شرح التصريف للثمانيني

الثمانيني

الغرض بالوزن

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم يسر برحمتك قال الشيخ أبو القاسم عمر بن ثابت الثمانينيّ رحمه الله: الكلامُ كلُّه ثلاثة أقسام: اسمٌ، وفعلٌ، وحرفٌ. فالحرف لا يوزن، لأنّ الغرض بالوزن أن يعرف الأصليُّ من الزّائد، والحروفُ لا يُعْرَفُ لها اشتقاقٌ ولا أصلٌ أُخِذَتْ منه فتُرَدُّ إليه؛ فلأجل هذا لم توزن. ألفاتُها كلُّها أصولٌ كألف "ما" و"لا" و"إلّا" و"حتّى" و"أمّا" وما أشبه ذلك، ولا يُحْكَمُ على ألفاتِها بالانقلاب عن ياءٍ ولا واوٍ ولا همزةٍ، ولا بأنّها زائدةٌ للإلحاق أو للتأنيث، لأنّها لا يُعْرَفُ لها اشتقاق. والذي يدخل في الوزن: هي الأسماءُ والأفعالُ، وإنّما دخلتا في الوزن، لأنّه يعرف اشتقاقهما وأصولهما والزيادة عليهما.

والأفعال على ضربين: أصلي وذو زيادة

والذي يوزن به الأسماء والأفعال هو: "الفاء والعين واللام". والأفعال على ضربين: أصليٌّ وذو زيادةٍ، وهو أربعة أبنية: ثلاثةٌ للفاعل وواحدٌ للمفعول، فما كان للفاعل فهو على: "فَعِلَ" و"فَعَلَ" و"فَعُلَ"، فمثال فَعِلَ: "عَلِمَ" و"رَكِبَ"، ومثالُ فَعَلَ "ضَرَبَ" و"أَكَلَ"، ومثالُ فَعُلَ "ظَرُفَ" و"كَرُمَ". فأمّا "فَعُلَ" فهو غير مُتَعَدٍّ إلى مفعول به، وأمّا "فَعَلَ" و"فَعِلَ" ففيهما متعدٍّ وفيهما لازمٌ وقد ذكرنا ذلك في النَّحْو وأمّا ما يختصُّ بالمفعول فهو: "فُعِلَ" نحو: "أُكِلَ" و"ضُرِبَ"، وهذا الذي يختصُّ بالمفعول أوَّلُهُ مضمومٌ في الماضي والمستقبل نحو: "أُكِلَ يُؤْكَلُ" و"ضُرِبَ يُضْرَبُ". ولا يجوز أن يُكْسَرَ أوّلُه إلّا أن يكون ثانيه ياء أو يكون مضاعفًا

نحو: "قيل" وبيع ورِدَّ، وقد قُرِئَ بهما، والإشمام جائز فيما كُسِرَ من هذا النَّوْع وقد قُرِئَ بكلِّ ذلك وإن زاد الماضي على ثلاثة ضُمَّ أوَّلُه في الماضي والمستقبل نحو: "أُكْرِمَ يُكْرَمُ" و"اسْتُخْرِجَ يُسْتَخْرَجُ".

الرباعي يختص به الأصلي دون الزائد

وإذا كان الفعل على أربعة أحرفٍ جاز أن يكون أصولًا كلُّه، وجاز أن يكون ذا زيادة، فإذا كان أصولًا كلُّه قيل له رباعيٌّ وقيل له على أربعة أحرف نحو: "دحرجَ" و"قَرْطَسَ"، و"سَرْهَفَ"، وكلُّ رباعيٍّ فهو على أربعة أحرف، وليس كلّ ما يكون على أربعة أحرف يقال له رباعيّ، لأنّ الرباعيَّ يختصّ به الأصليّ دون الزّائد فهو خاصٌّ لهذا المعنى، وعلى أربعة أحرف يشترك فيه الأصليُّ والزّائد فهو عامّ فيهما. فأمّا ذو الزّيادة من الأربعة فـ"فَعُلَ وفاعَلَ وأفْعَلَ" نحو: "كَسَّرَ"، و"قاتَلَ"، و"أكْرَمَ". وما زاد على الأربعة فلا يكون إلّا بزيادةٍ. وأمّا الخماسيّ فما كان على "افْتَعَلَ" و"انْفَعَلَ" و"افْعَلَّ" نحو "انطلقَ

فأفصح اللغات فيه

واحْتَمَلَ واحْمَرَّ" والسُّداسيُّ نحو: "احمارَّ" و"استخرج" و"اغْدَوْدَنَ" و"اطْمأنَّ" و"اقْشَعَرَّ" وأمثلتُه كثيرة. فأمّا الثلاثيُّ من الأفعال إذا كان الفعل مبنيًا لفاعله فحرفُ مضارعته مفتوحٌ من "فَعُلَ" بغير خلافٍ عن العرب، وإذا كان الماضي على "فَعِلَ" أو في أوَّلِه ألفُ وصلٍ فالعرب تختلف في حرف المضارعة منه، فأفصحُ اللغاتِ فيه الفتحُ نحو "عَلِمَ يَعلمُ" و"اسْتَخْرَجَ يَسْتخرجُ" فهؤلاء يفتحون جميع حروف المضارعة من الهمزة والنون والتّاء والياء فيقولون: أنا "أعلم" وأنت "تعلمُ" ونحن "نَعْلمُ" وهو "يَعْلَمُ" وأنا "أسْتَخْرِجُ" ونحن "نَسْتخرِجُ" وأنت

والمذهب الثاني

"تَسْتخرِجُ" وهو "يَستخرجُ"، وهذه أفصح اللغات، وهو الأصل لجميع اللغات. والمذهب الثاني: نقيض هذا المذهب وهو أن يكسروا جميع حروف المضارعة، وإن كانت الكسرة في الياء ثقيلة فإنّهم يتحمّلونها فيقولون: أنا

والمذهب الثالث

"إِعْلَمُ" ونحن "نِعْلَمُ" وأنتَ "تِعْلَمُ" وهو "يِعْلَمُ" وأنا "إسْتَخْرِجُ" ونحن "نِسْتَخْرِجُ" وهو "يِسْتَخْرِجُ"، وقد قُرِئَ بذلك كُلّه. والمذهب الثالث: قومٌ من العرب يكسرون الهمزة والنون والتاء ويفتحون الياء فيقولون: أنا "إعْلَمُ" ونحن "نِعْلَمُ" وأنت "تِعْلَمُ" وهو "يَعْلَمُ" بفتح الياء، لأنهم يستثقلون الكسرة في الياء. فإذا كان في أوّله واوٌ نحو "وَجِلَ يَوْجَلُ" اختلف أهل الكسر فيه فكان قومٌ يكسرون حروف المضارعة فتنقلب الواو ياء لسكونها

وانكسار ما قبلها فقالوا "يِيجَلُ" و"نِيجَلُ". وقومٌ من العرب يكسرون الهمزة والنون والتاء ويفتحون الياء فيقولون هو "يَوْجَلُ"، وقومٌ ممن يكسرون الهمزة والنون والتاء يقلبون من الواو ألفًا فيقولون هو "ياجَلُ"، وهذا قلب على غير قياس، لأنّ الواو الساكنة لا تقلب ألفًا، وهم يقلبونها مع جميع حروف المضارعة ويفتحون لها ما قبلها فيقولون أنا "آجَلُ" ونحن "ناجَلُ" وأنت "تاجَلُ" وهو "ياجَلُ"، لأنّهم يَفِرُّون من ثقل الواو إلى خفَّة الألف.

وإذا كان الماضي على ثلاثة أحرف فتحوا منه حرف المضارعة نحو: "يَضْرِبُ" و"يَعْلَمُ" لأن الثلاثيَّ خفَّ على ألسنتهم وكثر استعمالهم له فاختاروا له الفتحة، لأنّها أخفُّ الحركات وأكثرها في الاستعمال. فأمّا الذين كسروا حرف المضارعة فإنّهم أرادوا أن يدلّوا على أنّ الفعل الماضيَ مكسورُ العين أو في أوّله همزةٌ فلمّا أرادوا أن يدُلّوا على هذا لم يخلوا أن يكسروا حرف المضارعة أو فاء الفعل أو عينه أو لامه [ولم يجز أن يكسروا لامه] لأنّه حرف الإعراب ولو ألزموها الكسر لبطل أن يدخلها إعرابٌ، ولم يجز أن يكسروا عينه، لأنّ بحركة العين يُفْصَلُ بين الأبنية من "يفْعُلُ" و"يَفْعِلُ" و"يَفْعَلُ"، لو ألزموها الكسر لبطل هذا الفرق، ولم يجز أن يكسروا فاء الفعل لئلا يتوالى في اللفظ أربع حركات ليس بينها حاجز في اللفظ ولا في التقدير، فلم يبق إلّا حرف المضارعة فكسروه. وإذا كان الماضي على أربعة أحرف ضمُّوا حرف المضارعة من مستقبله نحو: "أكرم يُكْرِمُ" و"كَسَّرَ يُكَسِّرُ" و"دَحْرَجَ يُدَحْرِجُ" و"قاتل يُقاتل"، وإنّما اختاروا له الضَّمَّة، لأنّ الفتحة قد غلب عليها الثلاثيُّ فلم يبق له إلّا أن يُضَمَّ

وحكى قوم الضم في الخماسي والسداسي

أو يُكْسَرَ، ولم يجز أن يُكْسَرَ لئلّا يُلْبَسَ بلغة الذين يكسرون حرف المضارعة فخُلِّصت له الضمَّة دون غيرها. فأمّا ما زاد على الأربعة كالخُماسيّ والسُّداسيِّ نحو: "انطلق" و"استخرج" وما كان على وزنهما فإنّهم فتحوا فيهما حرف المضارعة نحو: "يَنطلقُ" و"يَسْتخرج"، وإنّما اختاروا لهما الفتح لأمرين: أحدهما: أنّه قد كثرت حروفهما فلم يجمعوا عليهما كثرة الحروف وثقل الضمّة. والوجه الثاني: أنّ أكثر ما يكون الخماسيُّ والسداسيُّ من الثُّلاثيِّ وقلّما يكون من الرباعيّ فلم يحفلوا بما كان منهما من الرباعيِّ لقلّته، وحملوا الزائد على الأصليِّ فأعطوْه الفتح، لأنّ الثلاثيَّ هو الأصلُ. وحكى قومٌ الضمَّ في الخماسيّ والسُّداسيِّ كأنّهم حملوه على ذوات الأربعة، وهذا شاذٌّ لا يؤخذ بمثله. وأقلُّ ما يكون عليه الفعلُ الثَّلاثةُ وأكثرُ ما تبلغه الزيادةُ السِّتَّة.

