي وَالظُّلْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الرَّاعِي مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ 2469 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عنهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَامْرَأَةُ الرَّجُلِ رَاعِيةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهَا، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عنْهُ، أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»

باب ثواب من عدل من الرعاة

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، كُلٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ. مَعْنَى الرَّاعِي هَهُنَا: الْحَافِظُ الْمُؤْتَمَنُ عَلَى مَا يَلِيهِ، أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصِيحَةِ فِيمَا يَلُونَهُ، وَحَذَّرَهُمُ الْخِيَانَةَ فِيهِ بِإِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْهُ. فَالرِّعَايَةُ: حِفْظُ الشَّيْءِ وَحُسْنُ التَّعَهُّدِ. فَقَدِ اسْتَوَى هَؤُلاءِ فِي الاسْمِ، وَلَكِنَّ مَعَانِيَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، فَرِعَايَةُ الإِمَامِ وِلايَةُ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ، وَالْحِيَاطَةُ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ وَالأَحْكَامِ فِيهِمْ، وَرِعَايَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ بِالْقِيَامِ عَلَيْهِمْ بِالْحَقِّ فِي النَّفَقَةِ، وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَرِعَايَةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا بِحُسْنِ التَّدْبِيرِ فِي أَمْرِ بَيْتِهِ، وَالتَّعَهُّدِ لِخَدَمِهِ وَأَضْيَافِهِ، وَرِعَايَةُ الْخَادِمِ حِفْظُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَالْقِيَامُ بِشَغْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ ثَوَابِ مَنْ عَدَلَ مِنَ الرُّعَاةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [الْمَائِدَة: 8]

قَوْلُهُ: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ} [الْمَائِدَة: 8] أَيْ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الْمَائِدَة: 42]، وَالْمُقسِطُ: الْعَادِلُ، وَالْقِسْطُ: الْعَدْلُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} [الْأَعْرَاف: 29] أَيْ: بِالْعَدْلِ، يُقَالُ: أَقْسَطَ: إِذَا عَدَلَ، وَقَسَطَ: إِذَا جَارَ، وَالْقَاسِطُ: الْجَائِرُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الْجِنّ: 15]، وَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ: إِمَامٌ عَادِلٌ ". 2470 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ عَبَّادٍ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَلَى

يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْه يَمِينٌ، هُمُ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ فِيمَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صِفَةِ الْيَدَيْنِ شِمَالٌ، لأَنَّ الشِّمَالَ عَلَى النَّقْصِ وَالضَّعْفِ، وَقَوْلُهُ: «كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» هِيَ صِفَةٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ، فَنَحْنُ نُطْلِقُهَا عَلَى مَا جَاءَتْ، وَلا نُكْفِيهَا، وَنَنْتَهِي إِلَى حَيْث انْتَهَى بِنَا الْكِتَابُ وَالأَخْبَارُ الصَّحَيِحَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. 2471 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ

باب ثواب من تكلم بحق عند سلطان جائر

فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2472 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ، وَإنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَشَدَّهُمْ عَذَابًا إِمَامٌ جَائِرٌ» هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ بَابُ ثَوَابِ مَنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جائِرٍ 2473 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخَبَرَنِي حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْجِهَادِ

باب ما على الولاة من التيسير ووعيد من غش الرعية

أَفْضَلُ؟ وَرَسُولُ اللَّهِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الأُولَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثمَّ قَالَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ»؟ قَالَ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَفْضَلُ الْجِهادِ مَنْ قَالَ كَلِمَةَ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ أَفْضَلَ الْجِهَادِ، لأَنَّ مَنْ جَاهَدَ الْعَدُوَّ كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ رَجَاءٍ وَخَوْفٍ، لَا يَدْرِي هَلْ يَغْلِبُ أَوْ يُغْلَبُ، وَصَاحِبُ السُّلْطَانِ مَقْهُورٌ فِي يَدِهِ، فَهُوَ إِذَا قَالَ الْحَقَّ وَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلتَّلَفِ، فَصَارَ ذَلِكَ أَفْضَلَ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ مِنْ أَجْلِ غَلَبَةِ الْخَوْفِ. بَابُ مَا عَلَى الوُلاةِ مِنَ التَّيْسِيرِ وَوَعِيدِ مَنْ غَشَّ الرَّعِيَّةَ 2474 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يُحدِّثُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا، وَلا تُنَفِّرُوا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ 2475 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى هُوَ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أحدا مِنَ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: «بَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا، وَيِّسرُوا وَلا تُعَسِّرُوا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2476 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا 25 أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمٌ، عَنْ شُعْبَةَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جدَّهُ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «يَسِّرا، وَلا تُعَسِّرا، وَبَشِّرا، وَلا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا»، قَالَ أَبُو مُوسَى: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ أرْضَنَا بِهَا

شَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ الْمِزْرُ، وَشَرَابٌ مِنَ الْعَسَلِ الْبِتْعُ، فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»، فَانْطَلَقَا، فَقَالَ مُعَاذٌ لأَبِي مُوسَى: كَيْفَ تَقْرأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: قَائِمًا، وَقَاعِدًا، وَعَلَى رَاحِلَتِي، وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا. قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ، وَأَقُومُ، وَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أحْتَسِبُ قَوْمَتِي. وَضَرَبَ فُسْطَاطًا، فَجَعَلا يَتَزَاوَرَانِ، فزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى، فَإِذَا رَجُلٌ موثَقٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو مُوسَى: يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ، فَقَالَ مُعَاذٌ: لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقُتَيْبَةُ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ: «وَتَطَاوَعَا وَلا تَخْتَلِفَا». قَوْلُهُ: «أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا»، أَيْ: لَا أَقْرَأُ حِزْبِي مِنَ الْقُرْآنِ بِمَرَّةٍ، وَلَكِنْ أَقْرَأُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ فُوَاقِ النَّاقَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تُحْلَبُ ثُمَّ تُتْرَكُ سَاعَةً حَتَّى تدر، ثُمَّ تُحْلَبُ. 2477 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، أَنا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ

سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ» وَبِهَذَا الإِسْنَادِ: «مَنْ أَطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتِلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ، فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ «مَنْ أَطَاعَنِي» عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَحَدِيثَ «إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ» عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ شَبَابَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. قَوْلُهُ: «الإِمَامُ جُنَّةٌ»، قِيلَ: أَرَادَ فِي الْقِتَالِ يَتَّقِي بِهِ الْقَوْمُ كَمَا يَتَّقِي الْمُتَتَرِّسُ بِالتُّرْسِ، قِيلَ: لأَنَّهُ يَقِي الْقَوْمَ مِمَّا يُؤَدِّيهِمْ إِلَى النَّارِ، كَمَا يَقِي التُّرْسُ صَاحِبَهُ مِنْ وَقْعِ السِّلاحِ.

وَيَحْتَجُّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الإِمَامِ إِذَا أَمَرَ بِضَرْبٍ، أَوْ قَتْلٍ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْمَأْمُورُ بِهِ أَنَّهُ ظَالِمٌ، أَوْ بِحَقِّ أَنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَفْعَلَ، وَعَلَى الآمِرِ تَبِعَتُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مُحِقٌّ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ. وَقَوْلُهُ: «وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ» أَيْ: حَكَمَ بِغَيْرِهِ، وَيُقَالُ: أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ اسْمِ الْقِيلِ، وَهُوَ الْمَلِكُ الَّذِي يَنْفُذُ حُكْمُهُ. 2478 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: عَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ زِيَادٍ مَعْقِلا فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَتْ فِيَّ حَيَاةٌ مَا حَدَّثْتُكَ بِهَا، سَمِعْتَهُ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ غَاشًّا لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ وَرُوِيَ أنَّ أَبَا مَرْيَمَ عَمْرَو بْنَ مُرَّةَ الْجُهَنِيَّ، قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ وَلاه اللَّهُ شَيْئًا مَنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاحْتَجَبَ دُونَ

باب وعيد الغدر

حَاجَتِهِمْ، وَخِلَّتِهِمْ، وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخِلَّتِهِ وَفَقْرِهِ»، قَالَ: فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلا عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ. وَقَضَى يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ فِي الطَّرِيقِ، وَقَضَى الشَّعْبِيُّ عَلَى بَابِ دَارِهِ. بَابُ وَعِيدِ الْغَدْرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لُقْمَان: 32]، وَالْخَتْرُ: الْغَدْرُ، وَيُقَالُ: الْخَتْرُ: الفَسَادُ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْغَدْرِ وَغَيْرِهِ. 2479 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ

يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ» 2480 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَلا إِنَّ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ 2481 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ

مُحَمَّدٍ الْمُزْنِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ 2482 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ مِنَ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ ابْنِ فُلانٍ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ 2483 - وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

باب الوزير الصالح

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، أَلا وَلا غَادِرَ أَعْظَمُ مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» بَابُ الْوَزِيرِ الصَّالِحِ 2484 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخَدَاشَاهِيُّ، بِإِسْفِرَايِنَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلا كَانَتْ لَهْ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ، وَتَحُضُّهُ علَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تأْمُرُهُ بِالشَّرِّ، وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْبَغَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ وَالْبِطَانَةُ: الأَوْلِيَاءُ وَالأَصْفِيَاءُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمرَان: 118] أَيْ: أَصْفِيَاءَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ، لأَنَّهُمْ يَغُشُّونَكُمْ، وَلا يَنْصَحُونَكُمْ، وَهِيَ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الاسْمِ، يُسَمَّى بِهَا الْوَاحِدُ وَالاثْنَانِ وَالْجَمِيعُ، وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.

باب صاحب الشرط للأمير

2485 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا أَبِي، وَشُعَيْبٌ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سَلِيمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي أيُّوبَ، أنَّهُ قَالَ: سَمعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلا كَانَ بَعْدَهُ خَلِيفَةٌ إِلا لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالا، فَمَنْ وُقِيَ بِطَانَةَ السُّوءِ، فَقَدْ وُقِيَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «لَا تأْلُوهُ خَبَالا»، أَيْ: لَا تُقَصِّرُ فِي إِفْسَادِ أَمْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} [آل عمرَان: 118]، وَالْخَبَالُ وَالْخَبَلُ: الْفَسَادُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الأَفْعَالِ، وَالأَبْدَانِ، وَالْعُقُولِ، وَبِهِ يُسَمَّى الْجِنُّ: الْخَبَلُ، يُقَالُ: خَبَلَهُ الْجِنُّ. بَابُ صَاحِبِ الشُّرَطِ لِلأَمِيرِ 2486 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامَوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ

باب كراهية تولية النساء

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى الزُّهْرِيُّ الْقَاضِي، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأَمِيرِ، يَعْنِي يَنْظرُ فِي أُمُورِهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيِّ بَابُ كَرَاهِيَةِ تَوْليَةِ النِّسَاءِ 2487 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، نَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ

باب عقد البيعة والاستخلاف

فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقُوا عَلَى أنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ إِمَامًا وَلا قَاضِيًا، لأَنَّ الإِمَامَ يَحْتَاجُ إِلَى الْخُرُوجِ لإِقَامَةِ أَمْرِ الْجِهَادِ، وَالْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْقَاضِي يَحْتَاجُ إِلَى الْبُرُوزِ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَالْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ لَا تَصْلُحُ لِلْبُرُوزِ، وَتَعْجَزُ لِضَعْفِهَا عِنْدَ الْقِيَامِ بِأَكْثَرِ الأُمُورِ، وَلأَنَّ الْمَرْأَةَ نَاقِصَةٌ، وَالإِمَامَةُ وَالْقَضَاءُ مِنْ كَمَالِ الْوِلايَاتِ، فَلا يَصْلُحُ لَهَا إِلا الْكَامِلُ مِنَ الرِّجَالِ، وَلا يَصْلُحُ لَهَا الأَعْمَى، لأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْخُصُومِ. وَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ فِي إِمَامَةَ الصَّلاةِ دُونَ الْقَضَاءِ وَالأَحْكَامِ. بَابُ عَقْدِ الْبَيْعَةِ وَالاستِخْلافِ قَالَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [الْبَقَرَة: 30]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ} [النُّور: 55].

2488 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَبَّلَهُ قَالَ: «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا»، ثُمَّ خَرَجَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: " أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَى قَوْلِهِ: الشَّاكِرِينَ} [آل عمرَان: 144] "، قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ

يَبْكُونَ، قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبيْدَةَ بنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ، فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، فَبَايِعُوا عُمَرَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: «بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ، فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2489 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَتَشَهَّدَ، وأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، قَالَ: «كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى يَدْبُرَنَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ أنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ، فإنْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّهَ قدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِه بِمَا هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَإِنَّهُ أَوْلَى المُسْلِمينَ بِأُمُورِهِمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ»، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَقَالَ عُقيلُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: «وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَكُمْ، فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا» قَوْلُهُ: «يَدْبُرُنَا»، أَيْ: يَتَقَدَّمُهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ يَخْلُفُهُمْ، يُقَالُ: دَبَرَ يَدْبُرُ دُبْرًا وَدُبُورًا: إِذَا تَبِعَ الأَثَرَ. 2490 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ: أَلا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: " إِنْ أَسْتَخْلِفَ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مِنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ، وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لَا لِيَ وَلا عَلَيَّ، لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ الإِمَامُ: إِذَا مَاتَ الإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ بَعْدَهُ رَجُلا صَالِحًا لِلإِمَامَةِ، فَلَهُ الْوِلايَةُ، وَلا تَحِلُّ مُنَازَعَتُهُ فِيهَا، كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اسْتَخْلَفَ بَعْدَهُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَوْ مَاتَ الإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا، فَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى بَيْعَةِ رَجُلٍ يَقُومُ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا اجْتَمَعَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَقْضُوا شَيْئًا مِنْ أَمْرِ تَجْهِيزِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفْنِهِ حَتَّى أَحْكَمُوا أَمْرَ الْبَيْعَةَ. رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ نَزَعَ يَدًا مِنْ طَاعةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

وَلَوْ أَنَّ الإِمَامَ جَعَلَ الأَمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ هُمُ اتَّفَقُوا عَلَى تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَانَ وَالِيًا مُطَاعًا، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. 2491 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: «لَئِنْ سلمني اللَّهُ، لأدَعَنَّ أَرامِلَ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا»، قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا رَابِعَةٌ حتَّى أُصِيبَ، فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ، قَالَ: " مَا أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاءِ النَّفَرِ، أَوِ الرَّهطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، كَهَيْئةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ، فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا، وَإِلا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلا خِيَانَةٍ. وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ

خَيْرًا، الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلامِ، وَجُبَاةُ الْمَالِ، وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الإِسْلامِ: أَنْ يُؤْخَذَ مِن حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ، وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلا يُكَلَّفُوا إِلا طَاقَتَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ، وَعَقَدُوا لَهُ الْبَيْعَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حِينَ بَايَعَ عُثْمَانَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ. فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ: الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ، وَالْمُسْلِمُونَ.

باب رزق الولاة والقضاة

قَالَ الإِمَامُ: وَاتَّفَقَتِ الأُمَّةُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الاسْتِخْلافِ سُنَّةٌ، وَطَاعَةُ الْخَلِيفَةِ وَاجِبَةٌ، إِلا الْخَوَارِجَ، وَالْمَارِقَةَ الَّذِينَ شَقُّوا الْعَصَا، وَخَلَعُوا رِبْقَةَ الطَّاعَةِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ: لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ عَبْدَ الْمَلِكِ، كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِلَى عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ، إِنِّي أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ المُؤْمِنينَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ. بَابُ رِزْقِ الوُلاةِ وَالقُضَاةِ 2492 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ،

أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا استُخْلِفَ أَبُو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ». صَحِيحٌ. مَعْنَى الْحِرْفَةِ: الْكَسْبُ، وَقَوْلُهُ: يَحْتَرِفُ، أَيْ: يَكْتَسِبُ لِلْمُسْلِمِينَ بِإِزَاءِ مَا يَأْكُلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَمَعْنَى الآلِ هَهُنَا: الأَهْلُ 2493 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ بَابِ عُمَرَ فَخَرَجَتْ عَلَيْنَا جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: هَذِهِ سُرِّيَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَنَا بِسُرِّيَّةٍ، وَمَا أَحِلُّ لَهُ، وَإِنِّي لَمِنْ مَالِ اللَّهِ. ثُمَّ دَخَلَتْ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا عُمرُ، فَقَالَ: " مَا تَرَوْنَهُ يَحِلُّ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: مِنْ هَذَا الْمَالِ؟ قَالَ: قُلْنَا: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَّا، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ مَا أَسْتَحِلُّ مِنْهُ، مَا أَحُجُّ وَأَعْتَمِرُ عَلَيْهِ مِنَ الظَّهْرِ

وَحُلَّتِي فِي الشِّتَاءِ، وَحُلَّتِي فِي الصَّيْفِ، وَقُوتَ عِيَالِي، وَشِبَعِي، وَسَهْمِي فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ». قَالَ مَعْمَرٌ: وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي يَحُجُّ عَلَيْهِ وَيَعْتَمِرُ بَعِيرًا وَاحِدًا قَالَ الإِمَامُ: يَجُوزُ لِلْوَالِي أَنْ يَأْخُذَ مِنَ بَيْتِ الْمَالِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ مِنَ النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ لِنَفْسِهِ، وَلِمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَيَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ مِنْهُ مَسْكَنًا، وَخَادِمًا، رُوِيَ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلا، فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ، فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ، فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا». وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَهُوَ غَالٌّ أَوْ سَارِقٌ». قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ اكْتِسَابَ الْخَادِمِ، وَالْمَسْكَنِ مِنْ عُمَالَتِهِ الَّتِي هِيَ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَفِقَ بِشَيْءٍ سِوَاهَا، وَالْوَجْهُ الآخَرُ: أَنَّ لِلْعَامِلِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ، وَخَادِمٌ، اسْتُؤْجِرَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ، فَيَكْفِيهِ مِهْنَةَ مِثْلِهِ، وَيُكْتَرَى لَهُ مَسْكَنٌ يَسْكُنُهُ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي عَمَلِهِ. وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا.

باب الرشوة والهدية للقضاة والعمال

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ مَعَ رِزْقِ الْقَاضِي شَيْئًا لِقَرَاطِيسِهِ. قَالَ مَسْرُوقٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إنَّه كَانَ يُكْرَهُ لِقَاضِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ رِزْقًا وَعِمَالَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الرِّشْوَةِ وَالْهَديَّةِ لِلقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [الْبَقَرَة: 188]، أَيْ: لَا تُعْطُوهَا الْحُكَّامَ عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ ليُغَيِّرُوا الْحُكْمَ لَكُمْ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَدْلَى بِحُجَّتِهِ، أَيْ: أَرْسَلَهَا، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى} [الْأَعْرَاف: 169] أَيْ: يَرْتَشُونَ فِي الأَحْكَامِ. 2494 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَعُنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ مُرَاجَعَةً سُنَنَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ خَالُهُ قَالَ الإِمَامُ: الرِّشْوَةُ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ، فَيُعْطِي الرَّاشِي لِيَنَالَ بَاطِلا، أَوْ لِيَمْنَعَ حَقًّا يَلْزَمُهُ، وَيَأْخُذُ الآخِذُ عَلَى أَدَاءِ حَقٍّ يَلْزَمُهُ، فَلا يُؤَدِّيهِ إِلا بِرِشْوَةٍ يَأْخُذُ، أَوْ عَلَى بَاطِلٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ، وَلا يَتْرُكُهُ إِلا بِهَا، فَأَمَّا إِذَا أَعْطَى الْمُعْطِي لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى حَقٍّ، أَوْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا، فَلا بَأْسَ. يُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ أُخِذَ، فَأَعْطَى دِينَارَيْنِ حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَطَاءٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ، إِذَا خَافَ الظُّلْمَ. قَالَ الإِمَامُ: وَكَذَلِكَ الآخِذُ إِذَا أَخَذَ لِيَسْعَى فِي إِعَانَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَلا بَأْسَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ يُقَالُ: السُّحْتُ: الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَكَانُوا يُعْطُونَ عَلَى الْخَرَصِ. وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا سِرْتُ أَرْسَلَ فِي أَثَرِي، فَرُدِدْتُ،

فَقَالَ: «أَتدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ؟ لَا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِي، فَإِنَّهُ غُلُولٌ، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ لِهَذَا دَعَوْتُكَ، فَامْضِ لِعَمَلِكَ». وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ، فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ». وَفِي الْحَدِيثِ: «هَدَايَا الأُمَرَاءِ غُلُولٌ»، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ»، فَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ هَذَا لأَحَدٍ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَدَايَا الأُمَرَاءِ غُلُولٌ». وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّة وَلِلأُمَرَاءِ بَعْدَهُ رِشْوَة. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرُدُّهُ إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا أَهْدَى إِلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ، فَهُوَ لَهُ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ.

2495 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شَرِيكُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْقُسَامَةَ» قَالُوا: وَمَا القُسَامَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَى الْفِئَامِ مِنَ النَّاسِ، فَيَأْخُذُ مِنْ حَظِّ هَذَا وَمِنْ حَظِّ هَذَا». هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُسَامَةُ مَضْمُومَةُ الْقَافِ: اسْمُ لِمَا يَأْخُذُهُ الْقَسَّامُ لِنَفْسِهِ فِي الْقِسْمَةِ. كَالنُّشَارَةِ: اسْمٌ لِمَا يُنْشَرُ، وَالْعُجَالَةُ: اسْمٌ لِمَا يُعَجَّلُ لِلضَّيْفِ مِنَ الطَّعَامِ. وَالْفِئَامُ: الْجَمَاعَاتُ. وَلَيْسَ فِي هَذَا تَحْرِيمُ أُجْرَةِ الْقَسَّامِ، إِذَا أَخَذَهَا بِإِذْنِ أَرْبَابِ الأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ، فَكَانَ عَرِّيفًا عَلَيْهِمْ، فَإِذَا قَسَّمَ بَيْنَهُمْ سُهْمَانَهُمْ، أَمْسَكَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ مَا يأْخُذُهُ السَّمَاسِرَةُ رَسْمًا مَرْسُومًا لَا أَجْرًا مَعْلُومًا، فَأَمَّا إِذَا سَمَّى لَهُ أَرْبَابُ الأَمْوَالِ شَيْئًا مَعْلُومًا عَلَى أَنْ يُقَسِّمَ بَيْنَهُمْ مَالا، فَحَلالٌ أَخْذُهُ، وَكَذَلِكَ الإِمَامُ إِذَا

جَعَلَ لِلْقَسَّامِ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ بَعَثَ رَجُلا لِعَمَلٍ، فَسَمَّى لَهُ رِزْقًا، فَهُوَ حَلالٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا 2496 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنِ اجْمَعْ عَلَيْكَ سِلاحَكَ وَثِيَابَكَ، ثُمَّ أْتِنِي» قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: «يَا عَمْرُو إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لأبْعَثَكَ فِي وَجْهٍ يُسَلِّمُكَ اللَّهُ، وَيُغْنِمُكَ، وأَزْعَبُ لَكَ زَعْبَةً مِنَ الْمَالِ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَتْ هِجْرَتِي لِلْمَالِ، وَمَا كَانَتْ إِلا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَ: فَقَالَ: «نعما بِالْمَالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ». قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قَوْلُهُ «أَزْعَبُ لَكَ زَعْبَةً مِنَ الْمَالِ»، أَيْ: أُعْطِيكَ دُفْعَةً مِنَ الْمَالِ، وَالزَّعْبُ: هُوَ الدَّفْعُ، يُقَالُ: جَاءَنَا سَيْلٌ يَزْعَبُ زَعْبًا، أَيْ: يَتَدَافَعُ

باب الخوف من القضاء

بَابُ الْخَوْفِ مِنَ الْقَضَاءِ 2497 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ يُعْرَفُ بِالصَّيْرَفِيِّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى الْمَاسَرْجَسِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، نَا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدٍ أَوْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا، فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى هَذَا الْكَلامِ التَّحْذِيرِ عَنْ طَلَبِ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُهُ: «بِغَيْرِ سِكِّينٍ» يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ مِنَ التَّأْوِيلِ، أَحَدَهُمَا: أَنَّ الذَّبْحَ إِنَّمَا يَكُونُ، فِي ظَاهِرِ الْعُرْفِ وَغَالِبِ الْعَادَةِ، بِالسِّكِّينِ، فَعَدَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سُنَنِ الْعَادَةِ إِلَى غَيْرِهَا، لِيُعْلِمَ أَنَّ الَّذِي أَرَادَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ إِنَّمَا

هُوَ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ هَلاكِ دِينِهِ دُونَ هَلاكِ بَدَنِهِ، وَالْوَجْهُ الآخَرُ: أَنَّ الذَّبْحَ الْوَحِيِّ الَّذِي يَقَعُ بِهِ إِرَاحَةُ الذَّبِيحَةِ وَخَلاصُهَا مِنْ طُولِ الأَلَمِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالسِّكِّينِ، وَإِذَا ذُبِحَ بِغَيْرِ السِّكِّينِ كَانَ خَنْقًا وَتَعْذِيبًا، فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِذَلِكَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْحَذَرِ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ علَيْهِ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ». 2498 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، قَالَ: قَالَ عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: " القُضَاةُ ثَلاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، فَأَمَّا اللَّذَانِ فِي النَّارِ، فَرَجُلٌ جَارَ مُتَعَمِّدًا، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَأَمَّا الَّذِي فِي الجَنَّةِ، فَرَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ الْحَقَّ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ ". قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لأَبِي الْعَالِيةِ: " مَا ذَنْبُ هَذَا الَّذِي اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ؟ قَالَ: ذَنْبُهُ أَنْ لَا يَكُونَ قَاضِيًا إِذْ لَمْ يَعْلَمْ.

باب القاضي لا يقضي وهو غضبان

قَالَ الإِمَامُ: قَوْلُهُ «اجْتَهد فَأَخْطَأَ، فَهُوَ فِي النَّارِ» أَرَادَ بِهِ: إِذَا كَانَ اجْتِهَادُهُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الاجْتِهَادِ فَفَرْضُهُ الاجْتِهَادُ فِيمَا يَعِنُّ لَهُ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَالْخَطَأُ فِيهِ عَنْهُ مَوْضُوعٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ: مَنْ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ، مَا رُوِيَ مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحقِّ، فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ ". وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «أَنْ لَا يَقْضِي إِلا أَمِيرٌ، فَإِنَّهُ أَهْيَبُ لِلظَّالِمِ، وَلِشَاهِدِ الزُّورِ». وَقَالَ عُمَرُ لابْنِ مَسْعُودٍ: " أَمَا بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقْضِي وَلَسْتَ بِأَمِيرٍ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَوَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا ". بَابُ الْقَاضِي لَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ 2499 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ

أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ، أَوْ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَعْقُولٌ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حِينَ يَحْكُمُ فِي حَالٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا عَقْلُهُ، وَلا خُلُقُهُ، وَالْحَاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ، فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عَلَيْهِ تَغَيَّرَ فِيهَا عَقْلُهُ، أَوْ خُلُقُهُ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ حَتَّى تَذْهَبَ، وَأَيُّ حَالٍ صَارَ إِلَيْهَا فِيهَا سُكُونُ الطَّبِيعَةِ، وَاجْتِمَاعُ الْعَقْلِ، حَكَمَ، وَإِنْ غَيَّرَهُ مَرَضٌ، أَوْ حُزْنٌ، أَوْ فَرَحٌ، أَوْ جُوعٌ، أَوْ نُعَاسٌ، أَوْ مَلالَةٌ، تَرَكَ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «إِيَّاكَ وَالضَّجَرَ، وَالْقَلَقَ، وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ، وَإِذَا جَلَسَ عِنْدَكَ الْخَصْمَانِ،

فَرَأَيْتَ أَحَدَهُمَا يَتَعَمَّدُ الظُّلْمَ، فَأَوْجِعْ رَأْسَهُ». وَرُوِيَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ، فَلا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الأَوَّلِ، فَإنَّهُ أَحْرَى أَنَّ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ»، وَيَحْتَجُّ بِهَذَا مَنْ لَا يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى غَائِبٍ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَهُ مِنَ الْقَضَاءِ لأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الآخَرِ، وَمَنْ جَوَّزَ قَالَ: هَذَا فِي الْخَصْمَيْنِ الْحَاضِرَيْنِ اللَّذين يُمْكِنُ سَمَاعُ كَلامِهِمَا، لَا يَقْضِي لأَحَدِهِمَا حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الآخَرِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَعَ خَصْمِهِ حُجَّةٌ يَدْفَعُ بِهَا حُجَّةَ الْمَحْكُومِ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الْخَصْمُ غَائِبًا، فَلا يَتْرُكُ اسْتِمَاعَ كَلامِ الْحَاضِرِ حَتَّى لَا يَصِيرَ ذَرِيعَةً إِلَى إِبْطَالِ الْحُقُوقِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَكْتُبَ فِي الْقَضِيَّةِ أَنَّ الْغَائِبَ عَلَى حُجَّتِهِ إِذَا حَضَرَ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَعْمِلا مَعْنَى الْخَبَرِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالطِّفْلِ، لِتَعَذُّرِ اسْتِمَاعِ كَلامِهِمَا، كَذَلِكَ الْغَائِبُ.

باب كراهية اللدد في الخصومة

بَابُ كَرَاهِيَةِ اللَّدَدِ فِي الْخُصُومَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [الْبَقَرَة: 204]، وَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا: إِذَا خَاصَمَ فَجَرَ " 2499 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ الأَلَدُّ: الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ، وَاللَّدَدُ: الْجِدَالُ وَالْخُصُومَةُ، يُقَالُ: رَجُلٌ أَلَدُّ، وَامْرَأَةٌ لَدَّاءُ، وَقَوْمٌ لُدٌّ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

باب البينة على المدعي واليمين على من أنكر

وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مَرْيَم: 97]، وَقَالَ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، يُقَالُ: لَدَدْتُهُ أَلُدُّه: إِذَا جَادَلْتَهُ فَغَلَبْتَهُ، وَاللَّدِيدَانِ: جَانِبَا الْوَادِي، وَجَانِبَا الْفَمِ، سُمِّي الْخَصْمُ أَلَدَّ، لأَنَّكَ كُلَّمَا أَخَذْتَ فِي جَانِبٍ مِنَ الْحُجَّةِ، أَخَذَ هُوَ فِي جَانِبٍ آخَرَ مِنْهَا، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لإِعْمَالِهِ لَدِيدَيْهِ فِي الْخُصُومَةِ. بَابُ البَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنكَرَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [الْبَقَرَة: 111]، والمُدَّعي مَتَمَنٍّ، فَيَحْتَاجُ إِلَى الحُجَّةِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57]، أَيْ: يَتَمَنَّوْنَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: ادْع عَلَيَّ مَا شِئْتَ، أَيْ: تَمَنَّ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قِصَّةِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20]، قَالَ: فَصْلُ الْخِطَابِ: هُوَ البَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَفْصِلَ بيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. 2500 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، فأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمرَان: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: فيَّ أُنْزِلَتْ، كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ»، قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ

وَقَوْلُهُ: عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ: هِيَ الْيَمِينُ اللازِمَةُ لِصَاحِبِهَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، فَيُصْبَرُ مِنْ أَجْلِهَا، أَيْ: يُحْبَسُ، وَأَصْلُ الصَّبْرِ: الْحَبْسُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قُتِلَ فُلانٌ صَبْرًا، أَيْ: حَبْسًا، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقتلَ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا، وَهُوَ أَنْ يُحْبَسَ حَيًّا، فَيُرْمَى إِلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَكُلُّ مَنْ حُبِسَ لِقَتْلٍ، أَوْ يَمِينٍ، فَهُوَ قَتْلُ صَبْرٍ، وَيَمِينُ صَبْرٍ. وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا فليَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، فَجَعَلَ الْيَمِينَ مَصْبُورَةً وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمَصْبُورُ، لأَنَّهُ إِنَّمَا صُبِرَ، وَحُبِسَ مِنْ أَجْلِهَا، فَأُضِيفَ الصَّبْرُ إِلَى الْيَمِينِ مَجَازًا واتِّسَاعًا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنِ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ، أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَأَنْكَرَ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيَّنَةُ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». 2501 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابنِ عبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «البَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي»، وأَحْسِبُهُ قَالَ: «وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَوَى حَدِيثَ الأَشْعَثِ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» قُلْتُ: لَا. قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: «احْلِفْ»، فَقُلْتُ: إِذا يَحْلِفُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

باب القضاء بالشاهد واليمين

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمرَان: 77] الآيَةَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُحَلَّفُ فِي الْخُصُومَاتِ، كَمَا يُحَلَّفُ الْمُسْلِمُ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ لِفُلانٍ عَلَى فُلانٍ أَلْفًا، وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةٍ، يُقْضَى بِالزِّيَادَةِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا، وَلا يَقْدَحُ فِيهَا جَهْلُ الأَوَّلَيْنِ، كَمَا أَخْبَرَ بِلالٌ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ الكَعْبَةَ، فَصَلَّى»، وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُصَلِّ. فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ بِلالٍ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيَّنَةَ بَعْدَ مَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ. وَقَالَ طَاوُسٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَشُرَيْحٌ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنَ الْيَمِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ القَضَاءِ بالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ 2502 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَكِّيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُوَلَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ». قَالَ عَمْرٌو: وَفِي الأَمْوَالِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ، عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ 2503 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: نَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ». رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، وَيُرْوَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ

بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، جَوَّزُوا الْقَضَاءَ لِلْمُدَّعِي بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مَعَ الْيَمِينِ فِي الأَمْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَجِلَّةِ الصَّحَابَةِ، وَأَكْثَرِ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَامِلِ الْكُوفَةِ: «أَنِ اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ»، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الأَمْصَارِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَا يَجُوزُ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. فَأَما إِذَا أَقَامَ المدَّعي بَيِّنَةً عَادِلَةً، فَلا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي مَعَهَا، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهَا، كَانَ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، يَرَوْنَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا اسْتَرَابَ الْحَاكِمُ أَوْجَبَ ذَلِكَ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالشَّهَادَاتُ مُخْتَلِفَةُ الْمَرَاتِبِ، فَالزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنَ الرِّجَالِ الْعُدُولِ، لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: 4]، وَالْعُقُوبَاتُ بِأَجْمَعِهَا لَا تَثْبُتُ بِأَقَلِّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، أَمَّا غَيْرُ الْعُقُوبَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ الْمَالَ، وَهُوَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، فَلا يَثْبُتُ أَيْضًا إِلا بِرَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَذَلِكَ مِثْلُ النِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالطَّلاقِ، وَالْعِتَاقِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْوِصَايَةِ، وَالْوِكَالَةِ، وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ غَالِبًا، فَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْوِلادَةِ، وَالرَّضَاعِ، وَالثّيَابةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالْحَيْضِ، وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالإِجَازَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْقَرْضِ، وَالْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ، وَنَحْوِهَا فَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَى الانْفِرَادِ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ

وَتَعَالَى فِي رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [الْبَقَرَة: 282]، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [الْبَقَرَة: 282]، أَيْ: تَنْسَى الشَّهَادَةَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَاضِي هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِ نَفْسِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَازَ بَعْضُهُمْ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ حِينَ قَالَتْ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجل شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، قَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بالمَعْرُوفِ»، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُكَلِّفْهَا الْبَيَّنَةَ فِيمَا ادَّعَتْهُ إِذْ كَانَ عَالِمًا بِكَوْنِهَا فِي نِكَاحِ أَبِي سُفْيَانَ، وَلأَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا جَازَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهَا إِلا الْمَعْرِفَةُ الظَّاهِرَةُ، فَعِلْمُهُ أَقْوَى مِنَ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَقْضِي بِعِلْمِ نَفْسِهِ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ فِي وِلايَتِهِ، أَوْ قَبْلَهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلُ الْحِجَازِ. وَلَوْ أَقَرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ لآخَرَ بِحَقٍّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ حَتَّى يَكُونَ إِقْرَارُهُ بِمَحْضَرِ شَاهِدَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: مَا سَمِعَ أَوْ رَآهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَضَى بِهِ، وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقْضِ إِلا بِشَاهِدَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الأَمْوَالِ، وَلا يَقْضِي فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ الْقَاسِمُ: لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُمْضِيَ قَضَاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ عِلْمَهُ أَكْثَرُ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ، لأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظَّنَّ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هَذِهِ صَفِيَّةُ».

باب المتداعيين إذا أقام كل واحد بينة

قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَسَأَلَهُ إِنْسَانٌ الشَّهَادَةَ فَقَالَ: ائْتِ الأَمِيرَ حَتَّى أَشْهَدَ لَكَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ عُمَرُ لعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: «لَوْ رَأَيْتَ رَجُلا عَلَى حَدِّ زِنًا، أَوْ سَرِقَةٍ، وَأَنْتَ أَمِيرٌ»، فَقَالَ: شَهَادَتُكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: «صَدَقْتَ» بَابُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ إِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً 2504 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ «رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا دَابَّةً، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا البَيِّنَةَ أَنَّها دَابَّتُهُ نَتَجَهَا، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ». إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ: هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، كُنْيَتُهُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَاسْمُ أَبِي فَرْوَةَ كَيْسَانُ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا تَدَاعَى رَجُلانِ دَابَّةً أَوْ شَيْئًا وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَهُوَ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ إِلا أَنْ يُقِيمَ الآخَرُ بَيِّنَةً، فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ، فَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، وَهُوَ لِلْخَارِجِيُّ، إِلا فِي دَعْوَى النِّتَاجِ إِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ هَذِهِ الدَّابَةَ مِلْكُهُ نَتَجَهَا، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي ثَوْبٍ لَا يُنْسَجُ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً: إِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكِي، أَنَا نَسَجْتُهُ، يُقْضَى لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَإِنْ كَانَ الشَّيْءُ فِي أَيْدِيهِمَا فَتَدَاعَيَا، حَلفَا وَكَانَ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْيَدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً. رَوَى ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، «أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا أَوْ دَابَّةً إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَجَعَلَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا». وَرَوَى هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ «فَقَسَمَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ». فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقَصَّةُ وَاحِدَةً، وَالشَّيْءُ فِي أَيْدِيهِمَا إِلا أَنَّ

الشَّهَادَاتَ لَمَّا تَعَارَضَتْ تَهَاتَرَتْ، فَصَارَ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ، فَحَكَمَ لَهُمَا بِالشَّيْءِ نِصْفَيْنِ بِحُكْمِ الْيَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ مُخْتَلِفَةً، وَكَانَ الْبَعِيرُ فِي يَدَيْ غَيْرِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي إِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَلَمَّا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ عَلَى دَعْوَاهُ، نُزِعَ الشَّيْءُ مِنْ يَدَيْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَجُعِلَ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ إِذَا ادَّعَى رَجُلانِ دَارًا، أَوْ شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمَا تَسْقُطَانِ لِتَنَاقُضِهمَا، وَيُتْرَكُ الشَّيْءُ فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُجْعَلُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، قَضَى لَهُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَلَهُ قَوْلُ، " أَنَّ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، يَحْلِفُ مَعَ الْقُرْعَةِ: لَقَدْ شَهِدَ شُهُودُهُ بِحَقٍّ، ثُمَّ يُقْضَى لَهُ. وَلا فَرْقَ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَتَانِ سَوَاءً فِي الْعَدَالَةِ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا أَشْهَرَ بِالصَّلاحِ وَالْعَدَالَةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ، وَلا بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ، وَالآخَرُ ثَلاثًا أَوْ أَكْثَرَ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ لأَعْدَلِهِمَا شُهُودًا، وَأَشْهَرِهِمَا بِالصَّلاحِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: يُقْضَى بِأَكْثَرِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَدَدًا، وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى حِصَصِ الشُّهُودِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِيمَا إِذَا ادَّعَى رَجُلانِ شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَلا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ يَحْلِف وَيَأْخُذ، وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي دَابَّةٍ، وَلَيْسَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ». وَالْمُرَادُ مِنَ الاسْتِهَامِ: الاقْتِرَاعُ.

باب إذا توجه اليمين على جماعة يقرع بينهم

بَابُ إِذَا تَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى جَمَاعَةٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ 2505 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُكْرِهَ الاثْنَانِ عَلَى الْيَمِينِ، فَاسْتَحَبَّاهَا فَأَسْهِمْ بَيْنَهُمَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهَذَا الإِسْنَادِ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ، فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ»

باب قضاء القاضي لا ينفذ إلا ظاهرا

قَوْلُهُ: فَأَسْهِمْ بَيْنَهُمَا، أَيْ: أَقْرِعَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141]. بَابُ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَنْفَذُ إِلا ظَاهِرًا 2506 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا أَنَّا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلا يَأْخُذَنَّهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَوْلُهُ: «أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ» أَيْ: أَفْطَنُ لَهَا، وَاللَّحَنُ مَفْتُوحَةُ الْحَاءِ: الْفِطْنَةُ، يُقَالُ لَحِنْتُ لِلشَّيْءِ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَلْحَنُ لَهُ لَحْنًا، وَرَجُلٌ لَحِنٌ، أَيْ: فَطِنٌ. وَاللَّحْنُ بِسُكُونِ الْحَاءِ: الْخَطَأُ، يُقَالُ: لَحَنَ الرَّجُلُ فِي كَلامِهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ يَلْحَنُ لَحْنًا، وَاللَّحْنُ: النَّحْوُ وَاللُّغَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «تَعَلَّمُوا اللَّحْنَ كَمَا تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ». وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِ عُمَرَ: تَعَلَّمُوا اللَّحْنَ، أَيِ: الْخَطَأُ فِي الْكَلامِ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [مُحَمَّد: 30] أَيْ: فِي قَصْدِهِ وَنَحْوِهِ، وَيُقَالُ: لَحَنَ فُلانٌ: إِذَا أَخَذَ فِي نَاحِيَةٍ عَنِ الصَّوَابِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَنْفُذُ إِلا ظَاهِرًا، وَأَنَّهُ لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَلا يُحَرِّمُ حَلالا، وَإِذَا أَخْطَأَ فِي حُكْمِهِ، وَالْمَحْكُومُ لَهُ عَالِمٌ بِحَقِيقَةِ الْحَالَ، فَلا يَحِلُّ لَهُ فِي الْبَاطِنِ أَخْذُ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفسُوخِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ زُورًا أَنَّ

فُلانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي، وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّاهِدِينَ أَنْ يَنْكِحَهَا. وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ قَضَاءَهُ فِي الدِّمَاءِ وَالأَمْلاكِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا، أَمَّا فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مِثْلِ أَنْ قَضَى حَنِيفِيٌّ بِشُفْعَةِ الْجَارِ لِرَجُلٍ لَا يَعْتَقِدُ ثُبُوتَهَا، أَوْ قَضَى لِرَجُلٍ يَعْتَقِدُ وُقُوعَ الطَّلاقِ بِتَعْلِيقِ سَبْقِ النِّكَاحِ أَنَّهُ حَلالٌ لَهُ، أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ جَدٍّ وَأَخٍ، فَقَضَى الْقَاضِي بِالْمِيرَاثِ لِلْجَدِّ عَلَى مَذْهَبِ الصِّدِّيقِ، وَالْمَحْكُومُ لَهُ يَرَى رَأْيَ زَيْدٍ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِالْمَالِ دُونَ الأَخِ، أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ خَالٍ لَا يَرَى تَوْرِيثَ ذَوِي الأَرْحَامِ، فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِالْمَالِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُوَرِّثُهُ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، لأَنَّهُ أَمْرٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ ظُهُورُ الْخَطَإِ فِيهِ يَقِينًا فِي الدُّنْيَا، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بِالاجْتِهَادِ نَافِذٌ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ لَيْسَ بِمُصِيبٍ، إِنَّمَا الإِصَابَةُ مَعَ وَاحِدٍ، وَإِثْمُ الْخَطَإِ عَنِ الآخَرِ مَوْضُوعٌ، لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا فِيهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي مَسْمُوعَةٌ بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. 2507 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ،

عَنْ أَبِي أُمَامَةُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ» قَالُوا: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ». قَالَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. 2508 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ»، فَقَالَ الرَّجُلانِ كلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَقِّي هَذَا لِصَاحِبِي، فَقَالَ: «وَلَكِنِ اذْهَبَا فَتَوَخَّيَا، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ»

قَوْلُهُ: «فَتَوَخَّيَا»، أَيِ: اقْصُدَا الْحَقَّ فِيمَا تَصْنَعَانِهِ مِنَ الْقِسْمَةِ، «ثُمَّ اسْتَهِمَا»، أَيِ: اقْتَرِعَا، وَقِيلَ: أَمَرَهُمَا بِالتَّوَخِّي فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ لَا يَصِحُّ إِلا فِي الشَّيْءِ الْمَعْلُومِ، ثُمَّ ضَمَّ إِلَيْهِ الْقُرْعَةَ، لأَنَّ التَّوَخِّيَ غَالِبُ الظَّنِّ، وَالْقُرْعَةُ نَوْعٌ مِنَ الْبَيِّنَةِ، فَهِيَ أَقْوَى، ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّحْلِيلِ لِيَكُونَ افْتِرَاقُهُمَا عَنْ يَقِينِ بَرَاءَةٍ وَطِيبَةِ نَفْسٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ ذِكْرَ الْقِسْمَةِ وَالتَّحْلِيلَ، وَالْقِسْمَةُ لَا تَكُونُ إِلا فِي الأَعْيَانِ، وَالتَّحْلِيلُ لَا يَصِحُّ إِلا فِيمَا يَقَعُ فِي الذِّمَمِ دُونَ الأَعْيَانِ، فَوَجَبَ أَنْ يُصْرَفَ مَعْنَى التَّحْلِيلِ إِلَى مَا كَانَ مِنْ خَرَاجٍ وَغَلَّةٍ حَصَلَ لأَحَدِهِمَا مِنَ الْعَيْنِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْقِسْمَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ بِخِلافِهِ، بِأَنْ وَقَفَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِخِلافِهِ، أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى خِلافِ مَا تَوَهَّمَهُ، فَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ». وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «لَا يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ، ثُمَّ رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ، فَهُدِيتَ لِرُشْدِهِ أَنْ تَنْقُضَهُ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ لَا يَنْقُضُهُ شَيْءٌ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ».

باب اجتهاد الحاكم

قَالَ الإِمَامُ: هَذَا إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ، فَأَمَّا إِذَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَلا يَنْقُضْهُ، وَيَقْضِي بَعْدَهُ فِيهَا بِمَا تَغَيَّرَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ اجْتِهَادِ الحَاكِمِ 2509 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ، فَاجْتَهَدَ، فَأَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ، فَاجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ». قَالَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ

حَيْوَة، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَرَأَ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} [الْأَنْبِيَاء: 78] إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الْأَنْبِيَاء: 79]، قَالَ: فحَمِدَ سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يَلُمْ دَاوُدَ، وَلَوْلا مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هَذَيْنِ، لَرَأَيْتُ أَنَّ القُضَاةَ هَلَكُوا، فَإِنَّهُ أَثْنَى عَلَى هَذَا بِعِلْمِهِ، وَعَذَرَ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ. قَالَ الإِمَامُ: الاجْتِهَادُ هُوَ رَدُّ الْقَضِيَّةِ إِلَى مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ، فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْحَادِثَةُ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَى الْحُكْمِ فِيهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَحْكُمُ بِالسُّنَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فِي السُّنَّةِ، فَحِينَئِذٍ يَجْتَهِدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ».

قَوْلُهُ: «أجْتَهِدُ رَأْيِي» لَمْ يُرِدْ بِهِ الرَّأْيَ الَّذِي يَسْنَحُ لَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، أَوْ يَخْطُرُ بِبَالِهِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، بَلْ أَرَادَ بِهِ رَدَّ الْقَضِيَّةِ إِلَى مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «وَإِذَا اجتَهَدَ فأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ» لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَإِ، بَلْ يُؤْجَرُ فِي اجْتِهَادِهِ طَلَبَ الْحَقِّ، لأَنَّ اجْتِهَادَهُ عِبَادَةٌ، وَالإِثْمُ فِي الْخَطَإِ عَنْهُ مَوْضُوعٌ إِذَا لَمْ يَأْلُ جُهْدَهُ، وَهَذَا فِيمَنْ كَانَ جَامِعًا لآلَةِ الاجْتِهَادِ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلا لِلاجْتِهَادِ، فَهُوَ مُتَكَلِّفٌ لَا يُعْذَرُ بِالْخَطَإِ فِي الْحُكْمِ، بَلْ يُخَافُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ الْوِزْرِ، رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " القُضَاةُ ثَلاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ

فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الحقَّ فَجَارَ فِي الحُكمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ ". وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، إِذْ لَوْ كَانَ كلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّقْسِيمِ مَعْنًى، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ إِذَا اجْتَهَدَ مُجْتَهِدَانِ فِي حَادِثَةٍ فَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا، أَنَّ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، لأَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْحَادِثَةِ إِلا الاجْتِهَادَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالاجْتِهَادِ لإِصَابَةِ الْحَقِّ، فَإِنْ أَصَابَهُ أُجِرَ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ عُذِرَ، كَمَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، كُلِّفَ أَنْ يَجْتَهِدَ لِيُصِيبَ جِهَتَهَا، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا يَقِينًا عُذِرَ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ تَقْلِيدُ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ وَأَفْقَهَ حَتَّى يَجْتَهِدَ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ مُشَاوَرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْحَوَادِثِ، وَالْبَحْثِ عَنِ الدَّلائِلِ، ثُمَّ يَحْكُمُ بِمَا لاحَ لَهُ بِالدَّلِيلِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِرَسُولِهِ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمرَان: 159]، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مُشاوَرَةً لأصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

قَالَ الْحَسَنُ: إِنْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ لَغَنِيًّا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: وَالْمُشَاوَرَةُ قَبْلَ الْعَزْمِ وَالتَّبَيُّنِ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمرَان: 159]، فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَشَاوَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمَقَامِ وَالْخُرُوجِ، فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوجَ، فَلَمَّا لَبِسَ لأَمَتَهُ وَعَزَمَ، قَالُوا: أَقِمْ، فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ، وَقَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لأمَتَهُ، فَيَضَعَهَا حتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ». وَكَانَتِ الأَئِمَّةُ يَسْتَشِيرُونَ الأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا، فَإِذَا وَضَحَ الْكِتَابُ، أَوِ السُّنَّةُ، لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ مَجْلِسُ عُمَرَ مُغْتَصًّا مِنَ الْقُرَّاءِ، شَبَابًا كَانُوا أَوْ كُهُولا، فَرُبَّمَا اسْتَشَارَهُمْ، فَيَقُولُ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُشِيرَ بِرَأْيِهِ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ عَلَى قِدَمِ السِّنِّ، وَلا عَلَى حَدَاثَتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ». وَقَالَ مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: " خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ الْقَاضِي مِنْهُنَّ خَصْلَةً، كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ: أَنْ يَكُونَ فَهِمًا، حَلِيمًا، عَفِيفًا، صَلِيبًا، عَالِمًا، سَئُولا عَنِ الْعِلْمِ ". وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْقَضَاءَ، وَلا يَجُوزُ لِلإِمَامِ تَوْلِيَتُهُ. وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ جَمَعَ خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعِلْمِ: عِلْمَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعِلْمَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَاوِيلَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ، وَعِلْمَ اللُّغَةِ، وَعِلْمَ الْقِيَاسِ، وَهُوَ طَرِيقُ اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ عَنِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ إِذَا لَمْ يَجِدْهُ صَرِيحًا فِي نَصِّ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ.

فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ مَنْ عِلْمِ الْكِتَابِ النَّاسِخَ، وَالْمَنْسُوخَ، وَالْمُجْمَلَ، وَالْمُفَسَّرَ، وَالْخَاصَّ، وَالْعَامَ، وَالْمُحْكَمَ، وَالْمُتَشَابِهَ، وَالْكَرَاهِيَةَ، وَالتَّحْرِيمَ، وَالإِبَاحَةَ، وَالنَّدْبَ. وَيَعْرِفَ مِنَ السُّنَّةِ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، وَيَعْرِفَ مِنْهَا الصَّحِيحَ، وَالضَّعِيفَ، وَالْمُسْنَدَ، وَالْمُرْسَلَ، وَيَعْرِفَ تَرْتِيبَ السُّنَّةِ عَلَى الْكِتَابِ، وَتَرْتِيبَ الْكِتَابِ عَلَى السُّنَّةِ حَتَّى إِذَا وَجَدَ حَدِيثًا لَا يُوَافِقُ ظَاهِرُهُ الْكِتَابَ يَهْتَدِي إِلَى وَجْهِ مَحْمَلِهِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ بَيَانُ الْكِتَابِ، وَلا تُخَالِفُهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مَعْرِفَةُ مَا وَرَدَ مِنْهَا فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ دُونَ مَا عَدَاهَا مِنَ الْقَصَصِ وَالأَخْبَارِ وَالْمَوَاعِظِ. وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ مَا أَتَى فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فِي أُمُورِ الأَحْكَامِ دُونَ الإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ فِيهَا بِحَيْثُ يَقِفُ عَلَى مَرَامِزِ كَلامِ الْعَرَبِ فِيمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنَ اخْتِلافِ الْمَحَالِ، وَالأَحْوَالِ، لأَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لَا يَقِفُ عَلَى مُرَادِ الشَّرْعِ. وَيَعْرِفَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الأَحْكَامِ، وَمُعْظَمَ فَتَاوَى فُقَهَاءِ الأُمَّةِ حَتَّى يَقَعَ حُكْمُهُ مُخَالِفًا لأَقْوَالِهِمْ، فَيَكُونُ فِيهِ خَرْقُ الإِجْمَاعِ، وَإِذَا عَرَفَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأَنْوَاعِ مُعْظَمَهُ، فَهُوَ مُجْتَهِدٌ، وَلا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِهَا بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ نَوْعًا مِنْ هَذِهِ

باب شرائط قبول الشهادة

الأَنْوَاعِ، فَسَبِيلُهُ التَّقْلِيدُ، وَإِنْ كَانَ مُتَبَحِّرًا فِي مَذْهَبٍ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ، وَلا يَجُوزُ لَهُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ، وَلا التَّرَصُّدُ لِلْفُتْيَا، وَإِذَا جَمَعَ هَذِهِ الْعُلُومَ، وَكَانَ مُجَانِبًا لِلأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، مُدَّرِعًا بِالْوَرَعِ، مُحْتَرِزًا عَنِ الْكَبَائِرِ، غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَى الصَّغَائِرِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْقَضَاءَ، وَيَتَصَرَّفَ فِي الشَّرْعِ بِالاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الشَّرَائِطَ تَقْلِيدُهُ فِيمَا يَعِنُّ لَهُ مِنَ الْحَوَادِثِ. وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْقَضَاءَ، ثُمَّ يَقْضِي بِمَا يُفْتِي بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " كَانَ قُضَاةُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةً: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. فَكَانَ قَضَاءُ عُمَرَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَالأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَكَانَ يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَكَانَ قَضَاءُ عَلِيٍّ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَزَيْدٍ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَكَانَ يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَكَانَ زَيْدٌ يَأْخُذُ مِنْ عَلِيٍّ وَأُبَيٍّ مَا بَدَا لَهُ. بَابُ شَرَائِطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [الْبَقَرَة: 282]، وَقَالَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ: {

وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطَّلَاق: 2]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]. 2510 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ، يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ تَرْفَعُهُ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلا خَائِنَةٍ، وَلا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلا ظَنِينٍ فِي وَلاءٍ وَلا قَرَابَةٍ، وَلا الْقَانِعِ مَعَ أَهْلِ الْبَيْتِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَيَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ «وَلا مَجْلُودٍ حَدًّا» 2511 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ سُلَيْمَانُ حَمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ

السِّجِسْتَانِيُّ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جدِّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَدَّ شَهَادَةَ الْخَائِنِ وَالْخَائِنَةِ، وَذِي الْغِمْرِ عَلَى أَخِيهِ، وَرَدَّ شَهَادَةَ الْقَانِعِ لأَهْلِ الْبَيْتِ، وَأَجَازَهَا لِغَيْرِهِمْ» قَالَ الإِمَامُ: شَرَائِطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ سَبْعَةٌ: الإِسْلامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالْمُرُوءَةُ، وَانْتِفَاءُ التُّهْمَةِ، فَلَوْ شَهِدَ ذِمِّيٌّ عَلَى شَيْءٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الإِطْلاقِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَعْرُوفُونَ بِالْكَذِبِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ، فَكَيْفَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ مَعَ كَذِبِهِمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ! وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ جَائِزَةٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ تَجُوزُ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْمِلَّةِ، أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتِ الْمِلَّةُ بِأَنْ شَهِدَ يَهُودِيٌّ عَلَى

نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ، فَلا تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقَ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [الْمَائِدَة: 14]. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلَةٌ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِي السَّفَرِ خَاصَّةً، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [الْمَائِدَة: 106]، أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ. وَتَأَوَّلَ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ أَهْلَ الذِّمَّةِ قَوْلَهَ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [الْمَائِدَة: 106] أَيْ: مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْمُوصِي يُشْهِدُ أَقَارِبَهُ وَعَشِيرَتَهُ عَلَيْهَا دُونَ الأَجَانِبِ، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا التَّأْوِيلَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الْمَائِدَة: 106]، فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الْمَائِدَة: 106] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مِنْكُمْ} [الْمَائِدَة: 106]، أَيْ: مِنْ ذَوِي قَرَابَتِكُمْ. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الآيَةَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ، وَالْحَسَنِ، وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، وَقَالُوا: سُورَةُ الْمَائِدَةَ آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ. وَسَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ

السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَقَدُوا جَامَ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَجَدُوا الْجَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ، فَحَلَفَا: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [الْمَائِدَة: 106] الآيَةُ. وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمُ الآيَةَ عَلَى الْوَصِيَّةِ دُونَ الشَّهَادَةِ، لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ، وَعَدِيَّ بْنَ بَدَّاءٍ كَانَا وَصِيَّيْنِ لَا شَاهِدَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّفَهُمَا، وَالشُّهُودُ لَا يُحَلَّفُونَ، فَعَبَّرَ بِالشَّهَادَةِ عَنِ الأَمَانَةِ الَّتِي تَحَمَّلاهَا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [الْمَائِدَة: 106] أَيْ: أَمَانَةَ اللَّهِ. قَالَ الإِمَامُ: وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، لأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْوِلايَاتِ، وَالْعَبْدُ نَاقِصُ الْحَالِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَبِيدِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شُرَيْحٌ، وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إِلا لِسَيِّدِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبِيدِ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ.

وَلا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَجْنُونِ، لأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ فِي شَيْءٍ مَا، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الْبَقَرَة: 282]، وَقَالَ مَالِكٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ، عَلَى الْجِرَاحِ الَّتِي تَقَعَ فِي مَحَلِّ اجْتِمَاعِهِمْ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا، وَلا تُقْبَلُ فِي غَيْرِهَا، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَكَانَ شُرَيْحٌ يُجِيزُ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ قَالَ: لَا تَجُوزُ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [الْبَقَرَة: 282] وَالْعَدَالَةُ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَحَدُّهَا: أَنْ يَكُونَ مُحْتَرِزًا عَنِ الْكَبَائِرِ، غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَالْخَائِنُ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، لِفِسْقِهِ وَخُرُوجِهِ عَنِ الْعَدَالَةِ بِالْخِيَانَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا نَرَاهُ خَصَّ بِهِ الْخِيَانَةَ فِي أَمَانَاتِ النَّاسِ دُونَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَأَتمَنَهُمْ عَلَيْهِ، فَمَنْ ضَيَّعَ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، أَوْ رَكِبَ شَيْئًا مِمَّا نَهَاهُ اللَّهُ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدْلا، لأَنَّهُ لَزِمَهُ اسْمَ الْخِيَانَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ قَلِيلا يُمَحِّضُ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ، حَتَّى لَا يَخْلِطَهُمَا بِمَعْصِيَةٍ، وَلا يُمَحِّضُ الْمَعْصِيَةَ وَتَرْكَ الْمُرُوءَةِ، حَتَّى لَا يَخْلِطَهُمَا بِشَيْءٍ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْمُرُوءَةِ، فَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ الأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ الأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَخِلافَ الْمُرُوءَةِ، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا

مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوأً، لَمْ نَأْمَنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمُرُوءَةُ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ مَا يَتَّصِلُ بِآدَابِ النَّفْسِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّ تَارِكَهُ قَلِيلُ الْحَيَاءِ، وَهِيَ حُسْنُ الْهَيْئَةِ، وَالسِّيرَةِ وَالْعِشْرَةِ، وَالصِّنَاعَةِ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا يَسْتَحِي أَمْثَالُهُ مِنْ إِظْهَارِهِ فِي الأَغْلَبِ يُعْلَمُ بِهِ قِلَّةُ مُرُوءَتِهِ، وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا. قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَانْتِفَاءُ التُّهْمَةِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى الْعَدُوِّ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ، لأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ عَدُوِّهِ وَلا يُؤْمَنُ أَنْ تَحْمِلَهُ عَدَاوَتُهُ عَلَى إِلْحَاقِ ضَرَرٍ بِشَهَادَتِهِ، فَإِنْ شَهِدَ لِعَدُوِّهِ، تُقْبَلُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي عَدَاوَتِهِ مَا يُفَسَّقَ بِهِ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَا يُفَسَّقُ بِهِ كَانَ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعُمُومِ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى الْعَدُوِّ إِذَا كَانَ عَدْلا، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ رَدَّهُ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ شَهَادَةَ ذِي الْغِمْرِ عَلَى أَخِيهِ، وَذُو الْغِمْرِ: الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَالْغِمْرُ: الضِّغْنُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: " أَيُّمَا قَوْمٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِحَدٍّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْحَدِّ، فَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى ضِغْنٍ. فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَبَعْضُ النَّاسِ لَا يَقْبَلُ الشَّهَادَةَ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ، وَيَحْكُمُ بِسُقُوطِهَا دُونَ الْحُقُوقِ الَّتِي هِيَ لِلْعِبَادِ.

وَقَوْلُهُ: «وَلا ظَنِينٍ فِي وَلاءٍ وَلا قَرَابَةٍ»: هُوَ الْمُتَّهَمُ بِالانْتِسَابِ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَالانْتِمَاءِ إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] أَيْ: بِمُتَّهَمٍ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ يُظَنُّ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، أَيْ: يُتَّهَمُ. وَتُرَدُّ أَيْضًا شَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُتَّهَمُ فِي شَهَادَتِهِ بِأَنْ يَشْهَدَ لِوَالِدِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. قَوْلُهُ: «وَرَدَّ شَهَادَةَ الْقَانعِ لأَهْلِ الْبَيْتِ»، فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّابِعُ لَهُمْ، وَأَصْلُ الْقُنُوعِ: السُّؤَالُ، وَالْقَانِعُ: السَّائِلُ، يُقَالُ: قَنَعَ، يَقْنَعُ، قُنُوعًا: إِذَا سَأَلَ، وَيُقَالُ مِنَ الْقنَاعَةُ: قَنِعَ، يَقْنَعُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْقَانِعِ فِي الْحَدِيثِ: هُوَ الْمُنْقَطِعُ إِلَى الْقَوْمِ يخَدُمُهُمْ، وَيَكُونُ فِي حَوَائِجِهِمْ، فَهُوَ يَنْتَفِعُ بِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّفْعِ، فَيَصِيرُ بِشَهَادَتِهِ لَهُمْ جَارًا إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، فَلا يُقْبَلُ، كَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ بِشِرَاءِ دَارٍ وَهُوَ شَفِيعُهَا، أَوْ شَهِدَ لِلْمُفْلِسِ وَاحِدٌ مِنْ غُرَمَائِهِ بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ، أَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ، لَا تُقْبَلُ، لأَنَّ نَفْعَ شَهَادَتِهِ يَعُودُ إِلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَجَازَهُ الآخَرُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَلا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَلا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَجُوزُ عَلَيْهِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى جَوَازِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَاتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الأَخِ لِلأَخِ، وَسَائِرِ الأَقَارِبِ. وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ إِذَا كَانَ عَدْلا، وَقَالَ

مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقُرَوِيِّ، وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا، وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَ الآخِرِينَ، إِنْ ثَبَتَ، أَنَّهُمْ قَلَّمَا يَضْبِطُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا لِجَهْلِهِمْ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَقُصُورِ عِلْمِهِمْ عَمَّا يُحِيلُ الشَّهَادَةَ عَنْ جِهَتِهَا، فَإِنْ كَانَ ضَابِطًا فَطِنًا بَصِيرًا بِمَا يُؤَدِّيهِ مِنْهَا، فَلا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَرَوِيِّ. وَشَهَادَةُ الأَعْمَى مَقْبُولَةً فِيمَا يَثْبُتُ بِالسَّمَاعِ، أَوْ حَيْثُ انْتَفَتِ الرِّيبَةُ عَنْ شَهَادَتِهِ بِأَنْ أَقَرَّ رَجُلٌ لآخَرَ فِي أُذُنِهِ، فَتَمَسَّكَ بِهِ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ أَجَازَ شَهَادَتَهُ: الْقَاسِمُ، وَالْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ لَوْ شَهِدَ أَكُنْتَ تَرُدُّهُ؟ وَبَعْضُهُمْ أَجَازُوا إِذَا عَرَفَ بِالصَّوْتِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الأَعْمَى بِحَالٍ، ثُمَّ أَجَازَ شَهَادَةَ الْبَصِيرِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَأَجَازَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ متنقبة. وَالْقَاذِفُ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا تَابَ وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، سَوَاءُ أَتَابَ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ قَبْلَهُ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {4} إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [النُّور: 4 - 5] وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا جَلَدَ الثَّلاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ اسْتَتَابَهُمْ، فَرَجَعَ اثْنَانِ، فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا، وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَرْجِعَ، فَرَدَّ شَهَادَتَهُ، وَيُقَالُ: إِنَّ عُمَرَ قَالَ لأَبِي بَكْرَةَ: تُبْ، تُقْبَلْ شَهَادَتُكَ. أَوْ: إنْ تُبْتَ، قَبِلْتُ شَهَادَتَكَ. وَهُوَ

قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وقَالَ الشَّعْبِيُّ: يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، وَلا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ؟! وَقَالَ النَّخَعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ شَهَادَتُهُ لَا تُرَدُّ بِالْقَذْفِ، فَإِذَا حُدَّ فِيهِ، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلا تُقْبَلْ وَإِنْ تَابَ، ثُمَّ قَالُوا: يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِ، وَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا وُلِيَ الْقَضَاءَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَهُوَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ شَرٌّ مِنْهُ حِينَ يُحَدُّ، لأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ، فَكَيْفَ تَرُدُّونَهَا فِي أَحْسَنِ حَالَيْهِ، وَتَقْبَلُونَهَا فِي شَرِّ حَالَيْهِ؟! وَإِذَا قَبِلْتُمْ تَوْبَةَ الْكَافِرِ، وَالْقَاتِلِ عَمْدًا كَيْفَ لَا تَقْبَلُونَ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ وَهُوَ أَيْسَرُ ذَنْبًا؟! 2512 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِشَاهِدِ زُورٍ، فَوَقَفَهُ لِلنَّاسِ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ يَقُولُ: «هَذَا فُلانٌ شَهِدَ بِزُورٍ، فَاعْرِفُوهُ، ثُمَّ حَبَسَهُ» وَلا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ إِلا عَنْ عِلْمٍ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الْإِسْرَاء: 36] أَيْ: لَا تَتَّبِعْهُ.

ثُمَّ مِنَ الشَّهَادَاتِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرَّؤْيَةُ وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَتْلِ، وَالإِتْلافِ، وَمِنْهَا مَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالسَّمَاعِ مِثْلُ النَّسَبِ وَالأَمْلاكِ الْمُطْلَقَةِ، وَمِنْهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ السَّمَاعُ، وَالْمُعَايَنَةُ، مِثْل: الْعُقُودِ وَالأَقَارِيرِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مُشَاهَدَةُ الْعَاقِدِ، وَالْمُقِرِّ، وَسَمَاعُ قَوْلِهِمَا. وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِتْقِ، وَالْوَلاءِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْوُقُفِ أَنَّهَا هَلْ تَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ؟ فَأَثْبَتَها بَعْضُهُمْ كَالنَّسَبِ، وَلَمْ يُثْبِتْهَا بَعْضُهُمْ إِلا بِأَنْ يَسْمَعَ عَنِ الْمُبَاشِرِ مُشَاهَدَةً. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: إِنْ عَرَفْتَهَا، فَاشْهَدْ، وَإِلا فَلا، وَجَوَّزُوا شَهَادَةَ الْمُخْتَبِئِ. قَالَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ: كَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْكَاذِبِ الْفَاجِرِ. قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: لَمْ يُشهِدُونِي عَلَى شَيْءٍ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ كَذَا وَكَذَا. وَمَنْ أَقَامَ حُجةً عَلَى غَائِبٍ بِحَقٍّ بَيْنَ يَدَيِ الْقَاضِي، فَسَمِعَهَا، وَحَكَمَ بِهِ، وَكَتَبَ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْخَصْمِ، وَأَشْهَدَ عَلَى حُكْمِهِ، فَأَجَازَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.

وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ سَمَاعَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهَا الْحَكَمُ، بَلْ يَكْتُبُ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْخَصْمِ لِيَحْكُمَ عَلَى وَجْهِ الْخَصْمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَجَوَّزُوا إِذَا كَانَ لَهُ اتِّصَالٌ بِالْحَاضِرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كِتَابُ الْحَاكِمِ جَائِزٌ إِلا فِي الْحُدُودِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي جَائِزٌ إِذَا عُرِفَ الْكِتَابُ وَالْخَاتمُ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يُجِيزُ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقَاضِي، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ. وَكَانَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَسَنُ، وَثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، وَبِلالُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيُّ، وَعبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ يُجِيزُونَ كُتُبَ الْقُضَاةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ، فَإِنْ قَالَ الَّذِي جِيءَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ: إِنَّهُ زُورٌ، قِيلَ لَهُ: اذْهَبْ فَالْتَمِسِ الْمَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.

وَالْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ شَرْطٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِقَوْلِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْمُزَكِّيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمُقَوِّمُ. وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ تَزْكِيَةَ الْوَاحِدِ، قَالَ أَبُو جَمِيلَةَ: وَجَدْتُ مَنْبُوذًا فَاتَّهَمَنِي عُمَرُ، فَقَالَ: عريفي: إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، قَالَ: كَذَاكَ؟! اذْهَبْ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ.

فَأَمَّا الْقَائِفُ، فَوَاحِدٌ كَالْقَاضِي، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْقَاضِي لِسَانَ الْخَصْمِ، فَهَلْ يَكْتَفِي بِمُتَرْجِمٍ وَاحِدٍ؟ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ كَالشَّاهِدِ وَالْمُزَكِّيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَكْتَفِي بِمُتَرْجِمٍ وَاحِدٍ، «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لِيَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ، فَيَكْتُبُ إِلَيْهِمْ، وَيَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ».

باب من شهد قبل السؤال

وَقَالَ عُمَرُ، وَعِنْدَهُ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَاذَا تَقُولُ هَذِهِ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ: فَقُلْتُ: نُخْبِرُكَ بِصَاحِبِهَا الَّذِي صَنَعَ بِهَا، وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْخَارِصِ وَالْقَاسِمِ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ؟ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي الْمَسْمَعِ إِذَا كَانَ الْقَاضِي أَصَمَّ. بَابُ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ السُّؤَالِ 2513 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ. ح، وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ،

أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلا أُخْبِرَكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» هَذَا حَدِيثٌ اخْتُلِفَ عَلَى مَالِكٍ فِي رِوَايَتِهِ، فَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةِ هَكَذَا، وَقَالَ: عَنْ أَبِي عَمْرَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ. قَالَ أَبُو عِيسَى: وَهَذَا أَصَحُّ، لأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِد الْجُهَنِيِّ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَأَبُو عَمْرَةَ هُوَ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ. قَالَ الإِمَامُ: وقَدْ صَحَّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». قَالَ عِمْرَانُ: فَلا أَدْرِي أَقَالَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، «ثُمَّ يَكُونُ بَعْدهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ، وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَحْلِفُونَ، وَلا يُسْتَحْلَفُونَ».

قَالَ الإِمَامُ: إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا عَلَى آخَرَ، فَشَهِدَ بِهِ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَسْتَشْهِدَهُ الْحَاكِمُ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَلا حُكْمَ بِشَهَادَتِهِ، وَلا يَحْكُمُ بِهَا الْحَاكِمُ كَمَا لَا تُحْسَبُ يَمِينُهُ فِي قَطْعِ الْحُقُوقِ قَبْلَ اسْتِحْلافِ الْحَاكِمِ. وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، قِيلَ: أَرَادَ «بِخَيْرِ الشُّهَداءِ» أَنْ يَكُونَ عِنْدَ رَجُلٍ شَهَادَةٌ لِرَجُلٍ، وَلا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ، فَيُخْبِرُهُ بِهَا، وَلا يَكْتُمُهُ. وَقَوْلُهُ: «يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ» أَرَادَ بِهِ: إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَالِمًا بِهِ، فَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِهِ قَبْلَ الاسْتِشْهَادِ، وَقِيلَ: الأَوَّلُ فِي الأَمَانَةِ تَكُونُ لِلْيَتِيمِ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهَا غَيْرُهُ، فَيُخْبِرُهُ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالأَوَّلِ سُرْعَةَ إِجَابَةِ الشَّاهِدِ إِذَا اسْتُشْهِدَ لَا يَمْنَعُهَا وَلا يُؤَخِّرُهَا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [الْبَقَرَة: 282]، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الَّذِي عِنْدَهُ الشَّهَادَةِ، فَكُلُّ مَنْ تَحَمَّلَ شَهَادَةَ، فَدُعِيَ لأَدَائِهَا وَلا عُذْرَ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [

باب اليمين على نية المستحلف

الْبَقَرَة: 283] وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَ {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النِّسَاء: 135] أَيْ: لَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى فِرَارًا مِنْ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى لِتَعْدِلُوا، كَمَا يُقَالُ: لَا تتَّبِعَنَّ الْهَوَى لِتُرْضِيَ رَبَّكَ، أَيْ: أَنْهَاكَ عَنْهُ لِتُرْضِي رَبَّكَ. فَأَمَّا إِذَا دُعِيَ لِلتَّحَمُّلِ، وَثَمَّ مَنْ يَتَحَمَّلُهَا، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَلا يَجِب، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَتَحَمَّلُهَا، فَعَلَيْهِ الإِجَابَةُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ كَرَدِّ السَّلامِ، وَالصَّلاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَالْجِهَادِ. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: «يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ» أَرَادَ بِهِ شَهَادَةَ الزُّورِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «يَحْلِفُونَ وَلا يُسْتَحْلَفُونَ» أَرَادَ أَنْ يَحْلِف عَلَى شَيْءٍ هُوَ فِيهِ آثِمٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «ثُمَّ يَفْشُوا الْكَذِبُ» وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الشَّهَادَاتِ الَّتِي يَقْطَعُ بِهَا عَلَى الْمُغَيَّبِ، فَيُقَالُ: فُلانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفُلانٌ فِي النَّارِ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّأَلِّي عَلَى اللَّهِ، وَقَدْ زُجِرَ عَنْهُ. قَالَ الإِمَامُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ، مِنَ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَرُؤْيَةِ هِلالِ رَمَضَانَ، وَالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالطَّلاقِ، وَالْعِتَاقِ، وَنَحْوِهَا. وَقَوْلُهُ: «يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ» فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ مِنَ الْبُيُوعِ، وَالأَقَارِيرِ، وَالْقِصَاصِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَنَحْوِهَا، فَلا تَصِحُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ فِيهِ إِلا بَعْدَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى، وَمُسَأَلَةِ الْحَاكِمِ شَهَادَتَهُ بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي. بَابُ الْيَمِينِ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ 2514 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُسْلِمِ

بْنِ الْحَجَّاجِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي صَالِحٍ هُوَ أَخُو سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ مُسْلِمٍ. 2515 - نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» قَالَ أَبُو عِيسَى: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا، فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الْحَالِفِ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا، فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ.

باب تغليظ اليمين

وَقَوْلُهُ: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ صَاحِبُكَ»، أَيْ: يَجِبُ أَنْ تَحْلِفَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ إِذَا حَلَفْتَ. بَابُ تَغْلِيظِ اليَمينِ 2516 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بعدَ الْعَصْرِ، لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجلٍ مُسلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلَ يَدَاكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قِيلَ: إِنَّمَا خُصَّ بَعْدَ الْعَصْرِ بِالذِّكْرِ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ عَظَّمَ شَأْنَ هَذَا الْوَقْتِ، فَقَالَ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [الْبَقَرَة: 238]، فَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ الصَّلاةَ الْوُسْطَى صَلاةُ الْعَصْرِ، وَيَجْتَمِعُ فِيهَا مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَتُرْفَعُ فِيهَا الأَعْمَالُ الَّتِي اكْتَسَبَهَا الْعَبْدُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. وَمِمَّا يُؤَكِّدُ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ هَذَا الْوَقْتِ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [الْمَائِدَة: 106] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ صَلاةَ الْعَصْرِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ التَّاجِرِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُنْفِقُ مِنْ رِبْحٍ رَبِحَهُ، أَوْ فَضْلٍ اسْتَفْضَلَهُ فِي بَيَاضِ نَهَارِهِ، وَقَدْ يَتَّفِقُ أَنْ لَا يَرْبَحَ رِبْحًا وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَقْتُ مُنْصَرَفِهِ، فَإِذَا اتَّفَقَتْ لَهُ صَفْقَةٌ بَعْدَ الْعَصْرِ، حَرَصَ عَلَى إِمْضَائِهَا بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، لِيُنْفِقَ مِنَ الرِّبْحِ، وَلا يَنْصَرِفَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. قَالَ الإِمَامُ: إِذَا تَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى رَجُلٍ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ خَطَرَهُ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ عُقُوبَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ طَلاقٍ، أَوْ عِتَاقٍ، أَوْ مَالٍ بَلَغَ نِصَابًا، فَتُغَلَّظُ تِلْكَ الْيَمِينِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، فَالْمَكَانُ أَنْ يَحْلِفَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ إِنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهَا، فَتَحْتَ الْمِنْبَرِ فِي الْجَامِعِ، وَفِي الزَّمَانِ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَيُخَوَّفُ بِاللَّهِ، وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمرَان: 77] لِيَرْتَدِعَ إِنْ كَانَ فِيهَا مُبْطَلا. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [الْمَائِدَة: 106]، أَيْ: صَلاةِ الْعَصْرِ عَلَى تَأْكِيدِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَالِفِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ الْحُكَّامِ الْمَكِّيِّينَ وَمُفْتِيهِمْ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ، وَالْبَيْتِ، فَقَالَ: أَعَلَى دَمٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنَ

الأَمْرِ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَبْهَأَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَارِيَتَيْنِ ضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، فَكَتَبَ: أَنِ احْبِسْهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ اقْرَأْ عَلَيْهِمَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمرَان: 77] فَفَعَلْتُ، فَاعْتَرَفَتْ. وَكِتَابُ أَبِي بَكْرٍ الصِّديقِ: يَحْلِفُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ عُثْمَانَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَاتَّقَاهَا، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرٌ بَلاءً فَيُقَالُ بِيَمِينِهِ.

22 - كتاب القصاص

22 - كِتَابُ الْقِصَاصِ بَابُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الْإِسْرَاء: 33]. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النِّسَاء: 93] قَالَ: «لَا تَوْبَةَ لَهُ»، وَعَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الْفرْقَان: 68] فَقَالَ: كانَتْ هَذِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فيِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ

جَهَنَّمُ} [النِّسَاء: 93]. قَالَ: «إِلا مَنْ نَدِمَ». وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيرًا} [الْإِسْرَاء: 31]، يُقَالُ: خَطِئَ فِي مَعْنَى أَخْطَأَ، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: الْخَطِيئَةُ وَالْخَطَأُ: الإِثْمُ، يُقَالُ: خَطِئَ: إِذَا تَعَمَّدَ، وَأَخْطَأَ: إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ، وَالْخَطَأُ: الاسْمُ يَقُومُ مَقَامَ الإِخْطَاءِ، وَهُوَ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: الْقَصْرُ، وَهُوَ جَيِّدٌ، وَالْمَدُّ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ} [

الحاقة: 9] أَيْ: بِالْخَطَإِ الْعَظِيمِ، مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَاعِلَةٍ، وَالْخَطِيئَةُ عَلَى فَعِيلَةٍ، كَالنَّفِيعَةِ: بِمَعْنَى النَّفْعِ، وَالْعَذِيرَةِ: بِمَعْنَى الْعُذْرِ. وَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ ". 2517 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ،

عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٍ، كُلٌّ عَنِ الأَعْمَشِ 2518 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ المُزنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فِي الدَّارِ، قَالَ: وَبِمَ تَقْتُلُونِي؟! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلامِهِ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَيُقْتَلَ بِهَا "، فَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِليَّةٍ، وَلا إِسْلامٍ قَطُّ، وَوَاللَّهِ مَا أَحْبَبْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلا مُنْذُ هَدَانِي اللَّهُ لَهُ، وَلا قَتَلْتُ نَفْسًا، فَبِمَ تَقْتُلُونِي؟! 2519 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَاكِمِ الطُّوسِيُّ بِهَا، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصّغانِيُّ، نَا أَبُو يَحْيَى

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى الأَسَدِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَزَالُ الْمُؤمِنُ مُعْنِقًا صَالِحًا مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا بَلَّحَ». أَرَادَ بِالْمُعْنِقِ: خَفِيفَ الظَّهْرِ، يُعْنِقُ فِي مَشْيِهِ سَيْرَ الْمُخِفِّ، وَالْعَنَقُ: ضَرْبٌ مِنَ السَّيْرِ وَسِيعٍ. وَقَوْلُهُ: «بَلَّحَ» مَعْنَاهُ: أَعْيَا وَانْقَطَعَ، يُقالُ: بَلَّحَ الْفَرَسُ: إِذَا انْقَطَعَ جَرْيُهُ، وَبَلَحَتِ الرَّكِيَّةُ: انْقَطَعَ مَاؤُهَا. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ يُقَالُ: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا، وَأَحْيَا نَفْسًا، فَلَعَلَّهُ. 2520 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى

بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ 2521 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِ اخْتَلَفْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ ضَرْبَتَيْنِ، فَقَطَعَ يَدِي، فَلَمَّا أهْوَيْتُ إِلَيْهِ لأَضْرِبَهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: أَقْتُلُهُ أَمْ أَدَعُهُ؟ قَالَ: «بَلْ دَعْهُ» قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ قَطَعَ يَدِي؟ قَالَ: «وَإِنْ فَعَلَ»، فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ قَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فأَنْتَ مِثْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا، وَهُوَ مِثْلُكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ ".

باب إثم من قتل معاهدا

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ الإِمَامُ: يَتَمَسَّكُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يُكَفِّرُ الْمُسْلِمَ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ، وَهُمُ الْخَوَارِجُ، وَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْكُفْرِ، وَوَجْهُهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي إِبَاحَةِ الدَّمِ، لَا فِي الْكُفْرِ، لأَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا قَتَلَ مُسْلِمًا يَكُونُ دَمُهُ مُبَاحًا بِحَقِّ الْقِصَاصِ، كَمَا أَنَّ دَمَ الْكَافِرِ يَكُونُ مُبَاحًا بِحَقِّ الدِّينِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِفُ الإِيمَانَ، وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُ، سَوَاءُ كَانَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، أَوْ قَبْلَهُ. بَابُ إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا 2522 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبي بَكْرةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ

لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يَقْتُلُ نَفْسًا مُعَاهَدَةً إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَرَائِحَتَهَا أَنْ يَجِدَهَا». قَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَصَمَّ اللَّهُ أُذُنَيَّ إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»، وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: «مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا». قَوْلُهُ: «لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ»، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مِنْ رِحْتُ أَرَاحَ: إِذَا وَجَدَ الرِّيحَ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: لَمْ يَرِحْ بِكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ رِحْتُ، أُرِيحُ: إِذَا وَجَدَ الرِّيحَ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَمْ يُرِحْ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ قَوْلِكِ: أَرَحْتُ الشَّيْءَ، فَأَنَا أُرِيحُهُ: إِذَا وَجَدْتُ رِيحَهُ.

باب وعيد من قتل نفسه

بَابُ وَعِيدِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ 2523 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جِهنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ

الْوَهَّابِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ، كِلاهُمَا عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ 2524 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَحْمَدَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَيُّوبَ 2525 - نَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ الْهَرَوِيُّ بِهَا، أَنا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَأْمُونِ الْمُزْنِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ الْقَاضِي، إِمْلاءً، نَا أَبُو مُوسَى الزَّمِنُ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، نَا

جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا، وَلا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَرَجَ بِرَجُلٍ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أُرَابٌ فَجَزِعَ مِنْهُ، فَأَخْرَجَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ عَنْهُ الدَّمُ حتَّى مَاتَ، فَقَالَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، فَحَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجنَّةَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ جَرِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، عَنْ وَهْبِ

بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ: «خَرَجَ بِرَجُلٍ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خُرَّاجٌ» 2526 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حِبَّانُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ ممَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الإِسْلامَ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ، قَاتَلَ الرَّجُلُ مِنْ أَشَدِّ الْقِتَالِ، وَكَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحُ، فَأَثْبَتَتْهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ الَّذي تُحَدِّثُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَدْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَشَدِّ الْقِتَالِ، فَكَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحُ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ مِن أَهْلِ النَّارِ»، فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَرْتَابُ، فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ وَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ، فَانْتَزَعَ مِنْهَا سَهْمًا، فَانْتَحَرَ بِهَا، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ، قَدِ انْتَحَرَ فُلانٌ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا بِلالُ قُمْ فَأَذِّنْ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا

باب القصاص

مُؤْمِنٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بالرَّجُلِ الْفَاجِرِ ". وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: شَهِدْنَا حُنَيْنًا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «قَتَلَ رَجُلٌ نَفْسَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» بَابُ القِصَاصِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [الْبَقَرَة: 178] قَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ القِصَاصُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي

الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [الْبَقَرَة: 178]، أَيْ: تُرِكَ لَهُ، وَصُفِحَ عَنْهُ، فَالْعَفْوُ: أَنْ يَقبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ، وَيَتْرُكَ الْقِصَاصُ. وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [الْبَقَرَة: 178]، أَيْ: مَنْ جُعِلَ لَهُ مِنْ مَالِ أَخِيهِ، يَعْنِي: الْقَاتِلَ دِيَةٌ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [الْبَقَرَة: 178]، يَعْني: يَتَّبعُ الطَّالِبُ بِالْمَعْرُوفِ، فَلا يَطْلُبُ أَكْثَرَ مِمَّا أُوجِبَ لَهُ مِنَ الدِّيةِ، وَيُؤَدِّي الْمَطْلُوبَ بِإِحْسَانٍ، وَقِيلَ: {مِنْ أَخِيهِ} [الْبَقَرَة: 178] يَعْنِي بَدَلَ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ} [الزخرف: 60]، أَيْ: بَدَلَكُمْ. {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [الْبَقَرَة: 178] مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الْبَقَرَة: 178] قَتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [الْبَقَرَة: 179]، أَرَادَ أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ يُقَصُّ مِنْهُ، كَفَّ عَنِ الْقَتْلِ، فَفِيهِ حَيَاتُهُ وَحَيَاةُ الْمَقْصُودِ قَتْلُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:

حَيَاةُ مَنْفَعَةٍ، يُقَالُ: لَيْسَ بِفُلانٍ حَيَاةٌ، أَيْ: لَيْسَ عِنْدَهُ خَيْرٌ وَلا شَرٌّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبي شُرَيْحٍ الْكَعْبيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ ". وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِيارَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ بَيْنَ الْقِصَاصِ، أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ، وَلا يُعْتَبَرُ رِضَا الْقَاتِلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الاخْتِلافَ فِيهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَلَى حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ. 2527 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْجَشْمِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَوْفٍ، نَا حَمْزَةُ أَبُو عُمَرَ الْعَائِدِيُّ، حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ، حَدَّثَنِي وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جِيءَ بِرَجُلٍ قَاتِلٍ فِي عُنُقِهِ النّسعة، قَالَ: فَدَعَا وَلِيَّ الْمَقْتُولِ،

فَقَالَ: «تَعْفُو؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَتَأْخُذُ الدِّيَةَ؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «أَفَتَقْتُلُ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اذْهَبْ بِهِ»، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ: «أَتَعْفُو؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «أَفَتَأْخُذُ الدِّيَةَ»، قَالَ: لَا، قَالَ: «أَفَتَقْتُلُ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اذْهَبْ بِهِ»، فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ: «أَمَا إِنَّكَ إِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ صَاحِبِهِ»، قَالَ: فَعَفا عَنْهُ، قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ يَجُرُّ النِّسْعَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ، وَبَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ مَجَّانًا. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا لَوْ عَفَا مُطْلَقًا هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ أَمْ لَا؟ أَصَحُّ قَوْلَيْهِ: أَنَّهُ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ إِلا أَنْ يَعْفُوَ عَلَى الدِّيَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ حَالَةٌ فِي مَالِ الْجَانِي، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَتَشَفَّعَ إِلَى وَلِيِّ الدَّمِ فِي الْعَفْوِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا رأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رُفِعَ إِلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إِلا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ». وَفِيهِ إِبَاحَةُ الاسْتِيثَاقِ وَالرِّبَاطِ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إِذَا خِيفَ انْفِلاتُهُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عُفِيَ عَنْهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ، وَلا يُعَزَّزُ، حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يُضْرَبُ بَعْدَ الْعَفْوِ مِائَةً، وَيُحْبَسُ سَنَةً. وَقَوْلُهُ: «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ صَاحِبِهِ»، يَقُولُ: يَبُوءُ، أَيْ: يَتَحَمَّلُ إِثْمَهُ فِيمَا قَارَفَ مِنَ الذُّنُوبِ سِوَى الْقَتْلِ، وَلَوْ قُتِلَ رُبَّمَا كَانَ الْقَتْلُ كَفَّارَةً لَهُ، وَ «إِثْمُ صَاحِبِهِ»، أَيْ: يَتَحَمَّلُ إِثْمَهُ فِي قَتْلِ صَاحِبِهِ، فَأَضَافَ الإِثْمَ إِلَى صَاحِبِهِ، لِكَوْنِ قَتْلِهِ سَبَبًا لإِثِمْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشُّعَرَاء: 27] أَضَافَ الرَّسُولُ إِلَيْهِمْ،

وَإِنَّمَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ. وَرُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلرَّجُلِ: «خُذْهُ» فَخَرَجَ بِهِ لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ إِنْ قَتَلَهُ كَانَ مِثْلَهُ». قِيلَ: مَعْنَاهُ كَانَ مِثْلَهُ فِي حُكْمِ الْبَوَاءِ، أَيْ: صَارَا مُتَسَاوِيَيْنِ، لَا فَضْلَ لِلْمُقْتَصِّ إِذَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ رَدْعَهُ عَنْ قَتْلِهِ، لأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ، فَلَوْ قَتَلَهُ الْوَلِيُّ، كَانَ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَيْهِ مِثْلُهُ لَوْ ثَبَتَ مِنْهُ الْقَصْدُ فِي الْقَتْلِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُتِلَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِعَ الْقَاتِلُ إِلَى وَلِيِّهِ، فَقَالَ الْقَاتِلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنْ كَانَ صَادِقًا، فَقَتَلْتَهُ، دَخَلْتَ النَّارَ»، فَخَلاهُ الرَّجُلُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ جَرَى عَلَيْهِ قَتْلٌ، هُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ فِيهِ، لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ وَلِيُّ الدَّمِ، كَانَ آثِمًا وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَالْقَتْلُ عَلَى ثَلاثَةِ أَنْوَاعٍ: عَمْدٌ مَحْضٌ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَ كُفْئِهِ، بِمَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا، فَيَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ مُغلَّظةً فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً. وَالثَّانِي: شِبْهُ الْعَمْدِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يَمُوتَ مِثْلُهُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الضَّرْبِ غَالِبًا، بِأَنْ ضَرَبَهُ بِعَصًا خَفِيفٍ، أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ ضَرَبَةً أَوْ

باب وجوب القصاص على من قتل بالحجر

ضَرْبَتَيْنِ، فَمَاتَ، لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ مُؤَجَّلَةً إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ، فَإِنْ كَانَ الْمَضْرُوبُ صَغِيرًا، أَوْ مَرِيضًا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا، لَوْ كَانَ قَوِيًّا، وَلَكِنَّ الضَّارِبَ وَالَى عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ حَتَّى مَاتَ، يَجِبُ الْقَوَدُ. وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: الْخَطَأُ الْمَحْضُ هُوَ أَنْ لَا يَقْصِدَ ضَرْبَهُ، إِنَّمَا قَصَدَ غَيْرَهُ، فَأَصَابَهُ، أَوْ حَفْرَ بِئْرَ عُدْوَانٍ، فَتَرَدَّى فِيهَا إِنْسَانٌ، أَوْ نَصَبَ شَبَكَةً حَيْثُ لَا يَجُوزُ، فَتَعَلَّقَ بِهَا رَجُلٌ وَمَاتَ، فَلا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلاثِ سِنِينَ. بَابُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِالْحَجَرِ 2528 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الزُّرَقِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ، فأَخَذَهَا يَهُودِيٌّ، فَرَضَخَ رَأْسَهَا، وَأَخَذَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُلِيِّ

فأُدْرِكَتْ وَبِهَا رَمَقٌ، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَكِ؟ فُلانٌ؟»، قَالَتْ: بِرَأْسِهَا: لَا، قَالَ: «فُلانٌ؟ حتَّى سَمَّى الْيَهُودِيَّ»، فَقَالَتْ بِرَأْسِهَا: نَعَمْ، فَأُخِذَ فَاعْتَرَفَ، فأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرُضِخَ رأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، كِلاهُمَا عَنْ همَّامٍ قَوْلُهُ: «عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ»، قَالَ أَبُو عُبَيْدِ: يَعْنِي: حُلِيَّ فِضَّةٍ. قَالَ غَيْرُهُ: سُمِّيَتْ أَوْضَاحًا لِبَيَاضِ لَوْنِهَا، وَالْوُضُحُ: الْبَيَاضُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، كَمَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلا مَا حُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، أَنَّهُمَا قَالا: لَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَجَرِ الْمُثَقَّلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَلَمْ يُوجِبْ بَعْضُهُمُ الْقِصَاصَ، إِذَا كَانَ الْقَتْلُ بِالْمُثَقَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَلَوْ أَوْجَرَهُ سُمًّا قَاتِلا يَجِبُ الْقَوَدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ. وَلَوْ جَعَلَ السُّمَّ فِي طَعَامٍ، فَأَطْعَمَهُ الْغَيرَ، فَأَكَلَهُ جَاهِلا بِالْحَالِ، فَمَاتَ، أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْقَوَدَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، أَمَا إِذَا وَضَعَ الطَّعَامَ الْمَسْمُومَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ: كُلْ، فَأَكَلَهُ، فَمَاتَ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اعْتِبَارِ جِهَةِ الْقَتْلِ، فَيُقْتَصُّ مِنَ الْقَاتِلِ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، فَإِنْ قُتِلَ بِحَجَرٍ، أَوْ رُمِيَ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ، أَوْ تَحْرِيقٌ، أَوْ تَغْرِيقٌ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ فِعْلِهِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ إِلا بِالسَّيْفِ، هُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهَذَا إِذَا قَتَلَهُ بِطَرِيقٍ، أَذِنَ الشَّرْعُ فِي اسْتِعْمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، كَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ، وَالتَّحْرِيقِ، أَذِنَ الشَّرْعُ فِي فِعْلِهِ بِالْكُفَّارِ إِذَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ فِي الْجِهَادِ، وَكَذَلِكَ إِجْرَاءُ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ، وَهَدْمُ الْبِنَاءِ، وَالرَّمْيُ مِنَ الشَّوَاهِقِ، وَنَحْوُهَا، فَأَمَّا إِذَا قَتَلَ رَجُلا بِإِيجَارِ الْخَمْرِ، أَوِ ارْتَكَبَ مِنْهُ فَاحِشَةً، فَكَانَ فِيهَا هَلاكُهُ، أَوْ بِالسِّحْرِ فَلا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، بَلْ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، لأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُرِدْ بِإِبَاحَتِهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَسَائِرُ الأَفْعَالِ تَحْرِيمُهَا مِنْ أَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَالتَّعَدِّي عَلَى الْغَيْرِ، فَإِذَا فَعَلَ، جُوزِيَ بِمِثْلِهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [الْبَقَرَة: 194].

باب القصاص في الأطراف

بَابُ الْقِصَاصِ فِي الأَطْرَافِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [الْمَائِدَة: 45]. 2529 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ، فَأَبَوْا، فَعَرَضُوا الأَرْشَ، فَأَبَوْا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَوْا إِلا الْقِصَاصَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ لَا وَالَّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ». فَرَضِيَ الْقَوْمُ، فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ أُمَّ حَارِثَةَ جَرَحَتْ إِنْسَانًا قَوْلُهُ: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ»، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [الْمَائِدَة: 45] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [الْمَائِدَة: 45] وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ شَرَائِعَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لازِمَةٌ لَنَا مَا لَمْ يُرِدِ النَّسْخُ فِي شَرْعِنَا، وَقِيلَ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النَّحْل: 126] إِلَى قَوْلِهِ {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [الْمَائِدَة: 45]، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ يَقْرَؤُهُ مَرْفُوعًا عَلَى طَرِيقِ الابْتِدَاءِ. وَقِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ، مَعْنَاهُ: فَرْضُ اللَّهِ الَّذِي فَرَضَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّ كُلَّ طَرَفٍ لَهُ مَفْصِلٌ مَعْلُومٌ، قَطَعَهُ مِنْ مَفْصِلِهِ مِنْ إِنْسَانٍ يَقْتَصُّ مِنْهُ كَالأُصْبُعِ يَقْطَعُهَا، أَوِ الْيَدِ يَقْطَعُهَا مِنَ الْكُوعِ، أَوْ مِنَ الْمِرْفَقِ، أَوِ الرِّجْلِ يَقْطَعُهَا مِنَ الْمَفْصِلِ، يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ، أَوْ قَطَعَ لِسَانَهُ، أَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ، أَوْ أُذُنَهُ، أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ، أَوْ جَبَّ ذَكَرَهُ، أَوْ قَطَعَ أُنْثَيَيْهِ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَو شَجَّهُ مُوضِحَةً

فِي رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ، يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلَوْ جَرَحَ رَأْسَهُ دُونَ الْمُوضِحَةِ، أَوْ جَرَحَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْ بَدَنِهِ، أَوْ هَشَمَ الْعَظْمَ، فَلا قَوَدَ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْكُوعِ، وَيَأْخُذَ حُكُومَةً مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ. لَا قَوَدَ فِي اللَّطْمَةِ، وَالْخَمْشَةِ، إِنَّمَا فِيهَا التَّعْذِيرُ تَأْدِيبًا، وَالْحُكُومَةُ إِنْ بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا: الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُقَادُ مِنَ اللَّطْمَةِ، وَالضَّرْبَةِ بِالسَّوْطِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ. رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ أَقَادَ مِنْ لَطْمَةٍ، وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَأَقَادَ عُمَرُ مِنْ ضَرْبَةٍ بِالدِّرَّةِ، وَأَقَادَ عَلِيٌّ مِنْ ثَلاثَةٍ أَسْوَاطٍ، وَحَمَلَ هَذَا مَنْ لَمْ يُوجِبْ بِهِ الْقَوَدَ عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ. وَاقْتَصَّ

شُرَيْحٌ مِنْ سَوْطٍ، وَخَمُوشٍ، وَأَقَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ الْمُنَقِّلَةِ، وَأَقَادَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مِنْ كَسْرِ الْفَخِذِ، وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى فِيهِ الْقَوَدَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حضير، " بَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ يُضْحِكُهُمْ وَكَانَ فِيهِ مُزَاحٌ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ، فَقَالَ: أَصْبِرْنِي. فَقَالَ: اصْطَبِرْ. فَقَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا، وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ. فَرَفَعَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَمِيصِهِ،

فَاحْتَضَنَهُ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ". قَوْلُهُ: «أَصْبِرْنِي»، أَيْ: أَقِدْنِي، وَاصْطَبِرْ: أَيِ: اسْتَقِدْ. رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَما رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ قَسْمًا أَقْبَلَ رَجُلٌ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُرْجُونٍ كَانَ مَعَهُ، فَجُرِحَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَالَ فَاسْتَقِدْ». فَقَالَ: بَلْ عَفَوْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ، وَلا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، فَمَنْ فَعَلَ، فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ أُقِصَّهُ مِنْهُ». فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَوْ أَنَّ رَجُلا أَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتَهُ أَتُقِصُّهُ مِنْهُ؟ قَالَ: «إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَلا أُقِصُّهُ مِنْهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَصَّ مِنْ نَفْسِهِ».

باب لا يقتل مؤمن بكافر

بَابُ لَا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بكافِرٍ 2530 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح،، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا هَلْ عِنْدَكُمْ مِنَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: " لَا وَالَّذي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِلا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بِكَافِرٍ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ 2531 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، أَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عبادٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ». 2532 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو مُحَمَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْقَزَّازُ، نَا هَانِئُ بْنُ يَحْيَى، نَا قَزْعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقِيَ دَرَجَ الْبَيْتِ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، هِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ، لَا يُخْتَلَى

خَلاهَا، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا تُلْتَقَطُ لُقَتَطُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ»، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلا الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِبُيُوتِنَا وَمَوْتَانَا. فَقَالَ: «إِلا الإِذْخِرَ، الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَلا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، وَلا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ». قَوْلُهُ: «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ»، فَمَعْنَى الْيَدِ: النُّصْرَةُ، وَالْمَعُونَةُ بِالْمُحَارَبَةِ مَعَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَالْمُعَاوَنَةُ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَإِذَا اسْتُنْفِرُوا، فَعَلَيْهِمُ النَّفِيرُ، وَلا يَسَعُهُمُ التَّخَلَّفُ، وَالتَّخَاذُلُ. قَوْلُهُ: «تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ»، يُرِيدُ أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْقِصَاصِ، يُقَادُ الشَّرِيفُ مِنْهُمْ بِالْوَضِيعِ، وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ، وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ شَرِيفًا، أَوْ عَالِمًا، وَالْقَاتِلُ وَضِيعًا جَاهِلا، لَا يُقْتَلُ بِهِ غَيْرُ قَاتِلِهِ عَلَى خِلافِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانُوا

لَا يَرْضَوْنَ فِي دَمِ الشَّرِيفِ بِالاسْتِقَادَةِ مِنْ قَاتِلِهِ الْوَضِيعِ حَتَّى يَقْتُلُوا عِدَّةً مِنْ قَبِيلَةِ الْقَاتِلِ. وَقَوْلُهُ: «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ»، مَعْنَاهُ: أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا آمَنَ كَافِرًا، حَرُمَ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَمُهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُجِيرُ أَدْنَاهُمْ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا، أَوِ امْرَأَةً، أَوْ عَسِيفًا تَابِعًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلا تُخْفَرُ ذِمَّتُهُ. وَقَوْلُهُ: «وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ»، مَعْنَاهُ: أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ قَاصِيَ الدَّارِ عَنْ بِلادِ الْكُفْرِ، إِذَا عَقَدَ لِلْكَافِرِ عَقْدَ الأَمَانِ، لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ نَقْضُهُ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ دَارًا مِنَ الْمَعْقُودِ لَهُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِم عَلَى قَاعِدِهِمْ»، فَالْمُشِدُّ: الْقَوِيُّ، وَالْمُضْعِفُ: مَنْ كَانَتْ دَوَابُّهُ ضِعَافًا، وَجَاءَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ الْمُضْعِفُ: أَمِيرِ الرُّفْقَةِ يُرِيدُ أَنَّ النَّاسَ يَسِيرُونَ بِسَيْرِ الضَّعِيفِ لَا يَتَقَدَّمُونَهُ، فَيَتَخَلَّفُ عَنْهُمْ، وَيَبْقَى بِمَضْيَعَةٍ. وَالْمُتَسَرِّي: الَّذِي يَخْرُجُ فِي السَّرِيَّةِ، مَعْنَاهُ: أَنْ يَخْرُجَ الْجَيْشُ، فَيُنِيخُوا بِقُرْبِ دَارِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ تَنْفَصِلُ مِنْهُمْ سَرِيَّةٌ، فَيَغْنَمُوا، يَرُدُّونَ مَا غَنِمُوهُ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ هُمْ ردء لَهُمْ، لَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ، بَل يَكُونُونَ جَمِيعًا شُرَكَاءَ فِيهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «وَيَرُدُّ عَلَيْهمْ أَقْصَاهُمْ»، فَأَمَّا مَنْ أَقَامَ بِبَلَدَةِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ، فَلا شِرْكَةَ لَهُ فِيهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ، سَوَاءٌ كَانَ الْكَافِرُ ذِمِّيًّا لَهُ عَهْدٌ مُؤَبَّدٌ، أَوْ مُسْتَأْمِنًا وَعَهْدَهُ إِلَى مُدَّةٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ

الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ»، أَيْ: بِكَافِرِ حَرْبِيٍّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ «وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ»، وَذُو الْعَهْدِ يُقْتَلُ بِذِي الْعَهْدِ، إِنَّمَا لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ، وَقَالُوا: تَقْدِيرُ الْكَلامُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ، وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ». ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: قَوْلُهُ: «لَا يُقْتَلُ مُؤمنٌ

بِكَافِرٍ» كَلامٌ تَامٌّ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، فَلا وَجْهَ لِضَمِّهِ إِلَى مَا بَعْدِهِ، وَإِبْطَالِ حُكْمِ ظَاهِرِهِ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ صَحِيفَةِ عَلِيٍّ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ ذِي الْعَهْدِ، فَهُوَ عَامٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْكُفَّارِ أَنْ لَا يُقْتَلَ بِهِ مُؤْمِنٌ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، فَكَانَ الذِّمِّيُّ، وَالْمستأمن، وَالْحَرْبِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ: «وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ»، أَرَادَ بِهِ أَنَّ ذَا الْعَهْدِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ ابْتِدَاءً، مَا دَامَ فِي الْعَهْدِ، وَفِي ذِكْرِ الْمُعَاهِدِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ ابْتِدَاءً فَائِدَةٌ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا أَسْقَطَ الْقَوَدَ عَنِ الْمُسْلِمِ إِذَا قَتَلَ الْكَافِرَ، أَوْجَبَ ذَلِكَ تَوْهِينَ حُرْمَةِ دِمَاءِ الْكُفَّارِ، فَلَمْ يُؤْمَنْ مَنْ وُقُوعِ شُبْهَةٍ لِبَعْضِ السَّامِعِينَ فِي حُرْمَةِ دِمَائِهِمْ، وَإِقْدَامِ الْمُسْرِعِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَتْلِهِمْ، فَأَعَادَ الْقَوْلَ فِي حَظْرِ دِمَائِهِمْ دَفْعًا لِلشُّبْهَةِ، وَقَطْعًا لِتَأْوِيلِ الْمُتَأَوِّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ، فَمُنْقَطِعٌ، لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَاتِلَ كَانَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضمرِي، وَكَانَ قَدْ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَتْرُوكٌ، لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْمَقْتُولَ الْكَافِرَ كَانَ رَسُولا، فَيَكُونُ مُسْتَأْمَنًا، وَلا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْمُسْتَأْمَنِ بِالاتِّفَاقِ، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ»، فَصَارَ الأَوَّلُ بِهِ مَنْسُوخًا.

باب الحر يقتل بالعبد

بَابُ الْحُرِّ يُقْتَلُ بالْعَبْدِ 2533 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ، قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ، جَدَعْنَاهُ، وَمَنْ أَخْصَى عَبْدَهُ، أَخْصَيْنَاهُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْحُرِّ إِذَا قَتَلَ عَبْدًا، أَوْ قَطَعَ طَرَفًا مِنْهُ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ

قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ، أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَتَلَ عَبْدَ الْغَيْرِ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَحُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ الْحَسَنَ نَسِيَ الْحَدِيثَ، فَكَانَ يَقُولُ: لَا يُقْتَلُ حُرٌ بِعَبْدٍ. وَمَنْ لَمْ يَرَ فِيهِ الْقِصَاصَ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ، وَحَمَلَهُ عَلَى الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ دُونَ الإِيجَابِ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَنْ كَانَ عَبْدًا لَهُ، وَقَدْ أَعْتَقَهُ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَوْلَى إِذَا قَتَلَ مُعْتِقَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ طَرَفَ الْحُرِّ لَا يُقْطَعُ بِطَرَفِ الْعَبْدِ، فَثَبَتَ بِهَذَا الاتِّفَاقِ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ، وَالرَّدْعِ، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقِصَاصِ فِي الأَطْرَافِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَجْرِي فِي الأَطْرَافِ عَلَى السَّلامَةِ عَلَى حسب مَا يُجْرَى فِي النُّفُوسِ، فَيُقْطَعُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ، وَلا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، وَلا الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، كَمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَيُقْطَعُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ، وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا كَمَا يُقْتَلُ بِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيُّ. وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ: تُقَادُ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فِي كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْجِرَاحِ. وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَأَبُو

الزِّنَادِ، عَنْ أَصْحَابِهِ. وَجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبَيِّعِ إِنْسَانًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْقِصَاصُ». وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي فِي الأَطْرَافِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَلا بَيْنَ الْعَبِيدِ، وَلا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، إِنَّمَا يُجْرَى بَيْنَ حُرَّيْنِ أَوْ حُرَّتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَيْسَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قَوَدٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْجِرَاحِ إِلا أَنَّ الْعَبْدَ إِنْ قَتَلَ الْحُرَّ عَمْدًا قُتِلَ بِهِ. وَقَالَ الْحَكَمُ: لَا يُقَادُ الْعَبْدُ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَرْحٍ عَمْدٍ وَلا خَطَإٍ إِلا فِي قَتْلٍ عَمْدٍ. وَذَكَرَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتِ الأَطْرَافُ فِي السَّلامَةِ، فَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعِ شَلاءَ، وَيَدُ الْقَاطِعِ صَحِيحَةً، فَلا قِصَاصَ بِالاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلاءَ، وَيَدُ الْمَقْطُوعِ سَلِيمَةً، فَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ لَهُ الْخِيَارُ بِالاتِّفَاقِ، إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِنْ يَدِهِ الشَّلاءِ، وَلا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْقِصَاصَ، وَأَخَذَ دِيَةَ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعِ نَاقِصَةً بِأُصْبُعٍ، وَيَدُ الْقَاطِعِ كَامِلَةَ الأَصَابِعِ، فَلا يُقْتَصُّ مِنْ يَدِهِ، وَلَكِنْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَقِطَ أَرْبَعَةً مِنْ أَصَابِعِهِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ نَاقِصَةً بِأُصْبُعٍ، وَيَدُ الْمَقْطُوعِ كَامِلَةً، فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ الْقَاطِعِ، وَيَأْخُذُ دِيَةَ أُصْبُعٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قَطَعَ يَدَهُ فَلا شَيْءَ لَهُ مِنَ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلاءَ، فَرَضِيَ بِقَطْعِهَا. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْقِصَاصَ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي

الأَطْرَافِ بِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ غُلامًا لأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلامٍ لأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ، فَأَتَى أَهْلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أُنَاسٌ فُقَرَاءُ. فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا. قَالَ الإِمَامُ: وَتَأْوِيلُ هَذَا أَنَّ الْغُلامَيْنِ كَانَا حُرَّيْنِ، وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً، أَوْ كَانَا غَيْرَ بَالِغَيْنِ، وَدِيَةُ الْخَطَإِ تَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ، فَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَانِي لَوْ كَانَ عَبْدًا، كَانَ الأَرْشُ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ، وَلا يبْطُلُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِإِعْسَارِ أَهْلِهِ، وَإِذَا جَنَى عَبْدٌ عَلَى عَبْدٍ، أَوْ عَلَى حُرٍّ خَطَأً، أَوْ عَمْدًا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، أَوْ عَفَا عَلَى الْمَالِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُوجِبُهُ، أَوْ أَتْلَفَ مَالا يَتَعَلَّقُ الأَرْشُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي، فَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِنِ اخْتَارَ الْفِدَاءَ، فَعَلَيْهِ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي، أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ، فَبِيعَ، فَإِنْ وَفَّى ثَمَنُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ يُسَلَّمُ إِلَى وَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كَانَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَلَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلا ذَلِكَ، وَإِذَا أَعْتَقَهُ مَوْلاهُ، عُتِقَ، وَعَلَى الْمَوْلَى أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ ضَمَانُ جِنَايَتِهِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ فِي الْعَبْدِ يَقْتُلُ خَطَأً ثُمَّ يُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ، قَالَ: الدِّيَةُ عَلَى السَّيِّدِ، وَيُقْتَلُ الْمُكَاتَبُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ بِالْعَبْدِ الْقِنِّ، وَالْعَبْدُ بِهِمَا، لأَنَّهُمَا رَقِيقَانِ. وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ». وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ

شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَبَعْضُهُمْ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: «لَا يُقَادُ وَاحِدٌ مِنَ الْوَالِدَيْنِ بِالْوَلَدِ، وَلا يُحَدُّ بِقَذفِهِ، وَيُقَادُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، وَيُحَدُّ بِقَذْفِهِ»، وَيُرْوَى عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلا يُقَادُ بِالْوَلَدِ الْوَالِدُ». 2534 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبْجَرَ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رَمْثَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى أَبِي الَّذِي بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ: دَعْنِي أُعَالِجُ الَّذِي بِظَهْرِكَ، فَإِنِّي طَبِيبٌ. فَقَالَ: «أَنْتَ رَفِيقٌ». وقَالَ

باب قتل الجماعة بالواحد

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا مَعَكَ؟»، قَالَ: ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ. فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلا تَجْنِي عَلَيْهِ». وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «أَنْتَ رَفِيقٌ، وَاللَّهُ الطَّبِيبُ» قَوْلُهُ: «أَنْتَ رَفِيقٌ»، مَعْنَاهُ: أَنَّكَ تَرْفُقُ بِالْمَرِيضِ، فَتَحْمِيهِ مَا تَخْشَى أَنْ لَا يَحْتَمِلَهُ بَدَنُهُ، وَتُطْعِمُهُ مَا تَرَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ، وَالطَّبِيبُ: هُوَ الْعَالِمُ بِحَقِيقَةِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، وَالْقَادِرُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، ثُمَّ تَسْمِيَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ، أَنْ يُذْكَرَ فِي حَالِ الاسْتِشْفَاءِ، مِثْل أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمُصِحُّ وَالْمُمْرِضُ، وَالْمُدَاوِي، وَالطَّبِيبُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَأَمَّا أَنْ تَقُولَ: يَا طَبِيبُ افْعَلْ كَذَا، كَمَا تَقُولُ: يَا حَلِيمُ، يَا رَحِيمُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُفَارِقٌ لأَدَبِ الدُّعَاءِ. بَابُ قَتْلِ الجَمَاعَةِ بالواحِدِ 2535 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، أَنَّ عُمرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَتَلَ نَفَرًا

خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ وَاحِدٍ، قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «لَوْ تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا». وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ وَقَالَ مُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ أَرْبَعَةً قَتَلُوا صَبِيًّا، فَقَالَ عُمَرُ مِثْلَهُ. قَوْلُهُ: «قَتَلُوهُ غِيلَةً» أَيْ: حِيلَةً، يُقَالُ: اغْتَالَنِي فُلانٌ، إِذَا

احْتَالَ بِحِيلَةٍ يُتْلِفُ بِهَا مَالَهُ، وَيُقَالُ: الْغِيلَةُ هِيَ أَنْ يَخْدَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى مَوْضِعٍ يَخْتَفِي فِيهِ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ، يُقَالُ: لَا تَنْفَعُ حِيلَةٌ مِنْ غِيلَةٍ، وَالْفَتْكُ: هُوَ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلَ وَهُوَ غَافِلٌ، فَيَشُدُّ عَلَيْهِ، فَيَقْتُلُهُ، وَقَوْلُهُ: «لَوْ تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ» أَيْ: تَعَاوَنُوا وَاجْتَمَعُوا، وَالْمَلأُ: الْجَمَاعَةُ مِنْ أَشْرَافِ الْقَوْمِ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ، وَلا مَالأْتُ عَلَى قَتْلِهِ»، أَيْ: مَا سَاعَدْتُ، وَلا عَاوَنْتُ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ عَلَى قَتْلِ وَاحِدٍ، يُقْتَلُونَ بِهِ قِصَاصًا، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا قِصَاصَ أَصْلا. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَيَقْتُلَهُ، وَيَأْخُذَ مِنَ الْبَاقِينَ حِصَّتَهُمْ مِنَ الدِّيَةِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُعَاذٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ. وَلَوْ قَطَعَ جَمَاعَةٌ يَدَ وَاحِدٍ، أَوْ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يُقْطَعُونَ بِهِ كَمَا يُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، قَالَ مُطَرِّفٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ: فَقَطَعَهُ عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالا: أَخْطَأْنَا، فَأَبْطَلَ شَهَادَتَهُمَا، وَأَخَذَ بِدِيَةِ الأَوَّلِ، وَقَالَ: «لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا»، وَإِلَيْهِ

ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: إِنَّمَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، إِذَا وُجِدَ فِعْلُ الْكُلِّ فِي قَطْعِ جَمِيعِ الْيَدِ، بِأَنْ وَضَعُوا السِّكِّينَ عَلَيْهَا، وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ حَتَّى أَبَانُوا الْيَدَ، فَأَمَّا إِذَا قَطَعَ وَاحِدٌ مِنْ جَانِبٍ، وَالآخَرُ مِنْ جَانِبٍ حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ، فَلا تُقْطَعُ أَيْدِيهِمَا بِهِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الأَطْرَافَ لَا تُقْطَعُ بِطَرَفِ وَاحِدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَوْ قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، يُقْتَلُ الْقَاتِلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ دِيَةُ الْبَاقِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ وَاحِدٌ أَيْدِيَ جَمَاعَةٍ، تُقْطَعُ يَدُهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمْ، وَعَلَيْهِ دِيَةُ الْبَاقِينَ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ يُقْتَلُ الْوَاحِدُ بِالْجَمَاعَةِ، وَلا يَجِبُ شَيْءٌ مِنَ الدِّيَةِ، كَمَا يُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ. وَلَوْ قَطَعَ أَيْدِيَ جَمَاعَةٍ، تُقْطَعُ يَدُهُ بِهِمْ جَمِيعًا، وَيُكَمِّلُ حُقُوقَهُمْ بِالدِّيَةِ، وَإِذَا اشْتَرَكَ رَجُلانِ فِي قَتْلِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأَحَدُهُمَا مُخْطِئٌ، فَلا قِصَاصَ عَلَى الْعَامِدِ فِي النَّفْسِ بِالاتِّفَاقِ. وَلَوْ شَارَكَ الأَبُ أَجْنَبِيًّا فِي قَتْلِ الْوَلَدِ، فَلا قِصَاصَ عَلَى الأَبِ، وَيُقْتَلُ بِهِ الأَجْنَبِيُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ الأَبِ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى شَرِيكِ الْخَاطِئِ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ شُبْهَةَ الأُبُوَّةِ فِي ذَاتِ الأَبِ، وَذَاتُهُ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ ذَاتِ شَرِيكِهِ، فَلَمْ تَصِرْ شُبْهَةً فِي حَقِّ الشَّرِيكِ، وَشُبْهَةُ نَفْسِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُوصَفُ الْفِعْلُ بِالْخَطَإِ، وَفِعْلُ الْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ مُجْتَمِعَانِ فِي مَحَلِّ الْقَتْلِ، فَانْتَصَبَ شَبَهةً فِي مَنْعِ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ. وَلَوْ أَمْسَكَ رَجُلا حَتَّى قَتَلَهُ الآخَرُ، فَلا قَوَدَ عَلَى الْمُمْسِكِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ امْرَأَةً حَتَّى زَنَى بِهَا آخَرُ، لَا حَدَّ عَلَى الْمُمْسِكِ، وَقَالَ مَالِكٌ:

باب الدية

إِذَا أَمْسَكَهُ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ، قُتِلا جَمِيعًا، وَإِنْ أَمْسَكَهُ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ الضَّرْبَ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الضَّارِبُ، وَيُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ، وَيُسْجَنُ سَنَةً. بَابُ الدِّيَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النِّسَاء: 92]. 2536 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلا إِنَّ فِي قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَإِ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا مِائَةً مِنَ الإِبِلِ مُغَلَّظَةً، مِنْهَا أَربَعُونَ خلفة فِي بُطُونِهَا أَوْلادُهَا»

قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ ثُمَّ هِيَ فِي الْعَمْدِ الْمَحْضِ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةٌ، وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ، وَفِي الْخَطَإِ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ، وَالتَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ يَكُونُ فِي أَسْنَانِ الإِبِلِ، فَالدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ أَثْلاثٌ، مِنْهَا ثَلاثُونَ حِقَّةً، وَثَلاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلادُهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ أَرْبَاعٌ: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. أَمَّا دِيَةُ الْخَطَإِ، فَأَخْمَاسٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَقْسِيمِهَا، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً. حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبْدَلَ قَوْمٌ بَنِي اللَّبُونِ بِبَنِي الْمَخَاضِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ عِشْرِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرِينَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكُورٍ، وَعِشْرِينَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرِينَ

جَذَعَةً، وَعِشْرِينَ حِقَّةً». وَعَدَلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا، لأَنَّ خِشْفَ بْنَ مَالِكٍ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ إِلا بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَدَى قَتِيلَ خَيْبَرَ بِمِائَةٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ». وَلَيْسَ فِي أَسْنَانِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ ابْنُ مَخَاضٍ، إِنَّمَا فِيهَا ابْنُ لَبُونٍ، عِنْدَ عَدَمِ بِنْتِ الْمَخَاضِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ أَرْبَاعٌ: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَثْلاثًا: ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ حِقَّةً، وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ ثَنِيَّةً إِلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلِّهَا خِلْفَةٌ. قَالَ الإِمَامُ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فِي الْقَتْلِ، وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَكُونُ إِلا عَمْدًا مَحْضًا، أَوْ خَطَأً مَحْضًا، فَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ، فَلا يُعْرَفُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَيَسْتَدِلُّ أَبُو حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالْمُثَقَّلِ شِبْهُ عَمْدٍ، لَا يُوجِبُ

الْقِصَاصَ، وَلا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ، لأَنَّ الْحَدِيثَ فِي السَّوْطِ وَالْعَصَا الْخَفِيفِ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ، وَذَلِكَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِ السِّيَاطِ وَالْعِصِيِّ أَنَّهَا تَكُونُ خَفِيفَةً، وَالْقَتْلُ الْحَاصِلُ بِهِ يَكُونُ قَتْلا بِطَرِيقِ شِبْهِ الْعَمْدِ، فَأَمَّا الْمُثَقَّلُ الْكَبِيرُ، فَمُلْحَقٌ بِالْمُحَدَّدِ الَّذِي هُوَ مُعَدُّ لِلْقَتْلِ. 2537 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَعَطَاءٍ، قَالُوا: «أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى أَنّ دِيَةَ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ، فَقَوَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تِلْكَ الدِّيةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ، أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَدِيَةُ الْحُرَّةِ المُسْلِمَةِ إِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى خَمْسُ مِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ سِتَّةُ آلافِ دِرْهَمٍ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي أَصَابَهَا مِنَ الأَعْرَابِ، فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ مِنَ الإِبِلِ لَا يُكَلَّفُ الأَعْرَابِيُّ الذَّهَبَ وَلا الْوَرِقَ» قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الدِّيَةِ، وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ فِيهَا

مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الأَصْلَ فِيهَا الإِبِلُ، فَإِذَا أَعْوَزَتْ تَجِبُ قِيمَتُهَا مَا بَلَغَتْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُقِيمُ الإِبِلَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَع مِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ عِدْلَهَا مِنَ الْوَرِقِ، وَيُقَسِّمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الإِبِلِ، فَإِذَا غَلَتْ، رَفَعَ فِي قِيمَتِهَا، وَإِذَا هَانَتْ نَقَصَ، وَبَلَغَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ أَرْبَعِ مِائَةِ دِينَارٍ إِلَى ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَعِدْلِهَا مِنَ الْوَرِقِ ثَمَانِيَةِ آلافِ دِرْهَمٍ». وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ عُمَرَ عَلَى أَنَّ قِيمَةَ الإِبِلِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ فِي زَمَانِهِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَلْفَ دِينَارٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ «كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ مِائَةِ دِينَارٍ، وَثَمَانِيَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ»، قَالَ: " فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّ الإِبِلَ قَدْ غَلَتْ، قَالَ: فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاةِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ ". وَقَالَ: «وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ».

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى التَّقْدِيرِ بِالَّذِي قَدَّرَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ إِعْوَازِ الإِبِلِ، فَأَوْجَبَ أَلْفَ دِينَارٍ، أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ، «فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا». وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الدِّيَةِ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ، أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا مِائَةٌ

باب دية الأعضاء

مِنَ الإِبِلِ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ: عَلَى أَهْلِ الإِبِلِ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ أَلْفُ دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَةُ حُلَّةٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ فِي الْبَقَرِ، وَالْغَنَمُ، وَلَمْ يُوجِبِ الآخَرُونَ الْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ وَالْحُلَلَ فِي الدِّيَةِ. وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ فِي دِيَةِ الأَعْضَاءِ، وَدِيَةُ الْخَطَإِ تُغَلَّظُ فِي ثَلاثِ مَوَاضِعَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ: إِذَا قَتَلَ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ، أَوْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، أَوْ قَتَلَ ذَا رَحِمٍ مُحْرِمٍ، فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي قَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ. وَكَذَلِكَ فِي بَدَلِ الطَّرَفِ، وَإِذَا أَوْجَبَ الْبَدَلَ الْمُقَدَّرَ مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَوِ الدَّنَانِيرِ زَادَ عَلَيْهِ الثُّلُثَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى فِي امْرَأَةٍ، وُطِئَتْ بِمَكَّةَ بِدِيَةٍ وَثُلُثٍ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُمَا سُئِلا: أَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ؟ فَقَالا: لَا، وَلَكِنْ تُزَادُ لِلْحُرْمَةِ. فَقِيلَ لِسَعِيدٍ: " هَلْ تُزَادُ فِي الْجِرَاحِ كَمَا تُزَادُ فِي النَّفْسِ؟ قَالَ: نَعَمْ. بَابُ دِيةِ الأَعضَاءِ 2538 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ،

عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الْعُقُولِ: «أَنَّ فِي النَّفسِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَفِي الأَنْفِ إِذَا أُوعِيَ جَدْعًا مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ، وَفِي الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا، وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ، وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ، وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ ممَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ»

قَوْلُهُ: «أُوعِيَ جَدْعًا»، وَيُرْوَى «أُوعِبَ جَدْعًا» أَيِ: اسْتَؤْصِلَ جَدْعًا. 2539 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ» وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَرِ وَالإِبْهَامِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ وَيُرْوَى عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الأَصَابِعُ سَوَاءٌ، وَالأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ»، وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَ الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءً»

2540 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ غَالِبٍ التَّمَّارِ، سَمِعْتُ أَوْسَ بْنَ مَسْرُوقٍ، أَوْ مَسْرُوقَ بْنَ أَوْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَصَابِعُ سَوَاءٌ» قُلْتُ: عَشْرٌ عَشْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ». وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ: مَسْرُوق بْنُ أَوْسٍ 2541 - وَرُوِيَ عَنْ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فِي الْمَوَاضِحِ خَمسٌ خَمْسٌ، وَفِي الأَسْنَانِ خَمْسٌ خَمْسٌ، وَفِي الأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ» قَالَ الإِمَامُ: ثَلاثَةُ عَشَرَ عُضْوًا فِي الْبَدَنِ يَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَمَالُ دِيَةِ النَّفْسِ، أَحَدُهَا: مَارِنُ الأَنْفِ: وَهُوَ مَا لانَ مِنْهَا إِذَا قُطِعَ كُلُّهَا، فَفِيهَا كَمَالُ بَدَلِ النَّفْسِ، وَهُوَ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ،

وَفِي رَوْثَةِ الأَنْفِ بِقَدْرِهَا مِنَ الدِّيَةِ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي رَوْثَةِ الأَنْفِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الرَّوْثَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: فِي الْوَتَرَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَهِيَ الْحَاجِزُ بَيْنَ الْمِنْخَرَيْنِ. الثَّانِي: أَجْفَانُ الْعَيْنَيْنِ: وَهِيَ الْجُلُودُ الَّتِي تَنْطَبِقُ عَلَى الْحَدَقَةِ يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي جَفْنَيْ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ. الثَّالِثُ: الأُذُنَانِ فِيهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُهَا. الرَّابِعُ: الشَّفَتَانِ، وَهِيَ الْمُتَجَافِي مِمَّا يَسْتُرُ اللَّثَةَ مِنْ أَعْلَى وَأَسْفَلَ مُسْتَدِيرًا بِالْفَمِ، فَفِيهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، يَسْتَوِي فِيهِ الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى، وَإِنْ كَانَ الشَّيْنُ فِي قَطْعِ بَعْضِهَا أَكْثَرَ، كَالْيَدَيْنِ، يَسْتَوِيَانِ فِي الدِّيَةِ مَعَ تَفَاوُتِهمَا فِي الْمَنْفَعَةِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فِي الشِّفَةِ السُّفْلَى ثُلُثَا الدِّيَةِ. الْخَامِسُ: اللِّسَانُ. وَالسَّادِسُ: الأَسْنَانُ يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الدِّيَةِ، فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ. وَالسَّابِعُ: اللَّحْيَانِ، وَهُمَا الْعَظْمَانِ الْمُتَقَابِلانِ عَلَيْهِمَا نَبَاتُ الأَسْنَانِ السُّفْلِي، وَمُلْتَقَاهُمَا الذَّقَنُ، فَفِيهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَوْ قَلَعَهُمَا وَعَلَيْهِمَا الأَسْنَانُ، فَعَلَيْهِ دِيَتُهُمَا، وَلِكُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ.

وَالثَّامِنُ: الْيَدَانِ، يَجِبُ فِيهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفَهَا، وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ يَقْطَعُهَا عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ، وَكَذَلِكَ أَصَابِعُ الرِّجلِ، وَإِذَا قَطَعَ أُنْمُلَةً مِنْ أَنَامِلِهِ، فَفِيهَا ثُلُثُ دِيَةِ أُصْبُعٍ، إِلا أُنْمَلَةَ الإِبْهَامِ، فَفِيهَا نِصْفُ دِيَةِ إِصْبَعٍ، لأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إِلا أُنْمُلَتَانِ، وَلا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنَامِلِ الْيَدِ أَوِ الرِّجْلِ. وَالتَّاسِعُ: الرِّجْلانِ، فِيهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُهَا. وَالْعَاشِرُ: الأَلْيَتَانِ: وَهُمَا مَا أَشْرَفَ عَلَى الظَّهْرِ مِنَ الْمَأْكَمَتَيْنِ إِلَى اسْتِوَاءِ الْفَخْذَيْنِ، فَإِذَا قَطَعَ مَا أَشْرَفَ مِنْهَا يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْعَظْمِ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُهَا. وَالْحَادِي عَشَرَ: الْحَشْفَةُ مِنَ الرَّجُلِ، إِذَا قَطَعَهَا يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَإِذَا قَطَعَ بَعْضَهَا، فَفِيهَا بِقَدْرِهَا. وَالثَّانِي عَشَرَ: الأُنْثَيَانِ يَجِبُ فِيهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، سَوَاءُ قَطَعَ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى، كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لَا يُفَضَّلُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى. وَالثَّالِثَ عَشَرَ: إِذَا كَسَرَ صُلْبَهُ، بِحَيْثُ لَمْ يُطِقِ الْمَشْيَ، فَفِيهَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَلَوْ ضَرَبَ عَلَى يَدِهِ، أَوْ رِجْلِهِ، أَوْ ذَكَرِهِ، أَوْ أُذُنِهِ، أَوْ أَجْفَانِهِ، أَوْ لِسَانِهِ، أَوْ شَفَتَيْهِ، فَأَشَلَّهَا، فَهُوَ كَقَطْعِهَا فِي وُجُوبِ دِيَتِهَا. وَلَوْ ضَرَبَهُ، فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ، يَجِبُ فِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَذْهَبَ بَصَرَهُ، أَوْ سَمْعَهُ، أَوْ شَمَّهُ، أَوْ ذَوْقَهُ، أَوْ كَلامَهُ بِجَمِيعِ حُرُوفِهِ يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الدِّيَةِ. وَفِي بَصَرِ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ، أَوْ سَمْعِ إِحْدَى الأُذُنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الأُخْرَى مِنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ صَحِيحَةً أَوْ عَمْيَاءَ. وَقَالَ

مَالِكٌ: إِذَا فُقِئَتْ مِنَ الأَعْوَرِ عَيْنُهُ الصَّحِيحَةُ يَجِبُ فِيهَا كَمَالُ الدِّيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ. وَفِي شُفْرَيِ الْمَرْأَةِ دِيَتُهَا، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، وَفِي حَلمَتَيْ ثَدْيِهَا دِيَتُهَا، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، وَفِي حَلَمَتَيْ ثَدْيِ الرَّجُلِ قَوْلانِ، أَحَدُهُمَا: يجَبُ كَمَالُ دِيَتِهِ كَمَا فِي حَلَمَتَيِ الْمَرْأَةِ. وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ إِلا الْحُكُومَةُ، لأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا مِنَ الرَّجُلِ، وَفِيهَا مَنْفَعَةُ الرِّضَاعَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ. وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْحَدِيثَ يُفَاوِتُ بَيْنَ دِيَاتِ الأَصَابِعِ لِتَفَاوُتِ مَنَافِعِهَا، فَيَجْعَلُ فِي الإِبْهَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ عَشْرًا، وَفِي الْبِنْصرِ تِسْعًا، وَفِي الْخِنْصَرِ سِتًّا، إِلَى أَنْ وَجَدَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنَ الإِبِلِ» فَأَخَذَ بِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَجْعَلُ فِيمَا أَقْبَلَ مِنَ الأَسْنَانِ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسًا، وَفِي الأَضْرَاسِ بَعِيرًا بَعِيرًا. وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَالأَسْنَانِ، وَأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنَ الإِبِلِ، وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، كَمَا جَعَلُوا دِيَةَ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، وَالضَّعِيفِ وَالْقَوِيِّ سَوَاءً. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُتَصَوَّرُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ عَشْرُ جُرَاحَاتٍ: الْحَارِصَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ، وَتَخْدِشُهُ، يُقال: حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ: إِذَا شَقَّهُ.

وَالدَّامِيَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُدْمِي. وَالْبَاضِعَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُبْضَعُ الْجِلْدَ وَتَقْطَعُهُ. وَالْمُتَلاحِمَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَغُورُ فِي اللَّحْمِ. وَالْمِلْطَاةُ: وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إِلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَتُسَمَّى سمحاقا، فَيَجِبُ فِي هَذِهِ الْخُمْسُ الْحُكُومَةُ. وَالْمُوضِحَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ، فَيَجِبُ فِيهَا خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُوضِحَةُ صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً، وَلَوْ أَوْضَحَهُ مَوَاضِحَ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مُنْفَصِلَةٍ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، يَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى اللَّحْيَ الأَسْفَلَ، وَالأَنْفَ مِنَ الرَّأْسِ فِي جِرَاحِهِمَا، لأَنَّهُمَا عَظْمَانِ مُنْفَرِدَانِ. وَالسَّابِعَةُ: الْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمِ وَتَكْسِرُهُ، فَيَجِبُ فِيهَا عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ، فَإِنْ هَشَّمَ مِنْ غَيْرِ إِيضَاحٍ، فَفِيهَا خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ. وَالْمُنَقَّلَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَنْقِلُ الْعظم، فَفِيهَا خَمْسَةُ عَشَرَ مِنَ الإِبِلِ. وَالْمَأْمُومَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إِلَى خَرِيطَةِ الدِّمَاغِ، وَتُسَمَّى آمَّةً، لأَنَّهَا بَلَغَتْ أُمَّ الرَّأْسِ، فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَالْعَاشِرَةُ: الدَّامِغَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ الْخَرِيطَةَ، فَتَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ، فَلا تُتَصَوَّرُ الْحَيَاةُ بَعْدَهُ، فَيَجِبُ فِيهَا كَمَالُ دِيَةُ النَّفْسِ، وَتَجِبُ فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَهِيَ أَنْ يَضْرِبَ فِي ظَهْرِهِ، أَوْ بَطْنِهِ، أَوْ صَدْرِهِ، فَتَنْفُذُ إِلَى جَوْفِهِ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنَ الْجَانِبِ الآخَرِ، فَهِيَ جَائِفَتَانِ، فَفِيهِمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ، فَأَمَّا الْمُوضِحَةُ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، فَتُوجِبُ الْحُكُومَةَ،

وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَرَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ سِوَى السِّنِّ مِنْ ضِلْعٍ أَوْ تُرْقُوَةٍ، أَوْ قَطَعَ يَدًا شَلاءَ، أَوْ لِسَانًا أَخْرَسَ، أَوْ قَلَعَ حَدَقَةَ أَعْمَى، أَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدَةً، أَوْ سِنًّا شَاغِيَةً، يجَبُ فِيهَا الْحُكُومَةُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي التُّرْقُوَةِ بِجَمَلٍ، وَفِي الضِّلْعِ بِجَمَلٍ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ: فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ مِائَةُ دِينَارٍ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ الْحُكُومَةِ، وَالْحُكُومَةُ هِيَ أَنْ يُقَالَ: لَو كَانَ هَذَا الْمَجْرُوحُ عَبْدًا كَمْ كَانَ يَنْتَقِصُ بِهَذِهِ الْجِرَاحَةِ مِنْ قِيمَتِهِ، فَيَجِبُ مِنْ دِيَتِهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ. وَحُكُومَةُ كُلِّ عُضْوٍ لَا تَبْلُغُ بَدَلَهُ الْمُقَدَّرَ حَتَّى لَوْ جَرَحَ رَأْسَهُ جِرَاحَةً

دُونَ الْمُوضِحَةِ، لَا تَبْلُغُ حُكُومَتُهَا أَرْشَ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ قَبِحَ شِينُهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: كُلُّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنَ الأَعْضَاءِ، فَفِيهَا ثُلُثُ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ. وَلَوْ قَطَعَ كَفًّا لَا أُصْبُعَ عَلَيْهَا، فَفِيهَا الْحُكُومَةُ، وَلَوْ قَطَعَ يَدًا صَحِيحَةً مِنَ الْكُوعِ، فَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ فِي دِيَةِ الأَصَابِعِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَا تَجِبُ فِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ مَا لَمْ يَقْطَعْهَا مِنَ الْمَنْكِبِ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى خِلافِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ قَدَمًا لَا أَصَابِعَ عَلَيْهَا، فَفِيهَا الْحُكُومَةُ، فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً، فَفِيهَا الدِّيَةُ وَحُكُومَةُ الْقَدَمِ تَتْبَعُهَا، فَإِنْ قَطْعَ الْيَدَ مِنَ الْمِرْفَقِ، أَوِ الرِّجْلِ مِنَ الرُّكْبَةِ، فَفِيهَا الدِّيَةُ مَعَ حُكُومَةٍ لِلسَّاعِدِ وَالسَّاقِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْيَدِ الشَّلاءِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا، أَنَّهُ قَالَ: «فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ»، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ «قَضَى فِي التَّرْقُوةِ بِجَمَلٍ، وَفِي الضِّلْعِ بِجَمَلٍ». وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ عُمَرَ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْحُكُومَةِ، لَا أَنَّ فِيهَا بَدَلا مُقَدَّرًا. وَدِيَةُ أَطْرَافِ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ أَطْرَافِ الرَّجُلِ عِنْدَ أَكْثَرِ

باب دية أهل الكتاب

أَهْلِ الْعِلْمِ، وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: الْمَرْأَةُ تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إِلَى ثُلُثِ دِيَتِهَا، وَمِثْلُهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ الدِّيَةِ، كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِيهَا عَلَى النِّصْفِ مِنَ الرَّجُلِ حَتَّى قَالُوا: فِي ثَلاثِ أَصَابِعَ مِنْهَا ثَلاثُونَ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي أَرْبَعِ أَصَابِعَ عِشْرُونَ. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الثُّلُثِ، فَإِذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَعَلَى النِّصْفِ. وَبَدَلُ أَطْرَافِ الْعَبْدِ يُعْتَبَرُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ، حَتَّى لَوْ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ، فَفِيهَا كَمَالُ قِيمَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ فِيهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْبَهَائِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ: فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ، وَالْجَائِفَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ ثَمَنِهِ، وَفِيمَا سِوَى هَذِهِ الأَرْبَعِ مِمَّا يُصَابُ مِنَ الْعَبْدِ قَدْرَ مَا نقص مِنْ ثَمَنِهِ. بَابُ دِيَةِ أَهلِ الْكِتَابِ 2542 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ الْعَبْدِيِّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، نَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَامَ الْفَتْحِ، ثمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا حِلْفَ فِي الإِسْلامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ الإِسْلامَ لَا يَزِيدُهُ إِلا شِدَّةً، الْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقصَاهُمْ، يَرُدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعِيدَتِهِمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، لَا جَلَبَ وَلا جَنَبَ، وَلا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلا فِي دُورِهِمْ» قَوْلُهُ: «لَا حِلْفَ فِي الإِسْلامِ» قَدْ صَحَّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حِلْفَ فِي الإِسْلامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِليَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلامُ إِلا شِدَّةً». قَالَ الْخَطَّابِيُّ: «لَا حِلْفَ فِي الإِسْلامِ» يُرِيدُ عَلَى مَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانُوا يَتَوَاضَعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِآرَائِهِمْ. قَالَ الإِمَامُ: كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِمَعْنَى الأُخُوَّةِ يَبْنُونَ عَلَيْهَا أَشْيَاءَ جَاءَ الشَّرْعُ بِإِبْطَالِهَا، وَالأُخُوَّةُ فِي الإِسْلامِ

ثَابِتَةٌ عَلَى حُكْمِ الشَّرْعِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «حَالَفَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي». قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَعْنَى حَالَفَ، أَيْ: آخَى، وَإِلا فَلا حِلْفَ فِي الإِسْلامِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ الإِمَامُ: يَعْنِي عَلَى مَا كَانَ مِنْ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ إِذَا كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهِدًا، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ دِيَتَهُ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ دِيَتَهُ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَحْمَدُ، غَيْرَ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا لَمْ يُقَدْ بِهِ، وَيُضَاعَفُ عَلَيْهِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ دِيَتَهُ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَهُوَ قَوْلُ

سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلافِ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِ مِائَةِ. وَهَذَا قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، إِنَّ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الإِمَامُ: وَدِيَةُ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ إِذَا دَخَلُوا إِلَيْنَا بِأَمَانٍ مِثْلُ دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ. وَقَوْلُهُ: «لَا جَلَبَ وَلا جَنَبَ»، فَالْجَلَبُ يَكُونُ فِي شَيْئَيْنِ: يَكُونُ فِي سِبَاقِ الْخَيْلِ، وَهُوَ أَنْ يَتْبَعَ الرَّجُلَ فَرَسَهُ، وَيَجْلبُ عَلَيْهِ، وَيَزْجُرُهُ الزَّجْرَ الَّذِي يَزِيدُ فِي شَأْوِهِ، فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُرْكِضَا فَرَسَيْهِمَا بِتَحْرِيكِ اللِّجَامِ، وَالاسْتِحْثَاثَ بِالضَّرْبِ بِالسَّوْطِ مِنْ غَيْرِ إِجْلابٍ بِالصَّوْتِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنْ يَجْتَمِعَ قَوْمٌ، فَيَصْطَفُّوا وُقُوفًا مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَيَجْلِبُوا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْجَلَبِ فِي الصَّدَقَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَقْدَمَ السَّاعِي، فَيَنْزِلَ مَوْضِعًا، ثُمَّ يُرْسِلُ إِلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي لِيَجْلِبُوا إِلَيْهِ مَوَاشِيهِمْ، فَيَأْخُذُ صَدَقَتَهَا، فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يَحْضُرُ السَّاعِي دُورَهُمْ، فَإِذَا أَوْرَدُوا الْمَاشِيَةَ الْمَاءَ، أَخَذَ صَدَقَتَهَا عَلَى مِيَاهِهَا، وَإِذَا جَزَأَتِ الْمَاشِيةُ عَنِ الْمَاءِ حَضَرَ بُيُوتَهُمْ، فَأَخَذَهَا فِي أَفْنِيَتِهِمْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «وَلا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلا فِي دُورِهِمْ». وَأَمَّا الْجَنَبُ، فَيُفَسَّرُ أَيْضًا عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: هُوَ أَنْ يَجْنُبَ فَرَسًا

باب دية الجنين

عُرْيًا إِلَى فَرَسِهِ الَّذِي يُسَابِقُ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا فَتَرَ الْمَرْكُوبُ، تَحَوَّلَ مِنْهُ إِلَى الْمَجْنُوبِ، يُقَالُ: جَنُبْتُ الْفَرَسَ أَجْنُبُهُ: إِذَا قُدْتُهُ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الصَّدَقَةِ وَهُوَ أَنَّ أَرْبَابَ الأَمْوَالِ لَا يَجْنُبُونَ، أَيْ: لَا يَبْعُدُونَ عَنْ مَوَاضِعِهِمْ، فَيَشُقُّ عَلَى الْمُصَدِّقِ اتِّبَاعُهُمْ وَطَلَبُهُمْ. بَابُ دِيَةِ الجَنِينِ 2543 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لحْيَان سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، ثمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَالْعَقْلُ عَلَى عَصَبَتِهَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ

2544 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ: عَبدٍ، أَوْ وَلِيدٍ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَالْغُرَّةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: أَنْفَسُهُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ: النَّسَمَةُ مِنَ الرَّقِيقِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى يَكُونُ ثَمَنُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ: الْغُرَّةُ: عَبْدٌ أَبْيَضُ، أَوْ أَمَةٌ بَيْضَاءُ، وَسُمِّيَ غُرَّةٌ لِبَيَاضِهِ، وَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ إِمْلاصِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ. وَأَرَادَ بِالإِمْلاصِ: الْجَنِينَ، سُمِّيَ

إِمْلاصًا، لأَنَّ الْمَرْأَةَ تُزْلِقُهُ قَبْلَ وَقْتِ الْوِلادَةِ، وَكُلُّ مَا زُلِقَ مِنَ الْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا، فَقَدْ مَلِصَ يَمْلَصُ. وَالْعَقْلُ: هُوَ الدِّيَةُ، قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنَ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الشَّدِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ يَأْتِي بِالإِبِلِ فَيَعْقِلُهَا، أَيْ: يَشُدُّهَا بِالْعِقَالِ فِي فِنَاءِ الْمَقْتُولِ، وَبِهِ سُمِّيَتِ الْعَصَبَةُ الَّتِي تَحْمِلُ الْعَقْلَ عَاقِلَةً. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ عَاقِلَةٌ مِنَ الْمَنْعِ، وَالْعَقْلُ: هُوَ الْمَنْعُ، وَبِهِ سُمِّيَ الْعَقْلُ الْمُرَكَّبُ فِي الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَمَّا لَا يَحْسُنُ، وَلا يَجْمُلُ، فَكَأَنَّ أَهْلَ الْقَاتِلِ يَقُومُونَ بِنُصْرَتِهِ، فَيَمْنَعُونَ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ عَنْهُ بِالسَّيْفِ، فَجَعَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ الْمَنْعَ وَالنُّصْرَةَ بِأَدَاءِ الدِّيَةِ. قَالَ الإِمَامُ: إِذَا جُنِيَ عَلَى امْرَأَةٍ حَامِلٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبِ غُرَّةٌ: عَبْدٌ، أَوْ أَمَةٌ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنَ الأَرِقَّاءِ، سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَإِنْ سَقَطَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ أَلْقَتِ جَنِينَيْنِ مَيِّتَيْنِ، فَعَلَيْهِ غُرَّتَانِ، وَلِمُسْتَحِقِّهَا أَنْ لَا يَقْبَلَهَا مَعِيبَةً كَالإِبِلِ فِي الدِّيَةِ، وَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ قَبُولُ الطفلِ إِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَ مِائَةِ دِرْهَمٍ. وَإِذَا عُدِمَتِ الْغُرَّةُ، فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَهِيَ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ: سُتُّ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: الْغُرَّةُ خَمْسُونَ دِينَارًا، أَوْ سِتُّ مِائَةِ دِرْهَمٍ، عُشْرُ دِيَةِ الأُمِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةِ: عَلَيْهِ غُرَّةٌ أَوْ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا. وَالأَقَاوِيلَ مُتَقَارِبَةٌ مِنَ حَيْثُ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَوْجَبَ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرَ: إِنَّ الْغُرَّةَ إِذَا عُدِمَتْ يَجِبُ قِيمَتُهَا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ غُرَّةُ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ فَرَسٍ، أَوْ بَغْلٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ:

عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ فَرَسٍ، أَوْ بَغْلٍ ". وَرَوَاهُ حَمَّادٌ، وَخَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَذْكُرَا الْفَرَسَ، وَالْبَغْلَ، فَقَدْ قِيلَ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُمْ قَالُوا: الْغُرَّةُ: عَبْدٌ، أَوْ أَمَةٌ، أَوْ فَرَسٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَبْدٌ، أَوْ أَمَةٌ، أَوْ فَرَسٌ، أَوْ بَغْلٌ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ فِي جَنِينِ النَّصْرَانِيَّةِ ثُلُثُ الْغُرَّةِ، فَإِنْ كَانَ الأَب ُ مُسْلِمًا، فَفِيهِ كَمَالُ الْغُرَّةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَصْرَانِيًّا لأَنَّهُ مُسْلِمٌ بِإِسْلامِ الأَبِ. وَفِي جَنِينِ الْمَجُوسِيَّةِ خُمسُ ثُلُثِ الْغُرَّةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَصْرَانِيًّا، وَالآخَرُ مَجُوسِيًّا، فَيُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهِمَا دِيَةً. وَفِي جَنِينِ الأَمَةِ إِنْ كَانَ رَقِيقًا عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا، فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَعُشْرِ قِيمَتِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى ابْنِ الْجَانِي شَيْءٌ مِنَ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْجَانِي، وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ آبَاءِ الْجَانِي إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ، وَالأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَفَاءٌ،

فَيَجِبُ عَلَى الْمُعْتِقِ إِنْ كَانَ عَلَى الْجَانِي وَلاءٌ، وَعَلَى عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ، وَلا يَجِبُ عَلَى أَبِ الْمُعْتِقِ، وَلا يَجِبُ عَلَى ابْنِهِ كَمَا فِي النَّسَبِ. رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، فَتَرَكَتِ ابْنَهَا وَأَخَاهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ مَوْلاهَا، «فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ لابْنِ الْمَرْأَةِ»، فَقَالَ أَخُوهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّهُ جَرَّ جَرِيرَةً عَلَى مَنْ كَانَتْ؟ قَالَ: «عَلَيْكَ». وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَعْقِلَ عَنْ مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقَضَى لِلزُّبَيْرِ بِمِيرَاثِهِمْ، لأَنَّهُ ابْنُهَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَاقِلا، بَالِغًا، وَاجِدًا. وَلا يُحْمَلُ امْرَأَةٌ، وَلا صَبِيٌّ، وَلا مَجْنُونٌ، وَلا عَبْدٌ، وَلا يُعْقَلُ الْكَافِرُ مِنَ الْمُسْلِمِ، وَلا الْمُسْلِمُ مِنَ الْكَافِرِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلاثِ سِنِينَ، كَذَلِكَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُوسِرًا فِي كُلِّ عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ دِينَارٍ، وَعَلَى كُلِّ مُتَوَسِّطٍ أَكْثَرُ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ، وَالاعْتِبَارُ فِي الْيَسَارِ بِآخِرِ الْحَوْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَاقِلَةِ وَفَاءٌ يُكْمَلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ الْخَطَإِ عَاقِلَةٌ، فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لأَنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُتْرَكُ فِي الإِسْلامِ مُفْرَجٌ». يَرْوِي هَذَا بِالْجِيمِ، وَالْحَاءِ، أَمَّا بِالْجِيمِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: هُوَ الْقَتِيلُ يُوجَدُ بِأَرْضٍ فَلاةٍ يُودَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلا يَبْطُلُ دَمُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ أَنْ يُسْلِمَ الرَّجُلُ، وَلا يُوَالِيَ أَحَدًا، فَإِذَا جَنَى جِنَايَةً

باب القسامة

كَانَتْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، لأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: الْمُفْرَجُ: الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ، وَأَمَّا بِالْحَاءِ، فَهُوَ الَّذِي أَثْقَلَهُ الدَّيْنُ، يُقَالُ: أَفْرَحَهُ، أَيْ: أَثْقَلَهُ، وَيُرْوَى: «مَفْدُوحٌ» بِالدَّالِ، وَمَعْنَاهُ هَذَا، يُقَالُ: فَدَحَهُ الدَّيْنُ، أَيْ: أَثْقَلَهُ. وَدِيَةُ الطَّرَفِ إِنْ بَلَغَتْ دِيَةَ النَّفْسِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي ثَلاثِ سِنِينَ، وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ، فَفِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلا يُضْرَبُ لَهُ أَقَلُّ مِنْ سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا قَلِيلا، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِلَى الثُّلُثَيْنِ، فَفِي سَنَتَيْنِ، الثُّلُثُ فِي سَنَةٍ، وَالْبَاقِي فِي سَنَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ. وَبَدَلُ الْعَبْدُ إِذَا قُتِلَ خَطَأً، أَوْ قُطِعَ طَرَفٌ مِنْهُ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يَكُونُ فِي مَالِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ كَقِيمَةِ الْبَهَائِمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ بَدَلَ نَفْسِ الْعَبْدِ، وَلا تَحْمِلُ بَدَلَ طَرَفِهِ. بَابُ القِسَامَةِ 2545 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيرَ بْنِ يَسَارٍ،

عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ، فَتَفَرَّقَا لِحَاجَتِهِمَا، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَانْطَلَقَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْمَقْتُولِ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ، أَوْ قَاتِلِكُمْ»، فقالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟! فَزَعَمَ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ. قَالَ بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ: قَالَ سَهلٌ: لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ فِي مِرْبَدٍ لَنَا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ 2546 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ،

عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ، فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَحُوَيِّصَةُ، وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ، فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَبِّرِ الْكُبْرَ»، قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي لِيَلِ الْكَلامَ الأَكْبَرُ. فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتِسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ، أَوْ قَالَ: صَاحِبَكُم بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ "، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرٌ لَمْ نَرَهُ، قَالَ: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَوْمٌ كُفَّارٌ! فَفَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ، قَالَ سَهْلٌ: فَأَدْرَكْتُ نَاقَةً مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ فَدَخَلَتْ مِربَدًا لَهُمْ، فَرَكَضَتْنِي بِرِجْلِهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبيدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

الْقَوَارِيرِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ: فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَاقَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيَدْفَعُ بِرُمَّتِهِ» 2547 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّه أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمَا، فَأُتِيَ مُحَيِّصَةُ، فَأُخْبِرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ، وَطُرِحَ فِي فَقِيرٍ، أَوْ عَيْنٍ، فَأَتَى يَهُودَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَدْ قَتلْتُمُوهُ، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَأَقْبَلَ حتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، ثمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخُو الْمَقْتُولِ، فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ،

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُحَيِّصَةَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ» يُرِيدُ السِّنَّ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبُوا: إِنَّا وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُوَيِّصَةَ، وَمُحَيِّصَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ» قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ! فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مِائَةَ نَاقَةٍ حتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمْ فِي الدَّارِ، قَالَ سَهْلٌ: لَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ. حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «وَطُرِحَ فِي فَقِيرٍ»، أَيْ: بِئْرٍ، وَفَقِيرُ النَّخْلِ: حُفْرَةٌ تُحْفَرُ لِلْفَسِيلَةِ إِذَا حُوِّلَتْ لِتُغْرَسَ فِيهَا، وَالْفَقِيرُ: فَمُ الْقَنَاةِ،

وَقِيلَ: سُمِّيَ سَيْفُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الْفَقَارِ، لأَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ حُفَرٌ صِغَارٌ حِسَانٌ. وَقَوْلُهُ: «كَبِّرْ كَبِّرْ» فِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى أَنَّ الأَكْبَرَ أَحَقُّ بِالإِكْرَامِ وَالْبِدَايَةِ بِالْكَلامِ. قَالَ الإِمَامُ: صُورَةُ قَتِيلِ الْقَسَامَةِ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ، وَادَّعَى وَلِيُّهُ عَلَى رَجُلٍ، أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ وَعَلَيْهِمْ لَوَثٌ ظَاهِرٌ، وَاللَّوَثُ: مَا يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ صِدْقُ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ وُجِدَ فِيمَا بَيْنَ قَوْمٍ أَعْدَاء لَهُمْ لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ، كَقِتَيلِ خَيْبَرَ وُجِدَ بَيْنَهُمْ، وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَ الأَنْصَارِ وَبَيْنَ وَأهَلِ خَيْبَرَ ظَاهِرَةٌ، أَوِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فِي بَيْتٍ، أَوْ صَحْرَاءَ، وَتَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ، أَوْ وُجِدَ فِي نَاحِيَةٍ قَتِيلٌ، وَثَمَّ رَجُلٌ مُخْتَضِبٌ بِدَمِهِ، أَوْ شَهِدَ عَدْلٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّ فُلانًا قَتَلَهُ، أَوْ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَبِيدِ وَالنِّسْوَانِ، جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ اللَّوَثِ، فَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي، فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَسْتَحِقُّ دَعْوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَوَثٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، ثُمَّ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدًا، أَمْ خَمْسِينَ يَمِينًا؟ فِيهِ قَوْلانِ، أَقْيَسُهُمَا: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدًا. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْبِدَايَةِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ قَوْلا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَإِذَا بَدَأْنَا بِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَهُمْ جَمَاعَةٌ، تُوَزَّعُ الأَيْمَانُ الْخَمْسُونَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَيُجْبَرُ الْكَسْرَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنِ الْيَمِينِ، رُدَّتْ إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى نَفْيِ الْقَتْلِ، فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.

وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي، بَلْ يُحلَّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَالُوا: إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ يَخْتَارُ الإِمَامُ خَمْسِينَ رَجُلا مِنْ صُلَحَاءِ أَهْلِهَا، وَيُحَلِّفُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ: مَا قَتَلُوهُ، وَلا عَرَفُوا لَهُ قَاتِلا، ثُمَّ يَأْخُذُ الدِّيَةَ مِنْ أَصْحَابِ الْخِطَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا، فَمِنْ سُكَّانِهَا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأُصُولِ الْيَمِينُ مَعَ الْغَرَامَةِ، وَإِنَّمَا جَاءَتِ الْيَمِينُ فِي الْبَرَاءَةِ أَوِ الاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، أَوْ يَحْكُمُ فِي الْمَالِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَسَامَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهَا، لِقَوْلِهِ: «تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ». رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ، هَذَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَوَثٌ، وَنَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْيَمِينِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي، وَيَسْتَحِقُّ الْقَوَدَ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الْقَوَدُ، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقَ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: «دَمَ صَاحِبِكُمْ» أَيْ: دِيَتُهُ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ: «إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ»، أَمَّا إِذَا ادَّعَى قَتْلَ خَطَإٍ، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَحَلَفَ، فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَانَ الْحَكَمُ لَا يَرَى الْقَسَامَةَ شَيْئًا.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ رَدِّ الْيَمِينِ إِذَا نَكَلَ مَنْ تُوجِّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ حَتَّى لَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا، فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ، لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، بَلْ يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ، اسْتَحَقَّ دَعْوَاهُ، وَهُوَ قَوْلٌ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُرَدُّ، بَلْ يُقْضَى بِالنُّكُولِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ إِذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِمُ الْيَمِينُ، وَإِذَا حَلَفُوا، بَرِئُوا، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ أَيْمَانَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. وَفِيهِ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَرْضَوْا بِأَيْمَانِ الْكُفَّارِ، وَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ إِذْ كَانَ مِنْ سُنَنِهِ أَنْ لَا يَتْرُكَ دَمًا حَرَامًا هَدَرًا، وَهُوَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَوَلِيُّ أَمْرِهِمْ. وَتَثْبُتِ الْقَسامَةُ فِي قَتْلِ الْعَبِيدِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ الأَصَحُّ، فَيَحْلِفُ سَيِّدُهُ خَمْسِينَ يَمِينًا إِذَا كَانَ ثَمَّ لَوَثٌ، وَتُسْتَحُقُّ قِيمَتُهُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ، وَلا قَسَامَةَ فِي الأَطْرَافِ، بَلِ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ لَوَثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ بشيرِ بْنِ يَسَارٍ فِي قَتِيلِ خَيْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: «تَأْتُونِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَ» قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَةٌ، قَالَ: «فَيَحْلِفُونَ لَكُمْ». وَعَنْ رَافِعَ بْنِ خَدِيجٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَالَ: «لَكُمْ شَاهِدَانِ؟»، قَالُوا: لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: «فَاخْتَارُوا مِنْهُمْ خَمْسِينَ فَاسْتَحْلفهُمْ»، وَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ مَا سَبَقَ مِنَ الْبِدَايَةِ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ. 2548 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قُتِلَ عميةً تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحِجَارَةٍ، أَوْ جَلْدٍ بِالسَّوْطِ، أَوْ ضَرْبٍ بِعَصَا، فَهُوَ خَطَأٌ، عَقْلُهُ عَقْلُ الْخَطَإِ، وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدُ يَدِهِ، فَمَنْ حَالَ دُونَهُ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ».

هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ وَقَوْلُهُ: «عِمِّيَّةٌ» فِعِّيلَةٌ مِنَ الْعَمَى، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَتَرَامَى الْقَوْمُ، فَيُوجَدُ بَيْنَهُمْ قَتِيلٌ لَا يُدْرَى مَنْ قَاتِلُهُ، وَيَعْمَى أَمْرُهُ، فَفِيهِ الدِّيَةُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ يَلْزَمُهُ دِيَةُ هَذَا الْقَتِيلِ، قَالَ مَالِكٌ: دِيَتُهُ عَلَى الَّذِينَ نَازَعُوهُمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: دِيَتُهُ عَلَى عَوَاقِلِ الآخَرِينَ، وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: عَقْلُهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا إِلا أَنْ تَقُومَ بَيِّنةٌ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ فُلانًا قَتَلَهُ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُفَ: دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْفَرِيقَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى عَاقِلَةِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهِمْ إِذَا لَمْ يَدَّعِ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ قَسَامَةٌ إِنِ ادَّعُوهُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ عَلَى طَائِفَةٍ بِعَيْنِهَا، وَإِلا فَلا عَقْلَ وَلا قَوَدَ، وَكَانَ عَلِيٌّ إِذَا أُتِيَ بِالْقَتِيلِ قُتِلَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، حَمَلَهُ عَلَى أَصْقَبِ الْقَرْيَتَيْنِ إِلَيْهِ، يَعْنِي: عَلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْهُ. 2549 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا أَيُّوبُ، وَيُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُريدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا

الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجحدري، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ 2550 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرَكٍ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ»، ثُمَّ قَالَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي

كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ وَيَتَأَوَّلُ الْخَوَارِجُ الْحَدِيثَ عَلَى الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ الْخُرُوجُ عَنِ الدِّينِ، وَيُكَفِّرُونَ مُرْتَكِبَ الْكَبَائِرِ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَعْنَى الزَّجْرِ، أَيْ: لَا تَتَشَبَّهُوا بِالْكُفَّارِ فِي قَتْلِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، وَقِيلَ: هَؤُلاءِ أَهْلُ الرِّدَّةِ قَتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا تَقَاتَلَ رَجُلانِ، فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، فَهُمَا عَاصِيَانِ، وَدَمُهُمَا هَدَرٌ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاصِدٌ وَدَافِعٌ، فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَاصِدٌ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ دَافِعٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. 2551 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، نَا حَيْوَةُ، وَغَيْرُهُ، قَالا: نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الأَسْوَدِ، قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ، فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ، ثُمَّ قَالَ:

أَخْبَرَنِي ابْنُ عبَّاسٍ: " أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرونُ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي السَّهْمُ يُرْمَى بِهِ، فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النِّسَاء: 97] الآيَةَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

23 - كتاب قتال أهل البغي

23 - كِتابُ قِتالِ أهْلِ الْبَغْيِ بَابُ قِتالِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ 2552 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ، فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ»، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ لَهُ: «دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ، فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثمَّ يُنْظَرُ إِلَى نضيه، وَهُوَ قِدْحُهُ، فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثمَّ يَنْظُرُ إِلَى قُذَذِهِ، فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ، وَالدَّمَ،

آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينَ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ، فَالْتُمِسَ، فَأُتِيَ بِهِ حتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ

قَوْلُهُ: «لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ» أَيْ: لَا يُقْبَلُ وَلا يُرْفَعُ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. وَقَوْلُهُ: «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ» أَيْ: يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ، أَيْ مِنَ طَاعَةِ الأَئِمَّةِ، وَالدِّينُ: الطَّاعَةُ، وَهَذَا نَعْتُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ لَا يَدِينُونَ لِلأَئِمَّةِ، وَيَسْتَعْرِضُونَ النَّاسَ بِالسَّيْفِ، «كَمَا يَمْرُقُ» أَيْ: كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَالرَّمِيَّةُ: الصَّيْدُ الَّذِي نَقْصُدُهُ، فَتَرْمِيهِ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: هِيَ الطَّرِيدَةُ الَّتِي يَرْمِيهَا الصَّائِدُ، وَهِيَ كَلُّ دَابَّةٍ مَرْمِيَّةٍ. وَالرِّصَافُ: عَقَبٌ يُلْوَى عَلَى مَوْضِعِ الْفُوقِ، وَعَلَى مَدْخَلِ النَّصْلِ مِنَ السَّهْمِ، وَوَاحِدُ الرِّصَافِ رَصْفَةٌ، يُقَالُ: رَصَفْتُ السَّهْمَ أَرْصُفُهُ، وَسَهْمٌ مَرْصُوفٍ، وَالنَّضِيُّ: الْقِدْحُ قَبْلَ أَنْ يُنْحَتَ، وَالنَّضِيُّ: مَا بَيْنَ النَّصْلِ وَالرِّيشِ مِنَ الْقِدْحِ. وَالْقُذَذُ: الرِّيشُ يُرَاشُ بِهِ السَّهْمُ، وَهِيَ جَمْعُ قُذَّةٍ، وَكُلُّ رِيشَةٍ مِنْهَا قُذَّةٌ، يُقَالُ: هُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الْقُذَّةِ بِالْقَذَّةِ، لأَنَّهُنَّ يُحْذَيْنَ عَلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: «قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ» يَعْنِي مَرَّ مَرًّا سَرِيعًا فِي الرَّمِيَّةِ لَمْ يَعْلَقْ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ. يَقُولُ: فَكَذَلِكَ دُخُولُ هَؤُلاءِ فِي الإِسْلامِ، ثُمَّ خُرُوجُهُمْ مِنْهُ لَمْ يَتَمَسَّكُوا فِيهِ بِشَيْءٍ. وَقَوْلُهُ: «تَدَرْدَرُ» أَيْ: تَتَحَرَّكُ، فَتَجِيءُ وَتَذْهَبُ، وَمِنْهُ دُرْدورُ الْمَاءِ، وَمِثْلُهُ: تَذَبْذَبَ، وَتَقَلْقَلَ، وَتَدَلْدَلَ. 2553 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،

أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَسَأَلاهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ أَسَمِعْتَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الْحَرُورِيَّةُ، سَمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا، قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، أَوْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ، إِلَى نَصلِهِ، إِلَى رِصَافِهِ، فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ هَل عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى 2554 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: مَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَاللَّهِ لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ علَيْهِ، وَمَا حَدَّثْتُكُمْ بَيْنِي وَبَيْنكُمْ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَكُونُ فِي آخِرَ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلامِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، أَوْ قَالَ: حَنَاجِرَهُمْ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَ لَقِيتُمُوهُمْ، فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ: «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حُدَّاثُ الأَسْنَانِ»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ

وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ: «سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْداثُ الأَسْنَانِ» فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ مَنَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَتْلِهِ مَعَ قَوْلِهِ: «فَأَيْنَ لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُم»، وَيُرْوَى: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»؟ قِيلَ: إِنَّمَا أَبَاحَ قَتْلَهُمْ إِذَا كَثُرُوا، وَامْتَنَعُوا بِالسِّلاحِ، وَاسْتَعْرَضُوا النَّاسَ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَعَانِي مَوْجُودَةً حِينَ مَنَعَ مِنْ قَتْلِهِمْ، وَأَوَّلُ مَا نَجَمَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قَتَلَ كَثِيرًا مِنْهُمْ. 2555 - حدَّثنا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الأَطْرَابُلْسِيُّ، نَا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: سَمعْتُ أَبَا سَعيدٍ الْخُدْرِيَّ، يُحَدِّثُ أَنَهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، تَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ، تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

تكُونُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، فَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلاهُمْ بِالْحَقِّ» 2556 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقطيعيّ، بِبَغْدَادَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، نَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبِ الْجُهَنِيُّ، أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذينَ كَانُوا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَتْ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلا صَلاتُكُمْ إِلَى صَلاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنكلوا عَنِ الْعَمَلِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلا لَهُ عَضُدٌ، وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ، عَلَى رَأسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عَلَيْهِ شُعَيْرَاتٌ بِيضٌ،

أَفَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَتَتْرُكُونَ هَؤُلاءِ، يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ؟ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ، فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: فَنَزَلْتُ وَزَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلا حَتَّى مَرَرْنَا عَلى قَنْطَرَةٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا، وَعَلى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ، فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الرِّمَاحَ، وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ، فَتَزَحَّفُوا فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِم، وَسَلُّوا السُّيُوفَ، وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ، وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلا رَجُلانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ. فالْتَمَسُوا، فَلَم يَجِدُوهُ، فَقَامَ عَليٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: أَخِّرُوهُمْ. فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الأَرْضِ، فَكَبَّرَ عَليٌّ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنينَ أَللَّه الَّذي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ!! لَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ: إِي وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ، حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلاثًا وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَوْلُهُ: «فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِم» مَعْنَاهُ: رَمَوْا بِهَا عَلَى بُعْدٍ، يُقَالُ لِلإِنْسَانِ إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، فَرَمَى بِهِ عَلَى بُعْدٍ: قَدْ وَحَّشَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: «شَجَرَهُمُ النَّاسَ بِرِمَاحِهِمْ» أَيْ: دَافَعُوهُمْ بِالرِّمَاح وَكَفُوهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، يُقَالُ: شَجَرْتُ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا: إِذَا كَفَفْتَهَا بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ شَبَّكُوهُمْ بِالرِّمَاحِ، فَقَتَلُوهُمْ، مِنَ الاشْتِجَارِ، وَهُوَ الاخْتِلاطُ، وَالاشْتِبَاكُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: شَجَرَ بَيْنَهُمْ كَلامٌ، أَيِ: اخْتَلَطَ، وَيُرْوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ الْمُخْدَجِ فِيهِمْ «رَجُلٌ مَثْدُونُ الْيَدِ»، وَيُرْوَى «مُثْدَنُ الْيَدُ» وَمَعْنَاهُ: صَغِيرُ الْيَدِ مُجْتَمِعَةً بِمَنْزِلَةِ ثَنْدُوَةِ الثَّدْيِ، وَأَصْلُهُ مُثَنَّدٌ، فَقُدِّمَتِ الدَّالُ عَلَى النُّونِ كَمَا قَالُوا: جَبَذَ وَجَذَبَ، وَالثَّنْدُوَةُ مَفْتُوحَةُ الثَّاءِ بِلا هَمْزٍ، فَإِذَا ضَمَمْتَ الثَّاءِ قُلْتَ: ثُنْدُوَءةً، مَهْمُوزَةً. وَيُرْوَى «مُؤدَنٌ» وَ «مَوْدُونُ الْيَدِ» وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ وَدَنْتُ الشَّيْءَ، وَأَدَنْتُهُ: إِذَا نَقَصْتُهُ وَصَغَّرْتُهُ. 2557 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ

الْحَافِظُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلى تَنْزِيلِهِ»، قَالَ أَبُو بَكرٍ: أَنَا هَوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ عُمَرُ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ»، قَالَ: وَكَانَ أَعْطَى عَلِيًّا نَعْلَهُ يَخْصِفُهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدِ احْتَجَّ بِمِثْلِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى الْخَوَارِجَ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ، وَقَالَ: إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنيِنَ. وَقَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ: إِنَّ الْخَوَارِجَ اخْتَلَفُوا فِي الإِسْلامِ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى السَّيْفِ

2558 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، يُحَدِّثُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ»، قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: «سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ»، أوْ قَالَ: «التَّسْبِيدُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ التَّسْبِيدُ: هُوَ الحَلْقُ وَاسْتِئْصَالُ الشَّعْرِ، وَيُقَالُ: هُوَ تَرْكُ التَّدَهُّنِ وَغَسْلِ الرَّأْسِ. رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسَ قدِمَ مَكَّةَ مُسَبِّدًا رَأْسَهُ، وَأَرَادَ تَرْكَ التَّدَهُّنِ وَغَسْلِ الرَّأْسِ. 2559 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ عَلِيِّ الْخَزَّازُ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُقْرِئُ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَجَاءَ عَلِيٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ هَذَا وَاللَّهِ قَاتِلُ الْقَاسِطِينَ، وَالنَّاكِثِينَ وَالْمَارِقِينَ مِنْ بَعْدِي» قَالَ الإِمَامُ: إِذَا بَغَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَتْ عَلَى إِمَامِ الْعَدْلِ بِتَأْوِيلٍ مُحْتَمَلٍ، وَنَصَّبَتْ إِمَامًا، وَامْتَنَعَتْ عَنْ طَاعَةِ إِمَامِ الْعَدْلِ، يَبْعَثُ الإِمَام إِلَيْهِمْ، فَيَسْأَلُهُمْ: مَا تَنْقِمُونَ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً، أَزَالَهَا عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا مَظْلِمَةً بَيِّنَةٍ، يَقُولُ لَهُمْ: عُودُوا إِلَى طَاعَتِي لِتَكُونَ كَلِمَتُكُمْ، وَكَلِمَةُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَاحِدَةً، فَإِنِ امْتَنَعُوا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْمُنَاظَرَةِ، وَإِنِ امْتَنَعُوا عَنِ الْمُنَاظَرَةِ، أَوْ نَاظَرُوا وَظَهَرَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، فَأَصَرُّوا عَلَى بَغْيِهِمْ، يُقَاتِلُهُمُ الإِمَامُ حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى طَاعَتِهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9]. وَسُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ أَمُشْرِكُونَ هُمْ؟ قَالَ: «مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا»، قِيلَ: مُنَافِقُونَ هُمْ؟ قَالَ: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا»، قِيلَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: «إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا، فَقَاتَلْنَاهُمْ». قَالَ الإِمَامُ: وَمَا أَتْلَفَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الأُخْرَى فِي الْقِتَالِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، فَلا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الأَكْثَرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ

فِي الْجَدِيدِ، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ تِبَاعَةً فِي دَمٍ وَلا مَالٍ، فَأَشْبَهُ هَذَا أَنْ تَكُونَ التِّبَاعَاتِ فِي الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ، وَمَا تَلِفَ مِنَ الأَمْوَالِ سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَتْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ يُعْرَفُ فِي بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ، وَأُتْلِفَ فِيهَا أَمْوَالٌ، ثُمَّ صَارَ النَّاسُ إِلَى أَنْ سَكَنَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، وَجَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ، فَمَا عَلِمْتُ اقْتُصَّ مِنْ أَحَدٍ وَلا أُغْرِمَ مَالا أَتْلَفَهُ. وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: مَا أَتْلَفَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ عَلَى الْعَادِلَةِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، ضَمِنُوهُ، فَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فِي غَيْرِ حَالِ الْقِتَالِ، فَيَجِبُ ضَمَانُهُ، مَالا كَانَ أَوْ نَفْسًا بِالاتِّفَاقِ. وَمَنْ وَلَّى مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ ظَهْرَهُ فِي الْحَرْبِ هَارِبًا، لَا يُتْبَعُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَثْخَنَ وَاحِدٌ، أَوْ أُسِرَ، فَلا يُقْتَلُ، نَادَى مُنَادِي عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ: أَلا لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ، يُرِيدُ: لَا يُجْهَزُ عَلَيْهِ، أَيْ لَا يُقْتَلُ، وَأُتِيَ عَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ بِأَسِيرٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «لَا أَقْتُلُكَ صَبْرًا، إِنِّي أَخَافُ رَبَّ الْعَالَمِينَ»، فَخَلَّى سَبِيلَهُ. قَالَ حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: لَوْلا أَنَّ عَلِيًّا قَاتَلَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ كَيْفَ يُقَاتِلُهُمْ. وَإِذَا اسْتَوْلَى أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ، فَأَخَذُوا صَدَقَاتِ أَهْلِهَا لَا يُثْنَى عَلَيْهِمْ، وَيَنْفُذُ قَضَاءُ قَاضِيهِمْ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ عُدُولِهِمْ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الأَحْكَامُ فِي حَقِّهِمْ بِاجْتِمَاعِ ثَلاثِ شَرَائِطَ: أَحَدِهَا: أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ مُحْتَمَلٌ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُنَصِّبُوا إِمَامًا بَيْنَهُمْ، فَلَوْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشَّرائِطِ،

باب قتل المرتد

فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِضَمَانِ مَا أَتْلَفُوا، وَرَدِّ قَضَائِهِمْ، وَجَرْحِ شَاهِدِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ، وَتَجَنَّبُوا الْجَمَاعَاتِ، وَأَكْفَرُوهُمْ، لَمْ يَحِلَّ بِذَلِكَ قِتَالُهُمْ، بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ: لَا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: " كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلاثٌ: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلا نَمْنَعُكُمُ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا، وَلا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ ". قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَتَلُوا وَالِيَهُمْ أَوْ غَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ يُنَصِّبُوا إِمَامًا، وَيُظْهِرُوا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ الإِمَامِ، كَانَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ. قَدْ أَسْلَمُوا وَأَطَاعُوا وَالِيًا عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ: «أَنِ ادْفَعُوا إِلَيْنَا قَاتِلَهُ نَقْتُلْهُ بِهِ»، قَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ، قَالَ: «فَاسْتَسْلِمُوا نَحْكُمْ عَلَيْكُمْ»، قَالُوا: لَا، فَسَارَ فَقَاتَلَهُمْ، فَأَصَابَ أَكْثَرَهُمْ. قَالَ الإِمَامُ: وَمَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ مِنْ قَتْلِ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ، لأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ مَا يُبِيحُ قَتْلَهُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَازَ لِلإِمَامِ تَرْكُهُ، وَالإِعْرَاضِ عَنْهُ. بَابُ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ 2560 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا سَعِيدُ هُوَ الْجَرِيرِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ،

عَنِ ابْنِ عبَّاسِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» 2561 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ عِكْرَمَةَ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ الْمُرْتَدِّينَ أَوِ الزَّنَادِقَةَ، قَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا، لَمْ أُحَرِّقْهُمْ وَلَقَتَلْتُهُمْ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، وَلَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، وَزَادَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا، فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ يُقْتَلُ، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِتَابَتِهِ، فَذَهَبَ

بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنَّ كَانَ أَصْلُهُ مُسْلِمًا، فَارْتَدَّ لَا يُسْتَتَابُ، وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ، فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ، إِلا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الاسْتِتَابَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، أَنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلا قُتِلَ مَكَانَهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُعَاذِ وَأَبِي مُوسَى، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُسْتَتَابُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلا ضُرِبَ عُنُقُهُ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُتَأَنَّى بِهِ ثَلاثًا لَعَلَّهُ يَرْجِعُ، وَإِلَيْهِ ذَهَب عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى الثَّلاثَ حُسْنًا. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ إِذَا ارْتَدَّتْ عَنِ الإِسْلامِ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهَا تُقْتَلُ كَالرَّجُلِ، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهَا تُحْبَسُ وَلا تُقْتَلُ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قَتْلِ السَّاحِرِ، رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بِجَالَةَ يَقُولُ: كَتَبَ عُمَرُ «أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ»، فَقَتَلْنَا ثَلاثَ سَوَاحِرَ. وَرُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا، فأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ أَعْلَى مَنْ سَحَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ قَتْلٌ؟ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ بِهِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ صَنَعَهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلُ السَّاحِرُ إِنْ كَانَ مَا يُسْحِرُ بِهِ كُفْرًا إِنْ لَمْ يَتُبْ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ عَمَلُهُ الْكُفْرَ، فَلا يُقْتَلُ، وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ لَا يَكُونُ كُفْرًا عِنْدَهُ إِلا أَنْ يَعْتَقِدَ قَلْبُ الأَعْيَانِ مِنْهُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ تَعَلُّمَهُ كُفْرٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَوْ قَتَلَ السَّاحِرُ رَجُلا بِسِحْرِهِ وَأَقَرَّ أَنِّي سَحَرْتُهُ، وَسِحْرِي يَقْتُلُ غَالِبًا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ: لَا يَجِبُ بِهِ الْقَوَدُ، وَلَوْ قَالَ: سِحْرِي قَدْ يَقْتُلُ، وَقَدْ لَا يَقْتُلُ، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْتُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ خَطَأٌ تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً، وَتَكُونُ فِي مَالِهِ، لأَنَّهُ ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِ إِلا أَنْ تُصَدِّقَهُ الْعَاقِلَةُ، فَتَكُونُ عَلَيْهِمْ. وَلَوْ قَاتَلَ أَهْلُ الإِسْلامِ أَهْلَ الرِّدَّةِ، فَلا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوا عَلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي حَالِ الْقِتَالِ مِنْ نَفْسٍ

باب تحريم قتله إذا أسلم على أي دين كان

وَمَالٍ؟ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمٍ جَاءُوهُ تَائِبِينَ: «تَدُونَ قَتْلانَا وَلا نَدِي قَتْلاكُمْ»، فَقَالَ عُمَرُ: «لَا نَأْخُذُ لِقَتْلانَا دِيَةً»، فَرَأَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهِمُ الضَّمَانَ، وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ: «فَلا نَأْخُذُ لِقَتْلانَا دِيَةً» فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ عَلَى خِلافِ رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَأْيَ أَبُو بَكْرٍ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ غَيْرَ أَنَّهُ رَأَى الإِعْرَاضَ عَنْهُ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الثَّبَاتِ عَلَى الإِسْلامِ. قَالَ شُعْبَةُ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ عَنِ الْعَبْدِ يأْبِقُ، فَيَلْحَقُ بِأَرْضِ الشِّرْكِ؟ قَالَ: لَا تُزَوَّجُ امْرَأَتُهُ، وَسَأَلْتُ حَمَّادًا، فَقَالَ: تُزَوَّجُ امْرَأَتُهُ. بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِهِ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ 2562 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُمُ الْحُرُقَاتُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَذَهَبْتُ أَطْعَنُهُ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ، فَقَتَلْتُهُ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ،

فَقَالَ: «قَتَلْتَهُ وَقَدْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟!» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّما فَعَلَ ذَلِكَ تَعَوُّذًا، قَالَ: «فَهَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟!». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ. وَأَبُو ظَبْيَانَ اسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبٍ وَيُرْوَى عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ مِرَارًا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا تَكَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ، وَجَبَ الْكَفُّ عَنْ قَتْلِهِ. قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا فِي الثَّنَوِيِّ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ التَّوْحِيدَ إِذَا أَتَى بِكَلَمَةِ التَّوْحِيدِ، يُحْكَمُ بِإِسْلامِهِ، ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى سَائِرِ شَرَائِطِ الإِسْلامِ، فَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ التَّوْحِيدَ، لَكِنَّهُ يُنْكِرُ الرِّسَالَةَ، فَلا يُحْكَمُ بِإِسْلامِهِ بِمُجَرَّدِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ حَتَّى يَقُولَ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ»، فَإِذَا قَالَهُ، كَانَ مُسْلِمًا إِلا أَنْ يَكُونَ مِنَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ مَبْعُوثٌ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَحِينَئِذٍ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلامِهِ

بِمُجَرَّدِ الإِقْرَارِ بِالرِّسَالَةِ حَتَّى يُقِرَّ أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ، ثُمَّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُمْتَحَنَ بِالإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ، وَالتَّبَرُّؤِ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الإِسْلامَ. وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ يَعُودُ إِلَى الإِسْلامِ عَنِ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى قَبُولِ تَوْبَةِ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ إِسْلامَ الزِّنْدِيقِ وَالْبَاطِنِيَّةِ لَا يُقْبَلُ وَيُقْتَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ الأَصْلِيُّ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُقْبَلُ إِسْلامُهُ، فَأَمَّا الْكَافِرُ الأَصْلِيُّ إِذَا أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ، يُقْبَلُ إِسْلامُهُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ دَلِيلُ الْعَامَّةِ عَلَى قَبُولِ إِسْلامِ الْكُلِّ. وَفِي قَوْلِهِ: «هَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَجْرِي عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَنَّ السَّرَائِرَ مَوْكُولَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَلْزَمَ أُسَامَةَ الدِّيَةَ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ أَصْلَ دِمَاءِ الْكُفَّارِ الإِبَاحَةُ، وَكَانَ عِنْدَ أُسَامَةَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مُسْتَعِيذًا مِنَ الْقَتْلِ، لَا مُصَدِّقًا بِهِ، فَقَتَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ، وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ، وَالْخَطَأُ عَنِ الْمُجْتَهِدِ مَوْضُوعٌ، أَوْ تَأَوَّلَ فِي قَتْلِهِ أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غَافِر: 85]، وَكَمَا أَخْبَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ: {لَا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يُونُس: 90]، فَقِيلَ لَهُ: {ءَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يُونُس: 91] وَلَمْ يُقْبَلْ إِيمَانُهُ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَوْ رَمَى مُسْلِمٌ سَهْمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ إِلَى صَفِّ الْعَدُوِّ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّفِ مُسْلِمًا، فَأَصَابَ مُسْلِمًا، سَوَاءٌ عَيَّنَهُ، أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، فَلا قَوَدَ عَلَى الرَّامِي، وَلا دِيَةَ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَى رَجُلا فِي دَارِ الْحَرْبِ بِزِيِّ أَهْلِ الْكُفْرِ، فَقَتَلَهُ، فَبَانَ مُسْلِمًا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النِّسَاء: 92] وَلَمْ يَذْكُرِ الدِّيَةَ، أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ فِي الصَّفِّ مُسْلِمًا، وَلَمْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ، فَعَيَّنَ شَخْصًا، فَرَمَى إِلَيْهِ، فَبَانَ مُسْلِمًا، أَوْ عَلِمَ مَكَانَ الْمُسْلِمِ، فَرَمَى إِلَى غَيْرِهِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ إِلَيْهِ، فَأَصَابَ الْمُسْلِمَ، فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ وَلا قَوَدَ. وَرُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ، فَأَسْرَعَ فِيهِمُ الْقَتْلِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ، وَقَالَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ؟ قَالَ: «لَا تَتَراءَى نَارَاهُمَا».

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا أَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ، وَلَمْ يُكْمِلْ لَهُمُ الدِّيَةَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِإِسْلامِهِمْ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بَيْنَ أَظْهُرِ الْكُفَّارِ، فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِجِنَايَةِ نَفْسِهِ، وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ، فَتُسْقَطُ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ مِنَ الدِّيَةِ. قَالَ الإِمَامُ: الْمُسْلِمُ مَضْمُونُ الدَّمِ إِنْ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُ دَمِهِ بِالْمُقَامِ فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ أَصْلا، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَصَ بِهِ الضَّمَانِ أَصْلا، أَلا تَرَى أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عَرَفَهُ مُسْلِمًا مُقِيمًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَلا تُجْعَلُ إِقَامَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُشَارَكَةً لِقَاتِلِهِ فِي قَتْلِهِ، فَيَحْتَمِلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ بِقَتْلِهِمْ، لأَنَّ مُجَرَّدَ الاعْتِصَامِ بِالسُّجُودِ لَا يَكُونُ إِسْلامًا، فَإِنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالانْقِيَادِ، فَلا يَحْرُمُ بِهِ قَتْلُ الْكَافِرِ، فَهَؤُلاءِ لَمْ يَحْرُمْ قَتْلُهُمْ بِمُجَرَّدِ سُجُودِهِمْ، إِنَّمَا سَبِيلُ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقِّهِمُ التَّثَبُّتُ وَالتَّوَقُّفُ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا، ثُمَّ اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَقَدْ قَتَلُوا مُسْلِمًا مُقِيمًا بَيْنَ أَظْهُرِ الْكُفَّارِ لَمْ يَعْرِفُوا إِسْلامَهُ، فَلا دِيَةَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَمَرَ

بِنِصْفِ الدِّيَةِ اسْتِطَابَةً لأَنْفُسِ أَهْلِيهِمْ، أَوْ زَجْرًا لِلْمُسْلِمِينَ عَنْ تَرْكِ التَّثَبُّتِ عِنْدَ وُقُوعِ الشُّبْهَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَسِيرَ الْمُسْلِمَ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ إِذَا وَجَدَ إِمْكَانَ الْخَلاصِ وَالانْفِلاتِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِنْ حَلَّفُوهُ أَنَّهُمْ إِنْ خَلَّوْهُ لَا يَخْرُجُ، فَحَلَفَ، فَخَلَّوْهُ، يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ، وَيَمِينُهُ يَمِينُ مُكْرَهٍ، لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ حَلَفَ اسْتِطَابَةً لِنُفُوسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَلِّفُوهُ، فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ، وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَإِنْ حَلَّفُوهُ أَنَّهُ إِنْ خَرَجَ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ يَعُودُ إِلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ، وَلا يَدَعُهُ الإِمَامُ أَنْ يَعُودَ، وَلَوِ امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إِلا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهِمْ، فَضَمِنَ، لَا يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ، وَلَوْ فَعَلَ فَحَسَنٌ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْمُسْلِمِ دُخُولَ دَارِ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ وَالْمُقَامِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مُقَامِ السَّفَرِ. وَقَوْلُهُ: «لَا تَتَراءَى نَارَاهُمَا» يَعْنِي: لَا يُسَاكِنُ الْمُسْلِمُ الْكُفَّارَ فِي بِلادِهِمْ بِحَيْثُ لَوْ أَوْقَدُوا نَارًا تَرَى كُلُّ طَائِفَةٍ نَارَ الأُخْرَى، فَجَعَلَ الرُّؤْيَةَ لِلنَّارِ، وَلا رُؤْيَةَ لَهَا، وَمَعْنَاهُ: أَنْ تَدْنُوَا هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، كَمَا يُقَالُ: دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلانٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا يَسْتَوِي حُكْمَاهُمَا، يَقُولُ: كَيْفَ يُسَاكِنُهُمْ فِي بِلادِهْم وَحُكْمُ دِينِهِمَا مُخْتَلِفٌ؟ وَقِيلَ: أَرَادَ نَارَ الْحَرْبِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [الْمَائِدَة: 64]، يَقُولُ: كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ وَنَارُ حَرْبِهِمَا مُخْتَلِفٌ، هَذَا يَدْعُو إِلَى الرَّحْمَنِ، وَيُحَارِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدْعُو إِلَى الشَّيْطَانِ، وَيُحارِبُ عَلَيْهِ. وَفِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ

باب من قصد مال رجل أو حريمه فدفعه

الْمُشْرِكِينَ»، قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: النَّارُ هَهُنَا: الرَّأْيُ، يَقُولُ: لَا تُشَاوِرُوهُمْ، وَيُقَالُ: مَعْنَى النَّارِ: السِّمَةُ، يُقَالُ: مَا نَارُ بَعِيركَ؟ أَيْ: مَا سِمَتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: نَارُهَا نِجَارُهَا، يُرِيدُ: أَنَّ مِيسَمِهَا يَدُلُّ عَلَى جَوْهَرِهَا وَكَرَمِهَا، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: «لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا» يَقُولُ: لَا يَتَّسِمُ الْمُسْلِمُ بِسِمَةِ الْمُشْرِكَ، وَلا يَتَشَبَّهُ بِهِ فِي هَدْيِهِ، وَشَكْلِهِ، وَخُلُقِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ نَزَعَ صغارَ كَافِرٍ مِنْ عُنُقِهِ، فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ، فَقَدْ وَلَّى الإِسْلامَ ظَهْرَهُ»، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الآخِرَةِ. بَابُ مَنْ قَصَدَ مَالَ رَجُلٍ أَوْ حَرِيمَهُ فَدَفَعَهُ 2563 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَفَدَةَ الْعَطَّارِيُّ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، حَدَّثَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، نَا سَعِيدُ هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتُ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ» 2564 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ،

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَال: «مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا، طُوِّقَهُ، مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهيدٌ» وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ». قُلْتُ: ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أُرِيدَ مَالُهُ، أَوْ دَمُهُ، أَوْ أَهْلُهُ فَلَهُ دَفْعُ الْقَاصِدِ وَمُقَاتَلَتُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ بِالأَحْسَنِ فَالأَحْسَنِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ إِلا بِالْمُقَاتَلَةِ، فَقَاتَلَهُ، فَأَتَى الْقَتْلُ عَلَى نَفْسِهِ، فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَلا شَيْءَ عَلَى الدَّافِعِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَسْلِمَ؟ نُظِرَ إِنْ أُرِيدَ مَالُهُ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدَ دَمُهُ، وَلا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إِلا بِالْقَتْلِ، فَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ لَهُ الاسْتِسْلامَ، إِلا أَنْ يَكُونَ الْقَاصِدُ كَافِرًا، أَوْ بَهِيمَةً، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنِ اسْتَسْلَمَ يَكُونُ فِي دَمِهِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الاسْتِسْلامُ، وَكَرِهُوا لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ نَفْسِهِ، مُتَمَسِّكِينَ بِأَحَادِيثَ وَرَدَتْ

فِي تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتَنِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا هَذَا فِي قِتَالِ اللُّصُوصِ، وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ، وَالسَّاعِينَ فِي الأَرْضِ بِالْفَسَادِ، فَفِي الانْقِيَادِ لَهُمْ ظُهُورُ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ، وَاجْتِرَاءُ أَهْلِ الطُّغْيَانِ عَلَى الْعُدْوَانِ، وَتِلْكَ الأَحَادِيثُ فِي قِتَالِ الْقَوْمِ عَلَى طَلَبِ الْمُلْكِ، فَعَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ حِلْسَ بَيْتِهِ، وَيَعْتَزِلَ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا لِيَسْلَمَ لَهُ دِينُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 2565 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، نَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْبَسْطَامِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِتُسْتَرَ، نَا سَيَّارُ بْنُ الْحَسَنِ التُّسْتَرِيُّ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أياس بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ الْمِقْدَامِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ 2566 - أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ،

وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: غَزَوْتَ مَعَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً، قَالَ: وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ: وَكَانَتْ تِلْكَ الغَزْوَةُ أَوْثَقَ عَمَلِي فِي نَفْسِي. قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ صَفْوَانُ: قَالَ يَعْلَى: كَانَ لِي أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إِنْسَانًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الآخَرِ، وَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ، فَذَهَبَتْ إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، قَالَ عَطَاءٌ، وَأَحْسِبُهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضِمُهَا، كَأَنَّهَا فِي فِي فَحْلٍ؟». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُليَّةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ

باب من نظر في بيت إنسان فرماه فأصاب عينه

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ عَضَّ رَجُلا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى الْخَلاصِ مِنْهُ إِلا بِقَلْعِ سِنِّهِ، أَوْ قَصَدَ نَفْسَهُ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعهُ إِلا بِالْقَتْلِ، فَقَتَلَهُ، يَكُونُ دَمُهُ هَدَرًا، لأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اضْطَرَّهُ إِلَى ذَلِكَ، وَمَنْ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ، لَا يُؤَاخِذُ بِهَا غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَصَدَ رَجُلٌ الْفُجُورَ بِامْرَأَةٍ، فَدَفَعَتْهُ عَنْ نَفْسِهَا، فَقَتَلَتْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا، رُفِعَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَارِيَةً كَانَتْ تَحْتَطِبُ، فَاتَّبَعَهَا رَجُلٌ، فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَرَمَتْهُ بِفِهْرٍ، أَوْ حَجَرٍ فَقَتَلَتْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: «هَذَا قَتِيلُ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا يُودَى أَبَدًا». وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ قَصَدَتْ بَهِيمَةٌ رَجُلا، فَقَتَلَهَا فِي الدَّفْعِ، لَا ضَمَانَ عَلَى الدَّافِعِ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِ ضَمَانِ الْبَهَائِمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِبَاحَةِ الدَّفْعِ وَالْقَتْلِ، وَإِذَا صَارَ قَتْلُهَا مُبَاحًا لِتَعَدِّيهَا بِالصِّيَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ ضَمَانُهَا كَمَا فِي الآدَمِيِّ. بَابُ مَنْ نَظَرَ فِي بَيْتَ إِنْسَانٍ فَرَمَاهُ فَأَصَابَ عَيْنَهُ 2567 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ وَاللَّفْظُ لَهُ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَجُلا اطَّلَعَ عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِتْرِ الْحُجْرَةِ وَفِي يَدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى، فَقَالَ: «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يَنْظُرُنِي حَتَّى آتِيَهُ، لَطَعْنتُ بِالْمِدْرَى فِي عَيْنِهِ، وَهَلْ جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ إِلا مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ: «وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مَعْمَرٍ 2568 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ،

عَنْ أَبِي هَرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ جُنَاحٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ وَيُرْوَى فِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ: «مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ دَمَرَ». قَالَ الْكِسَائِيُّ: يَعْنِي دَخَلَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلا يَكُونُ الدُّمُورُ إِلا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إِذْنٍ. قَالَ الإِمَامُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا نَظَرَ رَجُلٌ فِي صِيرِ بَابِ إِنْسَانٍ، أَوْ فِي كُوَّةٍ لَا مَحْرَمَ لِلنَّاظِرِ فِيهَا فَرَمَاهُ صَاحِبُ الدَّارِ بِشَيْءٍ خَفِيفٍ مِنْ حَصَاةٍ أَوْ مِدْرًى، فَأَصَابَ عَيْنَ النَّاظِرِ، فَفَقَأَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا لَا يَضْمَنُ إِذَا زَجَرَهُ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا، فَنَظَرَ فِيهِ، أَوْ نَظَرَ إِلَيْهِ مَارًّا مِنَ الطَّرِيقِ، فَلا يُبَاحُ طَعْنُهُ، وَلَوْ فَعَلَ ضَمِنَ.

باب عقوبة المحاربين وقطاع الطريق

وَقَدْ رَوَى قُتَيْبَةُ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْبَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَشَفَ سِتْرًا، فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِهِ، فَقَدْ أَتَى حَدًّا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، لَوْ أَنَّهُ حِينَ أَدْخَلَ بَصَرَهُ، فاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، مَا عَيَّرْتُ عَلَيْهِ، وَإنْ مَرَّ الرَّجُلُ عَلى بَابٍ لَا سَتْرَ لَهُ غَيْرَ مُغْلَقٍ فَنَظَرَ، فَلا خَطِيئَةَ عَلَيْهِ، إِنَّمَا الْخَطِيئَةُ عَلى أَهْلِ الْبَيْتِ». وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ. بَابُ عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [الْمَائِدَة: 33] الآيَةَ. قَوْلُهُ: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [الْمَائِدَة: 33] يُقَالُ: نَفَيْتُ فُلانًا: إِذَا طَرَدْتَهُ نَفْيًا، وَنَفَيْتُ الدَّرَاهِمَ نَفَايَةً: إِذَا رَدَدْتَهَا، وَالنُّفَايَةُ، بِضَمِّ النُّونِ: الْمَنْفِيُّ الْقَلِيلُ.

2569 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُرَيْنَةَ عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا» فَفَعَلُوا، فَلَمَّا صَحُّوا ارْتَدُّوا عَنِ الإسْلامِ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَبَعَثَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُخِذُوا، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ، وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَحُمَيْدٍ، وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طُرُقِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَقَالُوا: «فَتَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وأَلْبَانِهَا». وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالُوا: فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَقَالَ: «اشرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا» وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أنسٍ: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ، لأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ. وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: فَأَمَرَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ، وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، وَأُلْقُوا بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فَلا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا. قَالَ أَبُو قِلابَةَ: هَؤُلاءِ قَوْمٌ سَرَقُوا، وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعَدْ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قَوْلُهُ: «اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ» مَعْنَاهُ: عَافُوا الْمُقَامَ بِهَا، فَأَصَابَهُمُ الْجَوَى فِي بُطُونِهِمْ. يُقَالُ: اجْتَوَيْتُ الْمَكَانَ: إِذَا كَرِهْتَ الإِقَامَةَ بِهِ لِضَرَرٍ يَلْحَقُكَ بِهِ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ: اجْتَوَيْتُ الْبِلادَ، إِذَا كَرِهْتَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةٌ لَكَ فِي بَدَنِكَ، وَيُقَالُ: اسْتَوْبَلْتُهَا: إِذَا لَمْ تُوَافِقُكَ فِي بَدَنِكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُحِبًّا لَهَا.

وَقَوْلُهُ: «سَمَلَ أَعْيُنَهُمْ» أَيْ: فَقَأَهَا، وَمَنْ رَوَى: سَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، أَيْ: كَحَّلَهُمْ بِمَسَامِيرَ مُحَمَّاةٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: «ثُمَّ أَمَر بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَّلَهُمْ بِهَا». وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ أَلْبَانِ نَعَمِ الصَّدَقَةِ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، لأَنَّهُمْ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الصَّدَقَةِ، وَيُحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى طَهَارَتِهِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَا أَكَلْتَ لَحْمَهُ، فَلا بَأْسَ بِبَوْلِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَسُفْيَانَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى نَجَاسَتِهِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا أَبَاحَ لَهُمْ شُرْبَهُ لِضَرُورَةِ الْعِلَّةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّدَاوِيَ بِالْمُحَرَّمِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزٌ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ كَالتَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الإِبِلِ، وَالأَوَّلُ أَوْلاهُمَا، لأَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَرَخَّصَ فِي التَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الإِبِلِ، وَمَنَعَ مِنَ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ طَارِقِ بْنِ سُوَيْدٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهَا دَاءٌ». قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلَ شِفَاءَكُم فِيمَا حَرَّمَ

عَلَيْكُمْ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَيَبْتَغُونَ لَذَّتِهَا، فَلَمَّا حَرُمَتْ شَقَّ عَلَيْهِمْ تَرْكُهَا، فَغَلَّظَ الأَمْرَ فِيهَا بِإِيجَابِ الْعُقُوبَةِ عَلَى مُتَنَاوِلِهَا، وَتَحْرِيمِ التَّدَاوِي بِهَا لِئَلا يَسْتَبِيحُوهَا بِعِلَّةِ التَّسَاقُمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَأْمُونٌ فِي أَبْوَالِ الإِبِلِ لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنَ النَّفْرَةِ عَنْهَا، فَلَمْ يَجُزْ إِلْحَاقَ أَحَدِهِمَا بِالآخَرِ. وَسُئِلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ شُرْبِ أَلْبَانِ الأُتُنِ، وَمَرَارَةِ السَّبْعِ، وَأَبْوَالِ الإِبِلِ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَدَاوُونَ بِهَا. قَالَ شُعْبَةُ: وَسَأَلْتُ

الْحَكَمَ، وَحَمَّادًا عَنْ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ، وَعَنِ الْخَمْرِ يُدَاوَى بِهِ الدَّبَرُ، فَكَرِهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الصَّنِيعِ بِالْعُرْنِيِّينِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَوَى قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ، وَقَبْلَ تَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ، وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِهِمْ، أَنْزَلَ اللَّهُ الْحُدُودَ، وَنَهَاهُ عَنِ الْمُثْلَةِ، فَلَمْ يَعُدْ. وَعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ. وَرُوِينَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ، لأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ. يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ اقْتَصَّ مِنْهُمْ عَلَى مِثَالِ أَفْعَالِهِمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يُسْقَوْا لأَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ لِلْقَتْلِ، وَفِي سَقْيِهِمُ اسْتِبْقَاؤُهُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي عُقُوبَةِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ يُقْتَلُ، وَقَتْلُهُ حَتْمٌ لَا يُقْبَلُ الْعَفْوُ، وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ، تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إِذَا كَانَ أَخَذَ قَدْرَ نِصَابِ السَّرَقَةِ، وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ، وَإِنْ لَمْ يَقتُلْ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ، لَكِنَّهُ هَيَّبَ وَكَثَّرَ الْجَيْشَ، نُفِيَ وَعُزِّرَ، وَالأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا

أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [الْمَائِدَة: 33] وَظَاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَهِيَ عَلَى تَرْتِيبِ الْجَرَائِمِ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ. 2570 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابنِ عبَّاسٍ «فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إِذَا قَتَلُوا، وَأَخَذُوا الْمَالَ، قُتِّلُوا وَصُلِّبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا، قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ، وَإذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ، وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالا، نُفُوا مِنَ الأَرْضِ» وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ قَتَادَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَإِذَا فَعَلَ مَا يَسْتَحِقُّ الصَّلْبَ، اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ، ثُمَّ يُصْلَبُ، وَقِيلَ: يُصْلَبْ حَيًّا، ثُمَّ يُطْعَنُ حَتَّى

يَمُوتَ مَصْلُوبًا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَقِيلَ: يُصْلَبُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ حَيًّا، ثُمَّ يُنْزَلُ، فَيُقْتَلُ. فَإِنْ قُلْنَا: يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ فَيُتْرَكُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يُنْزَلُ، فَيُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلا أَنْ يُخْشَى فَسَادُهُ قَبْلَ الثَّلاثِ، وَيَتَأَذَّى بِهِ الأَحْيَاءُ، فَيُنْزَلُ قَبْلَهُ. وَقِيلَ: يُتْرَكُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَفَتَّتَ، إِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ النَّاسُ، فَعَلَى هَذَا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُصْلَبُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الإِمَامَ بِالْخِيَارِ فِي أَمْرِ الْمُحَارَبِينَ بَيْنَ الْقَتْلِ، وَالصَّلْبِ، وَالنَّفْيِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِيمَنْ نَزَلَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الْمَائِدَة: 33]، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الرَّهْطِ الْعُرْنِيِّينَ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الإِسْلامِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [الْمَائِدَة: 34] وَالإِسْلامُ يَحْقِنُ الدَّمَ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهَا. وَإِذَا تَابَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَيَسْقُطُ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا يَخْتَصُّ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِذَا كَانَ قَدْ قَتَلَ، يَسْقُطُ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَالْوَلِيُّ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ الْمَالَ، سَقَطَ عَنْهُ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَقِيلَ فِي سُقُوطِ

باب لا يحل لمسلم أن يروع مسلما

قَطْعِ الْيَدِ: حُكْمُهُ حُكْمُ السَّارِقِ فِي الْبَلَدِ إِذَا تَابَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، سَقَطَ عَنْهُ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَإِذَا تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ، فَلا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْعُقُوبَاتِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [الْمَائِدَة: 34]. وَقِيلَ: كُلُّ عُقُوبَةٍ تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلُ عُقُوبَاتِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَقَطْعِ السَّرِقَةِ، وَحَدِّ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ». قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَيْسَ عَلَى تَائِبٍ حدٌّ. بَابُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا 2571 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، بِهَا، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَسَدٌ يَعْنِي ابْنَ مُوسَى، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ:

سَمِعْتُ أَبَا هَرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» 2572 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا شَبَابَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخيهِ لاعِبًا جَادًّا»، وَقَالَ غَيْرُهُ: «لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخيهِ لاعِبًا جادًّا، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخيهِ، فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ». قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ، لَا يُرِيدُ سَرِقَتَهُ، إِنَّمَا يُرِيدُ إِدْخَالَ الْغَيْظَ عَلَيْهِ، فَهُوَ لاعِبٌ فِي السَّرِقَةِ، جادٌ فِي إِدْخَالِ الأَذَى والرَّوعِ عَلَيْهِ

باب النهي عن أن يشير إلى أحد بالسلاح

بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُشِيرَ إِلَى أَحَدٍ بالسِّلاحِ 2573 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بالسِّلاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ أَنْ يَنْزِعَ فِي يَدِهِ، فَيَقَعَ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ». قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

باب النهي عن الخذف

وَصَحَّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ لَعَنَتْهُ الْمَلائِكَةُ». وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولا»، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ يُقَدَّ السَّيْرُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ». قِيلَ: إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ، لِئَلا يَعْقِرَ يَدَهُ الْحَدِيدُ الَّذِي يَقُدُّ بِهِ السَّيْرَ، كَالنَّهْيِ عَنْ تَعَاطِي السَّيْفِ مَسْلُولا. بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْخَذْفِ 2574 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِهِ يَخْذِفُ، فَقَالَ: لَا تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَنْهَى عَنِ الْخَذْفِ، وَكَانَ يَكْرَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُنْكَأْ بِهَا عَدُوٌّ، وَلَا يُصَادُ بِهَا صَيْدٌ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَفْقَأُ الْعَيْنَ، وَتَكْسِرُ السِّنَّ»، ثُمَّ رآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ: أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى عَنِ الْخَذْفِ؟! وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ كَلِمَةً أَبَدًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ وَكِيعٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، كُلٌّ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ 2575 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ

بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، فَخَذَفَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: لَا تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْهُ، وقالَ: «إنَّه لَا يُصَادُ بهِ صَيْدٌ، وَلَا يُقْتَلَ بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» قَالَ: فَلَمْ يَنْتَهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا، ثُمَّ لَا تَنْتَهِي؟! لَا أُكَلِّمُكَ كَلِمَةً أَبَدًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ الْخَذْفُ: رَمْيُكَ الْحَصَاةَ، أَوِ النَّوَاةَ بَيْنَ إِبْهَامِكَ وَالسَّبَّابَةِ، أَوْ تَجْعَلُ لَهَا مِخْذَفَةً مِنْ خَشَبَةٍ. قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا بِالْبُنْدُقَةِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَكَرِهُوا جَمِيعًا رَمْيَهَا، حُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ رَمْيَهَا، فِي الْقُرَى وَالأَمْصَارِ، وَلَمْ يَرَ بَأْسًا فِيمَا سِوَاهَا.

باب إذا مر ومعه سهام يمسك بنصالها

بَابُ إِذَا مَرَّ وَمَعَهُ سِهَامٌ يُمْسِكُ بِنِصَالِهَا 2576 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي سُوقٍ، أَوْ مَجْلِسٍ، وَمَعَهُ نَبْلٌ، فَلْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا، يَمُدُّ بِهِنَّ صَوْتَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، وَقَالَ: «فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ

باب وعيد من يعذب الناس

بَابُ وَعِيدِ مَنْ يُعَذِّبُ النَّاسَ 2577 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيِّ بِالشَّامِ، وَكَانَ عَامِلا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ نَاسًا مِنَ الأَنْبَاطِ مُشَمَّسِينَ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: حَبَسْتُهُمْ فِي الْجِزْيَةِ، فَقَالَ هِشَامٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الَّذي يُعَذِّبُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا، يُعَذِّبُهُ اللَّهُ فِي الآخِرَةِ»، قَالَ: فَخَلَّى عَنْهُمْ عُمَيْرٌ وَتَرَكَهُمْ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى قَوْمًا فِي أَيْدِيهِم مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ، يَغْدُونَ فِي غَضَبِ اللَّهِ، وَيَرُوحُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ». 2578 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، نَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَوْلُهُ: «كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ» يُرِيدُ اللائِي يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِفُ مَا تَحْتَهَا، فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ فِي الظَّاهِرِ، عَارِيَاتٌ فِي الْحَقِيقَةِ. وَقِيلَ: هُنَّ اللائي يُسْدِلْنَ الْخُمُرَ مِنْ وَرَائِهِنَّ، فَتَنْكَشِفُ صُدُورُهُنَّ، فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَاتِ إِذَا كَانَ لَا يَسْتُرُ لِبَاسُهُنَّ جَمِيعَ أَجْسَامِهِنَّ، وَقِيلَ: أَرَادَ كَاسِيَاتٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، عَارِيَاتٌ مِنَ الشُّكْرِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. قَوْلُهُ: «مَائِلاتٌ» قِيلَ زَائِغَاتٌ عَنِ اسْتِعْمَالِ طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا يَلْزَمُهُنَّ مِنْ حِفْظِ الْفُرُوجِ. «مُمِيلَاتٌ»، أَيْ: يُعَلِّمْنَ غَيْرَهُنَّ الدُّخُولَ فِي مِثْلِ فِعْلِهِنَّ، كَمَا يُقَالُ: أَخْبَثَ فُلانٌ فُلانًا، فَهُوَ مخبث،: إِذْ عَلَّمَهُ الْخُبْثَ، وَأَدْخَلَهُ فِيهِ، وَقِيلَ: مَائِلاتٌ: مُتَبَخْتِرَاتٌ فِي مَشْيِهِنَّ، «مُمِيلاتٌ»: يُمِلْنَ أَكْتَافَهُنَّ وَأَعْطَافَهُنَّ. وَقَوْلُهُ: «رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ» قِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُنَّ يُعَظِّمْنَ رُءُوسَهُنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِمِ حَتَّى تُشْبِهَ أَسْنِمَةَ الْبُخْتِ، وَقِيلَ: يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَالِ، لَا يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ، وَلا يُنَكِّسْنَ رُءُوسَهُنَّ.

24 - كتاب الحدود

24 - كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ حَدِّ الزِّنَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النِّسَاء: 15]. رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدَ مِائَةٍ، وَرَمْيًا بالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ

بِالْبِكْرِ جَلْدَ مِائَةٍ، وَنَفْيَ سَنَةٍ». فَهَذَا الْحَدِيثُ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ الْمَوْعُودِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النِّسَاء: 15]، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ عُقُوبَةَ الزَّانِيَةِ الْحَبْسَ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهَا سَبِيلا، فَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 2579 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ، أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ. وَقَالَ الآخرُ وكانَ أَفْقَهَهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَائْذَنْ لِي فِي أَنْ أَتَكَلَّمَ. فَقَالَ: «تَكَلَّمْ». قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ، وَبِجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ

أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا والَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ، فَرَدٌّ إِلَيْكَ»، وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً، وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأَمَرَ أُنَيْسًا الأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الآخَرِ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا. قَالَ مَالِكٌ: الْعَسِيفُ: الأَجِيرُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْفِقْهِ، مِنْهَا: جَوَازُ الْفَتْوَى

فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالرُّخْصَةُ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى أَنْ يُفْتِيَ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يُنْكِرِ الرَّجُلَ قَوْلَهُ: سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مُقِيمًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْفَتْوَى لِلتَّابِعِيِّ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهِ. وَفِيهِ أَنَّ الْبِكْرَ إِذَا زَنَى، عَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ إِذَا زَنَى عَلَيْهِ الرَّجْمُ، وَلا يُجْلَدُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الثَّيِّبِ: الْمُحْصَنُ، وَهُوَ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعُ شَرَائِطَ: الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالإِصَابَةُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُحْصَنِ هَلْ يُجْلَدُ مَعَ الرَّجْمِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً ثُمَّ يُرْجَمُ، مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدَ مِائَةٍ وَرَمْيًا بِالْحِجَارَةِ»، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ، وَدَاوُدُ. 2580 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُبَادَةَ يَعْنِي ابْنَ الصَّامِتِ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ».

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يُدْخِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُبَادَةَ حِطَّانَ الرَّقَاشِيَّ، فَلا أَدْرِي أَدْخَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، فَزَلَّ مِنْ كِتَابِي أَوْ لَا! قَالَ الإِمَامُ: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا جَلْدَ عَلَى الْمُحْصَنِ مَعَ الرَّجْمِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ التَّابِعِينَ، وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْجَلْدَ مَنْسُوخٌ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَجَمَ مَاعِزًا، وَالْغَامِدِيَّةَ، وَالْيَهُودِيَّيْنِ، وَلَمْ يَجْلِدْ وَاحِدًا مِنْهُمْ». وَقَالَ لأُنَيْسٍ الأَسْلَمِيِّ: «فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»، وَلَمْ يَأْمُرْ بِجَلْدِهَا، وَهَذَا آخِرُ الأَمْرَيْنِ، لأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَاهُ، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الإِسْلامِ، فَيَكُونُ نَاسِخًا لِمَا سَبَقَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ إِذَا زَنَى، أَنَّ عَلَيْهِ جَلْدَ مِائَةٍ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ

وَتَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النُّور: 2] وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ الْبُلُوغَ، وَالْعَقْلَ، وَالْحُرِّيَّةَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبِ النِّكَاحَ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْرِيبِهِ سَنَةً، فَذَهَبَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، إِلَى أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً، وَيُغَرَّبُ عَامًا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. 2581 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الشَّرْقِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنِ الزُّهرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ، وتَغْرِيبِ عَامٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرَوَى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ضَرَبَ، وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ، وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَب، وَغَرَّبَ»، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ،

وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يُجْلَدُ، وَلا يُغَرَّبُ، وَلا يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ. قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ» اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، قِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْكِتَابِ: الْفَرْضُ، يَقُولُ: لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِمَا فَرَضَهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَهُ، إِذْ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ذِكْرُ الرَّجْمِ مَنْصُوصًا كَذِكْرِ الْجَلْدِ، وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَقَدْ جَاءَ الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْفَرْضِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النِّسَاء: 24]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [الْبَقَرَة: 178]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [الْبَقَرَة: 183]، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [الْمَائِدَة: 45]، أَيْ: فَرَضْنَا وَأَوْجَبْنَا. وَقِيلَ: بِكِتَابِ اللَّهِ، أَيْ: بِحُكْمِ اللَّهِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [الطّور: 41]، أَيْ: يَحْكُمُونَ. وَقِيلَ: ذَكَرَ الرَّجْمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ صَرِيحًا، فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النِّسَاء: 16]. وَالأَذَى يَنْطَلِقُ عَلَى الرَّجْمِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ، أَوْ ضُمِّنَ الْكِتَابُ بِأَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا، ثُمَّ بَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ» بَيَانُ حُكْمِ الْكِتَابِ، وَقَدْ قِيلَ: كَانَ حُكْمُ الرَّجْمِ مُنَزَّلا مَتْلُوًّا فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَرُفِعَتْ تِلاوَتُهُ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا

2582 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا، وَعَقَلْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، وَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجالِ والنِّسَاء إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوِ الاعْتِرَافُ، ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ، فِيمَا نَقْرَأُ، مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنْ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ". هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ

قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الزَّانِيَيْنِ إِذَا كَانَ مُحْصَنًا دُونَ الآخَرِ أَنَّهُ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ، وَيُجْلَدُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا، وَالآخَرُ عَبْدًا، فَيُحَدُّ الْحُرُّ حَدَّ الأَحْرَارِ، وَيُحَدُّ الرَّقِيقُ حَدَّ الْعَبِيدِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ زَنَى عَاقِلٌ بِمَجْنُونَةٍ، أَوْ بَالِغٌ بِمُرَاهِقَةٍ، يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَجْنُونَةِ وَالْمُرَاهِقَةِ بِالاتِّفَاقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَكَّنَتْ عَاقِلَةٌ مِنْ مَجْنُونٍ، أَوْ بَالِغَةٌ مِنْ مُرَاهِقٍ، يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ إِذَا مَكَّنَتْ مِنْ مَجْنُونٍ، أَوْ مُرَاهِقٍ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْدَأَ بِاسْتِمَاعِ كَلامِ أَيِّ الْخَصْمَيْنِ شَاءَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الإِجَارَةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ قَوْلَهُ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، وَقَدْ أَبْطَلَهَا قَوْمٌ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهَا. وَفِي قَوْلِهِ: «أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ إِلَيْكَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَأْخُوذَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالصُّلْحِ الْفَاسِدِ مُسْتَحِقُّ الرَّدِّ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلآخَرِ. وَفِي قَوْلِهِ: «فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا عَلَى نَفْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ، وَلا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْرَارُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً يُقْطَعُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ مَا لَمْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ، فَإِذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ كَإِقْرَارٍ وَاحِدٍ.

وَأَوْجَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدُ بِهِ الْحَدَّ، وَاحْتَجَّ مَنْ شَرَطَ التَّكْرَارَ فِي الإِقْرَارِ بِالزِّنَا بِقِصَّةِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، وَإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا، وَسَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْصَنَ إِذَا زَنَى، لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ. قَالَ الإِمَامُ: وَفِي قَوْلِهِ: «فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» بَيَانُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَعْتَرِفْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْمُقِرِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَجَلَدَهُ مِائَةً، وَكَانَ بِكْرًا، ثُمَّ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ، فَقَالَتْ: كَذَبَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَلَدَهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ ". قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الإِمَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لإِقَامَةِ الرَّجْمِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ حُضُورَ الإِمَامِ شَرْطٌ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، كَحُضُورِ الشُّهُودِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الرَّجْمُ رَجْمَانِ: فَإِنْ كَانَ بِالْحَبَلِ وَالاعْتِرَافِ، يَبْدَأُ الإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالشُّهُودِ، فَيُبْدَأُ بِالشُّهُودِ، فَيُبْدَأُ بِالشُّهُودِ ثُمَّ الإِمَامِ ثُمَّ النَّاسِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْوِكَالَةِ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ.

قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلا بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى الْمَقْذُوفِ، فَيُخْبِرُهُ بِهِ، لَا لِطَلَبِ إِقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]، وَلأَنَّ الأَوْلَى بِمَنْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِمَّا يُوجِبُ حَدَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَكِنْ لِيُطْلِعَهُ عَلَى أَنَّ فُلانًا قَدْ قَذَفَهُ، وَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَرِفًا بِالزِّنَا، طَلَبَ حَقَّهُ مِنَ الْحَدِّ، وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَيْسًا إِلَى امْرَأَةِ الرَّجُلِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنِ الْقَاذِفُ مُعَيِّنًا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّ فُلانًا زَنَى، فَلا يَبْعَثُ الإِمَامُ إِلَيْهِ، وَلا يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ اخْتِيَارًا لِلسَّتْرِ، وَاحْتِرَازًا عَنْ تَتَبُّعِ الْعَوْرَاتِ، وَفِي حِفْظِ السَّتْرِ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهُ هَزَّالٌ: «يَا هَزَّالُ، لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ». قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ وَلَدَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يحدهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ ابْنِي زَنَى بِامْرَأَتِهِ.

باب رجم الذمي إذا زنى وإحصانه

بَابُ رَجْمِ الذمِّيِّ إِذا زَنَى وَإِحصَانِهِ 2583 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْراةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟»، قَالُوا: نَفْضَحُهُمْ، وَيُجْلَدُونَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: كَذَبْتُمْ، إِنَّ فِيهَا لآيَةَ الرَّجْمِ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ، فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرأَ مَا قَبْلَهَا وَما بَعْدَهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ. فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ. «فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يُجْنِئُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: يُجْنِئُ عَلَيْهَا، أَيْ: يُكِبُّ عَلَيْهَا، يُقَالُ: أَجْنَأَ عَلَيْهِ، يُجْنِئُ: إِذَا أَكَبَّ عَلَيْهِ يَقِيهِ شَيْئًا، وَيُقَالُ: جَنَأَ يَجْنَأُ جُنُوأً إِذَا أَكَبَّ عَلَيْهِ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الأَصَحُّ. قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا أَصَابَ بِالنِّكَاحِ الَّذِي عَقَدَهُ عَلَى اعْتِقَادِهِ يَصِيرُ مُحْصَنًا، وَأَنَّ أَنْكِحَةَ الشِّرْكِ يُعْطَى لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمْ يُقِرُّوا عَلَيْهِ بَعْدَ الإِسْلامِ، وَلَمْ يَجِبِ الَّرَجْمُ عَلَيْهِمْ بِالزِّنَا، وَإِذَا كَانَ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ يَحْصُلُ بِهَا التَّحْلِيلُ حَتَّى لَوْ طَلَّقَ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ ثَلاثًا، وَنَكَحَتْ ذِمِّيًا وَأَصَابَهَا، حَلَّتْ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ بِهَذِهِ الإِصَابَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ إِذَا أَصَابَ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ يَصِيرُ مُحْصَنًا حَتَّى لَوْ زَنَى بَعْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ. وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرًّا، وَالآخَرُ رَقِيقًا، فَأَصَابَهَا، يَصِيرُ الْحُرُّ مُحْصَنًا بِهَذِهِ الإِصَابَةِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الأَمَةُ تُحَصِّنُ الْحُرَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَاقِلا بَالِغًا، وَالآخَرُ مَجْنُونًا أَوْ مُرَاهِقًا، يَصِيرُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ مُحْصَنًا بِالإِصَابَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَلْ يُكْتَفَى بِهَذِهِ الإِصَابَةِ فِي حَقِّ الرَّقِيقِ، وَالْمُرَاهِقِ، وَالْمَجْنُونِ حَتَّى لَوْ عُتِقَ، أَوْ أَفَاقَ، أَوْ بَلَغَ يَكُونُ مُحْصَنًا بِتِلْكَ الإِصَابَةِ؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ، مِنْهُمْ

مَنْ جَعَلَهُ مُحْصَنًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُحْصَنًا، وَهُوَ الأَصَحُّ مَا لَمْ تُوجَدِ الإِصَابَةُ فِي حَالَةِ الْكَمَالِ لأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ أَكْمَلَ الإِصَابَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ حَتَّى إِنَّ الإِصَابَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَوْ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُحْصِنُهُ، فَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الإِصَابَةُ فِي حَالِ كَمَالِ الْمُصِيبِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، قَالَ: الأَمَةُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ، وَهُوَ لَا يُحْصِنُهَا حَتَّى يُصِيبَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا، وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ تَكُونُ تَحْتَ عَبْدٍ فَأَصَابَهَا فَقَدْ أَحْصَنَهَا، وَهِيَ لَا تُحْصِنُهُ حَتَّى تُوجَدَ الإِصَابَةُ بَعْدَ عِتْقِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي حَالِ الإِصَابَةِ رَقِيقًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ مُرَاهِقًا لَا يَصِيرُ الآخَرُ بِهِ مُحْصَنًا، وَكَذَلِكَ قَالُوا: الْكِتَابِيَّةُ لَا تُحْصِنُ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ الرَّجْمِ عَلَى الْمُشْرِكِ إِذَا زَنَى، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُرْجَمُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَهَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الْمَائِدَة: 49]، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَتْرُكُ حُكْمَ كِتَابِهِ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ، وَيَحْكُمُ بِالْمَنْسُوخِ، وَإِنَّمَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْرَاةِ اسْتِظْهَارًا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيِّينَ إِذَا تَرَافَعُوا إِلَيْنَا فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ يَجِبُ عَلَى حَاكِمِنَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ جَبْرًا، وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ

وَأَظْهَرُهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، وَإِذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا وَاسْتَعْدَى عَلَى خَصْمِهِ يَجِبُ أَنْ يُعْدِيَهُ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة: 29] أَنَّ الصَّغَارَ هُوَ جَرَيَانُ حُكْمِ الإِسْلامِ عَلَيْهِمْ عَلَى قَهْرٍ مِنْهُمْ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمْ إِلَى حَاكِمِهِمْ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الْمَائِدَة: 42]، وَإِذَا جَاءَ مُسْتَعْدِيًا لَا يَجِبُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُعْدِيَهُ إِلا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِحُكْمِهِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ، لأَنَّ الذِّمِّيَّيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قَدِرَا عَلَى إِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِتَرْكِ الرِّضَا لَبَادَرَا إِلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَارَ الْحُكْمَ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ الإِسْلامِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ عَلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، وَيَجِبُ الإِعْدَاءُ إِذَا اسْتَعْدَى كَمَا إِذَا كَانَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْجُومَ لَا يُشَدُّ وَلا يُرْبَطُ، وَلا يُجْعَلُ فِي الْحُفْرَةِ، لأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُمَكِّنْهُ أَنْ يُجْنِئَ عَلَيْهَا وَيَقِيَهَا الْحِجَارَةَ. وَرُوِيَ فِي رَجْمِ مَاعِزٍ أَنَّهُ هَرَبَ، وَلَوْ كَانَ مَشْدُودًا أَوْ فِي حُفْرَةٍ لَمْ يُمْكِنْهُ الْهَرَبَ، وَرُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ فِي رَجْمِ مَاعِزٍ أَنَّهُ حُفِرَ لَهُ حُفْرَةٌ، وَفِي الْغَامِدِيَّةِ فَحَفَرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْحَفْرِ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أَوْثَقْنَاهُ وَلا حَفَرْنَا لَهُ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُحْفَرُ لَهُ.

باب الإقرار بالزنا

وَإِلَيْهِ مَالَ أَحْمَدُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ، وَيُحْفَرُ لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. بَابُ الإِقْرَارِ بِالزِّنَا 2584 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ الأَسْلَمِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثمَّ جَاءَهُ مِنْ شِقِّهِ الأَيْسَرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: إنِّي قَدْ زَنَيْتُ. قَالَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْطَلِقُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ». ، فَانْطَلَقُوا بِهِ، فَلَمَّا مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ، أَدْبَرَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فِي يَدِهِ لَحْيُ جَمَلٍ، فَضَرَبَهُ بِهِ فَصَرَعَهُ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 2585 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ، وهوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذي أَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَبِكَ جُنُونٌ؟»، قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «أُحْصِنْتَ؟»، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «اذْهَبُوا فَارْجُمُوهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذَا، وَقَالَ: فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ، فَرَّ، فَأُدْرِكَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، " فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرًا. وَصَلَّى عَلَيْهِ " قَوْلُهُ: «فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ»، أَيْ: قَصَدَ الْجِهَةَ الَّتِي إِلَيْهَا وَجَّهُهُ، وَنَحَا نَحْوَهَا، مِنْ قَوْلِكَ: نَحَوْتُ الشَّيْءَ أَنْحُوهُ. قَوْلُهُ: «أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ»، أَيْ: بَلَغَتْ مِنْهُ الْجَهْدَ حَتَّى قَلِقَ، وَقِيلَ: مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ بِذَلَقِهَا، وَذَلَقُ كُلِّ شَيْءٍ: حَدُّهُ. قَالَ الإِمَامُ: يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّكْرَارَ فِي الإِقْرَارِ بِالزِّنَا حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَيَحْتَجُّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَجِيئِهِ مِنَ الْجَوَانِبِ الأَرْبَعِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ التَّكْرَارَ، قَالَ: إِنَّمَا رَدَّهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِشُبْهَةٍ دَاخَلَتْهُ فِي أَمْرِهِ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ فَقَالَ: «أَبهِ جُنُونٌ؟»، فَأُخْبِرَ أَنَّ لَيْسَ بِهِ جُنُونٌ، فَقَالَ: «أَشَرِبَ خَمْرًا؟»، فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ: «أَزَنَيْتَ؟»، قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. فَرَدَّهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِلْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ، لَا أَنَّ التَّكْرَارَ فِيهِ شَرْطٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ الْمَرْأَةَ الْغَامِدِيَّةَ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَهُ وَأَقَرَّتْ بِالزِّنَا، فَقَالَتْ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا. فَثَبَتَ أَنَّ التَّرْدِيدَ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِزَوَالِ الشُّبْهَةِ، وَلَمْ يَزُلْ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَاعِزٍ إِلا فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ.

وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ مَا هَرَبَ: «هَلا تَرَكْتُمُوهُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: مَا زَنَيْتُ، أَوْ كَذَبْتُ، أَوْ رَجَعْتُ، سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ، وَإِذَا رَجَعَ فِي خِلالِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، سَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَكَذَلِكَ السَّارِقُ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ إِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ، تَسْقُطُ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالرُّجُوعِ عَنِ الإِقْرَارِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو ثَوْرٍ، قَالُوا: وَلَوْ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ لَصَارَ مَقْتُولا خَطَأً، وَلَوَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ. قَالَ الإِمَامُ: إِنَّمَا لَمْ تَجِبِ الدِّيَةُ، لأَنَّ مَاعِزًا لَمْ يَكُنْ رَجَعَ صَرِيحًا، لَكِنَّهُ هَرَبَ، وَبِالْهَرَبِ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ» أَيْ: لِنَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ، وَنَسْتَثْبِتَ الْمَعْنَى الَّذِي هَرَبَ مِنْ أَجْلِهِ، أَنَّهُ هَرَبَ رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ، أَمْ فِرَارًا مِنْ أَلَمِ الْحِجَارَةِ؟ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ». 2586 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوَ نَظَرْتَ؟»، قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَنِكْتَهَا» لَا يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ عُقُوبَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَيَجُوزُ لِلإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَهُ مَا يَسْقُطُ بِهِ عَنْهُ الْحَدُّ، فَيَقُولُ لِلزَّانِي: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ، أَوْ فَاخَذْتَ. وَلِلسَّارِقِ: لَعَلَّكَ أَخَذْتَ عَنْ غَيْرِ حِرْزٍ، أَوِ اخْتَلَسْتَهُ، أَوْ خُنْتَ. وَنَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِي بِسَارِقٍ، فَقَالَ: «لَا أَخَالُكَ سَرَقْتَ». وَأُتِيَ عُمَرُ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَارِقٍ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ قُلْ: لَا. فَقَالَ: لَا. فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، أَمَّا مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، مَالا، أَوْ عُقُوبَةً، فَلا يَجُوزُ فِيهِ التَّلْقِينُ. 2587 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا الْحُسَيْنُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى الصُّوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمَوْصِلِيِّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَثْيَمِ الأَنْبَارِيُّ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، نَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيُّ، نَا أَبِي، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَامِعٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي. قَالَ: «وَيْحَكَ، ارْجِعْ، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ». قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ

جَاءَ، فَقَالَ: يَا رسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي. فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ، ارْجِعْ، واستَغْفِرِ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ». قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي. فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذلِكَ، حَتَّى كَانَتِ الرَّابِعَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِمَّ أُطَهِّرُكَ؟» قَالَ: مِنَ الزِّنَا. قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبِهِ جُنُونٌ؟» فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ جُنُونٌ، فَقَالَ: «أَشَرِبَ خَمْرًا؟» فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَثَيِّبٌ أَنْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فَرِيقَيْنِ، تَقُولُ فِيهِ فِرْقةٌ: لَقَدْ هَلَكَ مَاعِزٌ عَلَى أَسْوَإِ عَمَلِهِ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ. قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ». قَالَ: فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهَا». قَالَ: ثمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ

مِنْ غَامِدٍ مِنَ الأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي. فَقَالَ: «وَيْحَكِ، ارْجِعِي فَاسْتَغْفِري اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ». فَقَالَتْ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ. قَالَ: «وَمَا ذَاك؟» قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا. قَالَ: «أَثَيِّبٌ أَنْتِ؟» قالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «إِذَنْ لَا نَرْجُمُكِ حتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ». قَالَ: وَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ حتَّى وَضَعَتْ، فأَتَى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ؟ قَالَ: «إِذًا لَمْ نَرْجُمْهَا وَنَدَعْ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ، فَقَالَ: إنِّي أُرْضِعُهُ يَا نَبيَّ اللَّه. فَرَجَمَهَا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَامِعٍ الْمُحَارِبِيِّ، وَلَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ غَيْلانَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ

بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ فِي رَجْمِ مَاعِزٍ: «حُفِرَ لَهُ حُفْرَةٌ، ثمَّ أُمِرَ بِهِ فَرُجِمَ». وَقَالَ فِي الْغَامِدِيَّةِ: قَالَ: «فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي». فَلَمَّا وَلَدَتْ، أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَ: اذْهَبِي، فَأَرْضِعِيهِ حتَّى تَفْطُمِيهِ ". فَلَمَّا فَطَمَتْهُ، أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ، فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا، فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَهْلا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةٍ لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصُلِّيَ عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ الْمَكْسُ: مَا يَأْخُذُهُ الْمَاكِسُ، وَالْمَاكِسُ: الْعَشَّارُ، وَأَصْلُ الْمَكْسِ: الْخِيَانَةُ. قَالَ الإِمَامُ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْحَامِلِ عُقُوبَةٌ لَا تُقَامُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَضَعِ الْحَمْلَ، لأَنَّ فِي مُعَاقَبَتِهَا قَبْلَ الْوَضْعِ إِهْلاكَ الْبَرِيءِ بِسَبَبِ الْمُجْرِمِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ لِلْعِبَادِ، فَإِذَا وَضَعَتِ الْحَمْلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ تُرْضِعُ الْوَلَدَ فَتُؤَخَّرُ حَتَّى تَفْطِمَ الْوَلَدَ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ تُرْضِعُهُ، فَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ بُرَيْدَةَ فِي أَمْرِ الْغَامِدِيَّةِ أَنَّهَا هَلْ رُجِمَتْ بَعْدَ مَا وَضَعَتْ، أَوْ رُجِمَتْ بَعْدَ الْفِطَامِ؟ فَرَوَى بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ أَنَّهَا رُجِمَتْ بَعْدَ الْفِطَامِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ أَنَّهَا رُجِمَتْ بَعْدَ مَا وَضَعَتْ، وَهُوَ الأَصَحُّ، وَكَذَلِكَ رَوَى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ اعْتَرَفَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّنَا، وَقَالَتْ: أَنَا حُبْلَى. فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا، فَقَالَ: «

باب المولى يقيم الحد على مملوكه

أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا، فَأَخْبِرْنِي». فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَرُجِمَتْ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ فَعَلَ بِشُرَاحَةَ، رَجَمَهَا لَمَّا وَضَعَتْ حَمْلَهَا. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. بَابُ الْمَوْلَى يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ 2588 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هَرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ

الْمِصْرِيِّ، عَنِ اللَّيْثِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، قَالُوا: يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَمْلُوكِهِ دُونَ السُّلْطَانِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَرُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّتْ جَارِيَةً لَها زَنَتْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَقَدْ أَدْرَكْتُ بَقَايَا الأَنْصَارِ يَضْرِبُونَ وَلائِدَهُمْ إِذَا زَنَيْنَ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانَ عَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ يَضْرِبَانِ وَلائِدَهُمَا إِذَا زَنَيْنَ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَرْفَعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ، وَلا يُقِيمُهُ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: فِي الْحَدِيثِ إِيجَابُ الْحَدِّ، وَإِيجَابُ الْبَيْعِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْسِكَهَا إِذَا زَنَتْ أَرْبَعًا. وَقَوْلُهُ: «وَلَا يُثَرِّبْ»، يَعْنِي: لَا يُعَيِّرْ، وَالتَّثْرِيبُ: التَّعْيِيرُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يُوسُف: 92]، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يُقْتَصَرُ عَلَى تَعْيِيرِهَا وَتَبْكِيتِهَا، وَيُعَطِّلُ الْحَدَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: لَا يُثَرِّبُهَا بَعْدَ الضَّرْبِ. وَفِي قَوْلِهِ: «فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزِّنَا عَيْبٌ فِي الرَّقِيقِ يُرَدُّ بِهِ الْبَيْعُ، وَلِذَلِكَ حَطَّ مِنْ قِيمَتِهِ. وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَ غَيْرِ الْمَحْجُورِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ جَائِزٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ حَدَّ الْمَمَالِيكِ الْجَلْدُ، وَلا رَجْمَ عَلَيْهِمْ، وَحُدُودُهُمْ بِالْجَلْدِ عَلَى نِصْفِ حَدِّ الأَحْرَارِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النِّسَاء: 25]، فَحَدُّ الْمَمْلُوكِ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَفِي الْقَذْفِ أَرْبَعُونَ، وَفِي الشُّرْبِ عِشْرُونَ. رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَلَدْنَا وَلائِدَ مِنْ وَلائِدِ الإِمَارَةِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ فِي الزِّنَا. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَالْخُلَفَاءَ هَلُمَّ جَرَّا، مَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ. وَسُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حَدِّ الْعَبْدِ فِي الْخَمْرِ، فَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ جَلَدُوا عَبِيدَهُمْ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ فِي الْخَمْرِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْرِيبِ الْمَمْلُوكِ إِذَا زَنَى، فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُغَرَّبُ نِصْف سَنَةٍ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، وَقِيلَ: سَنَةٌ كَالْحُرِّ، كَمَا أَنَّ مُدَّةَ الْعُنَّةِ يَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ. وَرُوِيَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الإِمَارَةِ وَقَعَ عَلَى وَلِيدَةٍ مِنَ الْخُمْسِ، فَاسْتَكْرَهَهَا

حَتَّى اقْتَضَّهَا، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ، وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدِ الْوَلِيدَةَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا. 2589 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: وَلَدَتْ أَمَةٌ لِبَعْضِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ». قَالَ: فَوَجَدْتُهَا لَمْ تَجِفَّ مِنْ دَمِهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «إِذَا جَفَّتْ مِنْ دَمِهَا، فَأَقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ». ثُمَّ قَالَ: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ».

أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الإِمَامُ: وَلا فَرْقَ فِي حَدِّ الْمَمْلُوكِ بَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ، أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ مِنَ الْمَمَالِيكِ إِذَا زَنَى، لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النِّسَاء: 25]، أَي: زُوِّجْنَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ. وَمَعْنَى الإِحْصَانِ عِنْدَ الآخَرِينَ: الإِسْلامُ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَحَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ: «أَحْصَنَّ» بِفَتْحِ الأَلِفِ، يَعْنِي: أَسْلَمْنَ. قَالَ الإِمَامُ: حَدُّ الْمَمْلُوكِ لَا يَخْتَلِفُ بِالإِسْلامِ وَالْكُفْرِ، كَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِالتَّزَوُّجِ وَعَدَمِ التَّزَوُّجِ، وَقِرَاءَةُ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ: أُحْصِنَّ بِضَمِّ الأَلِفِ، بِمَعْنَى: زُوِّجْنَ، وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالتَّزْوِيجِ: بَيَانُ أَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يُرْجَمُ إِذَا زَنَى بَعْدَ النِّكَاحِ بِخِلافِ الْحُرِّ، بَلْ حَدُّهُ بَعْدَ النِّكَاحِ جَلْدٌ كَمَا قَبْلَهُ. وَالإِحْصَانُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ: الْمَنْعُ، وَيَقَعُ ذَلِكَ عَلَى الإِسْلامِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالْعَفَافِ، وَالتَّزْوِيجِ، لأَنَّ الإِسْلامَ يَمْنَعُهُ عَمَّا لَا يُبَاحُ لَهُ وَكَذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ، وَالْعَفَافُ، وَالتَّزْوِيجُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 24]، أَرَادَ: الْمُزَوَّجَاتُ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النِّسَاء: 25]، أَيِ: الْحَرَائِرَ، وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النُّور: 4]، أَيِ: الْعَفَائِفَ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النِّسَاء: 24]، أَيْ: مُتَزَوِّجِينَ، وَيَجُوزُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا، يُقَالُ: امْرَأَةٌ حَصَانٌ: بَيِّنَةُ الْحصن، وَفَرَسٌ حَصَانٌ: بَيِّنُ التَّحَصُّنِ إِذَا كَانَ مُنْجِبًا، وَبِنَاءٌ حَصِينٌ: بَيِّنُ الْحَصَانَةِ.

باب حد المريض

قَالَ الإِمَامُ: أَمَّا قَطْعُ السَّرِقَةِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا قَطْعَ عَلَى الْمَمْلُوكِ إِذَا سَرَقَ». وَيُحْكَى ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى خِلافِهِ، وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ إِذَا سَرَقَ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَالْقِصَاصُ. بَابُ حَدِّ الْمَرِيضِ 2590 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا، قَالَ أَحَدُهُمَا: أَحْبَنٌ، وَقَالَ الآخَرُ: مُقْعَدٌ، كَانَ عِنْدَ جَوَارِي سَعْدٍ، فَأَصَابَ امْرَأَةً حَبَلٌ، فَرَمَتهُ بِهِ، فَسُئِلَ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، قَالَ أَحَدُهُمَا: فَجُلِدَ بِإِثْكَالِ النَّخْلِ، وَقَالَ الآخَرُ: بِأُثْكُولِ النَّخْلِ

2591 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِيهِ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ كَانَ فِي الْحَيِّ مُخْدَجٍ سَقِيمٍ وُجِدَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إِمَائِهِمْ يَخْبُثُ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا لَهُ عِثْكَالا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ، فَاضْرِبُوهُ بِهِ ضَرْبَةً». الْعِثْكَالُ وَالإِثْكَالُ: هُوَ الْعِذقُ الَّذِي يُسَمَّى الْكِبَاسَةَ، يُقَالُ: إِثْكَالٌ وَأُثْكُولٌ، وَعِثْكَالٌ وَعُثْكُولٌ، وَأَغْصَانُهُ: شَمَارِيخُ، وَاحِدُهَا: شِمْرَاخٌ، الْمُخْدَجُ: نَاقِصُ الْخَلْقِ، وَقَوْلُهُ: «يَخْبُثُ بِهَا»، أَيْ: يَزْنِي بِهَا. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي بِهِ مَرَضٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ

باب من نكح امرأة من محارمه

الْجَلْدِ بِأَنْ زَنَى، وَهُوَ بِكْرٌ، يُضْرَبُ بِإِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ضَرْبَةً وَاحِدَةً بِحَيْثُ تَمَسُّهُ الشَّمَارِيخُ كُلُّهَا، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44]، وَإِنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ يُرْجَى زَوَالُهُ يُؤَخَّرُ حَتَّى يَبْرَأَ، وَكَذَلِكَ لَا تُقَامُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ، وَالْبَرْدِ الْمُفْرِطِ، بَلْ يُؤَخَّرُ إِلَى اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ، فَإِنْ كَانَ حَدُّهُ رَجْمًا، أَوْ قَتْلا يُقَامُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ كُلِّهَا. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ بِالشَّمَارِيخِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى أَرِقَّائِكُمْ، مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ، فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَأَتَيْتُها فَإِذَا هِيَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ، فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَحْسَنْتَ». وَيُرْوَى: «اتْرُكْهَا حتَّى تَمَاثَلَ». بَابُ مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ 2592 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ الْخُضَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ

الْعُطَارِدِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَشْعَبَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: مَرَّ بِي خَالِي وَمَعَهُ لِوَاءٌ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: «بَعَثَني النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ آتِيهِ بِرَأْسِهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِيهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ، فَأَصَابَهَا، لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَهُوَ كَمَنْ أَصَابَهَا بِغَيْرِ اسْمِ النِّكَاحِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: يُقْتَلُ، وَيُؤْخَذُ مَالُهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُعَزَّرُ، وَلا يُحَدُّ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لأَنَّ صُورَةَ الْعَقْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُبْهَةُ إِبَاحَةٍ لَا تَدْرَأُ الْحَدَّ، كَمَنِ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِعَمَلٍ، فَزَنَى بِهَا، لَا يَسْقُطُ

عَنْهُ الْحَدُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، يَقُولُ: إِذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِلزِّنَا، فَزَنَى بِهَا، لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ، يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَتَادَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ: يُجْلَدُ وَلا يُرْجَمُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِنْ قَالَ: «ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي». لَمْ يَحُدَّهُ. وَعَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: إِنْ كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَهَالَةِ يُعَزَّرُ، وَلا يُحَدُّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ: رُفِعَ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَجُلٌ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: لأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَهُ جَلَدْتُهُ مِائَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ، رَجَمْتُهُ ". وَيُقَالُ: ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ. وَلا يَصِحُّ، وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ، إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ، وَأَبُو بِشْرٍ أَيْضًا لَمْ يَسْمَعْهُ

مِنْ حَبِيبٍ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَخْرِيجِ هَذَا الْحدِيثِ: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَحَلَّتْهَا لَهُ، فَقَدْ أَوْقَعَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي الْوَطْءِ، فَدُرِئَ عَنْهُ الرَّجْمُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ، لِمَا أَتَاهُ مِنَ الْمَحْظُورِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ أَحَدٌ نَشَأَ فِي الإِسْلامِ، أَوْ عَرَفَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ، فَزِيدَ فِي التَّعْزِيرِ حَتَّى بَلَغَ بِهِ حَدَّ زِنَى الْبِكْرِ رَدْعًا لَهُ وَتَنْكِيلا، وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى لِلإِمَامِ أَنْ يَبْلُغَ بِالتَّعْزِيرِ مَبْلَغَ الْحَدِّ. قَالَ الإِمَامُ: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُرْتَهِنِ إِذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ: إِنَّهُ يُحَدُّ، وَوَلَدُهُ مِنْهَا رَقِيقٌ لَا يَلْحَقُهُ، وَلا أَقْبَلُ دَعْوَاهُ الْجَهَالَةَ، إِلا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ حَدِيثًا، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَلَوْ كَانَ رَبُّهَا أَذِنَ لَهُ فِي وَطْئِهَا، وَكَانَ يَجْهَلُ، دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَكَانَ حُرًّا، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ سَقَطَ. قَالَ الإِمَامُ: فَقَدْ سَمِعَ دَعْوَى الْجَهَالَةِ عِنْدَ وُجُودِ الإِذْنِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ إِلا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالإِسْلامِ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ لَا يَعْرِفُ أَحْكَامَ الشَّرْعِ، فَلا يَبْعُدُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَنْ تُسْمَعَ دَعْوَى الزَّوْجِ الْجَهَالَةَ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ أَذِنَتْ فِيهِ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ. وَلَوْ زَنَى رَجُلٌ بِأَمَةِ الْغَيْرِ وَهِيَ مُكْرَهَةٌ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَلا حَدَّ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ فَعَلَ بِحُرَّةٍ. وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ. وَإِنْ كَانَتْ طَائِعَةً، فَعَلَيْهَا الْحَدُّ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ بِكْرًا عَلَيْهِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مُقْتَضَّةً وَبِكْرًا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

باب من عمل عمل قوم لوط

بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} [العنكبوت: 29]، قِيلَ: يَعْنِي: سَبِيلَ الْوَلَدِ، وَقِيلَ: تَعْتَرِضُونَ النَّاسَ فِي الطُّرُقِ لِطَلَبِ الْفَاحِشَةِ. 2593 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ، وَالْمَفْعُولَ بِهِ»

2593 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ»، قَالَ: قُلْتُ لَهُ، يَعْنِي: لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ قَالَ ذَلِكَ إِلا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا وَقَدْ عُمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَلَ قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْفَاعِلَ حَدُّ الزِّنَا، إِنْ كَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا يُجْلَدُ مِائَةً. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَيُحْكَى أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ. وَعَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، رَجُلا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، لأَنَّ التَّمْكِينَ مِنَ الدُّبُرِ لَا يُحْصِنُهَا، فَلا يَلْزَمُهَا بِهِ حَدُّ الْمُحْصَنَاتِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ اللُّوطِيَّ يُرْجَمُ، مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَرَوَى حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُرْجَمَ مَرَّتَيْنِ لَرُجِمَ اللُّوطِيُّ، وَالْقَوْلُ الآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ، كَمَا جَاءَ فِي

الْحَدِيثِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يُعَزَّرُ، وَلا يُحَدُّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللِّوَاطَةِ: «أَنَّهُ يُقْتَلُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ». وَقَدْ قِيلَ فِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِمَا: هَدْمُ الْبِنَاءِ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: رَمْيُهُمَا مِنْ شَاهِقٍ، كَمَا فُعِلَ بِقَوْمِ لُوطٍ. أَمَّا إِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ، فَالْحَدِيثُ فِيهِ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلا حَدَّ عَلَيْهِ»، وَهَذَا أَصَحُّ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عَمْرٌو صَدُوقٌ، وَلَكِنْ رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ مَنَاكِيرُ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عِكْرِمَةَ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ عَارَضَ هَذَا الْحَدِيثَ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ إِلا لِمَأْكَلَةٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي عُقُوبَةِ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ، قَالَهُ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْلُ الآخَرُ: أَنَّهُ زَنَى، يُرْجَمُ إِنْ كَانَ الْفَاعِلُ مُحْصَنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا يُجْلَدُ مِائَةً. يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُجْلَدُ مِائَةً، أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: يُقْتَلُ إِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا جَاءَ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ دَرَأَ عَنْهُ إِمَامٌ الْقَتْلَ، فَلا يَنْبَغِي أَنْ يَدْرَأَ عَنْهُ جَلْدَ مِائَةٍ.

باب الحدود كفارات

بَابُ الْحُدُودِ كَفَّارَاتٌ 2594 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ، فَهُو كَفَّارَتُهُ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا، فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ. وَكَذلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: «أَنَّهُمَا أَمَرَا أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ»، وَقَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ.

باب قطع يد السارق وما يقطع فيه يده

بَابُ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَمَا يُقْطَعُ فِيهِ يَدُهُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [الْمَائِدَة: 38] وَالسَّارِقُ: مَنْ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ مُسْتَسِرًّا مِنْ حِرْزٍ، فَإِنْ أَخَذَ ظَاهِرًا، فَهُوَ مُخْتَلِسٌ، ومُنْتهِبٌ. 2595 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ

2596 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ نِصَابَ السَّرِقَةِ رُبْعُ دِينَارٍ، وَإِذَا سَرَقَ دَرَاهِمَ، أَوْ مَتَاعًا يُقَوَّمُ بِالدَّنَانِيرِ، فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا رُبْعَ دِينَارٍ، قُطِعَتْ يَدُهُ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَلا قَطْعَ عَلَيْهِ»، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: نِصَابُ السَّرِقَةِ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ مَتَاعًا، يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ، فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ، قُطِعَتْ يَدُهُ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَلا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِنْ سَرَقَ ذَهَبًا، فَبَلَغَ رُبْعَ دِينَارٍ، قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَ فِضَّةً، وَكَانَ مَبْلَغُهَا ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ، قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَ مَتَاعًا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ دِينَارًا، قُطِعَ قَوْلا بِالْخَبَرَيْنِ مَعًا.

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: الْمَذْهَبُ الأَوَّلُ فِي رَدِّ الْقِيمَةِ إِلَى رُبْعِ دِينَارٍ أَصَحُّ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ النَّقْدِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الدَّنَانِيرُ، فَجَازَ أَنْ يُقَوَّمَ بِهَا الدَّرَاهِمُ، وَلِهَذَا كُتِبَتْ فِي الصُّكُوكِ قَدِيمًا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَزْنُ سَبْعَةٍ، فَعُرِفَتِ الدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ، وَحُصِرَتْ بِهَا. وَأَمَّا تَقْوِيمُ الْمِجَنِّ بِالدَّرَاهِمِ، فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّيْءَ التَّافِهَ قَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِتَقْوِيمِهِ بِالدَّرَاهِمِ، وَإِنَّمَا تُقَوَّمُ الأَشْيَاءُ النَّفِيسَةُ بِالدَّنَانِيرِ، لأَنَّهَا أَنْفَسُ النُّقُودِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ الثَّلاثَةُ الَّتِي هِيَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ يَبْلُغُ قِيمَتُهَا رُبْعُ دِينَارٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَطَعَ سَارِقًا فِي أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالذَّهَبِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ رُدَّتْ قِيمَةُ الدَّرَاهِمِ إِلَيْهِ بَعْدَ مَا قُوِّمَتِ الأُتْرُجَّةُ بِالدَّرَاهِمِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُقْطَعُ إِلا فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ. 2597 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ».

قَالَ الأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ، وَالْحَبْلُ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْهَا مَا يُسَاوِي دَرَاهِمَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ 2598 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحُنَيْفِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ: كَانَ هَذَا فِي الابْتِدَاءِ، وَهُوَ قَطْعُ الْيَدِ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: «الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ». 2599 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، فَانْتَحَرُوهَا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَمَرَ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: «إِنِّي أَرَاكَ تُجِيعُهُمْ، وَاللَّهِ لأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُزَنِيِّ، كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِكَ؟»، فَقَالَ: أَرْبعُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَعْطِهِ ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ» قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ. قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اجْتِمَاعِ الْقَطْعِ وَالْغُرْمِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا سَرَقَ، آبِقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ آبِقٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدًا لَهُ سَرَقَ وَكَانَ آبِقًا، فَأَرْسَلَ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ لِيَقْطَعَ يَدَهُ، فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ،

باب ما لا قطع فيه

وَقَالَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ الآبِقِ إِذَا سَرَقَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدْتَ هَذَا؟ فَأَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ الْقَاسِمِ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُ الآبِقِ إِذَا سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَعَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. بَابُ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ 2600 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطِ رَجُلٍ، فَغَرَسَهُ فِي حَائِطِ سَيِّدِهِ، فَخَرَجَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ يَلْتَمِسُ وديه، فَوَجَدَهُ، فَاسْتَعْدَى عَلَى الْعَبْدِ مَرْوَانَ بْنُ الْحَكَمِ، فَسَجَنَ الْعَبْدَ، وَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ، فَانْطَلَقَ صَاحِبُ الْعَبْدِ إِلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ،

وَلا كَثَرٍ " فَمَشَى مَعَهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ، وَلا كَثَرٍ»، فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِالْعَبْدِ، فَأُرْسِلَ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلا كَثَرٍ»، وَكَذَلِكَ رَوَى قُتَيْبَةُ، عَنِ

اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الثَّمَرُ: الرُّطَبُ مَا دَامَ فِي رَأْسِ النَّخْلَةِ، فَإِنْ صُرِمَ، فَهُوَ الرُّطَبُ، وَالْكَثَرُ: جُمَّارُ النَّخْلِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يُوجِبِ الْقَطْعَ فِي سَرِقَةِ شَيْءٍ مِنَ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُحَرَّزَة أَوْ غَيْرَ مُحَرَّزَةٍ، وَقَاسَ عَلَيْهِ اللُّحُومَ، وَالأَلْبَانَ، وَالأَشْرِبَةَ، وَالْجُبُونَ. وَأَوْجَبَ الآخَرُونَ الْقَطْعَ فِي جَمِيعِهَا إِذَا كَانَتْ مُحَرَّزَةً، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّمَارِ الْمُعَلَّقَةِ غَيْرَ الْمُحَرَّزَةِ، وَقَالَ: نَخِيلُ الْمَدِينَةِ لَا حَوَائِطَ لأَكْثَرِهَا، فَلا تَكُونُ مُحَرَّزَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، قَالَ: «مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُئْوِيَهُ الْجَرِينُ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ»، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا مُحَرَّزًا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ، وَلا فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ، فَإِذَا آوَاهُ الْمَرَاحُ، أَوِ الْجَرِينُ، فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ»، وَأَرَادَ بِحَرِيسَةِ الْجَبَلِ: الشَّاةَ الْمَسْرُوقَةَ مِنَ الْمَرْعَى،

وَالاحْتِرَاسُ: أَنْ يُؤْخَذَ الشَّيْءُ مِنَ الْمَرْعَى، يُقَالُ: فُلانٌ يَأْكُلُ الْحَرَسَاتِ: إِذَا كَانَ يَسْرِقُ أَغْنَامَ النَّاسِ فَيَأْكُلُهَا، وَالسَّارِقُ مُحْتَرِسٌ. قَالَ الإِمَامُ: وُجُوبُ الْقَطْعِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِسِرْقَةِ نِصَابٍ مِنَ الْمَالِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الإِحْرَازِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْحِرْزُ: مَا يُعِدُّهُ النَّاسُ حِرْزًا لِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَالِ، فَالْمِتْبَنُ حَرِزٌ لِلتِّبْنِ، وَالاصْطَبْلُ لِلدَّوَابِّ، وَلا يَكُونُ حِرْزًا لِلنُّقُودِ، وَالأَمْتِعَةِ. وَإِذَا ضَمَّ السُّوقِيُّ بَعْضَ مَتَاعِهِ إِلَى بَعْضٍ فِي مَوْضِعِ بِيَاعَاتِهِ وَرَبَطَهُ بِحَبْلٍ، أَوْ جَعَلَ الطَّعَامَ فِي خَيْشٍ وَخَيَّطَ عَلَيْهِ، فَقَامَ وَكَانَ بِالنَّهَارِ، فَهُوَ مُحَرِّزٍ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ وَلَمْ يَرْبِطْ، فَلَيْسَ بِمُحَرِّزٍ. وَلَوْ قَطَّرَ إِبِلَهُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ يَقُودُهَا، أَوْ يَسُوقُهَا، فَهِيَ وَمَا عَلَيْهَا مُحَرَّزَةٌ، وَإِنْ أَنَاخَهَا فِي صَحْرَاءَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، أَوْ كَانَ غَنَمًا آوَاهَا إِلَى مَرَاحٍ، فَاضْطَجَعَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَهِيَ مُحَرَّزَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَضْطَجِعْ عِنْدَهَا، أَوْ أَرْسَلَ الإِبِلَ فِي الطَّرِيقِ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ، فَغَيْرُ مُحَرَّزَةٍ. وَلَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا فِي صَحَرَاءَ، فَشَدَّهَا بِالأَوْتَادِ وَأَرْسَلَ ذَيْلَهَا، وَنَامَ فِيهَا، أَوْ عَلَى بَابِهَا، فَهِيَ وَمَا فِيهَا مُحَرَّزَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْ ذَيْلَهَا فَالْفُسْطَاطُ مُحَرَّزٌ بِالشَّدِّ، وَنَوْمُهُ فِيهِ، وَمَا فِيهِ غَيْرُ مُحَرَّزٍ إِلا مَا نَامَ عَلَيْهِ، وَالْبُيُوتُ الْمُغْلَقَةُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا بِالنَّهَارِ إِذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْبُيُوتِ، فَإِنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً، أَوْ كَانَ بِاللَّيْلِ، فَلا تَكُونُ حِرْزًا إِلا بِحَارِسٍ. وَمَنْ نَامَ فِي صَحَرَاءَ أَوْ فِي مَسْجِدٍ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ تَوَسَّدَهُ، فَأَخَذَهُ رَجُلٌ مِنْ تَحْتِهِ، أَوْ أَخَذَ الْمِنْدِيلَ مِنْ رَأْسِهِ، أَوِ الْخَاتَمَ مِنْ إِصْبَعِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، لأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِهِ. رُوِيَ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ، وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ، فَجَاءَ سَارِقٌ، وَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَخَذَهُ

صَفْوَانُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا، هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ». أَمَّا إِذَا نَامَ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ بِجَنْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَوَسَّدَهُ، أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ رَأْسَهُ، أَوْ شَدَّ طَرَفًا مِنْهُ بِيَدِهِ فَلَيْسَ بِمُحَرَّزٍ، وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ لَوْ وَضَعَ نَفَقَتَهُ فِي كُمِّهِ أَوْ جَيْبِهِ، فَطَرَّهُ إِنْسَانٌ، أَوْ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَنْقَعَ فِي مَاءٍ، فَأَخَذَهُ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِ الْخَفِيَّةِ يَجِبُ الْقَطْعُ. وَفِي حَدِيثِ صَفْوَانَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ إِذَا وَهَبَ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ مِنَ السَّارِقِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْقُطُ، وَالأَوَّلُ أَوْلَى، لأَنَّ الاعْتِبَارَ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ بِحَالَةِ مَا يُسْرَقُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِيهِ شُبْهَةٌ، كَمَا لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا، أَوْ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا، لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ. وَلا قَطْعَ عَلَى مَنْ خَانَ فِي وَدِيعَةٍ، أَوْ جَحَدَ عَارِيَةً عِنْدَهُ، أَوِ اخْتَلَسَ مَتَاعًا مِنْ إِنْسَانٍ، لأَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهَا سَرِقَةً. رُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ عَلَى

خَائِنٍ، وَلا مُنْتَهِبٍ، وَلا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ»، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا سَقَطَ الْقَطْعُ عَنِ الْمُخْتَلِسِ لأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَمْرِ الاخْتِلاسِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُمْكِنُهُ دَفْعَ الْمُخْتَلِسِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْمُجَاهَدَةِ، أَوْ بِالاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ بِخِلافِ السَّارِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ السَّرِقَةَ تَكُونُ سِرًّا، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ لَا يَلْحَقُهُمُ الْغَوْثُ. وَحُكِيَ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ قَالَ: يُقْطَعُ الْمُخْتَلِسِ. وَحُكِيَ عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالا قَلَّ أَمْ كَثُرَ، أَخَذَهُ مِنْ حِرْزٍ أَوْ غَيْرِ حِرْزٍ، لِظَاهِرِ الآيَةِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إِذَا جَحَدَ الْعَارِيَةَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ امْرَأَةً مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ، وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ يَدُهَا». وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهَا، لِمَا رُوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ قَطْعٌ»، وَقَطْعُ يَدِ الْمَخْزُومِيَّةِ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ جُحُودِ الْعَارِيَةِ، إِنَّمَا كَانَ

بِسَبَبِ السَّرِقَةِ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَذِكْرُ جُحُودِ الْعَارِيَةِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ لَهَا، إِذْ كَانَتْ كَثِيرَةَ الاسْتِعَارَةِ وَالْجُحُودِ حَتَّى عُرِفَتْ بِذَلِكَ، كَمَا عُرِفَتْ بِأَنَّهَا مَخْزُومِيَّةٌ، فَاسْتَمَرَّ بِهَا ذَلِكَ الصَّنِيعُ حَتَّى تَرَقَّتْ إِلَى السَّرِقَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي النَّبَّاشِ الَّذِي أَخَذَ مِنَ الْقَبْرِ مِنْ كَفَنِ الْمَيِّتِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ، لأَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَلا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالَ أَحَدٍ مِنْ آبَائِهِ، أَوْ أَوْلادِهِ، لِمَا لَهُ فِي مَالِهِ مِنَ الشُّبْهَةِ، وَلا عَلَى عَبْدٍ سَرَقَ مَالَ سَيِّدِهِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الآخَرِ مَا هُوَ فِي حِرْزٍ مِنْهُ، أَوْ عَبْدٍ أَحَدُهُمَا سَرَقَ مَالَ الآخَرِ، لَمْ يُوجِبِ الْقَطْعَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. 2601 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيَّ جَاءَ بِغُلامٍ لَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: اقْطَعْ يَدَ هَذَا، فَإِنَّهُ سَرَقَ، قَالَ عُمَرُ: «مَاذَا سَرَقَ؟»، قَالَ: سَرَقَ مِرْآةً لامْرَأَتِي

باب السارق يسرق بعد قطع يده اليمنى ورجله اليسرى

ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا، فَقَالَ عُمَرُ: «أَرْسِلْهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ» وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَالِ الأَخِ، وَابْنِ الأَخِ، وَالْعَمِّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ. وَلا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، رُفِعَ إِلَى عَلِيٍّ رَجُلٌ سَرَقَ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا»، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ حَمَّادٌ: يُقْطَعُ. بَابُ السَّارِقِ يَسْرِقُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى 2602 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَشَكَا إِلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ ظَلَمَهُ، فَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ: وَأَبِيكَ مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ، ثُمَّ إِنَّهُمُ افْتَقَدُوا حُلِيًّا لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَطُوفُ مَعَهُمْ،

وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ. فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ زَعَمَ أَنَّ الأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ، فَاعْتَرَفَ الأَقْطَعُ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عِنْدِي عَلَيْهِ مِنْ سَرِقَتِهِ ".

قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ أَوَّلَ مَرَّةٍ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ إِذَا سَرَقَ ثَانِيًا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا سَرَقَ ثَالِثًا، بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ إِذَا سَرَقَ رَابِعًا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ إِذَا سَرَقَ بَعْدَهُ يُعَزَّرُ، وَيُحْبَسُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي السَّارِقِ: «إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ». وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا سَرَقَ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ إِحْدَى يَدَيْهِ وَإِحْدَى رِجْلَيْهِ، لَمْ يُقْطَعْ وَحُبِسَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَطْعُ الأَطْرَافِ الأَرْبَعَةِ، وَالْقَتْلُ فِي الْخَامِسَةِ».

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَلا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ يُبِيحُ دَمَ السَّارِقِ، وَإِنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ السَّرِقَةُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، إِلا أَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُبَاحَ دَمُهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ، وَلِلإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَعْزِيرِ الْمُفْسِدِ، وَيَبْلُغَ بِهِ مَا رَأَى مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى مِقْدَارِ الْحَدِّ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُقْتَلُ قُتِلَ، وَيُعْزَى هَذَا الرَّأْيُ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَحَدِيثِ جَابِرٍ إِنْ كَانَ ثَابِتًا، فَهُوَ يُؤَيِّدُ هَذَا الرَّأْيَ. وَرُوِيَ فِي قَطْعِ السَّارِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اقْطَعُوهُ»، ثُمَّ قَالَ: «احْسِمُوهُ»، وَالْحَسْمُ: أَصْلُهُ: الْقَطْعُ: وَأَرَادَ بِهِ قَطْعَ الدَّمِ عَنْهُ بِالْكَيِّ. وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ السَّارِقَ تُقْطَعُ يَدُهُ مِنَ الْكُوعِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أُصُولِ الأَصَابِعِ، وَرُوِيَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَارِقٍ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ، فَأَمَرَ بِهَا، فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ. وَلَوْ سَرَقَ

باب قطع يد الشريف والمرأة والشفاعة في الحد

أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَأَخْطَأَ الْجَلادُ، فَقَطَعَ يَسَارَهُ بَدَلَ يَمِينِهِ، قَامَ مَقَامَ الْيَمِينِ، لأَنَّ التَّنْكِيلَ بِتَنْقِيصِ الْبَطْشِ حَاصِلٌ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. بَابُ قَطْعِ يَدِ الشَّرِيفِ وَالْمَرْأَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ 2603 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ»، ثُمَّ قَامَ، فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا، أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا لِلسَّرِقَةِ، وَذَكَرَ اسْتِعَارَةَ الْمَتَاعِ وَالْجُحُودَ لِلتَّعْرِيفِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي الْحُدُودِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ»، وَهَذَا بَعْدَ أَنْ بَلَغَ ذَلِكَ الإِمَامَ، فَأَمَّا قَبْلَ بُلُوغِ الإِمَامِ، فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ فِيهَا جَائِزَةٌ حِفْظًا لِلسَّتْرِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ السَّتْرَ عَلَى الْمُذْنِبِينَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الزُّبَيْر بْنِ الْعَوَّامِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يُشْفَعُ فِي الْحَدِّ مَا لَمْ يَبْلُغِ السُّلْطَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ يُعْرَفْ بِأَذَى النَّاسِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ مِنْهُ زَلَّةٌ، فَلا بَأْسَ بِأَنْ يُشْفَعَ لَهُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الإِمَامَ. وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ، وَقَالَ لِهَزَّالٍ: «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ». قَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّ هَزَّالا أَمَرَ مَاعِزًا أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرَهُ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ». وَيُرْوَى عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ، إِلا الْحُدُودَ»، حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: ذُو الْهَيْئَةِ: مَنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ التَّعْزِيرِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا كَالْحَدِّ، لاسْتَوَى فِيهِ ذُو الْهَيْئَةِ وَغَيْرُهُ. وَرُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ»، لَمْ يَرْفَعْهُ

باب حد شارب الخمر

غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَذَلِكَ أَصَحُّ، وَيَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيُّ ضَعِيفٌ. بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ 2604 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ، فَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَارِبٍ، قَالَ: «اضْرِبُوهُ»، فَضَرَبُوهُ بِالأَيْدِي، وَالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ، وَحَثَوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَكِّتُوهُ» فَبَكَّتُوهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَضْرُوبَ، فَقَوَّمَهُ أَرْبَعِينَ، فَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، ثُمَّ عُمَرُ حَتَّى تَتَايَعَ النَّاسُ فِي الْخَمْرِ، فَاسْتَشَارَ، فَضَرَبَ ثَمَانِينَ. قَوْلُهُ: «بَكِّتُوهُ»، التَّبْكِيتُ يَكُونُ تَقْرِيعًا بِاللِّسَانِ، يُقَالُ لَهُ: يَا فَاسِقُ أَمَا اسْتَحْيَيْتَ، أَمَا اتَّقَيْتَ، وَيَكُونُ بِالْيَدِ، وَالْعَصَا، وَنَحْوِهِ، وَالتَّتَايُعُ: التَّهَافُتُ، يُقَالُ: فُلانٌ يَتَتَايَعُ، أَيْ: يَرْمِي بِنَفْسِهِ فِي الأَمْرِ سَرِيعًا. وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَرَى أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، أَوْ كَمَا قَالَ، فَجَلَدَ عُمَرُ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ ".

قَالَ الإِمَامُ: ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمَا زَادَ عُمَرُ عَلَى الأَرْبَعِينَ كَانَ تَعْزِيرًا، وَلِلإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْعُقُوبَةِ إِذَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ ثَمَانُونَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَرُوِيَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِيِّ أَبُو سَاسَانَ، قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ وَرَجُلٌ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَآهُ يَشْرَبُهَا، وَشَهِدَ الآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّؤُهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْهَا حَتَّى شَرِبَهَا، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ. فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا. فَقَالَ عَلِيٌّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ. قَالَ: فَأَخَذَ السَّوْطَ، فَجَلَدَهُ، وَعَلِيٌّ يَعُدُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ قَالَ: حَسْبُكَ، «جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ»، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ. قَوْلُهُ: «وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا»، يُرِيدُ: وَلِّ الْعُقُوبَةَ وَالضَّرْبَ مَنْ تُوَلِّيهِ الْعَمَلَ وَالنَّفْعَ، وَالْقَارُّ: الْبَارِدُ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: وَلِّ شَدِيدَهَا مَنْ تَوَلَّى هَيِّنَهَا.

وَفِي قَوْلِ عَلِيٍّ عِنْدَ الأَرْبَعِينَ: حَسْبُكَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ إِنَّمَا هُوَ أَرْبَعُونَ، وَمَا وَرَاءَهَا تَعْزِيرٌ، وَلَوْ كَانَ حَدًّا مَا كَانَ لأَحَدٍ فِيهِ الْخِيَارُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ»، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يُقْتَلُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ يَرِدُ الأَمْرُ بِالْوَعِيدِ، وَلا يُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الرَّدْعُ، وَالتَّحْذِيرُ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ»، وَهُوَ لَوْ قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، قَالَ أَبُو عِيسَى: إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنْ

شَرِبَ الْخَمْرَ، فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ، فَاقْتُلُوهُ»، قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ، فَضَرَبَهُ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ. وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاثٍ» قَالَ الإِمَامُ: وَحَدِيثُ قَبِيصَةَ مَا 2605 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ»، لَا يَدْرِي الزُّهْرِيُّ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ

باب ما يكره من لعن الشارب

بِهِ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ، وَوَضَعَ الْقَتْلَ، وَصَارَتْ رُخْصَةً. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَدْ أُوتِيَ بَعْدَ رَابِعَةٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ الشَّارِبِ 2606 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2607 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ: «اضْرِبُوهُ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ

باب من مات في الحد

بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ. قَالَ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمُفَضَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، نَا جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ أَبُو جَعْفَرٍ الْحَذَّاءُ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ هُوَ أَبُو ضَمْرَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: " لَا تُعِينُوا الشَّيْطَانَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قُولُوا: رَحِمَكَ اللَّهُ " بَابُ مَنْ مَاتَ فِي الْحَدِّ 2608 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا سُفْيَانُ، نَا أَبُو حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «مَا كُنْتُ لأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ، فَأَجِدَ فِي نَفْسِي إِلَّا

صَاحِبَ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ، وَدَيْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ إِذَا أَقَامَ حَدًّا عَلَى إِنْسَانٍ، فَمَاتَ فِيهِ، أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَاتَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، كَمَنْ مَاتَ فِي سَائِرِ الحُدُودِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَضْمَنُ الدِّيَةَ، لأَنَّهُ ضَرْبٌ بِالاجْتِهَادِ. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الإِمَامِ، أَمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ قَوْلانِ، أَصَحُّهُمَا: عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا فِي خَطَإِ غَيْرِ الإِمَامِ. وَالثَّانِي: فِي بَيْتِ الْمَالِ، لأَنَّ خَطَأَ الإِمَامِ يَكْثُرُ، فَفِي إِيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ إِجْحَافٌ بِهِمْ، هَذَا إِذَا ضُرِبَ فِي الْخَمْرِ بِالسِّيَاطِ، أَمَّا إِذَا ضُرِبَ بِالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ قَدْرَ أَرْبَعِينَ، فَمَاتَ، فَلا ضَمَانَ فِيهِ، لأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ النَّصِّ إِلَى الاجْتِهَادِ. وَلَوْ عَزَّرَ الإِمَامُ رَجُلا، فَمَاتَ مِنْهُ، يَضْمَنُ بِالدِّيَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى عَاقِلَتِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَفِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْقَوْلِ الآخَرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ، وَأَصْلُهُ: أَنَّ تَرْكَ التَّعْزِيرِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ كَالْحُدُودِ، رُوِيَ " أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى امْرَأَةٍ فِي شَيْءٍ بَلَغَهُ مِنْهَا فَفَزِعَتْ، فَأَجْهَضَتْ ذَا بَطْنِهَا، فَاسْتَشَارَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ

عَوْفٍ: إِنَّكَ مُؤَدِّبٌ. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِ اجْتَهَدَ، فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَهِدْ، فَقَدْ غَشَّ، عَلَيْكَ الدِّيَةُ. فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَا تَجْلِسْ حَتَّى تَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِكَ "، وَأَرَادَ: عَلَى قَوْمِي، أَضَافَ إِلَيْهِ تَشْرِيفًا. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَشَاتَمَا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُمَا شَيْئًا، وَتَشَاتَمَا عِنْدَ عُمَرَ، فَأَدَّبَهُمَا. وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَ زَوْجَتَهُ بِالضَّرْبِ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَكَذَلِكَ الْمُعَلِّمُ يَضْرِبُ الصَّبِيَّ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَدَّ فِي الضَّرْبِ، وَحَصَلَ مِنْهُ التَّلَفُ، ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ، وَأَمَّا الْمُكْتَرِي إِذَا ضَرَبَ الدَّابَّةَ الْمُكْرَاةَ، أَوِ الرَّاعِي ضَرَبَهَا، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْعَادَةِ فِي الضَّرْبِ، لَمْ يَضْمَنْ، لأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَنْزَجِرُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ، وَالآدَمِيُّ قَدْ يَتَأَدَّبُ، وَيَنْزَجِرُ بِالْقَوْلِ الْعَنِيفِ، فَالْخُرُوجُ مِنْهُ إِلَى حَدِّ الضَّرْبِ كَانَ بِشَرْطِ السَّلامَةِ، وَضَرْبُ الرَّائِضِ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ ضَرْبِ الرَّاعِي، وَالْمُكْتَرِي، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ عَادَةِ

الرِّوَاضِ فِي الضَّرْبِ، فَهَلَكَتِ الدَّابَّةُ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ ضَمِنَهَا فِي مَالِهِ. وَلَوْ ضَرَبَ الإِمَامُ رَجُلا ظُلْمًا فَهَلَكَ فِيهِ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا، فَلاجَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ، فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: الْقَوَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكُمْ كَذَا وَكَذَا»، فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ: «لَكُمْ كَذَا، وَكَذَا»، فَرَضُوا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَقَادَا مِنَ الْعُمَّالِ، وَمِمَّنْ رَأَى عَلَيْهِمُ الْقَوَدَ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَلَوْ أَخْطَأَ الإِمَامُ، وَالْجَلادُ عَالِمٌ بِخَطَئِهِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلادِ، لَا عَلَى الإِمَامِ. وَلَوْ قَطَعَ سِلْعَةً بِرِجْلٍ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ بِسَبَبِ الأَكْلَةِ بِإِذْنِهِ، فَمَاتَ مِنْهُ، لَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ، وَإِنْ قَطَعَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ مِنْهُ عَاقِلا بَالِغًا، يَجِبُ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا، فَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْوَلِيِّ، يَجِبُ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَطَعَهُ وَلِيُّهُ أَوِ السُّلْطَانُ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَفِي وُجُوبِ الْقَوَدِ قَوْلانِ. وَإِذا أَخْطَأَ الطَّبِيبُ فِي الْمُعَالَجَةِ، فَحَصَلَ مِنْهُ التَّلَفُ، تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. قَالَ الإِمَامُ: وَكَذَلِكَ مَنْ تَطَبَّبَ بِغَيْرِ عِلْمٍ. رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَطَبَّبَ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ، فَهُوَ ضَامِنٌ».

وَلَوْ خَتَنَ السُّلْطَانُ إِنْسَانًا بَالِغًا دُونَ إِذْنِهِ، فَمَاتَ، لَمْ يَضْمَنْ، لأَنَّهُ وَاجِبٌ، إِلا أَنْ يَفْعَلَ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدٍ، فَيَضْمَنُ. وَلَوْ قَطَعَ يَدَ إِنْسَانٍ، فَاسْتَوْفَى الْقِصَاصَ، فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ بِالسراية، لَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَوْفِي، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَالْحَكَمِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ السَّارِقَ إِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ، فَمَاتَ، لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ. وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى إِنْسَانٍ بِقِصَاصٍ طَرَفًا، أَوْ نَفْسًا، فَاسْتَوْفَى، أَوْ بِحَدٍّ فَأُقِيمَ، فَمَاتَ فِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ، فَإِنْ قَالا: تَعَمَّدْنَا، فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَالا: أَخْطَأْنَا، فَالدِّيَةُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا قَوَدَ عَلَى الشُّهُودِ إِذَا رَجَعُوا، بَلْ عَلَيْهِمُ الدِّيَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَوْ شَهِدَا بِطَلاقٍ، فَقُضِيَ بِهِ، أَوْ بِعِتْقٍ، ثُمَّ رَجَعَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِلزَّوْجِ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ لِلْمَالِكِ بِالاتِّفَاقِ، وَلا يُرَدُّ الطَّلاقُ وَلا الْعِتْقُ. وَلَوْ شَهِدَا بِمَالٍ، فَاسْتُوفِيَ، ثُمَّ رَجَعَا، فَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، لأَنَّ التَّفْوِيتَ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِخِلافِ الطَّلاقِ وَالْعِتْقِ، بِدَلِيلِ أَنَّ بِتَكْذِيبِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَا يُرَدُّ الطَّلاقُ وَالْعِتْقُ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَضْمَنُ الشُّهُودُ الْقِيمَةَ كَمَا فِي الْعِتْقِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَبِهِ قَالَ حَمَّادٌ.

باب التعزير

بَابُ التَّعْزِيرِ 2609 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، وَأَبُو بُرْدَةَ هُوَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ الإِمَامُ: الْحَدُّ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ، وَالْحَدَّادُ: الْحَاجِبُ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ، وَالتَّعْزِيرُ أَيْضًا: الْمَنْعُ، يُقَالُ: حَدَّ الْجَانِيَ: إِذَا ضَرَبَهُ فَمَنَعَهُ بِالضَّرْبِ عَنْ مُعَاوَدَةِ مِثْلِ مَا فَعَلَ. وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُقْرَبُ كَالزِّنَا وَمَا أَشْبَهَهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [الْبَقَرَة: 187].

وَالثَّانِي: مَا لَا يُتَعَدَّى كَتَزَوُّجِ الأَرْبَعِ وَمَا أَشْبَهَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [الْبَقَرَة: 229]. قَالَ الإِمَامُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِقْدَارِ التَّعْزِيرِ، فَكَانَ أَحْمَدُ يَقُولُ: لِلرَّجُلِ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَتَرْكِ الصَّلاةِ، وَلا يَضْرِبُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: التَّعْزِيرُ مَا بَيْنَ سَوْطٍ إِلَى ثَلاثِينَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُبْلَغُ بِعُقُوبَةٍ أَرْبَعِينَ تَقْصِيرًا عَنْ مُسَاوَاةِ عُقُوبَةِ اللَّهِ فِي حُدُودِهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَهُ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْجَلَدَاتِ الْعَشْرِ إِلَى مَا دُونَ الأَرْبَعِينَ أَنَّهَا لَا تُزَادُ عَلَى الْعَشْرِ بِالأَسْوَاطِ، وَلَكِنْ بِالأَيْدِي، وَالنِّعَالِ، وَالثِّيَابِ، وَنَحْوِهَا عَلَى مَا يَرَاهُ الإِمَامُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَبْلُغُ عِشْرِينَ، لأَنَّهَا أَقَلُّ الْحُدُودِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَدَّ الْعَبِيدِ فِي الْخَمْرِ عِشْرُونَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: التَّعْزِيرُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الذَّنْبِ وَصِغَرِهِ، عَلَى مَا يَرَى الْحَاكِمُ مِنَ احْتِمَالِ الْمَضْرُوبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إِلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ سَوْطًا، وَقَالَ مَالِكٌ: التَّعْزِيرُ عَلَى قَدْرِ الْجُرْمِ، فَإِنْ كَانَ جُرْمُهُ أَعْظَمَ مِنَ الْقَذْفِ، ضَرَبَهُ مِائَةً وَأَكْثَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ وَتَسَارَعِ الْفَاعِلِ فِي الشَّرِّ، فَإِنْ جَاوَزَ الْحَدَّ مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَهُ، أَوْ يَقْطَعَ مِنْهُ عُضْوًا، فَتَكُونُ الْعُقُوبَةُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ. مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ أَدَبٌ يَقْصُرُ عَنْ مَبْلَغِ أَقَلِّ الْحُدُودِ، لأَنَّ الْجِنَايَةَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّعْزِيرِ قَاصِرَةٌ عَمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ، كَمَا أَنَّ الْحُكُومَةَ الْوَاجِبَةَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْعُضْوِ، وَإِنْ قَبُحَ شَيْنُهَا تَكُونُ قَاصِرَةً عَنْ كَمَالِ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ.

25 - كتاب السير والجهاد

25 - كِتَابُ السِّيَرِ وَالْجِهَادِ بَابُ فَضْلِ الْجِهادِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التَّوْبَة: 111]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الصَّفّ: 10 - 11]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا} [التَّوْبَة: 120]. قَوْلُهُ: {وَلا يَنَالُونَ} [التَّوْبَة: 120]، يُقَالُ: هُوَ يَنَالُ مِنْ عَدُوِّهِ، أَيْ: وَتَرَهُ فِي مَالٍ، أَوْ عِرْضٍ، مِنْ: نِلْتُ أَنَالُ، أَيْ: أَصَبْتُ.

2610 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ، نَا أَبِي، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمُطَرِّزُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ، نَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نُنْذِرُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ، عَنْ فُلَيْحٍ 2611 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»، قَالَ: فَعَجِبَ بِهَا أَبُو سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَفَعَلَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأُخْرَى يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا الْعَبْدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ»، فَقَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ 2612 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَعْفَرٍ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الْقَانِتِ الصَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلاةٍ وَلا صِيَامٍ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِهِ بِمَا يُرْجِعُهُ مِنْ غَنِيمَةٍ وَأَجْرٍ، أَوْ يَتَوَفَّاهُ، فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِنْ قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً، فَأَحْمِلَهُمْ، وَلا يَجِدُونَ سَعَةً، فَيَتَّبِعُونِي، وَلا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَقْعُدُوا بَعْدِي، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

قَوْلُهُ: «كَمَثَلِ الْقَانِتِ الصَّائِمِ»، أَرَادَ بِالْقَانِتِ: الْمُصَلِّيَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلاةٍ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9]، أَيْ: مُصَلٍّ. 2613 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلا صَلاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ»، وَقَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ، أَوْ غَنِيمَةٍ»، وَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنْ أُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا، فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا، فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا، فَأُقْتَلَ». وَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ».

هَذِهِ أَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا، أَخْرَجَاهَا مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ، وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ: «وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا»، يُقَالُ: ثَعَبْتُ الْمَاءَ، فَانْثَعَبَ: إِذَا فَجَّرْتَهُ. 2614 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَتَخَلَّفَ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَلا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي، فَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 2615 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا أَبُو غَسَّانَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَوَّلَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ 2616 - أَنا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، نَا حُمَيْدٌ،

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَغُدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ 2617 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السّمطِ، عَنْ سَلْمَانَ الْخَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ رَابَطَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَ لَهُ أَجْرُ صِيَامِ شَهْرٍ مُقِيمٍ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا، جَرَى لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الأَجْرِ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ الرِّزْقُ، وَأُومِنَ مِنَ الْفَتَّانِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ

قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الْمُرَابَطَةُ: أَنْ يَرْبِطَ هَؤُلاءِ خُيُولَهُمْ، وَيَرْبِطَ هَؤُلاءِ خُيُولَهُمْ فِي ثَغْرٍ، كُلٌّ مُعَدٌّ لِصَاحِبِهِ، فَسُمِّيَ الْمُقَامُ فِي الأَرْضِ رِبَاطًا. وَرُوِيَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُنَمَّى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ»، قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ». وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ». 2618 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ، قَالَ: أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ، وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو عَبْسٍ: اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَبْرٍ وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»، الْفُوَاقُ: مَا بَيْنَ الْحَلَبَتَيْنِ. 2619 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا أَبِي، وَشُعَيْبٌ، قَالا: نَا اللَّيْثُ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ السِّنْدِيِّ، نَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ اللَّجْلاجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا، وَلا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا»

2620 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيُّ، نَا هَارُونُ بْنُ كَامِلٍ، أَنا زُهَيْرُ بْنُ عَبَّادٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ هِلالٍ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "

2621 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 2622 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ، وَمَالِهِ»، قَالُوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ

2623 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ خَيْرِ مَنَازِلِ النَّاسِ حَابِسٌ نَفْسَهُ وَفَرَسَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَلْتَمِسُ الْمَوْتَ، أَوِ الْقَتْلَ فِي مَظَانِّهِ، أَوْ رَجُلٌ فِي غَنِيمَةٍ لَهُ فِي رَأْسِ شَعَفٍ مِنَ الشِّعْبِ، أَوْ فِي بَطْنِ وَادٍ مِنَ الأَوْدِيَةِ يُقِيمُ الصَّلاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا فِي خَيْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ: «فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ»، شَعَفُ كُلِّ شَيْءٍ: أَعْلاهُ، وَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْجَةَ، وَقَالَ: «رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً، أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتْلَ، وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ»

باب ثواب من جهز غازيا أو أنفق في سبيل الله

وَالْهَيْعَةُ: الصَّوْتُ الَّذِي يَفْزَعُ مِنْهُ، وَيَخَافُهُ مِنْ عَدُوِّهِ، يُقَالُ: هَاعَ يَهِيعُ هُيُوعًا وَهَيَعَانًا، إِذَا جَبُنَ، وَرَجُلٌ هَائِعٌ لائِعٌ: إِذَا كَانَ جَبَانًا، ضَعِيفًا، وَهَاعَ يُهَاعُ: إِذَا جَاعَ، وَهَاعَ يُهَاعُ: إِذَا تَهَوَّعَ وَقَاءَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». بَابُ ثَوَابِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 195]، وَقَالَ: {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ} [الصَّفّ: 11]، وَقَالَ: {وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً} [التَّوْبَة: 121]. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ، أَيْ: فُلُ هَلُمَّ ".

2624 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَّفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ، فَقَدْ غَزَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرُوِيَ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كُتِبَ لَهُ سَبْعُ مِائَةِ ضِعْفٍ». 2625 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُسْلِمِ

بْنِ الْحَجَّاجِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُ مِائَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ نَاسًا يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِيُجَاهِدُوا، ثُمَّ لَا يُجَاهِدُونَ، فَمَنْ فَعَلَهُ، فَنَحْنُ أَحَقُّ حَتَّى نَأْخُذَ مَا أَخَذَ. وَقَالَ طَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ: إِذَا دُفِعَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ، وَضَعْهُ عِنْدَ أَهْلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي الْغَزْوِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: إِذَا بَلَغْتَ وَادِيَ الْقُرَى، فَشَأْنُكَ بِهِ. وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إِذَا أَعْطَى الإِنْسَانَ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ فَقَالَ: إِذَا بَلَغْتَ مَغْزَاكَ، فَهُوَ لَكَ.

باب النية في الجهاد

بَابُ النِّيَّةِ فِي الْجِهَادِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمرَان: 152]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ} [التَّوْبَة: 42]، عَرَضًا قَرِيبًا: أَيْ: غَنِيمَةً قَرِيبَةَ الْمُتَنَاوَلِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». 2626 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ

باب ثواب الشهادة

سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ بَابُ ثَوَابِ الشَّهَادَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التَّوْبَة: 52]، يَعْنِي: الظَّفَرَ أَوِ الشَّهَادَةَ، وَأَنَّثَهُمَا لأَنَّهُ أَرَادَ الْخَصْلَتَيْنِ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمرَان: 169]، قِيلَ: سُمِّيَ الشَّهِيدُ شَهِيدًا، لأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ أُحْضِرَتْ أَرْوَاحُهُمْ دَارَ السَّلامِ، وَأَرْوَاحُ غَيْرِهِمْ لَا تَشْهَدُهَا إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، وَقِيلَ: لأَنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ شُهُودٌ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ: لأَنَّهُمْ مِمَّنْ يُسْتَشْهَدُونَ عَلَى الأُمَمِ بِتَبْلِيغِ الأَنْبِيَاءِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الْبَقَرَة: 143] 2627 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ،

نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَدٌ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَّا الشَّهِيدُ، فَإِنَّهُ وَدَّ لَوْ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَاسْتُشْهِدَ لِمَا رَأَى مِنَ الْفَضْلِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ 2628 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَّا الشَّهِيدُ، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلُ مَرَّةً أُخْرَى». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَحُمَيْدٍ

2629 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمرَان: 169]، قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: " أَرْوَاحُهُمْ كَطَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي أَيِّهَا شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذِ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلاعَةً، فَقَالَ: سَلُونِي مَا شِئْتُمْ، فَقَالُوا: يَا رَبُّ، كَيْفَ نَسْأَلُكَ وَنَحْنُ نَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِي أَيِّهَا شِئْنَا، فَلَمَّا رَأَوْا أَلَّا يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: نَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا إِلَى أَجْسَادِنَا فِي الدُّنْيَا، نُقْتَلُ فِي سَبِيلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ إِلَّا هَذَا تُرِكُوا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي

الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ»، وَيُرْوَى: «أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلَقُ فِي الْجَنَّةِ»، أَيْ: تُصِيبُ مِنْ وَرَقِهَا 2630 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجَرْدِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئ، نَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّهِيدُ لَا يَجِدُ أَلَمَ الْقَتْلِ إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ أَلَمَ الْقَرْصَةِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 2631 - أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذَا

باب

طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْكَلْمُ: الْجُرْحُ، وَالْعَرْفُ: الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَرَّفَهَا لَهُمْ} [مُحَمَّد: 6]، أَيْ " طَيَّبَهَا، وَيُقَالُ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ سُمُّوا بِهَا، لأَنَّهُمْ يَجِدُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فَتَغْنَمُ، وَتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ، وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ، وَتُصَابُ إِلَّا تَمَّ أُجُورُهُمْ». وَالإِخْفَاقُ: أَنْ تَغْزُوا فَلا تَغنم شَيْئًا، وَكُلُّ طَالِبِ حَاجَةٍ لَمْ يُصِبْهَا، فَقَدْ أَخْفَقَ. بَابٌ 2632 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَضْحَكُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، كِلاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ، فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَد». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ 2633 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَضْحَكُ اللَّهُ لِرَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، كِلاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ»، قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:

باب من طلب الشهادة والغازي يموت

يُقْتَلُ هَذَا، فَيَلِجُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الآخَرِ، فَيَهْدِيهِ إِلَى الإِسْلامِ، ثُمَّ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُسْتَشْهَدُ ". صَحِيحٌ بَابُ مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ وَالْغَازِي يَمُوتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ} [النِّسَاء: 100]، أَيْ: وَجَبَ {أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النِّسَاء: 100]. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي بَلَدِ رَسُولِكَ». 2634 - أَخْبَرَنَا أَبُو تُرَابٍ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ يُوسُفَ الْمَرَاغِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الآجُرِّيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ، نَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الأُبُلِّيُّ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا، أُعْطِيَهَا وَإِنْ لَمْ تُصِبْهُ»

هَذَا حَدِيث صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ وَصَحَّ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ». 2635 - أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَسَعَتْهُ دَابَّةٌ، أَوْ أَصَابَهُ كَذَا وَكَذَا، فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ»، قَالَ الَّذِي سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَكَلِمَةٌ مَا سَمِعْتُهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ قَطُّ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ قُتِلَ قَعْصًا، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الْمَآبَ» قَوْلُهُ: «مَنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ»: هُوَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى فِرَاشِهِ،

باب فرض الجهاد

يُقَالُ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، لأَنَّ نَفَسَهُ إِنَّمَا يَخْرُجُ بِتَنَفُّسِهِ مِنْ فِيهِ وَأَنْفِهِ، غَلَبَ أَحَدُ الاسْمَيْنِ عَلَى الآخَرِ، وَالْقَعْصُ: أَنْ يُضْرَبَ، فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَبْرَحَ، وَالْمَآبُ: الْمَرْجِعُ، مَعْنَاهُ: اسْتَوْجَبَ حُسْنَ الْمَآبِ. بَابُ فَرْضِ الْجِهَادِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التَّوْبَة: 41]، قِيلَ: مَعْنَاهُ: مُوسِرِينَ وَمُعْسِرِينَ. وَقِيلَ: خَفَّتْ عَلَيْكُمُ الْحَرَكَةُ أَوْ ثَقُلَتْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ نِشَاطًا وَغَيْرَ نِشَاطٍ. يَعْنِي جَمْعَ نَشِيطٍ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التَّوْبَة: 39]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} [النِّسَاء: 71]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ، وَوَاحِدُ الثُّبَاتِ: ثُبَةٌ. 2636 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَحْيَى، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»، وَهَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ.

وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ مَنْدُوبَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ غَيْرَ مَفْرُوضَةٍ، وَذلِكَ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النِّسَاء: 100]، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، أُمِرُوا بِالْهِجْرَةِ وَالانْتِقَالِ إِلَى حَضْرَتِهِ لِيَكُونُوا مَعَهُ، وَيَتَظَاهَرُوا إِنْ حَزَبَهُمْ أَمْرٌ، وَلِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ أَمْرَ دِينَهُمْ، وَقَطَعَ اللَّهُ الْوِلايَةَ بَيْنَ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [

الْأَنْفَال: 72]، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ، عَادَ أَمْرُ الْهِجْرَةِ مِنْهَا إِلَى النَّدْبِ وَالاسْتِحْبَابِ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ»، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَهُمَا هِجْرَتَانِ، فَالْمُنْقَطِعَةُ هِيَ الْفَرْضُ، وَالْبَاقِيَةُ هِيَ النَّدْبُ. قَالَ الإِمَامُ: الأَوْلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» أَرَادَ بِهِ: مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَوْلُهُ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ» أَرَادَ بِهَا هِجْرَةَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ تِلْكَ الدَّارَ، وَيَخْرُجَ مِنْ بَيْنِهِمْ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا».

وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ، وَسَكَنَ مَعَهُ، فَإِنَّهُ مِثْلُهُ». وَقَوْلُهُ: «إِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» فِيهِ إِيجَابُ النَّفِيرِ، وَالْخُرُوجُ إِلَى الْغَزْوِ إِذَا وَقَعَتِ الدَّعْوَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى فَرْضِ الْعَيْنِ، وَإِلى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَفَرْضَ الْعَيْنِ: أَنْ يَدْخُلَ الْعَدُوُّ دَارَ قَوْمٍ مِنَ الْمُؤْمِنيِنَ، أَوْ يَنْزِلُ بِبَابِ بَلَدِهِمْ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مِنَ الرِّجَالِ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ الْخُرُوجُ إِلَى غَزْوِهِمْ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا، دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَعَنْ جِيرَانِهِمْ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ بَعُدَ عَنْهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنْ لَمْ تَقَعِ الْكِفَايَةُ بِمَا نَزَلَ بِهِمْ يَجِبُ عَلَى مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَوْنُهُمْ، وَإِنْ وَقَعَتِ الْكِفَايَةُ بِالنَّازِلِينَ بِهِمْ، فَلا فَرْضَ عَلَى الأَبْعَدِينَ إِلا عَلَى طَرِيقِ الاخْتِيَارِ وَالاسْتِحْبَابِ، وَلا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقَسْمِ الْعَبِيدُ، وَالْفُقَرَاءُ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ قَارِّينَ فِي بِلادِهِمْ، وَلا يَقْصِدُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَلا بَلَدًا مِنْ بِلادِهِمْ، فَعَلَى الإِمَامِ أَنْ لَا يُخَلِّيَ سَنَةً مِنْ غَزْوَةٍ يَغْزُوهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِسَرَايَاهُ حَتَّى لَا يَكُونَ الْجِهَادُ مُعَطَّلا، وَالاخْتِيَارُ لِلْمُطِيقِ لِلْجِهَادِ مَعَ

باب من أقعده العذر عن الغزو

وُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِهِ أَنْ لَا يَقْعُدَ عَنِ الْجِهَادِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النِّسَاء: 95]، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التَّوْبَة: 41] نَسَخَهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التَّوْبَة: 122]. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: نَرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَابُ مَنْ أَقْعَدَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النِّسَاء: 95]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لَيْسَ

عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [الْفَتْح: 17]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التَّوْبَة: 91]. 2637 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ: «إِنَّ فِي الْمَدِينَةِ لأَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ، وَلا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلا كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟، قَالَ: «نَعَمْ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: «كُنْتُ أَنَا، وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، أَنَا مِنَ الْوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ».

باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين

بَابُ لَا يُجَاهِدُ إِلَّا بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ 2638 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمَكِّيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقْولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ

مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا فِي جِهَادِ التَّطَوُّعِ لَا يَخْرُجُ إِلا بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا، فَلا حَاجَةَ إِلَى إِذْنِهِمَا، وَإِنْ مَنَعَاهُ عَصَاهُمَا وَخَرَجَ، وَإِنْ كَانَ الأَبَوَانِ كَافِرَيْنِ، فَيَخْرُجُ دُونَ إِذْنِهِمَا، فَرْضًا كَانَ الْجِهَادُ أَوْ تَطَوُّعًا، وَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ كَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَالزِّيَارَةِ، وَلا يَصُومُ التَّطَوُّعَ إِذَا كَرِهَ الْوَالِدَانِ الْمُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، إِلا بِإِذْنِهِمَا، وَمَا كَانَ فَرْضًا فَلا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِذْنِهِمَا، وَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ إِلَى جِهَادِ التَّطَوُّعِ إِلا بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ إِذَا كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَاجِلٌ، كَمَا لَا يَخْرُجُ إِلَى الْحَجِّ إِلا بِإِذْنِهِمْ، فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ، لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى الإِذْنِ. 2639 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ زَنْجُوَيْهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ اللَّبَّادُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُكَ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا».

وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: «أَقَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى أُمِّهِ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ»، قَالَ حَمَّادٌ: يَعْنِي: فِيمَا نَرَى التَّطَوُّعَ وَسَأَلَ رَجُلٌ عَطَاءً فَقَالَ: أَحْرَمْتُ بِالْحَجِّ، وَإِنَّ وَالِدِي كَرِهَ ذَلِكَ. قَالَ: اهْدِ هَدْيًا، وَأَقِمْ، وَأَطِعْ وَالِدَكَ. وَسَأَلَ رَجُلٌ مُجَاهِدًا: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَدَعَانِي أَبِي. قَالَ: أَجِبْهُ. وَسُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عَنْ رَجُلٍ أَرَادَ الْغَزْوَ، وَلَهُ وَالِدَانِ أَذِنَ أَحَدُهُمَا، وَمَنَعَهُ الآخَرُ، قَالَ: لَا تَخْرُجْ. قِيلَ: إِنْ أَرَادَ وَالِدُهُ أَنْ يَغْزُوَ بِهِ وَيَخْدُمَهُ، وَيُعِينَهُ، فَمَنَعَتْهُ وَالِدَتُهُ. قَالَ: لَا يَخْرُجُ. قِيلَ: لَهُ وَالِدَانِ مُشْرِكَانِ! قَالَ: لَا يَخْرُجُ إِلا بِإِذْنِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَتْ وَالِدَتُهُ تَمْنَعُهُ لِتَوْهِينِ الإِسْلامِ، فَلا يُطِيعُهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَمْنَعُهُ لِحَاجَتِهَا إِلَيْهِ، فَلْيَجْلِسْ عِنْدَهَا. وَسُئِلَ عَنِ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ بِهِمَا حَاجَةٌ إِلَيْهِ لَا يَغْزُو إِلا بِإِذْنِهِمَا. قَالَ: فَالَعَمُّ وَالْعَمَّةُ؟ قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. وَسُئِلَ سُفْيَانُ عَنِ الْوَالِدَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ؟ قَالَ: لَا يَغْزُو إِلا بِإِذْنِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْجَدَّةُ الْمُسْلِمَةُ لَا يَغْزُو إِلا بِإِذْنِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا افْتَتَحَ صَلاةَ نَافِلَةٍ، فَدَعَتْهُ أُمُّهُ أَجَابَهَا، وَإِنْ دَعَاهُ أَبُوهُ، سَبَّحَ وَأَتَمَّهَا. وَقَالَ شَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ: مَكْتُوبٌ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ. وَسُئِلَ الْحَسَنُ: أَيَأْمُرُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: إِنْ قَبِلا فَلْيَفْعَلْ، وَإِنْ كَرِهَا فَلْيَسْكُتْ.

باب إعداد آلة القتال

بَابُ إِعْدَادِ آلَةِ الْقِتَالِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الْأَنْفَال: 60]، قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» قَالَهُ ثَلاثًا، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمرَان: 200]، أَيْ: أَقِيمُوا عَلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ بِالْحَرْبِ وَارْتِبَاطِ الْخَيْلِ. 2640 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، نَا سَلَمَةُ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّوقِ، فَقَالَ: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلانٍ»، لأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، فَأَمْسَكُوا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: «مَا لَهُمْ؟»، قَالُوا: وَكَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلانٍ؟! قَالَ: «ارْمُوا، وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ».

وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ يَتَنَاضَلُونَ: أَيْ يَرْمُونَ، وَالنِّضَالُ: الرَّمْيُ مَعَ الأَصْحَابِ، يُقَالُ: نَاضَلْتُهُ، فَنَضَلْتُهُ، وَالرَّمْيُ قَدْ يَكُونُ مِنْ فَرْدٍ كَمَا يَكُونُ مِنْ جَمَاعَةٍ. 2641 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَزْرَقِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " غَيْرَتَانِ إِحْدَاهُمَا يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَالأُخْرَى يُبْغِضُهَا اللَّهُ، وَمَخِيلَتَانِ إِحْدَاهُمَا يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَالأُخْرَى يُبْغِضُهَا اللَّهُ: الْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ الرِّيبَةِ يُبْغِضُهَا اللَّهُ، وَالْمَخِيلَةُ إِذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَالْمَخِيلَةُ فِي الْكِبْرِ يُبْغِضُهَا اللَّهُ "، وَقَالَ: " ثَلاثَةٌ تُسْتَجَابُ دَعْوَتُهُمُ: الْوَالِدُ،

وَالْمُسَافِرُ، وَالْمَظْلُومُ "، وَقَالَ: " إِنَّ اللَّه يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ الْجَنَّةَ ثَلاثَةً: صَانِعَهُ، وَالْمُمِدَّ بِهِ، وَالرَّامِيَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَيُرْوَى عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةَ نَفَرٍ فِي الْجَنَّةِ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ، وَارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ بَاطِلٌ إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ، وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ تَرَكَهَا "، أَوْ قَالَ: «كَفَرَهَا».

قَوْلُهُ: «مُنْبِلَهُ»: هُوَ الَّذِي يُنَاوِلُ الرَّامِيَ النَّبْلَ، وَهَذَا يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَقُومُ بِجَنْبِ الرَّامِي، أَوْ خَلْفَهُ يُنَاوِلُهُ النَّبْلَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَرْمِيَ، وَالآخَرُ: أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبْلَ الْمَرْمِيَّ، وَيُرْوَى «وَالْمُمِدَّ بِهِ»، وَأَيُّ الأَمْرَيْنِ فَعَلَ فَهُوَ مُمِدٌّ بِهِ. وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ اللَّهْوِ مَحْظُورَةٌ، وَاسْتَثْنَى مِنْهَا هَذِهِ الثَّلاثَ لِكَوْنِهَا ذَرِيعَةً إِلَى الْحَقِّ، وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَاهَا الْمُثَاقَفَةُ بِالسِّلاحِ، وَالشَّدُّ عَلَى الأَقْدَامِ، وَنَحْوُهَا، فَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمُزَاجَلَةِ بِالْحَمَامِ، وَاللَّعِبِ بِالنَّرْدِ، وَنَحْوِهَا، فَحَرَامٌ. 2642 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، نَا هِشَامُ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَهَ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: حَاصَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ فِي

باب اتخاذ الخيل للجهاد

سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ لَهُ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ»، قَالَ: فَبَلَغْتُ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ عِدْلُ مُحَرَّرٍ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ رَجُلا مُسْلِمًا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ وِقَاءً مَكَانَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِ مُحَرِّرِهِ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ مِنَ النَّارِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ وِقَاءً مَكَانَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِ مُحَرِّرَتِهَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِهَا مِنَ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَبُو نَجِيحٍ هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْسَةَ السُّلَمِيُّ بَابُ اتِّخَاذِ الْخَيْلِ لِلْجِهَادِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} [الْأَنْفَال: 60]. أَرَادَ مَا ارْتَبَطَ مِنَ الْخَيْلِ بِالْفِنَاءِ لِلْقِتَالِ.

2643 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ 2644 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 2645 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ،

نَا عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَكَرِيَّا فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي اتِّخَاذِ الْخَيْلِ لِلْجِهَادِ، وَفِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا، وَفِيهِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يُكْتَسَبُ بِهَا خَيْرُ مَالٍ. 2646 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، نَا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسِهِ، وَيَقُولُ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْخَيْلَ خَيْرًا، لِمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} [ص: 32]، يَعْنِي: حُبَّ الْخَيْلِ، وَيُسَمَّى الْمَالُ الْخَيْرَ، قَالَ

الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [الْبَقَرَة: 180]، أَيْ: مَالا. 2647 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، نَا أَبُو نُعَامَةَ الْعَدَوِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ بُدَيْلٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ هُبَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ مَالِ الْمَرْءِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ، أَوْ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ» قَوْلُهُ: «مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ»، أَيْ: كَثِيرَةُ النِّتَاجِ، يُقَالُ: أَمَرَهَا اللَّهُ، فَهِيَ مَأْمُورَةٌ، وَآمَرَهَا فَهِيَ مُؤَمَّرَةٌ، أَيْ: كَثَّرَهَا، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الْإِسْرَاء: 16]، وَيُقْرَأُ: «آمَرْنَا»، بِالْمَدِّ، أَيْ كَثَّرْنَا. وَقَوْلُهُ: «سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ»، فَالسِّكَّةُ: الطَّرِيقَةُ الْمُصْطَفَّةُ الْمُسْتَوِيَةُ مِنَ النَّخْلِ، وَالْمَأْبُورَةُ: الَّتِي قَدْ أُبِرَتْ، وَلُقِحَتْ، وَسُمِّيَتِ الأَزِقَّةُ سِكَكًا لاصْطِفَافِ الدُّورِ فِيهَا.

باب من احتبس فرسا في سبيل الله عز وجل

بَابُ مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ 2648 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ، وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ، وَرِيَّهُ، وَرَوْثَهُ، وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْخَيْلِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهَا 2649 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ،

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَلْمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَرِهَ الشِّكَالَ فِي الْخَيْلِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ. وَأَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ اسْمُهُ هَرِمٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الشِّكَالُ: أَنْ تَكُونَ ثَلاثُ قَوَائِمَ مِنْهُ مُحَجَّلَةً، وَوَاحِدَةٌ مُطْلَقَةً، أَوْ ثَلاثُ قَوَائِمَ مُطْلَقَةً، وَوَاحِدَةٌ مُحَجَّلَةً، أُخِذَ مِنَ الشِّكَالِ الَّذِي يُشْكَلُ بِهِ الْخَيْلُ، لأَنَّ الشِّكَالَ يَكُونُ فِي ثَلاثِ قَوَائِمَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُمْنُ الْخَيْلِ فِي الشُّقْرِ». وَعَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِكُلِّ كُمَيْتٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ، أَوْ أَشْقَرَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ، أَوْ أَدْهَمَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ».

باب المسابقة على الخيل

وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُ الْخَيْلِ الأَدْهَمُ الأَقْرَحُ الأَرْثَمُ، ثُمَّ الأَقْرَحُ الْمُحَجَّلُ طَلْقُ الْيَمِينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْهَمَ، فَكُمَيْتٌ عَلَى هَذِهِ الشِّيَةِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَوْ مِنَ الْكُمَيْتِ عَلَى هَذِهِ الشِّيَةِ تَغْنَمُ، وَتَسْلَمُ». قَوْلُهُ: «طَلْقُ الْيَمِينِ»، أَيْ: مُطْلَقُهَا، يُقَالُ: فَرَسٌ طَلْقُ إِحْدَى الْقَوَائِمِ: إِذَا كَانَتْ إِحْدَى قَوَائِمِهَا لَا تَحْجِيلَ فِيهَا، وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ الْفُحُولَةَ، لأَنَّهَا أَجْرَأُ، وَأَجْسَرُ. بَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ 2650 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ

أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ»، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، وَقَالَ: قُلْتُ لِمُوسَى: كَمْ بَيْنَ ذَلِكَ؟ يَعْنِي: بَيْنَ الْحَفْيَاءِ وَثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ: سِتَّةُ أَمْيَالٍ، أَوْ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ. وَقَالَ: فِي ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ، أَوْ نَحْوُهُ. وَالتَّضْمِيرُ فِي الْخَيْلِ: أَنْ تُعْلَفَ الْحَبَّ وَالْقَضِيمَ حَتَّى تَسْمَنَ، وَتَقْوَى، ثُمَّ تُغْشَى بِالْجِلالِ، وَتُتْرَكُ حَتَّى تَحْمَى وَتَعْرَقَ، وَلا تُعْلَفُ إِلا قُوتًا حَتَّى تَضْمُرَ، وَيَذْهَبَ رَهَلُهَا، وَيَشْتَدَّ لَحْمُهَا، فَتَخِفَّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يُضَمِّرُ الْخَيْلَ، وَيُسَابِقُ عَلَيْهَا». وَالأَمَدُ: الْغَايَةُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَدًا بَعِيدًا} [

آل عمرَان: 30]، أَيْ: غَايَةً، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} [الْحَدِيد: 16]، وَهُوَ نِهَايَةُ الْبُلُوغِ، وَيُقَالُ: اسْتَوْلَى عَلَى الأَمَدِ: أَيْ: غَلَبَ سَابِقًا، وَجَمْعُ الأَمَدِ آمَادٌ. يُرِيدُ: أَنَّهُ جَعَلَ غَايَةَ الْمَضَامِيرِ أَبْعَدَ مِنْ غَايَةِ مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنَ الْخَيْلِ، لأَنَّ الْمَضَامِيرَ أَقْوَى مِمَّا لَمْ يُضَمَّرْ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِعْدَادٌ لِلْقُوَّةِ فِي إِعْزَازِ الدِّينِ، امْثِتَالا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الْأَنْفَال: 60]. 2651 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُتَوَلِّي، نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَتِ الْعَضْبَاءُ لَا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَابَقَهَا، فَسَبَقَهَا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ إِلَّا وَضَعَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَقَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ 2652 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالحَانِيُّ أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

باب أخذ المال على المسابقة والمناضلة

بْنِ رُسْتَهْ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ، وَكَانَتْ لَا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ، فَسَبَقَ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ؟»، فَقَالُوا: سُبِقَتِ الْعَضْبَاءُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ». بَابُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ 2653 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

وَالسَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ: هُوَ الْمَالُ الْمَشْرُوطُ لِلسَّابِقِ عَلَى سَبْقِهِ. وَبِسُكُونِ الْبَاءِ: هُوَ مَصْدَرُ سَبَقْتُهُ سَبْقَا، وَالْمُرَادُ مِنَ النَّصْلِ: السَّهْمُ، وَمِنَ الْخُفِّ: الإِبِلُ، وَمِنَ الْحَافِرِ: الْفَرَسُ، وَأَرَادَ فِي ذِي خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ، وَخُفُّ الْبَعِيرِ: مَجْمَعُ فَرْسَنِهِ. وَفِيهِ إِبَاحَةُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْمُنَاضَلَةِ لِمَنْ نَضَلَ، وَعَلَى الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَالإِبِلِ لِمَنْ سَبَقَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَبَاحُوا أَخْذَ الْمَالِ عَلَى الْمُنَاضَلَةِ، وَالْمُسَابَقَةِ، لأَنَّهَا عُدَّةٌ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ، وَفِي بَذْلِ الْجُعْلِ عَلَيْهَا تَرِغِيبٌ فِي الْجِهَادِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ إِذَا أُدْخِلَ فِيهِ مُحَلِّلٌ. وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَى النَّصْلِ الزَّوَّابِينَ، وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْخَيْلِ: الْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ، وَلأَنَّهَا كُلَّهَا ذَوَاتُ حَوَافِرَ، وَفِي مَعْنَى الإِبِلِ: الْفِيلُ، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ الشَّدَّ عَلَى الأَقْدَامِ، وَالْمُسَابَقَةَ عَلَيْهَا، وَسُئِلَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنِ الدَّحْوِ بِالْحِجَارَةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. يَعْنِي: السَّبْقَ بِالْحِجَارَةِ، يُقَالُ: فُلانٌ يَدْحُو بِالْحِجَارَةِ، أَيْ: يَرْمِي بِهَا، رُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: كُنْتُ أُلاعِبُ الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ بِالْمَدَاحِي، وَوَصَفَ بَعْضُهُمُ الْمَدَاحِيَ بِأَنْ يَحْفُرُوا حُفَيْرَةً، ثُمَّ يَتَنَحَّوْنَ قَلِيلا، فَيَدْحُونَ بِالأَحْجَارِ فِيهَا، فَمَنْ وَقَعَ حَجَرُهُ فِيهَا، فَقَدْ قَمَرَ، وَإِلا فَقَدْ قُمِرَ، وَالْحَفِيرَةُ: هِيَ الأُدْحِيَةُ. وَلَمْ يُجَوِّزْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَخْذَ الْمَالِ عَلَى الْمُنَاضَلَةِ، وَالْمُسَابَقَةِ. فَأَمَّا السِّبَاقُ بِالطَّيْرِ، وَالزَّجَلُ بِالْحَمَامِ، وَمَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ، وَلا مِنْ بَابِ الدَّعْوَةِ عَلَى الْجِهَادِ، فَأَخْذُ الْمَالِ عَلَيْهِ قِمَارٌ مَحْظُورٌ، ثُمَّ فِي الْمُسَابَقَةِ أَوِ الْمُنَاضَلَةِ إِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ جِهَةِ الإِمَامِ،

وَمِنْ جِهَةِ وَاحِدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ، شَرَطَ لِلسَّابِقِ مِنَ الْفَارِسَيْنِ، أَوِ الْمُنَاضِلِ مِنَ الرَّامِيَيْنِ مَالا مَعْلُومًا، فَجَائِزٌ، وَإِذَا سَبَقَ، أَوْ نَضَلَ، اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْمَالَ. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ الْفَارِسَيْنِ، أَوِ الرَّامِيَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنْ سَبَقْتَنِي، أَوْ نَضَلْتَنِي بِكَذَا، فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُكَ، أَوْ نَضَلْتُكَ، فَلا شَيْءَ لِي عَلَيْكَ. فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا، فَإِذا سَبَقَ، أَوْ نَضَلَ الْمَشْرُوطُ لَهُ اسْتَحَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ جِهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: إِنْ نَضَلْتُكَ، أَوْ سَبَقْتُكَ، فَلِي عَلَيْكَ كَذَا، وَإِنْ نَضَلْتَنِي، أَوْ سَبَقْتَنِي، فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا. فَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلا بِمُحَلِّلٍ يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا إِنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ، أَوْ نَضَلَ، أَخَذَ السَّبْقَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، سُمِّيَ مُحَلِّلا، لأَنَّهُ يُحَلِّلُ لِلسَّابِقِ أَخْذَ الْمَالِ، فَبِالْمُحَلِّلِ يَخْرُجُ الْعَقْدُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا، لأَنَّ الْقِمَارَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْغُنْمِ، وَالْغُرْمِ، فَإِذَا دَخَلَ بَيْنَهُمَا مَنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى، خَرَجَ الْعَقْدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا. ثُمَّ إِذَا جَاءَ الْمُحَلِّلُ أَوَّلا، ثُمَّ جَاءَ الْمُسْتَبِقَانِ مَعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الآخِرِ، أَخَذَ الْمُحَلِّلُ السَّبْقَيْنِ، وَإِنْ جَاءَ الْمُسْتَبِقَانِ مَعًا، ثُمَّ الْمُحَلِّلُ، فَلا شَيْءَ لأَحَدٍ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدُ الْمُسْتَبِقَيْنِ أَوَّلا، ثُمَّ جَاءَ الْمُحَلِّلُ وَالْمُسْتَبِقُ الثَّانِي، إِمَّا مَعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الآخَرِ، أَحْرَزَ السَّابِقُ سَبْقَهُ، وَأَخَذَ سَبْقَ الْمُسْتَبِقِ الثَّانِي، وَإِنْ جَاءَ الْمُحَلِّلُ وَأَحَدُ الْمُسْتَبِقَيْنِ مَعًا، ثُمَّ جَاءَ الثَّانِي مُصَلِّيًا، أَخَذَ السَّابِقَانِ سَبْقَ الْمُصَلِّي. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ كُفْأً لِفَرَسِهِمَا. 2654 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ

بْنُ سَلامٍ، نَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَالْفَزَارِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ، فَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ، فَلا خَيْرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ، فَلا بَأْسَ بِهِ». وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ، فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ، وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يُسْبَقَ، فَهُوَ قِمَارٌ» قَالَ الإِمَامُ: وَلَوْ أَدْخَلا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ، فَيَجُوزُ. وَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ يَتَسَابَقُونَ، يُكْتَفَى بِمُحَلِّلٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: «إِنْ كَانَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلا بَأْسَ بِهِ». يُرِيدُ إِنْ كَانَ الْفَرَسُ جَوَادًا لَا يَأْمَنَانِ أَنْ يَسْبِقَهُمَا، فَيَذْهَبُ بِالرَّهْنَيْنِ، فَلا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَلِيدًا آمِنًا أَنْ يَسْبِقَهُمَا، فَهُوَ قِمَارٌ، لأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ.

باب السيف وحليته

بَابُ السَّيْفِ وَحِلْيَتِهِ 2655 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ مَعْقِلٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 2656 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْخٍ الْوَاسِطِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ،

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَتْ قَبِيعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً» وَقَبِيعَةُ السَّيْفِ: هِيَ التُّومَةُ الَّتِي فَوْقَ الْمِقْبَضِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَحْلِيَةِ السَّيْفِ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْفِضَّةِ، وَكَذَلِكَ الْمِنْطَقَةُ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيَةِ اللِّجَامِ وَالسَّرْجِ، فَأَبَاحَهُ بَعْضُهُمْ كَالسَّيْفِ، وَحَرَّمَ بَعْضُهُمْ، لأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ الدَّابَّةِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيَةِ سِكِّينِ غَيْرِ الْحَرْبِ وَالْمِقْلَمَةِ بِقَلِيلٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَأَمَّا التَّحْلِيَةُ بِالذَّهَبِ، فَغَيْرُ مُبَاحٍ فِي جَمِيعِهَا، وَيَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ بِالذَّهَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْظَامِ الْمُصْحَفِ. 2657 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ سيِرِينَ، قَالَ: صَنَعْتُ سَيْفِي عَلَى سَيْفِ سَمُرَةَ، وَزَعَمَ سَمُرَةُ، أَنَّهُ «صَنَعَ سَيْفَهُ عَلَى سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ

باب الدرع والمغفر

حَنَفِيًّا». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: لَقَدْ فَتَحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ مَا كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمُ الذَّهَبَ وَلا الْفِضَّةَ، إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيَتُهُمُ الْعَلابِيَّ، وَالآنُكَ، وَالْحَدِيدَ. أَرَادَ بِالْعَلابِيِّ: الْعَصَبَ، الْوَاحِدُ عَلْبَاءُ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَشُدُّ بِالْعَلابِيِّ الرَّطْبَةِ أَجْفَانَ سُيُوفِهَا، وَتَشُدُّ بِهَا الرِّمَاحَ إِذَا تَصَدَّعَتْ، وَالْعَلْبَاءُ أَمْتَنُ مَا يَكُونُ فِي الْبَعِيرِ مِنَ الأَعْصَابِ، وَهِيَ عَصَبُ الْعُنُقِ. بَاب الدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ». 2658 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ،

عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَانِ قَدْ ظَاهَرَ بَيْنَهُمَا» 2659 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاعِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمُقْرِي النَّيْسَابُورِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ الْبَزَّازُ، نَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ظَاهَرَ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ الدِّرْعَيْنِ» 2660 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ»، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ {45} بَلِ السَّاعَةُ

باب الترس

مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ {46}} [الْقَمَر: 45 - 46] " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَابُ التُّرْسِ 2661 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتُرْسٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ، فَكَانَ إِذَا رَمَى، تَشَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب الرايات والألوية

بَابُ الرَّايَاتِ وَالأَلْوِيَةِ 2662 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ، فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: «وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ»، قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ، يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَهُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ «. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

وَرُوِيَ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقَرَظِيِّ، أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ» كَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". 2663 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: بَعَثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ إِلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَسْأَلُهُ عَنْ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَتْ؟ فَقَالَ: «كَانَتْ سَوْدَاءَ مُرَبَّعَةً مِنْ نَمِرَةٍ» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ مَكَّةَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ». 2664 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّالِحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ السَّامِيُّ، نَا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَيَّانَ أَبُو زُهَيْرٍ الْعَدَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ» 2665 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، أَظُنُّهُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ، وَكَانَتْ رَايَتُهُ سَوْدَاءَ مِنْ مِرْطٍ لِعَائِشَةَ مُرَحَّلٍ» بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الْعَاشِر من شرح السّنة ويليه الْجُزْء الْحَادِي عشر وأوله بَاب التأمير فِي الْحَرْب وَالسّفر وَوَصِيَّة الإِمَام للجيش

باب التأمير في الحرب، والسفر، ووصية الإمام الجيش

بَابُ التَّأْمِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَالسَّفَرِ، وَوَصِيَّةِ الإِمَامِ الْجَيْشَ 2666 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، نَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُؤْتَةُ مَهْمُوزَةٌ: الأَرْضُ الَّتِي قُتِلَ بِهَا جَعْفَرٌ، وَالْمُوتَةُ بِغَيْرِ هَمْزٍ: شِبْهُ الْجُنُونِ. 2667 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، فَفُتِحَ عَلَيْهِ، فَمَا يَسُرُّنِي، أَوْ قَالَ: مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا "، قَالَ: وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ بَيَانُ أَنَّ التَّأْمِيرَ فِي الْحَرْبِ مَشْرُوعٌ، وَفِيهِ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ تَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ أُصِيبَ الأُمَرَاءُ مِنْ غَيْرِ تَأْمِيرٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَظَرَ، فَإِذَا هُوَ فِي ثَغْرٍ مَخُوفٍ لَمْ يَأْمَنْ فِيهِ ضَيَاعَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ، وَتَوَلَّى أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَ هَذَا أَصْلا فِي كُلِّ أَمْرٍ حَدَثَ مِمَّا سَبِيلُهُ أَنْ يَتَوَلاهُ الأَئِمَّةُ، وَلَمْ يَشْهَدُوهُ، وَخِيفَ عَلَيْهِ الضَّيَاعُ أَنَّ الْقِيَامَ بِهِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ شَهِدَهُ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِنْ

وَقَعَ ذَلِكَ فِي وَاحِدٍ خَاصٍّ، نَحْوُ أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ بِفَلاةٍ، فَإِنَّ عَلَى مَنْ شَهِدَهُ حِفْظَ مَالِهِ، وَإِيصَالَهُ إِلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَكْفِينُهُ، وَتَجْهِيزُهُ لأَنَّ أَمْرَ الدِّينِ عَلَى التَّعَاوُنِ، وَالتَّنَاصُحِ، هَذَا مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ يَدٌ، لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ، وَلِوَلَدِهِ بِمِثْلِ مَا يَحْكُمُ لِغَيْرِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ عَلَى وَلِيَّتِهِ، وَأَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهِ، كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ بِالَّذِي سَرَقَ الْحُلِيَّ مِنْ بَيْتِهِ. وَفِيهِ أَيْضًا جَوَازُ دُخُولِ الْخَطَرِ فِي الْوِكَالاتِ، وَتَعْلِيقِهَا بِالشَّرَائِطِ، قَالَ الإِمَامُ: يَعْنِي قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ، فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ»، عَلَّقَ إِمَارَةَ جَعْفَرَ بِقَتْلِ زَيْدٍ، وَإِمَارَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِقَتْلِ جَعْفَرٍ. 2668 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ حَمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ، أَوْ جَيْشٍ أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَقَالَ: " إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ

مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ، أَوْ خِلالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ إِلَيْهَا، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ: ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا، وَاخْتَارُوا دَارَهُمْ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مِثْلَ أَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ، وَالْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَادْعُهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجَابُوا، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلا تُنْزِلْهُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ، وَلَكِنْ أَنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِكُمْ، ثُمَّ اقْضُوا فِيهَا بَعْدُ مَا شِئْتُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ

قَالَ الإِمامُ: هَذَا الْحدِيث يشْتَمل على فَوَائِد وعدة أَحْكَام: أَحدهَا: التأمير فِي الْحَرْب، فَيَنْبَغِي للْإِمَام إِذا بعث جَيْشًا أَن يؤمِّر عَلَيْهِم أَمِيرا، وَيَأْمُرهُمْ بِطَاعَتِهِ، حتّى لَا يختلِف أَمرهم، وقدْ رُوِي عنْ أبِي سعِيد الخدريِّ، أَن النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذا خرج ثلاثةٌ إِلى سفرٍ فلْيُؤمِّرُوا أحدهُمْ»، وَعَن أبِي الْأَحْوَص، عنْ عبْد اللهِ، قَالَ: «إِذا كُنْتُمْ ثَلَاثَة فِي سفرٍ، فأمِّرُوا أحدكُمْ»، وَإِنَّمَا أَمرهم بِذلِك، ليَكُون أَمرهم جَمِيعًا، وَلَا يتفرّق بِهِمُ الرّأْيِ، فيحملهم ذلِك على الْخلاف، والشِّقاقِ. وفِي الْحدِيثِ دلِيلٌ على أنّهُ لَا يُقاتِلُ الْمُشْركين إِلَّا بعد دُعَائِهِمْ إِلى الإِسْلام، وَقد اخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي ذلِك، فَقَالَ مالِك: لَا يُقَاتلُون حتّى يُدعوا، ويؤذنوا، وَذهب جمَاعَة إِلى أَنهم يُقَاتلُون قبل الدعوةُ، والدعوة اسْتِحْبَاب، لِأَن الدعْوَة قدْ بلغتهم، وهُو قوْل الثّوْرِي، والشّافِعِي، وأصْحاب الرّأْيِ، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وَاحْتج الشّافِعِي بقتل ابْن أبِي

الحُقيق، وَأَيْضًا رُوِي عنْ أنس، أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُغيرُ عِنْد صَلَاة الصُّبْحِ، فإِذا سمع أذانًا أمْسك، وإِلّا أغار، وأغار على بني المُصْطلِقِ وهُمْ غارُّون»، وَقَالَ عليْهِ السّلام لأسامة: «أغِرْ على أُبني صباحًا وحرِّقْ»، فَثَبت بِهذِهِ الأحادِيث أَن تَقْدِيم الدعْوَة ليْس بِشَرْط إِذا كَانَت الدعْوَة قدْ بلغتهم قبل ذلِك. فَأَما من لمْ تبلغه الدعْوَة من الْكفَّار فَمَا بعُدت دَاره، ونأى مَحَله، فإِنّهُ لَا يُقاتل حتّى يدعى إِلى الإِسْلام، فإِن قُتِل مِنْهُم واحدٌ قبل الدعْوَة فَتجب فِيهِ الْكَفَّارَة وَالدية، وفِي وجوب اخْتِلاف الْقود اخْتِلاف بيْن أهْل الْعِلْمِ، وَقَالَ سعِيد بْن جُبيْر فِي قوْلِهِ عزّ وجلّ {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، أهل الْحَرْب ادعوهُمْ فإِن أَبَوا، فجادلوهم بِالسَّيْفِ. وقوْله: «وأعلِمْهُمْ أنّهُمْ إِنْ فعلُوا ذلِك أنّ لهُمْ مَا للمُهاجِرِين» أَرَادَ من مَال الْفَيْء، وذلِك أَن الْمُهَاجِرين كانُوا أَقْوَامًا من قبائل مختلفةٍ تركُوا أوطانهم، وهجروها فِي الله، واختاروا الْمدِينة دَارا ووطنًا، ولمْ يكن

لأكثرهم بِها زرع، وَلَا ضرع، وَكَانَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينْفِق عَلَيْهِم من مَال الْفَيْء، وإِذا دُعوا إِلى الْجِهَاد، لَا يتخلفون عَنهُ، ولمْ يكن أم لأعرابي؟، وسكان الْبَلَد فِي الْفَيْء نصيب إِلَّا من شهد الْوَقْعَة مِنْهُم، فَلهُ سَهْمه، وَمن لمْ يخرج مِنْهُم فِي الْبَعْث، فَلَا شيْء لهُ من الْفَيْء، وَلَا عتب عليْهِ فِي التَّخَلُّف مَا دَامَ فِي الْمُجَاهدين كِفَايَة. وقوْله: «وعليْهِمْ مَا على المُهاجِرِين»، أَي: من النفير أيّ وقتٍ دُعوا إِليْهِ. وقوْله: «فإنْ هُمْ أبوْا، فادْعُهُمْ إِلى إِعْطَاء الجِزْيةِ»، فَظَاهره يُوجب قبُول الْجِزْيَة من كُل مُشْرك، كتابي أوْ غيْر كتابي، مثل عبدةِ الشَّمْس، والنيران، والأوثان إِذا أعطوها، وَإِلَى هَذَا ذهب الأوْزاعِي، ومالِك: أنّهُ تقبل الْجِزْيَة من كُل كَافِر، عَرَبيا كَانَ أوْ أعجميًا، إِلَّا الْمُرْتَد، قَالَ الْمُغِيرة بْن شُعْبة لعامل كسْرَى: أمرنَا نبيُّنا رسُول ربِّنا أَن نقاتِلكم حتّى تعبدوا الله وَحده، أوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَة، وأخْبرنا نبيُّنا عنْ رِسَالَة ربِّنا أنّهُ من قُتِل منا صَار إِلى الْجَنَّةِ فِي نعيم لمْ يُر مثلهَا قطّ، وَمن بقى منا ملك رِقَابكُمْ، وَعَن أبِي وَائِل قَالَ: كتب خالِد بْن الْولِيد إِلى أهل فَارس: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، مِن خالِد بْن الْولِيد إِلى رُستم ومهران فِي مَلأ فَارس: سَلام على من اتبع الْهدى، أما بعد فَإنَّا ندعوكم إِلى الإِسْلام، فإِن أَبَيْتُم، فأعطوا الْجِزْيَة عنْ يدِ وَأَنْتُم صاغرون، فإِن أَبَيْتُم، فإِن معي قوما يحبونَ الْقَتْل فِي سَبِيل الله، كَمَا تحبُّ فَارس الْخمر، وَالسَّلَام على

منِ اتّبع الهُدى. وقوْله: «فإِن أجابُوا، فاقْبلْ مِنْهُمْ، وكُفّ عنْهُمْ»، يعْنِي: إِذا قبلوا الْجِزْيَة، دخلُوا فِي ذمَّة الْمُسْلِمِين يجب الكفُّ عَنْهُم قتلا، واسترقاقًا، والذبُّ عَنْهُم. قَالَ عُمر رضِي الله فِي وَصيته: أوصِي الْخَلِيفَة من بعدِي بالمهاجرين، وَالْأَنْصَار، أوصيه بِذِمَّة الله وَذمَّة رَسُوله أَن يُوفي لهُمْ بعدهمْ وَأَن يُقَاتل من ورائهم، وَلَا يكلّفوا إِلَّا طاقتهم. وَذهب قوْمٌ إِلى أَن الْجِزْيَة لَا تقبل إِلَّا من أهل الْكتاب وَمن الْمَجُوس سَوَاء كانُوا عربا، أوْ عجمًا، وَلَا تُقبل من أهل الْأَوْثَان بِحَال، إِليْهِ ذهب الشّافِعِي. وَقَالَ أبُو حنِيفة: تُقبل من أهل الْكتاب على الْعُمُوم، وتُقبل من مُشْركي الْعَجم، وَلَا تُقبل من مُشْركي الْعَرَب، وَقَالَ أبُو يُوسُف: لَا تُقبل من الْعَرَبِيّ، كتابيًا كَانَ، أوْ مُشْركًا، وتُقبل من العجمي، كتابيًا كَانَ أوْ مُشْركًا. قَالَ الشّافِعِيُّ: وَلَوْلَا أَن نأثم بتمني بَاطِل، وَدِدْنَا أَن لَا يجْرِي على عَرَبِيّ صغَار، وَلَكِن الله أجلُّ فِي أَعيننَا من أَن نحب غيْر مَا حكم بِهِ. ورُوِي: أَن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَخذ الجِزْية مِنْ أُكيْدِر دومة وهُو رجُلٌ مِنْ غسّان، أوْ كِنْدة، ومنْ أهْلِ ذِمَّةِ اليمنِ، وعامّتُهُمْ عربٌ».

2669 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ سَهْلِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الطَّرْسُوسِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حِزَامٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ جَيْشًا قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تَقْتُلُوا امْرَأَةً، وَلا وَلِيدًا، وَلا شَيْخًا كَبِيرًا، وَإِذَا حَاصَرْتُمْ أَهْلَ مَدِينَةٍ، أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ، فَادْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَهُمْ مَا لَكُمْ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْكُمْ، فَإِنْ أَبَوْا، فَادْعُوهُمْ إِلَى الْجِزْيَةِ، يُعْطُونَكُمْ عَنْ يَدٍ، وَهُمْ صَاغِرُونَ، فَإِنْ أَبَوْا، فَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ الإِمامُ: نسَاء أهل الْحَرْب وصبيانهم لَا يجوز قتلُهم بعد الإسار، لأَنهم صَارُوا أرقاء بِنَفس الأسرِ، فهُمْ غنيمَة للْمُسلمين، وَلَا يجوز أيْضًا قَتلهمْ قبل الْأسر، فإِن قَاتلُوا، دُفِعوا وَلَو بِالْقَتْلِ، وكذلِك إِذا اخْتَلَط نسَاء أهل الْحَرْب وصبيانُهُم بالمقاتلة مِنْهُم، وَلَا يُوصل إِلَى الْمُقَاتلَة إِلَّا بقتل النِّسَاء وَالصبيان، فَإِنَّهُم لَا يُحاشون، وكذلِك يجوز البيات وَإِن كَانَ ذلِك يَأْتِي على النِّساء وَالصبيان. وَاخْتلفُوا فِي الشُّيُوخ، والزّمني، والعميان، والرهبان، والعُسفاء، فَذهب قوم إِلى أَنهم لَا يُقتلون، وهُو قوْل مالِك، والثّوْرِي، والأوْزاعِي، وأصْحاب الرّأْيِ، ورُوِي عنِ الصِّدِّيق أنّهُ نهى عنْ قَتلهمْ، وَذهب قومٌ إِلى أَنهم يُقتلون، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي فِي أظهر قوليه، وَقَالَ: إِنّما نهى أبُو بكْر عنْ قَتلهمْ ليشتغلوا بالأهم، وهُو قتل الْمُقَاتلَة، وَلَا يتشاغلوا بالْمقَام على الصوامع عنِ الْحَرْب، كَمَا رُوِي أنّهُ نهى عنْ قطع الْأَشْجَار المثمرة، ولمْ يكن ذلِك على وَجه التَّحْرِيم، وقدْ حضر النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وهُو يقطع نخل بني النَّضِير»، وَلَكِن نهى عنْ قطعهَا ليشتغلوا بِالْقِتَالِ الّذِي هُو الأهم، أوْ لِأَن النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قدْ «وعد لهُمْ فتح الشَّام، فَأَرَادَ بَقَاء نَفعهَا للْمُسلمين»، فَأَما الشَّاب الْمَرِيض، فيُقتل بالِاتِّفَاقِ.

باب الغزو بالنساء

بابُ الْغزْوِ بالنِّساءِ 2670 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا بَشَّارُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَسْقِي الْقَوْمَ، وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الْجَرْحَى، وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَصَحَّ عنْ أم عطيّة الْأَنْصَارِيَّة، قالتْ: «غزوْت مَعَ رسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبْع غزواتٍ» أخْلُفُهُمْ فِي رِحالِهِمْ، فأصْنعُ لهُم الطَّعَام، وأُداوِي الجرْحى، وأقومُ على المرْضى. وَعَن أنس، قَالَ: كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يغْزُو بأُمِّ سُليْمٍ ونِسْوةٍ مِن الأنصارِ معهُ إِذا غزا»، فيسْقِين المَاء، ويُداوِين الجرْحى. قَالَ الإِمامُ: فِي الْحدِيث دلِيل على جَوَاز الْخُرُوج بِالنسَاء فِي الْغَزْو لنَوْع من الرِّفْق والخدمة، فإِن خَافَ عَلَيْهِنَّ كَثْرَة الْعَدو وقوتهم، أوْ خَافَ فتنتهُن لجمالِهِن، وحداثة أسنانهن، فَلَا يخرجُ بِهن، وقدْ

باب أخذ الجعل

رُوِي عنِ النّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَن نِسْوةٍ خرجْن معهُ فَأمر بِردِّهِن». فيُشبه أَن يكود ردُّهُ إياهُن لأحد هذَيْن الْمَعْنيين. بابُ أخْذِ الجُعلِ 2671 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ الْمُهَاجِرُ بْنُ الْمُحْرِزِ بْنِ سَالِمٍ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنِ ابْنِ شُفَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَفْلَةٌ كَغَزْوَةٍ»، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلْغَازِي أَجْرُهُ، وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُهُ، وَأَجْرُ الْغَازِي» قوْله: «قفْلةٌ كغزْوةٍ»، قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكُون أَرَادَ بِهِ القفول عنِ الْغَزْو، وَالرُّجُوع إِلى الوطن، يقُول: إِن أجر الْمُجَاهِد فِي انْصِرَافه إِلى أَهله كأجره فِي إقباله

إِلى الْجِهَاد، وذلِك لِأَن تجهيز الْغَازِي يضرُّ بأَهْله، وفِي قُفوله إِلَيْهِم إزالةُ الضَّرَر عَنْهُم، واستجمام للنَّفس، واستعداد بِالْقُوَّةِ للعودِ. وَالْوَجْه الآخر: أَن يكُون أَرَادَ بِذلِك التعقيب، وهُو رُجُوعه ثَانِيًا فِي الْوَجْه الّذِي جَاءَ مِنْهُ منصرفًا، وَإِن لمْ يلق عدوا، وقدْ يفعل الْجَيْش ذلِك لأحد أَمريْن: أَحدهمَا: أَن الْعَدو إِذا رَأَوْهُمْ قد انصرفوا عنْ ساحتهم أمِنوهم، فَخَرجُوا من مكامنهم، فإِذا قفل الْجَيْش إِلى دَار الْعَدو، نالوا الفرصة مِنْهُم، فَأَغَارُوا عَلَيْهِم. وَالْآخر: أَنهم إِذا انصرفوا من مغزاهم ظَاهِرين لمْ يأمنوا أَن يقفُو الْعَدو أَثَرهم، فيوقعوا بِهِمْ وهُمْ غَارونَ، فَرُبمَا استظهر الْجَيْش، أوْ بعْضهم بِالرُّجُوعِ على أدراجهم ينقضون الطَّرِيق، فإِن كَانَ من الْعَدو طلب، كانُوا مستعدين للقائهم. قَالَ الإِمامُ: وقدْ صَحَّ عنْ أنس، عنْ أبِي طلْحة: أَن نَبِي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ إِذا ظهر على قومٍ، أَقَامَ بِعرصتِهِمْ ثَلَاثًا». قوْله: «للجاعِلِ أجْرُهُ وأجْرُ الْغَازِي»، فِيهِ ترغيبٌ للجاعل ورخصة للمجعول لهُ. واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَاز أَخذ الْجعل على الْجِهَاد، فَرخص فِيهِ الزُّهْرِي، ومالِك، وأصْحاب الرّأْيِ، ولمْ يجوّزه قومٌ، رُوِي عنِ ابْن عُمر، أنّهُ قَالَ: أرى الْغَازِي يَبِيع غَزوه، وَأرى هَذَا يفِرُّ من غَزوه، وَكَرِهَهُ عَلْقَمَة، وَقَالَ الشّافِعِيُّ: لَا يجوز أَن يَغْزُو بجُعل، فإِن أَخذه، فعليْهِ رده، وَقَالَ النّخعِي: لَا بَأْس بالإعطاء، وأكره الْأَخْذ.

واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي الْأَجِير للْعَمَل، وَحفظ الدَّوَابّ يحضر الْوَقْعَة هَل يُسهم لهُ؟، فقدْ قِيل: لَا يُسهم لهُ، قَاتل أوْ لمْ يُقَاتل، إِنّما لهُ أجره عمله، وهُو قوْل الأوْزاعِي، وَإِسْحَاق، وَأحد أَقْوَال الشّافِعِي. وقِيل: يُرضخ لهُ، وقِيل: يُسهم لهُ إِذا قَاتل، فإِن لمْ يُقاتل، فَلَا سهم لهُ، وهُو قوْل الثّوْرِي، وَأحد أَقْوَال الشّافِعِي، وَقَالَ مالِك، وأحْمد: يُسهم لهُ، وَإِن لمْ يُقَاتل إِذا كَانَ مَعَ النّاس عِنْد الْقِتَال، وهُو قوْل الْحسن، وَابْن سِيرِين، وقِيل: يخيّر بيْن الْأُجْرَة والسهم، فإِن ترك أُجْرَة عمله، فَلهُ السهْم، وَإِن طلب الْأُجْرَة، فَلَا سهم لهُ. وقدْ رُوِي عنْ يحْيى بْن أبِي عمْرو السيباني، عنْ عبْد اللهِ بْن الديلمي، أَن يعلى بْن مُنية، قَالَ: أذن رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالغزو وَأَنا شيخ كَبِير ليْس لي خدم، فَالْتمست أَجِيرا يَكْفِينِي، وَأجْرِي لهُ سهمي، فَوجدت رجلا، فَلَمَّا دنا الرحيل، أَتَانِي، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا السهْمَان فسمِّ لي شيْئًا، فسميت لهُ ثَلَاثَة دَنَانِير، فَلَمَّا حضرتْ غنيمَة، أردْت أَن أجري لهُ سَهْمه، فَذكرت الدَّنَانِير، فَجئْت النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذكرت لهُ أمره، فَقَالَ: «مَا أجِدُ لهُ فِي غزوتِهِ هذِهِ فِي الدُّنْيا والآخِرةِ إِلّا دنانِيرهُ الّتي سمّى». فَأَما إِذا اُسْتُؤْجِرَ الرجل للْجِهَاد، فَالْإِجَارَة بَاطِلَة، وإِذا حضر الْوَقْعَة، فَلَا سهم لهُ، لِأَنَّهُ يعْمل لغيره، وقِيل: يسْتَحق السهْم، لِأَن جهاده يَقع عنْ نَفسه.

وَلَو أسلم كَافِر، فالتحق بصف الْمُسْلِمِين، يسْتَحق السهْم، وإِذا أفلت أَسِير من أَيدي الْكفَّار، فَحَضَرَ الْقِتَال، فإِن قَاتل، يسْتَحق السهْم، وَإِن لمْ يُقَاتل، فقدْ قِيل: يُسهم لهُ، وقِيل: لَا يُسهم. وَمن حضر دَار الْحَرْب تَاجِرًا، فَحَضَرَ الْوَقْعَة، فإِن لمْ يُقَاتل فَلَا سهم لهُ، وَإِن قَاتل، فقدْ قِيل: يُسهم لهُ، وقِيل: لَا يُسهم لهُ، أما إِذا حضر مُجَاهدًا، وَحمل معهُ مَالا يتّجِر فِيهِ، فَيسْتَحق السهْم وَإِن لمْ يُقَاتل، وَيجوز استئجارُ الذِّمِّيّ على الْجِهَاد، لِأَنَّهُ لَا يُفترض عليْهِ بِحُضُورِهِ الْوَقْعَة بِخِلَاف الْمُسلم. وَلَو غزا رجلٌ على فرس اسْتَأْجرهُ، يجوز وَيسْتَحق السهْم، وَيكون للْمُسْتَأْجر، وَعَلِيهِ للآجر الْكِرَاء. ورُوِي عنْ رُويفع بْن ثَابت أنّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ أحدْنا فِي زمانِ رسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأْخُذُ نِضْو أَخِيه على أَن لهُ النِّصْف مِمّا يغْنمُ، وَلنَا النِّصْفُ، وإِنْ كَانَ أحدُنا ليطيرُ لهُ النّصْلُ، والرِّيشُ، وللآخرِ القدْحُ. أَرَادَ بالنِّضوِ: الْبَعِير المهزول. فَفِيهِ دلِيل على أنّهُ لَو اكترى فرسا، أوْ بَعِيرًا للغزو على أَن للمكري سهم المُكتري من الْغَنِيمَة، أوْ نصف مَا يغنم، أوْ ثلثه على مَا يتشارطان أنّهُ يجوز، وإِليْهِ ذهب الأوْزاعِي، وأحْمد. وَأخذ عَطِيَّة بْن قيْس فرسا على النّصْف، فَبلغ سهم الْفرس أَربع مائَة دِينار، فَأخذ مِائَتَيْنِ، وَأعْطى صَاحبه مِائَتَيْنِ. ولمْ يجوزه أكْثر الْفُقَهَاء لجَهَالَة الْعِوَض، وأوجبوا على المُكتري إِذا اسْتَعْملهُ أجر الْمثل. وقوْله: «وإِنْ كَانَ أحدُنا ليطِيرُ لهُ النّصْلُ»، أَي: يُصِيبهُ فِي الْقِسْمَة، يُقَال: طَار لفُلَان النّصْف، وَلفُلَان الثُّلُث: إِذا وَقع لهُ ذلِك

باب متى يخرج إلى السفر

فِي الْقِسْمَة. والقِدحُ: خشبُ السهْم قبل أَن يُراش، ويُركّب فِيهِ النّصلُ. وفِيهِ دلِيلٌ على أَن الشَّيْء الْمُشْتَرك بيْن الْجَمَاعَة إِذا احْتمل الْقِسْمَة، كَانَ لهُ ذلِك مَا دَامَ ينْتَفع بِمَا يَخُصُّهُ مِنْهُ، وَإِن قل، وذلِك لِأَن القِدح قدْ ينْتَفع بِهِ عريًا من الريش والنصل، وكذلِك ينْتَفع بالريش والنصل، وَإِن لمْ يَكُونَا مركبين فِي قِدح، فَأَما مَا لَا ينْتَفع بقسمته أحد من الشُّرَكَاء كاللؤلؤة، وَالشَّيْء الّذِي إِذا فُرق بيْن أَجْزَائِهِ، بطلت منفعتُه، فَلَا تجب الْمُقَاسَمَة فِيهِ، لِأَنَّهُ إِضَاعَة المَال، بل يبيعونه، ويقتسمون ثمنه. قَالَ الإِمامُ: أما تجهيز الْغُزَاة وإعانتهم بِالْمَالِ، فَجَائِز، قَالَ النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «منْ جهّز غازِيًا فِي سبيلِ الله، فقدْ غزا». وَقَالَ مُجَاهِد: قُلْت لِابْنِ عُمر: أُرِيد الْغَزْو، قَالَ: إِنِّي أحبُّ أَن أعينك بطَائفَة من مَالِي، قُلْت: وسع الله عَليّ، قَالَ: إِن غناك لَك، وَإِنِّي أحب أَن يكُون من مَالِي فِي هَذَا الْوَجْه. بابُ مَتى يخْرُجُ إِلى السّفرِ 2672 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ

باب الابتكار

بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا هِشَامٌ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمامُ: ويُكره سيرُ أول اللَّيْل. لما رُوِي عنْ جابِر، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُرسلوا فَوَاشِيكُمْ وصِبْيانكُم إِذا غابتِ الشّمسُ حتّى تذْهب فحْمةُ العِشاء، فإِن الشّيْطان يبْعثُ جُنُودهُ إِذا غابتِ الشّمْسُ حتّى تذْهب فحمةُ العِشاء». الفواشي: جمع الفاشية، وهِي كُل مَا ينتشر من المَال كالغنم وَالْإِبِل، يُقَال: أفشى الرجل: إِذا كثرت فواشيه، وَفَحْمَة الْعشَاء: إقبال ظلمته، شبه سوَاده بالفحم. ورُوِي عنِ الرّبيع بْن أنس، عنْ أنسٍ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عليْكُمْ بالدُّلْجةِ، فإِن الأرْض تُطْوى باللّيْلِ». بابُ الابْتِكارِ 2673 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، وَهُشَيْمٌ،

باب كراهية السفر وحده

عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَدِيدٍ، عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِها». وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ عَنْ هُشَيْمٍ: وَكَانَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ جَيْشًا، بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ»، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلا تَاجِرًا، وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَكَثُرَ مَالُهُ بابُ كراهِيةِ السّفرِ وحْدهُ 2674 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاعِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ

بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الْمُقْرِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ الْبَزَّازُ، نَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، بِمَكَّةَ، حَرَسَهَا اللَّهُ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ عُلِمَ مِنَ الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ عَاصِمٍ 2675 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلاثَةُ رَكْبٌ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ، واللهُ أعْلمُ، أَن التفرُّد والذهاب وَحده فِي الأرْض من فعل الشّيْطان، أوْ هُو شَيْء يحملهُ عليْهِ الشّيْطان، فَقيل على هَذَا: إِن فَاعله شيْطان. قَالَ الإِمامُ: معنى الْحدِيث عِنْدِي مَا رُوِي عنْ سعِيد بْن الْمُسيِّبِ، مُرسلا، عنْ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشّيْطانُ يهُمُّ بالواحِدِ وبالاثْنيْنِ، فَإِذا كانُوا ثَلَاثَة لمْ يهمُمْ بِهِمْ»، ورُوِي عنْ عُمر رضِي اللهُ عنْهُ، أَن رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «منْ سرّهُ بحْبحةُ الجنّةِ، فلْيلْزمِ الْجَمَاعَة، فإِن الشّيْطان مَعَ الفذِّ، وهُو مِن الاثْنيْن أبْعدُ». ورُوِي عنْ عُمر أنّهُ قَالَ فِي رجل سَافر وَحده: أَرَأَيْتُم إِن مَاتَ، من أسأَل عَنهُ؟ قَالَ الْخطّابِيُّ: الْمُنْفَرد وَحده فِي السّفر إِن مَاتَ لمْ يكن بِحَضْرَتِهِ من يقوم بِغسْلِهِ، وَدَفنه وتجهيزه، وَلَا عِنْده من يُوصي إِليْهِ فِي مَاله، وَيحمل تركته إِلى أَهله، ويورد خَبره عَلَيْهِم، وَلَا معهُ فِي السّفر من يعينُهُ على الحمولة، فإِذا كانُوا ثَلَاثَة تعاونوا، وتناوبوا المهنة والحراسة، وصلوا الْجَمَاعَة، وأحرزوا الْحَظ فِيها. 2676 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ

باب الخدمة في السفر

بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ حَاتِمٌ مَرَّةً: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ ثَلاثَةٌ فِي سَفَرٍ، فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ». قَالَ نَافِعٌ: فَقُلْنَا لأَبِي سَلَمَةَ: فَأَنْتَ أَمِيرُنَا. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ، لأَنَّهُمْ إِذَا صَدَرُوا عَنْ رَأْيٍ وَاحِدٍ يَكُونُ ذَلِكَ أَبْعَدَ مِنْ وُقُوعِ الاخْتِلافِ بَيْنَهُمْ بابُ الخِدْمةِ فِي السّفرِ 2677 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا يَعْقُوبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَبِي طَلْحَةَ: «الْتَمِسْ غُلامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ»،

فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي، وَأَنَا غُلامٌ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقْولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلْعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ»، ثُمَّ قَدِمْنَا خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ، ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ، حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ»، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَفِيَّةَ. ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ، فَسِرْنَا حَتَّى

باب كراهية الجرس في السفر

أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَنَظَرَ إِلَى أُحُدٍ، فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا، وَنُحِبُّهُ»، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، بِمِثْلِ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ، وَصَاعِهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِابُ كراهِيةِ الجرسِ فِي السّفرِ 2678 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا الْقَاسِمُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَصْحَبُ الْمَلائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ، أَوْ جَرَس». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ سُهَيْلٍ

باب قطع القلائد والأوتار

ورُوِي عنْ أبِي هُريْرة، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الجرس مَزَامِير الشّيْطان». ورُوِي أَن عُمر رضِي اللهُ عنْهُ قطع أجراسًا فِي رجلِ ابْنة الزُّبيْر، قَالَ: سمعتُ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقُول: «إِنّ مَعَ كُلِّ جرسٍ شيْطانًا». ورُوِي عنْ جَارِيَة دخلت على عَائِشَة وفِي رجلِها جلاجل، فقالتْ عَائِشَة: أخْرِجُوا عنِّي مُفرِّقة الملائكةِ، وَعَن أمِّ سَلمَة قالتْ: لَا تدْخُلُ الملائِكةُ بيْتًا فيهِ جرسٌ. بابُ قطْعِ القلائدِ والأوتارِ 2679 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ، أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ: «فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولا»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ: «لَا تَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ

بَعِيرٍ قِلادَةٌ مِن وَتَرٍ، أَوْ قِلادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ». قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ الإِمامُ: تَأَول مالِك بْن أنسٍ أمره رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقطع القلائد على أنّهُ من أجل الْعين، وذلِك أَنهم كانُوا يشدون بِتِلْكَ الأوتار القلائد والتمائم، ويعلقون عليْها العُوذ، يظنون أنّها تعصِم من الْآفَات، فنهاهم النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْها، وأعلمهم أنّها لَا ترد من أَمر الله شيْئًا. وَقَالَ غَيره: إِنّما أَمر بقطعها، لأَنهم كانُوا يعلقون فِيها الْأَجْرَاس. ورُوِي عنْ أبِي وهب الْجُشَمِي، وَكَانَت لهُ صُحْبَة، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارْتبِطُوا الخيْل وامْسحُوا بِنواصِيها وأعْجازِها، أوْ قَالَ: وأكْفالِها، وقلِّدُوها وَلَا تُقلِّدُوها الأوْتار ". فقدْ قِيل فِي تَأْوِيله مَا ذكرْنا، إِنّما نهى عنْ تقليدها الأوتار خَاصَّة، لِئَلَّا تختنق بِها عِنْد شدَّة الركض، فَأَما الْقطن، وَالصُّوف فَلَا بَأْس بِهِ.

2680 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوهَبٍ الْهَمْدَانِيُّ، نَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ الْمِصْرِيُّ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ، أَنَّ شُيَيْمَ بْنَ بَيْتَانَ، أَخْبَرَهُ، عَنْ شَيْبَانَ الْقِتْبَانِيِّ، عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا رُوَيْفِعُ، لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ، أَوْ عَظْمٍ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ» وفسروا نَهْيه عنْ عقد اللِّحْيَة على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مَا كانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجاهِلِيّة من عقد اللحى فِي الحروب، وذلِك من زيُّ الْأَعَاجِم، يفتلونها، ويعقدونها، وقِيل: مَعْنَاهُ معالجة الشّعْر ليتعقد ويتجعد، وهِي عَادَة أهل التوضيع، وقِيل فِي تَأْوِيل النَّهْي عنْ تَقْلِيد الْخيْل الأوتار، أَي: لَا تَطْلُبُوا عليْها الذحول الّتِي وترتم بِها فِي الْجاهِلِيّة، وَلَا تركضوها فِي دَرك الثأر على تِلْك الْعَادة.

باب الإرداف على الدابة

بابُ الإِرْدافِ على الدّابةِ 2681 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ورُوِي عنْ أبِي الزُّبيْر، عنْ جابِر، قَالَ: كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يتخلّفُ فِي المسيرِ، فيُزجي الضّعِيف، ويُرْدِفُ، ويدْعُو لهُمْ».

باب إرداف المرأة

قوْله: «يُزجي الضّعيف»، أَي يَسُوق بِهِمْ، ورُوِي عنْ أنسٍ، قَالَ: «أقْبلْنا مِنْ خيْبر وبعضُ نسَاء رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردِيفُ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». قَالَ الإِمامُ: وفِي الإرداف صاحبُ الدَّابَّة أَحَق بصدر الدَّابَّة إِلَّا أَن يَأْذَن لهُ، لما رُوِي عنْ بُريْدة، قَالَ: بَيْنَمَا رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي إِذْ جَاءَهُ رجل معهُ حمَار، فَقَالَ: يَا رسُول اللهِ، اركب، وَتَأَخر الرجل، فَقَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا، أنْت أحقُّ بِصدْرِ دابّتِك، إِلّا أنْ تجْعلهُ لي»، قَالَ: قدْ جعلْتُهُ لَك، «فركِب». وَهَذَا حدِيثٌ غرِيبٌ. قَالَ مُحمّد بْن إِسْماعِيل: قَالَ بعْضهم: صَاحب الدَّابَّة أَحَق بصدر الدَّابَّة إِلَّا أَن يَأْذَن لهُ. بابُ إرْدافِ المرْأةِ 2682 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ، وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةُ، مُرْدِفُهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَصُرِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَرْأَةُ، وَأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، قَالَ: أَحْسِبُ اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ؟، قَالَ: «لَا»، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ، فَأَلْوَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَصَدَ قَصْدَهَا، فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا، فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ، فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا، فَرَكِبَا، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ، أَوْ قَالَ: أَشْرَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ»، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب كراهية الوقوف على الدابة

بابُ كراهِية الوُقُوفِ على الدّابّةِ 2683 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، نَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنْفُسِ، وَجَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ، فَعَلَيْهَا، فَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ» قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: قدْ ثَبت عنِ النّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّهُ خطب على رَاحِلَته وَاقِفًا عليْها، فَدلَّ ذلِك على أَن الْوُقُوف على ظُهُورهَا إِذا كَانَ

باب يعطي الإبل حقها

لأربٍ، أوْ بُلُوغ وطرٍ لَا يُدرك مَعَ النُّزُول إِلى الأرْض مُباحٌ، وَأَن النَّهْي إِنّما انْصَرف فِي ذلِك إِلى الْوُقُوف عليْها لَا لِمَعْنى يُوجِبهُ، فيُتعبُ الدَّابَّة من غيْر طائل، وَكَانَ مالِك يقُول: الْوُقُوف على ظُهُور الدَّوَابّ بِعَرَفَة سُنة، وَالْقِيَام على الْأَقْدَام رخصَة، ورُوِي عنْ أنس، قَالَ: كُنّا إِذا نزلْنا منْزِلا لَا نُسبِّحُ حتّى نحلّ الرِّحال، يُرِيد: لَا نصلي سبُحه الضُّحَى حتّى نحطّ الرّحال، وَكَانَ بعْض الْعلمَاء يسْتحِبُّ أَن لَا يطعم الرَّاكِب إِذا نزل الْمنزل حتّى يعلِف الدَّابَّة. بابُ يُعْطِي الإِبِل حقّها 2684 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَقَّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ، فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِالَّليْلِ».

باب بذل الزاد في السفر

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: «فِي السَّنَةِ فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا» بابُ بذْلِ الزّادِ فِي السّفرِ / 2685 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، نَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُ يَمِينًا، وَشِمَالا، فَقَالَ رُسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ»، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ

باب العقبة

الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ورُوِي عنْ عُمر: قَالَ: المُضْعِفُ أميرٌ على أصْحابه، يعْنِي فِي السّفر، وَأَرَادَ بالمُضْعِف: من كَانَت دَابَّته ضَعِيفَة، فهُو أمِير على معنى أَنهم يَسِيرُونَ بسيره. بابُ العُقْبةِ 2686 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، قَالَ: فَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَكَانَتْ إِذَا جَاءَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، قَالَ: «مَا أَنْتُمَا

باب مشقة السفر

بِأَقْوَى مِنِّي، وَمَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الأَجْرِ مِنْكُمَا» بابُ مشقةِ السّفرِ 2687 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ، وَطَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نُهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ، فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ 2688 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،

باب الصبر عند لقاء العدو والدعاء

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نُهْمَتَهُ، فَلْيُسْرِعِ الْكَرَّةَ إِلَى أَهْلِهِ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قوْله: «قِطْعةٌ مِن العذابِ»: فِيهِ دلِيلٌ على تغريب الزَّانِي، لقَوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} [النُّور: 2] والتغريب عذابٌ كالجلد. قَالَ الخطابيُّ: وفِيهِ التَّرْغِيب فِي الْإِقَامَة لِئَلَّا تفوته الْجُمُعَات، وَالْجَمَاعَات، والحقوق الْوَاجِبَة للأهل والقرابات، وَهَذَا فِي الْأَسْفَار غيْر الْوَاجِبَة، أَلا تراهُ يقُول: «فإِذا قضى نهْمتهُ، فلْيُعَجِّلْ إِلى أهْلِهِ»، أَشَارَ إِلى السّفر الّذِي لهُ نهمةٌ وأرب من تِجَارَة، أوْ تقلب دُون السّفر الْوَاجِب، كَالْحَجِّ، والغزو. بابُ الْصبرِ عِنْد لِقاء العدُوِّ والدُّعاءُ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمرَان: 146]، الرِّبِّيُّون: هُمُ الجماعاتُ

الكثيْرةُ، الواحِدُ رِبِّيٌّ، والرِّبّةُ: الجماعةُ، قَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ {وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمرَان: 146]، وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمرَان: 147]، الْآيَة. وَقَالَ جلّ ذِكْرُهُ: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} [الْبَقَرَة: 250]، الْآيَة، أَي: اصْبُبْ، كَمَا يُفْرغُ المَاء مِن الْإِنَاء، معْناهُ: أنْزِلْ عليْنا صبْرًا شَامِلًا، وَقَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمرَان: 200]، قوْله: {اصْبِرُوا} [آل عمرَان: 200]، قِيل: أيْ: اثْبُتُوا على دِينِكُمْ، {وَصَابِرُوا} [آل عمرَان: 200]، أيْ: صابِرُوا أعْداءكُمْ فِي الجِهادِ. وَقَالَ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الْأَنْفَال: 65]. قَالَ جابِرٌ: «بايعْنا رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أنْ لَا نفِرّ». 2689 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ

اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، فَقَرَأْتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا، انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ، قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ»، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: معنى: «ظِلالِ السُّيُوفِ»، الدنو من القِرن حتّى يعلوه ظِلُّ سَيْفه، لَا يُولِّي عَنهُ، وَلَا يفِر مِنْهُ، وكلّ شيْء دنا مِنْك، فقدْ أظلّك.

باب المكر في الحرب والكذب والخديعة

قَالَ الإِمامُ: وفِي الْحدِيث بيانُ اسْتِحْبَاب الْقِتَال بعد الزَّوَال، وقدْ رُوِي عنِ النُّعْمَان بْن مقرِّن، قَالَ: شهِدْتُ مَعَ رسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَكَانَ إِذا لمْ يُقاتِلْ أوّل النّهارِ، انْتظر حتّى تزُولِ الشّمْسُ، وتهُبّ الرِّياحُ، وينْزِل النّصْرُ». بابُ المكْرِ فِي الحرْبِ والكذِبِ والخدِيعةِ 2690 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ،

عَنْ سُفْيَانَ ويُرْوى هَذَا الْحَرْف من ثَلَاثَة أوجه، أصوبها: خدْعةٌ بِفَتْح الْخَاء، وَسُكُون الدَّال، قَالَ أبُو الْعبّاس أحْمد بْن يحْيى: بلغنَا أنّها لُغَة النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْخطّابِيُّ: معنى الخدعة: أنّها مرّة وَاحِدَة، أَي: إِذا خُدع الْمقَاتل مرّة، لمْ يكن لَهَا إِقَالَة، وَيُقَال: أَي: يَنْقَضِي أمرهَا بخدعة وَاحِدَة، ويُرْوى «خُدْعةٌ» بِضَم الْخَاء، وَسُكُون الدَّال، وهِي الِاسْم من الخداع، كَمَا يُقَال: هَذِه لعبة، وَيُقَال: خُدعةٌ، بِضَم الْخَاء، وَفتح الدَّال، مَعْنَاهَا، أنّها تخدع الرِّجَال، وتُمنِّيهِم، ثُمّ لَا تفي لهُمْ، كَمَا يُقَال: لعبةٌ: إِذا كَانَ كثير التلعبِ بالأشياء. وفِي الْحدِيث: إباحةُ الخِداع فِي الْحَرْب، وَإِن كَانَ مَحْظُورًا فِي غَيرهَا من الْأُمُور، ورُوِي عنْ عبْد الرّحْمنِ بْن كَعْب بْن مالِك، عنْ أبِيهِ، أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ إِذا أَرَادَ غزْوةً ورّى بِغيْرِها»، وَكَانَ يقُول: «الحرْبُ خُدْعةٌ». 2691 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ

عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا، وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلا لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ حُجَيْنِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ لَيْثٍ قوْله: «ورّى بِغَيْرِهِ»، أَي: ستره، ووهّم غَيره، وَأَصله من الوراء، أَي: ألْقى التَّبْيِين وَرَاء ظَهره. قَالَ الإِمامُ: وَمعنى التورية: أَن يُظهر غيْر مَا يُريدهُ. وقدْ رُوِي عنِ النّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر عَام الْفَتْح بقتل عبْد اللهِ بْن أبِي السَّرْح، فَاخْتَبَأَ عِنْد عُثْمان، فَلَمَّا دَعَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى الْبيعَة، جَاءَ بِهِ حتّى أوقفهُ على النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نبيّ الله، بَايع عبْد اللهِ، فَرفع رَأسه، فَنظر إِليْهِ ثَلَاثًا، كلُّ ذلِك يَأْبَى، فَبَايعهُ بعد ثَلَاث، ثُمّ أقبل على أصْحابه، فَقَالَ: «

أما كَانَ فِيكُمْ رجُلٌ رشِيدٌ يقُومُ إِلى هَذَا حِين رَآنِي كففْتُ يَدي عنْ بيْعتِهِ، فيقْتُلُهُ»، فقالُوا: مَا نَدْرِي يَا رسُول اللهِ مَا فِي نَفسك، أَفلا أَوْمَأت إِلَيْنَا بِعَيْنَيْك، قَالَ: «إِنّهُ لَا ينْبغي لِنبيٍّ أنْ تكُون لهُ خائِنة الأعْيُنِ»، وَمعنى خَائِنَة الْأَعْين: أَن يُومي بِعَيْنِه خلاف مَا يظْهر، فَتكون تِلْك الْخِيَانَة من قبل الْعين، فأضيفت إِليْها، قَالَ صَاحب التَّلْخِيص: فِي تَحْرِيم خِيَانَة الْأَعْين عليْهِ كالدليل على أنّهُ لمْ يكن لهُ فِي الْحَرْب خدعة، وَلَيْسَ كذلِك، بل كَانَ مُبَاحا لهُ كالتورية فِي الْغَزْو. قَالَ الإِمامُ: أما فِي غيْر الْحَرْب، ومكايدة الْعَدو، كَانَ يحرم عليْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَائِنَة الْأَعْين، وهِي أَن يُشِير إِلى مُبَاح من غيْر أَن يظهره من ضرب، أوْ قتل، أوْ نَحوه مِمَّا يحل أَن ينْطق بِهِ، وَلَا يحرم ذلِك على الْأمة إِلَّا فِي مَحْظُور. 2692 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟،

فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟، قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ، قَالَ: قُلْ، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا الصَّدَقَةَ، وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا، وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ، قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ، فَلا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ. . . قَالَ: وَجَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، فَقَالَ: إِذَا جَاءَ، فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعْرِهِ، فَأَشُمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ، فَدُونَكُمْ، فَاضْرِبُوهُ. . . فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ، قَالَ: دُونَكُمْ، فَقَتَلُوهُ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ الإِمامُ: قدْ ذهب بعْض من ضلّ فِي رَأْيه، وزلّ عنِ الْحق، إِلى أَن قتل كَعْب بْن الْأَشْرَف كَانَ غدرًا، وفتكًا، فأبعد الله هَذَا الْقَائِل: وقبّح رَأْيه من قَائِل، ذهب عليْهِ معنى الْحدِيث، والتبس عليْهِ طريقُ الصَّوَاب، بل قدْ رُوِي عنْ أبِي هُريْرة، عنِ النّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنّهُ قَالَ: «الإِيمانُ قيْدُ الفتْكِ، لَا يفْتِكُ مُؤْمِنٌ»، قَالَ الإِمامُ: والفتكُ أَن يُقتل من لهُ أَمَانه فَجْأَة، وَكَانَ كَعْب بْن الْأَشْرَف مِمَّن عَاهَدَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن لَا يُعين عليْهِ أحدا، وَلَا يُقاتله، ثُمّ خلع الْأمان، وَنقض الْعَهْد، وَلحق بِمَكَّة، وَجَاء مُعْلنا معادة النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهجوه فِي أشعاره، ويسبه، فَاسْتحقَّ الْقَتْل لِذلِك.

وفِي الْحدِيث أَن كَعْب بْن الْأَشْرَف عاهده، فخزع مِنْهُ هِجاؤه للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَي: قطع ذمَّته وعهدهُ، وَذهب بعْض أهْلِ الْعِلْمِ إِلى أنّهُ لَا توْبة لِسابِّ النّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحالٍ، ويُقْتلُ. وفِي الْحدِيثِ دلِيلٌ على جَوَاز قتل الْكَافِر الّذِي بلغته الدعْوَة بَغْتَة، وعَلى غَفلَة مِنْهُ. 2693 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى أَبِي رَافِعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلا، فَقَتَلَهُ، وَهُوَ نَائِمٌ» قَالَ الإِمامُ: فَأَما الْمَكْر وَالْخداع فِي غيْر أَمر الْجِهَاد، فَحَرَام، وَلَا يَأْمَن فاعلهُ من أَن يعود إِليْهِ، وبالُ خداعه ومكره، قَالَ الله تَعَالَى: {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [هود: 8] وَقَالَ جلّ ذكره: {

باب النهي عن قتل النساء والصبيان

وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]، أَي لَا يرجع عَاقِبَة مَكْرهمْ إِلَّا عَلَيْهِم، والحيقُ: مَا يشْتَمل على الإِنْسان من مَكْرُوه فعله، يُقال: حاق بِهِ الْأَمر: إِذا لزمَه. بابُ النّهْيِ عنْ قتْلِ النِّساء والصّبْيانِ 2694 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهْل الْعِلْمِ أنّهُ لَا يُقتل نسَاء أهل الْحَرْب، وصبيانهم، إِلَّا أَن يُقاتلوا فيُدفعوا بِالْقَتْلِ. 2695 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ،

نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ» قوْله: «اسْتَحْيوا»، أَي: اتركوهم أَحيَاء، قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [الْبَقَرَة: 49]، أَي: يتركونهنّ أَحيَاء، وَأَرَادَ بالشرخ: الصّبيان، وبالشيوخ: الشبَّان، والشرخ: جمع شارخ، وهُو الْحدِيث السن، وشرخ الشَّبَاب: أَوله. 2696 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَعَثَ جَيْشًا إِلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ أَمِيرَ رَبْعٍ مِنْ تِلْكَ الأَرْبَاعِ، فَزَعَمُوا أَنَّ يَزِيدَ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ، وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: " مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ، وَلا أَنَا بِرَاكِبٍ، إِنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ، فَدَعْهُمْ، وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ،

باب البيات

وَسَتَجِدُ قَوْمًا فَحَصُوا عَنْ أَوَاسِطِ رُءُوسِهِمْ مِنَ الشَّعْرِ، فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ، وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلا صَبِيًّا، وَلا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلا بَعِيرًا إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلا تُغْرِقَنَّ نَخْلا، وَلا تُحَرِّقَنَّهُ، وَلا تَغْلُلْ، وَلا تَجْبُنْ " قوْله: «فحصُوا عنْ أواسِطِ رُؤُوسِهِمْ»، أَي: حَلقُوا مَوَاضِع مِنْهَا كأُفحوص القطا، وهُم الشمامسة. بابُ الْبياتِ 2697 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ، أَنَّهُ " سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُسْأَلُ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ،

فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ مِنْهُمْ ". وَزَادَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قوْله يحْيى: «يبيّتُون»، أَي: يُهجم عَلَيْهِم لَيْلًا، يُقال بيّتهُم العدوُّ: إِذا جَاءَهُم لَيْلًا. 2698 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا عُمَرُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، أَنَّ نَافِعًا، كَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، أَخْبَرَهُ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارِّينَ فِي نِعَمِهِمْ بِالْمُرَيْسِيعِ، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ

شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، وَقَالَ: «وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُويْرِية»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، أَنا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ قَدْ «أَغَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ». الْحَدِيثَ قَالَ الإِمامُ: وفِيهِ دلِيلٌ على جَوَاز البيات، وَقتل أهل الشّرك على الغِرّةِ والغفلةِ، وَإِن كَانَ فِيهِ إصابةُ ذَرَارِيهمْ وَنِسَائِهِمْ، وَأَن النَّهْي عنْ قتل نِسَائِهِم وصبيانهم فِي حَال التميُّز والتفرُّد، وكذلِك إِذا كانُوا فِي حصنٍ، جَازَ نصبُ المنجنيق عَلَيْهِم، والرميُ إِليْهِ بالنَّار، وتغريقُهم، فقدْ «نصب النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل الطَّائِف منجنيقًا أوْ عرّادة، وشنّ الْغَارة على بني المُصطلِق غارِّين، وَأمر بالبيات وَالتَّحْرِيق»، فإِن كَانَ فيهم مُسلمون أُسارى، أوْ مُستأمنون، فيُكره أَن يُفعل بِهِمْ مَا يعُمُّ من التحريق والتغريق، وَنصب المنجنيق، إِلَّا أَن يكُون فِي حَال التحام الْقِتَال، وَالْخَوْف مِنْهُم على الْمُسْلِمِين، فَلهم أَن يَفْعَلُوا ذلِك. وَلَو تترّسوا بأطفالهم، جَازَ الرميُ إِن كَانَ فِي حَال التحام، وَإِن لمْ يَكُونُوا مُلتحمين، فقدْ قِيل: يكفُّ، وقِيل: يضرِبُ قَاصِدا إِلى المتترس، وَلَو تترّسوا بِمُسلم، فإِن لمْ يعلم بِهِ، فَرمى، فَأصَاب الْمُسلم، فَلَا قَود وَلَا دِيَة، وَتجب الكفارةُ، وَإِن علمه مُسلما، فإِن قصد الْكَافِر، فَأصَاب الْمُسلم، تجب الدِّية وَالْكَفَّارَة، وَلَا قَود، وَإِن ضرب الْمُسلم، إِذا لمْ يتَوَصَّل إِلى الْكَافِر إِلَّا بضربه، فَفِي الْقود قَولَانِ.

باب الشعار في الحرب

بابُ الشِّعارِ فِي الحرْبِ 2699 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: «كَانَ شِعَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِتْ أَمِتْ» وَيُرْوَى كَانَ شِعَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ» قَالَ الإِمامُ: وإِذا وَقع البياتُ، وَاخْتَلَطَ الْمُسلمُونَ بالعدو، فيجعلُ الإمامُ للْمُسلمين شعارًا يَقُولُونَهُ يتميزون بِهِ عنِ الْعَدو، رُوِي أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِن بيّتكُم العدوُّ، فَلْيَكُن شعارُكم حم لَا يُنصرون».

باب تحريق أموال أهل الشرك

رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ أنّهُ قَالَ: «حم» اسْم من أَسمَاء الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى، فَكَأَنَّهُ حلف بِاللهِ تَعَالَى: أَنهم لَا ينْصرُونَ، وقدْ قَالَ أهل التَّفْسِير مثله فِي حواميم الْقُرْآن. قَالَ أبُو عُبيْد: كَأَن الْمَعْنى: اللهُمّ لَا يُنصرون، وَعَن أبِي الْعبّاس أحْمد بْن يحْيى أنّهُ قَالَ: هُو إِخْبَار مَعْنَاهُ، واللهُ أعْلمُ، لَا ينْصرُونَ، وَلَو كَانَ دُعَاء لَكَانَ مَجْزُومًا، وسمعتُ من يرْوِي «حُمّ»، بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الْمِيم، أَي: قُضِي وقُدِّر. ورُوِي عنْ سمُرة بْن جُندب، قَالَ: كَانَ شعارُ الْمُهَاجِرين عبْد اللهِ، وشعارُ الْأَنْصَار عبْد الرّحْمنِ. وَعَن إِيَاس بْن سَلمَة، عنْ أبِيهِ، قَالَ: غزونا مَعَ أبِي بكْر زمن رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ شعارنا: «أمِتْ، أمِتْ». بابُ تحْرِيقِ أمْوالِ أهْلِ الشِّرْكِ 2700 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا

عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَحَرَّقَ، وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ» هَذَا حدِيثٌ مُتّفقٌ على صِحّتِهِ، أخْرجاهُ عنْ قُتيبة، عنْ لَيْث، عنْ نافِعٍ، عنِ ابْن عُمر، وَزَادا: فَأنْزل الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [الْحَشْر: 5]، الْآيَة. اللينةُ من النخيل: مَا خلا البرني والعجوة، تَسْمِيَة أهل الْمدِينة الألوان قَالَ الإِمامُ: اخْتلف أهلُ الْعلم فِي قطع أَشجَار أهل الْحَرْب، وتحريقِ أَمْوَالهم، وتخريب دُورهمْ، وفِي تَأْوِيل مَا فعله رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذهب قوم إِلى جَوَازه نكايةً لهُمْ، وإِليْهِ ذهب مالِك، والشّافِعِيّ، وَإِسْحَاق، وأصْحاب الرّأْيِ، وكرِهَهُ أحْمد إِلَّا من حَاجَة. وَذهب قوْمٌ إِلى أنّهُ لَا يجوز، وهُو قوْل الأوْزاعِي، وَاحْتج بِأَن أَبَا بكْر نهى عنْ قطع الْأَشْجَار، وتخريب العامر، وتأوّل من كرههُ الحَدِيث على أَن أَشجَار بني النَّضِير كَانَت فِي مقَاتل الْقَوْم، فَأمر بقطعها ليتسع مَكَان الْقِتَال، وتأوّل الشّافِعِي نهي أبِي بكْر عنْ قطع الْأَشْجَار

على أنّهُ كَانَ سمع من النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّهُ وعد لهُمْ فتح الشَّام، فَأَرَادَ إبقاءها لأهل الإِسْلام، فَأَما تحريق الْكَافِر بَعْدَمَا وَقع فِي الْأسر، وتحريق الْمُرْتَد، فَذهب عامتهُم إِلى أنّهُ لَا يجوز، إِنّما يقْتله بجزِّ الرَّقَبَة، لما رُوِي عنْ حَمْزَة الْأَسْلَمِيّ أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمّره على سَرِيَّة، وَقَالَ: «إِن وجدْتُم فُلانًا فأحرِقوه بالنَّار»، فولّيْتُ فناداني، فرجعتُ إِليْهِ، فَقَالَ: «إِنْ وجدْتُمْ فُلانًا، فاقْتُلُوه، وَلَا تُحرِّقُوهُ، فإِنّهُ لَا يُعذِبُ بالنّارِ إِلّا ربُّ النّارِ». وَلَو قاتلونا على خيلهم، فَوَجَدنَا السَّبِيل إِلى قَتلهمْ بعقرِ دوابِّهم، فعلنَا، قدْ عقر حنظلةُ بْن الراهب بِأبي سُفْيان بْن حَرْب يوْم أُحد، فاكتسعت بِهِ فرسُه، فَسقط عنْها، فَجَلَسَ على صَدره ليذبحه، فَرَآهُ ابْن شعوب، فَرجع إِليْهِ فَقتله، واستنقذ أَبَا سُفْيان من تَحْتَهُ. قوْله: «عقر فرسهُ»، أَي: عرْقبها.

وَلَو أدركونا وفِي أَيْدِينَا أمْوال لنا أوْ لهُم استولينا عليْها، جَازَ تحريقُها وإتلافها إِن لمْ يكن حَيَوَانا، وَإِن كَانَ حَيَوَانا لنا أوْ لهُمْ، أوْ وقف الْفرس على صَاحبه، فَاخْتَلَفُوا فِي عقرهَا، فَرخص فِيها قومٌ، لِئَلَّا يظفر بِهِ العدوُّ، ورُوِي أَن جعْفر بْن أبِي طالِب اقتحم عنْ فرس لهُ شقراء فِي غزَاة مُؤتة، فعقرها، ثُمّ قَاتل الْقَوْم حتّى قُتِل، وإِليْهِ ذهب مالِك، وأصْحاب الرّأْيِ، حتّى قَالَ أبُو حنِيفة: لَو ظفر الْمُسلمُونَ بدواب ومواشٍ، فعجزوا عنْ حملهَا، ذبحوها، وحرقوا لحومها. وَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ لَا يحلُّ عقرُها «لنهي النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ قتل الْحَيَوَان إِلَّا لمأكلةٍ»، وإِليْهِ ذهب الأوْزاعِي، والشّافِعِي، وأحْمد، قَالَ الشّافِعِيُّ: وَلَو جَازَ لنا ذلِك لغيظهم، طلبنا غيظهم بقتل أطفالهم. 2701 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَسَدٌ هُوَ ابْنُ مُوسَى، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ»، وَكَانَ بَيْتًا فِي الْيَمَنِ يُعْبَدُ يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ، قَالَ: فَنَفَرْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، فَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ،

وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا»، قَالَ: فَأَتَاهَا، فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ، وَكَسَرَهَا، ثُمَّ بَعَثَ رَجُلا مِنْ أَحْمَسَ يُكَنَّى: أَبَا أَرْطَأَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: «فَبَرَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحْمَسَ، وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ». وَقَالَ جَرِيرٌ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». قَالَ: وَقَالَ جَرِيرٌ: «مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ، وَلا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ

باب الكف عن القتال إذا رأى شعار الإسلام

بابُ الكفِّ عَن القِتالِ إِذا رأى شِعار الإِسْلامِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النِّسَاء: 94]، قَالَ ابنُ عبّاسٍ: كَانَ رجُلٌ فِي غنِيمةٍ لهُ، فلحِقُهُ المُسْلِمُون، فَقَالَ: السّلامُ عليْكُمْ، فقتلْوهُ، وأخذُوا غنِيمتهُ، فَأنْزل الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى ذلِك إِلى قوْلِهِ: {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النِّسَاء: 94] تِلْك الغنِيمةُ، قَرَأَ ابنْ عبّاس: السَّلامَ. 2702 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يَغْزُ

بِنَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَيَنْظُرُ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا، رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجُوا عَلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ، وَمَسَاحِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَلَمَّا رَآهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْخَمِيس: الْجَيْش سمي خميسًا، لِأَنَّهُ مقسوم على خَمْسَة: الْمُقدمَة، والساقة، والميمنة، والميسرة، وَالْقلب، قَالَه الْأَزْهَرِي. وَقَالَ غَيره: لِأَنَّهُ تخمّس فِيهِ الْغَنَائِم. قَالَ الْخطّابِيُّ: فِيهِ بَيَان أَن الْأَذَان شعار لدين

الإِسْلام لَا يجوز تركُه، وَلَو أَن أهل بلد اجْتَمعُوا على تَركه، كَانَ للسُّلْطَان قتالُهم عليْهِ. 2703 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ، عَنِ ابْنِ عِصَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا، أَوْ سَمِعْتُمْ أَذَانًا، فَلا تَقْتُلُنَّ أَحَدًا». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ فَفِي الْحدِيث دلِيل على أَن إِظْهَار شعار الإِسْلام فِي الْقِتَال عِنْد شنّ الْغَارة يحقنُ الدَّم، وَترك الإغارة بِاللَّيْلِ ليْس على وَجه التَّحْرِيم، وَلَكِن على سَبِيل الِاحْتِيَاط حتّى لَا يؤتوا من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ. وقدْ تختلطُ الْحَرْب إِذا أَغَارُوا لَيْلًا فَيقْتل بعضُ الْمُسْلِمِين بَعْضًا. فإِذا أمِن ذلِك فَلَا بَأْس، فقدْ أغار النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بني المصطلق وهُمْ غارُّون وأنْعامُهُمْ على المَاء تُسْقى، وَقَالَ لأسامة: «أغِرْ على أُبْني صباحًا وحرِّقْ».

باب الصف في القتال والتعبئة

بابُ الصَّفّ فِي الْقِتَال والتعبئة قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصَّفّ: 4]، وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمرَان: 121]. 2704 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ صَفَفْنَا لِقُرَيْشٍ، وَصَفُّوا لَنَا: «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قوْله: «أكثبوكم» أَي: قاربوكم، والكثبُ: القُربُ، يقُول: ارموهم إِذا دنوا مِنْكُم، وَلَا ترموهم على بُعد، وقدْ جَاءَ فِي الْحدِيث: «إِذا أكْثبُوكُمْ»، يعْنِي: أكثروكم، فارموهم، واستبقوا نبلكم، ويُرْوى: «إِذا أكْثبُوكُمْ، فارْمُوهُمْ وَلَا تسُلُوا السُّيوُف حتّى يغْشوْكُمْ».

والنبل: السِّهَام الْعَرَبيَّة، وهِي لِطاف لَيست بطوال كسهام النّشاب، والحسبان أَصْغَر من النّبل، وهِي الّتِي يُرمى بِها على القسي الْكِبَار فِي مجار من خشب، وَاحِدهَا حُسبانة. ورُوِي عنْ عبْد الرّحْمنِ بْن عَوْف، قَالَ: «عبّأنا النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبدْرٍ ليْلا». 2705 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، نَا زُهَيْرٌ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يُحَدِّثُ، قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخَطَّفُنَا الطَّيْرُ، فَلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ، وَأَوْطَأْنَاهُمْ، فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ»، فَهَزَمَهُمْ، قَالَ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يُسْنِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلاخِلُهُنَّ، وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ، أَيْ قَوِّمِ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ، فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ، فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ،

فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً: سَبْعِينَ أَسِيرًا، وَسَبْعِينَ قَتِيلا، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاءِ فَقَدْ قُتِلُوا، فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِي عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكَ، قَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا، وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: اعْلُ هُبَلُ اعْلُ هُبَلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تُجِيبُونَهُ»؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى، وَأَجَلُّ " قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلا عُزَّى لَكُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تُجِيبُونَهُ»؟

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُ مَوْلانَا، وَلا مَوْلَى لَكُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قوْله: «تخطفنا الطير»، يقُول: إِن رَأَيْتُمُونَا وقدْ ولّينا منهزمين فاثبتوا أَنْتُم، تَقول الْعَرَب: فلانٌ سَاكن الطير: إِذا كَانَ وقورًا ركينًا، ثَابت الجأش، وقدْ طَار طير فلانٍ: إِذا طاش وخفّ. وقوْله: «فَلَا تَبْرَحُوا»، أَي: لَا تفارقوا مَكَانكُمْ، قَالَ الله عزّ وجلّ: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} [يُوسُف: 80]، يُرِيد الْإِقَامَة، وقوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} [الْكَهْف: 60]، أَي: لَا أَزَال سائرًا. قَالَ الإِمامُ: فَالْأول مُلَازمَة الْمَكَان، وَالثَّانِي: مُلَازمَة السّير، وقوْله: «وأوْطأْناهُمْ»، أَي: غلبناهم وقهرناهم. وقوْله: رأيْتُ النِّساء يُسْنِدْن، مَعْنَاهُ: يصعدن فِي الْجَبَل، يُقال: أسْند الرجل فِي الْجَبَل: إِذا صعد فِيهِ، والسّند: مَا ارْتَفع من الأرْض. وقوْله: والحرْبُ سِجالٌ، يُرِيد مرّة لنا، وَمرَّة عليْنا، وَأَصله أَن المستقيين بالسّجل يكُون لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا سجلٌ. 2706 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، نَا زُهَيْرٌ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ:

باب المبارزة

سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَا أَبَا عُمَارَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِه، وَأَخْفَافُهُمْ حُسَّرًا، فَأَتَوْا قَوْمًا رُمَاةً جَمْعَ هَوَازِنَ، وَبَنِي نَصْرٍ، مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ، فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ، فَأَقْبَلُوا هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ، فَنَزَلَ، وَاسْتَنْصَرَ، ثُمَّ قَالَ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ قوْله: «أخْفافهُمْ»، ويُرْوى: أخفاؤهم، هِي جمع خِفٍّ، وهُو الْخَفِيف، والحسر: جمع حاسِرٍ، وهُو الّذِي لَا سلَاح لهُ. قوْله: «فرشقُوهُمْ»، أَي: رموهم. بابُ المُبارزةِ 2707 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هُشَيْمٌ، أَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ " يُقْسِمُ قَسَمًا إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الْحَج: 19]، نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةَ، وَعَلِيٍّ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ هُشَيْمٍ ورُوِي عنْ أبِي إِسْحاق، عنْ حَارِثَة بْن مُضرِّب، عنْ علِي، قَالَ: تقدّم عُتبة بْن ربيعَة، وَمَعَهُ ابْنه وَأَخُوهُ، فَنَادَى: من يبارز؟ فَانْتدبَ لهُ شبابٌ من الْأَنْصَار، فَقَالَ: من أَنْتُم؟، فأخبروه، فَقَالَ: لَا حَاجَة لنا فِيكُم، إِنّما أردنَا بني عمنَا، فَقَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُمْ يَا حمْزةُ، قُمْ يَا علِيُّ، قُمْ يَا عُبيْدةُ بن الحارِثِ»، فَأقبل حَمْزَة إِلى عتبَة، وأقبلتُ إِلى

شيبَة، واخْتلف بيْن عُبيْدة والوليد ضربتان، فأثخن كُل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه، ثُمّ مِلنا على الْولِيد، فقتلناه واحتملنا عُبيدة. قَالَ الإِمامُ: فِيهِ إباحةُ المبارزة فِي جِهَاد الْكفَّار، ولمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازهَا إِذا أذن الإِمام، وَاخْتلفُوا فِيها إِذا لمْ يكن عنْ إذنٍ من الإِمام، فجوّزها جمَاعَة، لِأَن الأنصاريين كانُوا قدْ خَرجُوا قبل حَمْزَة، وَعلي، وعُبيدة، من غيْر إِذن، وإِليْهِ ذهب مالِك، والشّافِعِي، وكِره ذلِك جماعةٌ إِلَّا بِإِذن الإِمام، وإِليْهِ ذهب سُفْيان، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وحُكِي عنِ الأوْزاعي كُل وَاحِد من الْقَوْلَيْنِ. وفِيهِ دلِيلٌ على أَن مَعُونَة المبارز جَائِزَة إِذا ضعُف، أوْ عجز عنْ قِرنه، وبِهِ قَالَ الشّافِعِيُّ، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: لَا يُعينونه، لِأَن المبارزة إِنّما تكون هَكَذَا، فَأَما إِذا بارز مُسْلِم مُشْركًا، وشرطا أَن لَا يُقاتله غَيره، لمْ يكن لإحدى الطَّائِفَتَيْنِ أَن يعين مبارزه، مَا داما يتقاتلان، فإِذا ولّى الْكَافِر مُنْهَزِمًا، أوْ بَعْدَمَا قتل الْمُسلم، أوْ أثخنه، فَيجوز قتلُه، لِأَن الْقِتَال قد انْقَضى بيْنهُما، إِلَّا أَن يكُون شَرط عليْهِ أنّهُ آمِنٌ حتّى يرجِع إِلى الصَّفّ، فليْس لهُمْ أَن يتَعَرَّضُوا لهُ إِلَّا أَن يُثخن الْمُسلم، وَيُرِيد قَتله، فَعَلَيْهِم استنقاذ الْمُسلم من يَده من غيْر أَن يقتلُوا الْمُشرك، فإِن أعَان العدوُّ مبارزهم، كَانَ حَقًا على الْمُسْلِمِين إعانةُ صَاحبهمْ، ثُمّ إِن اسْتَعَانَ الْمُشرك بِهِمْ، فقدْ نقض أَمَانه، فللمسلمين قتل المبارز والأعوان جَمِيعًا، وَإِن لمْ يستعِن بِهِمْ، فيقتلون الأعوان دُون المبارز، لِأَنَّهُ لمْ ينقُض أَمَانه بالاستعانة.

باب الفرار من الزحف

بابُ الفِرارِ مِن الزّحْفِ قَالَ الله سُبْحانهُ: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا} [الْأَنْفَال: 15]، أيْ: زاحِفين، وهُو أَن يزْحفُوا إِليْهِمْ قَلِيلا قَلِيلا، {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ} [الْأَنْفَال: 16]، وَقَالَ جلّ ذِكْرُهُ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الْأَنْفَال: 65]، قوْله: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الْأَنْفَال: 16]، أيْ: يصيرُ إِلى حيِّزِ فِئةٍ مِن المُسْلِمين يسْتنْجِدُ بِهِمْ، يُقالُ: تحيّز وتحوّز وانْحاز بِمَعْنى واحدٍ، والحيِّزُ: النّاحِيةُ، يُقالُ: فُلانٌ مانِعٌ لِحوْزتِهِ، أيْ: لما فِي حيِّزهِ، والفِئةُ: الفِرْقةُ، وجمْعُها فِئاتٌ وفِئُون. 2708 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً، فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ،

وَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، قَالَ: «بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ، وَأَنَا فِئَتُكُمْ». قَالَ أبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَقَالَ زُهَيْرٌ عَنْ يَزِيدَ، قَالَ: «لَا بلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ» قَالَ: فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ، فَقَالَ: «أَنا فِئةُ المُسْلِمين» وقوْله: «فَحَاص»، أَي: حاد عنْ طَرِيقه، وَعدل عنْ وَجهه إِلى جِهَة أُخْرَى، وقوْله: «أنْتُمُ العكّارُون»، يُرِيد العائدون إِلى الْقِتَال والكرّارون، يُقال: عكرتُ على الشَّيْء: إِذا عطفت عليْهِ وانصرفت إِليْهِ. وقوْله: «وَأَنا فِئتُكُمْ»، يمهدِّ بِذلِك عذرهمْ، وذلِك أَن الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى حرّم التولِّي عنِ الزَّحْف إِلَّا متحرفًا لقِتَال، أوْ متحيزًا إِلى فِئَة، وَكَانَ فِي ابْتِدَاء الإِسْلام يجب على الْمُسْلِمِين مصابرةُ الْعَدو إِذا كَانَ بِمُقَابلَة كُل مُسْلِم عشرَة من الْمُشْركين، كَمَا قَالَ جلّ ذكرهُ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الْأَنْفَال: 65]، ثُمّ خفف الله عَنْهُم، فَأوجب المصابرة إِذا كَانَ بِإِزَاءِ كُل مُسْلِم مُشْرِكَانِ فَأَقل، فَقَالَ جلّ جَلَاله وعظُم كبرياؤه: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الْأَنْفَال: 66]. قَالَ ابْن عبّاس:

باب حكم الجاسوس

فَلَمَّا خفّف الله عَنْهُم من الْعدَد، نقّص من الصَّبْر بِقدر مَا خفف عَنْهُم. قَالَ ابْن عبّاس: من فرّ من ثَلَاثَة، فَلم يفرّ، وَمن فرّ من اثْنَيْنِ، فقدْ فرّ: يُرِيد إِذا فر مُسْلِم من كَافِرين غير متحرفٍ لقِتَال، أوْ متحيزًا إِلى فِئَة، يسْتَحق الْوَعيد الّذِي أوعده الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى فِي قوْلِهِ عزّ وجلّ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الْأَنْفَال: 16]، وَإِن كانُوا أكْثر من اثْنَيْنِ بِإِزَاءِ كُل مُسْلِم، فَلَا عتب على من فرّ، وَمن فرّ من اثْنَيْنِ، فليْس لهُ أَن يصلى بِالْإِيمَاءِ فِي الْفِرَار، لِأَنَّهُ عاصٍ كقاطع الطَّرِيق، وهُو من الْكَبَائِر. قَالَ الْحسن: ليْس الْفِرَار من الزَّحْف من الْكَبَائِر، إِنّما كَانَ ذلِك يوْم بدرٍ. بابُ حُكْمِ الجاسُوسِ 2709 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا أَبُو الْعُمَيْسِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ

النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ، فَقَتَلْتُهُ، فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، وفِيهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ الرّجُلَ؟»، قَالُوا: ابْنَ الأَكْوَعِ، قَالَ: «لَهُ سلبُهُ أجْمعُ» وفِيهِ دلِيلٌ على أَن من دخل دَار الإِسْلام من أهل الْحَرْب من غيْر أَمَان حلّ قتلُه، وَمن تجسّس للْكفَّار من أهل الذِّمَّة، كَانَ ذلِك مِنْهُ نقضا للْعهد، وَإِن فعله مُسْلِم، فَلَا يحلُّ قَتله، بل يُعزّر، فإِن ادّعى جَهَالَة بِالْحَال، ولمْ يكن مُتَّهمًا، يُتجافى عَنهُ، هَذَا قوْل الشّافِعِي، وَقَالَ الأوْزاعِي: عاقبهُ الإمامُ عُقُوبَة مُنكِّلةً، وغرّبهُ إِلى بعْض الْآفَاق،

وَقَالَ أصْحاب الرّأْيِ: عاقبه، وَأطَال حَبسه، وَقَالَ مالِك: ذلِك إِلى اجْتِهَاد الإِمام. 2710 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا، وَالزُّبَيْرُ، وَالْمِقْدَادُ، فَقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ»، فَخَرَجْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا، فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا لَهَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لَتُلْقِنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟»، فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ،

إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِها، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي، وَلا رِضًى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ قَدْ صَدَقَ»، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، وَنَزَلَتْ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ

وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ الإِمامُ: فِي الْحدِيث دليلٌ على أنّهُ يجوز النظرُ فِي كتاب الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه، وَإِن كَانَ سرا إِذا كَانَ فِيهِ ريبةٌ وضررٌ يلْحق الْغَيْر، أما مَا رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «منْ نظر فِي كِتابِ أخيهِ بِغيْرِ إِذْنِهِ فإِنّما ينْظُرُ فِي النّارِ»، فهُو فِي الْكتاب الّذِي فِيهِ أَمَانَة، أوْ سر بيْن الْكَاتِب والمكتوب إِليْهِ لَا رِيبَة فِيهِ، وَلَا ضَرَر بأحدٍ من أهل الإِسْلام، فَأَما كتبُ الْعلم، فقدْ قِيل: يجوز النظرُ فِيهِ بِغَيْر إِذن صَاحبه، لِأَن الْعلم لَا يحلُّ مَنعه، وَلَا يجوز كتمانُه، وقِيل: لَا يجوز لظَاهِر الْحدِيث، وَلِأَن صَاحب الشَّيْء أولى بِمَنْفَعَة مِلكه، وَإِنَّمَا يَأْثَم بكتمان الْعلم الّذِي سُئل عَنهُ، فَأَما منع الْكتاب عنْ غَيره، فَلَا إِثْم فِيهِ. وقوْله: «فإِنّما ينظر فِي النَّار»، أَرَادَ بِالنّظرِ إِلى النَّار: الدنوّ مِنْهَا، والصِّلى بِها، لِأَن النّظر إِلى الشَّيْء إِنّما يتَحَقَّق عِنْد الدنو مِنْهُ. واللهُ أعْلمُ. وفِي حَدِيث حَاطِب دلِيل على أَن حكم المتأول فِي اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور

باب الأسير يقيد والحكم فيه

خلاف حكم المتعمِّد لاستحلاله من غيْر تَأْوِيل، وَأَن من تعاطى شيْئًا من الْمَحْظُور، ثُمّ ادّعى لهُ تَأْوِيلا مُحْتملا، لَا يقبل مِنْهُ، وَأَن من تجسّس للْكفَّار، ثُمّ ادّعى تَأْوِيلا، وجهالة يُتجافى عَنهُ. وفِيهِ جَوَاز النّظر إِلى مَا ينكشِف من النِّساء لإِقَامَة حدٍّ، أوْ إِقَامَة شَهَادَة فِي إِثْبَات حقٍّ إِلى مَا أشبه ذلِك من الْأُمُور. وفِيهِ دلِيلٌ على أَن من كفّر مُسلما، أوْ نفّقه على التَّأْوِيل، وَكَانَ من أهل الِاجْتِهَاد لَا يُعَاقب، فإِن النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمْ يعنِّف عُمر بْن الْخطّاب على قوْله: دعْنِي أضْرِب عُنُق هَذَا المُنافِقِ بعد مَا صدّقه الرّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ادَّعَاهُ، لِأَن عُمر لمْ يقل ذلِك على سَبِيل الْعدوان، إِذْ كَانَ ذلِك الصنيعُ من حَاطِب شَبِيها بِأَفْعَال الْمُنَافِقين، إِلَّا أَن النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ أخبر أَن الله قدْ غفر لهُ ذلِك وَعَفا عَنهُ، فَزَالَ عنِ اسْم النِّفَاق. بابُ الأسيرِ يُقيّدُ والحُكْم فيهِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التَّوْبَة: 5]، قوْلُهُ: {وَخُذُوهُمْ} [التَّوْبَة: 5]، أَي ائْسِرُوهُمْ، ويُقالُ للأسيرِ: الأخيذْ، {وَاحْصُرُوهُمْ} [التَّوْبَة: 5]، أَي: احْبِسُوهُمْ، والحصيرُ: السِّجْنُ الّذي يُحْبسُ فِيهِ، ومِنْهُ قوْلُهُ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الْإِسْرَاء: 8]، وقوْلُهُ عزّ وجلّ: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التَّوْبَة: 5]،

أيْ: على كُلِّ طريقٍ، أيْ: كُونُوا لهُمْ رصدًا، لِتأْخُذُوهُمْ مِنْ أيِّ وجْهٍ توجّهُوا، ومِنْهُ قوْلُهُ تبَارك وَتَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الْفجْر: 14]، أيْ: بالطّريقِ الّذي ممرُّك عليْهِ، وقِيل: يرْصُدُ كُلّ إِنْسانٍ حتّى يُجازيهُ بِعملِهِ، وَقَالَ جلّ ذِكْرُهُ: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [مُحَمَّد: 4]، قِيل: الإثخانُ: المُبالغةُ فِي الحرْبِ، وَقيل: القهْرُ والقتْلُ، وَقيل: معنى قوْلِهِ: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الْأَنْفَال: 67]، أيْ: حتّى يُكْثِر القتْل، والإيقاع بالعدوِّ، وَقيل: حتّى يتمكّن فِي الأرْضِ. 2711 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّد بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلاسِلِ» هَذَا حدِيثٌ صحِيحٌ، وقِيل فِي قوْلِهِ: «عجِب الله»، مَعْنَاهُ:

الرضى، وكذلِك الْفَرح والاستبشار الْوَارِد فِي صِفَات الله عزّ وجلّ مَعْنَاهُ: الرضى، وَقُرِئَ 0 بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ 0، بِضَم التَّاء. قِيل: «قل فِيهِ» مُضْمر، وقِيل: مَعْنَاهُ: جازيتهم على عجبهم، وذلِك أَن الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى أخبر عَنْهُم فِي غيْر مَوضِع بالعجب من الْحق، فَقَالَ: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ص: 4]، وَقَالَ: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، وَهَذَا كَقَوْلِه سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [الْبَقَرَة: 15]، أَي: يجازيهم على استهزائهم، وَقَالَ: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التَّوْبَة: 79]، أَي جازاهم على سخريتهم، وقدْ يكُون الْعجب بِمَعْنى وُقُوع ذلِك الْعَمَل عِنْد الله عَظِيما، فَيكون معنى قوْله: {بَلْ عَجِبْتَ} [الصافات: 12]، أَي: عظم عِنْدِي فعلهم قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على جَوَاز الاستيثاق من الْأَسير الْكَافِر بالرِّباط، والغُلِّ والقيد إِذا خيف انفلاتُه، ولمْ يُؤمن شرُّه، وَمن وَقع فِي الْأسر من نسَاء أهل الْحَرْب وذراريهم، صَارُوا أرقاء، وَكَانُوا من جملَة الْغَنَائِم، فَأَما الرِّجَال العاقلون البالغون مِنْهُم إِذا وَقَعُوا فِي الْأسر فالإمام فيهم بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ قَتلهمْ من غيْر أَن يمثل بِهِمْ، وَإِن شَاءَ استرقّهُم، وَإِن شَاءَ منّ عَلَيْهِم، وَإِن شَاءَ فاداهم بِالْمَالِ، أوْ بأسرى الْمُسْلِمِين، وَإِن وقف بِهِ الرأيُ فيهم، حَبسهم إِلى أَن يرى فيهم رَأْيه،

قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [الْبَقَرَة: 191]، أَي وَجَدْتُمُوهُمْ، وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الْأَنْفَال: 57]، أَي افْعَل بِهِمْ من الْعقُوبَة تخيف من وَرَاءَهُمْ من أعدائك فتشردهم وتفرقهم. وَمن أشكل بُلُوغه مِنْهُم، كُشف عنْ عَوْرَته، فإِن أنبت، جُعِل فِي البالغِين، وَمن لمْ يُنبت فَفِي الذُّرِّيَّة، ورُوِي عنْ عبْد الْملِك بْن عميرٍ، عنْ عَطِيَّة القُرظي، قَالَ: «عرضنَا على النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوْم قُريظة، فَكَانَ من أنبت قُتِل، وَمن لمْ يُنبت خُلِّي سبيلُه، فَكنت مِمَّن لمْ ينْبت، فخُلِّي سبيلي». قَالَ الشّافِعِيُّ: «أسر رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل بدرٍ، فَقتل عقبَة بْن أبِي مُعيط، وَالنضْر بْن الْحارِث، ومنّ على أبِي عزّة الجُمَحِي على أَن لَا يُقاتله»، فأخفره وقاتله يوْم أحد، فَدَعَا أَن لَا يفلت، فَمَا أسر غَيره، «ثُمّ أسِر ثُمَامَة بْن أثالٍ الْحَنَفِيّ فمنّ عليْهِ»، فَأسلم وحسُن إِسْلَامه، «وفادى رجلا برجلَيْن». ورُوِي عنِ ابْن مسْعُود، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " لما أَرَادَ قتل عقبَة بْن أبِي معيطٍ، فَقَالَ: من للصبية؟، قَالَ: النّارُ ".

باب المن والفداء

وَذهب إِلى مَا ذكرْنا من التَّخْيِير بْن الْقَتْل، والمنِّ، وَالْفِدَاء، والاسترقاق، أكثرُ أهْل الْعِلْمِ من أصْحاب النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأهل الْعلم بعدهمْ، وهُو قوْل الشّافِعِي، والثّوْرِي، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وَذهب قوْمٌ إِلى أنّهُ لَا يجوز الْفِدَاء والمنُّ، وهُو قوْل الأوْزاعِي، وأصْحاب الرَّأْي، حُكي عنِ الأوْزاعِي، قَالَ: بَلغنِي أَن هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة قوْله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [مُحَمَّد: 4]، نسخهَا قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [الْبَقَرَة: 191]. وَذهب قوْمٌ إِلى أَن المنّ كَانَ خَاصّا للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُون غَيره، وَهَذَا لَا يَصح، لِأَن قوْله عزّ وجلّ: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [مُحَمَّد: 4]، عَام وخطابٌ لجَمِيع الْأمة لَا تَخْصِيص فِيهِ، وحُكِي عنْ مالِك أنّهُ جوّز المفاداة بِالرِّجَالِ، ولمْ يجوِّز بِالْمَالِ بابُ المنِّ والفِداء قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [مُحَمَّد: 4]، أيْ: سِلاحها، وأصْلُ الوِزْرِ: مَا يحْمِلُهُ الإنسانُ، وسُمِّي السِّلاحُ أوْزارًا، لأنّهُ

يُحْملُ، ومِنُهُ قوْلُهُ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ} [الْأَنْعَام: 31]، أيْ: ثِقل ذُنْوبِهِمْ. وَقَالَ سعيدُ بْنُ جُبيْرٍ فِي قوْلِهِ عزّ وجلّ: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [مُحَمَّد: 4]، قَالَ: لَا يُفادى أسِيرُهُمْ، وَلَا يُمنّ عليْهِمْ حتّى يُثْخِن فِيهمُ القتْلُ، وَقَالَ فِي قوْلِهِ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [مُحَمَّد: 4]: خرُوجُ عِيسى عليهِ السّلامُ. 2712 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ، فَرَبَطُوهُ فِي سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «

مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ، فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ»؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، قَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ»، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ «فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ»، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ

مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ وفِيهِ دلِيلٌ على جَوَاز المنِّ على الْكَافِر، وإطلاقه بِغَيْر المَال، وَجَوَاز دُخُول الْمُشرك الْمسْجِد، وربط الْأَسير فِي الْمسْجِد. 2713 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاعِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانِ بْنِ مِهْرَانَ الْمُقْرِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ الْبَزَّازُ، نَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ كَانَ مُطْعِمٌ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاءِ، لأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ»، يَعْنِي: أُسَارَى بَدْرٍ، قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدٌ، وَكَانَ أَجْزَى النَّاسِ بِالْيَدِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: «لوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بنْ

عدِيٍّ حيًّا، ثُمّ كلّمنِي فِي هؤُلاءِ النّتْنى، لتركْتُهُمْ لهُ»، والنَّتْنَى جَمْعُ النَّتِنِ، مِثْلُ زَمِنٍ وَزَمْنَى قَالَ الإِمامُ: المُطعم بْن عدي بْن نَوْفَل بْن عبْد منَاف أبُو جُبير بْن مطعم، كَانَ معظّمًا فِي قُرَيْش، وهُو الّذِي قَامَ بِنَقْض الصَّحِيفَة الّتِي كتبتها قُرَيْش على بني هَاشم وَبني الْمطلب، قَامَ بنقضها هُو وَهِشَام بْن عمْرو بْن الْحارِث، وَزُهَيْر بْن أبِي أُميَّة بْن الْمُغِيرة المَخْزُومِي، وَأَبُو البخْترِي بْن هِشَام، وزمعةُ بْن الْأسود بْن عبْد الْمطلب. ذكره ابْن إِسْحاق. 2714 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، فَأَوْثَقُوهُ، فَطَرَحُوهُ فِي الْحَرَّةِ، فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ مَعَهُ، أَوْ قَالَ: أَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ، وَتَحْتَهُ قَطِيفَةٌ، فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ»؟ فَقَالَ: فِيمَ أُخِذْتُ، وَفِيمَ أُخِذَتْ سَابِقَةُ الْحَاجِّ؟ قَالَ: «أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ

حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفَ»، وَكَانَتْ ثَقِيفُ قَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَكَهُ، وَمَضَى، فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَرَحِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ»؟ قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَالَ: «لَوْ قُلْتَهَا، وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاحِ»، قَالَ: فَتَرَكَهُ، وَمَضَى، فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي جَائِعٌ، فَأَطْعِمْنِي، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَإِنِّي عَطْشَانُ، فَاسْقِنِي، قَالَ: «هَذِهِ حَاجَتُكَ»، «فَفَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفُ، وَأَخَذَ نَاقَتَهُ تِلْكَ»، قَالَ عِمْرَانُ: سُبِيَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَكَانَتِ النَّاقَةُ قَدْ أُصِيبَتْ قَبْلَهَا، فَكَانَتْ تَكُونُ فِيهِمْ، وَكَانُوا يَجِيئُونَ بِالنَّعَمِ إِلَيْهِمْ، فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوِثَاقِ، فَأَتَتِ الإِبِلَ، فَجَعَلَتْ كُلَّمَا أَتَتْ بَعِيرًا مِنْهَا، فَمَسَّتْهُ رَغَا، فَتَتْرُكُهُ حَتَّى أَتَتْ تِلْكَ النَّاقَةَ، فَمَسَّتْهَا، فَلَمْ تَرْغُ، وَهِيَ نَاقَةٌ هَدِرَةٌ، فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا، ثُمَّ صَاحَتْ بِهَا، فَانْطَلَقَتْ، فَطُلِبَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا، فَجَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا إِنِ اللَّهُ أَنْجَاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ، عَرَفُوا النَّاقَةَ، وَقَالُوا: نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ جَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَقَالُوا:

وَاللَّهِ لَا تَنْحَرِيهَا حَتَّى نُؤْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ فُلانَةً قَدْ جَاءَتْ عَلَى نَاقَتِكَ، وَإِنَّهَا قَدْ جَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا إِنْ أَنْجَاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ! بِئْسَ مَا جَزَتْهَا إِنْ أَنْجَاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ، أَوْ قَالَ: ابْنُ آدَمَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أخْرجهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْعتكِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: كَانَتِ الْعَضْباءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَكَانَتْ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ، وَقَالَ: كَانَ ثَقِيفُ حَلِيفًا لِبَنِي عُقَيْلٍ، فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ. . . . . وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ قوْله: «ناقةٌ هدِرةٌ»، يُقَال: هدر الْبَعِير: إِذا صَاح، ويُرْوى: كَانَت ناقةٌ مُنوّقةً، أَي: مذللة مُروّضة، ويُرْوى: كَانَت مُجرّسة، أَي مجربة فِي الرّكُوب وَالسير. قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على جَوَاز شدّ الْأَسير بِالْوَثَاقِ، وَأَن الْكَافِر إِذا قَالَ: أَنا مُسْلِم، لَا يُحكم بِإِسْلَامِهِ بِهذِهِ اللَّفْظَة حتّى يشْهد بالوحدانية،

باب الكافر إذا جاء مسلما بعد ما غنم ماله لا يجب الرد عليه

والرسالة، لِأَنَّهُ يُرِيد بِهِ أَنا مُنقاد، وَلَو كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، لما ردّه إِلى الْكفَّار. وفِي قوْله: «لوْ قُلْت وأنْت تمْلِكُ أمْرك، لأفْلحْت»، دلِيل على أَن الْكَافِر إِذا وَقع فِي الْأسر، فَادّعى أنّهُ كَانَ قدْ أسلم قبله، لَا يُقبل قوْله إِلَّا ببيِّنةٍ تقوم عليْهِ، وإِذا أسلم بَعْدَمَا وَقع فِي الْأسر، حُرِم قتلُه، وَجَاز استرقاقُه، وإِذا قبِل الْجِزْيَة بعد الْأسر هَل يحرم قَتله؟ فعلى قَوْلَيْنِ، وفِيهِ دلِيلٌ على جَوَاز الْفِدَاء، ورُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ، أَن النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جعل فدَاء أهل الْجاهِلِيّة يوْم بدر أَربع مائَة». وَلَو وَقع فِي أسر الْمُسْلِمِين صبيٌّ من أهل الْحَرْب يُحكم بِإِسْلَامِهِ تبعا للسابي، وَلَا يجوز رده إِلَيْهِم، وكذلِك لَو أسلم أحدُ أَبَوي الصَّغِير الْكَافِر يُحكم بِإِسْلَام الْوَلَد، وَيكون مَعَ الْمُسلم مِنْهُمَا، كَانَ ابْن عبّاس مَعَ أمه من الْمُسْتَضْعَفِينَ، ولمْ يكن مَعَ أبِيهِ على دين قومه، فإِن الإِسْلام يَعْلُو، وَلَا يُعلى. بابُ الكافِرِ إِذا جَاءَ مُسْلِمًا بعْد مَا غنم مالُهُ لَا يجِبُ الرّدُّ عليْهِ 2715 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. ح قَالَ مُحَمَّدُ

بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ وَزَعَمَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ مَرْوَانَ، والْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، أَخْبَرَاهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ "، وَكَانَ أَنْظَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَل مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ جَاءُوا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ»، فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ»،. فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ

باب الأمان

رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا، أَوْ أَذِنُوا، هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمامُ: فِي هَذَا الْحدِيث من الْفِقْه جوازُ سبي الْعَرَب، واسترقاقهم كالعجم، واخْتلف فِيهِ أهْل الْعِلْمِ، وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ، إِن من جَاءَ وَأسلم بعد مَا غُنم مَاله، لَا يجب رد مَاله عليْهِ، ويستدل بِهذا من يقبل إِقْرَار الْوَكِيل على الموكِّل، لِأَن العرفاء بِمَنْزِلَة الوكلاء، وقدْ أطْلق النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السبايا بِقوْلِ العُرفاء مِنْ غيْرِ أنْ يرْجِع على المُوكّلين، وجوّز أبُو حنِيفة إِقْرَار الْوَكِيل على الْمُوكل فِي مجْلِس الحكم، ولمْ يجوِّز جمَاعَة مِنْهُم ابْن أبِي ليلى، والشّافِعِي، أما من أسلم قبل أَن وَقع فِي الْأسر، فقدْ أحرز أَمْوَاله وَأَوْلَاده، قَالَ النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصخر بْن الغيلة: «إِنّ القوْم إِذا أسْلمُوا أحْرزُوا أمْوالهُمْ ودِماءهُمْ». بابُ الأمانِ 2716 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو

إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَا أَبُو مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ، فَقَالَتْ: فَسَلَّمْتُ، وَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ»؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ»، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ، فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلا أَجَرْتُهُ فُلانَ بْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ، وَذَلِكَ ضُحًى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

قوْله: «مرْحَبًا»، أَي: لقِيت رُحبًا وسعة، وقِيل: رحّب الله بك مرْحَبًا، فَوَضعه مَوضِع الترحيب، والرّحبُ: السعَة، وقوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التَّوْبَة: 25]، أَي: بِمَا وسعت. وقوْله: «أجرنا»، أَي أمّنا، وَمِنْه قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 88]، أَي يؤمّن من أخافه غَيره، وَمن أخافه هُو لمْ يُؤمِنه أحد. وفِيهِ بَيَان أَن أَمَان الْمَرْأَة نَافِذ، وروينا عنْ عمْرو بْن شُعيْب، عنْ أبِيهِ، عنْ جده، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «المُسْلِمُون يدٌ على منْ سِوَاهُمْ يسْعى بِذِمّتِهِمْ أدْناهُمْ»، فَفِيهِ دلِيل على صِحَة أَمَان العبيد، سَوَاء كانُوا مأذونين من جِهَة مواليهم فِي الْقِتَال، أوْ لمْ يَكُونُوا، يُروى ذلِك عنْ عُمر، وَعلي، وَابْن عُمر، وبِهِ قَالَ الشّافِعِيُّ، وأحْمد، وَإِسْحَاق، ولمْ يجوِّز أبُو حنِيفة أَمَان العَبْد إِذا لمْ يكن مَأْذُونا فِي الْجِهَاد، أما أَمَان الصّبِي، وَالْمَجْنُون، فَبَاطِل، وَلَو نزل كَافِر بِأَمَان صبيِّ، فَقَالَ: ظننته جَائِزا يُردُّ إِلى مأمنه، لجهله بالحكم. وَقَالَ شَقِيق بْن سَلمَة: كتب إِلَيْنَا عُمر بْن الْخطّاب رضِي اللهُ عنْهُ وَنحن بخانقين، إِذا قَالَ أحدكُم للرجل: متْرسْ، فقدْ أمّنهُ، فإِنّ الله عزّ وجلّ يعْلمُ الألْسِنة. 2717 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي حَمَّادٌ

باب النزول على الحكم

هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ عَلَى رَأْسِ الْمُخْتَارِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِي كِذَابَتُهُ، هَمَمْتُ وَايْمُ اللَّهِ أَنْ أَسُلَّ سَيْفِي، وَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، حَتَّى ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنِيِهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ آمَنَ رَجُلا عَلَى نَفْسِهِ، فَقَتَلَهُ، أُعْطِيَ لِوَاءَ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ الإِمامُ: وَإِنَّمَا يصحُّ الْأمان من آحَاد الْمُسْلِمِين إِذا أمّن وَاحِدًا أوِ اثْنَيْنِ، فَأَما عقد الْأمان لأهل نَاحيَة على الْعُمُوم، فَلَا يصحُّ إِلَّا من الإِمام على سَبِيل الِاجْتِهَاد، وتحري الْمصلحَة، كعقد الذِّمَّة، لِأَنَّهُ المنصوبُ لمراعاة النّظر لأهل الإِسْلام عَامَّة، وَلَو جُعِل ذلِك لآحاد النّاس، صَار ذَرِيعَة إِلى إبِْطَال الْجِهَاد. بابُ النُّزْولِ على الحُكْمِ 2718 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ

حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ هُوَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»، فَجَاءَ، فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَؤُلاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُرِّيَّةُ، قَالَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ الإِمامُ: فِيهِ من الْعلم أَن قوْل الرجل لصَاحبه: يَا سَيِّدي غيرُ مَحْظُور إِذا كَانَ صَاحبه خيِّرًا فَاضلا، وفِيهِ أَن قيام الرجل بيْن يَدي الرئيس الْفَاضِل، والوالي الْعَادِل، وَقيام المتعلم للْعَالم مستحبٌ غيْر مَكْرُوه، وكذلِك يجوز إِقَامَة الإِمام والوالي الرِّجَال على رَأسه فِي مَوضِع الْحَرْب، ومقام الْخَوْف، فقدْ كَانَ الْمُغِيرة بْن شُعْبة قَائِما على رَأس النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوْم

باب حل الغنيمة لهذه الأمة

الحُديبية، وَمَعَهُ السَّيْف، وَعَلِيهِ المِغفر، وَمَا رُوِي عنِ النّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنّهُ قَالَ: «منْ سرّهُ أنْ يتمثّل لهُ الرِّجالُ قِيامًا، فلْيتبوّأْ مقْعدهُ مِن النّارِ»، فَمَعْنَاه أَن يَأْمُرهُم بِذلِك على مَذْهَب الكِبر والنخوة. وفِيهِ أَن من نزل مِن أهل الْكفْر على حكم رجل مُسْلِم، نفذ حُكمُه أَن وَافق الْحق. وقوْله: «لقدْ حكمت فيهم بِحكم الملِك»، يُريد بِحكم الله عزّ وجلّ، وروى بعْضهم بِحكم الْملِك بِفَتْح اللَّام، أَي: الْملك الّذِي نزل بِالْوَحْي فِي أَمرهم، وَالْأول أصح بِدَلِيل أنّهُ يُروى أنّهُ عليْهِ السّلام قَالَ: «قضيْت بِحُكْمِ الله». بابُ حِلِّ الغنيمةِ لِهذِهِ الأُمّةِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الْأَنْفَال: 1]، والأنْفالُ: الغنائِمُ: الواحِدُ نفلٌ، وكُلُّ شيْء كَانَ زِيادةً على الأصْلِ فهُو نفلٌ، وإِنّما قِيل للغنيمةِ: نفلٌ، لأنّهُ مِمّا زَاد الله لِهذِهِ الأُمّةِ فِي الحلالِ، وَكَانَ مُحرّمًا على منْ قبْلهُمْ، وبِهِ سُمِّيتْ

نوافِلُ الصّلواتِ، لأنّها زِيادةٌ على الفرْضِ، وَقَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الْأَنْفَال: 69]، وَقَالَ النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُحِلّتْ لِي المغانِمُ ولمْ تحِلّ لأحِدٍ قبْلي». 2719 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: لَا يتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ كَانَ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ، وَلا أَحَدٌ قَدْ بَنَى بِنَاءً لَهُ، وَلَمَّا يَرْفَعُ سُقُفَهَا، وَلا أَحَدٌ قَدِ اشْتَرَى غَنَمًا، أَوْ خَلِفَاتٍ، وَهُوَ يَنْتَظِر وِلادَهَا، فَغَزَا، فَدَنَا لِلْقَرْيَةِ حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْتِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا، فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ

لِتَأْكُلَهُ، فَأَبَتْ أَنْ تُطْعِمَهُ، فَقَالَ: فِيكُمْ غُلُولٌ، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَبَايَعُوهُ، فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُهُ، فَبَايَعَتْهُ قَبِيلَتُهُ، فَلَصِقَ يَدُ رَجُلَيْنِ، أَوْ ثَلاثَةٍ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ، قَالَ: فَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ، وَهُوَ بِالصَّعِيدِ، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ، فَأَكَلَتْ، قَالَ: فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ رَأَى ضَعْفَنَا، وَعَجْزَنَا، فَطَيَّبَهَا لَنَا ". قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا، وَأَقَمْتُمْ فِيهَا مَسْهَمَكُمْ»، أَظُنُّهُ قَالَ: «فَهِيَ لَكُمْ، أَوْ نَحْوَهُ مِنَ الْكَلامِ، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ». قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أُوتِيكُمْ مِنْ شَيْءٍ،

وَلا أَمْنَعُكُمُوهُ، إِنْ أَنَا إِلَّا خَازِنٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ». هَذَهِ أَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وفِيهِ بَيَان أَن الْأَرَاضِي المغنومة مقسومة كالمنقول، وَذهب أصْحاب الرّأْيِ إِلى أَن الإِمام فِي الْأَرَاضِي المغنومة مُخيّر بيْن أَن يقسمها بيْن الْغَانِمين، وَبَين أَن يمُنّ بِها على الْكفَّار فيردها عَلَيْهِم، كَمَا فعل النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدورِ مكّة، وَبَين أَن يقِفها، كَمَا فعل عُمر رضِي اللهُ عنْهُ بسواد الْعرَاق، وَنحن نقُول: مكّة فُتِحت صلحا، فَلم تكن أراضيها مغنومة، وَسَوَاد الْعرَاق وَقفهَا عُمر بِطيب أنفس الْغَانِمين أَعْطَاهُم عليْها عرضا، فتركوا حُقُوقهم فوقفها. 2720 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا أَنْ أَتْرُكَ أَخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَلَكِنْ أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا». صَحِيحٌ

باب الغنيمة لمن شهد الوقعة

قوْله: ببّانًا، قِيل: شيْئًا وَاحِدًا، قَالَ أبُو عُبيد: لَا أعرفهُ عَرَبِيَّة، قَالَ الْخطّابِيُّ: قدْ كَانَ يعلم عُمر رضِي اللهُ عنْهُ، أَن المَال يعزُّ، والشحُّ يغلب، وَأَن لَا ملِك بعد كسْرَى يُغْنمُ مَاله، فيُغني الْمُسْلِمِين، وأشفق أَن يبْقى آخر النّاس لَا شيْء لهُمْ، فَرَأى أَن تُحبس الأرْض، وَلَا يقسمها قسْمَة سَائِر الأمْوال، وَأَن يضع عليْها خراجًا يبْقى نَفعهَا، ويدِرُّ خَيرهَا للْمُسلمين أبدا كَمَا فعل بسواد الْعرَاق نظرا للْمُسلمين، وشفقة على آخِرهم. بابُ الغنِيمة لِمنْ شهِد الْوقْعة 2721 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ، أَنَا، وَإِخْوَانٌ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ، أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ، وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ، إِمَّا قَالَ فِي بِضْعٍ، وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلاثَةٍ وَخَمْسِينَ، أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ

عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَنَا هَاهُنَا، وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ، فَأَقِيمُوا مَعَنَا، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا، أَوْ قَالَ: فَأَعْطَانَا مِنْهَا، وَمَا قَسَمَ لأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ، إِلا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ، وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ، فَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لأَهْلِ السَّفِينَةِ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ، وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، قَالَ: الْحَبَشِيَّةُ، هَذِهِ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟! قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ، قَالَ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ، وَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ، كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارٍ، أَوْ أَرْضِ الْبُعْدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ، وَفِي رَسُولِ اللَّهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَا أُطْعَمُ طَعَامًا، وَلا شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

وَأَسْأَلُهُ، وَاللَّهِ لَا أَكْذِبُ، وَلا أَزِيغُ، وَلا أَزِيدُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ عُمَرَ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَمَا قُلْتِ لَهُ»؟ قَالَتْ: قُلْتُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «لَيْسَ بِأَحَقَّ فِيَّ مِنْكِ، وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ»، قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابُ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالا يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ، وَلا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيِّ قَوْلهَا: يأْتونِي أرْسالا، تُرِيدُ أَفْوَاجًا مُتَفَرّقين وهُو جمع الرّسل، وكل شيْء أَرْسلتهُ فهُو رسلٌ كالهملِ فِيمَا أهملته، والسّبل فِيمَا أسبلتهُ. قَالَ الإِمامُ: الْغَنِيمَة إِنّما يَسْتَحِقهَا منْ شهد الْوَقْعَة على قصد الْجِهَاد، سَوَاء قَاتل، أوْ لمْ يُقاتل، فَأَما من حضر بعد انْقِضَاء الْحَرْب، فَلَا حقّ لهُ فِيها، رُوِي عنْ أبِي بكْر، وَعمر رضِي الله عنْهُما أَنَّهُمَا قَالَا: الْغَنِيمَة لمن

شهد الْوَقْعَة، وَهَذَا قوْل مالِك، والشّافِعِي، وأحْمد، وَقَالَ الأوْزاعِي: من دخل الدَّرْب، أُسهم لهُ، وَإِن لمْ يشْهد الْقِتَال. وَذهب أصْحاب الرّأْيِ إِلى أَن المدد إِذا لحِقوا بعد انْقِضَاء الْحَرْب أُسهم لهُمْ، وكذلِك قالُوا: من دخل دَار الْحَرْب فَارِسًا، فَمَاتَ فرسه قبل حُضُور الْوَقْعَة يسْتَحق سهم الْفرس، وَلَو مَاتَ الْفَارِس، قالُوا: لَا يسْتَحق، وَاحْتج هؤُلاءِ بِحَدِيث أبِي مُوسى أَن النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسْهم لهُمْ من غَنَائِم خَيْبَر، وقدْ لَحِقُوا بعد الْفَتْح، وَأجَاب الْآخرُونَ عَنهُ بِأَنَّهُ إِنّما أَعْطَاهُم من الخُمسِ، الّذِي هُو حقُّهُ دُون حُقُوق من شهد الْوَقْعَة. وقدْ رُوِي أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسْهم عُثْمان وطلْحة مِنْ غنائِمِ بدْر، وهما لمْ يشهدَا بَدْرًا، وَكَانَ ذلِك فِي وَقت كَانَت الغنيمةُ خَالِصَة للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قبل نزُول قوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الْأَنْفَال: 41]، الْآيَة، فَكَانَ يُعطيهم من خَالص حقِّه دُون حق غَيره. ورُوِي عنْ أبِي هُريْرة: أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بعث أبان بْن سعِيدِ بْن الْعَاصِ على سرِيّةٍ مِن الْمدِينة قِبل نجْدٍ»، فقدِم أبانُ وأصْحابُهُ على رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخيْبر بعْد أنْ «فتحهَا فلمْ يقْسِمْ لهُمْ».

باب قسمة الغنائم

بابُ قسْمَة الْغَنَائِم 2722 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ، نَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَسْهَمَ للِرَّجُلِ، وَلِفَرَسِهِ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ ". هَذَا حدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُبيْدِ بْنِ إِسْماعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، كُلٌّ عَنْ عُبيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ الْخطّابِيُّ رَحمَه الله: قوْله: «سهْمًا لهْ» اللَّام فِي هَذِه الْإِضَافَة لَام التَّمْلِيك، وقوْله: «سهْميْنِ لِفرسِهِ» اللَّام فِيهِ، لَام التسبيب، وتحرير الْكَلَام فِيهِ: أنّهُ أعْطى الْفَارِس ثَلَاثَة أسْهم: سَهْما لهُ، وسهمين لأجل فرسه، أَي: لِغنائه فِي الْحَرْب، وَلما يلْزمه من مئونتِهِ، إِذْ كَانَ مَعْلُوما أَن مئونة الْفرس متضاعفة على مئونةِ صَاحبه، فضوعِف لهُ الْعِوَض من أَجله. قَالَ رحِمهُ اللهُ: وَهَذَا قوْل أكْثر أهْل الْعِلْمِ من أصْحاب النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيرهم، وإِليْهِ ذهب الثّوْرِي، وَالْأَوْزَاعِيّ، ومالِك، وَابْن الْمُبَارك،

والشّافِعِي، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وَأَبُو يُوسُف، وَمُحَمّد، قالُوا: للراجل سهم، وللفارس ثَلَاثَة أسْهم، وَذهب أبُو حنِيفة إِلى أَن للفارس سَهْمَيْنِ، ورُوِي هَذَا الْحدِيث من طَرِيق عبْد الله بْن عُمر عنْ نافِعٍ، عنِ ابْن عُمر، قَالَ فِيهِ: «لِلْفارِسِ سهْمانِ، ولِلرّاجِلِ سهْمٌ»، وَعبيد الله بْن عُمر أحفظ من عبْد الله، وأثبتُ بِاتِّفَاق أهل الْحدِيث كلِّهم. رُوِي عنْ مُجمّع بْن جَارِيَة الأنْصارِي، قَالَ: قسمت خَيْبَر على أهل الحُديبية، «فَقَسمهَا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَة عشر سهْمًا، فَكَانَ الجيْشُ ألْفًا وخمْسُمائةٍ، فِيهِمْ ثلاثُمائةِ فارِسٍ، فأعْطى الفارِس سهْميْنِ، والرّاجِل سهْمًا». قَالَ أبُو داوُد: حَدِيث أبِي مُعاوِية أصحُّ، وأتى الوهمُ فِي حَدِيث مجمع، أنّهُ قَالَ: ثَلَاث مائَة فَارس، وَإِنَّمَا كانُوا مِائَتي فَارس. قَالَ الإِمامُ: ويُسهم للبراذين، كَمَا يُسهم للخيل، وَلَا يُسهم إِلَّا لفرس وَاحِد، وَلَا يُسهم لغَيْرهَا من الدَّوَابّ، كالفيلة، وَالْإِبِل، وَالْبِغَال، وَالْحمير، إِنّما لَهَا الرضخ.

باب من يستحق الرضخ من الغنيمة

بابُ منْ يسْتحِقُّ الرّضْخ مِن الغنِيمةِ 2723 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا حَاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خِلالٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ أُنَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُكَاتِبُ الْحَرُورِيَّةَ، وَلَوْلا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا لَمْ أَكْتُبْ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ نَجْدَةُ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَخْبِرْنِي، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ وَمَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ وَعَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَقَدْ «كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ يُدَاوِينَ الْمَرْضَى، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ»، وَأَمَّا السَّهْمُ «فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ»، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ يَقْتُلِ الْوِلْدَانَ»، فَلا تَقْتُلْهُمْ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تَعْلَمُ مِنُهُمْ

مَا عَلِمَ الْخَضِرُ مِنَ الصَّبِيِّ الَّذِي قَتَلَ، فَتُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ، وَالْكَافِرِ، فَتَقْتُلُ الْكَافِرَ، وَتَدَعُ الْمُؤْمِنَ، وَكَتَبْتُ مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ، وَلَعَمْرِي إِنَّ الرَّجُلَ لَتَشِيبُ لِحْيَتُهُ، وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الأَخْذِ، ضَعِيفُ الإِعْطَاءِ، فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ، فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ، وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْخُمْسِ، وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ: هُوَ لَنَا، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَصَبِرْنَا عَلَيْهِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، وَقَالَ: وَسَأَلْتُ عَنِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ: هَلْ كَانَ لَهُمَا سَهْمٌ مَعْلُومٌ إِذَا حَضَرُوا الْبَأْسَ؟ وَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْمٌ مَعْلُومٌ، إِلا أَنْ يَحْذِيَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ قَالَ الإِمامُ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أكْثر أهْل الْعِلْمِ أَن العبيد، وَالصبيان، والنسوان إِذا حَضَرُوا الْقِتَال، يُرضخ لهُمْ، وَلَا يُسهم لهُمْ، وَذهب الأوْزاعِي إِلى أنّهُ يُسهم لهُمْ، وَقَالَ: لِأنّ النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أسْهم لِلصِّبيانِ والنِّسْوانِ بِخيْبر»، وَإِسْنَاده ضَعِيف لَا تقوم بِهِ الْحجَّة. وقدْ قِيل:

باب السلب للقاتل

إِذا قَاتَلت الْمَرْأَة أوِ المراهِق، إِذا قوي على الْقِتَال، يُسهم لَهما، وَقَالَ مالِك: لَا يُسهم للنِّسَاء وَلَا يُرضخ. وإِذا حضر الذميُّ الْوَقْعَة، فإِن كَانَ اسْتَأْجرهُ الإِمام على الْجِهَاد، فَلهُ الْأُجْرَة، وَلَا سهم لهُ، وأجرته من خُمسِ الْغَنِيمَة، سهمِ النّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِن لمْ يستأجره فَلهُ الرضخ من الْغَنِيمَة إِلَّا أَن يكُون نَهَاهُ الإِمام عنِ الْحُضُور، فإِذا حضر لَا يسْتَحق شيْئًا، وَأكْثر أهْل الْعِلْمِ على أنّهُ لَا يسْتَحق السهْم وَإِن قَاتل، وَقَالَ بعْضهم: يُسهم لهُ. والرضخ يكُون من أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة كالسهم، وقِيل من رَأس الْغَنِيمَة، وقِيل: من خُمس الخُمس سهم النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقِيل: رضْخُ أهل الذِّمَّة من خُمس الخُمس، ورضْخُ العبيد، والنسوان، وَالصبيان من الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس. بابُ السّلبِ لِلْقاتِلِ 2724 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ السُّلَمِيّ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا، كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلا رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً، فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ، قَالَ: وَأَقْبَلَ

عَلَيَّ، فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ»، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَقُمْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهْ سَلَبُهُ»، قَالَ أَبْو قَتَادَةَ: فَقُمْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟»، فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ عَنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهُ: لَا هَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمَدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسُودِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ، وَعَنْ رَسُولِهِ، فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ، فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ»، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَأَعْطَانِيهِ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلَمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلامِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَأَبُو مُحمّد مولى أبِي قَتَادَة: اسْمه نَافِع. قوْله: فضربْتُهُ على حبْلِ عاتِقِهِ "، حَبل العاتق: عرق يظْهر على عاتق الرجل، ويتصل بِحَبل الوريد، فِي بَاطِن الْعُنُق. وقوْله: لَاها اللهِ إِذًا، قَالَ الْخطّابِيُّ: وَالصَّوَاب: لَاها الله ذَا بِغَيْر ألف قبل الذَّال، وَمَعْنَاهُ فِي كَلَامهم، لَا وَالله، يجْعَلُونَ الْهَاء مَكَان الْوَاو، وَمَعْنَاهُ: لَا وَالله يكُون ذَا. والمخْرفُ بِفَتْح الْمِيم: يُرِيد حَائِط نخل يُخترفُ مِنْهُ الثَّمر، أَي: يجتني، والمِخرف بِكَسْر الْمِيم: الْوِعَاء الّذِي يُخترف فِيهِ الثَّمر. وقوْله: تأثّلتُهُ، أَي: جعلته أصل مَال، يُقَال: تأثل مِلكُ فُلان: إِذا كثُر مَاله، وأثلةُ كُل شيْء: أَصله. وفِي الْحدِيثِ دلِيلٌ على أَن كلّ مُسْلِم قتل مُشْركًا فِي الْقِتَال يسْتَحق سلبه من بيْن سَائِر الْغَانِمين، وَأَن السّلب لَا يُخمس قلّ ذلِك أم كثر، ورُوِي أَن سَلمَة بْن الْأَكْوَع قتل مُشْركًا، فجَاء بجمله يَقُودهُ عليْهِ رحلُه وسلاحه، فَقَالَ النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «منْ قتل الرّجُل؟»، قالُوا: ابْن الْأَكْوَع، قَالَ: «لهُ سلبُهُ أجْمع»، وَسَوَاء نَادَى الإِمام بِذلِك أوْ لمْ ينادِ، وَسَوَاء كَانَ الْقَاتِل بارز الْمَقْتُول، أوْ لمْ يُبارزه، لِأَن أَبَا قَتَادَة قتل الْقَتِيل قبل

قوْل النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «منْ قتل قتِيلا فلهُ سلبُهُ»، ولمْ يكن بيْنهُما مبارزة، ثُمّ جعل النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمِيع سلبِه لهُ، فَكَانَ ذلِك القَوْل من الرّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرع حُكمٍ، وَهَذَا قولُ جمَاعَة من أهْل الْعِلْمِ من أصْحاب النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمن بعدهمْ أَن جمِيع سلب الْمَقْتُول لقاتله، وَإِن لمْ يكن الإِمام نَادَى بِهِ، وَلَا يُخمّس عِنْد كثير مِنْهُم، وإِليْهِ ذهب الأوْزاعِي، والشّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْر، غيْر أَن الشّافِعِي يشرطُ أَن يكُون الْكَافِر الْمَقْتُول مُقبلا على الْقِتَال، فَأَما بعد مَا ولّى ظَهره مُنْهَزِمًا إِذا قَتله، أوْ أجهز على جريح عجز عنِ الْقِتَال، فَلَا يسْتَحق سلبه إِلَّا أَن يكُون الْقَاتِل هُو الّذِي هَزَمه أوْ أثخنه. وَقَالَ بعْضهم: يُخمّسُ السَّلب، فخمسُه لأهل الخُمس، وَالْبَاقِي للْقَاتِل، رُوِي ذلِك عنْ عُمر، وهُو قوْل آخر للشَّافِعِيّ، وَالْأول أولى، لِأَنَّهُ كَمَا اختصّ بِهِ من بيْن سَائِر الْغَانِمين، كذلِك يختصُّ بِهِ من بيْن أهل الخُمس، وَقَالَ إِسْحاق: السلبُ للْقَاتِل إِلَّا أَن يكُون كثيرا، فَرَأى الإِمام أَن يخرج مِنْهُ الخُمس، كَمَا فعل عُمر بْن الْخطّاب رضِي اللهُ عنْهُ فَلهُ ذلِك. وَذهب قوْمٌ إِلى أنّهُ نَادَى الإِمام أَن من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه، فَيكون لهُ على وَجه التَّنْفِيل، فَأَما إِذا لمْ يكن سبق النداء فَلَا يسْتَحقّهُ، وهُو قوْل مالِك، والثّوْرِي، وأصْحاب الرّأْيِ، وَقَالَ أحْمد: إِنّما يستحقُّ السَّلب من قتل قِرنه فِي المبارزة دُون من لمْ يُبارز. والسلبُ الّذِي يسْتَحقّهُ الْقَاتِل كلُّ مَا يكُون على الْمَقْتُول من ثوب، وسِلاحٍ، ومنطقةٍ، وفرسه الّذِي هُو رَاكِبه، أوْ مُمسِكه، هَذَا قوْل الشّافِعِي رضِي اللهُ عنْهُ. وَقَالَ الأوْزاعِي: لهُ فرسه الّذِي قَاتل عليْهِ، وسلاحه، وتاجه، ومنطقته، وخاتمه، وَمَا كَانَ فِي سَرْجه وسلاحه من حُليه،

وَلَا يكُون لهُ الهِميان، وَلَا الدَّرَاهِم، وَالدَّنَانِير الّتِي لَا يتزين بِها للحرب، بل هِي غنيمَة، وعلق الشّافِعِي القَوْل فِي التَّاج، والسوار، والطوق، وَمَا ليْس من آله الْحَرْب. وَقَالَ أحْمد: المنطقة فِيها الذَّهَب وَالْفِضَّة من السَّلب، وَالْفرس ليْس من السَّلب. وَسُئِلَ عنِ السَّيْف، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وقِيل للأوزاعي: يُسلبون حتّى يُتركوا عُرَاة، فَقَالَ: أبعد الله عورتهم، وَكره الثّوْرِي أَن يُتركوا عُراة. 2725 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذَهَّبٌ، وَسِلاحٌ مُذَهَّبٌ، فَجَعَلَ الرُّومِيُّ يَفْرِي بِالْمُسْلِمِينَ، وَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرةٍ، فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ، فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ، فَخَرَّ، وَعَلاهُ فَقَتَلَهُ، وَحَازَ فَرَسَهُ، وَسِلاحَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، بَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ السَّلَبَ، قَالَ عَوْفٌ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا خَالِدُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ»؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ، قُلْتُ: لَتَرُدَّنَّهُ إِلَيْهِ، أَوْ

لأُعَرِّفَنَّكُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ عَوْفٌ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّةَ الْمَدَدِيِّ، وَمَا فَعَلَ خَالِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ»، قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ: دُونَكَ يَا خَالِدُ، أَلَمْ أَفِ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَلِكَ»؟ قَالَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: «يَا خَالِدُ، لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي، لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ، وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ الْولِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قُلْت: فِيهِ دلِيلٌ على أَن الْقَاتِل يسْتَحق السَّلب وَإِن كَانَ كثيرا وَيسْتَحق الْفرس، وَأَنه لَا يُخَمّس، وَإِنَّمَا كَانَ رده إِلى خالِد بعد الْأَمر الأول بإعطائه الْقَاتِل نوعا من النكير على عوفٍ، وردعًا لهُ، وزجرًا، لِئَلَّا يتجرأ النّاس على الْأَئِمَّة، وَكَانَ خالدٌ مُجْتَهدا فِي صَنِيعَة ذلِك إِذا كَانَ قد استكثره، فَأمْضى النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتِهَاده لما رأى فِيهِ من الْمصلحَة الْعَامَّة بعد أَن خطّأه فِي رَأْيه الأول، وَالْأَمر الْخَاص مغمور بِالْعَام، واليسير من الضَّرَر مُحْتَمل للكثير من النَّفْع وَالصَّلَاح، وَيُشبه أَن يكُون النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ عوّض المددي من الْخمس الّذِي هُو لهُ، وترضّى خَالِدا

باب التنفيل

بالنُّصح لهُ، وَتَسْلِيم الحكم لهُ فِي السَّلب، واللهُ أعْلمُ. هَذَا كُله قوْل الْخطابِيّ وَكَلَامه على هَذَا الْحدِيث. بابُ التّنْفِيلِ 2726 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إِبِلا كَثِيرَةً، فَكَانَتْ سُهْمَانُهُم اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَالنَّفْل: اسْم لزِيَادَة يُعْطِيهَا الإِمام بعْض الْجَيْش على الْقدر الْمُسْتَحق، وَمِنْه سميت النَّافِلَة لما زَاد على الْفَرَائِض من الصَّلَوَات، وَسمي ولد الْوَلَد نَافِلَة لكَونه زَائِدا على الْوَلَد. وفِيهِ دلِيلٌ على أنّهُ يجوز للْإِمَام أَن يُنفِّل بعْض الْجَيْش، لزِيَادَة غناهُ وبلاء مِنْهُم فِي الْحَرْب يحضهم بِهِ من بيْن سَائِر الْجَيْش لما يصيبهم من الْمَشَقَّة، ويجعلهم أُسْوَة الْجَمَاعَة فِي سَهْمَان الْغَنِيمَة. 2727 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قَسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ وقدْ رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوْم بدرٍ: «منْ فعل كَذَا وَكَذَا، فلهُ مِن النّفْلِ كَذَا وَكَذَا».