فأما الأسماء فالأصول منها ثلاثة أقسام

فأمّا الأسماء فالأصول منها ثلاثة أقسام: ثلاثيّ، ورباعيّ، وخماسيّ، وأكثر ما تبلغه بالزيادة السبعة نحو: "احميرار" و"اطمئنان" وذلك أن غاية الأصل في الأسماء هو الخمسة، وغاية الأصل في الفعل الأربعة فلمّا زاد غاية الاسم في الأصل على غاية الفعل حرفًا جاز في الزيادة غاية الاسم على غاية الفعل، فصار انتهاء الاسم بالزّيادة سبعةٌ وانتهاء الفعل بالزيادة ستّةٌ. وأمّا ما يتركَّبُ من "ف ع ل" من الأسماء والصِّفات بغير خلافٍ فهي عشرةُ أبنيةٍ "فَعْلٌ: كَعْبٌ"، "فَعَلٌ: قلمٌ"، "فَعِلٌ: كَتِفٌ"، "فَعُلٌ: عَضُدٌ"، هذا مع فتح الفاء. "فُعْلٌ: قُفْلٌ"، "فُعُلٌ: طُنُبٌ"، و"فُعَلٌ: نُغَرٌ" هذا مع ضمِّ الفاء. فأمّا "فُعِل" نحو "ضُرِب" و"شُتِم" فهو بناء يختصُّ بالفعل، وقد حكى

الأخفشُ بناء حادي عشر وهو "فُعِلٌ" "دُئِلٌ" وهو اسم دويْبَة، قال الشاعر: جاءوا بجيشٍ لو قيس مَعْرَسُهُ ... ما كان إلّا كمَعْرَسِ الدُئِلِ

وقال قومٌ إنّما سُمِّيت بالفعل يقال "دُئِلَ" في هذا الموضع كما يقال "عُدِيَ" فيه. فأمّا "دُئِلُ" اسم قبيلة أبي الأسود فقال قوم سُمِّيت باسم الدُّوَيْبَةِ، وقال قوم بل سُمِّيَتْ بالفعل. و"فعلٌ: جِذْعُ" و"فِعَلٌ: ضِلَعٌ" و"فِعِلٌ: إبلٌ".

وبقي "فِعُل" وهو بناء ليس في الأسماء ولا في الأفعال فأمّا من قال "ضِئْبُل" و "إِصْبُع" فلا يقاس على لغته. فقد صار بناء الثلاثيِّ عشرة بغير خلاف، والحادي عشر فيه الخلاف، وقد مضى تمثيله. وإنّما كثرت أبنية الثّلاثيّ، لأنّه لما قلّتْ حروفُه كثر استعمالهم له فكثَّروا أبنيته والتصرُّفَ فيه.

فأما الرباعي فله خمسة أبنية

فأمّا الرّباعيُّ فله خمسة أبنيةٍ، لم يختلفوا فيها، ثلاثةٌ بكسر الفاء، وواحدٌ بضمِّها، وواحدٌ بفتحها. فأمّا المكسور الفاء فـ "فِعْلِلٌ" مثاله: "زِبْرِجٌ" و"فِعْلَلٌ" مثاله: "دِرْهَمٌ"، و"فِعَلٌّ" مثاله: "قِمَطْرٌ".

والمفتوح الفاء "فَعْلَلٌ" مثاله "جَعْفَرٌ" والمضمومُ: "فُعْلُل" مثاله "بُرْثُنٌ". وهذه الأمثلة تكون أسماء وتكون صفات. وقد زاد الأخفش بناء سادسًا وهو "فُعْلَلٌ" ومثاله: "جُؤْذَرٌ" و"بُرْقَعٌ". وهذا بناء لم يحكه

فأما الخماسي فهو أربعة أبنية

سيبويه ولا أصحابه وإنّما قلّت أبنية الرباعيّ، لأنّه لما زاد حرفًا على الثلاثيّ خرج عن الاعتدال، لأنّ أعدل الأسماء هو الثلاثيّ فقلّ تصرُّفهم فيما زاد عليه فقلَّلوا أبنيته. فأمّا الخماسيُّ فهو أربعة أبنية بلا خلاف بينهم تكون أسماء وصفاتٍ اثنان بفتح الفاء وواحدٌ بكسرها، وواحد بضمِّها فأمّا المكسور

الفاء: فهو "فِعْلَلٌّ" مثاله "جِرْدَحْلٌ" والمضموم الفاء: "فُعَلِّلٌ" مثاله "قُذَعْمِلٌ" وأمّا المفتوح الفاء فهو "فَعَلَّلٌ" مثاله "سَفَرْجَلٌ" و"فَعْلَلِلٌ" مثاله "جَحْمَرِشٌ" وزاد ابن السّرّاج بناءً خامسًا وهو "فُعْلَلِلٌ" مثاله: "هُنْدَلِعٌ"

فجملة الأبنية المتَّفق عليها في الأسماء تسعة عشر بناءً: عشرة في الثلاثيّ، وخمسةٌ في الرباعيِّ، وأربعة في الخماسيِّ، لأنّهم لمّا قلّ تصرُّفهم في الرُّباعيّ وهو آخِذٌ من الخماسيّ كانوا جُدَراءَ بأن يقلَّ تصرُّفهم في الخماسيّ لطوله وبعده عن الثُّلاثيّ. وأمّا الأبنية الزّائدة فهي ثلاثة: واحد في الثلاثيّ وهو "فُعِلٌ"، وواحد في الرّباعيّ وهو "فُعْلَلٌ" وواحد في الخماسيّ وهو "فُعْلَلِلٌ". فصار جملة الأبنية اثنين وعشرين بناءً، فهذه جملة الأصول. فأمّا سداسيٌّ وسباعيٌّ فإنما يكون بالزّيادة، فإذا لحق شيءٌ من الثّلاثيّ بالرّباعيّ فإنّما يلحق بزيادة حرف واحد، وإذا لحق شيءٌ من الرّباعيّ [بالخماسيّ] فإنّما يلحق بزيادة حرف، فإذا لحق شيء من الثلاثيّ بالخماسيّ فإنّما يلحق بزيادة حرفين، وينبغي أن يعتبر بكلّ واحد من الحرفين في الرباعيّ، فإن وجد له فيه معنًى عُلِم أنّه أُلْحِقَ بالرّباعيّ بذلك الحرف، ثمّ ألحق بالحرف الثاني بالخماسيّ على هذا التدريج، فإن لم يوجد له معنًى بالرباعيّ مع كلّ واحد من الحرفين الزائدين قطع على أنه ألحق بالخماسيّ بزيادة الحرفين في ضربة واحدة.

التصريف في اللغة

وأنا أذكر بعد هذا الفصل -إن شاء الله تعالى - أوّل التصريف، وبالله التوفيق. التصريف في اللغة: إنّما هو الذّهاب والمجيء والحركة والسكون، ومنه قوله تعالى: (وتصريف الرياح) إنّما هو تدبيرها والتصرُّف فيها بأن يُهِبَّها مرة من جهة ومرّة من جهة أخرى، والتصريف في النّحو إنّما هو مُشَبّه بالتصريف في الأفعال. وإذا كان الفعل يتعدّى إلى مفعول واشتققت للمفعول منه فعلاً بالنّفي أو الإثبات لتدلَّ على قبوله التأثير وتأتِّيه فيه، سَمَّيْتَ فعل المفعول مُطاوِعًا لفعل الفاعل، وإذا كان فعل المفعول مطاوِعًا لفعل الفاعل فمصدره مطاوِعٌ لمصدر فعل الفاعل تقول: كسرت القلمَ فانكسر، فـ"انكسر" مُطاوِعٌ لـ "كَسَرْتُ"، و"الانكسارُ" مُطاوِعٌ "للكسرِ"، كذلك تقول قطعتُ الحبلَ فانقطع، فـ"انقطع" مطاوِعٌ لـ"قطعْتُ"، و"الانقطاع" مطاوِعٌ "للقطع"،

والتصريف في النحو والتصرف فيه

وكذلك تقول شويتُ اللحمَ فانشوى واشتوى أي: قبل التّأثير. فـ "اشتوى وانشوى" جميعًا مُطاوعٌ لـ "شَوَيْتُ"، و"الاشتواءُ والانشواءُ" مطاوعٌ "للشَّيِّ"؛ لأنّك تقول: شوى يشوِي شَيًّا، وتقول في المطاوع: انشوى ينشوي انشواءً، واشتوى يشتوي اشتواءً وكذلك تقول: صَرَّفْتُهُ أُصَرِّفهُ تصريفًا، وتقول في مُطاوِعه: تصرَّف يتصرَّف تصرُّفًا، فـ "تصرَّف" مُطاوِعُ "صَرَّفْتُ"، و"التَّصَرُّف" مطاوِع "التَّصْريف"، فهذا معنى قولهم: الأفعال المطاوِعة. والتَّصريف في النحو والتصرفُ فيه: هو أنْ تأتيَ إلى مثال من الحروف الأصول فتشتقَّ منه بزيادة أو بنقصٍ أمثلةً مختلفةً يدلُّ كلّ مثالٍ منها على معنًى لا يدلُّ عليه المثال الآخر. مثال ذلك أن تأتيَ إلى مثال " ض. ر. ب" فإن اشتققت منها فعلًا ماضيًا قلت: "ضرب"، وإن اشتققت منه فعلاً مسْتَقْبَلاً قلت "يَضْرِبُ"، وإن اشْتَقَقْتَ منه أمرًا قلت "اضْرِبْ"، وإن اشتققْتَ منه نهيًا قلت "لا تضربْ"، وإن اشتققت منه مصدرًا قلت "ضَرْبًا" و"مَضْرَبًا"، وإن اشتققت منه اسمًا للزّمان أو للمكان اللّذين يوقَعُ فيهما الفعل قلت: "مَضْرِبًا"، وإن اشتققت منه اسم الفاعل قلت: "ضارِبٌ"، وإن اشتققت منه اسم مفعول قلت: "مَضْرُوبٌ"، وإن اشتققت منه مثالاً ليَدُلَّ على التَّكثير والتَّكْرير قلت: "ضَرَّبَ"، وإن اشتققت منه مثالاً للمفعول الذي لم يُذْكَرْ فاعلُه قلت: "ضُرِبَ" فإن اشتققت منه مثالاً ليدلَّ على استدعائه