ورُوِي عنْ حبيب بْن مسلمة الفِهري، قَالَ: شهِدْتُ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نفّل الرّبْع فِي البداءةِ، والثّلُث فِي الرّجْعةِ». قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: البداء إِنّما هِي ابْتِدَاء سفر الْغَزْو، وإِذا نهضت سَرِيَّة من جملَة الْعَسْكَر فأوقعت بطَائفَة من الْعَدو، فَمَا غنموا كلهم لهُمْ مِنْهَا الرّبع، ويشركهم سَائِر الْعَسْكَر فِي ثَلَاثَة أَرْبَاعه، فإِن قَفَلُوا من الْغَزْو، ثُمّ رجعُوا، فأوقعوا بالعدو ثَانِيَة، كَانَ لهُمْ مِمَّا غنموا الثُّلُث، لِأَن نهوضهم بعد القفل أشقُّ، والخطر فِيهِ أعْظم. قَالَ الإِمامُ: أَشَارَ إِلى أَن تَخْصِيص بعْض الْجَيْش بِالثُّلثِ وَالرّبع لنهوضهم إِلى ملاقاة الْعَدو من بيْن سَائِر الْقَوْم جَائِز، ثُمّ تَخْصِيص إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ من الناهضين بِالزِّيَادَةِ، لزِيَادَة خطرهم ومشقتهم. واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي إِعْطَاء النَّفْل، وَأَنه من أَيْن يعْطى، فحُكي عنْ مالِك أنّهُ كَانَ يكره أَن يقُول الإِمام: من قتل فلَانا، أوْ قَاتل فِي مَوضِع كَذَا، فَلهُ كَذَا، أوْ يبْعَث سَرِيَّة من الْعَسْكَر فِي وَجه على أَن مَا غنموا، فَلهم نصفه، وَجوزهُ الْآخرُونَ، وأثبتوا بِهِ النَّفْل، وإِليْهِ ذهب الثّوْرِي، وَالْأَوْزَاعِيّ، والشّافِعِي وأحْمد، وَاخْتلفُوا فِي أَن النَّفْل من أَيْن يعْطى، فَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ من خمس الْخمس سهم النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهُو قوْل سعِيد بْن الْمُسيِّبِ، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي، وَأَبُو عُبيْد، وقالُوا: «كَانَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيِهم مِنْ ذلِك».

وَهَذَا معنى قوْل النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لي مِمّا أَفَاء الله عليْكُمْ إِلّا الخُمُس، والخُمُسُ مرْدُودٌ فِيكُم». قَالَ الإِمامُ: وقوْله يوْم بدر: «منْ فعل كَذَا فلهُ كَذَا»، فهُو أيْضًا من خَاص حَقه، لِأَن الْأَنْفَال يوْمئِذٍ كَانَت لهُ خَاصَّة، كَمَا قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الْأَنْفَال: 1]، وَذهب بعْضُهُمْ إِلى أَن النَّفْل من الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس بعد إِخْرَاج الْخمس، وهُو قوْل أحْمد، وَإِسْحَاق، لما رُوِي عنْ حبيب بْن مسلمة الفِهري، قَالَ: كَانَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ينفل الثُّلُث بعد الْخمس». قَالَ الإِمامُ: وقدْ صَحَّ فِي حَدِيث ابْن شهَاب، عنْ سَالم، عنِ ابْن عُمر، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ كَانَ «يُنفِّلُ بعْض منْ يبْعثُ مِن السّرايا لأنْفُسِهِمْ خاصّةً سِوى قسمِ عامّةِ الجيْشِ» والخُمُسُ فِي ذلِك واجِبٌ كُلُّهُ. وَذهب بعْضُهُمْ إِلى أَن النَّفْل من رَأس الْغَنِيمَة، كَمَا أَن السَّلب يكُون من جملَة الْغَنِيمَة قبل الْخمس، وهُو قوْل أبِي ثَوْر، لما رُوِي عنْ مُحمّد بْن إِسْحاق، عنْ نافِعٍ، عنِ ابْن عُمر، قَالَ: «بعث رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرِيّةً إِلى نجْدٍ»، فخرجْتُ مَعهَا، فأصبْنا نِعمًا كثيرا فنفّلنا أمِيرُنا بعِيرًا لِكُلِّ إِنْسانٍ، ثُمّ قدِمْنا على رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فقسم بيْننا غنِيمتنا»، فَأصَاب كُلُّ رجُلٍ مِنّا اثْنا عشر بَعِيرًا بعْد الخُمُس، «وَمَا حاسبنا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالّذي أعْطانا، وَلَا عَابَ عليْهِ مَا صنع»، فَكَانَ لِكُلِّ رجُلٍ مِنّا ثَلَاثَة عشر بَعِيرًا. قَالَ مالِك: ذلِك على وَجه

باب الغلول

الِاجْتِهَاد من الإِمام فِي أول الْمغنم، أوْ آخِره. قَالَ عُمر رضِي اللهُ عنْهُ: «لَا يُعطى من الْمَغَانِم شيْء حتّى تُقسم إِلَّا لراعٍ أوْ دلِيل». أَرَادَ بالراعي: عين الْقَوْم على الْعَدو. وَاخْتلفُوا فِي قدر النَّفْل، فَقَالَ مَكْحُول، والأوْزاعِي: لَا يُجَاوز بِهِ الثُّلُث، وَقَالَ آخَرُونَ: ليْس لهُ حد لَا يُجَاوِزهُ، وَإِنَّمَا هُو إِلى اجْتِهَاد الإِمام، وهُو قوْل الشّافِعِي رضِي اللهُ عنْهُ. بابُ الغُلُولِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمرَان: 161]، قوْله: {يَغُلَّ} [آل عمرَان: 161]، أيْ: يخُونُ، يُقالُ: غلّ فِي المغْنمِ، يغُلُّ غُلُولا، إِذا سرق مِن الغنِيمةِ ومنْ قَرَأَ: «يُغلُّ» بِضمِّ الْيَاء وفتْحِ الغيْنِ، أيْ: يُخان وَنهى أصْحابهُ أنْ يخُونُوهُ. وَقيل: معْناهُ أنْ يخُوّن، أيْ: يُنْسب إِلى الخِيانةِ، وسُمِّيتِ الخِيانةُ غُلُولا، لأنّ الأيْدِي مغْلُولةٌ مِنْها، أيْ: ممْنُوعةٌ مِنْها.

2728 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا، وَلَا فِضَّةً إِلا الأَمْوَالَ، وَالثِّيَابَ، وَالْمَتَاعَ، قَالَ: فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ وَادِي الْقُرَى، وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ وَهَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى، فَبَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ، فَأَصَابَهُ، فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا». فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ، جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ، أَوْ بِشِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ

مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قوْله: سهْمٌ عائِرٌ، يعْنِي: لَا يُدرى من رَمَاه، وهُو الجائر عنْ قَصده، وَمِنْه: عَار الْفرس: إِذا ذهب على وَجهه كأنّهُ منفلتٌ. وفِي الْحدِيث عنِ ابْن عُمر، عنِ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مثلُ المُنافِقُ كمثلِ الشّاةِ العائِرةِ بِين الغنميْنِ، تعِيرُ إِلى هذِهِ مرّةً وإِلى هذِهِ مرّة»، يُريد بالعائرة: المترددة لَا تَدْرِي أَيهَا تتّبعُ. والشملةُ: كِساءٌ يشتملُ بِهِ الرجل، ويُجمع على الشمَال. 2729 - أَخْبَرَنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»، فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ، فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، قَالَ: فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ، فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ الْيَهُودِ مَا تُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ.

وَرُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْكِبْرِ، وَالْغُلُولِ، وَالدَّيْنِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ»، وَيَرْوِي بَعْضُهُمْ: «مِنَ الْكَنْزِ»، بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ، وَالنُّونِ وقدْ رُوِي فِي عُقُوبَة الغال، عنْ عُمر بْن الْخطّاب رضِي اللهُ عنْهُ، عنِ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذا وجدْتُمُ الرّجُل قدْ غلّ فأحْرِقُوا متاعهُ، واضْرِبُوهُ»، وَهَذَا حدِيثٌ غرِيبٌ.

وَذهب بعْض أهْلِ الْعِلْمِ إِلى ظَاهر هَذَا الْحدِيث، مِنْهُم الْحسن الْبَصْرِيّ، قَالَ: يُحرق مَاله إِلَّا أَن يكُون حَيَوَانا، أوْ مُصحفا، وكذلِك قَالَ أحْمد، وَإِسْحَاق، قالُوا: وَلَا يُحرق مَا غلّ، لِأَنَّهُ حقُّ الْغَانِمين يُردُّ عَلَيْهِم، فإِن اسْتَهْلكهُ، غُرِم قِيمَته، وَقَالَ الأوْزاعِي: يحرق مَتَاعه الّذِي غزا بِهِ، وسرجه وإكافه، وَلَا تحرق دَابَّته، وَلَا نَفَقَته، وَلَا سلاحه، وَلَا ثِيَابه الّتِي عليْهِ. وَذهب آخَرُونَ إِلى أنّهُ لَا يُحرق رحلُه، لكنه يُعزّرُ على سوء صَنِيعه، وإِليْهِ ذهب مالِك، والشّافِعِي، وأصْحاب الرّأي، وحملوا الْحدِيث على الزّجر، والوعيد دُون الْإِيجَاب، قَالَ مُحمّد بْن إِسْماعِيل: قدْ رُوِي فِي غيْر حَدِيث، عنِ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغالِّ، و «لمْ يَأْمر بحرق مَتَاعه». 2730 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ بَامَوَيْهِ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَامِرٍ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرةٌ، وَإِنَّ رِجَالا يَخُوضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَهُمُ النَّارُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ

باب إباحة ما يصاب من الطعام بقدر الحاجة

بابُ إِباحةِ مَا يُصابُ مِن الطعامِ بِقدْرِ الْحاجةِ 2731 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: «كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ، وَلا نَرْفَعُهُ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2732 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، نَا سُليْمَانُ يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ، نَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: " أَصَبْتُ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ

يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: فَالْتَزَمْتُهُ، فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا، قَالَ: فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَبَسِّمًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ 2733 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ حَجَّاجٍ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ، فَوَقَعْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ الثُّومِ، وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلا شَدِيدًا، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّيحَ، فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرةِ الْخَبِيثَةِ، فَلا يَقْرَبَنَا فِي الْمَسْجِدِ»، فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَيْسَ بِي مِنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمامُ: اتّفق أهْل الْعِلْمِ أنّهُ إِذا كَانَ فِي الْغَنِيمَة طعامٌ يجوز للغزاة أكلهُ قبل الْقِسْمَة على قدر الْحَاجة مَا داموا فِي دَار الْحَرْب، وَأَنه لَا يُخمّسُ فِي جملَة من يُخمّسُ من الْغَنِيمَة، وهُو مَخْصُوص بِالسنةِ كالسلب للمقاتل، وَرخّص أكْثر أهْل الْعِلْمِ فِي علف الدَّوَابّ، ورأوه فِي معنى الطَّعَام للْحَاجة إليْهِ. وَقَالَ مالِك: أرى الإِبِل، وَالْبَقر، وَالْغنم، بِمَنْزِلَة الطَّعَام يَأْكُل مِنْهَا النّاس إِذا دخلُوا أَرض الْعَدو، وَقَالَ الشّافِعِيُّ: فإِن أكل فَوق الْحَاجة، أدّى ثمنه فِي الْمغنم، وكذلِك إِن شرب شيْئًا من الْأَدْوِيَة والأشربة الّتِي لَا تجرى مجْرى الأقوات، أوْ أطْعم صقوره، وبُزاته لَحْمًا مِنْهُ، أدّى قِيمَته فِي الْمغنم، وَلَيْسَت يَده على طَعَام الْغَنِيمَة فِي دَار الْحَرْب يَد مِلكٍ حَقِيقَة، إِنّما لهُ يَد الارتفاق، وَالِانْتِفَاع بِهِ قدر الْحَاجة، وَلَا يجوز بيع شيْء مِنْهُ، كالضيف يَأْكُل الطَّعَام وَلَا يبيعهُ، رُوِي عنْ أبِي سعِيد الخدريِّ، قَالَ: «نهى رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ شِراءِ الغنائِمِ حتّى تُقْسم». وَاخْتلفُوا فِيمَا يُخرج بِهِ من دَار الْحَرْب من طَعَام الْغَنِيمَة، فَذهب أَكْثَرهم إِلى أنّهُ يردهُ إِلى الإِمام، وهُو قوْل الثّوْرِي، وَأبي حنِيفة، وأصحُّ قولي الشّافِعِي، وَقَالَ فِي مَوضِع: مَا كَانَ لهُ حمله لَا يجب رده،

وهُو قوْل الأوْزاعِي، إِلَّا أنّهُ قَالَ: لَا يجوز لهُ بَيْعه، إِنّما لهُ الْأكل، وَكَانَ مالِك يُرخِّص فِي الْقَلِيل من الْخبز، وَاللَّحم وَنَحْوهمَا، قَالَ: لَا بَأْس أَن يَأْكُلهُ فِي أَهله، وكذلِك قَالَ أحْمد بْن حَنْبَل. وَلَا يجوز اسْتِعْمَال مَتَاع الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة، وَلَا ركُوب دوابها، وَلَا لبسُ ثِيَابهَا إِلَّا لضَرُورَة من برد يشْتَد عليْهِ فيستدفئ بِالثَّوْبِ. رُوِي عنْ حَنش الصَّنْعَانِيّ، عنْ رويفع بْن ثَابت، عنْ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّهُ قَالَ يوْم حُنين: «منْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليّومِ الآخِرِ، فَلَا يرْكبْ دابّةً مِنْ فَيْء المُسْلِمِين حتّى إِذا أعْجفها ردّها فِيهِ، ومنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ واليوْم الآخِرِ، فَلَا يلْبسْ ثوْبًا مِنْ فَيْء المُسْلِمِين حتّى إِذا أخْلقهُ، ردّهُ فِيهِ». فَأَما فِي حَال قيام الْحَرْب، يجوز اسْتِعْمَال سِلَاحهمْ ودوابهم، حزّ عبْد اللهِ بْنُ مسْعُود رأْس أبِي جهْلٍ بِسيْفِهِ. وَقَالَ مالِك: إِذا كَانَ شيْئًا خَفِيفا فَلَا بَأْس أَن يرتفق بِهِ آخذُه دُون أصْحابه.

باب ما يصيب الكفار من مال المسلمين

بابُ مَا يُصيبُ الكُفارُ مِنْ مِالِ المُسْلِمين 2734 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «ذَهَبَتْ فَرَسٌ لَهُ، فَأَخَذَهَا الْعَدُوُّ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ، رُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِقَ عَبْدٌ لَهُ، فَلَحِق بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حدِيثٌ صحِيحٌ فِيهِ دلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا أَحْرَزُوا أَمْوالَ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتَوْلُوا عَلَيْهَا، لَا يَمْلِكُونَهَا، وَإِذَا اسْتَنْقَذَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَيْدِيهِمْ تُرَدُّ إِلَى مُلاكِهَا، وَهُو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، سَوَاءَ كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَهَا، وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ: إِنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، أَخَذَهُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، كَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالْقِيمَةِ، وَكَذَلِك قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ بِالْغَلَبَةِ. أَمَّا الْعَبْدُ، أَوِ الْفَرَسُ إِذَا أَبِقَ، أَوْ عَار إِلَيْهِمْ، كَانَ صَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَهَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِالاسْتِيلاءِ رِقَابَ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَأُمَّهَاتِ أَوْلادِهِمْ، وَيَمْلِكُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ جَمِيعَ ذَلِكَ

باب إخراج الخمس من الغنيمة وبيان سهم ذوي القربى

بابُ إِخْراجِ الخُمسِ مِن الغنِيمةِ وبيانِ سهْمِ ذوِي القُرْبى قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الْأَنْفَال: 41]، الْآيَة. وَقَالَ النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوفْدِ عبْدِ القيْسِ: «وأنْ تُؤدُّوا خُمُس مَا غنِمْتُم». 2735 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، أَتَيْتُهُ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقُلْنَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَؤُلاءِ إِخْوَانُنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِكَ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ مِنْهُمْ، أَرَأَيْتَ إِخْوَانَنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمُ، وَتَرَكْتَنَا، أَوْ مَنَعْتَنَا،

وَإِنَّمَا قَرَابَتُنَا، وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ»، هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَذَكَرْتُ لِمُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ، أَنَّ يُونُسَ، وَابْنَ إِسْحَاقَ، رَوِيَا حَدِيثَ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسيِّبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ كَمَا وَصَفْتُ، فَلَعَلَّ ابْنَ شِهَابٍ رَوَاهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا 2736 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا الثِّقَةُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَلَمْ يُعْطِ مِنْهُ أَحَدًا مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَلا بَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسيِّبِ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعَمٍ أَخْبَرَهُ قوْله: «أمّا بنُّو هاشِمٍ وبنُّو المُطّلِبِ شيْءٌ واحِدٌ»، أَرَادَ الْحلف الّذِي كَانَ بيْن بني هَاشم، وَبني الْمطلب فِي الْجاهِلِيّة، وذلِك أَن قُريْشًا، وَبني كِنانة حالفت على بني هَاشم، وَبني الْمطلب، أَن لَا يُناكحوهم، وَلَا يُبايعوهم حتّى يُسلموا إِلَيْهِم النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفِي غيْر هَذِه الرِّوَايَة: «إِنّا لمْ نفْترِق فِي جاهِليّة، وَلَا فِي إِسْلامٍ»، وَكَانَ يحْيى بْن معِين يرويهِ: إِنّما بنُو هاشِمٍ، وبنُو المُطّلِبِ سِيٌّ واحِدٌ "، بِالسِّين غيْر الْمُعْجَمَة. أيْ: مثل سواءٌ، يُقال: هَذَا سِيءُّ هَذَا، أيْ: مثله وَنَظِيره. قَالَ الإِمامُ: اتّفق أهْل الْعِلْمِ على أَن الْغَنِيمَة تُخمّس، فالخُمسُ لأَهْلهَا، كَمَا نطق بِهِ الْقُرْآن وأربعةُ أخماسها للغانمين، وقوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الْأَنْفَال: 41]، ذهب عَامَّة أهْل الْعِلْمِ إِلى أَن ذكر الله فِيهِ للتبرك بِهِ، وَإِضَافَة هَذَا المَال إِليْهِ لشرفه، ثُمّ بعد مَا أضَاف جمِيع الْخمس إِلى نَفسه، بيّن مصارفها، وهِي الْأَصْنَاف الْخَمْسَة الّتِي ذكر الله عزّ وجلّ، حُكي عنْ أبِي الْعَالِيَة الريَاحي، أنّهُ قَالَ: السهْم الْمُضَاف إِلى اللهِ تَعَالَى إِنّما هُو للكعبة، والعامة على أَن سهم الله وَسَهْم رَسُوله وَاحِد. وفِي الْحدِيثِ دلِيلٌ على ثُبُوت سهم ذِي الْقُرْبَى من خُمس الْغَنِيمَة، كَمَا قَالَ الله عزّ وجلّ: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الْأَنْفَال: 41]، واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فقدْ رُوِي فِي حَدِيث الزُّهْرِي، عنْ سعِيد بْن الْمُسيِّبِ، عنْ جُبيْر بْن مطعم، أنّ أَبَا بكْر لمْ يكن يُعطي، وَكَانَ عُمر وَعُثْمَان يعطيانِهم. وقدْ رُوِي عنْ علِي أَن أَبَا بكْر قسم لهُمْ. فَذهب

جمَاعَة إِلى أنّهُ ثابتٌ، وإِليْهِ ذهب مالِك، والشّافِعِي، وَذهب أصْحابُ الرّأْيِ إِلى أنّهُ غيْر ثَابت، وقسموا الخُمس على ثَلَاثَة أصنافٍ: على الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين، وَابْن السَّبِيل، وَقَالَ بعْضهم: يُعطى الْفُقَرَاء مِنْهُم دُون من لَا حاجه لهُ. 2737 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، وَرَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، كِلاهُمَا عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيتُ عَلِيًّا عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، فَقُلْتُ لَهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فِي حَقِّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنَ الْخُمْسِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: " أَمَّا أَبُو بَكْرٍ: فَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَخْمَاسٌ، وَمَا كَانَ، فَقَدْ أَوْفَانَاهُ؛ وَأَمَّا عُمَرُ، فَلَمْ يَزَلْ يُعْطِينَا حَتَّى جَاءَهُ مَالُ السُّوسِ، وَالأَهْوَازِ، أَوْ قَالَ: الأَهْوَازِ، أَوْ قَالَ: فَارِسَ، شَكَّ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ فِي حَدِيثِ مَطَرٍ، أَوْ فِي حَدِيثِ الآخَرِ، فَقَالَ: فِي الْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ، فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ، فَجَعَلْنَاهُ فِي خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَأْتِيَنَا مَالٌ، فَأُوَفِّيكُمْ حَقَّكُمْ مِنْهُ،

فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ: لَا تُطْمِعْهُ فِي حَقِّنَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، أَلَسْنَا أَحَقَّ مَنْ أَجَابَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَرَفَعَ خَلَّةَ الْمُسْلِمِينَ، فَتُوُفِّيَ عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَالٌ، فَيَقْضِينَاهُ. وَقَالَ الْحَكَمُ فِي حَدِيثِ مَطَرٍ، وَالآخَرِ. إِنَّ عُمَرَ قَالَ: لَكُمْ حَقُّ، وَلا يَبْلُغُ عِلْمِي إِذَا كَثُرَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ كُلُّهُ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَعْطَيْتُكُمْ بِقَدْرِ مَا أَرَى لَكُمْ، فَأَبَيْنَا عَلَيْهِ إِلَّا كُلَّهُ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَنَا كُلَّهُ " قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على أَن سهم ذَوي الْقُرْبَى ثَابت بعد رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلافًا لما ذهب إليْهِ قومٌ أَن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعطيهم لنصرته، وَقد انْقَطَعت تِلْك النُّصْرَة، فَانْقَطَعت الْعَطِيَّة، لِأَن الْخُلَفَاء أَعْطوهُ بعد النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّهُم أَعْطوهُ عوضا عنِ الصَّدَقَة عَلَيْهِم باقٍ، فَلْيَكُن سهمهم بَاقِيا، وَلِأَنَّهُ عَطاء باسم الْقَرَابَة، والقرابة بَاقِيَة كالميراث، وألحقه الشّافِعِي بِالْمِيرَاثِ، غيْر أنّهُ أعْطى والبعيد مَعًا، فَقَالَ: لَا يُفضّل فقيرٌ على غَنِي، ويُعطى الرجل سَهْمَيْنِ، وَالْمَرْأَة سَهْما، وَقَالَ: فِي إِعْطَائِهِ الْعبّاس بْن عبْد الْمطلب، وهُو فِي كَثْرَة مَاله يعولُ عَامَّة بني الْمطلب، دليلٌ على أَنهم استحقوا بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْحَاجةِ، كَمَا أعْطى الْغَنِيمَة من حضرها لَا بِالْحَاجةِ، وكذلِك من اسْتحق الْمِيرَاث، اسْتَحَقَّه بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْحَاجةِ.

باب حكم الفيء

بابُ حُكْمُ الفيْءِ قَالَ اللهُ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الْحَشْر: 6]، يُقالُ: وجِيفُها: سُرْعتُها فِي سيْرِها، وقدْ أوْجفها راكِبُها إِيجافًا، وقوْلُهُ تَعَالَى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [النازعات: 8]، أيْ: شدِيدةُ الاضْطِرابِ. وَقَالَ اللهُ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الْحَشْر: 7]، الْآيَة، وقوْلُهُ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الْحَشْر: 7]، الدُّولةُ: اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُتداولُ مِن المالِ، والدُّولةُ: الانْتِقالُ مِنْ حالِ البُؤْسِ والضُّرُّ إِلَى حالِ الغِبْطةِ والسُّرُورِ. وقوْلُهُ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمرَان: 140]، يُقالُ: أدال اللهُ فُلانًا مِنْ فُلِانٍ، أيْ: جعل لهُ الدّولة عليْهِ، والمُدالُ، الظّافِرُ، وجمْعُ الدّوْلةِ: دُولٌ ودُولاتٌ. 2738 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَوِيُّ، نَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ، إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَانْطَلقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا مَالِ، إِنَّهُ قَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَأَقْبِضْهُ، فَأَقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ. قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي؟ قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ. فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ، أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَأُ يسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَدَخَلا، فَسَلَّمَا، فَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي، وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ،

فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ، وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمَا، وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَيْدَكُمْ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ، وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»؟ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ. قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِ أَحَدًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ، إِلَى قَوْلِهِ: قَدِيرٌ} [الْحَشْر: 6]، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهُ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ، فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ

لِعَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تُوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ فِيهَا، بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي، وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ، وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصيِبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا، يُرِيدُ عَلِيًّا، يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»، فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا، قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا، دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ، وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، فَأَنُشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالا: نَعَمْ، قَالَ: فَتَلْمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ

ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا، فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيِّ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ أبُو داوُد السجسْتانِي حِين روى هَذَا الْحدِيث فِي سنَنه: إِنّما سألاه أَن يُصيِّرها بيْنهُما نِصْفَيْنِ، فَقَالَ عُمر: لَا أوقعُ عليْها اسْم القسْمِ. قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: مَا أحْسن مَا قَالَ أبُو داوُد، والّذِي يدلُّ من نفس الْحدِيث على مَا قَالَ أبُو داوُد قوْل عُمر رضِي اللهُ عنْهُ: إِنّما جِئْتُمانِي وكلِيمتُكُما واحِدةٌ، وأمْرُكُما واحِدٌ، فَهَذَا يُبيِّن أَنَّهُمَا إِنّما اخْتَصمَا إليْهِ فِي رَأْي حدث لَهما فِي أَسبَاب الْولَايَة وَالْحِفْظ، فَرَأى كُل وَاحِد مِنْهُمَا التفرد، وَلَا يجوز عَلَيْهِمَا أَن يَكُونَا طالباه بِأَن يَجعله مِيرَاثا بيْنهُما، ويردّه ملكا بعد أَن كَانَا سلمّاهُ فِي أيّام أبِي بكْر، وَكَيف

يجوز ذلِك وَعمر يُناشِدهما الله هَل تعلمان أَن رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا نُورثُ مَا تركْنا صدقةٌ»، فيعترفان بِهِ، وَالْقَوْم حُضُور يشْهدُونَ على رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذلِك، وكل هَذِه الْأُمُور تؤكد مَا قَالَه أبُو داوُد رَحمَه الله. قَالَ الإِمامُ: وَيدل عليْهِ عمْرو بْن دِينار، عنِ الزُّهْرِي، عنْ مالِك بْن أَوْس، فِي هَذَا الْحدِيث أَن عُمر قَالَ: أتريدان أَن أدفَع إِلى كُل واحدٍ مِنْكُمَا نصفا؟ قَالَ الإِمامُ: وَإِنَّمَا منعهُما عُمر الْقِسْمَة احْتِيَاطًا لأمر الصَّدَقَة، لِأَن الْقِسْمَة من سَبِيل الأمْوال الْمَمْلُوكَة، الْقَابِلَة لأنواع التَّصَرُّف، فَلَو قسمهَا بَينهم، لمْ يَأْمَن إِذا اخْتلفت الْأَيْدِي فِيها أَن يتملّكها بعد علِي، وَالْعَبَّاس من ليْس لهُ بصيرتُهما فِي الْعلم، وَلَا تقيّتُهما فِي الدَّين، فَكَانَ الأولى تَركهَا جملَة على حالتها. وقدْ رُوِي أَن عليًّا رضِي اللهُ عنْهُ غلب عليْها الْعبّاس، فَكَانَ يَليهَا أيّام حَيَاته، ثُمّ كَانَت بعده فِي يدِ الْحسن بْن علِي، ثُمّ فِي يَد الْحُسيْن بْن علِي، ثُمّ فِي يَد علِي بْن الْحُسيْن، وَالْحسن بْن الْحسن، كِلَاهُمَا كَانَا يتداولانها، ثُمّ بيد زيْد بْن الْحسن. قوْله فِي الْحدِيث: حِين متع النّهارُ، أيْ: ارْتَفع، والماتع:

الطَّوِيل، يُقال: أمتع الله بك، أيْ: أَطَالَ مُدَّة الِانْتِفَاع بك، وقوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} [الشُّعَرَاء: 205]، أيْ: عمّرناهم سِنِين. وقوْله: هُو جَالس على رمال سَرِير، أيْ: مَا يُرمل وينسج بِهِ من شريطٍ وَنَحْوه. وقوْله: يَا مَال، يُريد يَا مالِك، فرخّم، كَقَوْلِهِم لحارث: يَا حارِ، وَقُرِئَ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77]. وقوْله: تيدكم، يُرِيد: على رِسْلكُم، وَأَصله من التؤدة، يقُول: الزموا تؤدتكم، وَكَانَ أَصْلهَا: تأد، تأدًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: تأدكُم فأبدل الْيَاء من الْهمزَة. وفِي قوْل عُمر: إِنّ الله قدْ خصّ رسُولهُ فِي هَذَا الفيءِ بِشيْءٍ لمْ يُعْطِ أحدا، دلِيل على أَن أَرْبَعَة أَخْمَاس الْفَيْء كَانَت لرسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة فِي حَيَاته، وَاخْتلفُوا فِي مصرفها من بعده، فَذهب بعضُ أهْل الْعِلْمِ إِلى انها للأئمة بعده، وكذلِك سهمُه من الخُمس، لما رُوِي عنْ أبِي الطُّفيل، قَالَ أبُو بكْر: سمعتُ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقُول: «إِنّ الله إِذا أطْعم نبِيًّا طُعْمةً، فهِي للّذِي يقُومُ مِنْ بعْدِهِ». وَللشَّافِعِيّ فِيها قَولَانِ، أَحدهمَا: أنّهُ للمقاتِله يُقسمُ كلهَا فيهم، لِأَن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنّما كَانَ يَأْخُذهَا لما لهُ من الرُّعب، والهيبة فِي قلب الْعَدو، والمقاتِلة

هُم القائمون مقَامه فِي إرهاب الْعَدو وإخافتهم. وَالْقَوْل الثَّانِي: أنّها لمصَالح المُسْلِمين، وَيبدأ بالمقاتلة أَولا يُعطون مِنْهَا كفايتهم، ثُمّ بالأهم فالأهم من الْمصَالح، لِأَن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذهَا لفضيلته الّتِي خصّهُ الله تَعَالَى بِها، وَلَيْسَ لأحد من الْأَئِمَّة تِلْك الفضيلةُ، كَمَا كَانَ لهُ الصفيُّ من الْغَنِيمَة وهُو أَن يصطفي من رَأسه الْغَنِيمَة قبل أَن تخمّس شيْئًا: عبدا أوْ جَارِيَة، أوْ فرسا، أوْ سَيْفا، أوْ غَيرهَا، وَلَيْسَ ذلِك لأحد من الْأَئِمَّة. قَالَت عَائِشَة: كانتْ صفِيّةُ مِن الصّفِيِّ. وَمن خصائصة أنّهُ كَانَ يُسهم لهُ من الْغَنِيمَة كسهم رجُل مِمَّن شهد الْوَقْعَة، سواءٌ حضرها أوْ غَابَ عنْها، وَقَالَ مالِك: أَرْبَعَة أَخْمَاس الْفَيْء للْمصَالح، وكذلِك كَانَ فِي زمَان النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولمْ يكن للنّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلكٌ. 2739 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: «مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُسْلِمٌ إِلَّا لَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»

2740 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مَالِكِ بِنْ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التَّوْبَة: 60 حَتَّى بَلَغَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ سُورَة النِّسَاء آيَة 26]، فَقَالَ: «هَذِهِ لِهَؤُلاءِ»، ثُمَّ قَرَأَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ، حَتَّى بَلَغَ: وَابْنِ السَّبِيلِ} [الْأَنْفَال: 41]، ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ لِهَؤُلاءِ»، ثُمَّ قَرَأَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الْحَشْر: 7]، حَتَّى بَلَغَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الْحَشْر: 10]، ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ اسْتَوْعَبَتِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، فَلَئِنْ عِشْتُ، فَلَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِيَ وَهُوَ بِسَرْوِ حِمْيَرَ نَصِيبُهُ مِنْهَا لَمْ يَعْرَقْ فِيهَا جَبِينُهُ».

وَعَنْ مَالِكِ ابْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا الْفَيْءَ، فَقَالَ: مَا أَنَا أَحَقُّ بِهَذَا الْفَيْءِ مِنْكُمْ، وَمَا أَحَدٌ مِنَّا أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا أَنّا عَلَى مَنَازِلِنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزّ وَجَلّ، «وَقَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالرَّجُلُ وَقَدَمُهُ، وَالرَّجُلُ وَبَلاؤُهُ، وَالرَّجُلُ وَعِيَالُهُ، وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ» قَالَ رحِمهُ اللهُ: اخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي تخميس الْفَيْء، والفيء: مَا صَار إِلى المُسْلِمين، من أمْوال الْكفَّار من غيْر إيجَاف خيلٍ وَلَا ركاب، فَذهب الشّافِعِي إِلى أنّهُ يُخمّسُ، ويخمس خُمسُهُ على خَمْسَة أَقسَام، كخمس الْغَنِيمَة، ويُصرفُ أَرْبَعَة أخماسه، إِلى الْمُقَاتلَة، أوْ إِلى الْمصَالح، وَاحْتج بقول الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الْحَشْر: 7]، وَكَانَ يذهب إِلَى أَن ذكر الله فِي أول الْآيَة على سَبِيل التَّبَرُّك بالافتتاح باسمه، كَمَا قَالَ فِي آيَة الْغَنِيمَة (فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ) [الْأَنْفَال: 41] وهُو قوْل جمَاعَة من أهل التَّفْسِير، قَالَ عَطاء بْن أبِي رَبَاح والشّعْبِي: سهم الله وَسَهْم رَسُوله وَاحِد، وَقَالَ قَتَادَة: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الْأَنْفَال: 41]، هُو لله، ثُمّ بيّن مصارفها. وَذهب أكْثر أهْل الْعِلْمِ إِلى أَن الْفَيْء لَا يخّمس، بل مصرِفُ جَمِيعهَا وَاحِد، إليْهِ كَانَ يذهب عُمر رضِي اللهُ عنْهُ. قَالَ الزُّهْرِي: قَالَ عُمر: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الْحَشْر: 6]، هَذِه لرسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة قرى عَرَبِيَّة فدكُ وَكَذَا وَكَذَا: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الْحَشْر: 7] {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الْحَشْر: 8] و {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الْحَشْر: 9] و {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الْحَشْر: 10] فاستوعبت هَذِه الْآيَة النّاس، فَلم يبْق أحد من المُسْلِمين إِلَّا لهُ فِيها حقٌ، إِلَّا بعْض مَا تمِلكون من أرقّائِكُمْ. فَذهب عُمر إِلى أَن هَذِه الْآيَة مسوقةٌ بعْضها على بعْض، وَأَن جملَة الْفَيْء لجَمِيع المُسْلِمين يصرفهَا الإِمام إِلى مصالحهم على مَا يرَاهُ من التَّرْتِيب وهُو قوْل أكْثر أهل الْفَتْوَى. أما العبيد فقدْ رُوِي عنْ أبِي بكْر أنّهُ كَانَ يُعطى الْأَحْرَار وَالْعَبِيد. وروينا عنْ عُمر قوْله: إِلّا مَا ملكتْ أيْمانِكُمْ، فهُو يُتأول على وَجْهَيْن، أَحدهمَا: مَا ذهب إليْهِ أبُو عُبيد أَن الِاسْتِثْنَاء يرجعُ إِلى مماليك بِأَعْيَانِهَا كانُوا شهدُوا بَدْرًا، ورُوِي بِإِسْنَادِهِ عنْ مخلدٍ الغِفاريِّ، أَن مملوكين أوْ ثَلَاثَة لبني غِفارٍ شهدُوا بَدْرًا، فَكَانَ عُمر يُعطي كلِّ رجُل مِنْهُم فِي كلِّ سنة ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. قَالَ: فأحسِبُ أنّهُ أَرَادَ هؤُلاءِ المماليك. وَقَالَ غَيره: بل أَرَادَ جمِيع المماليك، وَقَالَ أحْمد وَإِسْحَاق: الْفَيْء للْفَقِير والغني، إِلَّا العبيد، لِأَن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعْطى الْعبّاس من مَال الْبَحْرين وَهُوَ غَنِي، وَذكر الشّافِعِي فِي قسمه الْفَيْء، قَالَ: يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يُحصي جمِيع من فِي الْبلدَانِ من الْمُقَاتلَة، وهُمْ من قد احْتَلَمَ، أوِ اسْتكْمل خمس عشرَة سنة من الرِّجَال، ويحصى الذُّرِّيَّة، وهُمْ من دُون

المحتلم وَدون خمس عشرَة سنة، وَالنِّسَاء صغيرهن وكبيرهن، وَيعرف قدر نفقاتهم وَمَا يَحْتَاجُونَ إليْهِ من مئوناتهم بِقدر معاش مثلهم فِي بلدانهم، ثُمّ يُعطي الْمُقَاتلَة فِي كُل عَام عطاءهم، والذرية وَالنِّسَاء مَا يكفيهم لسنتهم من كسوتهم ونفقتهم. وَالعطَاء الْوَاجِب فِي الْفَيْء لَا يكُون إِلَّا لبالغ يُطيق مثله الْقِتَال. قَالَ: ولمْ يخْتَلف أحد لقيتهُ فِي أَن ليْس للمماليك فِي الْعَطاء حق، وَلَا للأعراب الّذِين هُمْ أهل الصَّدَقَة. قَالَ: وَإِن فضل من الْفَيْء شي بعد مَا وصفتُ من إِعْطَاء الْعَطاء، وَضعه الإِمام فِي إصْلَاح الْحُصُون والازدياد فِي السِّلَاح والكُراع، وكل مَا قوِّي بِهِ المُسْلِمين، فإِن استغنوا عَنهُ وكمُلت كلُّ مصلحَة لهُمْ، فرّق مَا يبْقى مِنْهُ بَينهم على قدر مَا يسْتَحقُّونَ فِي ذلِك المَال. قَالَ: وَيُعْطِي من الْفَيْء رزق الْحُكَّام، وولاة الْأَحْدَاث، وَالصَّلَاة بِأَهْل الْفَيْء، وكل من قَامَ بِأَمْر الْفَيْء من والٍ، وَكَاتب، وجندي مِمَّن لَا غنى لهُ لأهل الْفَيْء عَنهُ رزق مثله. وَاخْتلفُوا فِي التَّفْضِيل على السَّابِقَة وَالنّسب، فَذهب أبُو بكْر إِلى التَّسْوِيَة بيْن النّاس، ولمْ يفضِّل بالسابقة حتّى قَالَ لهُ عُمر: أَتجْعَلُ الّذِين جاهدوا فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم، وَهَاجرُوا من دِيَارهمْ كمن دخل فِي الإسْلام كرها؟!، فَقَالَ أبُو بكْر: إِنّما عمِلُوا لله، وَإِنَّمَا أُجُورهم على الله، وَإِنَّمَا الدِّينَا بَلَاغ. وَكَانَ عُمر يُفضِّل السَّابِقَة، وَالنّسب، فَكَانَ يُفضِّل أَقْرَان ابْنه على ابْنه، ويقُول: هَاجر بك أَبوك، وَكَانَ يُفضِّل عَائِشَة على حَفْصه، ويقُول: إِنَّهَا كَانَت أحبّ إِلى رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منكِ، وأبوها كَانَ أحبّ إِلى رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبيكِ، ورُوِي نَافِع، عنِ ابْن عُمر، قَالَ: فرض

عُمر لأسامة بْن زيدٍ أكْثر مِمَّا فرض لي، فقُلْتُ: إِنّما هجرتي وهجرة أُسامة وَاحِدَة؟ قَالَ: إِن أَبَاهُ كَانَ أحبّ إِلى رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَبِيك، وإِنّهُ كَانَ أحبّ إِلى رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْك، وَإِنَّمَا هَاجر بك أَبوك، ثُمّ رد عليٌّ الْأَمر إِلى التَّسْوِيَة. وَمَال الشّافِعِي إِلى التَّسْوِيَة، وشبهة بِالْمِيرَاثِ يُسوّى فِيهِ بيْن الْوَلَد الْبَار والعاق، وبسهم الْغَنِيمَة يُسوى فِيهِ بيْن الشجاع الّذِي حصل الْفَتْح على يَدَيْهِ، وَبَين الجبان إِذا شَهدا جَمِيعًا الْوَقْعَة. 2741 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ حُجَيْنٍ، عَنْ لَيْثٍ وَقَالَ صالِح عنِ ابْنِ شِهابٍ: فَأبى أبُو بكْر عليْها ذلِك، وَقَالَ: لستُ تَارِكًا شيْئًا كَانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعْمل بِهِ إِلَّا عملتُ بِهِ، إِنِّي

أخْشَى إِن تركتُ شيْئًا من أمره أَن أزيغ. فَأَما صدقته بِالْمَدِينَةِ، فَدَفعهَا عُمر إِلى علِي وعباس، فغلبه عليْهِ علِي، وأمّا خيبرُ وفدك، فَأَمْسكهَا عُمر، وَقَالَ: هما صَدَقَة رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتَا لحقوقه الّتِي تعروه ونوائِبِه، وأمرُهما إِلى من ولي الْأَمر. قَالَ: فهما على ذلِك الْيَوْم. ورُوِي عنْ سهل بْن أبِي حثْمَة، قَالَ: «قسم رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَر نِصْفَيْنِ، نصفا لنوائبه وحاجاته، وَنصفا بيْن المُسْلِمين، قسمهَا بَينهم على ثَمَانِيَة عشر سَهْما». قَالَ الإِمامُ: رُوِي أَن الْجَيْش كانُوا ألفا وَخمْس مائةٍ، فيهم ثَلَاث مائَة فَارس، فَأعْطى الْفَارِس سَهْمَيْنِ، والراجل سَهْما، وقِيل: هُو وهمٌ إِنّما كانُوا مِائَتي فَارس، فَكَانَ للفارس ثَلَاثَة أسْهم، وللراجل سهم، وَإِنَّمَا صَارَت خَيْبَر نِصْفَيْنِ بيْن الرسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَين الْجَيْش، لِأَنَّهَا قرى كَثِيرَة، فُتح بعْضها عنْوَة، فَكَانَ للنّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا خُمس الخُمس، وفُتح بعْضها صلحا، فَكَانَ فَيْئا خَالِصا لرسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعهُ حَيْثُ أرَاهُ اللهُ من حَاجته ونوائبه، ومصالح المُسْلِمين، فاستوتِ الْقِسْمَة فِيها على المناصفة. ورُوِي عنْ بُشير بْن يسَار، عنْ رجال من أصْحاب النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ظهر على خَيْبَر، قسمهَا إِلى سِتَّة وَثَلَاثِينَ سَهْما، جمع كلُّ سهم مائَة سهمٍ، فعزل للْمُسلمين الشّطْر ثَمَانِيَة عشر سَهْما، النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب الديوان

مَعَهم لهُ سهمٌ كسهم أحدهم، وعزل ثَمَانِيَة عشر سَهْما، وهُو الشطرُ لنوائبه وَمَا ينزل من أَمر المُسْلِمين، فَكَانَ ذلِك الكتيبة، والوطيحة، والسلاليم وتوابعها. بابُ الدِّيوانِ 2742 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: لَمَّا أُتِيَ عُمَرُ بِكُنُوزِ كِسْرَى، قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيُّ: أَلا تَجْعَلُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى تَقْسِمَهَا؟ قَالَ: لَا يُظِلُّهَا سَقْفٌ حَتَّى أُمْضِيَهَا، فَأَمَرَ بِهَا، فَوُضِعَتْ فِي صُوحِ الْمسْجِدِ، وَبَاتُوا يَحْرُسُونَهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَمَرَ بِهَا، فَكُشِفَ عَنْهَا، فَرَأَى

فِيهَا مِنَ الْحَمْرَاءِ، وَالْبَيْضَاءِ مَا يَكَادُ يَتَلأْلأُ مِنْهُ الْبَصَرُ، قَالَ: فَبَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَوَاللَّهِ إِنْ كَانَ هَذَا لَيَوْمُ شُكْرٍ، وَيَوْمُ سُرُورٍ، وَيَوْمُ فَرَحٍ، فَقَالَ عُمَرُ: كَلَّا إِنَّ هَذَا لَمْ يُعْطَهُ قَوْمٌ إِلَّا أُلْقِيَ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةُ، وَالْبَغْضَاءُ، ثُمَّ قَالَ: أَنَكِيلُ لَهُمْ بِالصَّاعِ، أَمْ نَحْثُو؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلِ احْثُ لَهُمْ، ثُمَّ دَعَا حَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَوَّلَ النَّاسِ، فَحَثَا لَهُ، ثُمَّ دَعَا حُسَيْنًا، ثُمَّ أَعْطَى النَّاسَ، وَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، وَفَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَمْسَةَ آلافِ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَلِلأَنْصَارِ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، وَفَرَضَ لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إِلَّا صَفِيَّةَ وَجُوَيْرِيَةَ، فَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سِتَّةَ آلافِ دِرْهَمٍ ". قَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالا: «فَرَضَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لأَهْلِ بَدْرٍ لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ لِكُلِّ رَجُلٍ سِتَّةَ آلافِ دِرْهَمٍ» 2743 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّ عُمَرَ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، قَالَ: «بِمَ تَرَوْنَ أَنْ أَبْدَأَ؟» فَقِيلَ لَهُ: أَبْدَأْ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ بِكَ، قَالَ: «بَلْ أَبْدَأُ بِالأقْرَبِ، فَالأَقْرَبِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «مَحَا الزُّبَيْرُ نَفْسَهُ مِنَ الدِّيوَانِ حِينَ قُتِلَ عُمَرُ، وَمَحَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ نَفْسَهُ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ». 2744 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبُوا مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلامِ مِنَ النَّاسِ»، فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَخَافُ، وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَحَدَنَا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَيَخَافُ

باب فتح مكة وحكم رباعها

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ بابُ فتْحِ مكّة وحُكْمِ رِباعِها 2745 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذُوهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ، قَالَ لِلْعَبَّاسِ: " احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْجَبَلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلِ تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، قَالَ: يَا عَبَّاسُ، مَنْ هَذِهِ؟ قَال: هَؤُلاءِ الأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَعَهُ الرَّايَةُ، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِلْعَبَّاسِ: يَا عَبَّاسُ، حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ، ثُمّ جَاءَتْ كُتَيْبَةٌ، وَهِيَ أَقَلُّ

الْكَتَائِبِ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: مَا قَالَ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيِهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ. قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدَ اللَّهِ هَاهُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ؟ قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءَ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدَا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حطْمُ الْجَبَل: مَا حُطِم، أيْ: ثُلِم من عُرضِهِ، فَبَقيَ مُنْقَطِعًا، والملحمةُ: المقتلةُ. قوْله: حبّذا يوْم الذِّمار، يُريد يوْم القتالِ والذُّمر: الحضُّ على القِتالِ، يُقال: ذمر الرّجُل صاحِبه يذمُره، وَيُقَال: فُلان حامي الذِّمار، يعْنِي: إِذا ذمِر،

وغضِب، حمِي، فتمنى أبُو سُفْيان أَن يكُون لهُ يدٌ، فيحمى قومه، وَيدْفَع عنْهُمْ. 2746 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ حَجَّاجٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنْ رَبَاحٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، لَوْ حَدَّثْتَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْيُمْنَى، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ وَبَطْنِ الْوَادِي، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، ادْعُ لِي الأَنْصَارَ»، فَدَعَوْتُهُمْ، فَجَاءُوا يُهَرْوِلُونَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " انْظُرُوا إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا، وَقَالَ: مَوْعِدُكُمُ الصَّفَا "، قَالَ: فَمَا أَشْرَفَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ

أَحَدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ، قَالَ: وَصعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفَا، وَجَاءَتِ الأَنْصَارُ، وَأَطَافُوا بِالصَّفَا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ»، فَقَالِتِ الأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ، فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ، فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، أَلا فَمَا اسْمِي إِذًا {ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النُّور: 58] أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ "، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قُلْنَا إِلَّا ضَنًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ، وَيَعْذِرَانِكُمْ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قوْله: المُجنّبةِ اليُمْنى، قِيل: هِي الميمنة، والمجنبة الْيُسْرَى: هِي الميسرة، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أرْسلُوا مجنبتين، أيْ: كتيبتين أخذتا ناحيتي الطَّرِيق. قَالَ الإِمامُ: اخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي فتح مكّة أنّهُ كَانَ صلحا، أما عنْوَة؟ فَذهب الأوْزاعِي، وأصْحاب الرّأْيِ، وَأَبُو عُبيْد، إِلى أنّها فتحت عنْوَة، لقَوْل النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للْأَنْصَار: «انْظُرُوا إِذا لقِيتُمُوهُمْ غَدا أنْ تحْصُدُوهُمْ حصْدًا». وَذهب قومٌ إِلى أنّها فتحت صلحا، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي، لِأَن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذل لهُم الْأمان بقوله: «منْ ألْقى السِّلاح فهُو آمِنٌ، ومنْ أغْلق بابُهُ، فهُو آمِنٌ»، وَجُمْلَة الْأَمر فِي فتح مكّة أنّهُ لمْ يكن أمرا منبرمًا فِي أول مَا بذل لهُم الْأمان، وَلكنه كَانَ أمرا مترددًا بيْن أَن يقبلُوا الْأمان، ويمضوا على الصُّلْح، وَبَين أَن يردوا الْأمان، ويحاربوا، فَأخذ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهبة الْقِتَال، وَدخل مكّة على رَأسه المغفر، إِذْ لمْ يكن من أَمرهم على يَقِين، وَلَا من وفائهم على ثِقَة، إِلى أَن ظهر من أَمرهم قبُول الْأمان، والثبات على الصُّلْح، فالالتباس فِي أمرهَا إِنّما كَانَ من أجل التَّرَدُّد فِي الِابْتِدَاء. واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي بيع رباع مكّة، ومِلكها، وكِراء بيوتها، فَذهب جمَاعَة إِلى أنّها مَمْلُوكَة لأربابها يجوز بيعُها وكراؤُها، رُوِي أَن عُمر ابْتَاعَ دَارا للسجن بأَرْبعَة آلَاف، وهُو قوْل طَاوس، وَعَمْرو

بْن دِينار، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي، وَاحْتج بقول الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [الْحَشْر: 8]، فَالله عزّ وجلّ أضَاف الدّيار إِلَيْهِم، وَالْإِضَافَة دلِيل المُلك. ورُوِي عنْ أُسامة بْن زيْد، أنّهُ قَالَ زمن الْفَتْح: يَا رسُول اللهِ، أَيْن ننزل غَدا؟ فَقَالَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وهلْ ترك لنا عُقيْلٌ مِنْ منْزِل». 2747 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا؟ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَيْئًا»، ثُمَّ قَالَ: " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، ثُمَّ قَالَ: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفٍ بني كنَانَة حَيْثُ قاسمت قُرَيْش على الْكفْر» يَعْنِي بخيف الأَبْطَحِ. قَالَ الزُّهرِيُّ: وَالْخَيْفُ: الْوَادِي، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا حَالَفُوا بَنِي بَكْرٍ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُجَالِسُوهُمْ، وَلا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلا يُبايِعُوهُمْ، وَلا يُؤْوُوهُمْ.

هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ، عَنْ عبْدِ الرَّزَّاقِ فَقَوله: «وهلْ ترك لنا عَقِيلٌ شيْئًا»، أَرَادَ أَن عقيلا وطالبًا هما ورثا أَبَا طالِب، لِأَن أَبَا طالِب مَاتَ كَافِرًا، وَكَانَ عليٌّ وجعفرٌ مُسلمين، فَلم يرثاهُ، وَكَانَ عقيلٌ قدْ بَاعَ منَازِل آبَائِهِ، فَرَأى النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيعهُ مَاضِيا حَيْثُ قَالَ: «وَهل ترك لنا عُقيْلٌ منْزِلا»، على أَن تِلْك الدّور لَو كَانَت قَائِمَة على مُلك عقيل، لمْ ينزلها رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهَا دورٌ هجروها فِي الله، فَلم يَكُونُوا ليعودوا فِيها بِسُكناها، ولمْ يبلغنَا عنْ مهَاجر أنّهُ سكن دَاره بِمَكَّة بعد أَن هجرها، فَكَانَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاهم بِذلِك. وَذهب قومٌ إِلى أنّهُ لَا يحلُّ بيع دور مكّة وَلَا كراؤها، لِأَنَّهَا حرَّة كالمساجد، رُوِي ذلِك عنْ عبْد الله بْن عمْرو بْن الْعَاصِ. ورُوِي

عنْ عَطاء، وَعمر بْن عبْد الْعزِيز النَّهْي عنْ كِرَاء بيوتها، وَقَالَ أحْمد بْن حَنْبَل: إِنِّي لأتوقّى الكرِاء، أما الشِّرَاء، فقد اشْترى عُمر دَارا لسجنٍ، وَقَالَ إِسْحاق: بيعهَا، وشراؤها، وإجارتها مَكْرُوه، وَلَكِن الشِّرَاء أَهْون. وَذهب أبُو عُبيْد إِلى أَن مكّة فتحت عنْوَة، ثُمّ منّ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أَهلهَا فردّها عَلَيْهِم، ولمْ يقسِمها، وَكَانَ هَذَا خَاصّا لرسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مكّة ليْس لغيره من الْأَئِمَّة أَن يفعل ذلِك فِي شيْء من الْبلدَانِ غَيرهَا، وذلِك أنّها مسْجِد لجَماعَة المُسْلِمين، وهِي مناخُ من سبق، وأجور بيوتها لَا تطيب، ولاتباع رباعُها، وَلَيْسَ هَذَا لغَيْرهَا من الْبلدَانِ. قوْله: «نحْنُ نازِلُون بِخيْفِ بني كِنانة»، يُشبه أَن يكُون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنّما اخْتَار النُّزُول بِها شكرا لله على دُخُوله مكّة ظَاهرا، وعَلى نقضِ مَا تعاقده أهل الشّرك من مهاجرتهم. والخيف: مَا انحدر عنِ الْجَبَل، ارْتَفع من المسيل، وبهِ سُمِّي مسْجِد الْخيف، وقِيل: هُو وَاد بِعينِهِ.

باب المهادنة مع المشركين

بابُ المُهادنةِ مَعَ المُشْرِكِين قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الْأَنْفَال: 61] 2748 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَة، يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى

أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتِ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيِهِنَّ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ: وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ إِلَى قَوْلِهِ: غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المجادلة: 12]، قَالَ عُرْوَة: قَالَت عَائِشَة: فَمن أقرّ بِهَذَا الشَّرْط مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ بَايَعْتُكِ، كَلامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، مَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَالَ ابْن إِسْحاق، عنِ الزُّهْرِي، عنْ عُرْوَة، عنِ الْمسور، ومروان بْن الحكم: إِنَّهُم اصْطَلحُوا على وضع الْحَرْب عشر سِنِين يَأْمَن فِيها النّاس

وعَلى أنّ بيْننا عيْبةً مكْفُوفةً، وأنّهُ لَا إِسْلال وَلَا إِغْلال. والعيبة المكفوفة: هِي المشدودة بشرجها، والعيبة هَاهُنَا مثلٌ، وَالْعرب تكنى عنِ الْقلب والصدر بالعيبة، لِأَن الرجل يضع فِي عيبتهِ حرّ ثِيَابه، شبهت الصُّدُور بِها، لِأَنَّهَا مستودع السرائر، وَمَعْنَاهُ: أَن بَيْننَا صدورًا سليمَة، وعقائد صَحِيحَة فِي الْمُحَافظَة على الْعَهْد الّذِي عقدناه، وقِيل: مَعْنَاهُ أَن الذحول الّتِي كَانَت بَينهم قد اصْطَلحُوا عليْها على أَن لَا ينشروها، بل يتكافُّون عنْها، كَأَنَّهُمْ قدْ جعلوها فِي وعَاء، فأشرجوا عليْها. والإسلال من السِّلة: وهِي السّرقَة، وَالْإِغْلَال: الْخِيَانَة، يُقَال: أغلّ الرجل، إِذا خَان إغلالا، وغلّ فِي الْغَنِيمَة غلولا، يقُول: إِن بَعْضنَا يَأْمَن بَعْضًا، فَلَا يتَعَرَّض لدمهِ، وَلَا مَاله سرا وَلَا جَهرا. 2749 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: وَقَالَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: " صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ، وَعَلَى أَنْ

يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ، وَيُقِيمُ بِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَلا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلاحِ: السَّيْفِ، وَالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ، فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يحْجُلُ فِي قُيُودِهِ، فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ الإِمامُ: قدْ جَاءَ فِي التَّفْسِير الجلبان فِي الْحدِيث، قَالَ: فَسَأَلته مَا جُلبان السِّلَاح؟ قَالَ: القِراب بِمَا فِيها، وَإِنَّمَا شُرِط هَذَا ليَكُون إِمَارَة للسِّلم، فَلَا يُظنُّ أَنهم يدْخلُونَهَا قهرا، قَالَ الأزْهرِيُّ: القِراب: غمد السَّيْف، والجلبان: شبه الجراب من الْأدم يوضع فِيهِ السَّيْف مغمودًا، ويطرح فِيهِ الرَّاكِب سَوْطه، وأداته، ويعلِّقه من آخرةِ الرحل، أوْ واسطته. قَالَ شمرٌ: كَأَن اشتقاقه من الجُلبة، وهِي الْجلْدَة الّتِي تجْعَل على القتب، والجلدة الّتِي تغشى التميمة، لِأَنَّهَا كالغشاء للقراب. قَالَ الْخطّابِيُّ: أكْثر الْمُحدثين يرويهِ: جُلُبّان، بِضَم اللَّام مُشددة الْبَاء، وَزعم بعْض أهل اللُّغَة، أنّهُ إِنّما سمي بِذلِك لخفائه، قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكُون جلبان سَاكِنة اللَّام غيْر مُشَدّدَة الْبَاء جمع جُلبٍ، وقدْ يُروى: إِلَّا بجلب السِّلَاح، وجُلب السِّلَاح نَفسه كجُلب الرجل، إِنّما هُو خشب الرحل، وأحناؤه من غيْر أغشيته، كأنّهُ أَرَادَ نفس السِّلَاح، وهُو السَّيْف خَاصَّة من غيْر أَن يكُون معهُ أدوات الْحَرْب، ليَكُون عَلامَة الْأَمْن. والحجل: مشيُ الْمُقَيد.

قَالَ الإِمامُ: قدْ شَرط النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْحُدَيْبِيَة شُرُوطًا لضعف حَال المُسْلِمين، وعجزهم فِي الظَّاهِر عنْ مقاومة الْكفَّار، وخوفهم الْغَلَبَة مِنْهُم لَا يجوز الْيَوْم شيْء من ذلِك لقُوَّة أهل الإسْلام، وغلبه أمره، وَظُهُور حُكمِهِ، وَالْحَمْد لله، إِلَّا فِي مَوضِع قريب من دَار الْكفْر يخَاف أهلُ الإسْلام مِنْهُم على أنفسهم. مِنْهَا أنّهُ هادنهم عشر سِنِين، واخْتلف أهلُ الْعلم فِي مِقْدَار الْمدَّة الّتِي يجوز أَن يُهادن الكفارُ إليْهِ عِنْد ضعف أهل الإسْلام، فَذهب الشّافِعِي إِلى أَن أقصاها عشرُ سِنِين لَا يجوز أَن يجاوزها، لِأَن الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى أَمر بِقِتَال الْكفَّار فِي عُمُوم الْأَوْقَات، فَلَا يُخرج مِنْهَا إِلَّا القدْرُ الّذِي اسْتَثْنَاهُ الرّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْحُدَيْبِيَة، وَقَالَ قوم: لَا يجوز أكْثر من أَربع سِنِين، وَقَالَ قوم: ثَلَاث سِنِين، لِأَن الصُّلْح لمْ يبْق بَينهم أكْثر من ثَلَاث سِنِين، ثُمّ إِن الْمُشْركين نقضوا الْعَهْد، فَخرج النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِم وَكَانَ الْفَتْح. وَقَالَ بعْضهم: ليْس لِذلِك حدٌّ مَعْلُوم، وهُو إِلى الإِمام يفعل على حسب مَا يرى من الْمصلحَة، أما فِي حَال قُوَّة أهل الإسْلام، لَا يجوز أَن يهادنهم سنة بِلَا جِزْيَة، وَيجوز أَرْبَعَة أشهر، لقَوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التَّوْبَة: 2]، وَجعل النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَان بعد فتح مكّة تسيير أَرْبَعَة أشهر، وفِي أكْثر من أَرْبَعَة أشهر إِلى سنة قَولَانِ، الْأَصَح: أَن لَا يجوز، وَلَو هادنهم إِلى غيْر مُدَّة على أنّهُ مَتى بدا لهُ نقضُ الْعَهْد، فَجَائِز. وَمِنْهَا أنّهُ عليْهِ السّلام شَرط: «منْ أَتَانَا مِنْهُمْ نرُدهُ عليْهِمْ، ومنْ أتاهُمْ مِنّا لَا يردُّونهُ»، ثُمّ ردّ أَبَا جنْدلٍ بْنِ سُهيْلٍ إِلى أبِيهِ، وردّ أَبَا بصِيرٍ

إِلى قوْمِهِ، ولمْ يرُدّ النِّساء. واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي أَن الصُّلْح: هَل كَانَ وَقع على رد النِّساء أم لَا؟ على قَوْلَيْنِ، أَحدهمَا: أنّهُ وَقع على رد الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا، لما روينَاهُ أنّهُ: «لَا يَأْتِيك منا أحدٌ إِلَّا رَددته»، ثُمّ صَار الحكم فِي رد النِّساء مَنْسُوخا بقوله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]، وَمن ذهب إِلى هَذَا، أجَاز نسخ السّنة بِالْكتاب.

وَالْقَوْل الآخر: أَن الصُّلْح لمْ يَقع على رد النِّساء، لِأَنَّهُ يُروى: على أنّهُ لَا يَأْتِيك منا رجُل وَإِن كَانَ على دينك إِلَّا رَددته، لِأَن الرجل لَا يُخشى عليْهِ من الْفِتْنة مَا يُخشى على الْمَرْأَة من إِصَابَة الْمُشرك إِيَّاهَا، وأنّهُ لَا يُؤمن عليْها الردّة إِذا خُوِّفت، وأكْرِهت عليْها لضعف قَلبهَا، وَقلة هدايتها إِلى الْمخْرج مِنْهُ بِإِظْهَار كلمة الْكفْر مَعَ التورية، وإضمار الْإِيمَان، وَلَا يُخشى على الرجل ذلِك، لقُوته وهدايته إِلى التقية، فَلم يكن فِي ردِّه إِلَيْهِم إسلامًا لهُ للهلاك، لتيسُّر سَبِيل الْخَلَاص عليْهِ. وإِذا احْتَاجَ الإِمام إِلى مثل هَذَا الشَّرْط عِنْد ضعف أهل الإسْلام، فَلَا يجوز أَن يُصالحهم على ردِّ النِّساء، وإِذا صَالحهمْ على رد الرِّجَال، ثُمّ جَاءَ فِي طلبه غيرُ عشيرته لَا يجوز ردُّه، وَإِن جَاءَ فِي طلبه بعضُ عشيرته، ردّه، لِأَنَّهُ لَا يُخشى عليْهِ مِمَّن هُو من عشيرته أَن يقْتله، أوْ يَقْصِدهُ بِسوء، بل ينبُّ عَنهُ من يَقْصِدهُ لشفقته، وقرابته. على هَذَا الْوَجْه كَانَ ردُّ أبِي جندلٍ، وَأبي بَصِير، فإِنّهُ ردّ أبِي جندل إِلى أبِيهِ، وَأَبا بَصِير إِلى عشيرته الّذِين يقومُونَ بالذبِّ عَنهُ، ورعاية جَانِبه. ورُوِي عنْ أبِي رَافع، قَالَ: بعثتني قُرَيْش إِلى رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمّا رأيتهُ، ألْقى فِي قلبِي الإسْلام، فقُلْتُ: وَالله لَا أرجعُ إِلَيْهِم، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَا أخِيسُ بالعهْدِ، وَلَا أحْبِسُ البُرُد، ولكِنِ ارْجعْ فِإِنْ كَانَ فِي نفْسِك الّذِي فِي نفْسِك الْآن، فارْجِعْ».

قوْله: «لَا أخيس بالعهد»، يُقَال: خاس فُلان وعده، أيْ: أخلفهُ، وخاس بالعهد: إِذا نقضه. ثُمّ إِن الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى كَمَا منع رد النِّساء إِلَيْهِم، أَمر بردِّ مَا أنْفق الْأزْوَاج عَلَيْهِنَّ إِلَيْهِم، فَقَالَ جلّ ذكره: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10]، وَالْمرَاد من النَّفَقَة: الصّداق. واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي أنّهُ هَل يجب الْعَمَل بِهِ الْيَوْم إِذا شَرطه فِي معاقدة الْمُشْركين؟ فَقَالَ قوم " لَا يجب ذلِك، وَزَعَمُوا أَن الْآيَة مَنْسُوخَة، وهُو قوْل عَطاء، وَمُجاهد، وَقَتَادَة، وَالزهْرِيّ، وبِهِ قَالَ الثّوْرِي، وهُو أحد قولي الشّافِعِي، وَذهب قوْمٌ إِلى أنّها غيْر مَنْسُوخَة، ويُردُّ إِلَيْهِم مَا أَنْفقُوا، يُروى ذلِك أيْضًا عنْ مُجَاهِد، وهُو القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ، قَالَ: إِذا جَاءَت امْرَأَة حُرة من أهل الْهُدْنَة مسلمة، فإِن جَاءَ فِي طلبَهَا غيْر زَوجهَا، فَلَا يعْطى إليْهِ شيْء، وَإِن جَاءَ زَوجهَا فِي طلبَهَا، فإِن لمْ يكن دفع صَدَاقهَا، فَلَا يعْطى شيْئًا، وَإِن كَانَ دفع صَدَاقهَا إِليْها، رُدّ إليْهِ من بيْت المَال، وَلَو جَاءَ عبْد مِنْهُم مُسلما، فقدْ عتق، وَلَا يُردُّ إِلَيْهِم، فإِن جَاءَ سَيّده فِي طلبه، دفع إليْهِ قِيمَته. وقوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} [الممتحنة: 10]، أيْ: فأسألوا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِين ذهبت أزواجُهم إِلى الْمُشْركين مَا أنفقتم عَلَيْهِنَّ من الصّداق مِمَّن تزوجهن مِنْهُم، {وَلْيَسْأَلُوا} [الممتحنة: 10] يعْنِي: الْمُشْركين الّذِين لحقت أَزوَاجهم بكم مؤمنات مَا أَنْفقُوا من الْمهْر، فلمّا نزلت الْآيَة، أقرّ الْمُؤْمِنُونَ بِحكم الله، وأدوا مَا أمِروا بِهِ من نفقات الْمُشْركين على نِسَائِهِم، وأبى الْمُشْركُونَ ذلِك فَأنْزل الله عزّ وجلّ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11]، مَعْنَاهُ: إِن مَضَت امْرأة مِنْكُم إِلَيْهِم مرتدة، فعاقبتم، أيْ: أصبْتُم مِنْهُم عُقبى، وهِي الْغَنِيمَة، ظفرتم

وَقُرِئَ: {فعقّبْتُمْ} (والتعقيبُ: غَزْوَة بعد غَزْوَة)، {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11]، من مهورهن من الْغَنَائِم الّتِي صَارَت فِي أيديكُم. ورُوِي عنْ ربعي بْن حراشٍ، عنْ علِي بْن أبِي طالِب، كرّم الله وَجهه، قَالَ: خرج عبدانٌ إِلى رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعْنِي يوْم الْحُدَيْبِيَة قبل الصُّلْح، فَكتب إِلَيْهِم مواليهم، فَقَالَ: «هُمْ عُتقاءُ اللهِ»، وأبى أَن يردهم. قَالَ الإِمامُ: فِيهِ بَيَان أَن عُبيْد أهل الْحَرْب إِذا خَرجُوا إِلى دَار الإسْلام مُسلمين، فهُمْ أَحْرَار، وَلَا يجب ردُّ قيمهم، فَأَما إِذا خرج إِلَيْنَا كافرٌ وفِي يَده عبْدٌ لهُ، فَأَسْلمَا قبل أَن يُقْدر عَلَيْهِمَا، فمِلك السيِّد مستقِرٌّ على عَبده كَمَا كَانَ، وَلَو أَن العَبْد غلب سَيّده فِي دَار الْحَرْب وقهره، ثُمّ خرجا إِلَيْنَا مُسلمين، وَيَد العَبْد ثَابِتَة على سَيّده، كَانَ السَّيِّد مَمْلُوكا، والمملوك مَالِكًا، وَمن هَاجر إِلَيْنَا مُسلما من أهل الْحَرْب، فقدْ أحرز جمِيع أَمْوَاله وَأَوْلَاده الصغار، سَوَاء كانُوا فِي دَار الإسْلام، أوْ فِي دَار الْحَرْب، عقارا كَانَ مَاله، أوْ مَنْقُولًا. حاصر النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني قُرَيْظَة فَأسلم ابْنا سعية: ثَعْلَبَة، وَأسيد، فأحْرز إِسْلامُهُما أموالهُما وأوْلادهُما

الصِّغار. وكذلِك لَو دخل مُسْلِم دَار الْحَرْب، فَاشْترى مِنْهُم فِيها عقارا، ثُمّ ظهر عليْها المُسْلِمُون، كَانَ ذلِك للمشترى. وَذهب أصْحاب الرّأْيِ إِلى أنّهُ غنيمَة، وَاتَّفَقُوا على أنّهُ لَو اشْترى مَنْقُولًا لَا يُغنم. وإِذا هادن الإِمام قوما، فليْس لهُ أَن يسير إِلَيْهِم قبل انْقِضَاء الْمدَّة، فيحلُّ بِسَاحَتِهِمْ، حتّى إِذا انْقَضتْ الْمدَّة، أغار عَلَيْهِم، رُوِي عنْ سليم بْن عَامر، قَالَ: كَانَ بيْن مُعاوِية، وَبَين الرّوم عهدٌ، وَكَانَ يسير نَحْو بِلَادهمْ حتّى إِذا انْقَضى الْعَهْد غزاهم، فإِذا رجُل على دَابَّة، أوْ فرسٍ، وهُو يقُول: الله أكبر وَفَاء لَا غدرٌ، فنظروا فإِذا عمْرو بْن عبسة، فَأرْسل إليْهِ مُعاوِية فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: سمِعْت رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقُول: «منْ كَانَ بيْنهُ وبيْن قوْمٍ عهْدٌ، فَلَا يشُدُّ عُقْدةً، وَلَا يحِلُّها حتّى ينْقضِي أمدُها، أوْ ينْبِذْ إِليْهِمْ على سواءٍ». فَرجع مُعاوِية. وَمعنى قوْله: «أوْ ينْبِذ إِليْهِمْ على سواءٍ»، أيْ: يُعلمهم أنّهُ يُرِيد أَن يغزوهم، وَأَن الصُّلْح الّذِي كَانَ قد ارْتَفع، فَيكون الْفَرِيقَانِ فِي علم ذلِك على السوَاء، ويُشبه أَن يكُون إِنّما كره عمْرو بْن عبسة ذلِك من أجل أنّهُ إِذا هادنهم إِلى مُدَّة وهُو مُقيم فِي وَطنه، فقدْ صَارَت مُدَّة مسيره

باب أخذ الجزية من المجوس

بعد انْقِضَاء الْمدَّة كالمشروط مَعَ الْمدَّة المضروبة فِي أَن لَا يغزوهم فِيها، فإِذا صَار إِلَيْهِم فِي أيّام الْهُدْنَة، كَانَ إِيقَاعه قبل الْوَقْت الّذِي يتوقعونه، فعدّ ذلِك عمْرو غدرًا، واللهُ أعْلمُ. وَإِن نقض أهل الْهُدْنَة عَهدهم، لهُ أَن يسير إِلَيْهِم على غَفلَة مِنْهُم، كَمَا فعل النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْل مكّة، وَإِن ظَهرت مِنْهُم خِيَانَة بِأَهْل الإسْلام نبذ إِلَيْهِم الْعَهْد، قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الْأَنْفَال: 58]، وَمن دخل إِلَيْنَا رَسُولا، فَلهُ الْأمان حتّى يُؤَدِّي الرسَالَة، ويرجِع إِلى مأمنه، قَالَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ النواحة: «لوْلا أنّك رسُولٌ، لضربْتُ عُنُقك». بابُ أخْذِ الجِزْيةِ مِن المجُوسِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة: 29]، قوْلُهُ

تَعَالَى: {عَنْ يَدٍ} [التَّوْبَة: 29]، قِيل: عنْ ذُلٍّ واعْتِرافٍ بِأنّ دِين الإسْلام عالٍ على دِينِهِمْ، وقِيل: عنْ إِنْعامٍ عليْهِمْ مِنَ المُسْلِمين بِقُبُولِ الجِزْيةِ، وقِيل: {عَنْ يَدٍ} [التَّوْبَة: 29]، أيْ: نقْدٍ لَا نسِيئةٍ. وقوْلهُ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة: 29]، والصّغارُ: الذلُّ، يعْني: بِالصّاغِرين أذِلّاء يُعْطُون الجِزْية عنْ قِيامٍ، والقابِضُ جالِسٌ، وَقَالَ الشّافِعِيُّ: معْنى الصّغارِ: جريانُ حُكْم الإسْلام عليْهِمْ، فيعْلُوا حُكْمُ الإسْلامِ حُكْم الشِّرْكِ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [الْبَقَرَة: 61]، قِيل: الذِّلةُ: الجِزْيةُ، والمسْكنةُ: فقْرُ النّفْسِ وإنْ كَانَ مُوسِرًا. 2750 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بَجَالَةَ، يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ

حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِنُ عَوْفٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ 2751 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»

قَالَ رحِمهُ اللهُ: اتّفقت الْأمة على أَخذ الْجِزْيَة من أهل الْكِتَابَيْنِ وهُم الْيهُود وَالنَّصَارَى إِذا لمْ يَكُونُوا عربا، لقَوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة: 29]. وَاخْتلفُوا فِي الْكِتَابِيّ الْعَرَبِيّ، وفِي غيْر أهل الْكتاب من كفار الْعَجم، فَذهب الشّافِعِي إِلى أَن الْجِزْيَة على الْأَدْيَان لَا على الْأَنْسَاب، فتؤخذ من أهل الْكتاب عربا كانُوا أوْ عجمًا، وَلَا تُؤْخَذ من أهل الْأَوْثَان بِحَال، وَاحْتج بِأَن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخذهَا من أكيدِر دومة، وهُو رجُل من الْعَرَب، يُقَال: من غَسَّان، وَأخذ من أهل ذمَّة الْيمن وعامتهم عرب، وَمن أهل نَجْرَان وَفِيهِمْ عربٌ. وَذهب مالِك وَالْأَوْزَاعِيّ إِلى أنّهُ تُؤْخَذ من جمِيع الْكفَّار، إِلَّا الْمُرْتَد، وفِي امْتنَاع عُمر رضِي اللهُ عنْهُ من أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حتّى شهد عبْد الرّحْمنِ بْن عَوْف أَن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخذهَا، دلِيل على أَن رَأْي الصّحابة كَانَ على أنّها لَا تُؤْخَذ من كُل مُشْرك، إِنّما تُؤْخَذ من أهل الْكتاب مِنْهُم. وَاتَّفَقُوا على أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس، وَذهب أكْثر أهْل الْعِلْمِ إِلى أَنهم لَيْسُوا من أهل الْكتاب، وَإِنَّمَا أُخِذت الْجِزْيَة مِنْهُم بالسُّنّة، كَمَا أُخِذت من الْيهُود وَالنَّصَارَى بِالْكتاب، وقِيل: هُمْ من أهل الْكتاب رُوِي ذلِك عنْ علِي رضِي اللهُ عنْهُ، قَالَ: كَانَ لهُمْ كتاب يدرسونه، فَأَصْبحُوا وقدْ أُسرِي على كِتَابهمْ، فرُفع من بيْن أظهرهم، وَاتَّفَقُوا على تَحْرِيم مناكحة الْمَجُوس، وَتَحْرِيم ذَبَائِحهم إِلَّا شيْء يحْكى عنْ أبِي ثَوْر أنّهُ أَبَاحَهُ، فَأَما الْيهُود وَالنَّصَارَى فَمن كَانَ مِنْهُم من نسل بني

إِسْرَائِيل، فَأَجْمعُوا على حِلِّ مُناكحتهم وذبائحهم، لقَوْل الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [الْمَائِدَة: 5]، فَأَما من دخل فِي دينهم من غَيرهم من الْمُشْركين نُظِر إِن دخلُوا فِيهِ قبل النّسخ، وَقبل التبديل يقرّون بالجزية، وفِي حِلِّ مناكحتهم وذبائحهم اخْتِلاف، فأصحُّ الْأَقْوَال حِلُّها، وَإِن دخلُوا فِيهِ بعد النّسخ، أوْ بعد التبديل، فَلَا يُقرُّون بالجزية، وَلَا تحِلُّ مناكحتهم وذبائحهم، وَمن شككنا فِي أَمرهم أَنهم دخلُوا فِيهِ بعد النّسخ، أوِ التبديل، أوْ قبله، تُؤْخَذ مِنْهُم الْجِزْيَة، وَلَا تحلُّ مناكحتهم وذبائحهم، لِأَن أَخذ الْجِزْيَة لحق الدَّم، وَأمر الدَّم إِذا دَار بيْن الحقن والإراقة يُغلّب جانبُ الحقن، وَأمر البُضع والذبيحة إِذا تردّد بيْن الحِلِّ وَالتَّحْرِيم، تُغلّبُ جِهَة التَّحْرِيم، فَمن هَذِه الْجُمْلَة نَصَارَى الْعَرَب من تنوخ، وبهرًا وَبني تغلِب، أقرهم عُمر رضِي اللهُ عنْهُ بالجزية، وَقَالَ: مَا يحلُّ لنا ذَبَائِحهم، وَقَالَ علِي رضِي اللهُ عنْهُ: لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح نَصَارَى بني تغلِب، فَإِنَّهُم لمْ يَتَمَسَّكُوا من دينهم إِلَّا بِشرب الْخمر. وَسُئِلَ ابْن عبّاس عنْ ذَبِيحَة نَصَارَى الْعَرَب، فَقَالَ: لَا بَأْس بِها. وَقَالَ الزُّهْرِي: لَا بَأْس بذبيحة نَصَارَى الْعَرَب، فإِن سمعته يُسمى لغير الله، فَلَا تَأْكُل، فإِن لمْ تسمعه، فقدْ أحله الله، وَعلم كفرهم.

باب قدر الجزية

وَلَو انْتقل يَهُودِيّ أوْ نَصْرَانِيّ فِي زَمَاننَا إِلى دين أهل الْأَوْثَان لَا يُقرُّ بالجزية كَمَا لَو دخل وثنيٌ فِي دينهما، وَلَو انْتقل يَهُودِيّ إِلى نَصْرَانِيَّة، أوْ نَصْرَانِيّ إِلى يَهُودِيَّة، فَهَل يُقرُّ بالجزية، وَهل تحلُّ مناكحته وذبيحته؟ فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا، وبِهِ قَالَ أصْحاب الرّأْيِ: يقرُّ عليْهِ، ويحلُّ نِكَاحه وذبيحته، لِأَن حكم الدينَيْنِ وَاحِد، وَالثَّانِي: لَا يُقر عليْهِ لِأَنَّهُ استحدث دينا بَاطِلا بعد مَا كَانَ معترفًا بِبُطْلَانِهِ، فَأشبه الْمُسلم يرْتَد وَالْعِيَاذ بِاللهِ عزّ وجلّ، وَلَو تهوّد مَجُوسِيّ، أوْ تمجس يَهُودِيّ، لَا تحل ذَبِيحَته وَلَا مناكحته، وفِي التَّقْرِير بالجزية هَذَا الاخْتِلاف. بابُ قدْرِ الجِزْيةِ 2752 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الإِمامُ: أَرَادَ بالحالم: الْبَالِغ احْتَلَمَ أوْ لمْ يَحْتَلِم، والمعافر: نوع من الثِّيَاب يكُون بِالْيمن. وفِيهِ دلِيلٌ على أَن الْجِزْيَة إِنّما تكون على الْبَالِغين من الرِّجَال دُون النِّساء وَالصبيان، وكذلِك لَا تجبُ على المجانين وَلَا العبيد، وأقلُّ الْجِزْيَة دينارٌ على كُل بَالغ فِي كُل سنة، وَلَا يجوز أَن ينقص عَنهُ. وفِيهِ بَيَان أَن الدِّينَار مَقْبُول من الْغنى وَالْوسط وَالْفَقِير، لِأَن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أَن يَأْخُذ من كُل حالم دِينَارا، ولمْ يُفصِّل بيْن الْغَنِيّ وَالْفَقِير مَعَ تفَاوت النّاس فِي الْغنى والفقر، وَإِلَى هَذَا ذهب الشّافِعِي، وَله قوْل آخر: أنّهُ لَا جِزْيَة على الْفَقِير. وَذهب أصْحاب الرّأْيِ إِلى أَن على كُل مُوسر أَرْبَعَة دَنَانِير، وعَلى كُل متوسط دينارين، وعَلى كُل فَقير دِينَارا، وَقَالَ ابْن أبِي نجيح: قُلْت لمجاهد: مَا شَأْن أهل الشَّام عَلَيْهِم أربعةُ دَنَانِير، وَأهل الْيمن دِينار، قَالَ: جُعل ذلِك من قِبل الْيَسَار. وَيجوز أَن يُصالحهم على أكْثر من دِينار، وَأَن يشْتَرط عَلَيْهِم ضِيَافَة من يمر بِهِمْ من المُسْلِمين زِيَادَة على أهل الْجِزْيَة، وَيبين عدد الضِّيفان من

الرجالة والفرسان، وَعدد أيّام الضِّيَافَة، وَيبين جنس أطعمتهم، وعلف دوابهم، ويُفاوت بيْن الْغَنِيّ وَالْوسط فِي الْقدر دُون جنس الْأَطْعِمَة، رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ، قَالَ: صالِح رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل نَجْرَان على ألفي حُلة، النصفُ فِي صفر، والنصفُ فِي رَجَب يؤدونها إِلى المُسْلِمين، وعارية ثَلَاثِينَ درعًا وَثَلَاثِينَ قوسًا، وَثَلَاثِينَ فرسا، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثَلَاثِينَ من كُل صنف من أَصْنَاف السِّلَاح يغزون فِيها، والمسلمون ضامنون لَهَا حتّى يردوها عَلَيْهِم إِن كَانَت بِالْيمن كيدٌ ذَات غدر على أَن لَا يُهدم لهُمْ بيعَة، وَلَا يخرج لهُمْ قسٌ، وَلَا يُفتنون عنْ دينهم مَا لمْ يحدثوا حَدثا، أوْ يَأْكُلُوا الرِّبا، وَالْمرَاد بالكيد: الْحَرْب، وفِيهِ بَيَان أَن الْعَارِية مَضْمُونَة. ورُوِي أنّ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ضرب على نَصَارَى أيْلة ثَلَاث مائةِ دِينارٍ كُلّ سنةٍ، وأنْ يُضيفُوا منْ مرّ بِهِمْ مِن المُسْلِمين ثَلَاثًا، وَلَا يغُشُّوا مُسْلِمًا»، ورُوِي أَنهم كانُوا يوْمئِذٍ ثَلَاث مائَة. ورُوِي عنْ عُمر ضرب الْجِزْيَة على أهل الذِّمَّة أَرْبَعَة دَنَانِير، وعَلى أهل الْوَرق أَرْبَعِينَ درهما، مَعَ ذلِك أرزاقُ المُسْلِمين، وضيافةُ ثَلَاثَة أيّام. وَلَو صَالحهمْ على خراج ضربه على أراضيهم يجوز إِذا لمْ ينقُص فِي حق كُل حالم عنْ دِينار، وَلَا يجوز أَن يُصالحهم على عشور زُرُوعهمْ وثمارهم، لِأَنَّهَا مَجْهُولَة، وقدْ تُصيبها الآفة، فَلَا يحصل مِنْهَا مَا يبلغ أقلّ

باب سقوط الجزية عن الذمي إذا أسلم

الْجِزْيَة إِلَّا أَن يشرط أنّها إِن لمْ تبلغ أقل الْجِزْيَة أكملوها، وإِذا استنكفوا عنِ اسْم الْجِزْيَة، فضعّف الإِمام عَلَيْهِم الصَّدَقَة، فَجَائِز، وهُو أَن كُل صنف من المَال يجب على الْمُسلم فِيهِ حق لله، فَيَأْخُذ مِنْهُم من ذلِك المَال ضعف مَا يَأْخُذ من الْمُسلم، فَيَأْخُذ من أَرْبَعِينَ شَاة شَاتين، وَمن خمس مِن الإِبِلِ شَاتين وَمن ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيعين، وَمن زُرُوعهمْ وثمارهم الْخمس، وَمن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَمَال التِّجَارَة نصف الْعشْر، وَمن الرِّكَاز خمسين، وَمن لمْ يكن لهُمْ مِنْهُم شيْء من جنس مَال الزَّكَاة، أَخذ مِنْهُ أقل الْجِزْيَة، رُوِي عنْ عُمر بْن الخطّاب رضِي اللهُ عنْهُ رام نَصَارَى الْعَرَب على الْجِزْيَة، فقالُوا: نَحن عرب لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجم، وَلَكِن خُذ منا كَمَا يَأْخُذ بَعْضكُم من بعْض، يعنون: الصَّدَقَة، فَقَالَ عُمر: هَذَا فرض الله على المُسْلِمين، قالُوا: فزد مَا شِئْت بِهذا الِاسْم، لَا باسم الْجِزْيَة فراضاهم على أَن ضعّف عَلَيْهِم الصَّدَقَة. بابُ سُقُوطِ الجِزْيةِ عنِ الذِّمِّيِّ إِذا أسْلم 2753 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَصْلُحُ

قِبْلَتَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ جِزْيَةٌ» قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ قوْله «ليْس على المُسْلِمِ جِزْيَةٌ»، يتَأَوَّل على وَجْهَيْن، أَحدهمَا: معنى الْجِزْيَة هُو الْخراج، وذلِك أَن الإِمام إِذا فتح بَلَدا صلحا على أَن تكون الْأَرَاضِي لأَهْلهَا، وَضرب عليْها خراجًا مَعْلُوما، فهُو جِزْيَة، فإِذا أسلم أَهلهَا، سقط عنْهُمْ ذلِك، كَمَا تسْقط جِزْيَة رُءُوسهم، وَيجوز لهُمْ بيعُ تِلْك الْأَرَاضِي، أما إِذا صَالحهمْ على أَن تكون الْأَرَاضِي لأهل الإسْلام، وهُو يسكنونها بخراج مَعْلُوم، وضع عَلَيْهِم، فَذَلِك أُجْرَة الأرْض لَا تسْقط بِالْإِسْلَامِ، وَلَا يجوز لهُمْ بيعُ شيْء من تِلْك الْأَرَاضِي، لِأَنَّهَا مُلك للمُسْلِمين، وكذلِك إِذا أَرَادَ فتحهَا عنْوَة، وَصَارَت أراضيها للْمُسلمين، فأسكنها المُسْلِمُون جمَاعَة من أهل الذِّمَّة بخراج مَعْلُوم يؤدونه، فَذَلِك لَا يسْقط بِالْإِسْلَامِ. والتأول الثَّانِي: وهُو أَن الذِّمِّيّ إِذا تمّ عليْهِ الحولُ، فَأسلم قبل أَدَاء جِزْيَة ذلِك الْحول، سقط عَنهُ تِلْك الْجِزْيَة، واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذهب أَكْثَرهم إِلى سُقُوطهَا، رُوِي ذلِك عنْ عُمر، وإِليْهِ ذهب أبُو

حنِيفة، وَأَبُو عُبيد، حتّى قَالَ أبُو حنِيفة: لَو مَاتَ الذِّمِّيّ بعد الْحول لَا تُؤْخَذ من تركته، وَعند الشّافِعِي: لَا تسْقط بِالْإِسْلَامِ وَلَا بِالْمَوْتِ، لِأَنَّهُ دينٌ حلّ عليْهِ أجلهُ كَسَائِر الدُّيُون، فَأَما إِذا أسلم فِي خلال الْحول، أوْ مَاتَ، فَاخْتلف قولُه فِي أنّهُ هَل يُطَالب بِحِصَّة مَا مضى من الْحول؟ أصح قوليه أنّهُ لَا يُطالب، وَالثَّانِي: يُطَالب كَأُجْرَة الدَّار، ورُوِي عنِ الزُّبيْر بْن عدي، قَالَ: أسلم دهقان على عهد علِي رضِي اللهُ عنْهُ، فَقَالَ لهُ: إِن أَقمت فِي أَرْضك، رفعنَا الْجِزْيَة عنْ رَأسك، وأخذناها من أَرْضك، وَإِن تحولت عنْها، فَنحْن أحقُّ بِها. قَالَ الإِمامُ: وَوجه عِنْدِي، واللهُ أعْلمُ، أَن تكون الأرْض فَيْئا للْمُسلمين يسكنهَا الذِّمِّيّ بالخراج والجزية، فَتسقط عَنهُ بِالْإِسْلَامِ جِزْيَة رَأسه دُون خراج أرضه، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأُجْرَة تلْزمهُ مَا دَامَ يسكنهَا، لِأَن مِلكها لغيره. 2754 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا، وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ»، قَالَهَا ثَلاثًا، شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَدَمُهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَعِيشَ، عَنْ يَحْيَى

بْنِ آدَمَ، عَنْ زُهَيْرٍ، وَزَادَ: «وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا» والقفيز لأهل الْعرَاق: ثَمَانِيَة مكاكيك، والمكوك صاعٍ وَنصف، والمدي: مكيال لأهل الشَّام يسع خَمْسَة وَأَرْبَعين رطلا، والإردبُّ لأهل مصر: أَربع وَسِتُّونَ منا، والقنقل: اثْنَان وثلاثُون منا. وَلِلْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا: سُقُوط مَا وظِّف عَلَيْهِم باسم الْجِزْيَة بِإِسْلَامِهِمْ، فصاروا بِالْإِسْلَامِ مانعين لتِلْك الْوَظِيفَة، وذلِك معنى قوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وعُدْتُمْ مِنْ حيْثُ بدأْتُمْ»، أيْ: كَانَ فِي سَابق علم الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى، وَتَقْدِيره: أَنهم سيُسلمون، فعادوا من حَيْثُ بدءوا. والتأويل الثَّانِي: هُو أَنهم يرْجِعُون عنِ الطَّاعَة، فيمنعون مَا وُظِّف عَلَيْهِم، وَكَانَ هَذَا القَوْل من النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلا على نبوته حَيْثُ أخبر عنْ أَمر أنّهُ وَاقع قبل وُقُوعه، فَخرج الْأَمر فِي ذلِك على مَا قَالَه. وفِيهِ بيانٌ على أَن مَا فعل عُمر رضِي اللهُ عنْهُ بِأَهْل الأمْصار فِيمَا وظِّف عَلَيْهِم كَانَ حَقًا، وقدْ رُوِي عَنهُ اخْتِلاف فِي مِقْدَار مَا وَضعه على أَرض السوَاد. وفِيهِ مُستدلُّ لمن ذهب إِلى أَن وجوب الْخراج لَا يَنْفِي وجوب العُشر، لِأَنَّهُ جمع بيْن القفزان والنقد، وَالْعشر يُؤْخَذ بالقفزان، وَالْخَرَاج من النَّقْد. ورُوِي عنْ حَرْب بْن عُبيْد الله بْن، عنْ جده أبِي أمه، عنْ أبِيهِ، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنّما العُشورُ على اليهُودِ والنّصارى، وليْس

على المُسْلِمين عُشُورٌ». وقوْله: «ليْس على المُسْلِمين عشور»، أَرَادَ بِهِ عشور التِّجَارَات دُون عشور الصَّدقَات، والّذِي يلْزم الْيهُود وَالنَّصَارَى من العشور هُو مَا صولحوا عليْهِ وَقت عقد الذِّمَّة، فإِن لمْ يصالحوا عليْهِ، فَلَا يلْزمهُم أكثرُ من الْجِزْيَة المضروبة عَلَيْهِم. وإِذا دخل أهل الْحَرْب بِلَاد الإسْلام تجارًا، فإِن دخلُوا بِغَيْر أَمَان وَلَا رِسَالَة غِنموا، فإِن دخلُوا بِأَمَان، وشُرِط أَن يُؤْخَذ مِنْهُم عشر، أوْ أقل، أوْ أكْثر، أَخذ الْمَشْرُوط، وإِذا طافوا فِي بِلَاد الإسْلام فَلَا يُؤْخَذ مِنْهُم فِي السّنة إِلَّا مرّة وَاحِدَة، وكُتب لهُمْ بَرَاءَة إِلى مثله من الْحول، وَإِن لمْ يكن شُرِط عَلَيْهِم، لمْ يُؤْخَذ مِنْهُم شيْء، سَوَاء كانُوا يعشُرون المُسْلِمين إِذا دخلُوا بِلَادهمْ، أوْ لَا يتعرضون لهُمْ، وَقَالَ مالِك: إِذا دخلُوا دَارنَا تجارًا، أوْ أهل الذِّمَّة إِذا طافوا فِي بِلَاد الإسْلام تاجرين يُؤْخَذ مِنْهُم الْعشْر، وَإِن اخْتلفُوا فِي الْعَام الْوَاحِد مرَارًا إِلى بِلَاد الإسْلام، فَعَلَيْهِم فِيمَا اخْتلفُوا الْعشْر، هَذَا الّذِي ادركتُ عليْهِ أهل الرضى من أهل العِلم ببلدنا، وَقَالَ أصْحاب الرّأْيِ: إِن أخذُوا من العشور فِي بِلَادهمْ إِذا اخْتَلَفْنَا إِلَيْهِم فِي التِّجَارَات، أَخذنَا مِنْهُم، وَإِلَّا، فَلَا. وَيسْتَحب إِذا شَرط أَن يَأْخُذ مَا أَخذ عُمر رضِي اللهُ عنْهُ من المُسْلِمين ربع الْعشْر، وَمن أهل الذِّمَّة نصف الْعشْر، وَمن أهل الْحَرْب الْعشْر، ورُوِي عنْ زِيَاد بْن حُديرٍ أَن عُمر بَعثه مصدِّقًا، فَأمره أَن يَأْخُذ من

باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب

نَصَارَى بني تغلب الْعشْر، وَمن نَصَارَى أهل الْكتاب نصف الْعشْر، ورُوِي عنْ صَفْوَان بْن سليم، عنْ عدةٍ من أَبنَاء أصْحاب رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عنْ آبَائِهِم، عنْ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلا منْ ظلم مُعاهِدًا، أَو انْتقصهُ، أوْ كلّفهُ فوْق طاقتِهِ، أوْ أَخذ مِنْهُ شيْئًا بِغيْرِ طِيبِ نفْسٍ، فَأَنا حجِيجُهُ يوْم القِيامةِ». بابُ إِخْراجُ اليهُودِ والنّصارى مِنْ جزِيرةِ الْعربِ 2755 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قَبِيصَةُ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟! ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»، فَتَنَازَعُوا، وَلا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ،

وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ "، وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ يعْقُوب بْن مُحمّد: سَأَلت الْمُغِيرة بْن عبْد الرّحْمنِ عنْ جَزِيرَة الْعَرَب، فَقَالَ: مكّة، وَالْمَدينَة، واليمامة، واليمن. قَالَ يعْقُوب: العرج: أول تهَامَة. قَالَ سعِيد بْن عبْد الْعزِيز: جَزِيرَة الْعَرَب: مَا بيْن الْوَادي إِلى أقْصَى الْيمن إِلى تخوم الْعرَاق، إِلى الْبَحْر. قَالَ أبُو عُبيدة: جَزِيرَة الْعَرَب: مَا بيْن حفر أبِي مُوسى إِلى

أقْصَى الْيمن فِي الطول، وأمّا الْعرض، فَمَا بيْن رمل يبرين إِلى مُنْقَطع السّماوة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جَزِيرَة الْعَرَب من أقْصَى عدن أبين إِلى ريف الْعرَاق فِي الطول، وأمّا الْعرض فَمن جُدة وَمَا والاها من سَاحل الْبَحْر إِلى أطرار الشَّام. وَقَالَ مالِك: أجلى عُمرُ أهل نَجْرَان، ولمْ يُجلوا من تيماء، لِأَنَّهَا لَيست من بِلَاد الْعَرَب، فَأَما الْوَادي، فَإِنِّي أرى إِنّما لمْ يُجل من فِيها من الْيهُود أَنهم لمْ يروها من أَرض الْعَرَب. 2756 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعُ إِلَّا مُسْلِمًا» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

وفِي رِوَايَة «لَئِن عشتُ إِن شَاءَ الله، لأُخْرِجنّ اليهُود والنّصارى مِنْ جَزِيرَة الْعَرَب». قَالَ رحِمهُ اللهُ: جملَة بِلَاد الإسْلام فِي حق الْكفَّار على ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا: الْحرم، فَلَا يجوز لكَافِر أَن يدخلهَا بِحَال، سَوَاء كَانَ ذِمِّيا، أوْ لمْ يكن، لقَوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التَّوْبَة: 28]، وَالْمرَاد بِالْمَسْجِدِ الْحرام: الْحرم، كَمَا قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الْإِسْرَاء: 1]، وَإِنَّمَا أُسرِي بِهِ من بيْت أُمِّ هَانِئ، وإِذا جَاءَ رسولٌ من دَار الْكفْر إِلى الإِمام، وَالْإِمَام فِي الْحرم، فَلَا يجوز أَن يَأْذَن للرسول فِي دُخُوله، بل يخرج إليْهِ الإمامُ، أوْ يبعثُ من يسمع رسَالَته. وَالْقسم الثَّانِي من بِلَاد الإسْلام: الْحجاز، فَيجوز للْكَافِرِ دُخُولهَا بِالْإِذْنِ، وَلَكِن لَا يُقيم بِها أكْثر من مُقام السّفر، وهُو ثَلَاثَة أيّام، فإِن عُمر رضِي اللهُ عنْهُ لما أجلاهم أجّل لمن يقدمُ مِنْهُم تَاجِرًا ثَلَاثًا، فإِن مرض فَهِيَ واحدٌ مِنْهُم، جَازَ أَن يمرّض فِيها، وَإِن مَاتَ يدْفن فِيها، وَلَا يجوز التمريضُ وَلَا الدّفن فِي الْحرم. وَالْقسم الثَّالِث: سَائِر بِلَاد الإسْلام يجوم للْإِمَام عقد الذِّمَّة مَعَ أهل الْكتاب ليقيموا فِيها وَيجوز لأهل الْحَرْب دُخُولهَا بالأمان، وَالْإِقَامَة فِيها إِلى انْقِضَاء مُدَّة الْأمان، وَلَا يدْخلُونَ الْمَسَاجِد إِلَّا بِإِذن مسلمٍ، واللهُ أعْلمُ. 2757 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ،

باب استقبال القادم وركوب ثلاثة الدابة

نَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْيَهُودَ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ، لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِا، لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَسَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَنْ يَكْفُوا الْعَمَلَ، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا»، فَأَقَرُّوا حَتَّى أَجْلاهُمْ عُمَرُ فِي إِمَارَتِهِ إِلَى تَيْمَاءَ، وَأَرِيحَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بابُ اسْتِقْبالِ القادِم ورُكُوِب ثلاثةٍ الدَّابَّة 2758 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخَدَاشَاهِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا عَاصِمٌ، عَنْ مُورِقٍ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِذَا جَاءَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ جَاءَ مِنْ سَفَرٍ، فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ، فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ، فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، إِمَّا حَسَنٌ، وَإِمَّا حُسَيْنٌ، فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلاثَةً عَلَى دَابَّةٍ». هَذَا صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وفِيهِ أَن ركُوب الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة جَائِز إِذا كَانَت الدَّابَّة تقوى على حملهمْ، وَلَا يُضر بِها الضَّرَر الْبَين، قَالَ ابْن عُمر: مَا أُبَالِي لَو كَانَت عَاشر عشرَة على دَابَّة إِذا أطافتنا. 2759 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَآخَرَ خَلْفَهُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، الأُغَيْلِمَةُ: تَصْغِيرُ الْغِلْمَةُ 2760 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَذْكُرُ «أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الصِّبْيَانِ تَتَلَقَّى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، مَقْدَمَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2761 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، نَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، لَعِبَتِ الْحَبَشَةُ بِحِرَابِهِمْ فَرَحًا لِقُدُومِهِ»

باب إذا قدم لا يطرق أهله ليلا

بابُ إِذا قدِم لَا يُطْرِقُ أهْلهُ ليْلا 2762 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ عَنْ أَهْلِهِ، فَلا يَأْتِي أَهْلَهُ طُرُوقًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ وقوْله: «لَا يأْتِي أهْلُهُ طرُوقًا»، أيْ: لَيْلًا، يُقال لِكُلِّ من أَتَاك لَيْلًا: طارقٌ، مِنْهُ قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1]، أيْ: النَّجْم، لِأَنَّهُ يطْرق بطلوعه لَيْلًا. 2763 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلْتَ لَيْلا، فَلا تَدْخُلْ عَلَى أَهْلِكَ حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ، وَتمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ شُعْبَةَ والاستحداد: مَعْنَاهُ الاحتلاق بالحديد وهُو الموسى، والمغيبةُ: الّتِي غَابَ عنْها زَوجهَا، ونقيضه: المُشهِدُ بِلَا هاءٍ. 2764 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لَا يَدْخُلُ إِلا غُدْوَةً، أَوْ عَشِيَّةً». هَذا حدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ هَمَّامٍ

باب من قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه

ورُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ، أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهاهُمْ أنْ يطْرُقُوا النِّساء ليْلا»، فطرق رجُلانِ بعد نهي النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوجدَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا مَعَ امْرَأَته رجُلا ". بابُ من قدم بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فصلى فِيهِ 2765 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَمِّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ كَعْبٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ضُحًى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنِ الضَّحَّاكِ، يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ، وَقَالَ: «كَانَ لَا يَقْدُمُ مِنْ سَفَرٍ إِلّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ، بَدَأَ بِالْمسْجِدِ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ» 2766 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، قَالَ لِي: «ادْخُلِ الْمَسْجِدَ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» 2767 - بِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا، أَوْ بَقَرَةً». وَقَالَ مُعَاذٌ: عَنْ شُعْبَةَ: «فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارًا أَمَرَ بِبَقَرَةٍ، فَذُبِحَتْ، فَأَكَلُوا مِنْهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

26 - كتاب الصيد والذبائح

26 - كِتابُ الصّيد والذّبائح بابُ مَا يجُوزُ الصّيْدُ بِهِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [الْمَائِدَة: 2]، وَالصَّيْد مَا كَانَ حَلَالا مُمْتنِعًا، لَا مالِك لهُ، وَقَالَ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [الْمَائِدَة: 4] الْآيَة، قوْلُهُ: {مِنَ الْجَوَارِحِ} [الْمَائِدَة: 4]، يعْني: الصّوائِد، واحِدتُها: جارِحةٌ، لِأنها تجْرحُ الصّيْد، ولِأنّها تكْسِبُ. قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ} [الْأَنْعَام: 60]، أيْ: كسبْتُمْ. وقوْلُهُ: {مُكَلِّبِينَ} [الْمَائِدَة: 4]، والمُكلِّبُ: الّذِي يُسلِّطُ الكِلاب على الصّيْدِ، والّذي يُعلِّمِهُ، يُقالُ لهُ: مُكلِّبٌ أيْضًا، والكلابُ: صاحِبُ الكِلابِ، ويُقالُ لِلصّائِدِ بِها أيْضًا: كلّابٌ. 2768 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، نَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ، فَأَمْسَكَ، وَقَتَلَ، فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ، فَلا

تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا خَالَطَ كِلابًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَأَمْسَكْنَ، وَقَتَلْنَ، فَلا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ، وَإِذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ، فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ، فَكُلْ، إِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ، فَلا تَأْكُلْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ شُجَاعٍ السَّكُونِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ قَالَ الإِمامُ: هَذَا الْحدِيث يتَضَمَّن فَوَائِد من أَحْكَام الصَّيْد مِنْهَا: أَن من أرسل كَلْبا على صيد، فَأَخذه وَقَتله، يكُون حَلَالا، وكذلِك جمِيع الْجَوَارِح المعلّمة من الفهد والبازي والصقر وَالْعِقَاب وَنَحْوهَا. وَالشّرط أَن تكون الْجَارِحَة مُعلّمة، وَلَا يحلُّ قتيلُ غيْر المعلّم. لِما رُوِي عنْ مجَالد، عنِ الشّعْبِيِّ، عنْ عدي بْن حَاتِم، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا علّمْت مِنْ كلْبٍ، أوْ بازٍ ثُمّ أرْسلْتهُ، وذكرْت اسْم اللهِ عليْهِ فكُلْ مِمّا أمْسك عليْك».

قَالَ الإِمامُ: والتعليم أَن يُوجد فِيهِ ثلاثُ شَرَائِط: إِذا أُشلي استشلى، وإِذا زُجر انزجر، وإِذا أَخذ الصَّيْد، أمسك ولمْ يَأْكُل، فإِذا فعل ذلِك مرَارًا أوْ أقلهَا ثَلَاثَة، كَانَ مُعلّمًا يحل بعد ذلِك قتيلهُ. وقوْله: «إِذا أرْسلْت كلْبك»، دلِيل على أَن الْإِرْسَال من جِهَة الصَّائِد شرطٌ، حتّى لَو خرج الْكَلْب بِنَفسِهِ، فَأخذ صيدا وَقَتله، لَا يكُون حَلَالا، أَجمعت الْأمة عليْهِ، لقَوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [الْمَائِدَة: 3]، وفِيهِ بَيَان أَن ذكر اسْم الله شَرط على الذَّبِيحَة حَاله مَا يذبح، أوْ فِي الصَّيْد حَالَة مَا يُرسل الْجَارِحَة، أوِ السهْم، فَلَو ترك التَّسْمِيَة، فَاخْتلف أهْل الْعِلْمِ فِيهِ، فَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ حَلَال، رُوِي ذلِك عنِ ابْنِ عبّاسٍ، وإِليْهِ ذهب مالِك، والشّافِعِي، وأحْمد، وقالُوا: المُرَاد من ذكر اسْم الله عزّ وجلّ: ذكر الْقلب، وهُو أَن يكُون إرْسَاله الْكَلْب على قصد الِاصْطِيَاد بِهِ، لَا على وَجه اللّعب. وَذهب قوْمٌ إِلى أنّهُ لَا يحل، سَوَاء ترك عَامِدًا أوْ نَاسِيا، وهُو الْأَشْبَه بِظَاهِر الْكتاب وَالسّنة، رُوِي ذلِك عنِ ابْن سِيرِين، والشّعْبِي، وبِهِ قَالَ أبُو ثَوْر، وداوُد.

وَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ لَو ترك التَّسْمِيَة عَامِدًا، لَا يحل، وَإِن تَركهَا نَاسِيا، يحل، وهُو قوْل الثّوْرِي، وأصْحاب الرّأْيِ، وَإِسْحَاق، وَاحْتج من شَرط التَّسْمِيَة بقوله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الْأَنْعَام: 121]، وَتَأَول من لمْ يرهَا شرطا على أَن المُرَاد من ذكر اسْم غيْر الله بِدَلِيل أنّهُ قَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الْأَنْعَام: 121]، وَالْفِسْق فِي ذكر اسْم غيْر الله، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آخر ال {[:] قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا إِلى قوْله: أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [سُورَة الْأَنْعَام: 145]، وَاحْتج من لمْ يَجْعَل التَّسْمِيَة شرطا بِمَا. 2769 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ، لَا نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِا أَمْ لَا؟ قَالَ: «اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَو كَانَت التَّسْمِيَة شرطا للْإِبَاحَة، كَانَ الشَّك فِي وجودهَا مَانِعا من أكلهَا، كالشك فِي أصل الذّبْح. وَاتَّفَقُوا على حِل ذَبِيحَة أهل الْكتاب.

وقوْله: «إِنْ أكل فَلَا تأْكُلْ»، فِيهِ دلِيلٌ على أَن الْجَارِحَة إِذا أكلت من الصَّيْد شيْئًا، كَانَ حَرَامًا، واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذهب أَكْثَرهم إِلى تَحْرِيمه، رُوِي ذلِك عنِ ابْنِ عبّاسٍ، وَعمر، وإِليْهِ ذهب عَطاء، وهُو قوْل الثّوْرِي، وَابْن الْمُبَارك، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وأصْحاب الرّأْيِ، وَأَصَح قولي الشّافِعِي. وَرخّص فِيهِ بعضُ أهْل الْعِلْمِ، وهُو قوْل مالِك. لما رُوِي عنْ أبِي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عنْ أبِي ثَعْلَبَة الخُشني، قَالَ: قَالَ النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صيد الْكَلْب: «إِذا أرْسلْت كلْبك وذكرْت اسْم اللهِ، فكُلْ وإِنْ أكل مِنْهُ»، ويُرْوى هَذَا أيْضًا عنِ ابْن عُمر، وَعَن سعْد بْن أبِي وَقاص: «كُل وإِنْ لمْ تُدْرِكْ إِلّا بِضْعةً واحِدةً». وَفرق بعضُ أهْل الْعِلْمِ بيْن الْكَلْب والبازي، فَقَالَ: يحرمُ مَا أكل مِنْهُ الكلبُ، وَلَا يحرمُ مَا أكل مِنْهُ الْبَازِي، وهُو اختيارُ الْمُزنِيّ، لِأَن

الْكَلْب يعلّم بترك الطُّعم، والبازي يعلّم بالطُّعم، فَأَكله لَا يحرِّم الصَّيْد. فَمن ذهب إِلى تَحْلِيله متمسكًا بِحَدِيث أبِي ثَعْلَبَة، حمل النَّهْي فِي حَدِيث عدي بْن حَاتِم على معنى التَّنْزِيه دُون التَّحْرِيم، وَمن ذهب إِلى تَحْرِيمه. فَأول قوْله فِي حَدِيث أبِي ثَعْلَبَة: «فكُل وَإِن أكل»، يعْنِي: وَإِن أكل أكل فِيمَا مضى من الزّمان إِذا لمْ يَأْكُل فِي الْحَال. واخْتلف الْقَائِلُونَ بِتَحْرِيمِهِ فِي الصيود الّتِي اصطادها من قبل مِمَّا لمْ يَأْكُل مِنْهَا أنّها هَل تحرم؟ فَمنهمْ من ذهب إِلى أنّهُ إِذا أكل من صيد مرّة يحرم بِهِ كُل صيد اصطاده من قبل، وَمِنْهُم من لمْ يحرِّم إِلَّا مَا أكل مِنْهُ، فَأَما إِذا شرب الدَّم، فَلَا يحرم، قَالَ عَطاء، وَالْأَكْثَرُونَ. وقوْله: «إِذا خالط كلابًا لمْ يذكر اسْم الله عليْها وقتلن، فَلَا تَأْكُل»، دلِيل على أَن الْكَلْب إِذا خرج بِنَفسِهِ من غيْر إرْسَال صَاحب فَقتل أنّهُ لَا يحلُّ. وفِيهِ دلِيلٌ على أنّهُ إِذا اشْترك فِي الذّبْح من تحِلُّ ذَبِيحَته، وَمن لَا تحِل ذَبِيحَته، مثل أَن أشترك مُسْلِم ومجوسي أوْ مُرْتَد فِي ذبح شَاة، أوْ أرسل مُسْلِم ومجوسي كَلْبا، أوْ سَهْما، على صيد، فَأَصَابَهُ وَقَتله، أنّهُ يكُون حَرَامًا، وَإِن أرسل كلُّ وَاحِد سَهْما، أوْ كَلْبا، فَأَصَابَهُ مَعًا فَحَرَام، إِلَّا أَن تصيب جارحةُ الْمُسلم المذبح، وجارحةُ الْمَجُوسِيّ غير المذبح، فَيكون حَلَالا، لِأَن الذّبْح قدْ حصل بجارحة الْمُسلم، فَلَا يُؤثر فعل الْمَجُوسِيّ فِي تَحْرِيمه، ويحلُّ مَا اصطاده الْمُسلم بكلب الْمَجُوسِيّ، وَلَا يحل مَا اصطاده الْمَجُوسِيّ بِكُل الْمُسلم إِلَّا أَن يُدْرِكهُ المسلمُ حيًّا، فيذبحه.

وفِي الْحدِيث دلِيل أنّهُ إِذا أرسل كَلْبا، أوْ سَهْما على صيد، فجرحه، فَغَاب عَنهُ، ثُمّ وجده مَيتا، وَلَيْسَ فِي أثرُ جرحه أنّهُ يحل. واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذهب أَكْثَرهم إِلى أنّهُ حَلَال إِلَّا أَن يجد فِيهِ جِراحة غَيره، أوْ يجده فِي مَاء، فَلَا يحلِ، لِأَنَّهُ لَا يُدرى أنّهُ مَاتَ من فعله، أوْ من فعل غَيره مِمَّن لَا تحل ذَبِيحَته، أوْ غرّقه المَاء، فَأَهْلَكَهُ، وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا هَذَا، وَالْقَوْل الثَّانِي: أنّهُ حرَام، وَقَالَ عبْد الله بْن عبّاس: كلْ مَا أصميت، ودع مَا أنْميْت. وَمَا أصميت: مَا قتلته وَأَنت ترَاهُ، وَمَا أنميت: مَا غَابَ عنْك مَقْتَله. وَقَالَ مالِك: إِن وجده من يَوْمه، فحلال، وَإِن بَات، فَلَا. فَأَما إِذا كَانَ سَهْمه، أوْ كَلْبه أَصَابَهُ مذبحه، فهُو حَلَال، سَوَاء وجده فِي مَاء، أوْ وجد فِيهِ سهم غَيره، لِأَن الذّبْح قدْ تمّ بِإِصَابَة المذبح، فَلَا يتَغَيَّر حكم تَحْلِيله بِمَا يحدث من بعد. ويُروى فِي حَدِيث عدي: «فإِنْ أمْسك عليْك، فأدْركْتهُ حيًّا، فأذْبحه»، وَهَذَا قوْل أهْل الْعِلْمِ: أَن الْكَلْب إِذا أَخذ صيدا، أوْ رُمي إليْهِ، فأدركه صَاحبه حيًّا، لَا يحلُّ مَا لمْ يذبحه بِقطع الْحلق واللبة، فإِن فرّط فِيهِ ذبحه لتعذر أداةٍ، أوْ غيْر حتّى مَاتَ، فَلَا يحلُّ، وكذلِك كلُّ مَا جرحه السَّبع من الصيود، فأدركه والحياة فِيهِ مُسْتَقِرَّة فذبحه، يحلُّ وَإِن صَار بِجرح السَّبع إِلى حَالَة الْمَذْبُوح، فَلَا يحلُّ، قَالَ الله

سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [الْمَائِدَة: 3]، وأصل الذَّكَاة: تَمام الشَّيْء وبلوغه منتهاه، يُقَال: ذكيتُ النَّار: إِذا أتممت إشعالها. 2770 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ، فَغَابَ عَنْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ، فَكُلْ مَا لَمْ يَنْتِنْ، وَيُرْوَى: مَا لَمْ يَصِلَّ «، يَعْنِي مَا لَمْ يَنْتِنْ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَهَذَا دلِيل على أنّهُ يحلُّ وَإِن غَابَ عنْ مَوته، ومنعهُ عنْ أكله بعد مَا أنتن استحبابُ، لِأَن تغير ريحِهِ لَا يُحرمُ أكله، فقدْ رُوِي أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أكل إِهالة سنِخةً " وهِي المتغيرة الرّيح. وقدْ يُحتمل أَن يكُون تغيره من هامّةٍ نهستهُ، فدبّ فِيها سمها، فَيكون أكله سَببا لهلاكه.

2771 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، نَا حَيْوَةُ، أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ " أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا، فَلا تَأْكُلُوا مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ ”. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ. وَرَوَاهُ الْولِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ عَائِذِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَقَالَ: قُلْتُ: إِنَّا أَهْلُ سَفَرٍ نَمُرُّ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، فَلا نَجِدُ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ؟، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ، ثُمَّ كُلُوا

فِيهَا وَاشْرَبُوا» وعائذ الله: هُو أبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، وَأَبُو ثَعْلَبَة: اسْمه جُرثوم، وَيُقَال جُرهم بْن ناشب، وَيُقَال: ابْن ناشر. قَالَ الإِمامُ: الْأَمر بِغسْل إِنَاء الْكفَّار فِيمَا إِذا علم نَجَاسَته يَقِينا. فقدْ رُوِي عنْ مُسْلِم بْن مِشْكمٍ، عنْ أبِي ثَعْلَبه، أنّهُ سَأَلَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّا نجاور أهل الْكتاب وهُمْ يطبخون فِي قدورهم الْخَنَازِير، وَيَشْرَبُونَ فِي آنيتهم الْخمر، فَقَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ لمْ تجِدُوا غيْرها فأرْحضُوها بِالْماءِ»، يعْنِي: اغسلوها، فَأَما إِذا لمْ يتَيَقَّن نَجَاسَته، فَالْأَصْل طَهَارَته، وكذلِك مِيَاههمْ وثيابهم على الطَّهَارَة، فقدْ رُوِي أَن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَوَضَّأ مِنْ مزادةِ مُشْرِكةٍ»، وتوضّأ عُمرُ مِنْ ماءٍ فِي جرّةِ

نصْرانِيّةٍ. ورُوِي عنْ جابِر، قَالَ: «كُنّا نغْزُو مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنُصِيبُ مِنْ آنِيةِ المُشْرِكِين وأسْقِيتِهِمْ، فنسْتمْتِعُ بِها، وَلَا يعِيبُ ذلِك عليْهِمْ». وَقَالَ عُمرُ بْنُ الخطّابِ: كلوا الْجُبْن مِمَّا يصنعُ أهل الْكتاب، وقالتْ أم سَلمَة فِي الْجُبْن: كلوا واذْكُرُوا اسْم الله. وَكَانَ الْحسن يكره طَعَام الْمَجُوس كلّه إِلَّا الْفَاكِهَة. 2772 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قَبِيصَةُ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُرْسِلُ الْكِلابَ الْمُعَلَّمَةَ؟ قَالَ: «كُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ»، قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَتَلْنَ»، قُلْتُ: إِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ؟ قَالَ: «كُلْ مَا خَرَقَ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ، فَلا تَأْكُلْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ،

عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ منْصُورٍ والمِعْراض: نصلٌ عريضٌ فِيهِ رزانةٌ وثقلٌ، وَيُقَال: المِعراض سهمٌ بِلَا ريش وَلَا نصلٍ. وفِي الْحدِيث من الْفِقْه أنّهُ إِذا رمى سَهْما إِلى صيد، فجرحه بحده، فَقتله كَانَ حَلَالا، وَإِن وقذه بثقله، أوْ خزقه بثقله، فَلَا يحل، لِأَنَّهَا موقوذة والموقوذة محرمةٌ بِنَصّ الْقُرْآن. وروى الشّعْبِي، عنْ عدي، عنِ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذا أصبْت بِحدِّهِ، فكُلْ، وإِذا أصَاب بِعرْضِهِ فَقتل، فإِنّهُ وقِيذٌ فَلَا تأْكُلْ»، وَأَرَادَ بالوقيذ: مَا ذكر سُبْحانهُ وَتَعَالَى فِي الْمُحرمَات: {وَالْمَوْقُوذَةُ} [الْمَائِدَة: 3]، وهِي الّتِي تقتل بعصا أوْ حِجَارَة لَا حدّ لَهَا، وكذلِك الْمَقْتُول بالبُنْدُقةِ حرامٌ. فَأَما صيد الْكَلْب وَغَيره من الْجَوَارِح، فَمَا جرحته الْجَارِحَة بِسنِّها، أوْ ظفرها، أوْ مخلبها فَقتلته، فحلال، وَإِن مَاتَ بثقلها ولمْ تجرحه، فعلى قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا هُو اخْتِيَار الْمُزنِيّ: أنّهُ حرَام كَمَا لَو قَتله بثقل السهْم، وَالثَّانِي: حَلَال، لِأَنَّهُ يشقُّ تَعْلِيم الْجَارِحَة الْجرْح، فَسقط اعْتِبَاره. وَلَو رمى صيدا فِي الْهَوَاء فجرحه، فَسقط على الأرْض فَمَاتَ، كَانَ حَلَالا وَإِن لمْ يدرِ أنّهُ مَاتَ فِي الْهَوَاء، أوْ بَعْدَمَا صَار إِلى الأرْض، لِأَن الْوُقُوع على الأرْض من ضَرُورَته، فإِن وَقع فِي مَاء، أوْ على جبل أوْ شجرٍ، ثُمّ تردى مِنْهُ، فَلَا يحلُّ، لِأَنَّهُ من المتردية، إِلَّا أَن يكُون السهْم قدْ أصَاب مذبحه، فيحلُّ، سَوَاء وَقع فِي مَاء، أوْ تردى من جبل. وَلَو رمى إِلى صيد، فأبان رَأسه، أوْ قدّه بنصفين، فهُو حَلَال، وَإِن

كَانَ أحد النصفين أَصْغَر من الآخر، وَذهب أصْحاب الرّأْيِ إِلى أنّهُ إِن قدّه بنصفين سَوَاء، فالكلُّ حلالٌ، وَإِن كَانَ أحد النصفين أَصْغَر، فَإِن كَانَ الرَّأْس مَعَ الْأَصْغَر، فَالْكل حَلَال، وَإِن كَانَ مَعَ الْأَكْبَر، حلّ الْأَكْبَر دُون الْأَصْغَر، وَعند الشّافِعِي يحِلُّ الكلُّ بِكُل حَال، فَأَما إِذا رمى إليْهِ فأبان عضوا مِنْهُ، أوْ قطع الْكَلْب المعلّم مِنْهُ قِطْعَة مِنْهُ، وَمَات، فَالْأَصْل حَلَال، وأمّا الْعُضْو المبان، فَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ حرَام، يُروى ذلِك عنِ ابْن مسْعُود، وبِهِ قَالَ الْحسن، وَإِبْرَاهِيم، وإِليْهِ ذهب أصْحاب الرّأْيِ، وَقَالَ الشّافِعِيُّ: إِن خرج الرّوح من الْكل مَعًا حلّ الكلُّ، وَإِن بَقِي الأَصْل حيًّا حتّى ذبحه بِفعل آخر، فالعضو المبان حرَام، لما رُوِي عنْ أبِي وَاقد اللَّيْثِيّ، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قُطِع مِن البهِيمةِ وهيِ حيّةٌ، فهِي ميْتةٌ»، فأمّا إِذا بِقِي الأَصْل حَيا بعد إبانة الْعُضْو مِنْهُ زَمَانا، ثُمّ مَاتَ قبل أَن يُقدر على ذبحه من الرَّمية الأولى، فَالْأَصْل حَلَال، واخْتلف أصْحاب الشّافِعِي فِي الْعُضْو المبان، فأحله بعْضهم، وَحرمه الْآخرُونَ.

باب ذبيحة أهل الشرك وأهل الكتاب

بابُ ذبِيحةِ أهْلِ الشِّرْكِ وأهْلِ الْكِتابِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [الْمَائِدَة: 5]. 2773 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: «كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ 2774 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، نَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُوسَى، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو

بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلَ بَلْدَحٍ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُفْرَةٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا»، ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمامُ: قدْ أَبَاحَ الله تَعَالَى ذَبَائِح أهل الْكتاب، فَذهب جمَاعَة من أهْل الْعِلْمِ إِلى أَن ذَبَائِحهم حَلَال، وَإِن ذَبَحُوا باسم الْمَسِيح، أوْ بِغَيْر اسْم الله، لِأَن الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى أَبَاحَهُ على الْإِطْلَاق، وَذهب جمَاعَة إِلى أَنهم إِذا ذَبَحُوا باسم الْمَسِيح، أوْ لغير اسْم الله، لمْ يحل، وَكره بعْضهم أيْضًا مَا يذبحون للكنائس وَالْبيع، وَإِنَّمَا أحلُّوا مَا ذَبَحُوا لأقواتهم، قَالَ الزُّهْرِي: «فإِن سمعته يُسَمِّي لغير الله، فَلَا تَأْكُل، وَإِن لمْ تسمع فقدْ أحله الله، وَعلم كفرهم»، ورُوِي عنْ علِي نَحوه، وَكره بعْضهم أَن

يولي المسلمُ الْمُشرك ذبح ذَبِيحَته، وَإِنَّمَا أحلّ مِنْهَا مَا ذبحوه من ملكهم، لِأَن الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى قَالَ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [الْمَائِدَة: 5]. وَحكي عنْ مالِك أنّهُ كَانَ لَا يرى أَن تُؤْكَل الشحومُ من ذَبَائِح الْيهُود، لِأَنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِم. قَالَ الْخطّابِيُّ: وأحسبهُ ذهب إِلى قوْله عزّ وجلّ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [الْمَائِدَة: 5]، وَلَيْسَت الشحوم من طعامهم الْمُبَاح لهُمْ، وَحَدِيث عبْد الله بْن مُغفل حجَّة على إِبَاحَته، لِأَنَّهُ رُوِي أنّهُ قَالَ: " أصبتُ جرابًا من شَحم يوْم خَيْبَر، فالتزمته، فقُلْتُ: لَا أُعْطِي اليوْم أحدا مِنْ هَذَا شيْئًا، فالتفتُّ، فإِذا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتبسِمًا ". فَأَما ذَبِيحَة أهل الشّرك وَالْمَجُوس، فَحَرَام. وَحَدِيث عبْد الله بْن عُمر، أَن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِي زيْد بْن عمْرو بْن نُفيل

بِأَسْفَل بلدح، قَالَ الْخطّابِيُّ: امْتِنَاعه من أكل مَا فِي السفرة إِنّما كَانَ خوفًا من أَن يكُون ذلِك مِمَّا ذبح لأصنامهم، فَأَما مَا ذبحوه لمأكلتهم، فَكَانَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يتنزه عَنهُ، لِأَنَّهُ كَانَ بيْن ظهرانيهم، ويتناول أطعمتهم، ولمْ يُرْو أنّهُ تنزه عنْ شيْء من ذلِك قبل نزُول تَحْرِيم ذَبَائِح الشّرك إِلَّا مَا كَانَ من اجتنابه الميتات طبعا، أوْ تقذرًا، وَمَا ذبح لأصنامهم لِئَلَّا يكُون معظّمًا لغير الله عصمَة من الله عزّ وجلّ، ولمْ يزل عليْهِ السّلام على شَرِيعَة إِبْراهِيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولمْ يكن يتَنَاوَل مَا لَا يحلُّ ولمّا لمْ يكن فِيمَا ذبحوه لمأكلتهم معنى الْميتَة، وَلَا معنى مَا ذبح لأصنامهم، ولمْ ينزل عليْهِ تَحْرِيمه، كَانَ الظَّاهِر مِنْهُ الْإِبَاحَة كأمر النِّكَاح، فإِنّهُ أنكح ابْنَته زَيْنَب من أبِي الْعَاصِ بْن الرّبِيع وهُو مُشْرك، وَبقيت بعد الْهِجْرَة بِمَكَّة مُدَّة، ثُمّ نزل تَحْرِيم إنكاحهم بعد ذلِك، فَكَذَلِك أَمر أطعمتهم.

باب اتخاذ الكلب للصيد

بابُ اتِّخاذِ الكلْبِ للصّيْدِ 2775 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ ضَارِيًا، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ والضاري: الّذِي يصيد. 2776 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ، أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ»

2777 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ صَيْدٍ، أَوْ زَرْعٍ، انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ». قَالَ الزُّهرِيُّ: فَذَكَرَ لابْنِ عُمَرَ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ الْخطّابِيُّ: فِي قوْل ابْن عُمر: يرحم الله أَبَا هُريْرة كَانَ صَاحب زرع، قَالَ: أَرَادَ تَصْدِيق أبِي هُريْرة، وتوكيد قوْله، وَجعل حَاجته إِلى ذلِك شَاهدا لهُ على عِلمهِ، لِأَن من صدقت حاجتُه إِلى شيْء، كثرت

باب قتل الكلاب

مَسْأَلته عَنهُ حتّى يُحكمه، وقدْ رواهُ عبْد اللهِ بْن مُغفّلٍ المُزني، وسُفْيَان بْن أبِي زُهَيْر، عنِ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرا فِيهِ الزَّرْع كَمَا ذكره أبُو هُريْرة. وَعبد الله بْن مغفلٍ كنيته أبُو سعِيد، وَيُقَال: أبُو زيادٍ نزل الْبَصْرَة. بابُ قتْلِ الكِلابِ 2778 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلابِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 2779 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ،

نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلابِ بِالْمَدِينَةِ، فَأُخْبِرَ بِامْرَأَةِ لَهَا كَلْبٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقُتِلَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ نَافِعٍ 2780 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا الْمُبَارَكُ هُوَ ابْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلا أَنَّ الْكِلابَ أُمَّةٌ، لأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قِيلَ: الأَسْوَدُ الْبَهِيمُ: الَّذِي لَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْبَيَاضِ، قَالَ أَبُو سُليْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى هَذَا الْكَلامِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ إِفْنَاءَ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ، وَإِعْدَامَ جِيلٍ مِنَ الْخَلْقِ، لأَنَّهُ

مَا مِنْ خَلْقٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلا فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَضَرْبٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ. يَقُولُ: إِذَا كَانَ الأَمْرُ عَلَى هَذَا، وَلا سَبِيلَ إِلَى قَتْلِهِنَّ كُلِّهِنَّ، فَاقْتُلُوا شِرَارَهُنَّ وَهِيَ السُّودُ الْبُهْمُ، وَأَبْقُوا مَا سِوَاهَا، لِتَنْتَفِعُوا بِهِنَّ فِي الْحِرَاسَةِ قَالَ الإِمامُ: ورُوِي فِي الْحدِيث: «إِنّ الكلْب الأسْود شيْطانٌ»، وحُكِي عنْ أحْمد وَإِسْحَاق أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يحلُّ صيد الْكَلْب الْأسود، قَالَ الإِمامُ: قِيل: جعل الْأسود مِنْهَا شَيْطَانا لخبثها، لِأَن الْأسود البهيم أضرها وأعقرها، وَالْكَلب أسْرع إليْهِ مِنْهُ إِلى جَمِيعهَا وهِي مَعَ هَذَا أقلهَا نفعا، وأسوءها حراسة، وأبعدها من الصَّيْد، وأكثرها نعاسًا. وقِيل فِي تَخْصِيص كلاب الْمدِينة بِالْقَتْلِ: من حَيْثُ أَن الْمدِينة كَانَت مهبط الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي، وهُمْ لَا يدْخلُونَ بَيْتا فِيهِ كلب. ورُوِي عنْ عمْرو بْن دِينار، عنِ ابْن عُمر: أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمر بِقتْلِ الكِلابِ إِلّا كلْب صيْدٍ، أوْ كلْب غنمٍ، أوْ ماشِيةِ».

2781 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنَا الشَّرِيفُ أَبُو عَمْرٍو الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، نَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ ابْنِ مُغَفَّلِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلابِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا لَهُمْ وَلَهَا»، فَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ، وَفِي كَلْبِ الْغَنَمِ، وَقَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ، فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرَارٍ، وَالثَّامِنَةَ عَفِّرُوهُ بِالتُّرَابِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ

باب البعير إذا ند

بابُ البعِيرِ إِذا ندّ 2782 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، وَأَصَبْنَا إِبِلا، وَغَنَمًا، وَكَانَ النَّبِيُّ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَعَجَّلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ، «فَدَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ، فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَّمَ، فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ»، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ بَسِيرَةٌ، فَطَلَبُوهُ، فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٍ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ، فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا»، قَالَ: وَقَالَ جَدِّي: إِنَّا لَنَرْجُو، أَوْ نَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: " مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ، وَالظُّفْرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ قوْله: «أوابِد فالأوابد»، هِي الّتِي قدْ توحشت ونفرت، يُقَال: أَبَد الرجل يأبِدُ أبُودًا: إِذا توحش وتخلى، وتأبّدت الديارُ: إِذا توحشت، وهذِهِ آبدة من الأوابد، أيْ: نادرة فِي بَابهَا لَا نَظِير لَهَا وَجَاء فُلان بآبدةٍ، أيْ: بخصلة يستوحش مِنْهَا، والمُدى: جمع مُدية وهِي السكين. وَقَول: «مَا أنْهر الدّم»، أيْ: أساله وأجراه، وَمِنْه سمي النهرُ، لِأَنَّهُ يجْرِي فِيهِ المَاء. وفِي الْحدِيث من الْفِقْه جوازُ قسْمَة الْحَيَوَان، ومعادلة الْعدَد بِالْوَاحِدِ عِنْد تفَاوت الْقيمَة. وأمّا أمره بإكفاء الْقُدُور، فقدْ قَالَ قوم: إِن الْقَوْم أَصَابُوا غنيمَة فذبح بعْضهم مِنْهَا شيْئًا من النعم بِغَيْر إِذن البَاقِينَ لَا يُؤْكَل، وَقَالَ طَاوس وَعِكْرِمَة فِي ذَبِيحَة السَّارِق: اطرحوه. قَالَ الإِمامُ: وَعند

الْأَكْثَرين: اللَّحْم حَلَال مَمْلُوك للشركاء، وَلَعَلَّه أَمر بِهِ زجرا وردعًا، لأَنهم ذبحوها قبل الْقِسْمَة على سَبِيل النهب، فَلم يطِب لهُمْ. وفِيهِ دلِيلٌ على أَن الْحَيَوَان الْإِنْسِي إِذا توحش وَنَفر، فَلم يُقدر على قطع مذبحه، يصير جمِيع بدنه فِي حكم المذبح، كالصيد الّذِي لَا يُقدر عليْهِ، وكذلِك لَو وَقع بعيرٌ فِي بئرٍ منكوسًا، فَلم يُقدر على قطع حلقهِ فطعن فِي مَوضِع من بدنه فَمَاتَ، كَانَ حَلَالا، رُوِي عنْ أبِي العُشراء، عنْ أبِيهِ، قَالَ: قلتُ: يَا رسُول اللهِ، أما تكون الذَّكَاة إِلَّا فِي الْحلق واللبّة؟، قَالَ: «لوْ طعنْت فِي فخْذها لأجْزأ عنْك»، وَأَرَادَ بِهِ فِي غيْر الْمَقْدُور عليْهِ. قَالَ أبُو عِيسى: وَلَا يُعرف لأبي العُشراء، عنْ أبِيهِ غيرُ هَذَا الْحدِيث، وَاخْتلفُوا فِي اسْم أبِي العُشراءِ، قِيل: اسْمه أُسامة بْن مالِك بْن قِهطم الدَّارمِيّ، وَيُقَال يسَار بْن برزٍ، وقِيل: اسْمه عُطاردٌ. وَذهب ربيعَة ومالِك إِلى أَن الْإِنْسِي إِذا توحش، فَلَا يحلُّ إِلَّا بِقطع مذبحه، وَلَا يتغيرُ حكمه بالتوحش، وأكثرُ الْعلمَاء على خِلَافه. وعَلى عَكسه لَو استأنس الصيدُ، وَصَارَ مَقْدُورًا عليْهِ لَا يحلُّ إِلَّا بِقطع مذبحه بِاتِّفَاق أهْل الْعِلْمِ حتّى لَو رمى إِلى صيد، فأزال امْتِنَاعه بِأَن كَانَت دَابَّة، فأعجزها عنِ الْعَدو، أوْ طائرًا، فأعجزه عنِ الطيران والعدو، ملكه

بِهذا الإزمانِ، ثُمّ إِن صيّرتْهُ الْجراحَة إِلى حَالَة الْمَذْبُوح، فَمَاتَ مِنْهَا، فهُو حَلَال، وَإِن لمْ يُصيِّرهُ إِلى حَالَة الْمَذْبُوح، فَلَا يحلُّ إِلَّا بِقطع المذبح إِذا وصل إليْهِ وهُو حيُّ، وَلَو سَار إليْهِ، فَقبل أَن وصل إليْهِ، مَاتَ من جرحه، أوْ وصل إليْهِ حَيا وتهيأ لذبحه، ففارقه الرّوح قبل أَن ذبحه، فهُو حلالٌ. وَلَو توانى فِي ذبحه، أوِ اشْتغل بِطَلَب آله الذّبْح، أوْ بتحديد السكين، أوْ تعلق سكينه بغمد، فَمَاتَ، فَحَرَام. وفِي الْحدِيث بَيَان أَن كلّ محددٍ يجرح يحصل بِهِ الذّبْح، سَوَاء كَانَ حديدًا أوْ قصبًا، أوْ خشبًا، أوْ زجاجًا، أوْ حجرا سوي السن وَالظفر. ورُوِي عنْ كَعْب بْن مالِك، أنّهُ كَانَت لهُمْ غنم ترعى بسلع فَأَبْصَرت جَارِيَة بِشَاة موتا، فَكسرت حجرا، فذبحتها بِهِ، فَسَأَلَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ ذلِك، «فأمرهُ بأكْلِها». وقوْله: «ليْس السِّنّ والظّفْر»، بِمَعْنى الِاسْتِثْنَاء، وَإِعْرَابه النصب. قَالَ رحِمهُ اللهُ: أما السنُّ وَالظفر، فَلَا يَقع بِها الذَّكَاة، وفِي تَعْلِيله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِنّ بِأَنَّهُ عظمٌ دلِيل على أَن الْقَوْم كَانَ متقررًا عِنْدهم أَن الذَّكَاة لَا تحصُل بِشَيْء من الْعِظَام، وهُو قوْل أكْثر أهْل الْعِلْمِ، سَوَاء كَانَ الْعظم والسنُّ بائنين عنِ الإِنْسان، أوْ غيْر بائنين، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي وَذهب بعْض أصْحابه إِلى أَن الذّبْح يحصلُ بِعظم مَا يُؤْكَل لَحْمه، وَعَامة أصْحابه، على خِلَافه. وَقَالَ مالِك: إِن ذُكِّي بالعظم، فمرّ مرا، أَجزَأَهُ،

وَالنَّهْي عَنهُ لِما أَن الْغَالِب من أَمر الْعظم أنّهُ لَا يقطعُ المذابح، وَلَا يمور فِيها مور الْحَدِيد. وَذهب أصْحاب الرّأْيِ إِلى أَن السِنّ والعظم إِن كَانَا بائنين عنِ الإِنْسان تحصل بهما الذَّكَاة، وَإِن كَانَ غيْر منزوعين، عنْ مكانهما، فَلَا تحصل، لِأَن ذلِك بِمَنْزِلَة مَا يعالجه الإِنْسان بِيَدِهِ وأنامله، فَأشبه الخنق، ثُمّ هَذَا الاخْتِلاف بيْن الْعلمَاء فِيمَا إِذا ذبح مَقْدُورًا عليْهِ بِعظم، أوْ رمي عظما إِلى صيدِ، فَأَما إِذا جرح الكلبُ الصَّيْد بسنِّهِ أوْ ظفره، فَقتله، فحلال بالِاتِّفَاقِ. وَذكر الْخطابِيّ أنّهُ إِذا اتخذ الرَّامِي نصلا من عظمٍ فَأصَاب بِهِ صيدا جَازَ، قَالَ الإِمامُ: وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز كَمَا لَو ذبح الْمَقْدُور عليْهِ بالعظم بِخِلَاف من الْجَارِحَة ومخلبها، لِأَنَّهُ لَا يُمكن الاحترازُ عَنهُ. وقوْله: «أمّا الظُّفْرُ فمِدى الْحبشةِ»، مَعْنَاهُ: أَن الْحَبَشَة يُدمون مذابح الشَّاة بأظفارهم، ويجرحونها، فُيحِلونها مَحل المُدي الّتِي يستعملها المُسْلِمُون، وَلَا خلاف أَن المدى الّتِي يُقطع بِها يحصل بِها الذَّكَاة وَإِن كَانَ الْكفَّار يستعملونها. قَالَ الْحسن، وَإِبْرَاهِيم: لَا بأْس بِذبِيحةِ الأقْلفِ، وهُو قوْل أهْل الْعِلْمِ وذبيحة الأمةِ حلالٌ، وَكَذَا الصّبيُّ، وفِي الْمَجْنُون اخْتِلاف. قَالَ الحكم: إِنِّي لأذبح وَإِنِّي لجنُبٌ.

باب الإحسان في القتل وتحديد الشفرة

بابُ الإِحْسانِ فِي القتْلِ وتحْديدِ الشّفْرةِ 2783 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنَعَانِيِّ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَإِذَا قَتَلْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُّكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ الإِمامُ: الْإِحْسَان فِي الْقَتْل وَالذّبْح مَكْتُوب على الإِنْسان كَمَا نطق بِهِ الحديثُ، فَمن ذلِك تحديدُ الشَّفْرَة، ليَكُون أيسر على الذَّبِيحَة، وقدْ رُوِي فِي حَدِيث رَافع بْن خديج، حِين قَالَ: أنّا لاقو الْعَدو غَدا وَلَيْسَت مَعنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ فَقَالَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أعْجِلْ وأرْنِ»، مَعْنَاهُ: خِفّ واعجل، لِأَن الذّبْح إِذا كَانَ بِغَيْر الْحَدِيد

احْتَاجَ صَاحبه إِلى خفَّة يدٍ، وَسُرْعَة فِي إمرارها على الْحلق حتّى لَا تختنق الذَّبِيحَة، بِمَا ينالها من ألم الضغط. رُوِي أَن رجُلا أحدّ شفرته وقدْ أَخذ شَاة ليذبحها، فَضَربهُ عُمر بِالدرةِ، فَقَالَ: أتْعذِّب الرُّوح؟ أَلا فعلْت هَذَا قبْل أنْ تأْخُذها. وَالِاخْتِيَار فِي الإِبِل النَّحْر، وهُو أَن يقطع اللبة، وفِي الْبَقر وَالْغنم الذّبْح، وهُو قطع أَعلَى الْعُنُق، لِأَن عنق الْبَعِير طَوِيل، فإِذا قُطِع

أسْفلهُ يكُون أعجل لزهوق الرّوح، فَلَو نحر الْبَقر وَالْغنم، أوْ ذبح الْبَعِير فَجَائِز، وَقَالَ مالِك: لَو ذبح الْبَعِير، أوْ نحر الشَّاة، فَلَا يحل وفِي الْبَقر يتَخَيَّر بيْن الذّبْح والنحر، وَقَالَ عُمر، وابْن عبّاس: الذَّكَاة فِي الْحلق واللبة، وَزَاد عُمر: «وَلَا تُعجِلُوا الأنْفُس أنْ تزْهق»، أَرَادَ بقوله: لَا تُعجِلوا الْأَنْفس أَن تزهق، أيْ: لَا يسلخها بعد قطع مذبحها مَا لمْ يفارقها الرّوح. وَنهى ابْن عُمر عنِ النخع، والنخع: هُو الْقَتْل الشَّديد، وهُو أَن يُبالغ فِي قطع حلقها حتّى يبلغ النخاع وهُو خيط الرَّقَبَة، والبخع بِالْبَاء أيْضًا: الْقَتْل الشَّديد، وَمِنْه قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الْكَهْف: 6]، أيْ: قاتلها ومُهْلِكُها مبالغًا فِيها حرصًا على إسْلَامهمْ، وأقلُّ الذّبْح: قطع المري والحلقوم، وكماله أَن يقطع الودجين مَعَهُمَا.

باب النهي عن أن يصبر الحيوان

بابُ النّهيِ عنْ أنّ يصْبِر الْحيوان 2784 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيّ، نَا عَليّ بن الْجَعْد، أَنا شُعْبَة، عَن عدي بن ثَابت، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا». هَذَا حدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ 2785 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَنْهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقتْلِ» 2786 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ قوْله: «أنْ تُصْبر بهِيمةٌ»، أَرَادَ بِهِ أَن يحبس الْحَيَوَان، فَيَرْمِي

إليْهِ حتّى يَمُوت، وأصل الصَّبْر: الحبسُ. ورُوِي عنِ ابْن تِعلي، قَالَ: غزونا مَعَ عبْد الرَّحْمَن بْن خالِد بْن الْولِيد، فَأتي بأَرْبعَة أعلاج من الْعَدو، فَأمر بِهِمْ، فقُتِلوا بِالنَّبلِ صبرا، فَبلغ ذلِك أَبَا أَيُّوب الأنْصارِي، قَالَ: سمِعْتُ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ينْهي عنْ قتْلِ الصّبْرِ، فَبلغ ذلِك عبْد الرَّحْمَن بْن خالِد، فَأعتق أَربع رِقَاب. ورُوِي عنْ عِكْرِمة، عنِ ابْنِ عبّاسٍ، أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» نهى عَن المُجثّمةِ، وعنْ لبن الجلالةِ، وَعَن الشُرْبِ مِن فِي السِّقاءِ "، وَالْمرَاد من الْمُجثمَة: المصبورة، لِأَنَّهَا قدْ جُثِّمت على الْموْت: أيْ: حُبِست عليْهِ

باب كراهية ذبح الحيوان لغير الأكل

بابُ كراهِية ذبْحِ الحيوانِ لِغيْرِ الأكْلِ 2787 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو عَبَّاسٍ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْ قَتلِهِ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: «أَنْ يَذْبَحَهَا، فَيَأْكُلَهَا، وَلا يَقْطَعْ رَأْسَهَا، فَيَرْمِي بِهَا»

قَالَ الإِمامُ: فِيهِ كراهيةُ ذبح الْحَيَوَان لغير الْأكل، وقدْ رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ، قَالَ: «نهى رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ مُعاقرةِ الأعْرابِ»، وَأَرَادَ بمعاقرة الْأَعْرَاب: أَن يتبارى الرّجلَانِ، فيعقر هَذَا عدد من إِبِلِهِ، ويعقِر صاحبُه، فَأَيّهمَا كَانَ أَكثر عقرًا، غلب صَاحبه، كرِه لحومها لِئَلَّا يكُون مِمَّا أُهِلّ بِهِ لغير الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى. قَالَ الْخطّابِيُّ رَحمَه الله: وفِي مَعْنَاهُ مَا جرت بِهِ عَادَة النّاس من ذبح الْحَيَوَان عِنْد قدوم الْمَمْلُوك والرؤساء، وأوانِ حُدوثِ نِعمةٍ تتجدد لهُمْ فِي نَحْو ذلِك من الْأُمُور. 2788 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَّ عَبْدَ الْغَافِرِ بْنَ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنًّى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ أَبِي بَزَّةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ إِلَّا مَا فِي قِرَابِ سَيْفِي، فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً فِيهَا: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمامُ: تَغْيِير منارِ الأرْض أَن يرفع الْعَلامَة الّتِي جُعلت على حدِّ الأرْض بَينه وَبَين الجارِ ليقتطع بِهِ شيْئًا من أَرض الْجَار. ورُوِي عنْ أنس، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا عقْر فِي الإسْلامِ». قَالَ الْخطّابِيُّ: كَانَ أهل الْجاهِلِيّة يعقِرون الإِبِل على قبر الرجل الْجواد، يَقُولُونَ: نُجازيه على فعله ليأكلها السبَاع وَالطير، فَيكون مطعمًا فِي مماته كَمَا فِي حَيَاته.

باب ذكاة الجنين

بابُ ذكاةِ الجنِينِ 2789 - قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْخِرَقِيِّ، فَقُلْتُ: قُرِئَ عَلَى أَبِي سَهْلٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيِّ، وَأَنْتَ حَاضِرٌ، فَقِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمْ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَنْحَرُ النَّاقَةَ، وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ، وَالشَّاةَ، فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ: أَنُلْقِيهِ، أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: «كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ، فِإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَبُو الْوَدَّاكِ اسْمُهُ: جَبْرُ بْنُ نَوْفٍ قَالَ الإِمامُ: وفِي الْحدِيث دليلٌ على أَن السّنة فِي الإِبِل النَّحْر، وفِي الْبَقَرَة وَالشَّاة الذّبْح. وفِيهِ أَن من ذبح حَيَوَانا فَخرج من بَطنهَا جنِينٌ ميتٌ يكُون حَلَالا، ورُوِي عنْ أبِي الزُّبيْر، عنْ جابِر، عنْ رسُول

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ذكاةُ الجنِينِ ذكاةُ أُمِّهِ»، وَهَذَا قوْل أكْثر أهْل الْعِلْمِ من أصْحاب النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهُو قولُ إِبْراهِيم، وإِليْهِ ذهب الثوريُّ، وَابْن الْمُبَارك، والشّافِعِي، وأحْمد، وَإِسْحَاق. وَشرط بعْضهم الْإِشْعَار، رُوِي عنِ ابْن عُمر، قَالَ: إِذا نحرت النَّاقة، فذكاة مَا فِي بَطنهَا فِي ذكاتها إِذا تمّ خلْقُهُ، وَنبت شعْرُهُ. ومثلهُ عنْ سعِيد بْن الْمُسيِّبِ، وبِهِ قَالَ الحكم. وَقَالَ أبُو حنِيفة: لَا يحلُّ أكل الْجنِين إِلَّا أَن يخرج حيًّا ويُذبح، وَجعله ابْن الْمُنْذر متفردًا بِهذا القَوْل، فَأَما إِذا خرج الْجنِين حيًّا، فاتفقوا على أَن ذبحه شَرط حتّى يحلّ.

باب وسم الدواب

بابُ وسْمِ الدّوابِّ 2790 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، نَا الْوَلِيدُ، نَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: غَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ، «فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنِ الْولِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الأَوْزَاعِيِّ 2791 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ،

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَخٍ لِي يُحَنِّكُهُ وَهُوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ، " فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاءً، حَسِبْتُهُ قَالَ: فِي آذَانِهَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ والمربد: الْموضع الّذِي يُحبس فِيهِ الإبلُ وَالْغنم، والربدُ: الحبسُ. وفِي الْحدِيثِ دلِيلٌ على إِبَاحَة وسم الدَّوَابّ، وهُو مسنون فِي نعمِ الصَّدَقَة، والجزية حتّى لَا تختلط بغَيْرهَا، وتتميز إِحْداهُما عنِ الْأُخْرَى، فإِن مُستحق الْمَالَيْنِ مختلفٌ، وفِي وسم نعمِ الصَّدَقَة معنى آخر، وهُو أَن لَا يَشْتَرِيهَا مالِكُها على توهم أنّها غيرُ صدقته، فإِنّهُ يُكره للرجل أَن يتَصَدَّق بِشَيْء ثُمّ يَشْتَرِيهِ. وميسم الْغنم يكُون ألطف من ميسم الإِبِل وَالْبَقر، ويسم الإِبِل وَالْبَقر على أفخاذها، ويسمُ الْغنم فِي أصُول آذانها، وَلَا يجوز وسم الْوَجْه لِما. 2792 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّرْبِ فِي

الْوَجْهِ، وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وفيْما رُوِي عنْ أنس دلِيل على أَن الْأذن ليْس من الْوَجْه، لِأَنَّهُ كَانَ يسمُ الْغنم فِي آذانها، وقدْ نهى عنْ وسم الْوَجْه. ورُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ أنّ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رأى حِمارًا موْسُوم الوجْهِ، فأنْكر ذلِك». وَعَن إِبْراهِيم النّخعِي، قَالَ: نهي عنْ إخصاء الْخيْل، ورُوِي عنْ أنس فِي قوْلِهِ: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النِّسَاء: 119]، قَالَ: الإخصاء ".

باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع

بابُ النّهْيِ عنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِن السِّباعِ 2793 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 2794 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ 2795 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ رحِمهُ اللهُ: أَرَادَ بِذِي الناب: مَا يعدو بنابه على النّاس وَأَمْوَالهمْ، مثل الذِّئْب، والأسد، وَالْكَلب والفهد، والنمر، والببرِ، والدب والقرد، وَنَحْوهَا، فَهِيَ وأمثالُها حرامٌ، وكذلِك كلُّ ذِي مخلبٍ من الطير: كالنسر، والصقْر، والبازي، وَنَحْوهَا. وَسمي مخلب الطَّائِر مخلبًا، لِأَنَّهُ يخْلِبُ، أيْ: يشق وَيقطع، وَمِنْه قِيل: للمنجل: مِخلب.

ويُرْوى: «يُؤْكلُ مَا دفّ وَلَا يُؤْكلُ مَا صفّ»، يعْنِي: مَا حرك جنَاحه فِي الطيران كالحمام وَنَحْوه يُؤْكَل. وَمَا صفّ جنَاحه كالنسور، والصقور لَا يؤكلْ. واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي إِبَاحَة الضبع، فحرمه جمَاعَة لظَاهِر الْحدِيث، وأباحه جمَاعَة، لما رُوِي عنْ جابِر أنّهُ " سُئِلَ عنِ الضبع أصيد هِي؟ قَالَ: نعم، قِيل: سمعته من رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نعم ". وقدْ ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْحَج. وَاخْتلفُوا فِي الثَّعْلَب، فأباحه قومٌ، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي، وَحرمه آخَرُونَ.

باب أكل الضب

بابُ أكْل الضّبِّ 2796 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ، فَقَالَ: لَا آكُلُهُ، وَلا أُحَرِّمُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْماعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ 2797 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، أَنَا قُتَيْبَةُ، نَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُئِلَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنِ الضَّبِّ، قَالَ: لَا آكُلُهُ، وَلا أُحَرِّمُهُ " 2798 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو

إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَنَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلا نَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " مَا تَرَى فِي الضَّبِّ؟ فَقَالَ: لَسْتُ بِآكِلِهِ، وَلا مُحَرِّمِهِ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 2799 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَأُتِيَ بِضَّبِّ مَحْنُوذٍ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ». قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: فَاجْتَرَرْتُهُ، فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ والمحنوذ: المشوي بالرضف، وهِي الْحِجَارَة المحماة، وَمِنْه قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69]، أَي: مشوي بالرضف حتّى يقْطُر عرقًا، وَيُقَال أَصله من حِناذ الْخيْل، وهُو أَن يُظاهر عليْها جُلٌّ فَوق جُلّ لتعرق تحتهَا. وقوْله: «أعافُهُ» أَي: أقذرُهُ، يُقَال: عِفتُ الشَّيْء، أعافُهُ عيافًا: إِذا كرههُ، وَمن زجر الطير عِفتُها أعيفها عِيافة، وَيُقَال فِي غَيره: عافتِ الطير، تعيفُ عيفًا: إِذا كَانَت تحومُ على المَاء. 2800 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَيِ أَبُو بِشْرٍ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَهْدَتْ أُمُّ حُفَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمْنًا، وَأَقِطًا، وَأَضُبًّا، «فَأَكَل النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّمْنِ، وَالأَقِطِ، وَتَرَكَ الضَّبَّ تَقَذُّرًا»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ

مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ وَأَبُو بشرٍ اليشْكُريُّ، هُو جَعْفَر بْن إِيَاس بْن أبِي وحشية يُعدُّ فِي الْبَصرِيين، مَاتَ سنة أربعٍ، أَو ثلاثٍ وعِشْرِين وَمِائَة، وأمُّ حُفيد بنت الْحارِث بْن حزنٍ خَالَة عبْد الله بْن عبّاس. وفِي الْحدِيثِ دلِيلٌ على أَن ترك النكير من النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكُون دلِيل الْإِبَاحَة، واخْتلف أهلُ الْعلم من أصْحاب النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمن بعدهمْ فِي أكل الضّبِّ، فَذهب جمَاعَة إِلى إِبَاحَته، رُوِي ذلِك عنْ عُمر، وَابْن عبّاس، وإِليْهِ ذهب مالِك، وَالْأَوْزَاعِيّ، والشّافِعِي، وكرههُ قومٌ، رُوِي ذلِك عنْ علِي، وإِليْهِ ذهب أصْحاب الرّأْيِ، ورُوِي فِي النَّهْي عنْ لحم الضَّب حديثٌ ليْس إِسْنَاده بِذَاكَ، رُوِي عنْ عبْد الرّحْمنِ بْن شبْل، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عنْ أكْلِ لحْمِ الضّبِّ». واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي اليربوع، فأباح أكله جمَاعَة، مِنْهُم: عُرْوَة، وَعَطَاء، وبِهِ قَالَ الشّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْر، وَكَرِهَهُ ابْن سِيرِين، وَالْحكم، وحمّادٌ، وأصْحاب الرّأْيِ، وَكره هؤُلاءِ أيْضًا الوبْر، وأباحهُ جمَاعَة،

رُوِي ذلِك عنْ عَطاء، وَمُجاهد، وَطَاوُس، وإِليْهِ ذهب مالِك، والشّافِعِي. وقدْ رُوِي فِي تَحْرِيم الْقُنْفُذ حَدِيث ليْس إِسْنَاده بِذَاكَ. قَالَ الشّافِعِيُّ: إِن ثَبت الْحدِيث، قلتُ بتحريمهِ، وأباحهُ ابْن عُمر، وهُو قوْل أبِي ثَوْر، وَحَكَاهُ عنِ الشّافِعِي، وحرّمه أصْحاب الرّأْيِ، وسُئل عَنهُ مالِك، فَقَالَ: لَا أَدْرِي. ورُوِي عنْ عِيسى بْن نُميلة، عنْ أبِيهِ، قَالَ: كنت عِنْد ابْن عُمر، فسُئِل عَن الْقُنْفُذ، فَتلا قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الْأَنْعَام: 145]، قَالَ شيخ عِنْده: سمِعْتُ أَبَا هُريْرة، يقُول: ذُكِر عِنْد النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «خبيثةٌ من الْخَبَائِث»، فَقَالَ ابْن عُمر: إِن كَانَ قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا، فهُو كَمَا قَالَ. وَالْأَصْل عِنْد الشّافِعِي: أَن مَا لمْ يرِد فِيهِ نصُّ تَحْرِيم، وَلَا تَحْلِيل، وَلَا أمرٌ بقتْله، وَلَا نهيٌ عنْ قتلِه، فالمرجع إِلى الْأَغْلَب من عادات الْعَرَب، لِأَن الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى خاطبهم بقوله: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [الْمَائِدَة: 4]، فَثَبت أَن مَا استطابوه فهُو حَلَال، وَمَا تَرَكُوهُ، فَمن الْخَبَائِث. أما مَا أَمر الشَّرْع بقتلِهِ، أوْ نهى عنْ قَتله، فَلَا يكُون حَلَالا، كَمَا قَالَ: عليْهِ السّلام: «خمْسٌ فواسقٌ يُقْتلْن فِي الْحِلِّ وَالْحرم». ورُوِي أنّهُ عليْهِ السّلام «أَمر

بِقتْلِ الأوْزاغِ». ورُوِي أنّهُ عليْهِ السّلام «نهى عنْ قتْلِ الضِّفْدع». وَعَن عبْد الله بْن عبّاس، قَالَ: " نهى رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ قتْلِ أرْبعةٍ مِن الدّوابِ: النّمْلةُ، والنّحْلةُ، والهُدْهُدُ، والصُّردُ "، وَاخْتلفُوا فِي السُّلحفاة، فَكَانَ الْحسن لَا يرى بِها بَأْسا.

باب أكل الأرنب

بابُ أكْلِ الأرْنبِ 2801 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَى النَّاسُ، فَلَغَبُوا، فَأَدْرَكْتُهَا، فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَرِكِهَا، أَوْ فَخِذَيْهَا، قَالَ: فَخِذَيْها لَا شَكَّ فِيهِ، فَقَبِلَهُ. قُلْتُ: وَأَكَلَ مِنْهُ؟ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: قَبِلَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ قوْله: أنْفجْنا، أَي: أثرنا، يُقالُ: أنفجتُ الأرنب من جُحرهِ، فنفج، أَي: أثرته فثار، وانتفجت الأرنبُ: وَثَبت: وفِي حَدِيث الفِتنةِ: «مَا الأُولى فِي الآخِرةِ إِلّا كنفْجةِ أرْنبٍ»، أَي: كوثبتِهِ من مجثمِهِ، يُرِيد فِي تقليل الْمدَّة.

باب أكل الجراد

وقوْله: «فلغبوا»، أَي: أعيوا، يُقَال: لغب يلغبُ، ولغِب بِكَسْر الْغَيْن لُغَة ضَعِيفَة، قَالَ الله سُبْحانهُ تَعَالَى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38]، أَي: إعياء. واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي الأرنب، فَذهب أَكْثَرهم إِلى إِبَاحَته، وَكَرِهَهُ جمَاعَة، وقالُوا: إِنَّهَا تدمي. بابُ أكْلِ الجرادِ 2802 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، وَقَالَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، أَوْ سِتًّا، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَأَبُو يَعْفُور: اسْمه وَاقد، وَيُقَال: وقدان، وَأَبُو يَعْفُور الآخر: اسْم عبْد الرَّحْمَن بْن عُبيْد بْن نسطاس. قَالَ: عبْد اللهِ بْن عُمر: سُئل عُمر

بْن الخطّاب عنِ الجرادِ، فَقَالَ: ودِدتُ أنّ عندنَا مِنْهُ قفعةً نأْكُلُ مِنْهَا. قَالَ أبُو عُبيد: القفعةُ شبيهٌ بالزبيل، يُعمل من الخوص، ليْس بالكبير، ليْس لهُ عُرى، وقِيل: مِثلُ القُفةِ تتّخذُ وَاسِعَة الْأَسْفَل، ضيقَة الْأَعْلَى، وقِيل: هِي الجُلةُ بلغَة أهل الْيمن. ورُوِي عنْ سعِيد بْن الْمُسيِّبِ، أنّهُ كره مَا مَاتَ قبل أَن يُؤْخَذ من الْجَرَاد، وَقَالَ: مَا أُخِذ حَيا ثُمّ مَاتَ، فَلَا بَأْس بِهِ. 2803 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلال، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ: الْمَيْتَتَانِ: الْحُوتُ، وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ: أَحْسَبُهُ قَالَ: الْكَبِدُ، وَالطُّحَالُ "

قَالَ الإِمامُ: هَذَا يدل على إِبَاحَة أكل السّمك على أَي وَجه مَاتَ. ورُوِي عنْ إِسْماعِيل بْن أُمِّيّه، عنْ أبِي الزُّبيْر، عنْ جابِر، قَالَ: قَالَ: رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ألْقاهُ البحْرُ، أوْ جزر عنْهُ فكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فِيهِ وطفا، فَلَا تأْكُلُوهُ». ورواهُ سُفْيان الثّوْرِي، وَأَيوب، وَحَمَّاد، عنْ أَبى الزُّبيْر، وأوقفوه على جابِر. واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي السّمك الطافي، فأباحه جمَاعَة، رُوِي ذلِك عنْ أبِي بكْر الصِّديق، وَأبي أَيُّوب الأنْصارِي، وبِهِ قَالَ عَطاء بْن أبِي رَبَاح، وَمَكْحُول، وَإِبْرَاهِيم النّخعِي، وإِليْهِ ذهب مالِك، والشّافِعِي، وَأَبُو ثَوْر وكرههُ جمَاعَة، رُوِي ذلِك عنْ جابِر، وَابْن عبّاس، وبِهِ قَالَ جابِر بْن زيْد، وَطَاوُس، وإِليْهِ ذهب أصْحاب الرّأْيِ.

باب حيوانات البحر

بابُ حيواناتِ الْبحْرِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [الْمَائِدَة: 96]. 2804 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: غَزَوْتُ جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيْتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُوا، فَلَمَّا قَدِمْنَا، ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «كُلُوا، رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ، أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ»، فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلاءِ

عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبيْرِ، عَنْ جَابِرٍ والخبط، بِفَتْح الْبَاء: ورق الشّجر يُضرب بالعصا، فيسقطُ، سُمُّوا جَيش الْخبط، لأَنهم اضطروا إِلى أكله. 2805 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، نَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «خَرَجْنَا، وَنَحْنُ ثَلاثُ مِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا، فَفَنِيَ زَادُنَا حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً»، قَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَأَيْنَ كَانَتِ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنَ الرَّجُلِ؟، قَالَ: «لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا حَتَّى أَتَيْنَا الْبَحْرَ، فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ 2806 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ،

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَهُمْ ثَلاثُ مِائَةٍ، قَالَ: وَأَنَا فِيهِمْ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَجُمِعَ كُلُّهُ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، قَالَ: فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى فَنِيَ، وَلَمْ يُصِبْنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، قَالَ: ثُمَّ انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلاعِهِ، فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ، فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا، فَلَمْ يُصِبْهُمَا " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ الظِّربُ: الْجَبَل الصَّغِير قَالَ الإِمامُ: وفِيهِ دلِيلٌ على إِبَاحَة جمِيع ميتات الْبَحْر وهُو ظَاهر الْقُرْآن والْحَدِيث، قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [الْمَائِدَة: 96]، قَالَ عُمر رضِي اللهُ عنْهُ:

صيدُه مَا اصطيد، وَطَعَامه مَا رمي بِهِ. وَقَالَ ابْن عبّاس: طعامهُ ميتَته إِلَّا مَا قذرت مِنْهَا، والجِرِّيُّ لَا تَأْكُله الْيهُود وَنحن نأكله، والجِريُّ: هُو الجرِّيث وهِي المارماهي، وَقَالَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْر: «هُو الطّهُورُ ماؤُهُ الحِلُّ ميْتتهُ». وَقَالَ ابْن عبّاس: كُل من صيد الْبَحْر من نصرانيٍّ، أوْ يهوديٍّ، أوْ مجوسيٍّ. وَمِمَّنْ ذهب إِلَى إِبَاحَة جمِيع ميتات الْبَحْر: أبُو بكْر، وَعمر، وَابْن عبّاس، وَابْن عُمر، وَزيد بْن ثَابت، وَأَبُو هُريْرة، وبِهِ قَالَ

شُرَيْح، وَالْحسن، وَعَطَاء، والشّعْبِي، وإِليْهِ ذهب مالِك. قَالَ الشعبيُّ: لَو أَن أَهلِي أكلُوا الضفادع لأطعمتهم. وَقَالَ عَطاء: أما الطير فَأرى أَن يذبحه، وَقَالَ الأوْزاعِي: كلُّ شيْء كَانَ عيشه المَاء، فهُو حَلَال. قِيل: فالتمساح؟ قَالَ: نعم. وَركب الْحسن على سرج من جُلُود كلاب المَاء، ولمْ ير الْحسن بالسلحفاة بَأْسا. وغالب مَذْهَب الشّافِعِي إباحةُ دَوَاب الْبَحْر كلهَا إِلَّا الضفدع، لما جَاءَ من النَّهْي عنْ قَتلهَا، وأخذُها ذكاتُها لَا يحْتَاج إِلى ذبح شيْء مِنْهَا. وَكَانَ أبُو ثَوْر يقُول: جمِيع مَا يأوي إِلى المَاء حلالٌ، فَمَا كَانَ مِنْهُ يُذكّى، لمْ يحِلّ إِلَّا بِذَكَاة، وَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يُذكّى مثل السّمك، فميته حَلَال. وَذهب قوْمٌ إِلى أَن مَاله فِي البرِّ نظيرٌ لَا يُؤكل مثل كلب المَاء، وخنزير المَاء، وَالْحمار وَنَحْوهَا فَحَرَام، وَمَا لهُ نظيرٌ يُؤكل، فميته من حيوانات الْبَحْر حَلَال. وسُئل اللَّيْث بْن سعدٍ عنْ دوابِّ المَاء؟ فَقَالَ: إِنْسان المَاء، وخنزير المَاء فَلَا يُؤْكَل، فَأَما الْكلاب، فليْس بِها بَأْس فِي البرِّ وَالْبَحْر. وَقَالَ سُفْيان الثّوْرِي: أَرْجُو أَن لَا يكُون بالسرطان بَأْسا. وحرّم أبُو حنِيفة جَمِيع حيوانات الْبَحْر إِلَّا السّمك، وَالْأول أولاها بِالصَّوَابِ، وهُو أَن الْكل حَلَال، لِأَنَّهَا كلهَا سمك وَإِن اخْتلفت صورها كالجِرِّيث، يُقَال لهُ: حَيَّة المَاء، وهُو على شكل الْحَيَّة، وَأكله حَلَال بالِاتِّفَاقِ، وهُو الْأَشْبَه بِظَاهِر الْقُرْآن والْحَدِيث.

باب أكل الدجاج والحبارى

بابُ أكْلُ الدّجاجِ والْحُبارى 2807 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَأَتَى بِلَحْمِ دَجَاجٍ، فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهَا تَأْكُلُ نَتْنًا، فَحَلَفْتُ أَنْ لَا آكُلَهَا، فَقَالَ: ادْنُ، فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ وَكِيعٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ 2808 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ، عَنْ أَبِيهِ،

باب أكل الجلالة

عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَ حُبَارَى». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بابُ أكْلِ الْجلّالةِ 2809 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ، وَأَلْبَانِهَا».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْجَلّالةُ: هِي الّتِي تَأْكُلُ الْجُلَّةَ، وَهِيَ الْعذرَةُ، وَأَصْلُ الْجُلَّةِ: الْبَعْرُ، فَكَنَى بِهَا عَنِ الْعذرَةِ، يُقَالُ مِنْهُ: خَرَجَ الإِمَاءُ يَجَتَلِلْنَ: إِذَا خَرَجْنَ يَلْتَقِطْنَ الْبَعْرِ ثُمّ الحكم فِي الدَّابَّة الَّتِي تأكلُ العذِرة أَن يُنظر فِيها، فإِن كَانَت تأكلها أَحْيَانًا، فَلَيْسَتْ بجلّالةٌ، وَلَا يحرم بِذلِك أكلهَا كالدجاج وَنَحْوهَا، وَإِن كَانَ غالبٌ عَلفهَا مِنْهَا حتّى ظهر ذلِك على لَحمهَا ولبنها، فَاخْتلف أهْل الْعِلْمِ فِي أكلهَا، فَذهب قومٌ إِلى أنّهُ لَا يحل أكلهَا إِلَّا أَن تُحبس أَيَّامًا، وتُعلف من غَيرهَا حتّى يطيب لحمُها، فَحِينَئِذٍ يحلُّ أكلهَا، وهُو قوْل أصْحاب الرّأْيِ، والشّافِعِي، وأحْمد. ورُوِي فِي حَدِيث أَن الْبَقر يُعلفُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمّ يُؤْكَل لَحمهَا. وَكَانَ ابْن عُمر يحبِسُ الدَّجَاج ثَلَاثًا. وَكَانَ الْحسن لَا يرى بَأْسا

باب إباحة لحم الخيل وتحريم لحم الحمر الأهلية

بِأَكْل لُحُوم الجلّالة وهُو قوْل مالِك. وَقَالَ إِسْحاق: لَا بَأْس بأكلها بعد أَن تغسل غسلا جيدا، وروى نَافِع، عنِ ابْن عُمر، قَالَ: نُهي عنْ ركُوب الْجَلالَة. وَإِنَّمَا كره ركُوبهَا، لِأَنَّهَا إِذا عرقِت ينتُنُ رائحتها كَمَا ينتُنُ لحمُها. بابُ إِباحةِ لحْمِ الْخيْلِ وتحْرِيمِ لحْمِ الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ 2810 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَرَادَ بالحُمُر: الْأَهْلِيَّة مِنْهَا، فَأَما الْحمار الوحشي، فاتفقوا على إِبَاحَته، ورواهُ مُسْلِم، عنْ يحْيى، عنْ حَمَّاد بْن زيْد، بِهذا الْإِسْنَاد، أَن رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى يوْم خَيْبَر عنْ لُحُوم الحُمُر الْأَهْلِيَّة، وأذِن فِي لُحُوم الْخيْل». وروى هَذَا الْحدِيث

سُفْيان بْن عُيينة، عنْ عمْرو بْن دِينار، عنْ جابِر، قَالَ أبُو عِيسى: رِوَايَة ابْن عُييْنة أصحُّ. وَقَالَ مُحمّد بْن إِسْماعِيل: سُفْيان بْن عُيينة أحفظ من حَمَّاد بْن زيْد. وقالتْ أَسمَاء: «ذبحْنا على عهْدِ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسا ونحْنُ بالْمدِينةِ فأكلْناهُ». ورُوِي عنِ الْمِقْدَام بْن معديكرب، عنْ خالِد بْن الْولِيد، أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عنْ أكْلِ لحُومِ الْخيْلِ، والبِغالِ، والْحمِيرِ»، وَإِسْنَاده ضَعِيف. واخْتلف النّاس فِي إِبَاحَة لُحُوم الْخيْل، فَذهب جمَاعَة إِلى إِبَاحَته، رُوِي ذلِك عنْ شُرَيْح، وَالْحسن، وَعَطَاء بْن أبِي رَبَاح، وَسَعِيد بْن جُبير، وَحَمَّاد بْن أبِي سُليْمان، وبِهِ قَالَ الشّافِعِيُّ، وأحْمد، وَإِسْحَاق،

وَذهب جمَاعَة إِلى تَحْرِيمه، رُوِي ذلِك عنِ ابْنِ عبّاسٍ، وبِهِ قَالَ الحكم، وهُو قوْل مالِك، وأصْحاب الرّأْيِ. 2811 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا «يَأْكُلُونَ لُحُومَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَهَى عَنْ لُحُومِ الْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ». أَمَّا لُحُومُ الْحَمِيرِ الأَهْلِيَّةِ، فَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى تَحْرِيمِهَا، وَكَذَلِكَ الْبِغَالُ. وَقَرَأَ مَالِكٌ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النَّحْل: 8]، وَقَالَ فِي الأَنْعَامِ: {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [غَافِر: 79]، فَذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ للرُّكُوبِ، وَالزِّينَةِ، وَذَكَرَ الأَنْعَامَ للرُّكُوبِ وَالأَكْلِ. قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا

باب الفأرة تموت في السمن

أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ وكل حَيَوَان لَا يحِلُّ أكلُ لَحْمه، فَلَا يحلُّ شُربُ لبنه، إِلَّا الآدميات. سُئِلَ الحكم، وَحَمَّاد عنْ ألبان الأُتُن، فكرهاها، وَقَالا: مَا كُره لحومها، كُره أَلْبَانهَا، وَمثله عنْ مُجَاهِد، وَالْحسن. وَقَالَ سعِيد بْن جُبير فِي الأُتُن: لحومها حرامٌ، وَأَلْبَانهَا حرامٌ، وَقَالَ إِبْراهِيم: لَا بَأْس بألبان الْخيْل، فَأَما الحمُر، فَلَا يصلح أَلْبَانهَا. وَكَانَ طاوسٌ لَا يرى بألبان الأُتُن بَأْسا، وَمثله عنْ جعْفر بْن مُحمّد. وكلُّ طيرٍ لَا يحِلُ لَحْمه، لَا تحِلُّ بيضتُهُ. بابُ الفأْرةِ تمُوتُ فِي السّمْنِ 2812 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ، قَالَ: «إِنْ كَانَ جَامِدًا، فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ

كَانَ مَائِعًا فَلا تَقْرَبُوهُ». ورواهُ سُفْيان، عنِ الزُّهْرِي، عنْ عُبيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْن عُتْبَةَ، عنِ ابْنِ عبّاسٍ، عنْ مَيْمُونَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: الصَّحِيحُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَ الإِمامُ: فِي الْحدِيث دلِيل على أَن غيْر المَاء من الْمَائِعَات إِذا وَقعت فِيها نَجَاسَة ينجسُ، قلّ ذلِك الْمَائِع، أوْ كثر بِخِلَاف المَاء حَيْثُ لَا ينجس عِنْد الْكَثْرَة مَا لمْ يتَغَيَّر بِالنَّجَاسَةِ. وَاتفقَ أهْل الْعِلْمِ على أَن الزَّيْت إِذا مَاتَت فِيهِ فأرةٌ، أوْ وَقعت فِيهِ نَجَاسَة أُخْرَى أنّهُ ينجس، وَلَا يجوز أكله، وَلَا يجوز بَيْعه عِنْد أكْثر أهْل الْعِلْمِ، وجوّز أبُو حنِيفة بَيْعه. وَاخْتلفُوا فِي الِانْتِفَاع بِهِ، فَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ لَا يجوز الِانْتِفَاع بِهِ، لقَوْله عليْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «فَلَا تقْربُوهُ»، وهُو أحد قولي الشّافِعِي، وَذهب قومٌ إِلى أنّهُ يجوز الِانْتِفَاع بِهِ بالاستصباح، وتدهين السفن وَنَحْوه، وهُو قوْل أبِي حنِيفة، وَأظْهر قولي الشّافِعِي، وَالْمرَاد من قوْله: «لَا تقْربُوهُ»، يعْنِي: أكلا وطعمًا لَا انتفاعًا.

باب الذباب يقع في الشراب

بابُ الذُبابِ يقعُ فِي الشّرابِ 2813 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الآخَرِ دَاءً». هَذَا حدِيثٌ صحِيحٌ أخْرجهُ مُحمّد، عنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ

2814 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ التَّمَّامُ الضَّبِّيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الآخَرِ شِفَاءً». صَحِيحٌ وفِي الْحدِيثِ دلِيلٌ على أَن الذُّبَاب طاهرٌ، وكذلِك أجسام جمِيع الْحَيَوَان إِلَّا مَا دلّت عليْهِ السُّنة من الْكَلْب وَالْخِنْزِير. وفِيهِ دلِيلٌ على أَن مَا لَا نفس لهُ سَائِلَة، إِذا مَاتَ فِي مَاء قَلِيل، أوْ شرابٍ لَا ينجِّسه، وذلِك مثلُ الذُّبَاب، والنمل وَالْعَقْرَب، والخنفساء، والزنبور، وَنَحْوهَا، لِأَنَّهُ غمس الذُّبَاب فِي الْإِنَاء قدْ يَأْتِي عليْهِ، فَلَو كَانَ ينجِّسه إِذا مَاتَ فِيهِ، لمْ يَأْمُرهُ بالغمس للخوف من تنجيس الطَّعَام، وَهَذَا قوْل عَامَّة الْفُقَهَاء، إِلَّا أَن الشّافِعِي علق القَوْل فِيهِ. رُوِي عنْ يحْيى بْن أبِي كثير، أنّهُ قَالَ فِي الْعَقْرَب تَمُوت فِي المَاء: أنّها تنجِّسه، وَعَامة أهْل الْعِلْمِ على خِلَافه. فَأَما إِذا مَاتَ فِي شيْء نشوءُه مِنْهُ مثل دود الْخلّ يَمُوت فِيهِ،

فاتفقوا على أنّهُ لَا ينجِّسه. ورُوِي عنْ سعِيد الْمقْبُرِي، عنْ أبِي هُريْرة، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا وَقع الذُّبابُ فِي إِناءِ أحدِكُمْ، فإِنّ فِي أحدِ جناحيْهِ دَاء، وفِي الآخرِ شِفاءً، وإِنّهُ يتّقِي بِجناحِهِ الّذِي فِيهِ الدّاءُ، فلْيغْمِسْهُ كُلُّهُ». 2815 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِيهِ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ ِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي الطَّعَامِ، فَامْقُلُوهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا، وَفِي الآخَرِ شِفَاءً، وَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ». قوْله: «فامْقلُوهُ»، أَيْ: اغْمِسُوهُ لِيُخْرِجَ الشِّفَاءَ كَمَا أَخْرَجَ الدَّاءَ قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: قدْ تكلم على هَذَا الْحدِيث بعضُ من لَا خلاق لهُ، وَقَالَ كَيفَ يجْتَمع الدَّاء والشفاء فِي جناحي الذبابة، وَكَيف

باب العقيقة

تعلم حتّى تقدم جنَاح الدَّاء، وتؤخر جنَاح الشِّفَاء؟ قَالَ: وَهَذَا سُؤال جَاهِل، أوْ متجاهل، فإِن الّذِي يجد نَفسه ونفوس عَامَّة الْحَيَوَان قدْ جمع فِيها بيْن الْحَرَارَة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وهِي أَشْيَاء متضادة إِذا تلاقت تفاسدت، ثُمّ يرى أَن الله عزّ وجلّ قدْ ألف بَينهَا، وَجعل مِنْهَا قوى الْحَيَوَان الّتِي بِها بَقَاؤُهَا، لجدير أَن لَا يُنكر اجْتِمَاع الدَّوَاء والداء فِي جزأين من حَيَوَان وَاحِد، وَإِن الّذِي ألهم النحلة أَن تتَّخذ الْبيْت العجيب الصَّنْعَة، وتعسِل فِيهِ، وألهم الذّرّة أَن تكتسب قوتها، تدخره لِأَوَانِ حَاجَتهَا إليْهِ، هُو الّذِي خلق الذبابة وَجعل لَهَا الْهِدَايَة إِلى أَن تقدم جنَاحا، وتؤخر جنَاحا، لما أَرَادَ من الِابْتِلَاء الّذِي هُو مدرجة التَّعَبُّد والامتحان الّذِي هُو مضمار التَّكْلِيف، وفِي كُل شيْء حكمةٌ وعبرةٌ، وَمَا يذكر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب. بابُ العقِيقةِ 2816 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «مَعَ الْغُلامِ عَقِيقَةٌ» 2817 - وَقَالَ أَصْبَغُ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ،

عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، نَا سَلْمَانُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَعَ الْغُلامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمامُ: الْعَقِيقَة اسْم للشاة الّتِي تُذبح على ولادَة الْوَلَد، وَاخْتلفُوا فِي اشتقاقها، فَقَالَ بعْضهم: هِي اسْم للشعر الّذِي يحلق من رَأس الصبيِّ عِنْد وِلَادَته، فسميت الشَّاة عقيقة على الْمجَاز، إِذْ كَانَت إِنّما تُذبح عِنْد حِلاق الشّعْر، وقِيل: هِي اسْم للشاة حَقِيقَة، سميت بِها، لِأَنَّهَا تُعقُّ مذابحها، أَي: تُشقُّ وتقطع، والعقُّ: الشقُّ، وَمِنْه عقوق الْوَلَد أَبَاهُ، وهُو جفوته وقطيعته، وَأَرَادَ بإماطة الْأَذَى عَنهُ: حلق رَأسه. والعقيقة سُنةٌ عِنْد أكْثر أهْل الْعِلْمِ إِلَّا أصْحاب الرّأْيِ، فَإِنَّهُم قالُوا: لَيست بسنةٍ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِي عنْ عمْرو بْن شُعيْب، عنْ أبِيهِ، عنْ جده، قَالَ: سُئِلَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنِ الْعَقِيقَة، فَقَالَ: «لَا يُحِبُّ اللهُ العُقُوق»، وَلَيْسَ هَذَا الْحدِيث عِنْد الْعَامَّة على توهين أَمر الْعَقِيقَة،

وَلكنه كره تَسْمِيَتهَا بِهذا الِاسْم على مذْهبه فِي تغير الِاسْم الْقَبِيح إِلى مَا هُو أحْسن مِنْهُ، فَأحب أَن يسميها بِأَحْسَن مِنْهُ من نسيكة، أوْ ذَبِيحَة، أوْ نَحْوهَا. وقدْ رُوِي فِي هَذَا الْحدِيث: «لَا أُحِبُّ العُقُوق، ولكِنْ منْ وُلِد لهُ ولدٌ، فأحبّ أنْ ينْسك عنْهُ فلْيفْعلُ»، وَقَالَ الْحسن: إِذا علمت أنّهُ لمْ يعق عنْك، فعق عنْ نَفسك، وَقَالَ ابْن سِيرِين: عققت عنْ نَفسِي ببُختيةٍ بعد أَن كنت رجُلا، وَكَانَ أنسٌ يعقٌ عنْ وَلَده الجُزر. وَاخْتلفُوا فِي التَّسْوِيَة بيْن الْغُلَام وَالْجَارِيَة، فَكَانَ الْحسن وَقَتَادَة لَا يريان عنِ الْجَارِيَة عقيقة، وَذهب قوْمٌ إِلى التَّسْوِيَة بيْنهُما عنْ كُل واحدةٍ بشاةٍ واحدةٍ، لما رُوِي أنّ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عقّ عنِ الحسنِ بِشاةٍ». وَعَن ابْن عُمر

كَانَ يعقُّ عنْ وَلَده بشاةِ شاةٍ للذكور وَالْإِنَاث. وَمثله عنْ عُرْوَة بْن الزُّبيْر، وهُو قوْل مالِك. ورُوِي عنْ أَسمَاء بنت أبِي بكْر أنّها كَانَت تعقُّ عنْ بنيها وَبني بنيها شَاة شَاة الذكرِ وَالْأُنْثَى، ثُمّ تصنع أطيب مَا تقدر عليْهِ من الطَّعَام، وَتَدْعُو إليْهِ. وَذهب جمَاعَة إِلى أَن يذبح عنِ الْغُلَام شَاتين، وَعَن الْجَارِيَة شَاة وَاحِدَة، وهُو قوْل عَائِشَة، وبِهِ قَالَ عَطاء، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي، لما. 2818 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانُ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمُّ كُرْزٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا»، قَالَتْ: وَسَمِعْتُهُ، يَقُولُ: «عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ، وَلا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ، أَوْ إِنَاثًا».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قوْله: «أقِرُّوا الطّير على مكِناتِها»، قَالَ أبُو زِيَاد الكِلابي: لَا يُعرف للطير مكِناتٌ، وَإِنَّمَا هِي الوُكُناتُ، وهِي مَوضِع عُشِّ الطَّائِر، وَقَالَ أبُو عُبيد: المكنات بيض الضِّباب، وَاحِدهَا: مكِنةٌ، فَجعل للطير على وَجه الِاسْتِعَارَة، وقِيل على مكناتها، أَي: أمكنتها، وَقَالَ شِمرٌ: هِي جمع المكنة وهِي التَّمَكُّن، وَهَذَا مثل التّبعة للتبع، والطلِبة للتطلب. ثُمّ اخْتلفُوا فِي المُرَاد من إِقْرَار الطير على مكناتها، فَقَالَ بعْضهم: مَعْنَاهُ: كَرَاهِيَة صيد الطير بِاللَّيْلِ، وقِيل: فِيهِ النَّهْي عنْ زجر الطير، مَعْنَاهُ: أقروها على موَاضعهَا الّتِي جعلهَا الله بِها من أنّها لَا تضر وَلَا تَنْفَع. ويُحكى عنِ الشّافِعِي رضِي اللهُ عنْهُ أنّهُ حمله على النَّهْي عنْ زجر الطير، وذلِك أَن الْعَرَب كَانَت تُولع بالعيافة، وزجر الطير، فَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم إِذا خرج من بَيته لسفر أوْ حَاجَة، نظر هَل يرى طائرًا يطير، فإِن لمْ ير، هيج طائرًا عنْ مَكَانَهُ، فإِن طَار من جَانب يسَاره إِلى يَمِينه، سَمَّاهُ سائحًا وتفاءل بِهِ، وَمضى لأَمره، وَإِن طَار من جَانب يَمِينه إِلى يسَاره، سَمَّاهُ بارحًا وتطيّر بِهِ، ولمْ يمضِ لأَمره، لِأَنَّهُ فِي هَذِه الصُّورَة يكُون يسَار الطَّائِر إليْهِ، «فأمرهُم النّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرُّوا الطّيْر على أمْكِنتها، وَلَا يُطيِّرُوها وَلَا يزْجرُوها».

وقوْله فِي الْحدِيث: «وَلَا يضُرُّكُمْ ذُكْرانًا كُنّ أوْ إِناثًا»، أَرَادَ شَاة الْعَقِيقَة يجوز، ذكرا كَانَ أوْ أُنْثَى، وَيخْتَص بِمَا يجوز أضْحِية، ورُوِي عنْ أمِّ كُرزٍ، قالتْ: سمِعْت النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقُول: «عنِ الغُلامِ شَاتَان مُكافِئتانِ، وعنِ الْجارِيةِ شاةٌ»، قَالَ أحْمد بْن حَنْبَل: مُكافِئتانِ مستويتان، أوْ مقاربتان، يُرِيد أَلا تكون إِحْداهُما مِمَّا يجوز أضْحِية، وَالْأُخْرَى دونهَا فِي السن. وَقَالَ مالِك: لَيست الْعَقِيقَة بواجبة، وَلَكِن يسْتَحبّ الْعَمَل بِها، فَمن عق عنْ وَلَده، فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة النّسك والضحايا، لَا يجوز فِيها عرجاء، وَلَا مَكْسُورَة، وَلَا عجفاء، وَلَا مَرِيضَة، وَلَا عوراء، وَلَا يُبَاع من لَحمهَا شيْء، وَلَا من جلدهَا، وَلَا يكسر عظامها، وَيَأْكُل أَهلهَا من لَحمهَا، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَلَا يُمسُّ الصبيُّ بِشَيْء من دَمهَا. وَقَالَ عَطاء: العقيقةُ تُقطع أعضاؤها، وتطبخ بماءٍ وملح. وَقَالَ الْحسن، وَابْن سِيرِين: الْأُضْحِية تُجزئ من الْعَقِيقَة، وسُئل عنِ الْعَقِيقَة، فَقَالَ: هِي مثل الْأُضْحِية، كُلْ مِنْهَا وأطعِم. وَقَالَ مُحمّد بْن إِبْراهِيم بْن الْحارِث

التّيميُّ: سمِعْت أبِي يسْتَحبّ الْعَقِيقَة وَلَو بعصفور. وَعَن ربيعَة أنّهُ كَانَ يستحبُّ أَن يعقُّ عنِ الصّبِي وَلَو بعصفور، أوْ دجاجةٍ، ورُوِي فِي الْعَقِيقَة الإِبِل، وَالْبَقر، وَالْغنم. وقدْ رُوِي فِي وَقت ذبح الْعَقِيقَة عنِ الْحسن، عنْ سَمُرَة، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الغُلامُ مُرْتهنٌ بِعقِيقتِهِ تُذْبحُ عنْهُ يوْم السّابِع، ويُسمّى، ويُحْلقُ رأْسُهُ»، وقدْ تكلم النّاس فِي معنى قوْله: «مُرْتهنٌ بِعقِيقتِهِ»، أجودُها مَا قَالَ أحْمد بْن حَنْبَل: أَن مَعْنَاهُ أنّهُ إِن مَاتَ طفْلا ولمْ يُعقّ عَنهُ لمْ يشفّع فِي وَالِديهِ، ويُرْوى عنْ قَتَادَة أيْضًا أنّهُ يُحرمُ شفاعتهم. وقِيل: «مُرْتهنٌ بِعقِيقتِهِ»، أَي: بأذى شعره، وهُو معنى قوْله: «أمِيطُوا عنْهُ الْأَذَى». واستحبُّ أهلُ الْعلم ذبح الْعَقِيقَة يوْم السَّابِع من ولادَة الْمَوْلُود، فإِن لمْ يتهيأ، فَيوم الرَّابِع عشر، فإِن لمْ يتهيأ فَيوم إِحْدَى وعِشْرِين، ثُمّ بعد الذّبْح يحلق رَأسه. ويُرْوى عنْ عائِشة: «شَاتَان عنِ الْغُلَام، وشاةٌ عنِ الْجَارِيَة تطبخ جُدولا لَا يُكسر لَهَا عظمٌ، فتأكل وَتطعم، وَتَتَصَدَّق وَيكون ذلِك فِي الْيَوْم السَّابِع، فإِن لمْ يكن، فَفِي أَربع عشرَة، فإِن لمْ تفعل، فَفِي إِحْدَى وعِشْرِين». قوْله: «جُدُولا»، أَي: أَعْضَاء، والجدْل: الْعُضْو بِفَتْح الْجِيم.

وَاسْتحبَّ غيرُ وَاحِد من أهْل الْعِلْمِ أَن لَا يُسمى الصبيُّ قبل السَّابِعَة، رُوِي ذلِك عنِ الْحسن، وبِهِ قَالَ مالِك، ويُرْوى فِي الْحدِيث: «ويْدمى»، مَكَان قوْله: «ويُسمّى»، ورُوِي عنِ الْحسن، أنّهُ قَالَ: يطلى رَأس الْمَوْلُود بِدَم الْعَقِيقَة، وَكَانَ قَتَادَة يصف الدَّم، فيقُول: إِذا ذبحت الْعَقِيقَة تُؤْخَذ صوفةٌ مِنْهَا، فيُستقبل بِها أوداجُ الذَّبِيحَة، ثُمّ تُوضَع على يافوخ الصبيِّ حتّى إِذا سَالَ شبه الْخَيط، غسل رَأسه ثُمّ حلق بعدُ. وَكره أكْثر أهْل الْعِلْمِ لطخ رَأسه بِدَم الْعَقِيقَة، وقالُوا: كَانَ ذلِك من عمل الْجاهِلِيّة، وضعّفوا رِوَايَة من رواهُ «ويدْمى»، وقالُوا: إِنّما هِي: «ويُسمّى»، ويُرْوى لطخ الرَّأْس بالخلوقِ والزعفران مَكَان الدَّم. قَالَ الإِمامُ: وَصَحَّ عنْ ثَابت، عنْ أنسٍ، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُلِد لِي اللّيْلة غُلامٌ، فسمّيْتُهُ بِاسْمِ أبِي إِبْراهِيم»، فَفِيهِ تعجيلُ تَسْمِيَة الْمَوْلُود حَالَة مَا يُولد.

2819 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَعْرِ حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، وَزَيْنَبَ، وَأُمِّ كُلْثُومٍ، فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً» وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَقَّ عَنْ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ شَاةً، وَأَمَرَ فَاطِمَةَ يَوْمَ سَابِعِهِ حِينَ يُحْلَقُ شَعْرُهُ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِهِ»، فَوَزَنَ شَعْرَهُ، فَوَجَدَ دِرْهَمًا وَشَيئًا، أَوْ دِرْهَمًا إِلا شَيْئًا، فَتُصُدِّقَ بِهِ ورُوِي وزن شعر الْحسن وَالْحُسَيْن رطبا حِين حُلِقا. ورُوِي عنْ علِي بْن الْحُسيْن، عنْ أبِي رَافع، قَالَ: لما ولدت فَاطِمَة حسنا، قالتْ: يَا رسُول اللهِ، أَلا أعقُّ عنِ ابْني بدمٍ؟ قَالَ: «لَا، ولكِن احْلِقِي شعْرهُ، فتصدّقِي بِوزْنِهِ مِن الورقِ على الأوْفاضِ، أوْ على المساكِينِ»، فَفعلت ذلِك، فلمّا ولدت حُسَيْنًا، فعلت مثل ذلِك. قَالَ شريك: الأوفاض: أهل الصّفة، قَالَ أبُو عُبيد: هُم الفِرقُ

باب التحنيك

من النّاس، والأخلاط، وَقَالَ الْفراء: هُم الّذِين مَعَ كُل وَاحِد مِنْهُم وفضةٌ يُلقى فِيها طَعَامه، وهِي مثل الكِنانة الصّغِيرة. وقِيل فِي قوْلِهِ عليْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما قالتْ لهُ فَاطِمَة: أَلا أعقُّ عنِ ابْني؟، قَالَ: «لَا»، أَرَادَ أَن يكُون النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُو الّذِي يعقُّ عَنهُ، فإِنّهُ رُوِي أنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقّ عنِ الْحسن وَالْحُسَيْن. وَيسْتَحب تَسْمِيَة السِّقط، رُوِي أَن عبْد الرَّحْمَن بْن زيْد بْن مُعاوِية، قَالَ عِنْد عُمر بْن عبْد الْعزِيز: بَلغنِي أَن السِّقط يسْعَى يوْم الْقِيامة وَرَاء أبِيهِ، يقُول: أنْت ضيعتني، تَرَكتنِي بِلَا اسْم لي، فَقَالَ عُمر بْن عبْد الْعزِيز، كَيفَ وقدْ يكُون شيْئًا لَا يُدرى أغلامًا يكُون أم جَارِيَة، فَقَالَ عبْد الرَّحْمَن: إِن من ذلِك أَسمَاء تجمع الْغُلَام وَالْجَارِيَة: حَمْزَة، وَعمارَة، وَطَلْحَة، وعنبسة. ورُوِي عنْ مُحمّد بْن سِيرِين، أنّهُ يُسمّي الطّفْل وَإِن لمْ يستهلّ. بابُ التّحْنِيكِ 2820 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: وُلِدَ لِي غُلامٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ

إِلَيَّ»، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْر بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ هُو مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وفِيهِ دلِيلٌ على تَعْجِيل تَسْمِيَة الْمَوْلُود. 2821 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ، فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ أَبُو عُبيد: التحنيك أَن يُمضغ التَّمْر، ثُمّ يدلك حنك الصبيِّ دَاخل فَمه، يُقَال مِنْهُ: حنكتهُ وحنّكتهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد، فهُو محنوك ومحنّك. قَالَ إِبْراهِيم التّيْمِي: كانُوا يحبونَ للصبيِّ إِذا تكلم أَن

باب الأذان في أذن المولود

يلقنوه لَا إِلَه إِلَّا الله سبع مَرَّات، فَيكون ذلِك أول شيْء يتَكَلَّم بِهِ. بابُ الأذانِ فِي أُذنِ الْموْلُودِ 2822 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكُرَكَانِيُّ، نَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلاةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رُوِي أَن عُمر بْن عبْد الْعزِيز كَانَ يُؤذِّنُ فِي اليُمْنى ويُقِيمْ فِي اليُسْرى إِذا وُلِد الصّبِيُّ.

27 - كتاب الأطعمة

27 - كِتابُ الأطْعِمةِ بابُ التسْمِيةِ على الأكْلِ والْحمْد فِي آخِرِهِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يُونُس: 10]، رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ فِي قوْلِهِ عزّ وجلّ: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} [يُونُس: 10]، قَالَ: كلما اشْتهى أهْلُ الجنّة شيْئًا، قالُوا: سُبْحانك اللهُمّ، فيجِيئُهُمْ كَمَا يشْتهُون، فإِذا طعِمُوا مِمّا آتاهُمُ اللهُ، قَالُوا: الحمْدُ للهِ ربِّ العالمِين، فذلِك آخِر دعْواهُمْ. 2823 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلامًا فِي حِجْرِ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ. هَذَا حدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ ورُوِي عنْ أنس، قَالَ: قَالَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذكُرُوا اسْم اللهِ، ولْيأْكُلْ كُلُّ رجُلٌ مِمّا يلِيه» 2824 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَاشِدٍ الْيَافِعِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقُرِّبَ طَعَامٌ، فَلَمْ أَرَ طَعَامًا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ أَوَّلَ مَا أَكَلْنَا، وَلا أَقَلَّ بَرَكَةً فِي آخِرِهِ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ هَذَا؟ قَالَ: «إِنَّا ذَكَرْنَا اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَكَلْنَا، ثُمَّ قَعَدَ مَنْ أَكَلَ، وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهِ، فَأَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ».

ورُوِي عنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» 2825 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا هِشَامٌ الدُّسْتُوَائِيُّ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ فِي سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ سَمَّى، لَكَفَاكُمْ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 2826 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ عَلَى طَعَامِهِ، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ

أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 2827 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، نَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مُوَدَّعٍ، وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ثَوْرٍ قوْله: «غيْر مُودّعٍ»، أَي: غير مَتْرُوك الطّلب إِليْهِ، وَالرَّغْبَة فِيمَا عِنْده، وَمِنْه قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضُّحَى: 3]، أَي: مَا تَركك،

وَمعنى الْمَتْرُوك: المستغني عَنهُ، وَقَرَأَ بعْضهم غيْر مُودِّع، أَي: غيْر تَارِك طَاعَة رَبِّي. 2828 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُزْرَجٍ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَوَكِيعٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ، قَالُوا: نَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلا مُوَدَّعٍ، وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2829 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ،

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ». وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ رَبَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ، يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ، فَقَالَ حَفْصٌ: عَنِ ابْنِ أَخِي أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ: عَنْ مَوْلًى لأَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ 2830 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنَا بُهْلُولٌ الأَنْبَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَة، نَا لَيْثٌ، عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ، وَشَرِبَ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا»

2831 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّفْلِيسِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطِّرَازِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادٌ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، قَالا: نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَنْسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الأَكْلَةَ، أَوْ يَشْرَبُ الشَّرْبَةَ، فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ 2832 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ كَالصَّائِمِ الصَّابِرِ».

وَرَواهُ أَبُو عِيسَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى الأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ الْغِفَارِيِّ الْمَدِينِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمقْبُرِيِّ. وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ: شُكْرُ الطَّعَامِ: أَنْ تُسَمِّيَ إِذَا أَكَلْتَ، وَتَحْمَدَهُ إِذَا فَرَغْتَ

باب الوضوء عند الطعام

بابُ الْوُضُوءِ عِنْد الطّعامِ 2833 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ بَعْدَهُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ، وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ». قَال أبُو عِيسى: لَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ إِلا مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَهُو يُضعّفُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَبُو هَاشِمٍ الرُّمَانِيُّ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ دِينَارٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْبَيِّعُ، بِبَغْدَادَ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا قَيْسٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ

2835 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْخَلاءِ، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ، فَقَالُوا: أَلا نَأْتِيكَ بِوُضُوءٍ؟ قَالَ: «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلاةِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كَانَ سُفْيَانُ الثّوْرِيُّ يَكْرَهُ غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُوَضَعَ الرَّغِيفُ تَحْتَ الْقَصْعَةِ.

باب النهي عن الأكل بالشمال

بابُ النَّهْي عنِ الأكْلِ بِالشِّمالِ 2836 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ، فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبْ بِشِمَالِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ سُفْيَانَ بابُ الأكْلِ على السّفرِ 2837 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا بُنْدَارٌ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ

باب كراهية الأكل متكئا

كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «مَا أَكَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ، وَلا فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ»، قَالَ: فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: فَعَلَى مَا كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى هَذِهِ السُّفَرِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ مُعَاذٍ، وَيُونُسَ، هَذَا هُو يُونُسُ الإِسْكَافُ بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مُتكِئًا 2838 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ

بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا آكُلُ مُتَّكِئًا» هَذَا حدِيثٌ صحِيحٌ، أخْرجهُ مُحمّد، عنْ أبِي نُعيم، عنْ مسعرٍ، قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: يحْسب أكْثر الْعَامَّة أَن المت هُو المائلُ الْمُعْتَمد على أحد شقيه، وَلَيْسَ معنى الْحدِيث مَا ذَهَبُوا إليْهِ، وَإِنَّمَا المتكئ هَاهُنَا هُو الْمُعْتَمد على الوِطاء الّذِي تَحْتَهُ، وكلُّ من اسْتَوَى قَاعِدا على وطاء فهُو متكئ، وَالْمعْنَى: إِنِّي إِذا أكلتُ، لمْ أقعد مُتَمَكنًا على الأوطئة فِعل من يُرِيد أَن يستكثِر من الْأَطْعِمَة، وَلَكِنِّي آكلُ عُلقة من الطَّعَام، فَيكون قعودي مستوفزًا لهُ، ورُوِي أنّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا أكل احْتفز، وَقَالَ: «آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ». ورُوِي أنّهُ عليْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أُهْدِي إليْهِ هَدِيَّة، فَلم يجد شيْئًا يَضَعهُ عليْهِ، فَقَالَ: «ضَعْهُ بالْحَضِيضِ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ»، والحضيض: الأرْض، ورُوِي أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زجر أنْ يعْتمِد الإِنْسانُ على يدِهِ اليُسْرى، إِذا كَانَ يأْكُلُ» 2839 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ

إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، نَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلْ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، مُتَّكِئًا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ، فَأَصْغَى بِرَأْسِهِ حَتَّى كَادَ أَنْ تُصِيبَ جَبْهَتُهُ الأَرْضَ، قَالَ: «لَا، بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» 2840 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابَتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «مَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مُتَّكِئًا قَطُّ، وَلا يَطَأُ عَقِبَهُ رَجُلانِ»

باب الأكل مقعيا

2841 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمَقَابِرِيُّ، نَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ مُسْلِمٍ الأَعْوَرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ ابْنُ سِيرِين، وَالزُّهْرِيُّ لَا يَرَيَانِ بِالأَكْلِ مُتَّكِئًا بَأْسًا، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَاد: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْكُلُ مُتَّكِئًا بابُ الأكْلِ مُقْعِيًا 2842 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا مُصْعَبُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ،

باب لا يعيب الطعام

فَرَأَيْتُهُ يَأْكُلُ وَهُوَ مُقْعٍ مِنَ الْجُوعِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ مُصْعَبٍ، وَأَخْرَجَهُ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُصْعَبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ، فَجَعَلَ يَقْسِمُهُ وَهُوَ مُحْتَفِزٌ يَأْكُلُ مِنْهُ أَكْلا حَثِيثًا» قوْله: «وهُو محتفِزٌ»، أَي: مستجعلٌ مستوفزٌ غيْر مُتَمَكن، وَالرجل يتحفزُ فِي جُلُوسه كأنّهُ يثور إِلى الْقيام. وقوْله: «مُقْعٍ»، فالإقعاءُ: أَن يجلس على ورِكيْهِ، وهُو الاحتفاز أيْضًا، وقوْله حثيثًا، أَي: سَرِيعا، وَمِنْه قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الْأَعْرَاف: 54]. بابُ لَا يعِيبُ الطَّعَام 2843 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ

باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكله

الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلا تَرَكَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ بابُ مَا كَانَ النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأْكُلُهُ 2844 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ، وَعِنْدَهُ خَبَّازٌ لَهُ، فَقَالَ: «مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا مُرَقَّقًا، وَلا شَاةً مَسْمُوطَةً حَتَّى

لَقِيَ اللَّهَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2845 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، فَقُلْتُ: هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: «مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ»، قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَاخِلُ؟، قَالَ: «مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْخُلا مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ»، قَالَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: «كُنَّا نَطْحَنُهُ، وَنَنْفُخُهُ، فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ، فَأَكَلْنَاهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب أكل الشواء

قوْله: ثرّيناه، أَي: بللناه بِالْمَاءِ، وَأَصله من الثرى وهُو التُّرَاب النديُّ. قَالَ عُمر بْن الخطّاب: لَا تنخلوا الدَّقِيق، فإِنّهُ كُله طَعَام. بابُ أكْلِ الشِّوَاءِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69]، والحنِيذُ: المشْوِيُّ على الرِّضفِ، وهُو الحِجارةُ. 2846 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّهَا قَرَّبَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنْبًا مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، وَمَا تَوَضَّأَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ 2847 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ،

أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: «أَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِوَاءً فِي الْمَسْجِدِ» 2848 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَكِيعٌ، نَا مِسْعَرٌ، عَنْ أَبِي صَخْرَةَ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: " ضِفْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَمَرَ بِجَنْبٍ، فَشُوِيَ، ثُمَّ أَخَذَ الشَّفْرَةَ، فَجَعَلَ يَحُزُّ لِي بِهَا مِنْهُ، قَالَ: فَجَاءَ بِلالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ، فَأَلْقَى الشَّفْرَةَ، فَقَالَ: مَا لَهُ؟ تَرِبَتْ يَدَاهُ، قَالَ: وَكَانَ شَارِبُهُ وَفَاءً، فَقَالَ لِي: أَقُصُّهُ لَكَ عَلَى سِوَاكٍ، أَوْ قُصَّهُ

عَلَى سِوَاكٍ " قوْله: «ترِبتُ يداهُ»، كلمة تَقُولهَا الْعَرَب عِنْد اللوم، وَمَعْنَاهَا: الدُّعَاء بالفقر والعدم، وقدْ يطلقونها، وَلَا يُرِيدُونَ وُقُوع الْأَمر، كَمَا يَقُولُونَ: عقْرى، حلْقى، وَيَقُولُونَ: لَا وَالله، وبلى وَالله، وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الْيمِين. قوْله: «أقُّصُّهُ لَك على سِوَاكٍ»، قَالَ الإِمامُ: قدْ رُوِي أَن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رأى رجُلا طَوِيل الشَّارِب، فَدَعَا بسواك وشفرة، فَوضع السِّوَاك تَحت شَاربه ثُمّ جزّهُ». 2849 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، سَمِعَ جَابِرًا. ح قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ،

فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارٍ، فَذَبَحَتْ لَهُ شَاةً، فَأَكَلَ مِنْهَا، وَأَتَتْهُ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ لِلظُّهُرِ، وَصَلَّى، ثُمّ انْصَرَفَ، فَأَتَتْ بِعُلالَةٍ مِنْ عُلالَةِ الشَّاةِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ». العُلالَةُ: أَرَادَ بَقِيَّةَ لَحْمِهَا، وَيُقَالُ لِبَقِيَّةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَلِبَقِيَّةِ جَرْيِ الْفَرَسِ، وَلِبَقِيَّةِ قُوَّةِ الشَّيْخِ: عُلالةٌ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَلَلِ وَهُو الشُّرْبُ الثَّانِي. وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: عُلالةُ الشَّاةِ: مَا يُتَعلَّلُ بِهِ شَيْء بَعْدَ شَيْءٍ 2850 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَاكِمُ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، أَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَكَلَ، وَأَكَلْنَا مَعَهُ، ثُمَّ آذَنَهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِالصَّلاةِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَلَمْ نُزِدْ عَلَى أَنْ مَسَحْنَا أَيْدِيَنَا بِالْحَصْبَاءِ».

باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب من اللحم

وفِيهِ مِنَ الأَدَبِ أَنَّ مَنْ أُهدِيَ إلَيْهِ طَعَامٌ وَهُو فِي جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُ فِيهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ جُلُوسٌ، فَهُمْ شُرَكَاؤُهُ فِيهَا». قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا فِي الطَّعَامِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الأَمْوَالِ، لأَنَّ الأَطْعِمَةَ تَتَسَارَعَ إِلَيْهَا شَهْوَةُ الإِنْسَانِ، وَتَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةُ، وَيُجْرَى فِيهَا الْمُسَامَحَةُ دُونَ غَيْرِهَا بابُ مَا كَانَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب من اللَّحْم 2851 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ

إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَشَ مِنْهَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو حَيَّانَ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ اسْمُهُ هَرِمٌ ورُوِي عنْ عائِشة، قالتْ: «مَا كَانَ الذِّراع بأحبِّ اللّحم إِلى رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكِنّهُ كَانَ لَا يجِدُ اللّحْم إِلّا غِبًّا، وَكَانَ يعْجلُ إِليْها، لأنّهُ أعْجلها نُضْجًا». قَالَ الإِمامُ: فِي الْحدِيث اسْتِحْبَاب نهش اللَّحْم، والنهسُ: أخذُ مَا على الْعظم من اللَّحْم بأطراف الْأَسْنَان، والنهش بالشين الْمُعْجَمَة بالأضراس. وقدْ رُوِي بِإِسْنَاد غَرِيب عنْ عبْد اللهِ بْن الْحارِث، قَالَ: زَوجنِي أبِي، فَدَعَا أُناسًا فيهم صفون بْن أُميَّة، فَقَالَ: إِنّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «انْهشُوا اللّحْم نهْشًا، فإِنّهُ أهْنأُ وأمْرأُ».

وَقد استحبّ أهْل الْعِلْمِ نهش اللَّحْم على مَذْهَب التَّوَاضُع، وَطرح الكبرِ، وَالْقطع بالسكين مباحٌ، وَالدَّلِيل عليْهِ مَا. 2852 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ، أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاةِ، فَأَلْقَاهَا، وَالسِّكِّينَ الَّذِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قوْله: " يحتزُّ من الحزِّ وهُو قطعٌ يتَقَدَّر بمبلغ الْحَاجة، وَمِنْه الحُزة وهِي الْقطعَة من اللَّحْم. ورُوِي عنِ الشّعْبِيِّ، عنِ ابْن عُمر، قَالَ: «أُتِي النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجبنةٍ فِي تبْوك، فَدَعَا بِسِكِّين فسمّى وَقطع».

باب الثريد والتلبينة

2853 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو أَحْمَدَ، نَا مِسْعَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ فَهْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقُولُ: «إِنَّ أَطْيَبَ اللَّحْمِ لَحْمُ الظَّهْرِ» 2854 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ فَهْمٍ، قَالَ يَحْيَى: اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطْيَبُ اللَّحْمِ لَحْمُ الظَّهْرِ» بابُ الثَّرِيد والتلبينة قَالَ النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فضْلُ عائِشة على النِّساء كفضْلِ الثّريدِ على الطّعامِ». وَقَالَ عِتْبانُ بنْ مالِكٍ: حبسْناهُ على

خزيْرةٍ صنعْنا. 2855 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلُهَا، وَخَاصَّتُهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ، فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ، فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْملِكِ بْنِ شُعيْبِ

بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ التلبينة: حساءٌ يُعمل من دَقِيق، أوْ من نُخالة، وَرُبمَا يُجعل فِيها عسل، سميت تلبينة تَشْبِيها باللبنِ، لبياضها ورقتها. قوْله: «مُجِمّةٌ»، أَي: يسرو عَنهُ همه، وفِي الْحدِيث فِي السفرجل «أنّها تُجِمُّ الفؤادُ»، أَي: تُريحه، وتُكمِلُ نشاطهُ. 2856 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، نَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ بَرَكَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي الْحِسَاءِ أَنَّهُ يَرْتُو فُؤَادَ الْحَزِينِ، وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ» قوْله: «يرتو»، أَي: يقويهِ ويشدُّهُ، وقِيل: قدْ يكُون الرتو

باب المرق والدباء

شدًا وإرخاء، وقوْله: «يسْرو عنْ فُؤْاد السّقيمِ»، أَي: يكْشف عنْ فُؤَاده، يُقَال: سروتُ الثَّوْب، وسريتهُ: إِذا نضوتهُ، وَمِنْه قوْله: «سُرِّي عنْهُ»، أَي: كُشِف عنْهُ الْخَوْف. 2857 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَعْنِي مَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالضَّمُّ فِيهِ أَفْصَحُ بابُ الْمرقِ والدُّبّاءِ 2858 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَّبَ إِلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ، وَقَدِيدٌ، قَالَ أَنَسٌ: «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الصَّحْفَةِ»، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. هَذَا حدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «يَتَّبِعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حُرُوفِ الْقَصْعَةِ». وَرَوَاهُ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، وَزَادَ: «فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، جَعَلْتُ أُلْقِيهِ إِلَيْهِ، وَلا أَطْعَمُهُ». وَقَالَ ثَابِتٌ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يَقُولُ: «فَمَا صُنِعَ لِي طَعَامٌ بَعْدُ أَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُصْنَعَ فِيهِ دُبَّاءٌ إِلا صُنِعَ» 2860 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ،

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ مَعِي أُمُّ سُلَيْمٍ بِشَيْءٍ مِنْ رُطَبٍ فِي مِكْتَلٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أَجِدْهُ فِي بَيْتِهِ، فَذَهَبْتُ قَرِيبًا، فَإِذَا هُوَ عِنْدَ خَيَّاطٍ مَوْلًى لَهُ صَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ لَحْمٌ، وَدُبَّاءٌ، «فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الدُّبَّاءُ، فَجَعَلْتُ أَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَوَضَعْتُ الْمِكْتَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يَأْكُلُ، وَيَقْسِمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي الْمِكْتَلِ شَيْءٌ» قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على أَن الطَّعَام إِذا كَانَ مُخْتَلفا يجوز أَن يمدّ يَده إِلى مَا لَا يَلِيهِ، أوْ إِذا لمْ يعرف من صَاحبه كَرَاهِيَة. ورُوِي بِإِسْنَاد غَرِيب عنْ عُبيْد الله بْن عكراش، عنْ أبِيهِ عكراش بْن ذُؤَيْب، قَالَ: أَتَيْنَا بجفنةٍ كَثِيرَة الثَّرِيد، فخبطتُّ بيَدي فِي نَوَاحِيهَا، فَقَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلْ مِنْ موْضِعٍ واحِدٍ فإِنّهُ طعامٌ واحِدٌ»، ثُمّ أُتينا بطبق فِيهِ ألوان التَّمْر، فَجعلت آكلُ من بيْن يديّ، وجالت يدُ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّبَق، فَقَالَ: «يَا عِكْراشُ، كُلْ مِنْ حيْثُ شِئْت، فإِنّهُ غيْرُ لوْنٍ». 2861 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ،

أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالا: نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الدُّبَّاءُ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، وَدُعِيَ لَهُ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ، فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على أنّهُ يجوز أَن يُناول بعضُ الضَّيْف بَعْضًا، قَالَ ابْن الْمُبَارك: لَا بَأْس أَن يناول بعضُهم بَعْضًا، وَلَا يناولُ من هَذِه الْمَائِدَة إِلى مائدة أُخْرَى. 2862 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ عِنْدَهُ دُبَّاءً يُقَطَّعُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: «نُكَثِّرُ بِهِ طَعَامَنَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: وَجَابِرٌ هَذَا هُو جَابِرُ بْنُ طَارِقٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي طَارِقٍ، وَهُو رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يُعْرَفُ لَهُ إِلا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَكِيمُ بْنُ جَابِرِ بْنِ طَارِقِ بْنِ عَوْفٍ الْكُوفِيُّ الأَحْمَسِيُّ، سَمِعَ أَبَاهُ وَعُمَرَ

باب السلق والشعير

وَحدثنَا المطّهر بْن علِي، أَنا مُحمّد بْن إِبْراهِيم الصالحاني، أَنا عبْد الله بْن مُحمّد بْن جعْفر، حدّثنِي مُحمّد بْن يعْقُوب الْأَهْوَازِي، نَا أحْمد بْن الْمِقْدَام، نَا عثّام، نَا إِسْماعِيل بْن أبِي خالِد، بِهذا الْإِسْنَاد مثله. بابُ السِّلْقِ والشّعِيرِ 2863 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ عَلِيٌّ، وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ، قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ، وَعَلِيٌّ مَعَهُ يَأْكُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «مَهْ يَا عَلِيُّ، فَإِنَّكَ نَاقِهٌ»، قَالَ: فَجَلَسَ عَلِيٌّ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا، وَشَعِيرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ، مِنْ هَذَا فَأَصِبْ، فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُليْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الدوالي: بُسرٌ يُعلّقُ، فإِذا أرطب، أُكِل، واحدتها: داليةٌ. 2864 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «إِنَّا كُنَّا لَنَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ أُصُولَ السِّلْقِ، فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا، فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، إِذَا صَلَّيْنَا، زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا، وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى، وَلا نَقِيلُ إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَاللَّهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلا وَدَكٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب الحلواء والعسل

بابُ الحلْواءِ والْعسلِ 2865 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، قَالُوا: أَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ، وَالْعَسَلَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ، مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ 2866 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، نَا سِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْعَسَلَ، وَالْحَلْوَاءَ»

باب الخل

بابُ الخلِّ 2867 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: معنى هَذَا الْكَلَام مدحُ الاقتصاد فِي المآكِل، وَمنع النَّفس عنْ ملاذ الْأَطْعِمَة، وفِيهِ من الْفِقْه أَن من حلف لَا يأتدمُ، وَلَا يأكلُ خبْزًا بإدامٍ، فَأَكله بخلِّ يحنثُ. 2868 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِيهِ يَزِيدُ هُوَ ابْنُ هَارُونَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ،

عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ». هَذَا حَدِيثٌ صحِيحٌ أخْرجهُ مُسْلِم، عنْ أبِي بكْر بْن أبِي شيْبة، عنْ يزِيد بْن هارُون 2869 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، أَنَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟» قُلْتُ: لَا، إِلَّا خُبْزٌ يَابِسٌ وَخَلٌّ، فَقَالَ: «هَاتِي، مَا أَقْفَرَ بَيْتٌ مِنْ أُدُمٍ فِيهِ خَلٌّ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ قوْله: «مَا أقفر»، مَأْخُوذ من القفار، وهُو كلُّ طعامٍ يُؤكل بِلَا أُدمٍ، يُقَال: أكلتُ طَعَاما قفارًا، إِذا أَكلته غيْر مأدوم، وَمِنْه الأرْض القفرُ الّتِي لَا شيْء فِيها.