والتصريف ينقسم ثلاثة أقسام

الفعل قلت: "استضْرَبَ" وإن أردت أنّه فَعَلَ من الضَّرْب مثل ما فُعِلَ به على جهة المقابلة قلت: "ضاربَ زيدٌ عمرًا" فإن أردت أنّه فعل الضَّرْب في نفسه مع اختلاجٍ وحركة قلت: "اضطرب". فقد رأيت كيف تصرَّفْتَ في المثال الواحد بأن اشتققت منه هذه الأمثلة الكثيرة ودللت بكلِّ بناءٍ منها على معنًى لا يدلّ عليه الآخر. فهذا هو التصريف في الكلام والتصرُّف فيه وسنبيِّن بعد هذا الفصل - إن شاء الله - الأصول من الزَّوائد. والتَّصريف ينقسم ثلاثة أقسام وهي: الزّيادة والنَّقْصُ والبَدَلُ. فأمّا الزيادة فتكون شيئين: إمّا زيادةُ حرف أو زيادة حركة فإذا قلت: "ضارِبٌ" فقد زدت حرفًا على الأصل وهو الألف، وإذا قلت "مُكْرِمٌ" فقد زدت حرفًا على الأصل وهو الميم، وإذا قلت "مَضْرُوبٌ" فقد زدت حرفين على الأصل وهما الميم والواو. فأمّا زيادة الحركة فكلّ ساكنٍ حرّكته فقد زدت فيه حركةً لم تكن في أصله تقول في "نَهْرٍ": "نَهَرٌ"، وفي "شَمْعٍ" "شَمَعٌ"، وفي "صَخْرٍ"

"صَخَرٌ"، فقد رأيت الأوسط زدت عليه حركة بعد أن كان ساكنًا، وقد قالوا في "رَكّ" "رَكَكٌ"، وهو اسم مكانٍ وقد جاء

في شعر زهير: ... ... .... ماءٌ بشرقيِّ سلمى فَيْدٌ أو رَكَكُ فأمّا النقصُ فهو نقص حرف أو حركة، فمثال ما نقص منه حرف

قولك: "قاضٍ ومُعْطٍ" سقطت الياء لسكونها وسكون التنوين، وكذلك إذا قلت لم "يبع" ولم "يَقُلْ" ولم "يَخَفْ" و"قُلْ" و"بِعْ" و"خَفْ" أسقطت الياء من يبيعْ والواو من يقولْ والألف من يخافْ، لسكونها وسكون ما بعدها، وكذلك إذا قلت: "ارْمِ" و"ادْعُ" و"اسْعَ" حذفت الياء والواو والألف للوقف، وكذلك إذا قلت: لم "يَرْمِ" ولم "يَسْعَ" ولم "يَدْعُ" حذفتها للجزم، وإذا قلت: "مَقولٌ" و"مَبِيعٌ" فقد حذفت الياء من مَبيعٍ والواو من مَقولٍ لالتقاء الساكنين فهو في نِيّة الإثبات.

وأمّا ما نقص منه الحركة فقولك في "فَخِذٍ": "فَخْذٌ"، وفي "كَبِدٍ": "كَبْدٌ"، وفي "عَضُدٍ": "عَضْدٌ"، وفي "كَتِفٍ": "كَتْفٌ" فقد رأيت كيف نقصت الحركة من وسط الكلمة. والإدغام من هذا الفصل، وهو أن يلتقي الحرفان المثلان أو المتقاربان من كلمة واحدة، أو من كلمتين فيثقلا على اللسان، فإن كانا مثلين أُسْقِطَتْ حركة الأوّل وأُدْغِمَ في الثّاني، تقول في "يَمْدُدُ": "يَمُدُّ"، وفي "يَعْضَضُ": "يَعَضُّ"، وفي "يَفْرِرُ": "يَفِرُّ"، وفي "عَضِضَ": "عَضَّ"، وفي "مَدَدَ": "مَدَّ"، وفي "شَمِمَ": "شَمَّ"، وفي "فَعَلَ لبيدٌ": "فَعَلَّبيدٌ". وأمّا المتقاربان فهو أن تقلب الأوّل إلى جنس الثاني ثم تدغمه

فيه كقوله تعالى: (وإن تعجب فَّعجبٌ) (ومن لم يتب فأولئك) فإذا أردت الإدغام قلبت الباء فاءً، وأدغمت الفاء في الفاء، لأنّه لا يصحّ إلّا إدغام مثل في مثل، فلأجل هذا قلبت الأوّل إلى جنس الثاني فقلت: "وإن تعجفَّعجب" و"من لم يتُفَّأُولئك". والقلب في الإدغام قياسٌ مُطَّرِدٌ لا ينكسر، ونذكر أحكامه ممّا يتعلَّقُ بالتَّصريف. فأمّا القلب الذي يكون على غير قياسٍ فقول الشاعر: لها أشاريرُ من لحم تُتَمِّرُه ... من الثّعالي ووخزٌ من أرانيها

أراد من الثّعالب ومن أرانبها فقلب من الباء ياء ليستقيم له الوزن، وقال الآخر: ولِضَفا ذي جَمِّهِ نقانِقُ أراد لضفادع فقلب من العين ياءً ليستقيم وزن البيت. وقالوا: "تَضَنَّيْتُ" في تَضَنَّنْتُ فقلبوا من النون ياءً، وقالوا: "تَقَصَّيْتُ" أظفاري وهو تقصَّصْتُ فقلبوا من الصاد ياء، وقال الشاعر: تقضِّيَ البازي إذا البازي كَسَرْ

الكلام في الأصلي والزائد

أراد تَقَضُّضَ فقلب من الضّاد ياء، وقال الله تعالى: (إلاّ مُكاءً وتصديةً) أراد وتصْدِدَةَ فقلب من الدّال الأخيرة ياء، وقال تعالى: (ثم ذهب إلى أهله يتمطّى) أراد يتمطَّط فقلب من الطّاء الأخيرة ياء، وقال تعالى: (وقد خاب من دسّاها) أراد من دَسَّسَها فقلب من السين الأخيرة ياء. وهذا كله قلبٌ على غير قياس، وإنّما هو طلب للتخفيف. الكلام في الأصلي والزائد اعلم أن الأصليَّ عبارة عن الحروف التي تلزم الكلمة في جميع تصريفاتها، ولا يجوز سقوط شيء منها إلّا لعلّة توجب ذلك، وهو إذا سقط في اللفظ مقدَّر في النّية نحو: استخرج يستخرج استخراجًا وهو مُسْتَخْرٍجٌ. فحروفه: "خ ر ج"، لأنّها لازمة للفعل في جميع مُتَصرّفاته، وكذلك: اسْتَضْرَبَ إنّما حروفه: "ض ر ب"

فأمّا الزّيادة فهي على ضربين: زيادة تكون بتكرير بعض حروف الأصل، وزيادة تكون بحروف ليست من أصل الكلمة. فأمّا الزيادة التي تكون بتكرير حروف الأصل فيقال لها: الزّيادة من موضعها، والزّيادة التي تكون من غير أصل الكلمة يقال له: زائدٌ ليس من أصل الكلمة. والزّيادة التي تكون من موضعها تنقسم أربعة أقسام: قسم يكون بتكرير العين فقط نحو "سَلَّمَ" وزنه "فَعَّلَ"، و"كَذَّبَ" وزنه "فَعَّل"، وأكثر ما تتكرّر العين مرّتين، فأمّا قولهم: "كُذُّبْذُبٌ" للكثير الكذب فوزنه: "فُعُّلْعُلٌ" فقد تكرّرت العين فيه ثلاث مرّات، لأنّ الذال هي العين، وتكرّرت اللّام مرّتين وهي الباء قد فصلت بين العين الثّانية والثّالثة.

والقسم الثاني: تتكرّر اللّام فيه فقط فيكون: "فَعْلَلَ" نحو: "جَلْبَبَ" "يُجَلْبِبُ"، و"ضَرْبَب" "يُضَرْبِبُ"، فالباء هي اللام وقد تكرّرت مرّتين لمّا ألحقوه ببناء: "دحرجَ"، وقالوا في اسم المرأة: "مَهْدَدُ" لمّا ألحقوه ببناء جَعْفَرٍ، وقد تتكرّر اللّامُ ثلاث مرّاتٍ قالوا: "سَفَرْجَلٌ" وزنه "فَعَلَّلٌ". واعلم أنّ العين إذا تكرّرت فلا تكون إلاّ من جنس واحد نحو: "كَسَّرَ" و"قَطَّعَ"، واللاّمُ قد تكون من جنس واحد نحو: "ضَرْبَبَ" و"جَلْبَبَ"، وقد تختلف اللاّم نحو الفاء والرّاء من: جَعْفَرٍ، لأنّهما لامان وهما مختلفان. والقسم الثالث: أن تتكرَّر العين واللّامُ نحو

"صَمَحْمَح" وزنه "فَعَلْعَلٌ"، وكذلك "دَمَكْمَكٌ" و"بَرَهْرَهٌ" وزنه "فَعَلْعَلٌ"، وكذلك "جَلَعْلَعٌ" وزنه "فَعَلْعَلٌ"، وكذلك "كُذُبْذُبٌ" وزنه "فُعُلْعُلٌ" والقسم الرابع: أن تتكرّر فيه الفاء والعين، وهذا أقلّ الأقسام، لم يجئ إلاّ في حرفين قالوا:

"مَرْمَريسٌ" و"مَرْمَريتٌ" وزنهما "فَعْفَعيلٌ" ولا يجوز أن تتكرّر الفاء وحدها كما تكرّرت العين وحدها واللّام وحدها. وهذه الزّيادة التي من موضعها تُوزن بالفاء والعين واللّام، كما يوزن الأصل بها، فإنّما اختاروا هذه الحروف الثلاثة لوزن الأصل، لأنّهم لم يمكن أن يجمعوا الحروف كلّها فاختاروا لها ثلاثة أحرف من ثلاث مراتب: حرف من الشّفة، وحرف من الفم، وحرف من الحلق، فاختاروا الفاء، لأنّها من أطراف الأسنان العليا، وباطن الشَّفة السّفلى، واختاروا العين من حروف الحلق، واللّام من حروف الفم، فتمّ لهم الوزن بهذه الحروف الثلاثة ونابت عن جميع حروف المعجم. فأمّا الزّيادة بالحروف التي ليست من الأصل فهي عشرة أحرف جمعها النحويُّون في كلمة وجمعها بعضهم في كلمتين ليقرب حفظها قال بعضهم: "سألتمونيها"، وقال بعضهم: "اسْتَمْلُونيها"، وقال بعضهم: "يا أوسُ هل