باب أكل الزيت

بِابُ أكْلِ الزّيتِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 20]، أيْ: تُنْبِتُ مَا يكُونُ فِيهِ الدُّهْنُ، وَقَالَ الأزْهرِيُّ: تنْبُتُ وفِيها دُهْنٌ، وَمَعَهَا دُهْنٌ، كَمَا يُقالُ: جَاءَ زيْدٌ بالسَّيْفِ، أيْ: معهُ السّيْفُ، وَقَالَ اللهُ عزّ وجلّ: {وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 20]، يعْني الزّيْت يصْطبِغُ بِهِ الآكِلُ، ويُقالُ لمِا يُؤْتدمُ بِهِ: صِبْغٌ وصِباغٌ. 2870 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَاسِمُ بْنُ بَكْرٍ الطَّيَالِسِيُّ، نَا أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرْسُوسِيُّ، نَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَطَاءٍ الَّذِي كَانَ بِالشَّامِ، وَلَيْسَ بِابْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَوْ أَبِي أَسِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا الزَّيْتَ، وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ».

قَال الإِمامُ: وَهَكَذَا قَالَ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ عَلَى الشَّكِّ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي أَسِيدٍ الأنْصَارِيِّ، وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالأَصَحُّ بِالْفَتْحِ 2871 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالا: نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: عَطَاءٌ، عَنْ أَبِي أَسِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا الزَّيْتَ، وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى وَيُرْوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَدَاوَى مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ، وَالزَّيْتِ». وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْعَتُ الزَّيْتَ، وَالْوَرْسَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ.

باب كراهية الأكل من وسط القصعة

بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مِنْ وسطِ القصْعةِ 2873 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ، فَقَالَ: «كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا، وَلا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي وَسَطِهَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ.

باب لعق الأصابع

بابُ لعْقِ الأصابِعِ 2873 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إِذَا أَكَلَ، لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ». وَبِهِ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِسْلاتِ الْقَصْعَةِ، وَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يُدْرَى فِي أَيِّ طَعَامِهِ يُبَارَكُ فِيهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ حَمَّادٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيلْعَقْ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ» 2874 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا أَبُو خَالِدٍ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنٍ لِكَعْبٍ،

عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَأْكُلُ بِثَلاثَةِ أَصَابِعَ، وَلا يَمْسَحُ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ 2875 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ 2876 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «

إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ، فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فِإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2877 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، نَا الْمُعَلَّى الْهُذَلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي جَدَّتِي أُمُّ عَاصِمٍ، وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِسِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، يُقَالُ لَهُ: نُبَيْشَةُ الْخَيْرِ، وَنَحْنُ نَأْكُلُ فِي قَصْعَةٍ، فَقَالَ لَنَا: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ فِي قَصْعَةٍ، ثُمَّ لَحَسَهَا، اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ». وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ الْمُعَلَّى بْنِ رَاشِدٍ الْهذلِيِّ أَبُو الْيَمَانِ

باب كراهية البيتوتة وفي يده غمر

بابُ كراهِيةِ الْبيْتوتةِ وَفِي يدِهِ غمرٌ 2878 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ لَمْ يَغْسِلْهُ، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ بابُ المُؤْمِنُ يأْكُلُ فِي معي واحِدٍ 2879 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ

الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ 2880 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى، فَشَرِبَ حِلابَهَا حَتَّى شَرِبَ حِلابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ، فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ، فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى، فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ

الْمُؤْمِنَ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ هَذَا خَاصًّا لِهَذَا الرَّجُلِ، لأَنَّكَ تَرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَكْثُرُ أَكْلُهُ، مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ يَقِلُّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَحَدِيثُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا خُلف لَهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: نُرى ذلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لِتَسْمِيَةِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَيَكُونُ فِيهِ الْبَرَكَةُ، وَقِيلَ: هُو مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُؤْمِنِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيا، وَلِلْكَافِرِ وَحِرْصِهِ عَلَى الدُّنْيا، فَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بُلغةً وَقُوتًا عِنْد الْحَاجَةِ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ شَهْوَةً وَحِرصًا طَلَبًا لِلَذَّةٍ، فَهَذَا يُشْبِعُهُ الْقَلِيلُ، وَذَلِكَ لَا يُشْبِعُهُ إِلا كَثِيرٌ

باب طعام الاثنين يكفي الثلاثة

بابُ طعامِ الاثْنيْنِ يكْفِي الثَّلَاثَة 2881 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي ثَلاثَةٍ، وَطَعَامُ الثَّلاثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 2882 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، نَا رَوْحٌ، نَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يكْفِي الثَّمَانِيَةَ».

باب التمر

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَمِثْلُهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَكَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ، عَنْ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: تَأْوِيلُهُ: شِبَعُ الْوَاحِدِ قُوتُ الاثْنَيْنِ، وَشِبَعُ الاثْنَيْنِ قُوتُ أَرْبَعٍ قَالَ عبْد الله بْن عُرْوَة: تَفْسِير هَذَا مَا قَالَ عُمر عَام الرَّمَادَة: لقدْ هممتُ أَن أُنْزِل على أهل كلِّ بيتٍ مثل عَددهمْ، فإِن الرجل لَا يهلِك على نصف بَطْنه. بابُ التّمْرِ 2883 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِسْحَاقُ هُوَ الأَزْرَقُ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ هِلالٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا أَكَلَ آلُ مُحَمَّدٍ أَكْلَتَيْنِ فِي يَوْمٍ إِلَّا إِحْدَاهُمَا تَمْرٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ،

عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، وَقَالَ: قَالَتْ: «مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ يَوْمَيْنِ مِنْ خُبْزٍ بُرٍّ إِلا وَأَحَدهُمَا تَمْرٌ» 2884 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَجُوعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 2885 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ طَحْلاءُ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ، أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ». قَالَهَا مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

2886 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، نَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الأَعْوَرِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَخَذَ كِسْرَةً مِنْ خُبْرِ الشَّعِيرِ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً، فَقَالَ: هَذِهِ إِدَامُ هَذِهِ "، وَأَكَلَ قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على أنّهُ لَو حلف أَن لَا يَأْكُل خبْزًا بإدام، فَأَكله بِتَمْر يَحْنَث، وكذلِك الْملح، والثومُ، والبصلُ، وَقَالَ أبُو حنِيفة رَحمَه الله: لَا يحنثُ إِلَّا بمائع يُصطبغ بِهِ مثل الْخلّ، وَالزَّيْت، والمُرِّي، وَاللَّبن، وَمَا أشبه ذلِك. 2887 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ فَضَالَةَ، نَا ابْنُ مُصَفًّى، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ، يَقُولُ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ أَبِي بِتَمْرٍ وَسُوَيْقٍ، «فَجَعَلَ يَأْكُلُ التَّمْرَ،

باب ما في التمر من الشفاء

وَيُلْقِي النَّوَى عَلَى ظَهْرِ إِصْبُعَيْهِ، ثُمَّ يُلْقِيهِ». يَعْنِي: السَّبَّابَةَ، وَالْوُسْطَى. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَّنَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ أنس: رَأَيْت عُمر بْن الخطّاب، وهُو يؤمئذ أمِير الْمُؤْمِنيِن يطْرَح لهُ صاعٌ من تمرٍ، فيأكلها حتّى يَأْكُل حشفها. بابُ مَا فِي التّمْرِ مِن الشِّفاءِ 2888 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِيَالِيُّ، حَفِيدُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْكَيَّالِ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْخُزَاعِيُّ يُعْرَفُ بِفَضْلانَ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو طُوَالَةَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ

تَمَرَاتٍ عَجْوَةً مِمَّا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِيَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ سُليْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ أَبِي طَوَالَةَ 2889 - أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً، وَإِنَّهَا تِرْيَاقٌ أَوَّلَ الْبُكْرَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 2890 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ، سَمِعْتُ سَعْدًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلا سِحْرٌ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ قوْله: «منْ تصبّح»، أَي: أكل صباحًا قبل أَن يطعم شيْئًا، وَكَونهَا نافعة من السمِّ وَالسحر، قِيل: إِنّما هُو من طَرِيق التَّبَرُّك بدعوة سبقت من النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورُوِي بِإِسْنَاد غَرِيب عنْ أبِي سَلمَة، عنْ أبِي هُريْرة، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العجْوةُ مِن الجنّةِ فِيها شِفاءٌ مِنَ السُّمِّ، والكمْأةُ مِن المنِّ، وماؤُها شِفَاءٌ لِلْعيْنِ».

باب النهي عن أن يقرن بين تمرتين

ورُوِي عنْ مُجَاهِد، عنْ سعدٍ، قَالَ: مَرضت مَرضا أَتَانِي رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودنِي، فَوضع يَده بيْن ثدييّ حتّى وجدتُ بردهَا على فُؤَادِي، وَقَالَ: «إِنّك رجُلٌ مفْئُودٌ، وأْتِ الحارِث بْن كلدة أَخا ثقيفٍ، فإِنّهُ رجُلٌ يتطبّبُ، فلْيأْخُذْ سبْع تمراتٍ مِنْ عجْوةِ المديِنةِ، فلْيجأْهُنّ بِنواهُنّ ثُمّ لِيلدك بِهِنّ». قوْله: «فلْيجأهُنّ» أَي: فليدقهُنّ، وَمِنْه أُخِذت الوجيئة، وهِي المدقوقة حتّى يلْزم بعضه بَعْضًا، وَمِنْه أُخِذ الوِجاء، كَمَا جَاءَ فِي الْحدِيث: «الصّوْمُ لهُ وِجاءٌ». بابُ النَّهْي عنْ أَن يقرن بيْن تمرتين 2891 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، نَا سُفْيَانُ، نَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرِنَ

الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على جَوَاز المناهدة فِي الطَّعَام، وَكَانَ المُسْلِمُون لَا يرَوْنَ بِها بَأْسا، وَإِن تفاوتوا فِي الْأكل عَادَة إِذا لمْ يقْصد مغالبة صَاحبه. قَالَ أبُو سُليْمان: إِنّما جَاءَ النَّهْي عنِ القِران لعلةٍ معلومةٍ، وهِي مَا كَانَ القومُ فِيهِ من شدَّة الْعَيْش، وضيق الطَّعَام، فإِذا اجْتَمعُوا على الْأكل وَكَانَ الطَّعَام مشفوهًا، وفِي الْقَوْم من بلغ بِهِ الجوعُ الشدَّة، فهُو يُشفق من فنائه قبل أَن يَأْخُذ حَاجته مِنْهُ، فَرُبمَا قرن بيْن التمرتين، أوْ عظّم اللُّقْمَة، فأرشد النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى الْأَدَب فِيهِ، وَأمر بالاستئذان ليستطيب بِهِ أنفس أصْحابه، وأمّا الْيَوْم، فقدْ كثر الْخَيْر، واتسعت الْحَال، وَصَارَ النّاس إِذا اجْتَمعُوا، تلاطفوا على الْأكل، فهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلى الاسْتِئْذَان، فِي مثل ذلِك إِلَّا أَن يحدث حَال من الضّيق تَدْعُو الضَّرُورَة فِيها إِلى مثل ذلِك، واللهُ أعْلمُ. 2892 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، نَا

باب الجمع بين الشيئين في الأكل

يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، نَا عَبْدُ السَّلامِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَنْبِذُ إِلَيْنَا التَّمْرَ تَمْرَ الْعَجْوَةِ، وَكُنَّا عُزَّابًا، فَكَانَ إِذَا قَرَنَ، فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ قَرَنْتُ، فَأَقْرِنُوا» بابُ الجمْع بيْن الشّيْئيْنِ فِي الأكْلِ 2893 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ 2894 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ

الْبَصْرِيُّ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنِ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَزَادَ وَيَقُولُ: «يَكْسِرُ حَرُّ هَذَا بَرْدَ هَذَا، وَبَرْدُ هَذَا حَرَّ هَذَا» 2895 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: بَعَثَنِي مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ، وَعَلَيْهِ أَجْرٌ مِنْ قِثَّاءٍ زُغْبٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُحِبُّ الْقِثَّاءَ»، فَأَتَيْتُهُ بِهَا «وَعِنْدَهُ حِلْيَةٌ قَدْ

باب الكمأة

قَدِمَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَمَلأَ يَدَهُ مِنْهَا، فَأَعْطَانِيهِ» قَوْله: «أجْرٍ»، الأجري: هِي الْجمع الْأَدْنَى للجِرو، وهِي صغَار القِثّاء وَالرُّمَّان، والجِراء جمع الْجمع، يُقَال لشجرته: قدْ أجرت، فإِذا قوي، فهُو الحدجُ، وقدْ أحدجت شجرتُه. ويُرْوى: أُهْدِي إِلى رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضغابِيس. قَالَ أبُو عبيدٍ: هُو شبة صغارِ القثاء تُؤْكَل وهِي الشعارير أيْضًا بابُ الْكمْأةِ 2896 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ،

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءُ الْعَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحّتِهِ، ورواهُ مُسْلِم، عنِ ابْن أبِي عُمر، عنْ سُفْيان، وَقَالَ: الكمْأةُ مِن المنِّ الّذِي أنْزلِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرائِيلَ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ للْعيْنِ قوْله: «مِن الْمنِّ»، قِيل: مَعْنَاهُ أنّهُ شيْء يُنْبِتُهُ الله من غيْر سعي أحد، وَلَا مُؤنَة بِمَنْزِلَة المنِّ الّذِي كَانَ يُنزّلُ على بني إِسْرَائِيل، وقوْله: «وماؤُه شِفاءٌ للعين»، مَعْنَاهُ أَن مَاؤُهَا يُخْلطُ بالأدوية فينفع، ليْس مَعْنَاهُ أَن يُقطر مَاؤُهَا بحتًا فِي الْعين، ورُوِي عنْ أبِي هُريْرة، قَالَ: أخذْتُ ثلاثةُ أكْمُؤ، أوْ خمْسًا، أوْ سبْعًا، فعصرْتُهُنّ، فجعلْتُ ماءهُنّ فِي قارُورةٍ، كحّلْتُ بِها جارِيةً لي فبرأتْ. 2897 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِيهِ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ»

باب الكباث وهو ثمر الأراك

2898 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِيُّ، نَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الأَرْضِ، وَنُمِيَ الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ، وَالْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَهِيَ شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ بابُ الْكباثِ وهُو ثمرُ الأراكِ 2899 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب كيل الطعام

بِمَرِّ الظِّهَرانِ نَجْنِي الْكَبَاثِ، فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُ»، فَقِيلَ: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا رَعَاهَا؟». هَذَا حدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قوْله: نجْنِي الكِباث، أَي: النّضيج من ثَمَر الْأَرَاك، والكباث: ثمرُ الْأَرَاك، وَيُقَال لهُ: البريز أيْضًا، وقوْله: «وهلْ مِنْ نبيٍّ إِلّا رعاها»، قَالَ الْخطّابِيُّ، يُرِيد أَن الله لمْ يضع النُّبُوَّة فِي أَبنَاء الدُّنْيا وملوكها، لَكِن فِي رعاء الشَّاء وَأهل التَّوَاضُع من أصْحاب الحِرفِ، كَمَا رُوِي أَن أَيُّوب كَانَ خياطًا، وزكرِيّا كَانَ نجارًا، وقدْ قصّ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى من نبإ مُوسى، وكونِه أَجِيرا لشعيب عَلَيْهِمَا السّلام فِي رعي الْغنم مَا قصّ بابُ كيْلِ الطّعامِ 3000 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ،

باب إكرام الضيف

عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبْارَكْ لَكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بابُ إِكْرامِ الضّيْفِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24]، قِيل: أكْرمهُمْ إِبْراهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتعْجيلِ قِراهُمْ، والقِيامِ بنفْسِهِ عليْهِمْ، وطلاقةِ الوجْهِ، وقِيل: كانُوا مكرمِين عِنْد الله عزّ وجلّ، لأنهُمْ كانُوا ملائِكةً، كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 26]. 3001 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفِرَايِينِيُّ، أَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا شُعَيْبُ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، يُخْبِرُ،

عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ»، وَفِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى: " أَوْ لِيَسْكُتْ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 3002 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالَيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ

بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلا يَحِلُّ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ» حَتَّى يُخْرِجَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قوْله: «جائِزتُهُ يوْمٌ وليْلةٌ»، سُئِلَ عنْ ذلِك مالِك بْن أنس، فَقَالَ: يُكرمه ويتحفه يَوْمًا وَلَيْلَة. قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: يُرِيد أَن يتَكَلَّف لهُ فِي الْيَوْم الأول بِمَا اتَّسع لهُ من برِّ وإلطاف، وَيقدم لهُ فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث مَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ، وَلَا يزِيد على عَادَته، وَمَا كَانَ بعد الثَّلَاث، فهُو صَدَقَة، ومعروفٌ، إِن شَاءَ فعل، وَإِن شَاءَ ترك. قُلْت: قدْ صَحَّ عنْ عبْد الحميد بْن جعْفر، عنْ سعِيد المقبريِّ، عنْ أبِي شُرَيْح، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الضِّيافةُ ثلاثةُ أيّامٍ وجائِزتُهُ يوْمٌ وليْلةٌ». قَالَ الإِمامُ: فَهَذَا يدل على أَن الْجَائِزَة بعد الضِّيَافَة، وهِي أَن يُعْطِيهِ

مَا يجوز بِهِ مَسَافَة يوْم وَلَيْلَة، والجيزة قدر مَا يجوز بِهِ الْمُسَافِر من منهلٍ إِلى منهلٍ. وقوْله: «وَلَا يحل لهُ أَن يثوي عِنْده حتّى يُخرجه»، ويُرْوى: «أنْ يُقِيم عِنْدهُ حتّى يُؤْثِمهُ»، يُرِيد أنّهُ لَا يحل للضيف أَن يُقيم بعد الثَّلَاث من نزل بِهِ من غيْر استدعاء مِنْهُ حتّى يضيق صَدره، وأصل الْحَرج: الضّيق. قوْله: «حَتَّى يُؤْثِمهُ»، يُقَال: آثمهُ بالمدِّ: إِذا أوقعه بالإثم، وأثّمهُ بِالتَّشْدِيدِ، قَالَ لهُ: أثِمت. فإِن حبسهُ عذرٌ من مطر، أوْ علةٍ، أنْفق من مَال نَفسه. وَلَو أَن رجُلا خَافَ أمرا، فأوى إِلى رجل، فهُو ضيفٌ، عليْهِ إيواؤهُ وإكرامه إِن لمْ يكن أحدث حَدثا، فإِنّهُ جَاءَ فِي الْحدِيث: «منْ أحْدث حَدثا، أوْ آوى مُحْدِثًا، فعليْهِ لعْنةُ الله». قَالَ جابِر بْن عبْدِ اللهِ: هَلَاك الرجل أَن يدخُل عليْهِ الرجل من إخوانه، فيحتقر مَا فِي بَيته أَن يقدمهُ إليْهِ، وهلاك الْقَوْم أَن يحتقروا مَا قُدِّم إِلَيْهِم. وَكَانَ سلمَان إِذا دخل عليْهِ رجل، فَدَعَا بِمَا حضر خبْزًا ومِلحًا، وَقَالَ: لَوْلَا أنّا نُهينا أَن يتَكَلَّف بَعْضنَا لبَعض، لتكلّفتُ لَك، وقِيل للأوزاعي: مَا إكرام الضَّيْف؟ قَالَ: بشاشةُ الْوَجْه.

باب حق الضيف

بابُ حقِّ الضّيْفِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النِّسَاء: 148]، قَالَ مُجاهِدٌ: هُو الرّجُلُ ينْزِلُ بالرّجُلِ، فَلَا يُضيِّفُهُ، وَلَا يقْرِيهِ، فَلَا بَأْس أنْ يقُول: لمْ تُضِفْني ولمْ تقْرِني. 3003 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تَبْعَثُنَا، فَنَنْزِلُ بِالْقَوْمِ، فَلا يَقْرُونَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ، فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ، فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ أَيْضًا، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ قَالَ أبُو عِيسى: معنى هَذَا الْحدِيث: أَنهم كانُوا يخرجُون فِي الْغَزْو، ويمرُّون بِقوم، وَلَا يَجدونَ من الطَّعَام مَا يشْتَرونَ بثمنٍ، فَقَالَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ أَبَوا أنْ يبيعُوا إِلّا أنْ تأْخُذُوا كرْهًا فخُذُوا». هَكَذَا رُوِي فِي بعْض الْحدِيث مُفسرًا، وقدْ رُوِي عنْ عُمر بْن الخطّاب أنّهُ كَانَ يأمرُ نَحْو هَذَا. قَالَ الإِمامُ: وقدْ يكُون مُرروهم على جمَاعَة من أهل الذِّمَّة، وقدْ شَرط الإِمام عَلَيْهِم ضِيَافَة من يمرّ بِهِمْ، فإِن لمْ يَفْعَلُوا، أخذُوا مِنْهُم حقّهم كرها، فَأَما إِذا لمْ يكن شَرط عَلَيْهِم، والنازل غيرُ مُضْطَر، فَلَا يجوز أَخذ مَال الْغَيْر بِغَيْر طيبَة نفس مِنْهُ. 3004 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الدَّارَابَجَرْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْجُودِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي الْمُهَاجِرِ، أَنَّهُ

سَمِعَ الْمِقْدَامَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ ضَافَ قَوْمًا، فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ نَصْرُهُ حَتَّى يَأْخُذَ لَهُ بِقِرَاهُ مِنْ مَالِهِ وَزَرْعِهِ». وَفِي رِوَايَةٍ: «أَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا، فَلَمْ يُقْرُوهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ»، وَهَذَا فِي الْمُضْطَرِ الَّذِي يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلا يَجِدُ طَعَامًا، فَلَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مَالَ الْغَيْرِ واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي أنّهُ هَل يجب ضمانُ قِيمَته أم لَا؟ فَذهب قوم إِلى وجوب الْقيمَة وهُو قِيَاس الشّافِعِي، وَذهب جمَاعَة من أهل الْحدِيث إِلى أنّهُ لَا ضَمَان عليْهِ، فَأَما من لَا ضَرُورَة بِهِ، فَلَا يجوز لهُ أَن يَأْخُذ مَال الْغَيْر إِلَّا بطيبِ نفس مِنْهُ. وَاخْتلفُوا فِي الْمُضْطَر إِذا وجد ميتَة وَمَال الْغَيْر، فَقَالَ قوم: يَأْكُل مَال الْغَيْر، وَيضمن قِيمَته، وبِهِ قَالَ عبْد الله بْن دِينار، وَقَالَ قوم: يأكلُ الْميتَة، وهُو قوْل سعِيد بْن الْمُسيِّبِ، وَزيد بْن أسلم.

باب دعاء الضيف لصاحب الطعام

بابُ دُعاءِ الضّيْفِ لِصاحِبِ الطّعامِ أكل رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بيْتِ سعْدِ بنِ عُبادة زبيبًا، فلمّا فرغ، قَالَ: «أكل طعامكُم الأبْرارُ، وصلّتْ عليْكُم الملائِكةُ، وأفْطر عِنْدكُم الصّائِمُون». 3005 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجُ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدَعَا لَهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب المضطر إلى الميتة

ورُوِي عنْ عبْد الله بْن بُسرٍ، قَالَ: نزل رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبِي، فَقَرَّبْنَا إِليْهِ طَعَاما ووطبة، فَأكل مِنْهَا، ثُمّ أُتِيِ بِتمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلهُ، ويُلقي النَّوَى بيْن إصبعيه، وَيجمع السبابَة وَالْوُسْطَى، ثُمّ أُتِي بشراب، فشربه، ثُمّ نَاوَلَهُ الّذِي عنْ يَمِينه. قَالَ: فَقَالَ أبِي: وَأخذ بلجام دَابَّته، ادعُ الله لنا، فَقَالَ: «اللُّهُم بارِكْ لهُمْ فِيما رزقْتهُمْ، وأَغْفِرْ لهُمْ، وارْحَمْهُمْ». بابُ المُضْطرِّ إِلى الميْتةِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْأَنْعَام: 145]، قوْلُهُ: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145]، قِيل: معْناهُ لَا يبْغِي، فيأْكُلهُ غيْر مُضْطرٍّ إليْهِ، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: لَا يعْدُو شِبعهُ. وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: لَا يتجاوزُ القدْر الّذِي أُبِيح لهُ، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: لَا يقصرُ عنْهُ، فَلَا يأْكُلُ. وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: غيْر طالِبِها وهُو يجِدُ غيْرها، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: غيْر مُتعدّ

مَا حُدّ لهُ. وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: غيْر ظالِمٍ بِتحْلِيلِ مَا حرّم الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: غيْر مُجاوِزٍ القصْد. وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145] أيْ: غيْر خارِجٍ عنِ السُّلْطانِ، أَو قاطِعٍ للطّريقِ، فإِنْ خرج لِمعْصِيةٍ لِفسادٍ فِي الأرْضِ، أوْ لِقطْعِ طريقٍ، فاضْطُرّ إِلى ميْتةٍ لَا يحِلُّ لهُ تناوُلُها، وهُو قوْلُ مُجاهِدٍ، وسعيدِ بنِ جُبيْرٍ، وإِليهِ ذهب الشّافِعِيُّ، ولمْ يُجوِّزِ التّرخُّص لأحدٍ خرج لِسفرِ معْصِيةٍ، وجوّز أصْحابُ الرّأْيِ الترخُّص للعاصِي بِسفرِهِ، وقالُوا: البغْيُ والعُدْوانُ راجِعانِ إِلى الأكْلِ. وَقَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْمَائِدَة: 3]، والمخْمصةْ: المجاعةُ، لِأَن البطْن يضْمُرُ بِها، قوْلُهُ: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [الْمَائِدَة: 3]، أيْ: غيْر مائِلٍ إِلى حرامٍ، ويُقالُ للمائِلِ: أجْنفُ، ومِنْهُ قوْلُهُ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [الْبَقَرَة: 182] قَالَ مسروقٌ: من اضْطُرّ إِلى الميْتةِ وَالدّمِ ولحْمِ الخنْزيرِ، فلمْ يأْكُلُ ولمْ يشْربُ حتّى يمُوت، دخل النّار. قَالَ معْمرٌ: ولمْ أسْمعُ فِي الخمْرِ رُخْصةً، قَالَ

الزهْريُّ: لَا يحِلُّ شُرْبُ أبْوالِ النّاسِ لِشِدّةٍ تنْزِلُ بِهِ، لأنهُ رِجْسٌ، قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [الْمَائِدَة: 4]. 3006 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيِّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عُقْبَةَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنِ الْفُجَيْعِ الْعَامِرِيِّ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ؟ قَالَ: «مَا طَعَامُكُمْ؟» قُلْنَا: نَغْتَبِقُ، وَنصْطَبِحُ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَسَّرَهُ لِي عُقْبَةُ: قَدَحٌ غُدْوَةً، وَقَدَحٌ عَشِيَّةً. قَالَ: «ذَلِكَ وَأَبِي الْجُوعُ، فَأَحَلَّ لَهُمُ الْمَيْتَةَ» عَلَى هَذِهِ الْحَالِ قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: الغبوقُ: الْعشَاء، والصّبُوح: الْغَدَاء، والقدحُ من اللَّبن بالغداةِ، والقدحُ بالعشيِّ يُمسكُ الرّمق ويُقيم النَّفس،

وَإِن كَانَ لَا يُشْبعُ الشِّبع التَّام، وقدْ أَبَاحَ لهُمْ مَعَ ذلِك تنَاول الْميتَة، فَكَانَ دلَالَته أَن تنَاول الْميتَة مُبَاح إِلى أَن تَأْخُذ النَّفس حَاجَتهَا من الْقُوت، وتشبع، وَإِلَى هَذَا ذهب مالِك بْن أنس، وهُو أحد قولي الشّافِعِي، لِأَن الْحَاجة مِنْهُ قَائِمَة إِلى الطَّعَام. وَقَالَ أبُو حنِيفة: لَا يجوز أَن يتَنَاوَل مِنْهُ إِلَّا قدر مَا يُمسك رمقه وهُو القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ، وإِليْهِ ذهب المزنيُّ، وذلِك لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي الِابْتِدَاء بِهذِهِ الْحَال، لمْ يجز لهُ أَن يَأْكُل شيْئًا مِنْهَا، فَكَذَلِك إِذا بلغَهَا بعد تنَاولهَا، ورُوِي نَحْو هَذَا عنِ الْحسنِ الْبصْرِيِّ، وَقَالَ قَتَادَة: لَا يتضلعُ مِنْهَا. قَالَ الإِمامُ الْحدِيث يدل على أَن الْمُضْطَر إِذا وجد من الطَّعَام الْمُبَاح مَا يُمسك رمقه، فتناوله، ولمْ يحصل مِنْهُ الشِّبَع، جَازَ لهُ تناولُ الْميتَة أيْضًا حتّى يشْبع، لِأَن الْقدح من اللَّبن بِالْغَدَاةِ، والقدح بالعشيِّ يمسك رمقه، وَمَعَ ذلِك أَبَاحَ لهُ الْميتَة، فَأَما من كَانَ مُحْتَاجا إِلى الطَّعَام، ولمْ يبلغ حَالَة الِاضْطِرَار بِأَن كَانَ لَا يخَاف على نَفسه التّلف، فاتفقوا على أنّهُ لَا يحلُّ لهُ تنَاول الْميتَة، وَقَالَ مالِك: الْمُضْطَر إِلى الميتةِ يَأْكُل مِنْهَا حتّى يشْبع ويتزود مِنْهَا، فإِن وجد عنْها غنى، طرحها. 3007 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَكُونُ

بِالأَرْضِ فَيُصِيبُنَا بِهَا الْمَخْمَصَةُ، فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ فَقَالَ: «مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا، أَوْ تَغْتَبِقُوا، أَوْ تَحْتَفِئُوا بِهَا بَقْلا، فَشَأْنَكُمْ بِهَا» قوْله: «أوْ تحْتفِئُوا بِها بقْلا»، قَالَ أبُو عُبيْد: أنّهُ من الحفاء مَهْمُوز مَقْصُور، وهُو أصل البردي الْأَبْيَض الرطب مِنْهُ، وهُو يُؤْكَل، يقُول: مَا لمْ تقتلعوا هَذَا بِعَيْنِه، فتأكلوه، وقِيل: صَوَابه «مَا لمْ تحتفوها بِها بقلا» مخفف الْفَاء غيْر مَهْمُوز وكل شيْء استؤصل فقد احتفى، وَمِنْه إحفاء الشّعْر، يُقَال: احتفى الرجل يحتفي: إِذا أَخذ من وَجه الأرْض بأطراف أصابِعه. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَا أعرف «تحتفئوا»، وَلَكِن أَرَاهَا «تختفوا»، يقُول بِالْخَاءِ مُعْجمَة، أَي: تقتلعونه من الأرْض وتظهرونه، يُقَال: اختفيت الشَّيْء، أَي: أخرجته، وَمِنْه سمي النباش المختفي، لِأَنَّهُ يسْتَخْرج الأكفان، يُقَال: خفيت الشَّيْء: إِذا أظهرته، وأخفيته: إِذا سترته. وَقَرَأَ الْحسن: 0 أكاد أخفيها 0، بِالْفَتْح، أَي: أظهرها. قَالَ أَعْرَابِي: لَعَلَّهَا تجتفئوا، يعْنِي بِالْجِيم، أَي: تقتلعونه وترمون بِهِ من قَوْلك: جفأتُ الرجل: إِذا ضربت بِهِ الأرْض، وجفأتِ القِدرُ بزبدها، إِذا رمت. قَالَ أبُو عُبيْد: معنى الْحدِيث إِنّما لكم مِنْهَا، يعْنِي من الْميتَة الصبوحُ: وهُو الْغَدَاء، أوِ الغبوق: وهُو الْعشَاء، يقُول: فليْس لكم أَن تجمعوهما من الميتةِ، وأنكروا هَذَا عنْ أبِي عُبيد،

وقالُوا: مَعْنَاهُ إِذا لمْ تَجدوا صَبُوحًا أوْ غبوقًا، ولمْ تَجدوا بقلة تأكلونها حلت لكم الْميتَة، فإِذا اصطبح الرجل لَبَنًا، أوْ تغدى بِطَعَام لمْ يحلّ لهُ نَهَاره ذلِك أكل الْميتَة، وكذلِك إِذا تعشّى، أوْ شرب غبوقًا، فَلم يحل لهُ ليلته تِلْك، لِأَنَّهُ يتبلّغ بِتِلْكَ الشربة. وإِذا مرّ الْمُضْطَر بِتَمْر، أوْ زرع، أوْ مَاشِيَة للْغَيْر، أكل مِنْهَا ولمْ يكن لمَالِكه منعهُ، فإِن منع، كَانَ فِي دَمه.

28 - كتاب الأشربة

28 - كِتابُ الأشْرِبةِ بِابُ تحْرِيمِ الْخمْرِ قَالَ الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [الْمَائِدَة: 90]، وَقَالَ اللهُ عزّ وجلّ: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النَّحْل: 67]، قِيل: نزل هَذَا قبْل تحْرِيم الخمْرِ. قَالَ ابنُ عبّاسٍ: السّكرُ: مَا حُرِّم وهُو الخمْرُ، والرِّزْقُ الحسنْ، مَا بقِي حَلَالا وهُو الأعْنابُ، والتُّمورُ، والسّكرُ: اسْمٌ لِما يُسْكِرُ. 3008 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْدَةَ الْعَطَّارِيُّ، أَدَامَ اللَّهُ ظِلَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِتْعِ، فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 3009 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وصحّ عنْ أبِي مُوسى، قَالَ: بَعَثَنِي رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنا ومعاذ بْن جبل إِلى الْيمن، فقُلْتُ: يَا رسُول اللهِ، إِن شرابًا يُصنعُ بأرضنا يُقَال لهُ: المِزرُ، من الشّعير، وشرابٌ يُقال لهُ: البِتعُ من الْعَسَل، فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حرامٌ». 3010 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ

عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ 3011 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، نَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، وَثَلاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا: الْجَدُّ، وَالْكَلالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وقوْله: «الخمْرُ مَا خامر العقْل»، أَي: خالطه، وخمر الْعقل، أَي: ستره، وهُو الْمُسكر من الشَّرَاب، وَالْخمر بِفَتْح الْمِيم: مَا سترك من شجر، أوْ بِنَاء، أوْ غَيره، والبِتعُ: نَبِيذ الْعَسَل، والمِزرُ، نَبِيذ الشّعير، وَيُقَال: هُو من الذّرة، والجِعةُ: نَبِيذ الشّعير، والسّكرُ: نَبِيذ التَّمْر الّذِي لمْ تمسهُ النَّار. قَالَ الإِمامُ: فِي هَذِه الأحادِيث دلِيل وَاضح على بطلَان قوْل من زعم أَن الْخمر إِنّما هِي عصير الْعِنَب، أوِ الرطب النيء الشَّديد مِنْهُ، وعَلى فَسَاد قوْل من زعم، أَن لَا خمر إِلَّا من الْعِنَب، أوِ الزَّبِيب، أوِ الرُّطب، أوِ التَّمْر، بل كُل مُسْكِرٍ خمرٌ، وَأَن الْخمر مَا يخَامر الْعقل. وقدْ رُوِي عنِ الشّعْبِيِّ، عنِ النُّعْمَان بْن بشير، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنّ مِن العِنبِ خمْرًا، وإِنّ مِن التّمْرِ خمْرًا، وإِنّ مِن العسلِ خمْرًا، وإِنّ مِن البُرِّ خمْرًا، وإِنّ مِن الشّعيرِ خمْرًا». فَهَذَا تَصْرِيح بِأَن الْخمر قدْ تكون من غيْر الْعِنَب وَالتَّمْر، وَتَخْصِيص هَذِه الْأَشْيَاء بِالذكر ليْس لما أَن الْخمر لَا تكون

إِلَّا من هَذِه الْخَمْسَة، بل كُل مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا من ذُرة، وسُلتٍ، وعُصارة شجر، فَحكمه حكمهَا، وتخصيصها بِالذكر، لكَونهَا معهودة فِي ذلِك الزّمان. وقدْ رُوِي عنْ أبِي هُريْرة، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخمْرُ مِنْ هاتيْنِ الشّجرتيْنِ: النّخْلةِ، والعِنبةِ "، وَهَذَا لَا يُخَالف حَدِيث النُّعْمَان بْن بشير، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَن مُعظم الْخمر يكُون مِنْهُمَا، وهُو الْأَغْلَب على عادات النّاس فِيمَا يتخذونه من الْخُمُور. وفِي قوْله: «مَا أسْكر كثِيرُهُ، فقلِيلُهُ حرامٌ»، دلِيل على أَن التَّحْرِيم فِي جنس الْمُسكر لَا يتَوَقَّف على السُّكر، بل الشّربة الأولى مِنْهُ فِي التَّحْرِيم وَلُزُوم الحدِّ فِي حكم الشّربة الْآخِرَة الّتِي يحصل بِها السكر، لِأَن جمِيع أَجْزَائِهِ فِي المعاونة على السكر سواءٌ، كالزعفران لَا يصْبغ القليلُ مِنْهُ حتّى يُمدّ بِجُزْء بعد جُزْء، فإِذا كثر وَظهر لَونه، كَانَ الصِّبغُ مُضَافا إِلى جمِيع أَجْزَائِهِ لَا إِلى آخر جُزْء مِنْهُ، وَهَذَا قوْل عَامَّة أهل الْحدِيث، وقالُوا: لَو حلف أَلا يشرب الْخمر، فَشرب شرابًا مُسكرًا، يَحْنَث. قَالَ السَّائِب بْن يزِيد: إِن عُمر، قَالَ: إِنِّي وجدت مِنْ فُلان رِيح شرابٍ، وَزعم أنّهُ شرِب الطِّلاء، وَأَنا سائِلٌ عمّا شرِب، فإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جلدْتُهُ، فجلدهُ الحدّ تامًّا. وَقَالَ علِي: لَا أُوتي بأحدٍ شرب خمرًا وَلَا نبيذًا مُسكرا إِلَّا جلدته الحدّ. وَقَالَ ابْن عُمر: كُل مُسكر خمر، وَهَذَا قوْل مالِك، والشّافِعِي.

باب وعيد شارب الخمر

وَقَالَ عبْد الله بْن مسْعُود: السّكرُ خمرٌ، وَمثله عنْ إِبْراهِيم، والشّعْبِي، وَأبي رزين، قالُوا: السّكر خمرٌ. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك فِي رجل صلى، وفِي ثَوْبه من النَّبِيذ المُسكر بِقدر الدِّرْهَم، أوْ أكْثر: إنّه يُعِيد الصَّلَاة. وَقَالَ معنٌ: سَأَلت مَالِكًا عنِ الفُقاع، فَقَالَ: إِذا لمْ يُسكر، فَلَا بَأْس بِهِ. وَسُئِلَ طلْحة بْن مُصرف عنِ النَّبِيذ، فَقَالَ: هِي الْخمر، هِي الْخمر. بابُ وعيدِ شارِبِ الْخمْرِ 3012 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وفِي قوْله: «حُرِمها فِي الآخِرةِ»، وعيدٌ بِأَنَّهُ لَا يدْخل الْجنّة، لِأَن شراب أهل الْجنّة خمرٌ، إِلَّا أَنهم لَا يُصدّعون عنْها، وَلَا يُنْزِفُون، وَمن دخل الْجنّة لَا يُحرم شرابها. 3013 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا، لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3014 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفُورَانِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْمَحْمُودِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَاسَرْجَسِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا صَالِحُ بْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ حَتْمًا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَشْرَبَهُ عَبْدٌ فِي الدُّنْيَا إِلا سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ، هَلْ تَدْرُونَ مَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ " 3015 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرِ أَنْ يُسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ»، قَالُوا: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ

أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3016 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو سَعْدٍ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نِزَارٍ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ»، قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟

باب الخليطين

قَالَ: «صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ بابُ الْخلِيطيْنِ 3017 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أُمِّهِ، وَكَانَتْ قَدْ صَلَّتِ الْقِبْلَتَيْنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنِ الْخَلِيطَيْنِ، وَقَالَ: انْبِذُوا كُلَّ وَاحْدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ "

3018 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمٌ، نَا هِشَامٌ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَلْيُنْبَذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَة». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَقَالَ: «لَا تَنْتَبِذُوا الزَّهْوَ، وَالرُّطَبَ» قَالَ الإِمامُ: اخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي تَحْرِيم الخليطين، فَذهب جمَاعَة إِلى تَحْرِيمه، وَإِن لمْ يكن الشَّرَاب الْمُتَّخذ مِنْهُ مُسكرًا، لظَاهِر الْحدِيث، وإِليْهِ ذهب عَطاء، وطاوسٌ، وبِهِ قَالَ مالِك، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وقالُوا: من شرب الخليطين قبل حُدُوث الشدَّة فِيهِ، فهُو آثم بِجِهَة وَاحِدَة، وَإِن كَانَ مشتدًا، فبجهتين إِحْداهُما: شُرب الخليطين، وَالْأُخْرَى: شربُ المُسكر. رُوِي عنْ جابِر، أنّهُ قَالَ: البُسرُ وَالتَّمْر إِذا خُلِطا خمرٌ. وَرخّص أصْحاب الرّأْيِ فِي شربه على الْإِطْلَاق، وَرخّص فِيهِ الْأَكْثَرُونَ إِلَّا أَن يكُون مشتدًا مُسكرا. قَالَ اللَّيْث بْن سعْد: إِنّما جَاءَت الْكَرَاهِيَة أَن يُنبذا جَمِيعًا، لِأَن أَحدهمَا يشدُّ صَاحبه، وَاحْتج من

باب إباحة ما لا يسكر من الأنبذة

أَبَاحَهُ إِذا لمْ يكن مُسكرًا بِمَا رُوِي عنْ صَفِيَّة بنت عَطِيَّة، عنْ عائِشة، قالتْ: «كنتُ آخذُ قَبْضَة من تمرٍ، وقبضة من زبيب، فألقيه فِي إِنَاء، فأمرُسُهُ، ثُمّ أسقيه النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». بابُ إِباحةِ مَا لَا يُسْكِرُ مِن الأنْبِذةِ 3019 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِم ٍعَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْسِهِ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ، وَهِيَ الْعَرُوسُ، قَالَ سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ «أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَكَلَ، سَقَتْهُ إِيَّاهُ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ

وَقَالَ أبُو غَسَّان، عنْ أبِي حَازِم: بلّتْ تمراتٍ فِي توْرٍ مِنْ حِجارةٍ مِن اللّيْلِ، فلمّا فرغ مِن الطّعامِ، ماثتْهُ لهُ، فسقتْهُ. ماثته، أَي: مرستهُ بِالْيَدِ، يُقَال: ماث يميث، وماث، يموث: إِذا أذابه فِي المَاء فانماث، أَي: ذاب وانحلّ. 3020 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا حُمَيْدٌ، وَثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْقَدَحِ الشَّرَابَ كُلَّهُ: الْمَاءَ، وَالنَّبِيذَ، وَالْعَسَلَ، وَاللَّبَنَ " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ 3021 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ،

نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَاقِدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا الثَّقَفِيُّ، نَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ لَهُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً، فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً، وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً، فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ 3022 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيذِ، فَدَعَتْ جَارِيَةً حَبَشِيَّةً، فَقَالَتْ: سَلْ هَذِهِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: كُنْتُ «أَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَأُوكِئُهُ، فَإِذَا أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيِّ

3023 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، نَا عُبَيْدُ بْنُ عُقَيْلٍ، نَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُنْبَذُ لَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ، فَيَشْرَبُهُ مِنْ يَوْمِهِ، وَمِنَ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ يَأْمُرُ أَنْ يُهْرَاقَ»، وَإِمَّا أَنْ يَشْرَبَهُ بَعْضُ الْخَدَمِ 3024 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنْزِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ يُوكَأُ أَعْلاهُ، وَلَهُ عَزْلاءُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً، فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً، وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً، فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

3025 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ الْبَهْرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُنْبَذُ لَهُ نَبِيذٌ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ، وَاللَّيْلَةَ، وَالْغَدَ، وَلَيْلَتَهُ، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ، فَإِذَا أَمْسَى، سَقَاهُ الْخَدَمَ، أَوْ يُهْرِيقُهُ». وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ الْبَهْرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ، وَاللَّيْلَةَ الأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ، سَقَاهُ الْخَادِمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ». الْعَزْلاءُ: فَمُ الْمَزَادَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلسِّقَاءِ مِنْ أَسْفَلِهِ بابُ أحبِّ الشِّرابِ إِلى رسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3026 - أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا عَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ

باب الأوعية

الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلْوَ الْبَارِدَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: إِنَّمَا أَسْنَدَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلا. وَهَكَذَا رَوَى يُونُسُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلا بابُ الأوْعِيةِ 3027 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالْمُقَيَّرِ، وَالْحَنْتَمَةِ، وَالنَّقِيرِ». وَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَاهُ، عَنْ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَغَيْرِهِمْ والدباءُ: القرعُ، والمزفتُ: السقاء الّذِي قدْ زفت، أَي: رُبِّب بالزِّفتِ وهُو القِيرُ، وكذلِك المُقيّرُ. والحنتمةُ: الجرةُ. قَالَ أبُو عُبيد: هِي جِرارٌ خضرٌ كَانَت يحملُ فِيها الخلُّ إِلى الْمدِينة. والنقير: أصل النَّخْلَة ينقرُ، فيتخذُ مِنْهُ أوعية ينبذُ فِيها. وَالنَّهْي عنْ هَذِه الأوعية، لِأَنَّهَا أوعية متينة، وَلها ضراوة يشتدُّ فِيها النبيذُ، وَلَا يشُعُر بِذلِك صاحبُها، فَيكون على غررٍ من شرِبها. فَأَما غيْر المربوب من أسقية الأدمِ جلدٌ رقيقٌ إِذا اشْتَدَّ فِيهِ النبيذُ، تقطع وانشقّ، فَلَا يخفى على صَاحبه أمره.

وَقد اخْتلف النّاس فِي الانتباذ فِي هَذِه الأوعية، فَذهب قومٌ إِلى بَقَاء الْحَظْر فِيها، يُروى ذلِك عنِ ابْن عُمر، وَابْن عبّاس، وإِليْهِ ذهب مالِك، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وَذهب آخَرُونَ إِلى أَن التَّحْرِيم كَانَ فِي صدر الإسْلام، ثُمّ صَار مَنْسُوخا بِحَدِيث بُريْدة الْأَسْلَمِيّ وهُو مَا. 3028 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا مُعَرِّفُ بْنُ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الأَشْرِبَةِ إِلَّا فِي ظُرُوفِ الأَدَمِ، فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ، غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ 3029 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،

باب تحريم الشرب من آنية الفضة

عَنْ جَابِرٍ، أَنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يُنْبَذُ لَهُ فِي سِقَاءٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَتَوْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بابُ تَحْرِيم الشّرْب من آنِية الْفضة 3030 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ

مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قوْله: «يُجرْجِر»، أَي: يحدُرُ فِيهِ نَار جَهَنَّم. والجرجرة: صَوت وُقُوع المَاء فِي الْجوف، وَيكون ذلِك عِنْد شدَّة الشّرْب، وأصل الجرجرة الصَّوْت، وَمِنْه قِيل للبعير إِذا صَوت: هُو يُجرجرُ. 3031 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ، وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَيْفٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ 3032 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ «قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ»، قَالَ عَاصِمٌ: رَأَيْتُ الْقَدَحَ، وَشَرِبْتُ مِنْهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وفِي رِوَايَة: قَالَ عاصمٌ: هُو قدحٌ جيدٌ عريضٌ من نُضارٍ، يُقال: النضارُ: شجرُ الأثلِ، وَأَرَادَ أنّهُ من هَذِه الأقداح الحُمرِ، وَيُقَال: النضارُ: النبعُ، وهُو شجرٌ يُتخذُ مِنْهُ القِسِيُّ. قَالَ الإِمامُ: فِيهِ بَيَان أَن تضبيب الْإِنَاء بقليلٍ من الْفضة عِنْد الْحَاجة جائزٌ، فَأَما الْكثير للزِّينَة، فحرامٌ، أما الْقَلِيل للزِّينَة أوِ الْكثير للْحَاجة فمكروهٌ. 3033 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ الْبَغْدَادِيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَدَحَ خَشَبٍ غَلِيظٍ مُضَبَّبٍ بِحَدِيدٍ، فَقَالَ: «يَا ثَابِتُ، هَذَا قَدَحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

باب كراهية التنفس في الإناء والنفخ في الشراب

بابُ كَرَاهِيَة التنفس فِي الْإِنَاء والنفخ فِي الشَّرَاب 3034 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدُّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ، فَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلاءَ، فَلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ 3035 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْحَسَنِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرُّوذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَتَنَفَّسْ فِي

الإِنَاءِ، وَلا تَنْفُخْ فِيهِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ 3036 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حَبِيبٍ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ؟ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَا أَرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَبِنِ الْقَدَحَ مِنْ فِيكَ، ثُمَّ تَنَفَّسْ»، فَقَالَ: فَإِنِّي أَرَى الْقَذَاةَ فِيهِ، قَالَ: «فَأَهْرِقْهَا».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رُوِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمةِ الْقَدحِ، وَأَنْ يُنْفخَ فِي الشَّرَابِ» قَالَ الخطّابي: إِنّما نهى عنِ الشّرْب من ثلمة الْقدح، لِأَن الثلمة لَا يتماسك عَلَيْهَا شفةُ الشَّارِب، فإِذا شرب مِنْهَا، تصبّب المَاء، وسال على وَجهه وثوبه. رُوِي عنْ أبِي هُريْرة، «أنّهُ كَانَ يكْرهُ أنْ يشْرب الرّجُلُ مِنْ كسرِ القدحِ، أَو يتوضّأ مِنْهُ». وَالنَّهْي عنِ التنفس فِيهِ من أجل مَا يُخاف أَن يبرز من رِيقه، فَيَقَع فِي المَاء، وقدْ تكون النّكهة من بعْض من يشرب متغيرة، فَتعلق الرَّائِحَة بِالْمَاءِ لرقته ولطفه، ثُمّ إِنَّه من فعل الدَّوَابّ إِذا كرعت فِي الْأَوَانِي، جرعت، ثُمّ تنفست فِيها، ثُمّ عَادَتْ فَشَرِبت، فَيكون الْأَحْسَن فِي الْأَدَب أَن يتنفس بعد إبانة الْإِنَاء عنْ فَمه، والنفخ فِيهِ يكُون لأحد مَعْنيين، فإِن كَانَ من حرارة الشَّرَاب، فليصبر حتّى يبرد، وَإِن كَانَ من أجل قذًى، فليُمِطهُ بإصبع، أوْ خلالٍ، أوْ نَحوه. قَالَ الإِمامُ: وَإِن تعذّر، فليُرِقْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحدِيث.

باب التنفس في الشرب ثلاثا

بابُ التّنفُّسِ فِي الشُّرْبِ ثَلَاثًا 3037 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاثًا، وَزَعَمَ أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاثًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، كُلٌّ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ الإِمامُ: المُرَاد من الْحدِيث أَن يشرب ثَلَاثًا كلُّ ذلِك يُبينُ الْإِنَاء عنْ فِيهِ، فيتنفس، ثُمّ يعود، وَالْخَبَر الّذِي روينَا أنّهُ نهى عنِ التنفس فِي الْإِنَاء من غيْر أَن يُبينهُ من فِيهِ. 3038 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ

حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَبُو عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا، وَيَقُولُ: إِنَّهُ أَرْوَى، وَأَمْرَأُ "، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، وَقَالَ: «إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرأُ، وَأَمْرأُ» 3039 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو يَعْلَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَبُو عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا، وَيَقُولُ: «هُوَ أَهْنَأُ، وَأَبْرَأُ، وَأَشْفَى»، قَالَ أَنَسٌ: وَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَشْرَبُوا وَاحِدًا

باب النهي عن الشرب من فم السقاء وعن اختناث الأسقية

كَشُرْبِ الْبَعِيرِ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى، وَثُلاثَ، وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ» بابُ النّهُيِ عَن الشُّرْبِ مِنْ فمِ السِّقاء وعنِ اخْتِناثِ الأسقية 3040 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3041 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاعِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الْمُقْرِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ الْبَزَّازُ، نَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ،

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَزَادَ: اخْتِنَاثُهَا: أَنْ يُقْلَبَ رَأْسُهَا ثُمَّ يُشَرَبَ مِنْهُ قَالَ الإِمامُ: تَفْسِير الاختناث مَا جَاءَ فِي الْحدِيث، وهُو أَن يثني رَأس السقاء، ويعطفه، وأصل الاختناث: التكسُّر والتثني، وَمِنْه سُمي المخنّثُ لتكسُّرهِ وتثنيِّه. وَالْمعْنَى فِي النَّهْي عنِ الشّرْب مِنْهُ أنّهُ إِذا دَامَ الشُّرب فِيها، تخنث وتغيرت رائحتها، وقِيل: لِأَنَّهُ رُبّما يكُون فِيهِ دابةٌ، رُوِي عنْ أيُّوب، قَالَ: نُبِّئتُ أَن رجُلا شرب من فِي السقاء، فَخرجت مِنْهُ حيةٌ. وقدْ رُوِي أَن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لرجل: «اخْنِثْ

باب الرخصة فيه

فَم الإِداوةِ، ثُمّ اشْربْ مِنْ فِيها». قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يكُون النَّهْي إِنّما جَاءَ عنْ ذلِك إِذا شرب من السقاء الْكَبِير دُون الأداوي وَنَحْوهَا، وَيحْتَمل أَن يكُون إِنّما أَبَاحَهُ للضَّرُورَة وَالْحَاجة إليْهِ فِي الْوَقْت، وَإِنَّمَا الْمنْهِي عَنهُ أَن يَتَّخِذهُ الإِنْسان عَادَة. وقِيل: النَّهْي لِئَلَّا ينصبّ عليْهِ المَاء لسعة فَم الْإِنَاء. ورُوِي عنْ عِكْرِمة، عنْ أبِي هُريْرة، النهيّ عنِ الشّرْب من فَم السقاء، فَقيل لعكرمة: فَمن الرصاصةِ تُجعلُ فِي السقاء؟ قَالَ: لَا بَأْس بِهِ إِنّما يُمصُّ مثل الثدي. بابُ الرُّخْصَة فِيهِ 3042 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ،

عَنْ جَدَّتِهِ كَبْشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَشَرِبَ مِنْ فِي قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِمًا»، فَقُمْتُ إِلَى فِيهَا، فَقَطَعْتُهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَيَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ هُو أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْهُ مَوْتًا 3043 - أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ ابْنِ بِنْتِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا، وَهُوَ قَائِمٌ»، فَقَطَعْتُ فَاهَا، فَإِنَّهُ لَعِنْدِي 3044 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا حَسَنُ بْنُ هَارُونَ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ،

باب النهي عن الشرب قائما

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، «فَرَأَى قِرْبَةً مُعَلَّقَهً فِيهَا مَاءٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ»، فَقَامَتْ إِلَيْهَا أُمُّ سُلَيْمٍ، فَقَطَعَتْهَا بَعْدَ شُرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَا يَشْرَبُ مِنْهَا أَحَدٌ بَعْدَ شُرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابُ النّهْيِ عنِ الشّرْبِ قائِمًا 3045 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، أَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عِيسَى الأُسْوَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هَمَّامٍ ورُوِي عنْ قَتَادَة، عنْ أنس، أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نهى أنْ يشْرب الرّجُلُ

باب الرخصة فيه

قائِمًا، فَقيل: الأكْلُ؟ قَالَ: ذَاك أشدُّ ". قَالَ الإِمامُ: وَهَذَا النهيُ نهيُ أدبٍ وإرفاقٍ، ليَكُون تنَاوله على سكونٍ وطمأنينة، فَيكون أبعد من أَن يكُون مِنْهُ فسادٌ. بابُ الرُّخْصةِ فِيهِ 3046 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَخْلَدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، «فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ

3047 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا صَلَّى الظُّهْرَ ثُمّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحْبَةِ الْكُوفَةِ حَتَّى إِذَا حَضَرَتِ الْعَصْرُ أُتِيَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَرَأْسِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ يَعْنِي الشُّرْبَ قَائِمًا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، أَوْ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ: وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: «هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ» ورُوِي عنِ ابْن عُمر، قَالَ: كُنّا «نأْكُلُ على عهْدِ رسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحْنُ نمْشِي، ونشْربُ، ونحْنُ قِيامٌ». رُوِي عنْ عُمر، وَعُثْمَان، وَعلي، أَنهم كانُوا يشربون قيَاما.

باب استعذاب الماء

3048 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا». وَسُئِلَ مَعْمَرٌ عَنِ الرَّجُلِ يَأْكُلُ، وَهُوَ يَمْشِي، فَقَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يُرَخِّصُ فِيهِ لِلْمُسَافِرِ. وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا عَلِيٌّ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ. وَكَانَ حُذَيْفَةُ يَأْكُلُ رَاكِبًا بَاب استِعْذابِ الماءِ 3049 - حَدَّثَنَا مُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْفِرْيَابِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُسْتَعْذَبُ لَهُ

باب البداءة بالأيمن وشرب اللبن

الْمَاءُ مِنْ بِئْرِ سُقْيَا» 3050 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، نَا أَبُو زُرْعَةَ، نَا عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ «يُسْتَعْذَبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السُّقْيَا»، وَالسُّقْيَا مِنْ طَرَفِ الْحرَّةِ عِنْد أَرْضِ بَنِي فُلانٍ بابُ الْبداءة بِالأيْمنِ وشُرْبِ اللّبنِ قَالَ سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النَّحْل: 66]. 3051 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيَرزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ، وَقَالَ: الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 3052 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَرِبَ قَائِمًا، وَعَلَى يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْطَاهُ الأَعْرَابِيُّ، وَقَالَ: الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ " 3053 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ، وَمَاتَ، وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ، وَكُنَّ أُمَّهَاتِي يَحْثُثْنَنِي عَلَى خِدْمَتِهِ، «فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَارَنَا، فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ، وَسَقَيْنَاهُ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ فِي الدَّارِ»، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ، وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُمَرُ نَاحِيَةً، فَقَالَ عُمَرُ: أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ، فَنَاوَلَ الأَعْرَابِيَّ، وَقَالَ: «الأَيْمَنُ فَالأَيْمَنُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ الدَّاجِن من الشَّاء: الّذِي لَا يخرج إِلى الرَّعْي، وقوْله: «الأيْمنُ فالأيْمنُ»، فِي إعرابه وَجْهَان، أَحدهمَا: نصبُ النُّون على إِضْمَار «ناوِل» الأيْمن، أوْ «عليْك»، بالأيمن، ورفعها على معنى الِابْتِدَاء أَي: الأيمنُ أولى. 3054 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، نَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُتِيَ بِشَرَابٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلامِ: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ؟» فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ

يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قوْله: فتّله فِي يَده، أَي: دَفعه إليْهِ، وأصل التلٌ: الإلقاءُ والصرع، وَمِنْه قوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103]، أَي: أَلْقَاهُ وصرعه، وقوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُتِيتُ بِمفاتِيحِ خزائِنِ الأرْضِ، فتُلّتْ فِي يدِي». 3055 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ هُوَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا

وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى مَيْمُونَةَ، فَجَاءَتْنَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، «فَشَرِبَ اللَّبَنَ» صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى يَمِينِهِ، وَخَالِدٌ عَلَى شِمَالِهِ، فَقَالَ لِي: «الشَّرْبَةُ لَكَ، فَإِنْ شِئْتَ، آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا»، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ عَلَى سُؤْرِكَ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ لَبَنًا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ "، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِي مَكَانَ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ غَيْرَ اللَّبَنِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَيْمُوَنَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِي خَالَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَخَالَةُ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ 3056 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَيِّخِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، نَا أَبُو زُرْعَةَ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْخَمِيسِيُّ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْقِي

باب إيكاء الأسقية وتخمير الآنية

أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ شَرِبْتَ، فَقَالَ: «سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ»، يَعْنِي شُرْبًا بابُ إيْكاء الأسْقِيةِ وتخْمِيرِ الآنِيةِ 3057 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غَلَقًا، وَلا يَحِلُّ وِكَاءً،

وَلا يَكْشِفُ إِنَاءً، وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ والتخمير: التغطية، والإيكاء: الشدُّ، والوِكاء: الْخَيط الّذِي يُشدُّ بِهِ السقاءُ. 3058 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أَوْ أَمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهِ شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ

جنح اللَّيْل: أول مَا يظلم. وقوْله: «ولوْ أنْ تعْرضُوا عليْهِ شَيْئا»، يُرِيد: أَن لمْ تطبقه بغطاء، فَلَا أقل من أَن تعرض عليْهِ شيْئًا، يُقال: عرضتُ الْعود على الْإِنَاء، أعرِضه بِكَسْر الرَّاء فِي قوْل عَامَّة النّاس، إِلَّا الأصمعيّ، فإِنّهُ قَالَ: أعرُضهُ مَضْمُومَة الرَّاء فِي هَذَا خَاصَّة. 3059 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ كَثِيرٍ هُوَ ابْنُ شِنْظِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَفَعَهُ قَالَ: «خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَأَكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا، وَخَطْفَةً، وَاطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الْفَتِيَلَةَ، فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «أَكْفِتُوا»، أَيْ: ضُمُّوهُمْ إِلَيْكُنَّ وَأَدْخِلُوهُمُ الْبُيُوتَ 3060 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، بِهَا،

أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، أَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلابِ، وَنَهِيقَ الْحَمِيرِ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَقِلُّوا الْخُرُوجَ إِذَا هَدَأَتِ الأَرْجُلُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبُثُّ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ لَيْلِهِ مَا يَشَاءُ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا إِذَا أُجِيفَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَغَطُّوا الْجِرَارَ، وَاكْفُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الْقِرَبَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قوْله: «إِذا هدأتِ الأرْجُلُ»، يعْنِي: إِذا سكنت عنِ الْمَشْي بِاللَّيْلِ، والهدأة: السّكُون. قوْله: «واكْفُوا الْإِنَاء»، قَالَ الكِسائي: يُقَال: كفأتُ الْإِنَاء: إِذا كببته، وأكفأته، وكفأته أيْضًا: إِذا أملته. 3061 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَمْرٌو

النَّاقِدُ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ». قَالَ اللَّيْثُ: وَالأَعَاجِمُ يَتّقُّونَ ذَلِكَ فِي كَانُونَ الأَوّلِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3062 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُبْعَثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

الفواشي: كُل شيْء ينتشر من المَال كالغنم وَالْإِبِل السَّائِمَة، وهِي جمع فَاشِية، يُقَال: أفشى الرجل: إِذا كثر فواشيه. وَفَحْمَة الْعشَاء: شدَّة سَواد اللَّيْل، وذلِك يكُون فِي أول اللَّيْل، حتّى إِذا سكن فورُه، قلّتِ الظلمَة، شبّه سوَاده بسواد الفحم. يقُولُ: لَا تسيروا فِي أول اللَّيْل حِين تفورُ الظلمَة، وَلَكِن أمهلوا حتّى تعتدل الظلمَة. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للظلمة بيْن الصَّلَاتَيْنِ: الفحمة، وللظلمة الّتِي بيْن الْعَتَمَة والغداة، العسعسة. 3063 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، يَذْكُرُ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ النَّقيعِ بِإِنَاءٍ مِنَ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمِشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ

3064 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْن عُيَيْنَةَ 3065 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ»

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي عَامِرٍ الأَشْعَرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بعونه وَتَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الْحَادِي عشر من شرح السّنة ويليه الْجُزْء الثَّانِي عشر وأوله كتاب اللبَاس.

29 - كتاب اللباس

29 - كِتَابُ اللِّبَاسِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا} [الْأَعْرَاف: 26] وَقُرِئَ: «وَرِيَاشًا»، قَالَ القُتَيْبِيُّ: الرِّيشُ وَالرِّيَاشُ: مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ، مِثْلُ اللِّبْسِ وَاللِّبَاسِ، وَالْحَرَمِ وَالْحَرَامِ. وَقِيلَ: الرِّيَاشُ: الْخِصْبُ وَالْمَعَاشُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرِيشًا} [الْأَعْرَاف: 26] أَيْ: مَالا، وَكُلُّ مَا سَتَرَ الإنْسَانَ، فَهُوَ رِيشٌ، ومِنْهُ رِيشُ الطَّائِرِ، يُقَالُ: تَرَيَّشَ الرَّجُلُ: إِذَا صَارَ ذَا مَالٍ، وَحَسُنَتْ حَالُهُ. 3066 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَن مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ. 3067 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا أَبُو يَعْلَى نَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " قُلْتُ: أَيُّ اللِّبَاسِ كانَ أَحَبَّ، أَوْ أَعْجَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: الْحِبَرَةُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ. 3068 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصُ».

باب الجبة

3069 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ، نَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهُ الْقَمِيصُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ، وَهُوَ مَرْوَزِيٌّ، تَفَرَّدَ بِهِ. وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي تُمَيْلَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، يَقُولُ: عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَغَيْرُ أَبِي تُمَيْلَةَ لَا يَذْكُرُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أُمِّهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَصَحُّ. بَابُ الْجُبَّةِ 3070 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، نَا وَكِيعٌ، نَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ،

عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ جُبَّةً رُومِيَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَالَ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ: «جُبَّةً مِنْ صُوفٍ». 3071 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا هَنَّادٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ العَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ إِلَى مَكَّةَ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَرَى سَرَاوِيلَ، وَثَمَّ وَزَّانٌ يَزِنُ بِالأَجْرِ، فَقَالَ: «إذَا وَزَنْتَ فَأَرْجِحْ».

باب تقصير الثياب

بَابُ تَقْصِيرِ الثِّيَابِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] قِيلَ: مَعْنَاهُ: قَصِّرْ، فَإِنَّ تَقْصِيرَهَا طُهْرُهَا، فَإِنَّهُ أَبْقَى، وَأَنْقَى. 3072 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: «كَانَ كُمُّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرُّصْغِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. الرُّصْغُ: مُنْتَهَى الْكَفِّ عِنْدَ الْمَفْصِلِ. 3073 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ،

وَقَالَ: «كَانَ يَدُ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَلَ مِنَ الرُّصْغِ». 3074 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلاءِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. 3075 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، كُلُّهُمْ يُخْبِرُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا، عَنْ مَالِكٍ.

3076 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الإِسْبَالُ فِي الإِزَارِ، وَالْقَمِيصِ، وَالْعِمَامَةِ، مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». 3077 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ جَرَّ إزَارَهُ مِنَ الخُيَلاءِ، لَمْ ينَظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ:

باب موضع الإزار

يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي، إِلا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُ لِلْخُيَلاءِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. بَابُ مَوْضِعِ الإِزَارِ 3078 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ نُذَيْرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: " أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَضَلَةِ سَاقِي، أَوْ سَاقِهِ، هَكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، فَقَالَ: «هذَا مَوْضِعُ الإِزَارِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَهَذَا، وَطَأْطَأَ قَبْضَةً، فَإِنْ أَبَيْتَ

فَهَذَا، وَطَأْطَأَ قَبْضَةً، فَإِنْ أَبَيْتَ، فَلا حَقَّ لِلإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. 3079 - أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ الْعَلائِيُّ الْبَغَوِيُّ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمُفَضَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، بِجُرْجَانَ، نَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، نَا عَمْرٌو، وَهُوَ ابْنُ مَرْزُوقٍ، أَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَمَّتِهِ، عَنْ عَمِّهَا، قَالَ: " كُنْتُ أَمْشِي وَعَلَيَّ بُرْدٌ لِي أَجُرُّهُ، قَالَ: فَقَالَ لِي رَجُلٌ: ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَنْقَى وَأَبْقَى. قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ. قَالَ: أَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ ". وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِشَابٍّ يَمَسُّ إِزَارُهُ الأَرْضَ: «ابْنَ أَخِي! ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ».

3080 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ عَنِ الإِزَارِ، فقَالَ: أَنَا أُخْبِرُكُمْ بِعِلْمٍ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي النَّارِ. قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَلا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا». وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْعَلاءِ، وَقَالَ: «مَا كَانَ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ، فَهُوَ فِي النَّارِ». 3081 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فِي النَّارِ».

باب الرخصة للنساء في جر الإزار وإسبال الثوب، ليكون أستر لهن، والنهي عن الرقيق من الثياب

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «فَهُوَ فِي النَّارِ» يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ قَدَمِ صَاحِبِه فِي النَّارِ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى فِعْلِهِ. وَالآخَرُ: أَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ فِي النَّارِ، أَيْ: هُوَ مَعْدُودٌ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ النَّارِ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فِي النَّارِ»، أَمِنَ الإِزَارِ، أَمْ مِنَ الْقَدَمِ؟ قَالَ: وَمَا ذَنْبُ الإِزَارِ؟ وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخِي الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَالْقَمِيصُ فَوْقَ الإِزَارِ، وَالرِّدَاءُ فَوْقَ الْقَمِيصِ». بَابُ الرُّخْصَةِ لِلنِّسَاءِ فِي جَرِّ الإِزَارِ وَإِسْبَالِ الثَّوْبِ، لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهُنَّ، وَالنَّهْيِ عَنِ الرَّقِيقِ مِنَ الثِّيَابِ 3082 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ " ذَكَرَ الإِزَارَ: فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُرْخِي شِبْرًا. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمةَ: إِذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا. قَالَ:

فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ ". وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " رَحِمَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النُّور: 31] شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فاخْتَمَرْنَ بِهِ ". وَالْمِرْطُ: كِسَاءٌ يُؤْتَزَرُ بِهِ. 3083 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاتٌ مُمِيلاتٌ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِ مائَةِ سَنَةٍ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا.

باب إطلاق الأزرار

وَدَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَائِشَةَ، وَعَلَى حَفْصَةَ خِمَارٌ رَقِيقٌ فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ، وَكَسَتْهَا خِمَارًا كَثِيفًا. بَابُ إِطْلاقِ الأَزْرَارِ 3084 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَبَايَعُوهُ، وَإنَّهُ لَمُطْلَقُ الأَزْرَارِ، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ، فَمَسَسْتُ الْخَاتَمَ»، قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ وَلا ابْنَهُ قَطُّ فِي شِتَاءٍ وَلا حَرٍّ، إِلا مُطْلِقَيْ أَزَرَارِهِمَا ". بَابُ النَّهْيِ عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ 3085 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ،

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ، أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، أَوْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ. أَرَادَ بِاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ: أَنْ يَتَجَلَّلَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ، فَلا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ: صَمَّاءُ، لأَنَّهُ إِذَا اشْتَمَلَ بِهِ، سَدَّ عَلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ الْمَنَافِذَ، كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ وَلا صَدْعٌ. وَأَرَادَ «بِالاحْتِبَاءِ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ»: أَنْ يَحْتَبِيَ بِالثَّوْبِ، وَرِجْلاهُ مُتَجَافِيَتَانِ عَنْ بَطْنِهِ، فَيَبْدُو مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ فَرْجِهِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّوْبُ وَاسِعًا قَدْ أَسْبَلَ شَيْئًا مِنْهُ عَلَى فَرْجِهِ. قَالَ الإِمَامُ: إِذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا لَا يُظْهِرُ عَوْرَتَهُ، فَلا بَأْسَ بِالاحْتِبَاءِ فِيهِ. رُوِيَ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْتَبٍ بِشَمْلَةٍ، وَقَدْ وَقَعَ هُدْبُهَا عَلَى قَدَمَيْهِ». 3086 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ،

باب لبس البيض من الثياب

أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَوْمَيْنِ، وَعَنَ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ صَلاتَيْنِ: صَلاةٍ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنْ صَلاةٍ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَعَنْ صِيَامِ يَوْمِ الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، وَعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَالاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. بَابُ لُبْسِ الْبِيضِ مِنَ الثِّيَابِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ». 3087 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ

عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْبَسُوا الثِّيَابَ الْبِيضَ، فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ». 3088 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلانِ يُقَاتِلانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَن مِسْعَرٍ، عَن سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَزَادَ يَعْنِي: جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ.

باب الثياب المصبوغة

بَابُ الثِّيَابِ المَصْبُوغَةِ قَالَ جَابِرٌ: «دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ». وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ». 3089 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعْرٌ بَلَغَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ

قَالَ الإِمَامُ: الْحُلَّةُ: هِيَ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ، وَهِيَ مِمَّا يُصْبَغُ غَزْلُهَا، ثُمَّ يُنْسَجُ، وَيُسَمَّى عَصْبًا، لأَنَّ غَزْلَهَا يُعْصَبُ، ثُمَّ يُصْبَغُ، ثُمَّ يُنسَجُ، وَمَا رُوِيَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ، وَكَرَاهِيَةِ الْحُمْرَةِ فِي اللِّبَاسِ، فَمُنْصَرِفٌ إِلَى مَا صُبِغَ مِنَ الثِّيَابِ بَعْدَ النَّسْجِ لِلزِّينَةِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لِلزِّينَةِ مِثْلُ الأَسْوَدِ وَالأَكْهَبِ الْمُشْبَعِ، فَغَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ النَّهْيِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الْحُمْرَةَ مِنْ زِينَةِ الشَّيْطَانِ». وَعَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». 3090 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي

الشَّيْخِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، نَا إِيَادٌ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ» 3091 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ التَّيْمِيِّ: تَيْمِ الرَّبَابِ قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي ابْنٌ لِي فَأُرِيتُهُ، فقُلْتُ لَمَّا رَأَيْتُهُ: هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعَرٌ قَدْ عَلاهُ الشَّيْبُ، وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْلُغِ الشَّيْبَ.

وَأَبُو رِمْثَةَ التَّيْمِيُّ اسْمُهُ رِفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِيٍّ، وَيُقَالُ: حَبِيبُ بْنُ حَيَّانَ 3092 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ شَاكِيًا، فَخَرَجَ يَتَوَكَّأُ عَلَى أُسَامَةَ، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قِطْرِيٌّ قَدْ تَوَشَّحَ بِهِ، فَصَلَّى بِهِمْ» 3093 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو خَلِيفَةَ، نَا دَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ حَمَّادٌ: وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُتَوَكِّئًا عَلَى أُسَامَةَ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ قِطْرِيٌّ»

باب النهي عن لبس المعصفر

بَابُ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ 3094 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشَّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ لُبْسِ القَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ، وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ والقَسِّيُّ: ثِيَابٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ فِيهَا حَرِيرٌ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى بِلادٍ يُقَالُ لَهَا: الْقَسُّ مَفْتُوحَةُ الْقَافِ، وَمُشَدَّدَةُ السِّينِ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا الْقَزِّيَّةُ، أَيِ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْقَزِّ، أُبْدِلَتِ الزَّاءُ سِينًا. قَالَ الإِمَامُ: وَالنَّهْيُ عَنِ القَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ، وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ، فَأَمَّا النِّسَاءُ، فَمُبَاحٌ لَهُنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءُ، قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: «رَأَيْتُ سِتًّا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسْنَ الْمُعَصْفَرَ». وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَأَى عَلَى رَجُلٍ ثَوْبًا

مُعَصْفَرًا، فَقَالَ: «دَعُوا هَذِهِ الْبراقَاتِ لِلنِّسَاءِ». وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: هَبَطْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالْعُصْفُرِ، فَقَالَ: " مَا هَذِهِ الرَّيْطَةُ عَلَيْكَ؟ فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورًا، فَقَذَفْتُهَا فِيهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا فَعَلَتِ الرَّيْطَةُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: أَفَلا كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكَ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا لِلنِّسَاءِ ". وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُعَصْفَرِ: الْمَصْبُوغُ بَعْدَ النَّسْجِ لِلزِّينَةِ، فَأَمَّا مَا صُبِغَ غَزْلُهُ، ثُمَّ نُسِجَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَائِحَةٌ، فَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَوْبَيْنِ مُوَرَّدَيْنِ قَدْ مَسَّهُمَا الْعُصْفُرُ، وَكَرِهَ قَوْمٌ مَا صُبِغَ بِالْعُصْفُرِ دُونَ مَا صُبِغَ بِالْمَدَرِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الإِمَامُ: لأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْمَصْبُوغِ بِالْمَدَرِ الأَحْمَرِ زِينَةٌ، وَلا لَهُ رَائِحَةٌ. رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْمِشْقِ، وَالمَصْبُوغَ بِالزَّعْفَرَانِ»

باب لباس الصوف

بَابُ لِبَاسِ الصُّوفِ قَالَ الْمُغِيرَةُ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ» 3095 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: " دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْبَغُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ، فَقَالَتْ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسدَّدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ

بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. قَوْلُهُ: «مُلَبَّدًا» أَيْ: مُرَقَّعًا، وَقَدْ لَبَدْتُ الثَّوْبَ، وَلَبَّدْتُهُ، وَأَلْبَدْتُهُ، يُقَالُ لِلرُّقْعَةِ الَّتِي يُرْقَعُ بِهَا قَبُّ الْقَمِيصِ: الْقَبِيلَةُ، وَلِلرُّقْعَةِ الَّتِي يُرْقَعُ بِهَا صَدْرُ الْقَمِيصِ: اللِّبْدَةُ 3096 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، نَا أَبِي، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطُ شَعْرٍ أَسْوَدَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا. وَالْمِرْطُ: كِسَاءٌ يُؤْتَزَرُ بِهِ 3097 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْخَطِيبُ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيِّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامَ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارِ بْنِ أَيُّوبَ الْقُرَشِيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ مَسْلَمَةَ الأَعْوَرِ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ

الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ المَمْلُوكِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ خِطَامُهُ مِنْ لِيفٍ» 3098 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا مُسدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: «يَا بُنَيَّ لَوْ رَأَيْتَنَا وَنحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصَابَتْنَا السَّمَاءُ، لَحَسِبْتَ أَنَّ رِيحَنَا رِيحُ الضَّأْنِ» يُرِيدُ أَنَّ ثِيَابَهُمْ كَانَتْ مِنَ الصُّوفِ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ: رَأَيْتُ سِتَّةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُونَ الْخَزَّ: سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَنَسًا.

باب تحريم لبس الحرير والديباج على الرجال

وَقَالَ مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسٍ بُرْنُسًا أَصْفَرَ مِنْ خَزٍّ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كِسَاءَ خَزٍّ أَغْبَرَ، كَسَاهُ إِيَّاهُ مَرْوَانُ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِطْرَفًا مِنْ خَزٍّ أَخْضَرَ، كَسَتْهُ إِيَّاهُ عَائِشَةُ. بَابُ تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ عَلَى الرِّجَالِ 3099 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، " رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ، ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا

وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا، فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَى عُمَرُ عُطَارِدًا التَّمِيمِيَّ يُقِيمُ بِالسُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ». . . بِهَذَا، وَقَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُلَلٍ سِيَرَاءَ، فَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، وَبَعَثَ إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِحُلَّةٍ. وَأَعْطَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حُلَّةً، وَقَالَ: «شَقِّقْهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ» السِّيَرَاءُ: الَّتِي فِيهَا خُطُوطٌ، وَتُسَمَّى الْمُسَيَّرَ لِلْخُطُوطِ الَّتِي فِيهَا كَالسُّيُورِ، وَقِيلَ: حُلَّةٌ سِيَرَاءُ، كَمَا قَالُوا: نَاقَةٌ عُشَرَاءُ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: السِّيَرَاءُ: بُرودٌ يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ. وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ صِلَةِ الأَخِّ الْمُشْرِكِ، وَأَنْ يَبَرَّ مَعَهُ بِالْمَالِ دُونَ الطَّاعَةِ فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَفِي الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ. 3100 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ

بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ، يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ». وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: لَا تُلْبِسُوا نِسَائَكُمُ الْحَرِيرَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلْبُسوا الحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ». هَذَا حَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ 3101 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ دَاوُدَ السَّرَّاجِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ، فَإِنْ دَخَلَ

الجَنَّةَ، لَبِسَهُ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَلَمْ يَلْبَسْهُ هُوَ» 3102 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ حُذَيْفَةَ «نَهَانَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، أَوْ أَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا: «وَأَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ» وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ ابْنًا لَهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَخَرَّقَهُ

باب قدر ما يرخص فيه من الحرير

بَابُ قَدْرِ مَا يُرَخَّصُ فِيهِ مِنَ الحَرِيرِ 3103 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمانَ النَّهْدِيَّ يَقُولُ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَنَحْنُ بأَذْرَبيِجَانَ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدِ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْحَرِيرِ إِلا هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. وَرَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، إِلا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ، أَوْ ثَلاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ». وَقَالَ قَتَادَةُ: «رَخَّصَ عُمَرُ فِي مَوْضِعِ أُصْبُعٍ وَأُصْبُعَيْنِ وَثَلاثٍ وَأَرْبَعٍ مِنْ أَعْلامِ الْحَرِيرِ».

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: أَخْرَجَتْ أَسْمَاءُ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةً، لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ، وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَلَمَّا قُبِضَتْ، قَبْضَتُهَا، «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا»، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى لِيُسْتَشْفَى بِهَا 3104 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبَانٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا حَجَّاجٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَبِي عُمَرَ خَتِنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَتْ لَهُ جُبَّهٌ مِنْ طَيَالِسَةٍ مَكْفُوفَةٌ بِالدِّيبَاجِ يَلْقَى فِيهَا العَدُوَّ». وَرُوِيَ عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّمَا نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُصْمَتِ مِنَ الْحَرِيرِ، فَأَمَّا الْعِلْمُ مِنَ الْحَرِيرِ، وَسُدَى الثَّوْبِ، فَلا بَأْسَ بِهِ». وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، إِنَّهُ أُتِيَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ سَاجٌ مَزْرُورٌ بِالدِّيبَاجِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَعْلامَ الْحَرِيرِ فِي الثِّيَابِ»

باب الرخصة للرجال في لبس الحرير للحكة والقمل

بَابُ الرُّخْصَةِ للرِّجَالِ فِي لِبْسِ الحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ والقَمْلِ 3105 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا، حَدَّثَهُمْ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي قَمِيصٍ مِنْ حَرِيرٍ مِنْ حَكَّةٍ كانَتْ بهِمَا». حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ 3106 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامُ، نَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسًا، أَخْبَرَهُ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ

باب الرخصة للنساء في لبس الحرير

العَوَّامِ شَكَوْا إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القَمْلَ، فَرخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فيِ غَزَاةٍ لَهُمَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ثَابِتٌ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ لَبِسَ رَانَيْنِ مِنْ دِيبَاجٍ فِي فَزْعَةٍ فَزِعَهَا النَّاسُ بَابُ الرُّخْصَةِ لِلنِّسَاءِ فِي لِبْسِ الْحَرِيرِ 3107 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «أَهْدَى إِلَيَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَلَبِسْتُهَا، فَرَأَيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَقَتْها بَيْنَ نِسَائِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَن أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ

3108 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالحَرِيرُ لِلإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَعْنَاهُ. وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ». قَالَ الإِمَامُ: وَاخْتَلَفُوا فِي افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ

باب العمامة والتقنع

بَابُ الْعِمَامَةِ وَالتَّقَنُّعِ قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: «هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلا مُتَقَنِّعًا». 3109 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اعْتَمَّ، سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ»، قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَرَأَيْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمًا يَفْعَلانِ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 3110 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ

الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ التَّوْزِيُّ، نَا أَبُو مُصْعَبٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اعْتَمَّ، سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ». قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعلُ ذَلِكَ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ، «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ». وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ خُرَّبُوذَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَقُولُ: «عَمَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي». وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ مُعْتَمًّا، قَدْ أَرْسَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ

وَمِنْ خَلْفِهِ، فَلا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَطْوَلُ، وَرَأَيْتُهُ مُصَفِّرَ لِحْيَتَهُ، وَرَأَيْتُهُ مُحَلِّلَ أَزْرَارَ الْقَمِيصِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَهُوَ جَالِسٌ. قَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ فِي الَّذِي يُلْوِي الْعِمَّةَ، وَلا يَجْعَلَهَا تَحْتَ ذَقْنِهِ، قَالَ: تِلْكَ عِمَّةُ الشَّيْطَانِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسِ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ»، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ». وَأَرَادَ بِالْعِصَابَةِ: الْعِمَامَةَ. قَوْلُهُ: دَسْمَاءُ، أَيْ: سَوْدَاءُ. وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَيُكْرَهُ الْقِنَاعُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِلا مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، وَمَا عَلِمْتُهُ حَرَامًا، وَلَيْسَ التَّقْنِيعُ مِنْ لِبَاسِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَكُنْتُ أَرَى أَبَا النَّضْرِ يُقنِّعُ رَأْسَهُ فِي الشِّتَاءِ مِنَ الْبَرْدِ. قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ سُكَيْنَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ رَأَتْ بَعْضَ وَلَدِهَا مُقَنِّعًا رَأْسَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: اكْشِفْ عَنْ رَأْسِكَ، فَإِنَّ الْقِنَاعَ زِينَةٌ بِاللَّيْلِ، مَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ.

باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا 3111 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: " كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ باسْمِهِ عِمَامَةً، أَوْ قَمِيصًا، أَوْ رِدَاءً، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ، وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ، وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنَا أَبُو يَعْلَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا الْجُرَيْرِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «سَمَّاهُ بِاسْمِهِ إِزَارًا كَانَ، أَوْ قَمِيصًا، أَوْ عِمَامَةً» 3112 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عُمَرَ قَمِيصًا أَبْيَضَ،

فَقَالَ: أَجَدِيدٌ قَمِيصُكَ هَذَا، أَمْ غَسِيلٌ؟ قَالَ: بَلْ غَسِيلٌ، فَقَالَ: الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا " 3113 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ، قَالَتْ: " أُتِيَ النُّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُو هَذِهِ الخَمِيصَةَ؟ فَأُسْكِتَ القَوْمُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ، فَأُتِيَ بِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْبَسَهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: أَبْلِي وَأَخْلِقِي مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ،

وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا، وَيا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا "، وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْحَسَنُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَتْ: " قَدِمْتُ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَا جُوَيْرِيَةٌ، فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصةً لَهَا أَعْلامٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الأَعْلامَ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: سَنَاهُ " 3114 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْخُشَاشُ، حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، قَالا: نَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب ترقيع الثوب والبذاذة والاحتراز عن الشهرة

إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا لَبِسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ». عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ بَابُ تَرْقِيعِ الثَّوْبِ وَالْبَذَاذَةِ وَالاحْتِرَازِ عَنِ الشُّهْرَةِ 3115 - حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، إِمْلاءً، أَنا أَبُو بِشْرٍ طَاهِرُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَبَّادِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ ظَفْرٍ الْجَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، نَا صَالِحُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنْ أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي، فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ،

وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ، وَلا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ حَسَّانٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: صَالِحُ بْنُ حَسَّانٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي حَسَّانٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ. قَالَ أَنَسٌ: «رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ رَقَّعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلاثٍ، لَبَّدَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ». وَعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تَسْمَعُونَ أَلا تَسْمَعُونَ، الْبَذَاذَةُ مِنَ الإِيمَانِ، إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ». الْبَذَاذَةُ: الْقَهْلُ، وَرَثَاثَةُ الْهَيْئَةِ. وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا»

3116 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ مُهَاجِرٍ الشَّامِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا، أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ القِيَامَةِ» 3117 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْديَّ يَقُولُ: " أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَنَحْنُ بأَذْرَبِيجَانَ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّزِرُوا، وَارْتَدُوا، وَانْتَعِلُوا، وَأَلْقُوا الْخِفَافَ، وَأَلْقُوا السَّرَاوِيلاتِ، وَعَليْكُمْ بِلِبَاسِ أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيلَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ الْعَجَمِ، وَعَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ، فَإِنَّهَا حَمَّامُ الْعَرَبِ، وَتَمَعْدَدُوا، وَاخْشَوْشِنُوا، وَاخْشَوْشِبُوا،

باب استحباب أن يرى أثر نعمة الله عز وجل على الرجل

وَاخْلَوْلِقُوا، وَاقْطَعُوا الرُّكَبَ، وَانْزُوا نَزْوًا، وَارْمُوا الأَغْرَاضَ ". وَفِي رِوَايَةٍ: «وَانْزُوا عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ نَزْوًا، وَاسْتَقْبِلُوا بِوُجُوهِكُمُ الشَّمْسَ، فَإِنَّها حَمَّامَاتُ الْعَرَبِ» قَوْلُهُ: «تَمَعْدَدُوا» قِيلَ: هُوَ مِنَ الْغِلَظِ، يُقَالُ لِلْغُلامِ إِذَا شَبَّ وَغَلُظَ: تَمَعْدَدَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: تَشَبَّهُوا بِعَيْشِ مَعْدٍ، وَكَانُوا أَهْلَ غِلَظٍ وَقَشَفٍ، يَقُولُ: كُونُوا مِثْلَهُمْ وَدَعُوا التَّنَعُّمَ، وَزِيَّ الْعَجَمِ. وَقَوْلُهُ: «وَاخْشَوْشِنُوا» أَرَادَ الْخُشُونَةَ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَطْعَمِ. وَقَوْلُهُ: «وَاخْشَوْشِبُوا» بِالْبَاءِ فَهُوَ مِنَ الصَّلابَةِ، يُقَالُ: اخْشَوْشَبَ الرَّجُلُ: إِذَا كَانَ صَلْبًا، وَيُرْوَى بِالْجِيمِ مِنَ الْجَشَبِ، وَهُوَ الْخُشُونَةُ فِي الْمَطْعَمِ. بَابُ اسْتِحْبَابِ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الرَّجُلِ 3118 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " رَآنِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعلَيَّ أَطْمَارٌ، قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟،

قَالَ: قُلْتُ: مِنْ كُلٍّ قَدْ آتَانِي اللَّهُ مِنَ الشَّاءِ وَالإِبِلِ، قَالَ: فَلْيُرَ نِعْمَةُ اللَّهِ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تُنْتَجُ إِبِلُكَ وَافِيَةً آذَانُها؟ قَالَ: وَهَلْ تُنْتَجُ إِلا كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئذٍ، قَالَ: فَلَعلَّكَ تَأْخُذُ مُوسَاكَ، فَتقْطَعُ أُذُنَ بَعْضِهَا، وَتَقُولُ: هَذِهِ بُحُرٌ، وَتَشُقُّ أُذُنَ أُخرَى، فَتَقُولُ: هَذِهِ صُرُمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلا تَفْعَلْ، فَإِنَّ كُلَّ مَا آتَاكَ اللَّهُ حِلٌّ، وَإِنَّ مُوسَى اللَّهِ أَحدُّ، وَسَاعِدَ اللَّهِ أَشَدُّ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنْ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ فَلَمْ يَقْرِنِي، وَلَمْ يُضِفْنِي، ثُمَّ مرَّ بِي بَعْدَ ذَلكَ أَقْرِيهِ، أَمْ أَجْزِيهِ؟ قَالَ: بَلِ اقْرِهِ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو الأَحْوَصِ: اسْمُهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ الْجُشَمِيُّ قَوْلُهُ: «تُنْتِجُ إِبِلُكَ»، يُقَالُ: نُتِجَتِ النَّاقَةُ: إِذَا وَلَدَتْ، فَهِيَ مَنْتُوجَةٌ، كَمَا يُقَالُ: نُفِسَتِ الْمَرْأَةُ، فَهِيَ مَنْفُوسَةٌ، وَنتجت النَّاقَةُ، أَنْتَجُهَا: وَهُوَ أَنْ تَلِيَ نِتَاجَهَا، وَالنَّاتِجُ لِلإِبِلِ كَالْقَابِلَةِ لِلنِّسَاءِ،

وَأَنْتَجَتِ الْفَرَسُ: حَمَلَتْ، فَهِيَ نَتُوجٌ، وَلا يُقَالُ مُنْتِجٌ. وَقَوْلُهُ: «هَذِهِ بُحْرٌ» هِيَ مِنَ الْبُحَيْرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [الْمَائِدَة: 103] وَهِيَ النَّاقَةُ، كَانَتْ إِذَا نُتِجَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ، نَظَرُوا فِي الْخَامِسِ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا، نَحَرُوهُ، فَأَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى، بَحَرُوا أُذُنَهَا، أَيْ: شَقُّوهَا، فَكَانَتْ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ لَحْمُهَا وَلَبَنُهَا وَرُكُوبُهَا، فَإِذَا مَاتَتْ، حَلَّتْ لِلنِّسَاءِ. وَالصُّرَمُ جَمْعُ الصَّرِيمِ: وَهُوَ الَّذِي صُرِمَ أُذُنُهُ، أَيْ: قُطِعَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: فَتَقُولُ: «هَذِهِ صُرُمٌ فَتُحَرِّمَهَا عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِكَ»، فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَطْعِ آذَانِ الأَنْعَامِ، وَتَحْرِيمِ بَعْضِهِنَّ، وَتَحْلِيلِ بَعْضِهِنَّ عَلَى خِلافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ». قَالَ الإِمَامُ: هَذَا فِي تَحْسِينِ الثِّيَابِ بِالتَّنْظِيفِ، وَالتَّجْدِيدِ عِنْدَ الإِمْكَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَالِغَ فِي النَّعَامَةِ وَالدِّقَّةِ، وَمُظَاهَرَةُ الْمَلْبَسِ عَلَى الْمَلْبَسِ عَلَى مَا هُوَ عَادَةِ الْعَجَمِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإِرْفَاهِ» يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا 3119 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الإِخْمِيمِيُّ، بِمَكَّةَ، حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى، نَا عِمْرَانُ بْنُ الْخَطَّابِ،

نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، حَدَّثنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرًا، فَرَأَى رَجُلا شَعِثًا، فَقَالَ: مَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ؟! وَرَأَى رَجُلا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ، فَقَالَ: مَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ؟! " 3120 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُنَيْفِيُّ أَنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " أَبْصَرَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ثِيَابًا خُلْقَانًا، فَقَالَ لِي: أَلَكَ مَالٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْعِمْ عَلَى نَفْسِكَ، كَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، قُلْتُ: إِنَّ رَجُلا مَرَّ بِي فَقَرَيْتُهُ، فَمَرَرْتُ بِهِ، فَلَمْ يَقْرِنِي، أَفَأَقْرِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ "

باب الأنماط والرخصة في اتخاذها

بَابُ الأَنْمَاطِ وَالرُّخْصَةِ فِي اتِّخَاذِهَا 3121 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، نَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ النبَّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ لَكُمْ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ قُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ لَنا الأنْمَاطُ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَتكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ، فَأَنَا أَقُولُ لَهَا، يَعْنِي: امْرَأَتَهُ، أَخِّرِي عَنَّا أَنْمَاطَكِ، فَتقُولُ: أَلَمْ يَقُلِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّها سَتكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ "، فَأَدَعُهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ الإِمَامُ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " خَرَجَ فِي غَزَاةٍ، قَالَتْ: فَأَخَذْتُ نَمَطًا، فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ، فَلَمَّا قَدِمَ، فَرَأَى النَّمَطَ، جَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الحِجَارَةَ

باب الفراش

وَالطِّينَ، قَالَتْ: فَقَطَعْنَا مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ، وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلِيَّ " بَابُ الفِرَاشِ 3122 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 3123 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ وِسَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يَتَّكِئُ عَلَيْهَا مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3124 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيف». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رُفْقَةً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ رِحَالُهُمُ الأَدَمُ، فَقَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَشْبَهِ رُفْقَةٍ كَانُوا بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَؤُلاءِ»

3125 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَاصِمٍ، نَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، نَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ» 3126 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ عَلَى يَسَارِهِ». وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، وَغَيْرُهُ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا «عَلَى يَسَارِهِ» 3127 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ الْبَابَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الَّرحْمنِ الْحُبُلِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لِجَابِرٍ: «فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ». هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ مُرْسلا، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِّيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي أَدَبِ السُّنَّةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَى فِرَاشٍ، وَزَوْجَتُهُ عَلَى فِرَاشٍ آخَرَ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ لَهُمَا أَنْ يَبِيتَا مَعًا عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ لَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي اتِّخَاذِ فِرَاشَيْنِ لِنَفْسِهِ وَلِزَوْجَتِهِ، وَهُوَ إِنَّمَا يُحَسِّنُ لَهُ مَذْهَبَ الاقْتِصَادِ، وَالاقْتِصَادُ أَقَلُّ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ إِبِلٌ لِلشَّيَاطِينِ، وَبُيُوتٌ لِلشَّيَاطِينِ فَأَمَّا إِبِلُ الشَّيَاطِينِ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ بِنَجِيبَاتٍ مَعَهُ قَدْ أَسْمَنَهَا، فَلا يَعْلُو بَعِيرًا مِنْهَا، وَيَمُرُّ بِأَخِيهِ قَدِ انْقَطَعِ بِهِ، فَلا يَحْمِلُهُ، وَأَمَّا بُيُوتُ الشَّيَاطِينِ، فَلَمْ أَرَهَا». كَانَ سَعِيدٌ يَقُولُ: لَا أَرَاهَا إِلا هَذِهِ الأَقْفَاصَ الَّتِي يَسْتُرُ النَّاسَ بِالدِّيبَاجِ.

باب النهي عن خاتم الذهب

بَابُ النَّهْيِ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ 3129 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا النَّهْيُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، أَمَّا النِّسَاءُ، فَقَدْ رُخِّصَ لَهُنَّ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ حَرِيرًا، فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا، فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي»، وَكَانَ عَلَى عَائِشَةَ خَوَاتِيمُ ذَهَبٍ، حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ خَاتَمُ الْفِضَّةِ، لأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ إِلا خَاتَمَ فِضَّةٍ تُصَفِّرُهُ بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ نَحْوِهِ

وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ، وَعَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلا مُقَطَّعًا». قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ بِالْمُقَطَّعِ الشَّيْءَ الْيَسِيرِ نَحْوَ الشَّنَفِ، وَالْخَاتَمِ لِلنِّسَاءِ، وَكُرِهَ مِنْ ذَلِكَ الْكَثِيرُ الَّذِي هُوَ عَادَةً أَهْلُ السَّرْفِ، وَزِينَةُ أَهْلِ الْخُيَلاءِ وَالْكِبْرِ، وَالْيَسِيرُ هُوَ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. 3129 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يَلْبَسُهُ فِي يَمِينِهِ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَطَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ نَافِعٍ. قَالَ الإِمَامُ: هَذَا الْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ تَبَدَّلَ الْحُكْمُ فِيهِمَا مِنْ

بَعْدُ: أَحَدُهُمَا: لُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَصَارَ الْحُكْمُ فِيهِ إِلَى التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَالثَّانِي: لُبْسُ الْخَاتَمُ فِي الْيَمِينِ، وَكَانَ آخِرُ الأَمْرَينِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُبْسَهُ فِي الْيَسَارِ 3130 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَلِيٍّ: «نَهَى النبّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ القَسِّيِّ، وَعَنْ قَطِيفَةِ الأُرْجُوَانِ وَالْمِيثَرَةِ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: النَّهْيُ عَنْ قَطِيفَةِ الأُرْجُوانِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ وَالْخُيَلاءِ، وَالْمِيثَرَةِ: هِيَ مِرْفَقَةٌ تُتَّخَذُ كَصُفَّةِ السِّرْجِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ دِيبَاجٍ فَحَرَامٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَالْحَمْرَاءُ مِنْهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا، رُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ».

وَذَلِكَ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ وَالْخُيَلاءِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيهِ، فَقَالَ زِيَادٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ خَاتَمِي مِنْ حَدِيدٍ، قَالَ: ذَاكَ أَنْتَنُ وَأَنْتَنُ ". وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ خَاتَمَ الْحَدِيدِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ: «أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ»، فَطَرَحَهُ، فَقَالَ: «اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلا تُتِمَّهُ مِثْقَالا». وَرَخَّصَ فِيهِ الآخَرُونَ، لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الصَّدَاقِ: «فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

باب إباحة خاتم الفضة

بَابُ إِبَاحَةِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ 3131 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَمَّا أَرَادَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَنْ يَقْرَءُوا كِتَابَكَ إِذَا لَمْ يَكنْ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يدِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ 3132 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، نَا أَبُو عَمْرٍو، نَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ،

عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى، وَقَيْصَرَ، وَالنَّجَاشِيِّ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلا بِخَاتَمٍ، فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةٌ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَخَالِدِ بْنِ قَيْسٍ هُوَ أَخُو نُوحِ بْنِ قَيْسٍ 3133 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَنَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَيْهِ، وَهُو الَّذِي سَقَطَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ فِي بِئْرِ أَرِيسَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ، ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ

اللَّهِ، وَقَالَ: «لَا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِي» 3134 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمانَ حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، نَقْشُهُ: مُحمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ 3135 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيُّ، أَنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ الأَنْصَارِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ، فَطَرَحَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، وَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ، ثُمَّ اتَّخَذَ بَعْدُ ذَلِكَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ كَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلا يَلْبَسُهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِق يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ، وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ». قَالَ الإِمَامُ: طَرحه خَاتَمُ الْفِضَّةِ حَتَّى طَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ مَعَ جَوَازِ لُبْسِهِ، يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ مِنَ الزِّينَةِ وَالْخُيَلاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَبُوسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ»، فَأَبَاحَهُ لِذِي سُلْطَانٍ، لأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِخَتْمِ الْكُتُبِ، وَكَرِهَ لِغَيْرِ ذِي السُّلْطَانِ، لأَنَّهُ يَكُونُ زِينَةً مَحْضَةً، لَا لِحَاجَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب نقش الخاتم

بَابُ نَقْشِ الْخَاتَمِ 3136 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللَّهِ سَطْرٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ 3137 - أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ: «لَا تَنْقُشُوا عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ

باب فص الخاتم

بَابُ فَصِّ الخَاتَمِ 3139 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَنا مُعْتَمِرٌ، سُمعتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ فَصُّهُ مِنهْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3140 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الْمِصْرِيِّ. وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ: عَنْ يُونُسَ، «كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ»

باب موضع الخاتم

3141 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو يَعْلَى، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ لَبِسَ خَاتَمًا فِي يَمِينِهِ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، وَكَانَ فَصُّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بَابُ مَوْضِعِ الْخَاتَمِ 3142 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: " رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي رَافِعٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: كَانَ النبَّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ ".

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ 3143 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَهْ، وَأَبُو الْحُرَيْشِ، قَالا: نَا هُدْبَةُ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ» 3144 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى. ح وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو الْخَطَّابِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ» 3145 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا أَبُو

الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْمِهْرَقَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النبَّيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ» 3146 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدِ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ الْبَاهِلِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ النبَّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ، وَأَشَار إِلَى خِنْصَرِهِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3147 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رُسْتَهْ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ،

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ النبَّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى خِنْصِرِهِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَتَخَتَّمَانِ فِي يَسَارِهِمَا». وَعَنْ نَافِعٍ، «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى» 3148 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، نَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا أَبِي، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النبَّيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، وَكَانَ فَصُّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: «كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ» 3149 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ،

نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ أَسَدٍ الْبَجَلِيُّ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «نَهَانِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ الإِمَامُ: وَلُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ، فَأَمَّا النِّسَاءُ فَمُبَاحٌ لَهُنَّ لُبْسُهُ، وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي». وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ الذَّهَبَ، وَيُلْبِسُ نِسَاءَهُ الإِبْرِيسَمَ وَأَكْسِيَةَ الْخَزِّ». وَكَرِهَ ذَلِكَ قَوْمٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ قِلادَةً مِنْ ذَهَبٍ، قُلِّدَتْ فِي عُنُقِهَا مِثْلَهُ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَيُّمَا امْرَأةٍ جَعَلَتْ فِي أُذُنِهَا خُرْصًا مِنْ ذَهَبٍ، جَعَلَ اللَّهُ فِي أُذنِهَا مِثْلَهُ مِنَ النَّارِ».

باب الخف

وَرَوَى ابْنُ سِيرِينَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ لابْنَتِهِ: لَا تَلْبَسِي الذَّهَبَ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكِ اللَّهَبَ. وَالأَكْثَرُونَ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ. وَقِيلَ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ: إِنَّهُ وَعِيدٌ جَاءَ فِيمَنْ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، وَقِيلَ: كَانَ هَذَا فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ، ثُمَّ نُسِخَ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الْخُفِّ 3150 - أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى إِلَى النبَّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّازُ الْمَدِينِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَوْنٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا دَلْهَمُ بْنُ صَالِحٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ 3151 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «أَهْدَى دِحْيَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ فَلَبِسَهُمَا». قَالَ إِسْرَائِيلُ: عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ: وَجُبَّةً يَلْبَسُهُمَا حَتَّى تَخَرَّقَا لَا يَدْرِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَكِيٌّ هُمَا أَمْ لَا. قَالَ أَبُو عِيسَى: وَأَبُو إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ الشَّيْبَانِيُّ، وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ أَخُو أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

باب النعل

بَابُ النَّعْلِ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا». 3152 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، نَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: «أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالانِ، فَحَدَّثَنيِ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ،» أَنَّهُمَا نَعْلا النبَّيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قَوْلُهُ: «جَرْدَاوَيْنِ» أَيْ: خَلَقَيْنِ، وَثَوْبٌ جَرْدٌ، أَيْ: خَلَقٌ 3153 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزْنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ،

نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَعْلُهُ لَهَا قِبَالانِ». وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا عَبْدَانُ، نَا هُدْبَةُ، نَا هَمَّامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ هَمَّامٍ وَقَوله: «قِبَالانِ» أَيْ: زِمَامَانِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْقِبَالُ مِثْلُ الزِّمَامِ بَيْنَ الإِصْبَعِ الْوُسْطَى، وَالَّتِي تَلِيهَا، قِيلَ: قِبَالُ النَّعْلِ: مَا يُشَدُّ بِهِ الشِّسْعُ. 3154 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالانِ مُثَنّى شِرَاكُهُمَا». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ». صَحِيحٌ

باب البداءة باليمنى إذا انتعل

بَابُ البَدَاءَةِ بِالْيُمْنَى إِذَا انْتَعَلَ 3155 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى، وَإِذَا نَزَعَ، فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، فَلْتَكُنِ الْيُمْنَى أَوَّلَهُما تُنْعَلُ، وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلامٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 3156 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَعْرُوفُ بِبِدْعَةٍ، نَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا بَدَأَ بِمَيَامِنِهِ».

باب لا يمشي في نعل واحد

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قَائِمًا». وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَلا يَصِحُّ. قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، إِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُنْتَعَلَ الرَّجُلُ قَائِمًا مِنْ أَجْلِ الْعَنَتِ بابُ لَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ 3157 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشَّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُريَرةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدةٍ، لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ ليَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

3158 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا انقْطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ، أَوْ شِرَاكُهُ، فَلا يَمْشِ فِي إِحْدَاهُمَا بِنَعْلٍ وَاحِدٍ، وَالأُخْرَى حَافِيَةٌ، لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3159 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ، فَلا يَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ حَتَّى يُصْلِحَ شِسْعَهُ، وَلا يَأْكُلْ بِشِمَالِهِ، وَلا يَمْشِ فِي الْخُفِّ الْوَاحِدِ، قَالَ: وَلا يَحْتَبِ أَحَدُكُمْ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَلا يَشْتَمِلِ الصَّمَّاءَ «. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرٍ

باب نهي الرجال عن التزعفر

وَرُوِيَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،» أَنَّهَا مَشَتْ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ «، رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَفَعَهُ لَيْثٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْوَقْفُ أَصَحُّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ،» أَنَّهُ مَشَى فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَسَطَ السِّمَاطَينِ "، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ»، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا. قَالَ الإِمَامُ: وَقَدْ أَلْحَقَ بَعْضُ النَّاسِ إِخْرَاجَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ مِنَ الْكُمِّ، وَإِرْسَالَ الرِّدَاءَ عَلَى أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ فِي الْكَرَاهِيَةِ بِلُبْسِ إِحْدَى النَّعْلَيْنِ وَأَحَدِ الْخُفَّيْنِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ إِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ، فَيَضَعَهُمَا بِجَنْبِهِ». بَابُ نَهْيِ الرِّجَالِ عَنِ التَّزَعْفُرِ 3160 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِسْمَاعِيلُ، الَّذِي يُعْرَفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُليَّةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى: مَعْنَى كَرَاهِيَةِ التَّزَعْفُرِ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِهِ 3161 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعْتُ رَجُلا مِنْ آلِ أَبِي عُقَيْلٍ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو حَفْصِ بْنُ عَمْرٍو، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَيْهِ خَلُوقًا، فَقَالَ: أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاغْسِلْهُ، ثُمَّ اغْسِلْهُ، ثُمَّ اغْسِلْهُ، ثُمَّ لَا تَعُدْ " قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: النَّهْيُ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرَّجُلِ يَتَنَاوَلُ الْكَثِيرَ مِنْهُ، أَمَّا الْقَلِيلُ مِنْهُ، فَقَدْ وَرَدَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ لِلْمُتَزَوِّجِ، «فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَعَلَيْهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ». وَرُوِيَ عَنْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ، قَالَتْ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَسْمَالُ مُلْيَتَيْنِ كَانَتَا

تُزَعْفَرَانِ وَقَدْ نَفَضَتْهُ». وَالأَسْمَالُ بِالسِّينِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ: الأَخْلاقُ، وَاحِدُهَا سَمْلٌ، وَالْمُلَيَّةُ: تَصْغِيرُ الْمُلاءَةِ. وَقَوْلُهَا: «نَفَضَتْهُ» تُرِيدُ نَفَضَتِ لأَسْمَالُ لَوْنَ الزَّعْفَرَانِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلا الأَثَرُ، وَالأَصْلُ فِي النَّفْضِ التَّحْرِيكُ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّقُونَ، وَلا يَرَوْنَ بِالْخَلُوقِ بَأْسًا. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ: رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ دَخَلَ الْحَمَّامَ تَخَلَّقَ بِخَلُوقٍ ثُمَّ غَسَلَهُ. قَالَ الإِمَامُ: أَمَّا النِّسَاء، فَمُبَاحٌ لَهُنَّ التَّزَعْفُرُ. 3162 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طِيبُ الرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ، وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَطِيبُ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ، وَخَفِيَ رِيحُهُ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ الطَّفَاوِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَعِيدٌ: أَرَاهُ حَمَلُوا قَوْلَهُ: «وَطِيبُ النِّسَاءِ» إِذَا أَرَادَاتْ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا، فَلْتَطَيَّبْ بِمَا شَاءَتْ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، فَالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ، فَمرَّتْ بِالْمَجْلِسِ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي: زَانِيَةً ".

باب ترجيل الشعر وتدهينه

بَابُ تَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَتَدْهِينِهِ 3163 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ 3164 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، نَا وَكِيعٌ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ، وَتَسْرِيحَ لِحْيَتَهُ، وَيُكْثِرُ الْقِنَاعَ، كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ».

الْقِنَاعُ: الْخِرْقَةُ الَّتِي تُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ مِنَ الدُّهْنِ 3165 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّرَجُّلِ إِلا غِبًّا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإِرْفَاهِ». قِيلَ: مَعْنَاهُ: التَّرَجُّلَ كُلَّ يَوْمٍ، وَأَصْلُ الإِرْفَاهِ مِن الرَّفَهِ، وَهُوَ أَنْ تَرِدَ الإِبِلُ الْمَاءَ كُلَّ يَوْمٍ، وَمِنْهُ أُخِذَتِ الرَّفَاهِيَةُ، وَهِي الْخَفْضُ، وَالدَّعَةُ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِفْرَاطَ فِي التَّنَعُّمِ مِنَ التَّدْهِينِ وَالتَّرْجِيلِ، وَفِي مَعْنَاهُ مُظَاهَرَةِ اللِّبَاسِ عَلَى اللِّبَاسِ، وَالطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ عَلَى مَا هُوَ

باب التطيب

عَادَةِ الأَعَاجِمِ، وَأَمْرَ بِالْقَصْدِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ تَرْكُ الطَّهَارَةِ وَالتَّنَظُّفِ، فَإِنَّ النَّظَافَةَ مِنَ الدِّينِ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جُمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا، فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، وَرَجَّلَهَا مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَكْرِمْهَا ". وَرُوِيَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ». وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: التَّرَجُّلُ يَوْمٌ، وَيَوْمٌ لَا. بَابُ التَّطَيُّبِ 3166 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَطْيَبِ مَا نَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3167 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكَّةٌ يَتَطَيَّبُ مِنْهَا» 3168 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اسْتَجْمَرَ، اسْتَجْمَرَ بِأَلُوَّةٍ غَيْرِ مُطَرَّاةٍ، وَبِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ مَعَ الأَلُوَّةِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ الْمِسْكِ أَيُجْعَلُ فِي الْحَنُوطِ؟ فَقَالَ: «أَوَلَيْس الْمِسْكُ مِنْ أَطْيَبِ طِيبِكُمْ»؟ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَتَطَيَّبُ بِالْمِسْكِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ أَوْصَى فِي غَسْلِهِ أَلا يُقَرِّبُوهُ مِسْكًا. وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ الْمِسْكَ لِلْمَيِّتِ، وَلا يَكْرَهُهُ لِلْحَيِّ. 3169 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ خُلَيْدٍ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَشَتْ خَاتَمًا مِسْكًا، قَالَ: ذَاكَ أَطْيَبُ الطِّيبِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ» 3170 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،

عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3171 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا الْمُبَارَكُ، هُوَ ابْنُ فَضَالَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَرَدَّهُ». وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ أَخُو إِسْحَاقَ 3172 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيفَةَ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالا: نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، عَنْ حَنَانٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُعْطِيَ أَحَدُكُمُ الرَّيْحَانَ، فَلا يَرُدَّهُ، فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ».

باب الخضاب

قَالَ أَبُو عِيسَى: لَا يُعْرَفُ لِحَنَانٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ حَنَانٌ الأَسَديُّ صَاحِبُ الرَّقِيقِ عَمُّ وَالِدِ مُسَدَّدٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ، فَلا يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ، طَيِّبُ الرِّيحِ». وَيُرْوَى: «لَا تَرُدُّوا الطِّيبَ، فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ، خَفِيفُ الْمَحْمَلِ». 3173 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثٌ لَا تُرَدُّ: الْوَسَائِدُ، وَالدُّهْنُ، وَاللَّبَنُ ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالدُّهْنِ: الطِّيبَ بَابُ الْخِضَابِ 3174 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبْذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ،

أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبِغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 3175 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو يَعْلَى، نَا ابْنُ نُمَيْرٍ، نَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى»

3176 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «لَمْ يَشِنْهُ الشَّيْبُ، وَلَكِنْ خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَخَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ 3177 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَلامٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَرًا مِنْ شَعَرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْضُوبًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

باب كراهية الخضاب بالسواد، ومن رخص فيه، وما يستحب أن يخضب به

وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّهُ كَانَ يَصْبِغُ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ» 3178 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ هُوَ الدُّؤَلِيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ: الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ ". قَالَ الإِمَامُ: الْكَتَمُ: الْوَسْمَةُ، وَقِيلَ: هُوَ نَبْتٌ آخَرُ بَابُ كَرَاهِيَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ، وَمَنْ رَخَّصَ فِيهِ، وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْضَبَ بِهِ 3179 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،

أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ كَأَنَّ رَأْسَهُ ثَغَامَةٌ بَيْضَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَيِّرُوهُ وَجَنِّبُوا السَّوَادَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: «وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ، كَالثُّغَامَةِ بَيَاضًا». وَالثُّغَامَةُ: نَبَاتٌ لَهُ ثَمَرٌ أَبْيَضُ يُشْبِهُ بَيَاضَ الشَّيْبِ 3180 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ أَبُو عَلِيٍّ الأَزْدِيُّ، بِغَزَّةَ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَكُونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُونَ بِهذا السَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَجِدُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّة».

قَالَ الإِمَامُ: وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرَسِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ». وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبِغُ بِهَا يَعْنِي بِالصُّفْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَكَانَ يَصْبِغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتِهِ» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنِ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ قَدْ خُضِّبَ بِالْحِنَّاءِ، قَالَ: «مَا أَحْسَنُ هَذَا!» قَالَ: فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خُضِّبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، فَقَالَ: «هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا»، ثُمَّ مَرَّ آخَرُ قَدْ خُضِّبَ بِالصُّفْرَةِ، فَقَالَ: «هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ». وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ حِينًا ثُمَّ تَرَكَهُ. وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَفِّرُونَ لُحَاهُمْ. وَكَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، يَفْعَلانِ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ: كَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لَا يَخْضِبُ، وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ بَيْضَاءَ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا عَلَى

الْمِنْبَرِ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، عَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: رَأَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: رَأَيْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ، وَمَكْحُولا، وَالْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ لُحَاهُمْ بِيضٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى نُورٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي وَجْهِهِ فَيُطْفِئُهُ، وَكَانَ شَدِيدَ بَيَاضِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. وَكَرِهَ قَوْمٌ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ، وَلَمْ يَكْرَهْهُ قَوْمٌ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَدْ خُضِبَ بِالسَّوَادِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ يُخْضِبُ بِالسَّوَادِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَرَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يُغَلَّفُ بِالسَّوَادِ، وَكَانَ قَمِيصًا. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، إِنَّهُ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ. وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ. وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْوَسْمَةِ؟ فَقَالَ: هُوَ خِضَابُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، رَخَّصَ فِي صِبَاغِ الشَّعْرِ بِالسَّوَادِ لِلنِّسَاءِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ شَبِيبٍ، قَالَتْ: " سَأَلْنَا عَائِشَةَ عَنْ تَسْوِيدِ الشَّعْرِ؟ قَالَتْ: لَوَدَدْتُ أَنَّ عِنْدِي شَيْئًا سَوَّدْتُ بِهِ شَعْرِي ". وَقَالَ مَالِكٌ فِي صَبْغِ الشَّعْرِ بِالسَّوَادِ: لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الصَّبْغِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَتَرْكُ الصَّبْغِ كُلِّهِ وَاسِعٌ لِلنَّاسِ. وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، لَا أَعْلَمُ بِخِضَابِ السَّوَادِ بَأْسًا إِلا أَنْ يَغُرَّ بِهِ رَجُلٌ امْرَأَةً.

باب النهي عن نتف الشيب

بَابُ النَّهْيِ عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ 3181 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ، مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الإِسْلامِ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، وَكَفَّرَ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

باب فرق الرأس

وَعَمْرُو بْنُ عَبْسَةَ هُوَ أَبُو نَجِيحٍ السُّلَمِيُّ. وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ نَتْفَ الشَّيْبِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلْيُقْرِضْهُ قَرْضًا. رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، " أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَنِ اخْتَتَنَ، وَأَوَّلُ مَنْ رَأَى الشَّيْبَ، فَقَالَ: رَبِّ مَا هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: وَقَارٌ، فَقَالَ: رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا " بَابُ فَرْقِ الرَّأْسِ 3182 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمَلِيحِيِّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْد، نَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدُلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ المُشْرِكُونَ يَفْرِقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدَهُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ 3183 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، أَنا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، نَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَنَا فَرَقْتُ لِرسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ، صَدَعْتُ فَرْقَهٌ عَنْ يَافُوخِهِ، وَأَرْسلْتُ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيِه» 3184 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَتْ: «قَدِم رَسوُلُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَدْمَةً وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: مَكِّيٌّ، وَأَبُو نَجِيحٍ اسْمُهُ: يَسَارٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: لَا أَعْرِفُ لِمُجَاهِدٍ سَمَاعًا مِنْ أُمِّ هَانِئٍ. وَالْغَدَائِرُ: الضَّفَائِرُ، وَاحِدَتُهَا: غَدِيرَةٌ وَضَفِيرَةٌ

باب النهي عن القزع

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقَزَعِ 3185 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: وَمَا الْقَزَعُ؟ قَالَ: يُحْلَقُ بَعْضَ رَأْسِ الصَّبِيِّ، وَيُتْرَكُ الْبَعْضُ. وَرَوَاهُ رَوْحٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، وَأَلْحَقَ التَّفْسِيرَ فِي الْحَدِيثِ. وَرَوَاهُ حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ»، وَهُوَ أَنْ يُحْلَقَ رَأْسُ الصَّبِيِّ، وَيُتْرَكَ لَهُ ذُؤَابَةٌ.

وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، وَقَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: قُلْتُ: وَمَا الْقَزَعُ؟ قَالَ: إِذَا حُلِقَ الصَّبِيُّ، يُتْرَكُ هَهُنَا شَعْرٌ، وَهَهُنَا، وَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ، وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَعَاوَدْتُهُ، فَقَالَ: أَمَّا الْقِصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلامِ، فَلا بَأْسَ بِهِمَا، وَلَكِنَّ الْقَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعْرٌ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ شِقُّ رَأْسِهِ هَذَا، أَوْ هَذَا. وَقَدْ جَاءَ تَفْسِيرُ الْقَزَعِ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَ الصَّبِيِّ، وَيَتْرُكَ لَهُ ذُؤَابَةً. وَأَصْلُ الْقَزَعِ: قَطْعُ السَّحَابِ الْمُتَفَرِّقَةِ، شَبَّهَ تَفَارِيقَ الشَّعْرِ فِي رَأْسِهِ بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ 3186 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، " أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى غُلامًا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ رَأْسِهِ، وَتُرِكَ بَعْضُهُ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذلِكَ، قَالَ: إِمَّا أَنْ تَحْلِقُوا كُلَّهُ، وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوا كُلَّهُ "

باب اتخاذ الجمة

بَابُ اتِّخَاذِ الْجُمَّةِ 3187 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ لَهُ شَعْرٌ فَوْقَ الْجُمَّةِ، وَدُونَ الْوَفْرةِ» وَصَحَّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذْنَ مِنْ رُءُوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ». قَالَ الإِمَامُ: يُقَالُ: الْوَفْرَةُ: الشَّعْرُ إِلَى شَحْمَةِ الأُذُنِ، وَالْجُمَّةُ: إِلَى الْمَنْكِبِ، وَاللِّمَّةُ: الَّتِي أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ.

باب النهي عن وصل الشعر والوشم

قَالَ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلِ خُرَيْمٌ الأَسَدِيُّ لَوْلا طُولُ جُمَّتِهِ، وَإِسْبَالُ إِزَارِهِ». فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا، فَعَجِلَ وَأَخَذَ شَفْرَةً، فَقَطَعَ بِهَا جُمَّتَهُ إِلَى أُذُنَيْهِ، وَرَفَعَ إِزَارَهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ. ثُمَّ هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ، أَمَّا النِّسَاءُ: فَإِنَّهُنَّ يُرْسِلْنَ شُعُورَهُنَّ لَا يَتَّخِذْنَ جُمَّةً. وَرُوِيَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِي شَعْرٌ طَوِيلٌ، فَلَمَّا رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ذُبَابٌ ذُبَابٌ»، قَالَ: فَرَجَعْتُ فَجَزَزْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: «إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ، وَهَذَا أَحْسَنُ». قِيلَ: الذُّبَابُ: الشُّؤْمُ، وَرَجُلٌ ذُبَابِيٌّ، مَأْخُوذٌ مِنَ الذُّبَابِ، وَهُوَ الشُّؤْمُ. وَرُوِيَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَتْ لِي ذُؤَابَةٌ، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: لَا أَجُزُّهَا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُدُّهَا وَيَأْخُذُهَا ". بَابُ النَّهْيِ عَنْ وَصْلِ الشَّعْرِ وَالْوَشْمِ 3188 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ

مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، نَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ الْمَدِينِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَتْهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ امْرأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي بِنْتًا عَرُوسًا، وَإِنَّ الْحَصْبَةَ أَخَذَتْهَا، فَسَقَطَ شَعْرُهَا، أفَأَصِلُ شَعَرَ رَأْسِهَا؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ هِشَامٍ 3189 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُستَوْشِمَةَ». قَالَ نَافِعٌ: الْوَشْمُ فِي اللِّثَةِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ،

وَغَيْرِهِ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ 3190 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3191 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، والْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ؟

فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ! فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ، لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الْحَشْر: 7]، قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الْوَاشِمَةُ مِنَ الْوَشْمِ: وَهُوَ أَنْ تَغْرِزَ الْمَرْأَةُ ظَهْرَ كَفِّهَا، أَوْ مِعْصَمَهَا بِإِبْرَةٍ حَتَّى تُدْمِيَهُ، ثُمَّ تَحْشُوَهُ بِالْكُحْلِ، فَيَخْضَرَّ، أَوْ تَجْعَلَ فِي وَجْهِهَا الْخِيلانِ بِكُحْلٍ، أَوْ مِدَادٍ، وَالْمُسْتَوْشِمَةُ: هِيَ الَّتِي تَسْأَلُ وَتَطْلُبُ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بِهَا. وَالْوَاصِلَةُ: الَّتِي تَصِلُ شَعْرَهَا بِشَعْرِ غَيْرِهَا، تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُظَنَّ بِهَا طُولُ الشَّعْرِ، أَوْ يَكُونَ شَعْرُهَا أَصْهَبَ، فَتَصِلُهُ بِشَعْرٍ أَسْوَدَ، فَهَذَا مِنْ بَابِ الزُّورِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رَخَّصَتِ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَرَامِلِ وَكُلِّ

شَيْءٍ وُصِلَ بِهِ الشَّعْرُ مَا لَمْ يَكُنِ الْوَصْلُ شَعْرًا، فَلا بَأْسَ بِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أَحْمَدُ يَقُولُ: الْقَرَامِلُ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ. وَالْمُتَنَمِّصَةُ مِنَ النَّمَصِ: وَهُوَ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنَ الْوَجْهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمِنْقَاشِ: الْمِنْمَاصُ، فَالنَّامِصَةُ: الَّتِي تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ: الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ. وَالْمُتَفَلِّجَاتُ: هُنَّ اللَّوَاتِي يُعَالِجْنَ أَسْنَانَهُنَّ بَعْدَ مَا شَرَعْنَ فِي السِّنِّ حَتَّى يَكُونَ لَهَا تَحددٌ وَرِقَّةٌ وَأَشَرُّ، فَيَتَشَبَّهْنَ بِالشَّوَابِّ. يُقَالُ: ثَغْرٌ أَفْلَجُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِرَةَ وَالْمُؤْتَشِرَةَ». فَالْوَاشِرَةُ: هِيَ الَّتِي تَشِرُ أَسْنَانَهَا وَتُحَدِّدُهَا. 3192 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، عَامَ حَجَّ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعْرٍ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ، يَقُولُ: يَأَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤكُمْ؟! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ: «إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ».

باب قص الشارب

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. كُلُّ خَصْلَةٍ مِنَ الشَّعْرِ: قُصَّةٌ بَابُ قَصِّ الشَّارِبِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [الْبَقَرَة: 124] وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: " خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ، وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ: الْمَضْمَضَةُ، وَالاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَفَرْقُ الشَّعْرِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَالاسْتِنْجَاءُ، وَالْخِتَانُ ".

3193 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ، وَإِعْفَاءِ اللِّحَى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ نَافِعٍ 3194 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَوْفُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ، قَبَضَ عَلى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ، أَخَذَهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَإِحْفَاءُ الشَّارِبِ: أَنْ يُؤْخَذَ حَتَّى يَحْفَى وَيَرِقَّ، وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى الاسْتِقْصَاءِ فِي الأَخْذِ مِنْ قَوْلِكَ: أَحْفَيْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ:

إِذَا اسْتَقْصَيْتُ فِيهَا، وَيُرْوَى: «أَنْهِكُوا الشَّوَارِبَ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ، يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: حَلْقُ الشَّارِبِ بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ فِي النَّاسِ. وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ: تَوْفِيرُهَا، مِنْ قَوْلِكَ: عَفَا النَّبْتُ: إِذَا طَالَ، يَعْفُو عَفْوًا، وَيُقَالُ: عَفَا الشَّيْءُ، بِمَعْنَى: كَثُرَ، وَأَعْفَيْتُ أَنَا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى عَفَوْا} [الْأَعْرَاف: 95] أَيْ كَثُرُوا، وَيُقَالُ فِي غَيْرِ هَذَا: عَفَا الشَّيْءُ: إِذَا دَرَسَ وَانْمَحَى، وَهُوَ مِنَ الأَضْدَادِ، وَعَفَا إِذَا أَتَى الرَّجُلُ يَطْلُبُ حَاجَةً، وَمِنْهُ الْعَافِيَةُ، وَهِيَ كُلُّ طَالِبِ رِزْقٍ مِنْ إِنْسَانٍ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ طَائِرٍ، أَوْ غَيْرِهَا. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا». وَرَوَى عُمَرُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: عُمَرُ بْنُ هَارُونَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ لَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا لَا أَصْلَ لَهُ، أَوْ قَالَ: يَنْفَرِدُ بِهِ إِلا هَذَا الْحَدِيثِ. وَرُوِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا جَاوَزَ

باب الختان

الْقَبْضَةَ، وَمِثْلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ جَوَانِبِهَا. بَابُ الْخِتَانِ 3195 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذِهِ الْخِصَالُ كُلُّهَا سُنَنٌ إِلا الْخِتَانَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ

أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ فِي وُجُوهٍ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: إِنَّهُ وَاجِبٌ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَشْدُدُ فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ: الأَقْلَفُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَلا تَؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلا تُقْبَلُ صَلاتُهُ. وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ: لَا خِلافَ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ، فَلَوْلا أَنَّ الْخِتَانَ فَرْضٌ، لَمَا جَازَ كَشْفُ عَوْرَةِ الْمَخْتُونِ لأَجْلِ الْخِتَانِ، فَلَمَّا جَازَ، دَلَّ أَنَّهُ وَاجِبٌ. قَالَ الْحَسَنُ فِي الْخِتَانِ: هُوَ لِلرِّجَالِ سُنَّةٌ، وَلِلنِّسَاءِ طُهْرَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ، مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ».

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلُ مِنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ. وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرِّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ. وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ خِتَانِ الْغُلامِ يَوْمَ سُبُوعِهِ، فَكَرِهَهُ خِلافًا لِلْيَهُودِ. وَسُئِلَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ خَفْضِ الْجَارِيَةِ إِلَى مَتَى يُؤَخَّرُ؟ قَالَ: إِلَى ثَمَانٍ سِنِينَ. وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَهِيَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ النِّسَاءَ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَنْهِكِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ، وَأَحَبَّ إِلَى الْبَعْلِ». قَوْلُهُ: «لَا تَنْهِكِي» تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: أَشِمِّي، أَيْ: لَا تَسْتَقْصِي.

باب التوقيت في تقليم الأظافر وقص الشارب

بَابُ التَّوْقِيتِ فِي تَقْلِيمِ الأَظَافِرِ وَقَصِّ الشَّارِبِ 3196 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا صَدَقَةُ الدَّقِيقِيُّ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَقَّتَ لَنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي حَلْقِ الْعَانَةِ، وَنَتْفِ الإِبْطِ، وَقَصِّ الأَظَافِرِ، وَقَصِّ الشَّارِبِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى أَبُو مُحَمَّدٍ صَاحِبُ الدَّقِيقِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِالْحَافِظِ قَالَ الإِمَامُ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «وَقَّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الأَظَافِرِ، وَنَتْفِ الإِبْطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَلا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً». وَهَذَا أَصَحُّ. 3197 - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ،

نَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الأَسَدِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَسْمُولِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ أَظْفَارَهُ وَشَارِبَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ» 3198 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنا بَهْلُولٌ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ أَبِي قُدَامَةَ، عَنْ أَبيِ عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُصُّ شَارِبَهُ، وَيَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إِلَى صَلاةِ الجُمُعَةِ» 3199 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، نَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلائِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَنَوَّرُ، فَإِذَا كَثُرَ

شَعْرُهُ حَلَقَهُ». وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَنَوَّرْ، وَلا أَبُو بَكْرٍ، وَلا عُمَرُ، وَلا عُثْمَانُ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَقُصُّ شَارِبَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ». وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: كَانَ لِي عَمَّانِ قَدْ شَهِدَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذَانِ مِنْ شَوَارِبِهِمَا وَأَظْفَارِهِمَا كُلَّ جُمُعَةٍ. عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ أَظْفَارِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كُنْتُ أَطْلِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَإِذَا بَلَغْتُ عَوْرَتَهُ، تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا طُلِيَ، وَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ». وَعَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، مُرْسَلا، «أَنَّ رَجُلا نَوَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغَ الْعَانَةَ، كَفَّ الرَّجُلُ، وَنَوَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ». وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُنَوِّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، أَوْ سَرِيَّتَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَمِسُّونَ الْحِنَّاءَ بَعْدَ النُّورَةِ، وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الأَظْفَارِ

باب شد الأسنان بالذهب واتخاذ الأنف

بَابُ شَدِّ الأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ وَاتِّخَاذِ الأَنْفِ 3200 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَرْفَةَ، «أَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ نَتُنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَرْفَةَ، وَعَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ جَدَّهُ. وَقَدْ أَبَاحَ أَهْلُ الْعِلْمِ اتِّخَاذَ الأَنْفِ، وَرَبْطَ الأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ، لأَنَّهُ لَا يَنْتُنُ. قَالَ شُعْبَةُ: رَأَيْتُ أَبَا حَمْزَةَ نَصْرَ بْنَ عِمْرَانَ، وَأَبَا التَّيَّاحِ، وَأَبَا نَوْفَلِ بْنَ أَبِي عَقْرَبٍ يُضَبِّبُونَ أَسْنَانَهُمْ بِالذَّهَبِ

باب الاكتحال

بَابُ الاكْتحَالِ 3201 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اكْتَحِلُوا بِالإِثْمِدِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعَرَ»، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَتْ لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ بِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ، ثَلاثَةً فِي هذِهِ، وَثَلاثَةً فِي هَذِهِ». وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ فِيهِ: " إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ: اللَّدُودُ، وَالسَّعُوطُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالْمَشْيُ، وَخَيْرَ مَا اكْتَحَلْتُمْ بِه الإِثْمِدُ " 3202 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ،

أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعَرَ» 3203 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتَحِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ بِالإِثْمِدِ، ثَلاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا نَعْرِفُهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

عَلَيْكُمْ بِالإِثْمِدِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ» 3204 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنِ الْحُصَيْنِ الْحُبْرَانِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا، فَلا حَرَجَ، وَمَنِ استَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا، فَلا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَ فَما تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ، وَمَا لاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا، فَلا حَرَجَ، وَمَنْ أَتَى الغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فلْيَسْتَدْبِرْهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا، فَلا حَرَجَ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ثَوْرٍ، فَقَالَ: حُصَيْنٌ الْحِمْيَرِيُّ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ ثَوْرٍ، فَقَالَ: أَبُو سَعِيدٍ الْخَيْرُ، قَالَ: أَبُو

باب لعن المتشبهين بالنساء من الرجال وإخراجهم وإخراج أهل الريب

سَعِيدٍ الْخَيْرُ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3205 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ الثَّقَفِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُونُسَ الْحَرَمِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ فِي عَيْنِهِ الْيُمْنَى ثَلاثًا، وَفِي الْيُسْرَى اثْنَتَيْنِ بِالإِثْمِدِ». وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا اكْتَحَلْتُ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ ثَلاثًا، وَفِي هَذِهِ ثَلاثًا، فَهُوَ شَفْعٌ، وَلَكِنِ اجْعَلِ الْمَيْلَ بَيْنَهُمَا. وَكَانَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، يَقُولانِ: إِذَا اكْتَحَلْتُ ثَلاثًا فِي هَذِهِ، وَثَلاثًا فِي هَذِهِ، فَهُوَ وَتْرٌ بَابُ لَعْنِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ وَإِخْرَاجِهِمْ وَإِخْرَاجِ أَهْلِ الرِّيبِ 3206 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَعَنَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3207 - أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَأَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَخَنِّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّسَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3208 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَخْرِجُوا الْمُخَنَّثِينَ مِنْ بُيُوتِكُمْ، قَالَ: فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ مُخَنَّثًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَخْرَجَ مُحَمَّدٌ الْحَدِيثَيْنِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ،

عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَأَمَرَ بِهِ، فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ وَعَنْ سَهْلٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ». وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: امْرَأَةٌ تَلْبَسُ النَّعْلَ؟ قَالَتْ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجْلَةَ مِنَ النِّسَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَخْتَمِرُ، فَقَالَ: «لَيَّةً لَا لَيَّتَيْنِ». قَالَ الإِمَامُ: وَإِنَّمَا كَرِهَ لَهَا أَنْ تَزِيدَ عَلَى لَيَّةٍ، حَتَّى لَا تَتَشَبَّهُ بِالْمُتَعَمِّمِ مِنَ الرِّجَالِ. 3209 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالَا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ، فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ، فَدَخَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً، فَقَالَ: إِنَّها إِذَا أَقْبَلَتْ، أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ، أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أُرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَهُنَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ هذَا، فَحَجَبُوهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَزَادَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَكَانَ بِالْبَيْدَاءِ يَدْخُلُ كُلَّ جُمُعَةٍ يَسْتَطْعِمُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ، يَعْنِي أَرْبَعَ عُكَنٍ فِي بَطْنِهَا، فَهِيَ تَقْبِلُ بِهِنَّ. وَقَوْلُهُ: تُدْبِرُ بِثَمَانٍ، يَعْنِي أَطْرَافَ هَذِهِ الْعُكَنِ الأَرْبَعِ، وَذَلِكَ لأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحِقَتْ بِالْمَتْنَيْنِ مِنْ مُؤَخِّرِهَا مِنْ

باب نهي النساء عن دخول الحمام

كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ، فَهَذِهِ ثَمَانٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ وَهِيَ الأَطْرَافُ، وَوَاحِدُهَا طَرَفٌ، وَهُوَ ذِكْرٌ، لأَنَّ الطَّرَفَ فِيهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ، كَقَوْلِهِمْ: هَذَا الثَّوْبُ سَبْعٌ فِي ثَمَانٍ، وَيُرِيدُ بِهِ الأَشْبَارَ، ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْهَا، لأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الأَشْبَارَ. وَفِيهِ إِخْرَاجُ أَهْلِ الرِّيبِ، وَأَخْرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ بِهِ. بَابُ نَهْيِ النِّسَاءِ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ 3210 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، أَنا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، قَالَ: " قَدِمَ عَلَى عَائِشَةَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، فَقَالَتْ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُنَّ؟ قُلْنَ: مِنَ الشَّامِ، قَالَتْ: لَعَلَّكُنَّ مِنَ الْكُورَةِ الَّتِي يَدْخُلُ نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَاتِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَخْلَعُ امْرَأَةٌ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلا هَتَكَتْ سِتْرَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 3211 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عُذْرَةَ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ، ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِالْمَيَازِرِ». وَرَوَى أَبُو عِيسَى هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي عُذْرَةَ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،

باب التصاوير ووعيد المصورين

وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَائِمِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، أَيْضًا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا بِالْجُحْفَةِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ فَيَقُولُ: نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُذْهِبُ الصِّنَّةَ، وَيُذَكِّرُ النَّارَ. قَالَ الأَزْهَرِيُّ: أَرَادَ بِالصِّنَّةِ الصُّنَانَ، وَهِيَ رَائِحَةُ الْمَغَابِنِ إِذَا فَسَدَتْ. وَيُرْوَى: يُذْهِبُ الصَّنْخَةَ وَهِيَ الصُّنانُ وَالدَّرَنُ، يُقَالُ: صَنَخَ بَدَنُهُ وَسَنِخَ. وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُضَيْرٍ، قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالشَّامِ: لَا يَدْخُلُ الرَّجُلُ الْحَمَّامَ إِلا بِمِئْزَرٍ، وَلا تَدْخُلُهُ الْمَرْأَةُ إِلا مِنْ سَقَمٍ، وَاجْعَلُوا اللَّهْوَ فِي ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: الْخَيْلِ، وَالنِّسَاءِ، وَالنِّصَالِ. وَعَنْ عَلِيٍّ: بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يَنْزِعُ عَنْ أَهْلِهِ الْحَيَاءَ. وَكَانَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ، فَيَعْتَزِلُ فِي نَاحِيَةٍ، وَيَجْعَلُ وَجْهَهُ مَا يَلِي الْجِدَارَ بَابُ التَّصَاوِيرِ وَوَعِيدِ الْمُصَوِّرِينَ 3212 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلا صُورَةُ تَمَاثِيلَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالُوا: «لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ» 3213 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ جِبْرِيلَ وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ

فِيهَا، فَذَهَبَتِ السَّاعَةُ، وَلَمْ يَأْتِهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا جِبْرِيلُ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْبَيْتِ كَلْبًا، وَإِنَّا لَا نَدْخُلَ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَلْبِ فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْكِلابِ أَنْ تُقْتَلَ ". هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ الإِمَامَ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَعُمُّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكِلابِ، وَقِيلَ: مُخْتَصٌّ بِمَا لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ مِنَ الْكِلابِ، وَكَذَلِكَ الصُّوَرُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لَهَا أَشْخَاصٌ، أَوْ مَا لَا شَخْصَ لَهَا، كَالْمَنْقُوشَةِ فِي الْجُدُرِ وَالْفُرُشِ وَالأَنْمَاطِ، أَوِ الْمَنْسُوجَةِ فِيهَا. وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا كَانَ مِنْهَا فِي الأَنْمَاطِ الَّتِي تُوطَأُ وَتُدَاسُ بِالأَرْجُلِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: أَمَّا مَا عُفِّرَ عَلَى الأَرْضِ فَلا بَأْسَ، وَمِثْلُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ 3214 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ، يَعْنِي الْكَعْبَةَ، لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِأَيْدِيهِمَا الأَزْلامُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا اسْتَقْسَمَا بِالأَزْلامِ قَطُّ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ 3215 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَقُولُ: " قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَتَكَهُ، وَقَالَ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِيَن يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ، قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.

وَالْقِرَامُ: السِّتْرُ الرَّقِيقُ، وَالسَّهْوَةُ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: هِيَ كَالصُّفَّةِ بَيْنَ يَدَيِ الْبَيْتِ، وَيُقَالُ: هِيَ بَيْتٌ صَغِيرٌ شِبْهُ الْمَخْدَعِ، وَيُقَالُ: هِيَ شِبْهُ الرَّفِّ، وَالطَّاقُ يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ، وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: السَّهْوَةُ: الْكَوَّةُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ، وَهِيَ: الْكُنْدُوجُ أَيْضًا 3216 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدِ , أَنا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى , نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ عَلَيَّ بَابِي دُرْنُوكًا، فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ، فَأَمَرَنِي، فَنَزَعْتُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 3217 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " قَال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ 3218 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَحَلَّم بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيَرتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً، عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ». قَالَ سُفْيَانُ: وَصَلَهُ لَنَا أَيُّوبُ، وَذَكَرَ خَالِدٌ وَهِشَامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ 3219 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ:

كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُصَوِّرُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ، فَمَا تَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ 3220 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , أَنّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْمُصَوِّرُونَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ نَافِعٍ. قَوْلَهُ: «أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» أَيْ: مَا صَوَّرْتُمْ. وَصَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ».

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، تَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالْمُصَوِّرِينَ " 3221 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلا نَقَضَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَالتَّصَالِيبُ: مَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الصَّلِيبِ. وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ الثِّيَابَ الْمُصَلَّبَةَ، يَعْنِي: الَّتِي صُوِّرَ فِيهَا الصَّلِيبُ 3222 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَالَ: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ». قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟! فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إِلا رَقَمًا فِي ثَوْبٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ. وَعُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ الْخَوْلانِيُّ، كَانَ فِي حِجْرِ مَيْمُونَةَ. قَوْلُهُ: «إِلا رَقَمًا فِي ثَوْبٍ» أَصْلُ الرَّقَمِ: الْكِتَابَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين: 9] وَالصُّورَةُ غَيْرُ الرَّقَمِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الصُّورَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا إِنَّمَا هِيَ: مَا كَانَ لَهُ شَخْصٌ، دُونَ مَا كَانَ مَنْسُوجًا فِي ثَوْبٍ، أَوْ مَنْقُوشًا فِي جِدَارٍ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ قَوْمٌ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ يُفْسِدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَالَ الإِمَامُ: الصُّوَرُ إِذَا غُيِّرَتْ هَيْئَتُهَا بِأَنْ قُطِعَ رَأْسُهَا، أَوْ حُلَّتْ أَوْصَالُهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا أَثَرٌ لَا عَلَى شَبَهِ الصُّوَرِ، فَلا بَأْسَ. 3223 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، " أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: ادْخُلْ، فَقَالَ: إِنَّ فِي الْبَيْتِ سِتْرًا فِي الْحَائِطِ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَاقْطَعُوا رُءُوسَهَا، وَاجْعَلُوهُ بُسْطًا وَوَسائِدَ، فَأَوْطِئُوهُ، فَإِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ ". وَيُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ، إِلا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ، وَفِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التَّمَاثِيلِ يُقْطَعُ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ، فَلْيُقْطَعْ، فَلْيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَانِ مَنْبُوذَتَانِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَلْيَخْرُجْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ التَّصْوِيرِ إِذَا نُقِضَ حَتَّى يَنقَطِعَ أَوْصَالُهُ، جَازَ اسْتِعْمَالُهُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَجُلٍ مِنَ النَّصَارَى، صَنَعَ لَهُ طَعَامًا بِالشَّامِ وَدَعَاهُ: «إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ، مِنْ أَجْلِ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا» قَالَ الإِمَامُ: وَفِي لُعَبِ الصِّبْيَانِ رُخْصَةً، رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلْمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، " قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ، وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ، فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ: لُعَبٍ، فَقَالَ:

مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جِنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا وَسَطَهُنَّ؟ قَالَتْ: فَرَسٌ، قَالَ: وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: جَنَاحَانِ، قَالَ: فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ! قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ ". قَالَ الإِمَامُ: وَأَمَّا صُورَةُ الأَشْجَارِ وَالنَّبَاتُ، فَلا بَأْسَ بِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنِ الصُّوَرِ: عَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ: كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رَوْحٌ. قَالَ الإِمَامُ: وَيُكْرَهُ سَتْرُ الْجُدُرِ بِالثِّيَابِ الْمُلَوَّنَةِ وَتَنْقِيشُهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي غَزَاةٍ، قَالَتْ: فَأَخَذْتُ نَمَطًا، فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ، فَلَمَّا قَدِمَ، فَرَأَى النَّمَطَ، عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ، فَجَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ، أَوْ قَطَعَهُ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ، قَالَتْ: فَقَطَعْنَا مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ، وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ ". صَحِيحٌ. وَرَوَى أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرُ أَنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَتَرَتْ بُيُوتَهَا بِقِرَامٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَهْدَاهَا لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَذَهَبَ عُمَرُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَهْتِكَهُ، فَبَلَغَهُمْ، فَنَزَعُوهُ. وَرُوِيَ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُميَّةَ تَزَوَّجَ، فَدَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى بَيْتِهِ، وَإِذَا بَيْتُهُ قَدْ سُتِرَ بِهَذِهِ الأُدُمِ الْمَنْقُوشَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كُنْتُمْ جَعَلْتُمْ مَكَانَ هَذَا مُسُوحًا، كَانَ أَحْمَلَ لِلْغُبَارِ مِنْ هَذَا.

باب الأرجوحة

بَابُ الأُرْجُوحَةِ 3224 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، أَنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " تَزَوَّجَنِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ، فَتَمَرَّقَ شَعْرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمِّي، أُمُّ رُومَانَ، وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي، فَأَتَيْتُهَا، مَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ مِنِّي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لأنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ، فَمَسَحَتْ بِه وَجْهِي، وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

قَوْلُهَا: «وُعِكَتْ»، أَيْ: حُمِمَتْ، وَالْوَعْكُ: الْحُمَّى. قَوْلُهَا: «تَمَرَّقَ شَعْرِي»، أَيِ: انْتَثَرَ مِنَ الْمَرَضِ، وَمِثْلُهُ تَمَرَّطَ. فَوَفَى، أَيْ: تَمَّ، وَالْجُمَيْمَةُ: تَصْغِيرُ الْجُمَّةِ مِنَ الشَّعْرِ. قَوْلُهَا: «لأَنْهَجُ»، أَيْ: أَرْبُو، وَأَتَنَفَّسُ، يُقَالُ: نَهَجَ، يَنْهَجُ، وَأَنْهَجَ: إِذَا عَلاهُ الْبُهْرُ، وَالنَّفَسُ مِنَ الإِعْيَاءِ، ونَهَجَ بِفَتْحِ الْهَاءِ، يَنْهَجُ: إِذَا أَوْضَحَ وَأَبَانَ، يُقَالُ: نُهِجَ لَكَ مَنْهَجٌ، فَالْزَمْهُ، وَالْمَنْهَجُ: الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [الْمَائِدَة: 48]. قَوْلُهَا: لَمْ يَرُعْنِي، أَيْ لَمْ يُفَاجِئْنِي، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الشَّيْءِ لَا تَتَوَقَّعَهُ فَيَهْجِمَ عَلَيْكَ

30 - كتاب الطب والرقى

30 - كِتَابُ الطِّبِّ وَالرُّقَى بَابُ الدَّوَاءِ 3225 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، نَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3226 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلاقَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتِ الأَعْرَابُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

أَعَلَيْنَا حَرَجٌ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: عِبَادَ اللَّهِ وَضَعَ اللَّهُ الْحَرَجَ إِلا مَنِ اقْتَرضَ امْرَأً مُسْلِمًا، فَذَلِكَ الَّذِي هَلَكَ، وَحَرَجَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْزِلْ، أَوْ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَمِ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الإِنْسَانُ، أَوِ الْمُسْلِمُ؟ قَالَ: «الْخُلُقُ الْحَسَنُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ شَرِيكٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، يُعَدُّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، هُوَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، لَا يُعْرَفُ عَنْهُ رَاوٍ غَيْرُ زِيَادِ بْنِ عَلاقَةَ وَقَوْلُهُ: «إِلا مَنِ اقْتَرَضَ امْرَأً مُسْلِمًا»، أَيْ: نَالَ مِنْهُ، وَعَابَهُ، وَقَطَعَهُ بِالْغَيْبَةِ، وَأَصْلُ الْقَرْضِ: الْقَطْعُ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنْ قَارَضْتَ النَّاسَ، قَارَضُوكَ، يَقُولُ: إِنْ سَابَبْتَهُمْ، سَابُّوكَ، وَإِنْ نِلْتَ مِنْهُمْ، نَالُوا مِنْكَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ».

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّدَاوِي بِالشَّيْءِ النَّجِسِ، فَأَبَاحَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ النَّجِسِ لِلتَّدَاوِي إِلا الْخَمْرَ، «لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لِلرَّهْطِ الْعُرَنِيِّينَ شُرْبَ أَبْوَالِ الإِبِلِ»، وَحَرَّمَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ تَنَاوُلَ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهَا دَاءٌ». وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ». وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَدْ قِيلَ: أَرَادَ بِهِ خَبْثَ النَّجَاسَةِ، بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ مُحَرَّمٌ مِنْ خَمْرٍ، أَوْ لَحْمٍ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَلا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ، إِلا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ مِنْ أَبْوَالِ الإِبِلِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْخَبْثَ مِنْ جِهَةِ الطَّعْمِ وَالْمَذَاقِ، وَلا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الطِّبَاعِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ طُعُومَ الأَدْوِيَةِ كَرِيهَةٌ، وَلَكِنَّ بَعْضَهَا أَيْسَرُ احْتِمَالا، وَأَقَلُّ كَرَاهِيَةً. وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنَتَهَا أَصَابَهَا الْبِرْسَامُ، فَتَسَاقَطَ شَعْرُهَا، فَوَصَفَ أَنْ أُمَشِّطَهَا بِالْخَمْرِ، فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ فِي شَعْرِهَا. وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا

باب الشونيز

نَهَتْ عَنْ ذَلِكَ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُدَاوِى الدّبرَ بِالْخَمْرِ، وَكَرِهَهُ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْقُوا دَوَابَّهُمُ الْخَمْرَ، وَنَهَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ. وَسُئِلَ ابْنُ سِيرِينَ عَنِ التِّرْيَاقِ، قَالَ: أَمَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُسْقَى، وَلَوْ عَلِمَ مَا فِيهِ، مَا أَمَرَ بِهِ. وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ التِّرْيَاقَ إِذَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْحُمَّةِ شَيْءٌ. وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنِ التِّرْيَاقِ يُسْقَى الْمَلْدُوغَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مِن أَيِّ شَيْءٍ يُصْنَعُ. قِيلَ: مِنَ الْوَزَغِ، قَالَ: لَا تَقْرِبَنَّ مَا يُصْنَعُ بِالأَوْزَاغِ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ، وَمَكْحُولُ لَا يَرَيَانِ بِشُرْبِ التِّرْيَاقِ بَأْسًا. بَابُ الشُّونِيزِ 3227 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ دَاءٍ إِلا فِي الْحَبَّةِ السَّوْداءِ مِنْهُ شِفَاءٌ، إِلا السَّامَ». يَعْنِي الْمَوْتَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 3228 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِلشُّونِيزِ: «عَلَيْكُم بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ، فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلا السَّامَ». يُرِيدُ الْمَوْتَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَمَرِضَ غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ، فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ، فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، فَاسْحَقُوهَا، ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِي هَذَا الْجَانِبِ، وَفِي هَذَا الْجَانِبِ، فَإِنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلا مِنَ السَّامِ». وَكَانَ قَتَادَةُ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ إِحْدَى وَعِشْرِينَ حَبَّةٍ، يَجْعَلُهُنَّ فِي خِرْقَةٍ، فَيَنْقَعُهَا، فَيُسْعِطُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَنْخِرِهِ الأَيْمَنِ قَطْرَتَيْنِ، وَفِي الأَيْسَرِ قَطْرَةٌ، وَالثَّانِي: فِي الأَيْسَرِ قَطْرَتَيْنِ، وَفِي الأَيْمَنِ قَطْرَةٌ، وَالثَّالِثُ: فِي الأَيْمَنِ قَطْرَتَيْنِ، وَفِي الأَيْسَرِ قَطْرَةٌ. وَقِيلَ: عَنَى بِالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ: الْحَبَّةَ الْخَضْرَاءَ، لأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الأَسْوَدَ أَخْضَرَ، وَالأَخْضَرَ أَسْوَدَ.

باب المداواة بالعسل

بَابُ الْمُدَاوَاةِ بِالْعَسَلِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " إِنَّمَا الشِّفَاءُ فِي شَيْئَيْنِ: فِي الْعَسَلِ، وَفِي الْقُرْآنِ: شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَشِفَاءٌ لِلنَّاسِ ". 3229 - أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ يُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ الأَنْصَارِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ

3230 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ، نَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: أَمَّا الْكَيُّ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَيِّ، فَابْتُلِينَا، فَاكْتَوَيْنَا، فَمَا أَفْلَحْنَا، وَلا أَنْجَحْنَا». وَقَدْ وَرَدَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ. 3231 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَاحِبًا لَنَا اشْتَكَى، أَفَنَكْوِيهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ فَاكْوُوهُ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَارْضِفُوهُ، يَعْنِي بِالْحِجَارَةِ».

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ بِيَدِهِ مِنْ رَمْيَتِهِ بِمِشْقَصٍ، ثُمَّ وَرِمَتْ، فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ». وَالْمِشْقَصُ: نَصْلُ السَّهْمِ إِذَا كَانَ طَوِيلا غَيْرَ عَرِيضٍ، فَإِنْ كَانَ عَرِيضًا، فَهُوَ الْمِعْبَلَةُ. وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رُمِيَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ إِلَيْهِ طَبِيبًا، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا، ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ». وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَوَى أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنَ الشَّوْكَةِ». وَرُوِيَ، «أَنَّهُ كَوَاهُ فِي حَلْقِهِ مِنَ الذَّبْحَةِ». وَقَالَ أَنَسٌ: «كُوِيتُ مِنْ

ذَاتِ الْجُنُبِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ، وَشَهِدَنِي أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو طَلْحَةَ كَوَانِي». وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ اكْتَوَى فِي أَصْلِ أُذُنِهِ مِنَ اللِّقْوَةِ، وَكَوَى ابْنَهُ وَاقِدًا. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: الْكَيُّ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْعِلاجِ وَالتَّدَاوِي الْمَأْذُونُ فِيهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْكَيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ أَمْرَهُ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ يَحْسِمُ الدَّاءَ وَيُبَرِّئَهُ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ، هَلَكَ صَاحِبُهُ، وَيَقُولُونَ: آخَرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، إِذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبَاحَ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى مَعْنَى طَلَبِ الشِّفَاءِ وَالتَّرَجِّي لِلْبُرْءِ بِمَا يُحْدِثُ اللَّهُ مِنْ صُنْعِهِ فِيهِ، فَيَكُونُ الْكَيُّ وَالدَّوَاءُ سَبَبًا لَا عِلَّةً. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَنِ الْكَيِّ، هُوَ أَنْ يَفْعَلَهُ احْتِرَازًا عَنِ الدَّاءِ قَبْلَ وُقُوعِ الضَّرُورَةِ، وَنُزُولِ الْبَلِيَّةِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ الْعِلاجُ، وَالتَّدَاوِي عِنْدَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ، وَدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إِلَيْهِ،

وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا نَهَى عِمْرَانَ عَنِ الْكَيِّ فِي عِلَّةٍ بِعَيْنِهَا لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَنْجَعُ، أَلا تَرَاهُ يَقُولُ: فَمَا أَفْلَحْنَا، وَقَدْ كَانَ بِهِ الْبَاسُورُ، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا نَهَاهُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْكَيِّ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْبَدَنِ، وَالْعِلاجِ إِذَا كَانَ فِيهِ الْخَطَرُ الْعَظِيمِ كَانَ مَحْظُورًا، وَالْكَيُّ فِي بَعْضِ الأَعْضَاءِ يَعْظُمُ خَطَرُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِهَا، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُنْصَرِفًا إِلَى النَّوْعِ الْمَخُوفِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ اكْتَوَى مِنَ اللِّقْوَةِ، وَرُقِيَ مِنَ الْعَقْرَبِ 3232 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ؟ فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلا، فَسَقَاهُ، فَقَالَ: سَقَيْتُهُ، فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسِتطْلاقًا، فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، أَيْضًا بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ قَالَ: فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ سَقَيْتُهُ عَسَلا، فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسْتِطْلاقًا، قَالَ: اسْقِهِ عَسَلا، فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ سَقَيْتُهُ عَسَلا، فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسْتِطْلاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

باب الحجامة

صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلا»، فَسَقَاهُ فَبَرِئَ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَشْكُو قُرْحَةً، وَلا شَيْئًا إِلا جَعَلَ عَلَيْهِ عَسَلا حَتَّى الدِّمِّلَ بَابُ الْحِجَامَةِ قَالَ أَنَسٌ: «حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ». 3233 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ».

وَيُرْوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ جَدَّتِهِ سَلْمَى خَادِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " مَا كَانَ أَحَدٌ يَشْتَكِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا فِي رَأْسِهِ، إِلا قَالَ: احْتَجِمْ، وَلا وَجَعًا فِي رِجْلَيْهِ، إِلا قَالَ: اخْضِبْهُمَا "، يَعْنِي: بِالْحِنَّاءِ. وَيُرْوَى بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَتْ: «مَا كَانَ يَكُونُ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْحَةٌ، وَلا نَكْبَةٌ إِلا أَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا الْحِنَّاءَ». وَإِسْنَادُهُ غَرِيبٌ، يَرْوِيهِ فَائِدٌ، عَنْ مَوْلاهُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ صُدِعَ، فَغَلَّفَ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ 3234 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ الْبَصْرِيُّ، نَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، نَا هَمَّامٌ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالا: نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فِي الأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ، وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب وقت استحباب الحجامة

احْتَجَمَ عَلَى وَرِكِهِ مِنْ وَثِيٍّ كَانَ بِهِ». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَخْدَعَيْنِ، وَبَيْنَ الْكَتِفَيْنِ». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ أَبَا هِنْدٍ حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَافُوخِ» بَابُ وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الْحِجَامَةِ 3235 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكُرْكَانِيُّ الْطُوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّعْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ، نَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَحِبُّ الْحِجَامَةَ لِسَبْعَ

عَشْرةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ». وَرُوِيَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ أَبَاهَا كَانَ يَنْهَى أَهْلَهُ عَنِ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَيَزْعُمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ». وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَصَابَهُ وَضَحٌ، فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ أُسْنِدَ، وَلا يَصِحُّ. وَرُوِيَ عَنْ عَوْنٍ، مَوْلًى لأُمِّ حَكِيمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

باب تبريد الحمى بالماء

مَنِ احْتَجَمَ، أَوِ اطْلَى يَوْمَ السَّبْتِ، أَوِ الأَرْبِعَاءِ، فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ فِي الْوَضَحِ». وَأَذِنَ جَمَاعَةٌ فِي بَطِّ الْجُرْحِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «بَعَثَ طَبِيبًا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا، ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ». رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شَكَا إِلَيْهِ رَجُلٌ مَا تَلْقَى امْرَأَتُهُ مِنْ إِهْرَاقِهَا الدَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ كَانَ يَحِلُّ لِي مِنْهَا مَا يَحِلُّ لَكَ، لَقَطَعْتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: بِأَيِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: هُوَ ذَا عِرْقٌ، فَلَوْ كُوِيَ، ذَهَبَ، فَبَرَأَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: وَلا يُذْهِبْهُ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ عُمَرُ: أَلْبِسُوهَا ثَوْبًا، وَشُقُّوا عَلَيْهَا الْمَوْضِعَ الَّذِي يُرِيدُ، وَعَالِجْهَا. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، فِي الْمَرْأَةِ تَنْكَسِرُ فَخْذُهَا، وَلا يَجِدُونَ امْرَأَةً تُجَبِّرُهَا، قَالَ: يُجَبِّرُهَا رَجُلٌ، وَيُسْتَرُ مَا سِوَى ذَلِكَ. وَسُئِلَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ الْمَرْأَةِ بِرَأْسِهَا سِلْعَةٌ، قَالَ: يُخْرَقُ مِنْ خِمَارِهَا قَدْرُ السِّلْعَةِ، ثُمَّ يُدَاوِيهَا الرِّجَالُ. وَمِثْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ فِي مُدَاوَاةِ جُرْحِ الْمَرْأَةِ. بَابُ تَبْرِيدِ الْحُمَّى بِالْمَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ».

3236 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا يَحْيَى، نَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ 3237 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ، " أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ، دَعَتْ بِمَاءٍ صَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَنْبَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يأْمُرُنَا أَنْ نُبَرِّدَهَا بِالْمَاءِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ

باب المداواة بالعود الهندي وهو القسط

بَابُ الْمُدَاوَاةِ بِالْعُودِ الْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْقَسْطُ 3238 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ، قَالَتْ: " دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَعْلَقْتُ عَنْهُ مِنَ الْعُذْرَةِ، فَقَالَ: عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلادَكُنَّ بِهَذَا الْعِلاقِ؟ عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ ". فَسَمعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: بَيَّنَ لَنَا اثْنَيْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا خَمْسَةً. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأُمُّ قَيْسٍ بِنْتِ مُحْصِنٍ الأَسَدِيَّةُ، أَسَدُ خُزَيْمَةَ، وَهِيَ أُخْتُ عُكَاشَةَ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالإِعْلاقُ: مُعَالَجَةُ عُذْرَةَ الصَّبِيِّ، وَرَفْعُهَا بِالإِصْبَعِ، وَالدَّغْرُ مِثْلُهُ،

وَهُوَ غَمْزُ الْحَلْقِ. وَالْعُذْرَةُ: وَجَعٌ يَهِيجُ فِي الْحَلْقِ مِنَ الدَّمِ، فَإِذَا عُولِجَ مِنْهُ صَاحِبُهُ، يُقَالُ: عَذَرْتُهُ، فَهُوَ مَعْذُورٌ. وَقَوْلُهُ: «أَعْلَقْتَ عَنْهُ»، أَيْ: رَفَعْتَ عَنْهُ الْعُذْرَةَ بِالإِصْبَعِ، وَالْعُلُقُ: الدَّوَاهِي، وَالْعُلُقُ: الْمَنَايَا، وَالْعُلُقُ: الأَشْغَالُ. وَيُرْوَى: «قَدْ أَعْلَقَتْ عَلَيْهِ»، وَمَعْنَاهُ أَيْضًا: عَنْهُ. وَقَدْ يَجِيءُ «عَلَى» بِمَعْنَى: «عَنْ»، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2]، أَيْ: عَنِ النَّاسِ. وَالْعُودُ الْهِنْدِيُّ: هُوَ الْقِسْطُ الْبَحَرِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ: الْحِجَامَةُ، وَالْقَسْطُ الْبَحْرِيُّ لِصِبْيَانِكُمْ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَلا تُعَذِّبُوهُمْ بِالْغَمْزِ ". وَيُقَالُ لَهُ: الْكُسْتُ، كَمَا يُقَالُ: كَافُورٌ وَقَافُورٌ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: وَإِذَا السَّمَاءُ قُشِطَتْ، بِالْقَافِ. وَالسَّعُوطُ: مَا يُجْعَلُ فِي الأَنْفِ، وَالْوَجُورُ: مَا يُصَبُّ فِي وَسَطِ الْفَمِ، وَذَاتِ الْجُنُبِ: هِيَ الدُّبَيْلَةُ، وَهِيَ قُرْحَةٌ قَبِيحَةٌ تَثْقُبُ الْبَطْنَ، وَاللَّدُودُ: مَا يُصَبُّ فِي أَحَدِ شِقَّيِ الْفَمِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أُخِذَ مِنْ لَدِيدِي الْوَادِي، وَهُمَا جَانِبَاهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرِّجَالِ: هُوَ يَتَلَدَّدُ: إِذَا الْتَفَتَ مِنْ جَانِبَيْهِ يَمِينًا وَشِمَالا، يُقَالُ: لَدَدْتُهُ، أَلُدُّهُ: إِذَا سَقَيْتُهُ ذَلِكَ.

باب اللدود والسعوط والمشي

بَابُ اللَّدُودِ وَالسَّعُوطِ وَالْمَشْيِ 3239 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْميربندكشائي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ هَارُونَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ «خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ اللَّدُودُ، وَالسَّعُوطُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالْمشي». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْمَشْيُ: الدَّوَاءُ الْمُسْهِلُ، يُقَالُ: شَرِبْتُ مَشْيًا، وَمَشَوْا، يَعْنِي: دَوَاءَ الْمَشْيِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْحُقْنَةَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلِهِ، وَكَرِهَهَا مُجَاهِدٌ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ كَانَ يَحْتَقِنُ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْحُقْنَةِ بَأْسًا بَابُ الرُّقْيةِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهَا وَتَعْلِيقِ التَّمَائِمِ 3240 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ

يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ أَخِي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْنَبَ، قَالَتْ: " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا جَاءَ مِنْ حَاجَةٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَنْزِلَ، تَنَحْنَحَ، وَبَزَقَ، لِيُعْلِمَنَا مَخَافَةَ أَنْ يَهْجُمَ مِنَّا عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ، وَإِنَّهُ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَعِنْدِي عَجُوزٌ تَرْقِي مِنَ الْحُمْرَةِ، قَالَتْ: فَلَمَّا جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ، تَنَحْنَحَ، قَالَتْ: فَأَدْخَلْتُهَا تَحْتَ السَّرِيرِ، قَالَتْ: فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ مَعِي عَلَى السَّرِيرِ، قَالَتْ: فَرَأَى فِي عُنُقِي خَيْطًا، فَقَالَ: مَا هَذَا الْخَيْطُ؟ فَقُلْتُ: خَيْطٌ رُقِيَ لِي فِيهِ، قَالَتْ: فَأَخَذَهُ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتُمْ آلُ عَبْدِ اللَّهِ لأَغْنِيَاءُ عَنِ الشِّرْكِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ تَقُولُ هَكَذَا؟ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلانٍ الْيَهُودِيِّ، فَإِذَا رَقَاهَا، سَكَنَتْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا ذَلِكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ، كَانَ يَنْخَسُهَا بِيَدِهِ، فَإِذَا رُقِيَ فِيهَا، كَفَّ عَنْهَا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ، أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا "

التَّمَائِمُ: جَمْعُ التَّمِيمَةِ، وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلادِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ بِزَعْمِهِمْ، فَأَبْطَلَهَا الشَّرْعُ، وَيُقَالُ: التَّمِيمَةُ: قِلادَةٌ يُعَلَّقُ فِيهَا الْعُودُ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «قَطَعَ التَّمِيمَةَ مِنْ عُنُقِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ». وَرُوِيَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ دُمْلُجٌ مِنْ صِفْرٍ، فَقَالَ: مَا شَأْنُ هَذَا؟ قَالَ: جَعَلْتُهُ مِنَ الْوَاهِنَةِ، فَقَالَ عِمْرَانُ: فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُكَ إِلا وَهْنًا. وَقَالَ حَمَّادٌ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَكْرَهُ كُلَّ شَيْءٍ يُعَلَّقُ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، وَيَقُولُ: هُوَ مِنَ التَّمَائِمِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلاءِ، وَلَكِنَّ التَّمِيمَةَ مَا عُلِّقَ قَبْلَ نُزُولِ الْبَلاءِ، لِيَدْفَعَ بِهِ مَقَادِيرَ اللَّهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يُعَدُّ مِنَ التَّمَائِمِ مَا يُكْتَبُ مِنَ الْقُرْآنِ. وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنِ الصُّحُفِ الصِّغَارِ يَكْتُبُ فِيهِ الْقُرْآنُ، فَيُعَلَّقُ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا جُعِلَ فِي كِيرٍ مِنْ وَرَقٍ، أَوْ حَدِيدٍ، أَوْ يُخَرَّزُ عَلَيْهِ. وَالتِّوَلَةُ: ضَرْبٌ مِنَ السِّحْرِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: وَهُوَ الَّذِي يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إِلَى زَوْجِهَا، وَهُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ. فَأَمَّا التُّوَلَةُ بِضَمِّ التَّاءِ: فَهُوَ الدَّاهِيَةُ.

قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَادَ بِقُرَيْشٍ التِّوَلَةَ، يَعْنِي: الدَّاهِيَةَ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّشْرَةِ؟ فَقَالَ: «هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ». وَالنُّشْرَةُ: ضَرْبٌ مِنَ الرُّقْيَةِ يُعَالَجُ بِهَا مِنْ كَانَ يَظُنُّ بِهِ مَسَّ الْجِنِّ، سُمِّيَتْ نُشْرَةً، لأَنَّهُ يُنْشَرُ بِهَا عَنْهُ، أَيْ: يُحَلُّ عَنْهُ مَا خَامَرَهُ مِنَ الدَّاءِ، وَكَرِهَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ. وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: النُّشْرَةُ مِنَ السِّحْرِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا بَأْسَ بِهَا. وَقَالَ الإِمَامُ: وَالْمَنْهِيُّ مِنَ الرُّقَى مَا كَانَ فِيهِ شِرْكٌ، أَوْ كَانَ يُذْكَرُ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، أَوْ مَا كَانَ مِنْهَا بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ، وَلا يُدْرَى مَا هُوَ، وَلَعَلَّهُ يَدْخُلُهُ سِحْرٌ، أَوْ كُفْرٌ، فَأَمَّا مَا كَانَ بِالْقُرْآنِ، وَبِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ». وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي رَقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى غَنَمٍ: «مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا رُقَيَّةٌ؟ أَحْسَنْتُمْ، اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ»، وَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ «. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنِ،» أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ

مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ ". وَقَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ». وَرُوِيَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ». 3241 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الشَّرِيحِيُّ، أَنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الْكِنْدِيُّ الصَّيْرَفِيُّ، بِالْكُوفَةِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ الأَشْجَعِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَقَّارِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيَرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اكْتَوَى، أَوِ اسْتَرْقَى، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِكيْمٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إِلَيْهِ»

باب ما رخص فيه من الرقى

بَابُ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنَ الرُّقَى 3242 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَمَرَنِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَمَرَ أَنْ نَسْتَرْقِيَ مِنَ الْعَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ 3243 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ، " أَنَّ أسَمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَنِي

جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمُ الْعَيْنُ، أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَضَاءَ، لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3244 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ، وَالْحُمَّةِ، وَالنَّمْلَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا رُقْيَةَ إِلا مِنْ عَيْنٍ، أَوْ حُمَّةٍ». وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيُ جَوَازِ الرُّقْيَةِ فِي غَيْرِهِمَا، بَلْ تَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي جَمِيعِ الأَوْجَاعِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: لَا رُقْيَةَ أَوْلَى وَأَنْفَعَ مِنْهُمَا. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهِيَ عِنْدَ حَفْصَةٍ: «

أَلا تَعْلَمِينَ هَذِهِ رُقْيَةُ النَّمْلَةِ، كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ». وَالْمُرَادُ مِنَ الْحُمَّةِ سُمُّ ذَوَاتِ السُّمُومِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ اسْتَرْقَى مِنَ الْعَقْرَبِ». وَالنَّمْلَةِ: قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبِ، وَقَدْ تَخْرُجُ فِي غَيْرِ الْجَنْبِ، فَتُرْقَى، فَتَذْهَبُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالنُّمْلَةُ بِضَمِّ النُّونِ: النَّمِيمَةُ، يُقَالُ لِلنَّمَّامِ: نَمِلٌ. وَصَحَّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً، فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: «اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ». قَوْلُهُ: سَفْعَةٌ، أَيْ: نَظْرَةٌ، يَعْنِي: مِنَ الْجِنِّ، وَقِيلَ: عَلامَةٌ. وَأَرَادَ بِالنَّظْرَةِ: الْعَيْنَ، يَقُولُ: بِهَا عَيْنٌ أَصَابَتْهَا مِنْ نَظَرِ الْجِنِّ، وَقِيلَ: عُيُونُ الْجِنِّ أَنْفَذُ مِنْ أَسِنَّةِ الرِّمَاحِ. 3245 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو

إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: " رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ، قَالَ: فَلُبِطَ سَهْلٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَلْ لَكَ فِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ؟ فَقَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا؟ فَقَالُوا: نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيَعَةَ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا، فَتَغَلَّظَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، أَلا بَرَّكْتَ، اغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ لَهُ عَامِرٌ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ، وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ، فَرَاحَ مَعَ النَّاسِ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ". وَرَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَفِي رِوَايَتِهِ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تَوَضَّأْ لَهُ». فَتَوَضَّأَ لَهُ. وَقَوْلُهُ: فَلُبِطَ، أَيْ صُرِعَ، يُقَالُ: لُبِطَ بِالرَّجُلِ، فَهُوَ مَلْبُوطٌ

3246 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ، لَسَبقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَغْسِلْ». هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مُرْسَلا، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: " كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ، فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ قَالَ الزُّهْرِيُّ: يُؤْتَى الرَّجُلُ الْعَائِنُ بِقَدَحٍ، فَيُدْخِلُ كَفَّهُ فِيهِ، فَيُمَضْمِضُ، ثُمَّ يَمُجُّهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَصُبُّ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ عَلَى مِرْفَقِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَصُبُّ عَلَى مِرْفَقِهِ الأَيْسَرِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ عَلَى قَدَمِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَصُبُّ عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَصُبُّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَغْسِلُ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، وَلا يُوضَعُ الْقَدَحُ

فِي الأَرْضِ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَى رَأْسِ الرَّجُلِ الَّذِي أُصِيبَ بِالْعَيْنِ مِنْ خَلْفِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً. وَاخْتَلَفُوا فِي غُسْلِ دَاخِلَةِ الإِزَارِ، ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمَذَاكِيرِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى الأَفْخَاذِ وَالْوَرِكِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا أَرَادَ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، طَرَفَ إِزَارِهِ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ، مِمَّا يَلِي جَانِبَ الأَيْمَنِ، فَهُوَ الَّذِي يُغْسَلُ، قَالَ: وَلا أَعْلَمُهُ إِلا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ هَكَذَا. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ رُئِيَ فِيكُمُ الْمُغَرِّبُونَ؟ قُلْتُ: وَمَا الْمُغَرِّبُونَ؟ قَالَ: الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْجِنُّ ". قِيلَ: سُمُّوا مُغَرِّبِينَ، لأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِمْ عِرْقٌ غَرِيبٌ، وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى صَبِيًّا مَلِيحًا، فَقَالَ: دَسِّمُوا نُونَتَهُ كَيْلا تُصِيبَهُ الْعَيْنُ. وَمَعْنَى دَسِّمُوا، أَيْ: سَوِّدُوا، وَالنُّونَةُ: الثُّقْبَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ذَقَنِ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ. وَرُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ، أَوْ دَخَلَ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِهِ، قَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ". وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى بَأْسًا أَنْ يُعَوَّذَ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ يُعَالَجَ بِهِ الْمَرِيضُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ وَيَغْسِلَهُ، وَيَسْقِيَهُ الْمَرِيضَ. وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَكْتُبَ لامْرَأَةٍ تَعَسَّرُ عَلَيْهَا وِلادَتُهَا، آيَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ وَكَلِمَاتٍ، ثُمَّ يُغْسَلَ وَتُسْقَى. وَقَالَ أَيُّوبُ: رَأَيْتُ أَبَا قِلابَةَ كَتَبَ كِتَابًا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءٍ، وَسَقَاهُ رَجُلا كَانَ بِهِ وَجَعٌ. يَعْنِي: الْجُنُونَ.

باب ما يكره من الطيرة واستحباب الفأل

بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الطِّيَرَةِ وَاسْتِحْبَابِ الْفَأْلِ 3247 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: وَقَالَ عَفَّانُ: نَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، نَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَلا هَامَةَ، وَلا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3248 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا عَدْوَى، وَلا صَفَرَ، وَلا هَامَةَ، قَالَ: فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: فَمَا بَالُ الإِبِلِ

تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟ ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَحَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلي مُصحٍّ»، قَالَ: فَرَاجَعَهُ الرَّجُلُ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ حَدَّثْتَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا عَدْوَى، وَلا صَفَرَ، وَلا هَامَةَ». فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أُحَدِّثْكُمُوهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: قَدْ حَدَّثَ بِهِ، وَمَا سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَا كِلا الْحَدِيثَيْنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا عَدْوَى»، فَلا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَمْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الآخَرَ. قَوْلُهُ: «لَا يورِدُ مُمْرَضٌ عَلَى مُصِحٍّ»، فَالْمُمْرَضُ: الَّذِي مَرِضَتْ

مَاشِيَتُهُ، وَالْمُصِحُّ: صَاحِبُ الصِّحَاحُ مِنْهَا، كَمَا يُقَالُ: مُضْعِفٌ لِمَنْ ضَعُفَتْ دَوَابُّهُ، وَمُقْوٍ لِمَنْ كَانَتْ دَوَابُّهُ أَقْوِيَاءَ. قَالَ الْخَطَابِيُّ: وَلَيْسَ الْمَعْنَى فِي النَّهْيِ أَنَّ الْمَرِيضَ يُعْدِي، وَلَكِنَّ الصِّحَاحَ إِذَا مَرِضْتَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَقَعَ فِي نَفْسِ صَاحِبِهَا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ قَبْلِ الْعَدْوَى، فَيَفْتِنُهُ، وَيُشَكِّكُهُ فِي أَمْرِهِ، فَأَمَرَهُ بِاجْتِنَابِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَحْمِلُ هَذَا، عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلْمَخَافَةِ عَلَى الصَّحِيحَةِ مِنْ ذَاتِ الْعَاهَةِ، وَهَذَا شَرُّ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، لأَنَّهُ رُخْصَةٌ فِي التَّطَيُّرِ، وَكَيْفَ لَا يَنْهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا التَّطَيُّرِ، وَهُوَ يَقُولُ: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ»، وَلَكِنَّ وَجْهَهُ عِنْدِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ يَنْزِلَ بِهَذِهِ الصِّحَاحِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا يَنْزِلُ بِتِلْكَ، فَيَظُنُّ الْمُصِحُّ أَنَّ تِلْكَ أَعْدَتْهَا، فَيَأْثَمُ. قَالَ الإِمَامُ: الْعَدْوَى أَنْ يَكُونَ بِبَعِيرٍ جَرَبٌ، أَوْ بِإِنْسَانِ بَرَصٌ، أَوْ جُذَامٌ، فَتَتَّقِي مُخَالَطَتَهُ حَذَرًا أَنْ يَعْدُوَ مَا بِهِ إِلَيْكَ، وَيُصِيبَكَ مَا أَصَابَهُ. فَقَوْلُهُ: «لَا عَدْوَى» يُرِيدُ أَنَّ شَيْئًا لَا يُعْدِي شَيْئًا بِطَبْعِهِ، إِنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَابِقِ قَضَائِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِلأَعْرَابِيِّ: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ»، يُرِيدُ أَنَّ أَوَّلَ بَعِيرٍ جَرِبٍ مِنْهَا، كَانَ جَرَبُهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، لَا بِالْعَدْوَى، فَكَذَلِكَ مَا ظَهَرَ بِسَائِرِ الإِبِلِ مِنْ بَعْدُ. 3249 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِيهِ أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النُّقْبَةَ تَكُونُ

بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، أَوْ بِذَنَبِهِ فِي الإِبِلِ الْعَظِيمَةِ، فَتَجْرَبُ كُلُّهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا أَجْرَبَ الأَوَّلَ " وَالنُّقْبَةُ: أَوَّلُ الْجَرَبِ حِينَ يَبْدُو، وَجَمْعُهَا نُقُبٌ. وَالطِّيَرَةُ: مَعْنَاهَا التَّشَاؤُمُ، يُقَالُ: تَطَيَّرَ الرَّجُلُ طِيرَةً، كَمَا يُقَالُ: تَخَيَّرْتُ الشَّيْءَ خِيرَةً، وَلَمْ تَجِئِ الْمَصَادِرُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ غَيْرَهُمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} [يس: 18]، أَيْ: تَشَاءَمْنَا، {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس: 19]، أَيْ: شُؤْمُكُمْ. وَقَوْلُهُ: {طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [الْأَعْرَاف: 131]، أَيْ: حَقُّهُمُ الْمَكْتُوبُ لَهُمْ، وَطَائِرُ الإِنْسَانِ: مَا طَارَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا قُدِّرَ لَهُ، وَأُخِذَتِ الطِّيَرَةُ مِنَ اسْمِ الطَّيْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَطَيَّرُ بِبُرُوحِ الطَّيْرِ وَسُنُوحِهَا فَيَصُدُّهُمْ ذَلِكَ عَمَّا يَمَّمُوهُ مِنْ مَقَاصِدِهِمْ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ مِنْهَا تَأْثِيرٌ فِي اجْتِلابِ نَفْعٍ، أَوْ ضُرٍّ، وَيُقَالُ: الطِّيَرَةُ أَنْ يَخْرُجَ لأَمْرٍ، فَإِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ مَضَى، وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ انْصَرَفَ، فَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ مِنْ مَحْبُوبِ ذَلِكَ وَمَكْرُوهِهِ، فَلَيْسَ بِطِيَرَةٍ، إِذَا مَضَى لِحَاجَتِهِ، وَتَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ مَضَيْتَ فَمُتَوَكِّلٌ، وَإِنْ نَكَصْتَ فَمُتَطَيِّرٌ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا تَضُرُّ الطِّيَرَةُ إِلا مِنْ تَطَيَّرَ. وَقَوْلُهُ: «وَلا هَامَةَ» فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ عِظَامَ الْمَوْتَى تَصِيرُ هَامَةً، فَتَطِيرُ، فَيَقُولُونَ: لَا يُدْفَنُ مَيِّتٌ إِلا وَيَخْرُجُ مِنْ قَبْرِهِ

هَامَةٌ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ ذَلِكَ الصَّدَى، وَمِنْ ذَلِكَ تَطَيُّرُ الْعَامَّةِ بِصَوْتِ الْهَامَةِ، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: «وَلا صَفَرَ» مَعْنَاهُ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ: الصَّفَرُ حَيَّةٌ تَكُونُ فِي الْبَطْنِ تُصِيبُ الإِنْسَانَ وَالْمَاشِيَةَ، تُؤْذِيهِ إِذَا جَاعَ، وَهِيَ أَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ أَنَّهَا تَعْدِي، وَقِيلَ فِي الصَّفَرِ: إِنَّهُ تَأْخِيرُهُمْ تَحْرِيمَ الْمُحْرِمِ إِلَى صَفَرٍ، وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَشْئِمُونَ بِصَفَرٍ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» قَالَ الإِمَامُ: لَعَلَّهُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»، وَقِيلَ: هُوَ رُخْصَةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْتَنِبَ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الطَّاعُونِ: «إِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ فَلا تُقَدِّمُوا عَلَيْهِ»، فَمَنْ لَمْ يَحْتَرِزْ عَنْهُ مُتَوَكِّلا، فَحَسَنٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، «أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ». وَقِيلَ: إِنَّ الْجُذَامَ عِلَّةٌ لَهَا رَائِحَةٌ تُسْقِمُ مَنْ أَطَالَ مُجَالَسَةِ صَاحِبِهَا، وَمُؤَاكَلَتِهِ، لاشْتِمَامِ تِلْكَ الرَّائِحَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُضَاجِعُ الْمَجْذُومَ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، فَرُبَّمَا تُجْذَمُ مِنَ الأَذَى الَّذِي يُصِيبُهَا، وَقَدْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي النَّسْلِ، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ الْجَرِبُ يُخَالِطُ الإِبِلَ وَيُحَاكُّهَا، فَيَصِلُ إِلَيْهَا بَعْضُ مَا يَسِيلُ مِنْ جَرَبِهِ، فَيَظْهَرُ عَلَيْهَا أَثَرٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْوَى، بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ الطِّبِّ، كَمَا أَنَّ أَكْلَ مَا يُعَافِهِ الإِنْسَانُ، وَاشْتِمَامَ مَا يَكْرَهُ رِيحَهُ، وَالْمَقَامَ فِي بَلَدٍ لَا يُوَافِقُ هَوَاهُ طَبْعُهُ يَضُرُّهُ، وَمَا يُوَافِقُهُ يَنْفَعُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ

جَلَّ ذِكْرُهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 102]. 3250 - أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " قَدِمَ عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ، مَجْذُومٌ لِيُبَايِعَهُ، فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ائْتِهِ فَأَخْبِرْهُ، فَإِنِّي قَدْ بَايَعْتُهُ، فَلْيَرْجِعْ «. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَوَى يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ،» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ، فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ، وَقَالَ: كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلا عَلَيْهِ ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قَالَ أَبُو عِيسَى: لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، وَالْمُفَضَّلُ هَذَا شَيْخٌ بَصْرِيٌّ، وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ شَيْخٌ آخَرُ مِصْرِيٌّ أَوْثَقُ مِنْ هَذَا وَأَشْهَرُ. وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ عُمَرَ أَخذ بِيَدِ مجْذِومٍ، وَحَدِيثُ شُعْبَةَ عِنْدِي أَشْبَهُ وَأَصَحُّ.

قَالَ الإِمَامُ: وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الأَجْذَمِ. 3251 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَلا غُولَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ. قَوْلُهُ: «وَلا غَوْلَ» لَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْغَوْلِ كَوْنًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ الْغِيلانَ تَظْهَرُ لِلنَّاسِ فِي الْفَلَوَاتِ فِي الصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَتُضِلُّهُمْ وَتُهْلِكُهُمْ، وَيُقَالُ: تَغَوَّلَ تَغَوُّلا، أَيْ: تَلَوَّنَ فَأَخْبَرَ الشَّرْعُ أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الإِضْلالِ وَالإِهْلاكِ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلانُ، فَبَادِرُوا بِالأَذَانِ»، وَيُقَالُ: إِنَّ الْغِيلانَ سَحَرَةُ الْجِنِّ، تَسْحَرُ النَّاسَ، وَتَفْتِنُهُمْ

بِالإِضْلالِ عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْغَوْلُ وَالْغُولُ يَقَعَانِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ، أَحَدُهُمَا: الْبُعْدُ، وَالآخَرُ: الإِهْلاكُ، فَالْغَوْلُ: الْمَصْدَرُ، وَالْغُولُ: الاسْمُ. 3252 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِي، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا عَدْوَى، وَلا هَامَةَ، وَلا نَوْءَ، وَلا صَفَرَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ. قَوْلُهُ: «لَا نَوْءَ» أَرَادَ بِهِ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَنْسِبُ الْمَطَرَ إِلَى أَنْوَاءِ الْكَوَاكِبِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ، وَتَقُولُ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ أَنْ يَكُونَ بِنَوْءِ النُّجُومِ شَيْءٌ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ، كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: " مِنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ " 3253 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ،

عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ: الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَن مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ 3254 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَفَاءَلُ، وَلا يَتَطَيَّرُ، كَانَ يُحِبُّ الاسْمَ الْحَسَنَ» الْفَأْلُ مَهْمُوزٌ: وَجَمْعُهُ فُئُولٌ، وَالْفَأْلُ قَدْ يَكُونُ فِيمَا يَحْسُنُ وَيَسُوءُ، وَالطَّيَرَةُ لَا تَكُونُ إِلا فِيمَا يَسُوءُ، وَإِنَّمَا أَحَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَأْلَ، لأَنَّ فِيهِ رَجَاءُ الْخَيْرِ وَالْعَائِدَةُ، وَرَجَاءُ الْخَيْرِ أَحْسَنُ بِالإِنْسَانِ مِنَ الْيَأْسِ وَقَطْعِ الرَّجَاءِ عَنِ الْخَيْرِ. 3255 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ،

عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، عَنْ أَبِي يَمَانٍ. حُكِيَ عَنِ الأَصْمَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَوْنٍ عَنِ الْفَأْلِ؟ قَالَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا، فَيَسْمَعُ يَا سَالِمُ، أَوْ يَكُونُ طَالِبًا، فَيَسْمَعُ يَا وَاجِدُ قَالَ الإِمَامُ وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " كَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَنْ يَسْمَعَ: يَا رَاشِدُ، يَا نَجِيحُ «. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ، فَإِذَا بَعَثَ عَامِلا يَسْأَلُ عَنِ اسْمِهِ، فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ، فَرِحَ بِهِ، وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً، سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا، فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا، فَرِحَ بِهَا، وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا، رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ".

وَيَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ يَخْتَارَ لِوَلَدِهِ وَخَدَمِهِ الأَسْمَاءَ الْحَسَنَةَ، فَإِنَّ الأَسْمَاءَ الْمَكْرُوهَةَ قَدْ تَوَافَقَ الْقَدَرُ، رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لِرَجُلٍ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: جَمْرَةٌ، قَالَ: ابْنُ مِنْ؟ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: مِمَّنْ، قَالَ: مِنَ الْحُرَقَةِ، قَالَ: أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قَالَ: بِحَرَّةِ النَّارِ، قَالَ: بِأَيِّهَا؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى، فَقَالَ عُمَرُ: أَدْرِكْ أَهْلَكَ، فَقَدِ احْتَرَقُوا، فَكَانَ كَمَا قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. 3256 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَوْفٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ حَيَّانَ، عَنْ قَطَنِ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْعِيَافَةُ، وَالطَّرْقُ، وَالطِّيَرَةُ مِنَ الْجِبْتِ». وَأَرَادَ بِالْعِيَافَةِ: زَجْرَ الطَّيْرِ. وَالطَّرْقُ: هُوَ الضَّرْبُ بِالْحَصَى، وَأَصْلُ الطَّرْقِ: الضَّرْبُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مِطْرَقَةُ الصَّائِغِ وَالْحَدَّادِ، لأَنَّهُ يَطْرِقُ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ، وَالطَّارِقُ: الْكَاهِنُ 3257 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ

بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، أَنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِيسَى الأَسَدِيِّ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْكِ، وَمَا مِنَّا إِلا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ» قَوْلُهُ: «وَمَا مِنَّا إِلا» مَعْنَاهُ: إِلا وَقَدْ يَعْتَرِيهِ التَّطَيُّرُ، وَيَسْبِقُ إِلَى قَلْبِهِ الْكَرَاهِيَةُ فِيهِ، فَحَذَفَهُ اخْتِصَارًا، وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: قَوْلُهُ: «مَا مِنَّا» لَيْسَ قَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «لَا هَامَةَ، وَلا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَإِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ، فَفِي الْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ، وَالدَّارِ». فَقَدْ قِيلَ: وَإِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ، أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْخُرُوجِ مِنْ كَلامٍ إِلَى غَيْرِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ كَانَ لأَحَدِكُمْ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا، أَوِ امْرَأَةٌ يُكْرَهُ صُحْبَتَهَا، أَوْ فَرَسٌ لَا يُعْجِبُهُ. فَلْيُفَارِقْهَا بِأَنْ يَنْتَقِلَ عَنِ الدَّارِ، وَيُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ، وَيَبِيعَ الْفَرَسَ حَتَّى يَزُولَ

باب الكهانة

عَنْهُ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكَرَاهِيَةِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا، وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ قَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا وَأَمْوَالُنَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «ذَرُوهَا ذَمِيمَةً». فَأَمَرَهُمْ بِالتَّحَوُّلِ عَنْهَا، لأَنَّهُمْ كَانُوا فِيهَا عَلَى اسْتِثْقَالٍ لِظِلِّهَا، وَاسْتِيحَاشٍ، فَأَمَرَهُمْ بِالانْتِقَالِ لِيَزُولَ عَنْهَا مَا يَجِدُونَ مِنَ الْكَرَاهِيَةِ، لَا أَنَّهَا سَبَبٌ فِي ذَلِكَ. بَابُ الْكَهَانَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النِّسَاء: 51]، قَالَ عُمَر: الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ، وَقَالَ جَابِرٌ: الطَّوَاغِيتُ كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، كَانَ فِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْجِبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: شَيْطَانٌ، وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ، وَقِيلَ: الْجِبْتُ:

كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. 3258 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْكُهَّانَ قَدْ كانُوا يُحَدِّثُونَنَا بِالشَّيْءِ، فَيَكُونَ حَقًّا، قَالَ: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقْذِفُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، فَيَزِيدُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَوْلُهُ: «يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ» أَيْ: يَأْخُذُهَا وَيَسْتَلِبُهَا بُسُرْعَةٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ

وَتَعَالَى: {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10]، أَيِ: اسْتَرَقَ السَّمْعَ بِسُرْعَةٍ 3259 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ السُّكَّرِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّارُ، نَا أَبْوُ بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: " قَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ؟ قَالَ: ذَلِكَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَلا يَصُدَّنَّكُمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَأْتُونَ الْكُهَّانَ؟ قَالَ: فَلا تَأْتُوهُمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ؟ قَالَ: خَطَّ نَبيٌّ، فَمَنْ وَافَقَ عِلْمَهُ عَلِمَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَوْلُهُ فِي الطِّيَرَةِ: «ذَلِكَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي أَنْفُسِكُمْ» يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ يُوجَدُ فِي النُّفُوسِ مِنَ الْبَشَرِيَّةِ، وَمَا يَعْتَرِي الإِنْسَانُ مِنْ قِبَلِ الظُّنُونِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ مِنْ جِهَةِ الطِّبَاعِ، أَوْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ. قَالَ الإِمَامُ: وَفِعْلُ الْكَهَانَةِ بَاطِلٌ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

وَقَالَ قَتَادَةُ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، «مِنْ أَتَى كَاهِنًا فَسَأَلَهُ وَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبِعِينَ لَيْلَةً». فَالْكَاهِنُ: هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الأَسْرَارِ، وَمُطَالَعَةَ عِلْمَ الْغَيْبِ، وَكَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ مَعْرِفَةَ الأُمُورِ، فَمِنْهُمْ مِنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَئِيسًا مِنَ الْجِنِّ، وَتَابِعةً تَلْقِي إِلَيْهِ الأَخْبَارَ، وَمِنْهُمْ مِنْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَدْرِكُ الأُمُورَ بِفَهْمٍ أُعْطِيهِ. وَالْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعِهَا، كَالْمَسْرُوقِ مِنَ الَّذِي سَرَقَهَا، وَمَعْرِفَةُ مَكَانِ الضَّالَّةِ، وَتُتَّهَمُ الْمَرْأَةُ بِالزِّنَى، فَيَقُولُ: مِنْ صَاحِبِهَا؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ. وَمِنْهُمْ مِنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ».

قَالَ الإِمَامُ: وَالْمَنْهِيُّ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ مَا يَدَّعِيهِ أَهْلُهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، مِثْلَ إِخْبَارِهِمْ بِوَقْتِ هُبُوبِ الرِّيَاحِ، وَمَجِيءِ الْمَطَرِ، وَوُقُوعِ الثَّلْجِ، وَظُهُورِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَتَغَيُّرِ الأَسْعَارِ وَنَحْوِهَا، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَسْتَدْرِكُونَ مَعْرِفَتِهَا بِسَيْرِ الْكَوَاكِبِ، وَاجْتِمَاعِهَا وَافْتِرَاقِهَا، وَهَذَا عِلْمٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لُقْمَان: 34]، فَأَمَّا مَا يُدْرَكُ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الزَّوَالُ، وَجِهَةُ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الْأَنْعَام: 97]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النَّحْل: 16]، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ النُّجُومَ طُرُقٌ لِمَعْرِفَةِ الأَوْقَاتِ وَالْمَسَالِكِ، وَلَوْلاهَا لَمْ يَهْتَدِ النَّائِي عَنِ الْكَعْبَةِ إِلَى اسْتِقْبَالِهَا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنَ النُّجُومِ مَا تَعْرِفُونَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَالطَّرِيقَ، ثُمَّ أَمْسِكُوا». وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْمٍ يَكْتُبُونَ أَبَاجَادٍ، وَيَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ، قَالَ: مَا أَرَى مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلاقٍ. قَوْلُهُ: «وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْخَطُّ الَّذِي يَخُطُّهُ الْحَازِي، وَهُوَ عَلْمٌ قَدْ تَرَكَهُ النَّاسُ، قَالَ: يَأْتِي صَاحِبُ الْحَاجَةِ إِلَى الْحَازِي، فَيُعْطِيهِ حُلْوَانًا، فَيَقُولُ لَهُ: اقْعُدْ حَتَّى أَخُطَّ لَكَ، وَبَيْنَ

باب السحر

يَدَيِ الْحَازِي غُلامٌ مَعَهُ مَيْلٌ، فَيَأْمُرُهُ الْحَازِي أَنْ يَخُطَّ خُطُوطًا كَثِيرَةً عَلَى رَمْلٍ، أَوْ تُرَابٍ فِي خِفَّةٍ وَعَجَلَةٍ لِئَلا يَلْحَقَهَا الْعَدَدُ وَالإِحْصَاءُ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ، فَيَمْحُوهَا خَطَّيْنِ خَطَّيْنِ عَلَى مَهْلٍ، وَهُوَ يَقُولُ: ابْنَيْ عَيَانٍ أَسْرِعَا الْبَيَانَ. ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى آخِرِ مَا يَبْقَى مِنْهَا، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا خَطَّانِ، فَهُوَ عَلامَةُ النَّجَاحِ، وَإِنْ بَقِيَ خَطٌّ وَاحِدٌ، فَهُوَ دَلِيلُ الْخَيْبَةِ وَالْحِرْمَانِ. وَقَوْلُهُ: «فَمَنْ وَافَقَ عِلْمُهُ عِلْمَ»، وَيُرْوَى «فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ»، قَالَ الْخطابِيُّ: فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: الزَّجْرُ عَنْهُ، إِذْ كَانَ مِنْ بَعْدِهِ لَا يُوَافِقُ خَطَّهُ، وَلا يَنَالُ حَظَّهُ مِنَ الصَّوَابِ، لأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ آيَةً لِذَلِكَ النَّبِيِّ، وَعِلْمًا لِنُبُوَّتِهِ، فَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدِهِ أَنْ يَتَعَاطَاهُ طَمَعًا فِي نَيْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: إِنَّ قَوْمًا يَحْسَبُونَ بِأَبِي جَاد، وَيَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ، وَمَا أَرَى لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلاقٍ. بَابُ السِّحْرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا

يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [الْبَقَرَة: 102]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4]، وَالنَّفَّاثَاتُ: السَّوَاحِرُ تَنْفِثُ، أَيْ: تَتْفُلُ بِلا رِيقٍ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66]، أَيْ: يُشَبَّهُ، وَالتَّخَايِيلُ: كُلُّ مَا لَا أَصْلَ لَهُ. 3260 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُبَّ حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ صَنَعَ شَيْئًا، وَمَا صَنَعَهُ، وَأَنَّهُ دَعَا رَبَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: جَاءَنِي رَجُلانِ، فَجَلَسَ أَحَدهُما عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ: عِنْدَ رِجْلِي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ الآخَرُ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ:

فِي مَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذَرْوَانَ، وذَرْوَانُ بِئْرٌ فِي بَنِي زُرَيْقٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلا أَخْرَجْتُهُ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا، فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أَنَّ أثير عَلَيَّ النَّاسَ مِنْهُ شَرًّا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، نَحْوُهُ، وَزَادَ فِيهِ: " إِنَّ الْمَلَكَيْنِ قَالَا لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى الْبِئْرِ، فَاسْتَخْرِجْ مِنْهَا سِحْرًا، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَإِذَا بِئْرٌ مَاؤُهَا كَثِيرُ الْخَنَافِسِ، فَاسْتَخْرَجَ السِّحْرَ، فَبرأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَوْلُهَا: «طُبَّ» أَيْ: سُحِرَ، وَيُقَالُ: رَجُلٌ مَطْبُوبٌ، أَيْ: مَسْحُورٌ، كُنِيَ بِالطِّبِّ الَّذِي هُوَ لِلْعِلاجِ عَنِ السِّحْرِ، كَمَا كُنِيَ بِالسَّلِيمِ عَنِ اللَّدِيغِ تَطَيُّرًا مِنَ اللَّدْغِ إِلَى السَّلامَةِ، وَكُنِيَ عَنِ الْفَلاةِ،

وَهِيَ الْمُهْلِكَةُ بِالْمَفَازَةِ، تَطَيُّرًا مِنَ الْهَلاكِ إِلَى الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الأَضْدَادِ، يُقَالُ لِعِلاجِ الدَّاءِ: طُبَّ، وَلِلسِّحْرِ: طُبَّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَدْوَاءِ. وَالْمُشَاطَةُ: الشَّعْرُ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ عِنْدَ التَّسْرِيحِ بِالْمِشْطِ. وَيُرْوَى فِي مِشْطٍ وَمُشَاقَةٍ مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ وَالْجُفُّ: وَعَاءُ الطَّلْعِ، وَيُرْوَى: وَجُبَّ طَلْعَةِ ذِكْرٍ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: يُقَالُ لِوِعَاءِ الطَّلْعِ: جُفٌّ وَجُبٌّ مَعًا، يُقَالُ: أَرَادَ بِالْجُبِّ دَاخِلَهَا، كَمَا يُقَالُ لِدَاخِلَةِ الرَّكِيَّةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى أَسْفَلِهَا جُبٌّ. وَيُرْوَى: «تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ»، وَالرَّاعُوفَةُ: صَخْرَةٌ تُتْرَكُ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ إِذَا احْتُفِرَتْ نَاتِئَةٌ يَجْلِسُ عَلَيْهَا مَنْ يُنَقِّي الْبِئْرَ، وَكَذَلِكَ الرَّاعُوثَةُ. وَقَوْلُهُ: «كَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» أَيْ: أَنَّهَا مُسْتَدَقَّةٌ كَرُءُوسِ الْحَيَّاتِ، وَالْحَيَّةُ يُقَالُ لَهَا: الشَّيْطَانُ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهَا وحشةُ الْمَنْظَرِ، قَبِيحَةُ الأَشْكَالِ، كَأَنَّهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ الْمُشَوَّهَةُ الْخَلْقِ، الْهَائِلَةُ لِلنَّاظِرِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ أَنْكَرَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الطَّبَائِعِ السِّحْرَ، وَأَبْطَلُوا حَقِيقَتَهُ، وَدَفَعَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَلامِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالُوا: لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُؤَثِّرَ ذَلِكَ فِيمَا يُوحَى إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ، فَيَكُونَ فِيهِ ضَلالُ الأُمَّةِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ السِّحْرَ ثَابِتٌ، وَحَقِيقَتُهُ مَوْجُودَةٌ، اتَّفَقَ أَكْثَرُ الأُمَمِ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْفُرْسِ، وَالْهِنْدِ، وَبَعْضِ الرُّومِ عَلَى إِثْبَاتِهِ، وَهَؤُلاءِ أَفْضَلُ سُكَّانِ أَهْلِ الأَرْضِ، وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا وَحِكْمَةً، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [الْبَقَرَة: 102]، وَأَمَرَ بِالاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4]، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارٌ لَا يُنْكِرُهَا إِلا مِنْ أَنْكَرَ الْعِيَانَ وَالضَّرُورَةَ، وَفَرَّعَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمِ السَّاحِرِ مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَمَا لَا أَصْلَ لَهُ لَا يَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغُ فِي الشُّهْرَةِ وَالاسْتِفَاضَةِ، فَنَفْيُ السِّحْرِ جَهْلٌ، وَالرَّدُّ عَلَى مِنْ نَفَاهُ لَغْوٌ وَفَضْلٌ. فَأَمَّا مَا زَعَمُوا مِنْ دُخُولِ الضَّرَرِ فِي الشَّرْعِ بِإِثْبَاتِهِ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ، لأَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا يَعْمَلُ فِي أَبْدَانِهِمْ وَهُمْ بَشَرٌ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعِلَلِ وَالأَمْرَاضِ مَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ تَأْثِيرُ السِّحْرِ فِي أَبْدَانِهِمْ بِأَكْثَرَ مِنَ الْقَتْلِ، وَتَأْثِيرِ السُّمِّ، وَعَوَارِضِ الأَسْقَامِ فِيهِمْ، وَقَدْ قَتَلَ زَكَرِيَّا وَابْنَهُ، وَسُمَّ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ. فَأَمَّا أَمْرُ الدِّينِ، فَإِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ فِيمَا بَعَثَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ، وَأَرْصَدَهُمْ لَهُ، وَهُوَ جَلَّ ذِكْرُهُ حَافِظٌ لِدِينِهِ، وَحَارِسٌ لِوَحْيِهِ أَنْ يَلْحَقَهُ فَسَادٌ أَوْ تَبْدِيلٌ، وَإِنَّمَا كَانَ خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ خُصُوصًا، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [الْبَقَرَة: 102]، فَلا ضَرَرَ إِذَا يَلْحَقُهُ فِيمَا لَحِقَهُ مِنَ السِّحْرِ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَشَرِيعَتِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالسِّحْرُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يَفْعَلُهُ فِي الإِنْسَانِ بِنَفْثِهِ، وَنَفْخِهِ، وَهَمْزِهِ، وَوَسْوَسَتِهِ، وَيَتَلَقَّاهُ السَّاحِرُ بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ، وَمَعُونَتِهِ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَلَقَّاهُ عَنْهُ، اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ بِالْقَوْلِ وَالنَّفْثِ فِي الْعُقَدِ، وَلِلكَّلامِ تَأْثِيرٌ فِي الطِّبَاعِ وَالنُّفُوسِ، وَلِذَلِكَ صَارَ الإِنْسَانُ إِذَا سَمِعَ مَا كَرِهَ يَحْمَى وَيَغْضَبُ، وَرُبَّمَا حُمَّ مِنْهُ، وَقَدْ مَاتَ قَوْمٌ بِكَلامٍ سَمِعُوهُ، وَبِقَوْلٍ امْتَعَضُوا مِنْهُ، وَلَوْلا طُولُ الْكِتَابِ لَذَكَرْنَاهُمْ. هَذَا كَلامُ الْخَطَّابِيِّ فِي كِتَابِهِ. 3261 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أنَّها أَعْتَقَتْ جَارِيَةً لَهَا عَنْ دُبُرٍ مِنْهَا، ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ مَرِضَتْ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا سِنْدِيٌّ، فَقَالَ: إِنَّكِ مَطْبُوبَةٌ، فَقَالَتْ: مَنْ طَبَّنِي؟ قَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ نَعْتِهَا كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَالَ فِي حَجْرِهَا صَبِيٌّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ادْعُوا لِي فُلانَةً لِجَارِيَةٍ لَهَا تَخْدُمُهَا، فَوَجَدُوهَا فِي بَيْتِ جِيرَانٍ لَهَا، فِي حَجْرِهَا صَبِيٌّ قَدْ بَالَ، فَقَالَتْ: حَتَّى أَغْسِلَ بَوْلَ هَذَا الصَّبِيِّ، فَغَسَلَتْهُ: ثُمَّ جَاءَتْ، فَقَالَت لَهَا عَائِشَةُ: أَسَحَرْتِينِي؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: لِمَ؟ قَالَتْ: أَحْبَبْتُ الْعِتْقَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: واللَّهِ لَا تَعْتِقِي أَبَدًا، فَأَمَرَتِ ابْنَ أَخِيهَا أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ الأَعْرَابِ مِمَّنْ يُسِيءُ مَلَكَتَهَا، ثُمَّ ابْتَعْ بِثَمَنِهَا رَقَبَةً حَتَّى أعْتَقَهَا، فَفَعَلَتْ ". قَالَتْ عَمْرَةُ: فَلَبِثَتْ عَائِشَةَ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ إِنَّهَا رَأَتْ فِي النَّوْمِ أَنِ اغْتَسِلِي مِنْ ثَلاثِ أَبْؤُرٍ يَمُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِنَّكِ تُشْفَيْنَ، فَاغْتَسَلَتْ، فَشُفِيَتْ. وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: هَلْ عَلِيَّ حَرَجٌ أَنْ

أُقَيِّدَ جَمَلِي؟ قَالَتْ: قَيِّدِي جَمَلَكِ، قَالَتْ: فَأَحْبِسُ عَلِيَّ زَوْجِي؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَخْرِجُوا عَنِّي السَّاحِرَةَ، فَأَخْرَجُوهَا. وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعَائِشَةَ: أَؤُخِّذُ جَمَلِي، وَمَعْنَاهُ هَذَا، يُقَالُ: أَخَذَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا تَأْخِيذًا، إِذَا حَبَسَتْهُ عَنْ سَائِرِ النِّسَاءِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي الرَّجُلِ يُؤْخَذُ عَنِ امْرَأَتِهِ؟ قَالَ: «اتَّئِدُوا لَمْ تَنْهُوا عَمَّا يَنْفَعُكُمْ، إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ». قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: رَجُلُ بِهِ طِبٌّ أَيُحَلُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ». وَعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ، وَالْمَسْحُورُ مَنْ يُطْلِقُ عَنْهُ

باب قتل الحيات

بَابُ قَتْلِ الْحَيَّاتِ 3262 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ، وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ، وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ». فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْتُلُ حَيَّةً، فَقِيلَ لَهُ: نُهِيَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 3263 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ، وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا تُسْقِطَانِ الْحَبَلَ، وَتَطْمِسَانِ الْبَصَرَ». قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَأَى أَبُو لُبَابَةَ، أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً، فَنَهَانِي، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِهِنَّ، قَالَ: «إِنَّهُ

قَدْ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ». قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَهُنَّ الْعَوَامِرُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لأَقْتُلُهَا، فَنَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ: لَا تَقْتُلْهَا، فَقُلْتُ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ، فَقَالَ: إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ ". وَهُنَّ الْعَوَامِرُ أَرَادَ بِذِي الطُّفْيَتَيْنِ: الْحَيَّةُ الَّتِي فِي ظَهْرِهَا خَطَّانُ، وَالطُّفْيَةُ: خَوْصُ الْمُقْلِ، وَهِيَ وَرَقَةٌ، وَجَمْعُهَا طُفِيٌّ، فَشَبَّهَ الْخَطَّيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى ظَهْرِهِ بِخَوْصَتَيْنِ مِنْ خُوصِ الْمُقْلِ، وَهُوَ شَرُّ الْحَيَّاتِ فِيمَا يُقَالُ. وَالأَبْتَرُ: الْقَصِيرُ الذَّنَبِ، وَالْبَتُرُ: شِرَارُ الْحَيَّاتِ. وَقَوْلُهُ: «إِنَّهُمَا تَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ» أَيْ: تَخْطَفَانِهِ وَتَطْمِسَانِهِ، وَذَلِكَ لِخَاصِيَّةٍ فِي طِبَاعِهِمَا إِذَا وَقَعَ بَصَرُهَا عَلَى بَصَرِ الإِنْسَانِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمَا تَقْصِدَانِ الْبَصَرَ بِاللَّسْعِ وَالنَّهْسِ، وَالأَوَّلُ أَوْلَى، لأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ صَرِيحًا أَنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلِ، يُرِيدُ أَنَّهَا إِذَا لَحَظَتِ الْحَامِلَ، أَسْقَطَتْ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، «نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَانِ الْبُيُوتِ». يُقَالُ: إِنَّ الْجِنَانَ، هَذِهِ

الْحَيَّاتُ، الْبِيضُ الطِّوَالُ، وَقُلْ مَا يَضُرُّ شَيْئًا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «اقْتُلُوا الْحَيَّاتَ كُلَّهَا، إِلا الْجَانَّ الأَبْيَضَ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبُ فِضَّةٍ». 3264 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَيْفِيٍّ، مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: " دَخَلْتُ عَلى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بَيْتَهُ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا حَيَّةٌ، فَقُمْتُ لأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ، فَقَالَ: تَرَى هذَا الْبَيْتَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ، قَالَ: فَكَانَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُهُ بِأَنْصَافِ النَّهارِ يَرْجِعُ إِلَى أَهَلِهِ، فَاسْتَأْذَنَ يَوْمًا، فَقَالَ: خُذْ سِلاحَكَ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلاحَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ، فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَتِهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَهَيَّأَ لَهَا الرُّمْحَ لِيَطْعَنَهَا بِهِ، وَأَصَابَتْهُ الْغَيْرَةُ، فَقَالَتِ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ حَتَّى تَرَى مَا فِي بَيْتِكَ، فَدَخَلَ، فَإِذَا حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ مُنْطَوِيَةٌ عَلَى

فِرَاشِهِ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ، فَانْتَظَمَهَا فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ، فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ، فَاضْطَرَبَتِ الْحَيَّةُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ، وَخَرَّ الْفَتى صَرِيعًا، فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا، الْفَتَى، أَمِ الْحَيَّةُ؟ قَالَ: فَجِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَقُلْنَا: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يحيه، قَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِنْ رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَآذِنُوهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قَالَ أَبُو لَيْلَى: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا ظَهَرَتِ الْحَيَّةُ فِي الْمَسْكَنِ، فَقُولُوا لَهَا: إِنَّا نَسْأَلُكَ بِعَهْدِ نُوحٍ، وَبِعَهْدِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ أَلا تُؤْذِينَا، فَإِنْ عَادَتْ، فَاقْتُلُوهَا «. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، إِلا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ يَرْفَعُهُ» الْجِنُّ ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلابٌ، وَصِنْفٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ ". 3265 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلا رَفَعَ الْحَدِيثَ أَنهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ، وَقَالَ: «مَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَةً، أَوْ مَخَافَةَ ثَائِرٍ، فَلَيْسَ مِنَّا»، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْجَانَّ مَسْخُ الْجِنِّ، كَمَا مُسِخَتِ الْقِرَدَةُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ الإِمَامُ: وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ «مِنْ خَشِيَ إِرْبَهُنَّ فَلَيْسَ مِنَّا»، وَالإِرْبُ: الدَّهَاءُ، مَعْنَاهُ: مِنْ خَشِيَ غَائِلَتَهُنَّ، وَجَبُنَ عَنِ الإِقْدَامِ عَلَى قَتْلِهِنَّ لِلَّذِي قِيلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: إِنَّهَا تُخَيِّلُ قَاتِلَهَا، فَقَدْ فَارَقَنَا، وَخَالَفَ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَزَادَ مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي الْحَدِيثِ «مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ»، وَرُفِعَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ.

باب قتل الوزغ

بَابُ قَتْلِ الْوَزَغِ 3266 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّحَّاكِيُّ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سخْتَوَيْهِ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَيْشِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُعَدَّلُ الصَّفَّارُ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، نَا يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً لِدُونِ الأَوَّلِ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً لِدُونِ الثَّانِيَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى. وَرَوَاهُ جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، وَقَالَ: مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ، كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ 3267 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ

باب قتل الذر

بْنُ مُوسَى، أَوِ ابْنِ سَلامٍ عَنْهُ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ، قَالَ: وَكَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ". وَقَالَ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْوَزَغِ، وَيَقُولُ: هُوَ شَيْطَانٌ " بَابُ قَتْلِ الذَّرِّ 3268 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَزَلَ نَبِيُّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجِهَازِهَا فأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ فِي النَّارِ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ: فَهَلا نَمْلةً وَاحِدَةً ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ، أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ» وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ، وَالنَّحْلَةِ، وَالْهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ، أَمَّا النَّمْلُ، فَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ مِنْهَا، وَهِيَ الطُّوَالُ الأَرْجُلِ، فَلا يَجُوزُ قَتْلُهَا، فَأَمَّا الصِّغَارُ الْمُؤْذِيَةُ، فَدَفَعَ عَادِيَتَهَا بِالْقَتْلِ جَائِزٌ وَيُكْرَهُ التَّحْرِيقُ بِالنَّارِ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيقُ بُيُوتِ الزَّنَابِيرِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ»، وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: النَّمْلُ مَا كَانَ لَهَا قَوَائِمُ، وَأَمَّا الصِّغَارُ فَهِيَ الذَّرُّ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ، «أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ؟ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا».