نمت"، وقال بعضهم: "هَويتُ السِّمانَ" وحُكِيَ أنّ أبا العبّاس المُبَرِّد سأل أبا عثمان المازنيَّ فقال له: كيف تجمع حروف الزيادة؟ فأنشده: هويتُ السِّمان فشيَّبْنَني ... وما كنت قِدْمًا هويتُ السِّمانا

وإنما يعرف كونها زائدة بطرق تعتبر بها

فقال له: الجواب رحمك الله؟ قال له المازنيُّ: قد أجبتك مرّتين. يريد قوله: (هويتُ السِّمانَ) وهذه الأحرف إنّما قيل لها: حروف الزيادة، لأنّ الزيادة إذا لم تكن من موضعها فلا تكون إلّا من هذه العشرة، وليس تكون هذه العشرة زائدة في كل مكان بل قد تكون أصولاً؛ ألا ترى أنّ "هوى" الهاء والواو والألف من حروف الزيادة، وهي هاهنا أصولٌ ليس فيها شيء زائد. وإنّما يعرف كونها زائدة بطرق تعتبر بها، فإذا اعتبرت بها عُلِم كونها زائدة من كونها أصلاً، والفرق بين الأصليّ والزّائد أنّك تزن الأصليَّ بالفاء والعين واللام في التكرير وغير التكرير، وتخرج الزائد بلفظه لا تقابل به فاء ولا عينًا ولا لامًا تقول: "ضَرَبَ" وزنُه فَعَلَ"، و"يَضْرِبُ" وزنه "يَفْعِلُ"، تخرج الياء بلفظها، وتقول: "ضارِبٌ" وزنه فاعِلٌ فتخرج الألف بلفظها، وتقول "مضروبٌ" وزنه مفعولٌ تخرج الميم والواو بلفظهما وتقول "مُكْرِمٌ" وزنه مُفْعِلٌ تخرج الميم بلفظها وتقول "استخرج" اسْتَفْعَلَ تُخرج الألف والسين والتاء بلفظها، وتقول "إصْلِيتٌ" وزنه إفْعيلٌ تخرج الهمزة

والياء بلفظهما، وتقول "عَجُوزٌ" وزنه فَعُولٌ تُخرج الواو بلفظها و"قَضيبٌ" وزنه فَعِيلٌ تخرج الياء بلفظها و"حِمارٌ" وزنه فِعالٌ تخرج الألف بلفظها، و"زُرْقُمٌ" وزنه فُعْلُمٌ فتخرج الميم بلفظها، فبهذا الاعتبار الذي أريْتُكَ تَزِنُ الأصليَّ والزائد. فأمّا الطُّرُق التي يُعْرَفُ بها الأصليُّ من الزائد فثلاث: أوّلها: - الاشتقاق. وثانيها: - عدم النّظير. وثالثها: - كثرة زيادة الحرف في ذلك الموضع المخصوص. ورُبّما انفرد واحدٌ من هذه الطُّرق بالحرف، ورُبّما اشترك فيه طريقان، وقَلّما اجتمع فيه الثّلاثة. مثال ما اجتمع فيه الاشتقاق والكثرة: الهمزة في "أحمدَ" و"أدْكَنَ"، و"أسْوَدَ"، و"أحْمَرَ"، و"أصْفَرَ"، و"أخْضَرَ"، الهمزة زائدةٌ من وجهين: أحدهما: الاشتقاق، وذلك أنّ "حَمْدًا" ليس فيه همزة، وكذلك "حُمْرٌ" و"صُفْرٌ" و"خُضْرٌ" و"دُكْنَةٌ" و"سَوادٌ" و"بَياضٌ" ليس في أوّله همزة فعلمت بهذا الاشتقاق أنّ الهمزة زائدة، وكلُّ حرف سقط من الكلمة عند اشتقاقك

منها بناءً من الأبنية فذلك الحرف زائد، وأيضا فإنّ الكلمة إذا كانت على أربعة أحرف وأوّلها همزة وبعدها ثلاثة أحرف أصولٍ قطعت على أنّ الهمزة زائدة فهذا طريق الكثرة، وكذلك "مُكْرِمٌ" و"مُحْسِنٌ" الميم زائدةٌ؛ لأنّها أوّلُ وبعدها ثلاثة أحرف أصول، فهذا يدلّ على زيادتها، فأمّا "أفْكَل" – وهو اسم الرِّعْدةِ- فلا نعرف له اشتقاقًا، ولكن نقطع على زيادة الهمزة لكونها أوّلاً وبعدها ثلاثة أحرف أصولٍ وهذا موضع كثرة زيادتها، فوزن "أحْمَدَ وأحْمَرَ وأفْكَلَ": "أفْعَلُ"، ووزن "مُكْرِمٍ ومُحْسِنٍ": "مُفْعِلٌ". فأمّا "جَحَنْفَلٌ" فوزنه فَعَنْلَلٌ من وجهين: أحدهما أنّها ثالثة ساكنة ومتى كانت ثالثة ساكنة قطع على زيادتها بكثرة ما قد اعتبر ذلك فيها فوُجِد كذلك، وكذلك "عَصَنْصَرٌ" و"عَقَنْقَلٌ" فإن شئت اشتققته فقلت: عَصَنْصَرٌ من العصر، وعَقَنْقَلٌ من العقل فوزنهما "فَعَنْعَلٌ"، و"جَحَنْفَلٌ"

من الجَحْفَلَة والجَحْفَلِ فأما "إخْريطٌ" فالهمزة والياء زائدتان ووزنه: "إفْعيلٌ"، لأنّ الهمزة أوّل وبعدها ثلاثة أصول، والياء زائدة؛ لأنّه إذا كان معه ثلاثة أحرف أصول وليست مكرّرة فهي زائدة. وكذلك "عجوزٌ" وزنه فَعُولٌ تعرف زيادة الواو من الاشتقاق، لأنّه من العجز، وأيضًا فإنّها ثالثة وقد كثرت زيادة الواو ثالثة ساكنة، وأيضًا فإنّها إذا سلم معها ثلاثة أحرف أصول وليست مكرّرة قُطِعَ على زيادتها. وكذلك "قَضيبٌ" يُقْطَعُ على زيادة الياء، لأنّها ثالثة، وإن شئت اشتققته من القَضْب فعلمت بسقوطها أنّها زائدة. فأمّا: "عَنْبسٌ". فوزنه "فَنْعَلٌ" فالنُّون زائدةٌ وإنّما زيادتها من الاشتقاق، لأنّه من العبوس ولولا الاشتقاق لما حُكِم بزيادتها. وأمّا ما يُعْلَمُ كونه زائدًا بعدم النّظير فقولهم: "نَرْجِسٌ"، لأنّه لا يخلو أن

يكون "نَفْعِلا"، أو "فَعْلِلا" وليس في الأصول مثال "جَعْفَرٍ"، وإذا فُقِد نظيرُه قُطع على أنّه "نَفْعِلٌ" فعُلِم بهذا زيادة النّون، وأمّا من قال: "نِرْجِسٌ" فالنُّون أيضا زائدة عنده، وإن كان على وزن "زِبْرِجٍ" و"خِمْخِمٍ"، لأنّ المثالين لمُسَمًّى واحد، ومحالٌ أن يكون الحرف في أحد المثالين زائدًا وفي الآخر أصليًّا وهما لِمُسَمًّى واحد، بل لو اختلف المُسَمَّى لجاز ذلك فيه. وكذلك: "تَرْتُب" التّاء في أوّله زائدةٌ ووزنه "تَفْعُل"، ولا يخلو أن يكون "تَفْعُلاً"، أو فَعْلُلاً وليس في الكلام مثال جَعْفَرٍ فثبت أنّه تَفْعُلٌ فقطع بهذا على زيادة التّاء، وأمّا من قال "تُرْتُبٌ" فالتّاء أيضًا زائدةٌ وإن كان على وزنه "تُرْتُمٌ" و"بُرْثُنٌ" وهما فُعْلُلٌ، لأنّ المثالين لمعنًى واحد، ومحالٌ أن يكون الحرف في أحدهما أصلاً، وفي الآخر زائدًا، وكذلك من قال "تُرْتَبٌ"، لأنّ عند سيبويه ليس في الكلام فُعْلَلٌ فثبت أنّه "تُفْعَلٌ"،

فعُلِمَ زيادة التّاء، ويلزم الأخفش أن يقول: إنّها في "تَرْتُبٍ" زائدة وإن كان عنده في الكلام فُعْلَل كـ"جُؤْذَرٍ" لأنّها قد ثبت زيادتها في "تَرْتُبٍ" والأبنية كلُّها لمعنًى واحد، فمحالٌ أن يكون الحرف في أحد الأمثلة أصلاً، وفي الباقي زائدًا، وأيضًا فإنّك تعلم زيادة التّاء بالاشتقاق، لأنّه مشتقٌّ من الشَّيء الرّاتب، والرّاتب ليس في أوّله تاءٌ. فأمّا "قَرَنْفُلٌ" فالنُّون فيه زائدةٌ، ووزنه "فَعَنْلُلٌ"، فإن شئت قطعت على زيادة النّون لكونها ثالثة ساكنة، وهذا موضع تكثر فيه زيادة النّون، كما تكثر فيه زيادة الياء، والواو، والألف كـ"سَمَيْدَعٍ" و"فَدَوْكَسٍ" و"عُذافِرٍ" و"جُوالِقٍ" وإن شئت قلت لا يخلو "قَرَنْفُلٌ" من أن يكون على وزن "فَعَنْلُل" أو "فَعَلُّلٍ"، و"فَعَلُّلٌ" ليس في الكلام، لأنه ليس مثل

"سَفَرْجُلٍ"، فإذا عدم النظير قطع على أنه "فَعَنْلُلٌ" فعلم بهذا زيادة النون، فإن قيل: وليس في الكلام مثال "فَعَنْلُلٍ". قيل له: إذا ثبت أن النون زائدة ثبت أنه فرع، ولا يستنكر في الفرع أن يجيء على مخالفة بناء الأصول. واعلم أن الزائد قد يكون قبل الفاء [وقد يكون بين الفاء] والعين وقد يكون بين العينين إذا كانت العين مكررة، وقد يكون بين العين واللام، وقد يكون بين اللامين إذا كانت اللام مكررة، وقد يكون بعد اللام. فمثال وقوع الزائد قبل الفاء قولهم "أفْكَلُ" و"أحْمَرُ" و"أخْضَرُ" فالهمزة في جميع هذا زائدةٌ ووزنه "أفْعَلُ" فقد وقعت الزيادة قبل الفاء، وكذلك "مُكْرِمٌ" و"مُحْسِنٌ" وزنه "مُفْعِلٌ" فالميم قد وقعت قبل الفاء، و"عَنْبَسٌ" وزنه "فَنْعَلٌ" فالنُّون زائدة وقد وقعت بين الفاء والعين، و"جَحَنْفَلٌ" وزنه "فَعَنْلَلٌ" فالنُّون زائدةٌ وقعت بين العين واللّام، و"اغْدَوْدَنَ" وزنه "افْعَوْعَلَ" فالواو زائدةٌ وقد وقعت بين العينين، و"شِمْلالٌ" و"زِلْزالٌ" وزنه "فِعْلالٌ" فالألف زائدةٌ وقد وقعت بين اللّامين، و"زُرْقُمٌ" وزنه "فُعْلُمٌ" فالميم زائدة وقد وقعت بعد اللّام، و"سَكْرانُ" و"عَطْشانُ" وزنه "فَعْلانُ" فالألف والنّون زائدتان وقد وقعتا بعد اللاَّم و"حمراءُ" و"صفراءُ" وزنه فَعْلاءُ فالألف والهمزة زائدتان وقد وقعتا بعد اللاّم. ولا يجوز أن تقع في أوّل الاسم زيادتان إلاّ في الأسماء الجارية على

أفعالها نحو "مُنْطَلِقٍ" وزنه "مُنْفَعِلٌ"، لأنّه من الطَّلْقِ، و"مُنْشَوٍ" وزنه "مُنْفَعِلٌ" لأنّه من شويْتُ، و"مُنْطَوٍ" وزنه "مُنْفَعِلٌ" لأنّه من طَوَيْتُ. وعلى ما رتَّبْتُ لك تكون الزّيادات. فأمّا الياءُ، والواو، والألف فإنّهنّ أكثر الحروف زيادةً، لأنّ الكلمة لا تخلو من واحدة منهنّ أو من بعضهنّ؛ لأنّ الفتحة بعض الألف وبعضُ المتقدّمين يُسمِّيها ألفًا صغيرةً والكسرةُ بعضُ الياء وبعضُ العلماء يُسَمِّيها ياءً صغيرة، والضمَّةُ بعض الواو وبعضهم يُسَمِّيها واوًا صغيرة، فلمّا كانت الكلمة لا تخلو من هذه الحروف أو من بعضها قويت في الزّيادة، فرُبّما زيد الحرف منها وحده، وربّما زيد مع غيره، إلّا أنّها تُزادُ في مواضع مخصوصة.

فأمّا الألف فلا يمكن زيادتها في أوّل الكلمة، لأنّها ساكنة والسّاكن لا يمكن الابتداء به، لكنّها تزاد ثانية في نحو: "ضارِبٍ"، وثالثة في نحو "جَناجٍ"، ورابعة في نحو: "حُبْلى"، وخامسة في نحو: "دَلَنْظَى"، وسادسة في نحو: "قَبَعْثَرى" و"لُغَّيْزى" فهذا أكثر ما تزاده الألف. فأمّا الياء فتُزادُ أوّلاً في نحو: "يَضْرِبُ"، وثانية في نحو: "صَيْرَفٍ"، وثالثة في نحو "قَضِيبٍ" و"جَرِيبٍ"، ورابعة في نحو: "دِهْليزٍ"، و"قِنْديلٍ"، وخامسة في نحو: "سُلَحْفِيَةٍ"، وهذا غاية زيادتها. فأمّا الواو فإنّها لا تزاد أوّلاً لأمرين: أحدهما: أنّها لو زيدت أوَّلاً لكانت مُعَرَّضةً لدخول واو العطف عليها،

ولو دخلت عليها لاجتمع واوان فجاء في اللفظ "وَوْ" فأشبه نباح الكلب، فلما سَمُجَ هذا في السَّمْع استقبحوه في اللفظ فلم يزيدوها لما يُؤدِّي إليه من هذا القبح الذي ذكرته. وقال بعض النحويّين لو زيدت الواو أوَّلاً لم يخْلُ أن تزاد في أوّل اسمٍ، أو أوّل فعلٍ، ولو زيدت في أوّل الاسم، والاسم مُعَرَّضٌ للتَّصْغير فكانت تنضمُّ إلى التَّصغير، وإذا انضمّت اطَّرد قلبُها همزة، وإذا هُمِزَتْ جاز أن يعرِضَ فيها لَبْسٌ هل هي واوٌ همزت؟ أو هي همزة. ولو زيدت في أوّل فعل والفعل مُعَرَّضٌ للبناء لما لم يُسَمَّ فاعله فكانت تنضمُّ إذا بُنِيَ الفعلُ للمفعول ويَطَّرِدُ همزُها للزوم ضمِّها فكان يعرضُ فيها اللَّبْسُ هل هي واوٌ هُمِزَتْ؟ أو هي همزة. فلمّا كان مُؤَدَّى زيادتها أوّلاً إلى هذا اللّبس امتنعوا منه؛ لأنّ العرب لا تَقْرَبُ باب لَبْسٍ. ولكنّهم قد زادوها ثانيةً في نحو: "كَوْثَرٍ" و"جَوْهَرٍ"، وثالثة في نحو:

"عَجُوزٍ" و"عَتودٍ" و"عَمودٍ" ورابعة في نحو: "زُنْبورٍ" و"بُهْلولٍ" و"صُنْدوقٍ"، وخامسة في نحو: "قَمَحْدُوَةٍ" و"قَلَنْسُوَةٍ". وإنّما فُضِّلت الألف على الياء والواو فزيدت سادسة، لأنّها أقعد في المدّ وأكثر في الاستعمال، وأخفّ في اللّفظ. وجملة الأمل في زيادة هذه الحروف الثلاثة أنّ كل واحدة منها إذا حصلت في المواضع التي ذكرتها من الكلمة، والكلمة بها تتمُّ أربعة أحرف، ولم يكن في الكلمة تكرير في الياء أو الواو أو الألف، كان ما عداها من الحروف أصليًّا قُطِع بزيادتها عُرِف الاشتقاق أو لم يُعْرَفْ، فإن لم يُعْرَف

اشتقاق الكلمة حُمِل ما جُهِل على ما عُرِف من الكثرة، وإن عُرِف الاشتقاقُ كان طريقًا ثانية في كونها زائدةً. وإنّما قلت التّكرير، لأنّ الواو والياء إذا تكرّرت في الأربعة كانت أصلاً في نحو: "وَحْوَحَةٍ" و"وَزْوَزَةٍ" و"صِيصِيَةٍ" ألا ترى أنّ الياء في "صَيْرَفٍ" زائدة، لأنّ معها ثلاثة أصول، ولأنّه مشتقٌّ من الصَّرْف، والواو في "جَوْهَرٍ" و"كَوْثَرٍ" زائدة، لأنّ معها ثلاثة أصول، ولأنّه مشتقٌّ من الجهر والكثرة، وكذلك الياء في "كَثيرٍ" قال الشاعر: وأنتَ كثيرٌ يابنَ مروانَ طيِّبٌ ... وكان أبوك ابن العقائلِ كَوثرا

أي: كثير العطاء، وكذلك الألف في "كاثر" زائدةٌ قال الأعشى: ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنّما العزّة للكاثر فالألف في كاثرٍ والهمزة في أكثر زائدة، لأنّهما من الكثرة، والواو والميم في مَكْثورٍ زائدتان، لأنّهما من الكثرة.

الهمزة متى كانت الهمزة أوّلاً وبعدها أربعة أحرف أصول قطع على كونها أصلاً في الكلمة نحو قولهم: "إصْطَبْلٌ" الهمزة فاء الكلمة فهو مثل "جِرْدَحْلٍ" وكذلك قولهم "إرْدَخْلٌ" للبَنّاءِ وزنهُ "فِعْلَلٌّ" ولهذا قال المحقِّقون من النحويين إن الهمزة في "إبراهيم" و"إسماعيل" و"إسرائيل" أصلٌ، لأنّ بعد الهمزة أربعة أحرف أصولاً. فإذا كانت الهمزة أوّل كلمة وبعدها ثلاثة أحرف أصول قطع على زيادة الهمزة نحو "أحمر" و"أصفر" و"أدكن" و"أبيض"، و"أحمد"، و"أكرم"، و"أدْخَلَ"، و"أخْرَجَ" و"أحْسَنَ"، و"أنْعَمَ". سواء كانت الكلمة

وصفًا أو اسمًا أو فعلاً وقد مثَّلْتُ بكلِّ هذا، ووزن الكلمة: "أفْعَل". وقد تزاد الهمزة في أوّل الكلمة، وتزاد غيرها في حشو الكلمة فمن ذلك "إغْرِيضٌ" و"إخْريطٌ" و"إجْفيلٌ" و"إبريقٌ" و"إسْليحٌ" الهمزة في كلِّ هذا زائدة، ووزن الكلمة "إفْعيلٌ"، لأنّ بعد الهمزة ثلاثة أحرف أصولاً، وكذلك الياء زائدة، لأنّ معها في الكلمة ثلاثة أحرف أصولاً، وكذلك: "إزْمولٌ" و"إزْمولةٌ" وزنه "إفْعُولَةٌ" فالهمزة في أوّله زائدة، لأنّ بعدها ثلاثة أحرف أصولاً، وكذلك الواو فيه زائدة، لأنّه قد سَلِمَ معها ثلاثة أحرف أصول. واعلم أنّ الهمزة قد اطّردت زيادتها في أوّل الكلمة على ما قد أرَيْتُكَ، وقد اطَّرد زيادتها في آخر الكلمة للتّأنيث في الآحاد، والجموع، إلاّ أنّها إذا زيدت للتّأنيث لا بُدّ أن يكون معها غيرها. وهذا الذي يقوله النّحويّون: (زيدت للتّأنيث" فيه مُسامحةٌ في العبارة، وإنّما حقيقتها أنّهم حَرَّكوا ألف التأنيث فانقلبت همزة وذلك نحو:

"حَمْراء" و"صَفراءَ" و"عُشَراءَ"، ووزن حمراء وصفراء: "فَعْلاءُ"، ووزن صحراء: "فَعْلاء"، ووزن "خُنْفُساء": "فُعْلُلاء"، ووزن "عُشَراء": "فُعَلاء"، ووزن "عاشوراء": "فاعولاء"، ووزن "حَرُوراء": "فَعُولاء"، و"ضَهْياءُ": ووزنها "فَعْلاء"، وقد قالوا في معناها [ضَهْيَأةٌ] وقد قالوا في جمعها: "ضُهْيٌ" كما قالوا في جمع "حَمْراء": "حُمْرٌ"، وإسقاط الهمزة من الاشتقاق يدلّ على كونها زائدة. فأمّا "أُبْلُم" فوزنه "أُفْعُل" فالهمزة زائدة، لأنّ بعدها ثلاثة أحرف أصولاً، و"إصْبع" وزنه "إفْعل" فأمّا زيادتها في الجمع فقولهم: "أنبياءُ" و"أصدقاءُ" و"أخْمِساءُ" و"أرْبعاءُ" وزنه "أفْعِلاء"، فالهمزة في أوائل هذه الكلمات زائدة، والهمزة في آخرها زائدة، لأنّها للتّأنيث وقبلها ألف زائدة.