باب الديك

بَابُ الدِّيكِ 3269 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: " لَعَنَ رَجُلٌ دِيكًا صَاحَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَلْعَنْهُ، فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلاةِ " 3270 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَاجِشُونِيُّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّ الدِّيكِ، وَقَالَ: إِنَّهُ يُؤَذِّنُ للِصَّلاةِ ". وَيُرْوَى: «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ، فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ»

باب قتل الفأرة

بَابُ قَتْلِ الْفَأْرَةِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مِنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالإِحْرَامِ: الْفَأْرَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَّأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ". 3271 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَقدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَإِنِّي لَا أَرَاهَا إِلا الْفَأْرَ، إِذا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ، لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاةِ، شَرِبَتْ»، فَحَدَّثْتُ كَعْبًا، فَقَالَ: أَأَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ لِي مِرَارًا، فَقُلْتُ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟!. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ

عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَقَالَ هِشَامٌ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «الْفَأْرَةُ مَسْخٌ وَآيَةُ ذَلِكَ»، بِمَعْنَاهُ

31 - كتاب الرؤيا

31 - كِتَابُ الرُّؤْيَا بَابُ تَحْقِيقِ الرُّؤْيَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102]. 3272 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقُولُ: " لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [

يُونُس: 64]، قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ، أَوْ تُرَى لَهُ». وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا 3273 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَوْلُهُ: «جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ» أَرَادَ تَحْقِيقَ أَمْرِ الرُّؤْيَا وَتَأْكِيدِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فِي حَقِّ الأَنْبِيَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ. قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَقَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102]، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ

باب من رأى شيئا يكرهه

أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، وَعِلْمُ النُّبُوَّةِ بَاقٍ، وَالنُّبُوَّةُ غَيْرُ بَاقِيَةٍ، أَوِ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ كَالنُّبُوَّةِ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «الْهَدْيُ الصَّالِحُ، وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ، وَالاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةِ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» أَيْ: هَذِهِ الْخِصَالُ فِي الْحَسَنِ وَالاسْتِحْبَابِ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ فَضَائِلِهِمْ، فَاقْتَدُوا فِيهَا بِهِمْ، لَا أَنَّهَا حَقِيقَةُ نُبُوَّةٍ، لأَنَّ النُّبُوَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ، وَلا نُبُوَّةَ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ، وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ، الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ». وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ: «جُزْءٌ مِنْ سِتَّةِ وَأَرْبَعِينَ» إِنَّ مُدَّةَ وَحْيِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِينِ بُدِئَ إِلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا، كَانَ ثَلاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْهَا فِي أَوَّلِ الأَمْرِ، يُوحَى إِلَيْهِ فِي النَّوْمِ، وَهُوَ نِصْفُ سِنَةٍ، فَكَانَتْ مُدَّةُ وَحْيِهِ فِي النَّوْمِ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ جُمْلَةِ أَيَّامِ الْوَحْيِ. بَابُ مِنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ 3274 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ

أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ إِذَا اسْتَيْقَظَ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَلُ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا كُنْتُ أُبَالِيهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ 3275 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا تَهُمُّنِي حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ أَرَى

الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ إِلا مَنْ يُحبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ، وَلْيَتْفُلْ عَلى يَسَارِهِ، وَلْيَتَعوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَمِنْ شَرِّ مَا رَأَى، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلادٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ 3276 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رُؤْيَا الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». وَقَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَخَافُهُ، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَسْتعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ». صَحِيحٌ

قَوْلُهُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ» يُرِيدُ: بِشَارَةً مِنَ اللَّهِ لِيُحْسِنَ بِهِ ظَنَّهُ، وَيَشْكُرُهُ عَلَيْهَا. وَأَرَادَ بِالْحَلَمِ: الرُّؤْيَا الْكَاذِبَةَ، يُرِيهَا الشَّيْطَانُ لِيُحْزِنَهُ بِسُوءِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ، وَلِذَلِكَ أُمِرَ بِأَنْ يَبْصِقَ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْهُ، كَأَنَّهُ يَقْصُدُ بِهِ طَرْدَهُ وَإِخْزَاءَهُ. قَوْلُهُ: «فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا» يُقَالُ: حَلَمَ، يَحْلُمُ، حُلْمًا، إِذَا رَأَى فِي مَنَامِهِ شَيْئًا، وَحَلُمَ بِضَمِّ اللَّامِ، يَحْلُمُ حُلْمًا: إِذَا تَوَقَّرَ فَلَمْ يَخَفْ بِسَمَاعِ مَا يَكْرَهُ، وَحِلْمَ الأَدِيمِ بِكَسْرِ اللَّامِ، يَحْلَمُ: إِذَا فَسَدَ قَبْلَ الدِّبَاغِ. 3277 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي آمُرُكُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ الْقُرْآنُ، وَأَنْهَاكُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآمُرُكُمْ

باب أقسام الرؤيا

بِاتِّبَاعِ الْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ، وَالتَّفَهُّمِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا فَقَصَّهَا عَلَى أَخِيهِ، فَلْيَقُلْ: خَيْرًا لَنَا، وَشَرًّا لأَعْدَائِنَا. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَى الرَّجُلُ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلائِكَةُ اللَّهِ وَرُسُلِهِ مِنْ شَرِّ رُؤْيَايَ اللَّيْلَةُ أَنْ تَضُرَّنِي فِي دِينِي، أَوْ دُنْيَايَ يَا رَحْمَانُ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: اتَّقِ اللَّهَ فِي الْيَقَظَةِ، وَلا تُبَالِ مَا رَأَيْتَ فِي النَّوْمِ. بَابُ أَقْسَامِ الرُّؤْيَا 3278 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورْبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ، لَمْ تَكَدْ رُؤيَا المُؤمِنِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا، وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: رُؤْيَا بُشْرَى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا مِنْ تَحْزِينِ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ، وَلْيَقُمْ وَلْيُصَلِّ، وَالْقَيْدُ فِي الْمَنَامِ ثَبَاتٌ فِي

الدِّينِ، وَالْغُلُّ أَكْرَهُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَرَوَاهُ قَتَادَةُ أَيْضًا، وَأَدْرَجَ الْكُلَّ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ عَوْفٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ: «الرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ» مِنْ قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ إِلَى آخِرِهِ، وَأَدْرَجَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، الْكُلَّ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ: وَأُحِبُّ الْقَيْدَ، وَأَكْرَهُ الْغُلَّ، وَالْقَيْدُ ثَابِتٌ فِي الدِّينِ، فَلا أَدْرِي هُوَ فِي الْحَدِيثِ، أَمْ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ. وَجَعَلَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ 3279 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا، وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: الرُّؤيَا الْحَسَنَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ

عَزَّ وَجَلَّ، وَالرُّؤْيَا يُحَدِّثُ الرَّجُلُ بِهَا نَفْسَهُ، وَالرُّؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، وَلْيَقُمْ، فَلْيُصَلِّ ". قَالَ أَبو هُرَيْرَةَ: يُعْجِبُنِي الْقَيْدُ، وَأَكْرَهُ الْغُلَّ، الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَرَوَى أَكْثَرُ الرُّوَاةِ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ، أَوْ إِذَا تَقَارَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنُ تَكْذِبُ»، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ قُرْبَ زَمَانِ السَّاعَةِ وَدُنُوِّ وَقْتِهَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذَا وَلَّى وَأَدْبَرَ: تَقَارَبَ يُقَالُ: تَقَارَبَتْ إِبِلُ فُلانٍ: إِذَا قَلَّتْ وَأَدْبَرَتْ، وَيُقَالُ لِلْقَصِيرِ: مُتَقَارِبٌ، وَقِيلَ: مَعْنَى اقْتِرَابِ الزَّمَانِ: اعْتِدَالُهُ حِينَ يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. وَالْمُعَبِّرُونَ يَقُولُونَ: أَصْدَقُ الرُّؤْيَا فِي وَقْتِ الرَّبِيعِ، أَوِ الْخَرِيفِ عِنْدَ خُرُوجِ الثِّمَارِ وَعِنْدَ إِدْرَاكُهَا، وَهُمَا وَقْتَانِ يَتَقَارَبُ فِيهِمَا الزَّمَانُ، وَيَعْتَدِلُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. قَالُوا: وَرُؤْيَا اللَّيْلِ أَقْوَى مِنْ رُؤْيَا النَّهَارِ، وَأَصْدَقُ سَاعَاتِ الرُّؤْيَا وَقْتُ السَّحَرِ. رُوِيَ عَنْ

أَبِي الْهَيْثَمِ، عَن أَبِي سَعِيدٍ، يَرْفَعُهُ قَالَ: «أَصْدَقُ الرُّؤْيَا بِالأَسْحَارِ». وَقَوْلُهُ: «الرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ» فِيهِ بَيَانٌ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَرَاهُ الإِنْسَانُ فِي مَنَامِهِ يَكُونُ صَحِيحًا، وَيَجُوزُ تَعْبِيرُهُ، إِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْهَا مَا كَانَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَأْتِيكَ بِهِ مَلَكُ الرُّؤْيَا مِنْ نُسْخَةِ أُمِّ الْكِتَابِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ لَا تَأْوِيلَ لَهَا. وَهِيَ عَلَى أَنْوَاعٍ قَدْ يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ يَلْعَبُ بِالإِنْسَانِ، أَوْ يُرِيهِ مَا يُحْزِنُهُ، وَلَهُ مَكَايِدٌ يُحْزِنُ بِهَا بَنِي آدَمَ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10]، وَمِنْ لَعِبِ الشَّيْطَانِ بِهِ الاحْتِلامُ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَلا يَكُونُ لَهُ تَأْوِيلٌ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، كَمَنْ يَكُونُ فِي أَمْرٍ، أَوْ حِرْفَةٍ يَرَى نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ الأَمْرِ، وَالْعَاشِقُ يَرَى مَعْشُوقَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مِزَاجِ الطَّبِيعَةِ، كَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ يَرَى الْفَصْدَ، وَالْحِجَامَةَ، وَالرِّعَافِ، وَالْحُمْرَةَ، وَالرَّيَاحِينَ، وَالْمَزَامِيرَ وَالنَّشَاطِ وَنَحْوَهَا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ طَبِيعَةُ الصَّفْرَاءِ يَرَى النَّارَ، وَالشَّمْعَ، وَالسِّرَاجَ، وَالأَشْيَاءَ

الصُّفْرَ، وَالطَّيَرَانَ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوَهَا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ السَّوْدَاءُ، يَرَى الظُّلْمَةَ وَالسَّوَادَ، وَالأَشْيَاءَ السُّودَ، وَصَيْدَ الْوُحُوشِ، وَالأَهْوَالِ، وَالأَمْوَاتِ، وَالْقُبُورَ، وَالْمَوَاضِعَ الْخَرِبَةَ، وَكَوْنُهُ فِي مَضِيقٍ لَا مَنْفَذَ لَهُ، أَوْ تَحْتَ ثِقَلٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْبَلْغَمُ، يَرَى الْبَيَاضَ، وَالْمِيَاهَ، وَالأَنْدَاءَ، وَالثَّلْجَ، وَالْجَمَدَ، وَالْوَحْلَ وَنَحْوَهَا، فَلا تَأْوِيلَ لِشَيْءٍ مِنْهَا. 3280 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ الْبَارِحَةَ كَأَنَّ عُنُقِي ضُرِبَتْ، فَسَقَطَ رَأْسِي، فاتَّبَعْتُهُ، فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ أَعَدْتُهُ مَكَانَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ، فَلا يُحَدِّثَنَّ بِهِ النَّاسَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الأَشَجِّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ الإِمَامُ: قَوْلُهُ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ»، وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ إِلا مَنْ يُحِبُّ» فِيهِ إِرْشَادُ الْمُسْتَعْبِرِ لِمَوْضِعِ رُؤْيَاهُ، فَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ حَتَّى لَا يَسْتَقْبِلَهُ فِي تَفْسِيرِهَا مَا يَزْدَادُ بِهِ هَمًّا، وَإِنْ

رَأَى مَا يُحِبُّهُ، فَلا يُحَدِّثْ بِهِ إِلا مَنْ يُحِبُّهُ، لأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِمَّنْ لَا يُحِبُّهُ أَنْ يُعَبِّرْهُ حَسَدًا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، فَيَغُمُّهُ، أَوْ يُكِيدُهُ بِأَمْرٍ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ قَصَّ عَلَيْهِ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ رُؤْيَاهُ: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يُوسُف: 5]. 3281 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ عَدَسٍ، عَنْ أَبي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ، أَوْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ، فَإِذَا حُدِّثَ بِهَا، وَقَعَتْ»، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: «لَا يُحَدِّثُ إِلا حَبِيبًا، أَوْ لَبِيبًا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

3282 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ورمويهِ، نَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: «الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ، وَقَعَتْ». قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: «وَلا يَقُصُّهَا إِلا عَلَى وَادٍّ، أَوْ ذِي رَأْيٍ، وَالرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: «لَا يَقُصُّهَا إِلا عَلَى وَادٍّ، أَوْ ذِي رَأْيٍ» الْوَادُّ لَا يُحِبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَكَ فِي تَفْسِيرِهَا إِلا بِمَا تُحِبُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْعِبَارَةِ، لَمْ يَعْجَلْ لَكَ بِمَا يَغُمُّكَ، وَأَمَّا ذُو الرَّأْيِ، فَمَعْنَاهُ ذُو الْعِلْمِ بِعِبَارَتِهَا، فَهُوَ يُخْبِرُكَ بِحَقِيقَةِ تَفْسِيرِهَا، أَوْ بِأَقْرَبِ مَا يَعْلَمُ مِنْهَا، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ فِي تَفْسِيرِهَا مَوْعِظَةً تَرْدَعُكَ عَنْ قَبِيحٍ أَنْتَ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ فِيهَا بُشْرَى، فَتَشْكُرُ اللَّهَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: «وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ» وَذَلِكَ لأَنَّ الْقَيْدَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ عَنِ النُّهُوضِ وَالتَّقَلُّبِ، كَذَلِكَ الْوَرَعُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنَ النُّهُوضِ وَالتَّقَلُّبِ فِيمَا لَا يُوَافِقُ الدِّينَ، وَهَذَا إِذَا كَانَ مُقَيَّدًا فِي مَسْجِدٍ، أَوْ فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ

الْخَيْرِ، أَوْ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، فَإِنْ رَآهُ مُسَافِرٌ، فَهُوَ إِقَامَةٌ عَنِ السَّفَرِ، وَكَذَلِكَ إِذَا رَأَى دَابَّتَهُ مُقَيَّدَةً، فَإِنْ رَآهُ مَرِيضٌ، أَوْ مَحْبُوسٌ، طَالَ مَرَضُهُ وَحَبْسُهُ، أَوْ مَكْرُوبٌ طَالَ كَرْبُهُ. وَرَوَى أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، مُرْسَلا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرُّؤْيَا تَقَعُ عَلَى مَا عُبِّرَ، وَمَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَفَعَ رِجْلَهُ، فَهُوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَضَعُهَا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا، فَلا يُحَدِّثُ بِهَا إِلا نَاصِحًا، أَوْ عَالِمًا». وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَعْشَبْتُ، ثُمَّ أَجْدَبْتُ، ثُمَّ أَعْشَبْتُ، ثُمَّ أَجْدَبْتُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ رَجُلٌ تُؤْمِنُ، ثُمَّ تَكْفُرُ، ثُمَّ تُؤْمِنُ، ثُمَّ تَكْفُرُ، ثُمَّ تَمُوتُ كَافِرًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ قُضِيَ لَكَ مَا قُضِيَ لِصَاحِبِ يُوسُفَ. وَالْغُلُّ: كُفْرٌ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [الْمَائِدَة: 64]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا} [يس: 8]، وَقَدْ يَكُونُ بُخْلا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الْإِسْرَاء: 29]، وَقَدْ يَكُونُ كَفًّا عَنِ الْمَعَاصِي إِذَا كَانَ فِي الرُّؤْيَا مَا يَدُلُّ عَلَى الصَّلاحِ، بِأَنْ يَرَى ذَلِكَ لِرَجُلٍ صَالِحٍ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ، فَرَأَى سَلْمَانَ لأَبِي بَكْرٍ رُؤْيَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَخِي، مَا لَكَ قَدْ أَعْرَضْتَ عَنِّي؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ يَدَيْكَ قَدْ جُمِعَتَا إِلَى عُنُقِكَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، جُمِعَتْ يَدَايَ عَنِ الشَّرِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

باب أقسام تأويل الرؤيا

بَابُ أَقْسَامِ تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا 3283 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الأَطْرَابُلُسِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ، يُحَدَّثُ " أَنَّ رَجُلا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ ظُلَّةً يَنْطِفُ مِنْهَا السَّمْنُ وَالْعَسَلُ، وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، فَأَرَاكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذْتَ بِهِ، فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَعَلا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَعَلا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَانْقَطَعَ بِهِ، ثُمَّ وُصِلَ لَهُ، فَعَلا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَلأَعْبُرْهَا. فَقَالَ: اعْبُرْهَا. فَقَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَظُلَّةُ الإِسْلامِ، وَأَمَّا مَا يَنْطِفُ مِنَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَهُوَ القُرْآنُ لينهُ وَحَلاوَتُهُ،

وَأَمَّا الْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ، فَهُوَ الْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالْمُسْتَقِلُّ مِنْهُ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأْخُذُ بِهِ، فَيُعْلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ بَعْدَكَ رَجُلٌ آخَرُ، فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ آخَرُ بَعْدَهُ، فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَهُ، فَيُقْطَعُ بِهِ، ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ، فَيَعْلُو. أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، لَتُحَدِّثَنِّي أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ: أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا. قَالَ: أَقْسَمْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَتُحَدِّثَنِّي مَا الَّذِي أَخْطَأْتُ؟ فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُقْسِمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَن يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ». وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَن سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَكَانَ مَعْمَرٌ يَقُولُ أَحْيَانًا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،

وَأَحْيَانًا: عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي أَرَى اللَّيْلَةَ». قَوْلُهُ: «إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ»، يُقَالُ مَا بَيْنَ الصُّبْحِ إِلَى الظُّهْرِ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ، وَبَعْدَ الظُّهْرِ إِلَى اللَّيْلِ: رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ. وَالظُّلَّةُ: كُلُّ مَا أَظَلَّكَ مِنْ فَوْقِكَ، وَأَرَادَ بِالظُّلَّةِ هَهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: سَحَابَةٌ يَنْطِفُ مِنْهَا، أَيْ: يَقْطُرُ مِنْهَا السَّمْنُ وَالْعَسَلُ، وَالنِّطْفُ: الْقَطْرُ، وَيُقَالُ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ: نُطْفَةٌ، وَلِلْقَلِيلِ: نُطْفَةٌ. وَقَوْلُهُ: يَتَكَفَّفُونَ، أَيْ: يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَكُفِّهِمْ وَيَأْخُذُونَهُ، يُقَالُ: تَكَفَّفَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ، وَاسْتَكَفَّهُ: إِذَا مَدَّ كَفَّهُ فَتَنَاوَلَ بِهَا، وَالسَّبَبُ: الْحَبْلُ، وَالْوَاصِلُ بِمَعْنَى الْوُصُولِ، سُمِّيَ الْحَبْلُ سَبَبًا، لأَنَّهُ يُوَصِّلُهُ إِلَى الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الْكَهْف: 84]، أَيْ: عِلْمًا يُوَصِّلُهُ إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ. وَقَوْلُهُ: «تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابِ» أَيِ: الْوَصَلاتِ وَالْمَوَدَّاتِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «كُلُّ سَبَبٍ يَنْقَطِعُ إِلا سَبَبِي». وَفِي قَوْلِهِ لأَبِي بَكْرٍ: «لَا تُقْسِمْ» وَلَمْ يُخْبِرْهُ عَنْ مَسْأَلَتِهِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلُ أَقْسَمْتُ لَا يَكُونُ يَمِينًا حَتَّى يَقُولُ: أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، لأَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَوْ كَانَ يَمِينًا، لأَشْبَهُ أَنْ يَبَرَّهُ

النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالإِخْبَارِ عَنْ مَسْأَلَتِهِ، لأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَمَرَ بِإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ: «أَقْسَمْتُ» يَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يَصِلْهُ بِاسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، لَكَانَ لَا يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْسِمْ». وَالأَمْرُ بِإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ خَاصٌّ فِيمَا يَجُوزُ وَيَتَيَسَّرُ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: «أَصَبْتَ بَعْضًا، وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا»، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ الإِصَابَةَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الرُّؤْيَا، وَالْخَطَأَ فِي بَعْضِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: أَرَادَ بِالإِصَابَةِ: مَا تَأَوَّلَهُ فِي عِبَارَةِ الرُّؤْيَا، فَقَدْ خَرَجَ الأَمْرُ عَلَى وِفَاقِ قَوْلِهِ، وَأَرَادَ بِالْخَطَأِ: مَسْأَلَتُهُ الإِذْنَ لَهُ فِي تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، وَمُبَادَرَتِهِ إِلَى الْجَوَابِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُعَبِّرُهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الإِمَام: تَأْوِيلُ جُمْلَةِ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَى مَا عَبَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهَذِهِ الرُّؤْيَا تَشْتَمِلُ عَلَى أَشْيَاءَ، إِذَا انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَنْ صَاحِبِهِ، انْصَرَفَ تَأْوِيلُهُ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ، فَإِنَّ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا يَتَغَيَّرُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.

فَالسَّحَابُ فِي التَّأْوِيلِ حِكْمَةٌ، فَمَنْ رَكِبَ السَّحَابَ وَلَمْ يَهُلْهُ، عَلا فِي الْحِكْمَةِ، فَإِنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا، أَصَابَ حِكْمَةً، وَإِنْ خَالَطَ وَلَمْ يُصِبْ شَيْئًا، خَالَطَ الْحُكَمَاءَ، فَإِنْ كَانَ فِي السَّحَابِ سَوَادٌ، أَوْ ظُلْمَةٌ، أَوْ رِيَاحٌ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَيْئَةِ الْعَذَابِ، فَهُوَ حِينَئِذٍ عَذَابٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَيْثٌ، فَهُوَ رَحْمَةٌ. وَالسَّمْنُ وَالْعَسَلُ قَدْ يَكُونُ مَالا فِي التَّأْوِيلِ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: رَأَيْت كَأَنِّي أَلْعَقُ عَسَلا مِنْ جَامٍ مِنْ جَوْهَرٍ. فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَعَاوِدِ الْقُرْآنَ، فَإِنَّكَ قَرَأْتَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ نَسِيتَهُ. وَالْعُلُوُّ إِلَى السَّمَاءِ رِفْعَةٌ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مَرْيَم: 57]، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ قَدْ صَعِدَ السَّمَاءَ فَدَخَلَهَا، نَالَ شَرَفًا وَذِكْرًا، وَنَالَ الشَّهَادَةَ. وَالطَّيَرَانَ فِي الْهَوَاءِ عَرْضًا: سَفَرٌ وَنَيْلُ شَرَفٍ، فَإِنْ طَارَ مُصْعَدًا، أَصَابَهُ ضُرٌّ عَاجِلٌ، فَإِنْ بَلَغَ السَّمَاءَ كَذَلِكَ يَبْلُغُ غَايَةَ الضُّرِّ، فَإِنْ تَغَيَّبَ فِي السَّمَاءِ وَلَمْ يَرْجِعْ، مَاتَ، فَإِنْ رَجَعَ نَجَا بَعْدَمَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ. وَالْحَبْلُ: الْعَهْدُ وَالأَمَانُ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} [آل عمرَان: 103]، وَقَالَ: {إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمرَان: 112]، أَيْ: أَمَانٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا ينْقَسِمُ أَقْسَامًا، فَقَدْ يَكُونُ بِدَلالَةٍ مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ، أَوْ مِنَ الأَمْثَالِ السَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ يَقَعُ التَّأْوِيلُ عَلَى الأَسْمَاءِ وَالْمَعَانِي، وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الضِّدِّ وَالْقَلْبِ. فَالتَّأْوِيلُ بِدَلالَةِ الْقُرْآنِ، كَالْحَبْلِ يُعَبَّرُ بِالْعَهْدِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} [آل عمرَان: 103]. وَالسَّفِينَةُ تُعَبِّرُ بِالنَّجَاةِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت: 15]. وَالْخَشَبُ يُعَبَّرُ

بِالنِّفَاقِ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المُنَافِقُونَ: 4]. وَالْحِجَارَةُ تُعَبَّرُ بِالْقَسْوَةِ، لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [الْبَقَرَة: 74]. وَالْمَرِيضُ بِالنِّفَاقِ، لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الْبَقَرَة: 10]. وَالْبَيْضُ يُعَبَّرُ بِالنِّسَاءِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49]، وَكَذَلِكَ اللِّبَاسُ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [الْبَقَرَة: 187]. وَاسْتِفْتَاحُ الْبَابِ يُعَبَّرُ بِالدُّعَاءِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} [الْأَنْفَال: 19]، أَيْ: تَدْعُوا. وَالْمَاءُ يُعَبَّرُ بِالْفِتْنَةِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا {16} لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الْجِنّ: 16 - 17]. وَأَكْلُ اللَّحْمِ النِّيءِ يُعَبَّرُ بِالْغَيْبَةِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: 12]. وَدُخُولِ الْمَلِكِ مَحَلَّةً، أَوْ بَلْدَةً، أَوْ دَارًا تَصْغُرُ عَنْ قَدْرِهِ، وَيُنْكَرُ دُخُولُ مِثْلِهِ مِثْلَهَا، يُعَبَّرُ بِالْمُصِيبَةِ وَالذُّلِّ يَنَالُ أَهْلَهَا، لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النَّمْل: 34]. وَأَمَّا التَّأْوِيلُ بِدَلالَةِ الْحَدِيثِ كَالْغُرَابِ، يُعَبَّرُ بِالرَّجُلِ الْفَاسِقِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ فَاسِقًا. وَالْفَأْرَةُ يُعَبَّرُ بِالْمَرْأَةِ الْفَاسِقَةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهَا فُوَيْسِقَةَ. وَالْضِلْعُ يُعَبَّرُ بِالْمَرْأَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ». وَالْقَوَارِيرُ تُعَبَّرُ بِالنِّسَاءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَنْجَشَةُ،

رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ». وَالتَّأْوِيلُ بِالأَمْثَالِ، كَالصَّائِغِ يُعَبَّرُ بِالْكَذَّابِ، لِقَوْلِهِمْ: أَكْذَبُ النَّاسِ الصَّوَّاغُونَ. وَحَفْرُ الْحُفْرَةِ يُعَبَّرُ بِالْمَكْرِ، لِقَوْلِهِمْ: مَنْ حَفَرَ حُفْرَةً وَقَعَ فِيهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]. وَالْحَاطِبُ يُعَبَّرُ بِالنَّمَّامِ، لِقَوْلِهِمْ لِمَنْ وَشَى: إِنَّهُ يَحْطِبُ عَلَيْهِ، وَفَسَّرُوا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] بِالنَّمِيمَةِ. وَيُعَبَّرُ طُولُ الْيَدِ بِصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ، لِقَوْلِهِمْ: فُلانٌ أَطْوَلُ يَدًا مِنْ فُلانٍ. وَيُعَبَّرُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ وَبِالسَّهْمِ بِالْقَذْفِ، لِقَوْلِهِمْ: رَمَى فُلانًا بِفَاحِشَةٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النُّور: 4]. وَيُعَبَّرُ غَسْلُ الْيَدِ بِالْيَأْسِ عَمَّا يأملُ، لِقَوْلِهِمْ: غَسَلْتُ يَدَيَّ عَنْكَ. وَالتَّأْوِيلُ بِالأَسَامِي، كَمَنْ رَأَى رَجُلا يُسَمَّى رَاشِدًا يُعَبَّرُ بِالرُّشْدِ، وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى سَالِمًا يُعَبَّرُ بِالسَّلامَةِ. 3284 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: نَوَى التَّمْرِ: نِيَّةُ السَّفَرِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ السَّفَرْجَلُ بِالسَّفَرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرُّؤْيَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَرَضِ، لأَنَّ أَوَّلَهُ سَفَرٌ. وَالسَّوْسَنُ بِالسُّوءِ، لأَنَّ أَوَّلَهُ سُوءٌ، إِذَا عَدَلَ بِهِ عَمَّا يُنْسَبُ إِلَيْهِ فِي التَّأْوِيلِ. وَالتَّأْوِيلُ بِالْمَعْنَى كَالأُتْرُجِّ يُعَبَّرُ بِالنِّفَاقِ، لِمُخَالَفَةِ بَاطِنِهِ ظَاهِرَهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الرُّؤْيَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَالِ. وَكَالْوَرْدِ وَالنَّرْجِسِ يُعَبَّرُ بِقِلَّةِ الْبَقَاءِ إِنْ عُدِلَ بِهِ عَمَّا يُنْسَبُ إِلَيْهِ، لِسُرْعَةِ ذَهَابِهِ. وَيُعَبَّرُ الآسُ بِالْبَقَاءِ، لأَنَّهُ يَدُومُ. حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ مُعَبِّرًا بِالأَهْوَازِ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ زَوْجِي نَاوَلَنِي نَرْجِسًا، وَنَاوَلَ ضُرَّةً لِي آسًا. فَقَالَ: يُطَلِّقُكِ وَيَتَمَسَّكُ بِضُرَّتِكِ، أَمَا سَمِعْتِ قَوْلَ الشَّاعِرِ: لَيْسَ لِلنَّرْجِسِ عَهْدٌ ... إِنَّمَا الْعَهْدُ لآسِ ، وَأَمَّا التَّأْوِيلُ بِالضِّدِّ وَالْقَلْبِ، فَكَمَا أَنَّ الْخَوْفَ فِي النَّوْمِ يُعَبَّرُ بِالأَمْنِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النُّور: 55]، وَالأَمْنُ فِيهِ يُعَبَّرُ بِالْخَوْفِ. وَيُعَبَّرُ الْبُكَاءُ بِالْفَرَحِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رنة. وَيُعَبَّرُ الْضَحِكُ بِالْحُزْنِ، إِلا أَنْ يَكُونَ تَبَسُّمًا. وَيُعَبَّرُ الطَّاعُونَ بِالْحَرْبِ، وَالْحَرْبُ بِالطَّاعُونِ. وَيُعَبَّرُ الْعَجَلَةُ فِي الأَمْرِ بِالنَّدَمِ، وَالنَّدَمُ بِالْعَجَلَةِ. وَيُعَبَّرُ الْعِشْقُ بِالْجُنُونِ، وَالْجُنُونُ بِالْعِشْقِ. وَالنِّكَاحُ بِالتِّجَارَةِ، وَالتِّجَارَةِ بِالنِّكَاحِ. وَيُعَبَّرُ الْحِجَامَةُ بِكِتَبَةِ الصَّكِّ، وَكِتَبَةُ الصَّكِّ بِالْحِجَامَةِ. وَيُعَبَّرُ التَّحَوُّلُ عَنِ الْمَنْزِلِ بِالسَّفَرِ، وَالسَّفَرُ بِالتَّحَوُّلِ عَنِ الْمَنْزِلِ.

وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنَّ الْعَطَشَ فِي النَّوْمِ خَيْرٌ مِنَ الرِّيِّ، وَالْفَقْرُ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، وَالْمَضْرُوبُ، وَالْمَجْرُوحُ، وَالْمَقْذُوفُ أَحْسَنُ حَالا مِنَ الضَّارِبِ، وَالْجَارِحُ، وَالْقَاذِفُ، وَقَدْ يَتَغَيَّرُ حُكْمُ التَّأْوِيلِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، كَقَوْلِهِمْ فِي الْبُكَاءِ: إِنَّهُ فَرَحٌ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ صَوْتٌ وَرَنَّةٌ، فَهُوَ مُصِيبَةٌ. وَفِي الضَّحِكِ: إِنَّهُ حُزْنٌ، فَإِنْ كَانَ تَبَسُّمًا فَصَالِحٌ. وَكَقَوْلِهِمْ فِي الْجَوْزِ: إِنَّهُ مَالٌ مَكْنُوزٌ، فَإِنْ سَمِعْتَ لَهُ قَعْقَعَةٌ، فَهُوَ خُصُومَةٌ. وَالدُّهْنُ فِي الرَّأْسِ زِينَةٌ، فَإِنْ سَالَ عَلَى الْوَجْهِ، فَهُوَ غَمٌّ. وَالزَّعْفَرَانِ ثَنَاءٌ حَسَنٌ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ لَوْنٌ أَوْ جَسَدٌ، فَهُوَ مَرَضٌ أَوْ هَمٌّ. وَالْمَرِيضُ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ وَلا يَتَكَلَّمُ، فَهُوَ مَوْتُهُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ برأَ. وَالْفَأْرُ نِسَاءً، مَا لَمْ يَخْتَلِفْ أَلْوَانُهَا، فَإِنِ اخْتَلَفَ أَلْوَانُهَا إِلَى بِيضٍ وَسُودٍ، فَهِيَ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي. وَالسَّمَكُ نِسَاءً إِذَا عُرِفَ عَدَدَهَا، فَإِنْ كَثُرَ فَغَنِيمَةٌ. وَقَدْ يَتَغَيَّرُ التَّأْوِيلُ عَنْ أَصْلِهِ بِاخْتِلافِ حَالِ الرَّأْيِ كَالْغُلِّ فِي النَّوْمِ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ الصَّالِحِ قَبْضُ الْيَدِ عَنِ الشَّرِّ، وَكَانَ ابْنِ سِيرِينَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يُصِيبُ سُلْطَانًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ يُصْلَبْ، وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ، قَالَ: رَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي أُؤَذِّنُ. قَالَ: تَحَجُّ. وَسَأَلَهُ آخَرُ، فَأَوَّلَ بِقَطْعِ يَدِهِ فِي السَّرِقَةِ، فَقِيلَ لَهُ فِي التَّأْوِيلَيْنِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ الأَوَّلَ عَلَى سِيمَاءَ حَسَنَةٍ، فَأَوَّلْتُ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الْحَج: 27]، وَلَمْ أَرْضَ هَيْئَةَ الثَّانِي، فَأَوَّلْتُ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يُوسُف: 70]، وَقَدْ يَرَى الرَّجُلُ فِي مَنَامِهِ فَيُصِيبُهُ عَيْنُ مَا رَأَى حَقِيقَةً مِنْ وِلايَةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ، أَوْ خَيْرٍ، أَوْ نَكْبَةٍ، فَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَتْحَ، فَكَانَ كَذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الْفَتْح: 27].

باب تأويل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام

3285 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَمِّهِ، " أَنَّ خُزَيْمَةَ رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، أنَّهُ سَجَدَ عَلى جَبْهَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَاضْطَجَعَ لَهُ، وَقَالَ: صَدِّقْ رُؤْيَاكَ ". فَسَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ. وَقَدْ يُرَى الشَّيْءَ فِي الْمَنَامِ لِلرَّجُلِ، وَيَكُونُ التَّأْوِيلُ لِوَلَدِهِ، أَوْ قَرِيبِهِ، أَوْ سَمِيِّهِ، فَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ مُبَايَعَةَ أَبِي جَهْلٍ مَعَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ لابْنِهِ عِكْرِمَةَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «هُوَ هَذَا». وَرَأَى لأَسِيدِ بْنِ الْعَاصِ وِلايَةَ مَكَّةَ، فَكَانَ لابْنِهِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدِ وَلاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ. بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ 3286 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ

الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْل البَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، نَا ثَابِتٌ، أَنا أَنَسٌ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي». وَقَالَ: «إِنَّ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبَوَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَن الْمُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ. 3287 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَبْد اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، نَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ:، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ، فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ خَالِدِ بْنِ خَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: تَابَعَهُ يُونُسُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.

3288 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَسَيَرانِي فِي الْيَقَظَةِ، أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلا يَتَمَثُّلُ الشَّيْطَانُ بِي». وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: «مَنْ رَآنِي، فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، وَقَالَ: «مِنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ». وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ عَلَى الشَّكِّ. قَالَ الإِمَامُ: رُؤْيَةُ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ جَائِزَةٌ، قَالَ مُعَاذٌ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِنِّي نَعَسْتُ فَرَأَيْتُ رَبِّي». وَتَكُونُ رُؤْيَتُهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ ظُهُورَ الْعَدْلِ، وَالْفَرَجِ، وَالْخِصْبِ، وَالْخَيْرِ لأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ رَآهُ فَوَعَدَ لَهُ جَنَّةً، أَوْ مَغْفِرَةً، أَوْ نَجَاةً مِنَ النَّارِ، فَقَوْلُهُ حَقٌّ، وَوَعْدُهُ صِدْقٌ، وَإِنْ رَآهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَهُوَ رَحْمَتُهُ، وَإِنْ رَآهُ مُعْرِضًا عَنْهُ، فَهُوَ تَحْذِيرٌ مِنَ الذُّنُوبِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} [آل عمرَان: 77]، وَإِنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا فَأَخَذَهُ، فَهُوَ بَلاءٌ، وَمِحَنٌ، وَأَسْقَامٌ تُصِيبُ بَدَنَهُ، يَعْظُمُ بِهَا أَجْرُهُ

لَا يَزَالُ يَضْطَرِبُ فِيهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إِلَى الرَّحْمَةِ، وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ. وَرُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ حَقٌّ، وَلا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِهِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ، وَالْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَالنُّجُومُ الْمُضِيئَةُ، وَالسَّحَابُ الَّذِي فِيهِ الْغَيْثُ، لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. وَمَنْ رَأَى نُزُولَ الْمَلائِكَةِ بِمَكَانٍ، فَهُوَ نُصْرَةٌ لأَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَفَرَجٌ إِنْ كَانُوا فِي كَرْبٍ، وَخِصْبٌ إِنْ كَانُوا فِي ضِيقٍ وَقَحْطٍ، وَكَذَلِكَ رُؤْيَةُ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَمَنْ رَأَى مَلَكًا يُكَلِّمُهُ بِبِرٍّ، أَوْ بِعِظَةٍ، أَوْ بِصِلَةٍ، أَوْ يُبَشِّرُهُ، فَهُوَ شَرَفٌ فِي الدُّنْيَا، وَشَهَادَةٌ فِي الْعَاقِبَةِ. وَرُؤْيَةُ الأَنْبِيَاءِ مِثْلُ رُؤْيَةِ الْمَلائِكَةِ إِلا فِي الشَّهَادَةِ، لأَنَّ الأَنْبِيَاءَ كَانُوا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، وَالْمَلائِكَةُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَرَاهُمُ النَّاسُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الْأَعْرَاف: 206]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الشُّهْدَاءِ: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الْحَدِيد: 19]. وَرُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَانٍ سَعَةٌ لأَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ إِنْ كَانُوا فِي ضِيقٍ، وَفَرَجٌ إِنْ كَانُوا فِي كَرْبٍ، وَنُصْرَةٌ إِنْ كَانُوا فِي ظُلْمٍ، وَكَذَلِكَ رُؤْيَةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَرُؤْيَةُ أَهْلِ الدِّينِ بَرَكَةٌ وَخَيْرٌ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ فِي الدِّينِ، وَمَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا فِي الْمَنَامِ، لَمْ يَزَلْ خَفِيفَ الْحَالِ، مُقِلا فِي دُنْيَاهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَادِحَةٍ، وَلا خِذْلانٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مِنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ». وَرُؤْيَةُ الإِمَامِ إِصَابَةُ خَيْرٍ وَشَرَفٍ.

باب تأويل رؤية السماء وما فيها

بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ السَّمَاءِ وَمَا فِيهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يُوسُف: 4]، وَقَالَ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يُوسُف: 100]. 3289 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: " كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ

الْمَدِيَنَةِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلى وَجْهِهِ أَثَرُ خُشُوعٍ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ، وَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ، قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولُ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ؟ رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلى عَهْدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ، ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا، وَسَطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، وَأَعْلاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلاهُ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ. قُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ. فَأَتَانِي مِنْصَفٌ، فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلاهَا، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لِي: اسْتَمْسِكْ، فَاسْتَيْقَظْتُ، وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلامُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلامِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى تَمُوتَ، وَقَالَ: الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ. وَالْمِنْصَفُ: الْخَادِمُ، وَالْجَمْعُ الْمَنَاصِفُ، يُقَالُ نَصَفْتُ الرَّجُلَ، فَأَنَا أَنْصِفُهُ نِصَافَةً: إِذَا خَدَمْتُهُ. قَالَ الإِمَامُ: مِنْ رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ قَدْ صَعِدَ السَّمَاءَ فَدَخَلَهَا، نَالَ شَرَفًا وَذِكْرًا، وَنَالَ الشَّهَادَةَ، فَإِنْ رَأَى نَفْسَهُ فِيهَا، لَمْ يَدْرِ مَتَى صَعِدَ إِلَيْهَا، فَهُوَ شَرَفٌ مُعَجَّلٌ، وَشَهَادَةٌ مُؤَجَّلَةٌ. وَالشَّمْسُ مَلِكٌ عَظِيمٌ، وَمَا رَأَى فِيهَا مِنْ تَغَيُّرٍ أَوْ كُسُوفٍ، فَهُوَ حَدَثٌ بِالْمَلِكِ مِنْ هَمٍّ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَالْقَمَرُ وَزِيرُ الْمَلِكِ فِي التَّأْوِيلِ، وَالزُّهْرَةُ امْرَأَتُهُ، وَعُطَارِدَ كَاتِبُهُ، وَالْمِرِّيخُ صَاحِبُ حَرْبِهِ، وَزُحَلَ صَاحِبُ عَذَابِهِ، وَالْمُشْتَرِي صَاحِبُ مَالِهِ، وَسَائِرُ النُّجُومِ الْعِظَامِ أَشْرَافُ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَمَرُ وَزِيرًا مَا رُئِيَ فِي السَّمَاءِ، فَإِنْ رَآهُ عِنْدَهُ أَوْ فِي حَجَرِهِ، أَوْ فِي بَيْتِهِ تَزَوَّجَ زَوْجًا بِقَدْرِ ضَوْئِهِ وَنُورِهِ رَجُلا كَانَ أَوِ امْرَأَةً. رَأَتْ عَائِشَةُ ثَلاثَةُ أَقْمَارٍ سَقَطَتْ فِي حُجْرَتِهَا، فَقَصَّتِ الرُّؤْيَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا، قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ، وَهُوَ خَيْرُهَا.

باب تأويل رؤية القيامة والجنة والنار

وَكَانَتِ الشَّمْسُ فِي تَأْوِيلِ رُؤْيَا يُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاهُ، وَالْقَمَرُ خَالَتَهُ، وَالْكَوَاكِبُ الأَحَدَ عَشَرَ إِخْوَتَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يُوسُف: 100]، وَكَانَتْ رُؤْيَاهُ فِي حَالِ صِبَاهُ، وَظَهَرَ تَأْوِيلُهَا بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ رَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ الْجَوْزَاءَ تَقَدَّمَتِ الثُّرَيَّا، فَأَخَذَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَقَالَ: يَمُوتُ الْحَسَنُ وَأَمُوتُ بَعْدَهُ هُوَ أَشْرَفُ مِنِّي. وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي أَطِيرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟ قَالَ: أَنْتَ رَجُلٌ كَثِيرُ الْمُنَى. بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ 3290 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، "

أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِهِ قِطْعَةَ اسْتَبْرَقٍ لَا يُريدُ مِنَ الْجَنَّةِ مَوْضِعًا إِلا طَارَتْ بِهِ إِلَيْهِ، وَرَأَى كَأَنَّهُ ذُهِبَ بِهِ إِلَى النَّارِ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: دَعْهُ، فَإِنَّهُ نِعْمَ الرَّجُلُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ. قَالَ: فَقَصَّتْ حَفَصَةُ إِحْدَى الرُّؤْيَايَيْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا: «إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ». قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بَعْدُ يُطِيلُ الصَّلاةَ مِنَ اللَّيْلِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ الإِسْتَبْرَقِ، عَن أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ. وَحَدِيثَ النَّارِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ الإِمَامُ: مَنْ رَأَى الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ فِي مَوْضِعٍ، فَإِنَّ الْعَدْلَ يُبْسَطُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِنْ كَانُوا مَظْلُومِينَ نُصِرُوا، وَإِنْ كَانُوا ظَالِمِينَ انْتُقِمَ مِنْهُمْ، لأَنَّهُ الْعَدْلُ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ الْفَصْلِ وَالْعَدْلِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [

باب تأويل الوضوء والعبادات في النوم

الْأَنْبِيَاء: 47]، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَهُوَ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْجَنَّةِ، فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ثِمَارِهَا أَوْ أَصَابَهَا، فَهُوَ خَيْرٌ يَنَالُهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَعِلْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ، فَإِنْ أَعْطَاهَا غَيْرَهُ، يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِ غَيْرُهُ. وَدُخُولُ جَهَنَّمَ إِنْذَارُ الْعَاصِي لِيَتُوبَ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ طَعَامِهَا أَوْ شَرَابِهَا، فَهُوَ خِلافُ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْهُ، أَوْ عِلْمٌ يَصِيرُ عَلَيْهِ وَبَالا. بَابُ تَأْوِيلِ الْوُضُوءِ وَالْعِبَادَاتِ فِي النَّوْمِ 3291 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لَمِنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالَ: لِعُمَرَ. فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ: عَلَيْكَ، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغَارُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى،

عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ: تَوْبَةٌ وَشِفَاءٌ مِنَ الْمَرَضِ، وَخُرُوجٌ مِنَ الْحَبْسِ، وَقَضَاءٌ لِلدَّيْنِ، وَأَمْنٌ مِنَ الْخَوْفِ، غَيْرَ أَنَّ الْغُسْلَ أَقْوَى مِنَ الْوُضُوءِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لأَيُّوبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]، فَلَمَّا اغْتَسَلَ، خَرَجَ مِنَ الْمَكَارِهِ. وَالْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ هَمٌّ أَوْ مَرَضٌ. وَالأَذَانُ حَجٌّ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الْحَج: 27]، وَرُبَّمَا كَانَ سُلْطَانًا فِي الدِّينِ وَقُوَّةً. وَالصَّلاةُ فِي النَّوْمِ اسْتِقَامَةُ الرَّأْيِ فِي الدِّينِ وَالسُّنَّةِ إِذَا كَانَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَالإِمَامَةُ رِيَاسَةٌ وَوِلايَةٌ إِنِ اسْتَقَامَتْ قِبْلَتُهُ، وَتَمَّتْ صَلاتُهُ. وَالرُّكُوعُ تَوْبَةٌ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]، وَالسُّجُودُ قُرْبَةٌ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]، فَإِنْ صَلَّى مُنْحَرِفًا عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ شَرْقًا أَوْ غَرْبًا، فَإِنَّهُ انْحِرَافٌ عَنِ السُّنَّةِ، فَإِنْ جَعَلَهَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَهُوَ نَبْذُهُ الإِسْلامَ، لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمرَان: 187]، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْقِبْلَةَ فَهُوَ حِيرَةٌ مِنْهُ فِي الدِّينِ. وَمَنْ رَأَى نَفْسَهُ يُصَلِّي فَوْقَ الْكَعْبَةِ، فَلا دِينَ لَهُ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَالْكَعْبَةُ الإِمَامُ الْعَادِلُ، فَمَنْ أَمَّ الْكَعْبَةَ فَقَدْ أَمَّ الإِمَامَ. وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ هُوَ السُّلْطَانُ. وَمَنْ رَأَى نَفْسَهُ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، أَوْ يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنَ الْمَنَاسِكِ، فَهُوَ صَلاحٌ فِي دِينِهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ. وَدُخُولُ الْحَرَمِ أَمْنٌ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمرَان: 97].

باب تأويل النكاح في النوم

وَالأُضْحِيَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ، فَمَنْ ضَحَّى بِأُضْحِيَةٍ وَكَانَ عَبْدًا، عَتَقَ، وَإِنْ كَانَ أَسِيرًا نَجَا، أَوْ خَائِفًا أُمِّنَ، أَوْ مَدْيُونًا قُضِيَ دَيْنُهُ، أَوْ مَرِيضًا شَفَاهُ اللَّهُ، أَوْ صَرُورَةٌ حَجَّ. بَابُ تَأْوِيلِ النِّكَاحِ فِي النَّوْمِ 3292 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُرِيتُكِ فِي الْمَنَام مَرَّتَيْنِ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَن أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ

باب تأويل رؤية الإنسان المجهول والمعلوم وأعضاء الإنسان

قَالَ الإِمَامُ: مَنْ رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَايَنَهَا أَوْ عَرَفَهَا أَوْ نُسِبَتْ لَهُ، أَصَابَ سُلْطَانًا بِقَدْرِ جَمَالِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُعَايِنُهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا وَلَمْ تُنْسَبْ لَهُ إِلا أَنَّهُ سَمَّى عَرُوسًا، فَهُوَ مَوْتُهُ، أَوْ يَقْتُلُ إِنْسَانًا، وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، عُزِلَ عَنْ سُلْطَانِهِ. وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مَيِّتَةً ظَفَرَ بِأَمْرِ مَيِّتٍ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَنْكِحُ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ، فَإِنَّهُ يَصِلُ رَحِمَهَا، وَمَنْ أَصَابَ امْرَأَةً زَانِيَةً، أَصَابَ دُنْيَا حَرَامًا، فَإِنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنَ الصَّالِحِينَ أَصَابَ عِلْمًا. وَإِنْ رَأَتِ امْرَأَةٌ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ، أَصَابَتْ خَيْرًا، فَإِنْ رَأَتْ مَيِّتًا نَكَحَهَا، فَهُوَ نُقْصَانُ مَالِهَا، أَوْ تَشَتُّتُ أَمْرِهَا. بَابُ تَأْوِيلِ رُؤْيَةِ الإِنْسَانِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْلُومِ وَأَعْضَاءِ الإِنْسَانِ 3293 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، نَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُوسَى، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فِي رُؤْيَا النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ «رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ، خَرَجَتَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى نَزَلَتْ مَهْيَعَةَ، فَتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةَ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ، وَهِيَ الْجُحْفَةُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: الرَّجُلُ الْمَعْرُوفُ فِي النَّوْمِ هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ أَوْ سَمِيُّهُ أَوْ نَظِيرُهُ، وَالرَّجُلُ الْمَجْهُولُ إِنْ كَانَ شَابًّا، فَهُوَ عَدُوٌّ، وَإِنْ كَانَ شَيْخًا، فَهُوَ جَدُّهُ، وَالْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ الْمَجْهُولَةُ هِيَ الدُّنْيَا، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ هَيْئَةٍ وَسَمْتٍ حَسَنٍ، كَانَتْ حَلالا، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ هَيْئَةٍ عَلَى غَيْرِ سَمْتِ الإِسْلامِ، كَانَتْ دُنْيَا حَرَامًا، وَإِنْ كَانَتْ شَعَثَةً قَبِيحَةً، فَلا دِينَ وَلا دُنْيَا. وَقَدْ فَسَّرَ الْحَدِيثُ الْمَرْأَةَ السَّوْدَاءَ الثَّائِرَةَ رَأْسِهَا بِالْوَبَاءِ. وَالْمَرْأَةُ سُنَّةٌ، وَالْجَارِيَةُ خَيْرٌ، وَالصَّبِيُّ هَمٌّ، وَالْمَرْأَةُ الزَّانِيَةُ هِيَ الدُّنْيَا لِطَالِبِ الدُّنْيَا، وَعِلْمٌ لأَهْلِ الصَّلاحِ وَالْعِلْمِ، وَالْخِصْيَانُ هُمُ الْمَلائِكَةُ إِذَا رَآهُمْ فِي سَمْتٍ حَسَنٍ. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ صَبِيًّا فِي حِجْرِي يَصِيحُ؟ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَضْرِبْ بِالْعُودِ. وَأَمَّا أَعْضَاءُ الإِنْسَانِ، فَرَأْسُ الرَّجُلِ فِي التَّأْوِيلِ رِيَاسَتُهُ، وَالْوَجْهُ جَاهُهُ، وَالشَّيْبُ وَقَارٌ، وَطُولُ شَعْرِ الإِنْسَانِ هَمٌّ، إِلا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَلْبَسُ السِّلاحَ، فَهُوَ لَهُ زِينَةٌ. وَحَلْقُ الرَّأْسِ كَفَّارَةُ الذُّنُوبِ إِنْ كَانَ فِي حَرَمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ أَيَّامِ مَوْسَمٍ، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا أَوْ فِي كَرْبٍ، فَفَرَجٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ هَتْكُ سِتْرِهِ، أَوْ عَزْلُ رَئِيسِهِ، وَطُولُ اللِّحْيَةِ فَوْقَ الْقَدْرِ دَيْنٌ أَوْ هَمٌّ، وَخِضَابُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ تَغْطِيَةُ أَمْرٍ. وَشَعْرُ الشَّارِبِ وَالإِبِطِ زِيَادَتُهُ مَكْرُوهَةٌ، وَنُقْصَانُهُ مَحْمُودٌ. وَالأُذُنُ: امْرَأَةُ الرَّجُلِ أَوِ ابْنَتُهُ. وَالسَّمَعُ وَالْبَصَرُ دِينُهُ، وَالصَّوْتُ صِيتُهُ فِي

النَّاسِ، وَمَا حَدَثَ فِي شَيْءٍ مِنْهَ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَالْعَيْنُ دِينُ الرَّجُلِ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ أَعْمَى، ضَلَّ عَنِ الإِسْلامِ، وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ أَعْوَرُ ذَهَبَ نِصْفُ دِينِهِ، أَوْ أَصَابَ إِثْمًا عَظِيمًا. وَالرَّمَدُ حَدَثٌ فِي الدِّينِ. وَالاكْتِحَالُ صَلاحٌ يَتَعَهَّدُ بِهِ دِينَهُ. وَأَشْفَارُ الْعَيْنِ وِقَايَةُ الدِّينِ، وَالْجَبْهَةُ وَالأَنْفُ مِنَ الْجَاهِ، وَالْفَمُ مِفْتَاحُ أَمْرِهِ وَخَاتِمَتُهُ. وَالْقَلْبُ الْقَائِمُ بِأَمْرِهِ وَمُدَبِّرُهُ، وَاللِّسَانُ تُرْجُمَانُهُ وَالْمُبَلِّغُ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ اللِّسَانُ حُجَّتُهُ، وَقَطْعُهُ انْقِطَاعُ حُجَّتِهِ فِي الْمُنَازَعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ اللِّسَانُ ذِكْرُهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ} [الشُّعَرَاء: 84]. وَقَطْعُ اللِّسَانِ لِلنِّسَاءِ مَحْمُودٌ يَدُلُّ عَلَى السّترِ وَالْحَيَاءِ. وَالأَسْنَانُ أَهْلُ الْبَيْتِ وَالْقَرَابَاتِ لِتَقَارُبِهَا وَتَلاصُقِهَا، فَالثَّنَايَا أَقْرَبُهُمْ، وَالأَبْعَدُ مِنْهَا أَبْعَدُهُمْ، وَالأَسْنَانُ الْعُلْيَا رِجَالُ الْقَرَابَةِ، وَالسُّفْلَى نِسَاؤُهَا، وَمَا حَدَثَ فِي الأَسْنَانِ مِنْ حسن أَوْ فَسَادٍ أَوْ كَلالٍ، فَفِي الْقَرَابَةِ، فَإِنْ رَأَى أَنَّ أَسْنَانَهُ سَقَطَتْ، فَصَارَتْ فِي يَدِهِ يَكْثُرُ نِسَاءُ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنْ سَقَطَتْ وَذَهَبَتْ، فَهُوَ مَوْتُهُمْ قَبْلَهُ. وَالْعُنُقُ مَوْضِعُ الأَمَانَةِ وَالدِّينِ، وَضَعْفُهُ عَجْزُهُ عَنِ احْتِمَالِ الأَمَانَةِ وَالدِّينِ، وَالْعَضُدُ أَخُ أَوْ وَلَدٌ قَدْ أَدْرَكَ، وَالْيَدُ أَخٌ، وَقَطْعُهَا مَوْتُ أَخِيهِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ طُولُ الْيَدِ بِصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ، وَإِذَا نُسِبَتِ الْيَدُ إِلَى الأَخِ كَانَتِ الأَصَابِعُ أَوْلادُ الأَخِ، وَإِذَا انْفَرَدَتِ الأَصَابِعُ عَنْ ذِكْرِ الْيَدِ، فَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَنُقْصَانُهَا حَدَثٌ فِي الصَّلَوَاتِ، فَالإِبْهَامُ مِنْهَا صَلاةُ الصُّبْحِ، وَالسَّبَّابَةُ هِيَ الظُّهْرُ، وَالْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ، وَالْبِنْصِرُ الْمَغْرِبُ، وَالْخِنْصَرُ الْعِشَاءُ. وَالصَّدْرُ حِلْمُ الرَّجُلِ وَاحْتِمَالُهُ. وَالثَّدْيُ

باب تأويل الثياب والفرش

الْبِنْتُ، وَالْبَطْنُ مَالٌ وَوَلَدٌ، وَكَذَلِكَ الأَمْعَاءُ، فَإِنْ رَأَى ظُهُورَ شَيْءٍ مِنْ أَمْعَائِهِ مِنْ جَوْفِهِ، فَهُوَ ظُهُورُ مَالِهِ. وَالْكَبِدِ كَنْزٌ، وَفِي الْحَدِيثِ «تُخْرِجُ الأَرْضُ أَفْلاذَ كَبِدِهَا»، أَيْ كُنُوزِهَا وَكَذَلِكَ الدِّمَاغُ وَالْمُخُّ. وَالأَضْلاعُ النِّسَاءُ، لأَنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنَ الضِّلَعِ. وَالظَّفْرُ سَنَدُ الرَّجُلِ وَقُوَّتُهُ، وَمِنَ الْمَمْلُوكِ سَيِّدُهُ. وَالصُّلْبُ هُوَ الْقُوَّةُ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَلَدَ، لأَنَّ الْوَلَدَ يَخْرُجُ مِنْهُ. وَالذَّكَرُ ذِكْرُهُ، وَقَدْ يَكُونُ وَلَدَهُ. وَالْخِصْيَتَانِ: مَجْرَى الأَعْدَاءِ الَّتِي بِهَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ، فَإِنْ رَأَى قَطْعَهَا، ظَفَرَ بِهِ أَعْدَاؤُهُ، وَإِنْ عَظُمَتَا، كَانَ مَنِيعًا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ، وَقَدْ يَكُونُ انْقِطَاعُ الْخِصْيَتَيْنِ انْقِطَاعَ إِنَاثِ الْوَلَدِ. وَالْفَخِذُ عَشِيرَةُ الرَّجُلِ وَقَوْمُهُ. وَالرُّكْبَةُ: مَوْضِعُ كَدِّهِ وَنَصَبِهِ فِي مَعِيشَتِهِ. وَالسَّاقُ عُمْرُهُ، وَرُبَّمَا كَانَ السَّاقُ وَالْقَدَمُ مَالُهُ وَمَعِيشَتُهُ. وَالْقُرُوحُ، وَالْبَثَرُ، وَالْجِرَاحُ، وَالْوَرَمُ فِي الْبَدَنِ، وَالْجُنُونُ، وَالْجُذامُ كُلُّهَا مَالٌ. وَالْبَرَصُ مَالٌ وَكِسْوَةٌ. بَابُ تَأْوِيلِ الثِّيَابِ وَالْفُرُشِ 3294 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَعْقُوبُ

بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، نَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَما أَنَا نَائَمُ رَأَيْتُ النًّاسَ يُعْرِضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِم قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ، قَالُوا: مَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الدِّينَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ وَرَقَةَ؟ فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ صَدَّقَكَ وَلَكِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُرِيتُهُ فِي الْمَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لَكَانَ عَلَيْهِ لِبَاسٌ غَيْرَ ذَلِكَ».

قَالَ الإِمَامُ: الْقَمِيصُ عَلَى الرَّجُلِ دِينُهُ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلامُهُ، وَقَدْ يُعَبَّرُ الْقَمِيصُ عَلَى الرَّجُلِ بِشَأْنِهِ فِي مَكْسَبِهِ وَمَعِيشَتِهِ، وَمَا رَأَى فِي قَمِيصِهِ مِنْ صَفَاقَةٍ أَوْ خَرْقٍ أَوْ وَسَخٍ، فَهُوَ صَلاحُ مَعِيشَتِهِ أَوْ فَسَادُهُ. وَالسَّرَاوِيلُ جَارِيَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ. وَالإِزَارُ امْرَأَةٌ وَأَفْضَلُ الثِّيَابِ مَا كَانَ جَدِيدًا صَفِيقًا وَاسِعًا. وَالْبَيَاضُ فِي الثِّيَابِ جَمَالٌ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَالْحُمْرَةُ فِي الثِّيَابِ صَالِحَةٌ لِلنِّسَاءِ، وَتُكْرَهُ لِلرِّجَالِ، إِلا أَنْ تَكُونَ فِي مِلْحَفَةٍ أَوْ إِزَارٍ أَوْ فِرَاشٍ، فَهُوَ حِينَئِذٍ سُرُورٌ وَفَرَحٌ. وَالصُّفْرَةُ فِي الثِّيَابِ مَرَضٌ، وَالْخُضْرَةُ حَيَاةٌ فِي الدِّينِ، لأَنَّهَا لِبَاسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَالسَّوَادُ سُؤْدُدٌ وَسُلْطَانٌ لِمَنْ يَلْبَسُ السَّوَادَ فِي الْيَقَظَةِ، أَوْ يُنْسَبُ إِلَى مَنْ يَلْبَسُهَا وَلِغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ. وَثِيَابُ الصُّوفِ مَالٌ كَثِيرٌ. وَالْبُرْدُ مِنَ الْقُطْنِ يَجْمَعُ خَيْرَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَأَجْوَدُ الْبُرُودِ الْحِبْرَةُ، فَإِنْ كَانَ الْبُرْدُ مِنْ إِبْرَيْسِمٍ، فَهُوَ مَالٌ حَرَامٌ، وَفَسَادٌ فِي الدِّينِ. وَالْقُطْنُ، وَالْكَتَّانُ، وَالشَّعْرُ، وَالْوَبَرُ كُلُّهَا مَالٌ. وَالْعِمَامَةُ وِلايَةٌ. وَالْفِرَاشُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ. وَالْوَسَائِدُ، وَالْمَرَافِقُ، وَالْمَقَارِمُ، وَالْمَنَادِيلُ خَدَمٌ. وَالسَّرِيرُ سُلْطَانٌ. وَالْمِنْبَرُ سُلْطَانٌ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِذَلِك، وَإِلا فَهُوَ شُهْرَةٌ، وَهُوَ لِلْمَرْأَةِ فَضِيحَةٌ. وَالسُّتُورُ عَلَى الأَبْوَابِ هَمٌّ وَحَزَنٌ. وَالْكُرْسِيُّ امْرَأَةٌ. وَالنَّعْلُ امْرَأَةٌ. وَخِمَارُ الْمَرْأَةِ زَوْجُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَوَلِيُّهَا.

باب رؤية العيون والمياه

بَابُ رُؤْيَةِ الْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ 3295 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ الْعَلاءِ الأنْصَارِيَّةُ، تَقُول: " لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ، اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَاهُمْ، قَالَتْ: فَطَارَ لَنَا عُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى، فَمَرِضَ، فَمَرَّضْنَاهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي أَنْ قَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَدْرِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا هُوَ، فَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ الْيَقِينَ مِنْ رَبِّهِ، وَإِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يَفْعَلُ بِهِ وَلا بِكُمْ، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا، قَالَتْ:

ثُمَّ رَأَيْتُ لِعُثْمَانَ بَعْدُ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَقَصَصْتُهَا عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ذَاكَ عَمَلُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: فَسَمِعْتُ غَيْرَ الزُّهْرِيِّ يَقُولُ: كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ حَتَّى تُوُفِّيَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «الْحَقِي بِفَرْطِنَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» قَالَ الإِمَامُ: «الْعَيْنُ الْجَارِيَةُ» عَبَّرَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ الْجَارِي. وَالسَّاقِيَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُغْرَقُ فِي مِثْلِهَا حَيَاةٌ طَيِّبَةٌ. وَالْبَحْرُ هُوَ الْمِلْكُ الأَعْظَمُ، فَإِنِ اسْتَقَى مِنْهُ مَاءً، أَصَابَ مِنَ الْمِلْكِ مَالا. وَالنَّهْرُ رَجُلٌ بِقَدْرِ عِظَمِهِ. وَالْمَاءُ الصَّافِي إِذَا شُرِبَ، فَهُوَ خَيْرٌ وَحَيَاةٌ طَيِّبَةٌ، فَإِنْ كَانَ كَدَرًا، أَصَابَهُ مَرَضٌ. وَشُرْبُ الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ، وَدُخُولُ الْحَمَّامِ هَمٌّ وَمَرَضٌ. وَالْمَاءُ الرَّاكِدُ أَضْعَفُ فِي التَّأْوِيلِ مِنَ الْجَارِي. وَالْمَطَرُ غِيَاثٌ وَرَحْمَةٌ إِنْ كَانَ عَامًّا، فَإِنْ كَانَ خَاصًّا فِي مَوْضِعٍ، فَهُوَ أَوْجَاعٌ تَكُونُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعُ. وَالطِّينُ وَالْوَحْلُ وَالْمَاءُ الْكَدِرُ هَمٌّ وَحَزَنٌ. وَالسَّيْلُ

عَدُوٌّ يَتَسَلَّطُ. وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ وَالْجَلِيدُ هَمٌّ وَعَذَابٌ إِلا أَنْ يَكُونَ الثَّلْجَ قَلِيلا فِي مَوْضِعِهِ وَحِينِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ خِصْبًا لأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. وَالسِّبَاحَةُ فِي الْمَاءِ احْتِبَاسُ أَمْرٍ. وَالْمَشْيُ عَلَى الْمَاءِ قُوَّةُ يَقِينٍ. وَمَنْ غَمَرَهُ الْمَاءُ أَصَابَهُ هَمٌّ غَالِبٌ. وَالْغَرَقُ فِيهِ إِذَا لَمْ يَمُتْ غَرَقٌ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا. وَانْفِجَارُ الْعُيُونِ مِنَ الدَّارِ وَالْحَائِطِ وَحَيْثُ يُنْكَرُ انْفِجَارُهَا هَمٌّ، وَحَزَنٌ، وَمُصِيبَةٌ، وَبُكَاءٌ بِقَدْرِ قُوَّةِ الْعَيْنِ. وَالْخَمْرُ مَالٌ حَرَامٌ، فَإِنْ سَكِرَ مِنْهَا، أَصَابَ مَعَهُ سُلْطَانًا. وَالسُّكْرُ مِنْ غَيْرِ الشَّرَابِ خَوْفٌ. وَالنَّبِيذُ الَّذِي يَحِلُّ شُرْبُهُ مَالٌ حَلالٌ وَفِيهِ نَصَبٌ لِمَا نَالَهُ مِنَ النَّارِ. وَمَنِ اعْتَصَرَ خَمْرًا، خَدَمَ السُّلْطَانَ وَأَخْصَبَ، وَجَرَتْ عَلَى يَدِهِ أُمُورٌ عِظَامٌ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ رُؤْيَا صَاحِبِ السِّجْنِ: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يُوسُف: 36]، فَأَوَّلَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يُوسُف: 41]. وَشُرْبُ اللَّبَنِ فِطْرَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ مَالا حَلالا، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ»، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ». وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِي الْمَنَامِ أَنَّهَا تَحْلِبُ حَيَّةً، فَسَأَلَتِ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَهْلُ الأَهْوَاءِ، اللَّبَنُ فِطْرَةٌ، وَالْحَيَّةُ عَدُوٌّ لَيْسَتْ مِنَ الْفِطْرَةِ فِي شَيْءٍ. وَالْأَشْجَار كلهَا رجال أَحْوَالهم كأحوال الشّجر فِي الطَّبْع والنفع، فَمن رَأَى شَجرا، وَأصَاب شَيْئا مِن ثمره، أصَاب مَالا مِن رَجُل فِي مثل حَال ذَلِكَ الشّجر، فالنخلة رَجُل شرِيف، وَالتَّمْر مَال، وَشَجر الْجَوْز رَجُل أعجمي شحيح، والجوز نَفسه مَال مكنوز.

باب تأويل رؤية البقر وسائر الحيوان

وشجرة السدر رَجُل شرِيف. وشجرة الزَّيْتُون رَجُل مبارك نفاع. وثمر الزَّيْتُون هُم وحزن. وَالزَّيْت خير وبركة. وَشَجر الرُّمَّان رَجُل عَلَى قدرهَا، وَالرُّمَّان مَال مَجْمُوع إِذا كَانَ حلوا. والحامض هُم وحزن. وَالْكَرم والبستان امْرَأَة. وَالْعِنَب الْأَبْيَض فِي وقته غضارة الدّنيا وَخَيرهَا، وَفِي غير وقته مَال يَنَالهُ قبل الْوَقْت الَّذِي يرجوه. وَالْأَشْجَار الْعِظَام الّتي لَا ثَمَر لَهَا كالدلب والصنوبر إِن رَأَى شَيْئا مِنْهَا، فَهُوَ رَجُل ضخم بعيد الصَّوْت، قَلِيل الْخَيْر وَالْمَال. وَالشَّجر ذَات الشوك رَجُل صَعب المرام. والصفر مِن الثِّمَار مثل المشمش، والكمثرى، والزعرور الْأَصْفَر، وَنَحْوهَا أمراض. والحامض مِنْهَا هُم وحزن. والحبوب كلهَا مَال. والحشيش والكلأ مَال. وَالزَّرْع عمله فِي دينه أَو دُنْيَاهُ. والثوم، والبصل، والجزر، والشلجم هُم وحزن. والرياحين كلهَا بكاء وحزن إِلَّا مَا يرى مِنْهَا نابتا فِي مَوْضِعه مِن غير أَن يمسهُ وَهُوَ يجد رِيحه فَيكون ولدا. بَاب تَأْوِيل رُؤْيَة الْبَقر وَسَائِر الْحَيَوَان قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قصَّة يُوسُف: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} [يُوسُف: 43]. 3296 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النّعيمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا

حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أُرَاهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا، فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ، وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، وَاللهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم أَيْضًا، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ قَوْله: «فَذهب وهلي أَو وهمي» يقَالَ وَهل الرجل يهل: إِذا وهم

الشَّيْء، وَفِيه أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى الْمَدِينَة يثرب، وَقد نهى عَنْهُ بعده وسماها طابة، لِأَنَّهُ كَانَ يُغير الِاسْم الْقَبِيح إِلَى الْحَسَن عَلَى التَّبَرُّك والتفاؤل. قَالَ الْإِمَام: هَذَا الحَدِيث يشْتَمل عَلَى أَنْوَاع مِن الرُّؤْيَا مِنْهَا السَّيْف، وَالسيف السّلطان، فَإِن رَآهُ قد رَفعه فَوق رَأسه، نَالَ سُلْطَانا مَشْهُورا، فَإِن لم يكن مِمَّن يَنْبَغِي لَهُ، فَهُوَ وُلِدَ، وَكَذَلِكَ كل مِن أعطي سكينا، أَو رمحا، أَو قوسا لَيْسَ مَعَه سلَاح، فَهُوَ وُلِدَ، فَإِن كَانَ مَعَه سلَاح، فَهُوَ سُلْطَان، وَمَا حدث فِي السَّيْف مِن انكسار أَو ثلمة أَو كدورة، فَهُوَ حدث فِيمَا ينْسب السَّيْف إِلَيْهِ فِي التَّأْوِيل، فَإِن رَأَى أَنَّهُ سل سَيْفا مِن غمد، ولدت امْرَأَته غُلَاما، فَإِن انْكَسَرَ السَّيْف فِي الغمد، مَاتَ الْوَلَد، وَإِن انْكَسَرَ الغمد دون السَّيْف، مَاتَت الْأُم، وَسلم الْوَلَد. وَالرَّمْي عَن الْقوس نُفُوذ كتبه فِي سُلْطَانه بِالْأَمر وَالنَّهْي. وانكسار الْقوس مُصِيبَة. وَالْبَقر سنُون، فَإِن كَانَت سمانا، كَانَت مخاصيب، وَإِن كَانَت عِجَافًا كَانَت مجاديب، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قصَّة يُوسُف: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يُوسُف: 48]، فَأول يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أكل الْبَقَرَات الْعِجَاف الْبَقَرَات السمان بِالسِّنِينَ المجاديب تَأْكُل مَا جمع لَهَا فِي السنين المخاصيب. وَمن ركب ثورا، أصَاب مَالا مِن عمل السّلطان، واستمكن مِن عَامل. وَإِن رَأَى ثورا مِن العوامل ذبح وقيم لَحْمه، فَهُوَ موت عَامل وَقِسْمَة تركته. فَإِن كَانَت مِن غير العوامل، كَانَ رجلا ضخما. وَالْبَعِير رَجُل ضخم. والناقة امْرَأَة. وَمن رَأَى أَنَّهُ رَاكب بعير مَجْهُول سَافر، وَإِن نزل عَنْهُ

مرض. وَإِن دخل جمَاعَة مِن الْإِبِل أَرضًا، دَخلهَا عَدو، وَرُبمَا كَانَ سيلا، وَرُبمَا كَانَ أوجاعا. وَمن رَأَى أَنَّهُ يرْعَى غنما سُودًا، فهم أنَاس مِن الْعَرَب، فَإِن كَانَت بيضًا، فَمن الْعَجم، رُوِيَ عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أريت غنما كَثِيرَة سُودًا دخلت فِيهَا غنم كَثِيرَة بيض»، قَالُوا: فَمَا أولته يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعَجم يشركونكم فِي دينكُمْ وأنسابكم، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو كَانَ الْإِيمَان مُعَلّقا بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رَجُل مِن الْعَجم وأسعدهم بِهِ فَارس». والكبش رَجُل ضخم. والنعجة امْرَأَة شريفة. والعنز يجْرِي مجْرى النعجة إِذا كَانَ فِي الرُّؤْيَا مَا يدل عَلَى الْمَرْأَة، إِلَّا أَن العنز دون النعجة فِي الشّرف والحسب، وَقد يجْرِي العنز مجْرى الْبَقَرَة فِي كَونهَا سنة مخصبة إِن كَانَت سَمِينَة، أَو مُجْدِبَة إِن كَانَت عجفاء. وَالْفرس عز

وسلطان. وَالْأُنْثَى امْرَأَة شريفة. والبغل سفر. وَالْحمار جد الرجل يسْعَى بِهِ، فَمن رَأَى أَنَّهُ ذبح حِمَاره ليَأْكُل مِن لَحْمه، أصَاب مَالا بجده. والفيل سُلْطَان أعجمي، فَإِن رَكبه فِي أَرض حَرْب، كَانَت الدبرة عَلَى أَصْحَاب الْفِيل، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الْفِيل: 1]. وَمن أصَاب حمَار وَحش أَو وَعلا وضميره أَنَّهُ يُرِيد أكله يُصِيب غنيمَة. وَمن رَأَى أَنَّهُ رَاكب حمَار وَحش يصرفهُ كَيفَ يَشَاء، فَهُوَ رَاكب مَعْصِيّة، أَو يُفَارق رَأْي جمَاعَة الْمُسلمين. والأسد عَدو قاهر. وَالْخِنْزِير رَجُل دني شَدِيد الشَّوْكَة. والضبع امْرَأَة سوء قبيحة. والدب عَدو دنيء أَحمَق. وَالذِّئْب سُلْطَان غشوم، أَو لص ضَعِيف كَذَّاب. والثعلب: كثير الِاخْتِلَاف فِي التَّأْوِيل، فَمن رَأَى أَنَّهُ ينازعه خَاصم ذَا قرَابَة، وَإِن طلب ثعلبا، أَصَابَهُ وجع، وَإِن طلبه ثَعْلَب أَصَابَهُ فزع، وَمن رَأَى ثعلبا يهرب مِنْهُ فَهُوَ غَرِيم يراوغه، وَمن أصَاب ثعلبا، أصَاب امْرَأَة يُحِبهَا حبا ضَعِيفا، وَابْن آوى يجْرِي مجْرى الثَّعْلَب، إِلَّا أَنَّهُ أَضْعَف. وَالْكَلب عَدو دنيء غير مبالغ فِي عداوته. والقرد عَدو مَلْعُون. والحية عَدو مكاتم الْعَدَاوَة. وَالْعَقْرَب عَدو ضَعِيف لَا تجَاوز عداوته لِسَانه. وَكَذَلِكَ سَائِر الْهَوَام أَعدَاء عَلَى مَنَازِلهمْ، وَذُو السم مِنْهَا أبلغ فِي الْعَدَاوَة. والنسر، وَالْعِقَاب سُلْطَان قوي. والحدأة ملك خامل الذّكر، شَدِيد الشَّوْكَة. والبازي سُلْطَان ظَالِم. والصقر قريب مِنْهُ. والغراب إِنْسَان فَاسق كذوب. والعقعق إِنْسَان لَا عهد لَهُ، وَلَا حفاظ وَلَا دين.

والطاوس الذّكر ملك أعجمي. وَالْأُنْثَى امْرَأَة حسناء أَعْجَمِيَّة. والحمامة امْرَأَة أَو خادمة. والفاختة امْرَأَة غير ألفة. والدجاج خدم. والديك رَجُل أعجمي مِن نسل الْمُلُوك، قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم أَن ديكا نقرني نقرة أَو نقرتين، فأولت أَن رجلا مِن الْعَجم سيقتلني، فَقتله أَبُو لؤلؤة غُلَام الْمُغيرَة. والعصفور رَجُل ضخم عَظِيم الْقدر. والبلبل غُلَام صَغِير. والببغاء وُلِدَ يناغي. والطاوس أنيس مِن وَحْشَة. والخفاش عَابِد مُجْتَهد. والزرزور صَاحب أسفار. والهدهد كَاتب يتعاطى دَقِيق الْعلم، وَلَا دين لَهُ، وَالثنَاء عَلَيْهِ قَبِيح لنتن رِيحه. والزنابير والذباب سفلَة النّاس وغوغاؤهم. والنحلة إِنْسَان كسوب عَظِيم الْخطر وَالْبركَة. وطير المَاء أفضل الطير فِي التَّأْوِيل، لِأَنَّهَا أَكْثَرهَا ريشا، وأقلها غائلة، وَله سلطانان سُلْطَان فِي الْبر، وسلطان فِي المَاء. والسمك الطري الْكِبَار مِنْهُ إِذا كثر عَددهَا مَال وغنيمة. وصغارها هموم كالصبيان. وَمن أصَاب سَمَكَة طرية أَو سمكتين، أصَاب امْرَأَة أَو امْرَأتَيْنِ، فَإِن أصَاب فِي بَطنهَا لؤلؤة، أصَاب مِنْهَا غُلَاما. والضفدع إِنْسَان عَابِد مُجْتَهد، فَإِن كثرت الضفادع، فعذاب. وَالْجَرَاد جند، والجنود إِذا دخلت موضعا فَهِيَ جَراد.

باب السوار والحلي

بَاب السوار والحلي 3297 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، إذْ أُوتِيتُ مِنْ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي يَدِي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ، وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَذَهَبَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبُ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبُ الْيَمَامَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ الْإِمَام: مِن رَأَى عَلَيْهِ سِوَارَيْنِ مِن ذهب، أَصَابَهُ ضيق فِي ذَات يَده، وَإِن كَانَ مِن فضَّة، فَهُوَ خير مِن الذَّهَب. وَمن رَأَى عَلَيْهِ خلخالا مِن ذهب أَو فضَّة، أَصَابَهُ خوف أَو حبس، أَو قيد، وَلَيْسَ يصلح للرِّجَال فِي الْمَنَام مِن الْحلِيّ شَيْء إِلَّا القلادة، والتاج، وَالْعقد، والقرط، والخاتم، فَأَما النِّسَاء، فالحلي كُله زِينَة لَهُنَّ، فالقلادة ولَايَة، أَو تقلد أَمَانَة. واللؤلؤ المنظوم كَلَام اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَو مِن كَلَام الْبر، فَإِن كَانَ اللُّؤْلُؤ غير منظوم، فَإِنَّهُ وَلَدٌ أَو غلْمَان، وَرُبمَا كَانَ اللُّؤْلُؤ جَارِيَة أَو امْرأة، والقرط زِينَة وجمال، والخاتم إِذا كَانَ مَعْرُوف الصِّنَاعَة والنقش سُلْطَان صَاحبه، فَإِن أعطي خَاتمًا، فتختم بِهِ، ملك شَيْئا لم يملكهُ، وَرُبمَا كَانَ الْخَاتم امْرَأَة أَو مَالا أَو ولدا، وفص الْخَاتم وَجه مَا يعبر الْخَاتم بِهِ، وَإِن كَانَ الْخَاتم مِن ذهب، كَانَ مَا نسب إِلَيْهِ حَرَامًا، وَإِن رَأَى أَن حَلقَة خَاتمه انْكَسَرت وَسَقَطت، وَبَقِي الفص ذهب سُلْطَانه وَبَقِي الذّكر وَالْجمال. وَمن رَأَى أَنَّهُ أصَاب ذَهَبا، يُصِيبهُ غرم، أَو يذهب مَاله، فَإِن كَانَ الذَّهَب مَعْمُولا مِن إِنَاء أَو نَحوه، كَانَ أَضْعَف فِي التَّأْوِيل. وَالدَّرَاهِم مُخْتَلفَة التَّأْوِيل عَلَى اخْتِلَاف الطباع، فَمنهمْ مِن يَرَاهَا فِي الْمَنَام، فيصيبها فِي الْيَقَظَة، وَمِنْهُم مِن يعبرها بالْكلَام، فَإِن كَانَت بَيْضَاء، فَهِيَ كَلَام حَسَن، وَإِن كَانَت رَدِيئَة، فَكَلَام سوء، وَمِنْهُم مِن لَا يُوَافقهُ شَيْء مِنْهَا، وَالدَّرَاهِم فِي الْجُمْلَة خير مِن الدَّنَانِير، وَقد يكون الدِّينَار الْوَاحِد وَالدِّرْهَم الْوَاحِد ولدا صَغِيرا.

32 - كتاب الاستئذان

32 - كتاب الاسْتِئْذَان بَاب بَدْء السَّلَام 3298 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ عَلى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ: اذْهَبْ، فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ، وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، قَالَ: فَذَهَبَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَ: فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلى صُورَةِ آدَمَ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ

يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ ". وَفِي رُوَايَةِ الرَّمَادِيِّ، فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَا: فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ: " فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ فِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خلق اللَّه آدم عَلَى صورته»، الْهَاء مرجعها إِلَى آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْمَعْنى: أَن ذُرِّيَّة آدم خلقُوا أطوارا كَانُوا فِي مبدإ الْخلق نُطْفَة، ثُمَّ علقَة، ثُمَّ مُضْغَة، ثُمَّ صَارُوا صورا أجنة إِلَى أَن تتمّ مُدَّة الْحمل، فيولدون أطفالا، وينشئون صغَارًا إِلَى أَن يكبروا، فَيتم طول أَجْسَادهم، يَقُولُ: إِن آدم لم يكن خلقه عَلَى هَذِه الصّفة، وَلكنه أول مَا تناولته الْخلقَة، وجد خلقا تَاما طوله سِتُّونَ ذِرَاعا. وَذكر بَعضهم مِن فَوَائده أَن الْحَيَّة لما أخرجت مِن الجنّة، شوهت خلقتها، وَإِن آدم كَانَ مخلوقا فِي الأول عَلَى صورته الّتي كَانَ عَلَيْهَا بعد الْخُرُوج مِن الجنّة لم تشوه صورته، وَلم تغير خلقته. قَالَ الْإِمَام: التَّسْلِيم عَلَى الْأَخ الْمُسلم سنة، وَالرَّدّ وَاجِب، فَيَقُول الْمُبْتَدِئ: السَّلَام عَلَيْكُم، هَذَا أَقَله، وكماله أَن يَقُولُ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته. ثُمَّ الْمُجيب فِي الرَّد إِذا قَالَ: وَعَلَيْك وَاقْتصر عَلَيْهِ،

جَازَ، وَالْأَفْضَل لمن يَقُولُ فِي الْجَواب: وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته. وَإِن كَانَ قد اقْتصر الْمُبْتَدِئ عَلَى قَوْله: سَلام عَلَيْكُم، لقَوْل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النِّسَاء: 86]. وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْجَواب أَيْضا «السَّلَام عَلَيْكُم» حُكيَ ذَلِكَ عَن الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ إِذا رد، قَالَ: سَلام عَلَيْكُم، وَالْأَكْثَرُونَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْجَواب: وَعَلَيْكُم السَّلَام، بِتَقْدِيم الْخَطَّاب، لما رُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَن رجلا دخل الْمَسْجِد فصلى، ثُمَّ جَاءَ فَسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْك السَّلَام، ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل». وَعَن رِفَاعَة بْن رَافع فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْك فَارْجِع فصل». وَعَن عمار بْن يَاسر أَنَّهُ سلم عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرد عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «وَعَلَيْكُم السَّلَام»، وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا جِبْرِيل يُقْرِئك السَّلَام»، فقَالَت: وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه.

وَرُوِيَ عَن يَحْيَى بْن سَعِيد أَن رجلا سلم عَلَى عَبْد اللَّه بْن عُمَر فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته والغاديات والرائحات، فَقَالَ: وَعَلَيْك ألفا، ثُمَّ كَأَنَّهُ كره ذَلِكَ. وَرُوِيَ أَن رجلا سلم عَلَى ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته، ثُمَّ زَاد شَيْئا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن السَّلَام انْتهى إِلَى الْبركَة. 3299 - أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا غِرَارَ فِي صَلاةٍ، وَلا تَسْلِيمٍ» قَالَ أَحْمَد: يَعْنِي فِيمَا أرى أَلا تسلم، وَلَا يسلم عَلَيْك، ويغرر الرجل بِصَلَاتِهِ، فَيَنْصَرِف وَهُوَ فِيهَا شَاك. قَالَ الْخطابِيّ: أصل الغرار: نُقْصَان لبن النَّاقة، فَقَوله: لَا غرار، أَي: لَا نُقْصَان فِي التَّسْلِيم، وَمَعْنَاهُ: أَن ترد كَمَا يسلم عَلَيْك وافيا لَا نقص فِيهِ، مثل أَن يَقُولُ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة اللَّه، فَتَقول: وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه، وَلَا تقتصر عَلَى أَن تَقُولُ: عَلَيْكُم السَّلَام، أَو عَلَيْكُم.

باب فضل السلام

وَأما الغرار فِي الصَّلَاة، فعلى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَلا يتم رُكُوعه وَسُجُوده، وَالْآخر: أَن يشك هَل صلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا؟ فَيَأْخُذ بِالْأَكْثَرِ، وينصرف بِالشَّكِّ، وَقد جَاءَت السّنة أَن يطْرَح الشَّك، وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِين، وَيُصلي رَكْعَة حَتَّى يعلم أَنَّهُ قد أكملها أَرْبعا. بَاب فضل السَّلَام 3300 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ الْكُوفِيُّ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلي شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ

أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٍ. وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُور السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَر الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النُّفَيْلِيُّ، نَا زُهَيْرٌ، نَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ 3301 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ، رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَهِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُونَ حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ: أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ ". وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مَوْلَى الزُّبَيْرِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

3302 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النعيمي، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّد بْن رُمْحٍ، عَنْ لَيْثٍ قَوْله: «أَي الْإِسْلَام خير» يُرِيد أَي خِصَال الْإِسْلَام خير، وَكَأن السُّؤَال وَقع عَمَّا يتَّصل بِحُقُوق الْآدَمِيّين مِن الْخِصَال دون غَيرهَا، بِدَلِيل أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أجَاب عَنْهَا دون غَيرهَا مِن الْخِصَال. وَقَالَ مُجَاهِد: كَانَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَأْخُذ بيَدي، فَيخرج إِلَى السُّوق، فَيَقُول: إِنِّي لأخرج، وَمَا لي حَاجَة إِلَّا لأسلم، وَيسلم عَلِيّ، فَأعْطِي وَاحِدَة وآخذ عشرا، يَا مُجَاهِد، إِن السَّلَام اسْم مِن أَسمَاء اللَّه تَعَالَى، فَمن أَكثر السَّلَام، أَكثر ذكر اللَّه. وَرُوِيَ عَن ابْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو فَلَا يمر بسقاط، وَلَا صَاحب بيعَة إِلَّا سلم عَلَيْهِ. السقاط: بياع السقط. والبيعة مِن البيع كالركبة والقعدة.

باب من الذي يبدأ بالسلام

وَقَالَ عمار بْن يَاسر: ثَلَاث مِن جمعهن جمع الْإِيمَان، ويروى وجد حلاوة الْإِيمَان: الْإِنْصَاف مِن نَفسك، وبذل السَّلَام للْعَالم، والإنفاق مِن الإقتار. بَاب مِن الَّذِي يبْدَأ بِالسَّلَامِ 3303 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ

مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هَرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيُسَلِّمِ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ 3304 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي زِيَادٌ، أَنَّ ثَابِتًا، أَخْبَرَهُ وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ رَوْحٍ وَكَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز يتَقَدَّم إِلَى الحرس أَلا يقومُوا لَهُ إِذا خرج عَلَيْهِم، وَلَا يبدءوه بِالسَّلَامِ، وَيَقُول: إِنَّمَا السَّلَام عَلِيَّ.

باب التسليم على الصبيان

قَالَ الْإِمَام: ورد السَّلَام فرض عَلَى الْكِفَايَة، والابتداء سنة عَلَى الْكِفَايَة، وَإِذا مر قوم عَلَى قوم، فَسلم وَاحِد مِنْهُم كَانَ كَافِيا، وَإِذا رد مِن الآخرين وَاحِد، سقط الْفَرْض عَنْهُمْ. ويروى عَن أَبِي أُمَامَة، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن أولى النّاس بِاللَّه مِن بدأهم بِالسَّلَامِ». وَرُوِيَ عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: إِن مِمَّا يصفي لَك ود أَخِيك ثَلَاثًا: «أَن تبدأه بِالسَّلَامِ إِذا لَقيته، وَأَن تَدعُوهُ بِأحب أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ، وَأَن توسع لَهُ فِي الْمجْلس». وَرُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ قَالَ: إِن أبخل النّاس مِن بخل بِالسَّلَامِ، والمغبون مِن لم يرد، وَإِن حَال بَيْنك وَبَين أَخِيك شَجَرَة، فاستطعت أَن تبدأ بِالسَّلَامِ، فافعل. بَاب التَّسْلِيم عَلَى الصّبيان 3305 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ الأَنْصَارِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ حَدَّثَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ سَيَّارٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ 3306 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ الأَنْصَارَ، وَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَيَمْسَحُ بِرُءُوسِهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 3307 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ،

باب التسليم على النساء

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَ الصِّبْيَانِ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَأَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ، فَقَالَ: لَا تُخْبِرْ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ بَاب التَّسْلِيم عَلَى النِّسَاء 3308 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَسَدٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ طَارِقٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ»

قَالَ سهل بْن سعد: كَانَت امْرَأَة تنْزع أصُول السلق، فتجعله فِي قدر، وَتجْعَل عَلَيْهِ قَبْضَة مِن الشّعير تطحنها، وَكُنَّا ننصرف مِن صَلَاة الْجُمُعَة، فنسلم عَلَيْهَا، فتقرب إِلَيْنَا. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ، عَن شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: سَمِعْنَا أَسْمَاءَ بِنْتَ يَزِيدَ، تُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا، وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ، فَأَلْوَى بِيَدِهِ بِالتَّسْلِيمِ». وَقَالَ معمر: عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير، قَالَ: بَلغنِي أَنَّهُ يكره أَن يسلم الرِّجَال عَلَى النِّسَاء، فَقَالَ: مَا كَانَ الرِّجَال يسلمُونَ عَلَى النِّسَاء، إِنَّمَا النِّسَاء يسلمن عَلَى الرِّجَال. وَقَالَ مَنْصُور: عَن إِبْرَاهِيم، كَانُوا يسلمُونَ عَلَى النِّسَاء. وَقَالَ مَالك: أما الشَّابَّة، فَلَا أحب ذَلِكَ، وَلم يكره عَلَى غير الشَّابَّة.

باب تبليغ السلام

وَحكي عَن قَتَادَة: إِن كَانَت مِن الْقَوَاعِد، فَلَا بَأْس أَن يسلم الرجل عَلَيْهَا، وَأما الشَّابَّة، فَلَا. وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الإِشَارَةُ بِالأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى بِالأَكُفِّ». وَإِسْنَاده ضَعِيف، وَلم يرفعهُ بَعضهم. بَاب تَبْلِيغ السَّلَام 3309 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَأَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ، ابْنَا عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ شَاذَوَيْهِ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنا أَبُو النَّصْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ، وَلَيْسَ لِي مَالٌ أَتَجَهَّزُ بِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ إِلَى فُلانٍ الأَنْصَارِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ،

فَقُلْ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: ادْفَعْ إِلَيَّ مَا تَجَهَّزْتَ "، فَأتَاهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا فُلانَةُ، ادْفَعِي إِلَيْهِ مَا تَجَهَّزْتِنِي بِهِ، وَلا تَحْبِسِي مِنْهُ شَيْئًا، فَوَاللَّهِ لَا تَحْبِسِينَ مِنْهُ شَيْئًا، فَيُبَارِك اللَّهُ لَكِ فِيهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ بَهْزٍ، عَنْ حَمَّادٍ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَائِشَةَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ»، فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَعَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ رَجُلا أَتَى سَلْمَانَ الْفَارِسي فَقَالَ: إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، فَقَالَ: مَتَّى قَدِمْتَ؟ قَالَ: مُنْذُ ثَلاثٍ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تُؤَدِّهَا، كَانَتْ أَمَانَةً عِنْدَكَ. وَرَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عَاتَبَهُ رَجُلٌ فِي جَوَابِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَرَاهُ عَلَيَّ حَقًّا كَرَدِّ السَّلامِ، أَوْ قَالَ: وَاجِبًا

باب كراهية التسليم على أهل الكتاب وكيفية الرد عليهم إن بدءوا

بَاب كَرَاهِيَة التَّسْلِيم عَلَى أهل الْكتاب وَكَيْفِيَّة الرَّد عَلَيْهِم إِن بدءوا 3310 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلامِ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ سُهَيْلٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى يَهُودِيٍّ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَأُخْبِرَ، فَرَجَعَ، فَقَالَ: رُدَّ عَلَيَّ سَلامِيَ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ 3311 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ، فَإِنَّمَا يَقُولُ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْ: عَلَيْكَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: فَقُلْ: وَعَلَيْكَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَمَالِك، وَقَالَ: «فَقُلْ عَلَيْكَ»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَقَالَ: فَقُلْ: عَلَيْكَ. قَوْلُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ. يُرِيدُونَ الْمَوْتَ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ 3312 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: " فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3313 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،

نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ». قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، يُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَأَرَادَ بِالْفُحْشِ: عُدْوَانُ الْجَوَابِ، لَا الْفُحْش الَّذِي هُوَ مِن قَدْحِ الْكَلامِ 3314 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ». قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَقَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ: قَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ، بِلا وَاوٍ قَالَ الْإِمَام: قد ذهب قَوْمٌ إِلَى أَن الصَّوَاب فِيهِ حذف الْوَاو حَتَّى يصير قَوْلهم الَّذِي قَالوه بِعَيْنِه مردودا عَلَيْهِم، وبإدخال الْوَاو يَقع الِاشْتِرَاك مَعَهم فِيمَا قَالوه، لِأَن الْوَاو للْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ حَتَّى قَالَ بَعضهم: لَو سلم عَلَيْهِ مُسْلِم يُجيب بِالْوَاو ليَقَع الِاشْتِرَاك فِيهِ بَينهمَا، وَلَا يصير قَوْله بِعَيْنِه مردودا عَلَيْهِ، بِخِلَاف الرَّد عَلَى أهل الشّرك. والسام: هُوَ

باب التسليم على قوم فيهم أخلاط من المسلمين والمشركين

الْمَوْت. وَقَالَ قَتَادَة: التَّسْلِيم عَلَى أهل الْكتاب إِذا دخلت عَلَيْهِم بُيُوتهم، أَن تَقُولُ: السَّلَام عَلَى مِن اتبع الْهدى. قَالَ الْإِمَام: وَكتب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم «سَلام عَلَى مِن اتبع الْهدى». وَسُئِلَ مَالك عَمَّن سلم عَلَى الْيَهُودِيّ، أَو النَّصْرَانِي: هَل يستقيله ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا. قلت: أما الدُّعَاء لأهل الْكتاب، فَلَا بَأْس بِهِ، فقد رُوِيَ أَن يَهُودِيّا حلب للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقحة، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ جمله، فاسود شعره، وعاش نَحوا مِن تسعين سنة لم يشب». بَاب التَّسْلِيم عَلَى قوم فيهم أخلاط مِن الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين 3315 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، أَخْبَرَهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ،

وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، فَخَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزلَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وَقَرأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبَيٍّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ لَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ حَقًّا، فَلا تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا، وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ، فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَثَّبُوا، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: " أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، قَالَ: كَذَا وكَذَا " قَالَ: اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاصْفَحْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاكَ، وَلَقَدْ أَصْبَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ، فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَهُ، شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ،

فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ قلت: الْبحيرَة تَصْغِير البحرة، وَهِي الْقرْيَة يُرِيد الْمَدِينَة. قَوْله: «فَيعصبُونَهُ» أَي: يسودونه، وَكَانُوا يسمون السَّيِّد المطاع معصب، لِأَنَّهُ يعصب بالتاج، أَو يعصب أُمُور النّاس. وَقَوله: «شَرق بذلك»، أَي غص بِهِ، يقَالَ: شَرق بِالْمَاءِ، وغص بِالطَّعَامِ، وشجي بالعظم. وَفِيه جَوَاز التكني بِأبي حباب. ويروى أَن رجلا كَانَ اسْمه الْحباب، فَسَماهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّه، وَقَالَ: «إِن الْحباب اسْم شَيْطَان». وَفِيه جَوَاز تكنية الْكَافِر، وَكَانَ هَذَا قبل أَن يظْهر عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْإِسْلَام، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]، وَقَالَ الْحَسَن: إِذا مَرَرْت بِمَجْلِس فِيهِ مُسلمُونَ وكفار، فَسلم عَلَيْهِم.

باب الكتاب إلى الكفار

بَاب الْكتاب إِلَى الْكفَّار قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النَّمْل: 29]، قِيلَ فِي قَوْله: {كَرِيمٌ} [النَّمْل: 29]، أَي مختوم، وَقيل: حَسَن مَا فِيهِ، وَقيل: جعله كَرِيمًا لكرم صَاحبه، وَقيل: لابتدائه بِبسْم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم. 3316 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، أَخْبَرَهُ " أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةَ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ: سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ

أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْيَرِيسِيِّينَ {يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمرَان: 64] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَغَيْرِهِمَا، كُلٌّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَوْله: «ماد فِيهَا» أَي جعل الْحَرْب فِيهَا مَعَهم إِلَى مُدَّة. قَوْله: «إِلَى عَظِيم الرّوم» أَي: مِن يعظمه الرّوم أَخذ بأدب اللَّه فِي تليين

القَوْل لمن يبتدئه بالدعوة إِلَى دين الْحق. قَالَ الْخطابِيّ: وَلم يكْتب ملك الرّوم فَيكون ذَلِكَ مقتضيا لتسليم الْمَلِك إِلَيْهِ، وَهُوَ بِحكم الدّين مَعْزُول عَنْهُ. وَقَوله: «أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام»، أَي: بِدَعْوَى الْإِسْلَام، مِن دَعَا يَدْعُو دعاية وَدَعوى، مثل شكا يشكو شكاية وشكوى. وَقَوله: «إِثْم اليريسيين» فالياء فِيهَا بدل عَن الْهمزَة، ويروى «إِثْم الأريسيين»، الأريس الأكار، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أرس يأرس أرسا: إِذا صَار أريسيا وَهُوَ وَاحِد الأريسيين بتَخْفِيف الْيَاء، وَمن شدد الْيَاء قَالَ: وَاحِدهَا أريسي مَنْسُوب إِلَى الأريس وَهُوَ الأكار، وَهُوَ الأريس أَيْضا، وَجمعه أريسون وأرارسة، وَمَعْنَاهُ أَنَّك إِن لم تسلم ودمت عَلَى دينك، كَانَ عَلَيْك إِثْم الزراعين والأجراء الّذين هُم خول وَأَتْبَاع. وَفِي الحَدِيث دَلِيل عَلَى جَوَاز الْكتاب إِلَى الْكفَّار، وَأَن نكتب إِلَيْهِم آيَة أَو آيَتَيْنِ مِن الْقُرْآن مِمَّا تقع بِهِ الدعْوَة، وَلَا يدْخل ذَلِكَ تَحت النَّهْي عَن المسافرة بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو، بل النَّهْي رَاجع إِلَى حمل الْمُصحف إِلَيْهِم، وَفِيه تَقْدِيم اسْم الْكَاتِب عَلَى اسْم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ. وَقَالَ معمر: عَن أيّوب، قَرَأت كتابا مِن الْعَلَاء بْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أيّوب: عَن نَافِع، أَو غَيره، قَالَ: كَانَ عُمَّال عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذا كتبُوا إِلَيْهِ، بدءوا بِأَنْفسِهِم، قَالَ: وَوجد زِيَاد كتابا مِن النُّعْمَان بْن مقرن إِلَى عَبْد اللَّه عُمَر أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَقَالَ زِيَاد: مَا كَانَ هَؤُلَاءِ إِلَّا أعرابا. قَالَ معمر: وَكَانَ أيّوب رُبمَا بَدَأَ باسم الرجل قبله إِذا كتب إِلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ الرجل عريفا.

3317 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ، أَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَاقَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَ مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب الاستئذان بالسلام وأن الاستئذان ثلاث

بَاب الاسْتِئْذَان بِالسَّلَامِ وَأَن الاسْتِئْذَان ثَلَاث قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النُّور: 27]، وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا. 3318 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَرَجَعَ فَأَرْسلَ عُمَرَ فِي إِثْرِهِ، فَقَالَ: لِمَ رَجَعْتَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ ثَلاثًا فَلَمْ يُجَبْ، فَلْيَرْجِعْ»، فَقَالَ عُمَرُ: لَتَأْتِيَنَّ عَلَى مَا تَقُولُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ لأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَوْعَدَهُ. قَالَ: فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ وَأَنَا فِي حَلْقَةٍ جَالِسٌ، فَقُلْنَا: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ:

سَلَّمْتُ عَلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَنَا خَبَرَهُ، فَهَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، كُلُّنَا قَدْ سَمِعَهُ. قَالَ: فَأَرْسَلُوا مَعَهُ رَجُلا مِنْهُمْ حَتَّى أَتَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، عَنْ شَبَابَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَن بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَفِيهِ قَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعْ». وَسَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ: هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ يُكَنَّى أَبَا مَسْعُودٍ. وَرَوَى أَبُو بُرْدَةَ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ: فَقَالَ عُمَرُ لأَبِي مُوسَى: إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدٌ قَالَ الْإِمَام: وَقد رُوِيَ عَن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «اسْتَأْذَنت عَلَى رَسُول

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا فَأذن لي». قَالَ أَبُو عِيسَى: قد كَانَ عُمَر اسْتَأْذن عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، وَلم يكن علم هَذَا الَّذِي رَوَاهُ أَبُو مُوسَى «فَإِن أذن لَك وَإِلَّا فَارْجِع». 3319 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهِّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نَا حَسَنُ بْنُ هَارُونَ بْنِ سُلَيْمَانَ، نَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، نَا بَقِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْيَحْصُبِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى الْمَنْزِلَ، لَمْ يَأْتِهِ مِنْ قِبَلِ الْبَابِ، وَلَكِنْ يَأْتِيهِ مِنْ قِبَلِ جَانِبِهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن مُؤَمّلِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ بَقِيَّةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ، لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ، وَيَقُولُ: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ»، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ 3320 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ،

عَنْ أَنَسٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ»، فَقَالَ سَعْدٌ: وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَلَمْ يُسْمِعِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى سَلَّمَ ثَلاثًا، وَرَدَّ عَلَيْهِ سَعْدٌ ثَلاثًا، وَلَمْ يُسْمِعْهُ، فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاتَّبَعَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ مَا سَلَّمْتَ تَسْلِيمَةً إِلا هِيَ بِأُذُنِي، وَلَقَدْ رَدَدْتُ عَلَيْكَ، وَلَمْ أُسْمِعْكَ، أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتَكْثِرَ مِنَ سَلامِكَ، وَمِنَ الْبَرَكَةِ، ثُمَّ دَخَلُوا الْبَيْتَ، فَقَرَّبَ لَهُ زَبِيبًا، فَأَكَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ، وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ " قَالَ الْإِمَام: فِيهِ بَيَان أَن الاسْتِئْذَان يكون بِالسَّلَامِ، وَاخْتلفُوا فِي أَنَّهُ يقدم الاسْتِئْذَان أم السَّلَام؟ فَقَالَ قوم: يقدم الاسْتِئْذَان، يَقُولُ: أَأدْخل سَلام عَلَيْكُم، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النُّور: 27]، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَي تستأذنوا وتسلموا عَلَى أَهلهَا. وَقَالَ قوم: يقدم السَّلَام، فَيَقُول: سَلام عَلَيْكُم أَأدْخل، وَهُوَ الأولى، وَقَوله عز وَجل: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النُّور: 27]، قِيلَ مَعْنَاهُ: وتستأذنوا، وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير، أَي تسلموا وتستأذنوا، وَقيل: هُوَ

أَن يتَكَلَّم بتسبيحة أَو تَكْبِيرَة، أَو يَتَنَحْنَح ينظر هَل فِيهَا أحد يَأْذَن لَهُ مِن قَوْلهم: {آنَسْتُ نَارًا} [طه: 10]، أَي أبصرتها، وَقيل: الِاسْتِئْنَاس طلب الْأنس، وَمَعْنَاهُ هَذَا أَيْضا، وَهُوَ أَن ينظر هَل فِيهِ إِنْسَان يَأْذَن لَهُ؟ وَقد رُوِيَ عَن كلدة بْن حَنْبَل، أَن صَفْوَان بْن أُميَّة بَعثه بِلَبن وجداية وضغابيس إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى الْوَادي، قَالَ: فَدخلت عَلَيْهِ، وَلم أسلم وَلم أَسْتَأْذن، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارْجع فَقل: السَّلَام عَلَيْكُم أَأدْخل؟ ". والجداية الصَّغِير مِن الظباء بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا، والضغابيس صغَار القثاء، وَاحِدهَا ضغبوس. وَرُوِيَ عَن ابْن عُمَر اسْتَأْذن عَلَيْهِ رَجُل، فَقَالَ: أَدخل؟ قَالَ ابْن عُمَر: لَا، فَأمر بَعضهم الرجل أَن يسلم، فَسلم، فَأذن لَهُ. وَرُوِيَ مثل هَذَا عَن ابْن سِيرِين مُرْسلا مَرْفُوعا. وَقيل: إِن وَقع بَصَره عَلَى إِنْسَان، قدم السَّلَام، وَإِلَّا قدم الاسْتِئْذَان. وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد وَقَتَادَة، أَنَّهُمَا قَالَا: إِذا دخلت بَيْتا لَيْسَ فِيهِ أحد، فَقل: السَّلَام علينا وعَلى عباد اللَّه الصَّالِحين، فَإِن الْمَلَائِكَة ترد. وَرُوِيَ عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النُّور: 61]، قَالَ: بَيْتك إِذا دَخلته، فَقل: سَلام عَلَيْكُم، وَعَن الزُّهْرِيّ مثله.

باب إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن

بَاب إِذا دعِي الرجل فجَاء هَل يسْتَأْذن 3321 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، أَنا مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ، الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ، فَادْعُهُمْ إِلَيَّ، فَأَتَيْتُهُمْ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الإِمَامُ: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ، فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ إِذْنٌ». وَقَالَ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

باب

قَالَ: «رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُمَا». بَاب 3322 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْميربَنْدكُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا حَفْصٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ تَرْفَعَ الْحِجَابَ، وَتَسْتَمِعَ سِوَادِي حَتَّى أَنْهَاكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ والسواد: السرَار، يقَالَ: ساودت الرجل سوادا ومساودة: إِذا

باب كراهية أن يقول أنا

ساررته، قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَيجوز الرّفْع وَهُوَ بِمَنْزِلَة جوَار وَجوَار، فالجوار الْمصدر، والجوار الِاسْم، وَهُوَ مِن إدناء سوادك مِن سوَاده، وَهُوَ الشَّخْص، فَإِن السوَاد لَا يكون إِلَّا بإدناء السوَاد مِن السوَاد. بَاب كَرَاهِيَة أَن يَقُولُ أَنا 3323 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا، " اسْتَأْذَنْتَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ " فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: «أَنَا أَنَا!!» كَأَنَّهُ كَرِهَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 3324 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، نَا عَمْرُو بْنُ حَكَّامٍ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» قَالَ: قُلْتُ: أَنَا. قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَنَا أَنَا!!» كَأَنَّهُ كَرِهَهُ.

باب المصافحة وفضلها وما قيل في المعانقة والقبلة

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ وَقيل: يحْتَمل أَن تكون كراهيته مِن أجل تَركه الاسْتِئْذَان بِالسَّلَامِ، وَيحْتَمل أَن يكون مِن أجل أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «مِن هَذَا؟»، كَانَ استكشافا للإبهام، وَقَوله: «أَنَا» لم يكن يَزُول بِهِ الْإِشْكَال والإبهام، لِأَن المكاني تكون بَيَانا عِنْد الْمُشَاهدَة، لَا مَعَ المعاينة، فَكَانَ وَجه الْجَواب أَن يَقُولُ: أَنَا جَابِر ليَقَع بِهِ التَّعْرِيف، وَيَزُول الْإِشْكَال. وَرُوِيَ عَن عُمَر، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مشربَة لَهُ، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّهِ، السَّلَام عَلَيْكُم، أَيَدْخُلُ عُمَر؟ فقد جمع بَين السَّلَام والإبانة عَن الِاسْم، وَهُوَ كَمَال الاسْتِئْذَان. بَاب المصافحة وفضلها وَمَا قِيلَ فِي المعانقة والقبلة 3325 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: " أَكَانَتِ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3326 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، فَيُصَافِحَانِ إِلا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْبَرَاءِ. وَابْنُ نُمَيْرٍ: هُوَ عَبْدُ اللَّه بْنُ نُمَيْرٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ: «عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ».

وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: «مِن تَمَامِ التَّحِيَّةِ الْمُصَافَحَةُ». وَصَافَحَ حَمَّادَ بْنَ زَيْدِ ابْنِ الْمُبَارَكِ بِيَدَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ، أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». وَالالْتِزَامُ: هُوَ الْمُعَانَقَةُ. وَكَرِهَ قَوْمٌ الْمُعَانَقَةَ، وَرَخَّصَ فِيهَا قَوْمٌ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: جَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَالْتَزَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3327 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْمَرْوَزِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ التَّاجِرُ، أَنا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ الْحَافِظُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَأَتَاهُ، فَقَرَعَ الْبَابَ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَانًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ، فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرُوِيَ عَن جَعْفَر بْن أَبِي طَالب فِي قصَّة رُجُوعه مِن أَرض الْحَبَشَة، قَالَ: فخرجنا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَة، فتلقاني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعتنقني، ثُمَّ قَالَ: «مَا أَدْرِي أَنَا بِفَتْح خَيْبَر أفرح، أم بقدوم جَعْفَر». وَوَافَقَ ذَلِكَ

فتح خَيْبَر. وَعَن البياضي، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّى جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَالْتَزَمَهُ، وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ». وَدخل أَبُو بَكْر عَلَى عَائِشَة وَهِي مُضْطَجِعَة، قد أَصَابَهَا حمى، فَقَالَ: كَيفَ أَنْت يَا بنية؟ وَقبل خدها. وَقَالَ زارع، وَكَانَ فِي وَفد عَبْد الْقَيْس: فَجعلنَا نتبادر بَين رواحلنا، «فنقبل يَد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرجله». وَعَن تَمِيم بْن سَلمَة، قَالَ: لما قدم عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَّام، استقبله أَبُو عُبَيدة بْن الْجراح، فَأخذ بِيَدِهِ، فقبلها. قَالَ تَمِيم: كَانُوا يرَوْنَ أَنَّهَا سنة. وَقَالَ الشَّعْبِيّ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَافح بَعضهم بَعْضًا، وَإِذا جَاءَ أحدهم مِن سفر، عانق صَاحبه. وَقدم سلمَان، فَدخل الْمَسْجِد، فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو الدَّرْدَاء، فَالْتَزمهُ. وَقَالَ عُمَر بْن ذَر: كنت إِذا ودعت عَطاء بْن أَبِي رَبَاح، التزمني بِيَدِهِ، وضمني إِلَى جلده. قَالَ حميد بْن زَنْجوَيْه: قد جَاءَ عَن النَّبِيّ أَنَّهُ «نهى عَن المعانقة والتقبيل، وَجَاء أَنَّهُ عانق جَعْفَر بْن أَبِي طَالب، وَقَبله عِنْد قدومه مِن أَرض الْحَبَشَة، وَأمكن مِن يَده حَتَّى قبلت»، وَفعل ذَلِكَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بمختلف، وَلكُل وَجه عندنَا،

باب التسليم عند القيام

فَأَما الْمَكْرُوه مِن المعانقة والتقبيل، فَمَا كَانَ عَلَى وَجه الملق والتعظيم، وَفِي الْحَضَر، فَأَما الْمَأْذُون فِيهِ، فَعِنْدَ التوديع، وَعند الْقدوم مِن السّفر، وَطول الْعَهْد بالصاحب، وَشدَّة الْحبّ فِي اللَّه. وَمن قبل، فَلَا يقبل الْفَم، وَلَكِن الْيَد وَالرَّأْس والجبهة، وَإِنَّمَا كره ذَلِكَ فِي الْحَضَر فِيمَا يرى، لِأَنَّهُ يكثر، وَلَا يستوجبه كل أحد، فَإِن فعله الرجل بِبَعْض النّاس دون بعض، وجد عَلَيْهِ الّذين تَركهم، وظنوا أَنَّهُ قد قصر بحقوقهم وآثر عَلَيْهِم، وَتَمام التَّحِيَّة المصافحة. بَاب التَّسْلِيم عِنْد الْقيام 3328 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّغَرْتَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، بِالْبَصْرَةِ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ، فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذَا قَامَ وَالْقَوْمُ جُلُوسٌ، فَلْيُسَلِّمْ، فَإِنَّ الأُولَى لَيْسَتْ بأْحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ».

باب كراهية القيام

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، مُرْسَلا، قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلْتُمْ بَيْتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهِ، وَإِذَا خَرَجْتُمْ، فَأوْدِعُوا أَهْلَهُ بِسَلامٍ». وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسُلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ». وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ قَوْمًا جَلَسُوا إِلَى حُذَيْفَةَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ، اسْتَأْذَنَهُمْ بَاب كَرَاهِيَة الْقيام 3329 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ الأَزْهَرِ الْبَلْخِيُّ الزَّعْفَرَانِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ رُؤيَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ، لَمْ يَقُومُوا، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 3330 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، سَمِعْتُ أَبَا مِجْلَزٍ يُحَدِّثُ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ خَرَجَ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ جَالِسَانِ، فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ، وَقَعَدَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ عِبَادُ اللَّهِ قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا فِي النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْإِمَام: وَهَذَا فِيمَن سلك فِيهِ طَرِيق التكبر، فَأَما الْقيام عَلَى وَجه الاحترام، فَغير مَكْرُوه، فقد قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني قُرَيْظَة حِين أقبل سعد: «قومُوا إِلَى سيدكم».

باب لا يقيم الرجل من مجلسه إذا حضر

بَاب لَا يُقيم الرجل مِن مَجْلِسه إِذا حضر قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَافْسَحُوا} [المجادلة: 11]. 3331 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ. وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَامَ لَهُ الرَّجُلُ عَنْ مَجْلِسِهِ، لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ 3332 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمِّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ،

باب من قام من مجلسه ثم رجع كان أحق به

نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَخْلُفُهُ فِيهِ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ خَلادِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، رَفَعَهُ وَقَالَ: «يَوْمَ الْجُمُعَةِ»، وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ: قُلْتُ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا» بَاب مِن قَامَ مِن مَجْلِسه ثُمَّ رَجَعَ كَانَ أَحَق بِهِ 3333 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ

باب من وجد فرجة في الحلقة فجلس فيها

الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ بَاب مِن وجد فُرْجَة فِي الْحلقَة فَجَلَسَ فِيهَا 3334 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُوسَى الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَا، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا، فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ، فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ، أَمَّا أَحَدُهُمْ، فَأَوَى إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وأَبُو وَاقد اللَّيْثِيّ: اسْمه الْحَارِث بْن عَوْف، وأَبُو مرّة مولى أم هَانِئ بِنْت أَبِي طَالب اسْمه: يزِيد، ويقَالَ لَهُ: مولى عقيل بْن أَبِي طَالب. قَوْله: فاستحيا، فاستحيا اللَّه مِنْهُ، قِيلَ: مَعْنَاهُ جازاه عَلَى استحيائه بِأَن ترك عُقُوبَته عَلَى ذنُوبه، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا} [الْبَقَرَة: 26]، أَي: لَا يتْرك، لِأَن الْحيَاء سَبَب للترك. قَالَ الْإِمَام: فِيهِ بَيَان أَن مِن حضر جمَاعَة، فَوجدَ فِي الْحلقَة فُرْجَة، أَو حضر الصَّلَاة، وَفِي الصَّفّ فُرْجَة، فَالْأولى أَن يدْخل الفرجة،

فَإِن لم يجد، فَلَا يزاحمهم إِلَّا أَن يتفسحوا لَهُ، بل يجلس حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلا بِإِذْنِهِمَا». وَقَالَ جَابِر بْن سَمُرَة: كُنَّا إِذا أَتَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جلسنا حَيْثُ يَنْتَهِي. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مجلز، عَنْ حُذَيْفَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ». وَهَذَا يتَأَوَّل عَلَى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يَأْتِي حَلقَة قوم فيتخطى رقابهم، وَيقْعد وَسطهَا، وَلَا يقْعد حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس، وَالثَّانِي: أَن يقْعد وسط الْحلقَة، فيحول بَين الْوُجُوه، ويحجب بَعضهم عَن بعض، فيتضررون.

باب الجلوس بين الظل والشمس

بَاب الْجُلُوس بَين الظل وَالشَّمْس 3335 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْفَيْءِ، فَقَلَصَ عَنْهُ، فَلْيَقُمْ، فَإِنَّهُ مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ». هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مِن سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ. قَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَجْلِسَ الْإِنْسَانُ بَعْضُهُ فِي الظِّلِّ، وَبَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ

باب من ألقي له وسادة فلم يجلس عليها

بَاب مِن ألقِي لَهُ وسَادَة فَلم يجلس عَلَيْهَا 3336 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قُلابَةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْمَلِيحِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فحدَّثَنَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقَالَ: أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: خَمْسًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: سَبْعًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: تِسْعًا، قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: إِحْدَى عَشْرَةَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ، شَطْرَ الدَّهْرِ، صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

باب التحلق

بَاب التحلق 3337 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟!». قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي حَلَقًا. قَالَ الْإِمَام: وَرَوَاهُ يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، فَقَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ، وَهُمْ حِلَقٌ، فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟» قَوْله: «عزين» يَعْنِي: مُتَفَرّقين مُخْتَلفين لَا يجمعكم مجْلِس وَاحِد، وَوَاحِد العزين عزة، يقَالَ: عزة وعزون، كَمَا يقَالَ: ثبة وثبون وثبات، وَهِي الْجَمَاعَات المتميزة بَعْضهَا عَن بعض.

باب كراهية الجلوس على الطرق

قَالَ الْإِمَام: إِذا تحلق الْقَوْم لقِرَاءَة الْقُرْآن، أَو مذاكرة الْعلم، أَو عِنْد واعظ، أَو معلم يَعِظهُمْ وَيُعلمهُم، فوسط حلقتهم حمى لَيْسَ لأحد أَن يجلس فِيهِ، فيحجب بَعضهم عَن بعض، أَو يحجب بَعضهم عَن رُؤْيَة معلمهم، بل إِن لم يكن فِي الْحلقَة فُرْجَة، وَسعوا الْحلقَة حَتَّى يجلس مَعَهم فِيهَا، فَإِن لم يكن، قعد خَلفهم مِن جَاءَ مِن بعدهمْ كَمَا يَفْعَلُونَ فِي الصَّلَاة. بَاب كَرَاهِيَة الْجُلُوس عَلَى الطّرق 3338 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا أَبُو عَامِرٍ، نَا زُهَيْرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ». قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ 3339 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، نَا أَسَدٌ يَعْنِي ابْنَ مُوسَى، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا خَيْرَ فِي جُلُوسٍ فِي الطُّرُقَاتِ إِلا لِمَنْ هَدَى السَّبِيلَ، وَرَدَّ التَّحِيَّةَ، وَغَضَّ الْبَصَرَ، وَأَعَانَ عَلَى الْحُمُولَةِ». وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «إِيَّاكُمْ وَالْقُعُودَ بِالصُّعُدَاتِ إِلا مَنْ أَدَّى حَقَّهَا»

باب تشميت العاطس وكيفيته

وَالْمرَاد بالصعدات: الطّرق مَأْخُوذَة مِن الصَّعِيد، وَهُوَ التُّرَاب، وَجمع الصَّعِيد صعد، ثُمَّ صعدات جمع الْجمع، كَمَا يقَالَ: طَرِيق وطرق وطرقات. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: نعم صومعة الْمَرْء الْمُسلم بَيته يحفظ عَلَيْهِ سَمعه وبصره، وَإِيَّاكُم ومجالس السُّوق، فَإِنَّهَا تلْغي وتلهي. بَاب تشميت الْعَاطِس وكيفيته 3340 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ، فَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْدُدْهُ مَا اسْتَطَاعَ،

فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَاهْ، ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: " كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ، أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ "، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْنُ عَجْلانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّحْمِيدِ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ عِنْدَه حَتَّى يَسْتَحِقَّ التَّشْمِيتَ وَقَوله: «حق عَلَى كل مُسْلِم» يُرِيد أَنَّهُ مِن فروض الْكِفَايَة. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: معنى حب العطاس وحمده وكراهية التثاؤب وذمه، أَن العطاس إِنَّمَا يكون مَعَ انفتاح المسام، وخفة الْبدن، وتيسر الحركات، وَسبب هَذِه الْأُمُور تَخْفيف الْغذَاء، والإقلال مِن الْمطعم، والتثاؤب إِنَّمَا يكون مَعَ ثقل الْبدن، وامتلائه، وَعند استرخائه للنوم، وميله إِلَى الكسل، فَصَارَ العطاس مَحْمُودًا، لِأَنَّهُ يعين عَلَى الطَّاعَات، والتثاؤب مذموما، لِأَنَّهُ يثنيه عَن الْخيرَات، فالمحبة والكراهية تَنْصَرِف إِلَى الْأَسْبَاب الجالبة لَهما، وَإِنَّمَا أضيف إِلَى الشَّيْطَان، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يزين للنَّفس شهوتها، فَإِذا قَالَ: هَا، يَعْنِي: إِذا بَالغ فِي التثاؤب، ضحك الشَّيْطَان فَرحا بذلك، وَقيل: «مَا تثاءب نَبِي قطّ». والتشميت: هُوَ الدُّعَاء للعاطس بِالْخَيرِ، يقَالَ: شمت الْعَاطِس وسمته بالشين وَالسِّين غير الْمُعْجَمَة، والشين الْمُعْجَمَة

أَعلَى اللغتين، وَالسِّين مِن السمت، وَهُوَ الْقَصْد وَالْهَدْي. 3341 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3342 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ، فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلِ الَّذِي يُشَمِّتُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ: يَهْدِيكَ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكَ ".

هَكَذَا رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَضْطَرِبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ أَحْيَانًا: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ نَافِع: عَن ابْن عُمَر، " إِنَّه كَانَ إِذا عطس، فَقيل لَهُ: يَرْحَمك اللَّه، يَقُولُ: يَرْحَمنَا اللَّه وَإِيَّاكُم، وَيغْفر لنا وَلكم ". وَعَن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، قَالَ: " إِذا عطس الرجل، فَلْيقل: الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَليقل مِن يرد عَلَيْهِ: يَرْحَمك اللَّه، وَليقل هُوَ: يغْفر اللَّه لي وَلكم ". وعطس الْحَسَن، فَقَالَ: «الْحَمد لله عَلَى كل حَال». فَرد الْقَوْم عَلَيْهِ: يَرْحَمكُمْ اللَّه، فَقَالَ الْحَسَن: «يهديكم اللَّه، وَيصْلح بالكم، ويدخلكم الجنَّة عرفهَا لكم». وَرُوِيَ أَن رجلا عطس عِنْد عَبْد اللَّه بْن عُمَر، فَقَالَ: الْحَمد لله رب

الْعَالمين، فَقَالَ ابْن عُمَر: لَوْلَا أتمهَا: وَالسَّلَام عَلَى رَسُول اللَّهِ. قلت: لَعَلَّه اسْتحبَّ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْحَمد، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشَّرْح: 4]، قَالَ مُجَاهِد: لَا أذكر إِلَّا وتذكر معي. قلت: وَفِي تشميت الْعَاطِس لَا يبْدَأ بِنَفسِهِ، بل يخص الْعَاطِس، لِأَنَّهُ مِن حق الْمُسلم عَلَى الْمُسلم، كَمَا يَخُصُّهُ بِالسَّلَامِ إِذا لقِيه، فَإِن دَعَا لِأَخِيهِ بدعوة مُوَاجهَة، أَو فِي كتاب كتب إِلَيْهِ، أَو فِي غيبته، فَيُسْتَحَب أَن يبْدَأ بِنَفسِهِ، رُوِيَ عَن أَبِي بْن كَعْب، قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا دَعَا لأحد، بَدَأَ بِنَفسِهِ، فَقَالَ ذَات يَوْم: «يَرْحَمنَا اللَّه وأخانا مُوسَى». وَلَا بَأْس أَن يَقُولُ فِي رد جَوَاب مِن شمته: يغْفر اللَّه لنا وَلكم. وَقَالَ حميد بْن زَنْجوَيْه: إِذا عطس الرجل فِي مجْلِس كَبِير، أَو سلم عَلَى جمَاعَة، فشمته بَعضهم، أَو رد عَلَيْهِم بَعضهم، أَجْزَأَ عَن كلهم، وَكَانَ الْفَضْل للَّذين شمتوا وردوا، فَإِن تركُوا تشميته، أَو الرَّد عَلَيْهِم كلهم، أثموا كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَة. وَرُوِيَ عَن أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ الْيَهُود يتعاطسون عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرجون أَن يَقُولُ لَهُم: يَرْحَمكُمْ اللَّه، فَيَقُول: «يهديكم اللَّه، وَيصْلح بالكم».

باب ترك تشميت من لم يحمد الله عز وجل

وَقَالَ الشَّعْبِيّ: إِذا عطس الْيَهُودِيّ، فَحَمدَ اللَّه، فَقل: يهديك اللَّه. وَقَالَ: إِذا شمتك الْمُشرك، فَقل: هداك اللَّه. وَسُئِلَ معمر: هَل يشمت الْمَرْأَة الرجل إِذا عطست؟ قَالَ: نعم، لَا بَأْس بذلك. قلت: وَكَذَلِكَ تشميت الْمَرْأَة الْمَرْأَة، وَالْمَرْأَة الرجل. بَاب ترك تشميت مِن لم يحمد اللَّه عز وَجل 3343 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " عَطَسَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلانِ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَمَّتَّ فُلانًا، وَلَمْ تُشَمِّتْنِي، فَقَالَ: إِنَّ هذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدْ " 3344 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، أَنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّهُ عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلانِ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنَّ هَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ، فَلا تُشَمِّتُوهُ» قلت: فِي الحَدِيث بَيَان أَن الْعَاطِس إِذا لم يحمد اللَّه لَا يسْتَحق التشميت. حُكيَ أَن رجلا عطس عِنْد الْأَوْزَاعِيّ، فَلم يحمد الله، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: كَيفَ تَقُولُ إِذا عطست؟ فَقَالَ: أَقُول: الْحَمد لله، فَقَالَ: يَرْحَمك اللَّه. فَأَرَادَ الْأَوْزَاعِيّ أَن يسْتَخْرج مِنْهُ الْحَمد، ليستحق التشميت. وَقَالَ يَحْيَى بْن أَبِي كثير عَن بَعضهم: حق عَلَى الرجل إِذا عطس أَن يحمد اللَّه، وَأَن يرفع بذلك صَوته، وَأَن يسمع مِن عِنْده، وَحقّ عَلَيْهِم أَن يشمتوه. قَالَ مَكْحُول: كنت إِلَى جنب ابْن عُمَر، فعطس

رجل مِن نَاحيَة الْمَسْجِد، فَقَالَ: يَرْحَمك اللَّه إِن كنت حمدت اللَّه. وَقَالَ الشَّعْبِيّ: إِذا سَمِعْتُ الرجل يعطس مِن وَرَاء جِدَار، فَحَمدَ اللَّه، فشمته. وَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِذا عطست وَلَيْسَ عنْدك أحد، فاحمد اللَّه، ثُمَّ قل: يغْفر اللَّه لي وَلكم. فَإِنَّهُ يشمتك مِن سَمعك مِن الْمُسلمين. 3345 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ مَزْكُومٌ ". وَيُرْوَى أَنُّه قَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ: أَنْتَ مَزْكُومٌ «. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا» شَمِّتِ الْعَاطِسَ ثَلاثًا، فَمَا زَادَ، فَهُوَ زُكَامٌ "،

وَيُرْوَى: «فَإِنْ شِئْتَ، فَشَمِّتْهُ، وَإِنْ شِئْتَ فَلا». وَسُئِلَ إِبْرَاهِيم عَن الرجل بِهِ زكام، فعطس مرَارًا؟ قَالَ: أَنَا أشمته ثَلَاثًا ثُمَّ أتركه، وَعَن الْحَسَن مثله. وَقَالَ مُجَاهِد: نشمته مرّة إِذا عطس مرَارًا كَمَا إِذا قَرَأَ سَجْدَة، ثُمَّ قَرَأَ الثَّانِيَة، لم يسْجد. 3346 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أَبُو الْحُرَيْشِ الْكِلابِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ الْوَاسِطِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَطَسَ، غَطَّى وَجْهَهُ بِثَوْبِهِ، أَوْ بِيَدِهِ، ثُمَّ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ مُجَاهِد: عطس ابْن لعبد اللَّه بْن عُمَر، فَقَالَ: أَب أَو أَشهب، فَقَالَ ابْن عُمَر: لَا تقل أَب أَو أَشهب، فَإِنَّهُ اسْم شَيْطَان. وَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِن شَيْطَانا يُسمى أهاب، فَمن عطس، فليخفض مِن صَوته، وَلَا يقل: أهاب.

باب التثاؤب

بَاب التثاؤب 3347 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمِسْمَعِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ ابْنٍ لأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: " سَبْعٌ مِنَ الشَّيْطَانِ: شِدَّةُ الْغَضَبِ، وَشِدَّةُ الْعُطَاسِ، وَشِدَّةُ التَّثَاؤُبِ، وَالْقَيْءُ، وَالرُّعَافُ، وَالنَّجْوَى، وَالنَّوْمُ عِنْدَ الذِّكْرِ ". وَقَالَ مُجَاهِد: إِذا تثاءبت وَأَنت تقْرَأ، فَأمْسك حَتَّى يذهب عَنْك.

باب الضحك

بَاب الضحك 3348 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَنا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3349 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، نَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: " مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُذْ أَسْلَمْتُ، وَلا رَآنِي إِلا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي، وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ 3350 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " 3351 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانُوا يَجْلِسُونَ، فَيَتَحَدَّثُونَ وَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ مَعَهُمْ إِذَا ضَحِكُوا، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ، هَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَعْظَمُ مِنَ الْجَبَلِ. وَقَالَ بِلالُ بْنُ سَعْدٍ: أَدْرَكْتُهُمْ يَشْتَدُّونَ بَيْنَ الأَغْرَاضِ، وَيَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ، كَانُوا رُهْبَانًا 3352 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا قَيْسٌ هُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ الأَسَدِيُّ، نَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: " أَكُنْتَ تُجَالِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَجْلِسُونَ فَيَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ، وَيَذْكُرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ مَعَهُمْ إِذَا ضَحِكُوا "، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب صفة المشي وكراهية التبختر

بَاب صفة الْمَشْي وكراهية التَّبَخْتُر قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لُقْمَان: 19]، وَقَالَ عز وَجل: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الْإِسْرَاء: 37]. قَالَ يزِيد بْن أَبِي حبيب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لُقْمَان: 19]، قَالَ: السرعة. 3353 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، نَا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفِّيًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَصْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ إِذَا

مَشَى تَقَلَّعَ». وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَوْله: «تكفيا» أَي: تمايل إِلَى قُدَّام، كَمَا تتكفأ السَّفِينَة فِي جريها. وَقَوله: «تقلع» أَي: كَانَ قوي المشية يرفع رجلَيْهِ مِن الأَرْض رفعا بَائِنا بِقُوَّة، لَا كمن يمشي اختيالا، وَيُقَارب خطاه تنعما. 3354 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، نَا الْمُقَدَّمِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْهِنْدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَشَى، مَشَى مَشْيًا مُجْتَمِعًا يُعْرَفُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْيِ عَاجِزٍ وَلا كَسْلانَ» 3355 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ، وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، خُسِفَ بِهِ

الأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَوْله: «يتجلجل فِيهَا» أَي: يسوخ فِيهَا، والجلجلة: الْحَرَكَة مَعَ صَوت، أَي: يَتَحَرَّك فِيهَا. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْخُيَلاءِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يُحِبُّ اللَّهُ، فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ، فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَاخْتِيَالِهِ عِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ، فَاخْتِيَالُهُ فِي الْبَغْيِ وَالْفَخْرِ». قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: معنى الاختيال فِي الصَّدَقَة: أَن تهزه أريحية السخاء، فيعطيها طيبَة نَفسه بهَا مِن غير مِن وَلَا تصريد، واختيال الْحَرْب: أَن يتَقَدَّم فِيهَا بنشاط نفس، وَقُوَّة جنان. قَالَ أَبُو عُبَيْد: الاختيال أَصله التجبر وَالْكبر والاحتقار للنَّاس، والاختيال فِي الْحَرْب أَن تكون هَذِه الْخلال مِن التجبر عَلَى الْعَدو، فيستهين بقتالهم، وتقل هيبته لَهُم، فَيكون أجرأ عَلَيْهِم، وَفِي الصَّدَقَة أَن تعلو نَفسه وتشرف، فَلَا

باب كيفية الجلوس

يستكثر كثيرها، وَهَذَا مثل الحَدِيث الْمَرْفُوع «وَإِن اللَّه يحب معالي الْأَخْلَاق وَيكرهُ سفسافها». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ، وَيَقُولُ: هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الزَّهْوِ، وَأَسْرَعُ فِي الْحَاجَةِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «نَهَى أَنْ يَمْشِيَ، يَعْنِي الرَّجُلَ، بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ». وَعَن أَبِي أسيد الْأَنْصَارِيّ، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ للنِّسَاء: «لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تُحَقِّقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ». «تحققن الطَّرِيق»: أَي تركبنه. بَاب كَيْفيَّة الْجُلُوس قَالَ جَابِر بْن سَمُرَة: «رَأَيْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتكئا عَلَى

وسَادَة عَلَى يسَاره». 3356 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ جَدَّتَيْهِ، عَنْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ، " أَنَّهَا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ قَاعِدٌ الْقُرْفُصَاءَ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَخَشِّعَ أُرْعِدْتُ مِنَ الْفَرَقِ " قَالَ الْإِمَام: جدتا عَبْد اللَّه بْن حسان: هما صَفِيَّة ودحيبة ابنتا عليبة، وكانتا ربيبتي قيلة بِنْت مخرمَة، وَكَانَت جدة أَبِيهِمَا. والقرفصاء: جلْسَة المحتبي، وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يحتبي بِثَوْبِهِ، لكنه الَّذِي يحتبي بيدَيْهِ يضعهما عَلَى سَاقيه. 3357 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَدِينِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ،

باب كيفية النوم

عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ فِي الْمَجْلِسِ احْتَبَى بِيَدَيْهِ» 3358 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ هَكَذَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ، تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ». بَاب كَيْفيَّة النّوم رُوِيَ عَن الْبَراء، «أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا أَخذ

مضجعه، وضع كَفه الْيُمْنَى تَحت خَدّه الْأَيْمن». وَعَن عباد بْن تَمِيم، عَن عمّه، «أَنَّهُ رَأَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيا فِي الْمَسْجِد واضعها إِحْدَى رجلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى». 3359 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرِيرِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ، نَصَبَ ذِرَاعَهُ، وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مُضْطَجِعًا عَلَى

بَطْنِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ ضَجْعَةٌ لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ». وَقَالَ أيّوب: عَن ابْن سِيرِين، يكره للرجل أَن يضطجع عَلَى بَطْنه، وَالْمَرْأَة عَلَى قفاها. وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ عَلَيْهِ حِجًى، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ». ويروى هَذَا الْحَرْف بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا، وَالْمرَاد مِنْهُ: السّتْر والحجاب، فَمن كسر الْحَاء شبه بالحجى، الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الْعقل، وَذَلِكَ أَن الْعقل يمْنَع الْإِنْسَان مِن التَّعَرُّض للهلاك، فَكَذَلِك السّتْر عَلَى السَّطْح يمنعهُ مِن التردي والسقوط، وَمن فتح الْحَاء ذهب إِلَى الطّرف والناحية، وأحجاء الشَّيْء: نواحيه وَاحِدهَا حجا مَقْصُور مَفْتُوح، ويروى: «مِن بَات عَلَى إجار»، والإجار: السَّطْح الَّذِي لَيْسَ حواليه مَا يرد المشفي، وَجمعه أجاجير وأجاجرة، والإنجار لُغَة فِيهِ. وَجَاء فِي حَدِيث المبعث: فَتلقى النّاس رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوق وعَلى الأناجير يَعْنِي: السطوح. بَاب

تَحْسِين الْأَسْمَاء 3360 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» 3361 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا سَلْمُ بْنُ عِصَامٍ، نَا عَبْدَةُ الصَّفَّارُ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَعَثْتُمْ إِلَيَّ رَسُولا، فَابْعَثُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الاسْمِ» عُمَر بْن رَاشد ضَعِيف.

باب التسمية باسم النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء الأنبياء عليهم السلام

بَاب التَّسْمِيَة باسم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْمَاء الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام قَالَ أنس: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ». 3362 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، نَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: " لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مَرْيَم: 28]، وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا؟ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقيل فِي قَوْله: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مَرْيَم: 28]، أَي: شبيهته فِي الزّهْد وَالصَّلَاح، وَكَانَ رجلا زاهدا عَظِيم الذّكر فِي زَمَانه، ويقَالَ: كَانَ لِمَرْيَم أَخ يقَالَ لَهُ: هَارُون. 3363 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلا تكتنوا بِكُنْيَتِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 3364 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ، قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: نَادَى رَجُلٌ بِالْبَقِيعِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ،

فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَعْنِكَ، إِنَّمَا عَنَيْتُ فُلانًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» 3364 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: قَالَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ 3365 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ

شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ الْإِمَام: قد اخْتلف أهل الْعلم فِي التكني بكنية النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ لَا يجوز، وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث، رُوِيَ ذَلِكَ عَن الْحَسَن وَابْن سِيرِين وَطَاوُس، وَقَالَ ابْن عون: سَأَلت مُحَمَّدا عَن الرجل يكتني بكنية النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلم يتسم باسمه أيكره؟ قَالَ: نعم. وَقَالَ زبيد: كُنَّا نكنيهم بِأبي الْقَاسِم، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي قَالَ: لَا يجوز لأحد أَن يتكنى بِأبي الْقَاسِم، سَوَاء كَانَ اسْمه مُحَمَّدا أَو لم يكن. قَالَ الْإِمَام: وَهَذَا أولى الْأَقَاوِيل. وَكره قوم الْجمع بَين اسْم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنيته، وَجوز التكني بِأبي الْقَاسِم إِذا لم يكن اسْمه مُحَمَّدا وَأَحْمَد، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَيُسَمَّى مُحَمَّدًا أَبَا الْقَاسِمِ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنْ تَسَمَّى بِاسْمِي، فَلا يَكْتَنِي بِكُنْيَتِي، وَمَنِ اكْتَنَى بِكُنْيَتِي، فَلا يَتَسَمَّى

بِاسْمِي». وَرُوِيَ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ وَلَدٌ أُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ ". وَكَانَت رخصَة لي. وَقد رخص بَعضهم فِي الْجمع، وَقَالَ: إِنَّمَا كره ذَلِكَ عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يشْتَبه، يرْوى ذَلِكَ عَن مَالك. وَكَانَ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة يكنى أَبَا الْقَاسِم، وَكَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الصّديق، وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن أَبِي طَالب، وَمُحَمَّد بْن سعد بْن أَبِي وَقاص، وَمُحَمَّد بْن الْأَشْعَث، وَمُحَمَّد بْن حَاطِب جمع كل وَاحِد مِنْهُم بَين اسْم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنيته. قلت: وَالْأَحَادِيث فِي النَّهْي الْمُطلق أصح. 3366 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بن يحيى، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: " وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ، فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقُلْنَا: لَا نُكَنِّيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلا نُنْعِمُ عَيْنًا،

فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَوْله: «لَا ننعم عينا»، ويروى «لَا ننعمك عينا». مَعْنَاهُ: لَا نكرمك وَلَا نقر عَيْنك بِهَذَا الِاسْم، تَقُولُ الْعَرَب فِي الْكَرَامَة وَحسن الْقبُول: نعم ونعمة عين بِضَم النُّون، فَأَما النِّعْمَة بِالْفَتْح، فالتنعم، وَالنعْمَة بِالْكَسْرِ: مَا أنعم اللَّه عَلَى العَبْد مِن فَضله، يقَالَ: كم مِن ذِي نعْمَة لَا نعْمَة لَهُ، أَي: لَا مُتْعَة لَهُ بِمَالِه. 3367 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِسَبَلانَ، نَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، يُحَدِّثَانِ , عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ». قِيلَ: إِنَّمَا صَار الْحَارِث وَهَمَّام مِن أصدق الْأَسْمَاء مِن أجل مُطَابقَة الِاسْم مَعْنَاهُ، لِأَن الْحَارِث الكاسب، يقَالَ: حرث الرجل: إِذا كسب، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى: 20]. وَهَمَّام: مِن هَمَمْت بالشَّيْء: إِذا أردته، وَمَا مِن أحد إِلَّا وَهُوَ فِي كسب أَو يهم بِشَيْء، وَإِنَّمَا صَار حَرْب وَمرَّة مِن أقبح الْأَسْمَاء لما فِي الْحَرْب مِن المكاره، وَفِي مرّة مِن المرارة والبشاعة، «وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب الفأل الْحَسَن وَالِاسْم الْحَسَن». 3368 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلانِيُّ، سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ الْعَطَّارِ،

حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: «سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوسُفَ، وَأَقْعَدَنِي فِي حِجْرِهِ، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِي» وَرُوِيَ عَن عُمَر، أَنَّهُ كَانَ يكره أَن يُسمى باسم الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة، قِيلَ: إِنَّمَا كره ذَلِكَ أَن يلعن أَو يشْتم باسمه، فيقَالَ: فعل اللَّه بفلان كَذَا، أَو يصغر اسْم وَاحِد مِنْهُم. سُئِلَ أَبُو الْعَالِيَة عَن شَيْء ذكره، فَقَالَ: إِنَّكُم تَفْعَلُونَ مَا هُوَ شَرّ مِن ذَلِكَ، تسمون أَوْلَادكُم أَسمَاء الْأَنْبِيَاء، ثُمَّ تلعنونهم. قَالَ حميد بْن زَنْجوَيْه: لَا بَأْس بأسماء الْأَنْبِيَاء، وَيسْتَحب أَن يُسمى بهَا غير أَنَّهُ يكره أَن يلعن أحد اسْمه اسْم نَبِي، أَو يَدعِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِب، فَإِن كَانَ مُوَاجهَة، فَقَالَ: فعل الله بك وَفعل وَلم يسمه كَانَ أيسر.

باب ما يكره من الأسماء

وَيكرهُ التسمي بأسماء الْمَلَائِكَة مثل جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، لِأَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قد كره ذَلِكَ، وَلم يأتنا عَن أحد مِن الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين أَنَّهُ سمى ولدا لَهُ باسم أحد مِنْهُم، هَذَا قَول حميد بْن زَنْجوَيْه. بَاب مَا يكره مِن الْأَسْمَاء 3369 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ». وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، «أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ». قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلُ «شَاهانشَاه». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: «إِنَّ أَخْنَعَ الأَسْمَاءِ» قَوْله: «أخنع الْأَسْمَاء» أَي: أذلها وأوضعها، والخنوع: الذلة والمسكنة، والخانع: الذَّلِيل الخاضع، وأخنى الْأَسْمَاء أَي: أفحشها

وأقبحها. ويروى «أنخع الْأَسْمَاء أَن يتسمى الرجل باسم ملك الْأَمْلَاك»، يُرِيد: أقتل الْأَسْمَاء وأهلكها، والنخع: هُوَ الْقَتْل الشَّديد. وَتَأَول بَعضهم قَوْله: «باسم ملك الْأَمْلَاك» أَن يتسمى بأسماء اللَّه عز وَجل، كَقَوْلِه: «الرَّحْمَن الجَبّار الْعَزِيز»، وَالَّذِي قَالَه سُفْيَان أشبه، وكل لَهُ وَجه. 3370 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَخْبَثُهُ، وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ، لَا مَلِكَ إِلا اللَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 3371 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، أَنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ خِلاسِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ

يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ لَا مَلِكَ إِلا اللَّهُ» وَرُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسَارًا، وَلا رَبَاحًا، وَلا نَجِيحًا، وَلا أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ، فَيَقُولُ: لَا ". قلت: معنى هَذَا أَن النّاس إِنَّمَا يقصدون بِهَذِهِ الْأَسْمَاء التفاؤل بِحسن ألفاظها ومعانيها، وَرُبمَا يَنْقَلِب عَلَيْهِم مَا قصدوه إِلَى الضِّدّ إِذا سَأَلُوا وقَالُوا: أَثم يسَار أَو نجيح، فَقيل: لَا، فتطيروا بنفيه، وأضمروا الْإِيَاس مِن الْيُسْر والنجاح، فنهاهم عَن السَّبَب الَّذِي يجلب سوء الظَّن، والإياس مِن الْخَيْر. قَالَ حميد بْن زَنْجوَيْه: فَإِذا ابْتُلِيَ رَجُل فِي نَفسه أَو أَهله بِبَعْض هَذِه الْأَسْمَاء، فليحوله إِلَى غَيره، فَإِن لم يفعل، فَقيل: أَثم يسَار، أَثم بركَة، فَإِن مِن الْأَدَب أَن يقَالَ: كل مَا هَهُنَا يسر وبركة وَالْحَمْد لله، ويوشك أَن يَأْتِي الَّذِي تُرِيدُ، وَلَا يقَالَ: لَيْسَ هَهُنَا، وَلَا خرج.

وَمِمَّا لَا يحسن مِن الْأَسْمَاء إِن سُئِلَ عَنْهُ أَن يقَالَ: لَيْسَ هَهُنَا أَو خرج، كل اسْم عَبْد وحامد وَمُسلم ومبارك وَمَيْمُون. وَمن أَسمَاء النِّسَاء سَلامَة وعافية ومَيْمُونَة وَمَا أشبههَا، وَلَكِن يَقُولُ: كلنا عُبَيْد اللَّه وحامدون ومسلمون ومباركون وميمونون، وَقد خرج صَاحبك، وكل مَا هَهُنَا عَافِيَة وسلامة وكلهن ميمونات. وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نعم: يكره أَن يُسمى الرجل مرّة، ويكتنى بِأبي مرّة، وَجَاء فِي الحَدِيث «شَرّ الْأَسْمَاء حَرْب وَمرَّة». ويروى عَن جَابِر، قَالَ: «أَرَادَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام أَن ينْهَى عَن أَن يُسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وَبِنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ سكت عَنْهَا، فَلم يقل شَيْئا، ثُمَّ قبض النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَلم ينْه عَن ذَلِكَ، ثُمَّ أَرَادَ عُمَر أَن ينْهَى عَن ذَلِكَ، ثُمَّ تَركه». وَكره بَعضهم مَالِكًا والْحَارث، وَقَالَ: مَالك صَاحب النَّار، والْحَارث كَانَ اسْم إِبْلِيس. قَالَ عَطاء: بَلغنِي ذَلِكَ، وَقد روينَا «إِن أصدق الْأَسْمَاء الْحَارِث وَهَمَّام»، ويروى النَّهْي عَن تَسْمِيَة الْوَلِيد. وَرُوِيَ عَن عُمَر أَنَّهُ أَرَادَ أَن يكْتب إِلَى رَجُل مِن الْعَجم اسْمه: جوان بِهِ، فَقَالَ: مَا جوان بِهِ؟ قَالُوا: خير الفتيان، قَالَ: فَاكْتُبْ إِلَى شَرّ الفتيان، فَلَعَلَّ مِن أسمائهم مَا لَا يَنْبَغِي لنا أَن نتكلم بِهِ. قِيلَ: يكره مثل هَذِه الْأَسْمَاء لما فِيهِ مِن التكبر، وتزكية النَّفس مثل مردان بِهِ، ومردانشاه. وَفِي أَسمَاء النِّسَاء: دختانشاه وشاه زنان وَمَا أشبه ذَلِكَ.

باب تغيير الأسماء

بَاب تَغْيِير الْأَسْمَاء 3372 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ: حَزْنٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ "، فَقَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي ". قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا حُزُونَةٌ بَعْدُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 3373 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، " أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَغَيْرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. وَرُوِيَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: " كَانَ اسْمِي بُرَّةَ، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ. قَالَتْ: وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْمُهَا بُرَّةُ، فَسَمَّاهَا زَيْنَبَ ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ اسْمُ مَيْمُونَةَ بُرَّةَ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ 3374 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بَرَّةُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ «. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ» أَنَّ بِنْتًا لِعُمَرَ كَانَ يُقَالُ لَهَا

عَاصِيَةُ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ " 3375 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، نَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَيِّرُ الاسْمَ الْقَبِيحَ إِلَى الاسْمِ الْحَسَنِ». وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يُغَيِّرُ الاسْمَ الْقَبِيحَ» وَرُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، " أَنَّ رَجُلا كَانَ اسْمُهُ أَسْوَدَ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ. وَرُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ أَخْدَرِيٍّ، أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ: أَصْرَمُ، قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ: أَنَا أَصْرَمُ. قَالَ: «بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ». قلت: إِنَّمَا غير اسْم الأصرم، لِأَن معنى الصرم القطيعة، فكره لهَذَا. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَغير النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْم الْعَاصِ وعزيزا وعتلة وشيطانا وَالْحكم وغرابا وحبابا وشهابا، فَسَماهُ هشاما، وسمى حَربًا سلما، وسمى المضطجع المنبعث، وَأَرْض تسمى عفرَة سَمَّاهَا خضرَة، وَشعب الضَّلَالَة سماهم بني الرشد، وسمى بني مغواة بني رشد. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: أما الْعَاصِ، فَإِنَّمَا غَيره كَرَاهِيَة لِمَعْنى الْعِصْيَان، وَإِنَّمَا سمة الْمُؤمن الطَّاعَة والاستسلام، والعزيز إِنَّمَا غَيره، لِأَن الْعِزَّة لله، وشعار العَبْد الذلة والاستكانة، وعتلة: مَعْنَاهَا الشدَّة والغلظ، وَمِنْه قَوْلهم: رَجُل عتل، أَي: شَدِيد غليظ، وَمن صفة الْمُؤمن اللين والسهولة، وَشَيْطَان: اشتقاقه مِن الشطن، وَهُوَ الْبعد مِن الْخَيْر، وَهُوَ اسْم المارد الْخَبيث مِن الْجِنّ وَالْإِنْس، وَالْحكم: هُوَ الْحَاكِم الَّذِي إِذا حكم لَا يرد حكمه، وَهَذِه الصّفة لَا تلِيق بِغَيْر اللَّه عز وَجل، وَمن أَسْمَائِهِ الحكم. وغراب مَأْخُوذ مِن الغرب، وَهُوَ الْبعد، ثُمَّ هُوَ حَيَوَان خَبِيث الْفِعْل، خَبِيث الطّعْم، أَبَاحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتله فِي الْحل

وَالْحرم. وحباب: نوع من الْحَيَّات، وَرُوِيَ إِن الْحباب اسْم الشَّيْطَان، والشهاب: الشعلة مِن النَّار، وَالنَّار عُقُوبَة اللَّه. وَأما عفرَة: فَهِيَ نعت الأَرْض الّتي لَا تنْبت شَيْئا، فسماها خضرَة عَلَى معنى التفاؤل حَتَّى تخضر. وَرُوِيَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ هَانِئٍ، أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحَكَمُ، فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟» قَالَ: شُرَيْحٌ وَسَلْمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ. قَالَ: «فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟» قَالَ: شُرَيْحٌ. قَالَ: «فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ». قلت: إِن الأولى أَن يكتني الرجل بأكبر بنيه، فَإِن لم يكن لَهُ ابْن، فبأكبر بَنَاته، وَكَذَلِكَ المراة تكتني بأكبر بنيها، فَإِن لم يكن لَهَا ابْن، فبأكبر بناتها، وَكَانَ اسْم أم سَلمَة هِنْد، فتكنت بِابْن لَهَا يقَالَ لَهُ: سَلمَة، وَأم حَبِيبَة اسْمهَا رَملَة، فتكنت بحبيبة. وَرُوِيَ عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا تسموا الحكم، وَلَا أَبَا الحكم، فَإِن اللَّه هُوَ الحكم». وَرُوِيَ أَن ابْنا لعمر يكنى أَبَا

عِيسَى، فَنَهَاهُ، وَقَالَ: إِن عِيسَى لَا أَب لَهُ. وَكَانَ اسْم عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي الْجَاهِلِيَّة عَبْد الْكَعْبَة، فَسَماهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَن. 3376 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: " أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ، فَلَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ، فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفَاقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا اسْمُهُ؟» قَالَ: فُلانٌ. قَالَ: «لَكِنِ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ»، فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ المُنْذِرَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ التَّمِيمِيِّ،

باب الكنية للصغير قبل أن يولد له

عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ أَبِي غَسَّانَ وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَسْرُوقٌ ابْنُ مَنْ؟ قُلْتُ: مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ. قَالَ: الأَجْدَعُ اسْمُ شَيْطَانٍ، أَنْتَ مَسْرُوقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ". بَاب الكنية للصَّغِير قبل أَن يُولد لَهُ 3377 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: " إِنْ كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ،

عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ 3378 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي أَبَا طَلْحَةَ كَثِيرًا، قَالَ: فَجَاءَ يَوْمًا، وَقَدْ مَاتَ نُغَيْرٌ لابْنِهِ، فَوَجَدَهُ حَزِينًا، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ النغير: تَصْغِير النغر، وَهُوَ طَائِر صَغِير، وَيجمع عَلَى النغران. وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد وأنواع مِن الْفِقْه، مِنْهَا أَن صيد الْمَدِينَة مُبَاح بِخِلَاف صيد مكَّة، وَأَنه لَا بَأْس أَن يعْطى الصَّبِي الطير ليلعب بِهِ مِن غير أَن يعذبه، فقد روى ثَابت، عَن أنس، فِي هَذَا الحَدِيث " ولي أَخ صَغِير لَهُ نغر يلْعَب بِهِ فَمَاتَ. قِيلَ فِي قَوْله: يلْعَب: أَي يتلهى بِهِ بحبسه وإمساكه. وَفِيه إِبَاحَة السجع فِي الْكَلَام، وَإِبَاحَة تَصْغِير الْأَسْمَاء، وَفِيه إِبَاحَة الدعابة مَا لم تكن إِثْمًا، فقد رُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّك تداعبنا، قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُول إِلَّا حَقًا».

وَفِيه جَوَاز أَن يكنى الصَّبِي، وَأَنه لَا يعد مِن بَاب الْكَذِب. وَقَالَ أنس بْن سِيرِين: لما ولدت انْطلق بِي إِلَى أنس بْن مَالك، فسماني باسمه وَكَنَّانِي بكنيته. وَعَن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنه كنى عَلْقَمَة أَبَا شبْل، وَلم يُولد لَهُ. 3379 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ نِسَائِكَ لَهَا كُنْيَةٌ غَيْرِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكْتَنِي أَنْتِ بِأُمِّ عَبْدِ اللَّهِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى مَاتَتْ، وَلَمْ تَلِدْ قَطُّ ". وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «اكْتَنِي بِابْنِكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ تُكَنَّى أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ» فَفِيهِ أَن الْمَرْأَة إِذا لم يكن لَهَا وُلِدَ تكتني بِبَعْض وُلِدَ أخواتها، لِأَن الْخَالَة أم. فَإِن لم يكن لَهَا ابْن أُخْت، فببعض وُلِدَ إخوتها، لِأَن

باب لا يقول العبد لمالكه ربي ولا المالك عبدي

الْعمة تقوم مقَام الْأُم فِي بعض الْحَالَات، وَكَذَلِكَ الرجل يكتني بِبَعْض وُلِدَ إخْوَته إِذا لم يكن لَهُ وُلِدَ، لِأَن الْعم أَب، فَإِن لم يكن لَهُ وَلَا لأحد مِن إخْوَته وُلِدَ، فبولد أخواته، لِأَنَّهُ خَال لَهُم، فَإِن لم يكن أحد مِن أهل النّسَب، فَمن الرَّضَاع عَلَى مَا وَصفنَا. بَاب لَا يَقُولُ العَبْد لمَالِكه رَبِّي وَلَا الْمَالِك عَبدِي 3380 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اسْقِ رَبَّكَ، أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، وَلا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: رَبِّي، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي وَمَوْلايَ، وَلا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي، أَمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ، وَفَتَاتِي، وَغُلامِي ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

3381 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى، عَنِ الأَعْمَشِ، أَرَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي، فَإنَّ كُلَّكُمْ عَبْدٌ، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ، وَلا يَقُولَنَّ: رَبِّي، فَإِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي «. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ وَلَمْ يَذْكُرْ» فَإِنَّ رَبَّكَم اللَّهُ «. وَقَالَ وَكِيعٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ،» وَلا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: مَوْلايَ «، زَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ» فَإِنَّ مَوْلاكُمُ اللَّهُ " قِيلَ: إِنَّمَا منع مِن أَن يَقُولُ: رَبِّي أَو اسْقِ رَبك، لِأَن الْإِنْسَان مربوب متعبد بإخلاص التَّوْحِيد، فكره لَهُ المضاهاة بِالِاسْمِ لِئَلَّا يدْخل فِي معنى الشّرك، وَالْعَبْد وَالْحر فِيهِ بِمَنْزِلَة وَاحِدَة، فَأَما مَا لَا تعبد عَلَيْهِ مِن سَائِر الْحَيَوَان والجماد، فَلَا يمْنَع مِنْهُ، كَقَوْلِك: رب الدَّار، وَرب الدَّابَّة وَالثَّوْب، وَلم يمْنَع العَبْد أَن يَقُولُ: سَيِّدي ومولاي، لِأَن مرجع السِّيَادَة إِلَى معنى الرياسة عَلَى مِن تَحت يَده، والسياسة لَهُ، وَحسن التَّدْبِير لأَمره، وَلذَلِك سمي الزَّوْج سيدا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يُوسُف: 25]، وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحسنِ بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «إِن ابْني هَذَا سيد، وسيصلح اللَّه بِهِ بَين فئتين عظيمتين». وَكَانَ مَا جرى مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْت حَسَن التَّدْبِير وَالنَّظَر، وَإِن كَانَ أَحَق بِالْأَمر مِن غَيره. وَالْمولى كثير التَّصَرُّف مِن ولي، وناصر، وَابْن عَم، وحليف، ومعتق، وَأَصله مِن ولَايَة أَمر وإصلاحه، فَلم يمْنَع مِن أَن يُوصف بِهِ مَالك الرَّقَبَة عَلَى أَنَّهُ قد جَاءَ فِي رِوَايَة " وَلَا يقل العَبْد: مولَايَ "، وَمنع السَّيِّد مِن أَن يَقُولُ: عَبدِي، لِأَن هَذَا الِاسْم مِن بَاب الْمُضَاف، وَمُقْتَضَاهُ الْعُبُودِيَّة لَهُ، وَصَاحبه عَبْد لله، متعبد بأَمْره وَنَهْيه، فإدخال مَمْلُوكه تَحت هَذَا الِاسْم يُوهم التَّشْرِيك، وَمعنى هَذَا الِاسْم رَاجع إِلَى الْبَرَاءَة مِن الْكبر، والتزام الذل والخضوع، فَلم يحسن لعبد أَن يَقُولُ: فلَان عَبدِي، بل يَقُولُ: فَتَاي، وَإِن كَانَ قد ملك فتاه امتحانا وابتلاء مِن اللَّه لخلقه، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الْفرْقَان: 20]، وعَلى هَذَا امتحان اللَّه أنبياءه، ابْتُلِيَ يُوسُف بِالرّقِّ، ودانيال صلى اللَّه عَلَيْهِمَا حِين سباه بخْتنصر.

3382 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ، وَلكِنْ لِيَقُلْ: غُلامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ قَالَ الْإِمَام: قِيلَ فِي كَرَاهِيَة هَذِه الْأَلْفَاظ: هِيَ أَن تَقُولُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيق التطاول عَلَى الرَّقِيق، والتحقير لشأنه، وَإِلَّا قد جَاءَ بِهِ الْقُرْآن، فَقَالَ عز ذكره: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النُّور: 32]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النَّحْل: 75]، وَقَالَ عز وَجل: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يُوسُف: 42]، كَمَا قَالَ تبَارك وَتَعَالَى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النِّسَاء: 25]، {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يُوسُف: 25].

باب

وروى أَبُو معشر، عَن إِبْرَاهِيم، أَنَّهُ كَانَ يكره أَن يُسمى العبيد عَبْد اللَّه وَعَبْد الْمَلِك، وَالْإِمَاء أمة اللَّه، وكل اسْم يُضَاف إِلَى اللَّه عز وَجل. بَاب 3383 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: " كُنَّا نَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا، وَأَنعِمْ صَبَاحًا، فَلَمَّا كَانَ الإسْلامُ نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ ". قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ مَعْمَرٌ: " يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا، وَلا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: أَنْعَمَ اللَّهُ عَيْنَكَ " بَاب 3384 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا

الْعَذَافِرِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ، عَمَّنْ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كُنْتُ رَدِيفَهُ عَلَى حِمَارٍ، فَعَثَرَ الْحِمَارُ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، تَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: صَرَعْتُهُ بِقُوَّتِي، فَإِذَا قُلْتَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَصَاغَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ حَتَّى تَكُونَ أَصْغَرَ مِنَ الذُّبَابِ ". وَرَوَاهُ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا لُعِنَ، ضَحِكَ، وَإِذَا تُعُوِّذَ مِنْهُ، هَرَبَ»

باب ما يكره من ألفاظ العادة وحفظ المنطق

بَاب مَا يكره مِن أَلْفَاظ الْعَادة وَحفظ الْمنطق 3385 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ، إِنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» 3385 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: " لَا يَقُلِ ابْنُ آدَمَ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ، أُرْسِلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 3386 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقُولُوا: الْكَرْمَ، فَإِنَّ الْكَرْمَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ «.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الأَعْرَجُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،» لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ الْكَرْمَ، فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ، وَلَكِنْ قُولُوا حَدَائِقَ الأَعْنَابِ «. وَرَوَاهُ عَلْقَمَة بْن وَائِل، عَن أَبِيهِ، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،» وَلَكِن قُولُوا الْعِنَب والحبلة ". قَالَ الْإِمَام: قد قِيلَ فِي معنى نَهْيه عَن تَسْمِيَة هَذِه الشَّجَرَة كرما: أَن هَذَا الِاسْم عِنْدهم مُشْتَقّ مِن الْكَرم، سموا شَجَرَة الْعِنَب كرما، لِأَنَّهُ يتَّخذ مِنْهُ الْخمر، وَهِي تحث عَلَى السخاء وَالْكَرم، فاشتقوا لتِلْك الشَّجَرَة اسْما مِن الْكَرم، فكره النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْمِيَته لشَيْء حرمه الشَّرْع باسم مَأْخُوذ مِن الْكَرم، وأشفق أَن يَدعُوهُم حَسَن الِاسْم إِلَى شرب الْخمر المتخذة مِن ثَمَرهَا، فسلبها هَذَا الِاسْم تحقيرا لشأنها وتأكيدا لحرمتها، وَجعله صفة للْمُسلمِ الَّذِي يتوقاها، وَيمْنَع نَفسه عَن محارم الشَّرْع عزة وتكرما، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي صفة عباده: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الْفرْقَان: 72]، أَي: معرضين عَنْهُ، قد أكْرمُوا أنفسهم مِن الدُّخُول فِيهِ، وَقَالَ جلّ ذكره: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وَقَوله: «إِن الْكَرم قلب الْمُؤمن»، لما فِيهِ مِن نور الْإِيمَان، وتقوى الْإِسْلَام.

وَقَوله: " لَا يقل ابْن آدم: يَا خيبة الدَّهْر "، فَمَعْنَاه: أَن الْعَرَب كَانَ مِن شَأْنهَا ذمّ الدَّهْر، وسبه عِنْد النَّوَازِل، لأَنهم كَانُوا ينسبون إِلَيْهِ مَا يصيبهم مِن المصائب والمكاره، فَيَقُولُونَ: أَصَابَهُم قوارع الدَّهْر، وأبادهم الدَّهْر، وَذكر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابه عَنْهُمْ، فَقَالَ: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]، وَإِذا أضافوا إِلَى الدَّهْر مَا نالهم مِن الشدائد، سبوا فاعلها، فَكَانَ مرجع سبهم إِلَى اللَّه عز وَجل، إِذْ هُوَ الْفَاعِل فِي الْحَقِيقَة للأمور الّتي يضيفونها إِلَى الدَّهْر، فنهوا عَن سبّ الدَّهْر. 3387 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْله: «فَإِن اللَّه هُوَ الدَّهْر»، أَي: هُوَ صَاحب الدَّهْر، ومدبر الْأُمُور المنسوبة إِلَيْهِ.

3388 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسُبُّ أَحَدُكُمُ الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ، وَلا يَقُولَنَّ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ، فَإِنَّ الْكَرْمَ هُوَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَكَانَ ابْن دَاوُد يُنكر رِوَايَة أَصْحَاب الحَدِيث هَذَا الْحَرْف «وَأَنا الدَّهْر»، مَضْمُومَة الرَّاء، وَيَقُول: لَو كَانَ كَذَلِك، لَكَانَ الدَّهْر اسْما معدودا مِن أَسمَاء اللَّه عز وَجل، وَكَانَ يرويهِ «وَأَنا الدَّهْر أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار»، مَفْتُوحَة الرَّاء عَلَى الظّرْف، يَقُولُ: أَنَا طول الدَّهْر وَالزَّمَان أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار، وَالْأول هُوَ وَجه الحَدِيث وَمَعْنَاهُ، إِذْ لَا يحسن هَذَا التَّأْوِيل، لقَوْله: «فَإِن اللَّه هُوَ الدَّهْر». 3389 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ،

نَا سُفْيَانُ، نَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ 8890 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَوْله: «لقست نَفسِي»، وتمقست: إِذا غثت، وَمعنى قَوْله: خبثت هَذَا أَيْضا، وَلكنه كره لفظ الْخبث، فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى اسْتِعْمَال اللَّفْظ الْأَحْسَن وهجران الْقَبِيح مِنْهُ.

8891 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: " خَطَبَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْكُتْ فَبِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ غَوَى، وَلا تَقُلْ: مَنْ يَعْصِهِمَا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ وَفِيه تَعْلِيم الْأَدَب فِي الْمنطق، وكراهية الْجمع بَين اسْم اللَّه تَعَالَى وَاسم غَيره تَحت حرفي الْكِنَايَة، لِأَنَّهُ يتَضَمَّن نوعا مِن التَّسْوِيَة، وَقد رُوِيَ عَن حُذَيْفَة، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلانٌ، وَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شَاءَ فُلانٌ «، وَهَذَا قريب مِن الأول، وَذَلِكَ أَن الْوَاو لما كَانَ حرف الْجمع والتشريك، منع مِن عطف إِحْدَى المشيئتين

عَلَى الْأُخْرَى بِحرف الْوَاو، فَأمر بِتَقْدِيم مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى، وَتَأْخِير مَشِيئَة مِن سواهُ بِحرف» ثُمَّ " الَّذِي هُوَ للتراخي. وَرُوِيَ بِإِسْنَاد مُنْقَطع أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقولُوا مَا شَاءَ اللَّه وَشاء مُحَمَّد، وَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّه وَحده ". وَرُوِيَ أَن عُثْمَان، قَالَ لرجل: «مَا شِئْت»، ثُمَّ قَالَ: «بل اللَّه أملك بل اللَّه أملك». وَكَانَ إِبْرَاهِيم لَا يرى بَأْسا، أَن يَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّه ثُمَّ شِئْت، وَكَانَ يكره أَن يَقُولُ: أعوذ بِاللَّه وَبِك حَتَّى يَقُولُ: ثُمَّ بك. قَالَ الرّبيع بْن سُلَيْمَان: قَالَ الشّافعيّ: الْمَشِيئَة إِرَادَة اللَّه، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْإِنْسَان: 30]، فَأعْلم اللَّه خلقه أَن الْمَشِيئَة لَهُ دون خلقه، وَأَن مشيئتهم لَا تكون إِلَّا أَن يَشَاء، فيقَالَ لرَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَاءَ اللَّه، ثُمَّ شِئْت، وَلَا يقَالَ: مَا شَاءَ اللَّه وشئت، قَالَ: ويقَالَ: مِن يطع اللَّه وَرَسُوله، فَإِن اللَّه تعبد الْعباد بِأَن فرض طَاعَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذا أطيع رَسُول اللَّهِ، فقد أطيع اللَّه بِطَاعَة رَسُوله. 8892 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي «زَعَمُوا»: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ»

باب إن من البيان لسحرا

قِيلَ: إِنَّمَا ذمّ هَذِه اللَّفْظَة، لِأَنَّهَا تسْتَعْمل غَالِبا فِي حَدِيث لَا سَنَد لَهُ، وَلَا ثَبت فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ شَيْء يحْكى عَن الألسن، فَشبه النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يقدمهُ الرجل أَمَام كَلَامه، ليتوصل بِهِ إِلَى حَاجته مِن قَوْلهم: «زَعَمُوا»، بالمطية الّتي يتَوَصَّل بهَا الرجل إِلَى مقْصده الَّذِي يؤمه، فَأمر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتثبت فِيمَا يحكيه، وَالِاحْتِيَاط فِيمَا يرويهِ، فَلَا يروي حَدِيثا حَتَّى يكون مرويا عَن ثِقَة، فقد رُوِيَ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ». بَاب إِن مِن الْبَيَان لسحرا 8893 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ رَجُلانِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا» قَالَ الْإِمَام: اخْتلف النّاس فِي تَأْوِيل قَوْله: «إِن مِن الْبَيَان سحرًا»، فَمنهمْ مِن حمله عَلَى الذَّم، وَذَلِكَ أَنَّهُ ذمّ التصنع فِي الْكَلَام، والتكلف لتحسينه، ليروق السامعين قَوْله، ويشتمل بِهِ قُلُوبهم، وأصل السحر فِي كَلَامهم الصّرْف، وَسمي السحر سحرًا، لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَن جِهَته، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 89]، أَي: تصرفون عَن الْحق، وَقَوله عز وَجل: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} [الْإِسْرَاء: 47] أَي: مصروفا عَن الْحق، فَهَذَا الْمُتَكَلّم ببيانه يصرف قُلُوب السامعين إِلَى قبُول قَوْله، وَإِن كَانَ غير حق. وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد، قَالَ: قَامَ شَاب، فَاسْتَأْذن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخطْبَة، فَأذن لَهُ، فطول الْخطْبَة، حَتَّى قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيهْ قطّ الآنَ»، أَو كَمَا قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلا مُبَلِّغًا، وَإِنَّ تَشْقِيقَ الْكَلامِ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا». وَرُوِيَ أَن رجلا خطب فَأكْثر،

فَقَالَ عُمَر: إِن كثيرا مِن الْخطب مِن شقاشق الشَّيْطَان. شبه الَّذِي يتفيهق فِي كَلَامه، وَلَا يُبَالِي بِمَا قَالَ مِن صدق أَو كذب بالشيطان. قَالَ اللَّيْث: الشقشقة لهاة الْجمل الْعَرَبِيّ، وَلَا يكون ذَلِكَ إِلَّا للعربي. وَرُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَلَّمَ صَرْفَ الْكَلامِ، لِيُسْبِيَ بِهِ قُلُوبَ الرِّجَالِ أَوِ النَّاسِ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلا». وَالْمرَاد مِن صرف الْكَلَام: فَضله وَمَا يتكلفه الْإِنْسَان مِن الزِّيَادَة فِيهِ مِن وَرَاء الْحَاجة، وَقد يدْخلهُ الرِّيَاء، ويخالطه الْكَذِب، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قد يحِيل الشَّيْء عَنْ ظَاهره ببيانه، ويزيله عَن مَوْضِعه بِلِسَانِهِ، إِرَادَة التلبيس عَلَيْهِم، فَيصير بِمَنْزِلَة السحر الَّذِي هُوَ تخييل لما لَا حَقِيقَة لَهُ. وَقيل: أَرَادَ إِن مِن الْبَيَان مَا يكْسب بِهِ صَاحبه مِن الْإِثْم مَا يكْتَسب السَّاحر بسحره. وَقيل: مَعْنَاهُ: الرجل يكون عَلَيْهِ الْحق، وَهُوَ أَلحن بحجته مِن صَاحب الْحق، فيسحر الْقَوْم ببيانه، فَيذْهب بِالْحَقِّ، وَشَاهده قَول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضُكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ

مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن المُرَاد مِنْهُ مدح الْبَيَان، والحث عَلَى تَحْسِين الْكَلَام، وتحبير الْأَلْفَاظ، لِأَن أحد القرينين، وَهُوَ قَوْله: «إِن مِن الشّعْر حكما»، عَلَى طَرِيق الْمَدْح، فَكَذَلِك القرين الآخر، رُوِيَ عَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، أَن رجلا طلب إِلَيْهِ حَاجَة كَانَ يتَعَذَّر عَلَيْهِ إسعافه بهَا، فاستمال قلبه بالْكلَام، فأنجزها لَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ السحر الْحَلَال. وَرُوِيَ عَن بُرَيْدَة، عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا، وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالا»، فَقَالَ صعصعة بْن صوحان: صدق نَبِي اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أما قَوْله: «إِن مِن الْبَيَان سحرًا» فالرجل يكون عَلَيْهِ الْحق، فَهُوَ أَلحن بالحجج مِن صَاحب الْحق، فيسحر الْقَوْم ببيانه، فَيذْهب بِالْحَقِّ. وَقَوله: «إِن مِن الْعلم جهلا» فيتكلف الْعَالم إِلَى علمه مَا لَا يعلم، فيجهله ذَلِكَ. وَأما قَوْله: «مِن الشّعْر حكما»، فَهِيَ هَذِه الْأَمْثَال والمواعظ الّتي يتعظ النّاس بهَا. وَأما قَوْله: «مِن القَوْل عيالا»، فعرضك كلامك وحديثك عَلَى مِن لَيْسَ مِن شَأْنه وَلَا يُريدهُ.

باب ذم البيان والتنطع

بَاب ذمّ الْبَيَان والتنطع 3394 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنَ الإِيمَانِ، وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنَ النِّفَاقِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي غَسَّانَ. 3395 - أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا دَاوُدُ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَسَاوِئُكُمْ أَخْلاقًا، الثَّرْثَارُونَ

الْمُتَشَدِّقُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ». الثرثار: المكثار فِي الْكَلَام، يقَالَ: عين ثرثارة، إِذا كَانَت وَاسِعَة المَاء، وَأَرَادَ بِهِ الّذين يكثرون الْكَلَام تكلفا. والمتفيهق: الَّذِي يتوسع فِي كَلَامه، ويفهق بِهِ فَمه، أَي: يَفْتَحهُ، مَأْخُوذ مِن الفهق، وَهُوَ الامتلاء، يقَالَ: أفهقت الْإِنَاء ففهق، وبئر مفهاق كَثِيرَة المَاء. وَفِي بعض الرِّوَايَات: «أحاسنكم أَخْلَاقًا، الموطئون أَكْنَافهم الّذين يألفون ويؤلفون». 3396 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلْيَمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ»، قَالَهَا ثَلاثًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. المتنطع: المتعمق فِي الْكَلَام الغالي، وَيكون الَّذِي يتَكَلَّم بأقصى حلقه مَأْخُوذ مِن النطع. 3397 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَأَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ، ابْنَا عَلِيِّ بْنِ

باب الشعر والرجز

أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْن بْنِ شَاذَوَيْهِ الطُّوسِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الْقَطِيعِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرُ بِأَلْسِنَتِهَا». بَاب الشّعْر وَالرجز 3398 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، أَخْبَرَهُ , أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ،

أَخْبَرَهُ أنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. ويروى «إِن مِن الشّعْر حُكمًا»، وَالْمرَاد مِنْهُ الْحِكْمَة أَيْضا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مَرْيَم: 12]، أَي: الْحِكْمَة، وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل: {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} [الشُّعَرَاء: 21]، أَي: الْحِكْمَة، وَمَعْنَاهُ: أَن مِن الشّعْر كلَاما نَافِعًا يمْنَع عَن الْجَهْل والسفه، وأصل الْحِكْمَة: الْمَنْع، وَبهَا سميت حِكْمَة اللجام، لِأَنَّهُ بهَا تمنع الدَّابَّة، وَسمي الْحَاكِم حَاكما، لِأَنَّهُ يمْنَع الظَّالِم عَن الظُّلم، وَأَرَادَ بِهِ مَا نظمه الشُّعَرَاء مِن المواعظ والأمثال الّتي ينْتَفع بهَا النّاس. قَالَ الشّافعيّ: وَالشعر كَلَام، فحسنه كحسن الْكَلَام، وقبيحه كقبيحه، وفضله عَلَى الْكَلَام أَنَّهُ سَائِر، فَإِذا كَانَ الشَّاعِر لَا يعرف بشتم الْمُسلمين وأذاهم، وَلَا يمدح، فيكثر الْكَذِب الْمَحْض، وَلَا يشبب بِامْرَأَة بِعَينهَا، وَلَا يبتهرها بِمَا يشينها، فَجَائِز الشَّهَادَة، وَإِن كَانَ عَلَى خلاف ذَلِكَ، لم يجز. قَالَ مطرف بْن عَبْد اللَّه بْن الشخير: صَحِبت عمرَان بْن الحُصَيْن مِن الْبَصْرَة إِلَى مكَّة، فَكَانَ ينشدني كل يَوْم، ثُمَّ قَالَ لي: إِن الشّعْر كَلَام، وَإِن مِن الْكَلَام حَقًا وباطلا. 3399 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ

أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَصْدَقَ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، وَزَادَا: «وَكَادَ أُميَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ. 3400 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْشَدْتُهُ مِائَةَ قَافِيَةٍ مِنْ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، كُلَّمَا أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيهِ». حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةً، يَعْنِي مِائَةَ بَيْتٍ،

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَادَ ليسلم». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن الطَّائِفِيِّ، وَقَالَ: فَلَقَدْ كَادَ يُسْلِمُ فِي شِعْرِهِ. قَوْله: «هيه» يرْوى «إيه»، أَي: زد، وَهِي كلمة استزادة. يرْوى أَنَّهُ قِيلَ لعبد اللَّه بْن الزبير: يَابْنَ ذَات النطاقين، فَقَالَ: إيه، أَي: زِدْنِي مِن هَذِه النقيبة. ويروى «إيها» بِالنّصب، وَهِي كلمة تَصْدِيق يَقُولُ: صدقت. 3401 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، سَمِعْتُ جُنْدُبًا، يَقُولُ: " بَيْنَما النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ، فَعَثَرَ، فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إِلا إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَصَحَّ عَن الْبَراء بْن عَازِب، أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَالَ يَوْم حنين: «أَنَا النَّبِيّ لَا كذب أَنَا ابْن عَبْدِ الْمطلب». قَالَ الإِمَام: قد ذهب قوم مِن أهل الْعلم إِلَى أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يحسن الشّعْر، وَلَكِن كَانَ لَا يَقُوله، وَتَأَول قَوْله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69]، أَنَّهُ رد عَلَى الْمُشْركين فِي قَوْلهم: {بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الْأَنْبِيَاء: 5]، فبرأه اللَّه عَن ذَلِكَ، وَأخْبر أَنَّهُ لَيْسَ بشاعر، وَمن ذكر بَيْتا وَاحِدًا لَا يلْزمه هَذَا الِاسْم إِنَّمَا الشَّاعِر الَّذِي يقْصد الشّعْر، ويشبب، ويصف، ويمدح، ويتصرف تصرف الشُّعَرَاء. وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يحسن الشّعْر، وَهُوَ الْأَصَح، لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69]، حَتَّى قِيلَ: " إِنَّه لم ينشد بَيْتا تَاما قطّ، أَلا ترَاهُ أَنَّهُ حِين ذكر بَيت طرفَة، وَقَالَ: ويأتيك مِن لم تزَود بالأخبار ". وَحين ذكر قَول الْعَبَّاس بْن مرداس الْأَقْرَع وعيينة، فَقدم الْمُؤخر. وَاخْتلفُوا فِي الرجز هَل هُوَ شعر أم لَا؟ فَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشعر، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يرتجز كَمَا روينَا، وَلَو كَانَ الرجز شعرًا لَكَانَ مَمْنُوعًا عَنْهُ. وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ شعر، وَالنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكر هَذِه الْكَلِمَات عَلَى طَرِيق النّظم، بل قَالَ: «هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع دميت»، مِن غير مد «دميت»، وَقَالَ: «أَنَا النَّبِيّ لَا كذب»، بِنصب الْبَاء «أَنَا ابْن عَبْدِ الْمطلب»، بالخفض أَو لم يكن مصدره عَن نِيَّة وروية، وَإِن اسْتَوَى عَلَى وزن الشّعْر، وَمثله مَوْجُود فِي الْقُرْآن.

أما التمثل بِبَيْت مِن الشّعْر، فَكَانَ مُبَاحا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 3402 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكٌ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ شَيْئًا مِنَ الشِّعْرِ؟ قَالَتْ: " كَانَ يَتَمَثَّلُ مِنْ شِعْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ. قَالَتْ: وَرُبَّمَا قَالَ: وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. 3403 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ الضَّبِّيُّ، نَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابِ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى مَا أَرَى جِلْدَةَ بَطْنِهِ مِمَّا غَطَّاهُ التُّرَابُ، وَهُوَ يَقُولُ: «

وَاللهّ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا، إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا» رَفَع بِهَا صَوْتَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَالَ: رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: «أَبَيْنَا أَبَيْنَا». وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. 3404 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابنَ رَوَاحَةَ، بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

وَفِي حَرَمِ اللَّهِ تَقُولُ شِعْرًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. 3405 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ». قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَرَّةً: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِغَرْزِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ: خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... فَقَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ

بِأَنَّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ " 3406 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، قَالَ لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَجِبْ عَنِّي أَيَّدَكَ اللَّهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ». فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ ". وَبِهِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: " أَنْشَدَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَمَرَّ بِهِ عُمَرُ، فَلَحَظَهُ، وَقَالَ: فِي الْمَسْجِدِ؟! فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَنْشَدْتُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، قَالَ: فَخَشِيَ أَنْ يَرْمِيَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَهُ وَتَرَكَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.

3407 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ، أَوْ هَاجِهِمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ. 3408 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالا: نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِمًا يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ: يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُؤَكِّدُ حَسَّانَ بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا يُنَافِحُ أَوْ يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَوْله: «ينافح»، أَي: يدافع، وَمِنْه قَوْلهم: نفحت الرجل بِالسَّيْفِ: إِذا تناولته بِهِ مِن بعد، ونفحته الدَّابَّة: إِذا أَصَابَته بِحَدّ حافرها، ويروى: «مَا كافحت عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». والمكافحة: الْمُضَاربَة تِلْقَاء الْوَجْه. 3409 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا أَنْزَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّ مَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ». 3410 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ».

باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله عز وجل

وَقَالَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». 3411 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «جَالَسْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ، وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ سَاكِتٌ، وَرُبَّمَا يَتَبَسَّمُ مَعَهُمْ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَقَتَادَةَ يَنْشُدَانِ الشِّعْرَ، وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَفْعَلُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنِّي لأَبْغَضُ الْغِنَاءَ، وَأُحِبُّ الرَّجَزَ. بَاب مَا يكره أَن يكون الْغَالِب عَلَى الْإِنْسَان الشّعْر حَتَّى يصده عَن ذكر اللَّه عز وَجل قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ {224} أَلَمْ

تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ {225}} [الشُّعَرَاء: 224 - 225]، قَالَ الْأَزْهَرِي: إِنَّمَا هُوَ مثل كَمَا تَقُولُ: أَنَا لَك فِي وَاد، وَأَنت لي فِي وَاد، أَي: أَنَا فِي صنف، وَأَنت فِي صنف آخر، وَالْمعْنَى: أَنهم يغلون فِي الْمَدْح والذم، يمدحون فيكذبون، ويذمون فيظلمون. 3412 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا». 3413 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْكُوفِيُّ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ الرَّجُلِ قَيْحًا يرِيه خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، كُلٌّ عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَوْله: «يرِيه» أَي: يفْسد رئته بِالْفَتْح، يقَالَ: ورى الْقَيْح جَوْفه، أَي: أكله، قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ من الوري وَهُوَ أَن يروي جَوْفه، يقَالَ مِنْهُ: رجل موري مشدد غير مَهْمُوز، ويروى عَن أَبِي عبيد فِي معنى هَذَا الحَدِيث، قَالَ: هُوَ أَن يمتلئ جَوْفه شعرًا حَتَّى يغلب عَلَيْهِ، ويشغله عَن الْقُرْآن وَالْعلم. وَحمله بَعضهم على مهاجي النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُوِيَ فِي حَدِيث عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا ودما خير لَهُ من أَن يمتلئ شعرًا قد هجيت بِهِ». وَلَا يَصح إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَأنكر أَبُو عبيد هَذَا التَّفْسِير، وقَالَ:

من حفظ مهاجي النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يكون مُسلما، فَمن حمل الحَدِيث على امتلاء الْقلب مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ رخص فِي الْقَلِيل مِنْهُ. وقَالَ معمر: عَن الْمُغيرَة، عَن إِبْرَاهِيم، قَالَ: الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب. ويروى عَن ابْن مَسْعُود مثله: إِن الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع. وَقيل: الْغناء رقية الزِّنَى. قَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِن كَانَ يديم الْغناء ويغشاه المغنون مُعْلنا، هَذَا سفه ترد بِهِ شَهَادَته، وَإِن كَانَ يقل، لم ترد. فَأَما اسْتِمَاع الحداء، ونشيد الْأَعْرَاب، فَلَا بَأْس بِهِ، وَسمع النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحداء وَالرجز، وَقَالَ لِابْنِ رَوَاحَة: «حرك بالقوم». فَانْدفع يرتجز. قلت: وَقَالَ سَعِيد بْن الْمسيب: إِنِّي لأبغض الْغناء، وَأحب الرجز. قلت: وَمن ترنم بِبَيْت مِن الشّعْر مَعَ نَفسه، فَلَا بَأْس بِهِ. رُوِيَ عَن ابْن سِيرِين، عَن أنس، قَالَ: اسْتلْقى برَاء بْن مَالك عَلَى ظَهره، ثُمَّ ترنم، فَقَالَ لَهُ أنس: اذكر اللَّه أَي أخي. فَاسْتَوَى جَالِسا، وَقَالَ: أَي أنس، أَترَانِي أَمُوت عَلَى فِرَاشِي، وَقد قتلت مائَة مِن الْمُشْركين

مبارزة سوى مِن شاركت فِي قَتله. وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزبير: مَا أعلم رجلا مِن الْمُهَاجِرين إِلَّا قد سَمِعْتُهُ يترنم. ويروى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَأي رَجُل مِن الْمُهَاجِرين لم أسمعهُ يتَغَنَّى النصب. وَالنّصب: ضرب مِن أغاني الْعَرَب، وَهُوَ شبه الحداء، يقَالَ: نصب الرَّاكِب. وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نَوْفَل، أَنَّهُ رَأَى أُسَامَة بْن زيد فِي مَسْجِد الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضجعا رَافعا إِحْدَى رجلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى يتَغَنَّى النصب. وَكَانَ عُمَر لَا يُنكر مِن الْغناء النصب والحداء وَنَحْوهمَا. وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيم المزامير والملاهي وَالْمَعَازِف، وَرُوِيَ عَن نَافِع، قَالَ: " سَمِعَ ابْن عُمَر مِزْمَارًا، فَوضع إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ، ونأى عَن الطَّرِيق، وَقَالَ: كنت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسمع مثل هَذَا، وصنع مثل هَذَا ". وَكَانَ الَّذِي سَمِعَ ابْن عُمَر صفارة الرُّعَاة، وَقد جَاءَ مَذْكُورا فِي الحَدِيث، وَإِلَّا لم يكن يقْتَصر فِيهِ عَلَى سد المسامع دون الْمُبَالغَة فِي الزّجر والردع، وَقد رخص بَعضهم فِي صفارة الرُّعَاة.

باب تحريم اللعب بالنرد

بَاب تَحْرِيم اللّعب بالنرد قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [الْمَائِدَة: 90]، الميسر: الْجَزُور الَّذِي كَانُوا يتقامرون عَلَيْهِ، سمي ميسرًا، لِأَنَّهُ يجزأ أَجزَاء، وكل شَيْء جزأته، فقد يسرته، والياسر: الجازر، لِأَنَّهُ يُجزئ لحم الْجَزُور، يقَالَ: يسر الْقَوْم: إِذا قامروا، وَرجل يسر وياسر. 3414 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ». قُلْتُ: هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ حَرَامٌ. 3415 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدِ , أَنا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ

حَرْبٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَكَانَ ابْن عمر إِذا وجد أحدا يلْعَب بالنرد، ضربه، وَكسرهَا. وَبلغ عَائِشَة أَن أهل بَيت فِي دارها عِنْدهم نرد، فَأرْسلت: لَئِن لم تخرجوها لأخرجنكم من دَاري. وَرُوِيَ عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ، قَالَ: «من لعب بالكعبتين على الْقمَار، فَكَأَنَّمَا أكل لحم الْخِنْزِير، وَمن لعب على غير قمار، فَكَأَنَّمَا ادهن بشحم الْخِنْزِير». وَاخْتلف أهل الْعلم فِي إِبَاحَة اللّعب بالشطرنج، فَرخص فِيهِ بَعضهم، لِأَنَّهُ قد ينتصر بِهِ فِي أَمر الْحَرْب ومكيدة الْعَدو، وَلَكِن بِثَلَاث شَرَائِط: أَلا يقامر بِهِ، وَلَا يُؤَخر الصَّلَاة عَن وَقتهَا، وَأَن يحفظ لِسَانه عَن الْخَنَا وَالْفُحْش، فَإِذا فعل شَيْئا مِنْهَا، فَهُوَ سَاقِط الْمُرُوءَة، مَرْدُود الشَّهَادَة، وَإِلَى الرُّخْصَة فِيهِ ذهب سعيد بْن جُبَير، وَرُوِيَ أَنه كَانَ يلْعَب بِهِ استدبارا. وَكَانَ الشّعبِيّ يلْعَب بِهِ. وَكره الشَّافِعِي اللّعب

بالشطرنج وَالْحمام كَرَاهِيَة تَنْزِيه، لَا كَرَاهِيَة تَحْرِيم إِلَّا أَن يقامر بِهِ فَيحرم، وَحرمه جمَاعَة كالنرد. قَالَ مُجَاهِد: الميسر الْقمَار كُله حَتَّى الْجَوْز الَّذِي يلْعَب بِهِ الصّبيان. وَعَن الْحسن، أَن عُثْمَان كَانَ يَأْمر بقتل الْكلاب وَالْحمام. وَعَن نَافِع، أَن ابْن عمر كَانَ يكره أَن يلْعَب أحد بِهَذِهِ الشهاردة الَّتِي تلعب بهَا النِّسَاء. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب. بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الثَّانِي عشر من " شرح السّنة " ويليه الْجُزْء الثَّالِث عشر وأوله: كتاب الْبر والصلة

33 - كتاب البر والصلة

33 - كتاب البر والصلة بَاب بر الْوَالِدين قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]، وَأثْنى الله على يَحْيَى صلوَات الله عَلَيْهِ، فقَالَ جلّ ذكره: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ} [مَرْيَم: 14]، وعَلى عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ عز وَجل: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} [مَرْيَم: 32]، وَالْبر: الصِّلَة، يقَالَ: بررت وَالِدي أبره، وبررت فِي يَمِيني، وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الْإِسْرَاء: 23]، قَالَ مُجَاهِد: وَأمر رَبك: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الْإِسْرَاء: 23]. 3416 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْحَكَمِ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:

أَنْبِئْنِي بِأَحَقِّ النَّاسِ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ، قَالَ: «نَعَمْ وَاللَّهِ لَتُنَبَّأَنَّ». قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أَبُوكَ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَبِّئْنِي عَنْ مَالِي كَيْفَ أَتَصَدَّقُ بهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَاللَّهِ لَتُنَبَّأَنَّ، تَصَدَّقْ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا كَانَ نَفَسُكَ هَاهُنَا»، وَأَشَارَ شَرِيكٌ إِلَى حَلْقِهِ، قُلْتُ: مَالِي لِفُلانٍ، وَلِفُلانٍ، وَهُوَ لَهُمْ، وَإِنْ كَرِهْتُ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَا حَدِيثَ الْبِرِّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ عُمَارَةَ، وَأَخْرَجَا الْحَدِيثَيْنِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ الْبِرِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَرِيكٍ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ لِمِيقَاتِهَا». قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»

3417 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: «أُمَّكَ». قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمَّكَ». قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمَّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا، أَمْ مَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ». قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ؟ فَقَالَ: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ، فَلا يَرَاهَا»، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ خَالِيًا؟ قَالَ: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ»، وَسَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ، فَيَضْحَكُ مِنْهُ الْقَوْمُ، وَيْلٌ لَهُ، ثُمَّ وَيْلٌ»، وَسَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَأْتِي رَجُلٌ مَوْلاهُ، فَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلٍ هُوَ عِنْدَهُ، فَيَمْنَعُهُ إِلا دُعِيَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ يَتَلَمَّظُ فَضْلَهُ»

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَبَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ. وَيَرْوِي سُفْيَانُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، هَذَا الْحَدِيثَ الأَخِيرَ، وَقَالَ: «إِلا دُعِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَضْلُهُ الَّذِي مَنَعَ شُجَاعًا أَقْرَعَ»، وَأَرَادَ بِالشُّجَاعِ: الْحَيَّةَ. وَالتَّلَمُّظَ: أَنْ يَتَتَبَّعَ بِلِسَانِهِ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ بَيْنَ أَسْنَانِهِ بَعْدَ الأَكْلِ. 3418 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالا: نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ، وَلا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلا الْبِرُّ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ». وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ آخِرَ الْحَدِيثِ، عَنْ سُفْيَانَ، قُلْتُ: ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ

السِّجِسْتَانِيُّ أَنَّ دَوَامَ الْمَرْءِ عَلَى الدُّعَاءِ يُطَيِّبُ لَهُ وُرُودَ الْقَضَاءِ، فَكَأَنَّهُ رَدَّهُ، وَالْبِرُّ يُطَيِّبُ عَيْشَهُ، فَكَأَنَّهُ زِيدَ فِي عُمْرِهِ، وَالذَّنْبُ يُكَدِّرُ عَلَيْهِ صَفَاءَ رِزْقِهِ إِذَا فَكَّرَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ، فَكَأَنَّهُ حُرِمَهُ. 3418 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالُوا: حَارثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ " 3419 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: «نِمْتُ فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ»، وَزَادَ: وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بأُمِّهِ. 3420 - أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَيْنَمَا ثَلاثَةُ

نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ، أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا، فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ، كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَجَعْتُ عَلَيْهِمْ، فَحَلَبْتُ، بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِي، وَإِنَّهُ قَدْ نَأَى بِيَ الشَّجَرُ، فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلابِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمِي، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبُهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَّجَ اللَّهُ لَهُمْ حَتَّى يَرَوْنَ السَّمَاءَ. قَالَ الثَّانِي: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَقِيتُهَا بِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَت: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ،

فَقُمْتُ عَنْهَا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا، فَفَرَّجَ لَهُمْ فُرْجَةً. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرْقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ، قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، فَجَاءَنِي، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَظْلِمْنِي، وَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَهْزَأْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَراعِيَهَا، فَأَخَذَهُ، فَانْطَلَقَ بِهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ مَا بَقِيَ، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُسَيّبِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، هُوَ ابْنُ أَخِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، سَمِعَ نَافِعًا.

قَوْله: «نأى بِي الشّجر»، أَي: بعد المرعى، وَالرُّجُوع عَنْهُ «يتضاغون»، أَي: يصوتون بَاكِينَ. 3421 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ مِنَّا بَرًّا بِوَالِدَيْهِ فَأَمَرَاهُ، أوْ أَمَرَهُ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَتَزَوَّجَ فَتَزَوَّجَ، فَوَقَعَ بَيْنَ أُمِّهِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ شَرٌّ، وَوَافَقَهُ أَهْلُهُ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: طَلِّقْهَا، قَالَ: فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعُقَّ أُمَّهُ، قَالَ: فَرَحَلَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ آمُرُكَ أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَتَكَ، وَلا أنْ تَعُقَّ أُمَّكَ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ حَدَّثْتُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَحَافِظْ إِنْ شِئْتَ، أَوْ ضَيِّعْ». قَالَ: فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنَّهَا طَالِقٌ. فَرَجَعَ وَقَدْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3422 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، نَا أَبُو

بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا يُوسُفُ بْنُ حَبِيبٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ، فَحَافِظْ عَلَى الْبَابِ، أَوْ ضَيِّعْ» قَالَ الْقشيرِي: «أَوسط أَبُواب الجنَّة»، أَي: خير أَبُوابها، يقَالَ: فلَان مِن أَوسط قومه، أَي: مِن خيارهم. 3423 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنا شُعْبَةُ، نَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ قَالَ: «رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبَّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ»

وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ سَائِرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَهُوَ الأَصَحُّ. وَخَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ: ثِقَةٌ مَأْمُونٌ. 3424 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْجَرْجَرَائِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْهَرَوِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، نَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَبِرَّهَا ". وَرَوَاهُ بَعضهم عَن أَبِي بَكْر بْن حَفْص، عَن ابْن عُمَر، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَصح.

باب صلة الوالد المشرك

وأَبُو بَكْر بْن حَفْص: هُوَ ابْن عُمَر بْن سعد بْن أَبِي وَقاص. وَقد صَحَّ عَن الْبَراء، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ». وَقَالَ مَكْحُول: بر الْوَالِدين كَفَّارَة للكبائر، وَلَا يزَال الرجل قَادِرًا عَلَى الْبر مَا دَامَ فِي فصيلته مِن هُوَ أكبر مِنْهُ. بَاب صلَة الْوَالِد الْمُشرك قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لُقْمَان: 15]. 3425 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ، أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: " أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. قَوْلهَا: راغبة أَي طامعة، طالبة لبري تَسْأَلنِي شَيْئا، وأصل الرَّغْبَة: الْحِرْص عَلَى الشَّيْء، وَفِي الحَدِيث «الرغب شُؤْم»، مَعْنَاهُ: الشره والحرص عَلَى الدّنيا، وَرجل رغيب الْجوف: إِذا كَانَ أكولا، وحوض رغيب: كثير الْأَخْذ للْمَاء. وَفِيه مستدل لمن رَأَى وجوب نَفَقَة الْأَب الْكَافِر، وَالأُم الْكَافِرَة عَلَى الْوَلَد الْمُسلم. ويروى أَنَّهَا قَالَتْ: قدمت أُمِّي راغمة، بِالْمِيم، أَي: هاربة مِن قَومهَا. وَقيل: مَعْنَاهُ: كارهة إسلامي وهجرتي. قَالَ سَلام بْن مِسْكين: سَأَلت الْحَسَن، قلت: يَا أَبَا سَعِيد، الرجل يَأْمر وَالِديهِ بِالْمَعْرُوفِ، وينهاهما عَن الْمُنكر، قَالَ: يأمرهما إِن قبلاه، وَإِن كرها، سكت عَنْهُمَا.

باب تحريم العقوق

بَاب تَحْرِيم العقوق قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِمَّا يبلغان عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ الْإِسْرَاء 23. يُرِيد: لَا تقل لَهما مَا يكون فِيهِ أدنى تبرم. والأف والتف: وسخ الْأَظْفَار، ويقَالَ لكل مَا يستثقل ويضجر مِنْهُ: أُفٍّ لَهُ. قَالَ مُجَاهِد: لَا تقذرهما كَمَا كَانَا لَا يقذرانك، وَقَوله عز وَجل: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الْإِسْرَاء: 24]، قَالَ عَطاء: لَا يَنْبَغِي لَك أَن ترفع يَديك عَلَى والديك، وَلَا إِلَيْهِمَا تَعْظِيمًا لَهما، وَقَالَ عُرْوَة: لَا تمْتَنع مِن شَيْء أحباه. وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ".

3426 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُثْمَانُ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنْعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ. وأد الْبَنَات: هُوَ دفنهن أَحيَاء، وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8]، سُئِلَ سَعِيد بْن جُبَير عَن إِضَاعَة المَال، قَالَ: أَن ينْفق الطّيب فِي الْخَبيث. قَوْله: «منع وهات»، يُرِيد منع الْوَاجِب عَلَيْهِ مِن الْحُقُوق، وَأخذ مَا لَا يحل لَهُ مِن أَمْوَال النّاس. 3427 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنْ أَكْبَرِ

الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ». قَالَ: وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يُسَابُّ الرَّجُلَ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. 3428 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ الشَّرْقِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمْتَامُ الضَّبِّيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ، وَلا عَاقٌّ، وَلا مُدْمِنٌ». قَالَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رِوَايَتِهِ: «وَلا مُدْمِنُ خَمْرٍ».

باب ثواب صلة الرحم وإثم من قطعها

بَاب ثَوَاب صلَة الرَّحِم وإثم مِن قطعهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النِّسَاء: 1]، أَي: اتَّقوا الْأَرْحَام أَن تقطعوها. وَمن خفض، أَرَادَ تساءلون بِهِ وبالأرحام، وَهُوَ قَوْلك: نشدتك بِاللَّه وبالرحم. 3429 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ

أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنا حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْغَافِقِيُّ، نَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْن بُكَيْر، عَنِ اللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. قَوْله: «ينسأ فِي أَثَره»، مَعْنَاهُ: يُؤَخر فِي أَجله، يقَالَ: نسأ اللَّه فِي عمرك، وأنسأ عمرك، والأثر هَهُنَا: آخر الْعُمر، وَسمي الْأَجَل أثرا، لِأَنَّهُ يتبع الْعُمر، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12]، أَي: سنوا بعدهمْ مِن السّنَن، فَعمل بهَا. 3430 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عِيسَى الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو ضَمْرَةَ: لَا أًعْلَمُهُ إِلا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ،

فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يَزِيدَ، مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. 3431 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَامَتِ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوَيِ

الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: مَهْ. قَالَتْ: هذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ. قَالَتْ: بَلَى يَا رب. قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [مُحَمَّد: 22] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ: «فَأَخَذَتْ بِحَقْوَيِ الرَّحْمَنِ». وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَقَالَ: «فَأَخَذَتْ بَحَقْوِ الرَّحْمَنِ». وَقَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} [مُحَمَّد: 22]. قِيلَ فِي معنى التَّعَلُّق بحقو الرَّحْمَن: إِنَّه الاستجارة والاعتصام بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يقَالَ: عذت بحقو فلَان: إِذا استجرت بِهِ. وَقيل: الحقو: الْإِزَار، وَإِزَاره عزه، ولاذت الرَّحِم بعزه مِن القطيعة. قَالَ الْإِمَام: كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث فِي دُعَاء المشتكي: «أعوذ بعزة اللَّه مِن شَرّ مَا أجد».

3432 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عَادَ أَبَا الرَّدَّادِ، قَالَ: يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ جَلالُهُ: «أَنَا اللَّهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا، وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا، بتَتُّهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ: اشْتَكَى الرَّدَّادُ اللَّيْثِيُّ، فَعَادَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قُلْتُ: وَهُوَ الأَصَحُّ. 3433 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ثَلاثَةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: القُرْآنُ يُحَاجُّ الْعِبَادَ لَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وَالأَمَانَةُ،

وَالرَّحِمُ تُنَادِي: أَلا مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3434 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، نَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَوْله: «شجنة مِن الرَّحْمَن»، وَهِي بِضَم الشين وَكسرهَا، وَمِنْه قَوْلهم: شجر متشجن: إِذا التف بعضه بِبَعْض، ويقَالَ: الحَدِيث ذُو شجون: يُرَاد تمسك بعضه بِبَعْض، فَقَوله: «شجنة»، أَي: قرَابَة مشتبكة كاشتباك الْعُرُوق. 3435 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، نَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ جَدِّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الرَّحِمُ شُجْنَةٌ كَمَا يَنْبُتُ الْعُودُ فِي الْعُودِ، فَمَنْ وصَلَهَا، وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ، وَتُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ذَلْقٍ: اللَّهُمَّ فُلانٌ وَصَلَنِي، فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَتَقُولُ: إِنَّ فُلانًا قَطَعَنِي، فَأَدْخِلْهُ النَّارَ ". وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ". 3436 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا ابْنُ

أَبِي أُوَيْسٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونَ، وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، لَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلا تَزَالُ تَرَى مَعَكَ ظَهِيرًا مِنَ اللَّهِ مَا زِلْتَ عَلَى ذَلِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْعَلاءِ. قَوْله: «تسفهم المل». أَي تسفي فِي وُجُوههم المل مِن السفوف، قَالَ الْأَزْهَرِي: أصل الْملَّة: التربة المحماة تدفن فِيهَا الخبزة. وَقَالَ القتبي: المل الْجَمْر، ويقَالَ للرماد الْحَار أَيْضا: المل، فالملة مَوضِع الخبزة، يَقُولُ: إِذا لم يشكروك، فَإِن عطاءك إيَّاهُم حرَام عَلَيْهِم، ونار فِي بطونهم 3437 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفًّارُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ،

عَنْ أَبِيهِ، قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. 3438 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» وَسُئِلَ الْحَسَن: مَا بر الْوَالِدين؟ قَالَ: أَن تبذل لَهما مَا ملكت، وتطيعهما فِيمَا أمراك مَا لم يكن مَعْصِيّة، قِيلَ: فَمَا العقوق؟ قَالَ: أَن تهجرهما وتحرمهما، ثُمَّ قَالَ: أما علمت أَن نظرك فِي وُجُوه والديك

عبَادَة، فَكيف بِالْبرِّ بهما. وَقَالَ عُرْوَة بْن الزبير: مَا بر وَالِده مِن سد الطّرق إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لرجل وَهُوَ يعظه فِي بر أَبِيهِ: «لَا تمش أَمَام أَبِيك، وَلَا تجْلِس قبله، وَلَا تَدعه باسمه». وَقَالَ ابْن محيريز: مِن مَشى بَين يَدي أَبِيهِ، فقد عقه إِلَّا أَن يميط لَهُ الْأَذَى عَن الطَّرِيق، وَإِن كناه، أَو سَمَّاهُ باسمه، فقد عقه إِلَّا أَن يَقُولُ: يَا أبه. وَقَالَ طَاوس: مِن السّنة أَن يوقر أَرْبَعَة: الْعَالم، وَذُو الشيبة، وَالسُّلْطَان، وَالْوَالِد، وَمن الْجفَاء أَن يَدْعُو الرجل وَالِده باسمه. 3439 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا أَبُو إِدَامٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فِي حَلْقَةٍ، فَقَالَ: «إِنَّا لَا نُحِلُّ لِرَجُلٍ أَمْسَى قَاطِعَ رَحِمٍ إِلا قَامَ عَنَّا»، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ إِلا فَتًى كَانَ فِي أَقْصَى الْحَلْقَةِ، فَأَتَى خَالَتَهُ، فَقَالَتْ: مَا جَاءَ بِكَ؟ مَا هذَا عَنْ أَمْرِكَ، فَأَخْبَرَهَا بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَجَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لِي لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الْحَلْقَةِ غَيْرَكَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لِخَالَتِهِ، وَمَا قَالَتْ لَهُ، فَقَالَ: اجْلِسْ فَقَدْ أَحْسَنْتَ، أَمَا إِنَّهُ لَا تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ

فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ " أَبُو إدام ضَعِيف، قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل: سُلَيْمَان بْن زيد أَبُو إدام الْمحَاربي، كُوفِي، نَا عُبَيْد اللَّه، أَنَا سُلَيْمَان، عَن ابْن أَبِي أوفى. 3440 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الذُّهْلِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَمْرٍو النَّحْوِيُّ الرَّازِيُّ، بِالرَّيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحَنْظَلِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ زَيْدٍ الْمَحَارِبِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ» 3441 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا، غَيْرَ

سِرٍّ، يَقُولُ: " إِنَّ آلَ أَبِي، قَالَ عَمْرٌو: فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بَيَاضٌ، لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ، وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ". زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبِلالِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،

باب ليس الواصل بالمكافئ

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَقَالَ: «إِنَّ آلَ أَبِي، يَعْنِي فُلانًا، لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاء»، وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ عَنْبَسَةَ. قَوْله: «أبلها بِبلَالِهَا»، أَي أَصْلهَا، يقَالَ: بل الرَّحِم، إِذا وَصلهَا، وَفِي الحَدِيث: «بلوا أَرْحَامكُم»، أَي صلوها وندوها، وهم يَقُولُونَ للقطيعة: يبس. بَاب لَيْسَ الْوَاصِل بالمكافئ 3442 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالا: نَا فِطْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ «إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، وَلَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فِطْرٍ، وَقَالَ: «إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»، وَلَمْ يَذْكُرْ: «إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ» 3443 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَبَدَرْتُهُ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، أَوْ بَدَرَنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: «يَا عُقْبَةُ، أَلا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ أَخْلاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الآخِرَةِ؟ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ، أَلا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ، وَيُبْسَطَ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلْيَصِلْ ذَا رَحِمِهِ»

باب بر أم الرضاع

بَاب بر أم الرَّضَاع 3444 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَمِّهِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لَحْمًا بِالْجِعْرَانَةِ وَأَنَا غُلامٌ شَابٌّ، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، فَقَعَدَتْ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ " وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا، فَلا تَظْلِمُوا "

3445 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيِّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، جَمِيعًا، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِلَ أَبَاهُ فِي قَبْرِهِ، فَلْيَصِلْ إِخْوَانَ أَبِيهِ بَعْدَهُ». قَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي روّاد: إِذا كَانَ الرجل بارًّا بأَبُويه فِي حياتهما، ثُمَّ لم يَفِ بعد مَوْتهمَا بنذورهما، وَلم يقضِ ديونهما، كُتب عِنْد اللَّهِ عاقًا، وَإِذا كَانَ لم يَبرهُمَا فِي حياتهما، ثُمَّ أوفى بنذورهما، وَقضى ديونهما، كتب عِنْد اللَّه بارًّا.

باب رحمة الولد وتقبيله

بَاب رَحْمَة الْوَلَد وَتَقْبِيله 3446 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: " قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسٌ، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ، مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النّاقِدِ، وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. 3447 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيُّ، نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ،

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كِلاهُمَا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. 3448 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، إِمْلاءً. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ، بِهَا، قَالا: أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَزْمُويَه، نَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَبِيٍّ، فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ، وَإِنَّهُمْ لَمِنْ رَيْحَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

قَوْله: «مِن ريحَان الله»، قِيلَ: مِن رزق اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرَّحْمَن: 12]. أَرَادَ الرزق، وَهُوَ الْحبّ. قَوْله: «مَبْخَلَة مَجْبَنَة»، أَرَادَ أَن الرجل إِذا كثر وَلَده، بخل بِمَالِه إبْقَاء عَلَيْهِم، وَجبن عَن الحروب اسْتِبْقَاء لنَفسِهِ. وَفِي الحَدِيث عَن أَبِي سَلمَة، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يدلع لِسَانه للحسين بْن عَلِيّ»، فَإِذا رَأَى الصَّبِي حمرَة لِسَانه، بهش إِلَيْهِ، وتناوله. بهش إِلَيْهِ: يقَالَ للْإنْسَان إِذا نظر إِلَى الشَّيْء، فأعجبه فأسرع إِلَيْهِ وتناوله: بهش إِلَيْهِ. وَقَالَ نَافِع: كَانَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر يلقى ابْنه سالما فيقبله، وَيَقُول: «شيخ يقبل شَيخا».

باب رحمة الخلق

وَقَالَ ابْن عُمَر: «إِنَّمَا سماهم اللَّه أبرارا، لأَنهم بروا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء، كَمَا أَن لوالدك عَلَيْك حَقًا، كَذَلِك لولدك عَلَيْك حق». بَاب رَحْمَة الْخلق 3449 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَفَّانَ، نَا ابْنُ نُمَيْرٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الأَشَجِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَأَخْرَجَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كُلٌّ عَنِ الأَعْمَشِ. 3450 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ

الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابْجِرْدِيُّ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ، يَقُولُ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلا مِنْ شَقِيٍّ، وَمَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. أَبُو عُثْمَانَ الَّذِي رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ يُقَالُ: هُوَ وَالِدُ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. 3451 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بَخْتَوَيْهِ، الْمَعْرُوفُ بِالصَّغِيرِ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الشِّيرْنَخْشِيرِيُّ، أَنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّيَّاتُ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلامُ بْنُ سُلَيْمٍ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا الْقَاضِي جَنَاحُ بْنُ نَذِيرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، أَنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ،

باب رحمة الصغير وإجلال الكبير

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْحَمْ مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكَ مَنْ فِي السَّمَاءِ» بَاب رَحْمَة الصَّغِير وإجلال الْكَبِير 3452 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ،

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. 3453 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْبَادِي، نَا أَبُو بَكْرٍ مَحْمُودُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، نَا أَبُو قِلابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرِّقَاشِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ بَيَانٍ الْمُعَلِّمُ، نَا أَبُو الرِّجَالِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَكْرَمَ شَابُّ شَيْخًا مِنْ أَجْلِ سِنِّهِ إِلا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ عِنْدِ سِنِّهِ مَنْ يُكْرِمُهُ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِينِيّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «لِسِنّهِ»، وَلَمْ يَقُلْ: «مِنْ أَجْلِ سِنِّهِ»

قَوْله: «إِلَّا قيَّض الله لَهُ»، أَي: سَبَب وقدَّر، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} [فصلت: 25]، أَي: سَبَّبْنَا. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غريبٌ لَا يعرف إِلَّا مِن حَدِيث يزِيد بْن بَيَان. وَقَالَ طَاوس: مِن السّنة أَن يوقر أَرْبَعَة: الْعَالم، وَذُو الشيبة، وَالسُّلْطَان، وَالْوَالِد. قلت: إِذا اجْتمع قوم، فالأمير أولاهم بالتقديم، ثُمَّ الْعَالم، ثُمَّ أكبرهم سنا، وَلَا يَنْبَغِي للْعَالم أَن يتَقَدَّم أَبَاهُ وأخاه الْأَكْبَر لما عَلَيْهِ مِن حق الْوَالِد وَالْأَخ الْأَكْبَر. قَالَ حميد بْن زَنْجوَيْه: يَنْبَغِي للمرء أَن يوقر عمّه، وَإِن كَانَ أَصْغَر مِنْهُ، ولبنت الْأُخْت أَن توقر خَالَتهَا، وَإِن كَانَت أَصْغَر مِنْهَا، لِأَن الْعم أَب، وَالْخَالَة أم. وَإِذا كَانَت للرجل نسْوَة، فَأَرَادَ أَن يقسم بَينهُنَّ شَيْئا، أَو يسلم عَلَيْهِنَّ، أَو يَأْتِي إلَيْهِنَّ مَعْرُوفا، بَدَأَ بأكبرهن سنا، ثُمَّ الّتي تَلِيهَا فِي السن حَتَّى تكون الصُّغْرَى آخِرهنَّ. قَالَتْ عَائِشَة: «كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا صلى الظّهْر، دخل عَلَى نِسَائِهِ وَاحِدَة وَاحِدَة، وَكَانَ أولهنَّ يبْدَأ بهَا أم سَلمَة، لِأَنَّهَا أكبرهن حَتَّى تكون عَائِشَة آخِرهنَّ، وَإِذا قسم بَين جمَاعَة مِن الصغار شَيْئا، بَدَأَ بأصغرهم سنا، ثُمَّ الثَّانِي حَتَّى يكون أكبرهم آخِرهم»، وَذَلِكَ لضعف الصَّغِير، وَقلة صبره، وَسُرْعَة بكائه، وَالْكَبِير يوقر لفضل سنه، وَالصَّغِير يرحم لصغره وَضَعفه.

باب ثواب كافل اليتيم

وَجَاء فِي الحَدِيث عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن مِن إجلال اللَّه تَعَالَى إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم، وحامل الْقُرْآن غير الغالي فِيهِ، وَلَا الجافي عَنْهُ، وإكرام ذِي السّلطان المقسط». قَالَ الشَّعْبِيّ: أمسك ابْن عَبَّاس بركاب زيد بْن ثَابت، وَقَالَ: هَكَذَا يفعل بالعلماء. بَاب ثَوَاب كافل الْيَتِيم قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الْأَنْعَام: 152]. وَقَالَ عز وَجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [الْبَقَرَة: 220]. وَقَالَ جلّ ذكره: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: 2]، أَي: يَدْفَعهُ بعنف، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطّور: 13].

3454 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا»، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُما شَيْئًا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ. 3455 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عتَّابٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بأُصْبُعَيْهِ: أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا «، وَهُوَ يُشِيرُ بِأُصْبُعَيْهِ»

3456 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ، لَمْ يَمْسَحْهُ إِلا لِلَّهِ، كَانَ لَهُ بكُلِّ شَعْرَةٍ تَمَسُّ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ»، وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ " 3457 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ آوَى يَتِيمًا إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ الْبَتَّةَ، وَمَنْ عَالَ ثَلاثَ بَنَاتٍ أَوْ مِثْلَهُنَّ مِنَ الأَخَوَاتِ، فَأَدَّبَهُنَّ وَرَحِمَهُنَّ حَتَّى يُغْنِيَهُنَّ اللَّهُ، أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوِ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: أَوِ اثْنَتَيْنِ، حَتَّى لَوْ قَالُوا:

باب الساعي على الأرملة

وَوَاحِدَةً، لَقَالَ: وَاحِدَةً، وَمَنْ أَذْهَبَ اللَّهُ بِكَرِيمَتَيْهِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا كَرِيمَتَاهُ؟ قَال: عَيْنَاهُ ". وَحُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ أَبُو عَلِيٍّ الرَّحبِيُّ، لَقَبُهُ: حَنَشٌ، ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ. وَلَهُ نُسْخَةٌ يَرْوِيهَا عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَكْثَرُهَا مَقْلُوبَةٌ. بَاب السَّاعِي عَلَى الأرملة 3458 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَنا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، وَأَحْسَبُهُ قَالَ، يَشُكُّ الْقَعْنَبِيُّ: «كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ.

باب تعاون المؤمنين وتراحمهم

بَاب تعاون الْمُؤمنِينَ وتراحمهم قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [الْمَائِدَة: 2]. 3459 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، وَالصَّغَانِيُّ، وَعَمَّارٌ، فِي آخَرِينَ، قَالُوا: نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَكَرِيَّا 3460 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا زَيْدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّرِيفُ،

بِالْكُوفَةِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، نَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ، تَدَاعَى سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ. 3461 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْأَلُ، وَطَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأَبُو بُرْدَةَ الأَوَّلُ: هُوَ بُرَيْدُ بْنُ

باب ثواب المتحابين في الله

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَوَّلَهُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَآخِرَهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، كُلٌّ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى بَاب ثَوَاب المتحابين فِي الله قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، قَالَ: وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ ". وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَة: «آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ». وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف: «لما قدمنَا الْمَدِينَة، آخى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيني وَبَين سعد بْن الرّبيع». وَقَالَ أنس: «آخى بَين أبي عُبَيدة وَأَبِي طَلْحَة». 3462 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعْدِ بْنِ يَسَارٍ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلِّي ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَة بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ. 3463 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإِذَا فَتًى بَرَّاقُ الثَّنَايَا، وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ لأُحِبُّكَ لِلَّهِ، فَقَالَ: اللَّهَ؟ فَقُلْتُ: اللَّهَ، فَقَالَ: اللَّهَ، فَقُلْتُ: اللَّهَ، وَأَخَذَ بِحَبْوَةِ رِدَائِي، فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " قَالَ اللَّهُ

تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ " 3464 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [الْمَائِدَة: 101]، قَالَ: فَنَحْنُ نَسْأَلُهُ إِذْ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ بِقُرْبِهِمْ وَمَقْعَدِهِمْ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَفِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ أَعْرَابِيٌّ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَمَى بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْهُمْ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: فَرَأَيْتُ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِشْرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ عِبَادٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ بُلْدَانٍ شَتَّى، وَقَبَائِلَ شَتَّى مِنْ شُعُوبِ الْقَبَائِلِ، لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ يَتَوَاصَلُونَ بِهَا، وَلا دُنْيَا يَتَبَاذَلُونَ

بِهَا، يَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللَّهِ، يَجْعَلُ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ نُورًا، وَيَجْعَلُ لَهُمْ مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ قُدَّامَ الرَّحْمَنِ، يَفْزَعُ النَّاسُ وَلا يَفْزَعُونَ، وَيَخَافُ النَّاسُ وَلا يَخَافُونَ " وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بهْرَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غُنْمٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 3465 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّ رَجُلا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا عَلَى مَدْرَجَتِهِ، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: فَهَلْ لَهُ عَلَيْكَ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا إِلا أَنِّي أُحِبُّهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ: إِنَّ اللَّهَ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَ لَهُ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. 3465 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الْمُقْرِي، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ إِنَّهُ يُحِبُّكَ بِحُبِّكَ إِيَّاهُ» 3466 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْبُوشَنْجِيُّ، وَمُوسَى بْنُ الْمُهْتَدِي الْمَرُّوذِيُّ، قَالا: نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَحَابَّ رَجُلانِ فِي اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلا كَانَ أَفْضَلَهُمَا أَشَدُّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ». وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 3467 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ،

وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الإِيمَانِ، فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ». وَيَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ كُنْيَتُهُ أَبُو بَلْجٍ. 3468 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، نَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ، نَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي ذَرٍّ: " يَا أَبَا ذَرٍّ أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: الْمُوَالاةُ فِي اللَّهِ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ "

3469 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبِسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطَاكِيُّ، نَا سُوَيْدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الذِّمَارِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَإِنَّ أَفْضَلَكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقًا، وَإِنَّ مِنَ الإِيمَانِ حُسْنَ الْخُلُقِ»

باب الحب في الله عز وجل

بَاب الْحبّ فِي اللَّه عز وَجل قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مَرْيَم: 96]، قَالَ ابْن عَبَّاس: أَي: محبَّة فِي قُلُوب الصَّالِحين. 3470 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ لِجِبْرِيلَ: قَدْ أَحْبَبْتُ فُلانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلانًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَضَعُ لَهُ الْقَبُولَ فِي الأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ الْعَبْدَ "، قَالَ مَالِكٌ: لَا أَحْسَبُهُ إِلا قَالَ فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةِ الدَّاوُدِيِّ: «ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ». أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ،

أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّد الصفَّار، نَا أَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّماديّ، نَا عَبْد الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «وَإِذَا أَبْغَضَ بِمِثْلِ ذلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، وَذَكَرَ فِي الْبُغْضِ مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الْحُبِّ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُبِّ، وَقَالَ: " وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلانًا، فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ " وَكتب أَبُو الدَّرْدَاء إِلَى مسلمة بْن مخلد: سَلام عَلَيْك أما بعد، فَإِن العَبْد إِذا عمل بِطَاعَة الله، أحبه الله، فَإِذا أحبه الله، حببه إِلَى عباده، وَإِن العَبْد إِذا عمل بِمَعْصِيَة الله أبغضه الله، فَإِذا أبغضه، بغضه إِلَى عباده. 3471 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمِ بْنِ حَسَّانٍ الْبَزَّازُ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود: «الْأَرْوَاح جنود مجندة تلاقى، فتشام كَمَا تشام الْخَيل، فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف، وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف». وَفِي الحَدِيث بَيَان أَن الْأَرْوَاح خلقت قبل الأجساد، وَأَنَّهَا مخلوقة على الائتلاف وَالِاخْتِلَاف، كالجنود المجندة إِذا تقابلت وتواجهت، وَذَلِكَ على مَا جعلهَا الله عَلَيْهِ من السَّعَادَة والشقاوة، ثمَّ الأجساد الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاح تلتقي فِي الدُّنْيَا، فتأتلف وتختلف على حسب مَا جعلت عَلَيْهِ من التشاكل والتناكر فِي بَدْء الْخلق، فترى الْبر الْخَيْر يحلب مثله، والفاجر يألف شكله، وينفر كل عَن ضِدّه. وَفِيه دَلِيل على أَن الْأَرْوَاح لَيست بأعراض، أَنَّهَا قد كَانَت مَوْجُودَة قبل الأجساد، وَأَنَّهَا تبقى بعد فنَاء الأجساد، كَمَا أخبر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الشُّهَدَاء: «أَن أَرْوَاحهم فِي جَوف طير خضر، تسرح من الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت».

باب زيارة الإخوان

بَاب زِيَارَة الإخوان 3472 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: " إِذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ أَوْ زَارَهُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلا ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو سِنَانٍ اسْمُهُ عِيسَى بْنُ سِنَانٍ الشَّامِيُّ، وَرَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ أَبُو حَاتِمٍ الْبَاهِلِيُّ بَصْرِيٌّ تَكَلَّمُوا فِيهِ. 3473 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّامِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ،

باب يحب لأخيه ما يحب لنفسه

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ، أَوْ زَارَهُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مَنْزِلا فِي الْجَنَّةِ " قلت: زِيَارَة الإخوان مُسْتَحبَّة، وَينظر الزائر فِي ذَلِكَ، فَإِن رَأَى أَخَاهُ يحب زيارته، ويأنس بِهِ، أَكثر زيارته، وَالْجُلُوس عِنْده، وَإِن رَآهُ مشتغلا بِعَمَل، أَو رَآهُ يحب الْخلْوَة، يقل زيارته حَتَّى لَا يشْغلهُ عَن عمله، وَكَذَلِكَ عَائِد الْمَرِيض، لَا يُطِيل الْجُلُوس عِنْده إِلَّا أَن يكون الْمَرِيض يسْتَأْنس بِهِ. قَالَ الشَّعْبِيّ: عِيَادَة نوكى الْقُرَّاء أَشد عَلَى الْمَرِيض مِن مَرضه يجيئون فِي غير حِينه، ويطيلون الْجُلُوس. وَاحْتج مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل فِي المداومة عَلَى الزِّيَارَة بِحَدِيث عَائِشَة، قَالَتْ: «لم أَعقل أَبَوي، وهما يدينان الدّين، وَلم يمر عَلَيْهِمَا يَوْم إِلَّا يأتينا فِيهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرفِي النَّهَار بكرَة وَعَشِيَّة». وَقَالَ جرير بْن حَازِم: كُنَّا عِنْد الْحَسَن، فَقَالَ ابْنه: خففوا عَن الشَّيْخ، فَإِنَّهُ لم يطعم وَقد انتصف النَّهَار، فانتهره الْحَسَن، وَقَالَ: مَه فوَاللَّه إِن كَانَ الرجل مِن الْمُسلمين ليزور أَخَاهُ، فيتحدثان ويذكران ربهما حَتَّى تَمنعهُ القائلة. بَاب يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ 3474 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ

باب المرء مع من أحب

مُنِيبٍ، نَا هُدبَةُ بْنُ خَالِدٍ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ». وَأَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الحفيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبجلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَك، أَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَرٍ، نَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، نَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، نَا هَمَّامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: «مِنَ الْخَيْرِ» بَاب الْمَرْء مَعَ مَن أحب 3475 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ،

عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرُّجُلُ يُحِبُّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى. 3476 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ " يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ فَلَمْ يَذْكُرْ كَثِيرًا إِلا أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْكُوفَانِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ،

عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ. 3477 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ فَقَالَ: أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ لَهُ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ". قَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ مِمَّا فَرِحُوا يَوْمَئِذٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ هَمَّامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، كُلٌّ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ الْخطابِيّ: كَانَ سُؤال الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن وَقت قيام السَّاعَة عَلَى وَجْهَيْن، أَحدهمَا: عَلَى معنى التعنت والتكذيب بهَا، وَالْآخر: عَلَى سَبِيل التَّصْدِيق بهَا والشفق مِنْهَا، فَلَمَّا امتحن الْأَعرَابِي، فَوَجَدَهُ يسْأَل تَصْدِيقًا، قَالَ لَهُ: «أَنْت مَعَ مَن أَحْبَبْت»، فألحقه بِحسن النِّيَّة مِن غير زِيَادَة عمل بأصحاب الْأَعْمَال الصَّالِحَة. 3478 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ

زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ، فَقَالَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ. 3479 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلاةِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ؟ قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَثِيرَ صَلاةٍ وَلا صَوْمٍ، وَلَكِنْ أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ مَعَ

مَنْ أَحَبَّ، وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ "، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الإِسْلامِ فَرَحَهُمْ بِهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَنَسٍ. 3480 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " ثَلاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ، وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا لَبَرَرْتُ: لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الإِسْلامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ، وَلا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا، فَوَلاهُ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلا جَاءَ مَعَهُمْ، وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا لَبَرَرْتُ: لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلا سَتَرَ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ ". وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «خَالِطُوا النَّاسَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَأَجْسَادِكُمْ، وَزَايلُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّ لامْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ، وَهُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»

باب القصد في الحب والبغض

بَاب الْقَصْد فِي الْحبّ والبغض 3481 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " يَا أَسْلَمُ لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلا بُغْضُكَ تَلَفًا. قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا أَحْبَبْتَ فَلا تَكْلَفْ كَمَا يُكَلف الصَّبِيُّ بِالشَّيْءِ يُحِبُّهُ، وَإِذَا أَبْغَضْتَ فَلا تُبْغِضْ بُغْضًا تُحِبُّ أَنْ يَتْلَفَ صَاحِبُكَ وَيَهْلِكَ ". وَقَالَ الْحَسَن: أَحِبُّوا هَوْنًا، وَأَبْغِضُوا هَوْنًا، فَقَدْ أَفْرَطَ أَقْوَامٌ فِي حُبِّ أَقْوَامٍ، فَهَلَكُوا، وَأَفْرَطَ أَقْوَامٌ فِي بُغْضِ أَقْوَامٍ فَهَلَكُوا. قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ

باب إعلام من يحبه

يَوْمًا مَا. وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بَاب إِعْلَام مِن يُحِبهُ 3482 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نَاسٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ عِنْدَهُ: إِنِّي لأُحِبُّ هَذَا لِلَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: قُمْ إِلَيْهِ فَأَعْلِمْهُ،

فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكَ مَا احْتَسَبْتَ». وَرُوِيَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ، فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ». وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. وَمعنى الْإِعْلَام: هُوَ الْحَث عَلَى التودد والتآلف، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذا أخبرهُ، استمال بذلك قلبه، واجتلب بِهِ وده. وَفِيه أَنَّهُ إِذا علم أَنَّهُ محب لَهُ، قبل نصحه فِيمَا دله عَلَيْهِ مِن رشده، وَلم يرد قَوْله فِيمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِن صَلَاح خَفِي عَلَيْهِ بَاطِنه. قَالَ ابْن عُمَر: لَيْسَ الْمعرفَة أَن تعرف الرجل بِوَجْهِهِ حَتَّى تعرف اسْمه وَاسم أَبِيهِ، وَإِذا مَاتَ شهِدت جنَازَته.

باب الجليس الصالح والأمر بصحبة الصالحين

بَاب الجليس الصَّالح وَالْأَمر بِصُحْبَة الصَّالِحين 3483 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ جَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ. قَوْله: «يحذيك» أَي: يعطيك، يقَالَ: أحذى يحذي إحذاء، والحذيا والحذية: الْعَطِيَّة. 3484 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ غَيْلانَ، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ التُّجِيبِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ سَالِمٌ: أَوْ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: هَذَا إِنَّمَا جَاءَ فِي طَعَام الدعْوَة دون طَعَام الْحَاجة، وَذَلِكَ أَن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الْإِنْسَان: 8]، وَمَعْلُوم أَن أسراءهم كفار غير مُؤمنين، وَإِنَّمَا حذر مِن صُحْبَة مِن لَيْسَ بتقي، وزجر عَن مخالطته، ومؤاكلته، لِأَن المطاعمة توقع الألفة والمودة فِي الْقُلُوب. 3485 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ الْخُزَاعِيِّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَمَثَلُ الإِيمَانِ، كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي آخِيَّتِهِ يَجُولُ، ثُمَّ

يَرْجِعُ إِلَى آخِيَّتِهِ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْهُو، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الإِيمَانِ، فَأَطْعِمُوا طَعَامَكُمُ الأَتْقِيَاءَ، وَأَوْلُوا مَعْرُوفَكُمُ الْمُؤْمِنِينَ» الآخية: عُوَيْد يعرض فِي الْحَائِط تشد إِلَيْهِ الدَّابَّة، والجميع: الأواخي والأخايا، وَهِي مِن الْفِعْل فاعولة. قَالَ الْأَزْهَرِي: تَقُولُ الْعَرَب للحبل الَّذِي يدْفن مثنيا، ويبرز طرفاه، وَيجْعَل شبه حَلقَة، وتشد إِلَيْهِ الدَّابَّة آخية. 3486 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِشْكَابٍ النَّيْسَابُورِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ الرَّمْلِيُّ، أَنا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُرَاسَانِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أُبْصِرَ النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ.

باب حق الجار

بَاب حق الْجَار 3487 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ. 3488 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرَاهِيجَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» دَاوُد بْن فَرَاهِيجَ: مولى قيس بْن الْحَارِث بْن فهر.

3489 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أًنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَوْله: «بوائقه»، يُرِيد غوائله وشره، يقَالَ: أَصَابَتْهُم بائقة، أَي: داهية. وَرُوِيَ عَن عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ».

باب الرفق

3490 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ أَوْ إِذَا أَسَأْتُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا سَمِعْتَ جِيرَانَكَ يَقُولُونَ: قَدْ أَحْسَنْتَ، فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ أَسَأْتَ، فَقَدْ أَسَأْتَ ". وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا حَمِدَ الرَّجُلَ جَارُهُ، وَذُو قَرَابَتِهِ، وَرَفِيقُهُ، فَلا تَشُكُّوا فِي صَلاحِهِ. بَاب الرِّفْق قَالَتْ عَائِشَة: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ».

3491 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي عَائِشَةُ، قَالَتْ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، نَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ الْمُطَّوِّعِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا الْقَعْنَبِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَةَ الْمُلَيْكِيُّ، يُضَعَّفُ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عَمِّهِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَالْقَاسِمِ، وَطَاوُسٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

3492 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا عَائِشَةَ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3493 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمِقْدَامِ، وَهُوَ ابْنُ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

باب حسن الخلق

بَاب حُسْنِ الْخُلُقِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [الْقَلَم: 4]، قَالَتْ عَائِشَة: «كَانَ خلقه الْقُرْآن». وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ} [الْأَعْرَاف: 199]، أَي: خُذ الميسور مِن أَخْلَاق النّاس، وَلَا تستقص عَلَيْهِم. وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزبير فِي قَوْله عز وَجل: {خُذِ الْعَفْوَ} [الْأَعْرَاف: 199]، وَقَالَ: أَمر نَبِي اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَأْخُذ الْعَفو مِن أَخْلَاق النّاس. وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34]، قَالَ: الصَّبْر عِنْد الْغَضَب، وَالْعَفو عِنْد الْإِسَاءَة، فَإِذا فعلوا، عصمهم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وخضع لَهُم عدوهم كَأَنَّهُ ولي حميم. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، وَقيل فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الْأَعْرَاف: 145]، هُوَ أَن الِانْتِصَار، وَإِن كَانَ جَائِزا عَن الظَّالِم، فالعفو أحسن. 3494 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ، بِبَغْدَادَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ بْنِ مَالِكٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ، فَقَالَ: الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ". وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد الداوُديّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْخضرِ السّوسَنجِرْديُّ، بِبَغْدَادَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْن مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الأَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ. قَوْله: «مَا حاك فِي نَفسك»، أَي: أَخذ قَلْبك، يقَالَ: الحائك الراسخ فِي قَلْبك الَّذِي يهمك. ويروى «الْإِثْم مَا حاك فِي نَفسك»، قَالَ أَبُو عُبَيْد: يقَالَ: حك فِي نَفسِي الشَّيْء: إِذا لم تكن منشرح الصَّدْر بِهِ، وَكَانَ فِي قَلْبك مِنْهُ شَيْء. وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه «الْإِثْم حواز الْقُلُوب»، يَعْنِي: مَا حز فِي صدرك وحاك، وَلم يطمئن عَلَيْهِ الْقلب، فاجتنبه،

فَإِنَّهُ الْإِثْم. وَقَالَ ابْن عُمَر: لَا يبلغ العَبْد حَقِيقَة التَّقْوَى حَتَّى يدع مَا حاك فِي الصَّدْر. 3495 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ. ح، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. 3496 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، تُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَثْقَلَ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُلُقٌ حَسَنٌ، وَإِنَّ اللَّهَ

يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. والبذي: الْفَاحِش السَّيئ القَوْل. قَالَ الشَّعْبِيّ: إِذا عظمت الْحلقَة، فَإِنَّمَا هِيَ بذاء ونجاء، الْبذاء: المباذأة، وَهِي الْفَاحِشَة، والنجاء: الْمُنَاجَاة. 3497 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ الأَوْدِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: " أَتَدْرُونَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ الأَجْوَفَانِ: الْفَرْجُ وَالْفَمُ. أَتَدْرُونَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ".

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَدَاوُد بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْدِيُّ أَبُو يَزِيدَ، عَمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ يَزِيدَ. وَرَوَى أَبُو عِيسَى هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ الأَوْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. 3498 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ جَنَاحِ بْنِ جَبْرَئِيلَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مَحْمُودُ بْنُ مَحْمُودٍ، نَا أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ. ح، وَحَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، أَنا الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَامِرِيُّ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَزَّازُ، نَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عِصَامٍ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفِرْيَانَانِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي , وَعَمِّي يَذْكُرَانِ، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ. قِيلَ: فَمَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ قَالَ: الأَجْوَفَانِ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ " 3499 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، نَا عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ

بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ السَّاهِرِ بِاللَّيْلِ، الظَّامِئِ بِالْهَوَاجِرِ» 3500 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَنا أَبِي، وَشُعَيْبٌ، قَالا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْلِ وَصَائِمِ النَّهَارِ» 3501 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامَ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلادٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ الصَّائِمِ» 3502 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ، وَهُوَ بَاطِلٌ، بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ، وَهُوَ مُحِقٌّ، بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ، بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلاهَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ. قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. 3503 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ،

باب طلاقة الوجه

عَنْ طَلْحَةَ بْنِ كُرَيْزٍ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَمَعَالِيَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. وسفساف الْأُمُور: مداقها وملايمها، شبهت بِمَا دق مِن سفساف التُّرَاب، وَهُوَ مَا تهبى مِنْهُ، وسفساف الدَّقِيق: مَا ارْتَفع مِن غباره عِنْد النّخل، وسفساف الشّعْر: رديئه. بَاب طلاقة الْوَجْه 3504 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي سَلامٌ هُوَ ابْنُ مِسْكِينٍ، حَدَّثَنِي عَقِيلُ بْنُ طَلْحَةَ، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ شَهِدَ عَامَّةَ الْمَشَاهِدِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَبِي جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيِّ، قَالَ: قُلْنَا: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَنُحِبُّ أَنْ تُعَلِّمَنَا عَمَلا لَعَلَ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ، قَالَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ

باب حسن المعاملة مع الناس

مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ، وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ، فَإِنَّهَا مِنَ الْخُيَلاءِ، وَلا يُحِبُّ اللَّهُ الْخُيَلاءَ، وَإِنْ سَبَّكَ رَجُلٌ بِمَا يَعْلَمُ مِنْكَ، فَلا تَسُبَّهُ بِمَا تَعْلَمُ مِنْهُ، فَيَكُونُ لَكَ أَجْرُ ذَلِكَ، وَوَبَالُهُ عَلَيْهِ» مَاتَ سَلام بْن مِسْكين وَحَمَّاد بْن سَلمَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وكنية سَلام أَبُو رَافع. وَصَحَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلْوَ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» بَاب حَسَن الْمُعَامَلَة مَعَ النَّاس قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشُّعَرَاء: 215]، أَي: ليكن جناحك لَهُم لينًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} [الْإِسْرَاء: 24] الْآيَة، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ} [

الْأَعْرَاف: 199]، قَالَ مُجَاهِد: مِن أَخْلَاق النّاس وأعمالهم بِغَيْر تجسس. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي صفة أهل الْإِيمَان: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [الْمَائِدَة: 54]، أَي: جانبهم لين مَعَ الْمُؤمنِينَ، وَلم يرد بِهِ الهوان، وَقَوله عز وَجل: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الْمَائِدَة: 54]، أَي: جانبهم غليظ عَلَيْهِم. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل: 159]، أَي: تفَرقُوا مِن حولك، والفظ: الغليظ السَّيئ الْخلق، وأصل الْفظ: مَاء الكرش يعتصر، فيشرب عِنْد عوز المَاء، سمي فظا لغلظ مشربه. 3505 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَزاِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ نَظِيفٍ الْمِصْرِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الْخَضِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّيُوطِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الأَوْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يُحَرَّمُ عَلَى النَّارِ، وَبِمَنْ تُحَرَّمُ النَّارُ عَلَيْهِ: عَلَى كُلِّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ ".

هَذَا حَدِيث حسنٌ غريبٌ وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ، مُرْسَلا، قَالَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ، إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِنْ أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ» قَوْله: «هَينُونَ لَينُونَ»، الأَصْل فِيهَا التثقيل، فَخفف. الْأنف: الَّذِي قد عقره الخطام أَو الْبرة، فَلَا يمْتَنع على قائده فِي شَيْء للوجع الَّذِي بِهِ، وَقيل: الْجمل الْأنف: الذلول. 3506 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامَوَيْهِ الأَصْفَهَانِيُّ، أَنا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، بِمَكَّةَ، نَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ

باب الحذر

كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خَبٌّ لَئِيمٌ». هَذَا حَدِيث غريبٌ والغر: هُوَ الَّذِي ينخدع لانقياده وَلينه، وضده الخب، يَقُول: إِن الْمُؤمن الْمَحْمُود من كَانَ طبعه وشيمته الغباوة، وَقلة الفطنة للشر، وَترك الْبَحْث عَنهُ، وَلَا يكون ذَلِك مِنْهُ جهلا، وَلكنه كرم وَحسن خلق. والفاجر: من كَانَت عَادَته الدهاء، والبحث عَن الشَّرّ، وَلَا يكون ذَلِك عقلا، وَلكنه خبث ولؤم. وقَالَ صعصعة بْن صوحان لِابْنِ أَخِيه: خَالص الْمُؤمن، وخالق الْفَاجِر، فَإِن الْفَاجِر يرضى مِنْك بالخلق الْحسن، وَأما الْمُؤمن فَحق عَلَيْك أَن تخالطه. بَاب الحذر 3507 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ،

باب لا يتناجى اثنان دون الثالث

عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ». هَذَا حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته، أخرجه مُسلم، أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَمعنى الحَدِيث: أَن الْمُؤمن الممدوح هُوَ الْكيس الحازم الَّذِي لَا يُؤْتى من نَاحيَة الْغَفْلَة مرّة بعد أُخْرَى، وَهُوَ لَا يشْعر، وَقيل: أَرَادَ بِهِ الخداع فِي أَمر الْآخِرَة دون أَمر الدُّنْيَا، وَهُوَ بِالرَّفْع على معنى الْخَبَر. ويروى بِكَسْر الْغَيْن على معنى النَّهْي: لَا يخدعن الْمُؤمن، وَليكن متيقظا حذرا حَتَّى لَا يَقع فِي مَكْرُوه، وَهُوَ لَا يشْعر. وقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تأمن عَدوك، وَاحْذَرْ صديقك إِلَّا الْأمين، والأمين إِلَّا مِن خشِي اللَّه عز وَجل. بَاب لَا يَتَنَاجَى اثْنَان دون الثَّالِث قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المجادلة: 9]. 3508 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا كَانَ ثَلاثَةٌ، فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ». هَذَا حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَن عَبْد اللَّه بْن يُوسُفَ، وَأخرجه مُسْلِم، عَن يَحْيَى بْن يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَن مَالك 3509 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشَِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بْنِ عُقْبَةَ الَّتِي بِالسُّوقِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يُريدُ أنْ يُنَاجِيَهُ، وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَحَدٌ غيَرْيِ وغَيْرُ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ، فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَجُلا حَتَّى كُنَّا أَرْبَعَةً، فَقَالَ لِي وَلِلرَّجُلِ الَّذِي دَعَا: اسْتَرْخِيَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ

وَاحِدٍ» 3510 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، نَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةًَ، فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ إِلا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ ذلِكَ يُحْزِنُهُ». هَذَا حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته، واتفقا عَلَى إِخْرَاجه، عَن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا كُنْتُم ثَلَاثَة، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَان دون الآخر حَتَّى يختلطوا بِالنَّاسِ مِن أجل أَن يحزنهُ» قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: إِنَّمَا يحزنهُ ذَلِكَ لأحد مَعْنيين، أَحدهمَا: أَنَّهُ رُبمَا يتَوَهَّم أَن نجواهما لتبييت رَأْي فِيهِ، أَو دسيس غائلة لَهُ. وَالْآخر: أَن ذَلِكَ مِن أجل الِاخْتِصَاص بالكرامة، وَهُوَ يحزن صَاحبه. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد بْن حَرْب: هَذَا فِي السّفر، وَفِي الْموضع الَّذِي لَا يَأْمَن الرجل فِيهِ صَاحبه عَلَى نَفسه، فَأَما فِي الْحَضَر، وَبَين ظهراني الْعِمَارَة، فَلَا بَأْس بِهِ، وَالله أعلم.

باب النصيحة

قلت: وَقد صَحَّ عَن عَائِشَة: إِنَّا كُنَّا أَزوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْده، فَأَقْبَلت فَاطِمَة، فَلَمَّا رَآهَا، رحب، ثُمَّ سَارهَا. فَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَن المسارة فِي الْجمع، وَحَيْثُ لَا رِيبَة جَائِزَة، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب. بَاب النَّصِيحَة قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التَّوْبَة: 91]، وَقَالَ جلّ ذكره إِخْبَارًا عَن نوح عَلَيْهِ السَّلَام: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} [الْأَعْرَاف: 62]، وَعَن هود: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الْأَعْرَاف: 68]، وَعَن صَالح وَشُعَيْب: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} [الْأَعْرَاف: 79]. 3511 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَفَدَةُ الْعَطَّارِيُّ، أَدَامَ اللَّهُ ظِلَّهُ، نَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا أَبُو نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو عَوَانَةَ، نَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَسَدٍ، وَعَبْدُ السَّلامِ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ النصيبيني، قَالُوا: أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلاقَةَ،

سَمِعَ جَرِيرًا، يَقُولُ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ» 3512 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، سَمِعَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». هَذَا حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَن أَبِي نعيم، وَأخرجه مُسْلِم، عَن أَبِي بَكْر بْن أَبِي شيبَة، وَزُهَيْر بْن حربٍ، كلّ عَن سُفْيَان 3513 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ مِرْآةٌ لأَخِيهِ، فَإِذَا رَأَى بِهِ شَيْئًا، فَلْيُمِطْهُ عَنْهُ»

3514 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَارِفِ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، لِلَّهِ وَلِكُتُبِهِ وَلِنَبِيِّهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». هَذَا حَدِيث صَحِيح، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن مُحَمَّد بْن عباد الْمَكِّيّ، عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: النَّصِيحَة كلمة جَامِعَة يعبر بهَا عَن جملَة

هِيَ إِرَادَة الْخَيْر، وَلَيْسَ يُمكن أَن يعبر عَن هَذَا الْمَعْنى بِكَلِمَة وَاحِدَة تحصرها، وَتجمع مَعْنَاهَا غَيرهَا، كَمَال قَالُوا فِي الْفَلاح: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب كلمة أجمع لخير الدّنيا وَالْآخِرَة مِنْهُ، وَلذَلِك قَالُوا: أَفْلح الرجل: إِذا فَازَ بِالْخَيرِ الدَّائِم الَّذِي لَا انْقِطَاع لَهُ، وأصل النصح فِي اللُّغَة: الخلوص، يقَالَ: نصحت الْعَسَل: إِذا خلصته مِن الشمع، ويقَالَ: هُوَ مَأْخُوذ مِن: نصح الرجل ثَوْبه، أَي: خاطه، شبهوا فعل الناصح فِيمَا يتحراه مِن صَلَاح المنصوح لَهُ بِفعل الْخياط فِيمَا يسد مِن خلل الثَّوْب. وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «الدّين النَّصِيحَة»، يُرِيد عماد أَمر الدّين إِنَّمَا هُوَ النَّصِيحَة، وَبهَا ثباته، كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: «الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ»، أَي: صِحَّتهَا وثباتها بِالنِّيَّةِ. فَمَعْنَى نصيحة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: الْإِيمَان بِهِ، وَصِحَّة الِاعْتِقَاد فِي وحدانيته، وَترك الْإِلْحَاد فِي صِفَاته، وإخلاص النِّيَّة فِي عِبَادَته، وبذل الطَّاعَة فِيمَا أَمر بِهِ، وَنهى عَنْهُ، وموالاة مِن أطاعه، ومعاداة مِن عَصَاهُ، وَالِاعْتِرَاف بنعمه، وَالشُّكْر لَهُ عَلَيْهَا، وَحَقِيقَة هَذِه الْإِضَافَة رَاجِعَة إِلَى العَبْد فِي نصيحة نَفسه لله، وَالله غَنِي عَن نصح كل نَاصح. أما النَّصِيحَة لكتاب اللَّه، فالإيمان بِهِ، وَبِأَنَّهُ كَلَام اللَّه ووحيه وتنزيله، لَا يقدر عَلَى مثله أحد مِن المخلوقين، وَإِقَامَة حُرُوفه فِي التِّلَاوَة، والتصديق بوعده ووعيده، وَالِاعْتِبَار بمواعظه، والتفكر فِي عجائبه، وَالْعَمَل بمحكمه، وَالتَّسْلِيم لمتشابهه. وَأما النَّصِيحَة لرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهِيَ التَّصْدِيق بنبوته، وَقبُول مَا جَاءَ بِهِ، ودعا إِلَيْهِ، وبذل الطَّاعَة لَهُ فِيمَا أَمر وَنهى، والانقياد لَهُ فِيمَا حكم

وأمضى، وَترك التَّقْدِيم بَين يَدَيْهِ، وإعظام حَقه، وتعزيزه وتوقيره ومؤازرته ونصرته وإحياء طَرِيقَته فِي بَث الدعْوَة، وإشاعة السّنة، وَنفي التُّهْمَة فِي جَمِيع مَا قَالَه ونطق بِهِ، كَمَا قَالَ جلّ ذكره: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النِّسَاء: 65]، وَقَالَ عز اسْمه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النَّجْم: 3]. وَأما النَّصِيحَة لأئمة الْمُسلمين، فالأئمة هُم الْوُلَاة مِن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فَمن بعدهمْ مِمَّن يَلِي أَمر هَذِه الْأمة، وَيقوم بِهِ، فَمن نصيحتهم بذل الطَّاعَة لَهُم فِي الْمَعْرُوف، وَالصَّلَاة خَلفهم، وَجِهَاد الْكفَّار مَعَهم، وَأَدَاء الصَّدقَات إِلَيْهِم، وَترك الْخُرُوج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ إِذا ظهر مِنْهُم حيف، أَو سوء سيرة، وتنبيههم عِنْد الْغَفْلَة، وَألا يغروا بالثناء الْكَاذِب عَلَيْهِم، وَأَن يدعى بالصلاح لَهُم. وَقد يتَأَوَّل ذَلِكَ أَيْضا فِي الْأَئِمَّة الَّذين هُم عُلَمَاء الدّين، فَمن نصيحتهم قبُول مَا رَوَوْهُ إِذا انفردوا، وتقليدهم ومتابعتهم عَلَى مَا رَوَوْهُ إِذا اجْتَمعُوا. وَأما نصيحة الْمُسلمين، فجماعها إرشادهم إِلَى مصالحهم مِن تَعْلِيم مَا يجهلونه مِن أَمر الدّين، وَأمرهمْ بِالْمَعْرُوفِ، ونهيهم عَن الْمُنكر، والشفقة عَلَيْهِم، وتوقير كَبِيرهمْ، والترحم عَلَى صَغِيرهمْ، وتخولهم بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة، كَمَا أرشد اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النَّحْل: 125]، قِيلَ: إِن المجادلة بِالَّتِي هِيَ أحسن: مَا كَانَ نَحْو قَوْله عز وَجل حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مَرْيَم: 42]، وَقَوله

باب نصرة الإخوان

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [الشُّعَرَاء: 72]، فَإِن مثل هَذِه المجادلة يُقيم الحجّة، وَلَا يُورث الوحشة، وَهُوَ معنى الدُّعَاء إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَن. وَالله أعلم 3515 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ اللَّهُ: أَحَبُّ مَا تَعَبَّدَنِي بِهِ عَبْدِي إِلَيَّ النُّصْحُ لِي " قَالَ الْحَسَن: لن تبلغ حق نصيحتك لأخيك حَتَّى تَأمره بِمَا يعجز عَنْهُ بَاب نصْرَة الإخوان 3516 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ،

عَنْ أَنَسٍِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَصَرْتُهُ مَظًلُومًا، فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَذَلِكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ " هَذَا حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، مِن رِوَايَة أنس. أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الصَّالِحِيّ، أَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن الْحَسَن الْحِيرِي، أَنَا حَاجِب بْن أَحْمَد الطوسي، نَا عَبْد الرَّحِيم بْن منيب، نَا يزِيد بْن هَارُون، أَنَا حميد، بِهَذَا الْإِسْنَاد مثله، وَلم يقل: «فَذَلِك نصرك إِيَّاه» 3517 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " اقْتَتَلَ غُلامَانِ: غُلامٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَغُلامٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَنَادَى الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، وَنَادَى الأَنْصَاريُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، فَخَرجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ أَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلا أَنَّ غُلامَيْنِ اقْتَتَلا، فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، فَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، إِنْ كَانَ ظَالِمًا، فلينهه، فَإِنَّهُ لَهُ نُصْرَةً، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا، فَلْيَنْصُرْهُ ".

باب الستر

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن يُونُسَ، عَن زُهَيْرٍ. بَاب السّتْر 3518 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلا يَشْتِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَن يَحْيَى بْن بُكَيْر، عَنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ: «لَا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْن سَعِيدٍ.

3519 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمَةَ، نَا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ، عَنْ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرَى الْمُؤْمِنُ مِنْ أَخِيهِ عَوْرَةً فَسَتَرَهَا عَلَيْهِ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ» 3520 - أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ رَجُلا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: سَرَقْتَ؟ فَقَالَ: كَلا وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنَيَّ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.

باب النهي عن هجران الإخوان

بَاب النَّهْي عَن هجران الإخوان 3521 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. 3522 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا،

وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَن عَبْد اللَّه بْن يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن يَحْيَى بْن يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. قَوْله: «لَا تدابروا»، مَعْنَاهُ: التهاجر والتصارم مَأْخُوذ مِن تَوْلِيَة الرجل دبره إِذا رَأَى أَخَاهُ، وإعراضه عَنْهُ. وَقَالَ المورج: قَوْله: «لَا تدابروا»، مَعْنَاهُ: آسوا، وَلَا تستأثروا، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا قِيلَ للمستأثر مستدبر. لِأَنَّهُ يولي عَن أَصْحَابه، إِذا اسْتَأْثر بِشَيْء دونهم. فَأَما النَّهْي عَن الهجران أَكثر مِن ثَلَاث، إِنَّمَا جَاءَ فِي هجران الرجل أَخَاهُ لعتب وموجدة، أَو لنبوة تكون مِنْهُ، فَرخص لَهُ فِي مُدَّة الثَّلَاث لقلتهَا، وَحرم مَا وَرَاءَهَا. فَأَما هجران الْوَالِد الْوَلَد، وَالزَّوْج الزَّوْجَة، وَمن كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا، فَلَا يضيق أَكثر مِن ثَلَاث، وَقد هجر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شهرا. هَذَا قَول الْخطابِيّ فِي كِتَابه. قلت: فَأَما هجران أهل الْعِصْيَان، وَأهل الريب فِي الدّين، فشرع إِلَى أَن تَزُول الرِّيبَة عَن حَالهم، وَتظهر تَوْبَتهمْ، قَالَ كَعْب بْن مَالك حِين تخلف عَن غَزْوَة تَبُوك: وَنهى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن كلامنا، وَذكر خمسين لَيْلَة. وَجعل مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، رَحمَه اللَّه، الْخمسين حدا لتبين تَوْبَة العَاصِي. وَقَالَ

باب وعيد المتهاجرين والمتشاحنين

عَبْد اللَّه بْن عُمَر: لَا تسلموا عَلَى شربة الْخمر. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: لن تفقه كل الْفِقْه حَتَّى تمقت النّاس فِي ذَات اللَّه، ثُمَّ تقبل عَلَى نَفسك، فَتكون لَهَا أَشد مقتا مِنْك للنَّاس. بَاب وَعِيد المتهاجرين والمتشاحنين 3523 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اتْرُكُوا، أَوِ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ عَن أَبِي الطَّاهِرِ، عَن ابْنِ وَهْبٍ، عَن مَالِكٍ، عَنْ مُسْلِم بْن أَبِي مَرْيَم،

عَن أَبِي صَالِحٍ، وَقَالَ: «تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ» والشحناء: الْعَدَاوَة، والمشاحن: المعادي. وَقَوله: «اركوا»، أَي: أخروا، يقَالَ: ركاه يركوه: إِذا أَخّرهُ. «حَتَّى يفيئا»، أَي: حَتَّى يرجعا إِلَى الصُّلْح 3524 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي أَبُو غَسَّانَ مُطَرِّفٌ، سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ فَرَاهِيجَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةَ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، وَيُغْفَرُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيَقُولُ: اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا " 3525 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ».

باب النهي عن تتبع عورات المسلمين

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قُلْتُ: التَّحْرِيشُ: إِيقَاعُ الْخُصُومَةِ وَالْخُشُونَةِ بَيْنَهُمْ. بَاب النَّهْي عَن تتبع عورات الْمُسلمين 3526 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ، بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَاجِيَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ: لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، فَيَفْضَحَهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ "، قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ.

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْن بْنِ وَاقِدٍ. قُلْتُ: وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَنَالُونَ نَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُخْلِصِ الْإِيمَانَ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُؤْمِنِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوَرَاتِهِمْ»، فَذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ. 3527 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ يَحْيَى الْمَعَافِرِيَّ أَخْبَرَنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ يَعِيبُهُ، بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ قفى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ، حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى

باب الذب عن المسلمين

الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ» وَعَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّكَ إِذَا اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ» بَاب الذب عَن الْمُسلمين 3528 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو شَيْخٍ الْحَرَّانِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَرُدُّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ إِلا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الرّوم: 47] "

3529 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو عَاصِمٍ، وَالْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْمَعِيبَةِ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ» 3530 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنِ اغْتِيبَ عِنْدَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ، وَهُوَ يقْدِرُ عَلَى نَصْرِهِ، فَنَصَرَهُ، نَصَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». وَأَخْبَرَنَا الصَّالِحِيُّ، أَنا ابْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل الصفَّار، نَا الرَّمادي، نَا عَبْد الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبَانٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.

3532 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمِ بْنِ زَيْدٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سَمِعَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ بَشِيرٍ، مَوْلَى بَنِي مَغَالَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبَا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ، يَقُولانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنَ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ» قَالَ طَارق: كَانَ بَين خَالِد بْن الْوَلِيد وَبَين سعد بْن أَبِي وَقاص كَلَام، فَتَنَاول رَجُل خَالِدا عِنْد سعد، فَقَالَ: إِن الَّذِي بَيْننَا لم يبلغ ديننَا.

باب ما لا يجوز من الظن والنهي عن التحاسد والتجسس

بَاب مَا لَا يجوز مِن الظَّن وَالنَّهْي عَن التحاسد والتجسس قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النِّسَاء: 54]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الجاثية: 17]، وَالْبَغي: الْحَسَد، وَسمي الظُّلم بغيا، لِأَن الْحَاسِد ظَالِم، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يُونُس: 23]. 3533 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَنَافَسُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ

إِخْوَانًا». أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّان بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَد بْن يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْد الرَّزَّاقِ، أَنا مَعمر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ»، ذَكَرَهُ ثَلاثًا، قَالَ: «وَلَا تَنَاجَشُوا»، بَدَلَ قَوْلِهِ: «وَلا تَجَسَّسُوا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. وَزَادَ: «وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا» قَوْله: «إيَّاكُمْ وَالظَّن»، أَرَادَ بِهِ سوء الظَّن، وتحقيقه دون مبادي الظنون الّتي لَا تملك. لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وَلم يَجْعَل كُله إِثْمًا. وَحكي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، أَنَّهُ قَالَ: الظَّن ظنان: ظن إِثْم، وَظن لَيْسَ بإثم، فَأَما الَّذِي هُوَ إِثْم، فَالَّذِي يظنّ ظنا، وَيتَكَلَّم بِهِ. وَالَّذِي لَيْسَ بإثم، فَالَّذِي يظنّ، وَلَا يتَكَلَّم بِهِ.

قلت: فَأَما اسْتِعْمَال سوء الظَّن إِذا كَانَ عَلَى وَجه الحذر وَطلب السَّلامَة مِن شَرّ النّاس، فَلَا يَأْثَم بِهِ الرجل، فَإِن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لعَمْرو بْن الفغواء الْخُزَاعِيّ: «التمس صاحبا»، وَأَرَادَ أَن يبْعَث بِمَال إِلَى أَبِي سُفْيَان يقسمهُ فِي قُرَيْش بِمَكَّة بعد الْفَتْح، فجَاء إِلَيْهِ عَمْرو بْن أُميَّة الضمرِي، وَقَالَ: «أَنَا لَك صَاحب»، قَالَ: فَأخْبرت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِذا هَبَطت بلاط قومه، فاحذره، فَإِنَّهُ قد قَالَ الْقَائِل: «أَخُوك الْبكْرِيّ وَلَا تأمنه»، وَذَلِكَ مثل شهير للْعَرَب فِي الحذر. وَرُوِيَ عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «احتجزوا مِن النّاس بِسوء الظَّن، وَلَا تثقوا بِكُل أحد، فَإِنَّهُ أسلم لكم». وَقَالَ سلمَان: «إِنِّي لأعد هراق الْقدر عَلَى خادمي مَخَافَة الظَّن». قَالَ أَبُو خلدَة: «كُنَّا نؤمر بالختم عَلَى الْخَادِم والكيل وَالْعدَد، خشيَة أَن يُصِيب أَحَدنَا إِثْمًا فِي الظَّن، أَو يتعود الْخَادِم خلق سوء». وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: «مَا يزَال الَّذِي يسرق يسيء الظَّن حَتَّى يكون أعظم إِثْمًا مِن السَّارِق». والتجسس بِالْجِيم: الْبَحْث عَن عُيُوب النّاس، والتحسس بِالْحَاء: طلب الْخَيْر، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يُوسُف: 87]، فالتجسس فِي الشَّرّ، وَبِالْحَاءِ فِي الْخَيْر.

قلت: نهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن تتبع أَخْبَار النّاس لِئَلَّا يَقع فِي حسده إِن كَانَ خيرا، وَلَا يظْهر عَلَى عَوْرَته إِن كَانَ شرا. وَقيل: التحسس بِالْحَاء: أَن يَطْلُبهُ لنَفسِهِ، والتجسس بِالْجِيم: أَن يَطْلُبهُ لغيره، وَمِنْه الجاسوس. وَقيل: التَّجَسُّس، بِالْجِيم: الْبَحْث عَن العورات، والتحسس: الِاسْتِمَاع لحَدِيث الْقَوْم، وَأَصله مِن الْحس. لِأَنَّهُ يتتبعه بحسه، وَقيل: هما سَوَاء، وَقَرَأَ الْحَسَن «وَلَا تحسسوا» بِالْحَاء. 3535 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ: فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ قَدْ عَلَّقَ نَعْلَهُ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ: فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ مَرَّتِهِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا: فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى،

فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَلا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أنْ تُئْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الثَّلاثَةُ، فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ "، قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ ثَلاثَ لَيَالٍ، قَال: فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ، ذَكَرَ اللَّهَ، وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاةِ الْفَجْرِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلا خَيْرًا. قَالَ: فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ، وَلا هَجْرٌ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلاثَ مَرَّاتٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ. قَالَ: فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ، دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَهَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي

لَا تُطَاقُ. وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثَةٌ لَا يُعْجِزُهُنَّ ابْنُ آدَمَ: الطِّيَرَةُ، وَسُوءُ الظَّنِّ، وَالْحَسَدُ، فَيُنْجِيكَ مِنَ الطِّيَرَةِ أَلا تَعْمَلَ بِهَا، وَيُنْجِيكَ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ أَلا تَتَكَلَّمَ، وَيُنْجِيكَ مِنَ الْحَسَدِ أَلا تَبْغِيَ أَخَاكَ سُوءًا " 3536 - نَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبِسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " فِي الْمُؤْمِنِ ثَلاثُ خِصَالٍ، لَيْسَ مِنْهَا خَصْلَةٌ إِلا لَهُ مِنْهَا مَخْرَجٌ: الطِّيَرَةُ وَالْحَسَدُ وَالظَّنُّ، فَمَخْرَجُهُ مِنَ الطِّيَرَةِ أَنْ لَا يَرُدَّهُ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الظَّنِّ أَلا يُحَقِّقَ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الْحَسَدِ أَلا يَبْغِيَ "، مُرْسَلٌ. بَاب

مَا يجوز مِن الِاغْتِبَاط فِي الْخَيْر 3537 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَدَّادِيُّ، أَنا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا، فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ".

باب إصلاح ذات البين وإباحة الكذب فيه

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَاهِ مِنْ طُرُقٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود. بَاب إصْلَاح ذَات الْبَين وَإِبَاحَة الْكَذِب فِيهِ 3538 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلاةِ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، قَال: إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أَرَادَ بِفساد ذَات الْبَين: الْعَدَاوَة والبغضاء. وَمعنى الحالقة: أَنَّهَا تحلق الدّين، فقد رُوِيَ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «دب إِلَيْكُم دَاء الْأُمَم قبلكُمْ الْحَسَد والبغضاء هِيَ الحالقة، لَا أَقُول تحلق الشّعْر، وَلَكِن تحلق الدّين». وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ» 3539 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ، أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عُقْبَةَ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَيْسَ بِالْكَذَّابِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ خَيْرًا، أَوْ نَمَى خَيْرًا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن عَمْرٍو الزَّاهِدِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَزَادَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: " وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخِّصْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذب إِلا فِي ثَلاثٍ: الْحَرْبِ، وَالإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا ". وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَن عَمْرو النَّاقِدِ، عَن يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَن أَبِيهِ، عَن صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِ، وَقَالَتْ يَعْنِي أُمَّ كُلْثُومٍ: «وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النّاسُ إِلا فِي ثَلاثٍ» قَوْله: «نمى خيرا»، أَي: أبلغ وَرفع، وكل شَيْء رفعته، فقد نميته، يقَالَ: نميت الحَدِيث: إِذا بلغته عَلَى وَجه الْإِصْلَاح، أنميه، فَإِذا بلغته عَلَى وَجه النميمة وإفساد ذَات الْبَين، قلت: نميته بتَشْديد الْمِيم. 3540 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ تَمْتَامٌ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَصْلُحُ

الْكَذِبُ إِلا فِي ثَلاثٍ: الرَّجُلُ يَكْذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ لِلْمَرْأَةِ لِيُرْضِيَهَا بِذَلِكَ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: هَذِه أُمُور قد يضْطَر الْإِنْسَان فِيهَا إِلَى زِيَادَة القَوْل، ومجاوزة الصدْق، طلبا للسلامة ورفعا للضَّرَر، وَقد رخص فِي بعض الْأَحْوَال فِي الْيَسِير مِن الْفساد، لما يؤمل فِيهِ مِن الصّلاح، فالكذب فِي الْإِصْلَاح بَين اثْنَيْنِ: هُوَ أَن ينمي مِن أَحدهمَا إِلَى صَاحبه خيرا، ويبلغه جميلا، وَإِن لم يكن سَمعه مِنْهُ، يُرِيد بذلك الْإِصْلَاح، وَالْكذب فِي الْحَرْب: هُوَ أَن يظْهر مِن نَفسه قُوَّة، ويتحدث بِمَا يُقَوي أَصْحَابه، ويكيد بِهِ عدوه، وَقد رُوِيَ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الْحَرْب خدعة»، وَأما كذب الرجل زَوجته: فَهُوَ أَن يعدها ويمنيها، وَيظْهر لَهَا مِن الْمحبَّة أَكثر مِمَّا فِي نَفسه، يستديم بذلك صحبتهَا، ويستصلح بِهِ خلقهَا، وَالله أعلم. وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة: لَو أَن رجلا اعتذر إِلَى رَجُل، فحرف الْكَلَام وَحسنه ليرضيه بذلك، لم يكن كَاذِبًا يتَأَوَّل الحَدِيث: «لَيْسَ بالكاذب

باب التعزي بعزاء الجاهلية

مِن أصلح بَين النّاس»، قَالَ: فإصلاحه مَا بَينه وَبَين صَاحبه أفضل مِن إِصْلَاحه مَا بَين النّاس. وَرُوِيَ أَن رجلا قَالَ فِي عهد عُمَر لامْرَأَته: نشدتك بِاللَّه هَل تحبيني؟ فقَالَت: أما إِذْ نشدتني بِاللَّه، فَلَا، فَخرج حَتَّى أَتَى عُمَر، فَأرْسل إِلَيْهَا، فَقَالَ: أَنْت الّتي تَقُولِينَ لزوجك: لَا أحبك؟ فقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نشدني بِاللَّه، أفأكذب؟ قَالَ: نعم، فاكذبيه، لَيْسَ كل الْبيُوت تبنى عَلَى الْحبّ، وَلَكِن النّاس يتعاشرون بِالْإِسْلَامِ والأحساب. بَاب التعزي بعزاء الْجَاهِلِيَّة 3541 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْدَكُشَائِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنَاهُ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عتي بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا، قَالَ: يَا لَفُلانٍ، وَيَا لَبَنِي فُلانٍ، فَقَالَ لَهُ: اعْضَضْ بِهَنِ أَبِيكَ، وَلَمْ يُكْنِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، مَا كُنْتَ فَحَّاشًا، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ تَعزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ

وَلا تَكْنُوا» قَوْله: «مِن تعزى بعزاء الْجَاهِلِيَّة»، أَي: انتسب وانتمى، كَقَوْلِهِم: يَا لفُلَان، وَيَا لبني فلَان، يقَالَ: عزوت الرجل وعزيته: إِذا نسبته، وَكَذَلِكَ كل شَيْء تنسبه إِلَى شَيْء. وَقيل لعطاء فِي حَدِيث حدّثه، إِلَى مِن تعزيه؟ أَي: إِلَى مِن تسنده. ويروى فِي حَدِيث آخر «مِن لم يتعز بعزاء اللَّه، فَلَيْسَ منا»، وَله وَجْهَان: أَحدهمَا أَن لَا يتعزى بعزاء الْجَاهِلِيَّة وَدَعوى الْقَبَائِل، وَلَكِن يَقُولُ: يَا للْمُسلمين، فَهَذَا عزاء الْإِسْلَام، وَالْوَجْه الآخر: أَن معنى التعزي فِي هَذَا الحَدِيث، التأسي والتصبر عِنْد الْمُصِيبَة، فَيَقُول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [الْبَقَرَة: 156]، كَمَا أَمر اللَّه عز وَجل. وَقَوله: بعزاء اللَّه، أَي: بتعزية اللَّه إِيَّاه، فأقيم الِاسْم مقَام الْمصدر. قَوْله: «بِهن أَبِيهِ»، يَعْنِي: ذكره، قلت: يُرِيد يَقُولُ لَهُ: اعضض بأير أَبِيك، يجاهره بِمثل هَذَا اللَّفْظ الشنيع ردا لما أَتَى بِهِ مِن الانتماء إِلَى قبيلته، والافتخار بهم. وكنيت الرجل، وكنوته لُغَتَانِ.

باب العصبية

بَاب العصبية 3542 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، نَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُكُمُ الْمُدَافِعُ عَنْ عَشِيرَتِهِ مَا لَمْ يَأْثَمْ» 3543 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، نَا عَمْرَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَمَانٍ الْغَافِقِيُّ، نَا رَوْحُ بْنُ شَبَابَةَ أَبُو الْحَارِثِ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ».

باب الافتخار بالنسب

وَرُوِيَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْعَصَبِيَّةُ؟ قَالَ: «أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ» بَاب الافتخار بِالنّسَبِ 3544 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَجِدْهُ مُنَاخًا، فَنَزَلَ عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ، ثُمَّ قَامَ، فَخَطَبَهُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَكَبُّرَهَا بِآبَائِهَا، النَّاسُ رَجُلانِ: بَرٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ "، ثُمَّ تَلا: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13]، ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ

لِي وَلَكُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخرء بِأَنْفِهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» العبية: الْكبر، والنخوة، بِضَم الْعين وَكسرهَا. قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " إِنَّا قوم أكرمنا اللَّه بِالْإِسْلَامِ، فَمن يلْتَمس الْعِزّ بِغَيْر الْإِسْلَام، يذله اللَّه.

3545 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَمَوِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا سَلامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَسَبُ: الْمَالُ، وَالْكَرَمُ: التَّقْوَى ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ وَكِيع فِي قَوْله: " الْحسب: المَال "، يُرِيد أَن الرجل إِذا صَار ذَا مَال، عظمه النّاس. وَقَالَ سُفْيَان: «إِنَّمَا هُوَ قَول أهل الْمَدِينَة إِذا لم يجد الرجل نَفَقَة امْرَأَته، فرق بَينهمَا»، وَرُوِيَ عَن عُمَر، أَنَّهُ قَالَ: «حسب الرجل مَاله، وَكَرمه دينه، وَأَصله عقله، ومروءته خلقه». 3546 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُحَمَّدٌ، هُوَ ابْنُ سَلامٍ، أَنا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:

فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. 3547 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. فَإِن قِيلَ: أَلَيْسَ قد افتخر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجده، حَيْثُ قَالَ: «أَنَا النَّبِيّ

لَا كذب أَنَا ابْن عَبْدِ الْمطلب»، قِيلَ: إِنَّه لم يذهب بِهَذَا القَوْل مَذْهَب الانتساب إِلَى شرف الْآبَاء عَلَى سَبِيل الافتخار، وَلكنه ذكرهم رُؤْيا كَانَ رَآهَا عَبْد الْمطلب لَهُ أَيَّام حَيَاته، فَأخْبر بهَا قُريْشًا، فعبروها عَلَى أَنَّهُ سَيكون لَهُ وُلِدَ يسود النّاس، وَيهْلك أعداؤه عَلَى يَدَيْهِ، وَكَانَت إِحْدَى دَلَائِل نبوته، وَكَانَت الْقِصَّة فِيهَا مَشْهُورَة، فعرفهم شَأْنهَا، وَخُرُوج الْأَمر عَلَى الصدْق فِيهَا، ليتقوى بهَا مِن انهزم مِن أَصْحَابه، ويرجعوا واثقين بِأَن الْعَاقِبَة لَهُ. وَالله أعلم. وَجَوَاب آخر: أَن الافتخار والاعتزاء الْمنْهِي مَا كَانَ فِي غير جِهَاد الْكفَّار، وَقد رخص النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُيَلَاء فِي الْحَرْب، مَعَ نَهْيه عَنْهَا فِي غَيرهَا، وَقد كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصر بِالرُّعْبِ، فَإِذا أخبر باسمه، وَقع الرعب فِي قُلُوبهم، فَكَانَ ذَلِكَ سَببا لنفرتهم، كَمَا رُوِيَ أَن عليا لما بارز مرْحَبًا يَوْم خَيْبَر، قَالَ: «أَنَا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة»، قِيلَ: كَانَ السَّبَب فِيهِ أَن مرْحَبًا كَانَ قد أنذر أَن قَاتله، يقَالَ لَهُ: حيدر، وَكَانَ عَلِيّ حِين وَلدته أمه سمته أسدا، وَكَانَ أَبُو طَالب غَائِبا وَقت مولده، فَلَمَّا بلغه خَبره، سَمَّاهُ عليا، فَعدل عَلِيّ عَن اسْمه الْمَشْهُور إِلَى الآخر ينذره أَنَّهُ سيقتله، لِأَنَّهُ أَسد، والأسد يُسمى حيدرا، وَالله أعلم. وَقد قِيلَ فِي قصَّة ضمام بْن ثَعْلَبَة: إِنَّه حِين دخل الْمَسْجِد، فَقَالَ:

يَا ابْن عَبْدِ الْمطلب، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد أَجَبْتُك»، أَنَّهُ إِنَّمَا لم يسْتَأْنف لَهُ الْجَواب. لِأَنَّهُ كره نسبته إِلَى جَدّه الَّذِي مضى فِي الْكفْر، وَأحب أَن يَدعُوهُ باسم النُّبُوَّة والرسالة الّتي خصّه اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بهَا، وَالله أعلم. قلت: وإكرام كريم الْقَوْم، وإنزال النّاس مَنَازِلهمْ مِن السّنة. وَفِي صفة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ كَانَ يكرم كريم كل قوم، ويوليه عَلَيْهِم». وأتى جرير بْن عَبْد اللَّه البَجلِيّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلم يجد مَكَانا، فَألْقى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ رِدَاءَهُ ليجلس عَلَيْهِ، وَقَالَ: «إِذا أَتَاكُم كريم قوم فأكرموه». وَكَانَت عَائِشَة فِي سفر فَوضع طعامها، فجَاء سَائل، فقَالَت: " ناولوه قرصا، ثُمَّ مر رَجُل عَلَى دَابَّة، فقَالَت: «ادعوهُ إِلَى الطَّعَام»، فَقيل لَهَا فِيهِ، فقَالَت: «إِن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنزل النّاس منَازِل لَا بُد لنا أَن ننزلهم تِلْكَ الْمنَازل، هَذَا الْمِسْكِين يرضى بقرص، وقبيح بِنَا أَن نعطي الْغَنِيّ ذَا الْهَيْئَة قرصا».

باب وعيد من سب مسلما أو رماه بكفر

بَاب وَعِيد مِن سبّ مُسلما أَو رَمَاه بِكفْر قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات: 11]، والنبز: اللقب، يَقُولُ: لَا تداعوا بهَا. 3548 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنِ الْمُرْجِئَةِ، فَقَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. قلت: المرجئة: هُم الّذين لَا يرَوْنَ الطَّاعَة مِن الْإِيمَان، وَيَقُولُونَ: الْإِيمَان لَا يزِيد بِالطَّاعَةِ، وَلَا ينقص بالمعصية، وَيحكم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَن قتال الْمُسلم كفر إِشَارَة إِلَى أَن ترك الْقِتَال مِن الْإِيمَان، وَفعله ينقص

الْإِيمَان، والْحَدِيث فِيمَن سبّ مُسلما، أَو قَاتله مِن غير تَأْوِيل، أَو معنى مِن مَعَاني الدّين، أما المتأول، فخارج عَن هَذَا الْوَعيد، كَمَا قَالَ عُمَر لحاطب بْن أَبِي بلتعة حِين كتب إِلَى قُرَيْش يُخْبِرهُمْ بشأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق، فَلم يعنفه النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبرأ حَاطِبًا مِن النِّفَاق. وَقَوله: «وقتاله كفر»، إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَن يستبيح دَمه، وَلَا يرى الْإِسْلَام عَاصِمًا لدمه، فَهَذَا مِنْهُ ردة، وَحَقِيقَة كفر، وَقد يحمل ذَلِكَ عَلَى تَشْبِيه أفعالهم بِأَفْعَال الْكفَّار دون حَقِيقَة الْكفْر إِذا قَتله غير مستبيح لدمه، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض»، أَي: لَا تَكُونُوا مِن الّذين عَادَتهم ذَلِكَ. 3549 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، نَا دَاوُدُ، يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلا يَخْذلُهُ، وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3550 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، أَوْ أَنْتَ كَافِرٌ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلا رَجَعَتْ إِلَى الأَوَّلِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. 3551 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ: كَافِرٌ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ دِينَارٍ. قَوْله: «بَاء بهَا أَحدهمَا»، أَي: الْتَزمهُ وَرجع بِهِ، وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ} [الْبَقَرَة: 90]، أَي: لَزِمَهُم، وَرَجَعُوا بِهِ، وَهَذَا أَيْضا فِيمَن كفر أَخَاهُ خَالِيا عَن التَّأْوِيل، أما المتأول، فخارج عَنْهُ. 3552 - أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلا بِالْفُسُوقِ، وَلا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3553 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ،

باب تحريم اللعن

نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَم يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ. قَالَ مُجَاهِد: مِن أربى الربى مِن سبّ سبتين بسبة. بَاب تَحْرِيم اللَّعْن قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمن لعن مُؤمنا فَهُوَ كقتله». 3554 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. 3555 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلا بِاللَّعَّانِ، وَلا الْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيِّ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. 3556 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يُرْسِلُ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ، فَتَبِيتُ عِنْدَ نِسَائِهِ، وَيُسَائِلُهَا عَنِ الشَّيْءِ، قَالَ: فَقَامَ لَيْلَةً، فَدَعَا خَادِمَةً، فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ، فَلَعَنَهَا، فَقَالَتْ: لَا تَلْعَنْ، فَإِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِي، أَنَّهُ سَمِعَ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفَعَاءَ وَلا شُهَدَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَأَبِي حَازِمٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. قِيلَ فِي قَوْله: «لَا يكونُونَ شُهَدَاء»، أَي: لَا يكونُونَ فِي الْجُمْلَة الّتي يستشهدون يَوْم الْقِيَامَة عَلَى الْأُمَم الّتي كذبت أنبياءها عَلَيْهِم السَّلَام. لِأَن مِن فَضِيلَة هَذِه الْأمة أَنهم يشْهدُونَ للأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام بالتبليغ إِذا كذبهمْ قَومهمْ. 3557 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ، قَالَ: «لَا تَلاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلا بِغَضَبِ اللَّهِ، وَلا بِجَهَنَّمَ»

3558 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: لَعَنَتِ امْرَأَةٌ نَاقَةً لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا مَلْعُونَةٌ، فَخَلُّوا عَنْهَا»، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا تَتَّبِعُ الْمَنَازِلَ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ، نَاقَةٌ وَرْقَاءُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: زعم بعض أهل الْعلم أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَمر بذلك. لِأَنَّهُ قد اسْتُجِيبَ لَهَا الدُّعَاء باللعن، وَاسْتدلَّ بقوله: «إِنَّهَا ملعونة»، وَقد يحْتَمل أَن يكون إِنَّمَا فعل ذَلِكَ عُقُوبَة لصاحبتها لِئَلَّا تعود إِلَى مثل قَوْلهَا، وَالله أعلم. وَقَالَ الزُّهْرِيّ، عَن سَالم: مَا لعن ابْن عُمَر خَادِمًا لَهُ قطّ إِلَّا وَاحِدًا فَأعْتقهُ، وَقَالَ: وسمعته يَقُولُ: كَانُوا يضْربُونَ رقيقهم وَلَا يلعنونهم. وَاشْترى وهب بْن مُنَبّه حطبا، فلعن صَاحب الْحَطب حِمَاره، قَالَ وهب: لَا يدْخل بَيْتِي دَابَّة ملعونة. وَقَالَ حُذَيْفَة: مَا تلاعن قوم

قطّ إِلَّا حق عَلَيْهِم القَوْل. 3559 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمْ أَخَاكُمْ قَارَفَ ذَنْبًا، فَلا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّا لَا نَقُولُ فِي أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى نَعْلَمَ عَلَى مَا يَموتُ، فَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ، عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ خَيْرًا، وَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِشَرٍّ، خِفْنَا عَلَيْهِ عَمَلَهُ " وَرُوِيَ أَن أَبَا الدَّرْدَاء مر عَلَى رَجُل قد أصَاب ذَنبا، فَكَانُوا يَسُبُّونَهُ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُم لَو وجدتموه فِي قليب، ألم تَكُونُوا مستخرجيه؟ قَالُوا: بلَى، قَالَ: فَلَا تسبوا أَخَاكُم، واحمدوا اللَّه الَّذِي عافاكم، قَالُوا: أَفلا تبْغضهُ؟ قَالَ: إِنَّمَا أبْغض عمله، فَإِذا تَركه، فَهُوَ أخي.

باب تحريم الغيبة

قلت: اللَّعْن الْمنْهِي عَنْهُ أَنَّهُ يلعن رجلا بِعَيْنِه مُوَاجهَة، برا كَانَ أَو فَاجِرًا. لِأَن عَلَيْهِ أَن يوقر الْبر، وَيرْحَم الْفَاجِر، فيستغفر لَهُ، فَإِذا لَعنه فِي وَجهه، زَاده ذَلِكَ شرا، فَأَما لعن الْكفَّار عَلَى الْعُمُوم، والفجار كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث، مِن لعن شَارِب الْخمر، وَلعن الْوَاصِلَة، وَالْمسْتَوْصِلَة، وآكل الرِّبَا وَنَحْوهَا، فَغير مَنْهِيّ عَنْهُ. بَاب تَحْرِيم الْغَيْبَة قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الْهمزَة: 1]، قِيلَ: اللمزة: الَّذِي يعيبك فِي وَجهك، والهمزة: الَّذِي يعيبك بِالْغَيْبِ، وَقيل: هما شَيْء وَاحِد. 3560 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَتَدْرُونَ

مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدْ بَهَتَّهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ. قَوْله: «بَهته»، أَي: كذبت عَلَيْهِ، يقَالَ: بهت صَاحبه يبهت بهتا وبهتانا، والبهتان: الْبَاطِل الَّذِي يتحير من بُطْلَانه، وَشدَّة نكره، يقَالَ: بهت يبهت: إِذا تحير، فَهُوَ مبهوت. 3561 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ بَامَوَيْهِ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ، بِمَكَّةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْقُرَشِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قُلْتَ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَقَدْ بَهَتَّهُ» وَاحْتج مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل فِي جَوَاز ذكر النَّاس، وتعريفهم بِبَعْض صفاتهم، كالطويل والقصير إِذا لم يرد بِهِ شين الرجل بقول النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ»، فقَالَ الْقَوْم: صدق ذُو الْيَدَيْنِ.

3562 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الْحَادِثِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا، فَقَالُوا: " لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُطْعَمَ، وَلا يَرْحَلُ حَتَّى يُرْحَلَ لَهُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اغْتَبْتُمُوهُ، فَقَالُوا: إِنَّمَا حَدَّثْنَا بِمَا فِيهِ، قَالَ: حَسْبُكَ إِذَا ذَكَرْتَ أَخَاكَ بِمَا فِيهِ ". وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَجُلا لَقِيَ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَصْلَعَ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَقْرَعُ؟ قَالَ: إِنْ كُنْتُ لَغَنِيًّا عَنْ أَنْ تَلْعَنَكَ الْمَلائِكَةُ. وَرُوِيَ عَن خَالِد بْن معدان، عَن معَاذ بْن جبل، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من عير أَخَاهُ بذنب، لم يمت حَتَّى يعمله»، وَإِسْنَاده هَذَا الحَدِيث غير مُتَّصِل، وخَالِد بْن معدان لم يدْرك معَاذًا. وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ الشَّامِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ

باب ذكر أهل الفساد بما فيهم

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ» وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَوْ سَخِرْتُ كَلْبًا، خَشِيتُ أَنْ أَحُورَ كَلْبًا». وقَالَ إِبْرَاهِيم: إِنِّي لأرى الشَّيْء، فأكره أَن أعيبه مَخَافَة أَن أبتلى بِهِ، إِن عَبْد اللَّهِ، كَانَ يَقُول: إِن الْبلَاء مُوكل بالْقَوْل. وقَالَ سعيد بْن الْمسيب: إِن أربى الرِّبَا استطالة الْمَرْء فِي عرض أَخِيه الْمُسلم. بَاب ذكر أهل الْفساد بِمَا فيهم 3563 - أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، إِمْلاءً، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ، " أَنَّ رَجُلا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ، فَبِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ،

فَلَمَّا دَخَلَ، أَلانَ لَهُ الْقَوْلَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ، فَلَمَّا دَخَلَ، أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ، النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَيُرْوَى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ الَّذِينَ يُكْرَمُونَ لاتِّقَاءِ أَلْسِنَتِهِمْ» قلت: فِيهِ دَلِيل على أَن ذكر الْفَاسِق بِمَا فِيهِ ليعرف أمره، فيتقي، لَا يكون من الْغَيْبَة، وَلَعَلَّ الرجل كَانَ مجاهرا لسوء أَفعاله، وَلَا غيبَة لمجاهر. وقَالَ إِبْرَاهِيم: كَانُوا يَقُولُونَ: ثَلَاثَة لَيست لَهُم غيبَة: السُّلْطَان الجائر، وَذُو الْهوى، وَالْفَاسِق الْمُعْلن لفسقه. وَمثله عَن الْحسن، وقَالَ الْحسن: لَيْسَ لأهل الْبدع غيبَة. وَفِي الحَدِيث اسْتِعْمَال حسن الْعشْرَة، حَيْثُ لم يواجه الرجل بِمَا أسره غيبَة، وعد اسْتِقْبَال الرجل بعيوبه من بَاب الْفُحْش. وَقد رُوِيَ فِي

باب من قال هلك الناس

هَذَا الحَدِيث أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا عَائِشَة إِن الله لَا يحب الْفَاحِش الْمُتَفَحِّش». وَرُوِيَ عَن عَائِشَة، قَالَت: كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا بلغه عَن الرجل الشَّيْء لم يقل: مَا بَال فلَان يَقُول، وَلَكِن يَقُول: «مَا بَال أَقوام يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا». وَيذكر عَن أَبِي الدَّرْدَاء: «إِنَّا لَنكشر فِي وُجُوه أَقوام، وَإِن قُلُوبنَا لَتَلْعَنهُمْ». بَاب من قَالَ هلك النَّاس 3564 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ. 3565 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الخطابيُّ: معنى هَذَا: أَلا يزَال الرجُلُ يعيب النّاس، وَيذكر مساوئهم، وَيَقُول: قد فسد النّاس وَهَلَكوا وَنَحْو ذَلِكَ مِن الْكَلَام، وَإِذا فعل الرجل ذَلِكَ، فَهُوَ أهلَكُهُم وأسوَؤُهم حَالا فِيمَا يلْحقهُ مِن الْإِثْم فِي عيبهم، والإزراء بهم، وَرُبمَا أدَّاه ذَلِكَ إِلَى العُجب بِنَفسِهِ، وَيرى أَن لَهُ فضلا عَلَيْهِم، وَأَنه خيرٌ مِنْهُم، فيهلِك. قلتُ: وَرُوِيَ معنى هَذَا عَن مالكٍ، قَالَ: إِذا قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لما يرى فِي النّاس يَعْنِي فِي أَمر دينهم، فَلَا أرى بِهِ بَأْسا، فَإِذا قَالَ ذَلِكَ عُجْبًا بِنَفسِهِ، وتصاغرًا للنَّاس، فَهُوَ الْمَكْرُوه الَّذِي نهي عَنْهُ.

باب وعيد ذي الوجهين

وَقيل: هُم الّذين يؤيسون الناسَ مِن رَحْمَة الله، يَقُولُونَ: هلك النّاس، أَي: استوجبوا النَّار والخلودَ فِيهَا بسوءِ أَعْمَالهم، فَإِذا قَالَ ذَلِكَ، فَهُوَ أهلكَهم بِفَتْح الْكَاف أَي: أوجب لَهُم ذَلِكَ. بَاب وَعِيد ذِي الْوَجْهَيْنِ 3566 - أَنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. 3567 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَا الْوَجْهَيْنِ» وقَالَ أنَاس لِابْنِ عمر: إِنَّا ندخل على سلطاننا، فَنَقُول لَهُم بِخِلَاف مَا نتكلم إِذا خرجنَا من عِنْدهم، قَالَ: كُنَّا نعد هَذَا نفَاقًا. 3568 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكٌ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: «مَنْ كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا، كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ». وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَرِيكٍ، مَرْفُوعًا.

باب وعيد النمام

بَاب وَعِيد النمام قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [الْقَلَم: 11]، وقَالَ عز وَجل: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]، قَالَ: تمشي بالنميمة، {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد: 5]، يقَالَ: لِيف الْمقل وَأَرَادَ السلسلة الَّتِي فِي النَّار. 3569 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنا خَالِي أَبُو عَقِيلٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَعْقِلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ حَيَّانَ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُور. 3570 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ

بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا يَحْيَى، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ»، صَحِيحٌ. 3571 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَذَّاءُ، أَنا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» والقتات: النمام وَهُوَ القساس أَيْضا، والنميمة: نقل الحَدِيث على وَجه التضريب بَين الْمَرْء وَصَاحبه.

باب ما يكره من التمادح

ويقَالَ: النمام الَّذِي يكون مَعَ الْقَوْم يتحدثون، فينم حَدِيثهمْ، والقتات: الَّذِي يتسمع على الْقَوْم وهم لَا يعلمُونَ، ثمَّ ينم حَدِيثهمْ، والقساس: الَّذِي يقس الْأَخْبَار، أَي: يسْأَل النَّاس عَنْهَا، ثمَّ يبثها على أَصْحَابهَا. بَاب مَا يكره من التمادح 3572 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ رَجُلا مَدَحَ رَجُلا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلانًا وَلا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، حَسِيبُهُ اللَّهُ إِنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ

مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ غُنْدَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. قَوْله: «قطعت عنق صَاحبك»، إِنَّمَا كره ذَلِك لِئَلَّا يغتر الْمَقُول لَهُ بِهِ، فيستشعر الْكبر، وَذَلِكَ جِنَايَة عَلَيْهِ، فَيصير كَأَنَّهُ قطع عُنُقه فَأَهْلَكَهُ. وَقَوله: «حسيبه الله»، يَعْنِي أَن الله يحاسبه على أَعماله، ويعاقبه على ذنُوبه إِن شَاءَ. وقَالَت عَائِشَة: إِذا أعْجبك حسن عمل امْرِئ، فَقل: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التَّوْبَة: 105] وَلَا يستخفنك أحد. 3573 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، سَمِعْتُ مَيْمُونَ بْنَ أَبِي شَبِيبٍ، أَنَّ رَجُلا جَعَلَ يُثْنِي عَلَى عَامِلٍ عِنْدَ عُثْمَانَ، فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْمِقْدَادِ.

باب الصدق والكذب

قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: المداحون هم الَّذين اتَّخذُوا مدح النَّاس عَادَة، وجعلوه بضَاعَة يستأكلون بِهِ الممدوح، فَأَما من مدح الرجل على الْفِعْل الْحسن، وَالْأَمر الْمَحْمُود يكون مِنْهُ ترغيبا لَهُ فِي أَمْثَاله، وتحريضا للنَّاس على الِاقْتِدَاء بِهِ فِي أشباهه، فَلَيْسَ بمداح. وَقد اسْتعْمل الْمِقْدَاد الحَدِيث على ظَاهره فِي تنَاول عين التُّرَاب، وحثيه فِي وَجه المادح، وَقد يتَأَوَّل أَيْضا على وَجه آخر وَهُوَ أَن يكون مَعْنَاهُ: الخيبة والحرمان، أَي: من تعرض لكم بالثناء والمدح، فَلَا تعطوه واحرموه. كني بِالتُّرَابِ عَن الحرمان، كَقَوْلِهِم: مَا فِي يَده غير التُّرَاب، وَكَقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا جَاءَك يطْلب ثمن الْكَلْب، فاملأ كَفه تُرَابا». قلت: وَفِي الْجُمْلَة الْمَدْح وَالثنَاء على الرجل مَكْرُوه. لِأَنَّهُ قَلما يسلم المادح عَن كذب يَقُوله فِي مدحه، وقلما يسلم الممدوح، من عجب يدْخلهُ. وَرُوِيَ أَن رجلا أثنى على رجل عِنْد عمر، فقَالَ عمر: عقرت الرجل، عقرك الله. بَاب الصدْق وَالْكذب قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التَّوْبَة: 119]، وقَالَ الله سُبْحَانَهُ

وَتَعَالَى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10]، أَي: لعن الكذابون الَّذين يَقُولُونَ على الله ظنا وحدسا مَا لَا يعلمُونَ، وَمِنْه خرص النخيل، وَهُوَ حزر ثَمَرهَا. لِأَنَّهُ تَقْدِير بِظَنّ لَا بإحاطة. 3574 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَأَخْرَجَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.

3575 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدُوسٍ الْمُزَكِّي، بِنَيْسَابُورَ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْبَزَّازُ، بِبَغْدَادَ، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيَقُولُ: إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ: الْهَدْيُ وَالْكَلامُ، فَأَفْضَلُ الْكَلامِ كَلامُ اللَّهِ، وَأَفْضَلُ الْهَدْيِ هَدْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، فَلا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الأَمَدُ، وَلا يُلْهِيَنَّكُمُ الأَمَلُ، فَإِنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ قَريبٌ، أَلا إِنَّ بَعِيدًا مَا لَيْسَ بِآتٍ، أَلا وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ، وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَيُجِيبَهُ إِذَا دَعَاهُ، وَيَعُودَهُ إِذَا مَرِضَ، وَإِنَّ شَرَّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ، لَا يَصْلُحُ مِنْهُ هَزْلٌ وَلا جِدٌّ، وَلا يَعِدَنَّ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ شَيْئًا، ثُمَّ لَا يُنْجِزُهُ لَهُ، أَلا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورُ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، أَلا وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، أَلا وَإِنَّهُ يُقَالُ للِصَّادِقِ: صَدَقَ وَبَرَّ، وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ: كَذَبَ وَفَجَرَ،

أَلا وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا، أَلا هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِالْعَضْهِ مَا هِيَ، هِيَ النَّمِيمَةُ الَّتِي تُفْسِدُ مِنَ النَّاسِ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاق الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: «أَلا وَإِنَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ»، إِلَى قَوْلِهِ: «وَيَعُودَهُ إِذَا مَرِضَ»، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْعَضْهَ، أَتَدْرُونَ مَا الْعَضْهُ؟ النَّمِيمَةُ وَنَقْلُ الأَحَادِيثِ» قَوْله: «وَأفضل الْهَدْي هدي مُحَمَّد»، أَرَادَ بِهِ أفضل الطَّرِيق، وَالْهَدْي الطَّرِيق.

باب في المعاريض مندوحة عن الكذب

3576 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَذِبِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِذْبَةَ، فَمَا يَزَالُ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً» قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو: " أَربع خلال إِذا أَعطيتهنَّ، فَلَا يَضرك مَا عزل عَنْك من الدُّنْيَا: حسن خَلِيقَة، وعفاف طعمة، وَصدق حَدِيث، وَحفظ أَمَانَة ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: " من قَالَ لصبي: تعال هاك تَمرا، ثمَّ لم يُعْطه شَيْئا فَهِيَ كذبة ". بَاب فِي المعاريض مندوحة عَن الْكَذِب قَالَه عمرَان بْن حُصَيْن، قَالَ عمر: «أما فِي المعاريض

مَا يُغني الرجل عَن الْكَذِب» فالمعاريض: مَا يعرض بِهِ وَلَا يُصَرح. مندوحة، أَي سَعَة وفسحة، أَي: فِيهَا مَا يَسْتَغْنِي بِهِ الرجل عَن الِاضْطِرَار إِلَى الْكَذِب، يقَالَ: ندحت الشَّيْء ندحا: إِذا وسعته. 3577 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، نَا هِشَام بْن عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ وَرَجُلٌ يَسُوقُ بِنِسَائِهِ، يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ بَشَّارٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ. 3578 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحِجَاجِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، نَا شَبَابَةُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ مَعَهُمْ حَادٍ وَسَائِقٌ، قَالَ: فَقَدَّمَ النِّسَاءَ، فَقَالَ: يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدًا سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ " 3579 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ الْحَجَّاجِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالا: نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: " بَيْنَما رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ وَحَادٍ يَحْدُو بِالنِّسَاءِ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيِّ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ. المُرَاد بِالْقَوَارِيرِ: النِّسَاء شبههن بِالْقَوَارِيرِ، لضعف عزائمهن، والقوارير يسْرع إِلَيْهَا الْكسر. وَكَانَ أَنْجَشَة غُلَاما أسود وَفِي سوقه عنف، فَأمره أَن يرفق بِهن فِي السُّوق، كَمَا يرفق بالدابة الَّتِي عَلَيْهَا قَوَارِير. وَفِيه وَجه آخر، وَهُوَ أَن أَنْجَشَة كَانَ حسن الصَّوْت بالحداء، فَكَانَ يَحْدُو لَهُنَّ، وينشد من القريض وَالرجز مَا فِيهِ تشبيب، فَلم يَأْمَن أَن يَقع فِي

باب ما يحذر من الغضب وما يجوز منه في أمر الدين

قلوبهن حداؤه، فَأمر بالكف عَن ذَلِك، وَشبه ضعف عزائمهن، وَسُرْعَة تَأْثِير الصَّوْت فِيهِنَّ بِالْقَوَارِيرِ فِي سرعَة الآفة إِلَيْهَا. وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْن أسيد الْحَضْرَمِيّ، قَالَ: سَمِعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُول: «كَبرت خِيَانَة أَن تحدث أَخَاك حَدِيثا هُوَ لَك بِهِ مُصدق وَأَنت بِهِ كَاذِب». وَكَانَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ متواريا، فَكَانَ أَصْحَابه يدْخلُونَ عَلَيْهِ، فَإِذا خَرجُوا من عِنْده، يَقُول لَهُم: إِذا سئلتم عني، فَقولُوا: لَا نَدْرِي أَيْن هُوَ، فَإِنَّكُم لَا تَدْرُونَ إِذا خَرجْتُمْ إِلَى أَيْن أتحول، وَكَانَ تحوله من مَوضِع من الدَّار إِلَى مَوضِع آخر. بَاب مَا يحذر من الْغَضَب وَمَا يجوز مِنْهُ فِي أَمر الدَّين قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37]، وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [

آل عمرَان: 134]، وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التَّوْبَة: 73]. 3580 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَصْبَهَانِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، نَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْقَاضِي، أَنا مُسَدَّدُ بْنُ قَطنٍ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوْصِنِي، وَلا تُكْثِرْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَحْفَظُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَغْضَبْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ. وأَبُو حُصَيْنٍ: اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الأَسَدِيّ. 3581 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. الصرعة مَفْتُوحَة الرَّاء: وَهُوَ الَّذِي يصرع الرِّجَال، ويغلبهم فِي الصراع. كالخدعة: كثير الخداع، واللعبة: كثير التلعب، وَهَذَا عَلَى طَرِيق ضرب الْمثل، فحول معنى الِاسْم عَن أَمر الدّنيا إِلَى أَمر الدّين، فَجَعلهَا اسْما للحليم الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب، كَمَا قَالَ فِي الْمُفلس: «الَّذِي يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة، وَقد ضرب هَذَا، وَشتم هَذَا، فَيُؤْخَذ مِن حَسَنَاته لَهُم، وَيُؤْخَذ مِن سيئاتهم، فَتلقى عَلَيْهِ»، وكما أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن الْخمر، وَقيل: إِنَّهَا دَوَاء، فَقَالَ: «لَا وَلكنهَا دَاء»، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا دَاء فِي أَمر الدّين لما فِي شربهَا مِن الْإِثْم، وَإِن كَانَت دَوَاء فِي بعض الأسقام مِن جِهَة الطِّبّ. 3582 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبِسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ النَّاسَ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ»

باب الوضوء عند الغضب

بَاب الْوضُوء عِنْد الْغَضَب 3583 - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَزَّازُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ السَّهْلِيُّ، بِطُوسَ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، نَا أَبِي، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الصَّنْعَانِيُّ، نَا أَبُو وَائِلٍ، صَنْعَانِيٌّ مُرَادِيٌّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ بِكَلامٍ أَغْضَبَهُ، فَلَمَّا أَنْ غَضِبَ، قَامَ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْنَا وَقَدْ تَوَضَّأَ، فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ، كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَعُرْوَة: هُوَ عُرْوَة بْن مُحَمَّد بْن عَطِيَّة بْن عُرْوَة السَّعْدِيّ، مِن سعد بْن

باب الصبر على أذى المسلمين والتجاوز عنهم

بَكْر، وعطية لَهُ صُحْبَة. 3584 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو سُهَيْلٍ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، أَنا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ، وَهُوَ قَائِمٌ، فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ، وَإِلا فَلْيَضْطَجِعْ» قِيلَ: إِنَّمَا أمره بالقعود والاضطجاع، لِئَلَّا يحصل مِنْهُ فِي حَال غَضَبه مَا ينْدَم عَلَيْهِ، فَإِن المضطجع أبعد فِي الْحَرَكَة والبطش مِن الْقَاعِد، والقاعد مِن الْقَائِم. بَاب الصَّبْر عَلَى أَذَى الْمُسلمين والتجاوز عَنْهُم قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} [

آل عمرَان: 120]، وَقَالَ عز وَجل: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمرَان: 134]. 3585 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: ابْنُ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْلِمُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ». 3586 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَجُلا سَبَّ أَبَا بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ لَا يَقُولُ شَيْئًا، فَلَمَّا سَكَتَ، ذَهَبَ أَبُو

بَكْرٍ يَتَكَلَّمُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ يَسُبُّنِي، وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَلَمَّا ذَهَبْتُ أَتَكَلَّمُ، قُمْتَ. قَالَ: إِنَّ الْمَلَكَ كَانَ يَرُدُّ عَنْكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمْتَ، ذَهَبَ الْمَلَكُ، وَوَقَعَ الشَّيْطَانُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَجْلِسَ، يَا أَبَا بَكْرٍ، ثَلاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: لَيْسَ عَبْدٌ يُظْلَمُ بِمَظْلَمَةٍ، فَيُغْضِي عَنْهَا إِلا أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا نَصْرَهُ، وَلَيْسَ عَبْدٌ يَفْتَحُ بَابَ مَسْأَلَةٍ يَبْتَغِي بِهَا كَثْرَةً إِلا زَادَهُ بِهَا قِلَّةً، وَلَيْسَ عَبْدٌ يَفْتَحُ بَابَ عَطِيَّةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ أَوْ صِلَةً إِلا زَادَهُ اللَّهُ بِهِ كَثْرَةً ". قَالَ عَلِيّ: أملاه علينا سُفْيَان. قلت: الِانْتِصَار عَن الْمَظَالِم جَائِز. لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النِّسَاء: 148]، وَقَالَ عز وَجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39]. وَلَكِن الصَّبْر أجمل، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، وَقَالَ جلّ ذكره: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} [الشورى: 41]، إِلَى أَن قَالَ: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43]،

باب الكبر ووعيد المتكبرين

قَالَ إِبْرَاهِيم: «كَانُوا يكْرهُونَ للْمُؤْمِنين أَن يستذلوا، فَإِذا قدرُوا عفوا». وَقَالَ مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39]، قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ للْمُؤْمِنين أَن يستذلوا، فيجترئ عَلَيْهِم الْفُسَّاق. بَاب الْكبر ووعيد المتكبرين 3587 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بَكْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِيٍّ الْبِسْطَامِيُّ الْكِسَائِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَخْتَوَيْهِ، أَنا أَبُو الْفَضْلِ سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى الْهِلالِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، وَلا يَدْخُلُ النَّارَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ، وَغَمصَ النَّاسَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ.

قَوْله: «لَا يدْخل الْجنَّة مثقَالَ ذرة من كبر»، قيل: أَرَادَ بِهِ كبر الْكفْر، أَلا ترى أَنه قد قابله فِي نقيضه بِالْإِيمَان، وَقيل: أَرَادَ أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ينْزع الْكبر من قلبه إِذا أَرَادَ أَن يدْخلهُ الْجنَّة حَتَّى يدخلهَا بِلَا كبر، كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الْأَعْرَاف: 43]. وَقَوله: «الْكبر من بطر الْحق»، كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [الْبَقَرَة: 177]، مَعْنَاهُ: وَلَكِن الْبر بر من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر. والبطر: الطغيان عِنْد النِّعْمَة، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [الْقَصَص: 58]، أَي: فِي معيشتها. وقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: " البطر سوء احْتِمَال الْغنى، وبطر الْحق هَهُنَا: أَن يَجْعَل الْحق بَاطِلا "، ويقَالَ: هُوَ أَن يتكبر عِنْد الْحق فَلَا يقبله، وَغَمص النَّاس، وغمطهم: أَن يحتقرهم فَلَا يراهم شَيْئا، وَفِيه لُغَتَانِ: غمط وَغَمص بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا فيهمَا جَمِيعًا، ويقَالَ: غمص النِّعْمَة وغمطها: إِذا لم يشكرها. قَالَ الْحسن: «التَّوَاضُع أَن تخرج من بابك، فَلَا يتلقاك مُسلم إِلَّا رَأَيْت لَهُ عَلَيْك فضلا». 3588 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِيهِ مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، " أَنَّهُ أَتَاهُ مَالِكُ بْنُ مِرَارَةَ الرَّهَاوِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ

أُوتِيتُ مِنَ الْجَمَالِ مَا تَرَى، مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَحَدًا يَفْضُلُنِي بِشِرَاكَيْنِ، فَمَا فَوْقَهُمَا، فَهَلْ هَذَا مِنَ الْبَغْيِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ، وَغَمَطَ النَّاسَ». قَوْله: «سفه الْحق»، أَي: يرى الْحق سفها وجهلا. وَقَوله: {إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [الْبَقَرَة: 130]، قِيلَ: سفه فِي نَفسه، أَي: صَار سَفِيها، وَقيل: جهل نَفسه، وَلم يفكر فِيهَا. 3589 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ الْبِسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْفَرَّاءُ، أَنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ، فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ». 3590 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ

الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ أَمْثَالَ الذَّرِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ مِنْ جَهَنَّمَ يُسَمَّى يُولَسَ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. 3591 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا الأَصَمُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ الْقَصَّارُ، أَنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يُزَكِّيهِمْ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُتَكَبِّرٌ «. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ» وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".

3592 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرْقِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَّاءُ، وَقَطَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالُوا: نَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، أَدْخَلْتُهُ النَّارَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الأَغَرِّ. 3593 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ الْوَاعِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ زَنْجُوَيْهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلالِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ يُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَعْبدٍ. العتل: الشَّديد الْخُصُومَة الجافي اللَّئِيم، وَقيل: هُوَ الْفظ الغليظ الَّذِي لَا ينقاد لخير. والجواظ: هُوَ الجموع المنوع، وَقيل: الْكثير اللَّحْم، المختال فِي مَشْيه، وَقيل: الْقصير البطين. وروى حَارِثَة بْن وهب، عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يدْخل الْجنَّة الجواظ الجعظري». يقَالَ: الجعظري: الْفظ الغليظ، وَجَاء تَفْسِيره فِي بعض الْأَحَادِيث: هم الَّذين لَا تصدع رُءُوسهم، ويقَالَ: رجل جعظري وجعظار: وَهُوَ الَّذِي يتنفج بِمَا لَيْسَ عِنْده، وَفِيه قصر. وَعَن سليم بْن حَنْظَلَة، قَالَ: نظر عمر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أبي بْن كَعْب، وَمَعَهُ نَاس، فعلاه بِالدرةِ، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا تصنع؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا فتْنَة للمتبوع، ومذلة للتابع». وَعَن يَحْيَى بْن جعدة أَن نَاسا كَانُوا يتبعُون سلمَان، فَقَالَ: «هَذَا خير لكم، وَشر لي».

باب الحياء

وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: «مِن تطاول تَعَظُّمًا، خفضه اللَّه، وَمن تواضع تخشعا، رَفعه اللَّه». وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ: " إِن الرجل إِذا تواضع، رفع اللَّه حكمته. وَقَالَ: انْتَعش نَعشك اللَّه، فَهُوَ فِي نَفسه صَغِير، وَفِي أعين النّاس كَبِير، وَإِذا بطر وَعدا طوره، وهصه اللَّه إِلَى الأَرْض، وَقَالَ: اخس أخساك اللَّه، فَهُوَ فِي نَفسه كَبِير، وَفِي أعين النّاس صَغِير حَتَّى يكون أَهْون عَلَى اللَّه مِن الْخِنْزِير ". بَاب الْحيَاء 3594 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، أَنا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ، وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّهُ لَيَسْتَحِي. يَعْنِي كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ،

عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ، كُلٌّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَيُقَالَ: اسْتَحْيَا يَسْتَحْيِي، وَاسْتَحَى يَسْتَحِي. 3595 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. 3596 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا شَانَهُ، وَلا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا زَانَهُ».

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قلت: الْحيَاء مَحْمُود، وَهُوَ مِن الْإِيمَان، كَمَا أخبر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِن الْحيَاء يمْنَع الرجل عَن الْمعاصِي، كالمؤمن يمنعهُ إيمَانه مِن الْمعاصِي، خوفًا مِن اللَّه عز وَجل. وَرُوِيَ عَن عمرَان بْن حُصَيْن، قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحيَاء لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَير». قلت: أما الْحيَاء فِي التَّعَلُّم، والبحث عَن أَمر الدّين، فمذموم، قَالَتْ عَائِشَة: «نعم النِّسَاء نسَاء الْأَنْصَار، لم يمنعهن الْحيَاء أَن يتفقهن فِي الدّين». وَقَالَ مُجَاهِد: «لَا يتَعَلَّم الْعلم مستح وَلَا مستكبر». 3597 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، نَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ. نَا ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ

مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَوله: «مِن كَلَام النُّبُوَّة الأولى»، مَعْنَاهُ: اتِّفَاق كلمة الْأَنْبِيَاء صلوَات اللَّه عَلَيْهِم عَلَى اسْتِحْسَان الْحيَاء، فَمَا مِن نَبِي إِلَّا ندب إِلَيْهِ، وَبعث عَلَيْهِ. وَقَوله: «فافعل مَا شِئْت»، فِيهِ أقاويل، أَحدهَا: أَن مَعْنَاهُ معنى الْخَبَر، وَإِن كَانَ لَفظه لفظ الْأَمر، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذا لم يمنعك الْحيَاء، فعلت مَا شِئْت مِمَّا تدعوك إِلَيْهِ نَفسك مِن الْقَبِيح، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى ذهب أَبِو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلام، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يَحْيَى: مَعْنَاهُ الْوَعيد، كَقَوْلِه سُبْحَانَهُ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، أَي: اصْنَع مَا شِئْت، فَإِن اللَّه مجازيك. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيّ: مَعْنَاهُ: أَن تنظر إِلَى مَا تُرِيدُ أَن تَفْعَلهُ، فَإِن كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يستحيا مِنْهُ، فافعله، وَإِن كَانَ مِمَّا يستحيا مِنْهُ، فَدَعْهُ، وَالله أعلم. وروى هَذَا الحَدِيث جرير، عَن مَنْصُور، بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ جرير: مَعْنَاهُ: أَن يُرِيد الرجل أَن يعْمل الْخَيْر، فيدعه حَيَاء من النَّاس، كَأَنَّهُ يخَاف مَذْهَب الرِّيَاء، يَقُول: فَلَا يمنعك الْحيَاء من الْمُضِيّ لما أردْت. قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ شَبيه بِالْحَدِيثِ الآخر: " إِذا جَاءَك الشَّيْطَان وَأَنت تصلي، فقَالَ: إِنَّك ترائي فزدها طولا ". وَكَذَلِكَ قَالَ الْحسن:

باب التأني والعجلة

مَا أحد أَرَادَ شَيْئا من الْخَيْر إِلَّا سَارَتْ فِي قلبه سورتان، فَإِذا كَانَت الأولى مِنْهُمَا لله، فَلَا تهيدنه الْآخِرَة. قَالَ أَبُو عبيد: إِنَّمَا وَجهه عِنْدِي على جِهَة الذَّم لترك الْحيَاء. بَاب التأني والعجلة قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الرّوم: 60]، أَي: لَا يستفزنك وَلَا يستجهلنك، وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: 54]، أَي: حملهمْ على الخفة وَالْجهل، يقَالَ: استخفه عَن رَأْيه: إِذا حمله على الْجَهْل، وأزاله عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من الصَّوَاب. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الْأَنْبِيَاء: 37]، أَي: ركب على العجلة، وَقيل: «من عجل»: من طين. 3598 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حسَّانِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُلْقَابَاذِيُّ، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّجَّارُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، نَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ،

نَا عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الأَنَاةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ». وقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ الْعَبَّاسِ. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: «أَلا إِن التبين من الله، والعجلة من الشَّيْطَان». وَالْمرَاد من التبين: التثبت فِي الْأُمُور، والتأني فِيهَا. وَقُرِئَ: إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَثَبَّتُوا، من التثبت. وَقد صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأشج عَبْد الْقَيْس: " إِن فِيك لخصلتين يحبهما الله: الْحلم والأناة ". وَرُوِيَ أَن الْمُنْذر الْأَشَج، قَالَ: يَا رَسُول اللَّهِ، أَنَا أتخلق بهما أم اللَّه جبلني عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: «بل اللَّه جبلك عَلَيْهِمَا». قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جبلني عَلَى خلقين يحبهما اللَّه وَرَسُوله ".

ويروى عَن مُصعب بْن سعد، عَن أَبِيهِ، وَرُبمَا رَفعه: «التؤدة فِي كل شَيْء إِلَّا فِي عمل الْآخِرَة». وَرُوِيَ عَن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: التؤدة فِي كل شَيْء خير إِلَّا مَا كَانَ مِن أَمر الْآخِرَة. 3599 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، أَنا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا النُّفَيْلِيُّ، نَا زُهَيْرٌ، نَا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ، وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ، وَالاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». هدي الرجل: حَاله ومذهبه، وَكَذَلِكَ سمته، والاقتصاد: سلوك الْقَصْد فِي الْأُمُور، وَالدُّخُول فِيهَا بِرِفْق عَلَى سَبِيل يُمكن الدَّوَام عَلَيْهَا. يُرِيد: أَن هَذِه الْخِصَال مِن شمائل الْأَنْبِيَاء صلى اللَّه عَلَيْهِم، وَأَنَّهَا جُزْء

مِن أَجزَاء فضائلهم، فاقتدوا بهم فِيهَا، وتابعوهم عَلَيْهَا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن النُّبُوَّة تتجزأ، وَلَا أَن مِن جمع هَذِه الْخلال كَانَ نَبيا، فَإِن النُّبُوَّة غير مكتسبة، وَإِنَّمَا هِيَ كَرَامَة يخص اللَّه بهَا مِن يَشَاء مِن عباده، وَالله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته. وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ، أَن هَذِه الْخلال مِمَّا جَاءَت بِهِ النُّبُوَّة، ودعت إِلَيْهَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، يُرِيد أَن هَذِه الْخلال جُزْء مِن خَمْسَة وَعشْرين جُزْءا مِمَّا جَاءَت بِهِ النبوات، ودعا إِلَيْهَا الْأَنْبِيَاء. وَقيل: مَعْنَاهُ أَن مَنْ جمع هَذِه الْخِصَال، لقِيه النّاس بالتوقير والتعظيم، وَألبسهُ اللَّه لِبَاس التَّقْوَى الَّذِي ألبس أنبياءه عَلَيْهِم السَّلَام، فَكَأَنَّهَا جُزْء مِن النُّبُوَّة. ذكرهَا الْخطابِيّ رَحمَه اللَّه. 3600 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذِ الأَمْرَ بِالتَّدْبِيرِ، فَإِنْ رَأَيْتَ فِي عَاقِبَتِهِ خَيْرًا، فَأَمْضِهِ، وَإِنْ خِفْتَ غَيًّا، فَأَمْسِكْ». وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: مَا قلد اللَّه عبدا قلادة أفضل مِن السكينَة. وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: السكينَة مغنم، وَتركهَا مغرم.

باب المزاح

3601 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْعَبْدِيُّ، قَالا: نَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدَبٍ، عَنْ حُذَيْقَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «يَتَعَرَّضُ لِلْبَلاءِ بِمَا لَا يُطِيقُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. بَاب المزاح قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا عُمَيْر، مَا فعل النغير؟». 3602 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ،

أَنا شَقِيقٌ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالُوا " يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا؟ قَالَ: لَا أَقُولُ إِلا حَقًّا ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَوْله: «تداعبنا»، أَي: تمازحنا، والدعابة: المزاح بِكَسْر الْمِيم: مصدر مازحته مزاحا، وبضمه مصدر مزحته مزحا ومزاحا. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: «خالط النّاس وَدينك فَلَا تكلمنه». 3603 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنا ابنُ أَبِي عَاصِمٍ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدْلَعُ لِسَانَهُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ، فَيَبْهَشُ إِلَيْهِ» يقَالَ للْإنْسَان إِذا نظر إِلَى شَيْء فأعجبه، فأسرع إِلَيْهِ، وتناوله: بهش إِلَيْهِ.

3604 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرَ بْنَ حَرَامٍ، وَكَانَ يُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، وَكَانَ دَمِيمًا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ، فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْزَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ، أَوْ قَالَ: لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ " 3605 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى

التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ رَجُلا اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلا النُّوقُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. 3606 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «يَا ذَا الأُذُنَيْنِ». قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: يَعْنِي يُمَازِحُهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَقد يحْتَمل أَن يكون قَصده بِهِ الحض والتنبيه عَلَى حَسَن الِاسْتِمَاع، والتلقف لما يَقُوله، لَا المزاح. لِأَن الِاسْتِمَاع يكون بحاسة الْأذن، وَلذَلِك خلق اللَّه الْأُذُنَيْنِ، وَالله أعلم.

وَرُوِيَ أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لعجوز: «إِن الجنَّة لَا يدخلهَا عَجُوز»، فَوَلَّتْ تبْكي، قَالَ: " أَخْبرُوهَا أَنَّهَا لَا تدْخلهَا وَهِي عَجُوز، إِن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً {35} فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا {36}} [الْوَاقِعَة: 35 - 36] ". 3607 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو يَعْلَى، وَجَعْفَرُ بْنُ عُمَرَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالا: نَا جُبَارَةُ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْوَرْدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآنِي رَجُلا أَحْمَرَ، فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو الْوَرْدِ ". قَالَ جُبَارَةُ: مَازَحَهُ. قَالَ عُمَر: إِنَّه ليعجبني أَن يكون الرجل فِي أَهله مثل الصَّبِي، ثُمَّ إِذا بغي مِنْهُ، وجد رجلا. وَقَالَ ثَابت بْن عُبَيْد: كَانَ زيد بْن ثَابت مِن أفكه النّاس فِي بَيته، فَإِذا خرج، كَانَ رجلا مِن الرِّجَال. رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، أَنَّهُ قَالَ لقوم قعُود لَدَيْهِ: أحمضوا. يقَالَ: أحمض الْقَوْم إحماضا: إِذا أفاضوا فِيمَا يؤنسهم مِن الْكَلَام، وَالْأَصْل فِيهِ هُوَ الحمض الَّذِي فِيهِ فَاكِهَة الْإِبِل، وَهِي أَنَّهَا ترعى الْخلَّة، وَهِي مَا حلا مِن النَّبَات، فَإِذا ملتها، مشقت مِن الحمض مشقات، ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْخلَّة، والحمض: مَا ملح مِن النَّبَات، تَقُولُ الْعَرَب: الْخلَّة خبز

الْإِبِل، والحمض فاكهتها، فَلَمَّا خَافَ ابْن عَبَّاس عَلَيْهِم الملال أحب أَن يجمعهُمْ، فَأَمرهمْ بِالْأَخْذِ فِي ملح الحكايات. وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالب: أجموا هَذِه الْقُلُوب، فَإِنَّهَا تمل، كَمَا تمل الْأَبدَان. وَعَن أَبِي الدَّرْدَاء: إِنِّي أستجم بِبَعْض الْبَاطِل، ليَكُون أنشط لي فِي الْحق. وَقَالَ ربيعَة الرَّأْي: الْمُرُوءَة سِتّ خِصَال: ثَلَاثَة فِي الْحَضَر، وَثَلَاثَة فِي السّفر، فَفِي الْحَضَر تِلَاوَة الْقُرْآن، وَعمارَة مَسَاجِد اللَّه، واتخاذ الْقرى فِي اللَّه، وَالَّتِي فِي السّفر، فبذل الزَّاد، وَحسن الْخلق، وَكَثْرَة المزاح فِي غير مَعْصِيّة. دخل الشَّعْبِيّ وَلِيمَة، فَرَأى أَهلهَا سكُوتًا، فَقَالَ: مَا لي أَرَاكُم كأنكم فِي جَنَازَة أَيْنَ الْغناء؟ أَيْنَ الدُّف؟ وَقيل لسُفْيَان بْن عُيَيْنَة: المزاح هجنة؟ قَالَ: بل سنة، وَلَكِن الشَّأْن فِيمَن يُحسنهُ ويضعه موَاضعه. وَكَانَ ابْن سِيرِين يمزح ويضحك حَتَّى يسيل لعابه، ثُمَّ يقْرَأ {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [مُحَمَّد: 36]. وَقيل: كَانَ ابْن سِيرِين كثير الضحك بِالنَّهَارِ، كثير الْبكاء بِاللَّيْلِ. قَالَ غَالب الْقطَّان: أتيت ابْن سِيرِين يَوْمًا، فَسَأَلت عَن هِشَام، فَقَالَ: تُوُفّي البارحة أما شَعرت، فَقلت: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، فَضَحِك، فَقلت: لَعَلَّه أَرَادَ النّوم. وَقَالَ الْحَسَن: المزاح يذهب بالمروءة. وَكتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز إِلَى عدي بْن أَرْطَاة: أَن انْهَ مِن قبلك عَن المزاح، فَإِنَّهُ يذهب الْمُرُوءَة، ويوغر الصَّدْر. وَقيل: سمي المزاح مزاحا. لِأَنَّهُ أزيح عَن الْحق، أَي: بوعد.

باب الدلالة على الخير

بَاب الدّلَالَة عَلَى الْخَيْر 3608 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُبْدِعَ بِي، فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: مَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكَ، وَلَكِنِ ائْتِ فُلانًا، فَأَتَاهُ، فَحَمَلَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَوْله: أبدع بِي. أَي: ظلعت ركابي، يقَالَ للرجل إِذا كلت ركابه، أَو عطبت وَبَقِي مُنْقَطِعًا: أبدع بِهِ. بَاب شكر الْمَعْرُوف 3609 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِيٍّ الْكِسَائِيُّ

الْبَسْطَامِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيم بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَخْتُوَيْهِ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّصْرَابَاذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ النَّسَوِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ، مَوْلَى الأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ، فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَجْزِي بِهِ، فَلْيُثْنِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَدْ شَكَرَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ، فَقَدْ كَفَرَهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَانَ كَلابِسِ ثَوْبَيْنِ مِنْ زُورٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: «فَقَدْ كَفَرَ» كُفْرَانَ النِّعْمَةِ.

ويروى: «مِن أزلت إِلَيْهِ نعْمَة، فليشكرها»، أَي: أسديت إِلَيْهِ. والزلة: اسْم مَا يرفع عَن الْمَائِدَة لقريب أَو صديق. 3610 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، أَنا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَن عَبْد اللَّه بْن عُمَر، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِن أَتَى إِلَيْكُم مَعْرُوفا، فكافئوه، فَإِن لم تَجدوا، فَادعوا لَهُ حَتَّى تعلمُوا أَن قد كافأتموه». وَرُوِيَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مِن قَالَ لِأَخِيهِ: جَزَاك اللَّه خيرا، فقد أبلغ فِي الثَّنَاء ".

باب المشورة وأن المستشار مؤتمن

بَاب المشورة وَأَن المستشار مؤتمن قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، وَقَالَ جلّ ذكره: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمرَان: 159]. 3611 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمَقَانَعِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، نَا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَكْثَرَ اسْتِشَارَةً لِلرِّجَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» 3612 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ بْنُ إِيَاسٍ، نَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَاعَةٍ لَا يَخْرُجُ فِيهَا، وَلا يَلْقَاهُ فِيهَا أَحَدٌ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ: خَرَجْتُ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ، وَالتَّسْلِيمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ رَجُلا كَثِيرَ النَّخْلِ وَالشَّاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالُوا لامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ فَقَالَتِ: انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ يَزْعَبُهَا، فَوَضَعَهَا، ثُمَّ جَاءَ يَلْتَزِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُفَدِّيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَتِهِ، فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ، فَجَاءَ بِقِنْوٍ، فَوَضَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَلا تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْبُرُوا أَوْ تَخَيَّرُوا مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ النَّعِيمُ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ظِلٌّ بَارِدٌ، وَرُطَبٌ طَيَّبٌ، وَمَاءٌ

بَارِدٌ، فانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ لِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَذْبَحَنَّ ذَاتَ دَرٍّ، فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقًا أَوْ جَدْيًا، فَأَتَاهُمْ بِهَا، فَأَكَلُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَكَ خَادِمٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ فَأْتِنَا، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ، فَأَتَاهُ أبُو الْهَيْثَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْ مِنْهُمَا، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، اخْتَرْ لِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، خُذْ هَذَا، فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي، وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا، فَانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا أَنْتَ بِبَالِغٍ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنْ تُعْتِقَهُ، قَالَ: فَهُوَ عَتِيقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا وَلا خَلِيفَةً إِلا وَلَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالا، وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ، فَقَدْ وُقِيَ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيِّ، وَشَيْبَانُ صَاحِبُ كِتَابٍ، وَهُوَ صَحِيحُ الْحَدِيثِ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِك بْنُ عُمَيْرٍ: إِنِّي لأُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ، فَمَا أَدَعُ مِنْهُ حَرْفًا. والقنو: العذق، وَهُوَ الكباسة، وتثنيته وَجمعه: قنوان، وَمثله صنو وصنوان للجذوع الّتي أَصْلهَا وَاحِد، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [الْأَنْعَام: 99]، والبطانة: الْأَوْلِيَاء والأصفياء. قَوْله: «لَا يألوه خبالا»، أَي: لَا يقصر وَلَا يتْرك جهده فِيمَا يورثه الشَّرّ وَالْفساد، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} [آل عمرَان: 118]. والخبال: الشَّرّ وَالْفساد، قَالَ اللَّهُ عز وَجل: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا} [التَّوْبَة: 47]. وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تصْحَب الْفَاجِر، فيحملك عَلَى الْفُجُور، وَلَا تفش إِلَيْهِ سرك، وشاور فِي أَمرك الّذين يَخْشونَ اللَّه. وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: قُولُوا خيرا تعرفوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مِن أَهله، وَلَا تَكُونُوا عجلاء مذاييع بذرا. المذاييع وَالْبذْر وَاحِد: هُم الّذين يفشون لما يسمعُونَ مِن السِّرّ، يقَالَ: أذاع السِّرّ، إِذا أفشاه، قَالَ اللَّهُ عز وَجل: {أَذَاعُوا بِهِ} [النِّسَاء: 83]، وَالْبذْر مِن قَوْلهم: بذرت الْكَلَام بَين النّاس كَمَا يبذر الْحُبُوب، وَاحِدهَا بذور. وَرُوِيَ عَن جَابِر، أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذا حدث الرجل حَدِيثا

فَالْتَفت، فَهُوَ أَمَانَة». وَفِي بعض الْأَحَادِيث «الْمجَالِس أَمَانَة، وإفشاؤها خِيَانَة». وَقَالَ مَكْحُول: إِذا حَدثَك الرجل بِحَدِيث، ثُمَّ الْتفت هَل يسمعهُ أحد، فقد لزمك كِتْمَانه.

34 - كتاب الفضائل

34 - كتاب الْفَضَائِل بَاب فَضَائِل سيد الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّد صلوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وعَلى آله أَجْمَعِينَ وشمائله وَهُوَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْمطلب بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف بْن قصي بْن كلاب بْن مرّة بْن كَعْب بْن لؤَي بْن غَالب بْن فهر بْن مَالك بْن النَّضر بْن كنَانَة بْن خُزَيْمَة بْن مدركة بْن إلْيَاس بْن مُضر بْن نزار بْن معد بْن عدنان. وَلَا يَصح حفظ النّسَب فَوق عدنان. وقريش: هُم أَوْلَاد النَّضر بْن كنَانَة تفَرقُوا فِي الْبِلَاد، فَجَمعهُمْ قصي بْن كلاب فِي مكَّة، سموا قُريْشًا. لِأَنَّهُ قرشهم، أَي: جمعهم، ولكنانة وُلِدَ سوى النَّضر، وهم لَا يسمون قُريْشًا، لأَنهم لم يقرشوا.

قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} [الْأَحْزَاب: 45] الْآيَة. وَقَالَ عز وَجل: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الْأَحْزَاب: 40]، أَي: ختمهم، فَهُوَ خَاتم لَهُم، وَقُرِئَ خَاتم بِالنّصب. وَقَالَ جلّ ذكره: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 107]، أَي: عطفا وصنعا. 3613 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، نَا وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الرَّازِيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. 3614 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ

الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنٍ فَقَرْنٍ حَتَّى بُعِثْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ مِنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ عَمْرٍو. الْقرن: كل طبقَة مقترنين فِي وَقت، قِيلَ: سمي قرنا لِأَنَّهُ يقرن أمة بِأمة، وعالما بعالم، وَهُوَ مصدر: قرنت، جعل اسْما للْوَقْت أَو لأَهله، وَقيل: الْقرن: ثَمَانُون سنة، وَقيل: أَرْبَعُونَ، وَقيل: مائَة سنة. 3615 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفٍ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ إِلا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ،

فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ. 3616 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، نَا سَيَّارٌ، نَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ، أَنا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ.

قَوْله: «نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر»، مَعْنَاهُ: أَن الْعَدو يخافني، وبيني وَبَينه مَسَافَة شهر، وَذَلِكَ مِن نصر اللَّه إِيَّاه. وَقَوله: «جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا»، أَرَادَ أَن أهل الْكتاب مَا أبيحت لَهُم الصَّلَاة إِلَّا فِي بيعهم وكنائسهم، وأباح اللَّه عز وَجل لهَذِهِ الْأمة الصَّلَاة حَيْثُ كَانُوا تَخْفِيفًا عَلَيْهِم وتيسيرا، ثُمَّ خص مِنْهَا الْمقْبرَة وَالْحمام، وَالْمَكَان النَّجس، فنهوا عَن الصَّلَاة فِيهَا. وَقَوله: «وَطهُورًا»، أَرَادَ بِهِ التُّرَاب، كَمَا بَينه فِي حَدِيث حُذَيْفَة «جعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا، وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا». وَقَوله: «وَأحلت لي الْمَغَانِم»، أَرَادَ أَن الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة مِنْهُم مِن لم يكن أُبِيح لَهُم جِهَاد الْكفَّار، فَلم يكن لَهُم مَغَانِم، وَمِنْهُم مِن أُبِيح لَهُم الْجِهَاد، وَلَكِن لم تبح لَهُم الْغَنَائِم، فَكَانَت غنائمهم تُوضَع، فتأتي نَار فتحرقها، وأباحها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهَذِهِ الْأمة. وَقَوله: «أَعْطَيْت الشَّفَاعَة»، فَهِيَ الْفَضِيلَة الْعُظْمَى الّتي لَا يُشَارِكهُ فِيهَا أحد يَوْم الْقِيَامَة، وَبهَا سَاد الْخلق كلهم حَتَّى قَالَ: «أَنَا سيد وُلِدَ آدم»، وَهُوَ الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي أعطَاهُ اللَّه عز وَجل. 3617 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَوْله: «أُوتيت جَوَامِع الْكَلم»، قِيلَ: يَعْنِي: الْقُرْآن، جمع اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِلُطْفِهِ مَعَاني كَثِيرَة فِي أَلْفَاظ يسيرَة، وَقيل: مَعْنَاهُ: إيجاز الْكَلَام فِي إشباع مِن الْمَعْنى، فالكلمة القليلة الْحُرُوف مِنْهَا يتَضَمَّن كثيرا مِن الْمعَانِي، وأنواعا مِن الْأَحْكَام. 3618 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَتُلَّتْ فِي يَدِي». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،

عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَوْله: «أتيت بمفاتح خَزَائِن الأَرْض فتلت فِي يَدي»، يحْتَمل أَن يكون هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا فتح لأمته وَجُنُوده مِن الخزائن، كخزائن كسْرَى وَقَيْصَر، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مِنْهُ معادن الأَرْض الّتي فِيهَا الذَّهَب وَالْفِضَّة وأنواع الفلز، أَي: ستفتح الْبلدَانِ الّتي فِيهَا هَذِه الْمَعَادِن والخزائن، فَتكون لأمته. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ذهب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُم تنتثلونها. أَي: تستخرجونها. وَقَوله: «تلت فِي يَدي»، أَي: ألقيت فِي يَدي. 3619 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا، فَأَحْسَنَهَا، وَأَجْمَلَهَا، وَأَكْمَلَهَا إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ، وَيُعجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ، فَيَقُولُونَ: أَلا وُضِعَتْ هَاهُنَا لَبِنَةٌ، فَتَمَّ بِنَاؤُهُ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ "

3619 - وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ، قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَوْله: «إخْوَة مِن علات»، مَا ذكر فِي الحَدِيث أَن أمهاتهم شَتَّى وَدينهمْ وَاحِد، يقَالَ لإخوة بني أَب وَأم: بَنو الْأَعْيَان، فَإِن كَانُوا لأمهات شَتَّى، فهم بَنو العلات، فَإِن كَانُوا لآباء شَتَّى، فهم أخياف، يُرِيد: أَن أصل دين الْأَنْبِيَاء وَاحِد، وَإِن كَانَت شرائعهم مُخْتَلفَة، كَمَا أَن أَوْلَاد العلات أَبُوهم وَاحِد، وَإِن كَانَت أمهاتهم شَتَّى. 3620 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، الأَنْبِيَاءُ أَوْلادُ عَلاتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ مَرْيَمَ نَبِيٌّ» 3620 - قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ قَصْرٍ أُحْسِنَ بُنْيَانُهُ، تُرِكَ مِنْهُ مَوْضِعُ لَبِنَةٍ، فَطَافَ بِهَا النُّظَّارُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ حُسْنٍ بِنَائِهِ إِلا مَوْضِعَ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، لَا يَعِيبُونَ سِوَاهَا، فَكُنْتُ أَنَا سَدَدْتُ مَوْضِعَ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، خُتِمَ بِيَ الْبُنْيَانُ، وَخُتِمَ بِيَ الرُّسُلُ» 3621 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا، فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ. قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ مجرٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. 3622 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، نَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، نَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَافِظُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِي الْكُوفِيَّ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي لِتَمَامِ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَتَمَامِ مَحَاسِنِ الأفْعَالِ»، وَذَكَرَ مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ» 3623 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، نَا دَاهِرُ بْنُ نُوحٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِتَمَامِ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ، وَكَمَالِ مَحَاسِنِ الأَفْعَالِ "

3624 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامَوَيْهِ الأَصْفَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّوَيْهِ، أَنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أًوَّلُهُمْ خُرُوجًا، وَأَنَا قَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا، وَأَنَا مُسْتَشْفِعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا، وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا الْكَرَامَةَ، وَالْمَفَاتِيحُ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي يَطُوفُ عَلَيَّ ألْفُ خَادِمٍ، كَأَنَّهُمْ بَيْضٌ مَكْنُونٌ، أَوْ لُؤْلُؤٌ مَنْثُورٌ»، هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. 3625 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَنا هِقْلٌ، يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ.

حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ»، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حَلَقَ الْجَنَّةِ، فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي، فَيُدْخِلُنِيهَا، وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ عَلَى اللَّهِ وَلا فَخْرَ» قلت: وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِوَايَة أَبِي سعيد الْخُدْرِيّ: «لَا تخَيرُوا بَين الْأَنْبِيَاء». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ

اللَّهِ» وَلَيْسَ معنى النَّهْي عَن التَّخْيِير أَن يعْتَقد التَّسْوِيَة بَينهم فِي درجاتهم، فَإِن الله عز وَجل قد أَخْبَرَنَا أَنه فضل بَعضهم على بعض، فقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [الْبَقَرَة: 253] الْآيَة، بل مَعْنَاهُ ترك التَّخْيِير على الإزراء ببعضهم، والإخلال بِالْوَاجِبِ من حُقُوقهم، فَإِنَّهُ يكون سَببا لفساد الِاعْتِقَاد فِي بَعضهم وَذَلِكَ كفر. فَإِن قيل: قد روى عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تفضلوا بَين أَنْبيَاء الله، وَلَا أَقُول: إِن أحدا أفضل من يُونُس بْن مَتى ". وَعَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول: إِنِّي خير من يُونُس بْن مَتى «فَكيف وَجه الْجمع بَين هَذَا، وَبَين قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام» أَنا سيد ولد آدم " قيل: التَّوْفِيق بَين الْمُحدثين وَاضح، وَذَلِكَ أَن قَوْله «أَنا سيد ولد آدم» إِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَمَّا أكْرمه الله بِهِ من الْفَضْل والسؤدد، وتحديث بِنِعْمَة الله عَلَيْهِ، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضُّحَى: 11] وإعلام لأمته وَأهل دَعوته علو مَكَانَهُ عِنْد ربه، وَكَانَ بَيَان ذَلِك للْأمة من اللَّازِم الْمَفْرُوض عَلَيْهِ، ليَكُون إِيمَانهم بِهِ على حسب ذَلِك.

وَقَوله: «لَا فَخر» أَي: إِنَّمَا أقوله مُعْتَمدًا بِالنعْمَةِ لَا فخرا واستكبارا، أَو قَوْله تبليغا لما أمرت بِهِ لَا افتخارا. وَقَوله: " لَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول: إِنِّي خير من يُونُس، ويروى من قَالَ: أَنا خير من يُونُس بْن مَتى، فقد كذب، فقد قيل: أَرَادَ بِهِ من سواهُ من النَّاس دون نَفسه، وَقيل: هُوَ عَام فِيهِ وَفِي غَيره، وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ على سَبِيل إِظْهَار التَّوَاضُع لرَبه، يَقُول: لَا يَنْبَغِي لي أَن أقوله، لِأَن الْفَضِيلَة الَّتِي نلتها كَرَامَة من الله وخصوصية مِنْهُ، لم أنلها من قبل نَفسِي، وَلَا بلغتهَا بحولي وقوتي، وَإِنَّمَا خص يُونُس بِالذكر، وَالله أعلم، لما قد قصّ الله علينا من شَأْنه، وَمَا كَانَ من قلَّة صبره على أَذَى قومه، حَتَّى قَالَ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [الْقَلَم: 48] {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الْأَحْقَاف: 35]، وَالله أعلم.

3626 - حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْبَلْخِيُّ، مُشَافَهَةً، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، نَا عَمِّي، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ هِلالٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتِمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي: دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي، وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ " قَوْله: لمجدل، أَي: مطروح على وَجه الأَرْض صُورَة من طين، لم يجر فِيهِ الرّوح بعد، ودعوة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، قَوْله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} [الْبَقَرَة: 129]، وَبشَارَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، قَوْله: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصَّفّ: 6].

3627 - نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، نَا فُلَيْحٌ، نَا هِلالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَأَيُّهَا النَّبِيُّ، إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلا غَلِيظٍ، وَلا سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا " تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلالٍ. وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ

هِلالٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ سَلامٍ. صَحِيحٌ. قَوْله: " لَيْسَ بفظٍ " أَي: غليظ الْجَانِب، سيئ الْخلق، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَلَوْ كُنْتَ فظّاً غَليظَ القَلْبِ لانْفَضَوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمرَان: 159]. 3628 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: " إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، لَا فَظٌّ وَلا غَلِيظٌ، وَلا سَخَّابٌ فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَجْزِي السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ، يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ، وَيُكَبِّرُونَهُ عَلَى كُلِّ

نَجْدٍ، يَأْتَزِرُونَ إِلَى أَنْصَافِهِمْ، وَيُوَضِّئُونَ أَطْرَافَهُمْ، صَفُّهُمْ فِي الصَّلاةِ، وَصَفُّهُمْ فِي الْقِتَالِ سَوَاءٌ، مُنَادِيهِمْ يُنَادِي فِي جَوِّ السَّمَاءِ، لَهُمْ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَمُهَاجَرُهُ بِطَابَةَ، وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ " وَرُوِيَ عَن أَبِي صَالح ذكْوَان، عَن كَعْب يَحْكِي، عَن التوارة، قَالَ: نجد مَكْتُوبًا: مُحَمَّد رَسُول الله، عَبدِي الْمُخْتَار، لَا فظ وَلَا غليظ، وَلَا سخاب بالأسواق، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة، وَلَكِن يعْفُو وَيغْفر، مولده بِمَكَّة، وهجرته بِطيبَة، وَملكه بِالشَّام، وَأمته الْحَمَّادُونَ، يحْمَدُونَ الله فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء، يحْمَدُونَ الله فِي كل منزلَة، ويكبرونه على كل شرف، رُعَاة للشمس، يصلونَ الصَّلَاة إِذا جَاءَ وَقتهَا، يتأزرون على أَنْصَافهمْ، ويتوضئون على أَطْرَافهم، مناديهم يُنَادي فِي جو السَّمَاء، صفهم فِي الْقِتَال، وَصفهم فِي الصَّلَاة سَوَاء، لَهُم بِاللَّيْلِ دوِي كَدَوِيِّ النَّحْل.

باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

بَاب أَسمَاء النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3629 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِي أَسْمَاءَ، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ، وَالْعَاقِبُ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَعَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ، كُلٌّ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

3630 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ لِي أَسْمَاءَ: أَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ ". قَالَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: مَا الْعَاقِبُ؟ قَالَ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَوْله: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي» أَيْ: أَنَّهُ يُحْشَرُ أَوَّل النَّاسِ، كَقَوْلِهِ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ». وَ «الْعَاقِبُ» الآخِرُ، يُرِيدُ خَاتمَ الأَنْبِيَاءِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَلذَلِك كل شَيْء خلف بعد الشَّيْء، فَهُوَ عاقب، وَقد عقب يعقب عقبا وعقوبا، وَلِهَذَا قيل لولد الرجل بعده: هُوَ عقبه. 3631 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْكُوفِيُّ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،

عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: لَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَأَنَا الْمُقَفَّى، وَأَنَا الْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ الْمَلاحِمِ» وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا سُمِّيتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ» قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: «المقفي»: المتبع لِلنَّبِيِّينَ، وقَالَ شمر: المقفي وَالْعَاقِب وَاحِد، وَهُوَ الْمولي الذَّاهِب، يقَالَ: قفي عَلَيْهِ: إِذا ذهب، فَكَأَن الْمَعْنى أَنه آخر الْأَنْبِيَاء، فَإِذا قفي، فَلَا نَبِي بعده، فَإِن قيل: قد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «أَنا نَبِي الرَّحْمَة، وَنَبِي الْمَلَاحِم» كَيفَ وَجه الْجمع بَينهمَا؟ وقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «إِنَّمَا أَنا رَحْمَة مهداة»، وقَالَ: «بعثت بِالرَّحْمَةِ». وقَالَ جلّ ذكره: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 107]، فَكيف يكون مَبْعُوثًا بِالرَّحْمَةِ، وَقد

بعث بِالسَّيْفِ؟ قيل: هُوَ مَبْعُوث بِالرَّحْمَةِ كَمَا ذكر، وكما أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَذَلِكَ أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وأيدهم بالمعجزات، فَمن أنكر من تِلْكَ الْأُمَم الْحق بعد الْحجَّة والمعجزة عذبُوا بِالْهَلَاكِ والاستئصال، وَلَكِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمر نبيه عَلَيْهِ السَّلَام بِالْجِهَادِ مَعَهم بِالسَّيْفِ، ليرتدعوا عَن الْكفْر، وَلم يجتاحوا بِالسَّيْفِ، فَإِن للسيف بَقِيَّة، وَلَيْسَ مَعَ الْعَذَاب الْمنزل بَقِيَّة، وَقد رُوِيَ أَن قوما من الْعَرَب، قَالُوا: يَا رَسُول الله، أفنانا السَّيْف، فقَالَ: «ذَلِك أبقى لآخرتكم»، فَهَذَا معنى الرَّحْمَة الْمَبْعُوث بهَا ذكره الْخطابِيّ. قلت: وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك حَدِيث عَائِشَة: إِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعث إِلَيْهِ ملك الْجبَال، فقَالَ: إِن شِئْت أَن أطبق عَلَيْهِم الأخشبين، فقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بل أَرْجُو أَن يخرج الله من أصلابهم من يعَبْد اللَّهِ وَحده لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا». قلت: هُوَ مَبْعُوث بِالرَّحْمَةِ أَيْضا، من حَيْثُ إِن الله وضع فِي شَرِيعَته عَن أمته مَا كَانَ فِي شرائع الْأُمَم السالفة عَلَيْهِم من الآصار والأغلال، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابه فِي قصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الْأَعْرَاف: 156] إِلَى قَوْله: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الْأَعْرَاف: 157] وَأعْطى أمته فِي الْأَعْمَار القصيرة على الْأَعْمَال الْيَسِيرَة ضعف مَا أعْطى الْأُمَم الْمَاضِيَة فِي الْأَعْمَار الطَّوِيلَة على الْأَعْمَال الْكَثِيرَة الثَّقِيلَة، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث

باب خاتم النبوة

ابْن عمر: " إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالُوا: مَا لنا أَكثر عملا وَأَقل عَطاء؟ قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَذَلِك فضلي أوتيه من أَشَاء ". فقد أكمل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الْخَلَائق بإرساله الرَّحْمَة، وَأتم عَلَيْهِم النِّعْمَة، وَأعظم عَلَيْهِم الْمِنَّة، فَلهُ الْحَمد أَولا وآخرا، وظاهرا وَبَاطنا. بَاب خَاتم النُّبُوَّة 3632 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْجَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ: " ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ، فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، وَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَإِذَا هُوَ مِثْلُ زِرِّ الْحَجَلَةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَاهُ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ. وَأَرَادَ

بزر الحجلة: الأزرار الَّتِي تشد على مَا يكون فِي حجال العرائس من الكلل والستور. قَالَ الْخطابِيّ: وَسمعت من يَقُول: زر الحجلة بَيْضَة حجل الطير، يقَالَ للْأُنْثَى مِنْهَا: الحجلة، وللذكر: اليعقوب، وَهَذَا شَيْء لَا أحقه. 3633 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيُّ، نَا أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُدَّةً حَمْرَاءَ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أخرجه مُسلم، عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، عَن إِسْرَائِيل، عَن سماك، وَقَالَ: مثل بَيْضَة الْحَمَامَة يشبه جسده. 3634 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ،

باب صفة النبي

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، وَأَكَلْتُ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرِبْتُ مِنْ شَرَابِهِ، وَرَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ فِي نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى، كَأَنَّهُ جَمْعُ خِيلانٍ سُودٍ، كَأَنَّهَا ثَآلِيلُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَامِدٍ الْبكرَاوِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَاصِمٍ. نغض الْكَتف: هُوَ الْعظم الرَّقِيق على طرفها، والناغض من الْإِنْسَان أصل الْعُنُق حَيْثُ ينغض رَأسه، وَقيل: الناغض: فرع الْكَتف، سمي ناغضا لتحركه، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} [الْإِسْرَاء: 51] أَي: يحركونها على سَبِيل الهزء. بَاب صفة النَّبِي 3635 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ، يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالآدَمِ، وَلا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ. قَوْله: «لَيْسَ بالأبيض الأمهق»: الشَّديد الْبيَاض الَّذِي لَا يخالط بياضه شَيْء من الْحمرَة كلون الجص. والجعد القطط: الشَّديد الجعودة مثل أشعار الْحَبَش، والسبط: لَيْسَ لَهُ تكسر، يَقُول: هُوَ جعد رجل. 3636 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو النُّعْمَانِ، أَنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الرَّأْسِ وَالْقَدَمَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ وَلا قَبْلَهُ، وَكَانَ بَسْطَ الْكَفَّيْنِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3637 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ شَعَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجِلا لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلا الْجَعْدِ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ. 3638 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى بْنُ حُجْرٍ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نِصْفِ أُذُنَيْهِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ عُلَيَّةَ. 3639 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بِشْرَانُ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3640 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبْعَةً، وَلَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ، حَسَنَ الْجِسْمِ، وَكَانَ شَعَرُهُ لَيْسَ بِجَعْدٍ وَلا سَبْطٍ، أَسْمَرَ اللَّوْنِ، إِذَا مَشَى يَتَوَكَّأُ» قَوْله: ربعَة: هُوَ الرجل بَين الرجلَيْن، كَمَا قَالَ: لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير.

3641 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الطَّاهِرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجِرْدِيُّ، نَا عَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ، وَلا بِالْقَصِيرِ، ضَخْمَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ، مُشْرَبٌ حُمْرَةً، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفِّيًا، كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَوْله: «شثن الْكَفَّيْنِ»، أَي: غليظهما، يقَالَ مِنْهُ: شثن وشثن شثنا، وشنث شنثا. قَوْله: مشرب حمرَة، إِذا كَانَ فِي بياضه. وَقَوله: «ضخم الكراديس». أَرَادَ: ضخم الْأَعْضَاء، والكراديس: رُءُوس الْعِظَام، وَقيل لكتائب الْخَيل: كراديس. وَقَوله: «طَوِيل المسربة». وَفِي حَدِيث هِنْد بْن أَبِي هَالة: دَقِيق المسربة، فالمسربة: الشّعْر المستدق من الصَّدْر إِلَى السُّرَّة. وَقَوله: «إِذا مَشى

تكفأ تكفيا»، أَي: تمايل إِلَى قُدَّام، كَمَا تتكفأ السَّفِينَة فِي جريها، والصبب: الحدور، وَهُوَ مَا انحدر من الأَرْض وَجمعه أصباب، يُرِيد: أَنه كَانَ يمشي مشيا قَوِيا، يرفع رجلَيْهِ من الأَرْض رفعا بَائِنا، لَا كمن يمشي اختيالا، وَيُقَارب خطاه تنعما. 3642 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبِ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، أَنا الْحَجَّاجُ، وَهُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: " كَانَ فِي سَاقَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمُوشَةٌ، وَكَانَ لَا يَضْحَكُ إِلا تَبَسُّمًا، فَكُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ، قُلْتُ: أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَالْحُمُوشَةُ: الدِّقَّةُ. 3643 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوشَ الْعَقِبِ، قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ، قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ

الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنِ. قُلْتُ: مَا مَنْهُوشُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى. قَالَ أَبُو عبيد: الشكلة حمرَة فِي بَيَاض الْعين، والشهلة: حمرَة فِي سَواد الْعين، ويروى: منهوس الْقَدَمَيْنِ بِالسِّين غير الْمُعْجَمَة، وَمَعْنَاهُ أَيْضا: قَلِيل لَحمهَا، والنهس: أَخذ مَا على الْعظم من اللَّحْم بأطراف الْأَسْنَان، والنهش بالأضراس، ويقَالَ: نهشت عضداه: إِذا دقتا. 3644 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ ثَابِتٍ الزُّهْرِيُّ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ أَخِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ» 3645 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ شَعَرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَمْ يَكُنْ بِالْقَصِيرِ، وَلا بِالطَّوِيلِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ وَكِيعٍ. اللمة: دون الجمة، سميت لمة، لِأَنَّهَا ألمت بالمنكبين، فَإِذا زَادَت، فَهِيَ الجمة. 3646 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ بَلَغَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ: «عَظِيمَ الجمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ» 3647 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:

سُئِلَ الْبَرَاءُ " أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3648 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالَ: نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ، يَقُولُ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ رَآهُ غَيْرِي، قُلْتُ: صِفْهُ لِي، قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ. قَوْله: مقصدا، أَي: لَيْسَ بجسيم، وَلَا قصير، قيل: هُوَ الْقَصْد من الرِّجَال نَحْو الربعة، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [فاطر: 32] أَي: بَين الظَّالِم نَفسه، وَالسَّابِق بالخيرات. 3649 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّمَا الأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا، وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ». وأَبُو يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ. 3650 - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنا أَبُو الْجَوْشَنِ الْكِلابِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى غَفْرَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا، وَأَجْرَأَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَاهُمْ ذِمَّةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ فَعَرَفَهُ أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ

باب شيبه وخضابه صلى الله عليه وسلم

مِثْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " 3651 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ، فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ، وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ. قَوْله: ضرب من الرِّجَال، يقَالَ: ضرب، أَي: خَفِيف اللَّحْم. بَاب شَيْبه وخضابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3652 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ،

أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَ شَيْبًا فِي صُدْغَيْهِ، وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ. 3653 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحْيَتِهِ إِلا أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ» 3654 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ:

قِيلَ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: " أَكَانَ فِي رَأْسِ رسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْبٌ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْبٌ إِلا شَعَرَاتٌ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، إِذَا ادَّهَنَ، وَارَاهُنَّ الدُّهْنُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ. 3655 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ، نَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ شَيْخًا؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3656 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شعْرَةً». وَأَخْبَرَنَاه أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرَ بنِ الوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، نَا يَحْيَى بْن آدَمَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. 3657 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا هُشَيْمٌ، أَنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو رِمْثَةَ، قَالَ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ابْنٍ لِي، فَقَالَ: ابْنُكَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَشْهَدُ بِهِ، قَالَ: لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلا تَجْنِي عَلَيْهِ "، قَالَ: وَرَأَيْتُ الشَّيْبَ أَحْمَرَ " 3657 - وقَالَ سُفْيَان ، عَنْ إِيَادٍ، عَنْ أَبِي رَمْثَةَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكَانَ قَدْ لَطَّخَ لِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ "

باب طيب ريحه عليه السلام

بَاب طيب رِيحه عَلَيْهِ السَّلَام 3658 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ مِسْكَةً وَلا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا مَسَسْتُ شَيْئًا قَطُّ خَزَّةً، وَلا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، عَنْ حُمَيْدٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهَا، فَيُقَيِّلُ عِنْدَهَا، فَكَانَتْ تَجْمَعُ عَرَقَهُ فَتَجْعَلُهُ فِي الطِّيبِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعَرَقِ» 3659 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ

عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ، نَا أَسْبَاطٌ، وَهُوَ ابْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قَالَ: وَأَمَّا أَنَا، فَمَسَحَ خَدِّي، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3660 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، " أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِطْعًا، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطْعِ، قَالَ: فَإِذَا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعْرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَر أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْوَفَاةُ، أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي

حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3661 - وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا هَاشِمٌ، يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ، فَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟ قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3662 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنا أَبُو يَعْلَى، أَنا بِشْرُ بْنُ سَيْحَانَ، نَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ الأَبَحُّ، نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ،

باب حسن خلقه صلى الله عليه وسلم

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنَّا نَعْرِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْبَلَ بِطِيبِ رِيحِهِ» بَاب حسن خلقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [الْقَلَم: 4]، قَالَ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ: أدب الْقُرْآن، وقَالَت عَائِشَة: كَانَ خلقه الْقُرْآن. 3663 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خُلُقًا، لَيْسَ بالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلا بِالْقَصِيرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

3664 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبِ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضّبعِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ؟ وَلا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: لِمَ تَرَكْتَهُ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، وَلا مَسسْتُ خَزًّا قَطُّ، وَلا حَرِيرًا، وَلا شَيْئًا كَانَ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا شَمِمْتُ مِسْكًا، وَلا عِطْرًا كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ آخِرَهُ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَعْفَرٍ، وَأَخْرَجَا أَوَّلَهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ. 3665 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِهْرَجَانِيُّ الإِسْفَرَايِينِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَنْدُوَيْهِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ، نَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ لَيْسَ

كُلُّ أَمْرِي كَمَا يَشْتَهِي صَاحِبِي أَنْ يَكُونَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَمَا قَالَ لِي: لِمَ فَعَلْتَ هذَا؟ أَوْ أَلا فَعَلْتَ " 3666 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا " 3667 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، نَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا ضَرَب خَادِمًا وَلا امْرَأَةً».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. 3668 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، أَنا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا، وَلا سَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ، وَلا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو أَوْ يَصْفَحُ» الْفَاحِش: ذُو الْفُحْش فِي كَلَامه. والمتفحش: الَّذِي يتَكَلَّف ذَاك ويتعمده. 3669 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلِيطٍ الْعَبْدِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا فُلَيْحٌ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلالِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: " لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا، وَلا فَحَّاشًا،

وَلا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لأحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ. 3670 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ،

عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ، عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ: وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ 3671 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَنا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُرِيدَ بِهَذَا وَجْهُ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ، فَتَمعَّرَ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، فَضَبَرَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ.

باب تواضعه صلى الله عليه وسلم

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» بَاب تواضعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3672 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ، نَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلانٍ، اجْلِسِي فِي أَيِّ سِكَكِ الْمَدِينَةِ شِئْتِ أَجْلِسُ إِلَيْكِ، قَالَ: فَفَعَلَتْ، فَقَعَدَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدٌ مَعْنَاهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حُمَيْدٍ،

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ. 3673 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ , أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، أَنا مُسْلِمٌ الأَعْوَرُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ كَانَ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَتَّبِعُ الْجِنَازَةَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ خِطَامُهُ لِيفٌ» 3674 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامَ، أَنا أَبُو

الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطَاكِيُّ، نَا أَبُو عِصَامٍ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ الْحَسَنِ، هُوَ ابْنُ عُمَارَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعُرْيَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَيَنَامُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ، وَيَقُولُ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ جِئْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ " 3675 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ

أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ " قَوْلهَا: يخصف نَعله، أَي: يطبق طَاقَة على طَاقَة، وأصل الخصف: الْجمع وَالضَّم، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الْأَعْرَاف: 22] أَي: يطبقان على بدنهما ورقة ورقة. 3676 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ: قِيلَ لِعَائِشَةَ " مَاذَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ " 3677 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمٌ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ،

يَعْنِي هَاشِمَ بْنَ الْقَاسِمِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ، جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَرُبَّمَا جَاءُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3678 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، " سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ ". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ: نَا شُعْبَةُ: «فَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ، خَرَجَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

3679 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، نَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَارِجَةَ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: دَخَلَ نَفَرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالُوا لَهُ: حَدِّثْنَا أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: «مَاذَا أُحَدِّثُكُمْ؟ كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، بَعَثَ إِلَيَّ، فَكَتَبْتُهُ لَهُ، فَكَانَ إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا، ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الآخِرَةَ، ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا، فَكُلُّ هَذَا أُحدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» 3680 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا عِمْرَانُ بْنُ زَيْدٍ التَّغْلِبِيُّ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَافَحَ الرَّجُلَ، لَمْ يَنْزِعْ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُ يَدَهُ، وَلا يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي

يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. 3681 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ , أَنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْبَصْرِيُّ، بِمَكَّةَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ. قَوْله: «لَا تطروني» الإطراء: مُجَاوزَة الْحَد فِي الْمَدْح وَالْكذب فِيهِ، وَذَلِكَ أَن النَّصَارَى أفرطوا فِي مدح عِيسَى وإطرائه بِالْبَاطِلِ، وجعلوه ولدا، فَمَنعهُمْ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَن يطروه بِالْبَاطِلِ. 3682 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْحَارِثِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ،

نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدِ بْنِ حَاجِبٍ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَلأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَنَكَثَ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَذَهَبَ بِي إِلَى شَجَرَةٍ فِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّيْرِ، فَقَعَدَ فِي أَحَدِهِمَا، وَقَعَدْتُ فِي الآخَرِ، فَنَشَأَتْ بِنَا حَتَّى مَلأَتِ الأُفُقَ، فَلَوْ بَسَطْتُ يَدِي إِلَى السَّمَاءِ، لَنِلْتُهَا، ثُمَّ دُلِّيَ سَبَبٌ، فَهَبَطَ النُّورُ، فَوَقَعَ جِبْرِيلُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ حِلْسٌ، فَعَرَفْتُ فَضْلَ خَشْيَتِهِ عَلَى خَشْيَتِي، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَبِيًّا عَبْدًا، أَوْ نَبِيًّا مَلِكًا وَإِلَى الْجَنَّةِ مَا أَنْتَ؟ فَأَوْمَى إِلَيَّ جِبْريِلُ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ: بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. 3683 - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، نَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ يَعْنِي الْمَقْبُرِيَّ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ، لَوْ شِئْتُ، لَسَارَتْ مَعِي جِبَالُ الذَّهَبِ، جَاءَنِي مَلَكٌ إِنَّ حُجْزَتَهُ لَتُسَاوِي الْكَعْبَةَ، فَقَالَ: إنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا، فَنَظَرْتُ إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ، فَقُلْتُ: نَبِيًّا عَبْدًا ". قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذلِكَ لَا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا، يَقُولُ: «آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» 3684 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، نَا سَلَمَةُ بْنُ الْخَلِيلِ الْكَلاعِيُّ، نَا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ، " أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكًا مِنَ الْمَلائِكَةِ، مَعَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ الْمَلَكُ: يَا رَسُولَ

باب جوده صلى الله عليه وسلم

اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ بِيَدِهِ أَنْ تَوَاضَعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، بَلْ عَبْدًا نَبِيًّا، فَمَا أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " بَاب جوده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3685 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يقُولُ: " مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَقَالَ: لَا ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. 3686 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سِبْطُ الصَّالْحَانِيِّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْقُرَشِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ: لَا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3687 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدَ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. 3688 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ، إِمْلاءً، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحِيدَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَنا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَأَجْوَدِ النَّاسِ، وَأَشْجَعِ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَرَّةً، فَرَكِبَ فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيًا، ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا وَجَدْنَاهُ بَحْرًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. قَوْله: فزع أهل الْمَدِينَة، أَي: اسْتَغَاثُوا، والفزع: بِمَعْنى الْخَوْف، وَيكون بِمَعْنى الإغاثة، وَقَوله: «عري»، يقَالَ: فرس عري، وخيل أعراء، وَلَا يقَالَ: رجل عري، وَلَكِن عُرْيَان. قَوْله: «لن تراعوا» مَعْنَاهُ: لَا فزع وَلَا روع، فاسكنوا، يقَالَ: ريع فلَان: إِذا فزع، ويروى: «لم تراعوا» وتضع الْعَرَب لم، وَلنْ بِمَعْنى لَا. 3689 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ تَبِعَهُ الأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ، فَأَلْجَئُوهُ إلَى شَجَرَةٍ، فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، أَتخْشَوْنَ عَلَيَّ الْبُخْلَ؟ فَقَالَ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلا، وَلا جَبَانًا، وَلا كَذَّابًا ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ. 3690 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ» 3691 - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سِبْطُ الصَّالْحَانِيِّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ، الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَنا أَبُو يَعْلَى، أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ، فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَتَى الرَّجُلُ قَوْمَهُ، فَقَالَ: أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ رَجُلٍ مَا يَخَافُ فَاقَةً ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. 3692 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلالُ،

باب حيائه وقلة كلامه صلى الله عليه وسلم

نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قَالَ: «أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَإِنَّهُ لأَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ صَفْوَانَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ هَذَا أَصَحَّ وَأَشْبَهَ. قُلْتُ: وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سرحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. بَاب حيائه وَقلة كَلَامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3693 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ أَبِي عُتْبَةَ، مَوْلَى أَنَسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَشَدَّ

حَيَاءً مِنْ عَذْرَاءَ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا، رَأَيْنَاهُ فِي وَجْهِهِ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. 3694 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ. 3695 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا قَيْسٌ، هُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ، أَنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ،

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوِيلَ الصَّمْتِ» 3696 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتكَلَّمُ بِكَلامٍ بَيِّنٍ فَصْلٍ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَوْلهَا: يسْرد سَرْدكُمْ، أَي: يُتَابِعه، وَمثله: فلَان يسْرد الصّيام سردا، أَي: يواليه، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11] وَهُوَ مُتَابعَة حلق الدرْع شَيْئا بعد شَيْء حَتَّى يتناسق، معنى التَّقْدِير فِي السرد، أَي: لَا تجْعَل المسامير دقاقا، فتفلق، وَلَا غلاظا فتفصم الْحلق.

باب شجاعته صلى الله عليه وسلم

بَاب شجاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَسٌ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَأَجْوَدِ النَّاسِ، وَأَشْجَعِ النَّاسِ» 3697 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالْحَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ، الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ، نَا إِبْرَاهِيمُ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كُنَّا، وَاللَّهِ، إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، نَتَّقِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا الَّذِي يُحَاذِي بِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حُبَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ زَكَرِيَّا. 3698 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ

أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ» قَوْله: احمر الْبَأْس، أَي: اشْتَدَّ الْحَرْب، يقَالَ: موت أَحْمَر، أَي: شَدِيد. وَقَوله: اتقينا برَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَي: جَعَلْنَاهُ واقية لنا من الْعَدو. 3699 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا أَبُو ذَرٍّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا جُبَيْرُ بْنُ هَارُونَ، نَا عَلِيٌّ الطَّنَافِسِيُّ، نَا وَكِيعٌ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ بَدْرٍ، وَنَحْنُ نَلُوذُ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَهُوَ أَقْرَبُنَا إِلَى الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا» 3700 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَارِثِيُّ، نَا عُمَرُ بْنُ شُعْبَةَ، نَا حِبَّانُ بْنُ هِلالٍ، نَا صَدَقَةُ الزِّمَّانِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَسْمَحَ النَّاسِ»

باب تبسمه صلى الله عليه وسلم

بَاب تبسمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3701 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَنا عَمْرٌو، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3702 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا

باب اختياره أيسر الأمرين صلى الله عليه وسلم

أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. بَاب اخْتِيَاره أيسر الْأَمريْنِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3703 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا، كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، أَنا أَبُو إِسْحَاق الهاشميُّ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ،

باب جامع صفاته صلى الله عليه وسلم

وَقَالَ: «فَيَنْتَقِمُ بِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ. بَاب جَامع صِفَاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3704 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الأَنْبَارِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي دَارِهِ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَكَرِيَّا الْبَاذِنْجَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ نَصْرٍ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالا: نَا مُكَرَّمُ بْنُ مُحْرِزِ بْنِ الْمَهْدِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خُوَيْلِدٍ الْخُزَاعِيُّ , ثُمَّ الْكَعْبِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي مُحْرِزُ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشٍ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَتِيلِ الْبَطْحَاءِ يَوْمَ الْفَتْحِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ جُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، وَهُوَ أَخُو عَاتِكَةَ بِنْتِ خَالِدٍ، وَكُنْيَتُهَا أُمُّ مَعْبَدٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ مَكَّةَ

خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأُرَيْقِطِ اللَّيْثِيُّ، مَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتْ بَرْزَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوا مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الخَيْمَةِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ، قَالَ: هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلُبَهَا، قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلَبًا، فَاحْلُبْهَا، فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ، وَدَرَّتْ، وَاجْتَرَّتْ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ، فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عَلاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا، ثُمَّ شَرِبَ آخِرَهُمْ، ثُمَّ أَرَاضُوا، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ حَتَّى مَلأَ الإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا وَبَايَعَهَا، وَارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَقَلَّمَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا، يَتَسَاوَكْنَ هَزْلَى

ضُحًى، مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ، عَجِبَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا اللَّبَنُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، وَالشَّاءُ عَازِبٌ حِيَالٌ لَا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، إِنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ، لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صُقْلَةٌ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ، فِي عَيْنِهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَجْلاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ المَنْطِقِ، فَصْلٌ لَا نَزْرٌ وَلا هَذَرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةٌ لَا يَأْسَ مِنْ طُولٍ، وَلا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إنْ قَالَ: أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا لأَمْرِهِ، مَحْشُودٌ مَحْفُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلا مُفَنَّدٌ. قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هُوَ وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ بِمَكَّةَ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى

ذَلِكَ سَبِيلا، وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيًا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، وَلا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ هُمَا نَزَلاهَا بِالْهُدَى وَاهْتَدَتْ بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ فَيَا لَقُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فَعَالٍ لَا يُجَازَى وَسُؤْدَدِ لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُم إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... عَلَيْهِ صَرِيحًا ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ ... يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ

قَوْله: «بَرزَة» أَي: هِيَ كهلة لَا تحتجب احتجاب الشواب، وَقَوله: مُرْمِلِينَ: أَي: نفد زادهم، يقَالَ: أرمل الرجل: إِذا ذهب طَعَامه. وَقَوله: «مُسنَّتَيْنِ»، أَي: أَصَابَهُم الْقَحْط، يقَالَ: أَسِنَت الْقَوْم، فهم مسنتون، ويروى: مشتين، أَي: أَصَابَتْهُم المجاعة، وَتجْعَل الْعَرَب الشتَاء مجاعَة. ويقَالَ: مشتين: داخلين فِي الشتَاء، يقَالَ: أشتى الْقَوْم: إِذا دخلُوا فِي الشتَاء، وأصافوا: إِذا دخلُوا فِي الصَّيف. وَكسر الْخَيْمَة: جَانب مِنْهَا، وَفِيه لُغَتَانِ: كِسرٌ وكَسرٌ، مثل نِفط ونَفط، وبِزر وبَزر. وَقَوْلها: «خلفهَا الْجهد»، أَي: الهزال، يقَالَ: جهد الرجل، فَهُوَ مجهود: إِذا هزل. وَقَوله: فتفاجت، أَي: فتحت مَا بَين رِجْلَيْهَا للحلب. قَوْله: «دَعَا بِإِنَاء يربض الرَّهْط»، أَي: يرويهم حَتَّى يثقلوا فيربضوا ويناموا، يقَالَ: أربضت الشَّمْس: إِذا أَشْتَدّ حرهَا حَتَّى تربض الْوَحْش فِي كناسها. والرهط: مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَكَذَلِكَ النَّفر،

والعصبة: مَا بَين ذَلِك إِلَى الْأَرْبَعين. وَقَوله: «فَحلبَ فِيهِ ثجاجا»، فالثج: السيلان، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ: 14] أَي: سيالا. وَقَوله: حَتَّى علاهُ الْبَهَاء، يُرِيد علا الإناءَ بهاءُ اللَّبن، وَهُوَ وبيض رغوته، تُرِيدُ أَنه ملأَهُ. وَقَوله: «ثمَّ أراضوا»، أَي: شربوا عللا بعد نهل، مَأْخُوذ من الرَّوْضَة، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يستنقع فِيهِ المَاء، يُرِيد شربوا حَتَّى رووا فنقعوا بِالريِّ، يقَالَ: أراض الْوَادي، واستراض: إِذا استنقع فِيهِ المَاء، ويقَالَ: حَتَّى أراضوا، أَي: نَامُوا على الإراض، وَهُوَ الْبسَاط. وَقَوله: «يتساوكن هزلى» أَي: تتمايل من الضعْف والهزال، وَفِي رِوَايَة: «تشاركن هزلى» أَي: عمهن الهزال، فاشتركن فِيهِ، وَفِي رِوَايَة: «لَا نقي بِهن»، والنقي: المخ. وَقَوله «وَالشَّاء عَازِب»، أَي: بعيد فِي المرعى، يقَالَ: عزب فلَان، أَي: بعد، والحيال: الَّتِي لم تحمل، يقَالَ: حَالَتْ الشَّاة تحول حيالا: إِذا لم تحمل بعد الضراب. وَقَوْلها: «أَبْلَج الْوَجْه»، تُرِيدُ مشرق الْوَجْه مضيئه، يقَالَ: تبلج الصُّبْح وانبلج: إِذا أَسْفر، وَلم ترد بلج الْحَاجِب، أَلا ترى أَنَّهَا تصفه بالقرن. وَقَوْلها: «لم تَعبه نحلة»، أَي: دقة من نحول الْجِسْم، ويروى: «ثجلة» بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْجِيم، وَهُوَ عظم الْبَطن، يقَالَ: رجل أثجل، أَي: عَظِيم الْبَطن، وَكَذَلِكَ العثجل. وَقَوْلها: «وَلم تزر بِهِ صقلة» أَي: دقة، وَقيل: أَرَادَت بِهِ

أَنه لم يكن منتفخ الخاصرة جدا، وَلَا ناحلا جدا، وَلَكِن كَانَ رجلا ضربا، والصقلة: الخاصرة، يقَالَ: فرس صقل: إِذا كَانَ طويلها، وَهُوَ عيب، تُرِيدُ أَنه رجل لَيْسَ بناحل وَلَا منتفخ، ويروى: لم تزر بِهِ صعلة بِالْعينِ وَهِي صغر الرَّأْس، يقَالَ للظليم: صعل لصِغَر رَأسه. وَقَوْلها: «وسيم قسيم»، فالوسيم: الْحسن الوضي، يقَالَ: وسيم بَين الوسامة، والقسيم: الْحسن أَيْضا، والقسامة: الْحسن. والدعج: السوَاد فِي الْعين وَغَيرهَا. وَقَوْلها: وَفِي أَشْفَاره وَطف أَي: طول، يقَالَ: وَطف، فَهُوَ أَوْطَفُ، ويروى عطف وغطف بِالْعينِ والغين جَمِيعًا، وَالْمرَاد مِنْهُ الطول أَيْضا. وَقَوْلها: «وَفِي صَوته صَهل» أَي: حِدة وصلابة، وَمِنْه صَهِيل الْخَيل، وَفِي رِوَايَة صَحِلَ، أَي: بحة، وَهُوَ أَلا يكون حاد الصَّوْت، وَذَلِكَ حسن إِذا لم يكن شَدِيدا. وَقَوْلها: «وَفِي عُنُقه سَطَعَ». أَي: طول، يقَالَ: رجل أسطع، وعنق سطعاء: إِذا كَانَت منتصبة، وَمِنْه قيل للصبح أول مَا ينشق مستطيلا: سَطَعَ يسطع. وَقَوْلها: «أَزجّ أقرن» فالزج فِي الْحَاجِب: تقوس فِيهَا مَعَ طول فِي أطرافها، وسبوغ فِيهَا، والقرن: التقاء الحاجبين. ويروى فِي صفته عَلَيْهِ السَّلَام خِلَافه عِنْد هِنْد بْن أَبِي هَالة: أَزجّ الحواجب، سوابغ من غير قرن. وَقَوْلها: «إِن تكلم سما»، تُرِيدُ علا بِرَأْسِهِ، وارتفع من جُلَسَائِهِ. وَقَوْلها فِي صفة مَنْطِقه: «فصل»، أَي: بَين. «لَا نزر وَلَا هذر»

تُرِيدُ: وسط لَيْسَ بِقَلِيل وَلَا كثير، فالنزر: الْقَلِيل، والهذر: الْكثير، وَهُوَ معنى صفته فِي حَدِيث هِنْد: «يتَكَلَّم بجوامع الْكَلم فصل لَا فضول وَلَا تَقْصِير». وَقَوْلها: «لَا بَأْس من طول»، مَعْنَاهُ: أَن قامته لَا يؤيس من طولهَا، لِأَنَّهُ كَانَ إِلَى الطول أقرب، أَي: لَيْسَ بالطويل الَّذِي يؤيس من مطاولته لإفراط طوله، كَمَا فِي حَدِيث أنس «لَيْسَ بالطويل الْبَائِن وَلَا بالقصير». وَقَوْلها: «وَلَا تَقْتَحِمُهُ عين من قصر»، أَي: لَا تحتقره وَلَا تزدريه فيتجاوز مِنْهُ إِلَى غَيره، يقَالَ: اقتحمت فلَانا عَيْني: إِذا احتقرته واستصغرته. وَقَوْلها: «محشود مَحْفُودٌ»، مَعْنَاهُ: أَن أَصْحَابه يَجْتَمعُونَ عَلَيْهِ، ويخدمونهم، ويسرعون فِي طَاعَته، يقَالَ: رجل محشود عِنْده حشد من النَّاس، أَي: جمَاعَة، والمحفود: المخدوم، والحفدة: الخدم. قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النَّحْل: 72] أَي: هم بنُون، وهم خدم، ويقَالَ: الحفدة الأعوان، فأصله من حفد يحفد: إِذا أسْرع فِي سيره. وَقَوْلها: «لَا عَابس»، مَعْنَاهُ: غير عَابس الْوَجْه. وَقَوْلها: «وَلَا مُفند» وَهُوَ الَّذِي لَا فَائِدَة فِي كَلَامه لخرف أَصَابَهُ، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِخْبَارًا عَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام: {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [يُوسُف: 94] أَي: تخرفوني، تَقولُونَ: قد خرفت، وَفِي الحَدِيث: «مَا ينْتَظر أحدكُم إِلَّا هرما مفندا» وَفِي رِوَايَة «وَلَا مُعْتَد» من الاعتداء،

وَهُوَ الظُّلم. وَقَول الْهَاتِف فِي الشّعْر: «فيال قصي مَا زوى الله عَنْكُم». أَي: باعد ونحى عَنْكُم من الْخَيْر والْفَضْل. وَقَوله: «فتحلَّبت عَلَيْهِ صَرِيحًا»، ويروى: فتحلبت لَهُ بِصَرِيح، والصريح: اللَّبن الْخَالِص الَّذِي لم يمذق، وَمِنْه قَوْلهم: صرح فلَان بِالْأَمر: إِذا كشفه وأوضحه. والضرة: لحم الضَّرع، أَي: تحلبت ضرَّة الشَّاة بِلَبن مُزْبِد، وَقَوله: «فغادرها رهنا لَدَيْهَا لحالب»، يُرِيد أَنه ترك الشَّاة مرتهنة بِأَن تدر. وَالصَّوْت الَّذِي سمعُوا بِمَكَّة بالشعر: صَوت بعض مُسْلِمِي الْجِنّ، أقبل من أَسْفَل مَكَّة، وَالنَّاس يتبعونه يسمعُونَ الصَّوْت، وَمَا يرونه حَتَّى خرج بِأَعْلَى مَكَّة، قَالَت أَسمَاء: فَلَمَّا سمعناه، عَرفْنَاهُ حَيْثُ وَجه رَسُول الله، وَإِن وَجهه إِلَى الْمَدِينَة. 3705 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو

عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ، زَوْجِ خَدِيجَةَ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنٍ لأَبِي هَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلأْلأُ تَلأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْقَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ، وَإِلا فَلا يُجَاوِزُ شَعَرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ، أَزْهَرُ اللَّوْنِ، وَاسِعُ الْجَبِينِ، أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ، سَوَابِغُ مِنْ غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، أَقْنَى الْعِرْنِينِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسِبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، سَهْلُ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعُ الْفَمِ، مُفَلَّجُ الأَسْنَانِ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ، مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ، بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ، سَوَاءٌ الْبَطْنُ وَالصَّدْرُ، عَرِيضُ الصَّدْرِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ

الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرُ المُتَجَرَّدِ، مُوَصَّلُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعَرٍ يَجْرِي كالْخَطِّ، عَارِي الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، أَشْعَرُ الذّرَاعَيْنِ وَالمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ، طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبُ الرَّاحَةِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلُ الأَطْرَافِ، أَوْ قَالَ: شَائِلُ الأَطْرَافِ، خُمْصَانُ الأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ، يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ، إِذَا زَالَ زَالَ قَلِعًا، يَخْطُو تَكَفِّيًا، وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، فَإِذَا الْتَفَتَ، الْتَفَتَ جَمْعًا، خَافِضُ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاحَظَةُ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ، يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلامِ، قَالَ الْحَسَنُ: سَأَلْتُ خَالِي، قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مُتَوَاصِلُ الأَحْزَانِ، دَائِمُ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، طَوِيلُ السَّكْتِ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، يَفْتَتِحُ الْكَلامَ وَيَخْتَتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَصْلٌ لَا فُضُولٌ وَلا تَقْصِيرٌ، لَيْسَ بِالْجَافِي وَلا الْمَهِينِ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ، وَإِنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ

ذَوَاقًا وَلا يَمْدَحُهُ، وَلا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تَعَدَّى الْحَقَّ، لَمْ يَقُمْ بِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ، لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ، وَلا يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا، وَضَرَبَ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَطْنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ». قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهُ الْحُسَيْنَ زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ، وَعَنْ مَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ الْحُسَيْنُ: فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا لِلَّهِ، وَجُزْءًا لأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جُزْأً جَزَّأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ، وَلا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا. وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأَدَبِهِ وَقَسْمِهِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ، وَالأَمَّةُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارِهِمْ

بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، وَيَقُولُ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهَا، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلا ذَلِكَ، وَلا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ، يَدْخُلُونَ رُوَّادًا، وَلا يَفْتَرِقُونَ إِلا عَنْ ذَوَاقٍ، وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً، يَعْنِي عَلَى الْخَيْرِ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ، كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْزُنُ لِسَانَهُ إِلا فِيمَا يَعْنِيهِ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلا يُفَرِّقُهُمْ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ، وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيُحَذِّرُ النَّاسَ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِشْرَهُ وَلا خُلُقَهُ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّمُهُ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّنُهُ، مُعْتَدِلُ الأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، يَغْفلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمِيلُوا، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلا يُجَاوِزُهُ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ، أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً». قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ، فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لَا يَقُومُ وَلا يَجْلِسُ إِلا عَنْ ذِكْرٍ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ، لَا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِمَّنْ جَالَسَهُ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الأَصْوَاتُ، وَلا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، يَتَعَاطَوْنَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ، يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ». قَالَ الْحُسَيْنُ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ سِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُلَسَائِهِ، فَقَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ وَلا صَخَّابٍ، وَلا فَحَّاشٍ، وَلا عَيَّابٍ، وَلا مَدَّاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي، وَلا يُؤْيَسُ مِنْهُ، وَلا يُجِيبُ فِيهِ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاثٍ: الرِّيَاءِ،

وَالإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلاثٍ: لَا يَذُمُّ أَحَدًا، وَلا يَعِيبُهُ، وَلا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، لَا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ، كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، لَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، مَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيَّتِهِمْ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ لِيَسْتَجْلِبُونَهُمْ، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ، وَلا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا مِنْ مُكَافِئٍ، وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ، فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ ". وَقَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ، عَنْ جُمَيْعٍ: «وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتُرُّ عَنْ مِثْلِ حَبَّةِ الْغَمَامِ». 3706 - وَحَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنا أَبُو ذَرٍّ، أَنا أَبُو الشَّيْخِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ جَمِيلٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، بِإِسْنَادِ أَبِي عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَليٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ، فَسَاقَ الْحَدِيثَ.

وَقَالَ: كَانَ لَا يَجْلِسُ وَلا يَقُومُ إِلا ذَكَرَ اللَّهَ، لَا يُوطِنُ الأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَقَالَ: لَا يَحْسِبُ أَحَدٌ مِنْ جُلَسَائِهِ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَقَالَ: وَلا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ، مُعْتَدِلِينَ يَتَوَاصَوْنَ فِيهِ بِالتَّقْوَى. وَقَالَ: قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاثٍ: الْمِرَاءِ، وَالإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ. وَزَادَ فِي آخِرِهِ، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ: كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ؟ قَالَ: كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفْكِيرِ، فَأَمَّا تَقْدِيُرهُ، فَفِي تَسْوِيَتِهِ النَّظَرُ وَالاسْتِمَاعُ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا تَفْكِيرُهُ، فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى، وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ وَالصَّبْرُ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ، وَلا يَسْتَفِزُّهُ، وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعَةٍ: أَخْذِهِ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُتَنَاهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادِهِ الرَّأْيَ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ، وَالْقِيَامِ فِيمَا خِيرَ لَهُمْ فِيمَا يَجْمَعُ لَهُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ " قَوْله: «كَانَ فخما مفخما». أَي: كَانَ عَظِيم الْقدر مُعظما فِي الصُّدُور والعيون، وَلم يرد بِهِ ضخامة الْجِسْم، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الفخامة

نبله وامتلاؤه، مَعَ الْجمال والمهابة. قَوْله: «أطول من المربوع»، المربوع والربعة: هُوَ الرجل بَين الرجلَيْن، والمشذب: الطَّوِيل الْبَائِن الطول، وأصل التشذيب: التَّفْرِيق، فيقَالَ: شذبت المَال: إِذا فرقته، فالمفرط فِي الطول، كَأَنَّهُ فرق خلقه وَلم يجْتَمع. قَوْله: «إِن انفرقت عقيقته فرق»، فالعقيقة: اسْم للشعر الَّذِي يخرج الْمَوْلُود من بطن أمه وَهُوَ عَلَيْهِ، سمي عقيقة، لِأَنَّهُ يحلق، وأصل العق: الشق وَالْقطع، وَمِنْه قيل للذبيحة الَّتِي تذبح عِنْد الْولادَة: عقيقة. لِأَنَّهُ يشق حلقومها، ثمَّ قيل للشعر الَّذِي ينْبت بعد ذَلِك الشّعْر: عقيقة أَيْضا عَن طَرِيق الِاسْتِعَارَة، وَذَلِكَ مَعْنَاهُ هَا هُنَا، يَقُول: إِن انفرق شعر رَأسه من ذَات نَفسه، فرقه فِي مفرقه، وَإِن لم ينفرق، تَركه وفرة وَاحِدَة على حَالهَا، يقَالَ: فرقت الشَّيْء أفرقه فرقا. وَقيل: الْعَقِيقَة اسْم للشعر قبل أَن يحلق، فَإِذا حلق ثمَّ نبت، زَالَ عَنهُ اسْم الْعَقِيقَة، وَسمي شعره عَلَيْهِ السَّلَام عقيقة، لِأَن عقيقته كَانَت على رَأسه، لم ينْقل أَنه قد حلق فِي صباه. ويروى: «إِن انفرقت عقيصته فرق»، والعقيصة: الشّعْر المعقوص، وَهُوَ نَحْو من المضفور، والوفرة: الشّعْر إِلَى شحمة الْأذن، والجمة إِلَى الْمنْكب، واللمة: الَّتِي ألمت بالمنكبين. وَقَوله. «أَزْهَر اللَّوْن»، أَي: نير اللَّوْن، والزهرة: الْبيَاض النير وَهُوَ أحسن الألوان. وَقَوله: «بَينهمَا عرق يدره الْغَضَب». يَعْنِي بَين

حاجبيه عرق يمتلئ دَمًا إِذا غضب، يقَالَ: درت الْعُرُوق: إِذا امْتَلَأت دَمًا، كَمَا يقَالَ: در الضَّرع إِذا امْتَلَأَ لَبَنًا. قَوْله: «كث اللِّحْيَة» الكثوثة فِيهَا: أَن تكون غير دقيقة وَلَا طَوِيلَة، وَلَكِن فِيهَا كَثَافَة. قَوْله: «ضليع الْفَم»، يقَالَ: عَظِيم الْفَم، وَالْعرب تحب ذَلِك، وتذم صغر الْفَم، وَمِنْه قَوْله فِي وصف كَلَامه: يفْتَتح الْكَلَام، ويختتمه بأشداقه، وَقيل فِي ضليع الْفَم شدَّة أَسْنَانه وتراصفها. وَقَوله: «مفلج الْأَسْنَان»، أَرَادَ أفلج الْأَسْنَان، والفلج: فُرْجَة بَين الثنايا والرباعيات. وَقَوله «دَقِيق المسربة»، فالمسربة: الشّعْر المستدق مَا بَين اللبة إِلَى السُّرَّة، كَمَا ذكره بعده موصل مَا بَين اللبة بِشعر يجْرِي كالخط. قَوْله: «عاري الثديين»، ويروى: «عاري الثندوتين». يُرِيد أَنه لم يكن على ذَلِك الْموضع مِنْهُ شعر، وَقيل: أَرَادَ أَنه لم يكن عَلَيْهِمَا كثير لحم، والثندوة للرجل كالثدي للْمَرْأَة من ضم الثَّاء مِنْهَا همزها، وَمن فتحهَا لم يهمز الْوَاو. وَقَوله: «كَأَن عُنُقه جيد دمية»، الدمية: الصُّورَة المصورة، وَجَمعهَا دمى. وَقَوله: «بادن متماسك»، أَي: معتدل الْخلق يمسك بعض أَعْضَائِهِ بَعْضًا، لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ بدانة السّمن، وَلَا ضخامة الْبدن بِدَلِيل قَوْله: «سَوَاء الْبَطن والصدر». «ضخم الكراديس»، أَي الْأَعْضَاء. وَقَوله: «أنور المتجرد»، أَي: مشرق الْجَسَد، والمتجرد من جسده: الَّذِي تجرد عَنهُ الثِّيَاب، والأنور: النير، كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرّوم: 27]، أَي: هَين عَلَيْهِ. «رحب الرَّاحَة»: وَاسع الْكَفّ. «شثن الْكَفَّيْنِ»: غليظهما. قَوْله: «سَائل الْأَطْرَاف»، أَي: ممتد الْأَصَابِع وَهِي بِالسِّين غير الْمُعْجَمَة، وَرَوَاهُ بَعضهم «ساين» بالنُّون، ومعناهما وَاحِد، مثل جِبْرِيل وجبرين. وَقَوله: «خمصان الأخمصين»، الأخمص من الْقدَم: الَّذِي لَا يلصق بِالْأَرْضِ فِي الْوَطْء من بَاطِنهَا، أَرَادَ أَن ذَلِك الْموضع من رجله كَانَ شَدِيد التَّجَافِي عَن الأَرْض، وَأَنه لم يكن «أروح» وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوِي بَاطِن رجله، وَسمي الأخمص أَخْمص لضموره، ودخوله فِي الرجل. قَوْله: «مسيح الْقَدَمَيْنِ». يُرِيد استواءهما من غير وسخ، وَلَا شقَاق، وَلَا تكسر فيهمَا، فَإِذا أصابهما المَاء نبا عَنْهُمَا، وَقيل: أَرَادَ بِهِ الملاسة واللين. قَوْله: " إِذا زَالَ، زَالَ قلعا. بِفَتْح الْقَاف وَكسر اللَّام، يُرِيد: يرفع رجلَيْهِ رفعا بَائِنا يخطو تكفيا، ويروى تكفؤا، فالانحدار من الصبب، والتكفؤ إِلَى قُدَّام، والتقلع من الأَرْض قريب بعضه من بعض، وَالْمرَاد مِنْهُ الْقُوَّة فِي الْمَشْي بِرَفْع الرجلَيْن، وامتداد الخطى، لَا كمن يمشي مختالا، وَهِي المشية المحمودة للرِّجَال. وَقَوله: «ذريع المشية» أَي سريع الْمَشْي، وَاسع الخطو، وَلم يكن بِحَيْثُ يتَبَيَّن مِنْهُ فِي هَذِه الْحَال استعجال ومبادرة شَدِيدَة، أَلا ترَاهُ يَقُول: «وَيَمْشي هونا». والهون مَعْنَاهُ: الترفق والتثبت، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الْفرْقَان: 63]. قَالَ مُجَاهِد: بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار، يدل عَلَيْهِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: «إِنَّا لنجهد أَنْفُسنَا وَإنَّهُ لغير مكترث». وَقَوله: «إِذا الْتفت، الْتفت جمعا» ويروى «جَمِيعًا»، يُرِيد: لَا يلوي

عُنُقه يمنة ويسرة نَاظرا إِلَى شَيْء، وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك الطائش الْخَفِيف، وَلَكِن يقبل جَمِيعًا، وَيُدبر جَمِيعًا. قَوْله: جلّ نظره الملاحظة وَهُوَ أَن ينظر الرجل بلحاظ عينه إِلَى الشَّيْء شزرا، وَهُوَ شقّ الْعين الَّذِي يَلِي الصدغ، فَأَما الَّذِي يَلِي الْأنف، فَهُوَ الموق والماق، يقَالَ: لحظ إِلَيْهِ ولحظه: إِذا نظر إِلَيْهِ بمؤخر عينه. قَوْله: «يتَكَلَّم بجوامع الْكَلم». يُرِيد: كثير الْمعَانِي، قَلِيل اللَّفْظ، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «أُوتيت جَوَامِع الْكَلم» وَقيل معنى قَوْله: «أُوتيت جَوَامِع الْكَلم» يَعْنِي الْقُرْآن، جمع الله تَعَالَى بِلُطْفِهِ فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة مِنْهُ مَعَاني كَثِيرَة. قَوْله: «لَيْسَ بالجافي، وَلَا المهين». أَي: لَيْسَ بالغليظ الْخلقَة، وَلَا المحتقر، كَمَا قَالَ أنس: «لَيْسَ بالطويل الْبَائِن، وَلَا الْقصير». وَفِي رِوَايَة على، رضى الله عَنهُ، فِي وَصفه عَلَيْهِ السَّلَام: «لَيْسَ بالطويل الممغط وَلَا الْقصير المتردد»، ويروى: «وَلَا المهين» بِرَفْع الْمِيم، فَيكون مَعْنَاهُ: لَيْسَ بِالَّذِي يجفو أَصْحَابه ويهينهم. وَقَوله: «لم يكن يذم ذواقا». أَي: شَيْئا مِمَّا يذاق، وَيَقَع على الْمَأْكُول والمشروب، فعال بِمَعْنى مفعول. وَقَوله: «إِذا غضب، أعرض وأشاح» أَي: أقبل. وَقَوله: «ثمَّ جزأ جزأه بَينه وَبَين النَّاس فَيرد ذَلِك بالخاصة على الْعَامَّة»، مَعْنَاهُ: أَن الْعَامَّة لَا تصل إِلَيْهِ فِي ذَلِك الْوَقْت، بل يدْخل عَلَيْهِ الْخَاصَّة، ثمَّ تخبر الْعَامَّة

بِمَا سَمِعت من الْعُلُوم مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أوصل الْفَوَائِد إِلَى الْعَامَّة بالخاصة. وَقيل: قَوْله «بالخاصة»، أَي: من الْخَاصَّة، أَي: يَجْعَل وَقت الْعَامَّة بعد وَقت الْخَاصَّة الَّذِي يخص بِهِ الْأَهْل، فَإِذا انْقَضى ذَلِك الزَّمَان، رد الْأَمر من الْخَاصَّة إِلَى الْعَامَّة فأفادهم. قَوْله: «يدْخلُونَ رَوَّادًا». جمع رائد وَهُوَ الطَّالِب، أَي: يدْخلُونَ عَلَيْهِ طَالِبين الْعلم، وملتمسين الحكم من جِهَته. قَوْله: «وَلَا يفترقون إِلَّا عَن ذواق». أصل الذواق من الطّعْم، وَلَكِن ضربه مثلا لما ينالون عِنْده من الْخيرَات، قيل: أَرَادَ لَا يفترقون إِلَّا عَن علم يتعلمونه يقوم لَهُم مقَام الطَّعَام وَالشرَاب. وَقَوله فِي وصف مَجْلِسه «لَا تؤبن فِيهِ الْحرم»، أَي: لَا تذكرن بقبيح، كَانَ مَجْلِسه مصونا عَن رفث القَوْل، وفحش الْكَلَام، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث الْإِفْك: أَشِيرُوا عَليّ فِي أنَاس أَبَنُوا أَهلِي، أَي: اتهموها، والأبن: التُّهْمَة، يقَالَ: أبن يأبن: إِذا اتهمَ. قَوْله: «لَا يقبل الثَّنَاء إِلَّا من مكافئ»، قَالَ القتيبي: مَعْنَاهُ: أَنه إِذا أنعم على رجل نعْمَة، فكافأه بالثناء عَلَيْهِ، قبل مِنْهُ، وَإِذا أثنى عَلَيْهِ قبل أَن ينعم عَلَيْهِ، لم يقبله. قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: هَذَا غلط. لِأَن أحدا لَا يَنْفَكّ من إنعام رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ الله بَعثه إِلَى النَّاس كَافَّة، ورحم بِهِ، وأنقذ بِهِ، فنعمته سَابِقَة إِلَيْهِم، لَا يخرج مِنْهَا مكافئ، وَلَا غير مكافئ، هَذَا فالثناء عَلَيْهِ فرض لَا يتم الْإِسْلَام إِلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنه كَانَ لَا يقبل الثَّنَاء عَلَيْهِ إِلَّا من رجل يعرف حَقِيقَة إِسْلَامه، وَلَا يدْخل عِنْده فِي جملَة الْمُنَافِقين الَّذين يَقُولُونَ بألسنتهم

مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم، فَإِذا كَانَ الْمثنى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الصّفة، قبل ثَنَاؤُهُ، وَكَانَ مكافئا مَا سلف من نعْمَة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْده. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَفِيه قَول «ثَالِث إِلَّا من مكافئ»، أَي: مُقَارن فِي مدحه غير مجاوز بِهِ حد مثله، وَلَا مقصر بِهِ عَمَّا رَفعه الله إِلَيْهِ، أَلا ترى أَنه يَقُول: «لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى بْن مَرْيَم، وَلَكِن قُولُوا عَبْد اللَّهِ وَرَسُوله»، فَإِذا قيل: نَبِي الله وَرَسُوله، فقد وصف بِمَا لَا يجوز أَن يُوصف بِهِ أحد من أمته، فَهُوَ مدح مكافئ لَهُ. وَقَوله: «وَلَا تنثى فلتاته». أَي: لَا تذاع وَلَا تشاع فلتاته، أَي: زلاته، مَعْنَاهُ: لم يكن فِي مَجْلِسه فلتات فتنثى. وَقَوله: «يفتر عَن مثل حب الْغَمَام». يُرِيد أَنه يكشر حَتَّى تبدو أَسْنَانه من غير قهقهة من قَوْلك: فَرَرْت الدَّابَّة أفرها: إِذا كشفت عَن أسنانها لتعرفها. وَأَرَادَ بحب الْغَمَام: الْبرد، شبه بِهِ بَيَاض أَسْنَانه. 3707 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي حَلِيمَةَ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالُوا: نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غَفْرَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِذَا وَصَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَغِّطِ، وَلا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ

الْقَطَطِ، وَلا بِالسَّبِطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ، وَلا بِالْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتِدِ، أَجْرَدُ، ذُو مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتِمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ خَاتِمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لمَ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ أَبُو عِيسَى: سَمِعت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْنِ يَقُول: سَمِعت الْأَصْمَعِي فِي تَفْسِير صفة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الممغط: الذَّاهِب طولا بالغين الْمُعْجَمَة، وَقيل: بِالْعينِ والغين جَمِيعًا، يقَالَ: امَّعَطَ النَّهَار: إِذا امْتَدَّ، وامَّعط الْحَبل وامَّغط. والمتردد: الدَّاخِل بعضه فِي بعضه قصرا، وَأما القطط: فشديد الجعودة، وَالرجل الَّذِي فِي شعره حجونة، أَي: تثني قَلِيلا، والمطهم: البادن الْكثير اللَّحْم، والمكلثم: المدور الْوَجْه، يَقُول: لَيْسَ كَذَلِك، وَلكنه مسنون، وَقيل: المكلثم من الْوُجُوه، الْقصير الحنك، الداني الْجَبْهَة، المستدير الْوَجْه، وَلَا يكون إِلَّا مَعَ كَثْرَة اللَّحْم.

باب علامات النبوة

وَالْمشْرَب: الَّذِي فِي بياضه حمرَة، والأدعج: الشَّديد سَواد الْعين، والأهدب: الطَّوِيل الأشفار، والكتد: مُجْتَمع الْكَفَّيْنِ، وَهُوَ الْكَاهِل، والمسربة: هُوَ الشّعْر الدَّقِيق الَّذِي كَأَنَّهُ قضيب من الصَّدْر إِلَى السُّرَّة. والشثن: الغليظ الْأَصَابِع من الْكَفَّيْنِ والقدمين. والتقلع: هُوَ أَن يمشي بِقُوَّة، والصبب: الحدور. جليل المشاش: يُرِيد عَظِيم رُءُوس المناكب وَالْعِظَام، والمشاس: رُءُوس الْعِظَام مثل الرُّكْبَتَيْنِ والمرفقين. وَالْعشرَة: الصُّحْبَة، والعشير: الصاحب، والبديهة: المفاجأة، تَقول: بدهته بِأَمْر: فجأته. بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التَّوْبَة: 33]. قَالَ الشَّافِعِي: فقد أظهر الله رَسُوله على الْأَدْيَان بِأَن أبان لكل من سمع أَنه الْحق، وَمن خَالفه من الْأَدْيَان فَهُوَ بَاطِل، وأظهره بِأَن جماع الشّرك دينان: دين أهل الْكتاب، وَدين الْأُمِّيين، فقهر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمِّيين حَتَّى دانوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكرها، وَقتل من أهل الْكتاب وسبى حَتَّى دَان بَعضهم بِالْإِسْلَامِ، وَأعْطى بعض الْجِزْيَة صاغرين، وَجرى عَلَيْهِم

حكمه عَلَيْهِ السَّلَام، فَهَذَا ظُهُوره على الدَّين كُله. قَالَ: ويقَالَ: وَيظْهر دينه على الْأَدْيَان كلهَا حَتَّى لَا يدان الله إِلَّا بِهِ، وَذَلِكَ مَتى شَاءَ الله. قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] يعْنى نبأ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام من عَاشَ علمه لظُهُوره، وَتَمام أمره، كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التَّوْبَة: 33]، وَمن مَاتَ علمه يَقِينا. وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [الْبَقَرَة: 23]، وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الْإِسْرَاء: 88]. جعل الله الْقُرْآن دلَالَة على نبوته، أعجز الْخلق عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ، أَو سُورَة من مثله، وأبقاه فِي أمته إِلَى قيام السَّاعَة، ليَكُون حجَّة على من جَاءَ بعده مِمَّن لم يره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.

3708 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُلَقَّبُ بِالصَّالِحِيِّ، أَنا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ وَأَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ ". قَالَ أَنَسٌ: فَكُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمَخِيطِ فِي صَدْرِهِ، وَرُبَّمَا قَالَ حَمَّادٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ آتٍ. هَذَا حَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم، عَن شَيبَان بْن فروخ، عَن حَمَّاد بْن سَلمَة. قَوْله: «منتقع اللَّوْن». يقَالَ: انتقع لَونه وامتقع وابتسر بِمَعْنى وَاحِد. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} [الْقِيَامَة: 24]. أَي: متكرهة مقطبة.

3709 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ الْحَسَنِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ النَّيْسَابُورِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، وَإِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ. 3710 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الصَّائِغُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُوشْنَامَ الزَّقَّاقُ الرَّازِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ ضُرَيْسٍ الْبَجَلِيُّ الرَّازِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبَّادٍ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَرُحْنَا فِي نَوَاحِيهَا خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ، فَلَمْ يَمُرَّ بِشَجَرَةٍ وَلا جَبَلٍ إِلا قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ".

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. 3711 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءَ بَيْنَهُمَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَفِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُنْكِرِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ، وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً، لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى الْعَوَامِ، وَلَتَنَاقَلَتْهُ الْقُرُونُ، وَلَخَلُدَ ذِكْرُهُ فِي الْكُتُبِ، وَذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِنَايَةِ بِالسِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ. قِيلَ لَهُمْ: هَذَا شَيْءٌ طَلَبَهُ قَوْمٌ خَاصٌّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَنَسٌ، فَأَرَاهُمْ ذَلِكَ لَيْلا، وَأَكْثَرُ النَّاسِ نِيَامٌ، وَمُسْتَكِنُونَ بِالأَبْنِيَةِ، وَالإِيقَاظُ فِي الْبَوَادِي وَالصَّحَارِي، قَدْ يُتَّفَقُ أَنْ يَكُونُوا مَشَاغِيلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَدْ يَكْسِفُ

الْقَمَرُ، فَلا يَشْعُرُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي قَدْرِ اللَّحْظَةِ الَّتِي هِيَ مدركُ الْبَصَرِ، وَلَوْ دَامَتْ هَذِهِ الآيَةُ حَتَّى يَشْتَرِكَ فِيهَا الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا، لاسْتُؤْصِلُوا بِالْهَلاكِ، فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الأُمَمِ قَبْلَنَا أَنَّ نَبِيَّهُمْ كَانَ إِذَا أَتَى بِآيَةٍ عَامَّةٍ يُدْرِكُهَا الْحِسُّ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا أُهْلِكُوا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي {[الْمَائِدَة:] إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [سُورَة الْمَائِدَة: 115]. فَلَمْ يُظْهِرِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ لِلْعَامَّةِ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَهُ الْحَمْدُ. 3712 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا، فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ، وَلا رُكُوعُكُمْ، إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.

3713 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْويِفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَلَّ الْمَاءُ، فَقَالَ: اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ "، فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةِ مِنَ اللَّهِ «، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ، وَهُوَ يُؤْكَلُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3714 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ، وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ،

فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ». قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلاثَ مِائَةٍ، أَوْ زُهَاءَ ثَلاثِ مِائَةٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمِسْمَعِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ. وَهَذِهِ آيَةٌ وَمُعْجِزَةٌ، وَقِيلَ: هَذَا أَبْلَغُ مِنْ تَفْجِيرِ الْمَاءِ مِنَ الْحَجَرِ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ. لأَنَّ فِي طَبْعِ الْحِجَارَةِ أَنْ يَخُرَجَ مِنْهَا الْمَاءُ، وَلَيْسَ فِي طِبَاعِ أَعْضَاءِ بَنِي آدَمَ ذَلِكَ. 3715 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، نَا ابْنُ فُضَيْلٍ، نَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَلا نَشْرَبُ إِلا مَا فِي رَكْوَتِكَ، قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، قَالَ: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا "، فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ

لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. 3716 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، تَخَلَّفَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، وَتَخَلَّفْتُ مَعَهُ بِمِيضَأَةٍ، وَهِيَ الإِدَاوَةُ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ جَاءَنِي، فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِيضَأَةِ، فَتَوَضَّأَ، وَقَالَ لِي: احْفَظْهَا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لِبَقِيَّتِهَا شَأْنٌ، قَالَ: وَسَارَ الْجَيْشُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْفُقُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ يَعْصُوهُمَا، يَشُقُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، قَالَ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَشَارَا عَلَيْهِمْ أَلا يَنْزِلُوا حَتَّى يَبْلُغُوا الْمَاءَ، وَقَالَ بَقِيَّةُ النَّاسِ: بَلْ نَنْزِلُ حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَنَزَلُوا، قَالَ: فَجِئْنَاهُمْ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَقَدْ هَلَكُوا مِنَ الْعَطَشِ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمِيضَأَةِ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَاسْتَأْبَطَهَا، ثُمَّ جَعَلَ

يَصُبُّ لَهُمْ، فَشَرِبُوا حَتَّى رَوُوا وَتَوَضَّئُوا، وَمَلَئُوا كُلَّ إِنَاءٍ كَانَ مَعَهُمْ حَتَّى جَعَلَ يَقُولُ: هَلْ مِنْ مَالٍ؟ قَالَ: فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهَا كَمَا أَخَذَهَا، وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ رَجُلا " 3717 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: " سَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فَأَصَابَهُمْ عَطَشٌ شَدِيدٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: أَحْسِبُهُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ أَوْ غَيْرَهُمَا، فَقَالَ: إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِ امْرَأَةً بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا مَعَهَا بَعِيرٌ عَلَيْهِ مَزَادَتَانِ، فَأْتِيَانِي بِهَا، قَالَ: فَأَتَيَا الْمَرْأَةَ، فَوَجَدَاهَا قَدْ رَكِبَتْ بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ عَلَى الْبَعِيرِ، فَقَالا لَهَا: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: وَمَنْ رسُولُ اللَّهِ؟ هَذَا الصَّابِئُ؟ قَالا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

حَقًّا، فَجَاءَا بِهَا، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ مِنْ مَزَادَتَيْهَا، ثُمَّ قَالَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَاءَ فِي الْمَزَادَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِعَزْلاءِ الْمَزَادَتَيْنِ، فَفُتِحَتْ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ، فَمَلَئُوا آنِيَتَهُمْ وَأَسْقِيَتَهُمْ، فَلَمْ يَدَعُوا يَوْمَئذٍ إِنَاءً وَلا سِقَاءً إِلا مَلَئُوهُ. قَالَ عِمْرَانُ: حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهَا لَمْ تَزْدَدْ إِلا امْتِلاءً، قَالَ: فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِهَا فَبُسِطَ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَجَاءُوا مِنْ زَادِهِمْ حَتَّى مَلأَ لَهَا ثَوْبَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي، فَإِنَّا لَمْ نَأْخُذْ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَقَانَا، فَجَاءَتْ أَهْلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُمْ، فَقَالَتْ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَسْحَرِ النَّاسِ، أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَجَاءَ أَهْلُ ذَلِكَ الْحِوَاءِ حَتَّى أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ. والمزادة: الَّتِي يسميها النَّاس الراوية، والراوية: الْبَعِير الَّذِي يسقى عَلَيْهِ، وَهَذِه هِيَ المزادة، والسطيحة نَحْو المزادة، غير أَنَّهَا أَصْغَر من

المزادة، فَهِيَ من جلدين، والمزادة أكبر. والصابئ عِنْد الْعَرَب: الَّذِي خرج من دين إِلَى دين، وَكَانَ الْمُشْركين يَقُولُونَ لمن أسلم: قد صَبأ فلَان. والعزلاء: هِيَ فَم المزادة الْأَسْفَل، يخرج المَاء مِنْهُ خُرُوجًا وَاسِعًا. والحواء: بيُوت مجتمعة على مَاء، وَجَمعهَا أحوية. وَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن أواني الْمُشْركين على الطَّهَارَة مَا لم يعلم نجاستها، وَفِيه أَن أَخذ مَاء الْغَيْر يجوز عِنْد ضَرُورَة الْعَطش بِالْعِوَضِ، وَقد أَعْطَاهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الزَّاد مَا كَانَ عوضا عَن مَائِهَا. 3718 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: " ثَلاثَةُ أَشْيَاءَ رَأَيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَهُ إِذْ مَرَرْنَا بِبَعِيرٍ يُسْنَى عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ، جَرَجَرَ فَوَضَعَ جِرَانَهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ؟ فَجَاءَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِعْنِيهِ، قَالَ: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: بَلْ بِعْنِيهِ، قَالَ: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ، فَإِنَّهُ لأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ، قَالَ: «أَمَا إِذْ ذَكَرْتَ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ شَكَا كَثْرَةَ الْعَمَلِ، وَقِلَّةَ الْعَلَفِ، فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ». قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا مَنْزِلا، فَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: هِيَ شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا فِي أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَأَذِنَ لَهَا، قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا فَمَرَرْنَا بِمَاءٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا بِهِ جِنَّةٌ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ إِنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سَيْرِنَا، مَرَرْنَا بِذَلِكَ الْمَاءِ، فَأَتَتْهُ الْمَرْأَةُ بِجُزُرٍ وَلَبَنٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرُدَّ الْجُزُرَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَشَرِبُوا اللَّبَنَ، فَسَأَلَهَا عَنِ الصَّبِيِّ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ رَيْبًا بَعْدَكَ "

قَوْله: جرجر، أَي: صوَّت، والجِرَانُ: بَاطِن عنق الْبَعِير. 3719 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: " خَفَّتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، وَأَمْلَقُوا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ إِبلِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ، فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ؟ فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَقَاؤُهُم بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَادِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، فَبُسِطَ لِذَلِكَ نِطْعٌ، وَجَعَلُوهُ عَلَى النِّطْعِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ بأَوْعِيَتِهِمْ، فَاحْتَثَى

النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، شَكَّ الأَعْمَشُ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَالَ: اجْتَمَعَ عَلَى النِّطْعِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكِمْ» فَأَخَذُوا حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْمُعَسْكَرِ وِعَاءً إِلا مَلَئُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضُلَتْ فَضْلَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرُ شَاكٍّ فَيُحْجَبُ عَنِ الْجَنَّةِ». وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي النّهدِ فِي الطَّعَامِ، فِي جَوَازِ قِسْمَةِ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مُجَازَفَةً، وَقَبْضَةً قَبْضَةً. 3720 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ،

فَذَكَرَ السَّاعَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا، قَالَ أَنَسٌ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ: سَلُونِي سَلُونِي، قَالَ أَنَسٌ: فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيْنَ مَدْخَلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: النَّارُ، وَقَالَ: فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ، فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ، ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: سَلُونِي، قَالَ: فَبَرَكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا، قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، وَأَنَا أُصَلِّي، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: مَا رَأَيْتُ ابْنًا أَعَقَّ مِنْكَ، أَكُنْتَ تَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا قَارَفَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ،

فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ لَلَحِقْتُهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَحْمُودٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. 3721 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: " لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي، وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ،

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: لِطَعَامٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا، قَالَ: فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ، ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذنْ لِعَشَرَةٍ، حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، والْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلا أَوْ ثَمانُونَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ. العكة: وعَاء السّمن. قَوْله: فأدمته، أَي: أصلحته بالإدام، أدمت الْخبز آدمه وآدمه، وخبز مأدوم. 3722 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، " أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ، فَلَمَّا حَضَرَ جِزَازُ النَّخْلِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ دَيْنًا كَثِيرًا، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَتِهِ، فَفَعَلْتُهُ، ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّمَا أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ، أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا

ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي أَصْحَابَكَ، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي أَمَانَتَهُ، وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَلا أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا، وَحَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3723 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الأَعْرَجِ، " فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ} [الْبَقَرَة: 159]، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إنَّكُمْ تَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ، وَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ؟ وَمَا بَالُ الأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ؟ وإنَّ أَصْحَابِي

مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَتْ تَشْغَلُهُمْ صَفَقَاتُهُمْ فِي الأَسْوَاقِ، وَإِنَّ أَصْحَابِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ تَشْغَلُهُمْ أَرَضُوهُمْ، وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا، وَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، وَكُنْتُ أُكْثِرُ مُجَالَسَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْضُرُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا يَوْمًا، فَقَالَ: مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ حَدِيثِي ثُمَّ يَقْبِضُهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي أَبَدًا، قَالَ: فَبَسَطْتُ ثَوْبِي، أَوْ قَالَ: نَمِرَتِي، ثُمّ حَدَّثَنَا، فَقَبَضْتُهُ إِلَيَّ، فَوَاللَّهِ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْلا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ أَبَدًا، ثُمَّ تَلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} [الْبَقَرَة: 159] الآيَةَ كُلَّهَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيّ. قَوْله: صفقاتهم فِي الْأَسْوَاق: أَرَادَ: صفق الأكف عِنْد البيع، كَانُوا إِذا تصافقوا بالأكف كَانَ ذَلِك أَمارَة الْمَلِك، وانبرام البيع، وَلذَلِك يُضَاف الإملاك إِلَى الْأَيْدِي، والقبوض تقع بهَا.

3724 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ، اسْتَنَدَ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ، فَاسْتَوَى عَلَيْهِ، اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ كَحَنِينِ النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهَا، فَسَكَنَتْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ جَابِرٍ. وَحَنِينُ النَّاقَةِ: تَرْجِيعُهَا صَوْتِهَا إِثْرَ وَلَدهَا، يُقَالُ: حَنَّتْ، أَيِ: اشْتَاقَتْ. 3725 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ،

عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ رَجُلا كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، جَدَّ فِينَا، فَارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ، وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الأَرْضَ لَا تَقْبَلُهُ "، قَالَ أَنَسٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهُ أَتَى الأَرْضَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، فَوَجَدَهُ مَنْبُوذًا، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: مَا شَأْنُ هَذَا؟ فَقَالُوا: قَدْ دَفَنَّاهُ مِرَارًا، فَلَمْ تَقْبَلْهُ الأَرْضُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. 3726 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجِرْدِيُّ، نَا أَبُو وَلِيدٍ الطَّيَالِسِيُّ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عُمَارَةَ، نَا أَبُو كَثِيرٍ السُّحَيْمِيُّ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

نَا أَبُو هَرَيْرَةَ، قَالَ: " مَا خَلَقَ اللَّهُ مُؤْمِنًا سَمِعَ بِي وَلا يَرَانِي إِلا أَحَبَّنِي، قُلْتُ: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: إِنَّ أُمِّي كَانَتْ مُشْرِكَةً، وإنِّي كُنْتُ أَدْعُوهَا إِلَى الإِسْلامِ، فَتَأْبَى عَلَيَّ، وَإِنِّي دَعَوْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ، وَإِنِّي كُنْتُ أَدْعُوهَا إِلَى الإِسْلامِ، فَتَأْبَى عَلَيَّ، وَإِنِّي دَعَوْتُهَا، فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمِّي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَخَرَجْتُ أَعْدُو أُبَشِّرُهَا بِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَيْتُ الْبَابَ إِذَا هُوَ مُجَافٌ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضةَ الْمَاءِ، وَسَمِعَتْ خَشْفَ رِجْلِي، فَقَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كَمَا أَنْتَ، وَفَتَحَتِ الْبَابَ، وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ كَمَا بَكَيْتُ مِنَ الْحُزْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ، فَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيَّ، وَإِلَيْهَا، فَقَالَ:

اللَّهُمَّ حَبِّبْ عَبْدَكَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ الْيَمَامِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. 3727 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُصْم، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. قيل: الْكذَّاب هُوَ الْمُخْتَار بْن أَبِي عبيد، والمبير: الْحجَّاج بْن يُوسُفَ، والمبير: الَّذِي يهْلك النَّاس. 3728 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ، فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، كِلاهُمَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ. 3729 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَهْلِكُ كِسْرَى، ثُمَّ لَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرُ لَيَهْلَكَنَّ، ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَلَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وسَمَّى الحَرْبَ خُدْعَةً. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْد الرَّزَّاقِ.

قُلْتُ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ، فَمَزَّقَ كِتَابَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ: «تَمَزَّقَ مُلْكُهُ»، وَكَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ، فَأَكْرَمَ كِتَابَهُ، وَوَضَعَهُ فِي مِسْكٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ: «ثَبُتَ مُلْكُهُ». وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ كِسْرَى تَمَزَّقَ مُلْكُهُ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُلْكٌ، وَأُنْفِقَتْ كُنُوزُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَوْرَثَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَرْضَهُ، وَقَيْصَرُ ثَبُتَ مُلْكُهُ بِالرُّومِ، وَانْقَطَعَ عَنِ الشَّامِ، وَاسْتُبِيحَتْ خَزَائِنُهُ الَّتِي كَانَتْ بِهِمَا، وَأُنْفِقَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَمَعْنَى قَوْلُهُ: «لَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ»، يَعْنِي بِالشَّامِ.

3730 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ، يَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَأَطْعَمَتْهُ، ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلَ مُلُوكٍ عَلَى الأَسِرَّةِ، يَشُكُّ أَيَّهُمَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي الأُولَى، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ، فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي

سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، قُلْتُ: الثَّبَجُ: الْوَسَطُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنْطُوا الثَّبَجَةَ»، أَيْ: أَعْطُوا الْوَسَطَ فِي الصَّدَقَةِ، يُقَالُ: ضَرَبَ بِالسَّيْفِ ثَبَجَ الرَّجُلِ، أَيْ: وَسَطَهُ، وَالثَّبَجُ: مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ. 3731 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الأَسْوَدِ الْعَبْسِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَهُوَ نَازِلٌ فِي سَاحِلِ حِمْصَ وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ، قَالَ عُمَيْرٌ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا، قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ

قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ " فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3732 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي الْجَحْشِ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، " أَنَّ سَفِينَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْطَأَ الْجَيْشَ بِأَرْضِ الرُّومِ، أَوْ أُسِرَ فِي أَرْضِ الرُّومِ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا يَلْتَمِسُ الْجَيْشَ، فَإِذَا هُوَ بِالأَسَدِ، فَقَالَ لَهُ: أَبَا الْحَارِثِ، إِنِّي مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَمْرِي كَيْتَ وَكَيْتَ، فَأَقْبَلَ الأَسَدُ لَهُ بَصْبَصَةٌ حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِهِ كُلَّمَا سَمِعَ صَوْتًا، أَهْوَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الْجَيْشَ، ثُمَّ رَجَعَ الأَسَدُ "

باب المبعث وبدء الوحي

بَاب المبعث وبدء الْوَحْي قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الْحجر: 94]، أَي: شقّ جماعاتهم بِالتَّوْحِيدِ، وَقيل: اجهر بِالْقُرْآنِ، وَقيل: أظهر، وَقيل: احكم، وَقيل: افصل بِالْأَمر، والصديع: الصُّبْح، وَقيل: افرق بَين الْحق وَالْبَاطِل، يقَالَ: تصدع الْقَوْم، أَي: تفَرقُوا، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الرّوم: 43]، أَي: يتفرقون، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7]. قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28]، أَي: جَامعا لَهُم بالإنذار، وَمعنى كَافَّة فِي اللُّغَة: الْإِحَاطَة، مَأْخُوذَة من كفة الشَّيْء، وَهِي حرفه إِذا انْتهى الشَّيْء إِلَيْهِ كف عَن الزِّيَادَة، وَقيل فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [الْبَقَرَة: 208]، أَي: أبلغوا فِي الْإِسْلَام إِلَى حَيْثُ تَنْتَهِي شرائعه، فتكفوا من أَن تعدوا وتجاوزوا، وَأَرَادَ بالكافة: الْإِحَاطَة بِجَمِيعِ حُدُود الْإِسْلَام، وَقيل مَعْنَاهُ: ادخُلُوا كلكُمْ فِيهِ.

وقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} [المزمل: 5]، أَي: لَهُ وزن. وَعَن سعيد بْن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عز وَجل {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [الْقِيَامَة: 16]، كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرك شَفَتَيْه إِذا أنزل عَلَيْهِ، فَقيل لَهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [الْقِيَامَة: 16] يخْشَى أَن ينفلت مِنْهُ، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} [الْقِيَامَة: 17]، أَن نجمعه فِي صدرك، {وَقُرْءَانَهُ} [الْقِيَامَة: 17] أَن تَقْرَأهُ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} [الْقِيَامَة: 18]، يَقُول: أنزل عَلَيْهِ، {فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ} [الْقِيَامَة: 18]، اسْمَع لَهُ وأنصت، {إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [الْقِيَامَة: 19]، أَن نبينه على لسَانك، فَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا أَتَاهُ جِبْرِيل أطرق، فَإِذا ذهب، قَرَأَهُ كَمَا وعده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. 3733 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، نَا رَوْحٌ، نَا هِشَامٌ، نَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. 3734 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، نَا رَوْحٌ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَيَرَى الضَّوْءَ سَبْعَ سِنِينَ، وَلا يَرَى شَيْئًا، وَثَمَانِيَ سِنِينَ يُوحَى إِلَيْهِ، وَأَقَامَ بالْمَدِينَةِ عَشْرًا» 3735 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، وَكَانَ

لَا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ تَعَبُّدُ اللَّيَالِي ذَوَاتِ عَدَدٍ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ {3}} [العلق: 1 - 3]. فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتَ بِهِ خَدِيجَةُ

حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، ابْنِ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَابْنَ عَمٍّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الْوَحْيُ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

وفلق الصُّبْح وَفرق الصُّبْح: ضوءه إِذا انْفَلق، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، وحراء: جبل بِمَكَّة، وَهِي مك {[الْحَاء مَفْتُوحَة الرَّاء ممدودة. وَقَوْلها: يَتَحَنَّث فِيهِ، أَي: يتعبد، والتحنث: التَّعَبُّد سمي بِهِ، لِأَنَّهُ يلقِي بِهِ الْحِنْث والذنب عَن نَفسه، وَمثله التحوب والتحرج والتأثم لإلقاء الْحُوب والحرج وَالْإِثْم عَن نَفسه. والغط: الضغط الشَّديد، وَمِنْه الغط فِي المَاء، ويروى: فغتني، وَمَعْنَاهُ: الغط أَيْضا. يرجف فُؤَاده: أَي: يخْفق، والرجفة: شدَّة الْحَرَكَة. وَقَوله: «زَمِّلُونِي»، أَي: دَثرُونِي، وتزمل الرجل بِالثَّوْبِ: اشْتَمَل بِهِ، وَقَوْلها: وَتحمل الكلَّ، أَي: الْمُنْقَطع، تُرِيدُ: أَنَّك تعين الضَّعِيف، والكلُّ: الَّذِي لَا يُغني نَفسه، وَمِنْه قيل للعيال: كلٌّ، قَالَ الله تَعَالَى:] وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} [سُورَة النَّحْل: 76]، أَي: ثقل على وليه. وتُكسِبُ المعدومَ، وَفِي بعض الرِّوَايَات وتُكسِبُ المُعْدِمَ، وَهُوَ الأصوب. لِأَن الْمَعْدُوم لَا يدْخل تَحت الْأَفْعَال، أَي: تُعْطِي العائل، يقَالَ: كسبت الرجل مَالا وأكسبته، أَي: أَعْطيته، وبحذف الْألف أفْصح. والناموس: صَاحب سر الرجل الَّذِي يطلعه على بَاطِن أمره، ويخصه بِمَا يستره عَن غَيره، يقَالَ: نمس الرجل ينمس نمسا، وَقد نامسته منامسة: إِذا ساررته، فالناموس: صَاحب سر الْخَيْر، والجاسوس: صَاحب سر الشَّرّ.

وَقَوله: يَا لَيْتَني فِيهَا جذعا، أَي: شَابًّا، وَالْأَصْل فِي الْجذع سنّ الدَّوَابّ، وَفِي حَدِيث عَليّ أسلمت، وَأَنا جذعمة، أَرَادَ: وَأَنا جذع، أَي: حدث فِي السن، فَزَاد فِي آخرهَا ميما توكيدا. وَنصب جذعا، لِأَن مَعْنَاهُ: لَيْتَني كنت جذعا. وَالثَّابِت فِي قَوْله «فِيهَا» لإضمار النُّبُوَّة، أَو الدعْوَة، أَو الدولة، يَقُول: يَا لَيْتَني كنت شَابًّا وَقت دعوتك ونبوتك أنصرك نصرا مؤزرا، أَي: بَالغا. وآزر فلَان فلَانا، أَي: عاونه على أمره، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَآزَرَهُ} [الْفَتْح: 29]، أَي: قواه، والأزر: الْقُوَّة، وَقَوله: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: 31]، أَي قو بِهِ ظَهْري. 3736 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ الْخُذَاشَاهِيُّ، بِإسْفَرَايِينَ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ: " بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، دَثِّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ {1} قُمْ فَأَنْذِرْ {2} وَرَبَّكَ

فَكَبِّرْ {3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ {4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ {5}} [المدثر: 1 - 5] ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، كُلٌّ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قَوْله: «جئثت»، أَي: ذعرت، ويروى: «جثثت»، يقَال: جئث الرجل، وجث، وجئف، أَي: فزع. 3737 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيَنْفَصِمُ عَنِّي، وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلا، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ "، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي الشَّدِيدِ الْبَرْدِ

فَيَنْفَصِمُ عَنْهُ، وَإِنَّ جَبيِنَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وقَالَ: فَيَفْصِمُ عَنِّي، وَفِي آخِرِهِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَقَالَ: ثُمَّ يَفْصِمُ عَنِّي. قَوْله: يَأْتِي فِي مثل صلصلة الجرس. فالصلصلة: صَوت الْحَدِيد إِذا حرك، قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: يُرِيد، وَالله أعلم، أَنه صَوت متدارك يسمعهُ وَلَا يُثبتهُ عِنْد أول مَا يقرع سَمعه حَتَّى يتفهم، ويستثبت، فيتلقفه حِينَئِذٍ ويعيه، وَلذَلِك قَالَ: وَهُوَ أشده عَليّ. قَوْله: فينفصم عني، أَي: يَنْقَطِع، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا انْفِصَامَ لَهَا} [الْبَقَرَة: 256]، وَمن روى: فَيفْصم عني، وَهُوَ الأصوب، مَعْنَاهُ: يقْلع عني. وَقَوْلها: يتفصد عرقا، أَي: يسيل كَمَا يفصد الْعرق. 3738 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، نَكَسَ رَأْسَهُ، وَنَكَسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ، فَلَمَّا

سُرِّيَ عَنْهُ، رَفَعَ رَأْسَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، كربَ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ. قَوْلُهُ: تَرَبَّدَ وَجْهُهُ وَاربدَا، أَيْ: تَلَوَّنَ فَصَارَ لَوْنَ الرَّمَادِ. 3739 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْلَى عَلَيْهِ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النِّسَاء: 95] {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النِّسَاء: 95] قَالَ فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمْلِيهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ، وَكَانَ رَجُلا أَعْمَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النِّسَاء: 95] ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قلت: الْوَحْي من الله عز وَجل على أنبيائه أَنْوَاع كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51]، قَالَ بعض أهل التَّفْسِير: الْوَحْي الأول مَا أَرَاهُم فِي الْمَنَام. قَالَ عبيد بْن عُمَيْر: رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي، وَقَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]، وقَالَ غير وَاحِد من أهل التَّفْسِير: وَقَوله: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] فَكَمَا كلم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من وَرَاء حجاب حَتَّى قَالَ: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الْأَعْرَاف: 143]، وَقَوله: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51]، فَهُوَ إرْسَاله روح الْأمين، كَمَا قَالَ عز وَجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ} [الشُّعَرَاء: 193 - 194]. وَقد كَانَ لنبينا جَمِيع هَذِه الْأَنْوَاع، فقَالَ الله عز وَجل فِي رُؤْيَاهُ: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الْفَتْح: 27]. وقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أول مَا بديء بِهِ رَسُول الله من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فِي النّوم، وَكَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت بِهِ مثل فلق الصُّبْح. وقَالَ فِي الْكَلَام: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النَّجْم: 10]، وَفرض عَلَيْهِ لَيْلَة الْمِعْرَاج خمسين صَلَاة، وقَالَ فِي إرْسَال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ} [الشُّعَرَاء: 193 - 194]، وقَالَ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 97]، وَفِي الحَدِيث «إِن الرّوح الْأمين نفث فِي

روعي أَنه لن تَمُوت نفس حَتَّى تستوفي رزقها، فأجملوا فِي الطّلب». وَمن الْوَحْي مَا يَأْتِي بِهِ جِبْرِيل، وَمِنْه مَا يَأْتِي بِهِ غَيره من الْمَلَائِكَة، وَمِنْه مَا يكلمهُ الْمَلِك بِأَمْر الله تكليما، وَمِنْه مَا يَأْتِيهِ فيلقي فِي روعه، وَمن الْوَحْي مَا كَانَ سرا بَين الله وَرَسُوله، فَلم يحدث بِهِ أحدا، وَمِنْه مَا حدث بِهِ النَّاس، وَذَلِكَ على نَوْعَيْنِ: فَمِنْهُ مَا كَانَ مَأْمُورا بكتبه قُرْآنًا، وَمِنْه مَا لم يكن مَأْمُورا بكتبه قُرْآنًا، فَلم يكن من الْقُرْآن، ويحكى عَن الزُّهْرِيّ معنى هَذَا. 3740 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَلادُ بْنُ يَحْيَى، نَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَا جِبْرِيلُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ فَنَزَلَتْ {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مَرْيَم: 64] إِلَى آخِرِ الآيَةِ ".

باب دعائه صلى الله عليه وسلم المشركين وصبره على أذاهم

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مَرْيَم: 64]، أَيْ: وَمَا نَسِيَكَ رَبُّكَ أَنْ أَخَّرَ الْوَحْيَ. بَاب دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْركين وَصَبره على أذاهم 3741 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا، فَقَالَ: يَا صَبَاحَاهُ، قَالَ: فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ لِهَذَا دَعَوْتَنَا جَمِيعًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] إِلَى آخِرِهَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلامٍ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، كُلٌّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. 3742 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو أُسَامَةَ، نَا الأَعْمَشُ، نَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَمَّا نَزَلَتْ: " {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشُّعَرَاء: 214] «وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهُ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ، فَنَزَلَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ " هكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. 3743 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُغَلِّسٍ، بِبَغْدَادَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشُّعَرَاء: 214] قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ وَكِيعٍ. 3744 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ " قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشُّعَرَاء: 214] قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَها، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. 3745 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ

يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ إذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلانٍ، فَيَعْمَدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاهَا، فَيَجِيءُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا، فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى، وَثَبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ، ثُمَّ سَمَّى: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاق، بِإِسْنَادِهِ، وَقَالَ: وَدَعَا عَلَيْهِمْ ثَلاثًا وَإِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا، وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاق: إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ مُعَيْطٍ بِسلا جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: كَانَ هَذَا الصَّنِيعُ مِنْهُمْ قَبْلَ تَحْرِيمِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ وَذَبِيحَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَلَمْ تَكُنْ تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِهَا، كَالْخَمْرِ كَانَتْ تُصِيبُ ثِيَابَهُمْ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا. 3746 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ،

فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غَافِر: 28] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3747 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنا ابنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا

أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. وَالأَخْشَبُ مِنَ الْجِبَالِ: الْخَشِنُ الْغَلِيظُ، وَأَخْشَبَا مَكَّةَ: جَبَلاهَا، وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ «لَا تَزُولُ مَكَّةُ حَتَّى يَزُولَ أَخْشَبَاهَا»، سُمِّيَا أَخْشَبَيْنِ لِصَلابَتِهِمَا وَغِلَظِ حِجَارَتِهِمَا. 3748 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مِلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " رُمِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ

الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ بِالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمرَان: 128] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. 3749 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْفَرَضِيُّ، بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحْمَلِيُّ، نَا أَخُو كَرْخُوَيْهِ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، هُوَ يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، وَيَقُولُ: يَا رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ وَكِيعٍ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ. أَخُو كرخويه: مُحَمَّد بْن يزِيد.

3750 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هَرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْد الرَّزَّاقِ. 3751 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: " شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ أَلا تَسْتَنْصِرُ اللَّهَ لَنَا؟ فَجَلَسَ مُحْمَارًّا لَوْنُهُ أَوْ وَجْهُهُ، فَقَالَ لَنَا: لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ يُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُجْعَلُ فَوْقَ رَأْسِهِ، ثُمَّ يُجْعَلُ

باب المعراج

بِفِرْقَتَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ وَعَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْكُمْ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلا اللَّهَ، وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن الْمُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيل. بَاب الْمِعْرَاج قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الْإِسْرَاء: 1]. 3752 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ، قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ وَرُبَّمَا قَالَ فِي

الْحِجْرِ مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدْ قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ، وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ، فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ، يضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ،: قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ

فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسلمت، فَرَدَّا، ثُمَّ قَالا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:

نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، فَسلم عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَردَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِح وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ، بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لأَنَّ غُلامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا

مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ: هَذَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ، فَنهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ، فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِي بَيْتُ الْمَعْمُورِ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلاةُ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجِعْتُ، فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاةٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ

يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَيَ مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى،

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ. قَوْله: «بَيْنَمَا أَنا فِي الْحطيم». الْحطيم: الْحجر، سمي حطيما لما حطم من جِدَاره، فَلم يسو بِبِنَاء الْبَيْت. قدَّ، أَي: قطع. والشعرة: الْعَانَة: والقَصُّ: الصَّدْر. وَقيل فِي قَول خُزَّان السَّمَوَات: أرسل إِلَيْهِ، أَي: هَل أرسل إِلَيْهِ للعروج إِلَيّ السَّمَاء، وَأما بَعثه رَسُولا إِلَيّ الْخلق، فَكَانَ شَائِعا مستفيضا قبل العروج. وَذكر الْخطابِيّ على بكاء مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا يجوز أَن يتَأَوَّل بكائه على الْحَسَد لَهُ. لِأَن ذَلِك لَا يَلِيق بِصِفَات الْأَنْبِيَاء والأولياء، وَإِنَّمَا بَكَى من نَاحيَة الشَّفَقَة على أمته، إِذْ قصر عَددهمْ عَن مبلغ عدد أمة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوله: إِن غُلَاما بعث بعدِي. لَيْسَ على سَبِيل الإزراء بِهِ، لكنه على معنى تَعْظِيم الْمِنَّة لله عَلَيْهِ، إِذْ قد أحقه لذَلِك من غير طول عمر فِي عِبَادَته، وَقد تسمي الْعَرَب المستجمع للسن غُلَاما، مَا دَامَت فِيهِ بَقِيَّة من قُوَّة. قَوْله: وَإِذا نبقها مثل قلال هجر. يُرِيد أَن حب ثَمَرهَا فِي الْكبر مثل قلال هجر، وَهِي الجرار، وَهِي مَعْرُوفَة عِنْدهم. 3753 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجِرْجَانِيِّ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَقَعُ حَافِرُهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْريلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، قَالَ: ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، وَسَاقَ مِثْلَ مَعْنَاهُ. . . قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، وَقَالَ فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ: فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ بُكَاءَ مُوسَى. وَقَالَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ: فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلالِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، وَأَوْحَى إِلَيَّ مَا أَوْحَى،

فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاةً، مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ، فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فإنْ عَمِلَهَا، كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ يُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ وَاحِدَةً، قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

3754 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُرِّجَ عَنِّي سَقْفُ بَيْتِي، وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَفَرَّجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا فُتِحَ، عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا إِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ

النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ "، قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ، كَانَا يَقُولانِ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ»، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاةً، قَالَ: فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاةً، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا، فقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ

لَا تُطيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَائِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ ". . هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. وقَالَ: «فَإِذا فِيهَا جنابذ اللُّؤْلُؤ». يُرِيد قباب اللُّؤْلُؤ، والجنابذ: جمع الجنبذة، وَهِي الْقبَّة، وَلم يعرف الْخطابِيّ الحبائل، والأسودة: جمع سَواد، وَهُوَ شخص الْإِنْسَان.

وَالنَّسَمُ: جمع نسمَة، وَهِي النَّفس، وكل دَابَّة فِيهَا روح فَهِيَ نسمَة، وَالنَّسَمُ: الرّوح، وَأَرَادَ أَرْوَاح أَوْلَاده، وَقَوله: ظَهرت، أَي: صعدت، والمستوى: المصعد. وَقَوله أسمع صريف الأقلام: يُرِيد، وَالله أعلم، مَا يَكْتُبهُ الْمَلَائِكَة من أقضية الله عز وَجل، وَمَا ينسخونه من اللَّوْح الْمَحْفُوظ. 3755 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، نَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الْإِسْرَاء: 60]، قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ} [الْإِسْرَاء: 60] قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ". صَحِيحٌ. 3756 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أُسَامَةُ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ

مِغْوَلٍ. ح، قَالَ مُسْلِمٌ: وَنا ابْنُ نُمَيْرٍ، نَا أَبِي، نَا مَالِكُ بْنُ مِغْولٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ، فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا، فَيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النَّجْم: 16]، قَالَ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. الْمُقْحمَات: أَرَادَ الذُّنُوب الْعِظَام الَّتِي تقحم أَصْحَابهَا فِي النَّار، أَي: تلقيهم فِيهَا، والقحم: الْأُمُور الشاقة، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} [ص: 59]، أَي: دَاخل مَعكُمْ النَّار. 3757 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، نَا زَائِدَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النَّجْم: 9] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَّهُ مُحَمَّدٌ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَالَ: قَالَ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النَّجْم: 18]، رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ. 3758 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، " {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النَّجْم: 18] قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ الأُفُقَ ". صَحِيحٌ.

قِيلَ الرَّفْرَفُ: الْبُسَاطُ، وَقِيلَ: هِيَ هَا هُنَا الثِّيَابُ الْخُضْرُ. وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ فِي حُلَّةٍ مِنْ رَفْرَفٍ قَدْ مَلأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النَّجْم: 13]، قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ. 3759 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " فُرِضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ، ثُمَّ نُقِصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسَةً، نُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الْخَمْسِ خَمْسِينَ ". صَحِيحٌ. 3760 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ الْمُؤَذِّنُ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَحَامِلِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَبِيبٍ الْقَاضِي، نَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، رَأَيْتُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَقَالَ: مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ. 3761 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أُتِيَ لَيْلةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ الْفِطْرَةَ، وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ، غَوَتْ أُمَّتُكَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ. 3762 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ

باب الهجرة

سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ، قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. بَاب الْهِجْرَة قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الْإِسْرَاء: 80]، يرْوى عَن ابْن عَبَّاس، وَالْحسن، وَقَتَادَة: أدخلني مدْخل صدق: الْمَدِينَة، وأخرجني مخرج صدق: مَكَّة. وقَالَ جلّ ذكره: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [الْقَصَص: 85]، قَالَ ابْن عَبَّاس: إِلَى مَكَّة.