فأمّا الهمزة فلا تزاد حشوًا إلّا لثبتٍ. فأمّا "زِئْبُرٌ" و"ضِئْبُلٌ" فوزن "زِئْبُر" "فِعْلُلٌ"، ووزن "ضِئْبُلٍ" "فِعْلُلٌ"، وكذلك قولهم: "بَرْأل" الدِّيكُ إذا نشر بُرائله، وهو ما يجتمع في عنقه، ووزنه "فَعْلَلَ"، ووزن "بُرائِل" "فُعالِلٌ". فأمّا قولهم للجمل الشّديد: "جُرائِضٌ" فوزنه: "فُعائِلٌ"، وإنّما عُلِمَ زيادة الهمزة هاهنا لقولهم في معناه "جِرْواضٌ"، ووزن جِرْواضٍ: "فِعْوالٌ"، وقولهم "حُطائِطٌ" وزنه "فُعائِلٌ" فالهمزة زائدة، لأنّه مشتقٌّ من الشيء المحطوط، فأمّا قولهم للجاثوم والكابوس: "نِئْدُلان" فوزنه "فِئْعُلان"؛ وإنّما عُلِم كون الهمزة زائدة لقول الشاعر:

يُلْقى عليه النَّيْدَلانُ باللَّيْل ووزن "النَّيْدَلان" "فَيْعَلان". وأمّا قولهم في اسم الرّيح "شَامَل" فوزنه "فَاعَلٌ"؛ وقالوا في معناه شمالٌ ووزنه فَعالٌ، فلو خُلِّينا والظّاهر لجعلنا الهمزة أصلاً، لقلّة زيادتها حشوًا في الكلمة ولكنّهم اشتقّوا من الكلمة ما أسقطوا منه الهمزة فقالوا: شَمَلَت الرِّيح تَشْمُل شُمُولاً. وقد ذكرنا من زيادة الهمزة ما يُسْتَدَلُّ به على غيره. فأمّا قولهم: "إمَّعٌ" و"إمَّعةٌ" فلا يخلو أن يكون وزنه "إفْعَلاً"، أو "فِعَّلاً" ولا يجوز أن يكون "إفْعَلاً"، لأنّ "إمَّعًا" صفة، وليس في الصفات "إفْعَلٌ"،

الميم

وإنّما "إِفْعَلٌ" يختصُّ الأسماء كقولهم: "إشْفى" وإذا بَطُلَ أن يكون "إفْعَلاً" فهو "فِعَّلٌ" على وزن "دِنَّبٌ". الميم فأمّا الميم فهي إذا كانت أوَّلاً وبعدها أربعة أحرف أصول فهي أصل نحو قولهم: "مَرْزَحوشٌ" على وزن "عَضْرَفوطٍ" ووزنه "فَعْلَلُولٌ"، لأنّ الميم تجري مجرى الهمزة. وإذا كانت الميم أوّل كلمة وبعدها ثلاثة أحرف أصول فهي زائدة نحو: "مُكْرِمٍ" و"مُجْمِلٍ" و"محسن" و"مَدْخَلٍ" و"مَخْرَجٍ" و"مَضْرَبٍ" وقد زيدت الميم في أوّل ذوات الأربعة زيادة مطّردة، وهو مقيسٌ على ما أرَيْتُك. وقد زيدت حشوًا وقد زيدت آخرًا، وهذان شاذّان ليسا مقيسين،

وزيادتها أوّلاً أكثرُ من زيادتها آخِرًا وزيادتها آخرًا أكثر من زيادتها حشوًا، ومثال زيادتها آخِرًا: "زُرْقُمٌ" للأزرق، و"سُتْهُمٌ" للعظيم الاسْتِ، و"فُسْحُمٌ" للشيء المُنْفَسِحِ، ووزن هذا كلّه: "فُعْلُمٌ"، وقالوا للأسود: "حَلْكَمٌ" وزنه: "فَعْلَمٌ"، لأنّه من الحُلْكَةِ وهو السّواد، وقالوا: ناقةٌ "دِلْقِمٌ" وزنه: "فِعْلِمٌ" وهي المُكَسّرة الأسنان، أخِذَ من الاندلاق وهو السّعة، وقالوا: "ابْنُمٌ" وزنه: "افْعُمٌ". فأمّا زيادتها حشوًا فقولهم للأسد: "هِرْماسٌ" وزنه: "فِعْمالٌ" أخِذَ من الهرس وهو الدقُّ، وقالوا: لَبَنٌ "قُمارِصٌ" وزنه: "فُماعِلٌ"، وهو الّذي يحْذي اللّسان، وقالوا للدِّرْع البرّاقةِ: "دُمالِصٌ" وزنه: "فُماعِلٌ"، وقالوا: "دُمَلِصٌ" وزنه: "فُمَعِلٌ"، وقالوا: "دُلامِصٌ" وزنه "فُعامِلٌ"، وقالوا: "دُلَمِصٌ" وزنه: "فُعَمِلٌ" أُخِذا من الدَّليص والدِّلاصِ وهو البَرَّاقُ قال الأعشى: إذا جُرِّدت يومًا حسِبْتَ خميصة ... عليها وجِرْيال النَّضير الدُّلامِصا

النون

النون فأمّا النون فقد زيدت أوّلا في الفعل نحو "نَضْرِبُ" و"نَقْعُدُ" لأنّ مثالها "نَفْعِلُ" و"نَفْعُلُ"، وزيدت في أوّل الاسم نحو: "نَرْجِسٍ" لأنّه لا يخلو أن يكون وزنه "نَفْعِل" أو "فَعْلِل"، وليس في الكلام مثال "فَعْلِلٍ" في نحو "جَعْفِرٍ" وإذا عُدِمَ هذا المثال ثبت أنّه "تَفْعِلٌ"، وإذا كان كذلك ثبت أنّ النّونَ زائدةٌ، لأنّها لم تقابل فاء الكلمة، ولا عينها، ولا لامها، فأمّا من قال: "نِرْجِسٌ" بكسر النّون فالنُّونُ أيضًا عنده زائدةٌ وإن كان على مثال: "زِبْرِجٍ"، لأنّ البناءين لمعنًى واحد، ومحالٌ أن يكون الحرفُ في أحد البناءين أصلاً وفي الآخر زائدًا، ولو اختلف المعنى لجاز ذلك فيه. وقد زيدت النُّون ثانية في نحو: "قِنْفَخْرٍ" وزنه "فِنْعَلٌّ" أُلْحِق بـ"جِرْدَحْلٍ"، وهو: "فِعْلَلٌّ"؛ وإنّما حُكِم بزيادة نون: "قِنْفَخْرٍ"، لأنّه يقال في معناه: "امرأة قُفاخِرِيَّةٌ". فأمّا قولهم: "عُنْصَلٌ" فالنّون فيه زائدة، لأنّه لا

يخلو أن يكون: "فُنْعَلا" أو "فُعْلَلا"، وفُعْلَلٌ ليس في الكلام عند سيبويه فثبت أنه "فُنْعَلٌ" وكذلك من قال "عُنْصُلٌ" وزنه فُنْعُلٌ وإن كان على مثال "بُرْثُنٍ"، لأنّه قد ثبت زيادتها في "عُنْصُلٍ"، وكذلك الكلام في "عُنْصَرٍ" و"عُنْصُرٍ". وقد زيدت النّون ثالثة ساكنة في نحو: "جَحَنْفَلٍ" و"عَصَنْصَرٍ" و"عَقَنْقَلٍ" وإنّما حُكِم بزيادة النّون إذا كانت ثالثة ساكنة لأنّه موضع يكثر فيه زيادة النّون كما يكثر فيه زيادة الياء والواو والألف نحو: "سَمَيْدَعٍ" و"فَدَوْكَسٍ" و"عُذافِرٍ"

وقد زيدت النُّون رابعة نحو: "رَعْشَنٍ" لأنّه من الرَّعْشة، و"ضَيْفَنٍ" لأنّه من الضَّيْف، و"خَلْبَنٍ" لأنّه من الخِلابة، ووزنه "فَعْلَنٌ"، وكذلك "عَلْجَنٌ" لأنّه من العِلْج وزنه "فَعْلَنٌ"، وكذلك "بُلَهْنِية" وزنه "فُعَلْنِيَةٌ"؛ لأنّه يقال أبْلَهُ، و"رُفَهْنِيَةٌ" وزنه "فُعَلْنِيَةٌ"، لأنّه من الرَّفاهية، و"عِرَضْنَةٌ" وزنها فِعَلْنَةٌ، لأنّه من الاعتراض، و"خِلَفْنَةٌ" وزنه "فِعَلْنَةٌ"، لأنّه من الخلاف، و"سُحَفْنِيَةٌ" وزنه "فُعَلْنِيَةٌ"، لأنّه من السُّحوف والسُّحْفِ. وقد زيدت النّون خامسة في نحو: تضربين، وهي خمسة أمثلة تكون علامة لرفع الفعل نحو: "تضرِبِينَ"، و"تضربان" و"يضربان" و"يضربون" و"تضربون".