3763 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ، وَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ، وَلا يُخْرَجُ، أَنْتَ تُكْسِبُ الْمُعْدِمَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ،

وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ، وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ، فَطَافَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ، وَلا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلا يُكْسِبُ الْمُعْدِمَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تَكْذِبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدُّغُنَّةِ، وَقَالُوا لابْنِ الدُّغُنَّةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ، فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلّ فِيهَا، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ لأبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلا يَقْرأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَذَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَنْبَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدُّغُنَّةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ

بِجِوَارِكَ عَلى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاء دَارِهِ، فَأَعْلَنَ الصَّلاةَ وَالقِرَاءةَ فِيه، وَإنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ، فَإنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلي أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإنْ أَبِي إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِركَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاسْتِعْلانَ. قَالَتْ عَائِشَةَ: فَأَتَى ابْنُ الدُّغُنَّةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ إِلَيْهِ، فَإمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلى ذلِكَ، وَإمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أَخْفَرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ، وَالنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ، وَهِيَ الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلي رِسْلِكَ، فَإنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذلِكَ بِأَبِي أنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ

أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ، وَهُوَ الخَبْطُ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدًى لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَل، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَى رَاحِلَتَيْ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمْ سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا وَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَبُو بَكْرٍ

بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَمَكَثَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلامٌ شَلِبٌ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمْ عَامِر بْن فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَة مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رَسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثَةِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلا مِنْ بَنِي الدّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ،

وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلانًا وَفُلانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ، فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضُ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَدَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الأَزْلامَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الالْتِفَاتَ،

سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا، فَنَهَضْتُ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيَتْهُمْ بِالأَمَانِ، فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي، وَلَمْ يَسْأَلانِي إِلا أَنْ قَالَ: «أَخْفِ عَنَّا» فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أُدْمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَيَسْمَعُ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ، فَيَنْتَظِرُونَهُ

حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْطَلَقُوا أَيْضًا بَعْدمَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيِّضِينَ، يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ. فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ مَنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَل أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشَرَةَ لَيْلَةٍ، وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ

مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا للتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ» ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلامَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ، لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهِبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ: هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَةِ ... فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ فَتَمَثَّلَ بِبَيْتِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

قلتُ: قَوْله: تكسب المعدم، أَي: تعطيه المَال. وَقَوْلها: فَلم تكذب قُرَيْش بجواره. يَعْنِي: لم ترد جواره، وكل من كذب بِشَيْء، فقد رده. وَقَوْلها: فيتقذف عَلَيْهِ نسَاء الْمُشْركين وأبناؤهم، أَي: يزدحمون عَلَيْهِ، يقَالَ: النَّاس يتقاذفون على فلَان، أَي: يقذف بَعضهم بَعْضًا، فيتساقطون عَلَيْهِ، ويروى: فيتقصف، وَالْمرَاد مِنْهُ الازدحام حَتَّى يسْقط بَعضهم على بعض، وَفِي الحَدِيث: «أَنا والنبيون فراط لقاصفين» فالقاصفون: الَّذين يزدحمون، يَقُول: نَحن نتقدم إِلَى الْجنَّة، وهم على الْأَثر يزدحمون حَتَّى يقصف بَعضهم بَعْضًا بدارا إِلَى الْجنَّة، وَقيل: مَعْنَاهُ: أَنا والنبيون متقدمون فِي الشَّفَاعَة لقوم كثيرين متدافعين مزدحمين، وأصل القصف: الْكسر. قَوْلهم: كرهنا أَن نخفرك، أَي: ننقض ذِمَّتك، يقَالَ: خفرت الرجل: إِذا حفظته، وأخفرته: إِذا نقضت عَهده. والنطاق: أَن تلبس الْمَرْأَة ثوبا، وتشد وَسطهَا بِحَبل، ثمَّ ترسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل، فسميت أَسمَاء ذَات النطاقين، لِأَنَّهُ كَانَ لَهَا نطاقان قطعت أَحدهمَا لزاد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلها عَن صفة عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بكر: هُوَ شَاب ثقف، أَي:

ذُو فطنة، يقَالَ: غُلَام ثقف، وَامْرَأَة ثقاف. وَقَوْلها: لقن، أَي: حسن التلقن لما يسمعهُ، واللقن: الْفَهم، يقَالَ: لقنت الحَدِيث ألقنهُ لقنا. وَقَوْلها: فيدَّلج بِسحر، يُقَالُ: أدْلَجَ: إِذا سَار اللَّيْل كُله، وادَّلَجَ بِالتَّشْدِيدِ: إِذا سَار سحرًا. يُكْتَادَانِ بِهِ من الكيد. وَقَوْلها: ورضيفهما: فالرَّضيف: اللَّبن المرضوف، وَهُوَ الَّذِي طرح فِيهِنَّ الرضفة، وَهِي الْحِجَارَة المحماة، لتذهب وخامته، يقَالَ: رضفت اللَّبن وَالْقدر. والخِرِّيتُ: الدَّلِيل الحاذق الَّذِي يَهْتَدِي لمثل خرت الإبرة من الطَّرِيق. وَقَوْلها: غمس حلفا. تُرِيدُ أَنه كَانَ حليفا لَهُم، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا إِذا عقدوا حلفا وضعُوا جَفْنَة من طيب، فغمسوا أَيْديهم فِيهَا لتأكيد الْحلف. قَوْله: رَأَيْت أَسْوِدَة، جمع سَواد الْإِنْسَان، وَهُوَ شخصه. وَقَوله: فدفعتها تقرب: التَّقْرِيب: دون الحُضْرِ فِي سير الدَّابَّة، وَفَوق سير الْعَادة. وَقَول سراقَة: فاستقسمت بالأزلام، الأزلام: قداح زلمت وسويت، أَي: أَخذ من حروفها، وأزلام بقر الْوَحْش: قَوَائِمهَا، شبهت بأزلام القداح للطافتها، وَاحِدهَا زُلم وزَلم، كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تتخذها، مَكْتُوب عَلَيْهَا الْأَمر وَالنَّهْي، تضعها فِي وعَاء، وَإِذا أَرَادَت وَاحِد سفرا أَو حَاجَة، أخرج مِنْهَا زلما، فَإِن خرج الْآمِر مضى، وَإِن خرج الناهي، كف وَانْصَرف، وَمعنى الاستقسام: طلب معرفَة قسمي الْخَيْر وَالشَّر، والنفع والضر. ساخت يدا فرسي،

أَي: غَابَتْ فِي الأَرْض. وَقَوله: وَإِذا لأثر يَديهَا غُبَار سَاطِع. ويروى: فَخرجت قَوَائِمهَا وَلها عثان، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالنُّون، والعثان: أَصله الدُّخان، وَجمعه عواثن، وَجمع الدُّخان دواخن على غير قِيَاس. قَالَ أَبُو عبيد: وَلَا نعلم فِي الْكَلَام شَيْئا يشبههما. وَطَعَام عثن ومعثون، أَي: دخن. قَوْله: يرزآني، أَي: لم يسألاني، يقَالَ: زرأته مَاله رزءًا، أَي: أَخَذته. قَوْله: أوفى رجل، أَي: أشرف على أَطَم، والأطم: الْحصن. قَوْله: هَذَا جدكم الَّذِي تنْظرُون. يَعْنِي: حظكم ودولتكم الَّتِي كُنْتُم تتوقعونها. فثار الْمُسلمُونَ، أَي: وَثبُوا. المربد: الْموضع الَّذِي يَجْعَل فِيهِ التَّمْر إِذا صرم قبل أَن يَجْعَل فِي الأوعية، وينقل إِلَى الْبيُوت، والمربد: الْموضع الَّذِي يحبس فِيهِ الْإِبِل وَالْغنم، والربد: الْحَبْس. 3764 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْخَزَّازُ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَرَقِيُّ. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا حِبَّانُ بْنُ هِلالٍ، وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالا: نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، صَاحِبُ الْبَصْرِيِّ، نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، نَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ فَوْقَ رُءُوسِنَا، وَنَحْنُ فِي الْغَارِ،

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْره، عَنْ حِبَّانَ بْنِ هِلالٍ، كِلاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ. 3765 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ

أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَإِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلأِ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا، قَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلَى اللَّهِ. قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكمْ: قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلا خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ. قَوْلُهُ: أَرْسِلْ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَالْمَلأُ: أَشْرَافُ النَّاسِ

وَرُؤَسَاؤُهُمُ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَى قَوْلِهِمْ. قَوْلُهُ: ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ، أَيْ: بِيعُونِيهِ بِالثَّمَنِ. قَوْلُهُ: وَفِيهِ خَرِبٌ، وَهِيَ جَمْعُ خَرِبَة مِثْلَ كَلِمَةٍ وَكَلِمٍ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ الْخَرَابِ. 3766 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ، نَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يَقُولُ: " جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلا، فَقَالَ الْعَازِبُ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَمَنِ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَخَلا الطَّرِيقُ لَا يَمُرَّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ للنَّبيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ مَا حَوْلَكَ، فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإذَا أَنَا بِراعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُريدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ أَوْ

مَكَّةَ، قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَديْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ، فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إدَاوَةٌ حَمْلتُهَا للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَوِي فِيهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ المَاء عَلي اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُم قَالَ: أَلَمْ يَأْنِ الرَّحِيلُ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهِ مَعَنَا، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا، أُرَى فِي جَلَد

مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَجَا، فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا، فَلا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ، قَالَ: وَوَفَى لَنَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ زُهَيْرٍ. قَوْله: أنفض مَا حولك، أَي: أحرس وأطوف حولك، هَل رأى أحدا من الطّلب. والقعب: الْقدح الصَّغِير. وَقَوله: كثبة من لبن، أَي: قَلِيل مِنْهُ، وكل مَا جمعته من طَعَام بعد أَن يكون قَلِيلا، فَهُوَ كثبة، وَالْجمع: كُثبٌ. قَوْله: يرتوي فِيهَا. يقَالَ: ارتوى من المَاء، أَي: رُوِيَ. قَوْله: ارتطمت بِهِ فرسه، أَي: ارتبكت، يقَالَ: ارتطم الْحمار فِي الوحل، أَي: ساخ فِيهِ. وَالْجَلد: الأَرْض الغليظة الصلبة. 3767 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ

بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَجَعَلا يُقْرِئَانِنَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ، وَبِلالٌ، وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ جَاءَ، حَتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الْأَعْلَى: 1] فِي سُوَرٍ مِثْلِهَا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3768 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ لَعِبَتِ الْحَبَشَةُ بِحِرَابِهِمْ فَرَحًا لِقُدُومِهِ»

3769 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ بِمَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ، فَأَتَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ، فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدَ إِلَى أَبِيهِ أًوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرَئِيلُ آنِفًا، قَالَ: جِبْرَئِيلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [الْبَقَرَة: 97]، أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بَهْتٌ،

باب الغزوات

وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، فَانْتَقَصُوهُ، قَالَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. بَاب الْغَزَوَات 3770 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ " كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قُلْتُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ "

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ. 3771 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، نَا زُهَيْرٌ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَمَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً، لَمْ يَحُجَّ

بَعْدَهَا: حَجَّةَ الْوَدَاعِ "، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ زُهَيْرٍ. 3772 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَقَاتَلَ فِي ثَمَانٍ، وَبَعَثَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَرِيَّةً، قَاتَلَ

باب غزوة بدر

يَوْمَ بَدْرٍ، وَيَوْمَ أُحُدٍ، وَالأَحْزَابِ، وَالْمُرَيْسِيعِ، وَقُدَيْدٍ، وَخَيْبَرَ، وَمَكَّةَ، وَحُنَيْنٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّد بْنِ أَبِي تُمَيْلَةَ، عَنِ الْحُسَيْن بْنِ وَاقِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْبُعُوثَ، وَلَمْ يُسَمِّ مَا قَاتَلَ فِيهِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنِ النَّبِيِّ: أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً. قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: قَدْ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِ الإِكْلِيلِ عَلَى التَّرْتِيبِ بُعُوثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَرَايَاهُ زِيَادَة عَلَى الْمِائَةِ. بَاب غَزْوَة بدر كَانَت غَدَاة يَوْم الْجُمُعَة لسبع عشرَة خلت من شهر

رَمَضَان، على رَأس ثَمَانِيَة عشر شهرا من الْهِجْرَة، قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق: قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمرَان: 123]، أَي: عددكم قَلِيل، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الْأَنْفَال: 41]، يعْنى: يَوْم بدر، كَانَ فِيهِ فرقان بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَقيل: مَعْنَاهُ يَوْم الْفَتْح، كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الْأَنْفَال: 29]، أَي: فتحا ونصرا. 3773 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كُنَّا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلا مُؤْمِنٌ بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلاثَ مِائَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3774 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا إِسْرَائِيلُ،

عنَ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: " شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [الْمَائِدَة: 24]، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ، وَخَلْفَكَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ ". 3775 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ». فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ. فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: " {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [الْقَمَر: 45] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

3776 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3777 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ، وَهُوَ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ:

اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ، لَا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ. فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَألْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَذَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبِّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الْأَنْفَال: 9] فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلائِكَةِ ". 3777 - قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ، يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ. إِذْ نَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ، فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّيْفِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ ذَاكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ،

ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قِيلَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَمُنَاشَدَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُكَ مَا وَعَدَكَ: لَيْسَ ذَلِكَ لأَنَّ حَالَ أَبِي بَكْرٍ فِي الثِّقَةِ بِرَبِّهِ كَانَ أَرْفَعَ، وَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَظُنَّ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الشَّفَقَةُ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى قُلُوبِ أَصْحَابِهِ، وَالتَّقْوِيَةُ لِمِنَّتِهِمْ إِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ، وَكَانُوا مَكْثُورِينَ بِأَضْعَافٍ مِنْ أَعْدَائِهِ، فَابْتَهَلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ يُسَكِّنُ بِذَلِكَ مَا فِي نُفُوسِهِمْ، إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ دَعْوَتَهُ مُسْتَجَابَةٌ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: حَسْبُكَ. كَفَّ مِنَ الدُّعَاءِ إِذْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدِ اسْتُجِيبَ دُعَاؤُهُ بِمَا وَجَدَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْمِنَّةِ وَالْقُوَةِ حَتَّى قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [الْقَمَر: 45]، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 3778 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، " بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلامَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا

تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَصْلَحَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ يَابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ. قُلْتُ: أَلا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ. قَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ فَقَالَ كُلُّ

وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلَهُ. فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالا: لَا. فَنَظَر فِي السَّيْفِ، فَقَالَ: كِلاكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ «، وَكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُون، وَقَالَ: تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلع مِنْهُمَا. قُلْتُ: أَيْ: أَقْوَى. 3779 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، " أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ، أَقَامَ بالْعَرْصَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ، فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى، وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ،

وَقَالُوا: مَا نَرَى يَنْطَلِقُ إِلا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ. فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: يَا فُلانُ بْنَ فُلانٍ، وَيَا فُلانُ بْنَ فُلانٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟! قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ". قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا، وَنِقْمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ. الصناديد: العظماء، يقَال: رجل صنديد. والطوي: الْبِئْر المطوية، وَهِي الَّتِي ضرست، أَي: طويت بِالْحِجَارَةِ لِئَلَّا تنهار. قلت: وَقَوله عز وَجل: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]، أَرَادَ بِهِ الْكفَّار الَّذين هم صم عَن الْهدى لَا تقدر أَنْت

باب غزوة بني النضير

على هدايتهم كَمَا قَالَ جلّ ذكره: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} [النَّمْل: 81]. وَرُوِيَ عَن سُلَيْمَان بْن الْمُغيرَة، عَن ثَابت، عَن أنس، قَالَ: كُنَّا مَعَ عمر رَضِي الله عَنهُ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، أنشأ يحَدَّثَنَا عَن أهل بدر، فقَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرينا مصَارِع أهل بدر بالْأَمْس، يَقُول: هَذَا مصرع فلَان غَدا إِن شَاءَ الله، قَالَ: فقَالَ عمر: فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا أخطئوا الْحُدُود الَّتِي حد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بَاب غَزْوَة بني النَّضِير قَالَ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة: كَانَت على رَأس سِتَّة أشهر من وقْعَة بدر قبل أحد، وَجعلهَا أَبُو إِسْحَاق بعد بِئْر

مَعُونَة وَأحد. قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الْحَشْر: 2]، قَالَ سعيد بْن جُبَير: قلت لِابْنِ عَبَّاس {[الْحَشْر. قَالَ: قل: سُورَة النَّضِير. والحشر: الْجلاء، وَذَلِكَ أَن بني النَّضِير أول من أُخْرِجُوا من دِيَارهمْ وَأُجْلُوا. قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ أول حشر إِلَى الشَّام، ثمَّ يحْشر النَّاس إِلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة، لذَلِك قَالَ:] لأَوَّلِ الْحَشْرِ} [سُورَة الْحَشْر: 2]. 3780 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا ابْنُ جُرَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «حَارَبَتِ النِّضِيرُ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنْ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ، فَقَتَل رِجَالَهُمْ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ، وَأَوْلادَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَآمَنَهُمْ، وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعٍ، وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقَ بْن مَنْصُور، عَنْ عَبْد الرَّزَّاقِ. 3781 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ، نَا حِبَّانُ، أَنا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ»، وقَالَ: وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيق بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِير. هَذَا حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته. 3782 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ،

باب غزوة أحد

أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَطَع وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ، فَنَزَلَتْ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الْحَشْر: 5] الآيَةُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ. بَاب غَزْوَة أحد وَكَانَ قتل كَعْب بْن الْأَشْرَف، وَقتل أَبِي رَافع بْن أَبِي الْحقيق قبله، قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمرَان: 121]. وقَالَ جلّ ذكره: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمرَان: 152]، أَي: تقتلونهم وتستأصلونهم،

وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} [آل عمرَان: 153]. كل من ابْتَدَأَ وَجها من سفر أَو غَيره، فَهُوَ فِي ابْتِدَائه مصعد، وَفِي رُجُوعه منحدر. وقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} [آل عمرَان: 153]، أَرَادَ غما بغم: مُتَّصِلا، فالغم الأول: الْجراح وَالْقَتْل، وَالْغَم الثَّانِي: مَا ألقِي إِلَيْهِم من قتل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنساهم الْغم الأول. 3783 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابتٍ، قَالَ: " لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ. وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ. فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النِّسَاء: 88] وَقَالَ: إِنَّهَا طَيْبَةٌ تنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ. 3784 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجْفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ: انْثُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ. فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي

أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ، فَتَمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ، فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاثًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَن الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْمَر عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرٍو المِنْقَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَقَالَ: إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاثًا مِنَ النُّعَاسِ. قلت: قَوْله: مجوب من الجوب، وَهُوَ الترس، وَجمعه أجواب، يُرِيد: مترس عَلَيْهِ بحجفة، وَهِي الترس، والخدم جمع خدمَة، وَهِي الخلخال. تنقزان، يقَالَ: نقز وقفز نقزانا وقفزانا: إِذا وثب. ويروى: تزفران الْقرب، أَي: تحملانها. 3785 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو يَعْقُوبَ، نَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، نَا أَنَسٌ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، قَالَ " غَشِيَنَا النُّعَاسُ، وَنَحْنُ فِي

مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3786 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بِنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلانِ يُقَاتِلانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلا بَعْدُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَزَادَ: يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. 3787 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ،

أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ , أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ، وَبِمَا دُووِيَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُهُ، وَعَلِيٌّ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلا كَثْرَةٌ، أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا، فَأَلْصَقَتْهَا، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ، وَجُرِحَ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن الْقَارِئِ. 3788 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا مُعَاذُ

بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَغَرَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ قَتَادَةُ: نَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، «أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ». قَالَ: وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. 3789 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ، فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ. فَألْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الأَشْعَثِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ.

باب قتل أهل بئر معونة

بَاب قتل أهل بِئْر مَعُونَة قَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ بَينهَا وَبَين أُحد أَرْبَعَة أشهر، وَكَانَ بعد أُحد قتل عَاصِم بْن ثَابت الْأنْصَارِيّ، بَعثه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عشرَة عينا، وأمَّره عَلَيْهِم، فَقتله حَيّ من بني لحيان مَعَ سَبْعَة من أَصْحَابه، وأسروا خبيبا، وَزيد بْن الدَّثِنَةِ، فباعوهما بِمَكَّة، ثمَّ قتلا. 3790 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رِعْلا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ

بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ، قَتَلُوهُمْ، وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ: عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ: بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا، وَأَرْضَانَا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ. بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الثَّالِث عشر من " شرح السّنة " ويليه الْجُزْء الرَّابِع عشر وأوله بَاب غَزْوَة الخَنْدَق وَهِي الْأَحْزَاب

باب غزوة الخندق وهي الأحزاب

بَابُ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَهِيَ الأَحْزَابُ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةِ أَرْبَعٍ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} [الْأَحْزَاب: 10] , قَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ». 3791 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةْ»، فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا , هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3792 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقِلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى اغْمَرَّ بَطْنُهُ، أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ، يَقُولُ: «

وَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا» وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: «أَبَيْنَا أَبَيْنَا» , هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَوْلُهُ: «اغْمَرَّ»، يُقَالُ: غَمَرْتُ الشَّيْءَ: إِذَا سَتَرْتُهُ، وَمَاءٌ غَمْرٌ، إِذَا عَلا كُلَّ شَيْءٍ فَسَتَرَهُ، وَاغْبَرَّ مِنَ الْغُبَارِ. 3793 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا خَلادُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: " إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاءُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: أَنَا نَازِلٌ، ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أُهِيلَ، أَوْ

أُهِيمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ، فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا فِي ذَلِكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ، وَعَنَاقٌ، فَذَبَحَتِ الْعَنَاقَ، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةَ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ، فَقُلْتُ: طُعَيْمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ، فَقَالَ: كَمْ هُوَ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: «كَثِيرٌ طَيِّبٌ»، قَالَ: قُلْ لَهَا: «لَا تَنْزِعِ الْبُرْمَةَ وَلا الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ»، قَالَ: «قُومُوا»، فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: " ادْخُلُوا وَلا تَضَاغَطُوا، فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ وَيَغْرفُ حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: «كُلِي وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ». وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، وَقَالَ: ذَبَحْنَا بَهِيمَةً وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، وَقَالَ: وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ

لأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ قَوْلُهُ: فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ، أَيْ: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ صَلْبَةٌ لَا يَعْمَلُ فِيهَا الْفَأْسُ وَالْمِعْوَلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى} [النَّجْم: 34] أَيْ: قَطَعَ الْعَطَاءَ، يُقَالُ: أَكْدَى الْحَافِرُ: إِذَا بَلَغَ الْكُدْيَةَ، فَقَطَعَ الْحَفْرَ. وَقَوْلُهُ: أُهِيلَ، الأَهْيَلُ وَالْهَيَّالُ: السَّيَّالُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَثِيبًا مَهِيلا} [المزمل: 14] أَيْ: مَصْبُوبًا سَائِلا، يُقَالُ: تَهَيَّلَ الرَّمْلُ: إِذَا سَالَ، وَمَنْ رَوَى: أَهْيَمَ، يُقَالُ: كثيبٌ أَهْيَمُ، وَكُثْبَانٌ هِيمٌ، وَالْهِيمُ: الرِّمَالُ الَّتِي لَا يَرْوِيهَا مَاءُ السَّمَاءِ، وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الْوَاقِعَة: 55]. 3794 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا إِسْرَائِيلُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ

باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة

حِينَ أُجْلِيَ الأَحْزَابُ عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلا يَغْزُونَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3795 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهَ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلا شَيْءَ بَعْدَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ 3795 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ ابْنُ الْعَرِقَةِ رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ، فَقَالَ: " قَدْ وَضَعْتَ السِّلاحَ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: فَأَيْنَ؟ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ "، فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ، قَالَ هِشَامُ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ، فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا، فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ، وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، إِلا الدَّمَ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ،

مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ 3797 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى، نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي زِقَاقِ بَنِي غَنْمٍ، مَوْكِبُ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 3798 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ النُّعَيْمِيِّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، نَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ: «

باب غزوة ذات الرقاع

لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ، إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»، فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصْفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ بَنِي غَطَفَانَ

فَنَزَلَ نَخْلا وَهِيَ بَعْدَ خَيْبَرَ، لأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، وَنَقِبَتْ قَدَمَاي، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَغَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَنَةَ سِتٍّ

فِي شَعْبَانَ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدِيثُ الإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ. 3799 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَاهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَتَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب عمرة الحديبية وبيعة الرضوان

بَابُ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الْفَتْح: 1]. أَيْ: قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً مَفْصُولا فِيمَا اخْتَارَ اللَّهُ لَكَ مِنْ مُهَادَنَةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمُوَادَعَتِهِمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالْفَتْحُ يَكُونُ صُلْحًا، وَيَكُونُ عَنْوَةً، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الْفَتْح: 18]. 3800 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الْفَتْح: 1]، قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ "، قَالَ أَصْحَابُهُ: هَنِيئًا مَرِيئًا فَمَا لَنَا، فَأَنْزَلَ

اللَّهُ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الْفَتْح: 5] , قَالَ شُعْبَةُ: فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَحَدَّثْتُ بِهَذَا كُلِّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: أَمَّا {إِنَّا فَتَحْنَا} [الْفَتْح: 1] فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَمَّا «هَنِيئًا مَرِيئًا» فَعَنْ عِكْرِمَةَ , هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3801 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحَ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا، فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهَا، فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرَكَائِبُنَا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3802 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: " عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ وَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ. قَالَ أَبُو عِيسَى: مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ، بَايَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى الْمَوْتِ، أَيْ: لَا نَزَالُ نُقَاتِلُ بَيْنَ يَدَيْكَ مَا لَمْ نُقْتَلْ، وَبَايَعَهُ آخَرُونَ، وَقَالُوا: لَا نَفِرُّ. 3803 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ

باب غزوة ذي قرد

بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، نَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، نَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلا يَحْمِلَ سِلاحًا عَلَيْهِمْ إِلا سُيُوفًا، وَلا يُقِيمَ بِهَا إِلا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَقَامَ ثَلاثًا، أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ وَهِيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلاثٍ.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ، يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ بِالأُولَى، وَكَانَتْ لِقَاحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ، قَالَ: فَلَقِيَنِي غُلامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطْفَانُ، قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهُ، قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ، وَقَدْ أَخَذُوا يَسْقُونَ مِنَ الْمَاءِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بنبلي وَكُنْتُ رَامِيًا وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ وَارْتَجَزْتُ حَتَّى اسْتَنْفَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً، قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ الأَكْوَعِ، مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ»، قَالَ: ثُمَّ

باب غزوة خيبر

رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَاللِّقَاحُ: النُّوقُ ذُوَاتُ الدَّرِّ، وَاحِدَتُهَا لِقْحَةٌ. وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ، أَيْ: يَوْمُ هَلاكِ اللِّئَامِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَئِيمٌ رَاضِعٌ وَهُوَ الَّذِي رَضِعَ اللُّؤْمَ، كَمَا يُقَالُ: رَاكِعٌ وَرَكَعَ، وَخَاشِعٌ وَخَشَعَ، يُقَالُ: رَضِعَ أُمَّهُ يَرْضَعُ، وَرَضِعَهَا، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ»، أَيْ: أَحْسِنِ الْعَفْوَ، وَالإِسْجَاحُ: حُسْنُ الْعَفْوِ. بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ فِي مُحَرَّمٍ سَنَةِ سَبْعٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ:

خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِلَى خَيْبَرَ، فَسِرْنَا لَيْلا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ: أَلا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلا شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَوْلا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ»؟ فَقَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلا أَمْتَعْتَنَا بِهِ، قَالَ: فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ، فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ الْيَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذِهِ

النِّيرَانُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ»؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: «أَوْ ذَاكَ»، قَالَ: فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ، كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعَ ذُبَابُ سَيْفُهُ، فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ، فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا، قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاحِبًا، فَقَالَ لِي: «مَالَكَ»؟ قُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ: «مَنْ قَالَهُ»، قُلْتُ: قَالَهُ فُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانٌ، وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ، وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ

قَوْلُهُ: من هُنَيْهَاتِكَ، أَيْ: مِنْ أَرَاجِيزِكَ وَهِيَ تَصْغِيرُ هَنَةٍ، كَمَا يُقَالُ: سَنَةٌ وَسُنَيْهَةٌ. قَوْلُهُ: عَوِّلُوا عَلَيْنَا، أَيْ: أَجْلِبُوا بِالصَّوْتِ عَلَيْنَا مِنَ الْعَوِيلِ، يُقَالُ: أَعْوَلَتِ الْمَرْآةُ وَعَوَّلَتْ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ، فَأَتَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَنَفَثَ فِيهَا ثَلاثَ نَفَثَاتٍ، فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ ههُنَا مِنَ الْيَهُودِ»، فَجَمَعُوا لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَبُوكُمْ»؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلانٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلانٌ»، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، فَقَالَ: «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي عَنْ شَيْءٍ إِنْ أَنَا سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَّبْنَاكَ عَرَفْتَ كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَهْلُ النَّارِ»؟ فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْسَئُوا فِيهَا وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا»، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ»؟ فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا أَنْ نَسْتَرِيحَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب عمرة القضاء

بَابُ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ، فَأَقَامَ ثَلاثَ لَيَالٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ». أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، سَمِعَ ابْنُ أَوْفَى، يَقُولُ: «لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب غزوة مؤتة من أرض الشام

بَابُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بُعِثَ فِي جُمَادَى الأُولَى بَعْثُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ، فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى، وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا، وَجَعْفَرًا، وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ، فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ أَيُّوبَ: ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ غَيْرَ إِمْرَةٍ، فَفُتِحَ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، يَقُولُ: «لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ»

باب غزوة الفتح

بَابُ غَزْوَةِ الْفَتْحِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَتْحُ مَكَّةَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَحْمُودٌ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشْرَةُ آلافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ، وَسَارَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ، حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا». قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآخِرُ فَالآخِرُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاثِ مِائَةُ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الْإِسْرَاء: 81]، {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ النُّصُبُ: الصَّنَمُ الْمَنْصُوبُ لِلْعِبَادَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [الْمَائِدَة: 3]. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، نَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، نَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ، وَمَعَهُ بِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، حَتَّى أَنَاخَ عِنْدَ الْبَابِ، ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ: ائْتِنَا بِالْمِفْتَاحِ، فَجَاءَهُ بِالْمِفْتَاحِ، فَفَتَحَ لَهُ الْبَابَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُسَامَةُ، وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ، ثُمَّ غَلَّقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَمَكَثَ نَهَارًا طَوِيلا ثُمَّ خَرَجَ "، فَابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ، فَسَبقْتُهُمْ، فَوَجَدْتُ بِلالا قَائِمًا وَرَاءَ الْبَابِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «صَلَّى بَيْنَ ذَيْنِكَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، وَكَانَ الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ شَطْرَيْنِ، صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنَ الشَّطْرِ الْمُقَدَّمِ، وَجَعَلَ بَابَ الْبَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَاسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُكَ حِينَ تَلِجَ الْبَيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ»، قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى، وَعِنْدَ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب غزوة حنين

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، نَا أَيُّوبُ، نَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا، فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، أَمَا وَاللَّهِ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ»، فَدَخَلَ الْبَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الاسْتِقْسَامُ: هُوَ طَلَبُ نَصِيبِهِ الَّذِي قُسِمَ لَهُ، وَقِيلَ: هُوَ التَّفَكُّرُ وَالتَّرَوِّي، يُقَالُ: تَرَكْتُ فُلانًا يَسْتَقْسِمُ، أَيْ: يُفَكِّرُ وَيَرْوِي، وَيُقَالُ: هُوَ يَقْسِمُ أَمْرَهُ، أَيْ: يَقْدُرُهُ وَيُدَبِّرُهُ. بَابُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ

كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التَّوْبَة: 25]. أَخْبَرَنَا ابنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قَالَ عَبَّاسٌ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُفَارِقْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجِذَامِيُّ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْكِضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ، قَالَ عَبَّاسٌ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفَّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ»، فَقَالَ عَبَّاسٌ، وَكَانَ رَجُلا صَيِّتًا، فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلادِهَا، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ، قَالَ: فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارُ وَالدَّعْوَةُ فِي الأَنْصَارِ يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، قَالَ: ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ»، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَيَاتٍ، فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ قَالَ: «انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ»، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ، فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلا، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ، نَا عِيسَى يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ،

عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْبَرَاءِ، فَقَالَ: أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَلَّى، وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاء مِنَ النَّاسِ وَحُسَّرٌ إِلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ هَوَازِنَ وَهُمْ قَوْمٌ رُمَاةٌ، فَرَمُوا بِرَشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، فَانْكَشَفُوا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ، فَنَزَلَ وَدَعَا وَاسْتَنْصَرَ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، اللَّهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ». قَالَ الْبَرَاءُ: كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالأَخِفَّاءُ: جَمْعُ خِفٍّ، يُرِيدُ: الْقَوْمَ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ سِلاحٌ يُثْقِلُهُمْ، وَالْحُسَّرُ: جَمْعُ حَاسِرٍ وَهُوَ الَّذِي لَا دِرْعَ لَهُ، وَيُقَالُ: الَّذِي لَا سِلاحَ لَهُ، وَالرَّشْقُ: الرَّمْيُ، وَقَوْلُهُ: رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ: إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، أَيِ: اشْتَدَّ الْحَرْبُ، اسْتَقْبَلْنَا الْعَدُوَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ: مَوْتٌ أَحْمَرُ، أَيْ: شَدِيدٌ، وَحَمْرَاءُ الْقَيْظِ

شِدَّةُ حَرِّهَا، وَسَنَةٌ حَمْرَاءُ: أَيْ: شَدِيدَةٌ، وَالْعَرَبُ تَصِفُ عَامَ الْجَدْبِ بِالْحُمْرَةِ، وَتَقُولُ: إِنَّ آفَاقَ السَّمَاءِ تَحْمَرُّ أَعْوَامَ الْقَحْطِ، قَوْلُهُ: نَتَّقِي بِهِ، أَيْ: نَجْعَلُهُ وَاقِيَةً لَنَا مِنَ الْعَدُوِّ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ} [المزمل: 17]. أَيْ كَيْفَ يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْعَذَابِ وَاقِيَةٌ إِنْ جَحَدْتُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. 3818 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ، نَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ فِي النَّاسِ، فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلالا، فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ، فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي»، كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: " لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا، أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ إِلَى رِحَالِكُمْ، لَوْلا الْهِجْرَةُ، لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ

باب حجة الوداع

وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بَابُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ 3819 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟»، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «بَلَدٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟»، قَالُوا:

اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا " 3819 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحِجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا، وَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ»، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»، وَدَّعَ النَّاسَ، فَقَالُوا: هَذِهِ حِجَّةُ الْوَدَاعِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3820 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب في مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم

بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلا نَدْرِي مَا حُجَّةُ الْوَدَاعِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ، وَقَالَ: " مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ، أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ، فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ، فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلاثًا، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيَمِينِ، كَأَنَّ عَيْنَةُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، أَلا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بلَدَكِمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاثًا، وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمُ انْظُرُوا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَابٌ فِي مَرَضِهِ وَوَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3821 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيهِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ»، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ يُخْبِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيهِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمُنَا بِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا مِنْ أُمَّتِي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ إِلا خُلَّةَ الإِسْلامِ، لَا تَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ

بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مَعْنٍ، عَنْ مَالِكٍ وَالْخَوْخَةُ: مُخْتَرَقٌ بَيْنَ بَيْتَيْنِ أَوْ دَارَيْنِ يُنْصَبُ عَلَيْهَا بَابٌ. قَوْلُهُ: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ»، أَيْ: أَسْمَحُ بِمَالِهِ وَأَجْوَدُ بِذَاتِ يَدِهِ، وَالْمَنُّ الْعَطَاءُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَنُّ بِمَعْنَى الاعْتِدَادِ بِالصَّنِيعَةِ، وَذَلِكَ مَذْمُومٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [الْبَقَرَة: 264]. وَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ هَذَا، إِذْ لَا مِنَّةَ لأَحَدٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَهُ الْمِنَّةُ عَلَى جَمِيعِ الأُمَّةِ، وَقَوْلُهُ: «إِلا خُلَّةَ الإِسْلامِ»، أَشَارَ إِلَى أُخُوَّةِ الدِّينِ، وَفِي أَمْرِهِ بِتَرْكِ سَدِّ خَوْخَتِهِ الاخْتِصَاصُ كَمَا خَصَّهُ بِالاسْتِخْلافِ فِي الصَّلاةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَكِّدُ خِلافَتَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. 3822 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ بِمَرْوَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ الْبَابَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُمْ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ، وَالأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ، وَإِنِّي

لأَنْظُرُ إِلَيْهِ وَأَنَا فِي مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا»، فَقَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ 3823 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ، أَنَّ عَاصِمَ ابْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُمْ، نَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَاكِمُ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، أَنَا اللَّيْثُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى

الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَنْظُرُ الآنَ إِلَى حَوْضِي، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيْثِ 3824 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حريثٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ , قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشْفُ السِّتَارَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، وَالنَّاسُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَشَارَ إِلَى النَّاسِ أَنِ اثْبُتُوا، وَأَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّهُمْ، فَأَلْقَى السَّجْفَ وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ 3825 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وَهُوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ , قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي، وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، قَالَ: «هَرِيقُوا

عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ»، فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ، وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، قَالا: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ، كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الأَوْكِيَةُ جَمْعُ الْوِكَاءِ: وَهُوَ الْخَيْطُ، قَوْلُهُ: «لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ»، لأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَمْ يُحْلَلْ عَنْهُ الْوِكَاءُ يَكُونُ أَطْهَرُ لِعَدَمِ وُصُولِ الأَيْدِي إِلَيْهِ، وَخَصَّ عَدَدَ السَّبْعَ تَبَرُّكًا بِهَا، لأَنَّهَا تَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِ الشَّرِيعَةِ، وَالْمِخْضَبُ: شِبْهُ الْمِرْكَنِ، وَهِيَ إِجَّانَةٌ يُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ. 3826 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي

مُلَيْكَةَ، أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ، كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَإِنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ، فَأَمَرَّهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ، شَكَّ عُمَرُ، فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٌ»، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: فِي الرَّفِيقُ الأَعْلَى، حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهَا: بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، النَّحْرُ: مَا لَزِقَ بِالْحُلْقُومِ مِنَ الْمَرِيءِ، وَالسَّحْرُ: الرِّئَةُ، يُقَالُ انْتَفَخَ سَحْرُهُ.

3827 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي، فَلا أَكْرَةُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الْحَاقِنَةُ: الْمُطْمَئِنُّ بَيْنَ التَّرْقُوَةِ وَالْحَلْقِ، وَالذَّاقِنَةُ: نَقْرَةُ الذَّقَنِ، وَيُقَالُ: الذَّقَنُ، وَيُقَالُ: مَا يَنَالُهُ الذَّقَنُ مِنَ الصَّدْمِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الذَّاقِنَةُ: طَرَفُ الْحُلْقُومِ. 3828 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُخْتَارٍ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ قَوْلُهُ: «الرَّفِيقُ الأَعْلَى»، قِيلَ: هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَلْحِقْنِي بِاللَّهِ. وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: غَلَطَ هَذَا الْقَائِلُ، وَالرَّفِيقُ ههُنَا جَمَاعَةُ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ أَعْلَى عِلِّيِّينَ، اسْمٌ جَاءَ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، وَمَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النِّسَاء: 69]. 3829 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَا يُونُسُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ»، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ فِي فَخِذِي، غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقُ الأَعْلَى»، فَقُلْتُ: إِذًا لَا تَخْتَارَنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا، وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَتْ: وَكَانَتْ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: اللَّهُمَّ الرَّفِيقُ الأَعْلَى.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ 3830 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»، وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بَحَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النِّسَاء: 69] ". فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خَيْرٌ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ 3831 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ،

فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ»، فَلَمَّا مَاتَ، قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ، فَلَمَّا دُفِنَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا التُّرَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ، يُرِيدُ: لَا يُصِيبُهُ بَعْدَ الْيَوْمِ نَصَبٌ، وَلا وَصَبٌ يَجِدُ لَهُ أَلَمًا، إِذْ أَفْضَى إِلَى دَارِ الآخِرَةِ وَالسَّلامَةِ الدَّائِمَةِ. 3832 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُلَيْكِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ، قَالَ: «مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي

يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ»، ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ. وَقَالَ عُرْوَةُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الثُّلاثَاءِ أَوْ مَعَ الصُّبْحِ، وَوَلِيَ غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ عَلِيٌّ، وَأُسَامَةُ، وَالْفَضْلُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: دُفِنَ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ 3834 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا بِشْرُ بْنُ هِلالٍ الصَّوَّافُ

باب تركة النبي صلى الله عليه وسلم

الْبَصْرِيُّ، أَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أَضَاءَ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ وَمَا نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا عَنِ التُّرَابِ، وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا». وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ 3834 - وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ كَانَ أَحْسَنَ وَلا أَضْوَأَ مِنْ يَوْمِ دَخَلَ عَلَيْنَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا كَانَ أَقْبَحَ وَلا أَظْلَمَ مِنْ يَوْمِ مَاتَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» بَابُ تَرِكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3835 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيِّ، أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ

الْحَارِثِ، قَالَ: «لَا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ، دِينَارًا، وَلا دِرْهَمًا، وَلا عَبْدًا، وَلا أَمَةً، وَلا شَيْئًا، إِلا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَسِلاحًا، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ 3836 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا، وَلا أَمَةً، وَلا شَاةً، وَلا بَعِيرًا» 3837 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا هَنَّادُ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَتْرُكْ دِينَارًا،

وَلا دِرْهَمًا، وَلا شَاةً، وَلا بَعِيرًا، وَلا أَوْصَى بِشَيْءٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ 3838 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْتَسِمْ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي ومَئُونَةِ عَامِلِي، فَهُوَ صَدَقَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّاتِ إِذْ كُنَّ لَا يَجُوزُ لَهُنَّ أَنْ يُنْكَحْنَ، فَجَرَتْ لَهُنَّ النَّفَقَةُ.

وَقَوْلُهُ: «مَئُونَةِ عَامِلِي» أَرَادَ بِالْعَامِلِ: الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ نَفَقَةَ أَهْلِهِ مِنَ الصَّفَايَا الَّتِي كَانَتْ لَهُ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، وَفَدَكَ، وَيَصْرِفُ الْبَاقِي فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ وَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ، فَلَمَّا صَارَتْ إِلَى عُثْمَانَ، اسْتَغْنَى عَنْهَا بِمَالِهِ، فَأَقْطَعَهَا مَرْوَانَ، وَغَيْرَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، فَلَمْ تَزَلْ فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى رَدَّهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَحِمَهُ اللَّهُ. 3839 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَّ زَاهِرَ بْنَ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ، فَهُوَ صَدَقَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ

باب عمره صلى الله عليه وسلم

بَابُ عُمُرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3840 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، نَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، نَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، يَعْنِي يُوحَى إِلَيْهِ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رُوحٍ. وَكَذَلِكَ رَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ 3841 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَخْطُبُ، قَالَ: «مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب

وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَنَا ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ , وَرَوَى عَمَّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، قَالَ: أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْوَحْيِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَثَلاثٌ وَسِتِّينَ أَكْثَرُ بَابٌ 3842 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبّه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَا يَرَانِي، ثُمَّ لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مِثْلِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 3843 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا

مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

35 - كتاب فضائل الصحابة

35 - كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ 3844 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ، النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ وَقَوْلُهُ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ»، مَعْنَاهُ تَفْضِيلُ قُرَيْشٍ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَتِقْدِيمُهَا فِي الإِمَامَةِ وَالإِمَارَةِ.

وَقَوْلُهُ: «مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ» أَيْ: مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَيَتْبَعُهُمْ وَلا يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: «كَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ»، لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الأَوَّلِ، إِنَّمَا أُخْبِرَ أَنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوا مَتْبُوعِينَ فِي زَمَانِ الْكُفْرِ، إِذْ كَانَ أَمْرُ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ شَرَفُهُمْ إِلَيْهِم. وَقَوْلُهُ: «خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا»، يُرِيدُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ مَأْثَرَةٌ وَشَرَفٌ، فَإِذَا أَسْلَمَ وَفَقِهَ، فَقَدْ حَازَ إِلَى ذَلِكَ مَا اسْتَفَادَهُ بِحَقِّ الدِّينِ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ، فَقَدْ هَدَمَ شَرَفَهُ وَضَيَّعَهُ. وَقَوْلُهُ: «تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ»، أَرَادَ أَنْ خِيَارَهُمُ الَّذِينَ يَحْذَرُونَ الإِمَارَةَ، وَيَكْرَهُونَ الْوِلايَةَ، حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ، فَإِذَا وَقَعُوا فِيهِ عَنْ رَغْبَةٍ وَحِرْصٍ عَلَيْهِ، زَالَ عَنْهُمْ حُسْنُ الاخْتِيَارِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً»، وَقَالَ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذَبَحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ»، وَالآخَرُ: أَن خِيَار النَّاس يكْرهُونَ الْولَايَة حَتَّى يقعوا فِيهَا، فَإِذا وَقَعُوا فِيهَا، لم يكرهوها وَقَامُوا بِحَقِّهَا، وَذَلِكَ لأَنَّ مَنْ كَرِهَ الشَّيْءَ تَغَافَلَ عَنْهُ، وَلَمْ يَقُمْ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ.

3845 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الأَمْرِ، خِيَارُهُمْ تَبَعٌ لِخِيَارِهِمْ، وَشِرَارُهُمْ تَبَعٌ لِشِرَارِهِمْ، النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ، إِذَا فَقِهُوا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَوْلُهُ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الأَمْرِ»، يُرِيدُ فِي الْوِلايَةَ. وَقَوْلُهُ: «خِيَارُهُمْ تَبَعٌ لِخِيَارِهِمْ»، يَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ: «مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ»، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا خِيَارًا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْخِيَارَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَشْرَارًا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الأَشْرَارَ كَمَا قِيلَ: أَعْمَالُكُمْ عُمَّالُكُمْ. 3846 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبِو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ:

نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 3847 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ رَوْحٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ 3848 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ اثْنَانِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ , وَصَحَّ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ» 3849 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلاءِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ أَبِي الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدْ هَوَانَ قُرَيْشٍ، أَهَانَهُ اللَّهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 3850 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ

باب أسلم وغفار

مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِلْقُرَشِيِّ مِثْلُ قُوَّةِ الرَّجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ» بَابُ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ 3851 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 3852 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ لَهَا، وَعُصَيَّةُ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ». قِيلَ: إِنَّمَا دَعَا لِغِفَارٍ وَأَسْلَمَ، لأَنَّ دُخُولَهُمَا فِي الإِسْلامِ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ غِفَارٌ تُزَنُّ بِسَرِقَةِ الْحُجَّاجِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَمْحُوَ عَنْهُمْ تِلْكَ السُّبَّةِ، وَيَغْفِرَهَا لَهُمْ، وَأَمَّا عُصَيَّةُ، فَهُمُ الَّذِينَ قَتَلُوا الْقُرَّاءَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ عَلَيْهِمْ 3853 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ،

وَجُهَيْنَةُ، وَمُزَيْنَةُ، وَأَسْلَمُ، وَغِفَارٌ، وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: «مَوَالِيَّ»، أَيْ: أَوْلِيَائِي، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [مُحَمَّد: 11]. أَيْ: لَا وَلِيَّ لَهُمْ. 3854 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّفْلِيسِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّرَازِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَكْرَةَ. ح وَشُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الضَّبِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَسْلَمُ، وَغِفَارٌ، وَجُهَيْنَةُ، وَمُزَيْنَةُ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَعَامِرُ بْنُ صَعْصَعَةَ، وَأَسَدٌ، وَغَطَفَانُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ

باب في بني تميم

3855 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، بِمَرْوَ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمُ، وَغِفَارٌ، وَشَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَمُزَيْنَةُ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ تَمِيمٍ، وَأَسَدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، وَهَوَازِنُ، وَغَطَفَانُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، كِلاهُمَا، عَنْ أَيُّوبَ بَاب فِي بني تَمِيم 3856 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا ابْنُ سَلامٍ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ عُمَارَةَ , عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ

باب خير القرون

ثَلاثٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيهِمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ، قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا، وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ عُمَارَةَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِيِّ بَابُ خَيْرِ الْقُرُونِ 3857 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، وَقَالَ: «إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِم السِّمَنُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنِ النَّضْرِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا، عَنْ شُعْبَةَ 3858 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَنْشَأُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَفْشُو فِيهِم السِّمَنُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: يَظْهَرُ فِيهِم السِّمَنُ، يَعْنِي: جَمْعَ الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا.

باب فضل الصحابة رضي الله عنهم

بَابُ فَضْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الْفَتْح: 29]. {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الْفَتْح: 29]. قَالَ مُجَاهِدٌ: السَّحْنَةُ، وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: التَّوَاضُعُ، وَقِيلَ: صُفْرَةُ الْوَجْهِ مِنَ السَّهَرِ، وَقِيلَ نُورٌ وَبَيَاضٌ فِي وُجُوهِهِمْ يَوْم الْقِيَامَةِ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهِمْ وَسُجُودِهِمْ. قَوْلُهُ: شَطْأَهُ، أَيْ فِرَاخَهُ، يُقَالُ أَشْطَأَ الزَّرْعُ: إِذَا نَبَتَ فِي أُصُولِهِ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، فَآزَرَهُ، أَيْ قَوَّاهُ وَأَرَادَ أَنَّ الْحَبَّةَ الْوَاحِدَةَ تُنْبِتُ سَبْعًا وَثَمَانِيًا وَعَشْرًا، فَيُقَوَّى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقُمْ عَلَى سَاقٍ، مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ خَرَجَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَوَّاهُ اللَّهُ بِأَصْحَابِهِ كَمَا قَوَّى الْحَبَّةَ بِمَا يَنْبُتُ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النَّمْل: 59]، قَالَ: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ

لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ. 3859 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْكُوفِيُّ الْعَبْسِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الأَطْرَابُلُسِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ الْقَصَّارُ أَبُو إِسْحَاقَ بِالْكُوفَةِ، أَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدُكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ وَالنَّصِيفُ بِمَعْنَى النِّصْفِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْعُشْرِ: عَشِيرٌ، وَلِلْخُمْسِ خَمِيسٌ، وَلِلتِّسْعِ تَسِيعٌ، وَلِلثُّمُنِ ثَمِينٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي السُّبُعِ وَالسُّدُسِ وَالرُّبُعِ، فَمِنْهُمْ، مَنْ يَقُولُ: سَبِيعٌ، وَسَدِيسٌ، وَرَبِيعٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَمْ نَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ فِي الثُّلاثِيِّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ جَهْدَ الْمُقِلِّ مِنْهُمْ وَالْيَسِيرِ مِنَ النَّفَقَةِ مَعَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ وَالضُّرِّ، أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَثِيرِ الَّذِي يُنْفِقُهُ مَنْ بَعْدَهُمْ. 3860 - أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ الْعَلائِيُّ الْبَغَوِيُّ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمُفَضَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ بِجُرْجَانَ، نَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّوزِيُّ، نَا الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ بْنِ الْمُفَضَّلِ الْغَلابِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، نَا عُبَيْدَةُ بْنُ أَبِي رَائِطَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ، فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ، فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي، فَقَدْ آذَى اللَّهَ،

وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ 3861 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبِشَارِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّازُ الْمَعْرُوفُ بِيَانُوشَ الزَّاهِدِ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، نَا حَاتِمُ بْنُ عَقِيلٍ، نَا يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: لَوِ انْتَظَرْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ، فَانْتَظَرْنَاهُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا زِلْتُمْ هَهُنَا»، قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْنَا: نُصَلِّي مَعَكَ الْعِشَاءَ، قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ»، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: «النُّجُومُ أمَنَةٌ لأَهْلِ السَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى أَهْلُ السَّمَاءِ مَا يُوعَدُونَ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإِذَا

ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الْحَسَيِن الْجُعْفِيِّ 3862 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَفَّانَ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ حَيَّانَ الأَنْدَلُسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِي بِأَرْضٍ كَانَ نُورُهُمْ وَقَائِدُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ كُنْيَتُهُ أبُو طَيْبَةَ، يَرْوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ 3863 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَكِّيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلا بِالْمِلْحِ». قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: فَقَدْ ذَهَبَ مِلْحُنَا، فَكَيْفَ نَصْلُحُ؟. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ الْغِفَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْحَسَنِ 3864 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهَمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ

النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ، نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ الْفِئَامُ: الْجَمَاعَاتُ. 3865 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنِي حَمَّادُ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْخِلافَةُ ثَلاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا»، ثُمَّ قَالَ: أَمْسِكْ خِلافَةَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ، وَخِلافَةَ عُمَرَ عَشَرَةً، وَعُثْمَانَ اثْنَيْ عَشَرَ، وَعَلِيَّ سِتَّةَ، قَالَ عَلِيٌّ: قُلْتُ لِحَمَّادٍ: سَفِينَةُ الْقَائِلُ لِسَعِيدٍ:

أَمْسِكْ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: «خِلافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ، إِلا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ. رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَكُلَّمَا أَعْيَا إِنْسَانٌ، أَلْقَى عَلَيَّ سَيْفَهُ وَتُرْسَهَ حَتَّى حَمَلْتُ شَيْئًا كَثِيرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ سَفِينَةٌ» قَوْلُهُ: «الْخِلافَةُ ثَلاثُونَ سَنَةٌ». قَالَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ: يُرِيدُ أَنَّ الْخِلافَةَ حَقٌّ، الْخِلافَةُ إِنَّمَا هِيَ لِلَّذِينَ صَدَقُوا هَذَا الاسْمَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَتَمَسَّكُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْدِهِ، فَإِذَا خَالَفُوا السُّنَّةَ، وَبَدَّلُوا السِّيرَةَ، فَهُمْ حِينَئِذٍ مُلُوكٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَسَامِيهِمُ الْخُلَفَاءَ، وَلا بَأْسَ أَنْ يُسَمَّى الْقَائِمُ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْخُلَفَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِبَعْضِ سِيَرِ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ لِقِيَامِهِ بِأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَمْعِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ، وَيُسَمَّى خَلِيفَةٌ، لأَنَّهُ خَلَفَ الْمَاضِي قَبْلَهُ، وَقَامَ مَقَامَهُ، وَلا يُسَمَّى أَحَدٌ خَلِيفَةُ اللَّهِ بَعْدَ آدَمَ وَدَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [الْبَقَرَة: 30]، وَقَالَ: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} [ص: 26].

باب فضائل أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان رضي الله عنه

رُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ، قَالَ: أَنَا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا رَاضٍ بِذَلِكَ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِعُمَرَ: يَا مَلِكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَاكَ تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ؟ أَلَيْسَ تَجِدُونَ النَّبِيَّ، ثُمَّ الْخَلِيفَةَ، ثُمَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ الْمُلُوكَ بَعْدُ؟ قَالَ: بَلَى. وَقَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ، فَقَالَ: وَيْحَك لَقَدْ تَنَاوَلْتَ مُتَنَاوَلا بَعِيدًا إِنَّ أُمِّي سَمَّتْنِي عُمَرَ، فَلَوْ دَعَوْتَنِي بِهَذَا الاسْمِ قَبِلْتُ، ثُمَّ كَبُرْتُ، فَتَكَنَّيْتُ أَبَا حَفْصٍ، فَلَوْ دَعَوْتَنِي بِهِ، قَبِلْتُ، ثُمَّ وَلَّيْتُمُونِي أُمُورَكُمْ، فَسَمَّيْتُمُونِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَوْ دَعَوْتَنِي بِذَلِكَ، كَفَاكَ. بَابُ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكُنْيَةُ عُثْمَانَ أَبُو قُحَافَةَ، وَيُقَالُ: اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَتِيقُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ الْقُرَشِيُّ، مَاتَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ وَأَشْهُرٍ، فِي آخِرِ جُمَادَى الآخِرَةِ، يَوْمَ الاثْنَيْنِ، سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَدُفِنَ مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي بَيْتِهِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التَّوْبَة: 40] ,

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ». 3866 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، نَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَة الأَطْرَابُلُسِيُّ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا، لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا، وَلَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَخِي وَصَاحِبِي، وَلَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلا».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ 3867 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ , أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خله غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اتَّخَذَ صَاحِبَكُمْ خَلِيلا، يَعْنِي نَفْسَهُ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ: «وَلَكِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ صَاحِبَكُمْ خَلِيلا»، أَيْ: جَعَلَهُ مَخْصُوصًا بِالْمَحَبَّةِ، يُقَالُ: دَعَا فُلانٌ فَخَلَّلَ، أَيْ: خَلَّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النِّسَاء: 125]، وَقِيلَ: هُوَ مَنْ تَخَلُّلِ الْمَوَدَّةِ الْقَلْبَ، وَتَمَكُّنِهَا مِنْهُ، وَقِيلَ: الْخَلِيلُ الْفَقِيرُ، وَالْخُلَّةُ الْحَاجَةُ

كَأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فَقْرَهُ وَحَاجَتَهُ إِلا إِلَيْهِ، إِلا أَنَّ الاسْمَ مِنَ الْفَقْرِ الْخَلَّةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَمِنَ الْمَحَبَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ. 3868 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ , نَا عَاصِمُ بْنُ عَاصِمٍ , نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعْتُ، فَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ، قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي، فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، كِلاهُمَا، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ 3869 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: حَدَّثَنَا , عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: " أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أَبُوهَا، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ 3870 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَعْدِلُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ شَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجُشُونِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَجْهُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الشُّيُوخَ وَذَوِي الأَسْنَانِ مِنْهُمُ الَّذِينَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ شَاوَرَهُمْ فِيهِ، وَكَانَ عَلِيٌّ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ السِّنِّ، وَلَمْ يُرِدِ ابْنُ عُمَرَ بِهِ الإِزْرَاءَ بِعَلِيٍّ، وَلا تَأْخِيرَهُ عَنِ الْفَضِيلَةِ بَعْدَ عُثْمَانَ، وَفَضْلُهُ

مَشْهُورٌ لَا يُنْكِرُهُ ابْنُ عُمَرَ، وَلا غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ إِلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَيْهِ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى عُثْمَانَ، وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا قَوْلُكَ فِي التَّفْضِيلِ؟ فَقَالَ: أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، يَقُولُونَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، قِيلَ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ كُوفِيُّ، وَقَدْ ثَبُتَ عَنْ سُفْيَانَ، أَنَّهُ قَالَ: آخِرُ قَوْلِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ 3871 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، أَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، نَا جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ، نَا أَبُو يَعْلَى مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: يَا أَبَتِ " أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ، وَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ: ثُمَّ مَنْ، فَيَقُولُ: كَذَا، فَقُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ، فَقَالَ: مَا أَنَا إِلا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ 3872 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ:

باب في فضائل عمر بن الخطاب بن نفيل أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه

أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ: «أَنْتَ صَاحِبِي فِي الْغَارِ، وَصَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ بَابٌ فِي فَضَائِلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ أَبِي حَفْصٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِيَ عَشْرَ سِنِينَ حَجَّهَا كُلَّهَا، قُتِلَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ. 3873 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنَا خَثْيَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْقَطَّانُ بِالرَّقَّةِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ فِيمَا خَلا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَّةِ نَاسٌ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ، فَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَوْلُهُ: «مُحَدِّثُونَ»، فَالْمُحَدِّثُ الْمُلْهَمُ يُلْقَى الشَّيْءُ فِي رُوعِهِ، يُرِيدُ قَوْمًا يُصِيبُونَ إِذَا ظَنُّوا، فَكَأَنَّهُمْ حَدَّثُوا بِشَيْءٍ فَقَالُوهُ، وَتِلْكَ مَنْزِلَةٌ جَلِيلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الأَوْلِيَاءِ. 3874 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ بِسَامَرَّا، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ، وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةٌ أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فَدَخَلَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ اللاتِي كُنَّ عِنْدِي

فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ، بَادَرْنَ الْحِجَابَ»، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ: أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ». وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو السَّرِيِّ مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبَّاسٍ النَّسَائِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْهَاشِمِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَوْلُهُ: أَتَهِبْنَنِي، مِنْ قَوْلِهِمْ: هِبْتُ الرَّجُلَ إِذَا وَقَّرْتُهُ وَعَظَّمْتُهُ، يُقَالُ: هَبِ النَّاسَ يَهَابُونَكَ، أَيْ وَقِّرْهُمْ يُوَقِّرُونَكَ، وَالْفَجُّ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {سُبُلا فِجَاجًا} [نوح: 20]، أَيْ طُرُقًا وَاسِعَةً.

3875 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، نَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» 3876 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، نَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو عَمْرٍو، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ كُمَّيْ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا فَتَى، ادْعُ لِي بِخَيْرٍ، بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: قُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، أَنْتَ أَحَقُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ لَكَ: نِعْمَ الْغُلامُ، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ»

3877 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شَرِيكٌ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» 3877 - وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ، فَقَالُوا فِيهِ، وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ» 3877 - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «مَا رَأَيْتُ عُمَرَ قَطُّ، إِلا وَكَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ» 3879 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحُنَيْنِيُّ , نَا حَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ مِنْهَالٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجُشُونِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ بِنْتِ مِلْحَانَ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ، فَسَمِعْتُ خَشْفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: بِلالٌ، وَرَأَيْتُ قَصْرًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ،

فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ، قَالَ: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ، فَأَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ "، قَالَ عُمَرُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ الْخَشْفَةُ: أَصْلُهَا الْحَرَكَةُ، وَمَعْنَاهَا هَهُنَا: مَا يُسْمَعُ مِنْ حِسِّ وَقْعِ الْقَدَمِ. 3879 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ، بِسَامَرَّا، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «رَأَيْتُ النَّاسَ فِي الْمَنَامِ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرَ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ»، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: مَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الدِّينُ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ 3880 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ»، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَقِيلٍ 3881 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ الْعَدْلُ، بِمَرْوَ، نَا أَبُو الْمُوَجَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، أَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنٍ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ ينْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَن». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَبْدَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ الْقَلِيبُ: الْبِئْرُ تُحْفَرُ فَيُقْلَبُ تُرَابُهَا قَبْلَ أَنْ تُطْوَى. وَالْغَرْبُ: دَلْوُ السَّانِيَّةَ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْعَبْقَرِيُّ يُوصَفُ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي مَعْنَاهُ. وَالْعَطَنُ: مُنَاخُ الإِبِلِ إِذَا صَدَرَتْ عَنِ الْمَاءِ رِوَاءً. قَوْله: حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ، مَعْنَاهُ حَتَّى رَوَوْا وَأَرْوَوْا إِبِلَهُمْ، فَأَبْرَكُوهَا وَضَرَبُوا لَهَا عَطَنًا. 3882 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ

الزِّيَادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنِّي أَنْزِعُ عَلَى حَوْضٍ أَسْقِي النَّاسَ، فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ الدَّلْوُ مِنْ يَدِي لِيُرِيحَنِي، فَنَزَعَ دَلْوَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، قَالَ: فَأَتَانِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، فَلَمْ يَنْزِعْ رَجُلٌ نَزْعَهُ حَتَّى وَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَنْفَجِرُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ: أَنْزِعُ، أَيْ أَسْتَقِي بِالدَّلْوِ بِالْيَدِ. 3883 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَسْتَقِي جَاءَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِيهِمَا ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، فَنَزَعَ حَتَّى اسْتَحَالَتْ

غَرْبًا فِي يَدِهِ، وَضَرَبَ النَّاسُ بِالْعَطَنِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ» , وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، بِهَذَا الإِسْنَادِ قَوْلُهُ: «ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا»، أَيِ: انْتَقَلَتْ فِي يَدِ عُمَرَ مِنَ الصِّغَرِ إِلَى الْكِبَرِ. وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، فِي رِوَايَتِهِ، «ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا». وَالْغَرْبُ: الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ، فَإِذَا فُتِحَتِ الرَّاءُ فَهُوَ الْمَاءُ السَّائِلُ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْحَوْضِ، وَأَرَادَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا أَخَذَ الدَّلْوَ عَظُمَتْ فِي يَدِهِ. قُلْتُ: قَوْلُهُ: «وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ»، لَمْ يُرِدْ بِهِ نِسْبَةَ التَّقْصِيرِ إِلَى الصِّدِّيقِ فِي الْقِيَامِ بِالأَمْرِ، فَإِنَّهُ جَدَّ بِالأَمْرِ، وَتَحَمَّلَ مِنْ أَعْبَاءِ الْخِلافَةِ مَا كَانَتِ الأُمَّةُ تَعْجَزُ عَنْ تَحَمُّلِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَاشْرَأَبَّ النِّفَاقُ، وَنَزَلَ بِأَبِي مَا لَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ لَهَاضَهَا، قَالَ عُمَرُ فِي أَبِي بَكْرٍ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ، بَلْ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْفُتُوحِ كَانَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ لِقِصَرِ مُدَّةِ أَيَّامِ وِلايَةِ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعِشْ فِي الْخِلافَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَشَيْءٍ، وَامْتَدَّتْ وِلايَةُ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَقِيلَ: الذَّنُوبَانِ إِشَارَةٌ إِلَى خِلافَةِ سَنَتَيْنِ وَأَيَّامٍ، وَالْعَبْقَرِيُّ:

قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ: يُقَالُ: هَذَا عَبْقَرِيُّ قَوْمٍ، كَمَا يُقَالُ: سَيِّدُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ وَقَوِيُّهُمْ، وَالْعَبْقَرِيُّ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرَّحْمَن: 76]، أَيْ: طَنَافِسٌ ثِخَانٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لِلْبُسُطِ كُلِّهَا: عَبْقَرِيٌّ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ»، أَيْ: يَعْمَلُ عَمَلَهُ، وَيُقْوَى قُوَّتَهُ، وَيَقْطَعُ قَطْعَهُ، يُقَالُ: تَرَكْتُهُ يَفْرِي الْفَرِيَّ: إِذَا عَمِلَ عَمَلا فَأَجَادَ وَهَذَا كُلُّهُ إِشَارَةٍ إِلَى مَا أَكْرَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ امْتِدَادِ مُدَّةِ خِلافَتِهِ، ثُمَّ الْقِيَامُ فِيهَا بِإِعْزَازِ الإِسْلامِ، وَحِفْظِ حُدُودِهِ، وَتَقْوِيَةِ أَهْلِهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ. 3885 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، إِمْلاءً، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَابِرٍ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ خَلَفُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّسَفِيُّ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ»، فَأَصْبَحَ عُمَرُ

فَغَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي النَّضْرِ أَبُو عُمَرَ , وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا مَيْمُونُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْحُسَيْنِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «فَغَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ طَاهِرًا» 3887 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الله الصَّالِحِيِّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنَيْبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا حُمَيْدُ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مكرم الْبَغْدَادِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالا: نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: "

وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [الْبَقَرَة: 125]، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ الْحِجَابِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي بَعْضُ مَا آذَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُهُ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ، فَجَعَلْتُ أَسْتَقْرِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لَيُبْدِلَنَّهُ اللَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى زَيْنَبَ، فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ، أمَا كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟، قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التَّحْرِيم: 5]، إِلَى آخِرِ الآيَةِ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ قَوْلُهُ: أَسْتَقْرِيهِنَّ، أَيْ: أَتَتَبَّعُهُنَّ، يُقَالُ: قَرَوْتُ وَاقْتَرَيْتُ وَاسْتَقْرَيْتُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «فَخَرَجَ يَسْتَقْرِي الرِّفَاقَ». 3888 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَحَمَّادٍ، سَمِعَهُمَا يَقُولانِ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: «إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا لِلإِسْلامِ، يَدْخُلُ فِيهِ وَلا يَخْرُجُ مِنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ، انْثَلَمَ مِنَ الْحِصْنِ ثُلْمَةٌ، فَهُوَ يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلا

باب في فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

يَدْخُلُ فِيهِ، وَكَانَ إِذَا سَلَكَ بِنَا طَرِيقًا، وَجَدْنَاهُ سَهْلا، فَإِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ، فَحَيَّ هَلا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، كَانَ فَصْلَ مَا بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَخْدُمُ مِثْلَهُ حَتَّى أَمُوتَ» قَوْلُهُ: فَحَيَّ هَلا بِعُمَرَ، مَعْنَاهَا: هَلُمَّ، أَيْ: فَهَاتِ وَعَجِّلْ بِعُمَرَ، أَيْ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، أَيْ هَلُمُّوا إِلَيْهَا وَأَقْبِلُوا. بَابٌ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا 3889 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا ابْنُ أَبِي مَسَرَّةَ هُوَ أَبُو يَحْيَى، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، حَدَّثَنِي الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: " بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ أَعْيَا، فَرَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الأَرْضِ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي

أُومِنُ بِهِ أَنَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمَا هُمَا ثَمَّ، وَقَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمٍ لَهُ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا، فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا، فَاسْتَنْقَذَهَا، فَقَالَ الذِّئْبُ: فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: أُومِنُ بِهِ أَنَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمَا هُنَا ثَمَّ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 3890 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ أَعْيَا فَرَكِبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الأَرْضِ، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنِّي آمَنْتُ بِهِ، أَنا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَلَيْسَا فِي الْمَجْلِسِ، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: آمَنَّا بِمَا آمَنَ بِهِ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: وَبَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ شَاةً إِذْ عَدَا الذِّئْبُ عَلَيْهَا، فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهُ، فَقَالَ: فَمَنْ لَها يَوْمَ السَّبْعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي آمَنْتُ بِه، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَلَيْسَا فِي الْمَجْلِسِ، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: آمَنَّا بِمَا آمَنَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ فِي قَوْلِهِ: «فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ» بِسُكُونِ الْبَاءِ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، السَّبْعُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي عِنْدَهُ الْمَحْشَرُ، وَالسَّبْعُ الذُّعْرُ أَيْضًا، يُقَالُ: سَبَعْتَ الأَسَدَ، إِذَا ذَعَرْتَهُ، وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَوْمُ الْفَزَعِ. 3891 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، نَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ، فَدَعَوُا اللَّهَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي، قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَةُ عَلَى مَنْكِبِي، يَقُولُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتِ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا

كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُنْتُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ»، فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ 3892 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السِّمْسَارُ، بِبَغْدَادَ، إِمْلاءً، نَا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الدَّهْقَانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُطَارِدِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُنَيْفِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا لَيَرَاهُمْ مَنْ تَحْتَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقٍ مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَاهُ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فَتُضِيءُ الْجَنَّةُ لِوَجْهِهِ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيُّ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ وَأَنْعَمَا» 3893 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْد كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ، نَا عَطِيَّةُ العَوْفِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ عِلِّيِّينَ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ مِنْهُمْ، وَأَنْعَمَا» قَوْلُهُ: «أَهْلُ عِلِّيِّينَ»، أَيِ الَّذِينَ فِي أَعْلَى الأَمْكِنَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18]، قَالَ: عِلِّيُّونَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: تَحْتَ قَائِمَةِ الْعَرْشِ الْيُمْنَى، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ وَاحِدٌ، كَمَا يُقَالُ: لَقِيتُ مِنْهُ الْبُرَحَيْنِ، وَهُوَ وَاحِدٌ يُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ، وَهِيَ الدَّاهِيَةُ. وَقَوْلُهُ: «أَنْعَمَا»، يَعْنِي: زَادَا عَلَى ذَلِكَ، يُقَالُ: قَدْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَأَنْعَمْتَ، أَيْ: زِدْتَ عَلَى الإِحْسَانِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قِيلَ لأَبِي سَعِيدٍ: مَا أَنْعَمَا؟ قَالَ: أَهْلُ ذَاكَ هُمَا، وَقِيلَ: أَنْعَمَا، أَيْ: صَارَا إِلَى النَّعِيمِ،

وَدَخَلا فِيهِ، كَمَا يُقَالُ: أَجْنَبَ الرَّجُلُ: إِذَا دَخَلَ فِي الْجَنُوبِ، وَأَشْمَلَ: إِذَا دَخَلَ فِي الشِّمَالِ. 3895 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي عَزْرَةَ بِالْكُوفَةِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُوسَى الْعَابِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ» 3895 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، أَنَا خَيْثَمَةُ، أَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ». قَالَ أَبُو عِيسَى: كَانَ سُفْيَانُ يُدَلِّسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَرُبَّمَا يَذْكُر:

عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَرُبَّمَا لَمْ يَذْكُرْ: عَنْ زَائِدَةَ 3896 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَأَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ، ابْنَا عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ بْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَاذَوَيْهِ الطُّوسِيُّ، بِهَا قَالا: نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ كَيْسَانَ النَّحْوِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ الأَسَدِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، نَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي مِنْ أَصْحَابِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَوْلُهُ: «اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ»، أَيْ: سِيرُوا بِسِيرَتِهِ. وَأَبُو الزَّعْرَاءِ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَانِئٍ. 3897 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ،

سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ». وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَاحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَقَالَ: «سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ عَوْنُ بْنُ جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ 3898 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، نَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا الْحَكَمُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ ثَابِتٍ , عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ رَأْسَهُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، كَانَا يَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عَطِيَّةَ

باب فضائل عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن عمرو القرشي رضي الله عنه

بَابُ فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُقَالُ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَلِيَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حَجَّهَا كُلَّهَا إِلا سَنَتَيْنِ، قُتِلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ. 3899 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ ابْنَيْ يَسَارٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلا أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ

وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ، فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ، فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ؟ فَقَالَ: «أَلا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلائِكَةُ؟». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ 3900 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فِي مِرْطٍ وَاحِدٍ، قَالَتْ: فَأَذِنَ لَهُ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، وَهُوَ مَعِي فِي الْمِرْطِ، ثُمَّ خَرَجَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، ثُمَّ خَرَجَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ، فَأَصْلَحَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَجَلَسَ وَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَأْذَنَ عَلَيْكَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَضَى إِلَيْكَ حَاجَتَهُ عَلَى حَالِكَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَيْكَ عُمَرُ، فَقَضَى إِلَيْكَ حَاجَتَهُ عَلَى حَالِكَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَيْكَ عُثْمَانُ، فَكَأَنَّكَ تَحَفَّظْتَ؟ فَقَالَ: «

إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ وَلَوْ أَنِّي أَذَنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ خَشِيتُ أَنْ لَا يَقْضِي حَاجَتَهُ». قُلْتُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، فَقَالَ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَعُثْمَانَ جَمِيعًا 3901 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا حَمْدُ بْنُ مُلاعِبٍ الْبَغْدَادِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ صَعِدُوا أُحُدًا، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» , هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ يَحْيَى، وَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ»

3902 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الأَبِيوَرْدِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، أَنَّ أُحُدًا ارْتَجَّ وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اثْبُتْ أُحُدُ، مَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ». وَفِي رِوَايَةِ الرَّمَادِيِّ: إِنَّ حِرَاءَ ارْتَجَّ، وَقَالَ: «اثْبُتْ، مَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ». وَقَالَ غَيْرُ الرَّمَادِيِّ: إِنَّ أُحُدًا ارْتَجَّ، فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحِيحِ. 3903 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّيْمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ

عَاصِمٍ، أَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيقَةِ بَنِي فُلانٍ، وَالْبَابُ عَلَيْنَا مُغْلَقٌ وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ إِذَا اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بن قَيْسٌ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «قُمْ فَافْتَحِ الْبَابَ، وَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ»، فَقُمْتُ، فَفَتَحْتُ لَهُ الْبَابَ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَدَخَلَ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، وَأَغْلَقْتُ الْبَابَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْكُتُ بِذَلِكَ الْعُودِ فِي الأَرْضِ، فَاسْتَفْتَحَ آخَرُ، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ بن اللَّهِ قَيْسُ، قُمْ فَافْتَحِ لَهُ الْبَابَ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»، فَقُمْتُ فَفَتَحْتُ لَهُ الْبَابَ، وَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَدَخَلَ وَسَلَّمَ، وَأَغْلَقْتُ الْبَابَ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْكُتُ بِذَلِكَ الْعُودِ فِي الأَرْضِ إِذِ اسْتُفْتِحَ الْبَابُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بن قَيْسُ، قُمْ فَافْتَحْ لَهُ الْبَابَ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تَكُونُ»، فَقُمْتُ فَفَتَحْتُ لَهُ الْبَابَ، وَإِذَا بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الْمُسْتَعَانُ اللَّهُ، أَوْ عَلَى اللَّهِ التُّكْلانُ، ثُمَّ دَخَلَ فَسَلَّمَ وَقَعَدَ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدِّدٍ، عَنْ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، كِلاهُمَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ: وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودٌ يَضْرِبُ بِهِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ: يَرْكُزُ بِعُودٍ مَعَهُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ. وَرَوَاهُ أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا، وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ بِمَعْنَاهُ 3904 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُلاعِبٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَكْتُومٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا السَّكَنُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْبَزَّارُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ، عَنْ فَرْقَدٍ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَّ عَلَى جَيْشٍ، قَالَ: فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ: عَلَيَّ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ حَضَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُثْمَانُ: عَلَيَّ مِائَةٌ مِنَ

الإِبِلِ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ حَضَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُثْمَانُ: عَلَيَّ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ السَّكَنِ 3905 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ النَّسَائِيُّ صَاحِبُ أَبِي ثَوْرٍ، بِسَامَرَّا، نَا عَفَّانُ، نَا وُهَيْبٌ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِتْنَةَ فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُتَقَنِّعٌ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: «هَذَا يَوْمَئِذٍ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْهُدَى»، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، وَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ، فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: «

باب فضائل علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبي الحسن الهاشمي رضي الله عنه

نَعَمْ»، فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ بَابُ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبِي الْحَسَنِ الْهَاشِمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ فِي رَمَضَانَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ 3906 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ , أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأُعْطِيَنَّ لِهَذِهِ الرَّايَةِ غَدًا رَجُلا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ، غَدَوْا عَلَى

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟» قَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ»، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ قَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَوْلُهُ: «يَدُوكُونَ»، أَيْ: يَخُوضُونَ، يُقَالُ: النَّاسُ فِي دَوْكَةٍ، أَيْ فِي اخْتِلاطٍ وَخَوْضٍ، وَأَصْلُهُ مِنَ الدَّوْكِ، وَهُوَ السَّحْقُ، وَتُسَمَّى صَلابَةُ الطِّيبِ مَدَاكًا، شَبَّهَ الأَمْرَ فِيهِ بِمَنْ دَقَّ شَيْئًا لِيَسْتَخْرِجَ لُبَّهُ وَيَعْلَمَ بَاطِنَهُ، وَأَرَادَ بِحُمْرِ النَّعَمِ: حُمْرَ الإِبِلِ وَهِيَ أَعَزُّهَا وَأَنْفَسُهَا يُرِيدُ: لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ أَجْرًا وَثَوَابًا مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ فَتَتَصَدَّقَ بِهَا.

3907 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ , أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيَّ بَعْدِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ , هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى أَهْلِهِ حَالَةَ غَيْبَتِهِ، كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى أَخَاهُ هَارُونَ حِينَ خَرَجَ إِلَى الطُّورِ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْخِلَافَةُ فِي حَيَاتِهِ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ 3908 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، أَنَا وَكِيعٌ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُكَ إِلا مُنَافِقٌ».

باب ذكر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ 3909 - أَخْبَرَنَا الإمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ , عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسْمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنَّهُ: «لَا يُحِبُّكَ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُكَ إِلا مُنَافِقٌ». صَحِيحٌ بَابُ ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَيُقَالُ: ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ.

باب مناقب أهل الرسول الله صلى الله عليه وسلم

3910 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا»، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ: مَرْضِعًا بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَيْ: رَضَاعًا، وَبِضَمِّ الْمِيمِ، أَيْ: مَنْ يُتِمُّ رَضَاعُهُ، يُقَالُ: امْرَأَةٌ مُرْضِعُ بِلا هَاءٍ، وَمُرْضِعَةٌ إِذَا بَنَيْتَ عَلَى أَرْضَعَتْ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ الرَّسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الْأَحْزَاب: 33]، أَيِ: الشَّكَّ، وَالشِّرْكَ، وَالرّجس: الْعَمَلُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْعَذَابِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ». 3911 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُفَضَّلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، نَا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، نَا أَبِي، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ الْحُجُبِيَّةِ , عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَلَسَ فَأَتَتْ فَاطِمَةُ، فَأَدْخَلَهَا فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ، فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ حَسَنٌ، فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ حُسَيْنٌ، فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الْأَحْزَاب: 33] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ مُصْعَبٍ الْمُرَحَّلُ: الَّذِي فِيهِ خُطُوطٌ شِبْهُ الرِّحَالِ. 3912 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ مكرمٍ، نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ

أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: فِي بَيْتِي أُنْزِلَتْ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الْأَحْزَاب: 33]، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فَاطِمَةَ، وَعَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، فَقَالَ: «هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي»، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ قَالَ: «بَلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ 3913 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْعَدْلُ، نَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْعَبْدِيُّ , أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، نَا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ , قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، يَقُولُ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبُهُ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَوَّلُهُمَا: كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَتَمَسَّكُوا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَخُذُوا بِهِ،

فَحَثَّ عَلَيْهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ "، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، وَرَوَاهُ سَعْدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ وَزَادَ: «وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» قِيلَ: سَمَّاهُما ثَقَلَيْنِ، لأَنَّ الأَخْذَ بِهِمَا، وَالْعَمَلَ بِهِمَا ثَقِيلٌ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} [المزمل: 5]، أَيْ: أَوَامِرَ اللَّهِ، وَفَرَائِضِهِ، وَنَوَاهِيهِ، لَا تُؤَدَّى إِلا بِتَكَلُّفِ مَا يُثْقِلُ، وَقِيلَ: قَوْلا ثَقِيلا، أَيْ: لَهُ وَزْنٌ، وَسُمِّيَ الْجِنُّ وَالإِنْسُ ثَقَلَيْنِ، لأَنَّهُمَا فُضِّلا بِالتَّمْيِيزِ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ وَزْنٌ وَقَدْرٌ يُتَنَافَسُ فِيهِ، فَهُوَ ثَقَلٌ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: أَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ. 3914 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيثٍ، أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَخْبَرَنَا , عَنْ عَطِيَّةَ الْعوفِيِّ،

باب مناقب طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم التيمي أبي محمد رضي الله عنه

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللَّهِ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، أَلا إِنَّهُمَا لَنْ يَفَتَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ". حَسَنٌ غَرِيبٌ بَابُ مَنَاقِبِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ تَيْمٍ التَّيْمِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ. 3915 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ , نَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،

عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: كَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَانِ، فَنَهَضَ إِلَى الصَّخْرَةِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَعَدَ طَلْحَةُ تَحْتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الصَّخْرَةِ، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَوْجَبَ طَلْحَةُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ 3916 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَان الْجَوْهَرِيُّ بِأَنْطَاكِيَةَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَقَدْ قَضَى نَحْبَهُ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا أَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الصَّلْتِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ

باب مناقب الزبير بن العوام أبي عبد الله الأسدي القرشي رضي الله عنه

قَوْلُهُ: «وَقَدْ قَضَى نَحْبَهُ»، أَيْ: بَذَلَ جَهْدَهُ فِي الْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ، فَكَانَ طَلْحَةُ مِمَّنْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الْأَحْزَاب: 23]، أَيْ نَذْرَهُ وَعَهْدَهُ، وَالنَّحْبُ: النَّذْرُ، وَيُقَالُ: الْمَوْتُ، فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الصَّبْرَ عَلَى الْجِهَادِ، فَوَفَّى بِهِ حَتَّى اسْتُشْهِدَ. 3917 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلاءَ، وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَابُ مَنَاقِبِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيِّ الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ.

3918 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو عُبَيْدَةَ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى بِالْكُوفَةِ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْتِي بِخَيْرِ الْقَوْمِ»؟ يَوْمَ الأَحْزَابِ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ»؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيِّ الزُّبَيْرُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَوْلُهُ: «حَوَارِيِّ الزُّبَيْرُ»، فَالْمُرَادُ مِنْهُ: النَّاصِرُ، وَالْحَوَارِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كَانُوا أَنْصَارًا لَهُ، سُمُّوا حَوَارِيِّينَ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَغْسِلُونَ الثِّيَابَ، فَيَحُورُونَهَا، أَيْ: يُبَيِّضُونَهَا. 3919 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ،

باب مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري

أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْتِي بِخَيْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ»؟ فَقُلْتُ: أَنَا أَذْهَبُ، فَلَمَّا جِئْتُ، قَالَ: «فِدَاكَ أُمِّي وَأَبِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْخَلِيلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ بَابُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَبَنُو زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ عَشْرُ سِنِينَ. 3920 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ , نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ،

يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأُحُدٍ إِلا سَعْدًا، فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَسْرَةَ بْنِ صَفْوَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ 3921 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، قَالَتْ: «أَنَا ابْنَةُ الْمُهَاجِرِ الَّذِي فَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ» 3922 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الشَّجَرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ،

عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ اسدد رَمْيَتَهُ، وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ» 3923 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، نَا أَبِي، عَنْ بَيَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: «إِنِّي لأَوَّلُ رَجُلٍ أَهْرَاقَ دَمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنِّي لأَوَّلُ رَجُلٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَغْزُو فِي الْعِصَابَةِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَأْكُلُ إِلا وَرَقَ الشَّجَرِ وَالْحُبْلَةَ حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ أَوِ الْبَعِيرُ، فَأَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي فِي الدِّينِ لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ، عَنْ

خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَوْلُهُ: «إِلا وَرَقَ الشَّجَرِ وَالْحُبْلَةَ»، وَيُرْوَى: «إِلا الْحُبْلَةَ وَوَرَقَ السَّمُرِ»، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُمَا ضَرْبَانِ مِنَ الشَّجَرِ، وَقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: الْحُبْلَةُ ثَمَرُ السَّمُرِ شَبَهُ اللُّوبِيَاءِ، وَقِيلَ الْحُبْلَةُ: ثَمَرُ الْعِضَاهِ. قَوْلُهُ: تُعَزِّرُنِي: أَيْ تُؤَدِّبُنِي، وَمِنْهُ التَّعْزِيرُ وَهُوَ التَّأْدِيبُ عَلَى الرِّيبَةِ، وَالْمَعْنَى تُعَلِّمُنِي الصَّلاةَ وَتُعَيِّرُنِي بِأَنِّي لَا أُحْسِنُهَا، وَقِيلَ: تُعَزِّرُنِي، أَيْ تُوَقِّفُنِي عَلَيْهِ، وَالتَّعْزِيرُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ التَّوْقِيفُ عَلَى الْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ وَالتَّعْزِيرُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتُعَزِّرُوهُ} [الْفَتْح: 9]، أَيْ: تَنْصُرُوهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: تَرُدُّوا عَنْهُ أَعْدَاءَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} [الْمَائِدَة: 12]، أَيْ: نَصَرْتُمُوهُمْ بِأَنْ تَرُدُّوا عَنْهُمْ أَعْدَاءَهُمْ، وَالْعَزْرُ فِي اللُّغَةِ الرَّدُّ، يُقَالُ عَزَّرْتُ فُلانًا أَيْ أَدَّبْتُهُ يَعْنِي فَعَلْتُ بِهِ مَا يَرْدَعُهُ عَنِ الْقَبِيحِ.

باب مناقب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أبي الأعور القرشي العدوي رضي الله عنه

بَابُ مَنَاقِبِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَبِي الأَعْوَرِ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَبِي مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَاتَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْهَا. وَمَنَاقِبِ هَؤُلاءِ التِّسْعَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. 3924 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحُنَيْنِيُّ بِالْكُوفَةِ، نَا الْقَعْنَبِيُّ. ح قَالَ خَيْثَمَةُ: وَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْقَطَّانُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالا: نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَخْرَةٍ هُوَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْدَئِي فَمَا عَلَيْكِ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ

الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَقَالَ: كَانَ عَلَى حِرَاءَ 3925 - حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشُّجَاعِيُّ السَّرَخْسِيُّ، إِمْلَاءً بِمَرْوَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، نَا شَيْخِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَلْخِيُّ، نَا أَبُو رَجَاءٍ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّد الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ الأَصَحُّ , أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ , نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ الْغِفَارِيُّ، أَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا» 3927 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، نَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنِ ابْنِ ظَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَشْرَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْجَنَّةِ: أَنَا فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ سَعِيدٌ، فَقَالُوا لَهُ: مَنِ الْعَاشِرُ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ , وَابْنُ ظَالِمٍ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ظَالِمٍ الْمَازِنِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، أَوْصَى بِحَدِيقَةٍ لأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِيعَتْ بِأَرْبَعِ مِائَةِ أَلْفٍ

باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح وهو عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي، مات في عهد عمر بالشام رضي الله عنه

بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْفهْرِيُّ الْقُرَشِيُّ، مَاتَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بِالشَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. 3928 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، وَسَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالا: نَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ،

عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ 3929 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلا، قَالَ: «لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلا أَمِينَا حَقُّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ 3930 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ الأَنْطَاكِيُّ، أَنَا قُطْبَةُ بْنُ الْعَلاءِ، أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَضُهُمْ زَيْدٌ، وَأَقْرَأُهُمْ أَبِي، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ

باب مناقب أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين

وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مُرْسَلا وَفِيهِ: وَأَقْضَاهُمْ عَلِيٌّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: هَذِهِ أَلْفَاظٌ أُطْلِقَتْ بِحَذْفِ «مِنْ»، يُرِيدُ: مَنْ أَرْحَمُ أُمَّتِي، وَمِنْ أَشَدِّهِمْ، وَمِنْ أَصْدَقِهِمْ، وَمِنْ أَفْرَضِهِمْ، وَأَقْرَئِهِمْ، يُرِيدُ أَنَّ هَؤُلاءِ مِنْ جَمَاعَةٍ فِيهِم تِلْكَ الْفَضَائِلُ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلأَنْصَارِ: «أَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»، أَيْ: مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ طُهْرٌ وَاحِدٌ، يُقَالُ: مَاتَ الْحَسَنُ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ عَشْرُ سِنِينَ، وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ.

3931 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي، فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَقَالَ: «بِأَبِي شَبِيه بِالنَّبِيِّ ... لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيِّ» وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ. قُلْتُ: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَتَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ، فَجَعَلَ يَقُولُ بِقَضِيبِهِ فِي أَنفه، وَيَقُول: مَا رَأَيْت مثل هَذَا حسنا، فَقلت: أما إِنَّه كَانَ مِنْ أَشْبَهِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «الْحَسَنُ أَشْبَهُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ

أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ». 3932 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ 3933 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ الْعَبْدِيُّ، نَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا وَرْقَاءُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ، فَانْصَرَفْتُ مَعَهُ، فَجَاءَ إِلَى فِنَاءِ فَاطِمَةَ، فَنَادَى الْحَسَنَ: «أَيْ لُكَعُ، أَثَمَّ لُكَعُ»، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَانْصَرَفْتُ مَعَهُ، فَجَاءَ إِلَى فِنَاءِ

عَائِشَةَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ظَنَنْتُ أَنَّ أُمَّهُ حَبَسَتْهُ لِتَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ السِّخَابَ، قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ الْتَزَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْتَزَمَ هُوَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبَّهُ»، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ: أَيْ لُكَعُ، سُئِلَ بِلالُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ لُكَعٍ، فَقَالَ: هِيَ فِي لُغَتِنَا: الصَّغِيرُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ إِذَا قَالَ لِلإِنْسَانِ: يَا لُكَعُ، يُرِيدُ يَا صَغِيرًا فِي الْعِلْمِ، فَسَمَّاهُ لُكَعَا لِصِبَاهُ وَصِغَرِهِ، وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ أَسْعَدُ النَّاسِ لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ»، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: اللُّكَعُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْعَبْدُ، قَالَ اللَّيْثُ: لَكَعَ الرَّجُلُ يَلْكَعُ لَكْعًا، فَهُوَ أَلْكَعُ، يُوصَفُ بِالْحُمْقِ، وَالسِّخَابُ: خَيْطٌ يُنْظَمُ فِيهِ الْخَرَزُ، وَيلبس الصِّبْيَانَ، جَمْعُهُ سُخْبٌ، قِيلَ: هُوَ مِنَ الْمُعَاذَاتِ. 3934 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى إِسْرَائِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ صَدَقَةَ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، نَا أَبُو مُوسَى بِهَذَا قِيلَ: السَّيِّدُ: الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ غَضَبُهُ، وَقِيلَ: السَّيِّدُ: الْحَلِيمُ، وَقِيلَ: السَّيِّدُ: الَّذِي يَفُوقُ قَوْمَهُ فِي الْخَيْرِ. قُلْتُ: قَدْ خُرِّجَ مِصْدَاقُ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِتَرْكِهِ الأَمْرَ حِينَ صَارَتِ الْخِلافَةُ إِلَيْهِ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ، وَكَرَاهَةً لإِرَاقَةِ دِمَاءِ أَهْلِ الإِسْلامِ، فَأَصْلَحَ اللَّهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْعَامُ سَنَةَ الْجَمَاعَةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لَمْ يَخْرُجْ بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي تِلْكَ

الْفِتْنَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عَنْ مِلَّةِ الإِسْلامِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ مُسْلِمِينَ مَعَ كَوْنِ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مُصِيبَةً، وَالأُخْرَى مُخْطِئَةً. وَهَكَذَا سَبِيلُ كُلِّ مُتَأَوِّلٍ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ رَأْيٍ وَمَذْهَبٍ إِذَا كَانَ لَهُ فِيمَا يَتَأَوَّلُهُ شُبْهَةٌ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا اتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَنُفُوذِ قَضَاءِ قَاضِيهِمْ، وَاخْتَارَ السَّلَفُ تَرْكَ الْكَلامِ فِي الْفِتْنَةِ الأُولَى، وَقَالُوا: تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّه عَنْهَا أَيْدِيَنَا، فَلا نُلَوِّثُ بِهَا أَلْسِنَتَنَا. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى أَوْلادِهِ يَدْخُلُ وَلَدُ الْوَلَدِ فِيهِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى ابْنَ ابْنَتِهِ ابْنًا. 3935 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْمُحْرِمِ، قَالَ شُعْبَةُ: أَحْسَبُهُ يَقْتُلُ الذُّبَابَ، فَقَالَ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَسْأَلُونَ عَنِ الذُّبَابِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمَا ريحانتاي مِنَ الدُّنْيَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب مناقب جعفر بن أبي طالب أبي عبد الله الهاشمي ذي الجناحين رضي الله عنه

3936 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحُنَيْنِيُّ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ أَبِي نُعْمٍ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ الْكُوفِيُّ الْبَجَلِيُّ، وَيُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ. قُلْتُ: وَيُرْوَى عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِيهِ بِإِسْنَادِهِ، وَزَادَ: «إِلا ابْنَيِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلامُ» بَابُ مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيِّ ذِي الْجَنَاحَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ. 3937 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ، كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: لَا نُقِرُّ بِهَذَا، لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: «امْحُ رَسُولَ اللَّهِ»، قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ، فَكَتَبَ: «هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يُدْخِلَ

مَكَّةَ السِّلاحَ إِلا السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَلا يُخْرِجَ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَلا يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا»، فَلَمَّا دَخَلَ وَمَضَى الأَجَلُ، أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمُّ، يَا عَمُّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: «دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ حَمَلْتُهَا»، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا، وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ»، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ»، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي»، وَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا»، قَالَ عَلِيٌّ: أَلا تَتَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ، قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

إِنَّمَا قَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَمْزَةَ، وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ لِعَلِيٍّ: «امْحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لَا أَمْحَاهُ أَبَدًا، قَالَ: «فَأَرِنِيهِ»، فَأَرَاهُ إِيَّاهُ، فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ. وَفِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللَّهِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ "، فَكَتَبَ 3938 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمقري، نَا جُبَارَةُ بْنُ مُغَلِّسٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُرِيتُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي الْجَنَّةِ مَلَكًا ذَا جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ فِيهَا حَيْثُ شَاءَ مُضَرَّجَةٌ قَوَادِمُهُ بِالدِّمَاءِ». وَصَحَّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ

باب مناقب زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى وابنه أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم

بَابُ مَنَاقِبِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ شُرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَابْنِهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِبِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ كَلْبٍ مِنَ الْيَمَنِ. 3939 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمْرَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، كُلٌّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَرَوَاهُ سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَزَادَ: «وَأُوصِيكُمْ بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ» 3940 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، نَا أَبُو عُثْمَانَ يَعْنِي النَّهْدِيَّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ، فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا، فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى مُحَمَّدَ بْنَ أُسَامَةَ، فَقَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ رَأَى حَجَّاجَ بْنَ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ، فَقَالَ: لَوْ رَأَى هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّهُ، فَذَكَرَ حُبَّهُ وَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّ أَيْمَنُ، وَأَيْمَنُ أَخُو أُسَامَةَ لأُمِّهِ 3941 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ،

باب مناقب عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبي العباس رضي الله عنه

أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ، يَقُولُ: «غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ، وَقَالَ فِيهِمَا: سَبْعُ غَزَوَاتٍ بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبِي الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ، يُرِيدُ الْمُفَضَّلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وُلِدَ قَبْلَ

الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ عَامَ الشِّعْبِ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ سَنَةً. 3942 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا وَرْقَاءُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْخَلاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، قَالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا»؟ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ،

باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب أبي عبد الرحمن القرشي العدوي رضي الله عنه

عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ الْيَشْكُرِيِّ 3943 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَالُوا لِعُمَرَ: أَلا تَدْعُو أَبْنَاءَنَا كَمَا تَدْعُو ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: ذَاكُمْ فَتَى الْكُهُولِ إِنَّ لَهُ لِسَانًا سَئُولا، وَقَلْبًا عَقُولا بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ 3944 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَلَّى بْنُ

باب مناقب عبد الله بن مسعود أبي عبد الرحمن الهذلي رضي الله عنه.

أَسَدٍ، نَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ لَا أَهْوِي بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ إِلا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ، أَوْ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ، أَيْ: شُقَّةٌ مِنْهَا وَهِيَ اسْمٌ لِلأَبْيَضِ، وَقِيلَ: هِيَ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ وَأَصْلُهَا سره يَعْنِي الْجِيدَ. بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهُذَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. مَاتَ قَبْلَ عُثْمَانَ. 3945 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَكُمُ الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقًا، قَالَ: سَمِعْتُ

حُذَيْفَةَ، يَقُولُ: «إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلا، وَسَمْتًا، وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابْنُ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ إِذَا خَلا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالدَّلُّ والسمت وَالْهَدْيُ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَهُوَ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَحُسْنُ الْهَيْئَةِ، وَالْمَنْظَرِ، يُرِيدُ شَمَائِلَهُ فِي الْحَرَكَةِ وَالْمَشْيِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الدِّينِ، لَا فِي الزِّينَةِ وَالْجَمَالِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْهَدْيُ الصَّالِحُ، وَالسَّمْتُ الصَّالِحُ، وَالاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»، وَأَصْلُ السَّمْتِ: الطَّرِيقُ، يُقَالُ: الْزَمْ هَذَا السَّمْتَ، وَيُقَالُ: فُلانٌ حَسَنُ السَّمْتِ، أَيْ: حَسَنُ الْقَصْدِ. 3948 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، يَقُولُ: «قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ

الْيَمَنِ، فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نَرَى إِلا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ 3947 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لأَمَّرْتُ عَلَيْهِمُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ». هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَلِيٍّ 3948 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي الأَعْمَشَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ

مَسْرُوقًا، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقًا»، وَقَالَ: " اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ 3949 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: " قَدِمْتُ الشَّامَ، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَتَيْتُ قَوْمًا،

فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ، قُلْتُ: إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَيَسَّرَكَ لِي، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ، أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرَ وَالأُنْثَى، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ يَعْنِي حُذَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى،

باب مناقب بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قَالَ: «أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ؟ يَعْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ، يَعْنِي عَمَّارًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَرَادَ بِصَاحِبِ السِّرِّ حُذَيْفَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيْهِ أَسْمَاءَ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ: خَطَبَنَا عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ، قَالَ شَقِيقٌ: فَمَا سَمِعْتُ رَادًّا يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ. بَابُ مَنَاقِبِ بِلالِ بْنِ رَبَاحٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ خَشْفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: بِلالٌ ".

باب مناقب عمار بن ياسر أبي اليقظان مولى بني مخزوم رضي الله عنه، قتل يوم صفين

وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ عُمَرُ، يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلالا. 3950 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، نَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ امْرَأَةَ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي، فَإِذَا بِلالٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَابُ مَنَاقِبِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَبِي الْيَقْظَانِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُتِلَ يَوْمَ صِفِّينَ 3951 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ،

نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ الْغِفَارِيُّ، أَنَا قُبَيْصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَمَّارٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ: الطَّاهِرِ. 3952 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ: «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ

باب مناقب خديجة بنت خويلد بن أسد رضي الله عنها تكنى أم هند

عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ أَخُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بَابُ مَنَاقِبِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُكْنَى أُمَّ هِنْدٍ ، قَالَ عُرْوَةُ: تُوُفِّيَتْ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلاةِ. 3953 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ، فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبٌ فِيهِ وَلا نَصَبٌ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ وَأَرَادَ بِالْبَيْتِ: الْقَصْرَ، يُقَالُ: هَذَا بَيْتُ فُلانٍ، أَيْ: قَصْرُهُ، وَبَيْتُ الرَّجُلِ: قَصْرُهُ، قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ: الْقَصَبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لُؤْلُؤٌ مُجَوَّفٌ وَاسِعٌ، كَالْقَصْرِ الْمَنِيفِ، وَالصَّخَبُ: اخْتِلاطُ الأَصْوَاتِ، وَالنَّصَبُ وَالنُّصْبُ: التَّعَبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41]، فَنَفَى عَنْهُ النَّصَبَ وَالصَّخَبَ، لأَنَّهُ مَا مِنْ بَيْتٍ فِي الدُّنْيَا يَسْكُنُهُ قَوْمٌ، إِلا كَانَ بَيْنَ أَهْلِهِ صَخَبٌ وَجَلَبَةٌ، وَإِلا كَانَ فِي بِنَائِهِ وَإِصْلاحِهِ نَصَبٌ وَتَعَبٌ، فَأَخْبَرَ أَنَّ قُصُورَ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الآفَاتِ. 3954 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، نَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ

أَبِي أُسَامَةَ، وَوَكِيعٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَقَالَ: وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ 3955 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ " 3956 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، وَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ

باب مناقب فاطمة الزهراء رضي الله عنها

إِلا خَدِيجَةَ، فَيَقُولُ: «إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بَابُ مَنَاقِبِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُوُفِّيَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَدُفِنَتْ لَيْلا. 3957 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

3958 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ بَنِي هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِلا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي، وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْقُرَشِيُّ التَّمِيمِيُّ، وَقَالَ: «يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا» قَالَ الْفَرَّاءُ: رَابَ وَأَرَابَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَيُقَالُ: أَرَابَنِي أَيْ شَكَّكَنِي وَأَوْهَمَنِي، فَإِذَا اسْتَيْقَنْتُهُ، قُلْتُ: رَابَنِي. 3959 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ

مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ تَمْتَامٌ الضِّبِّيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَبِي ذَكَرَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فَاطِمَةَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ، فَضَحِكَتْ، فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: «دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي مَرَضِهِ هَذَا، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ دَعَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ أَهْلِهِ فَضَحِكْتُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ 3960 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، نَا فِرَاسٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ

جَمِيعًا لَمْ نُغَادِرْ مِنَّا وَاحِدَةً، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي لَا وَاللَّهَ مَا يَخْفَى مشيتهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ، قَالَ: مَرْحَبًا يَا بِنْتِي، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا: أَنَا مِنْ نِسَائِهِ، خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لَمَا أَخْبَرْتِينِي، قَالَتْ: أَمَّا الآنَ، فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: " أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأَمْرِ الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلا أَرَى الأَجَلَ إِلا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: يَا فَاطِمَةُ، أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ ".

باب مناقب عائشة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين رضي الله عنها

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ , قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا زَكَرِيَّا , عَنْ فِرَاسٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ»، فَضَحِكَتْ لِذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، وَقَالَ: «أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ» بَابُ مَنَاقِبِ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُكْنَى أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ. 3961 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشُ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ»، قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لَا أَرَى.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ 3962 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ 3963 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو

الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الأَنْصَارِيُّ أَبُو طُوَالَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ عَائِشَة عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ»، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عِيسَى: «عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ 3964 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اجْتَمَعَتْ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلْنَ فَاطِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ لَهَا: قُولِي لَهُ: إِنَّ نِسَاءَكَ قَدِ اجْتَمَعْنَ، وَهُنَّ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا،

فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ نِسَاءَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ، وَهُنَّ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْل فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُحِبِّينَنِي؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَحِبِّيهَا»، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِنَّ، فَأَخْبَرْتُهُنَّ بِمَا قَالَ لَهَا، فَقُلْنَ: إِنَّكِ لَمْ تَصْنَعِي شَيْئًا، فَارْجِعِي إِلَيْهِ، قَالَتْ فَاطَمَةُ: وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبَدًا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَتِ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ وَهُنَّ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَشَتَمَتْنِي، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أُرَاقِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْظُرُ طَرْفَه هَلْ يَأْذَنُ لِي فِي أَنْ أَنْتَصِرَ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا فَاسْتَقْبَلُتَها، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ أَفْحَمْتُهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا وَأَكْثَرَ صَدَقَةً وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَشَدَّ ابْتِذَالا بِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ غَرْبِ حِدَّةٍ كَانَ فِيهَا يُوشِكُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ.

باب

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ وَقَوْلُهَا: «مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ غَرْبِ»، أَيْ مَا خَلا ثَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ وَالْغَرْبُ: الْحِدَّةُ، يُقَالُ: فِي فُلانٍ غَرْبٌ، أَيْ حِدَّةٍ، يُقَالُ لِلْمُعَرْبِدِ: سَوَّارٌ، لأَنَّهُ يَثُورُ إِلَى النَّاسِ وَيُؤْذِيهِمْ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ قَطُّ، فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلا وَجَدْنَا عِنْدَهَا فِيهِ عِلْمًا. وَقَالَ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ. بَابٌ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الْأَحْزَاب: 32]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا

مِنْكُنَّ} [التَّحْرِيم: 5]، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنْ نِسَائِهِ، وَلَكِنْ إِذَا عَصَيْنَهُ فَطَلَّقَهُنَّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَمَنْ سِوَاهُنَّ خَيْرٌ مِنْهُنَّ. 3965 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ قَالَ: يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ قَوْلُهُ: أَحْنَاهُ، مِنَ الْحُنُوِّ وَهُوَ الْعَطْفُ وَالشَّفَقَةُ، وَأَرْعَاهُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مِنَ الإِرْعَاءِ وَهُوَ الإِبْقَاءُ، يُقَالُ: رَعَاهُ يَرْعَاهُ رَعْيًا مِنَ الرِّعَايَةِ، وَأَرْعَى عَلَيْهِ، أَيْ: أَبْقَى، إِرْعَاءً، يَقُولُ: أَحْفَظُ لِمَالِهِ وَأَبْقَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب فضل الأنصار رضي الله عنهم

بَابُ فَضْلِ الأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الْحَشْر: 9]، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التَّوْبَة: 100]، أَيْ: بِاسْتِقَامَةٍ وَسُلُوكٍ لِلطَّرِيقِ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ. 3966 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَفَدَةُ الْعَطَّارِيُّ أَدَامَ اللَّهُ ظِلَّهُ، نَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ أَحْمَدَ الْمَلِيحي أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى،

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ 3967 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الأَنْصَارِ: «لَا يُحِبُّكُمْ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُكُمْ إِلا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ، أَبْغَضَهُ اللَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ 3968 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا الْمُبَارَكُ هُوَ ابْنُ فُضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ، وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ، وَلأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ». أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ

3969 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا. ، فَأَجَابَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَيْشَ إِلا عَيْشَ الآخِرَهْ فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ 3970 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلا الْهِجْرَةَ، لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا

وَادِيًا وَشِعْبًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 3971 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ عُذَافِرٍ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبَنَّانِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَنْصَارُ عَيْبَتِي الَّتِي أَوَيْتُ إِلَيْهَا، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَدَّوُا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ». أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ 3972 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَإِنَّ النَّاسَ سَيُكْثِرُونَ وَيقلّون، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَقَوْلُهُ: «كَرِشِي»، أَيْ: جَمَاعَتِي وَصَحَابَتِي الَّذِينَ أَثِقُ بِهِمْ وَأَعْتَمِدُهُمْ فِي أُمُورِي، وَالْكَرِشُ: الْجَمَاعَةُ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَرِشُ: عِيَالُ الرَّجُلِ وَأَهْلُهُ، وَقِيلَ: كَرِشِي، أَيْ: بِطَانَتِي وَضَرْبُ الْمَثَلِ بِالْكَرِشِ، لأَنَّهُ مُسْتَقَرُّ غِذَاءِ الْحَيَوَانِ الَّذِي بِهِ يَكُونُ بَقَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ: «عَيْبَتِي»، أَيْ: خَاصَّتِي وَمَوْضِعُ سِرِّي، كَمَا أَنَّ عَيْبَةَ الرَّجُلِ مَوْضِعٌ لِحُرِّ مَتَاعِهِ وَثِيَابِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ «بَيْنَنَا عَيْبَةٌ مَكْفُوفَةٌ»، أَيْ: صَدْرٌ نَقِيٌّ مِنَ الْغِلِّ، وَالْعَرَبُ تُكَنِّي عَنِ الْقَلْبِ وَالصَّدْرِ بِالْعَيْبَةِ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ»، يَعْنِي هُمُ الْبِطَانَةُ وَالْخَاصَّةُ، فَإِنَّ الشِّعَارَ اسْمٌ لِلثَّوْبِ الَّذِي يَلِي الْجَسَدَ. 3973 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامٍ، سَمِعْتُ

أَنَسًا، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلأَنْصَارِ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، وَمَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الأَثَرَةُ: اسْمٌ مِنْ آثَرَ يُؤْثِرُ إِيثَارًا، يُرِيدُ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْكُمْ، فَيُفَضِّلُ غَيْرُكُمْ نَفْسَهُ عَلَيْكُمْ. 3974 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَ هَوَازِنَ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: يَغْفِرِ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ يُعْطِي قُرَيْشًا، وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مَنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدَعْ مَعَهُمْ أَحَدًا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا

جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ»، فَقَالَ الأَنْصَارُ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَالُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أُعْطِي رِجَالا حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ»، أَوْ قَالَ: «أَسْتَأْلِفُهُمْ، أَفَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ»، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ»، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَعَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، كُلٌّ عَنِ الزُّهْرِيِّ

3975 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: اجْتَمَعَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالُوا: يُؤْثِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَهُمْ ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ تَكُونُوا أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، قَالَ: «أَلَمْ تَكُونُوا ضُلَّالا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ؟»، قَالُوا: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: «أَلَمْ تَكُونُوا فُقَرَاءَ، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، قَالُوا: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: " أَلا تُجِيبُونِي، أَلا تَقُولُونَ: أَتَيْتَنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَأَتَيْتَنَا خَائِفًا فَأَمَّنَّاكَ، أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُدْخِلُونَهُ دُورَكُمْ، لَوْ أَنَّكُمْ سَلَكْتُمْ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، وَسَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَكُمْ أَوْ شِعْبَكُمْ، وَلَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي ".

أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَوْلُهُ: «لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ»، لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الانْتِقَالُ عَنِ النَّسَبِ الْوِلادِيِّ، لأَنَّهُ حَرَامٌ، مَعَ أَنَّ نَسَبَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَفْضَلُ الأَنْسَابِ وَأَكْرَمُهَا، إِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ النَّسَبُ الْبِلادِيُّ، مَعْنَاهُ: لَوْلا أَنَّ الْهِجْرَةَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ كَانَتْ بِسَبَبِ الدِّينِ، وَنِسْبَتُهَا دِينِيَّةٌ لَا يَسَعُنِي تَرْكُهَا، لأَنَّهَا عُبَادَةٌ كُنْتُ مَأْمُورًا بِهَا، لانْتَسَبْتُ إِلَى دَارِكُمْ، وَلانْتَقَلْتُ عَنْ هَذَا الاسْمِ إِلَيْكُمْ. وَقَوْلُهُ: «لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ»، أَرَادَ: أَنَّ أَرْضَ الْحِجَازِ كَثِيرَةُ الأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، إِذَا ضَاقَ الطَّرِيقُ عَنِ الْجَمِيعِ، فَسَلَكَ رَئِيسٌ شِعْبًا اتَّبَعَهُ قَوْمُهُ حَتَّى يُفْضُوا إِلَى الْجَادَّةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَرَادَ بِالْوَادِي: الرَّأْيَ وَالْمَذْهَبَ، كَمَا يُقَالُ: فُلانٌ فِي وَادٍ، وَأَنَا فِي وَادٍ، هَذَا مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. 3976 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَذَكَرَ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالُوا: يُعْطِي غَنَائِمَنَا قَوْمًا تَقْطُرُ مِنْ سُيُوفِنَا دِمَاؤُهُمْ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَجَمَعَ

الأَنْصَارَ، فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ غَيْرُكُمْ؟» قَالُوا: لَا، غَيْرَ ابْنِ أُخْتِنَا هَذَا، قَالَ: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، أَوْ بِالشَّاءِ وَالإِبِلِ، وَتَذْهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ إِلَى دِيَارِكُمْ؟»، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَخَذَ النَّاسُ وَادِيًا، وَأَخَذَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَلَوْلا الْهِجْرَةُ، لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 3976 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا غَاضِبًا، فَتَلَقَّاهُ ذَرَارِيُّ الأَنْصَارِ وَخَدَمُهُمْ، قَالَ: مَا هُمْ بِوُجُوهِ الأَنْصَارِ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَإِنِّي لأُحِبُّكُمْ»، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الأَنْصَارَ قَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي عَلَيْكُمْ، فَأَحْسِنُوا إِلَى مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3976 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ، نَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّاسَ يكثرونَ، وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا، وَيَنْفَعُ فِيهِ الآخَرِينَ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ، فَكَانَ آخِرُ مَجْلِسٍ جَلَسَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ، أَيْ: بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، وَالْعِصَابَةُ: الْعِمَامَةُ، وَالدَّسْمَاءُ: السَّوْدَاءُ، رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، رَأَى صَبِيًّا تَأْخُذُهُ الْعَيْنُ، فَقَالَ: دَسِّمُوا نُونَتَهُ، النُّونَةُ: النَّقْرَةُ فِي الذَّقَنِ. 3976 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ

باب مناقب سعد بن معاذ الأنصاري أبي عمرو

بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟»، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دَارِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَنَسٍ أَرَادَ بِالدُّورِ: الْقَبَائِلَ الَّتِي يَسْكُنُونَ الدُّورَ، وَالدُّورُ: هِيَ الْمَحَالُ الَّتِي فِيهَا الدُّورُ. بَابُ مَنَاقِبِ سعد بْنِ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيِّ أَبِي عَمْرٍو مَاتَ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنَا أَبُو

سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدِ اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُسَاوِرٍ خَتَنِ أَبِي عَوَانَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ الأَوْدِيِّ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ وَعَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ , عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» قَوْلُهُ: «اهْتَزَّ»، أَيِ: ارْتَاحَ بِرَوْحِهِ حِينَ صُعِدَ بِهِ، قِيلَ: أَرَادَ بِالاهْتِزَازِ السُّرُورَ وَالاسْتِبْشَارَ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ فَرِحُوا بِقُدُومِ رَوْحِهِ، فَأَقَامَ الْعَرْشَ مَقَامَ مَنْ حَمَلَهُ، كَقَوْلِهِ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»، أَيْ: أَهْلُهُ. قُلْتُ: وَالأَوْلَى إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»، وَلا يُنْكَرُ اهْتِزَازُ مَا لَا رَوْحَ فِيهِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ، كَمَا اهْتَزَّ أُحُدٌ وَعَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ،

وَعُثْمَانُ، وَكَمَا اضْطَرَبَتِ الأُسْطُوَانَةُ عَلَى مُفَارَقَتِهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ حَرِيرٍ، فَجَعَلْنَا نَلْمَسُهُ، وَنَتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا»، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا»، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا ضُرِبَ الْمَثَلُ بِالْمَنَادِيلِ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَةِ اللِّبَاسِ، بَلْ هِيَ تُبْتَذَلُ فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَرَافِقِ، فَتُمْسَحُ بِهَا الأَيْدِي، وَيُنْفَضُ بِهَا الْغُبَارُ عَنِ الْبَدَنِ، وَيُغَطَّى بِهَا مَا يُهْدَى فِي الأَطْبَاقِ، وَتُتَّخَذُ لِفَافًا لِلثِّيَابِ، فَصَارَ سَبِيلُهَا سَبِيلَ الْخَادِمِ، وَسَبِيلُ سَائِرِ الثِّيَابِ سَبِيلَ الْمَخْدُومِ،

باب مناقب أبي بن كعب أبي المنذر الأنصاري الخزرجي

أَيْ: فَإِذَا كَانَتْ مَنَادِيلُهُ، وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ عِلْيَةِ الثِّيَابِ هَكَذَا، فَمَا ظَنُّكَ بِعِلْيَتِهَا؟. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، نَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ جِنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا أَخَفُّ جِنَازَتِهِ، وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي قُرَيْظَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ». هَذَا مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى، عَن عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ بَابُ مَنَاقِبِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَبِي الْمُنْذِرِ الأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ». أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ

بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " لَمْ يَخْتِمِ الْقُرْآنَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلا أَرْبَعَةً: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ. وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَاتَ أَبُو زَيْدٍ وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا، وَكَانَ بَدْرِيًّا». وَرَوَاهُ ثَابِتٌ، وَثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ أَبِي زَيْدٍ هَذَا , قِيلَ: اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَيُقَالُ: ابْنُ شَهِيدِ بْنِ النُّعْمَانِ الْخَزْرَجِيُّ، وَقِيلَ: مِنَ الأَوْسِ وَابْنُهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَالِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى الشَّامِ، وَيُقَالُ: اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ السُّكَيْنِ الْخَزْرَجِيُّ، وَيُقَالُ: ثَابِتُ بْنُ زَيْدٍ، وَالأَوَّلُ

أَصَحُّ، اسْتُشْهِدَ بِالْقَادِسِيَّةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا أُبَيًّا، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ»، قَالَ: «اللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟» قَالَ: «اللَّهُ سَمَّاكَ لِي»، فَجَعَلَ يَبْكِي، قَالَ قَتَادَةُ: وَنُبِّئْتُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الْبَيِّنَة: 1]. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ حَسَّانٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، كِلاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَأَبَانُ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ»،

باب مناقب خزيمة بن ثابت رضي الله عنه

قَالَ أُبَيّ: أَوْ سَمَّانِي؟ قَالَ: «وَسَمَّاكَ لِي»، قَالَ فَبَكَى أُبَيٌّ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قِيلَ: أَرَادَ أَنْ يَحْفَظَهُ أُبَيٌّ، كَانَ أُبَيٌّ مُقَدَّمًا عَلَى قُرَّاءِ الصَّحَابَةِ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ». بَابُ مَنَاقِبِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَمَّا كَتَبْنَا الْمَصَاحِفَ، فَقَدْتُ آيَةً كُنْتُ أَسْمَعُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهَا عِنْدَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ حَتَّى تَبْدِيلا} [الْأَحْزَاب: 23]، قَالَ: فَكَانَ هُوَ ثَمَّةَ يُدْعَى ذَا الشَّهَادَتَيْنِ، «أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ»، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ

باب مناقب أسيد بن حضير الأنصاري أبي يحيى الأشهلي وعباد بن بشر الأنصاري الحارثي رضي الله عنهما

الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَوْ قَتَادَةَ أَوْ كِلاهُمَا: إِنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ يَتَقَاضَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ قَضَيْتُكَ»، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: بَيِّنَتُكَ؟ فَجَاءَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَقَالَ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ قَضَاكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُدْرِيكَ؟» قَالَ: إِنِّي أُصَدِّقُكَ بِأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ بِخَبرِ السَّمَاءِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ بَابُ مَنَاقِبِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ الأَنْصَارِيِّ أَبِي يَحْيَى الأَشْهَلِيِّ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ الأَنْصَارِيِّ الْحَارِثِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَاتَ أُسَيْدٌ فِي عَهْدِ عُمَرَ. حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَأْمُونٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الآدَمِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحَارِثِيُّ، نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، نَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، نَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا

مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيَهُمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ: «كَانَا أُسَيْدًا وَعَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ , «أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ الأَنْصَارِيَّ، وَرَجُلا آخَرَ مِنَ الأَنْصَارِ، تَحَدَّثَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ لَهُمَا حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ فِي لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الظَّلْمَاءِ، ثُمَّ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقَلِبَانِ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدُهُمَا لَهُمَا، حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا حَتَّى إِذَا افْتَرَقَتْ بِهِمَا الطَّرِيقُ، أَضَاءَتْ لِلآخَرِ عَصَاهُ، فَمَشَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ حَتَّى بَلَغَ أَهْلَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب مناقب أنس بن مالك الأنصاري أبي حمزة النجاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم

بَابُ مَنَاقِبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ أَبِي حَمْزَةَ النَّجَّارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا، آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ إِلا سَنَةً، وَيُقَالُ: ابْنُ مِائَةٍ وَثَلاثِ سِنِينَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسٌ خَادِمُكَ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ،

باب مناقب عبد الله بن سلام بن الحارث الخزرجي أبي يوسف رضي الله عنه

أَيْضًا وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَقَالَ: قَالَ أَنَسٌ: إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادَوْنَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ، وَرُوِيَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: فَأَكْثَرَ اللَّهُ مَالِي حَتَّى إِنَّ كَرْمًا يَحْمِلُ مَرَّتَيْنِ بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِيِّ أَبِي يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُؤْيَا رَآهَا: «فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى تَمُوتَ». أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِلا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ»، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ

باب مناقب البراء بن مالك رضي الله عنه

عَلَى مِثْلِهِ} [الْأَحْقَاف: 10]، قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ مَالِكٌ الآيَةَ أَوْ فِي الْحَدِيثِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ عَلِمَ سَعْدٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ لَهُ الْجَنَّةَ مَعَ التِّسْعَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ هُوَ عَاشِرُهُمْ، وَلَكِنَّهُ كَرِهَ التَّزْكِيَةَ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ مَا رَآهُ لأَخِيهِ بَابُ مَنَاقِبِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا مَرْوَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

باب فضل فقراء المهاجرين

بَابُ فَضْلِ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ أَنا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ بَشِيرٍ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: جَلَسْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ، وَقَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا، إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ الْقَارِئُ، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ قَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا، فَكُنَّا نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أَمَرَنِي أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ». قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ وَسَطَنَا لِيَعْدِلَ نَفْسَهُ فِينَا، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَتَحَلَّقُوا وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ لَهُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ صَعَالِيكِ

باب فضل من شهد بدرا والحديبية

الْمُهَاجِرِينَ بِالْفَوْزِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنَصْفَ يَوْمٍ، وَذَلِكَ مِقْدَارُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ». وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ , نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا عُمَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، نَا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ الْقُرْدُوسِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ بَابُ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ حُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الْأَنْفَال: 68]، لأَهْلِ بَدْرٍ مِنَ السَّعَادَةِ: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا

أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الْأَنْفَال: 68]. 3993 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟» قَالَ: «مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ»، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ: «وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلائِكَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 3994 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَرْجُو أَلا يَدْخُلَ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا أَوِ الْحُدَيْبِيَةَ»،

قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مَرْيَم: 71]، قَالَ: " فَكَمْ تَسْمَعِينَهُ يَقُولُ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مَرْيَم: 72] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ قُلْتُ: قَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مَرْيَم: 71] الْوُرُودُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مُوَافَاةُ الْمَكَانِ قَبْلَ دُخُولِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 101]، وَقَدْ يَكُونَ الْوُرُودُ دُخُولا، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مَرْيَم: 71]، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَالُوا: النَّارُ يَدْخُلُهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّ النَّجَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ، وَأَيْضًا قَالَ: {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مَرْيَم: 72]، هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ دَاخِلُوهَا، فَأَخْرَجَ اللَّهُ الْبَعْضَ، وَتَرَكَ الْبَعْضَ. 3995 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ

باب ذكر ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه

بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، وَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ»، قَالَ جَابِرٌ: لَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ لأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ، وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بَابُ ذِكْرِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 3996 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَا ابْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ،

باب ذكر جليبيب رضي الله عنه

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأَتَاهُ، فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: " اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنِسَ بَابُ ذِكْرِ جُلَيْبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 3997 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجْلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنَ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ امْرَأً يَدْخُلُ عَلَى

النِّسَاءِ يَمُرُّ بِهِنَّ، وَيُلاعِبُهُنَّ، فَقُلْتُ لامْرَأَتِي لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ جُلَيْبِيبٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَدْخُلْ عَلَيْكُنَّ لأَفْعَلَنَّ وَلأَفْعَلَنَّ. قَالَ: وَكَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا كَانَ لأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ، لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يُعْلِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَهُ فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا؟ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ذَاتَ يَوْمٍ: «زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ». قَالَ: نَعَمْ، وَكَرَامَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَنِعْمَةَ عَيْنٍ. قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي». قَالَ: فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِجُلَيْبِيبٍ»، قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُشَاوِرُ أُمَّهَا. فَأَتَى أُمَّهَا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ وَنِعْمَةَ عَيْنٍ. فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ. فَقَالَتْ: أَلِجُلَيْبِيبٍ إِنِيهِ. ثَلاثًا، لَعَمْرُ اللَّهِ لَا نُزَوِّجُهُ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِيَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَت أُمُّهَا، قَالَت الْجَارِيَةُ: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ؟ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا، فَقَالَتْ: أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ، ادْفَعُونِي، فَإِنَّهُ لَنْ يُضَيِّعَنِي. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: شَأْنُكَ بِهَا. فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا، وَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: «

باب مناقب سلمان الفارسي أبي عبد الله الخير رضي الله عنه

هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَفْقِدُ فُلانًا وَنَفْقِدُ فُلانًا. قَالَ: «انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى». قَالَ: فَطَلَبُوهُ، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ»، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَاعِدِهِ وَحَفَرَ لَهُ، مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلا سَاعِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ، فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ إِلَى آخِرِهِ بَابُ مَنَاقِبِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 3998 - أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَلَّمُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَعَلِيُّ بْنُ طَيْفُورٍ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ , قَالُوا:

نَا قُتَيْبَةُ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الْجُمُعَة: 3]، قَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، قَالَ: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: «لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ 3999 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ الْجُزُرِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَذَهَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، أَوْ قَالَ: رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ

فَارِسَ حَتَّى يَتَنَاوَلُوهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 4000 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْكُوفَانِيُّ , أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ، أَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّيَّاشُ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، نَا ابْنُ وَهْبٍ، نَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [مُحَمَّد: 38]، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ إِنْ تَوَلَّيْنَا اسْتُبْدِلُوا بِنَا ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَنَا؟ فَضَرَبَ عَلَى فَخِذِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وَقَوْمُهُ، وَلَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنَ الْفُرْسِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ

باب ذكر أهل اليمن وذكر أويس القرني رضي الله عنه

بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَذِكْرِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 4001 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ: «الْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ»، أَرَادَ بِهَا الْفِقْهَ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الْبَقَرَة: 129]، وَيُرْوَى، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ لإِسْرَاعِهِمْ إِلَى الإِيمَانِ وَحُسْنِ قُبُولِهِمْ إِيَّاهُ، وَقَوْلُهُ: «أَضْعَفُ قُلُوبًا»، وَيُرْوَى، «أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً»، قِيلَ: هُمَا

قَرِيبَانِ مِنَ السَّوَاءِ، كَرَّرَ ذِكْرَهُمَا لاخْتِلافِ اللَّفْظَيْنِ تَأْكِيدًا، وَالْمُرَادُ بِلِينِ الْقُلُوبِ: سُرْعَةُ خُلُوصِ الإِيمَانِ إِلَى قُلُوبِهِم، وَيُقَالُ: إِنَّ الْفُؤَادَ غِشَاءُ الْقَلْبِ، وَالْقَلْبُ حَبَّتُهُ وَسُوَيْدَاؤُهُ، فَإِذَا رَقَّ الْغِشَاءُ، أَسْرَعَ نُفُوذُ الشَّيْءِ إِلَى مَا وَرَاءِهِ. وَقِيلَ: قَوْلُهُ: «الإِيمَانُ يَمَانٍ»، أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مَكِّيٌّ، لأَنَّهُ بَدَأَ مِنْ مَكَّةَ، وَأَضَافَ إِلَى الْيَمَنِ، لأَنَّ مَكَّةَ مِنْ أَرْضِ تِهَامَةَ، وَتِهَامَةُ مِنْ أَرْضِ الْيَمِن، فَتَكُونُ مِكَّةُ عَلَى هَذَا يَمَانِيَّةً، وَقِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا الْكَلامَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِتَبُوكَ نَاحِيَةَ الشَّامِ وَمَكَّةَ، وَالْمَدِينَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمَنِ فَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةِ الْيَمَنِ، وَهُوَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، يُرِيدُ: الإِيمَانَ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، كَمَا يُقَالُ: سُهَيْلٌ الْيَمَانِيُّ، لأَنَّهُ يَبْدُو مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ، وَقِيلَ: هُمُ الأَنْصَارُ، لأَنَّهُمْ نَصَرُوا الإِيمَانَ، وَهُمْ يَمَانِيَّةٌ، فَنُسِبَ الإِيمَانُ إِلَيْهِمْ. وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الشَّرْقِ، وَالإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ». وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الأَنْصَارَ، وَكَذَلِكَ فِيمَا يُرْوَى مَرْفُوعًا: «أَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ»، قِيلَ: عَنَى بِهِ الأَنْصَارَ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفَّسَ الْكَرْبَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ وَهُوَ يَمَانُونَ. 4002 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ،

نَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: «الإِيمَانُ يَمَانٍ هَهُنَا، أَلا إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ وَفِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَوْلُهُ: «فِي الْفَدَّادِينَ»، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: قَالَ فِي «الْفَدَادِينَ»، مُخَفَّفَةٌ وَاحِدُهَا فَدَانٌ بِغَيْرِ التَّشْدِيدِ وَهِيَ الْبَقَرَةُ الَّتِي يُحْرَثُ عَلَيْهَا، وَأَهْلُهَا أَهْلُ جَفَاءٍ لِبُعْدِهِمْ مِنَ الأَمْصَارِ، وَالأَكْثَرُونَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا مُشَدَّدَةٌ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هُمُ الْجَمَّالُونَ، وَالْبَقَّارُونَ، وَالْحَمَّارُونَ، وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: هُمُ الَّذِينَ تَعْلُو أَصْوَاتُهُمْ فِي حُرُوثِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ، وَمَوَاشِيهِمْ، وَيُقَالُ: فَدَّ الرَّجُلُ يَفِدُّ فَدِيدًا: إِذَا اشْتَدَّ صَوْتُهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْفَدَّادُونَ: هُمُ الْمُكْثِرُونَ مِنَ الإِبِلِ الَّذِي يَمْلِكُ أَحَدُهُمُ الْمِئَتَيْنِ مِنْهَا إِلَى الأَلْفِ وَهُمْ جُفَاةٌ وَأَهْلُ خُيَلاءَ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِنَّ الأَرْضَ تَقُولُ لِلْمَيِّتِ رُبَّمَا مَشِيتَ عَلَيَّ فَدَّادًا»، أَيْ: ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَذَا خُيَلاءَ، وَفِي الْجُمْلَةِ ذَمُّ ذَلِكَ، لأَنَّهُ يَشْغَلُ عَنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَيُلْهِي عَنِ الآخِرَةِ، فَيَكُونُ مَعَهَا قَسَاوَةُ الْقَلْبِ.

4003 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ، وَالإِبِلِ، وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ 4004 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ، وَيَقُولُ: «هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هُنَا، هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،

باب في ذكر أويس القرني رضي الله عنه

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بَابٌ فِي ذِكْرِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 4005 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا الْجَرِيرِيُّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَسِيرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: وَفَدَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَهَهُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: " إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ لَا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللَّهَ، فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّينَارِ، أَوْ قَالَ: مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ".

باب ذكر الشام

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ» بَابُ ذِكْرِ الشَّامِ 4006 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فِي يَمَنِنَا»، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا، قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فِي يَمَنِنَا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي نَجْدِنَا، فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي

الثَّالِثَةِ: «هُنَاكَ الزَّلازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ الشَّيْطَانُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4007 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الْخُذَاشَاهِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، نَا بَقِيَّةُ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَخْرُجُ نَارٌ مِنْ نَحْوِ حَضْرَ مَوْتَ، أَوْ مِنْ حَضْرَ مَوْتَ تُحْشَرُ النَّاسُ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ».

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 4008 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّارُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ،

نَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: لَمَّا جَاءَتْنَا بَيْعَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قُلْتُ لَوْ خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ فَتَنَحَّيْتُ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْبَيْعَةِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأُخْبِرْتُ بِمَقَامٍ يَقُومُهُ نَوْفٌ، فَجِئْتُهُ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسِدُ الْعَيْنَيْنِ عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ، وَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَلَمَّا رَآهُ نَوْفٌ، أَمْسَكَ عَنِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَدِّثْ بِمَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ، فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ بِالْحَدِيثِ مِنِّي، أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ هَؤُلاءِ مَنَعُونَا عَنِ الْحَدِيثِ، يَعْنِي الأُمَرَاءَ، قَالَ: أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلا حَدَّثْتَنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ النَّاسِ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ لَا يَبْقَى فِي الأَرْضِ إِلا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفُظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، تَقْذُرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، تَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ»، قَالَ: وَسِمْعُت

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، حَتَّى عَدَّهَا زِيَادَةَ عَلَى عَشْرِ مَرَّات، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ فِي نَفْسِهِمْ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ»، فَالْهِجْرَةُ الثَّابِتَةُ هِيَ الْهِجْرَةُ إِلَى الشَّامِ يَرْغَبُ فِيهَا خِيَارُ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ: «تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ»، تَأْوِيلُهُ: أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ خُرُوجَهُمْ إِلَيْهَا وَمَقَامَهُمْ بِهَا، فَلا يُوَفِّقُهُمْ لِذَلِكَ، فَصَارُوا بِالرَّدِّ كَالشَّيْءِ يَقْذَرُهُ نَفْسُ الإِنْسَانِ فَلا يَقْبَلُهُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التَّوْبَة: 46]. 4009 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لِكَعْبٍ: لَا تَتَحَوَّلْ إِلَى الْمَدِينَةِ فِيهَا مُهَاجَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرُهُ؟ فَقَالَ كَعْبٌ: " إِنِّي

وَجَدْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنزَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ الشَّامَ كَنْزُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، وَبِهَا كَنْزُهُ مِنْ عِبَادِهِ " 4009 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي طَاوُسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «مَوْضِعُ قَدَمِ إِبْلِيسَ بِالْبَصْرَةِ وَفَرَّخَ بِمِصْرَ» 4009 - وَبِهِ، عَنِ ابْنِ طَاوُسَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ الْعِرَاقَ، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ بِهَا الدَّجَّالُ، وَبِهَا مَرَدَةُ الْجِنِّ، وَبِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ السِّحْرِ، وَبِهَا كُلُّ دَاءٍ عُضَالٍ يَعْنِي الأَهْوَاءَ " قُلْتُ: فَسَّرَ أَهْلُ الْحَدِيثِ الدَّاءَ الْعُضَالَ: بِالْبِدَعِ، وَأَصْلُهُ الَّذِي لَا دَوَاءَ لَهُ. 4010 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ ذِي الأَصَابِعِ، قَالَ أَبُو أَيُّوبَ , وَحَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ ذِي الأَصَابِعِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنِ ابْتُلِينَا بِالْبَقَاءِ بَعْدَكَ أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ،

باب ظهور طائفة من هذه الأمة على من خالفهم ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم

لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُكَ ذُرِّيَّةً يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ إِلَيْهِ»، يَعْنِي مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَابُ ظُهُورِ طَائِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ وَدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4011 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»، قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّامِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَابْنُ جَابِرٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ

بْنِ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَوْلُهُ: «قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ»، أَيْ مُتَمَسِّكَةٌ بِدِينِهَا، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمرَان: 113]، أَيْ: مُتَمَسِّكَةٌ بِدِينِهَا وَهُمْ قَوْمٌ آمَنُوا بِمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، قُلْتُ: وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مُطْلَقَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْقِيَامِ بِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ، وَحِفْظِ الْحَدِيثِ لإِقَامَةِ الدِّينِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، فَلا أَدْرِي مَنْ هُمْ؟. 4012 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4013 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دِلُّوَيْهِ الدَّقَّاقُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا

إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ جَاءَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَبَّهُ ثَلاثًا، فَأَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَهُ وَاحِدَةً، فَسَأَلَهُ: أَلا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِهِ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ أَلا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ أَلا يَجْعَلَ بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَمَنَعَهُ ذَلِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرُوِيَ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ كَذَلِكَ 4014 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، أَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى مَسْجِد بَنِي مُعَاوِيَةَ، فَدَخَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، فَنَاجَى رَبَّهُ طَوِيلا، ثُمَّ قَالَ: " سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاثَةً:

سَأَلْتُهُ أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِيهَا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ 4015 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَمَّادُ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زَوَى لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ: الأَحْمَرَ، وَالأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي: أَلا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَلا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: " يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً، فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَلا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَلا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا، أَوْ قَالَ: مِنْ بَيْنِ

أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ: «زَوَى لِيَ الأَرْضَ»، مَعْنَاهُ: جَمَعَهَا وَقَبَضَهَا، يُقَالُ: انْزَوَى الشَّيْءُ إِذَا تَقَبَّضَ وَتَجَمَّعَ. وَقَوْلُهُ: «مَا زَوَى لِي مِنْهَا»، يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ حَرْفَ «مِنْ»، ههُنَا لِلتَّبْعِيضِ، فَيَقُولُ: كَيْفَ اشْتَرَطَ فِي أَوَّلِ الْكَلامِ الاسْتِيعَابَ وَرَدَّ آخِرَهُ إِلَى التَّبْعِيضِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا يُقَدِّرُونَهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّفْصِيلُ لِلْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالتَّفْصِيلُ لَا يُنَاقِضُ الْجُمْلَةَ، لَكِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْهَا وَيَسْتَوْفِيهَا جُزْءًا جُزْءًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الأَرْضَ زُوِيَتْ جُمْلَتُهَا لَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَرَآهَا: ثُمَّ هِيَ يُفْتَحُ لَهُ جُزْءٌ جُزْءٌ مِنْهَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا كُلِّهَا، وَالْكَنْزَانِ: هُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَقَوْلُهُ: «أَلا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ»، فَإِنَّ السَّنَةَ: الْقَحْطُ وَالْجَدْبُ، وَإِنَّمَا جَرَتِ الدَّعْوَةُ بِأَلا تَعُمَّهُمُ السَّنَةُ كَافَّةً، فَيُهْلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ، فَأَمَّا أَنْ يُجْدِبَ قَوْمٌ، وَيُخْصِبُ آخَرُونَ، فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا جَرَتْ بِهِ الدَّعْوَةُ. وَقَوْلُهُ: «يَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ»، يُرِيدُ جَمَاعَتَهُمْ وَأَصْلَهُمْ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: بَيْضَةُ الدَّارِ وَسَطُهَا وَمُعْظَمُهَا. وَقَوْلُهُ: «أُعْطِيتُ كَنْزَيْنِ»، أَرَادَ كُنُوزَ كِسْرَى مِنَ الذَّهَبِ

وَالْفِضَّةِ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ جَمَعَهُمْ عَلَى دِينِهِ وَدَعْوَتِهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ»، يُرِيدُ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ. 4016 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الْأَنْعَام: 65]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، قَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الْأَنْعَام: 65]، قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الْأَنْعَام: 65]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أَهْوَنُ، أَوْ هَذَا أَيْسَرُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: {عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الْأَنْعَام: 65]، الْحِجَارَةُ كَمَا فِي قَوْمِ لُوطٍ أَوِ الطُّوفَانِ كَما فِي قَوْمٍ نُوحٍ، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الْأَنْعَام: 65]، الْخَسْفُ كَمَا عَلَى قَارُونَ، أَوِ الرِّيحُ كَمَا عَلَى قَوْمِ عَادٍ، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الْأَنْعَام: 65]، أَيْ: يَخْلِطَكُمْ خَلْطَ

باب فضل الله سبحانه وتعالى مع هذه الأمة

اضْطِرَابٍ، وَأَرَادَ بِهِ الأَهْوَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ، فَيَصِيرُونَ فِرَقًا مُخْتَلِفَةً، {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الْأَنْعَام: 65]، هُوَ وُقُوعُ الْهَرْجُ حَتَّى يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهَذَانِ: وَهُوَ الافْتِرَاقُ وَالْقَتْلُ ثَابِتٌ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، وَقَدْ سُلَّ السَّيْفُ مِنْ زَمَنِ عُثْمَانَ، فَلا يُغْمَدُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا} [الْأَنْعَام: 65]، الآيَةُ قَالَ: أَمَا إِنَّهَا كَائِنَةٌ، وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ. بَابُ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ هَذِهِ الأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمرَان: 110]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} [الْأَنْعَام: 165]، يَعْنِي أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَفُوا سَائِرَ الأُمَمِ: وَقِيلَ: يَخْلُفُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. 4017 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: " إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أجل مَنْ خَلا مِنَ الأُمَمِ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ

الشَّمْسِ، وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلْ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلْ لِي مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ؟ أَلا فَأَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، أَلا لَكُمُ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلا وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ اللَّهُ وَهَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ كَلامًا مَعْنَاهُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى عَلَى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي تَوْقِيتِ الْعَمَلِ مِنَ النَّهَارِ وَتَقْدِيرِ الأُجْرَةِ، فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَطَعَ الأُجْرَةَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَتَوْقِيتُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمْ زَمَانًا زَمَانًا، وَاسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُمْ وَإِيفَاؤُهُمُ الأُجْرَةَ، وَفِيهِ قَطْعُ الْخُصُومَةِ وَزَوَالُ الْعَتْبِ عَنْهُمْ، وَإِبْرَاؤُهُمْ مِنَ الذَّنْبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى الرَّاوِي مِنْهُ بِذِكْرِ مِثَالِ الْعَاقِبَةِ فِيمَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْفِرَقِ مِنَ الأَجْرِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ فِيهِ: أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ، عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَأُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ، فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ "، الْحَدِيثُ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَبْلَغَ الأُجْرَةِ لِلْيَهُودِ لِعَمَلِ النَّهَارِ كُلِّهِ قِيرَاطَانِ، وَأُجْرَةُ النَّصَارَى النِّصْفُ الْبَاقِي قِيرَاطَانِ، فَلَمَّا عَجَزُوا عَنِ الْعَمَلِ قَبْلَ تَمَامِهِ، لَمْ يُصِيبُوا إِلا قَدْرَ عَمَلِهِمْ، وَهُوَ قِيرَاطٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا الْمُسْلِمِينَ قَدِ اسْتَوْفَوْا قَدْرَ أُجْرَةِ الْفَرِيقَيْنِ حَاسَدُوهُمْ، فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلا وَأَقَلُّ أَجْرًا. وَقَدْ رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ. 4018 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ،

عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ»، فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَفْعَلُوا أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلا، فَأَبَوْا وَتَرَكُوا، وَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلاةِ الْعَصْرِ "، قَالُوا: مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ: «أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَوْا، فَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَرِوَايَةُ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِخِلافِ رِوَايَةِ نَافِعٍ مِنْ ذِكْرِ عَجْزِهِمْ وَقَوْلِهِمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، وَهُوَ إِشَارَةٌ عَلَى تَحْرِيفِهِمُ

الْكُتُبَ وَتَبْدِيلِهِمُ الشَّرَائِعَ وَالْمِلَلَ، وَانْقِطَاعِ الطَّرِيقِ بِهِمْ عَنْ بُلُوغِهِمُ الْغَايَةَ، الَّتِي حُدِّدَتْ لَهُمْ، فَحُرِمُوا تَمَامَ الأُجْرَةِ لِجَنَايَتِهِمْ حَيْثُ امْتَنَعُوا مِنْ إِتْمَامِ الْعَمَلِ الَّذِي ضَمِنُوهُ، فَكَانَ الصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ هَذَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا»، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صُورَةُ الأَمْرِ عَلَى هَذَا، لَمْ يَصِح هَذَا الْكَلامُ. 4019 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، نَا أَنَسٌ، قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الْفَتْح: 1] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَصْحَابُهُ مُخَالِطُو الْحُزْنَ وَالْكَآبَةَ، فَقَالَ: «نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا»، فَلَمَّا تَلاهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: هَنِيئًا مَرِيئًا قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ مَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الْفَتْح: 5] حَتَّى خَتَمَ الآيَةَ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ، قَوْلُ الرَّجُلِ: هَنِيئًا فَمَا بَعْدَهُ

36 - كتاب الرقاق

36 - كِتَابُ الرِّقَاقِ 4020 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بِمَكَّةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى , قَالا: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ الْمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ 4021 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو

إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ. ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ السَّامِي، نَا الْحُسَيْنُ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْجَرَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ 4022 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَمَّنْ , سَمِعَ الْمَقْبُرِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَا يَنْتَظِرُ

باب مثل الدنيا والآخرة

أَحَدُكُمْ إِلا غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ، فَالدَّجَّالُ شَرٌّ غَائِبٌ يُنْتَظَرُ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوِ السَّاعَةُ، والساعة أَدْهَى وَأَمَرُّ ". وَرُوِيَ عَنْ مُحرر بْنِ هَارُونَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مُتَّصِلا قَوْلُهُ: هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَيْ: مُضْعِفًا مُعْجِزًا، يُقَالُ: أَفْنَدَ الرَّجُلُ: إِذَا كَثُرَ كَلامُهُ مِنَ الْكِبَرِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [يُوسُف: 94]، أَيْ: تُخَرِّفُونِي، وَتَقُولُونَ لِي: قَدْ خَرِفْتَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كُلُّ أَحَدِهِمْ أَشَحُّ عَلَى عُمُرِهِ مِنْهُ عَلَى دِرْهَمِهِ. بَابُ مَثَلِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} [التَّوْبَة: 38].

4023 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا الأَصَمُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، نَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنِي الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَثَلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ». وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ، أَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ 4024 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ أَحَدِ بَنِي فِهْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا كَمَا

باب هوان الدنيا على الله سبحانه وتعالى

يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَابُ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [مُحَمَّد: 36]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف: 33]، الآيَةُ: أَيْ: لَوْلا أَنْ أَجْعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا، لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ. 4025 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ أَحَدِ بَنِي فِهْرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الرَّكْبِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّخْلَةِ الْمَيِّتَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا؟»، قَالُوا: مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا، قَالَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ الْمُسْتَوْرِدِ حَدِيثٌ حَسَنٌ، قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ 4026 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثُوهُ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الْخَيْرِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ، مَا أَعْطَى مِنْهَا كَافِرًا شَيْئًا» 4027 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ أَبُو مُسْلِمٍ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ مَمْطُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ،

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةَ مَاءٍ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ وَمَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا أَوَى إِلَيْهِ، وَالْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الأَجْرِ شَرِيكَانِ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ» 4028 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا الْخُنَيْسِيُّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ الْعَابِدِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّةَ السَّلُولِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا

باب قصر الأمل

مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلا ذِكْرَ اللَّهِ أَوْ مُعَلِّمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا»، وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالاهُ، وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا» بَابُ قَصْرِ الأَمَلِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمرَان: 185]، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَتَاعُ الْغُرُورِ: مَا يُلْهِيكَ عَنْ طَلَبِ الآخِرَةِ، وَمَا لَمْ يُلْهِكَ، فَلَيْسَ بِمَتَاعِ الْغُرُورِ، وَلَكِنَّهُ مَتَاعُ بَلاغٍ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. 4029 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ» , وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا أَصْبَحْتَ، فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ، فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ غَدًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ الطُّفَاوِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ 4030 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرَانَ بْنِ عِمْرَانَ الرَّازِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي الْمَحَامِلِيُّ، نَا سَلَمُ بْنُ جُنَادَةَ، نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: مَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَأَنَا وَأُمِّي نُطَيِّنُ شَيْئًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَبْدَ اللَّهِ»؟ قُلْتُ: شَيْءٌ نُصْلِحُهُ، قَالَ: «الأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِكَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو السَّفَرِ: اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ ابْنُ أَحْمَدَ الثَّوْرِيُّ 4031 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ حنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يُهْرِيقُ الْمَاءَ، فَيَتَيَمَّمُ بِالتُّرَابِ، فَأَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمَاءَ مِنْكَ قَرِيبٌ، فَيَقُولُ: «مَا يُدْرِينِي لَعَلِّي لَا أَبْلُغُهُ» 4032 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، نَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،

باب التجافي عن الدنيا

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ، أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: طِيبُ الْكَسْبِ، وَقَصْرُ الأَمَلِ. بَابُ التَّجَافِي عَنِ الدُّنْيَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لُقْمَان: 33]، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْغَرُورُ: الشَّيْطَانُ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [طه: 131]، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ عَلَى مَنْ يَرَى عِنْدَهُ شَيْئًا مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا أَسْرَعَ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَقَامَ بِالْبَابِ، فَنَادَى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: 131]، إِلَى آخِرِ الآيَةِ، ثُمَّ يُنَادِي: الصَّلاةَ

الصَّلاةَ، فَيَقُومُونَ، فَيُصَلُّونَ أَجْمَعُونَ، وَأَرَادَ اتِّبَاعَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132]. 4033 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا يَعْلَى. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَدِيبُ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، نَا أَبَانُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمَذَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ»، قَالُوا: إِنَّا نَسْتَحِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ، وَمَا حَوَى، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ».

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ أَبَانِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ قَوْلُهُ: «فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى»، فَالْوَعْيُ: الْحِفْظُ، قُلْتُ: يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: وَمَا يَحْفَظُهُ الرَّأْسُ مِنَ السَّمْعِ، وَالْبَصَرُ، وَاللِّسَانُ، حَتَّى لَا يَسْتَعْمِلَهَا إِلا فِيمَا يَحِلُّ. وَقَوْلُهُ: «وَالْبَطْنُ وَمَا حَوَى»، أَيْ: مَا جَمَعَ، يَعْنِي: لَا يَجْمَعُ فِيهِ إِلا الْحَلالَ، وَلا يَأْكُلُ إِلا الطِّيبَ، وَيُرْوَى: «وَلا تَنْسَوُا الْجَوْفَ وَمَا وَعَى، وَالرَّأْسَ وَمَا احْتَوَى»، قِيلَ: أَرَادَ بِالْجَوْفِ الْبَطْنَ وَالْفَرْجَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ أُمَّتِي النَّارَ الأَجْوَفَانِ»، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْقَلْبَ وَمَا وَعَى مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْعِلْمُ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ أَنْ لَا يُضِيعَ ذَلِكَ، وَأَرَادَ «بِالرَّأْسِ وَمَا احْتَوَى»: الدِّمَاغَ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْقَلْبَ وَالدِّمَاغَ، لأَنَّهُمَا مَجْمَعَا الْعَقْلِ. 4034 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ

الأَزْهَرِ الْبَجَلِيُّ , حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، نَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، حَدَّثَنِي الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ عَلَى حَصِيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَسَدِهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَبْسُطَ لَكَ وَنَعْمَلَ، فَقَالَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِلا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 4035 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الأَخْرَمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ، فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 4036 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا أُمَيَّةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّوَّافُ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الأَزْدِيُّ، نَا أَبِي، وَالْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، قَالا: نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ الْمَالَ، وَأَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَلَكِنْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ: سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " 4037 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو

طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ، وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، قَالَ: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ» 4038 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، أَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلادٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ،

نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ، أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتِهِ، أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى» 4039 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَعْشَرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْوَرَّاقُ الْفَيْرَكِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى , نَا أَبُو الصَّلْتِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَئِذٍ بِنَهَارٍ، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا ذَكَرَهُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، حَفِظَ مَنْ حَفِظَ وَنَسِيَ مَنْ نَسِيَ، ثُمَّ قَالَ: «أَلا إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ» 4039 - وَذَكَرَ أَنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ فِي

الدُّنْيَا، وَلا غَدْرَ أَكْثَرَ مِنْ غَدْرِ أَمِيرِ الْعَامَّةِ، يُغْرَزُ لِوَاؤُهُ عِنْدَ اسْتِهِ 4039 - قَالَ: «وَلا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ إِنْ رَأَى مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَهُ هَيْبَةُ النَّاسِ»، فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَقَالَ: قَدْ رَأَيْنَاهُ فَمَنَعَنَا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهِ 4039 - ثُمَّ قَالَ: «وَإِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا، وَيَحْيَا مُؤْمِنًا، وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا، وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا» 4039 - قَالَ: وَذَكَرَ الْغَضَبَ «فَمِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ سَرِيعَ الْغَضَبِ، سَرِيعَ الْفَيْءِ، وَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَمِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ، فَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَخِيَارُكُمْ مَنْ يَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ، وَشِرَارُكُمْ مَنْ

يَكُونُ سَرِيعَ الْغَضَبِ، بَطِيءَ الْفَيْءِ» , وَقَالَ: «اتَّقُوا الْغَضَبَ فَإِنَّهُ جَمْرَةٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ» أَلا تَرَوْنَ إِلَى انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ وَحُمْرَةِ عَيْنَيْهِ، فَمَنْ أَحَسَّ ذَلِكَ، فَلْيَضْطَجِعْ، وَلِيَتَلَبَّدْ بِالأَرْضِ " 4039 - قَالَ: وَذَكَرَ الدّينَ، فَقَالَ: «مِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْقَضَاءِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ، أَفْحَشَ فِي الطَّلَبِ، فَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ سَيِّئَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَجْمَلَ فِي الطَّلَبِ، فَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَخِيَارُكُمْ مَنْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، أَحْسَنَ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ، أَجْمَلَ فِي الطَّلَبِ، وَشِرَارُكُمْ مَنْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، أَسَاءَ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَفْحَشَ فِي الطَّلَبِ» حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ وَأَطْرَافِ الْحِيطَانِ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا، إِلا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا، أَلا وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُوفِي سَبْعِينَ أُمَّةً هِيَ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ , وَأَبُو الصَّلْتِ: هُوَ عَبْدُ السَّلامِ بْنُ صَالِحِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْهَرَوِيُّ تَكَلَّمُوا فِيهِ، قَوْلُهُ: «تُوفِي سَبْعِينَ أُمَّةً»، أَيْ: هِيَ تَمَامُ سَبْعِينَ تَمَّ بِهِمْ عَدَدُ السَّبْعِينَ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّاز، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ: «إِنَّ النَّاسَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ، فَيُولَدُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيَعِيشُ مُؤْمِنًا، وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَيُولَدُ الرَّجُلُ كَافِرًا، وَيَعِيشُ كَافِرًا، وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَيُولَدُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيَعِيشُ مُؤْمِنًا، وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَيُولَدُ الرَّجُلُ كَافِرًا، وَيَعِيشُ كَافِرًا، وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا»، ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «وَمَا شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ كَلِمَةِ عَدْلٍ تُقَالُ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»، قَالَ: «وَإِنَّكُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ آخِرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنْتُمُ الْيَوْمَ أَكْثَرُ صَلاةً، وَأَشَدُّ عِبَادَةً

باب القناعة بالقليل من الدنيا

مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ، قِيلَ: لِمَ؟ قَالَ: كَانُوا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَأَرْغَبَ فِي الآخِرَةِ مِنْكُمْ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلا عَمَلَ. قَالَ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ يَبْنِي بِنَاءً قَدْ شَيَّدَهُ، فَقَالَ لِي: لَا تَنْظُرْ إِلَيْهِ، إِنَّمَا بَنَاهُ لِيُنْظَرَ إِلَيْهِ. بَابُ الْقَنَاعَةِ بِالْقَلِيلِ مِنَ الدُّنْيَا 4040 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّازِقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

الْعَرَضُ بِفَتْحِ الرَّاءِ: مَتَاعُ الدُّنْيَا وَحُطَامُهَا، وَجَمْعُهُ أَعْرَاضٌ وَالْعَرْضُ، سَاكِنَةُ الرَّاءِ، وَاحِدُ الْعُرُوضِ وَهِيَ الأَمْتِعَةُ الَّتِي يُتَّجَرُ فِيهَا. 4041 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ». صَحِيحٌ 4042 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ

مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» قَوْلُهُ: «قُوتًا» أَيْ: مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النِّسَاء: 85]، أَيْ: مُقْتَدِرًا يُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ قُوتَهُ. 4043 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الزَّغَرْتَانِيُّ , أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا أَبِي، حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ شُرَيْكٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمقري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ شُرَحْبِيلٍ سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَا الْكَفَافُ مِنَ الرِّزْقِ؟ قَالَ: شَبَعُ يَوْمٍ، وَجُوعُ يَوْمٍ. 4044 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ

زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَغْبَطُ أَوْلِيَائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ، ذُو حَظٍّ مِنَ الصَّلاةِ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَأَطَاعَهُ فِي السِّرِّ، وَكَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا، فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ نَقَدَ بِيَدِهِ، فَقَالَ: عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ، قَلَّتْ بَوَاكِيهِ، قَلَّ تُرَاثُهُ " 4044 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا، وَأَجُوعُ يَوْمًا، أَوْ قَالَ ثَلاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: وَالْقَاسِمُ هَذَا هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ يُضَعَّفُ، وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلُهُ: «خَفِيفُ الْحَاذِ»، أَيْ: خَفِيفُ الْحَالِ قَلِيلُ الْمَالِ، وَأَصْلُهُ قِلَّة اللَّحْمِ، وَالْحَالُ وَالْحَاذُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اللِّبَدُ مِنْ مَتْنِ الْفَرَسِ، «وَكَانَ غَامِضًا»، أَيْ:

مَسْتُورَ الْحَالِ، «وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا»، أَيْ: لَا يَفْضُلُ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: نَقَدَ بِيَدِهِ، أَيْ: ضَرَبَ مِنْ قَوْلِهِمْ نَقَدْتُ رَأْسَهُ بِأُصْبُعِي، أَيْ: ضَرَبْتُهُ، وَالتُّرَاثُ: الْمِيرَاثُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا} [الْفجْر: 19]. 4045 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، نَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ خُلَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَصَرِيّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلا بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، إِنَّهُمَا لَيُسْمِعَانِ مَنْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ: يَأَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ، فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلا آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " 4046 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا السَّرِيُّ بْنُ حَيَّانَ، نَا عَبَّادُ بْنُ

عَبَّادٍ، نَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَائِشَةُ، إِنَّ الدُّنْيَا لَا تَنْبَغِي لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ، يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ إِلا بِالصَّبْرِ عَلَى مَكْرُوهِهَا، وَالصَّبْرُ عَنْ مَحْبُوبِهَا، لَمْ يَرْضَ إِلا أَنْ كَلَّفَنِي مَا كَلَّفَهُمْ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الْأَحْقَاف: 35]، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا بُدٌّ لِي مِنْ طَاعَتِهِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا بُدٌّ لِي مِنْ طَاعَتِهِ، وَاللَّهِ لأَصْبِرَنَّ كَمَا صَبَرُوا وَأَجْهَدَنَّ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ " 4047 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا الآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا»

4048 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ الْحِمْصِيُّ، وَحَبِيبُ بْنُ صَالِحٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكْلاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ طَعَامٌ، وَثُلُثٌ شَرَابٌ، وَثُلُثٌ لِنَفْسِهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْر الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطَاكِيُّ، أَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ

4049 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ بَقِيَّة بْنِ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلا يَتَجَشَّأُ، فَقَالَ: «أَقْصِرْ مِنْ جُشَائِكَ، فَإِنَّ أَطْوَلَ النَّاسِ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَطْوَلُهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا» , قُلْتُ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ مُنْقَطِعًا، وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاء، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ. حُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ لَا تَأْكُلْ شِبَعًا فَوْقَ شبعٍ، فَإِنَّكَ أَنْ تَنْبِذَ إِلَى كَلْبٍ خَيْرٌ لَكَ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنِ التَّبَقُّرِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ الْكَثْرَةَ وَالسَّعَةَ، وَأَصْلُ التَّبَقُّرِ: التَّوَسُّعُ وَالتَّفَتُّحُ، يُقَالُ: بَقَرْتُ بَطْنَهُ: إِذَا شَقَقْتُهُ وَفَتَحْتُهُ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أُحِبُّ الْمَوْتَ اشْتِيَاقًا إِلَى رَبِّي، وَأُحِبُّ الْمَرَضَ

باب ما يتقى من فتنة المال

تَكْفِيرًا لِخَطِيئَتِي، وَأُحِبُّ الْفَقْرَ تَوَاضُعًا لِرَبِّي. 4050 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، نَا زَائِدَةُ، نَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ أَدَمٍ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، جَعَلَ فِيهِ ثَلاثَ خِصَالٍ: «فِقْهًا فِي الدِّينِ، وَزَهَادَةً فِي الدُّنْيَا، وَبَصِيرَةً بِعُيُوبِهِ». وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَصْلُحُ إِلا بِزُهْدٍ، ازْهَدْ وَنَمْ وَصَلِّ الْخَمْسَ. بَابُ مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ} [الزمر: 8]

أَيْ: أَعْطَاهُ وَمَلَّكَهُ، يُقَالُ: هُمْ خَوَلُ فُلانٍ، أَيْ: أَتْبَاعُهُ وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الْإِسْرَاء: 83]، قِيلَ مَعْنَاهُ: امْتَنَعَ بقوته وَرِجَاله وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [اللَّيْل: 11]، قَالَ مُجَاهِدٌ: تَرَدَّى، أَيْ: مَاتَ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ} [الْهمزَة: 2] أَيْ: جَعَلَهُ عُدَّةً لِلدَّهْرِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الْأَنْعَام: 123] أَيْ: جَعَلْنَا مُجْرِمِيهَا أَكَابِرَ، لأَنَّ الرِّيَاسَةَ وَالدَّعَةَ أَدْعَى لَهُمْ إِلَى الْكفْر. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19] الْهَلُوعُ: مَا جَاءَ فِي الآيَةِ مِنَ التَّفْسِيرِ الَّذِي يَجْزَعُ وَيَفْزَعُ مِنَ الشَّرِّ، وَيَحْرِصُ وَيَشِحُّ عَلَى الْمَالِ، وَقِيلَ: لَا يَصْبِرُ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمرَان: 14]، إِلَى قَوْلِهِ: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا سُورَة آل عمرَان آيَة 14 قَالَ عُمَرُ «اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَلا نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهَا»، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: «

إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَالُ مَالا لأَنَّهُ يُمِيلُ الْقُلُوبَ». 4051 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، قَالَ: زَهْرَةُ الدُّنْيَا "، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» قَالَ: أَنَا، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَقَدْ حَمِدْنَاهُ حِينَ طَلَعَ لِذَلِكَ، قَالَ: «لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلا بِالْخَيْرِ إِنَّ هَذَا الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا، أَوْ يُلِمُّ، أَلا إِنَّ آكِلَةَ الْخَضِرَةَ تَأْكُلُ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا، اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ قَوْلُهُ: «خَضِرَةٌ» فَالْخَضِرَةُ: الْغَضَّةُ الْحَسَنَةُ يُرِيدُ أَنَّ صُورَةَ الدُّنْيَا وَمَتَاعَهَا حَسَنَةُ الْمَنْظَرِ تُعْجِبُ النَّاظِرَ، وَكُلُّ شَيْءٍ غَضٌّ طَرِيٌّ فَهُوَ خَضِرَةٌ، وَأَصْلُهُ مِنْ خُضْرَةِ الشَّجَرِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ إِذَا مَاتَ شَابًّا غَضًّا: قَدِ اخْتُضِرَ، وَيُقَالُ: خُذْ هَذَا الشَّيْءَ خَضِرًا مَضِرًا، فَالْخَضِرُ: الْحَسَنُ الْغَضُّ، وَالْمَضِرُ إِتْبَاعٌ، وَيُقَالُ: خُذْهُ بِلا ثَمَنٍ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا} [الْأَنْعَام: 99] أَيْ: وَرَقًا أَخْضَرَ، يُقَالُ: أَخْضَرُ خَضِرٌ، كَمَا يُقَالُ: أَعْوَرُ عَوِرٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ نَاعِمٍ، فَهُوَ خَضِرٌ. وَقَوْلُهُ: «يَقْتُلُ حَبَطًا»، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: الْحَبَطُ: هُوَ أَنْ تَأْكُلَ الدَّابَّةُ فَتُكْثِرُ حَتَّى تَنْتَفِخَ لِذَلِكَ بَطْنُهَا وَتَمْرَضُ، يُقَالُ مِنْهُ: حَبِطَتْ تَحْبَطُ حَبَطًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: «أَوْ يُلِمُّ» يَعْنِي يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ. الأَزْهَرِيُّ: فِيهِ مَثَلانِ ضُرِبَ: أَحَدُهُمَا لِلْمُفْرِطِ فِي جَمْعِ الدُّنْيَا وَمَنْعِهَا مِنْ حَقِّهَا، وَضُرِبَ الآخَرُ: لِلْمُقْتَصِدِ فِي أَخْذِهَا وَالانْتِفَاعِ بِهَا. فَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا» فَهُوَ مَثَلٌ لِلْمُفْرِطِ الَّذِي يَأْخُذُهَا بَغَيْرِ حَقٍّ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّبِيعَ يُنْبِتُ أَحْرَارَ الْعُشْبِ، فَتَسْتَكْثِرُ مِنْهَا الْمَاشِيَةُ حَتَّى تَنْتَفِخُ بُطُونُهَا لَمَّا قَدْ جَاوَزَتْ حَدَّ الاحْتِمَالِ، فَيَنْشَقُّ أَمْعَاؤُهَا فَتَهْلِكَ، كَذَلِكَ الَّذِي يَجْمَعُ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ

حِلِّهَا، وَيَمْنَعُ ذَا الْحَقِّ حَقَّهُ، يَهْلِكُ فِي الآخِرَةِ بِدُخُولِ النَّارِ. وَأَمَّا مَثَلُ الْمُقْتَصِدِ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا إِنَّ آكِلَةَ الْخَضِرَةِ» وَذَلِكَ أَنَّ الْخَضِرَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْرَارِ الْبُقُولِ الَّتِي يُنْبِتُهَا الرَّبِيعُ فَتَسْتَكْثِرُ مِنْهَا الْمَاشِيَةُ، وَلَكِنَّهَا مِنْ كَلأِ الصَّيْفِ الَّتِي تَرْعَاهَا الْمَوَاشِي بَعْدَ هَيْجِ الْبُقُولِ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ غَيْرِ اسْتِكْثَارِ، فَضَرَبَ مَثَلا لِمَنْ يَقْتَصِدُ فِي أَخْذِ الدُّنْيَا وَلا يَحْمِلُهُ الْحَرْصِ عَلَى أَخْذِهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، فَهُوَ يَنْجُو مِنْ وَبَالِهَا. وَقَوْلُهُ: «اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ» أَرَادَ أَنَّهَا إِذَا شَبِعَتْ بَرَكَتْ مُسْتَقْبِلَةً الشَّمْسَ تَجْتَرُّ وَتَسْتَمْرِئُ بِذَلِكَ مَا أَكَلَتْ، فَإِذَا ثَلَطَتْ زَالَ عَنْهَا الْحَبَطُ، وَإِنَّمَا تَحْبَطُ الْمَاشِيَةُ إِذَا كَانَتْ لَا تَثْلَطُ وَلا تَبُولُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَجَعَلَ مَا يَكُونُ مِنْ ثَلَطِهَا وَبَوْلِهَا مَثَلا لإِخْرَاجِ مَا يَكسبهُ مِنَ الْمَالِ فِي الْحُقُوقِ. وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى الاقْتِصَادِ فِي الْمَالِ، وَالْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَتَرْكِ الإِمْسَاكِ لِلادِّخَارِ. قَالَ الأَزْهَرِيُّ، فِي قَوْلِهِ: «أَلا إِنَّ آكِلَةَ الْخَضِرَةِ»، قَالَ الْخَضِرُ هَهُنَا: ضَرْبٌ مِنَ الْجَنْبَةِ، وَاحِدُهَا خَضِرَةٌ وَالْجَنْبَةُ مِنَ الْكَلأِ: مَا لَهُ أَصْلٌ غَامِضٌ فِي الأَرْضِ كَالنَّصِيِّ وَالصِّلْيَانِ. 4052 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ

مَخْرَمَةَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الْفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: «أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ جَاءَ بِشَيْءٍ»، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكُكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى،

عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ 4053 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَا عُبَيْدٌ , حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَتْنَا الضَّبُعُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَيْرُ ذَلِكَ أَخْوَفُ عِنْدِي، أَنْ تُصَبَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الضَّبُعُ هِيَ السَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ. 4054 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 4055 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1]، قَالَ: " يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ إِلا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ

4056 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ 4057 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ بِالْكُوفَةِ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ بِالْمَوْصِلِ، نَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّكُمْ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ، قَالَ: «اعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ»،

قَالُوا: مَا نَعْلَمُ إِلا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ إِلا مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ» قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ إِنَّمَا مَالُ أَحَدِكُمْ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ 4058 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُجَاءُ بِابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنُّه بَذَجٌ، فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَعْطَيْتُكَ وَخَوَّلْتُكَ، وَأَنْعَمْتُ عَلَيْكَ، فَمَا صَنَعْتَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ جَمَعْتُهُ، وَثَمَّرْتُهُ، فَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ، فَارْجِعْنِي آتِكَ بِهِ كُلِّهِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَرِنِي مَا قَدَّمْتَ، فَيَقُولُ: رَبِّ جَمَعْتُهُ، وَثَمَّرْتُهُ، فَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ، فَارْجِعْنِي آتِكَ

بِهِ كُلِّهِ، فَإِذَا عَبْدٌ لَمْ يُقَدِّمْ خَيْرًا فَيُمْضَى بِهِ إِلَى النَّارِ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَسَنِ، وَلَمْ يُسْنِدُوهُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ الْبَذَجُ: وَلَدُ الضَّأْنِ، وَجَمْعُهُ بِذْجَانٌ، فَالْبَذَجُ مِنْ أَوْلادِ الضَّأْنِ، وَالْعَتُودُ مِنْ أَوْلادِ الْمعز، وَهُوَ مَا شَبَّ وَقَوِيَ. 4059 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، نَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَالْقَطِيفَةِ، وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ». لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، وَزَادَ لَنَا عَمْرٌو، قَالَ: أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ، سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ، فَلا انْتَقَشَ،

طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةً قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ، لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ، لَمْ يُشَفَّعْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيُرْوَى «تَعِسَ فَلا انْتَعَشَ، وَشِيكَ فَلا انْتَقَشَ»، قَوْلُهُ: «تَعِسَ» أَيِ: انْكَبَّ وَعَثَرَ، وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ، أَيْ: أَتْعَسَهُ اللَّهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتَعْسًا لَهُمْ} [مُحَمَّد: 8] أَيْ: عِثَارًا وَسُقُوطًا، وَإِذَا سَقَطَ السَّاقِطُ بِهِ، فَأُرِيد بِهِ الاسْتِقَامَةُ قِيلَ: لعا لَهُ، وَإِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الانْتِعَاشَ، قِيلَ: تَعْسًا لَهُ، قَوْلُهُ: «وَانْتَكَسَ»، يُقَالُ: نَكَسْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَلَبْتُهُ، وَالشَّيْءُ مَنْكُوسٌ، وَالانْتِعَاشُ: الارْتِفَاعُ، وَسُمِّيَ نَعْشُ الْجِنَازَةِ نَعْشًا لارْتِفَاعِهِ، قَوْلُهُ: «فَلا انْتَعَشَ» أَيْ لَا ارْتَفَعَ، وَيُقَالُ: انْتَعَشَ الْعَلِيلُ: إِذَا أَفَاقَ. وَقَوْلُهُ: «شِيكَ فَلا انْتَقَشَ» أَيْ: لَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي دَخَلَهُ، وَلا قَدِرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ، وَنَقْشُ الشَّوْكَةِ: اسْتِخْرَاجُهَا، يُقَالُ: شَاكَهُ الشَّوْكُ يَشُوكُهُ: إِذَا أَصَابَهُ، وَشَاكَ يُشَاكُ: إِذَا دَخَلَ فِي الشَّوْكِ. 4060 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

باب فضل الفقراء

يُوسُفَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلا دَخَلَهُ الذُّلُّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، ثُمَّ ابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ بَعْدَهُ، فَلَمْ نَصْبِرْ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ: إِيَّاكَ أَنْ تُدْرِكَكَ الصَّرْعَةُ عِنْدَ الْغِرَّةِ، فَلا تُقَال الْعَثْرَةُ، وَلا تُمَكَّن مِنَ الرَّجْعَةِ، وَلا يَحْمَدكَ مَنْ خَلَّفْتَ بِمَا تَرَكْتَ، وَلا يَعْذِركَ مَنْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ بِمَا اشْتَغَلْتَ بِهِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ. بَابُ فَضْلِ الْفُقَرَاءِ 4061 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَى سَعْدٌ أَنَّ لَهُ فَضْلا عَلَى مَنْ دُونِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ابْغُونِي فِي ضُعَفَائِكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ، أَوْ تُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» 4062 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْميربندكُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى الْمَكِّيُّ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ»

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ عِنْدِي أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَسْتَفْتِحُ، أَيْ: يَسْتَفْتِحُ الْقِتَالَ بِهِمْ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَأَنَّهُ يَتَيَمَّنُ بِهِمْ. وَالصَّعَالِيكُ: هُمُ الْفُقَرَاءُ، وَقِيلَ: يَسْتَفْتِحُ أَيْ: يَسْتَنْصِرُ، وَالاسْتِفْتَاحُ: الاسْتِنْصَارُ، وَيُرْوَى فِي التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الْأَنْفَال: 19]، يَقُولُ: إِنْ تَسْتَنْصِرُوا، فَقَدْ جَاءَكُمُ النَّصْرُ. 4063 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْعَالِي الْبُوشَنْجِيُّ، نَا أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ، نَا أَبُو مُسْلِمٍ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ التَّمِيمِيُّ، أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، كِلاهُمَا

عَنْ سُلَيْمَانَ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ 4064 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقَفْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْمَسَاكِينُ، وَوَقَفْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، وَإِذَا أَهْلُ الْجِدِّ مَحْبُوسُونَ، إِلا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَدْ أُمِرَ بِهِ إِلَى النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ قَوْلُهُ: «وَإِذَا أَهْلُ الْجِدِّ مَحْبُوسُونَ» يَعْنِي: ذَوِي الْحَظِّ وَالْغِنَى. 4065 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَحْمِي

عَبْدَهُ الدُّنْيَا، وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرْضَاكُمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ». وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَن عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّة عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلامٌ صَغِيرٌ، وَقَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الظَّفَرِيُّ هُوَ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لأُمِّهِ 4066 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ "

4067 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الشُّرَيْحِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلٍ الْبَلْخِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ، نَا شَدَّادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الْوَازِعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ، فَقَالَ: «انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ»، قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي، فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا، لَلْفَقْرُ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَبُو الْوَازِعِ: اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ، قِيلَ فِي قَوْلِهِ: «فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا» أَيْ آلَة تَدْفَعُ بِهَا عَنْ دِينِكَ ضَرَرُهُ، مِنَ الصَّبْرِ، وَالْقَنَاعَةِ، وَالرِّضَا. 4068 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٌ، «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ: هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ

إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4069 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيُرْوَى: «رُبَّ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ بِهِ» أَيْ: لَا يُحْتَفَلُ بِهِ. قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ ذُرَى الإِيمَانِ حَتَّى تَكُونَ الضَّعَةُ

باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وعيش أصحابه رضي الله عنهم

أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ، وَمَا قَلَّ مِنَ الدُّنْيَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا كَثُرَ، وَيَكُونُ مَنْ أَحَبَّ وَمَنْ أَبْغَضَ عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، وَيَحْكُمُ لِلنَّاسِ كَمَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ. وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَعْدَ مَا أُصِيبَ بَصَرُهُ وَهُمْ يُجْذُونَ حَجَرًا، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: يُجْذُونَ حَجَرًا، فَقَالَ: عُمَّالُ اللَّهِ أَقْوَى مِنْ هَؤُلاءِ، الإِجْذَاءُ: الإِشَالَةُ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مُوسَى، إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَى مُقْبِلا فَاعْلَمْ أَنَّهَا عُقُوبَةٌ عُجِّلَتْ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلا، فَقُلْ: مَرْحَبًا بِشِعَارِ الْمُتَّقِينَ ". وَذُكِرَ لِلْحَسَنِ فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، تَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: تَجْمَعُ بَيْنَ غَدَاءٍ وَعَشَاءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَسْتَ مِنْهُمْ. بَابُ كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْشُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ 4070 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلاثَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ، فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَقَالَ: «أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ الرِّمَالُ: نَسِيجٌ مِنَ السَّعْفِ، يُقَالُ: رَمَلْتُ الْحَصِيرَ، وَأَرْمَلْتُ، وَالأَهَبَةُ جَمْعُ إِهَابٍ، وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: آهِبَةٌ جَمْعُ إِهَابٍ مِثْلُ آلِهَةٍ جَمْعُ إِلَهٍ. 4071 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا

أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: «أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأُ بَطْنَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ 4072 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلان، نَا أَبُو دَاوُدَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4073 - وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ،

أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ , قَالا: نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بن يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ 4074 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَقَدْ كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا، وَمَا هُوَ إِلا الْمَاءُ وَالتَّمْرُ، غَيْرَ أَنْ جَزَى اللَّهُ نِسَاءً مِنَ الأَنْصَارِ خَيْرًا، كُنَّ رُبَّمَا أَهْدَيْنَ لَنَا شَيْئًا مِنَ اللَّبَنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ هِشَامٍ، وَقَالَ: «إِلا أَنْ نُؤْتَى بِاللُّحَيْمَةِ» 4075 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، نَا جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: «مَا كَانَ يَفْضُلُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزُ الشَّعِيرِ» 4076 - أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدَعَوْهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَقَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الْخُبْزِ الشَّعِيرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْله: «شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ» أَيْ: مَشْوِيَّةٌ، وَمِنْهُ يُقَالُ: صَلَيْتُ اللَّحْمَ بِالتَّخْفِيفِ: إِذَا شَوَيْتُهُ عَلَى جِهَةِ الصَّلاحِ، وَصَلَّيْتُ فُلانًا بِالنَّارِ بِالتَّشْدِيدِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الْوَاقِعَة: 94]. 4077 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ، نَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ هِلالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُ

اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا، وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً، وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْزُ الشَّعِيرِ» 4078 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمٌ، نَا هِشَامُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ أَنَسٍ. ح قَالَ الْبُخَارِيُّ , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، نَا أَسْبَاطُ أَبُو الْيَسَعَ الْبَصْرِيُّ، نَا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهَ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لأَهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ بُرٍّ، وَلا صَاعُ حَبٍّ، وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعُ نِسْوَةٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الإِهَالَةُ: الدَّسَمُ مَا كَانَ، وَالسَّنِخَةُ: الْمُتَغَيِّرَةُ الرِّيحِ مِنْ طُولِ الزَّمَانِ.

4079 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، نَا سَيَّارٌ، نَا سَهْلُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا، عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَطْنِهِ عَنْ حَجَرَيْنِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ، لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ 4080 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ أَبُو حَاتِمٍ الْبَصْرِيُّ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاثُونَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ وَمَا لِي وَلِبِلالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلالٍ»

4081 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، نَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ إِمَّا إِزَارٌ، وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4082 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلادٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَاشٌ غَلِيظٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، جَعَلْتُ فِرَاشًا آخَرَ لِيَكُونَ أَوْطَأَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلْتُهُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ فِرَاشًا

رَثًّا غَلِيظًا، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَوْطَأَ لَكَ، فَقَالَ: «أَخِّرِيهِ اثْنَانِ، وَاللَّهِ لَا أَقْعُدُ عَلَيْهِ حَتَّى تَرْفَعِيهِ» فَرَفَعْتُ الأَعْلَى الَّذِي صَنَعْتُ 4083 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ، فَمَخَطَ فِي أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: «بَخٍ بَخٍ، يَتَمَخَّطُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَيَجِيءُ الْجَائِي فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي يَرَى أَنَّ بِي جُنُونًا وَمَا بِي جُنُونٌ، وَمَا هُوَ إِلا الْجُوعُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادٍ 4084 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو

طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَتَى بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: " قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، فَكُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ، بَدَتْ رِجْلاهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلاهُ، بَدَا رَأْسُهُ، قَالَ: وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، وَقَالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ ابْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ 4085 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلى خَبَّابٍ نَعُودُهُ قَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا

مَضَوْا، وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لَا نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلا التُّرَابَ، «وَلَوْلا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ»، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَهُوَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ، إِلا فِي شَيْءٍ يَجْعَلُهُ فِي هَذَا التُّرَابِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا أَنْفَقَ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفَقَةٍ إِلا أُجِرَ فِيهَا إِلا نَفَقَتَهُ فِي هَذَا التُّرَابِ». وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّفَقَةُ كُلُّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا الْبِنَاءَ فَلا خَيْرَ فِيهِ». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْبِنَاءُ كُلُّهُ وَبَالٌ، قِيلَ: أَرَأَيْتَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا أَجْرَ وَلا وِزْرَ 4086 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: " خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْهَا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لَا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا، وَاللَّهِ لَتُمْلأَنَّ، أَفَعَجِبْتُمْ؟ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظُ الزِّحَامِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلا وَرَقَ الشَّجَرِ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا، فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فَاشْتَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا وَاتَّزَرَ بِنِصْفِهَا، فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمُ مِنَّا أَحَدٌ حَيَّا إِلا أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا، وَعِنْدَ اللَّهِ صَغِيرًا، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوءَةٌ قَطُّ، إِلا تَنَاسَخَتْ حَتَّى تَكُونَ عَاقِبَتُهَا مُلْكًا، وَسَتَبْلُونَ، أَوْ قَالَ: سَتَخْبُرُونَ الأُمَرَاءَ بَعْدِي ".

باب طول الأمل والحرص

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَوْلُهُ: وَوَلَّتْ حَذَّاءَ: أَيْ مُسْرِعَةً، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ السَّرِيعَةُ الْخَفِيفَةُ الَّتِي انْقَطَعَ آخِرُهَا، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَطَاةِ: حَذَّاءُ لِقِصَرِ ذَنَبِهَا وَخِفَّتِهَا، وَحِمَارٌ أَحَدُّ: قَصِيرُ الذَّنَبِ، وَصُبَابَةُ الإِنَاءِ: الْبَقِيَّةُ الْيَسِيرَةُ تَبْقَى فِي الإِنَاءِ مِنَ الشَّرَابِ، يَتَصَابُّهَا أَيْ: يَشْرَبُهَا صَاحِبُهَا وَهُوَ كَظِيظٌ، أَيْ مُمْتَلِئٌ، وَالْكَظِيظُ: الزِّحَامُ، يُقَالُ: كَظَّهُ الشَّرَابُ، وَكَظَّهُ الْغَيْظُ: إِذَا مَلأَ صَدْرَهُ، يُقَالُ: رَأَيْتُ عَلَى بَابِهِ كَظِيظًا أَيْ: زِحَامًا. بَابُ طُولِ الأَمَلِ وَالْحِرْصِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2}} [التكاثر: 1 - 2] أَيْ: أَدْرَكَكُمُ الْمَوْتُ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [الْقِيَامَة: 5]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَوْفَ أَتُوبُ سَوْفَ أَعْمَلُ يَعْنِي: يُقَدِّمُ الذَّنْبَ، وَيُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ} [الْحجر: 3]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {

لَا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} [فصلت: 49] أَيْ: لَا يَفْتُرُ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ وَمَا يُصْلِحُ دُنْيَاهُ. 4087 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَشُبُّ مِنْهُ اثْنَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ 4088 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابَ عَلَى حُبِّ اثْنَيْنِ: حُبِّ الْحَيَاةِ، وَحُبِّ الْمَالِ ".

أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 4089 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشَّيْخُ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَيْنِ: طُولِ الْحَيَاةِ، وَكَثْرَةِ الْمَالِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 4090 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ، لابْتَغَى ثَالِثًا، وَلا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ 4091 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنَا

أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ النَّضْرِيُّ، نَا عَبَّاسُ الدُّورِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيُّ، نَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَزَ عُودًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَآخَرَ إِلَى جَنْبِهِ، وَآخَرَ أَبْعَدَ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا الأَجَلُ أَرَاهُ قَالَ وَهَذَا الأَمَلُ، فَيَتَعَاطَى الأَمَلَ فَلَحِقَهُ الأَجَلُ دُونَ الأَمَلِ» 4092 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا ابْنُ آدَمَ وَهَذَا أَجَلُهُ، وَوَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ قَفَاهُ»، ثُمَّ بَسَطَ فَقَالَ: «وَثمّ أَمَلُهُ»

4093 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْل، أَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُنْذِرٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خِطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، فَقَالَ: «هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجُ أَمَلِهِ، وَهَذِهِ الْخِطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا، نَهَسَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَسَهُ هَذَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ اثْنَيْنِ، طُولَ الأَمَلِ، وَاتِّبَاعَ الْهَوَى، فَإِنَّ طُولَ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ، وَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ. وَقَالَ عَوْنُ: كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْمًا لَا يَسْتَكْمِلُهُ، وَمُنْتَظِرٍ غَدًا لَا يَبْلُغُهُ، لَوْ تَنْظُرُونَ إِلَى الأَجَلِ وَمَسِيرِهِ، لأَبْغَضْتُمُ الأَمَلَ وَغُرُورَهُ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا بِلُبْسِ الْغَلِيظِ وَالْخَشِنِ، وَأَكْلِ الْجَشِبَ، إِنَّمَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قَصْرُ الأَمَلِ.

باب استحباب طول العمر للطاعة وتمني المال للخير

بَابُ اسْتِحْبَابِ طُولِ الْعُمُرِ لِلطَّاعَةِ وَتَمَنِّي الْمَالِ لِلْخَيْرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر: 37]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ "، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «نعما بِالْمَالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ». 4094 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ الْبَنَّانِيُّ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ»

4095 - وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَفَّالُ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَرْوَنْجِرْدِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قِيلَ: وَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 4096 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ مَاتَ الآخَرُ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قُلْتُمْ»، قَالُوا: دَعَوْنَا اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَيَرْحَمَهُ وَيُلْحِقَهُ بِصَاحِبِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَيْنَ صَلاتُهُ

بَعْدَ صَلاتِهِ وَعَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ»، أَوْ قَالَ: «صِيَامُهُ بَعْدَ صِيَامِهِ لَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ». وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ: مَاتَ الآخَرُ بَعْدَهُ بِجُمُعَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا 4097 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُبْدُوسٍ، بِنَيْسَابُورَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ الْفَقِيهُ، بِبَغْدَادَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالا: أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا عَبَّادُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، فَأَمَّا الَّذِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، فَإِنَّهُ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ بِصَدَقَةٍ، وَلا ظُلِمَ عَبْدُ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا، إِلا زَادَهُ اللَّهُ بِهِ عِزًّا، وَلا فَتَحَ بَابَ مَسْأَلَةٍ، إِلا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي أُحَدِّثُكُمْ فَاحْفَظُوهُ»، فَإِنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ فِيهَا مَالا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي بِهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ بِحَقِّهِ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ،

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَتَخَبَّطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلا يَعْمَلُ فِيهِ بِحَقٍّ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالا وَلا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ، لَوْ أَنَّ لِي مَالا، عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ نِيَّتُهُ، وَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 4098 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ»، فَقِيلَ: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ»

باب النظر إلى من هو أسفل منه

وَيُرْوَى: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا عَسَّلَهُ»، قِيلَ: مَا عَسَّلَهُ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَالْعَسْلُ: طيبُ الثَّنَاءِ. قَالَ حُذَيْفَةُ: لَيْسَ خِيَارُكُمْ مَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا لِلآخِرَةِ، وَلا مَنْ تَرَكَ الآخِرَةَ لِلدُّنْيَا، وَلَكِنَّ خِيَارَكُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَجْمَعُ الْمَالَ فَيَكُفُّ بِهِ وَجْهَهُ، وَيُؤَدِّي بِهِ أَمَانَتَهُ، وَيَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ، وَحُكِيَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ تَرَكَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَتْرُكْهَا، إِلا لأَصُونَ بِهَا دِينِي وَحَسَبِي. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كَانَ الْمَالُ فِيمَا مَضَى يُكْرَهُ، فَأَمَّا الْيَوْمَ، فَهُوَ تُرْسُ الْمُؤْمِنِ، وَقَالَ: لَوْلا هَذِهِ الدَّنَانِيرُ لَتَمَنْدَلَ بِنَا هَؤُلاءِ الْمُلُوكُ. وَقَالَ: مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ هَذِهِ شَيْءٌ فَلْيُصْلِحْهُ، فَإِنَّهُ زَمَانٌ إِنِ احْتَاجَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ يَبْذُلُ دِينَهُ، وَقَالَ: الْحَلالُ لَا يَحْتَمِلُ السَّرَفَ. بَابُ النَّظَرِ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ 4099 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ

مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ مِمَّنْ فَضُلَ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 4100 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْجِسْمِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ دُونَهُ فِي الْمَالِ وَالْجِسْمِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 4101 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو

طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْكُوفِيُّ الْعَبْسِيُّ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ، أَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْظُرُوا عَلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَلا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ»، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «عَلَيْكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ 4102 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ، كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا صَابِرًا، وَإِنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلا صَابِرًا: مَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ

هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى، وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا فَضَّلَهُ اللَّهُ فِيهِ عَلَيْهِ كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا صَابِرًا، وَمَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ دُونَهُ، وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ، لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلا صَابِرًا ". هَكَذَا رَوَاهُ الْخَلالُ وَسُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ , عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ جَدِّهِ، وَلَمْ يَذْكُرَا عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاه عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاق، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَك، عَنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4103 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ، نَا عِيسَى بْنُ نَصْرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا جَهْمُ بْنُ أَوْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَمَرَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُسْتُمَ فِي مَوْكِبِهِ، فَقَالَ لابْنِ أَبِي مَرْيَمَ: إِنِّي لأَشْتَهِي مُجَالَسَتَكَ وَحَدِيثَكَ، فَلَمَّا مَضَى، قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَغْبِطَنَّ

فَاجِرًا بِنِعْمَتِهِ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا هُوَ لاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ قَاتِلا لَا يَمُوتُ». فَبَلَغَ ذَلِكَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهْبٌ أَبَا دَاوُدَ الأَعْوَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا فُلانٍ، مَا قَاتِلا لَا يَمُوتُ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: النَّارُ وَقَالَ الْحَسَنُ: لَعَمْرِي لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ، لَشُغِلَ مُحْسِنٌ بِإِحْسَانِهِ وَمُسِيءٌ بِإِسَاءَتِهِ عَنْ تَجْدِيدِ ثَوْبٍ، أَوْ تَرْطِيلِ شَعْرٍ. أَرَادَ بِتَرْطِيلِ الشَّعْرِ: تَلْيِينَهُ بِالدُّهْنِ وَمَا أَشْبَهَهُ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ فِيهِ لِينٌ: رَجُلٌ رَطْلٌ، بِالْفَتْحِ. وَالَّذِي يُوزَنُ بِهِ وَيُكَالُ: رِطْلٌ، بِكَسْرِ الرَّاءِ. قَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: صَحِبْتُ الأَغْنِيَاءَ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَكْبَرَ هَمًّا مِنِّي، أَرَى دَابَّةً خَيْرًا مِنْ دَابَّتِي، وَثَوْبَا خَيْرًا مِنْ ثَوْبِي، وَصَحِبْتُ الْفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْتُ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: إِيَّاكُمْ وَمَوَاقِفَ الْفِتَنِ، قِيلَ: وَمَا مَوَاقِفُ الْفِتَنِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَبْوَابُ الأُمَرَاءِ يدْخُلُ أَحَدُكُمْ عَلَى الأَمِيرِ فَيُصَدِّقُهُ بِالْكَذِبِ، وَيَقُولُ لَهُ: مَا لَيْسَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِن عَلَى أَبْوَابِ السُّلْطَانِ فتنا كَمَبَارِكِ الإِبِلِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُصِيبُونَ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئًا إِلا أَصَابُوا مِنْ دِينِكُمْ مِثْلَيْهِ.

باب الدنيا سجن المؤمن

قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا دَعَوْكَ لِتَقْرَأَ عَلَيْهِمْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الْإِخْلَاص: 1] فَلا تَأْتِهِمْ، يَعْنِي: السُّلْطَانَ. بَابُ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [الْبَلَد: 4] أَيْ: فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَالإِنْسَانُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي ضِيقٍ، ثُمَّ يُكَابِدُ مَا يُكَابِدُهُ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، ثُمَّ الْمَوْتُ إِلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ. 4104 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْفَضْلُوِيُّ الْبُوشَنْجِيُّ بِهَا، نَا أَبُو الْعَلاءِ صَاعِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ , نَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» 4105 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْخَطِيبُ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارِ

بْنِ نُصَيْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنُ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنِ الْعَلاءِ 4106 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُنَادَةَ الْمَعَافِرِيُّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ، وَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا، فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ»

باب التوكل على الله عز وجل

بَابُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إِبْرَاهِيم: 12] أَيْ: لِيَكِلُوا أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمرَان: 159] وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطَّلَاق: 3] قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ، حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمرَان: 173]. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يُوسُف: 42]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

مَعْنَاهُ أَنْسَى الشَّيْطَانُ يُوسُفَ ذِكْرَ رَبِّهِ حَتَّى اسْتَغَاثَ بِمَخْلُوقٍ {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يُوسُف: 42] رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: دَخَلَ جِبْرِيلُ عَلَى يُوسُفَ فِي السِّجْنِ، فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: " يَا أَخَا الْمُنْذِرِينَ مَاذَا تَعْمَلُ بَيْنَ الْمُذْنِبِينَ؟ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: يَا طَيِّبُ ابْنُ الطَّيِّبِينَ، يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ: أَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنِّي أَنِ اسْتَغَثْتَ بِمَخْلُوقٍ مِثْلِكَ؟، وَعِزَّتِي لأُطِيلَنَّ حَبْسَكَ. فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: أَهُوَ رَاضٍ عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: إِذًا لَا أُبَالِي ". وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الْأَعْرَاف: 137]، وَيَعْنِي قَوْلُهُ: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} [الْقَصَص: 5]. 4107 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ شُجَاعٍ الْبَزَّازُ، بِبَغْدَادَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ الأَنْبَارِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدْخُلُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، قِيلَ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مُحْصِنٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ؟ قَالَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ» ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ خَلَفٍ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِمْرَانَ. وَرُوِيَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اكْتَوَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ». وَعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ، فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ رَفَعَ عَنِّي، فَلَمَّا تَرَكْتُ ذَلِكَ، عَادَ إِلَيَّ». وَعَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: اعْلَمْ يَا مُطَرِّفُ، أَنَّهُ كَانَ تُسَلِّمُ الْمَلائِكَةُ عَلَيَّ عِنْدَ رَأْسِي، وَعِنْدَ بَابِ

الْبَيْتِ، وَعِنْدَ بَابِ الْحُجْرَةِ، فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ ذَهَبَتْ تِلْكَ. فَلَمَّا بَرَأَ كَلَّمَهُ، قَالَ: اعْلَمْ يَا مُطَرِّفُ، أَنَّهُ عَادَ إِلَيَّ الَّذِي كَانَ، اكْتُمْ عَلَيَّ يَا مُطَرِّفُ حَتَّى أَمُوتَ 4108 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ الْخِمَاصُ: جَمْعُ الْخَمِيصِ الْبَطْنِ، وَهُوَ الضَّامِرُ، وَالْمَخْمَصَةُ: الْجُوعُ، لأَنَّ الْبَطْنَ يَضْمُرُ بِهِ. 4109 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

الْمُبَارَكِ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ، لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى إِمَّا مَوْتًا عَاجِلا، أَوْ غِنًى عَاجِلا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ 4110 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ،

عَنِ الْمُطَّلِبِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ، إِلا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ قَدْ أَلْقَى فِي رُوعِي، أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْعِبَ كُلَّ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ لَهَا، فَمَنْ أَبْطَأَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلْيُجْمِلْ فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تُدْرِكُوا مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلا بِمِثْلِ طَاعَتِهِ» 4111 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو نَصْرِ بْنُ حَمْدَوَيْهِ الْمُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، أَنَا عَبْدَانُ , عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا: زُبَيْدٌ الْيَامِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ، إِلا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنَّ

الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلا بِطَاعَتِهِ». وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ زُبَيْدٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ 4112 - أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا هُشَيْمٌ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، أَلا فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ». أَرَادَ بِالرُّوحِ الأَمِينِ وَبِرُوحِ الْقُدُسِ: جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [الْبَقَرَة: 87] 4113 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا

أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، نَا زُبَيْدٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ، إِلا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، إِلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، أَلا وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ رِزْقٍ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلا بِطَاعَتِهِ» قَوْلُهُ: «نَفَثَ فِي رُوعِي» فَالنَّفْثُ شَبِيهٌ بِالنَّفْخِ، وَالتَّفْلُ لَا يَكُونُ إِلا وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّيقِ. وَقَوْلُهُ: «فِي رُوعِي»، أَيْ: فِي خَلَدِي وَنَفْسِي، مَعْنَاهُ: أُوحِيَ إِلَيَّ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إِنَّ فِي كُلِّ أُمَّةٍ مُرَوَّعِينَ وَمُحَدَّثِينَ». وَالْمُرَوَّعُ: الْمُلْهَمُ كَأَنَّهُ يُلْقَى فِي رُوعِهِ الصَّوَابُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «

باب الاجتناب عن الشهوات

ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي، أَمْلأُ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدُّ فَقْرَكَ، وَإِلا تَفْعَلْ مَلأْتُ يَدَكَ شُغْلا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ». وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحْتُ عَلَى مَا أُحِبُّ أَوْ عَلَى مَا أَكْرَهُ، لأَنِّي لَا أَدْرِي الْخَيْرَ فِيمَا أُحِبُّ أَوْ فِيمَا أَكْرَهُ. بَابُ الاجْتِنَابِ عَنِ الشَّهَوَاتِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مَرْيَم: 59]. 4114 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجْلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ , عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ 4115 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْفُورَانِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَعْفَرٍ الْخِرَقِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " دَعَا اللَّهُ جِبْرِيلَ، فَأَرْسَلَهُ عَلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَمَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا، قَالَ: فَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّارِ، فَقَالَ: اذْهِبْ إِلَيْهَا، وَانْظُرْ مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ سَمِعَ بِهَا، فَحُجِبَتْ بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: عُدْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ

أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا «. وَفِي رِوَايَةِ الْفُورَانِيِّ» فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ «،» فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ " 4116 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيِّ , عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنِ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 4117 - أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، أَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، نَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ: «إِنَّ الْكَيِّسَ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنَّ الْعَاجِزَ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» قَوْلُهُ: «دَانَ نَفْسَهُ» أَيِ: اسْتَعْبَدَهَا، وَأَذَلَّهَا يُقَالُ: دِنْتُ الْقَوْمَ أَدِينُهُمْ: إِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ بِهِمْ، وَقِيلَ: «دَانَ نَفْسَهُ»، أَيْ: حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ فِي الْقِيَامَةِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتَجَهَّزُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ: كَفَى بِالْمَرْءِ سَرَفًا أَنْ يَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَى، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: شَيْئَانِ إِذَا عَمِلْتَ بِهِمَا أَصَبْتَ بِهِمَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قِيلَ: مَا هُمَا؟ قَالَ: تَحَمُّلُ مَا تَكْرَهُ إِذَا أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَتَتْرُكَ مَا تُحِبُّ إِذَا كَرِهَ اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْحَقُّ ثَقِيلٌ مَرِيٌّ، وَالْبَاطِلُ خَفِيفٌ وَبِيٌّ، وَرُبَّ شَهْوَةِ سَاعَةٍ، أَوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلا. وَيُرْوَى مِثْلُهُ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَوْلا ثَلاثٌ، لَصَلُحَ النَّاسُ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ هِمَّةُ أَحَدِهِمْ فِيهِ بَطْنَهُ وَدِينُهُ هَوَاهُ.

4118 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ»، قَالَ: «وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعَظَّمُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهِ خَيْرًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى 4119 - حَدَّثَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْحَاسِبُ , نَا جُبَارَةُ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: رُئِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْضِعٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَخْرَجَكَ؟ قَالَ: «الْجُوعُ»، قَالَ: أَنَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ أَخْرَجَنِي الْجُوعُ، قَالَ: ثُمَّ

جَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِعِذْقٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كُنَّا نَصْنَعُ بِهَذَا كُلِّهِ»، قَالَ: تَأْكُلُونَ مِنْ بُسْرِهِ وَرُطَبِهِ، قَالَ: فَأَكَلُوا، وَشَرِبُوا عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] " 4120 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ التُّرَابِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا شُبَابَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَرْزَمٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ، أَنْ يُقَالُ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ جِسْمَكَ، وَنَرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالضَّحَّاكُ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ عَرْزَمٍ

باب حفظ اللسان

بَابُ حِفْظِ اللِّسَانِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. 4121 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلا يُؤْذِيَنَّ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُومِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». وَفِي رِوَايَةِ الْقَاضِي: «أَوْ لِيَسْكُتْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،

عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ 4122 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، نَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4123 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا

دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4124 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، وَمَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، وَمَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيُكْتَبُ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطُهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

4125 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ , أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ، قَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُكَ تَدْخُلُ عَلَى هَؤُلاءِ الأُمَرَاءِ وَتَغْشَاهُمْ، فَانْظُرْ مَاذَا تُحَاضِرُهُمْ بِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنَ الْخَيْرِ، مَا يَعْلَمُ مَبْلَغَهَا يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنَ الشَّرِّ، مَا يَعْلَمُ مَبْلَغَهَا يَكْتُبُ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ». فَكَانَ عَلْقَمَةُ، يَقُولُ: رُبَّ حَدِيثٍ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا سَمِعْتُ مِنْ بِلالٍ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4126 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ

الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا حَمَّادُ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أَظُنُّهُ رَفَعَهُ، قَالَ: " إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ لِلِّسَانِ، وَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ، اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا " قَوْلُهُ: تُكَفِّرُ، أَيْ: تَذِلُّ وَتَخْضَعُ. 4127 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ، نَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَرْوَنْجِرْدِيُّ، نَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّرْسِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ الأَوْدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ أُمَّتِي النَّارَ الأَجْوَفَانِ: الْفَرْجُ، وَالْفَمُ "

4128 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ. ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فراشٍ الْمَكِّيُّ بِمَكَّةَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا النَّجَاةُ؟ فَقَالَ: «يَا عُقْبَةُ، امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ

حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَيَانٍ الْغَافِقِيُّ، بِمِصْرَ، نَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَوْلُهُ: «امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ»، يَقُولُ: لَا تُجْرِهِ إِلا بِمَا يَكُونُ لَكَ لَا عَلَيْكَ. 4129 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُقْبَةَ , حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَمَتَ نَجَا» 4130 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ،

أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِمَنْ يُحَدِّثُ، فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ» 4131 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْد اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقُولُ الْكَلِمَةَ لَا يَقُولُهَا إِلا لِيُضْحِكَ بِهَا النَّاسَ، يَهْوِي بِهَا أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَإِنَّهُ لَيَزِلُّ عَنْ لِسَانِهِ أَشَدَّ مِمَّا يَزِلُّ مِنْ قَدَمِهِ» 4131 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ، فَفِيمَا بَيْنَ اللَّحْيَيْنِ،

باب ترك الإنسان ما لا يعنيه

يَعْنِي: اللِّسَانَ، وَمَا شَيْءٌ أَحْوَجُ إِلَى سِجْنٍ طَوِيلٍ مِنَ اللِّسَانِ. وَقَالَ: أُنْذِرُكُمْ فُضُولَ الْكَلامِ، بِحَسْبِ أَحَدِكُمْ مَا بَلَغَ حَاجَتَهُ، وَقَالَ: أَكْثَرُ النَّاسِ خَطَأً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ خَوْضًا فِي الْبَاطِلِ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ إِلا لأَحَدِ رَجُلَيْنِ: صَمُوتٍ وَاعٍ، وَنَاطِقٍ عَالِمٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: الْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: الْكَلامُ بِمَنْزِلَةِ الْعُطَاسِ، قَلِيلُهُ دَوَاءٌ، وَكَثِيرُهُ دَاءٌ. بَابُ تَرْكِ الإِنْسَانِ مَا لَا يَعْنِيهِ 4132 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيُّ، نَا أَبِي، نَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوَئِيلَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»

4133 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» , قَالَ أَبُو عِيسَى: هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، وهَذَا عِنْدَنَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 3]، قَالَ: أَتَاهُمْ وَاللَّهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا وَقَذَهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ، قَوْلُهُ: وَقَذَهُمْ، أَيْ: سَكَنَهُمْ، يُقَالُ: وَقَذَهُ الْحِلْمُ: إِذَا سَكَنَهُ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ تَصِفُ أَبَاهَا: وَكَانَ وَقِيذَ الْجَوَانِحِ، تُرِيدُ: مَحْزُونَ الْقَلْبِ، كَأَنَّ الْحُزْنَ قَدْ ضَعَّفَهُ وَكَسَرَهُ.

باب الرياء والسمعة

بَابُ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ} [النِّسَاء: 38]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [الْبَقَرَة: 264]. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [الْقَصَص: 88] أَيْ: إِلا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10]، قَالَ: أَصْحَابُ الرِّيَاءِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الرّوم: 39]، قَالَ: مَا أَعْطَيْتُمْ مِنْ عَطِيَّةٍ لِتُثَابُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، فَلَيْسَ فِيهَا أَجْرٌ. وَقِيلَ، فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الْكَهْف: 110] أَيْ: لَا يَعْبُدُ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَلا يَعْمَلُ عَمَلا فِيهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، وَلا يَكْتَسِبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ.

4134 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبًا، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ، سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي، يُرَائِي اللَّهُ بِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَوْلُهُ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ»، يُرِيدُ: مَنْ عَمِلَ عَمَلا عَلَى غَيْرِ إِخْلاصٍ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْمَعُوهُ. قَوْلُهُ: «سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ»، يُرِيدُ: يُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَشْهَرُهُ وَيَفْضَحُهُ، فَيَبْدُو عَلَيْهِ مَا كَانَ يُسِرُّهُ مِنْ ذَلِكَ. 4135 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ،

عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: " الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ يُجَازِي الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمُ: اذْهَبُوا عَلَى الَّذِينَ كُنْتُم تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ". مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ 4136 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَا أَبِي، وَشُعَيْبٌ، قَالا: نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَقُولُ: إِنِّي أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشَّرِيكِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ

هُوَ لِلَّذِي عَمِلَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَوْحٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 4137 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ، يَقُولُ: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلا، فَأَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ ". وَيُرْوَى مَرْفُوعًا: «لَا أَجْرَ لِمَنْ لَا حِسْبَةَ لَهُ». وَقَالَ الْحَسَنُ: أَعِزَّ أَمْرَ اللَّهِ، يُعِزُّكَ اللَّهُ 4138 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ،

قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ فِي بَيْتِ أَبِي عُبَيْدَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ، سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ أَسَامِعَ خَلْقِهِ، وَحَقَّرَهُ وَصَغَّرَهُ»، فَذَرَقَتْ عَيْنَا ابْنِ عُمَرَ يُقَالُ: سَمَّعْتُ بِالرَّجُلِ تَسْمِيعًا: إِذَا شَهَرْتُهُ. وَقَوْلُهُ: «أَسَامِعَ خَلْقِهِ»: هِيَ جَمْعُ أَسْمُعٍ، يُقَالُ: سُمُعٌ وَأَسْمُعٌ وَأَسَامِعٌ جَمْعُ الْجَمْعِ، يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُسَمِّعُ أَسْمَاعَ خَلْقِهِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُظْهِرُ لِلنَّاسِ سَرِيرَتَهُ، وَيَمْلأُ أَسْمَاعَهُمْ بِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ مِنْ خُبْثِ السَّرَائِرِ جَزَاءً لِفِعْلِهِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ».

باب من عمل لله فحمد عليه

وَيُرْوَى: «سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ سَامِعُ خَلْقِهِ» مَرْفُوعًا، فَيَكُونُ السَّامِعُ مِنْ نَعْمِت اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُرِيدُ: سَمَّعَ اللَّهُ الَّذِي هُوَ سَامِعُ خَلْقِهِ، يَعْنِي: يَفْضَحُهُ اللَّهُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ خُشُوعِ النِّفَاقِ، قِيلَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: أَنْ يُرَى الْجَسَدُ خَاشِعًا، وَالْقَلْبُ لَيْسَ بِخَاشِعٍ. بَابُ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ فَحُمِدَ عَلَيْهِ 4139 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُونِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ، وَيُحِبُّهُ النَّاسُ، قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ» 4140 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ , أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدِينِيُّ , أَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُونِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ

الْعَمَلَ لِلَّهِ يُحِبُّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، وَقَالَ: وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ 4141 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو سَعْدٍ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بُرَازٍ , نَا أَبُو مَنْصُورٍ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ زَكَرِيَّا النَّضْرَوِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ، نَا عَبَّاسٌ الدِّمَشْقِيُّ الْخَلالُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي حَرِيثٍ الْقُرَشِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا أَنَا فِي بَيْتِي فِي مُصَلَّاي إِذْ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَأَعْجَبَنِي الْحَالُ الَّتِي رَآنِي عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَحِمَكَ اللَّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ، لَكَ أَجْرَانِ: أَجْرُ السِّرِّ، وَأَجْرُ الْعَلانِيَةِ "

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، رَوَى سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُ الأَعْمَشِ لَمْ يُذْكَرُوا فِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: فَأَعْجَبَهُ، مَعْنَاهُ: أَنْ يُعْجِبَهُ ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ» أَمَّا إِذَا أَعْجَبَهُ لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْخَير وَيُعَظَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ رِيَاءٌ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: فَأَعْجَبَهُ رَجَاءَ أَنْ يَعْمَلَ مَنْ رَآهُ بِمِثْلِ عَمَلِهِ، فَيَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: إِنَّمَا يُسَرُّ لِيُسْتَنَّ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ لِلْحَدِيثِ عِنْدِي وَجْهٌ إِلا مَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، لأَنَّ الآثَارَ كُلَّهَا تُصَدِّقُهُ، مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا» وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ حَدِيثٌ آخَرُ: «أَنَّ رَجُلا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَرَآهُ جَارٌ لَهُ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَغُفِرَ لِلأَوَّلِ».

باب من يريد الدنيا بعمله

بَابُ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا بِعَمَلِهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ {15} أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ} [هود: 15 - 16]، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الآيَةِ: أَهْلُ الرِّيَاءِ، أَهْلُ الرِّيَاءِ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عمرَان: 117]، قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فِيهَا صِرٌّ} [آل عمرَان: 117] أَيْ: بَرْدٌ شَدِيدٌ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {رِيحًا صَرْصَرًا} [فصلت: 16] أَيْ: شَدِيدَةُ الْبَرْدِ. 4142 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ بِمَكَّةَ، نَا أَبِي الرَّبِيع بْن صُبَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبُ الآخِرَةِ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا، وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبُ الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَشَتَّتَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَلا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلا مَا كُتِبَ لَهُ» 4143 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ شُفَيَّ الأَصْبَحِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يُحَدِّثُ

النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلا قُلْتُ لَهُ: نَشَدْتُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثَ قَلِيلا ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى فَمَكَثَ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ، فَقَالَ: أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ، وَأَسْنَدْتُهُ طَوِيلا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعِلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ،

وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلانٌ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعَكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ، أَنْ يُقَالَ: فُلانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ "، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيَّ، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلاثَةُ أَوَّلُ خَلْقٍ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» , قَالَ الْوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ، أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا، فَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: وَحَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ

مُعَاوِيَةُ: قَدْ فَعَلَ بِهَؤُلاءِ هَذَا، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، فَقُلْنَا لَهُ: قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ {15} أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {16}} [هود: 15 - 16] ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ: نَشَغَ، النَّشْغُ: الشَّهِيقُ حَتَّى يَكَادُ يَبْلُغُ بِهِ الْغشي، يُقَالُ: نَشَغَ يَنْشَغُ نَشْغًا، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الإِنْسَانُ شَوْقًا إِلَى صَاحِبِهِ وَأَسَفًا عَلَيْهِ. 4144 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، نَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَشِّرْ

هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةَ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ» 4145 - وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْحُسَيْنُ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، نَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ الْعَبْدِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَانِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، فِي الأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ» وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ إِذَا وُقِفْتُ عَلَى الْحِسَابِ، أَنْ يُقَالَ لِي: قَدْ عَلِمْتَ فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟. وَقَالَ: إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَا يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: سَمِعْتُ خَالِي مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ: قَالَ لِي رَبِيعَةُ الرَّأْيِ، قَالَ: وَكَانَ أُسْتَاذَ مَالِكٍ: يَا مَالِكُ، مِنَ السَّفَلَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَنْ أَكَلَ بِدِينِهِ، قَالَ: فَقَالَ لِي: مَنْ سَفَلَةِ السَّفَلَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَنْ أَصْلَحَ دُنْيَا غَيْرِهِ بِفَسَادِ دِينِهِ، قَالَ: فَصَدَّرَنِي.

باب إماطة الأذى عن الطريق

بَابُ إِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ». 4146 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ، فَغُفِرَ لَهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كُلٌّ، عَنْ مَالِكٍ

باب ثواب من عمل حسنة أو هم بها

4147 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، نَا أَبَانُ بْنُ صُمْعَةَ، عَنْ أَبِي الْوَازِعِ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمِطِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ صُمْعَةَ بَابُ ثَوَابِ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً أَوْ هَمَّ بِهَا 4148 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ

عَزَّ وَجَلَّ: «إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً، فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا أَكْتُبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فَأَنَا أَغْفِرُهَا مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا» 4148 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَت الْمَلائِكَةُ: يَا رَبِّ ذَاكَ عَبْدٌ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ، فَقَالَ: ارْقُبُوهُ، فَإِنْ عَمِلَهَا، فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا، فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي " 4148 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا، تُكْتَبُ بَعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ: «إِلَى سَبْعِ مِائَةِ» هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْثِيرِ وَالتَّضْعِيفِ لَا مِنْ بَابِ حَصْرِ الْعَدَدِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ

باب التقوى

فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [الْبَقَرَة: 261]، وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التَّوْبَة: 80] لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إِنْ زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُمْ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ: فَإِنِ اسْتَكْثَرْتَ مِنَ الدُّعَاءِ لِلْمُنَافِقِينَ وَالاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُمْ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ التَّسْبِيعَ مَوْضِعَ التَّضْعِيفِ وَإِنْ جَاوَزَ السَّبْعَ. حُكِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمًا، فَقَالَ: سَبَّعَ اللَّهُ لَهُ الأَجْرَ، أَرَادَ التَّضْعِيفَ. 4149 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، نَا أَبُو الْخَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مَثَلَ الَّذِي يَعْمَلُ السَّيِّئَاتِ، ثُمَّ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ عَلَيْهِ دِرْعٌ ضَيِّقَةٌ قَدْ خَنَقَتْهُ، ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً فَانْفَكَّتْ حَلْقَةٌ، ثُمَّ عَمِلَ أُخْرَى، فَانْفَكَّتْ أُخْرَى حَتَّى يَخْرُجَ» بَابُ التَّقْوَى قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: " {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا

مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الْحَج: 32]، وَقَالَ عَطَاءٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} [الْحَج: 30]، قَالَ: الْمَعَاصِي، مَعْنَاهُ: وَمَنْ يُعَظِّمْ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَجْتَنِبُهُ، وَقِيلَ: حُرُمَاتِ اللَّهِ، يَعْنِي: فُرُوضَهُ، وَالْحُرْمَةُ: مَا وَجَبَ الْقِيَامُ بِهِ، وَحَرَّمَ التَّفْرِيطَ فِيهِ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الْحَج: 37] أَيْ: لَا يَصِلُ إِلَيْهِ مَا يَعُدُّ لَكُمْ بِهِ ثَوَابَهُ إِلا التَّقْوَى. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [الْبَقَرَة: 201]. قَالَ الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا: الْعِلْمُ، وَالْعِبَادَةُ، وَالْحَسَنَةُ فِي الآخِرَةِ: الْجَنَّةُ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {162} هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} [آل عمرَان: 162 - 163] أَيْ: ذَوُو دَرَجَاتٍ، أَيْ: طَبَقَاتٌ فِي الْفَضْلِ. 4150 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، نَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ

باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «التَّقْوَى هَهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ». قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: لِيَعْظُمَ جَلالُ اللَّهِ فِي صُدُورِكُمْ، فَلا تَذْكُرُوهُ عِنْدَ مِثْلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ لِلْكَلْبِ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، وَلِلْحِمَارِ، وَالشَّاةِ، وَقَالَ: لأَنْ أَبِيتَ نَائِمًا وَأُصْبِحَ نَادِمًا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ قَائِمًا، وَأُصْبِحَ مُعْجَبًا. قَالَ عُمَرُ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ: التَّقِيُّ مُلَجَّمٌ لَا يَفْعَلُ كُلَّ مَا يُرِيدُ. بَابُ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التَّوْبَة: 71]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ

عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لُقْمَان: 17]. 4151 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْن الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْوَاقِعِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدَاهِنِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ، فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهَا، فَرَكِبَ قَوْمٌ عُلُوَّهَا وَرَكِبَ قَوْمٌ سُفْلَهَا، وَكَانُوا إِذَا اسْتَقَوْا آذَوْهُمْ وَأَصَابُوهُمْ بِالْمَاءِ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ قَدْ آذَيْتُمُونَا مِمَّا تَمُرُّونَ عَلَيْنَا، فَأَعْطَوْا رَجُلا فَأْسًا فَنَقَبَ عِنْدَهُمْ نَقْبًا، قَالُوا: مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: تَأَذَّيْتُمْ بِنَا فَنَنْقُبُ عِنْدَنَا نَقْبًا نَسْتَقِي مِنْهُ، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ، هَلَكُوا وَأَهْلَكُوا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ، نَجَوْا وَنَجَوْا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ

قَوْلُهُ: «وَالْمُدَاهِنِ»، وَالْمُدَاهَنَةُ، وَالادهَانُ: الْمُقَارَبَةُ فِي الْكَلامِ وَالتَّلْيِينِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [الْقَلَم: 9] أَيْ: تَلِينُ لَهُمْ، فَيَلِينُونَ لَكَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَوْ تَصَانِعُهُمْ فِي دِينِكَ، فَيُصَانِعُونَ فِي دِينِهِمْ، وَقِيلَ: لَوْ تَكْفُرُ فَيَكْفُرُونَ، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} [النِّسَاء: 89]، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} [الْوَاقِعَة: 81] أَيْ: كَافِرُونَ. وَالاسْتِهَامُ: الاقْتِرَاعُ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقُرْعَةِ فِي سُكْنَى السَّفِينَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمَنَازِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إِذَا جَاءُوا مَعًا، فَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ، فَهُوَ أَحَقُّ. 4152 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَأَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ قَوْمًا رَكِبُوا الْبَحْرَ فِي سَفِينَةٍ فَاقْتَسَمُوهَا، فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مَكَانًا، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْهُمُ الْفَأْسَ، فَنَقَرَ مَكَانَهُ، فَقَالُوا: مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: مَكَانِي أَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتُ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ، نَجَوْا وَنَجَا، وَإِنْ تَرَكُوهُ، غَرِقَ وَغَرِقُوا،

فَخُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَهْلِكُوا " 4153 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّارَابَجَرْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [الْمَائِدَة: 105]، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ , وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي، نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ وَوَاكَلُوهُمْ، فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ

دَاوُدَ، وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ»، قَالَ: فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: «لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطُرُوهُمْ أَطْرًا» أَيْ: تَعْطِفُوهُمْ عَطْفًا 4154 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الأَشْهَلِيُّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ، فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» 4154 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ، وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ، وَيَرِثُ دُنْيَاكُمْ شِرَارُكُمْ»

4155 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ»، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو أَرَادَ: الْعَبِيدَ وَالسِّفْلَةَ، وَيُقَالُ لِلأَمَةِ: اللَّكَاعُ، كَمَا يُقَالُ: غُدَرٌ وَغَدَارِ، مِنَ الْغَدْرِ. 4155 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَيْفِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ عَدِيٍّ الْكِنْدِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا مَوْلًى لَنَا , أَنَّهُ سَمِعَ جَدِّي، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ، حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلا يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَذَّبَ اللَّهُ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ».

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْمِنْبَرِ: وَاللَّهِ لَتَجِدُّنَّ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَلَتُقَاتِلُنَّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، أَوْ لَيَسُوسَنَّكُمْ أَقْوَامٌ أَنْتُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُمْ، ثُمَّ لَيُعَذِّبَنَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ 4156 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ، أَنَا عِيسَى بْنُ نَصْرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ، كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [الْمَائِدَة: 105]، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْروفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ، فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، فَمَنْ صَبَرَ فِيهِنَّ، قَبَضَ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ

فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ» , وَزَادَنِي غَيْرُهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» يَقُولُ ابْن الْمُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُهُ، قِيلَ: الشَّحُّ الْمُطَاعُ: هُوَ أَنْ يُطِيعَهُ صَاحِبُهُ فِي مَنْعِ الْحُقُوقِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ. 4157 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ

أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ حَتَّى يَعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» قَوْلُهُ: «حَتَّى يَعْذِرُوا» أَيْ: يُكْثِرُوا ذُنُوبَهُمْ، وَيَسْتَوْجِبُوا الْعُقُوبَةَ، فَيَكُونُ لِمَنْ يُعَذِّبُهُمُ الْعُذْرُ، يُقَالُ: أَعْذَرَ الرَّجُلُ إِعْذَارًا إِذَا صَارَ ذَا عَيْبٍ وَفَسَادٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَذَرَ يَعْذِرُ بِمَعْنَاهُ، وَهُوَ كَالْحَدِيثِ الآخَرِ: «لَنْ يَهْلِكَ عَلَى اللَّهِ إِلا هَالِكٌ». قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَيُقَالُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى: أَعْذَرْتُ فِي طَلَبِ الأَمْرِ: إِذَا بَالَغْتَ فِيهِ، وَعَذَّرْتُ إِذَا قَصَّرْتَ وَلَمْ تُبَالِغْ، وَأَعْذَرْتُ الْغُلامَ وَعَذَرْتُهُ لُغَتَانِ، وَمَعْنَاهُمَا: الْخِتَانُ، وَعَذَرْتُهُ: إِذَا غَمَزْتَ عَذْرَتَهُ، وَهِيَ وَجَعٌ فِي الْحَلْقِ. 4157 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ»

باب وعيد من يأمر بالمعروف ولا يأتيه

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: جَاهِدُوا الْمُنَافِقِينَ بِأَيْدِيكُمْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا فَبِأَلْسِنَتِكُمْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا إِلا أَنْ تَكْفَهِرُّوا فِي وُجُوهِكُمْ فَاكْفَهِرُّوا. قَالَ بِلالُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِذَا أُخْفِيَتْ، لَمْ تَضُرَّ إِلا صَاحِبَهَا، فَإِذَا أُعْلِنَتْ، فَلَمْ تُغَيَّرْ، ضَرَّتِ الْعَامَّةَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: كَانُوا إِذَا رَأَوُا الرَّجُلَ لَا يُحْسِنُ الصَّلاةَ، عَلَّمُوهُ، قَالَ سُفْيَانُ: أَخْشَى أَنْ لَا يَسَعَهُمْ إِلا ذَلِكَ. بَابُ وَعِيدِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرِوفِ وَلا يَأْتِيهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [الْبَقَرَة: 44]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصَّفّ: 2]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] أَيْ: لَسْتُ أَنْهَاكُمْ عَنْ شَيْءٍ وَأَدْخُلُ فِيهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ

الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: «الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلامَ الطَّيِّبَ إِلَى اللَّهِ، فَإِذَا كَانَ كَلامٌ طَيِّبٌ وَعَمَلٌ سَيِّئٌ رُدَّ الْقَوْلُ عَلَى الْعَمَلِ»، وَقَالَ قَتَادَةُ: " {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] قَالَ: يَرْفَعُ اللَّهُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لِصَاحِبِهِ ". 4158 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيٌّ، نَا سُفْيَانُ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ لَوْ أَتَيْتَ فُلانًا، فَكَلَّمْتَهُ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلا سمعكم أَنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلا أَقُولُ لِرَجُلٍ إِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَمِيرًا: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: " يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقَ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتِمَعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ:

كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ , وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنِ الأَعْمَشِ: «فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ» قَوْلُهُ: «لَا أُكَلِّمُهُ إِلا سمعكم» أَيْ: بِحَيْثُ تَسْمَعُونَ بِكَسْرِ السِّينِ. قَوْلُهُ: «تَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ» أَيْ: تَخْرُجُ أَمْعَاؤُهُ، فَالانْدِلاقُ: خُرُوجُ الشَّيْءِ مِنْ مَكَانِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ بَدَرَ خَارِجًا، فَقَدِ انْدَلَقَ، يُقَالُ: انْدَلَقَ السَّيْفُ مِنَ الْغِمْدِ: إِذَا شَقَّهُ فَخَرَجَ مِنْهُ، وَالأَقْتَابُ: الأَمْعَاءُ، قَالَهُ الأَصْمَعِيُّ، وَاحِدُهَا: قِتْبَةٌ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: وَاحِدُهَا قِتْبٌ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْقِتْبُ مَا تَحَوَّى فِي الْبَطْنِ، يَعْنِي: اسْتَدَارَ، وَهِيَ الْحَوَايَا، فَأَمَّا الأَمْعَاءُ، فَإِنَّهَا الأَقْصَابُ، وَاحِدُهَا قُصْبٌ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرَّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ».

باب وعيد الظالم

4159 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ بَابُ وَعِيدِ الظَّالِمِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشُّعَرَاء: 227] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود: 113] أَيْ: لَا تَمِيلُوا،

وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا} [الْإِسْرَاء: 74]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النَّمْل: 50]، وَالْمَكْرُ مِنَ اللَّهِ: هُوَ استدراجهم من حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُوصَفُ بِالْمَكْرِ، وَلا يُوصَفُ بِالاحْتِيَالِ، لأَنَّ الْمُحْتَالَ مَنْ يُقَلِّبُ الْفِكْرَةَ لِيَهْتَدِيَ إِلَى وَجْهِ مَا يُرِيدُ، وَالْمَاكِرُ الَّذِي يَسْتَدْرِجُ، فَيَأْخُذُ مِنْ وَجْهِ غَفْلَةٍ مِنَ الْمُسْتَدْرَجِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَاف: 182]، وَسُئِلَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنِ الاسْتِدْرَاجِ؟ فَقَالَ: مَكْرُ اللَّهِ بِالْعِبَادِ الْمُضَيِّعِينَ، وَقِيلَ: هُوَ الأَخْذُ عَلَى غِرَّةٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: " {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَاف: 182] قَالَ: يُسْبِغُ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ، وَيَمْنَعُهُمُ الشُّكْرَ "، وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا أُحْدِثَتْ لَهُمْ نِعْمَةٌ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الْأَنْعَام: 44]. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} [

الْكَهْف: 35 - 40] أَيْ: عَذَابًا، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: الْحُسْبَانُ الْمَرَامِيُّ الصِّغَارُ، شَبَّهَ مَا يُرْسِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَدٍ، أَوْ حِجَارَةٍ بِالْحُسْبَانِ، وَقِسِيُّ الْحُسْبَانِ مَعْرُوفَةٌ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: 100] أَيْ: مِنْهَا بَادٍ يُرَى، وَحَصِيدٌ قَدْ ذَهَبَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ آثَرٌ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} [الْأَنْبِيَاء: 15] أَيْ: حُصِدُوا بِالسَّيْفِ وَالْمَوْتِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النَّمْل: 52] أَيْ: لَا أَنِيسَ فِيهَا، يُقَالُ: خَوَتِ الدَّارُ تَخْوِي خِوَايَةً وَخَوَاءً، وَخَوِيَ الرَّجُلُ، فَهُوَ خَوٍ: إِذَا خَلا جَوْفُهُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] هِيَ الَّتِي انْقَلَعَتْ مِنْ أُصُولِهَا فَخَوى مِنْهَا مَكَانُهَا، أَيْ: خَلا، وَالْخَوَاءُ: الْمَكَانُ الْخَالِي، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الْأَنْعَام: 45] أَيِ: اسْتَأْصَلَ اللَّهُ شَأْفَتَهُمْ، وَدَابِرُهُمْ: أَصْلُهُمْ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النِّسَاء: 79] أَيْ: مَا أَصَابَكَ مِنْ أَمْرٍ يَسُوءُكَ

فَمِنْ ذَنْبٍ أَذْنَبَتْهُ نَفْسُكَ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مَرْيَم: 75] لَفْظُهُ أَمْرٌ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ جَزَاءَ ضَلالَتَهُ أَنْ يَمُدَّهُ فِيهَا، وَإِذَا جَاءَ الْخَبَر فِي لَفْظِ الأَمْرِ كَانَ أَوْكَدَ وَأَلْزَمَ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} [الْأَعْرَاف: 100] أَيْ: أَلَمْ نُبَيِّنْ لَهُمْ وِرَاثَتَهُمُ الأَرْضَ عَنِ الْقَوْمِ الْمُهْلَكِينَ أَنَّا لَوْ نَشَاءُ، أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، فَأَهْلَكْنَاهُمْ كَمَا أَهْلَكْنَا مَنْ وَرِثُوا أَرْضَهُ. 4160 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ

شَبَابَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ 4161 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو سَعْدٍ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نِزَارٍ , نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَرَّازٍ الْقُهَّنْدُزِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ السَّعْدِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا الْقَعْنَبِيُّ، نَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ قِيلَ الشُّحُّ: هُوَ الْحِرْصُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَأَكْلِ الرِّبَا، وَأَخْذِ الْحَرَامِ، وَإِتْيَانِ الْفَوَاحِشِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ». وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا».

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ أُهْلِكْتُ، فَقَالَ: مَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ اللَّهَ، يَقُولُ: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْحَشْر: 9] وَأَنَا رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يَكَادُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِي شَيْءٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَيْسَ ذَلِكَ بِالشُّحِّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ، إِنَّمَا الشُّحُّ أَنْ تَأْكُلَ مَالَ أَخِيكَ ظُلْمًا، وَلَكِنْ ذَاكَ الْبُخْلُ، وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْبُخْلُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [الْحَشْر: 9] قَالَ: الشُّحُّ إِدْخَالُ الْحَرَامِ، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ. 4162 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ الظَّالِمَ، فَإِذَا أَخَذَهُ، لَمْ يَفُتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، كِلاهُمَا، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ

وَقَالا: «لَمْ يُفْلِتْهُ» أَيْ: لَمْ يَنْفَلِتْ مِنْهُ. 4163 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَويُ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ مِنْ عِرْضٍ أَوْ مَالٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ يَوْمَ لَا دِينَارَ وَلا دِرْهَمَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ، أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِهِ، فَجُعِلَتْ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَوْلُهُ: «فَلْيَتَحَلَّلْهُ» أَيْ: لِيَسْأَلْهُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ مِنْ قِبَلِهِ، يُقَالُ: تَحَلَّلْتُهُ وَاسْتَحْلَلْتُهُ: إِذَا سَأَلْتَهُ أَنْ يَجْعَلَكَ فِي حِلٍّ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَقْطَعَ دَعْوَاهُ وَيَتْرُكَ مَظْلمَتِهِ، فَإِنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنَ الْغِيبَةَ لَا يُمْكِنُ تَحْلِيلُهُ، وَإِذَا تَحَلَّلَ الْمَالَ، فَإِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا، وَكَانَ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ اسْتَوْفَاهَا غَصْبًا، فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ الَّتِي غَصَبَهَا قَائِمَةً، فَلا يَصِحُّ مِنْهَا التَّحَلُّلُ إِلا بِهِبَةٍ وَقَبُولٍ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا

اغْتَابَ رَجُلا، فَإِنْ بَلَغَهُ، فَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْتَحِلَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ، وَلا يُخْبِرُهُ. 4164 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ»؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ وَلا مَتَاعَ لَهُ، قَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» 4164 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَبْيَةَ، وَابْنِ حُجْرٍ 4165 - أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ، قَالَ: «لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ»، قَالَ: وَتَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ، وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ. قَوْلُهُ: «أَنْ يُصِيبَكُمْ» أَيْ: حَذَرًا أَنْ يُصِيبَكُمْ كَقَوْلِكَ: لَا تَقْرَبِ الأَسَدَ أَنْ يَفْتَرِسَكَ أَيْ: حَذَرًا أَنْ يَفْتَرِسَكَ.

4166 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِ الْحِجْرِ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعَنَاه أَنَّ الدَّاخِلَ فِي دَارِ قَوْمٍ أُهْلِكُوا بِخَسْفٍ أَوْ عَذَابٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَاكِيًا، إِمَّا شَفَقَةً عَلَيْهِمْ وَإِمَّا خَوْفًا مِنْ حُلُولِ مِثْلِهَا بِهِ، كَانَ قَاسِيَ الْقَلْبِ، قَلِيلَ الْخُشُوعِ، فَلا يَأْمَنْ إِذَا كَانَ هَكَذَا أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ. وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ دِيَارَ هَؤُلاءِ لَا يُتَّخَذُ مَسْكَنًا وَوَطَنًا، لأَنَّهُ لَا يَكُونُ دَهْرَهُ بَاكِيًا أَبَدًا، وَقَدْ نَهَى أَنْ يَدْخُلَهَا إِلا هَكَذَا. 4167 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو الْحَسَنِ، نَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانِ بْنِ حَيَّانَ أَبُو زَكَرِيَّا، نَا سُلَيْمَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: «أَمَرَهُمْ أَلا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا، وَلا يَسْتَقُوا

باب البكاء من خشية الله تعالى

مِنْهَا»، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا، «فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ، وَيُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئَارِهَا، وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، قَالا: " الظُّلْمُ ثَلاثَةٌ: ظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ، وَظُلْمٌ لَا يُتْرَكُ، وَظُلْمٌ يُغْفَرُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ، فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُتْرَكُ، فَظُلْمُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ، فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ". قَالَ الأَعْمَشُ: ذُكِرَ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّجُلُ السُّوءُ، يُعْطِي الْمَالَ، وَيَصْنَعُ الْمَعْرُوفَ؟ قَالَ: إِنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ، وَيُرْزَقُ بِهِ. بَابُ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الْإِسْرَاء: 109]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ: رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ". 4168 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، نَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخَرَيْ مُسْلِمٍ أَبَدًا» ,

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْمَسْعُودِيُّ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْعُودِيُّ 4169 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ، نَا أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ، نَا أَبُو حَبِيبٍ الْغَنَوِيُّ، نَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى ثَلاثَةِ أَعْيُنٍ: عَيْنٍ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ " , وَفِي الْحَدِيثِ: «عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ وَسُرْعَةِ إِجَابَتِهِ إِيَّاكُمْ» يُرْوَى هَذَا مِنَ إِلِّكُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:

باب الخوف من الله عز وجل

إِنِّي أَحْسَبُهَا مِنَ أَلِّكُمْ بِالْفَتْحِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَصَادِرِ، وَيُقَالُ: أَلَّ يَؤُلُّ أَلا وَأَلَلا وَأَلِيلا، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَبِالْبُكَاءِ وَيَجْأَرُ فِيهِ بَابُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمرَان: 175]. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الْملك: 12]. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [الْمُؤْمِنُونَ: 60]. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 60]، قَالَ: يَخْشَوْنَ الْمَوْقِفَ، وَيَعْلَمُونَ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْحِسَابِ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدُّخان: 51] أَيْ: أَمِنُوا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْغِيَرِ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] أَيْ:

لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} [يُونُس: 7] أَيْ: لَا يَخَافُونَ، وَكُلُّ رَاجٍ مُؤَمِّلُ مَا يَرْجُوهُ وَخَائِفٌ فَوْتَهُ، فَلِلرَّاجِي هَاتَانِ الْحَالَتَانِ، فَإِذَا انْفَرَدَ بِالْخَوْفِ أُتْبِعَ بِحَرْفِ النَّفْيِ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [الْأَنْعَام: 51]، وَالإِنْذَارُ: الإِعْلامُ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُحْذَرُ مِنْهُ، وَكُلُّ مُنْذِرٍ مُعْلِمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مُعْلِمٍ مُنْذِرًا. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46]، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ مَنْ يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ فَيَتْرُكُهَا، قَالَ سُفْيَانُ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الْمَائِدَة: 68]. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي صِفَةِ الأَنْبِيَاءِ {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 90]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ} [التَّوْبَة: 114] وَهُوَ كَثِيرُ التَّأَوُّهِ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي صِفَةِ الْمَلائِكَةِ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ

فَوْقِهِمْ} [النَّحْل: 50]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرَّعْد: 13] أَيِ: النِّقْمَةِ، وَقِيلَ: أَيِ الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ، وَقِيلَ: شَدِيدُ الْعُقُوبَةِ وَالْمَكْرِ، وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ مَحَلَ فُلانٌ بِفُلانٍ: إِذَا سَعَى بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، وَعَرَّضَهُ لِمَا يُهْلِكُهُ. 4170 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ عَنْ مَعْمَرٍ 4171 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرْقِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ 4172 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ بْنِ عَقِيلٍ الشَّعْرَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ فَارِسٍ الذُّهْلِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُوَرِّقٍ،

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا فِيهَا أَرْبَعُ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ يُمَجِّدُ اللَّهَ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ، وَلَصَعَدْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ: رَبَّنَا "، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ: «إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى» 4173 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَرِينَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو مُسْلِمٍ غَالِبُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى الْحُلْوَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْهَمَذَانِيُّ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ هُوَ

الثَّقَفِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، سَمِعْتُ بُكَيْرَ بْنَ فَيْرُوزَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمْنَ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ وَالدُّلْجَةُ وَالدَّلْجُ: سَيْرِ اللَّيْلِ، يُقَالُ: أَدْلَجَ إِذَا سَارَ آخِرَهُ. 4174 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ

4175 - أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ شَاذَانَ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ السَّامِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ الْمَرْوَزِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَلا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا» 4176 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ شِبْتَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْرَفُ مِنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ 4176 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ، أَنَا الْهَيْثَمُ

بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا سَفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحْيَفَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ شِبْتَ، قَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا» وَفِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ: " كَانَ دَاوُدُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِذَا ذَكَرَ عِقَابَ اللَّهِ تَخَلَّعَتْ أَوْصَالُهُ، لَا يَشُدُّهَا إِلا الأَسْرِ، أَيِ: الْعَصْبُ وَالشَّدُّ ". قَالَ عبد الله ابْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَ تِبْنَةً مِنَ الأَرْضِ، فَقَالَ: «يَا لَيْتَنِي هَذِهِ التِّبْنَةُ، لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ شَيْئًا، لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا». قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " كَانَ رَأْسُ عُمَرَ عَلَى فَخِذِي فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لِي: ضَعْ رَأْسِي، قَالَ: فَوَضَعْتُهُ عَلَى الأَرْضِ، فَقَالَ: وَيْلِي وَوَيْلُ أُمِّي إِنْ لَمْ يَرْحَمْنِي رَبِّي ". وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ لِي طِلاعُ الأَرْضِ ذَهَبًا، لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ». وَبَكَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي مَرَضِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: «أَمَا إِنِّي لَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى بُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زَادِي، وَإِنِّي أَمْسَيْتُ فِي صُعُودٍ عَلَى جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ، لَا أَدْرِي إِلَى أَيَّتِهِمَا يُؤْخَذُ بِي».

باب الرجاء وسعة رحمة الله عز وجل

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ جَالِسٌ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخْشَى أَنْ يَنْقَلِبَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا». قَالَ الْحَسَنُ: مَا عُبِدَ اللَّهُ بِمِثْلِ طُولِ الْحُزْنِ، وَقَالَ: مَا خَافَهُ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا أَمِنَهُ إِلا مُنَافِقٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَقَدْ مَضَى بَيْنَ أَيْدِيكُمْ أَقْوَامٌ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ أَنْفَقَ عَدَدَ هَذَا الْحَصَى، لَخَشِيَ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْ عِظَمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الْمُحَقَّرَاتِ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهَ وَقَدْ أَحَطْنَ بِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَفْرَقُ مِنْهَا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهَ آمِنًا». وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ إِنْ عَمِلَ حَسَنَةً قَطُّ أَنْفَعَ لَهُ مِنْهَا، وَإِنَّهُ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ إِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً قَطُّ أَضَرَّ عَلَيْهِ مِنْهَا. وَكَانَ الْعَلاءُ بْنُ زِيَادٍ يَذْكُرُ النَّارَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟ قَالَ: وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]، وَيَقُولُ: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غَافِر: 43] وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ لِمَنْ عَصَاهُ. بَابُ الرَّجَاءِ وَسَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [

الْأَعْرَاف: 156]، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غَافِر: 7] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى، فَإِنْ عُصِيتُ فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ». وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ». وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي». 4177 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قَوْلُهُ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ» أَيْ: خَلَقَهُمْ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [فصلت: 12] أَيْ: خَلَقَهُنَّ. 4178 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيِّ كِلاهُمَا، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: الْقَوْلُ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِتَابِ أَحَدَ شَيْئَيْنِ، إِمَّا الْقَضَاءَ الَّذِي قَضَاهُ وَأَوْجَبَهُ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21] أَيْ: قَضَى اللَّهُ،

وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ» أَيْ: فَعِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْقَ الْعَرْشِ لَا يَنْسَاهُ، وَلا يَنْسَخُهُ، وَلا يُبْدِلُهُ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52]، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْكِتَابِ: اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْخَلْقِ، وَبَيَانُ أُمُورِهِمْ، وَذِكْرُ آجَالِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، وَالأَقْضِيَةِ النَّافِذَةِ فِيهِمْ، وَمَآلُ عَوَاقِبِ أُمُورِهِمْ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «فَهُوَ عِنْدَهُ» أَيْ: فَذِكْرُهُ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ. قُلْتُ: الأَوْلَى فِيهِ بِالْمَرْءِ وَفِي أَمْثَالِهَا إِمْرَارُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا. 4179 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرْكَانِيُّ الطُّوسِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، وَاحِدَةٌ بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا يَتَعَاطَفُ الْوُحُوشُ عَلَى أَوْلادِهَا، وَأَخَّرَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 4180 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، وَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4181 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تحلب ثَدْيُهَا تَسْعَى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا، وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قُلْنَا: لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ 4182 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْفَارِسِيُّ. ح حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الأَصْبَهَانِيُّ بِالرِّيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ , قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصَابَ فِي الدُّنْيَا ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ

فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ» 4183 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ قَطُّ خَيْرًا لأَهْلِهِ: إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ، ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ، وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ اللَّهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَمْ فَعَلْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ رَوْحٍ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِك وَفِي رِوَايَةٍ: «لَمْ يَبْتَئِرْ خَيْرًا قَطُّ»، يَعْنِي: لَمْ يُقَدِّمْ خَيْرًا، وَلَمْ يَدَّخِرْ، يُقَالُ: بَأَرْتُ

الشَّيْءَ وَابْتَأَرْتُهُ: إِذَا خَبَّأْتَهُ وَادَّخَرْتَهُ. وَرَوَاه أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ رَجُلا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالا، فَقَالَ لِبَنِيهِ: لَمَّا حُضِرَ ". قَوْلُهُ: «رَغَسَهُ»، أَيْ: أَكْثَرَ لَهُ مِنْهُ، وَبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَرَجُلٌ مَرْغُوسٌ، أَيْ: كَثِيرُ الْخَيْرِ، وَرَوَاهُ حُذَيْفَةُ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَ: كَانَ نَبَّاشًا. 4184 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ السُّكَّرِيُّ، بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ لِي الزُّهْرِيُّ: أَلا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ، فَقَالَ: إِذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَقَالَ: فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ لِلأَرْضِ: أَدِّي مَا أَخَذْتِ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟

قَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ، أَوْ قَالَ: مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ "، قَالَ: وَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ»، قَالَ الزُّهْرِيُّ: ذَلِكَ لِئَلا يَتَّكِلَ أَحَدٌ، وَلا يَيْأَسَ أَحَدٌ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَ مُحَمَّدٌ الْحَدِيثَ الأَوَّلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: «لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي» مَعْنَاهُ: قَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّقْدِيرِ لَا مِنَ الْقُدْرَةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قِصَّةِ يُونُسَ: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الْأَنْبِيَاء: 87]، قِيلَ: هُوَ مِنَ التَّقْدِيرِ، أَيْ: لَنْ نُقَدِّرَ عَلَيْهِ بَلاءً وَعُقَوبَةً، وَهُوَ مَا قَدَّرَ مِنْ كَوْنِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، يُقَالُ: قَدَرَ وَقَدَّرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَيْسَ مِنَ الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ، مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الْفجْر: 16] أَيْ: فَضَيَّقَ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «فَاذْرُونِي فِي الرِّيحِ فَلَعَلِّي أَضِلُّ اللَّهُ فَلَعَلِّي أَفُوتُهُ»، يُقَالُ: ضَلَّ الشَّيْءَ: إِذَا فَاتَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52] أَيْ: لَا يَفُوتُهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَعَلَّ مَوْضِعِي يَخْفَى عَلَيْهِ. فَإِن قِيلَ: كَيْفَ غَفَرَ لَهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْبَعْثِ؟ قُلْنَا: لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا لِلْبَعْثِ، وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُهُ مِنْ خَشْيَةِ الْبَعْثِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ جَاهِلا ظَنَّ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ تُرِكَ فَلَمْ يُنْشَرْ وَلَمْ يُعَذَّبْ، أَوْ ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ تُنَجِّيهِ مِمَّا يَخَافُهُ. 4185 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: أَلَهُ تَوْبَةٌ؟ قَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، وَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ أَيْضًا

4187 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَمَوِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا حِبَّانُ بْنُ هِلالٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ , قَالُوا: نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وَلا يُبَالِي». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْرفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ 4188 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، نَا ضَمْضَمُ بْنُ جَوْسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَنَادَانِي شَيْخٌ، فَقَالَ: يَا يَمَامِيُّ تَعَالَ، وَمَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ لَا تَقُولَنَّ لِرَجُلٍ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَدًا، وَلا يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ ,

قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ لَكَلِمَةٌ يَقُولُهَا أَحَدُنَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ إِذَا غَضِبَ، أَوْ لِزَوْجَتِهِ، أَوْ لِخَادِمِهِ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَحَابَّيْنِ أَحَدُهُمَا مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، وَالآخَرُ كَأَنَّهُ يَقُولُ: مُذْنِبٌ، فَجَعَلَ يَقُولُ: أَقْصِرْ أَقْصِرْ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ، قَالَ: فَيَقُولُ خَلِّنِي وَرَبِّي، قَالَ: حَتَّى وَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ، فَقَالَ: أَقْصِرْ، فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيْنَا رَقِيبًا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَدًا، وَلا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَبَدًا، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا مَلَكًا، فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، فَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلآخَرِ: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْظُرَ عَلَى عَبْدِي رَحْمَتِي، فَقَالَ: لَا يَا رَبِّ، قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ "، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ 4188 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ

الْحَجَّاجِ، نَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، نَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: " وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: «مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنِّي لَا أَغْفِرُ لِفُلانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ»، أَوْ كَمَا قَالَ 4189 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: " {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] "، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الثَّانِيَةَ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] "، فَقُلْتُ الثَّانِيَةَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الثَّالِثَةَ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 46] فَقُلْتُ الثَّالِثَةَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ» 4190 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالُ، أَنَا أَبُو مَسْعُودٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الْخَطِيبُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَبُو قِلابَةَ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، نَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِلا اللَّمَمَ} [النَّجْم: 32]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ قَوْلُهُ «جَمًّا» أَيْ: كَثِيرًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الْفجْر: 20] أَيْ: كَثِيرًا، قَوْلُهُ: «لَا أَلَمَّا» أَيْ: لَمْ يُلِمُّ بِمَعْصِيَةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا اللَّمَمَ} [النَّجْم: 32] وَهُوَ أَنْ يُلِمَّ بِذَنْبٍ ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهُ، وَ «لَا» مَعَ الْمَاضِي بِمَنْزِلَةِ «لَمْ» مَعَ الْمُسْتَقْبَلِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [الْبَلَد: 11] أَيْ: لَمْ يَقْتَحِمْ،

باب القصد في العمل والعلم بأن لا نجاة إلا برحمة الله تعالى

وَقَالَ طَاوُسٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «إِنَّ ابْنَ آدَمَ خُلِقَ خَطَّاءً إِلا مَا رَحِمَ اللَّهُ». 4191 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَسَنِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرْقيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: «مَنْ عَلِمَ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، غَفَرْتُ لَهُ وَلا أُبَالِي مَا لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا». وَرُوِيَ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ عَادَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا سَلَمَةَ أَتَرَى اللَّه يَغْفِرُ لِمِثْلِي؟ فَقَالَ حَمَّادٌ: وَاللَّهِ لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ مُحَاسَبَةِ اللَّهِ إِيَّايَ وَبَيْنَ مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ، لاخْتَرْتُ مُحَاسَبَةَ اللَّهِ عَلَى مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَرْحَمُ بِي مِنْ أَبَوَيَّ بَابُ الْقَصْدِ فِي الْعَمَلِ وَالْعِلْمِ بِأَنْ لَا نَجَاةَ إِلا بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى 4192 - أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْكُوفَانِيُّ

الْهَرَوِيُّ بِهَا، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ التُّجيبِيُّ الْمِصْرِيُّ بِهَا الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّحَّاسِ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْوَضِيِّ، نَا أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ مَيْسَرَةَ الصَّدَفِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ»، قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا، وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 4193 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح وَأَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، نَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالَوَيْهِ الْمُزَكِّيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ. ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ

سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُنَجِّيهِ عَمَلُهُ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا»، قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 4194 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَنْجُو أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ»، قَالُوا: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ قَوْله: «سَدِّدُوا» أَيِ: اقْصِدُوا السَّدَادَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْمُقَارَبَةُ: الْقَصْدُ فِي الأَمْرِ الَّذِي لَا غُلُوَّ فِيهِ وَلا تَقْصِيرَ، وَقِيلَ: قَارِبُوا أَيْ: لَا تَعْجَلُوا. وَقَوْلُهُ: «إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ» أَيْ: يَسْتُرَنِي بِهَا

باب تغير الناس وذهاب الصالحين

مَأْخُوذٌ مِنْ غِمْدِ السَّيْفِ لأَنَّكَ إِذَا غَمَدْتَهُ، فَقَدْ سَتَرْتَهُ. قَالَ عُمَيْرٌ: مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ، فَمَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَهْوَنَ سِيرَةً وَلا أَقَلَّ تَشْدِيدًا مِنْهُمْ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا بَلَغَكَ فِي الإِسْلامِ أَمْرَانِ، فَخُذَا أَيْسَرَهُمَا. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا اخْتُلِفَ عَلَيْكَ فِي أَمْرَيْنِ، فَخُذْ أَيْسَرَهُمَا، فَإِنَّ أَيْسَرَهُمَا أقربهما مِنَ الْحَقِّ، لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يَقُولُ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [الْبَقَرَة: 185]. بَابُ تَغَيُّرِ النَّاسِ وَذَهَابُ الصَّالِحِينَ 4195 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانِ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّد الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةِ لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ

شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الرَّاحِلَةُ: الَّتِي يَخْتَارُهَا الرَّجُلُ لِمَرْكَبِهِ وَرَحْلِهِ عَلَى النَّجَابَةِ وَحُسْنِ الْمَنْظَرِ، وَقَدْ تَقَعُ عَلَى النَّاقَةِ النَّجِيبَةِ، وَالْجَمَلِ النَّجِيبِ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَهِيَ «فَاعِلَةٌ» جَاءَتْ بِمَعْنَى «مَفْعُولَةٍ»، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمِائَةِ مِنَ الإِبِلِ: الإِبِلُ، تَقُولُ: لِفُلانٍ إِبِلٌ، أَيْ: مِائَةٌ مِنْهَا، وَإِبِلانِ إِذَا كَانَتْ مِائَتَانِ، يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ كَمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ حَمُولَةً لَا تَجِدُ فِيهَا ذَلُولا تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ، وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَقِلُّ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا وَالرَّاغِبُ فِي الآخِرَةِ، فَيَكُونُ رَغْبَةَ أَكْثَرِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْمُنَافَسَةِ فِيهَا، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تُوَاخِ مِنْهُمْ إِلا أَهْلَ الْفَضْلِ، وَعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ فِي الإِبِلِ الْحَمُولَةِ. 4196 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا أَبُو عَمْرٍو الصَّنْعَانِيُّ مِنَ الْيَمَنِ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سنَن مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا ذِرَاعًا حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ،

عَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ 4197 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ، لَا يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حُفَالَةُ التَّمْرِ: رُذَالَتُهُ، وَمِثْلُهَا الْحُثَالَةُ، وَالْفَاءُ وَالثَّاءُ يَتَعَاقَبَانِ، كَقَوْلِهِمْ: ثُومٌ وَفُومٌ، وَجَدْثٌ وَجَدْفٌ. وَقَوْلُهُ: «لَا يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً» أَيْ: لَا يَرْفَعُ لَهُمْ قَدْرًا، وَلا يُقِيمُ لَهُمْ وَزْنًا، يُقَالُ: بَالَيْتُ بِالشَّيْءِ مُبَالاةً وَبَالِيَةً وَبَالَةً، يُقَالُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ بَالِي، أَيْ: مِمَّا أُبَالِيهِ. 4198 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " مَا أَعْرِفُ مِنْكُمْ شَيْئًا كُنْتُ أَعْهَدُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ قَوْلَكُمْ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، قُلْنَا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، الصَّلاةَ؟ فَقَالَ: قَدْ صَلَّيْتُمْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَفَكَانَتْ تِلْكَ صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنِّي لَمْ أَرَ زَمَانًا خَيْرًا لِلْعَامِلِ مِنْ زَمَانِكُمْ هَذَا، إِلا أَنْ يَكُونَ زَمَانٌ مَعَ نَبِيٍّ " 4199 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْد اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، يَقُولُ اللَّهُ: أَفَبِي تَغْتَرُّونَ، أَمْ عَلَيَّ تَجْتَرِئُونَ، فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنةً تَدَعُ الْحَلِيمَ فِيهِنَّ حَيْرَانَ ".

هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ 4200 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ، وَخَدَمَتْهُمْ أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ أَبْنَاءُ فَارِسَ وَالرُّومِ، سَلَّطَ اللَّهُ شِرَارَهَا عَلَى خِيَارِهَا». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَالْمُطَيْطَاءُ: مِشْيَةٌ فِيهَا تَبَخْتُرٌ وَمَدُّ يَدَيْنِ، وَالتَّمَطِّي مِنْ ذَلِكَ، لأَنَّهُ إِذَا تَمَطَّى مَدَّ يَدَيْهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [الْقِيَامَة: 33] أَيْ: يَتَبَخْتَرْ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّب: ثَارَتِ الْفِتْنَةُ الأُولَى، فَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَحَدٌ، ثُمَّ كَانَتِ الثَّانِيَةُ، فَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبَيَةَ أَحَدٌ، قَالَ: وَأَظَنُّ لَوْ كَانَتِ الثَّالِثَةُ لَمْ تَرْتَفِعْ وَفِي النَّاسِ طَبَاخٌ، أَرَادَ بِالْفِتْنَةِ الأُولَى: مَقْتَلَ عُثْمَانَ، وَبِالثَّانِيَةِ: الْحَرَّةَ،

باب خوف الهلاك إذا كثر الخبث

وَقَوْلُهُ: طَبَاخٌ، أَيْ: خَيْرٌ وَنَفْعٌ، يُقَالُ: فُلانٌ لَا طَبَاخَ لَهُ، أَيْ لَا عَقْلَ لَهُ. قَالَ مِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: لَقَدْ وَارَتِ الأَرْضُ أَقْوَامًا لَوْ رَأَوْنِي جَالِسًا مَعَكُمْ، لاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُمْ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ لإِنْسَانٍ: إِنَّكَ فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ قُرَّاؤُهُ، كَثِيرٍ فُقَهَاؤُهُ، تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ، وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ، قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ، كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلاةَ، وَيَقْصُرُونَ فِيهِ الْخُطْبَةِ، يَبْدَءُونَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ، وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ، قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ، تُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ، وَتَضِيعُ حُدُودُهُ، كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ، قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ، وَيَقْصُرُونَ الصَّلاةَ، يَبْدَءُونَ بِأَهْوَائِهِمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «إِنَّ النَّاسَ كَانُوا وَرَقًا لَا شَوْكَ فِيهِ، فَأَصْبَحُوا شَوْكًا لَا وَرَقَ فِيهِ». بَاب خَوْفِ الْهَلاكِ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ، إِلَى قَوْلِهِ: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النَّحْل: 45 - 47] أَيْ: تَنَقُّصٍ، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: مَعْنَى التَّنَقُّصِ: أَنْ يَتَنَقَّصَهُمْ فِي أَبْدَانِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَثِمَارِهِمْ، يُقَالُ: تَخَوَّفَهُ الدَّهْرُ: إِذَا انْتَقَصَهُ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إِبْرَاهِيم: 5]، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: أَيَّامُ اللَّهِ: نِقَمُهُ الَّتِي انْتَقَمَ بِهَا مِنَ الأُمُمِ السَّالِفَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِنِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ. 4201 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا، يَقُولُ: " لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ: فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِأُصْبُعَيْهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا "، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ

سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ»، وَقَالَ: وَعَقَدَ سُفْيَانُ عَشْرَةً، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، أَيْضًا عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُفْيَانَ، وَقَالَ: وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً , وَقَوْلُهُ: «إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»، أَيِ: الْفِسْقُ وَالْفُجُورُ. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحُمَيْدِيُّ، وعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالُوا فِيهِ: عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُ مِنَ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَرْبَعَ نِسْوَةً زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، وَحَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَزَوْجَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ حَبِيبَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ 4202 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، إِنْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوبِقَاتِ».

صَحِيحٌ. قَالَ مَالِكٌ: إِنِّي لأَكْرَهُ الْمُقَامُ بِالْبَلْدَةِ الَّتِي يُعْصَى اللَّهُ فِيهَا عَلانِيَةً، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النِّسَاء: 97] 4203 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيُّ، نَا أَبُو الْحَسَنِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، نَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْمِصْرِيُّ، نَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَثَلُ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ فَجَاءَ هَذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ هَذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ هَذَا بِعُودٍ، فَاطَّبَخُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ محقرات الذُّنُوبِ لَمُوبِقَاتٌ». هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ

باب إذا هلكوا بالعذاب بعثوا على نياتهم

بَابُ إِذَا هَلَكُوا بِالْعَذَابِ بُعِثُوا عَلَى نِيَّاتِهِمْ 4204 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا، أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ 4205 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ

وَآخِرِهِمْ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «يَهْلِكُونَ مَهْلِكًا وَاحِدًا، وَيَصْدِرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى، يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» الْبَيْدَاءُ: مَفَازَةٌ لَا شَيْءَ بِهَا، وَبَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ أَرْضٌ مَلْسَاءَ اسْمُهَا الْبَيْدَاءُ. 4206 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ 4207 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى

باب فتنة الشيطان

الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، الْمُؤْمِنُ عَلَى إِيمَانِهِ، وَالْكَافِرُ عَلَى كُفْرِهِ» بَابُ فِتْنَةِ الشَّيْطَانِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الْأَعْرَاف: 27]، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الْأَعْرَاف: 22] أَيْ: قَرَّبَهُمَا إِلَى الْمَعْصِيَةِ بِغُرُورِهِ، وَقِيلَ: دَلاهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ، وَقِيلَ: فَأَطْمَعَهُمَا، وَقِيلَ: فَجَرَّأَهُمَا، وَالأَصْلُ: دَلَّلَهُمَا مِنَ الدَّلِّ، وَهُوَ الْجُرْأَةِ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ إِخْبَارًا عَنْ إِبْلِيسَ: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النِّسَاء: 119] قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: أَيْ دِينِ اللَّهِ يَعْنِي حُكْمَ اللَّهِ.

وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الْإِسْرَاء: 62] أَيْ: لأَقْتَادَنَّهُمْ إِلَى طَاعَتِي، يُقَالُ: احْتَنَكَ دَابَّتَهُ: إِذَا قَادَهَا، وَقِيلَ: لأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ بِالإِغْوَاءِ، يُقَالُ: احْتَنَكَ الْبَعِيرُ الصِّلْيَانَةَ: إِذَا اقْتَلَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} [الْإِسْرَاء: 64] أَيِ: اسْتَدْعِهِمُ اسْتِدْعَاءً تَسْتَخِفُّهُمْ بِهِ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الْإِسْرَاء: 64] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ خَيْلَهُ كُلُّ رَاكِبٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَرجله: كُلُّ مَاشٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الْإِسْرَاء: 62]، قَوْلُهُ: أَرَأَيْتَكَ وَأَرَأَيْتَكُمْ: مَعْنَاهُ الاسْتِخْبَارُ، تَقُولُ: أَخْبِرُونِي، تَقُولُ: أَرَأَيْتَكَ وَأَرَأَيْتَكُمَا، وَأَرَأَيْتَكُمْ مَفْتُوحَةُ التَّاءِ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ، فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ، قُلْتَ: أَرَأَيْتُ وَأَرَأَيْتُمَا وَأَرَأَيْتُمْ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ} [

الْبَقَرَة: 169] أَيْ: بِمَا يَسُوءُكُمْ عَوَاقِبُهُ فِي مُنْقَلَبِكُمْ. قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الْأَنْعَام: 128] أَيِ: اسْتَنَفَعَ، وَاسْتِمْتَاعُ الإِنْسِ بِالْجِنِّ، اسْتِعَاذَتُهُمْ بِهِمْ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا سَافَرَ، فَنَزَلَ وَادِيًا قَالَ: أَعُوذُ بِرَبِّ الْوَادِي، وَاسْتِمْتَاعُ الْجِنِّ بِالإِنْسِ تَعْظِيمُهُمْ إِيَّاهُمْ حَيْثُ يَسْتَعِيذُونَ بِهِمْ، قَالَهُ الأَزْهَرِيُّ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [الْبَقَرَة: 168] يَعْنِي: مَسَالِكَهُ وَمَذَاهِبَهُ، أَيْ: لَا تَسْلُكُوا الطُّرُقَ الَّتِي يَدْعُوكُمْ إِلَيْهَا الشَّيْطَانُ، وَوَاحِدُ الْخُطُوَاتِ: خُطْوَةٌ: وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَالْخَطْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، يُقَالُ: خَطَوْتُ خَطْوَةً، وَجَمْعَهَا خطوَات. 4208 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، وَقَامُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ

عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ». فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الشَّيْطَانُ مِنَ الشَّطْنِ: وَهُوَ الْبُعْدِ، وَيُقَالُ لِلْحَبْلِ الطَّوِيلِ: شَطْنٌ، سُمِّيَ بِهِ لِبُعْدِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَطُولِهِ فِي الشَّرِّ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: «يَبْلُغُ مَبْلَغَ الدَّمِ»، وَيُرْوَى: يَجْرِي مَجْرَى الدَّمِ: أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ، لَا أَنْ يَدْخُلَ جَوْفَهُ، وَهُوَ مَثَلٌ. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّحَرُّزِ عَنْ مَظَانِّ السُّوءِ، وَطَلَبِ السَّلامَةِ مِنَ النَّاسِ بِإِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ. وَيُحْكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

خَافَ عَلَى الرَّجُلَيْنِ الْكُفْرَ، إِذْ لَوْ وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمَا رِيبَةٌ فِي أَمْرِهِ، لَكَفَرَا بِهِ، فَابْتَدَرَ إِلَيْهِمَا بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ شَفَقَةً عَلَيْهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 4209 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمرَان: 36]. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ , وَرَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَاحُ الْمَوْلُودِ حِينَ يَقَعُ نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ» 4210 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي

أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مِمَّا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، وَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنَّ كُلَّ مَا لِي نَحَلْتُهُ عِبَادِي، فَهُوَ لَهُمْ حَلالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، فَأَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُمْ إِذَا يَثْلَغُوا رَأْسِي حَتَّى يَدعُوهُ خُبْزَةً، فَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَقَدْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يغسلهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ، فَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ نُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَمْدُدْكَ بِخَمْسَةِ أَمْثَالِهِمْ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ. ثُمَّ قَالَ: أَهْلُ الْجَنَّة ثَلاثَةٌ: إِمَامٌ مُقْسِطٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٌ، وَرَجُلٌ غَنِيٌّ عَفِيفٌ مُتَصَدِّقٌ، وَأَهْلُ

النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعٌ لَا يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ أَهْلا وَلا مَالا، وَرَجُلٌ لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلا ذَهَبَ بِهِ، وَالشِّنْظِيرُ الْفَاحِشُ، وَذَكَر الْبُخْلَ، وَالْكَذِبَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: «حُنَفَاءَ» جَمْعُ حَنِيفٌ مِنَ الْحَنَفِ، وَالْحَنَفُ: إِقْبَالُ إِحْدَى الْقَدَمَيْنِ عَلَى الأُخْرَى، فَالْحَنِيفُ: الصَّحِيحُ الْمَيْلِ إِلَى الإِسْلامِ، الثَّابِتُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الْحَنَفُ: الاسْتِقَامَةُ، وَقِيلَ لِلْمَائِلِ الرِّجْلِ: أَحْنَفُ تَفَاؤُلا بِالاسْتِقَامَةِ. وَقَوْلُهُ: «فَاجْتَالَتْهُمْ» أَيِ: اسْتَخَفَّتْهُمْ فَجَالُوا مَعَهُ، يُقَالُ: اجْتَالَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ: إِذَا ذَهَبَ بِهِ وَسَاقَهُ، وَالْمَقْتُ: أَشَدُّ الْبُغْضِ، وَقَوْلُهُ: «يَثْلَغُوا رَأْسِي» أَيْ: يَشْدَخُوهُ كَمَا تُشْدَخُ الْخُبْزَةُ. وَقَوْلُهُ: «أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ» أَيْ: لَا يَنْمَحِي أَبَدًا، بَل هُوَ مَحْفُوظٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ. وَقَوْلُهُ: «تَقْرَؤُهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ»، أَيْ: تَجْمَعُهُ حِفْظًا وَأَنْتَ نَائِمٌ، كَمَا تَجْمَعُهُ وَأَنْتَ يَقْظَانُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: تَقْرَؤُهُ فِي يُسْرٍ وَسُهُولَةٍ

ظَاهِرًا، يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الشَّيْءِ: هُوَ يَفْعَلُهُ نَائِمًا، كَمَا يُقَالُ: هُوَ يَسْبِقُهُ قَاعِدًا، وَالْقَاعِدُ لَا سَبْقَ لَهُ. وَقَوْلُهُ: «لَا زَبْرَ لَهُ» أَيْ: لَا عَقْلَ لَهُ، وَالشِّنْظِيرُ: السَّيِّئُ الْخُلُقِ. 4211 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ»، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِخَيْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ: «وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلائِكَةِ». قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: «فَأَسْلَمُ» مَعْنَاهُ: أَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ، وَالشَّيْطَانُ لَا يُسْلِمُ، وَقِيلَ: أَسْلَمَ أَيِ: اسْتَسْلَمَ، يَقُولُ: ذَلَّ. 4212 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا

باب

أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ "، قَالَ الأَعْمَشُ: أَرَاهُ قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَابٌ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [الْمَائِدَة: 44]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [التَّوْبَة: 62] 4213 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ السَّامِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْمَرْوَزِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْوَرْدِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ بِكِتَابٍ تُوصِينَنِي فِيهِ، وَلا تُكْثِرِي عَلَيَّ فَأَنْسَى، فَكَتَبَتْ: مِنْ عَائِشَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّهُ مَئُونَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ سَخَطَ اللَّهِ بِرِضَا النَّاسِ، وَكله اللَّهُ إِلَى النَّاسِ»، وَالسَّلامُ 4214 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْخَطِيبُ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْبَسْطَامِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارِ بْنِ أَيُّوبَ الْقُرَشِيُّ، نَا هَانِئُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ الْمَدِينِيِّ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ

بِحَدِيثٍ سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلِّي أَعْمَلُ بِهِ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَائِشَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ الْعِبَادِ، كَفَاهُ اللَّهُ مَئُونَتَهُمْ، وَمَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَا الْعِبَادِ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِم» بعونه تَعَالَى وتوفيقه تمّ الْجُزْء الرَّابِع عشر من شرح السّنة ويليه الْجُزْء الْخَامِس عشر - وَهُوَ الْأَخير - وأوله كتاب الْفِتَن

37 - كتاب الفتن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْفِتَنِ 4215 - أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ الأَصْفَهَانِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، فَإِنِّي قَدْ أَرَى الشَّيْءَ قَدْ كُنْتُ نَسِيتَهُ، فَأَرَاهُ فَأَعْرِفُهُ كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إِذَا غَابَ عَنْهُ، فَرَآهُ فَعَرَفَهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. وَرُوِيَ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَاب، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ

مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ». 4216 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «إِنِّي لأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلالَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ الْمَطَرِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَحْمُودٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. الأُطُمِ: بِنَاءٌ مَرْفُوعٌ مِنَ الْحِجَارَةِ كَالْقَصْرِ، وَآطَامُ الْمَدِينَةِ: حُصُونُهَا، وَكَذَلِكَ آجَامُهَا، وَاحِدُهَا: أجم. 4217 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانِ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ،

نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا، «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، فَقَرَءُوا مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَمِلُوا مِنَ السُّنَّةِ» , ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا، قَالَ: " تُرْفَعُ الأَمَانَةُ، فَيَنَامُ الرَّجُلُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ، وَقَدْ رُفِعَتِ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، وَيَبْقَى أَثَرُهَا كَالْوَكْتِ، أَوْ كَالْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ، فَهُوَ يُرَى أَنَّ فِيهِ شَيْئًا، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَتُرْفَعُ الأَمَانَةُ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلانٍ رَجُلا أَمِينًا، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي حَدِيثًا، وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ أُبَايِعُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ إِسْلامُهُ، وَلَئِنْ كَانَ مُعَاهِدًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلا فُلانًا وَفُلانًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالا فِيهِ: " فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ،

فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلُ أَثَرِ الْمَجْلِ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ وَلا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا أَظْرَفَهُ! وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ". قَوْلُهُ: «فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ»، الْجَذْرُ: الأَصْلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. الْوَكْتُ: جَمْعُ وَكْتَةٍ، وَهِيَ الأَثَرُ الْيَسِيرُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبُسْرِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ مِنَ الأَرْطَابِ: قَدْ وُكِتَ. والْمَجْلُ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَجِلَتْ يَدُهُ مَجْلا: إِذَا خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ يُشْبِهُ الْبَثْرَ مِنَ الْعَمَلِ، وَيَغْلُظُ جِلْدُهَا. وَقَوْلُهُ: «فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا»، الْمُنْتَبِرُ: الْمُنْتَفِطُ، يُقَالُ: انْتَبَرَتْ يَدُهُ، أَيِ: انْتَفَطَتْ. وَقَوْلُهُ: «لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ»، يَعْنِي: رَئِيسَهُمُ الَّذِي يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ، وَلا يُمْضُونَ أَمْرًا دُونَهُ، وَيُقَالُ: أَرَادَ بِالسَّاعِي الْوَالِيَ عَلَيْهِ، يَقُولُ: يُنْصِفُنِي مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا عَلَى قَوْمٍ، فَهُوَ سَاعٍ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِعَامِلِ الصَّدَقَةِ: سَاعٍ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَيْعَةِ الْخِلافَةِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهُوَ خَطَأٌ، لأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مُعَاهِدًا رَدَّ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَلا يُبَايِعُ الْمُعَاهِدُ، إِنَّمَا أَرَادَ مُبَايَعَةَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، يُرِيدُ: ذَهَبَتِ الأَمَانَةُ مِنَ النَّاسِ، فَلَسْتُ أَثِقُ الْيَوْمَ بِأَحَدٍ أَأْتَمِنُهُ عَلَى بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ إِلا فُلانًا، وَفُلانًا لِقِلَّةِ الأَمَانَةِ فِي النَّاسِ، وقِبلَ هَذَا كُنْتُ لَا أُبَالِي مَنْ بَايَعْتُهُ، فَإِنْ بَايَعْتُ مُسْلِمًا، قُلْتُ: لَا يَظْلِمُنِي لأَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَإِنْ بَايَعْتُ نَصْرَانِيًّا، قُلْتُ: إِنْ لَمْ يُنْصِفُنِي، أَعَانَنِي عَلَيْهِ سَاعِيهِ، وَقَدْ فَسَدَ الْيَوْمَ الأَمْرُ. 4218 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ

الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، نَا أَبُو خَالِدٍ، يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ , عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ. فَقَالَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ. قَالَ: تِلْكَ يُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ، وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ. فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَالَ: أَنْتَ، لِلَّهِ أَبُوكَ. قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَهٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى يَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلا تَضَرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ". قَالَ حُذَيْفَةُ: وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكَ أَنْ يُكْسَرَ. قَالَ عُمَرُ: أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ، فَلَوْ أَنَّهُ فَتْحٌ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ. قَالَ: لَا، بَلْ يُكْسَرُ. وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ،

أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. قَالَ أَبُو خَالِدٍ: فَقُلْتُ لِسَعْدٍ: يَا أَبَا مَالِكٍ، مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا؟ قَالَ: شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا الْكُوزُ مُجَخِّيًا؟ قَالَ: مَنْكُوسًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ مُرْبَدًّا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الرُّبْدَةُ: لَوْنٌ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْغُبْرَةِ. وَرَوَى شَقِيقٌ، عَنْ حُذَيْفَةَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ، يَعْنِي عُمَرُ: أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ. قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا. قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ. كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ، فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: الْبَابُ عُمَرُ. قَوْلُهُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ»، قَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ: تُحِيطُ بِالْقُلُوبِ، يُقَالُ: حَصَرَ بِهِ الْقَوْمُ، أَيْ: أَطَافُوا بِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَصِيرُ الْجَنْبِ: عِرْقٌ يَمْتَدُّ مُعْتَرِضًا عَلَى جَنْبِ الدَّابَّةِ إِلَى نَاحِيَةِ بَطْنِهَا، شَبَّهَهَا بِذَلِكَ. وَيُقَالُ الْحَصِيرُ: السِّجْنُ. وَالْمُجَخِّي: الْمَائِلُ. 4219 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عِصَامٍ اللَّيْثِيِّ،

عَنْ خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ زَمَنَ فُتِحَتْ تُسْتَرُ حَتَّى قَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ فِيهَا رَجُلٌ صَدَعٌ مِنَ الرِّجَال، حَسَنُ الثَّغْرِ، يُعْرَفُ فِيهِ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَقَالَ: فَقُلْتُ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: أَوَ مَا تَعْرِفُهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالُوا: هَذَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَعَدْتُ، وَحَدَّثَ الْقَوْمَ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: " إِنِّي سَأُخْبِرُكُمْ بِمَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ: جَاءَ الإِسْلامُ حِينَ جَاءَ، فَجَاءَ أَمْرٌ لَيْسَ كَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَكُنْتُ قَدْ أُعْطِيتُ فِي الْقُرْآنِ فَهْمًا، فَكَانَ رِجَالٌ يَجِيئُونَ، فَيَسْأَلُونَ عَنِ الْخَيْرِ، فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَكُونُ بَعْد هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ، كَمَا كَانَ قَبْلَهُ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «السَّيْفُ». قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ السَّيْفِ بَقِيَّةٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، تَكُونُ إِمَارَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ، وَهُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ». قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ يَنْشَأُ دُعَاةُ الضَّلالَةِ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِي

الأَرْضِ خَلِيفَةٌ جَلَدَ ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، فَالْزَمْهُ، وَإِلا قُمْتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جَذْلِ شَجَرَةٍ». قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَهُ نَهْرٌ وَنَارٌ، فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ، وَجَبَ أَجْرُهُ، وَحُطَّ وِزْرُهُ، وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهْرِهِ، وَجَبَ وِزْرُهُ، وَحُطَّ أَجْرُهُ». قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ تُنْتَجُ الْمُهْرُ، فَلا يُرْكَبُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». رَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ مُسَدَّدٍ، وَقُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَة، عَن قَتَادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِم، وَقَالَ: عَنْ سُبَيْعِ بْنِ خَالِد، قَالَ: أَتَيْتُ الْكُوفَةَ. وَالصَّدَعُ، مَفْتُوحَةُ الدَّالِ، مِنَ الرِّجَالِ: الشَّابُّ الْمُعْتَدِلُ، وَيُقَالُ: الصَّدَعُ: الرَّبْعَةُ فِي خَلْقِهِ، رَجُلٌ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَكَذَلِكَ الصَّدَعُ مِنَ الْوُعُولِ وَعْلٌ بَيْنَ الْوَعْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ: " فَمَا الْعِصْمَةُ؟ قَالَ: السَّيْفُ "، كَانَ قَتَادَةُ يَضَعُهُ عَلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ، كَانَتْ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ»، مَعْنَاهُ: صُلْحٌ عَلَى بَقَايَا مِنَ الضِّغْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّخَانَ أَثَرٌ مِنَ النَّارِ يَدُلُّ عَلَى بَقِيَّةٍ مِنْهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «إِمَارَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ»،

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَصْلُ الدَّخَنِ أَنْ يَكُونَ فِي لَوْنَ الدَّابَّةِ، أَوِ الثَّوْبِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُدُورَةٍ إِلَى سَوَادٍ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْهُدْنَةُ عَلَى الدَّخَنِ مَا هِيَ؟ قَالَ: «لَا يَرْجِعُ قُلُوبِ أَقْوَامٍ عَلَى الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ». وَيُرْوَى: «جَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ»، يَقُولُ: يَكُونُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى فَسَادٍ مِنَ الْقُلُوبِ، شَبَّهَهُ بِأَقْذَاءِ الْعَيْنِ، يُقَالُ: قَذَاةٌ وَجَمْعُهَا قَذًى، ثُمَّ أَقْذَاءٌ جَمْعُ الْجَمْعِ. 4220 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي أَبِي ذَرٍّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ , قَالَ: كُنْتُ رَدِيفًا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا جَاوَزْنَا بُيُوتَ الْمَدِينَةِ، قَالَ: «فَكَيْفَ بِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا كَانَ فِي الْمَدِينَةِ جُوعٌ، تَقُومُ عَنْ فِرَاشِكَ فَلا تَبْلُغُ مَسْجِدَكَ حَتَّى يُجْهِدُكَ الْجُوعُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «تَعَفَّفْ يَا أَبَا ذَرٍّ». ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ بِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ مَوْتٌ يَبْلُغُ الْبَيْتُ الْعَبْدَ، حَتَّى إِنَّهُ يُبَاعُ الْقَبْرُ بِالْعَبْدِ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ

أَعْلَمُ. قَالَ: «تَصَبَّرْ يَا أَبَا ذَرٍّ». قَالَ: " كَيْفَ بِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَتْلٌ يَغْمُرُ الدِّمَاءُ حِجَارَةَ الزَّيْتِ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «تَأْتِي مَنْ أَنْتَ مِنْهُ». قَالَ: قُلْتُ: وَأَلْبَسُ السِّلاحَ. قَالَ: «شَارَكْتَ الْقَوْمَ إِذًا». قُلْتُ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ نَاحِيَةَ ثَوْبِكَ عَلَى وَجْهِكَ، لِيَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ». هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ , وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا الْمَعْنَى، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنِ الْمُنْبَعِثِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. وَقَوْلُهُ: «يَبْلُغُ الْبَيْتُ الْعَبْدَ»، أَرَادَ بِالْبَيْتِ الْقَبْرَ، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يُشْغَلُونَ عَنْ دَفْنِ مَوْتَاهُمْ، حَتَّى لَا يُوجَدَ مِنْهُمْ مَنْ يَحْفُرُ قَبْرَ الْمَيِّتِ فَيَدْفِنَهُ، إِلا أَنْ يُعْطَى عَبْدًا، أَوْ قِيمَةَ عَبْدٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَوَاضِعَ

الْقُبُورِ تَضِيقُ عَنْهُمْ، فَيَبْتَاعُونَ لِمَوْتَاهُمُ الْقُبُورَ كُلَّ قَبْرٍ بِعَبْدٍ. وَقَوْلُهُ: «يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ»، أَيْ: يَغْلِبُكَ ضَوْءُهُ وَبَرِيقُهُ. وَمُنْبَعِثُ بْنُ طَرِيفٍ كَانَ قَاضِيَ هَرَاةَ. 4221 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي حِثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ، مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا، فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ؟» قَالَ: فَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «عَلَيْكَ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا يُنْكَرُ، وَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهُمْ». وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. قَوْلُهُ: «حُثَالَةٌ»، أَيْ: رُذَالَةٌ، وَالْحُثَالَةُ: الرَّدِيُّ مِنَ الشَّيْءِ، وَمِثْلُهُ الْحُفَالَةُ، وَكَذَلِكَ الْجُفَالَةُ. قَوْلُهُ: «مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ»، أَيِ: اخْتَلَطَتْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5]، أَيْ: مُخْتَلِطٍ، مَرَّةً يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، وَمَرَّةً: سَاحِرٌ، وَمَرَّةً: كَاهِنٌ، وَمَرَّةً: مَجْنُونٌ.

4222 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ». قَالَ: قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيٍ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ». فَقُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا، قَذَفُوهُ فِيهَا». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا». قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ. قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى. وَابْنُ جَابِرٍ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ. قَوْلُهُ: «وَفِيهِ دَخَنٌ»، أَيْ: لَا يَكُونُ الْخَيْرُ مَحْضًا، بَلْ فِيهِ كَدَرٌ وَظُلْمَةٌ، وَأَصْلُ الدَّخَنِ: أَنْ يَكُونَ فِي لَوْنِ الدَّابَّةِ كُدُورَةٌ إِلَى سَوَادٍ. 4223 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ حُجْرٍ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا»، يَعْنِي: مُحْرِمًا لِدَمِ أَخِيهِ، وَعَرْضِهِ، وَمَالِهِ، وَيُمْسِي مُسْتَحِلا.

وَعَنِ ابْن مَسْعُودٍ، أَنَّهُ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ، فَقَالَ: أَيُّ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: كُلُّ خَطِيبٍ مِسْقَعٍ، وَكُلُّ رَاكِبٍ مُوضِعٍ. 4224 - أَنَا أَبُو طَيِّبٍ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ الْبَغَوِيُّ , نَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمُفَضَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، نَا جَدِّي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، نَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ , قَالا: نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ السَّلامِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا». قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمِنْ قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَتَعْرِفُنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنُ». قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ». وَالْغُثَاءُ: مَا يَبِسَ مِنَ النَّبْتِ، فَحَمَلَهُ الْمَاءُ، فَأَلْقَاهُ فِي الْجَوَانِبِ، يُقَالُ: غَثَا السَّيْلُ الْمَرْتَعَ: إِذَا جَمْعَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَأَذْهَبَ حَلاوَتَهُ، وَقَوْلُهُ

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الْأَعْلَى: 5]، أَيْ: جَعَلَهُ غُثَاءً بَعْدَ أَنْ كَانَ أَحْوَى، وَهُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ خُضْرَتُهُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} [الْمُؤْمِنُونَ: 41]، أَيْ: أَهْلَكْنَاهُمْ فَذَهَبْنَا بِهِمْ، كَمَا يَذْهَبُ السَّيْلُ بِالْغُثَاءِ. 4225 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ التَّمَّارُ، نَا أَبُو دَاوُدَ. ح وَأَجَازَ لِي أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ، وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ نَيْسَابُورَ، قَالا: أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ. ح وَأَجَازَ لِي أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَاشَانِيُّ، وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُكْرَوَيْهِ الأَصْفَهَانِيُّ، مِنْ أَصْفَهَانَ، قَالا: أَنَا الشَّرِيفُ أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَدُورُ

رَحَى الإِسْلامِ لِخَمْسٍ وَثَلاثِينَ، أَوْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، فَإِنْ يَهْلِكُوا، فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ، وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ، يَقُمْ سَبْعِينَ عَامًا». قَالَ: قُلْتُ: أمما بَقِيَ، أَوْ مِمَّا مَضَى؟ قَالَ: «مِمَّا مَضَى». قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: دَوَرَانُ الرَّحَى: كِنَايَةُ عَنِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ، شَبَّهَهَا بِالرَّحَى الدَّوَّارَةِ الَّتِي تَطْحَنُ الْحَبَّ، لِمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ تَلَفِ الأَرْوَاحِ، وَهَلاكِ الأَنْفُسِ. قَالَ صَعْصَعَةُ، جَدُّ الْفَرَزْدَقِ: أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ رَفَعَ يَدَهُ مِنْ مَرْحَى الْجَمَلِ. يُرِيدُ: حَرْبَ الْجَمَلِ. قَوْلُهُ: «وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ»، يُرِيدُ بِالدِّينِ: الْمُلْكَ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذَا مُلْكُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَانْتِقَالُهُ عَنْهُم إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَانَ مَا بَيْنَ أَنِ اسْتَقَرَّ الْمُلْكُ لِبَنِي أُمَيَّةَ إِلَى أَنْ ظَهَرَتِ الدُّعَاةُ بِخُرَاسَانَ، وَضَعُفَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَدَخَلَ الْوَهْنُ فِيهِ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً. وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ.

4226 - نَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْن سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ، نَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنِي عَلاءُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ الْعَبْسِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: كُنَّا قُعُودا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْفِتَنَ، فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلاسِ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا فِتْنَةُ الأَحْلاسِ؟ قَالَ: «هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ». ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ مِنِّي، إِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فُتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإِذَا قِيلَ: انْقَضَتْ، تَمَادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ عَلَى فُسْطَاطَيْنِ:

باب الاعتزال في الفتنة

فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكُمْ، فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ، أَوْ مِنْ غَدٍ ". قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ: «فِتْنَةُ الأَحْلاسِ»، إِنَّمَا أُضِيفَتِ الْفِتْنَةُ إِلَى الأَحْلاسِ، لِدَوَامِهَا وَطُولِ لُبْثِهَا، يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ يَلْزَمُ بَيْتَهُ لَا يَبْرَحُ: هُوَ حِلْسُ بَيْتِهِ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَبَّهَهُ بِالأَحْلاسِ لِسَوَادِ لَوْنِهَا وَظُلْمَتِهَا. وَالْحَرْبُ: ذَهَابُ الْمَالِ وَالأَهْلِ، يُقَالُ: حُرِبَ الرَّجُلُ، فَهُوَ حَرِيبٌ: إِذَا سُلِبَ مَالَهُ وَأَهْلَهُ. وَالدَّخَنُ: الدُّخَانُ يُرِيدُ أَنَّهَا تَثُورُ كَالدُّخَانِ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ. وَقَوْلُهُ: «كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ»، مَثَلٌ وَمَعْنَاهُ: الأَمْرُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ وَلا يَسْتَقِيمُ، وَذَلِكَ أَنَّ الضِّلَعَ لَا يَقُومُ بِالْوَرِكِ وَلا يَحْمِلُهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي بَابِ الْمُلاءَمَةِ وَالْمُوَافَقَةِ إِذَا وَصَفُوا: هُوَ كَكَفٍّ فِي سَاعِدٍ، وَسَاعِدٍ فِي ذِرَاعٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ غَيْرُ خَلِيقٍ لِلْمُلْكِ وَلا مُسْتَقِلٍّ بِهِ. وَالدُّهَيْمَاءُ: تَصْغِيرُ الدَّهْمَاءِ، صَغَّرَهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمَذَمَّةِ لَهَا. بَابُ الاعْتِزَالِ فِي الْفِتْنَةِ 4227 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ،

أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ الْغَنَمَ، يَتَّبِعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْمَطَرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ شَعَفُ الْجِبَالِ: أَعَالِيهَا، وَاحَدُهَا شَعَفَةٌ. 4228 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، نَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلٍ لَهُ وَغَنَمٍ، فَأَتَاهُ عُمَرُ ابْنُهُ، فَلَمَّا رَآهُ، قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ، قَالَ: يَا أَبَتِ، أَرَضِيتَ أَنْ تَكُونَ أَعْرَابِيًّا فِي

إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَالنَّاسُ بِالْمَدِينَةِ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ، قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ، وَقَالَ: اسْكُتْ يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ 4229 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، نَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَتَكُونُ فِتَنٌ: الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ معَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْرِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ

قَوْلُهُ: «مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ»، أَيْ: مَنْ طَلَعَ لَهَا بِشَخْصِهِ، طَالَعَتْهُ، يُقَالُ: اسْتَشْرَفْتُ الشَّيْءَ: إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ وَنَظَرْتَ إِلَيْهِ. وَقَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَنَعُوا وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ، وَصَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ قَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي، قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، قَالَ: لأنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الآيَةِ وَلا أُقَاتِلُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بِالآيَةِ الَّتِي تَقُولُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النِّسَاء: 93]، قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الْبَقَرَة: 193]، قَالَ: قَاتَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ؟ وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الْبَقَرَة: 193]، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ؟ إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولِ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةٌ، وَلَيْسَ بِقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ. وَرُوِيَ أَنَّ رِجَالا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ، فَمَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلا إِلَى قُبُورِهِمْ. 4230 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «

باب أشراط الساعة

الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: " {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [مُحَمَّد: 18]، يَقُولُ: فَكَيْفَ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بِذِكْرَاهُمْ. 4231 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مِنْ شَرْطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ فِي خَمْسِينَ امْرَأَةً

الْقَيِّمُ وَاحِدٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ هِشَامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: «مِنْ شَرْطِ السَّاعَةِ»، أَيْ: مِنْ عَلامَتِهَا، وَيُرْوَى مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، أَيْ: مِنْ عَلامَاتِهَا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [مُحَمَّد: 18]. 4232 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنِي هِلالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ، قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ، فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ،

قَالَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4233 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ، حَتَّى يُهِمَّ رَبُّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ، فَيَقُولُ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي بِهِ، وَحَتَّى

يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ، وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلا يَتَبَايَعَانِهِ، وَلا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ، فَلا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلا يَطْعَمُهَا ". هَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا قَوْلُهُ: «دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ»، وَكُلُّ كَذَّابٍ دَجَّالٌ، يُقَالُ: دَجَلَ فُلانٌ الْحَقَّ بِبَاطِلِهِ، أَيْ: غَطَّاهُ، وَبَعِيرٌ مُدَجَّلٌ: إِذَا كَانَ مَطْلِيًّا بِالْقَطِرَانِ، وَمِنْهُ أَخْذُ الدَّجَّالِ، وَدَجَلَهُ سِحْرُهُ وَكَذِبُهُ، وَقِيلَ: سُمِّيَ الدَّجَّالُ دَجَّالا لِتَمْوِيهِهِ عَلَى النَّاسِ وَتَلْبِيسِهِ، يُقَالُ: دَجَلَ: إِذَا مَوَّه وَلَبَّسَ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لِضَرْبِهِ فِي الأَرْضِ وَقَطْعِهِ أَكْثَرَ نَوَاحِيهَا، يُقَالُ: دَجَلَ الرَّجُلُ: إِذَا فَعَل ذَلِكَ. قَوْلُهُ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ»، قِيلَ: هُوَ دُنُوِّ زَمَانِ السَّاعَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قِصَرُ الأَعْمَارِ، وَقِلَّةُ الْبَرَكَةِ فِيهَا، وَقِيلَ: قِصَرُ مُدَّةِ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي، كَمَا يُرْوَى: «الزَّمَانُ يَتَقارَبُ حَتَّى يَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرِ كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةِ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَالسَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعْفَةِ».

قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: سَأَلْتُ أَبَا سِنَانٍ عَنْ قَوْلِهِ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ حَتَّى يَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ»، فَقَالَ: ذَلِكَ مِنَ اسْتِلْذَاذِ الْعَيْشِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ، زَمَانَ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ، وَوُقُوعَ الأَمَنَةِ فِي الأَرْضِ بِمَا يَبْسُطُهُ مِنَ الْعَدْلِ فِيهَا، فَيَسْتَلِذُّ الْعَيْشَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَتَسْتَقْصِرُ مُدَّتَهُ، وَلا يَزَالُ النَّاسُ يَسْتَقْصِرُونَ مُدَّةَ أَيَّامِ الرَّخَاءِ وَإِنْ طَالَتْ وَامْتَدَّتْ، وَيَسْتَطِيلُونَ أَيَّامَ الْمَكْرُوهِ وَإِنْ قَصُرَتْ وَقَلَّتْ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا: مَرَّ بِنَا يَوْمٌ كَعُرْقُوبِ الْقَطَاةِ قِصَرًا. وَقَوْلُهُ: «يَلِيطُ حَوْضَهُ وَيَلُوطُ»، أَيْ: يَمْدُرُهُ، وَيُطَيِّنُهُ، وَيُصْلِحُهُ لِئَلا يَتَشَرَّبَ الْمَاءَ، وَأَصْلُ اللَّوْطِ: اللُّصُوقُ، يُقَالُ: لاطَ بِهِ يَلُوطُ لَوْطًا، وَيَلِيطُ لَيْطًا. 4234 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ , أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْهَرْجُ»، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ»، قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْيَوْمَ، إِنَّا لَنَقْتُلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «لَيْسَ قَتْلُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا»، قَالُوا: وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَفِيكُمْ كِتَابُ اللَّهِ»، قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: «إِنَّهُ يُنْزَعُ

عُقُولُ عَامَّةِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَتَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ» 4235 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِلإِسْلامِ مُنْتَهى؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ، أَوِ الْعَجَمِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا، أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ»، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ كَأَنَّهَا الظُّلَلُ»، قَالَ: فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: كَلا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، ثُمَّ لَتَعُودُنَّ فِيهَا أَسَاوِدَ صُبًّا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»

قَوْلُهُ: «أَسَاوِدُ»، أَيْ: حَيَّاتٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الأَسْوَدُ: الْعَظِيمُ مِنَ الْحَيَّاتِ، وَفِيهِ سَوَادٌ، قَالَ شَمِرٌ: هُوَ أَخْبَثُ الْحَيَّاتِ، وَرُبَّمَا عَارَضَ الرُّفْقَةَ، وَتَبِعَ الصَّوْتَ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: يَعْنِي جَمَاعَاتٍ، وَهِيَ جَمْعُ سَوَادٍ مِنَ النَّاسِ، أَيْ: جَمَاعَةٌ ثُمَّ أَسْوِدَةٌ، ثُمَّ أَسَاوِدُ. وَقَوله: «صُبًّا»، قِيلَ: هُوَ جَمْعُ صَابٍ، مِثْلُ غَازٍ وَغُزًّى، وَقِيلَ: هُوَ صَبَّاءٌ عَلَى وَزْنِ فَعَّالٍ جَمْعُ صَابِئٍ، وَصَبَا: إِذَا مَالَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينِ، وَقِيلَ: هِيَ الْحَيَّةُ السَّوْدَاءُ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَنْهَسَ، ارْتَفَعَتْ، ثُمَّ انْصَبَّتْ. 4236 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بن سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيِّ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4237 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي

باب ما يكون من كثرة المال والفتوح

غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ يَعْنِي ابْنَ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا»، فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ. قَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: يَعْنِي لَا يَزَالُ الإِسْلامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ بَابُ مَا يَكُونُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ وَالْفُتُوحِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2]، قِيلَ: مَا فِيهَا مِنَ الْكُنُوزِ، وَقِيلَ: مَوْتَاهَا. 4238 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، أَنَا النَّضْرُ، أَنَا إِسْرَائِيلُ، أَنَا سَعِيدٌ الطَّائِيُّ، نَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ

أَتَاهُ رَجُلٌ، فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ، فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟» قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ: «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، فَلَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلا اللَّهُ»، قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلادَ، «وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى»، قُلْتُ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ؟ قَالَ: " كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهُ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرجمان يُتَرْجِمُ لَهُ، فَلَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولا فَيُبْلِغُكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالا، وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ، فَلا يَرَى إِلا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَلا يَرَى إِلا جَهَنَّمَ "، قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اتَّقُوا النَّارُ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّ تَمْرَةٍ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»، قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ

الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلا اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ، مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4238 - وَقَالَ الأَعْمَشُ: عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلا حِجَابَ يَحْجُبُهُ» الدُّعَّارُ جَمْعُ دَاعِرٍ: وَهُوَ الْخَبِيثُ مِنَ الرِّجَالِ. سَعَّرُوا الْبِلادَ، أَيْ: أَوْقَدُوا نِيرَانَ الْفِتَنِ. وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّائِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو طَرِيفٍ، عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ فِي زَمَنِ الْمُخْتَارِ، وَأَوْصَى أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْمُخْتَارُ. 4239 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، نَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خبيبِ بْنِ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَ، فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِد السَّكُونِيِّ 4240 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَحْسِرُ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ مِائَةٍ تِسْعُونَ»، أَوْ قَالَ: «تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، كُلٌّ يَرَى أَنَّهُ يَنْجُو». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلٍ، وَقَالَ: «مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ» 4241 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

باب قتال الترك وقتال اليهود

عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَقِيءُ الأَرْضُ أَفْلاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ، فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ، فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ، فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ، فَلا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ: «أَفْلاذُ كَبِدِهَا»، أَرَادَ أَنَّهَا تُخْرِجُ الْكُنُوزَ الْمَدْفُونَةَ فِيهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2]. وَالْفَلْذَةُ لَا تَكُونُ إِلا لِلْبَعِيرِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ كَبِدٍ، وَيُجْمَعُ فِلَذًا وَأَفْلاذًا، وَهِيَ الْقِطَعُ الْمَقْطُوعَةُ. وَقَيْؤُهَا: إِخْرَاجُهَا، شَبَّهَ بِالْكَبِدِ الَّذِي فِي بَطْنِ الْبَعِيرِ، لأَنَّهُ مِنْ أَطَايِبِ الْجَزُورِ، وَقِيلَ: تُخْرِجُ مَا فِي بَاطِنَهَا مِنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ. بَاب قِتَالِ التُّرْكِ وَقِتَالِ الْيَهُودِ 4242 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنٌ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ 4243 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ

السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ حُمْرَ الْوُجُوهِ، صِغَارَ الْعُيُونِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» 4243 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ، وَحَتَّى يَخْتَبِيَ الْيَهُودِيُّ وَرَاءَ الْحَجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، يَا مُسْلِمُ تَعَالَ، هَذَا وَرَائِي يَهُودِيٌّ، فَاقْتُلْهُ " 4243 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ مِنَ الْمَغْرِبِ، آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا». وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا، أَخْرَجَاهَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ: «كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»، الْمَجَانُّ جَمْعُ الْمِجَنُّ، وَهُوَ التُّرْسُ، وَالْمُطْرَقَةُ: هِيَ الَّتِي أُطْرِقَتْ، أَيْ: أُلْبِسَتْ بِطَراقٍ، وَهُوَ الْجِلْدُ الَّذِي يَغْشَاهُ، وَيُقَالُ: طَارَقَ النَّعْلَ: إِذَا صَيَّرَ خَصْفًا عَلَى خَصْفٍ، شَبَّهَ وُجُوهَهُمْ فِي عَرْضِهَا وَنُتُوِّ وَجْنَاتِهَا بِالتُّرْسَةِ قَدْ أُلْبِسَتِ الأَطْرِقَةِ. الذُّلْفُ: قِصَرُ الأَنْفِ وَانْبِطَاحِهِ.

4244 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيهِمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ، فَيَقُولُ: حَتَّى يُهِمَّ رَبُّ الْمَالِ مَنْ يَتَقَبَّلُ مِنْهُ صَدَقَتَهُ، قَالَ: وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَقْتَرِبُ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ "، قَالُوا: الْهَرْجُ، أيم هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ، الْقَتْلُ» 4244 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ» 4244 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْبَعِثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ»

4244 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكِرْمَانَ قَوْمًا مِنَ الأَعَاجِمِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، فُطْسَ الآنُفِ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» 4244 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ» 4244 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ، آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا». هَذِهِ الأَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا، أَخْرَجَاهَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَطُرُقٍ أُخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 4245 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ

باب قتال الروم

السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلاثُونَ كَذَّابًا دَجَّالا، كُلُّهُمْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِهِ» 4246 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيُّ وَرَائِي، فَاقْتُلْهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بَابُ قِتَالِ الرُّومِ 4247 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا

إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ بِالْكُوفَةِ إِذْ هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: قَامَتِ السَّاعَةُ، حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ لَهُ هِجِّيرَاءُ يَقُولُ: قَامَتِ السَّاعَةُ يَابْنَ مَسْعُودٍ، قَامَتِ السَّاعَةُ يَابْنَ مَسْعُودٍ، فَاسْتَوَى جَالِسًا وَغَضِبَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقْتَسَمَ مِيرَاثٌ، وَلا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ، وَقَالَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَؤُلاءِ مُدَّةٌ، قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: الرُّومَ يَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيَسْتَمِدُّ الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَيَقْتَتِلُونَ فَتَشَرَّطَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ أَلا يَرْجِعُوا إِلا غَالِبِينَ، فَيَقْتَتِلُون حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءَ هَؤُلاءِ وَيَفِيءُ هَؤُلاءِ، وَكُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ الْيَوْمُ الثَّانِي كَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثُ كَذَلِكَ، ثُمَّ الْيَوْمُ الرَّابِعُ يَنْهَدُ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ، فَيَقْتَتِلُونَ مَقْتَلَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، حَتَّى إِنَّ بَنِي الأَبِ كَانُوا يتعادون عَلَى مِائَةٍ لَا يَبْقَى إِلا الرَّجُلُ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَفَيُقْتَسَمُ هَهُنَا مِيرَاثٌ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ قَتَادَةُ يَصِلُ هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ:

فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى يَدْخُلُوا قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَيَجِدُونَ فِيهَا مِنَ الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ مَا إِنَّ الرَّجُلَ لَيَحْجُلُ حَجْلا، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ أَنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَ فِي ذَرَارِيكُمْ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَفَيُفْرَحُ هَهُنَا بِغَنِيمَةٍ، فَيَبْعَثُونَ مِنْهُمْ طَلِيعَةً عَشْرَةَ فَوَارِسَ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنِّي لأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَقَبَائِلَهُمْ وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ يَوْمَئِذٍ خَيْرُ فَوَارِسَ فِي الأَرْضِ، فَيُقَاتِلُهُمُ الدَّجَّالُ، فَيُسْتَشْهَدُونَ». هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مُتَقَطِّعًا. وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلُهُ: «تَشَرَّطُ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ»، الشُّرْطَةُ: أَوَّلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ تَشْهَدُ الْوَقْعَةَ. قَوْلُهُ: «يَنْهَدُ إِلَيْهِمْ»، يُقَالُ: نَهَدَ الْقَوْمُ لِعَدُوِّهِمْ: إِذَا صَمَدُوا لَهُ.

باب ما يكون من العلامات بين يدي الساعة

بَابُ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَلامَاتِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ 4248 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاءِ بْنِ زَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةِ أَدَمٍ، فَقَالَ: " اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الْمُوتَانِ، بِضَمِّ الْمِيمِ: هُوَ الْمَوْتُ، وَبِالْفَتْحِ: هُوَ الأَرْضُ الَّتِي لَمْ

تُحْيَ. وَقَوْلُهُ: «كَقُعَاصِ الْغَنَمِ»، القُعَاصُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْغَنَمَ لَا يَلْبَثُهَا أَنْ تَمُوتَ، وَمِنْهُ أُخِذَ الإِقْعَاصُ، وَهُوَ الْقَتْلُ عَلَى الْمَكَانِ، يُقَالُ: ضَرَبَهُ فَأَقْعَصَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ قُتِلَ قَعْصًا فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الْمَآبَ»، أَيْ: حُسْنَ الْمَآبِ. وَاسْتِفَاضَةُ الْمَالِ: كَثْرَتُهُ وَأَصْلُهُ التَّفَرُّقُ وَالانْتِشَارُ، يُقَالُ: اسْتَفَاضَ الْحَدِيثَ: إِذَا انْتَشَرَ. وَالْهُدْنَةُ: الصُّلْحُ بَعْدَ الْقِتَالِ، وَأَصْلُ الْهُدْنَةِ: السُّكُونُ، يُقَالُ: هَدَنْتُ أَهْدِنُ هُدُونًا وَمَهْدَنَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ سَلْمَانُ: مَلْغَاةُ أَوَّلُ اللَّيْلِ مَهْدَنَةٌ لآخِرِهِ، يَقُولُ: إِذَا لَغَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَسَهِرَ، لَمْ يَسْتَيْقِظْ فِي آخِرِهِ لِلتَّهَجُّدِ وَالصَّلاةِ. وَبَنُو الأَصْفَرِ: الرُّومُ. وَالْغَايَةُ: الرَّايَةُ، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ، وَمَعْنَاهَا: الأَجَمَةُ، شَبَّهَ كَثْرَةَ رِمَاحِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ بِهَا. 4249 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ حُجْرٍ قَوْلُهُ: «خَاصَّةُ أَحَدِكُمْ»، يَعْنِي: الْمَوْتَ. 4250 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذْكُرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: " إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

4251 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ 4252 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولا يُحَدِّثُ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَفَتْحُ

الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ»، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى فَخذي الَّذِي حَدَّثَهُ، يَعْنِي: مُعَاذًا، أَوْ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنْتَ هَهُنَا، أَوْ كَمَا أَنْتَ قَاعِدٌ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمَلْحَمَةُ الْعُظْمَى، وَفَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ». وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَيْنَ الْمَلْحَمَةِ وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ، وَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي السَّابِعَةِ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا أَصَحُّ 4253 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا أَبُو عُتْبَةَ، نَا بَقِيَّةُ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي بِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَيْنَ الْمَلْحَمَةِ وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ، وَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي السَّابِعَةِ»

باب

بَابٌ 4254 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ، يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ» 4254 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانُهُمْ». هَذَانِ حَدِيثَانِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِمَا، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَيْنِ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ ثَوْرٍ

باب الدجال لعنه الله

بَابُ الدَّجَّالِ لَعَنَهُ اللَّهُ 4255 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " إِنِّي لأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَنْذَرَ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ قَوْلا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ 4256 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ. وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ الطَّافِيَةُ مِنَ الْعِنَبِ: الْحَبَّةُ الْخَارِجَةُ عَنْ أَخَوَاتِهَا، وَمِنْهُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ، لأَنَّهُ يَعْلُو أَوْ يَظْهَرُ عَلَى رَأْسِ الْمَاءِ، يُرِيدُ أَنَّ حَدَقَتَهُ قَائِمَةٌ كَذَلِكَ. 4257 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مَلاسٍ النُّمَيْرِيُّ، نَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " إِنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ، عَيْنُهُ الشِّمَالُ عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: كَافِرٌ: ك ف ر ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ.

وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَيْضًا، أَنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى قَالَ الأَصْمَعِيُّ: الظَّفَرَةُ: لَحْمَةٌ تَنْبُتُ عِنْدَ الْمَآقِي. وَرَوَى رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٌ وَغَيْرُ كَاتِبٍ». 4258 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ، قَالَ: نَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلا عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ، أَنَّهُ قَالَ: " يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَة، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ رَجُلٌ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثه، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟

فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَلا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ يُجْعَلُ عَلَى حَلْقِهِ صَفِيحَةٌ مِنْ نُحَاسٍ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ الْخَضِرُ الَّذِي يَقْتُلُهُ الدَّجَّالُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ 4259 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، فَقَالَ لَهُ عُقْبَةُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّجَّالِ، قَالَ: «

إِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ وَإِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا، فَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ مَاءً، فَنَارٌ تَحْرِقُ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ نَارًا، فَمَاءٌ بَارِدٌ عَذْبٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ، فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَاهُ النَّارَ، فَإِنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ»، فَقَالَ عُقْبَةُ: وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ تَصْدِيقًا لِحُذَيْفَةَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4260 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْر الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَرَوِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمَوَيْهِ، بِالْبَصْرَةِ، نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا شُعْبَةٌ، وَهُشَيْمٌ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ يُحَدِّثُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَنْ يَضُرَّكَ، إِنَّكَ لَنْ تُدْرِكَهُ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعَهُ جِبَالَ خُبْزٍ وَأَنْهَارَ مَاءٍ، وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُرَيْجِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ هُشَيْمٍ، كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ 4261 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْر، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَضَ فِيهِ وَرَفَعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ، عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهَا وَرفعت حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفَنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ،

عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا، وَعَاثَ شِمَالا، يَا عِبَادَ اللَّهِ، فَاثْبُتُوا»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: " كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَ بِهِ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ، فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحِتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَ ذُرًى وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأمده خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، قَالَ: فَيَنْصَرِف عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَيَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ، رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ،

فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ، تَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ جُمَانٍ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلَهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى، إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُوا مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ، فَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، ويحصر نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ إِلَى

الأَرْضِ، وَلا يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلا مَلأهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يُكِنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَكِ، وَرُدِّي بركتك، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرّسل حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذِ مِنَ النَّاسِ، بَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ". وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَزِيد بْن جَابِر، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيد بْن جَابِر، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْو مَا ذَكَرْنَا، وَزَادَ بَعْد قَوْله: " لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، ثُمَّ

يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمْرِ، وَهُوَ جبل بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْله: «إِنَّه خَارج خلة»، أَي: سَبِيلا بَيْنَ الشَّام وَالْعراق. وَقَوله: «فيقطعه جزلتين»، أَي: قطعتين. قَوْله: «بَيْنَ مهرودتين»، أَي: فِي شقتين أَوْ خلتين، ويروى هَذَا الْحَرْف: مهرودتين، بِالدَّال والذال جَمِيعًا، أَي: مُمَصَّرَتَيْنِ، والممصرة من الثِّيَاب: الَّتِي فِيهَا صفرَة. ويروى فِي وصف عِيسَى: «رَجُل مَرْبُوع إِلَى الْبيَاض والحمرة، يمشي بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ». وَقَوله: «وَهُمْ من كُلّ حدب يَنْسلونَ»، أَي: يسرعون، يُقَالُ: نسل ينسل نسلانا. وَقَوله: «فَيُرْسل عَلَيْهِمُ النغف»، النغف: دود يَكُون فِي أنوف الْإِبِل وَالْغنم، وَاحِدهَا: نغفة. وَقَوله: «فيصبحون فرسى»، أَي: قَتْلَى، الْوَاحِد فريس، مثل قَتْلَى وقتيل، وصريع وصرعى من فرس الذِّئْب الشَّاة. وَقَوله: «فيتركها كالزلفة»، الزلفة: وَاحِدَة الزلف، وَهِيَ المصانع، وَهِيَ المزالف أَيْضًا. 2426 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَاذَ، مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ، فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَلْقَاهُ الْمَسَالِحُ مَسَالِحُ الدَّجَّالِ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَيْنَ تَعْمِدُ؟ فَيَقُولُ: أَعْمِدُ إِلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ. قَالَ: فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَمَا تُؤْمِنُ؟ فَيَقُولُ: مَا بِرَبِّنَا خَفَاءٌ، فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ، قَالَ: يَأَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا الدَّجَّال الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ، فَيُشَبَّحُ، فَيَقُولُ: خُذُوهُ فَشَبِّحُوهُ، فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا، قَالَ: فَيَقُولُ: أَوَمَا تُؤْمِنُ بِي؟ قَالَ: فَيَقُولُ: أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ، قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ، فَيُوشَرُ بِالْمِيشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّى يُفْرَقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ فَيَسْتَوِي قَائِمًا، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِي؟ فَيَقُولُ: مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلا بَصِيرَةً، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ بَعْدِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيَجْعَلُ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ نُحَاسًا، فَلا يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبِيلا، قَالَ: فَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَيَقْذِفُ بِهِ، فَيَحْسَبُ النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4263 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَلاثَ سِنِينَ: سَنَةٌ تُمْسِكُ السَّمَاءَ ثُلُثَ قَطْرِهَا، وَالأَرْضُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا، وَالثَّانِيَةُ تُمْسِكُ السَّمَاءُ ثُلُثَيْ قَطْرِهَا، وَالأَرْضُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا، وَالثَّالِثَةُ تُمْسِكُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا كُلَّهُ، وَالأَرْضُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ، فَلا تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ، وَلا ذَاتُ ضِرْسٍ مِنَ الْبَهَائِمِ إِلا

هَلَكَتْ، وَإِنَّ مِنْ أَشَدِّ فِتَنِهِ أَنَّهُ يَأْتِي الأَعْرَابِيُّ، فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ إِبِلَكَ، أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: بَلَى، فَيُمَثِّلُ لَهُ نَحْوَ إِبِلِهِ كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ ضُرُوعًا وَأَعْظَمِهِ أَسْنِمَةً، قَالَ: وَيَأْتِي الرَّجُلُ قَدْ مَاتَ أَخُوهُ، وَمَاتَ أَبُوهُ، فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ أَبَاكَ، وَأَحْيَيْتُ لَكَ أَخَاكَ، أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيُمَثِّلُ لَهُ الشَّيَاطِينَ نَحْوَ أَبِيهِ وَنَحْوَ أَخِيهِ "، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ وَالْقَوْمُ فِي اهْتِمَامٍ وَغَمٍّ مِمَّا حَدَّثَهُمْ، قَالَتْ: فَأَخَذَ بِلُحْمَتَيِ الْبَابِ، فَقَالَ: «مَهْيَمْ أَسْمَاءُ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ خَلَعْتَ أَفْئِدَتَنَا بِذِكْرِ الدَّجَّالِ، قَالَ: «إِنْ يَخْرُجُ وَأَنَا حَيٌّ، فأَنَا حَجِيجُهُ، وَإِلا فَإِنَّ رَبِّي خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ»، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّا لَنَعْجِنُ عَجِينَنَا، فَمَا نَخْبِزُه حَتَّى نَجُوعَ، فَكَيْفَ بِالْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ؟ فَقَالَ: «يُجْزِيهِمْ مَا يُجْزِي أَهْلَ السَّمَاءِ مِنَ التَّسْبِيحِ، وَالتَّقْدِيسِ»

4264 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ خَيْثَمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمْكُثُ الدَّجَّالُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمِ كَاضْطِرَامِ السَّعَفَةِ فِي النَّارِ» 4265 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ» السيجان: جمع الساج، وَهُوَ طيلسان أَخْضَر، وَقَالَ الْأَزْهَرِي:

هُوَ الطيلسان المقور ينسج كَذَلِكَ. 4266 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلا آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ آدَمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللّمم قَدْ رَجَّلَهَا، فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ، أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ " فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، قَالَ: " ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ " قَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُسَيِّبِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، وَقَالَ فِي الدَّجَّالِ: وَرَأَيْتُ

وَرَاءَهُ رَجُلا جَعْدًا قَطَطًا أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ قُلْتُ: بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ للدجال: مسيح بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد السِّين عَلَى وزن فِعّيل، وَلَيْسَ بِشَيْء، بَل هما فِي اللَّفْظ وَاحِد، وَسمي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مسيحا، لِأَنَّهُ كَانَ يمسح الأَرْض، أَي: يقطعهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ لَا يمسح ذَا عاهة إِلا برأَ، وَقَالَ أَبُو عبيد: الْمَسِيح أَصله بالعبرانية مشيحا، فعرب كَمَا عرب مُوسَى. وَأَمَّا الدَّجَّال، فَسُمي مسيحا، لِأَنَّهُ مَمْسُوح إِحْدَى الْعَينَيْنِ، والمسيح الْأَعْوَر وَبِهِ سمي الدَّجَّال. 4267 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَيَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ شَبَابَةَ الْغَافِقِيُّ يُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي الْعَلاءِ، بِمِصْرَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيِّ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ عَنِ الدَّجَّال 4268 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، بِطُوسَ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ فَرْقَدٍ الْفَرْقَدِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عِيسَى بْن يُونُسَ، نَا عِمْرَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى: «الصَّلاةُ جَامِعَةٌ»، فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «أَنْذَرْتُكُمُ الدَّجَّالَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، أَلا وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى، وَهُوَ كَائِنٌ فِيكُمْ أَيَّتُهَا الأُمَّةُ»، أَلا إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ أَخْبَرَنِي، أَنَّ رَكْبًا رَكِبُوا بَحْرَ الشَّامِ فِي نَفَرٍ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَأَلْقَتْهُمُ الرِّيحُ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِهِ، فَإِذَا هُمْ بِالدَّهْمَاءِ تَجِرُّ شَعْرَهَا، قَالُوا: مَا أَنْتَ؟ قَالَت: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: فَأَخْبِرِينَا، قَالَتْ، مَا أَنَا بِمُخْبِرِكُمْ، وَلا أَنَا بِمُسْتَخْبِرِكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا رَجُلا فِي هَذَا الدَّيْرِ،

فَإِنَّهُ إِلَى رُؤْيَتِكُمْ بِالأَشْوَاقِ، قَالَ: فَدَخَلُوا فَإِذَا رَجُلٌ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، مُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: نَحْنُ الْعَرَبُ، قَالَ: مَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: ظَهَرَ فِيهِمْ نَبِيٌّ يَتِيمٌ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ النَّاسُ؟ قُلْنَا: تَبِعَهُ قَوْمٌ، وَتَرَكَهُ قَوْمٌ، قَالَ: أَمَا إِنْ هُمْ يَتْبَعُونَهُ وَيُصَدِّقُونَهُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ أَيْشِ لِبَاسُهُمْ؟ قُلْنَا: صُوفٌ وَقُطْنٌ تَغْزِلُهُ نِسَاؤُهُمْ، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَيْهَاتَ، ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَتْ عَيْنُ زُغَرَ؟ قُلْنَا: كَثِيرٌ مَاؤُهَا، تَتَدَفَّقُ، تَرْوِي مَنْ أَتَاهَا، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَيْهَاتَ، مَا فَعَلَ نَخْلُ بَيْسَانَ؟ قُلْنَا: يُؤْتِي جَنَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَيْهَاتَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَطْلَقَنِي اللَّهُ مِنْ وَثَاقِي هَذَا، لَمْ يَبْقَ مَنْهَلٌ إِلا دَخَلْتُهُ إِلا مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ طَيْبَةُ حَرَّمْتُهَا كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ سِكَّةٍ وَنَقْبٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ شَاهِرٌ بِالسَّيْفِ يَمْنَعُهَا مِنَ الدَّجَّالِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قُلْتُ: قَوْله: «هَيْهَات»، كَأَنَّهُ يُرِيد تغير أَحْوَال هَذِهِ الْأَشْيَاء، فَقَدْ رَوَى ابْن بُرَيْدَة، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيث، أَنَّهُ قَالَ: أخبروني عَنْ

نخل بيسان هَل يُثمر؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أما إِنَّهَا توشك أَلا تثمر "، قَالَ: «أخبروني عَنْ بحيرة الطبرية هَل فِيهَا مَاء؟» قُلْنَا: هِيَ كَثِيرَة المَاء، قَالَ: «أما إِن ماءها يُوشك أَن يذهب». 4269 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، نَا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ أَبُو عَتَّابٍ، نَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَأَتْحَفَتْنَا رُطَبًا، وَسَقَتْنَا سَوِيقَ سُلْتٍ، فَسَأَلْتُهَا عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ؟ فَقَالَتْ: أَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ طَلَّقَنِي بَعْلِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي أَهْلِي، وَأَنْ أَتَحَوَّلَ، قَالَتْ: فَنُودِيَ يَوْمَئِذٍ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَانْطَلَقْتُ فِيمَنِ انْطَلَقَ مِنَ النِّسَاءِ، وَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ مِنَ النِّسَاءِ مِمَّا يَلِي الصَّفَّ الْمُؤَخَّرَ مِنَ الرِّجَالِ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ بَنِي عَمٍّ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَكِبُوا الْبَحْرَ، وَإِنَّ سَفِينَتَهُمْ قَذَفَتْهُمْ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَرَأَوْا هُنَالِكَ دَابَّةً يُوَارِيهَا شَعْرُهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا الْقَوْمُ، قَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، إِنَّ فِي ذَلِكَ الدَّيْرِ مَنْ هُوَ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ أَنْ يَرَاكُمْ،

فَانْطَلَقَ الْقَوْمُ، فَرَأَوْا رَجُلا مُكَبَّلا فِي الْحَدِيدِ تَضَاوَرَ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ دُخُولُهُمْ، فَسَأَلَهُمْ: أَخَرَجَ صَاحِبُكُمْ؟ قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَاتَّبِعُوهُ، أَلا تُخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ، أَطْعَمَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، مَا فَعَلَتْ؟ قُلْنَا: كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: وَعَيْنُ زُغَرَ؟ قُلْنَا: وَعَيْنُ زُغَرَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَوْ خَرَجْتُ، لَوَطِئْتُ الأَرْضَ كُلَّهَا غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بِمِخْصَرَتِهِ بِيَدِهِ: وَهَذِهِ طَيْبَةُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ، عَنْ خَالِد بْن الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيِّ، عَنْ قُرَّةَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَسميت الْمَدِينَة طيبَة، لِأَنَّهَا طَاهِرَة من الْخبث والنفاق، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا». قُلْتُ: قَوْله: «تضاور»، أَي: يظْهر الضّر الَّذِي بِهِ من الضور وَهُوَ الضّر. والجساسة يُقَالُ: إِنَّهَا تجس الْأَخْبَار للدجال. وَقَوله: «نخل بيسان أطْعم»، أَي: هَل أثمر؟ يُقَالُ: بِأَرْض فُلان من الشّجر الْمطعم كَذَا، أَي: المثمر.

باب ذكر ابن الصياد

بَابُ ذِكْرِ ابْنِ الصَّيَّادِ 4270 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فِي أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرْضه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ»، ثُمَّ قَالَ لابْنِ صَيَّادٍ: «مَاذَا تَرَى؟» قَالَ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُلِّطَ الأَمْرُ عَلَيْهِ»، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا»، فَقَالَ: هُوَ الدُّخُّ، قَالَ: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ

قَدْرَكَ»، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَكُنْ هُوَ، لَا تُسَلَّطْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ»، قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: انْطلق بَعْد ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمَّ صَيَّادٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لابْنِ صَيَّادٍ: أَيْ صَاف، وَهُوَ اسْمُهُ، هَذَا مُحَمَّدٌ، فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ». قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْمَلُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ

اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَاب. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى؟»، قَالَ: أَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرَى عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ، وَمَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى صَادِقِينَ وَكَاذِبًا، أَوْ كَاذِبِينَ وَصَادِقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لُبِّسَ عَلَيْهِ، دَعُوهُ» قَوْله: «فَرْضه» بالضاد الْمُعْجَمَة الَّتِي مَعْنَاهَا الْكسر، قَالَ الْخَطَّابِيّ: هُوَ غلط، وَالصَّوَاب: فرصه بالصَّاد غَيْر الْمُعْجَمَة، أَي: تنَاوله، فضغطه حَتَّى ضم بعضه إِلَى بَعْض، وَمِنْه رص الْبناء، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصَّفّ: 4]. وَقَالَ يُونُس عَنِ الزُّهْرِيِّ: فرفضه. وَقَوله: «خبأت لَك خبيئا» كَانَ قَدْ خبأ لَهُ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدُّخان: 10]، والدخ: الدُّخان. قَوْله: «فَلَنْ تعدو قدرك»، قَالَ الْخَطَّابِيّ: يحْتَمل وَجْهَيْن، أَحدهمَا: يُرِيد أَنَّهُ لَا يبلغ قدره أَن يطالع الْغَيْب من قبل الْوَحْي الَّذِي يُوحى بِهِ إِلَى الْأَنْبِيَاء، وَلا من قبل الإلهام الَّذِي يلقِي فِي روح الْأَوْلِيَاء، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي جرى عَلَى لِسَانه

شَيْئًا أَلْقَاهُ الشَّيْطَان، حِينَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاجع بِهِ أَصْحَابه قبل دُخُوله النّخل. وَالْآخر، أَي: لَنْ تسبق قدر اللَّه فِيك وَفِي أَمرك. وَقَدْ يسْتَدلّ بِهِ بَعْض أهل الْعلم عَلَى صِحَة إِسْلَام غَيْر الْبَالِغ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يستكشفه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَان وَهُوَ إِذْ ذَاك غَيْر بَالغ. وَقَوله: «يخْتل»، أَي: يطْلب أَن يَأْتِيهِ من حَيْثُ لَا يعلم، فَيسمع مَا يَقُوله فِي خلوته، وَمِنْه ختل الصَّيْد وَهُوَ أَن يُؤْتِي من حَيْثُ لَا يشْعر، فيصاد. قَوْله: «لَهُ فِيهَا رمرمة أَوْ زمزمة»، وَقَالَ يُونُس عَنِ الزُّهْرِيِّ: زمزمة بالزاي، وَقَالَ عقيل عَنِ الزُّهْرِيِّ: رمرمة بالراء، وَقَالَ مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ: رمزة، ويروى: زمرة، أَي: رمزة. قُلْتُ: هَذِهِ أَلْفَاظ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَة، الرمرمة تكون بِمَعْنى الْحَرَكَة، فَفِي حَدِيث عَائِشَة «كَانَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَحش، فَإِذَا خرج لعب، وَإِذَا جَاءَ ربض، فَلم يترمرم مَا دَامَ فِي الْبَيْت»، أَي: لَمْ يَتَحَرَّك، والزمزمة بالزاي: الصَّوْت، يُقَالُ: زَمْزَم يزمزم زمزمة: إِذَا صَوت، وَقِيلَ فِي شَأْن زَمْزَم: سميت بِهِ لصوت كَانَ من جِبْرِيل عِنْدهَا يشبه الزمزمة، وَقِيلَ: لِأَن هَاجر زمت المَاء بالتحجير عَلَيْهِ، وَأَصلهَا زمم، وَمن قَالَ رمزة، فَمن الرَّمْز وَهُوَ الْإِشَارَة، وَقَدْ يَكُون بالعينين والحاجبين والشفتين، وَأَصله الْحَرَكَة، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلا رَمْزًا} [آل عمرَان: 41]، قَالَ مُجَاهِد: إِيمَاء بشفتيه، وَمن قَالَ: زمرة

بِتَقْدِيم الزَّاي الْمُعْجَمَة، فَلَعَلَّهُ كَانَ يتَغَنَّى مَعَ نَفْسه بِشَيْء، قَالَ الأَصْمَعِيّ: زمر: إِذَا غنى، وَفِي الْحَدِيثِ: «نهى عَنْ كسب الزمارة»، قِيلَ: مَعْنَاهُ الْمُغنيَة. قَوْله: «لَو تركته بَيْنَ»، أَي: بَيَّنَ مَا فِي نَفْسه. 4271 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " لَقِيتُ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمًا وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِذَا عَيْنُهُ قَدْ طَفَتْ، وَكَانَتْ عَيْنُهُ خَارِجَةً كَعَيْنِ الْجَمَلِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهَا، قُلْتُ: يَابْنَ الصَّيَّادِ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ مَتَى طَفَتْ عَيْنُكَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي وَالرَّحْمَنِ. قُلْتُ: كَذَبْتَ لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكَ. فَنَخَرَ ثَلاثًا، فَزَعَمَ الْيَهُودِيُّ أَنِّي ضَرَبْتُ بِيَدِي عَلَى صَدْرِهِ، قَالَ: وَلا أَعْلَمُنِي فَعَلْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ. فَقَالَ: أَجَلْ لَعَمْرِي وَأَعْدُو قَدْرِي، فَكَأَنَّمَا كَانَ سِقَاءً انْفَشَّ. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ، فَقَالَتِ: اجْتَنِبْ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنَّا

نَتَحَدَّثُ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ عِنْدَ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا " 4272 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ , نَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ ابْنَ صَيَّادٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ قَوْلا أَغْضَبَهُ، فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ، فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، مَا أَرَدْتَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيّ: وَقَدِ اخْتلف النَّاس فِي أَمر ابْن صياد اخْتِلافا شَدِيدا، وأشكل أمره حَتَّى قِيلَ فِيهِ كُلّ قَوْل، وَقَدْ يسْأَل عَنْ هَذَا، فَيُقَالُ: كَيْفَ يقار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا يَدعِي النُّبُوَّة كَاذِبًا، ويتركه بِالْمَدِينَةِ يساكنه فِي دَاره، ويجاوره فِيهَا، وَمَا وَجه امتحانه إِيَّاه بِمَا خبأه لَهُ من آيَة الدُّخان، وَقَوله بَعْد ذَلِكَ: «اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك»؟.

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَن هَذِهِ الْقِصَّة إِنَّمَا جرت مَعَهُ أَيَّام مهادنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود وحلفاءهم، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْد مقدمه الْمَدِينَة كتب بَينه وَبينهمْ كتابا صَالحهمْ فِيهِ عَلَى أَن لَا يهاجوا، وَأَن يتْركُوا عَلَى أَمرهم، وَكَانَ ابْن الصياد مِنْهُمْ، أَوْ دخيلا فِي جُمْلَتهمْ، وَكَانَ يبلغ رَسُول اللَّهِ خَبره وَمَا يَدعِيهِ من الكهانة، ويتعاطاه من الْغَيْب، فامتحنوه بِذَلِكَ ليروز بِهِ أمره، ويخبر بِهِ شَأْنه، فَلَمَّا كَلمه، علم أَنَّهُ مُبْطل، وَأَنه من جملَة السَّحَرَة أَوِ الكهنة، أَو مِمَّن يَأْتِيهِ رَئِيٌ من الْجِنّ، أَوْ يتعاهده شَيْطَان، فيلقي عَلَى لِسَانه بَعْض مَا يتَكَلَّم بِهِ، فَلَمَّا سمع مِنْهُ قَوْله الدخ، زبره، فَقَالَ: «اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك»، يُرِيد أَن ذَلِكَ شَيْء أَلْقَاهُ إِلَيْهِ الشَّيْطَان، وأجراه عَلَى لِسَانه، وَلَيْسَ ذَلِكَ من قبل الْوَحْي السماوي، إِذَ لَمْ يكن لَهُ قدر الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ يُلْهمُون الْعلم، ويصيبون بِنور قُلُوبهم الْحق، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُ تارات يُصِيب فِي بَعْضهَا، ويخطئ فِي بَعْض، وَذَلِكَ معنى قَوْله: «يأتيني صَادِق وكاذب»، فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: خلط عَلَيْك، فالجملة من أمره أَنَّهُ كَانَ فتْنَة قَدِ امتحن اللَّه بِهِ عباده الْمُؤْمِنِينَ، ليهلك من هلك عَنْ بَيِّنَة، وَقَدِ امتحن قوم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي زَمَانه بالعجل، فَافْتتنَ بِهِ قوم وأهلكوا، وَنَجَا من هداه اللَّه وَعَصَمَهُ مِنْهُمْ. وَقَدِ اخْتلفت الرِّوَايَات فِي أمره، وَفِيمَا كَانَ من شَأْنه بَعْد كبره، فَروِيَ أَنَّهُ قَدْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ القَوْل، ثُمَّ إِنَّه مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ لما أَرَادوا الصَّلَاة عَلَيْهِ، كشفوا عَنْ وَجهه حَتَّى رَآهُ النَّاس، وَقِيلَ لَهُمُ: اشْهَدُوا.

4273 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: نَا عَبْدُ الأَعْلَى، نَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ الصَّيَّادِ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لِي: قَدْ لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ، أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَقَدْ وُلِدَ لِي، أَوَلَيْسَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلا مَكَّةَ»؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَقَدْ وُلِدْتُ بِالْمَدِينَةِ، وَهَا أَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي فِي آخِرِ قَوْلِهِ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ مَوْلِدَهُ، وَمَكَانَهُ وَأَيْنَ هُوَ، فَلَبَّسَنِي. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَذهب ابْن عُمَرَ إِلَى أَن ابْن صياد هُوَ الدَّجَّال. وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدر: " رَأَيْت جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ يحلف بِاللَّهِ، أَن ابْن الصَّائِد الدَّجَّال، فَقُلْتُ: تحلف بِاللَّهِ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَر

يحلف عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلم يُنكره النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". ويروى أَنَّهُ قِيلَ لجَابِر: " إِنَّه أسلم؟ فَقَالَ: وَإِن أسلم، فَقيل: إِنَّه دَخَلَ مَكَّة، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: وَإِن دَخَلَ ". وَرُوِيَ عَنْ جَابِر، أَنَّهُ قَالَ: «فَقدنَا ابْنُ صياد يَوْم الْحرَّة»، وَهَذَا يُخَالف رِوَايَة من رَوَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَاللَّه أعلم. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَر، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " هُوَ الدَّجَّال، وَقَالَ: قَالَت أمه: حَملته اثْنَي عشر شهرا، فَلَمَّا وَقع، صَاح صياح ابْن شَهْرَيْن، وَكَانَ يشب فِي الْيَوْم الْوَاحِد شباب الصَّبِيّ لشهر ". قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بكرَة، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يمْكث أَبُوا الدَّجَّال ثَلَاثِينَ عَاما لَا يُولد لَهما، ثُمَّ يُولد لَهما غُلَام أَعور وأضرس وَأقله مَنْفَعَة، تنام عَيناهُ وَلا ينَام قلبه»، فسمعنا بمولود فِي الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ، فَذَهَبت أَنَا وَالزُّبَيْر بْن الْعَوام حَتَّى دَخَلنَا عَلَى أَبَوَيْهِ، فَإِذَا نعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: هَل لَكمَا ولد؟ فَقَالَا: مكثنا

ثَلَاثِينَ عَاما لَا يُولد لنا، ثُمَّ ولد لنا غُلَام أَعور أضرس وَأقله مَنْفَعَة، تنام عَيناهُ وَلا ينَام قلبه. 4274 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَاكِمُ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَلَدَتْ غُلامًا مَمْسُوحَةٌ عَيْنُهُ، طَالِعَةٌ نَابُهُ، فَأَشْفَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالَ، فَوَجَدَهُ تَحْتَ قَطِيفَةٍ يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ، فَخَرَجَ مِنَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ»، ثُمَّ قَالَ: «يَابْنَ الصَّائِدِ مَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ. قَالَ: «فَلُبِّسَ»، فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ أَتَى مَرَّةً أُخْرَى، فَوَجَدَهُ فِي نَخْلٍ لَهُ يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا

أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ». قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْمَعُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلامِهِ شَيْئًا، فَيَعْلَمُ هُوَ أَمْ لَا، فَقَالَ: «يَابْنَ الصَّائِدِ، مَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ. قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» فَقَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ»، فَلُبِّسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ جَاءَ فِي الثَّالِثَةِ أَمِ الرَّابِعَةِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وأَنَا مَعَهُ، قَالَ: فَبَادَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَرَجَا أَنْ يُسْمِعَهُمْ مِنْ كَلامِهِ شَيْئًا، فَسَبَقَتْهُ أُمُّهُ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ»، فَقَالَ: «يَابْنَ صَائِدٍ، مَا تَرَى؟» قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ. فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟»، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: «يَابْنَ صَائِدٍ، إِنَّا قَدْ خَبَّأْنَا لَكَ خَبِيئَةً، فَمَا هُوَ؟» قَالَ: الدُّخُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْسَأْ، اخْسَأْ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ائْذَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلَهُ. فَقَالَ

باب نزول عيسى ابن مريم صلوات الله عليه

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَكُنْ هُوَ، فَلَسْتَ صَاحِبَهُ، إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَإِلا يَكُنْ هُوَ، فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ». قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْفِقًا أَنَّهُ الدَّجَّالُ. قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ قَتْلِهِ بَابُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ 4275 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلا، يَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَع الْجِزْيَةَ، فَيَفِيضُ

الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِح، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْث، كُلّ عَنِ ابْنِ شِهَاب قَوْله: «يكسر الصَّلِيب»، يُرِيد إبِْطَال النَّصْرَانِيَّة، وَالْحكم بشرع الإِسْلام، وَمعنى قتل الْخِنْزِير: تَحْرِيم اقتنائه وَأكله وَإِبَاحَة قَتله، وَفِيه بَيَان أَن أعيانها نَجِسَة، لِأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ إِنَّمَا يَقْتُلهَا عَلَى حكم شرع الإِسْلام، وَالشَّيْء الطَّاهِر المنتفع بِهِ لَا يُبَاح إِتْلَافه. وَقَوله: وَيَضَع الْجِزْيَة "، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَضَعهَا عَنْ أهل الْكِتَاب، ويحملهم عَلَى الإِسْلام، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نزُول عِيسَى: «وَتَهْلِكُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا إِلا الإِسْلامَ، وَيَهْلِكُ الدَّجَّالُ، فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ». وَقِيلَ: معنى وضع الْجِزْيَة، أَن المَال يكثر حَتَّى لَا يُوجد مُحْتَاج مِمَّن يوضع فِيهِم الْجِزْيَة، يدل عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلامُ: «فَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ».

4276 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِيهِ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَيَتْرُكَنَّ الْقِلاصَ، فَلا يَسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ، فَلا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4277 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى،

عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ يُونُسَ. وَقَالَ مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ: «فَأَمَّكُمْ، أَوْ إِمَامكُمْ مِنْكُمْ»، وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَاب: «فَأَمَّكُمْ مِنْكُمْ». قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي مَعْنَاهُ: فَأَمَّكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 4278 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الأَسْلَمِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ فَجِّ الرَّوْحَاءِ بِالْحَجِّ، أَوْ بِالْعُمْرَةِ، أَوْ لَيُثَنِّيَنَّهُمَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، وَغَيْره، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»

باب المهدي

بَاب الْمَهْدِي 4279 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّرِيِّ التَّمِيمِيُّ الْحَافِظُ، بِالْكُوفَةِ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّيْرَفِيُّ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا قِطْرٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بِزَّةَ , عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا يَوْمٌ، لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا». وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيّ، أَنَا أَبُو جَعْفَر عَبْد اللَّهِ بْن إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيّ، نَا سَوادَةُ بْن عَلِيّ بْن جَابِر الأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ 4280 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي

عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلاءً يُصِيبُ هَذِهِ الأُمَّةَ، حَتَّى لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَلْجَأً يَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رَجُلا مِنْ عِتْرَتِي أَهْلِ بَيْتِي، فَيَمْلأُ بِهِ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الأَرْضِ، لَا تَدَعُ السَّمَاءُ مِنْ قَطْرِهَا شَيْئًا إِلا صَبَّتْهُ مِدْرَارًا، وَلا تَدَعُ الأَرْضُ مِنْ نَبَاتِهَا شَيْئًا إِلا أَخْرَجَتْهُ حَتَّى يَتَمَنَّى الأَحْيَاءُ الأَمْوَاتَ، يَعِيشُ فِي ذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ». وَيُرْوَى هَذَا مِنْ غَيْر وَجْهٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَأَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ اسْمُهُ بَكْرُ بْنُ عَمْرو. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّب، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَت: سَمِعْتُ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْمَهْدِي مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ». وَيُرْوَى: «يَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ، فَيَلْبُثُ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَهْدِي مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الأَنْفِ، يَمْلأُ الأَرْضَ قسطا وَعَدْلا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا، يَمْلِكُ سِنِينَ». وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْمَهْدِي، قَالَ: " فَيَجِيءُ إِلَيْهِ الرَّجُل، فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي أَعْطِنِي، قَالَ: فَيُحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَن يَحْمِلَهُ " 4281 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمُقْرِي الأَدَمِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَسَّانِيُّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْرُجُ

باب كلام السباع

فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يُعْطِي الْمَالَ بِغَيْرِ عَدَدٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْن عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ دَاوُد بَابُ كَلامِ السِّبَاعِ 4282 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ ذِئْبٌ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْهُ، قَالَ: فَصَعِدَ الذِّئْبُ عَلَى تَلٍّ، فَأَقْعَى وَاسْتَقَرَّ، وَقَالَ: عَمَدْتُ إِلَى رِزْقٍ رَزَقَنِيهِ اللَّهُ أَخَذْتُهُ، ثُمَّ انْتَزَعْتَهُ مِنِّي؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: تَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ! فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ هَذَا رَجُلٌ فِي النَّخَلاتِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُخْبِرُكُمْ بِمَا مَضَى، وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ. قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ يَهُودِيًّا، فَجَاءَ

باب لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق

إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ وَأَسْلَمَ، فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا أَمَارَاتٌ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، قَدْ أَوْشَكَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ، فَلا يَرْجِعَ حَتَّى يُحَدِّثَهُ نَعْلاهُ وَسَوْطُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ». ويُرْوَى هَذَا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَفِيهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ الرَّاعِي، أَلا إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَلامُ السِّبَاعِ الإِنْسَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمُ السِّبَاعُ الإِنْسَ، وَتُكَلِّمُ الرَّجُلَ نَعْلُهُ وَعَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَيُخْبِرُهُ فَخِذُهُ بِحَدِيثِ أَهْلِهِ بَعْدَهُ» بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 4283 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، أَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ

سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَفَّان بْن مُسْلِم 4284 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْن حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ 4285 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ»، وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَبَالَةَ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْب، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمعنى الْخَبَر: حَتَّى ترجع دوس عَنِ الإِسْلام، فَتَطُوف نِسَاؤُهُم بِذِي الخلصة، وتضطرب ألياتها، كَذَلِكَ فعلهم فِي الْجَاهِلِيَّةِ. والخلصة: بَيْت فِيهِ صنم، يُقَالُ لَهُ: الخلصة، وَقِيلَ: الخلصة بَيْت الْكَعْبَة اليمانية، أنفذ إِلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرِير بْن عَبْدِ اللَّهِ، فخربها. 4286 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4287 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ،

عَنْ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَخْرُجُ رِيحٌ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، يُقْبَضُ فِيهَا رُوحُ كُلِّ مُؤْمِنٍ» 4288 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلا قَبَضَتْهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4289 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، وَأَبُو مَعْنٍ زَيْدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، وَاللَّفْظُ لأَبِي مَعْنٍ، قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «

لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاتُ وَالْعُزَّى»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التَّوْبَة: 33]، أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا، قَالَ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4290 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: «اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ أَشَرُّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ»، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب طلوع الشمس من مغربها

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «لأَهْلُ بَيْتِي أَهْوَنُ عَلَيَّ مَوْتًا مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلانِ، وَلا يَأْتِي عَلَيْكُمْ عَامٌ إِلا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الآخَرِ، وَلَبِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَا إِنْ كَذَبْتُ». وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، كَرِجْرِجَةِ الْمَاءِ الْخَبِيثِ». قَالَ أَبُو عبيد: الرجرجة بِكَسْر الراءين: هِيَ بَقِيَّة المَاء فِي الْحَوْض الكدرة المختلطة بالطين لَا يُمكن شربهَا، وَلا ينْتَفع بِهَا. بَابُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا 4291 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالأُخْرَى عَلَى أَثَرِهَا قَرِيبًا».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4292 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: «تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنُ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيد التَّيْمِي 4293 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا وَكِيعٌ، نَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38]، قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي سَعِيد الأَشَجِّ، وَإِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ وَكِيعٍ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38]: إِن أهل التَّفْسِير وأَصْحَاب الْمعَانِي قَالُوا فِيهِ قَوْلَيْنِ، قَالَ بَعْضهم: مَعْنَاهُ: أَي لأجل قدر لَهَا، يَعْنِي: انْقِطَاع مُدَّة بَقَاء الْعَالم، وَقَالَ بَعْضهم: مستقرها: غَايَة مَا يُنتهى إِلَيْهِ فِي صعودها، وارتفاعها لأطول يَوْم فِي الصَّيف، ثُمَّ تَأْخُذ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى أقْصَى مَشَارِق الشتَاء لأقصر يَوْم فِي السّنة. وَأَمَّا قَوْله عَلَيْهِ السَّلامُ: «مستقرها تَحْتَ الْعَرْش»، فَلا ننكر أَنْ يَكُونَ لَهَا اسْتِقْرَار تَحْتَ الْعَرْش من حَيْثُ لَا ندركه وَلا نشاهده، وَإِنَّمَا أخبر عَنْ غيب، فَلا نكذب بِهِ، وَلا نكيفه، لِأَن علمنَا لَا يُحِيط بِهِ. وَيحْتَمل أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّ علم مَا سَأَلت عَنْهُ من مستقرها تَحْتَ الْعَرْش فِي كِتَاب كتب فِيهِ مبادئ أُمُور الْعَالم، ونهاياتها، وَالْوَقْت الَّذِي تَنْتَهِي بِهِ مدَّتهَا، فَيَنْقَطِع دوران الشَّمْس، وتستقر عِنْدَ ذَلِكَ، فَيبْطل فعلهَا وَهُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَفِي هَذَا،

يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ الأَوَّل، إِخْبَار عَنْ سُجُود الشَّمْس تَحْتَ الْعَرْش، فَلا يُنكر أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ محاذاتها الْعَرْش فِي مسيرها، وَلَيْسَ فِي سجودها تَحْتَ الْعَرْش مَا يعوقها عَنِ الدأب فِي سَيرهَا، وَالتَّصَرُّف لما سخرت لَهُ. وَأَمَّا قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الْكَهْف: 86]، فَهُوَ نِهَايَة مدرك الْبَصَر إِيَّاهَا حَالَة الْغُرُوب، ومصيرها تَحْتَ الْعَرْش للسُّجُود إِنَّمَا هُوَ بَعْد الْغُرُوب، وَلَيْسَ معنى قَوْله: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الْكَهْف: 86]، أَنَّهَا تسْقط فِي تِلْكَ الْعين فتغمرها، وَإِنَّمَا هُوَ خبر عَنِ الْغَايَة الَّتِي بلغَهَا ذُو القرنين فِي مسيره حَتَّى لَمْ يجد وَرَاءَهَا مسلكا، فَوجدَ الشَّمْس تتدلى عِنْدَ غُرُوبهَا فَوْقَ هَذِهِ الْعين، وَكَذَلِكَ يتَرَاءَى غرُوب الشَّمْس لمن كَانَ فِي الْبَحْر، وَهُوَ لَا يرى السَّاحِل كَأَنَّهَا تغيب فِي الْبَحْر، وَاللَّه أعلم. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرَّحْمَن: 5]، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الْأَنْعَام: 96]، أَي: يجريان بِحِسَاب مَعْلُوم، وعَلى منَازِل ومقادير لَا يجاوزانها، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39]، وَقِيلَ: حسبان جمع حِسَاب، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الْكَهْف: 86]، أَي: فِي رَأْي الْعين، فَمن قَرَأَهَا: حامية بِلَا همز، أَرَادَ الحارة، وَمن قَرَأَ {حَمِئَةٍ} [الْكَهْف: 86] بِلَا ألف مهموزا، أَرَادَ عينا ذَات حمأة، يُقَالُ: حمأت الْبِئْر إِذَا نزعت مِنْهَا الحمأة، وأحمأتها: إِذَا ألقيت فِيهَا الحمأة.

باب قول الله عز وجل: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر} [النحل: 77] وأن من مات، فقد قامت قيامته

بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ} [النَّحْل: 77] وَأَنَّ مَنْ مَاتَ، فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الْأَحْزَاب: 63]. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً} [الْأَعْرَاف: 187]، أَيْ: خَفِيَتْ، وَإِذَا خَفِيَ عَلَيْكَ الشَّيْءُ، فَقَدْ ثَقُلَ. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} [الْأَعْرَاف: 187]، أَي: عَالم بِهَا، قَالَ مُجَاهِد: أَرَادَ كَأَنَّك استحفيت عَنْهَا السُّؤَال حَتَّى علمتها، أَي: أكثرت الْمَسْأَلَة عَنْهَا، يُقَالُ: أحفى فِي السُّؤَال، وألحف، تَقول الْعَرَب: فُلان حفي بِخَبَر فُلان، إِذَا كَانَ معنيا بالسؤال عَنْهُ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَزِفَتِ الآزِفَةُ} [النَّجْم: 57]،

أَي: اقْتَرَبت السَّاعَة، وَدنت الْقِيَامَة، يُقَالُ: أزف الشَّيْء: إِذَا دنا، وَيُقَال للقيامة: آزفة، لِأَنَّهَا لَا محَالة آتِيَة، وَمَا كَانَ آتِيَا، وَإِن بَعْد وقته، فَهُوَ قريب. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [يس: 49]، أَي: يختصمون فِي أَمر الدُّنْيَا، وَفِي متصرفاتهم فِيهَا. 4294 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا أَبُو حَازِمٍ، نَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ: «بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِم وَقِيلَ فِي تَفْسِيره: كفضل إِحْدَاهمَا عَلَى الْأُخْرَى، يُرِيد: مَا بيني وَبَين السَّاعَة من مُسْتَقْبل الزَّمَان، بِالْإِضَافَة إِلَى مَا مضى، مِقْدَار فضل الْوُسْطَى عَلَى السبابَة. 4295 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ

بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ»، وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ السَّاعَةَ، احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، كَأَنَّهُ نَذِيرُ جَيْشٍ: صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ جَعْفَرٍ فِي الْخُطْبَةِ 4296 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَعْرَابِ جُفَاةٌ يَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَسْأَلُونَهُ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ، فَيَقُولُ: «إِنْ يَعِشْ هَذَا لَا يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ، حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ».

قَالَ هِشَام: يَعْنِي مَوْتَهُمْ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَة، عَنْ هِشَام 4297 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، ورَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ؟ فَأَشَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ، فَسَأَلَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يُشِيرُ إِلَيْهِ النَّاسُ أَنِ اسْكُتْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: «وَيْحَكَ! مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: «إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ غُلامٌ. قَالَ أَنَسٌ: هُوَ مِنْ سِنِّي قَدِ احْتَلَمَ أَوْ رَاهَقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: هَا هُوَ ذَا. قَالَ: «إِنْ أَكْمَلَ هَذَا الْغُلامُ عُمُرَهُ، أَوْ أَدْرَكَ

باب النفخ في الصور

عُمُرَهُ، فَلَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَرَى أَشْرَاطَهَا» صَحِيح. بَابُ النَّفْخِ فِي الصُّورِ قَالَ مُجَاهِد: كَهَيئَةِ الْبَرْق، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الناقور: الصُّور. قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8]، أَي نفخ فِي الصُّور، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: زَجْرَة: صَيْحَة، الراجفة: النفخة الأولى، والرادفة: النفخة الثَّانِيَة. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 68]. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ

الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51]. وَسُئِلَ ابْن عَبَّاسٍ عَنْ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 101]. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]، فَقَالَ: «فَلا أَنْسَاب بَينهم، فِي النفخة الأولى ينْفخ فِي الصُّور، فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْضِ إِلا من شَاءَ اللَّه، فَلا أَنْسَاب بَينهم عِنْدَ ذَلِكَ وَلا يتساءلون، ثُمَّ فِي النفخة الثَّانِيَة يقبل بَعْضهم عَلَى بَعْض يتساءلون». وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ} [عبس: 33]، أَي: الصَّيْحَة الَّتِي تصخ الأسماع، أَي: تصمها، تكون عَنْهَا الْقِيَامَة. 4298 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ خَالِدٍ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الأُذُنُ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فينفخ»، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ: " قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 4299 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّار , نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيد، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَهُ، وَأَصْغَى سَمْعَهُ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ، يَنْتَظِرُ مَا يُؤْمَرُ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمُ الْوَكِيلُ»

قَوْله: «كَيْفَ أنعم»، أَي: كَيْفَ أتنعم، وَقِيلَ: كَيْفَ أفرح، وَالنعْمَة: المسرة. 4300 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ»، قَالُوا: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: «أَبَيْتُ»، قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: «أَبَيْتُ»، قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: «أَبَيْتُ»، قَالَ: «ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلا يَبْلَى إِلا عَظْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ

الْعجب: الْعظم الَّذِي فِي أَسْفَل الصلب، وَهُوَ العسيب. 4301 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ , أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَكَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ، أَمْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلِي، وَمَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، فَقَدْ كَذَبَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

4302 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَالأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ: رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَرَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالِمِينَ، قَالَ: فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صُعِقَ، فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ كَانَ فِيمَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ،

باب قول الله عز وجل: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} [الزمر: 67]

عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْد، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْد. وَرَوَاهُ عَبْد اللَّهِ بْن الْفَضْلِ الْهَاشِمِيّ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ»، وَقَالَ: " فَلا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ أَمْ بُعِثَ قَبْلِي، وَلا أَقُولُ: إِن أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُس بْن مَتَّى " قَوْله: «صعق» الرَّجُل يصعق: إِذَا أَصَابَهُ فزع، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ. وَقَوله: «باطش بِجَانِب الْعَرْش»، أَي: قَابض عَلَيْهِ بِيَدِهِ. وَقَوله: «أم كَانَ فِيمَن اسْتثْنى اللَّه تَعَالَى»، يُرِيد قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68]. قَوْله: «أم حُوسِبَ بصعقة الطّور»، أَي عوفي من الصَّعق مَعَ النَّاس لما كَانَ من صعقة الطّور، كَمَا أخبر اللَّه تَعَالَى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الْأَعْرَاف: 143]. بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إِبْرَاهِيم: 48]. وَرَوَى مَسْرُوقٌ، عَنْ عَائِشَةَ،

أَنَّهَا تلت هَذِهِ الْآيَة، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَيْنَ يَكُون النَّاسُ؟ قَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ». يُقَالُ: التَّبْدِيلُ: تَغْيِير الشَّيْء عَنْ حَاله، والإبدال: جعل شَيْء مَكَان آخر، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: تَبْدِيل الأَرْض: تسيير جبالها، وتفجير أنهارها، وَكَونهَا مستوية لَا ترى فِيهَا عوجا وَلا أمتا، وتبديل السَّمَوَات: انتثار كواكبها وانفطارها، وتكوير شمسها وخسوف قمرها. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ} [طه: 108]، أَي: لَا يقدرُونَ أَن يعوجوا عَنْ دُعَائِهِ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} [الْكَهْف: 47]، أَي: ظَاهِرَة، وَلَيْسَ فِيهَا مستظل، وَلا متفيأ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا} [الْوَاقِعَة: 4]، أَي: حركت حَرَكَة شَدِيدَة وزلزلت، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الْوَاقِعَة: 5] أَي: فتِّتت، فَصَارَت أَرضًا، وَقِيلَ: نسفت، كَمَا قَالَ: {فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه: 105]، وَقِيلَ: سيقت، كَمَا قَالَ: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} [

النبأ: 20]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة: 14]، أَي: دقتا دقا فصارتا هباء منبثا، والمنبث: المتفرق، والهباء المنبث: مَا تثير الْخَيْل بسنابكها من الْغُبَار، والهباء المنثور: مَا يخرج من الكوة مَعَ ضوء الشَّمْس. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} [الْفجْر: 21]، أَي: جعلت مستوية لَا أكمة فِيهَا، وَمِنْه قَوْله عَزَّ وَجَلَّ {جَعَلَهُ دَكًّا} [الْأَعْرَاف: 143]، أَي: مستويا، يُقَالُ: نَاقَة دكاء: إِذَا ذهب سنامها، وَقَالَ القتيبي: أَي: جعله مدكوكا مُلْصقًا بِالْأَرْضِ، وَمن قَرَأَ: دكاء، أَي: جعل الْجَبَل أَرضًا دكاء، وَهِيَ الرابية الَّتِي لَا تبلغ أَن تكون جبلا، وَجَمعهَا دكاوات، وأصل الدك: الْكسر. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه: 105]، أَي: يقلعها من أَصْلهَا، وَقِيلَ: نسف الْجبَال: دكها وتذريتها. وَقَوله سُبْحَانَهُ

وَتَعَالَى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرَّحْمَن: 37]، أَي: صَارَت كلون الْورْد، تتلون ألوانا يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر، فالدهان: جمع دهن، أَي: كَمَا تتلون الدهان الْمُخْتَلفَة، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} [المعارج: 8]، أَي: كالزيت المغلي، وَقِيلَ: الدهان: الْأَدِيم الْأَحْمَر. وَقَوله جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة: 16]، أَي: ضَعِيفَة جدا، يُقَالُ للسقاء إِذَا تفتق خرزه: لَقَدْ وهى يهي. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 17]، أَي: نَوَاحِيهَا، الْوَاحِد رجا مَقْصُور، وَالْملك بِمَعْنى الْمَلَائِكَة هَهُنَا. 4303 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ الْبَابَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقْبِضُ اللَّهُ

الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِح، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ 4304 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نَا آدَمُ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى أُصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى أُصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى أُصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى أُصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى أُصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] ".

هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُس، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُور، وَقَالَ: " وَالْجِبَال وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَقَالَ: " ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِك، أَنَا اللَّه ". قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ: وَيَذْكُرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أنيسٍ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَاد فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِك، أَنَا الدَّيَّانُ " 4305 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ»، قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَدٍ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ خَالِد بْن مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَر بْن أَبِي كَثِيرٍ، وَقَالَ: «كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لأَحَدٍ» قَوْله: «كقرصة النقي»، يَعْنِي: الحوارى، نقي من القشر والنخالة. وَقَوله: «لَيْسَ فِيهَا معلم لأحد»، الْمعلم: مَا جعل عَلامَة وعلما للطرق وَالْحُدُود، يُرِيد أَن تِلْكَ الأَرْض مستوية لَيْسَ فِيهَا حدب يردُّ الْبَصَر، وَلا بِنَاء يستر مَا وَرَاءه، وَقَالَ أَبُو عبيد: الْمعلم: الْأَثر. 4306 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، " قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خَبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ، نُزُلا لأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلْيَكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: بَلَى.

قَالَ: تَكُونُ الأَرْضِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا، ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ، قَالَ: إِدَامُهُمْ بَالَام وَنُونٌ. قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْن شُعَيْب بْن اللَّيْث، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ خَالِد بْن يَزِيد قَوْله: «كَمَا يكفأ أحدكُم خبزته فِي السّفر»، يُرِيد: الْملَّة الَّتِي يصنعها السّفر، فَإِنَّهَا لَا تدحى كالرقاقة، وَإِنَّمَا تقلب عَلَى الْأَيْدِي حَتَّى تستوي. قَوْله: «بَالَام»، ذكر الْخَطَّابِيّ، قَالَ: لَعَلَّه هجاء وَهِيَ ي ل، وَكَانَ الْمخبر يَهُودِيّا، فقلبه وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لَام يَا، هجاء لأي، وَهُوَ الثور الوحشي، أَوْ لَعَلَّه لُغَة بالعبراني، فَإِن العبراني لُغَة مصحفة من الْعَرَبيَّة حَتَّى قِيلَ: إِن العبراني، هُوَ العرباني، فقدموا الْبَاء وأخروا الرَّاء. قُلْتُ: وَهَذَا لفظ مُشكل، والاعتراض فِي مثل هَذَا عَلَى غَيْر ثِقَة تكلّف.

باب

بَابٌ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]، ال {[. وَقَوله:] وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} [سُورَة التكوير: 11]، أَي: قلعت كَمَا يقْلع السّقف، يُقَالُ: كشطت الجل عَنْ ظهر الْفرس، وقشطته: إِذَا كشفته، وَقَالَ: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} [الْقِيَامَة: 7]، أَي: حَار للفزع، والبرق: الدهش والحيرة، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لكل دَاخل برقة، أَي: دهشة، وَمن فتح الرَّاء، فَهُوَ من بريق الْعين وَهُوَ تلألؤه. 4307 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ

باب قول الله سبحانه وتعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة} [مريم: 39]

مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْله: «مكوران»، من قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]، أَي: جمعت ولفت، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر: 5]، أَي: يدْخل هَذَا عَلَى هَذَا، وتكوير الْعِمَامَة: لفها. بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مَرْيَم: 39] وَالْحَسْرَة: شدَّة النَّدَم حَتَّى يحسر النادم كَمَا يحسر الَّذِي تقوم بِهِ دَابَّته فِي السّفر الْبعيد، يُقَالُ: حسرت النَّاقة، أَي: انْقَطع سَيرهَا كلالا. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الْوَاقِعَة: 3]، أَي: ترفع قوما إِلَى الْجَنَّة، وتخفض آخَرين إِلَى النَّارِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الْإِنْسَان: 10]، أَي: منقبضا لَا فسحة فِيهِ، وَلا انبساط، يُقَالُ: اقمطر: إِذَا تقبض. 4308 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ

بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4]، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ: عَمِلَ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيب. 4309 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ

السَّامِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ الْمَرْوَزِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلا نَدِمَ». قَالُوا: فَمَا نَدَمُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ مُحْسِنًا، نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا، نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ». وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَزِيد، قَالُوا: «وَمَا نَدَامَتُهُ». 4310 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ لَهُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي

باب كيف الحشر

أَنْ لَا تُخْزِينِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، وَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ. فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ. ثُمَّ يُقَالُ لإِبْرَاهِيمَ: مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلَطَّخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. والذيخ: الضبع الذّكر. بَاب كَيفَ الْحَشْر قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرّوم: 27]، قَالَ الرَّبِيع بْن خثيم، وَالْحسن: إِن كُلّ ذَلِكَ هَين عَلَيْهِ، يَعْنِي: البدأة والإعادة. وَحكي عَنِ الشَّافِعِي، أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَاهُ: هُوَ أَهْون عَلَيْهِ فِي الْعبْرَة عنْدكُمْ، لَيْسَ أَن شَيْئًا يعظم عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 78 - 79]، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {

وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 100]، أَرَادَ الْقَبْر، وكل حاجز بَيْنَ شَيْئَيْنِ برزخ، وَقَالَ قَتَادَةُ: البرزخ بَقِيَّة الدُّنْيَا. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار: 4]، أَي: قلبت، فَأخْرج مَا فِيهَا. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]. قَالَ عُمَرُ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] يُزَوّج نَظِيره مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّار، ثُمَّ قَرَأَ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]، وَقَالَ: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت: 19]، قِيلَ: مَعْنَاهُ يحبس أَوَّلهمْ عَلَى آخِرهم، والوزع: الْكَفّ وَالْمَنْع، وَقَالَ: {يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} [النازعات: 10]، أَي: إِلَى أول الْأَمر فِي الْحَيَاة، كَانُوا يُنكرُونَ الْبَعْث، يُقَالُ: عَاد فُلان إِلَى حافرته، أَي: رَجَعَ إِلَى الْحَالة الأولى. وَقَوله: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه: 102]، قِيلَ: عميا، وَقِيلَ: عطاشا، وَقِيلَ للعطاش: زرق، لِأَن أَعينهم تزرق من شدَّة الْعَطش، وَيُقَال للمياه الصافية: زرق.

وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51]، أَي: من الْقُبُور، والجدث والجدف: الْقَبْر. وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 96]، أَي: أكمة، والحدب: مَا ارْتَفع من الأَرْض، {يَنْسِلُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 96]، أَي: يسرعون، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43]، أَي: كَأَنَّهُمْ نصب لَهُمْ شَيْء، فَهُمْ يسرعون إِلَيْهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ {7} مُهْطِعِينَ} [الْقَمَر: 7 - 8]، أَي: مُسْرِعين، وَيُقَال المهطع: الَّذِي ينظر فِي ذل وخشوع، لَا يقْلع بَصَره، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} [إِبْرَاهِيم: 43]، أَي: مُسْرِعين رافعي رُءُوسهم ينظرُونَ فِي ذل، والإقناع: رفع الرَّأْس من غَيْر أَن يلْتَفت يَمِينا، أَوْ شمالا. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إِبْرَاهِيم: 43]، أَي: لَا تعي شَيْئًا، وَلا تعقل من الْخَوْف، والهواء: الَّذِي لَا يثبت فِيهِ شَيْء، فَهُوَ خَال، وَقِيلَ: هَذَا مُبين فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} [غَافِر: 18]،

فَأعْلم أَن الْقُلُوب قَدْ فَارَقت الأفئدة، والأفئدة هَوَاء لَا شَيْء فِيهَا. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق: 42]، يَعْنِي: يَوْم الْخُرُوج من الْقُبُور. وَقِيلَ: هُوَ من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَةِ. وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا} [طه: 108]، أَي: صَوتا خفِيا من وَطْء أَقْدَامهم إِلَى الْمَحْشَر. 4311 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلا عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ، وَفِيهِ يُرَكَّبُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الْحزَامِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. 4312 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا سُفْيَانُ، نَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا. ثُمَّ قَرَأَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 104]. وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أُصَيْحَابِي، أُصَيْحَابِي. فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ، إِلَى قَوْلِهِ: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْمَائِدَة: 117 - 118] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَغَيْره، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ. والغرل: جمع أغرل، وَهُوَ الأغلف. وَقَوله: «لَمْ يزَالُوا

مرتدين»، لَمْ يرد بِهِ الرِّدَّة عَنِ الإِسْلام، إِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّخَلُّف عَنْ بَعْض الْحُقُوق الْوَاجِبَة، والتأخر عَنْهَا، وَلذَلِك قيد بقوله: «عَلَى أَعْقَابهم»، وَلَمْ يرْتَد أحد بِحَمْد اللَّه من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا ارْتَدَّ قوم من جُفَاة الْعَرَب. وَقَوله: «أصيحابي»، إِنَّمَا صغر ليدل عَلَى قلَّة عَددهمْ. 4313 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، بِبَغْدَادَ، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيُّ، نَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «عُرَاةً حُفَاةً». قَالَتْ: قُلْتُ: وَالنِّسَاءُ؟ قَالَ: «وَالنِّسَاءُ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسْتَحْيِي؟ قَالَ: «يَا عَائِشَة، الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَهُمَّهُمْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيد، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرة. 4314 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ،

نَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ. قِيلَ: قَوْله: «يحْشر النَّاس عَلَى ثَلاث طرائق»، هَذَا الْحَشْر قَبْلَ قيام السَّاعَة، إِنَّمَا يَكُون إِلَى الشَّام أَحيَاء، فَأَما الْحَشْر بَعْد الْبَعْث من الْقُبُور عَلَى خلاف هَذِهِ الصّفة من ركُوب الْإِبِل والمعاقبة عَلَيْهَا، إِنَّمَا هُوَ كَمَا أخبر أَنهم يبعثون حُفَاة عُرَاة. وَقِيلَ: هَذَا فِي الْبَعْث دُونَ الْحَشْر. وَقَوله: «عَلَى بعير»، يُرِيد أَنهم يعتقبون الْبَعِير الْوَاحِد، يركب بَعْضهم وَالْبَاقُونَ عقبا. ويروى عَنْ بهز بْن حَكِيم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

يَقُولُ: «إِنَّكُم مَحْشُورُونَ رجَالًا وركبانا، وَتجرونَ عَلَى وُجُوهكُم». 4315 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ شُجَاعٍ الصُّوفِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمَوْصِلِيِّ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْهَيْثَمِ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، نَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ , أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ نَبِيُّ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ، قَادِرٌ أَنْ يُمْشِيهِ عَلَى وَجْهِهِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يُونُسَ بْن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ شَيْبَانَ. قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ} [الزمر: 24]: يجر عَلَى وَجهه. قِيلَ: الْكَافِر مغلول الْيَد، وَمن شَأْن الإِنْسَان أَن يَتَّقِي بِيَدِهِ، فَأخْبر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن الْكَافِر يَتَّقِي بِوَجْهِهِ.

باب قول الله سبحانه وتعالى: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 6]

بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «يَقُومُونَ مِائَةَ سَنَةٍ». وَيُرْوَى عَنْ كَعْبٍ: «يَقُومُونَ ثَلاثَ مِائَةِ سَنَةٍ». وَقِيلَ: سميت الْقِيَامَة قِيَامَة، لِأَن الْخلق يقومُونَ من قُبُورهم أَحيَاء. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} [إِبْرَاهِيم: 14]، أَي: خَافَ الْمقَام الَّذِي وعدته للثَّواب وَالْعِقَاب. 4316 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وأَخْبَرَنِيهِ صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن الْمُنْذِرِ،

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَر بْن يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَعْنٍ، عَنْ مَالِك، عَنْ نَافِعٍ. 4317 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ النَّصْرِيُّ، نَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ الْخُرَاسَانِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِر، حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ حَتَّى تَكُونَ قَيْدَ مِيلٍ أَوِ اثْنَيْنِ»، قَالَ سُلَيْمٌ: لَا أَدْرِي أَيُّ الْمِيلَيْنِ يَعْنِي؟ مَسَافَةَ الأَرْضِ، أَوِ الْمِيلَ الَّذِي يُكْحَلُ بِهِ الْعَيْنُ. قَالَ: «فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ، فَيَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ كَقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حَقْوَيْهِ،

وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا». قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ، يَقُولُ: «يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِر. 4318 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمٌ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَمَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُخَفِّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا».

باب الحساب والقصاص

بَابُ الْحِسَابِ وَالْقَصَاصِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الْفَاتِحَة: 4]، يَعْنِي: يَوْم الْحساب، وَقِيلَ: يَوْم الْجَزَاء. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النُّور: 25]، أَي: الْجَزَاء، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات: 6]، أَي: الْجَزَاء. وَقِيلَ: الدَّين: الحكم، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النُّور: 2]، أَي: فِي حكمه. وَقِيلَ: الدَّين: الطَّاعَة، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} [النَّحْل: 52]، أَي: الطَّاعَة. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الْأَعْرَاف: 29]، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3]، أَي: التَّوْحِيد، وَالدّين: اسْم لجَمِيع مَا تعبد اللَّه بِهِ خلقه. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [إِبْرَاهِيم: 51]، أَي: حسابه وَاقع لَا محَالة، وكل مَا هُوَ وَاقع لَا محَالة، فَهُوَ سريع، وَقِيلَ: سرعَة حسابه أَنَّهُ لَا يشْغلهُ حِسَاب وَاحِد عَنْ حِسَاب الآخر، وَلا يشْغلهُ سمع

عَنْ سمع، فَهُوَ أسْرع الحاسبين. وَقَوله: {سُوءُ الْحِسَابِ} [الرَّعْد: 18]، قِيلَ: هُوَ أَن لَا تقبل لَهُمْ حَسَنَة، وَلا تغْفر لَهُمْ سَيِّئَة. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه: 112]، أَي: نقصا، يَقُولُ: لَا يخَاف أَن يظلم بِأَن يحمل ذَنْب غَيره، وَلا يهتضم، فينقص من حَسَنَاته، يُقَالُ: هَذَا دَاء يهضم الطَّعَام، أَي: ينقص ثقله. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الْإِسْرَاء: 14]، أَي: محاسبا. 4319 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا لَا تَعْرِفُهُ إِلا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حُوسِبَ، عُذِّبَ». قَالَت عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]؟ قَالَت: فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وعَلِيّ بْن حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. قَوْله: «من نُوقِشَ الْحساب يهْلك»، فالمناقشة: الِاسْتِقْصَاء فِي الْحساب حَتَّى لَا يتْرك مِنْهُ شَيْء، يُقَالُ: انتقشت مِنْهُ جَمِيع حَقي، وَمِنْه نقش الشَّوْكَة من الرَّجُل، وَهُوَ استخراجها مِنْهُ. 4320 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ أَبُو أَحْمَدَ، أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُدْنِي الْمُؤْمِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَيْ عَبْدِي،

تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ. ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ عَبْدِي، تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى نَفْسَهُ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: فَإِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ الْيَوْمَ. ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هَمَّامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ. قِيلَ: الأشهاد: هُمُ الْمَلَائِكَة، وَقِيلَ: هُمُ الْأَنْبِيَاء والْمُؤْمِنُونَ، يشْهدُونَ عَلَى المكذبين. 4321 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

الْمُبَارَكِ، عَنْ ليثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ، ثُمَّ الْحُبُلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلا، كُلُّ سَجِلّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ؟ فَبُهِتَ الرَّجُلُ، قَالَ: لَا، يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمُ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ. قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ. قَالَ: فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ ".

باب من يدخل الجنة بغير حساب

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيب. البطاقة: الورقة. طاشت: أَي: خفت، والطيش: خفَّة الْعقل. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «إِن من النَّاس من يقتل يَوْم الْقِيَامَةِ ألف قتلة بضروب مَا قتل». بَابُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ 4322 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: " عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلانِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي قَوْمِهِ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ

الأُفُقَ، فَقِيلَ: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ "، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ، فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنَّ هَؤُلاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَامَ آخَرُ: فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ 4323 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:

باب مفاداة المسلم باليهود والنصارى

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَهُ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ الْجَنَّةَ، هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيِّ، يُرَقِّعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ»، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُعَاذِ بْن أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْب، كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ بَابُ مُفَادَاةِ الْمُسْلِمِ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى 4324 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ، نَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا بِشْرُ، نَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ

باب قول الله عز وجل: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم {1} يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت} [الحج: 1 - 2]

بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، لَمْ يَبْقَ مُسْلِمٌ إِلا أُعْطِيَ يَهُودِيًّا، فَقِيلَ: هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَة، عَنْ طَلْحَة بْن يَحْيَى، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، وَقَالَ: " دَفَعَ اللَّهُ إِلَى كُلّ مُسْلِم يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ " بَاب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ {1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الْحَج: 1 - 2] الْمُرضعَة: الَّتِي ترْضع وَلَدهَا، إِذَا أردْت الْفِعْل، ألحقت بِهَا هَاء التَّأْنِيث، وَإِذَا أردْت أَنَّهَا ذَات رَضِيع، أسقطت الْهَاء، فَقُلْتُ: امْرَأَة مرضع. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [الْقَلَم: 42]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْم كرب وَشدَّة، وَقَالَ:

وَهِيَ أَشد سَاعَة فِي الْقِيَامَة، وَقَالَ مُجَاهِد: يكْشف عَنِ الْأَمر الشَّديد، وَالْعرب تذكر السَّاق إِذَا أخْبرت عَنْ شدَّة الْأَمر وهوله، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [الْقِيَامَة: 29]، قِيلَ: آخر شدَّة الدُّنْيَا بِأول شدَّة الْآخِرَة. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الْإِنْسَان: 7]، أَي: ممتد الْبلَاء: {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الْإِنْسَان: 10]، القمطرير: أَشد مَا يَكُون من الْأَيَّام فِي الْبلَاء. 4325 - أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّد الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْكُوفِيُّ الْعَبْسِيُّ، أَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ، قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَحِينَئِذٍ يَشِيبُ الْمَوْلُودُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ

حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ "، قَالَ: فَيَقُولُونَ: وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِسْعُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ»، قَالَ: فَقَالَ النَّاس: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، قَالَ: فَكَبَّرَ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، وَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَبْيَضِ» 4325 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي سَعِيد، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ، قَالَ: فَيُقَالُ لِنُوحٍ:

مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [الْبَقَرَة: 143] "، الْوَسَطُ: الْعَدْلُ. الحَدِيثان صَحِيحَانِ، أَخْرَجَ مُحَمَّد الحَدِيثين، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُور، عَنْ أَبِي أُسَامَة، عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيث الأَوَّل، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، وَعَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْص، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ يَوْم الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ، يَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فينادي بِصَوْتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ " 4326 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا آدَمُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، يَقُولُ: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ

وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْله: «يكْشف رَبنَا عَنْ سَاقه»، قَالَ الْخَطَّابِيّ: هَذَا مِمَّا تهيب القَوْل فِيهِ شُيُوخنَا، وأجروه عَلَى ظَاهر لَفظه، وَلَمْ يكشفوا عَنْ بَاطِن مَعْنَاهُ عَلَى نَحْو مَذْهَبهم فِي التَّوَقُّف فِي تَفْسِير كُلّ مَا لَا يُحِيط الْعلم بكنهه من هَذَا الْبَاب، وَقَدْ تَأَوَّلَه بَعْضهم عَلَى معنى قَوْله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [الْقَلَم: 42]، فَروِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: عَنْ شدَّة وكرب، وَسُئِلَ عِكْرِمَةَ عَنْ قَوْله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [الْقَلَم: 42]، قَالَ: إِذَا اشْتَدَّ الْأَمر فِي الْحَرْب، قِيلَ: كشفت الْحَرْب عَنِ السَّاق.

4327 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنَا الْمُغِيرَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الْكَهْف: 105] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر، عَنِ الْمُغِيرَةِ قَوْله: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الْكَهْف: 105]، قَالَ ابْنُ الْأَعرَابِي: تَقول الْعَرَب: مَا لفُلَان عِنْدَنَا وزن، أَي: قدر لخسته، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَا يزن لَهُمْ سَعْيهمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ كفرهم شَيْئًا. 4328 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَلِيِّ

باب شهادة الأعضاء

بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ: «يُعْرَضُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاثَ عَرَضَاتٍ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ، فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَأَمَّا الْعَرْضَةُ الثَّالِثَةُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطَايَرُ الصُّحُفِ فِي الأَيْدِي، فَإِمَّا آخِذٌ بِيَمِينِهِ، وَإِمَّا آخِذٌ بِشِمَالِهِ». وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي مُوسَى بَاب شَهَادَةِ الأَعْضَاءِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} [يس: 65]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} [المرسلات: 35]. سُئِلَ ابْن عَبَّاسٍ عَنْ " قَوْله: {لَا يَنْطِقُونَ} [المرسلات: 35]، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الْأَنْعَام: 23]، فَقَالَ: إِنَّه ذُو ألوان، مرّة ينطقون، وَمرَّة يخْتم عَلَيْهِمْ ".

وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} [الرَّحْمَن: 39]، أَي: لَا يسْأَل سُؤال الاستعلام، وَلَكِن يسألهم تقريرا وإلزاما للحجة، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الْحجر: 92]. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ {14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ {15}} [الْقِيَامَة: 14 - 15]، أَي: عَلَى نفسة جوارح بَصِيرَة بِمَا جنى عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} [النُّور: 24]. وَقَوله: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [الْقِيَامَة: 15]، أَي: وَلَو أدلى بِكُل حجَّة، وَقِيلَ: وَلَو اعتذر بِكُل عذر، وَقِيلَ: وَلَو ألْقى ستوره. والمعذار: السّتْر، وَلَيْسَ هَذَا من بصر الْعين، بَل هُوَ من قَوْلهم: فُلان بَصِير بِالْعلمِ، وَمن ذَلِكَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22]، أَي: علمك بِمَا أَنْتَ فِيهِ نَافِذ. وَقَالَ الْحَسَنُ، " فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الْإِسْرَاء: 14]، قَالَ: لكل آدَمي فِي عُنُقه قلادة، يكْتب فِيهَا نُسْخَة عمله، فَإِذَا مَاتَ، طويت وقلدها، وَإِذَا

بعث نشرت لَهُ، وَقِيلَ لَهُ: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الْإِسْرَاء: 14]، ابْن آدَم أنصفك من جعلك حسيب نَفسك. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ} [الْبَقَرَة: 254]، أَي: لَا صداقة، وَهِيَ المخالة والخلال، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} [إِبْرَاهِيم: 31]، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [النُّور: 43]، هِيَ جمع خلل مثل جبل وجبال، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} [التَّوْبَة: 47]، قَالَ الزّجاج: أَي: أَسْرعُوا فِيهَا يخل بكم، وَقِيلَ: لأوضعوا مراكبكم خلالكم، أَي: وسطكم. 4328 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصُوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ، نَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعَهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ مَعِي مِنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابٍ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ

الشَّمْسِ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابٍ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ، كَمَا لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا»، قَالَ: " فَيَلْقَى الْعَبْدَ، فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْكَ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ، وَأَتْرُكْكَ تَتَرَأَّسُ وَتَتَرَبَّعُ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ؟ قَالَ: لَا يَا رَبِّ. قَالَ: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. قَالَ: فَيُلْقَى الثَّانِي، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ، وَأَتْرُكْكَ تَتَرَأَّسُ وَتَتَرَبَّعُ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا. قَالَ: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. قَالَ: ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثُ، فَيَقُولُ: مَا أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَبْدُكَ، آمَنْتُ بِكَ، وَبِنَبِيِّكَ، وَبِكِتَابِكَ، وَصُمْتُ، وَصَلَّيْتُ، وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي بِخَيْرِ مَا اسْتَطَاعَ. فَيُقَالُ لَهُ: أَفَلا نَبْعَثُ عَلَيْكَ شَاهِدَنَا؟ قَالَ: فَيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ، وَلَحْمُهُ، وَعِظَامُهُ بِمَا

كَانَ يَعْمَلُ، قَالَ: وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ لِيَعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الَّذِي سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَلا اتَّبَعَتْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالَ: فَتَتَّبِعُ أَوْلِيَاءُ الشَّيَاطِينِ الشَّيَاطِينَ، قَالَ: وَاتَّبَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ، قَالَ: ثُمَّ نَبْقَى أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، ثُمَّ نَبْقَى أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، ثُمَّ نَبْقَى أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَيَأْتِينَا رَبُّنَا وَهُوَ رَبُّنَا، فَيَقُولُ: عَلامَ هَؤُلاءِ قِيَامٌ؟ فَنَقُولُ: نَحْنُ عِبَادُ اللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَعَبَدْنَاهُ وَهُوَ رَبُّنَا، وَهُوَ آتِينَا وَيُثِيبُنَا، وَهَذَا مَقَامُنَا، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَامْضُوا، قَالَ: فَيُوضَعُ الْجِسْرُ وَعَلَيْهِ كَلالِيبُ مِنَ النَّارِ، تَخْطِفُ النَّاسَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ لِي، اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، قَالَ: فَإِذَا جَاوَزُوا الْجِسْرَ، فَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجًا مِنَ الْمَالِ مِمَّا يَمْلِكُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكُلُّ خَزَنَةِ الْجَنَّةِ تَدْعُوهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، يَا مُسْلِمُ هَذَا خَيْرٌ، فَتَعَالَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ذَلِكَ لَعَبْدٌ لَا تَوَى عَلَيْهِ، يَدَعُ بَابًا وَيَلِجُ مِنْ آخَرَ. فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». قَالَ عَبْد الْجَبَّارِ: أَمْلاهُ عَلَيَّ سُفْيَان، وأَنَا مَعَ أَبِي. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ،

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَمْرو، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلٍ، إِلَى قَوْلِهِ: «وَذَلِكَ الَّذِي سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ» قَوْله: «تترأس وتتربع»، ويروى: «ترأس وتربع»، ترأس، أَي: تكون رئيسهم، وتربع، أَي: تَأْخُذ المرباع من أَمْوَالهم، وَهُوَ الرّبع من رَأس مَا غنموه، إِذَا غزا بَعْضهم بَعْضًا، كَانَ الرئيس فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَأْخُذهُ خَالِصَة دُونَ أَصْحَابه. ويروى: «تربع وتدسع»، أَي: تُعْطِي فتجزل، وَالْعرب تَقول للجواد: هُوَ ضخم الدسيعة وَهِيَ الْجَفْنَة، وَقِيلَ: هِيَ الْمَائِدَة الْكَرِيمَة. 4329 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ، أَنَا أَبُو مُعَاذٍ الشَّاهُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَأْمُونٍ، نَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْبَلْخِ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شِعَارُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الصِّرَاطِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ 4330 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا جِئْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ بِعَدَدِ أَصَابِعِي أَلا أَتَّبِعُكَ، وَلا أَتَّبِعُ دِينَكَ، وَإِنِّي أَتَيْتُ أَمْرًا لَا أَعْقِلُ شَيْئًا إِلا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ بِمَا بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَبُّنَا؟ قَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ قَالَ: «بِالإِسْلامِ». فَقُلْتُ: مَا آيَةُ الإِسْلامِ؟ قَالَ: «تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتُفَارِقَ الشِّرْكَ، وَإِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ، أَخَوَانِ نَصِيرَانِ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مُشْرِكٍ أَشْرَكَ بَعْدَ إِسْلامِهِ عَمَلا، وَإِنَّ رَبِّي دَاعِي وَسَائِلِي هَلْ بَلَّغْتَ عِبَادَهُ، فَلْيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، وَإِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ مُفَدَّمٌ عَلَى أَفْوَاهِكُمْ بِالْفِدَامِ، فَأَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ». قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا دِينُنَا؟ قَالَ: «

نَعَمْ، وَأَيْنَمَا تُحْسِنْ يَكْفِكَ، وَإِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ، وَعَلَى أَقْدَامِكُمْ، وَرُكْبَانًا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ والفدام: مصفاة الْكوز والإبريق، مَعْنَاهُ: أَنهم منعُوا الْكَلام بالأفواه حَتَّى تكلم أَفْخَاذهم، فَشبه ذَلِكَ بالفدام الَّذِي يَجْعَل عَلَى الإبريق، ويروى: «كُلّ مُسْلِم عَنْ مُسْلِم محرم»، يُقَالُ: إِنَّه محرم عَنْك، أَي: يحرم أذاك عَلَيْهِ. 4331 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

بَابُ شَفَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضُّحَى: 5]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاء: 79]. رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاء: 79]، سُئِلَ عَنْهَا، قَالَ: هِيَ الشَّفَاعَة «. وَقَالَ زَيْد بْن أسلم،» فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يُونُس: 2]، قَالَ: مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 4332 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ

الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثُمَّ قَالَ: " أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسُ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَلا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ لَهُ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ، فَسَجَدُوا لَكَ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ، فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ.

فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ قَالَ: فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كَذَبْتُ ثَلاثَ كَذِبَاتٍ «، فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ» نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا

إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى. فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَضَّلَكَ بِرِسَالاتِهِ وَبِكَلامِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، إِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُؤْمَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى. فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، اشْفَعْ لَنَا، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُونَ:

يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، وَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى ". أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

بِشْرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ قَوْله: «ينفذهم الْبَصَر»، قَالَ أَبُو عبيد: الْمَعْنَى أَنَّهُ ينفذهم بصر الرَّحْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ كلهم. قَالَ الْكِسَائِيّ: نفذني بَصَره: إِذَا بَلغنِي وجاوزني. قَالَ ابْنُ عون: يُقَالُ: أنفذت الْقَوْم: إِذَا خرقتهم ومشيت فِي وَسطهمْ، فَإِن جزتهم حَتَّى تخلفهم. قُلْتُ: نفذتهم بِلَا ألف، وَقَالَ غَيْر أَبِي عبيد: تخرقهم أبصار النَّاس لِاسْتِوَاء الصَّعِيد، وَاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أحَاط بِالنَّاسِ أَولا وآخرا. قَوْله: «غضب الْيَوْم غَضبا لَمْ يغْضب قبله مثله»، أَرَادَ بِهِ إِظْهَار الْغَضَب فِي ذَلِكَ الْوَقْت، وَإِلَّا فالغضب والرضى من صِفَات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لَمْ يزل مَوْصُوفا بهما قبل أَن خلق الْخلق، وَكَذَلِكَ جَمِيع صِفَات اللَّه تَعَالَى. 4333 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا مَعْبَدُ بْنُ هِلالٍ الْعَنَزِيُّ، قَالَ: اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ إِلَيْهِ، يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ، فَوَافَقْنَا يُصَلِّي الضُّحَى، فَاسْتَأْذَنَّا، فَأَذِنَ لَنَا وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا لِثَابِتٍ:

لَا تَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَؤُلاءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ جَاءُوا يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا، لَا تَحْضُرُنِي الآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مِنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ

يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالَ حَبَّةِ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، مِنَ النَّار، مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ "، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ، قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ، فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسٍ، فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، قَالَ: هِيهِ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ، فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ: هِيهِ، فَقُلْنَا: لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ

عِشْرِينَ سَنَةً، فَلا نَدْرِي أنسي، أَوْ كَرِهَ أَن تتكلوا، قُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَحَدِّثْنَا، فَضَحِكَ، وَقَالَ: خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولا، مَا ذَكَرْتُهُ إِلا وأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ، حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: " ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي، وَجَلالِي، وَكِبْرِيَائِي، وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُور، عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد قَوْله: «ماج النَّاس»، أَي: اخْتَلَط بَعْضهم بِبَعْض، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الْكَهْف: 99]، أَي: يخْتَلط بَعْضهم بِبَعْض مُقْبِلين، ومدبرين حيارى. 4334 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ،

نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ، فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يُخْرِجَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى الأَرْضِ. فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ،

وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي، وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَحُدُّ لَهُمْ حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ الثَّانِيَةَ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي، وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ، ثُمَّ أَحُدُّ لَهُمْ حَدًّا ثَانِيًا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ الثَّالِثَةَ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي، وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ، عَلَّمَنِيهَا رَبِّي، ثُمَّ أَحُدُّ لَهُمْ حَدًّا ثَالِثًا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ حَتَّى أَرْجِعَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ، أَوْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {

عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاء: 79]. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ فِي آدَم: لَسْتُ هُنَاكَ وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ، فَيَسْتَحْيِي، وَفِي نُوحٍ: فَيَسْتَحْيِي، وَفِي مُوسَى: يَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيَسْتَحْيِي. وَرَوَاهُ مُسْلِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ 4335 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ التَّمِيمِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الأَطْرَابُلُسِيُّ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، بِصَنْعَاءَ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَ مِائَةَ أَلْفٍ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: وَهَكَذَا، فَحَثَى بِكَفَّيْهِ وَجَمَعَهُمَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَهَكَذَا. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: دَعْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يُدْخِلَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّنَا

الْجَنَّةَ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ أَنْ يُدْخِلَ خَلْقَهُ بِكَفٍّ وَاحِدٍ، فَعَلَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ». وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّد الصَّفَّار، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُور الرَّمَادِيّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، نَا إِسْحَاق الدَّبَرِيّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَوْ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِهَذَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «وَعَدَنِي رَبِّي أَن يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَثَلاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي»

4336 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصَةً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْن سَعِيد، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن جَعْفَر 4337 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، " أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَلا

قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إِبْرَاهِيم: 36] الْآيَة، وَقَالَ عِيسَى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْمَائِدَة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيهِ؟، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلا نَسُوءُكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4338 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب الحوض وهو الكوثر

4339 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَابُ الْحَوْضِ وَهُوَ الْكَوْثَرُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الْكَوْثَر: 1]. قَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " الْكَوْثَرُ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. قُلْتُ لِسَعِيدٍ: إِنَّ أُنَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نهر فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: النَّهر الَّذِي فِي الْجَنَّةِ من الْخَيْر الَّذِي أعطَاهُ اللَّه إِيَّاه ". وَقِيلَ: الْكَوْثَر

هُوَ الْقُرْآن والنبوة. 4340 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا، فَلا يَظْمَأُ أَبَدًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ دَاوُد بْن عَمْرو الضَّبِّيِّ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ 4341 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، نَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَوْثَرُ

نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ الذَّهَبُ، مَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ 4342 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا عِنْدَ عُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ لأَهْلِ الْيَمَنِ إِنِّي لأَضْرِبُهُمْ بِعَصَايَ حَتَّى تَرْفَضَّ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ لَيَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ وَرَقٍ، وَالآخَرُ مِنْ ذَهَبٍ، طُولُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَصَنْعَاءَ، أَوْ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَمَكَّةَ، أَوْ مِنْ مَقَامِي هَذَا إِلَى عَمَّانَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَغَيْره،

عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ عقر الْحَوْض بِالضَّمِّ: مؤخره، وعقر الدَّار بِالْفَتْح: أَصْلهَا، وَمِنْه قِيلَ: لفُلَان عقار، أَي: أصل مَال. قَوْله: «يغت فِيهِ مِيزَابَانِ»، أَي: يدفقان المَاء فِيهِ دفقا مُتَتَابِعًا، مَأْخُوذ من غت الشَّارِب المَاء جرعا بَعْد جرع. قَالَ أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي: عمان بِنصب الْعين وَتَشْديد الْمِيم وَهُوَ بِالشَّام. 3343 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِي الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ يَجْرِي بَيَاضُهُ بَيَاضُ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَحَافَّتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي، فَإِذَا الثَّرَى مِسْكٌ أَذْفَرُ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيد، عَنْ هَمَّامٍ،

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ 3344 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ». قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ لَسَمِعْتُهُ، وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا، " فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْن سَعِيد، عَنْ يَعْقُوب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِي، عَنْ أَبِي حَازِم قَوْله: «إِنِّي فَرَطكُمْ»، يَقُولُ: أَنَا أتقدمكم إِلَى الْحَوْض، يُقَالُ:

فرطت الْقَوْم: إِذَا تقدمتهم لترتاد لَهُمُ المَاء، وتهيئ الدلاء والرشاء. وَقَوله: «سحقا»، أَي: بعدا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الْملك: 11]، أَي: بعدا باعدهم اللَّه من رَحمته، والسحيق: الْبعيد، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الْحَج: 31]. 4345 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَذُودَنَّ رِجَالا عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ عَنِ الْحَوْضِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ بَابُ

آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ 3346 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ح، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّه النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَؤُلاءِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا

مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرُ عَظَمَتِهَا إِلا اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ.

فَلا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ، فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ. فَيَقُولُ: لَا وَعِزِّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ، قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ يَابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَلا يَزَالُ يَدْعُو، فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ. فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ يَابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ. فَلا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا، قِيلَ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ. فَيَقُولُ اللَّهُ: هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولا. قَالَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ،

حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: «هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «هَذَا لَكَ، وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: حَفِظْتُ «مِثْلَهُ مَعَهُ». وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقُ أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيد اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ قَوْله: «فَمنهمْ الموبق بِعَمَلِهِ»، أَي: الْمَحْبُوس، يُقَالُ: أوبقه: إِذَا حَبسه، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} [الشورى: 34]، أَوْ يحبس السفن فَلا تجْرِي عُقُوبَة لأَهْلهَا. والإيباق: الإهلاك أَيْضًا، يُقَالُ: وبق يبْق، ووبق يوبق: إِذَا هلك، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [الْكَهْف: 52]، أَي: جعلنَا بَينهم مَا يوبقهم، أَي: يُهْلِكهُمْ. وَقَوله: «وَمِنْهُمُ المخردل»، قِيلَ: هُوَ المصروع، وَقِيلَ: هُوَ المقطع، أَي: تقطعه كلاليب الصِّرَاط حَتَّى تهوي بِهِ إِلَى النَّارِ، يُقَالُ: خردلت اللَّحْم بِالدَّال والذال، أَي: قطعته وفرقته.

وَقَوله: «امتحشوا»، أَي: احترقوا، وَقِيلَ: المحش تنَاول من اللهب يحرق اللَّحْم، ويبدي الْعظم. وَقَوله: «فينبتون نَبَات الْحبَّة»، الْحبَّة بِكَسْر الْحَاء وَتَشْديد الْبَاء: اسْم جَامع لحبوب الْبُقُول الَّتِي تنتثر إِذَا هَاجَتْ، ثُمَّ إِذَا مطرَت من قَابل تنْبت، وَقَالَ الْكِسَائِيّ: هِيَ حب الرياحين الْوَاحِدَة حَبَّة، فَأَما الْحِنْطَة وَنَحْوهَا، فَهُوَ الْحبّ لَا غَيْر، والحبة من الْعِنَب تسمى حَبَّة بِالْفَتْح، وَحب الْحبَّة يُسمى حَبَّة بِضَم الْحَاء وَتَخْفِيف الْبَاء. وَقَوله: «فِي حميل السَّيْل»، هُوَ مَا حمله السَّيْل فعيل بِمَعْنى مفعول، كَمَا يُقَالُ للمقتول: قَتِيل، قَالَ أَبُو سَعِيد الضَّرِير: حميل السَّيْل: مَا جَاءَ بِهِ من طين أَوْ غثاء، فَإِذَا اتّفق فِيهِ الْحبَّة، واستقرت عَلَى شط مجْرى السَّيْل، فَإِنَّهَا تنْبت فِي يَوْم وَلَيْلَة، وَهِيَ أسْرع نابتة نباتا، وَإِنَّمَا أخبر بِسُرْعَة نباتهم. وَقَوله: «قشبني رِيحهَا»، أَي: سمني وَصَارَ رِيحهَا كالسم فِي أنفي، والقشب: خلط السم بِالطَّعَامِ، والقشب: اسْم للسم وكل مَسْمُوم قشيب، وَيُقَال: قشبه الدُّخان: إِذَا امْتَلَأَ خياشيمه من الدُّخان. وَقَوله: «وأحرقني ذكاؤها»، فَأصل الذكاء: بُلُوغ كُلّ شَيْءٍ منتهاه، وذكيت النَّار: إِذَا أتممت إشعالها. قَوْله: «فيأتيهم اللَّه فِي غَيْرِ الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ»، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيّ رَحمَه اللَّه: هَذَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل، وَلَيْسَ ذَلِكَ من أجل أَنَّا ننكر رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى، بَل نثبتها، وَلا من أجل أَنا ندفع مَا جَاءَ فِي الْكِتَاب، وَفِي أَخْبَار الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذكر الْمَجِيء والإتيان غَيْر أَنَّا

لَا نكيف ذَلِكَ، وَلا نجعله حَرَكَة وانتقالا كمجيء الْأَشْخَاص وإتيانها، إِلَى غَيْر ذَلِكَ من نعوت الْحَدث، وَتَعَالَى اللَّه علوا كَبِيرا، وَيجب أَن تعلم أَن الرُّؤْيَة الَّتِي هِيَ ثَوَاب الْأَوْلِيَاء فِي الْجَنَّةِ غَيْر هَذِهِ الرُّؤْيَة الْمَذْكُورَة فِي مقامهم يَوْم الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا تعريضهم لهَذِهِ الرُّؤْيَة امتحان مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ، يَقع بِهِ التَّمْيِيز بَين من عَبْد اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَبَين من عَبْد الشَّمْس وَالْقَمَر والطواغيت، فَيتبع كُلّ فريق معبوده، وَلَيْسَ يُنكر أَنْ يَكُونَ الامتحان إِذْ ذَاك قَائِما، وَحكمه عَلَى الْخلق جَارِيا حَتَّى يفرغ من الْحساب، وَيَقَع الْجَزَاء بِمَا يستحقونه من الثَّوَاب وَالْعِقَاب، ثُمَّ يَنْقَطِع إِذَا حقت الْحَقَائِق، واستقرت أُمُور الْعِبَاد قَرَارهَا، أَلا ترى قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [الْقَلَم: 42]، فامتحنوا هُنَالك بِالسُّجُود، وَيُشبه أَنْ يَكُونَ، وَاللَّه أعلم، إِنَّمَا حجبهم عَنْ تحقق الرُّؤْيَة فِي الكرة الأولى، حَتَّى قَالُوا: هَذَا مَكَاننَا حَتَّى يأتينا رَبنَا. من أجل من مَعَهم من الْمُنَافِقين الَّذِينَ لَا يسْتَحقُّونَ الرُّؤْيَة، وَهُمْ عَنْ رَبهم محجوبون، فَلَمَّا تميزوا عَنْهُم ارْتَفع الْحجب، فَقَالُوا عِنْدَ مَا رَأَوْهُ: أَنْتَ رَبنَا. وَذكر من الْكَلام غَيْر هَذَا، وَقَالَ: الصُّورَة فِي هَذِهِ الْقِصَّة بِمَعْنى الصّفة.

قُلْتُ: وَالْوَاجِب فِيهِ وَفِي أَمْثَاله الْإِيمَان وَالتَّسْلِيم، وَاللَّه أعلم. وَرُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى الطباع، قَالَ: أَتَيْنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْن أَبِي سَلَمَةَ الماجشوني بِرَجُل كَانَ يُنكر حَدِيث يَوْم الْقِيَامَةِ، وَأَن اللَّه يَأْتِيهم فِي صورته، فَقَالَ لَهُ: يَا بَنِي، مَا تنكر من هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أجل وَأَعْظَم من أَن يرى فِي هَذِهِ الصّفة. فَقَالَ: يَا أَحمَق، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ تَتَغَيَّر عَظمته، وَلَكِن عَيْنَاك يغيرهما حَتَّى ترَاهُ كَيْفَ شَاءَ. فَقَالَ الرَّجُل: أَتُوب إِلَى اللَّهِ. وَرجع عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. 4347 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفِ بْنِ خَلِيفَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، نَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح، وَأَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى يُزْلِفَ لَهُمُ الْجَنَّةَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: هَلْ

أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ؟ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا. فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلَّمَةِ اللَّهِ وَرُوحُهُ. فَيَقُولُ عِيسَى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا، فَيَقُومُ، فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَيَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالا، فَيَمُرُّ أُولاكُمْ كَالْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدُّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّهُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجَزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ، فَلا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلا زَحْفًا، وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمُكَرْدَسٌ فِي النَّارِ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا «. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ » وجنبتا الصِّرَاط ": ناحيتاه، وَأَرَادَ بالمكردس: الموثق الْملقى فِيهَا.

4348 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الرَّبِيعُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ الْبَزَّازُ الطُّوسِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى حَدَّثَهُمْ , نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ وَأَمِنُوا، فَمَا مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَقِّ يَكُونُ لَهُ فِي الدُّنْيَا، بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ أُدْخِلُوا النَّارَ»، قَالَ: " يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانَنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَحُجُّونَ مَعَنَا، فَأَدْخَلْتَهُمُ النَّارَ "، قَالَ: " فَيَقُولُ: اذْهَبُوا، فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ. فَيَأْتُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ، لَا تَأْكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى كَعْبَيْهِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا ". قَالَ: " ثُمَّ يَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ مِنَ الإِيمَانِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِهَذَا، فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [

النِّسَاء: 40]. قَالَ: " فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا، فَلَمْ يَبْقَ فِي النَّارِ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ "، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «شَفَعَتِ الْمَلائِكَةُ، وَشَفَعِتِ الأَنْبِيَاءُ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَبَقِيَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ»، قَالَ: «فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ»، أَوْ قَالَ: " قَبْضَتَيْنِ، نَاسًا لَمْ يَعْمَلُوا لِلَّهِ خَيْرًا قَطُّ، قَدِ احْتَرَقُوا حَتَّى صَارُوا حُمَمًا، فَيُؤْتَى بِهِمْ إِلَى مَاءٍ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَصُبُّ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ "، قَالَ: " فَتَخْرُجُ أَجْسَادُهُمْ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ فِي أَعْنَاقِهِمُ الْخَاتَمُ: عُتَقَاءُ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَمَا تَمَنَّيْتُمْ، أَوْ رَأَيْتُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ لَكُمْ "، قَالَ: " فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ "، قَالَ: " فَيَقُولُ: رِضَايَ عَنْكُمْ، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا " أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهَذَا , وَقَالَ: قَالَ: " فَيَقُولُونَ: وَمَا أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ عَنْكُمْ، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ سُوَيْد بْن سَعِيد، عَنْ حَفْص بْن ميسرَة، عَنْ زَيْد بْن أسلم 5043 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا عُقُوبَةً، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، فَيُقَالُ لَهُمُ: الْجَهَنَّمِيُّونَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْله: «سفع مِنَ النَّارِ»، أَي: عَلامَة مِنَ النَّارِ، يُقَالُ: سفعت الشَّيْء: إِذَا أعلمته، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15]، أَي: لنعلمنه عَلامَة أَهْل النَّارِ من سَواد الْوَجْه، وزرقة الْعين، فَاكْتفى بالناصية من سَائِر الْوَجْه، لِأَنَّهَا فِي مقدم الْوَجْه، وَقِيلَ: {لَنَسْفَعًا} [العلق: 15]، أَي: لنأخذنه، وَقِيلَ: لنخزينه، وَقِيلَ: لنذلنه. 4351 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، نَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ

مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ جَابِرٌ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ، كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ» وَفسّر الثعارير بالضغابيس، والثعارير: رُءُوس الطراثيث تكون بَيْضَاء، شبهوا بِهَا فِي الْبيَاض، قَالَ ابْنُ الْأَعرَابِي: الثعرور: قثاء صغَار، وَهِيَ الضغابيس، والثعرور فِي غَيْرِ هَذَا: الثؤلول، وَيُقَال: الضغابيس: هَنَات تنْبت فِي أصُول الثمام طوال رخصَة تُؤْكَل. 4352 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُصَفُّ أَهْلُ النَّارِ، فَيُعَدَّلُونَ، قَالَ: فَيَمُرُّ بِهِمُ الرَّجُلُ مِن أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: يَا فُلانُ. قَالَ: فَيَقُولُ: مَا تُرِيدُ؟ فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ رَجُلا سَقَاكَ شَرْبَةً يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَيَقُولُ: وَإِنَّكَ لأَنْتَ هُوَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُشَفَّعُ فِيهِ، قَالَ: ثُمَّ يَمُرُّ بِهِمُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا فُلانُ. فَيَقُولُ: مَا تُرِيدُ؟ فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ

رَجُلا وَهْبَ لَكَ وَضُوءًا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لأَنْتَ هُوَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُشَفَّعُ فِيهِ " 4353 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا مُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُصَفُّ أَهْلُ النَّارِ، فَيَمُرُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: يَا فُلانُ، أَمَا تَعْرِفُنِي؟ أَنَا الَّذِي سَقَيْتُكَ شَرْبَةَ الْمَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا الَّذِي وَهَبْتُ لَكَ مَاءً تَوَضَّأْتَ بِهِ، فَيَشْفَعُ لَهُ، فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ " 4354 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ الزَّاهِدُ , نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ الأَخْنَسِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ، يُحَدَّثُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ

يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَهْلَ الْجَنَّةِ صُفُوفًا، وَأَهْلَ النَّارِ صُفُوفًا، فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ عَنْ صُفُوفِ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ صُفُوفِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا فُلانُ، أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ اصْطَنَعْتُ إِلَيْكَ مَعْرُوفًا؟ قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا اصْطَنَعَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا. قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: خُذْ بِيَدِهِ، فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ". قَالَ أَنَسٌ: «فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ» 4355 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهُوَ يَمْشِي مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا جَاوَزَهَا، الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي

نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ اللَّهُ: يَابْنَ آدَمَ، لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا. فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ. وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ لأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا. فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ،

هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا سَمِعَ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِيهَا. فَيَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ، مَا يُصْرِينِي مِنْكَ، أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ "، فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّا أَضْحَكُ. فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ فَقَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَدِيرٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْله: «مَا يصريني مِنْك»، أَي: مَا يقطع مسألتك عني، يُقَالُ: صريت الشَّيْء: إِذَا قطعته. 4356 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفًا، فَيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ، فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيَذْهَبُ لِيَدْخُلَ، فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الْمَنَازِلَ، فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: قَدْ أَخَذَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ، قَالَ: فَيَتَمَنَّى، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَهُ، وَعَشْرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟ " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ جَمِيعًا، عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِير، عَنْ مَنْصُور، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَزَادَ: " وَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً " قَوْله: «حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه»، قِيلَ: هِيَ الأضراس، وَقِيلَ: المضاحك، وَقِيلَ: هِيَ الأنياب، وَهِيَ أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهَا، لِأَنَّهُ فِي الْخَبَر أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «

كَانَ جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمَ». 4357 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الزَّاهِدُ، نَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، نَا مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَا «، يَشُكُّ مَالِكٌ» فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُون بْن سَعِيد، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِك والحيا مَقْصُور: الْمَطَر. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيل عَلَى أَن أهل الْمعاصِي

لَا يخلدُونَ فِي النَّارِ، وَفِيه دَلِيل عَلَى تفاضل النَّاس فِي الْإِيمَان. قَالَ الْخَطَّابِيّ: وحبة الْخَرْدَل مثل فِي الْمعرفَة لَا فِي الْوَزْن، لِأَن الْإِيمَان لَيْسَ بجسم يحضرهُ الْوَزْن أَوِ الْكَيْل، وَلَكِن مَا يشكل فِي الْعُقُول قَدْ يرد إِلَى عيار المحسوس ليعلم. 4358 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ ". وَقَالَ أَبَانٌ عَنْ قَتَادَةَ: «مِنْ إِيمَانٍ»، مَكَانَ «خَيْرٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ 4359 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ،

نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُعَذَّبُ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي النَّارِ حَتَّى يَكُونُوا حُمَمًا، ثُمَّ تُدْرِكُهُمُ الرَّحْمَةُ، قَالَ: فَيَخْرُجُونَ، فَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فيرش عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْمَاءَ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْغُثَاءُ فِي حُمَالَةِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ جَابِرٍ الحمم: الفحم وَاحِدهَا حممة. والغثاء: مَا يبس من النبت، فَحَمله المَاء، فَأَلْقَاهُ فِي الجوانب، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الْأَعْلَى: 5]، أَي: جعله غثاء بَعْد أَن كَانَ أحوى، والأحوى: الَّذِي اشْتَدَّ خضرته، وَقَالَ: {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} [الْمُؤْمِنُونَ: 41]، أَي: أهلكناهم، فذهبنا بِهِمْ كَمَا يذهب السَّيْل بالغثاء. 4360 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا هَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ، يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،

فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَيُخَبَّأُ عَنْهُ كِبَارُهَا، فَيُقَالُ لَهُ: عملت يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ مُقِرٌّ لَا يُنْكِرُ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِهَا، فَيُقَالُ: أَعْطُوهُ مَكَانَ كُلَّ سَيِّئَةٍ عَمِلَهَا حَسَنَةً، فَيَقُولُ: أَيْنَ لِي ذُنُوبٌ مَا أَرَاهَا هَهُنَا؟ ". قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ 4361 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الشُّجَاعِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ النُّعْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَبُو النُّعْمَانِ، نَا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ، نَا أَبُو الظِّلالِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّ رَجُلا فِي النَّارِ يُنَادِي أَلْفَ سَنَةٍ: يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِعَبْدِي هَذَا، قَالَ: فَذَهَبَ جِبْرِيلُ، فَوَجَدَ أَهْلَ النَّارِ مُنْكَبِّينَ يَبْكُونَ، قَالَ: فَرَجَعَ فَأَخْبَرَ رَبَّهُ، قَالَ: اذْهَبْ، فَإِنَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا،

قَالَ: فَجَاءَ بِهِ، قَالَ: يَا عَبْدِي، كَيْفَ وَجَدْتَ مَكَانَكَ وَمَقِيلَكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، شَرَّ مَكَانٍ، وَشَرَّ مَقِيلٍ، قَالَ: رُدُّوا عَبْدِي، قَالَ: مَا كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تُعِيدَنِي إِلَيْهَا إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا، قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: دَعُوا عَبْدِي " قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَنَّانُ مَعْنَاهُ: ذُو الرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ، وَالْحَنَانُ مُخَفَّفٌ: الرَّحْمَةُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مَرْيَم: 13]، أَي: آتيناه رَحمَه من عِنْدَنَا. وَأَمَّا المنان، فَمَعْنَاه: الْمُنعم الْمفضل. 4362 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، نَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، نَا عَفَّانُ، نَا حَمَّادٌ، نَا ثَابِتٌ، وَأَبُو عِمْرَانَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ مِنَ النَّارِ»، قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: أَرْبَعَةٌ، وَقَالَ ثَابِتٌ: رَجُلانِ، " فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَلا تُعِيدَنِي فِيهَا، قَالَ: فَيُنَجِّيهِ اللَّهُ مِنْهَا ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدابِ بْنِ خَالِد، عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَةَ 4363 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثُ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ دَخَلا النَّارَ يَشْتَدُّ صِيَاحُهُمَا، فَقَالَ الرَّبُّ: أَخْرِجُوهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: لأَيِّ شَيْءٍ اشْتَدَّ صِيَاحُكُمَا؟ قَالا: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَرْحَمَنَا. قَالَ: فَإِنَّ رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا، فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النَّارِ. فَيَنْطَلِقَانِ فَيُلْقِي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ، فيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلامًا، وَيَقُومُ الآخَرُ، فَلا يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ كَمَا أَلْقَى صَاحِبُكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لَا تُعِيدَنِي فِيهَا بَعْدَ مَا أَخْرَجْتَنِي. فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: لَكَ رَجَاؤُكَ، فَيَدْخُلانِ جَمِيعًا الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: رِشْدِينُ بْنُ سَعْد ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيث 4364 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الْأَعْرَاف: 43]، قَالَ: نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يخلص الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصُّ لِبَعْضٍ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا، أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب ذبح الموت

4365 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرْكَانِيُّ، نَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيد، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ الْبَلْخِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُنَادِي مَلَكٌ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْكُمْ جَمِيعًا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، تَوَاهَبُوا الْمَظَالِمَ، وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي ". وَفِي رِوَايَةِ الْمُلَيْحِيّ: «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْم الْقِيَامَةِ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ» بَابُ ذَبْحِ الْمَوْتِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64]، أَي: فِيهَا الْحَيَاة الْبَاقِيَة، لَا موت فِيهَا.

وَقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الْأَعْرَاف: 40]، والخياط: الْمخيط هَهُنَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ»، والخياط هَهُنَا: الْخَيط. 4366 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، نَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ، وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ. وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ، وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ. وَكُلُّهُمْ قَدْ رَأَوْهُ، فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مَرْيَم: 39] ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ الأملح: الَّذِي فِي صوفه بَيَاض وَسَوَاد، وَالْبَيَاض أَكْثَر. قَوْله: «فَيَشْرَئِبُّونَ»، أَي: يرفعون رُءُوسهم، قَالَت عَائِشَة: ارْتَدَّت الْعَرَب، واشرأب النِّفَاق، أَي: ارْتَفع وَعلا، وكل رَافع رَأسه ينظر إلَى شَيْءٍ مشرئب. وَقَالَ سُفْيَانُ: " فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الْأَنْبِيَاء: 103]، قَالَ: حِينَ تطبق عَلَيْهِمْ جَهَنَّم. 4367 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّة، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، لَا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ ".

باب

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْن الْخَطَّاب بَابٌ 4368 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ، إِلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْرًا، وَلا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ، إِلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْ أَحْسَنَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4369 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ،

باب صفة الجنة وأهلها وما أعد الله للصالحين فيها

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارَ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ، ثُمَّ قَرَأَ: ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ "، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ بَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلصَّالِحِينَ فِيهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ} [مُحَمَّد: 15]، الْآيَة. أَي: صفة الْجَنَّة، كَقَوْلِه: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الْبَقَرَة: 171]، وَقَوله: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الْفَتْح: 29]، أَي: صفتهمْ، وَقَالَ: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 71]، الْآيَة. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} [النبأ: 31]، إِلَى قَوْلِهِ: {عَطَاءً حِسَابًا} [النبأ: 36]، أَي: جَزَاء كَافِيا، يُقَالُ: أَعْطَانِي فأحسبني، أَي: كفاني، وَقَوله تَعَالَى: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} [النبأ: 34]، أَي: مليئا، وَقَالَ مُجَاهِد: مُتَتَابِعًا.

وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الْحجر: 47]، قَالَ: لَا ينظر بَعْضهم فِي قفا بَعْض، وَقَالَ: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الرّوم: 15]، أَي: ينعمون. وَقِيلَ: يسرون بِالسَّمَاعِ فِي الْجَنَّةِ، والحبرة: النِّعْمَة، والحبرة: السرُور. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا} [الْكَهْف: 108]، أَي: تحولا، وَقِيلَ: الْحول: الْحِيلَة، أَي: لَا يحتالون منزلا غَيرهَا. وَقَوله تَعَالَى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26]، أَي: يُوجد فِي آخِره طعم الْمسك. وَقَوله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} [الشُّعَرَاء: 90]، أَي: أدنيت، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشُّعَرَاء: 64]، أَي: أدنيناهم، يَعْنِي: إِلَى الغرف. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرَّحْمَن: 64]، قَالَ مُجَاهِد: مسودتان، وَقَالَ غَيْرُهُ: خضراوان من الرّيّ حَتَّى تضرب خضرتهما إِلَى سَواد قَلِيل، يُقَالُ: اسودت الخضرة: إِذَا اشتدت. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا} [

الدَّهْر: 14]، قَالَ مُجَاهِد: إِن قَامَ ارْتَفع، وَإِن قعد تدلى إِلَيْهِ القطف. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أمكنت، فَلا تمْتَنع عَلَى طَالِب، يُقَالُ لكل مُطِيع غَيْر مُمْتَنع: ذليل، وَمن غَيْر النَّاس: ذَلُول. وَقَوله تَعَالَى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23]، أَي: عناقيدها، كُلَّمَا أَرَادوا أَن يقطفوا مِنْهَا شَيْئًا، دنا مِنْهُمْ قعُودا كَانُوا أَوْ مضطجعين. وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا} [الدَّهْر: 18]، قِيلَ: هِيَ اللينة السهلة إِذَا أدنوها من أَفْوَاههم، تسلسلت فِي أَجْوَافهم. وَقَوله تَعَالَى: {مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين: 25]، الرَّحِيق: الشَّرَاب الَّذِي لَا غش فِيهِ. وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27]، أَي: من عين يَأْتِيهم من علو. وَقَوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الْوَاقِعَة: 18]، أَي: خمر، يجْرِي كَمَا يجْرِي المَاء عَلَى وَجه الأَرْض. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21]، أَي ذَات رضى، وَقِيلَ: مرضية. وَقَوله تَعَالَى: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} [الْوَاقِعَة: 18]، الأكواب: الَّتِي لَا خراطيم لَهَا،

وَإِن كَانَ لَهَا خراطيم، فَهِيَ أَبَارِيق. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} [الرَّحْمَن: 76]، قِيلَ: الرفرف: المحابس، وَقِيلَ: فضول المحابس، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرفرف الْفرش، وَقِيلَ الرفرف: مَا فضل فثني، وَقِيلَ: الوسائد، وَقِيلَ: رياض الْجَنَّة. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الْوَاقِعَة: 89]، قِيلَ: أَي: رَاحَة واستراحة، وَمن قَرَأَ فَرُوحٌ، بِالضَّمِّ، أَي: فحياة دائمة لَا موت مَعهَا. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الْوَاقِعَة: 19]، أَي: لَا تصدع رُءُوسهم، وَلا تنزف عُقُولهمْ. وَقَوله تبَارك تَعَالَى: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 16]، قِيلَ: زرابي النبت: ألوانه، فَلَمَّا رَأَوْا الألوان فِي الْبسط شبهوها بِهَا. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ

وَعْدًا مَسْئُولا} [الْفرْقَان: 16]، هُوَ قَوْل الْمَلَائِكَة: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} [غَافِر: 8]. وَقَوله تَعَالَى: {نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمرَان: 198]، أَي: ثَوابًا، وَقِيلَ: رزقا. وَقَوله: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الصافات: 48]، أَي: حور قَدْ قصرن طرفهن عَلَى أَزوَاجهنَّ، لَا ينظرن إِلَى غَيرهم، وَمِنْه قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ} [الرَّحْمَن: 72]، أَي: مخدرات. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الْكَهْف: 31]، السندس: رَقِيق الديباج، والإستبرق: غليظه، فارسية معربة. وقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47]، أَي: لَا تغتال عُقُولهمْ، أَي: لَا يذهب بِهَا، يُقَالُ: غالت الْخمر فلَانا: إِذَا ذهبت بعقله وبصحة بدنه. وَقَوله تَعَالَى: {وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47]، أَي:

لَا يسكرون، يُقَالُ: نزف الرَّجُل: إِذَا ذهب عقله بالسكر، وَقُرِئَ بِكَسْر الزَّاي، أَي: لَا يفنى خمرهم، يُقَالُ: أنزف الرَّجُل: إِذَا فنيت خمره. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الْوَاقِعَة: 34]، أَرَادَ بالفرش نسَاء أَهْل الْجَنَّةِ ذَوَات الْفرش، يُقَالُ لامْرَأَة الرَّجُل: هِيَ فرَاشه، وَإِزَاره، ولحافه. وَقَوله: {مَرْفُوعَةٍ} [الْوَاقِعَة: 34]، أَي: رفعن بالجمال عَلَى نسَاء أهل الدُّنْيَا، وكل فَاضل رفيع. 4370 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "

4370 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لَقَيْدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» 4370 - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا» 4370 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَبْصُقُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا، آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الأَلُوَّةِ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحَسَنِ، لَا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ، وَلا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا»

4370 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، أَنْ يُقَالَ لَهُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ تَمَنَّيْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيْتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ". هَذِهِ أَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا، أَخْرَجَاهَا مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِ قَوْله: «لقيد سَوط أحدكُم»، أَي: قدره، يُقَالُ: بيني وَبَينه قاب رمح، وقاد رمح، وَقيد رمح. ويروى: «لَقَاب قَوس أحدكُم فِي الْجَنَّةِ خير من الدُّنْيَا»، وقاب الْقوس: مَا بَيْنَ السية والمقبض. قَوْله: «ومجامرهم من الألوة»، قَالَ الأَصْمَعِيّ: هُوَ الْعود الَّذِي يتبخر بِهِ، وأراها كلمة فارسية عربت، وَيجمع الألوة ألاوية. قَالَ أَبُو عبيد: فِيهَا لُغَتَانِ: الألوة، والألوة بِفَتْح الْألف وَضمّهَا. 4371 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، نَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ

سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السَّجْدَة: 17] ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ: «أَعْدَدْتُ»، وَقَالَ: «بَلْهَ مَا أُطْلِعُكُمْ»، وَيُرْوَى: «بَلْهَ مَا أَطْلَعْتُهُمْ» قَوْله: «بله»، أَي: دع مَا أطلعْتُم عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يسير سهل فِي جنب مَا ذخرته لَهُمْ، وَقِيلَ: كَيْفَ مَا أطْلعكُم عَلَيْهِ، وَقِيلَ: فضل مَا أطْلعكُم، يَعْنِي: مَا قُلْتُ قَلِيل من كثير لَمْ أذكر، وَمَا غيب عَنْكُم فضل مَا أطْلعكُم عَلَيْهِ. 4372 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً

بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السَّجْدَة: 17]، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الْوَاقِعَة: 30]، وَلَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمرَان: 185] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْله: {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الْفرْقَان: 74]، يُقَالُ: أقرّ اللَّه عينه، مَعْنَاهُ: أبرد اللَّه دمعته، لِأَن دمعة الْفَرح بَارِدَة، قَالَه الأَصْمَعِيّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ: بلغك اللَّه أمنيتك حَتَّى ترْضى بِهِ نَفسك، وتقر بِهِ عَيْنك، فَلا تستشرف إِلَى غَيره. قَوْله: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الْوَاقِعَة: 30]، هُوَ الدَّائِم الَّذِي لَا تنسخه الشَّمْس، وَالْجنَّة كلهَا ظلّ. قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} [آل عمرَان: 185]، أَي: نحي وأزيل عَنْهَا، وَمِنْه قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ} [الْبَقَرَة: 96]، أَي: بمبعد ومنجيه. 4373 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا جَرِيرٌ، نَا عُمَارَةُ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَتْفُلُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْعِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ قُتَيْبَةَ قَوْله: «ومجامرهم الألوة»، أَي: بخورهم الْعود غَيْر مطرى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صفة أَزوَاجهم: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرَّحْمَن: 70]، أَي: فِي الْجنان حور خيرات الْأَخْلَاق، وَحسان الْوُجُوه. وَفِي رِوَايَة: «وقود مجامرهم الألوة»، كَأَنَّهُ أَرَادَ الْجَمْر الَّذِي يطْرَح فِيهِ البخور. 4374 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ،

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُورَةُ وُجُوهِهِمْ مِثْلُ صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ الْكَوْكَبِ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ دُونَ لُحُومِهِمَا، وَدِمَائِهِمَا، وَحُلَلِهِمَا». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ 4375 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ، وَيَشْرَبُونَ، وَلا يَبُولُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، وَلا يَبْزُقُونَ، وَيُلْهَمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ، طَعَامُهُمْ جُشَاءٌ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِير، عَنِ الأَعْمَشِ قُلْتُ: قَوْله: «يُلْهمُون التَّسْبِيح»، يَعْنِي، وَاللَّه أعلم، أَن مجْرى التَّسْبِيح فِيهِم كمجرى النَّفس، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي وصف الْمَلَائِكَة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 20]، أَي: مجْرى التَّسْبِيح فِيهِم كمجرى النَّفس من ابْن آدَم، لَا يشْغلهُ عَنِ النَّفس شَيْء. 4376 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ , نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِي الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ مُعَاوِيَة

بْن عَمْرو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ والنصيف: الْخمار. 4377 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ ظُفْرٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ بَدَا، لَتَزَخْرَفَتْ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ فَبَدَا أَسَاوِرُهُ، لَطَمَسَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ، كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ قَوْله: «يقل»، أَي: يحمل، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا} [الْأَعْرَاف: 57]، أَي: حملت الرِّيَاح سحابا ثقالا. وَقَوله: «لتزخرفت»، أَي: تزينت، والزخرف: كَمَال حسن الشَّيْء، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا} [يُونُس: 24]، أَي: تزينت بألوان النَّبَات، وَيُقَال لِلذَّهَبِ: زخرف، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ

يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} [الْإِسْرَاء: 93]، قِيلَ فِي التَّفْسِير: من ذهب. 4378 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُون بْن سَعِيد الأَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْب، عَنْ مَالِك قَوْله: «يتراءون»، أَي: ينظرُونَ، يُقَالُ: تراءيت الْهلَال: إِذَا نظرته، والكوكب الدُّرِّي: شَدِيد الإنارة نسب إِلَى الدّرّ، وَشبه صفاؤه بصفائه، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الكوب الدُّرِّي وَاحِد من الْكَوَاكِب الْخَمْسَة الْعِظَام، وَقَالَ الْفراء: الْعَرَب تسمي الْكَوَاكِب الْعِظَام الَّتِي لَا يعرف أسماؤها: الدراري بِلَا همزَة، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو:

كَأَنَّهَا كَوْكَب دريء، مَكْسُورَة الدَّال مَهْمُوزَة فعِّيل من الدرء بِمَعْنى الدّفع، والكوكب إِذَا دفع وَرمي لرجم الشَّيَاطِين، تضَاعف ضوءه. 4379 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، نَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلَؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِم إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ 4380 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا

وَمَا فيِهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَقَالَ: «رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ». وَعَبْدُ اللَّه بْنُ قَيْسٍ هُوَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو بَكْر ابْنُهُ، قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ قَوْله: «رِدَاء الْكِبْرِيَاء ورداء الْكبر»، يُرِيد صفة الْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الجاثية: 37]، أَي: العظمة وَالْملك، فَهُوَ بكبريائه وعظمته لَا يُرِيد أَن يرَاهُ أحد من خلقه بَعْد رُؤْيَة يَوْم الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَأْذَن لَهُمْ فِي دُخُول جنَّة عدن، فيروه فِيهَا. وجنة عدن، أَي: جنَّة إِقَامَة، يُقَالُ: عدن بِالْمَكَانِ يعدن عدونا، أَي: أَقَامَ. 4381 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ

دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ، وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً، وَيُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ، كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ إِلَى صَنْعَاءَ» 4381 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا يُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَإِنَّهُ لَتَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ» 4381 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، يُرَدُّونَ بَنِي ثَلاثِينَ سَنَةً فِي الْجَنَّةِ، لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ» 4381 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ،

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ عَلَيْهِمُ التِّيجَانَ، إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ فِيهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ». هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو الْهَيْثَمِ اسْمُهُ سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ الْعَتْوَارِيُّ، كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ 4382 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، وَمَا مِنْهُمْ دَانٍ، لَمَنْ يَغْدُو عَلَيْهِ وَيَرُوحُ عَشْرَةُ آلافِ خَادِمٍ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَرِيفَةٌ لَيْسَتْ مَعَ صَاحِبِهِ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيد، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الْوَاقِعَة: 34]، قَالَ: ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ " 4383 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا

إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالا: " يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا، فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَأَنْ تَشِبُّوا، فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا، فَلا تَبْتَئِسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَقَدَّسَ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الْأَعْرَاف: 43] ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْد بْن حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِي، بِهَذَا الإِسْنَادِ مَرْفُوعًا. وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعُمُ وَلا يَبْأَسُ، وَلا تُبْلَى ثِيَابُهُ، وَلا يُفْنَى شَبَابُهُ» وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الْوَاقِعَة: 17]، أَي: مبقون أبدا لَا يهرمون، وَلا يجاوزون حد الوصافة، وَالْعرب تَقول للَّذي لَا يشيب: مخلد، وَقِيلَ: مخلدون، أَي مقرطون، والقرط يُقَالُ لَهُ: الْخلد، وَالْجمع خلدَة. وَعَن شَهْر بْن حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «

أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلَى، لَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ، وَلا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ». 4384 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ، وَكَرَبُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلالِ أَوِ الدِّلاءِ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، لَيْسَ لَهُ عَجْمٌ» المقطعات: الثِّيَاب الْقصار، وَمِنْه قَوْل ابْن عَبَّاسٍ فِي وَقت صَلَاة

الضُّحَى: إِذَا تقطعت الظلال، أَي: قصرت، وَذَلِكَ أَنَّهَا تكون ممتدة فِي أول النَّهَار، فَإِذَا ارْتَفَعت الشَّمْس قصرت، فالمقطعات: اسْم للقصار من الثِّيَاب وَاقع عَلَى الْجِنْس لَا يفرد لَهُ وَاحِد، لَا يُقَالُ للجبة القصيرة مقطعَة، وَلا للقميص مقطع، بَل يُقَالُ للْوَاحِد: ثوب كَالْإِبِلِ وَاحِدهَا بعير، والمعشر وَاحِدهَا رَجُل، وَقِيلَ: هِيَ اسْم لكل ثوب يقطع كالقميص وَنَحْوه، وَمن الثِّيَاب مَا لَا يقطع كالأزر والأردية. 4385 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ، فَإِنِّي أُحِبُّ الْخَيْلَ؟ فَقَالَ: «إِنْ يُدْخِلْكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، فَلا تَشَاءُ أَنْ تَرْكَبَ فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فَتَطِيرُ بِكَ فِي أَيِّ الْجَنَّةِ شِئْتَ إِلا فَعَلْتَ»، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي الْجَنَّةِ إِبِلٌ، فَإِنِّي أُحِبُّ الإِبِلَ؟ قَالَ: «يَا أَعْرَابِيُّ، إِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، أَصَبْتَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ».

وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَن سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالأَوَّل أَصَحُّ 4386 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، عَنِ الضَّحَّاكِ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا هَلْ مِنْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ؟ وَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا، وَهِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ تَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، وَمَقَامٌ فِي أَبَدٍ فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ، وَفَاكِهَةٍ وَخُضْرَةٍ، وَحَبْرَةٍ وَنِعْمَةٍ فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ»، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، قَالَ: " قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ "، فَقَالَ الْقَوْمُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَأَخْبَرَنَا الإِمَام أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّد الْقَاضِي، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّيْسَفُونِيّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ التّرَابِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْن بِسْطَامٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّار، نَا عَمْرو بْن عُثْمَانَ بْن كَثِيرِ بْن دِينَارٍ، نَا أَبِي، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ 4387 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَسْأَلُكَ فَتُخْبِرُنِي؟ قَالَ: فَرَكَضَهُ ثَوْبَانُ بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: قُلْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: لَا أَدْعُوهُ إِلا بِمَا سَمَّاهُ أَهْلُهُ. قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَلْ يَنْفَعُكَ ذَلِكَ شَيْئًا؟» قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنِي، وَأُبْصِرُ بِعَيْنِي. قَالَ: فَنَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَرْضِ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «سَلْ». قَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلُهُ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إِبْرَاهِيم: 48]، فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ»، قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ مَنْ يُجِيزُ؟ قَالَ: «فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ»، قَالَ: فَمَا

نُزُلُهُمْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُونَهَا؟ قَالَ: «كَبِدُ الْحُوتِ»، قَالَ: فَمَا طَعَامُهُمْ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: «كَبِدُ الثَّوْرِ»، قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: «السَّلْسَبِيلُ». قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: «أَفَلا أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلا نَبِيٌّ، أَوْ رَجُلٌ، أَوِ اثْنَانِ؟» قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «عَنْ شَبَهِ الْوَلَدِ»، قَالَ: «مَاءُ الرَّجُلِ بَيْضَاءُ غَلِيظَةٌ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ صَفْرَاءُ رَقِيقَةُ، فَإِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَمِنْ قِبَلِ ذَلِكَ الشَّبَهُ، وَإِذَا عَلا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَمِنْ قِبَلِ ذَلِكَ الشَّبَهُ». قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا كَانَ عِنْدِي فِي شَيْءٍ مِمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ عِلْمٌ حَتَّى أَنْبَأَنِيهِ اللَّهِ فِي مَجْلِسِي هَذَا». هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَر، والحَدِيث صَحِيح، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِي الْحُلْوَانِيِّ، عَنِ الرَّبِيع بْن نَافِع، عَنْ مُعَاوِيَة بْن سَلامٍ، عَنْ أَخِيهِ زَيْد بْن سَلامٍ، عَنْ أَبِي سَلامٍ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ.

قُلْتُ: قَوْله: «مَاءُ الرَّجُلِ بَيْضَاءُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ صَفْرَاءُ»، فَلَعَلَّ التَّأْنِيثَ يَنْصَرِفُ إِلَى النُّطْفَةِ 4388 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ التُّرَابِيُّ، أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ الْحَدَّادِيُّ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ، أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا لَيْسَ فِيهَا بَيْعٌ وَلا شِرَاءٌ، إِلا الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَهَا، وَإِنَّ فِيهَا لَمُجْتَمَعَ حُورِ الْعِينِ، يُنَادِينَ بِصَوْتٍ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلائِقُ بِمِثْلِهَا: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ، فَلا نَبِيدُ أَبَدًا، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ، فَلا نَبْأَسُ أَبَدًا، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ، فَلا نَسْخَطُ أَبَدًا، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا، وَكُنَّا لَهُ ". وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى، عَنْ هَنَّادٍ، وَأَحْمَد بْن مَنِيعٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ 4389 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيُّ، نَا

حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ، فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ، وَلَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالا ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ 4390 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْعِيسِ الْجُونِ، عَلَيْهَا رِحَالُ الْمَيْسِ، تُثِيرُ مَنَاسِمُهَا غُبَارَ الْمِسْكِ، زِمَامُ أَوْ خِطَامُ، أَحَدِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»

العيس الجون: الْإِبِل الْبيض، والجون: السود أَيْضًا، وَهِيَ من الأضداد. 4391 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «حَائِطُ الْجَنَّةِ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَدَرَجُهَا الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ، وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ رَضْرَاضَ أَنْهَارِهَا اللُّؤْلُؤُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانِ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ الْجَنَّة: «وَحِصْلِبُهَا الصُّوَارُ» قَالَ ابْنُ الْأَعرَابِي: الحصلب: التُّرَاب، والصوار: الْمسك. 4392 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ يَزِيدَ بْنِ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ، سَمِعْتُ مُطَرِّفًا، يُحَدِّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ».

باب رؤية الله عز وجل في الجنة ورضاه عنهم

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ» بَابُ رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ وَرِضَاهُ عَنْهُمْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {23}} [الْقِيَامَة: 22 - 23]، قَوْله: ناضرة، أَي: ناعمة بِالنّظرِ إِلَى رَبهَا. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يُونُس: 26]، الْحسنى: الْجَنَّة، وَالزِّيَادَة: رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى. وَسُئِلَ مَالِك عَنْ قَوْله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [الْقِيَامَة: 23]، فَقيل: قوم يَقُولُونَ إِلَى ثَوَابه؟ فَقَالَ مَالِك: كذبُوا فَأَيْنَ هُمْ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]، قَالَ مَالِك:

النَّاس ينظرُونَ إِلَى اللَّهِ يَوْم الْقِيَامَةِ بأعينهم، وَقَالَ: لَو لَمْ ير الْمُؤْمِنُونَ رَبهم يَوْم الْقِيَامَةِ، لَمْ يعير اللَّه الْكفَّار بالحجاب، فَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [الْمَائِدَة: 119]. وَقَالَ جَرِير: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ». 4393 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، إِمْلاءً، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، نَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: " قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يُونُس: 26]، قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا، يَشْتَهِي أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، قَالُوا: مَا هَذَا الْمَوْعُودُ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا، وَيُنَضِّرْ وُجُوهَنَا،

وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُجِرْنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَرُفِعَ الْحِجَابُ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَةَ 4394 - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْجُلْفَرِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِمَرْوَ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ، بِدِمَشْقَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، نَا رَبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، نَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا لَنَا لَا نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِهِ

أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَفَلا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا فَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ لَكُمْ رِضْوَانِي، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ". هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُون بْن سَعِيد الأَيْلِيِّ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ 4395 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ التُّرَابِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَمَوِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، أَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نَا شَبَابَةُ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ، وَأَزْوَاجِهِ، وَنَعِيمِهِ، وَخَدَمِهِ، وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {23}} [الْقِيَامَة: 22 - 23] "

4396 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ اللَّيْثِ الْوَاعِظُ، نَا أَبُو يَزِيدَ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ السَّامِيُّ، نَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، نَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْرَائِيلُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: «أَنْ يَنْظُرَ فِي مُلْكِهِ، أَوْ سُرُورِهِ، وَنَعِيمِهِ، وَخَدَمِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ غَيْر وَاحِدٍ عَنْ إِسْرَائِيل، مَرْفُوعًا مِثْلَ هَذَا 4397 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَسِيرُ فِي مُلْكِهِ، وَسُرُورِهِ أَلْفَ سَنَةٍ، يَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ، وَأَرْفَعُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى رَبِّهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ». وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَوْلُهُ. وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ فِيهِ مُجَاهِدًا، غَيْرَ الثَّوْرِيِّ

باب صفة النار وأهلها نعوذ بالله منها

بَابُ صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الْإِسْرَاء: 97]، أَي: سكن لهبها، وَمثله خمدت، فَإِذَا بطلت، يُقَالُ: همدت. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الْفرْقَان: 11]. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} [الْكَهْف: 29]. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: 23]، جمع حقب، يُقَالُ: الحقب ثَمَانُون سنة. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا} [النبأ: 24]، قِيلَ: الْبرد: الرَّاحَة، تَقول الْعَرَب: أَنَا أتبرد بِذَلِكَ، أَي: أستريح، وَقِيلَ: الْبرد: النّوم، تَقول الْعَرَب: منع الْبرد، أَي: النّوم. وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: 25]، قِيلَ: الغساق: مَا يسيل من أَعينهم من دموعهم يسقونه مَعَ الْحَمِيم، يُقَالُ: غسقت عينه: إِذَا سَالَتْ تغسق، وَقِيلَ: هُوَ مَا يغسق من جُلُود أَهْل النَّارِ من الصديد، وَمن قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ، فَهُوَ

الْبَارِد الَّذِي يحرق بِبرْدِهِ، وَقَالَ بَعْضهم: إِنَّمَا قِيلَ لِليْل: غَاسِق، لِأَنَّهُ أبرد من النَّهَار، وَقِيلَ غساقا، أَي: منتنا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنَ الْغَسَّاقِ يَهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا لأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا». وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36]، هُوَ صديد أَهْل النَّارِ، وَمَا ينغسل ويسيل من أبدانهم. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات: 32]، قِيلَ: كالقصر من قُصُور الْأَعْرَاب، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كالقصر بِفَتْح الصَّاد، وَفسّر أَنَّهَا كأعناق الْإِبِل، الْوَاحِدَة قصرة، وَقِيلَ: الْقصر: أصُول الشّجر، وَقِيلَ: كأعناق النّخل. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [الْمُؤْمِنُونَ: 104]، أَي: تضرب، واللفح أَعْظَم تَأْثِيرا من النفخ، وَهُوَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ} [الْأَنْبِيَاء: 46]، أَي: أدنى شَيْء مِنْهُ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} [الْوَاقِعَة: 42]، أَي: مَاء حَار، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسُقُوا

مَاءً حَمِيمًا} [مُحَمَّد: 15]، {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الْوَاقِعَة: 43]، اليحموم: الشَّديد السوَاد، قَالَ مُجَاهِد: هُوَ دُخان جَهَنَّم. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج: 16]، قِيلَ: الشوى: الْأَطْرَاف: اليدان وَالرجلَانِ وَالرَّأْس، يُقَالُ لجلود النَّاس: الشوى الْوَاحِد الشواة، ولجلدة الرَّأْس: شواة، ولأطراف الإِنْسَان: شواة. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} [المدثر: 35]، أَي: إِحْدَى العظائم وَهِيَ النَّار. قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [المعارج: 17]، قِيلَ: تَدْعُو، أَي: تعذب. قَالَ أَعْرَابِي لآخر: دعَاك اللَّه، أَي: عذبك اللَّه، وَقِيلَ: تَدْعُو، أَي: تنادي. قِيلَ فِي التَّفْسِير: إِن جَهَنَّم تَدْعُو الْكَافِر باسمه، وَقِيلَ: دعوتها إيَّاهُم مَا تفعل بِهِمْ من الأفاعيل، تَقول الْعَرَب: دَعَانَا غيث وَقع بِنَاحِيَة كَذَا، أَي: كَانَ ذَلِكَ سَببا لانتجاعنا إِيَّاه. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الْوَاقِعَة: 73]، قِيلَ: مَعْنَاهُ من شَاءَ أَن يتَذَكَّر

بالنَّار من جَهَنَّم فيتعظ. قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18]، يَعْنِي: الشداد الْغِلَاظ من الْمَلَائِكَة، الْوَاحِد زبنية. وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106]، الزَّفِير من أصوات المكروبين، وَالْأَصْل فِيهِ صَوت الْحمار، فالزفير نهيقه، والشهيق آخر نهيقه، وَقِيلَ: الزَّفِير من الصَّدْر، والشهيق من الْحلق. قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الْفرْقَان: 12]، أَي: صَوت تغيظ، وغليان تغيظ، وَقَوله عَزَّ وَجَلَّ: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الْملك: 8]، أَي: تَنْشَق غيظا عَلَى الْكفَّار، وَقِيلَ: من شدَّة الْحر، يُقَالُ: تغيظت الهاجرة: إِذَا اشْتَدَّ حرهَا. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا {12} وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} [المزمل: 12 - 13]، أَي: لَا يسوغ فِي الْحلق، يَعْنِي الزقوم، وَقِيلَ: هُوَ السَّرِيع، كَمَا قَالَ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6]، وَهُوَ نوع من الشوك، يُقَالُ لَهُ: الشبرق. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65]، قِيلَ:

هِيَ حيات لَهَا رُءُوس مُنكرَة وأعراف، وَقِيلَ: أُرِيد بِهَا الشَّيَاطِين الْمَعْرُوفَة، شبه بِهَا لقبحها، وكل شَيْء يستقبح، فَإِنَّهُ يشبه بالشياطين، فَيُقَالُ: كَأنَ وَجهه وَجه شَيْطَان، وَكَأن رَأسه رَأس شَيْطَان، وَإِنَّهَا وَإِن لَمْ يرهَا الآدَميون، فَهُوَ مستشنع عِنْدهم. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الْوَاقِعَة: 55]، الهيم: الْإِبِل الَّتِي أَصَابَهَا الهيام، وَهُوَ دَاء يُصِيبهَا من الْعَطش، فَلا تروى من المَاء حَتَّى تَمُوت، {هَذَا نُزُلُهُمْ} [الْوَاقِعَة: 56]، أَي: رزقهم وطعامهم، {يَوْمَ الدِّينِ} [الْوَاقِعَة: 56]. وَقَالَ بَعْض الْمُفَسّرين: الهيم: الرمال الَّتِي لَا يَرْوِيهَا مَاء. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الْفرْقَان: 65]، الغرام: مَا كَانَ لَازِما، يُقَالُ: فُلان مغرم بِكَذَا: أَي لَازم لَهُ مولع بِهِ، وَقِيلَ: الغرام: أَشد الْعَذَاب. وَقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مَرْيَم: 86]، قِيلَ: أَي مشَاة عطاشا كَالْإِبِلِ ترد المَاء، وَقِيلَ الْورْد: الْقَوْم الَّذِينَ يردون المَاء، فَسُمي العطاش وردا لطلبهم وُرُود المَاء.

4398 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي تُوقِدُونَ، جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً. قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِك، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. 4399 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، أَوْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «إِنَّ النَّارَ أُوقِدَتْ أَلْفَ سَنَةٍ فَابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَتْ أَلْفَ سَنَةٍ فَاحْمَرَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَتْ أَلْفَ

سَنَةٍ فَاسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ». وَرَوَاهُ يَحْيَى بْن أَبِي بُكَيْر، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِم، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ. قَالَ أَبُو عِيسَى: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْر يَحْيَى بْن أَبِي بُكَيْر، عَنْ شَرِيكٍ. 4400 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «أَتَرَوْنَهَا حَمْرَاءَ مِثْلَ نَارِكُمْ هَذِهِ الَّتِي تُوقِدُونَ؟ إِنَّهَا لأَشَدُّ سَوَادًا مِنَ الْقَارِ». 4401 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، نَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ عَلَى أُخْمِصُ

قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ بِالْقُمْقُمِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَة، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. 4402 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ لَيْثٍ. الضحضاح: مَا رق من المَاء عَلَى وَجه الأَرْض. 4403 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ

أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ لأَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَك مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ، أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلا أَنْ تُشْرِكَ بِي ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ. 4404 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ غَالِبُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّيُّ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ شَاذَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو عُثْمَانَ، نَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى

بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً، فَيُقَالُ لَهُ: يَابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ، مَا رَأَيْتُ بُؤْسًا قَطُّ، وَمَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ. 4405 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " فِي قَوْلِهِ: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ {16} يَتَجَرَّعُهُ} [إِبْرَاهِيم: 16 - 17]، قَالَ: يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ، شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ، قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [مُحَمَّد: 15]، وَيَقُول: {

وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ} [الْكَهْف: 29] ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَلا يُعْرَفُ عُبَيْد اللَّهِ بْن بُسْر، إِلا فِي هَذَا الْحَدِيث، وَقَدْ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 4406 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَيَنْفُذُ الْجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ، فيسلت مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ الصَّهْرُ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيب. وَابْنُ حُجَيْرَةَ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُجَيْرَةَ الْمِصْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ يَزِيد أَبُو شُجَاع مِصْرِيٌّ، رَوَى عَنْهُ اللَّيْث بْن سَعْد.

4407 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِيِّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " {بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الْكَهْف: 29]، قَالَ: كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فَإِذَا قُرِّبَ إِلَيْهِ، سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ ". 4407 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سُرَادِقُ النَّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ، كِثَفُ كُلِّ جِدَارٍ مِثْلُ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً». 4407 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا، لأَنْتَنَ أَهْلُ الدُّنْيَا».

الْمهل: الرصاص الْمُذَاب، أَوِ الصفر، أَوِ الْفضة، فَكل مَا أذيب من هَذِهِ الْأَشْيَاء، فَهُوَ مهل، وَقِيلَ: الْمهل: دردي الزَّيْت، وَقِيلَ: هُوَ معنى عكر الزَّيْت، وَقِيلَ: الْمهل: الصديد الَّذِي يسيل من جُلُود أَهْل النَّارِ. وَقَوله: «فَرْوَة وَجهه»، يُرِيد: جلدته، ويروى: «قرقرة وَجهه»، أَي: جلدَة وَجهه، والقرقر من لِبَاس النِّسَاء، شبهت بشرة الْوَجْه بِهَا. والسرادق: كُلّ مَا أحَاط بِشَيْء نَحْو المضرب والخباء، يُقَالُ للحائط الْمُشْتَمل عَلَى الشَّيْء: سرادق. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الْكَهْف: 29]. وَقَوله: «كثف كُلّ جِدَار»، أَي: غلظه. 4408 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، نَا أَبُو بَكْرٍ الْعُبْدُوسِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونَ بْنِ خَالِد بْنِ بُرَيْدَةَ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، فَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قَطَرَتْ عَلَى الأَرْضِ، لأمرت عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، وَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ طَعَامُهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ غَيْرُهُ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. 4409 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ , أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ، وَالصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ يَهْوِي فَهُوَ كَذَلِكَ». قُلْتُ: هَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرُوِيَ شَيْء مِنْ هَذَا عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيد قَوْله. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الويل: الْمَشَقَّة من الْعَذَاب، وَقِيلَ: الويل: الْحزن، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا وَيْلَتَنَا} [الْكَهْف: 49]، دُعَاء بِالْوَيْلِ. وَالْوَيْل

والويلة: الهلكة، وكل من وَقع فِي هلكة دَعَا بِالْوَيْلِ. 4410 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " إِنَّ الصَّعُودَ صَخْرَةٌ فِي جَهَنَّمَ إِذَا وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا ذَابَتْ، وَإِذَا رَفَعُوهَا عَادَتْ، اقْتِحَامُهَا: {فَكُّ رَقَبَةٍ {13} أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14}} [الْبَلَد: 13 - 14] " 4411 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيد، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلالٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ رَضْرَاضَةً مِثْلَ هَذِهِ، وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ، أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، لَبَلَغَتِ الأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ، وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ

السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَوْله: «أَرْبَعِينَ خَرِيفًا»، أَي: أَرْبَعِينَ سنة. 4412 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ، يَقُولُ: " إِنَّ مَا بَيْنَ شَفِيرِ جَهَنَّمَ إِلَى قَعْرِهَا مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا مِنْ حَجَرٍ يَهْوِي، أَوْ قَالَ: صَخْرَةٍ تَهْوِي كَعَشْرٍ عُشَرَاوَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ "، فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: هَلْ تَحْتَ ذَلِكَ شَيْءٌ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، غَيٌّ وَآثَامٌ». وَرُوِيَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ النَّارِ، فَإِنَّ حَرَّهَا شَدِيدٌ، وَإِنَّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ، وَإِنَّ مَقَامِعَهَا حَدِيدٌ». 4413 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ،

عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ يُعَظَّمُونَ لِتَمْتَلِئَ مِنْهُمُ النَّارُ، وَلِيَذُوقُوا الْعَذَابَ». وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي حَازِم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضِرْسُ الْكَافِرِ، أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ». 4414 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ، عَنْ أَبِي حَازِم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ. 4415 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرِي مَا سَعَةُ جَهَنَّمَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ مَا تَدْرِي، إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا يَجْرِي فِيهَا أَوْدِيَةُ الْقَيْحِ وَالدَّمِ. قُلْتُ: أَنْهَارٌ؟ قَالَ: لَا بَلْ أَوْدِيَةٌ. ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِي مَا سَعَةُ جَهَنَّمَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ مَا تَدْرِي، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]، فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ». وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «إِنَّ جَهَنَّمَ لَتُضَيِّقُ عَلَى الْكَافِرِ كَتَضْيِيقِ الزُّجِّ فِي الرُّمْحِ». 4416 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ

أَبِي شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 104]، قَالَ: تَشْوِيهِ النَّارُ، فَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ، وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ ". هَذَا حَدِيثٌ حسنٌ غَرِيبٌ. 4417 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «يُعَظَّمُ الْكَافِرُ فِي النَّارِ مَسِيرَةَ سَبْعِ لَيَالٍ، ضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ، وَشِفَاهُهُمْ عِنْدَ سُرَرِهِمْ، سُودٌ زُرْقٌ حُبْنٌ مَقْبُوحُونَ». قُلْتُ: الحبن جمع الأحبن، وَهُوَ الْعَظِيم الْبَطن، وَيُقَال للَّذي بِهِ السَّقْي: أحبن، وَأم حبين دويبة عَلَى خلقَة الحرباء، عريضة الْبَطن. 4418 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَيْدٍ التَّغْلِبِيُّ، نَا يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَأَيُّهَا النَّاسُ، ابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا فَتَبَاكَوْا، فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَبْكُونَ فِي النَّارِ حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ، كَأَنَّهَا جَدَاوِلُ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، فَتَسِيلُ الدِّمَاءُ، فَتَقْرَحُ الْعُيُونُ، فَلَوْ أَنَّ سُفُنًا أُرْخِيَتْ فِيهَا لَجَرَتْ». 4419 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوِيًّا، فَقَالَ: " يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا حَجَرٌ أُلْقِيَ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَالآنَ حِينَ اسْتَقَرَّ فِي قَعْرِهَا ".

4419 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُلْقَى الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْفَدَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّمَ حَتَّى أَنَّهُ لَيَصِيرُ فِي وُجُوهِهِمْ أُخْدُودًا، لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهَا السُّفُنُ لَجَرَتْ». 4420 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: " إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَدْعُونَ مَالِكًا فَلا يُجِيبُهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77]، قَالَ: هَانَتْ وَاللَّهِ دَعْوَتُهُمْ عَلَى مَالِكٍ، وَعَلَى رَبِّ مَالِكٍ، ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ، فَيَقُولُونَ: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ {106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ {107}} [الْمُؤْمِنُونَ: 106 - 107]، قَالَ: فَيسكت عَنْهُمْ قَدْرَ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 108]، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا نَبَسَ الْقَوْمُ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ،

باب قول الله عز وجل: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} [ق: 30]

وَمَا هُوَ إِلا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَشَبَّهَ أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ، أَوَّلُهَا زَفِيرٌ وَآخِرُهَا شَهِيقٌ ". قَالَ طَاوُسٌ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّارَ لَمَّا خُلِقَتْ طَارَتْ أَفْئِدَةُ الْمَلائِكَةِ، فَلَمَّا خُلِقَ آدَمُ سَكَنَتْ. بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] مَعْنَاهُ: هَل من مزِيد فأحتمله، لِأَن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعدها أَن يملأها. 4421 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاس الْحُمَيْدِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، نَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، نَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ الْعَسْقَلانِيُّ، نَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قطّ قطّ وَعِزَّتِكَ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُ فُضُولَ الْجَنَّةِ ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَم، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْن حُمَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْن مُحَمَّد، عَنْ شَيْبَانَ. قَوْله: «يزوى»، أَي: يضم وَيجمع. 4422 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَسَّانٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ، وَسَقَطُهُمْ، وَغِرَّتُهُمْ. قَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي،

وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ، فَلا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ فِيهَا رِجْلَهُ، فَتَقُولُ: قطّ قطّ. فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا ". هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَوْله: «قطّ قطّ»: حَسْبُ. وَقَوْلُهُ: «إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي»، سَمَّى الْجَنَّةَ رَحْمَةً، لأَنَّ بِهَا تَظْهَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ، كَمَا قَالَ: «أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»، وَإِلا فَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي لَمْ يَزَلْ بِهَا مَوْصُوفًا، لَيْسَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صِفَةٌ حَادِثَةٌ، وَلا اسْمٌ حَادِثٌ، فَهُوَ قَدِيمٌ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ جَلَّ جَلالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ. قُلْتُ: والقدم وَالرجلَانِ الْمَذْكُورَان فِي هَذَا الْحَدِيث من صِفَات اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، المنزه عَنِ التكييف والتشبيه، وَكَذَلِكَ كُلّ مَا جَاءَ من هَذَا الْقَبِيل فِي الْكِتَاب أَوِ السّنة كَالْيَدِ، والإصبع، وَالْعين، والمجيء، والإتيان، فالإيمان بِهَا فرض، والامتناع عَنِ الْخَوْض فِيهَا وَاجِب، فالمهتدي من سلك فِيهَا طَرِيق التَّسْلِيم، والخائض فِيهَا زائغ، وَالْمُنكر معطل، والمكيف مشبه، تَعَالَى اللَّه عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ علوا

كَبِيرا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، سُبْحَانَ رَبنَا رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ، وَسَلام عَلَى الْمُرْسلين، وَالْحَمْد لِلَّهِ رب الْعَالمين، وَصلى اللَّه عَلَى سيدنَا مُحَمَّد النَّبِيّ الْأُمِّي وَآله أَجْمَعِينَ.

§1/1