وزيدت بعد ألف التثنية ويائها كقولك: "الزَّيدان" و"الزَّيْدَيْنِ". وزيدت بعد واو الجمع ويائه كقولك: "الزَّيدون" و"الزَّيدِين". وزيدت مع الألف في الصفات نحو: "سَكْرانَ" و"غَضبان" وبابه وقد زيدت في نحو ما كان من هذه الأمثلة نحو "مَرْوان" و"عُثمان" و"غطفان" و"عدنان" و"قحطان" و"حِدْرِجان" و"عَفَزَّران" وإن اختلفت أوزانُها. وقد زيدت مع النّون سادسة نحو: "زَعْفرانٍ". وهذا غاية زيادتها

وقد زيدت للتوكيد في الفعل خفيفة وثقيلة نحو: "اضْرِبَنَّ" و (لأغلبنَّ أنا ورسلي) و"لَيَجْلِسَنَّ" و (لَنَسْفَعَنْ بالناصية) و (لَيَكونَنْ من الصّاغرين). ومتى وقعت النّون مقابِلةً لبعض حروف الأصل ما لم تكن ثالثة ساكنة قُطِعَ بأنّها أصلٌ حتى يقوم دليلٌ على زيادتها فالنّون في "حِنْبَتْرٍ" و"حِنْزَقْرٍ" أصلٌ؛ لأنّ النون مقابلةٌ للرّاء في "جِرْدَحْلٍ". فأمّا "قِنْفَخْرٌ" فالاشتقاق دلَّ على زيادة النّون لقولهم في معناه: "قُفاخِريّةٌ" فتُرِك له القياسُ. فأمّا النون في "عَنْبَسٍ" فقياسها أن تكون أصلاً؛ لأنّها مقابلة للعين في جعفر، ولكنّ الاشتقاق دلّ على زيادتها لقولهم: "عَبَسَ" وجهُه، وكذلك: "عَنْسَلٌ" فأمّا "شَرَنْبَثٌ" فهي ثالثة ساكنة فحُكِم بزيادتها للكثرة، وقالوا

في معناه "شرابثٌ" فأسقطوا النون، وكذلك النون في: "عَرَنْتَنٍ" قُطِعَ بزيادتها؛ لأنّها ثالثة ساكنة، وقالوا في معناه: "عَرَتَنٌ" فأسقطوا النون فدل على زيادتها. فأما "كَنَهْبُلٌ" و"قَرَنْفُلٌ" فلا يخلو "كَنَهْبُلٌ" أن يكون "فَنَعْلُلاً" أو "فَعَلُّلاً"، وليس في الكلام "فَعَلُّلٌ"، لأنه ليس مثل "سَفَرْجُلٍ" فثبت أنه "فَنَعْلُلٌ" وهذا يدل على زيادة النون. فأما "قَرَنْفُلٌ" فهي ثالثة ساكنة فيقطع بزيادتها، وأيضًا فليس يخلو أن تكون على مثل "فَعَنْلُلٍ" أو "فَعَلُّل" وفعلل ليس في الكلام فثبت أنه "فَعَنْلُلٌ" فدل على زيادة النون. فأما "جَنَعْدَلٌ" فلا يخلو أن يكون "فَعَلَّلٌ" أو "فَنَعْلَلٌ" وفَعَلَّلٌ ليس في الكلام فثبت أنه "فَنَعْلَلٌ"، فأما "نَهْشَلٌ" و"نَهْضَلٌ" فالنون أصل لقولهم: نهشلت المرأة إذا أسنت، فأما "نَهْضَلٌ" فهو على مثال "جَعْفَرٍ" فظاهر النون أن تكون أصلا فإن اشتق من "هَصَرْتُه" إذا عطفته كانت النون زائدة. فأما النون

في "عَنْتَرٍ" فهي مقابلة العين من جَعْفَرٍ فينبغي أن تكون أصلا، وقد قال قوم هو مشتق من العَتْرِ، وهذا لا يعرفه البصريون. وقد ذكرتُ من زيادة النّون ما فيه مَقْنَعٌ يُشْرَفُ به على غيره. فأمّا "عَنْتَرِيسٌ" فهو "فَنْعَلِيلٌ" مُلْحَقٌ بـ"فَعْلَليلٍ" نحو: "قَفْشَليلٍ" لأنّه مشتقٌّ عندهم من "العَتْرَسَةِ" وقياس جمعه عتاريسُ، فأمّا "مَنْجَنِيقٌ" فلا يخلو أن تكون الميم والنّون زائدتين أو أصليَّتَيْن، أو الميم زائدة، والنّون أصلاً أو الميمُ أصلاً والنّون زائدة، ولا يجوز أن تكونا زائدتين، لأنّه لا يجوز أن تجتمع زائدتان في أوّل الاسم إلاّ إذا كان مشتقًّا من الفعل نحو: "مُنْطلِقٌ" و"مُنْهَوٍ" و"مُنْغَمِسٌ"، لأنّ وزنه مُنْفَعِلٌ وفعله "انطلق" و"انهوى" و"انغمس" فإن قال قائلٌ: فقد قالوا: رجل "إنْقَحْلٌ" وامرأةٌ "انْقَحْلَةٌ" ووزنه "إنْفَعْلٌ"، لأنّه من القَحْلِ وهو الشيء اليابس قيل له هذا من الشُّذوذ بحيث لا يكسرُ بمثله قياسٌ، ولا يجوز أن يكونا أصليين، لأنّهم قد أسقطوا

النّون في التّكسير لمّا قالوا: "مَجانيقُ" فلو كانت النّون أصلاً لكانوا يُسْقِطون القافَ ويُبْقون النُّون فقد بطل أن تكونا زائدتين وأنت تكونا أصليَّتَيْن، ولا يجوز أن تكون الميمُ زائدة والنّون أصلاً لأمرين: أحدهما: أنّ الميمَ لا تكون زائدةً إلا في الأسماء المشتقّة من الأفعال نحو: "مُسَرْهَفٌ" و"مُدَحْرَجٌ" ومَنْجَنِيقٌ ليس مشتقًّا من فعل. وأيضًا: متى كانت الميم أوّل اسمٍ وبعدها أربعة أصول فلا تكون غلا أصلاً يدلُّك على ذلك قولهم: "مَرْزَجُوشٌ" وأنّ الميم فيه أصلٌ؛ لأنّ بعدها أربعة أصولاً، فلم يبق إلاّ أن تكون الميم أصلا والنّون زائدة، ووزن الكلمة "فَنْعَلِيلٌ" ألحقت بـ"فَعْلَلِيلٍ" نحو "عَرْطَلِيلٍ"، ولهذا سقطت النّون في الجمع لما قالوا "مَجانِيقُ"، فإن قال قائلٌ: ما أنكرتم أن تكون النّون أصلاً! لقولهم كنّا مرَّة "نُرْشَقُ" ومرّة "نُجْنَقُ"، و"جَنَقُوا" و"جَنَقْناهم" أي رَمُونا بالمَنْجَنيقِ ورميناهم بها، وقد اشتقُّوا من الكلمة ما

سقطت فيه الميم وثبتت النون، وهذا يدلّ على أنّ النّون أصلٌ والميم زائدة. قيل له: هذا الذي استدللت به ليس بصحيح، لأنّه لا يمتنع أن يكون للكلمة عبارتان يوجد في إحداهما بعض حروف الأخرى ولا تكون إحداهما أصلاً للأخرى. ألا تراهم قالوا: "دَمِثٌ" و"دِمَثْرٌ" وليس أحدٌ يقول "دَمِثٌ" مشتقٌّ من "دِمَثْرٍ" وإن كان فيه بعض حروف "دِمَثْرٍ". وقالوا: "سَبِطٌ" و"سِبَطْرٌ" وليس "سَبِطٌ" مشتقًّا من "سِبَطْر" وإن كان فيه بعض حروفه. وقالوا: "زَلِزٌ" و"زُلَزِلٌ" وليس "زَلِزٌ" مشتقًّا من "زُلَزِلٍ" وإنْ كانت فيه بعض حروفه، وقالوا: "قَصَمَ" و"قَصْمَلَ" وليس "قَصَمَ"

مشتقًّا من "قَصْمَلَ" وإن كانت فيه بعض حروفه. فكذلك "جَنَقَ" لا يكون مشتقًّا من "منجنيق" وإن كانت فيه بعض حروفه. وقد قالوا "لُؤْلُؤٌ" و"لآلٌ"، ولآلٌ "فَعّالٌ"، وفَعّالٌ إنّما يبنى من الثّلاثة لا من الأربعة، ولُؤْلُؤٌ رُباِعِي، فليس "لآلٌ" مشتقًّا من "لُؤْلُؤٍ" وإن كان فيه بعض حروفه. فأمّا "مَنْجَنونٌ" فوزنه "فَعْلَلُولٌ" لقولهم في تكسيرها "مَناجينُ" كُرِّرَتْ فيه النُّونُ ليلحق بـ"قَرْطَبُوسٍ" فلمّا أرادوا تكسيره أسقطوا النّون التي بعد الجيم فبقي: "مَنْجَوْنٌ" وحصل حرف اللّين رابعًا فكسَّروها على "مَناجين"، ولو أسقطوا الأخيرة لأدّى إلى إسقاط الواو الّتي قبلها والإسقاط الذي لا يُؤدّي إلى إسقاط آخر أوْلى من الإسقاط الّذي يُؤدّي إلى إسقاط غيره.

زيادة التاء

زيادة التاء اعلم أنّ التاء قد زيدت في أوّل الفعل المضارع تقول للمذكّر: أنت "تقومُ" فيدُلّ على الخطاب، وتقول للمُؤنَّثة: أنتِ "تقومين" فيدُلّ على الخطاب والتّأنيث وتقول للغائبة: هي "تقومُ" وهما "تقومان" فيدُلّ على التّأنيث، وإن قلت: أنتما "تقومان" فإن كانا مُذَكَّرَيْن دَلّت على الخطاب، وإن كانا مُؤنَّثين دلّت على الخطاب والتأنيث، وإن كان مُذكّرًا ومُؤنَّثًا دَلّت على الخطاب، لأنّ التّأنيث إذا اختلط بالتّذكير غُلّب التّذكير وبطل علامة التّأنيث. وقد زيدت التّاءُ في آخر الفعل الماضي لتدلّ على تأنيث الفاعل نحو: "قامتْ" هندٌ، و"طُرِدَتِ" الكلابُ. وقد زيدت التّاءُ في أوّل الاسم، قالوا: "تَرْتُبٌ" فليس يخلو أن يكون وزنه "تَفْعُل" أو "فَعْلُل" وفَعْلُلٌ ليس في الكلام، لأنّه لا يوجد على وزن "جَعْفُرٍ"، وإذا بطل هذا دلّ على أنّه "تَفْعُل"، فأمّا من قال "تُرْتُب" فالتّاء أيضًا زائدةٌ؛ لأنّه قد ثبت زيادتها في "تَرْتُبٍ"، والحرف لا يكون أصلاً في بناء زائدًا في بناء آخر وهما لمعنًى واحد. فأمّا من قال: "تُرْتَبٌ" فلا

يخلو أن يكون "تُفْعَلا"، أو "فُعْلَلا"، وعند سيبويه ليس في الأصول "فُعْلَلٌ" على مثال "جُعْفَرٍ"، وإذا بطل هذا ثبت أنّه "تُفْعَل"، وإن شئت أن تقول: قد ثبت زيادتها في "تَرْتُبٍ" فينبغي أن تكون زائدة في "تُرْتَبٍ"، لأنّ معناهما واحد، وإن شئت أن تقول: هذا كلّه مشتقٌّ من الشّيء الرّاتب، والرّاتب لا تاء في أوّله فينبغي أن تكون التاء زائدة. وممّا يجري مجرى هذه المسألة قولهم لضرْبٍ من الشّجر "تَنْصُبٌ" و"تُنْضَبٌ" الكلام فيه كالكلام فيما تقدّم. وأمّا: "تَتْفُلَةٌ" فدخول تاء التأنيث على الكلمة قد أبطل وزن الفعل فعلى هذا القياس ينبغي أن تكون التّاء أصلاً، فإن قيل فقد زعمتم أنّه ليس في الكلام مثال "جعْفُر" قيل لا يُسْتَنْكَرُ أن يجيء مع التأنيث البناءُ مخالفًا للأصول ألا تراهم قد قالوا: "قَلَنْسُوَةٌ" "فَعَنْلُوَةٌ" مُلْحَقٌ بـ" فَعَلُّلَةٍ" فـ"تَنْضُبَةٌ" على هذا "فَعْلُلَةٌ"، و"قَلَنْسُوَةٌ" على هذا مشتقّة من "قَلَسَ" والنّون زائدة، وإن أخذته من "قَلْنَسَ" فهي "فَعْلُوَةٌ"، وكذلك يجيء

البناء مع ياء النّسب مخالفًا للأصول ألا تراهم قالوا: "أيْبُلِيٌّ" وزنه "فَيْعُلِيّ"، و"أيْيُلٌ" ليس في الكلام، لأنّه ليس في الكلام مثال "فَيْعُلٍ" فدلَّ على أنّ ياء النِّسبة وتاء التأنيث قد تُغيّران البناء عن الأصول. فأمّا "تُدْرَأ" فلا يخلو أن تكون "تُفْعَلاً" أو "فُعْلَلاً"، وفُعْلَلٌ ليس عند سيبويه فثبت أنّه "تُفْعَلٌ" فالتّاء على هذا زائدة، وإن أخذته من "دَرَاتُ" عنه فالتّاء زائدة. وقد زيدت التّاء مع الواو في "عَنْكَبوتٍ" و"رَهَبُوتٍ" و"رَغَبوتٍ" و"رَحَموتٍ"

وقد زيدت التّاء في "سَنْبَتَةٍ" وهي القطعة من الدَّهْر يقولون: مرّت عليه سنْبَتَةٌ من الدَّهْر. و"سَنْبَةٌ" من الدّهر في معناها؛ فهذا يدلّ على زيادتها. وقد زيدت مع الألف في جمع التّأنيث قالوا: "مُسْلِماتٌ" و"صالحاتٌ". وقد زيدت في "افْتَعَلَ" وما تصرف منه نحو: "اقْتَطَعَ" و"احْتَمَلَ". وقد زيدت مع السّين في "اسْتَفْعَلَ" وما تصرَّف منه نحو: "اسْتَخْرَجَ" و"مُسْتَخْرِج" و"اسْتِخْراجٌ". وقد زيدت في "التَّفْعيل" نحو: "التَّقْطيع" و"التَّكْسير" و"التَّنْبيت". وقد زيدت في "تَفَعَّلَ" وما تصرَّف منه نحو: "تكَسَّرَ". وفي "تفاعَلَ" وما تصرَّف منه نحو: "تعامى" و"تخازَرَ" و"تغافَلَ" و"تعاشى". وقد زادوها في "التِّفْعال" نحو: "التِّطْواف" و"التِّرْداد" و"التّرْماءِ".

وقد زادوها في "التّفعال" نحو: "التِّجْفاف" و"التِّمْثال". وقد زادوها في آخر الاسم للتّأنيث نحو: "بقرةٍ" و"شجرةٍ". وهذه التّاء يبدلونها في الوقف والخطّ هاء فيقولون "طَلْحَهْ" و"شَجَرَهْ"، وكذلك إن أضافوها إلى اسم ظاهر قالوا: "شجرة زيدٍ" كتبوها بالهاء ووقفوا عليها بالهاء؛ لأنّ الاسم الظّاهر ينفصل ويقوم بنفسه فصارت طرفًا، والأطراف ممّا يلحقها التّغيير، فلذلك صُوِّرتْ هاءً. فإن أضفتها إلى المضمر كتبتها تاءً فقلت: "شَجَرَتي" و"بقرتُكَ" و"ثَمَرَتُهُ"؛ وإنّما كتبوها مع المضمر تاء لأنّ المضمر لا ينفصل ويقوم بنفسه بل يتّصل بما قبله ويصير كالجزء منه، فصارت التّاء حشوًا في الكلمة، وإنّما قلبوا منها في الخطّ والوقف هاءً، ليُفَرَّقَ بينها وبين التّاء التي تلحقُ الفعل في

"ضَرَبَتْ"، وقال قومٌ لِيُفَرَّقَ بينها وبين الأصليّة في "بَيْتٍ" و"قُوتٍ"، وقال قومٌ ليُفَرَّق بينها وبين التّاء التي تلحق مع الألف في الجمع في "مُسْلِماتٍ" وبابه. وقد تلحق التّاء في تأنيث الجماعة في نحو: "قُضاةٍ" و"خُيوطةٍ" وحجارةٍ و"ذِكارةٍ" فأمّا طَيء وأهل اليمن فإنّهم يُثْبِتونها تاء

فيقولون: "مُسْلِمَتْ" و"قائِمَتْ" قال الشاعر: بل جَوْزِتَيْهاءَ كظهر الحَجَفَتْ ونادى منادي النّبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكّة: (يا أهل سورة البقرتْ) فقال المجيب: (والله ما أحفظ منها آيتْ) فأمّا ما ورد في التّنزيل من كتبهم (رحمتْ) و (نِعْمتْ)

و (سُنَّتْ) و (ابْنَتْ) و (امْرَأتْ) فيجوز أن يكون أخذوا باللّغتين فكتبوا بعضًا بالهاء وبعضًا بالتّاء، ويجوز أن يكون المملي وصل كلامه فكتب الكاتب على لفظه حملاً للوقف على الوصل. وقد بيّنا أنّ الياء والواو والألف لا تكون أصلاً فيما زاد على الثّلاثة إلّا أن يكون في الكلمة تكريرٌ أو يدلّ دليلٌ على زيادتها. ولا تزاد هذه الحروف ولا شيء من حروف الزّيادة في أوّل الكلمة إلاّ في الأسماء المشتقّة من الفعل نحو: "مُدَحْرِجٍ".

فإن كانت الميم والهمزة في أوّل كلمة وبعدها أربعة أصول كـ"مَرْزَجوشٍ"، لأنه كـ"عَضْرَفوطٍ" و"قَرْطَبوسٍ" ووزنه "فَعْلَلُولٌ"، و"إصْطَبْلٌ" كـ"جِرْدَحْلٍ" وزنه "فِعْلَلٌّ"، فأما "يَسْتَعورٌ" فوزنه "فَعْلَلُولٌ" الياءُ أصل؛ لأنّ بعدها أربعة أصولاً فهو كـ"عَضْرَفوطٍ" فهذا حكم هذه الحروف، فأمّا "إنْقَحْلٌ" من قول الشاعر: لمّا رأتني خَلَقًا إنْقَحْلا فوزنه "إنْفَعْل" فالهمزة والنّون زائدتان في أوّله، وهذا شاذٌّ؛ لأنّه ليس بمشتقٍّ من فعل، لأنّ الاسم الجاريَ على الفعل يجوز أن يتوالى في أوّله زائدتان كـ"منطلِقٍ" وقد مضى ذكرُه وسيبويه يقول في الشيء الشّاذّ: هو

شاذٌّ، ويقول في موضع آخر: لم يأت من هذا شيءٌ، لأنه لم يعتدَّ بما ورد منه لقلّته ونزارته. ويدلّك على صحّة ما قاله أنّ العرب تقول: قَلّما جاءني زيدٌ وتستعمله على ضربين: تارةً تريد: ما جاءني زيدٌ فيكون نفيًا عامًّا ويكون على هذا لم يأته. وتارةً يكون قد جاء مجيئًا قليلاً فلا يُعْتَدُّ به ويجعله كالنّفي العامّ. فقد بان لك أنّ القليل في كلام العرب قد يُجعل بمنزلة ما لم يكن، ويُنْفى نفيًا عامًّا فهذا يُعَضِّد ما قاله سيبويه وذهب إليه. فأمّا قولهم "أُرْجُوانٌ" فإن اشتققته من "الأَرْج" وهو سطوع الرّائحة فوزنه: "فُعْلُوانٌ"، وإن اشتققته من "رجا يرجو" فوزنه "أُفْعُلانٌ"، وإن أخذته من "رَجَنَ" فوزنه "أُفْعُوالٌ". فأمّا "أرْوَنانٌ" فقد حمله سيبويه على الأكثر بأن جعل الهمزة زائدة والألف والنون في آخره كذلك؛ لأن هذا طريق الكثرة، ووزنه على هذا التّأويل "أفْعَلانٌ"، ثمّ نظر نظرًا ثانيًا ووجد العرب تقول:

"يومٌ أرونانٌ" أي شديدٌ ويقولون: "اللهم اصرف عنّا رَوْنَ هذا الأمر" أي شدّته، فعلى هذا وزن الكلمة "أفْعَلالٌ"، وإن اشتققت الكلمة من "رنا يرنو" إذا أدام النظر فيكون قد قُدِّمت اللام على العين فوزن الكلمة على هذا "أفْلُعانٌ"، وإذا اشتققت الكلمة من "الرَّنَّة" وهو الصَّوت فوزن الكلمة "أفْوَعالٌ" الهمزة في أوّله زائدة، والواو بين الفاء والعين زائدة، لأنّ أصل الكلمة "رَنَنَ" فهذه ثلاثة أوجه في الاشتقاق. "مِرْآةٌ": "مِفْعَلَةٌ" من رأيْتُ. فأمّا اسم المفعول من الثّلاثيّ إذا كانت لامه ياء فـ "مفْعُولٌ" كـ"مَضروب" و"مَذْكور" تقول: رأيته فهو "مَرْئِيٌّ" ورميْتُه فهو "مَرْمِيٌّ" والأصل فيهما: "مَرْؤُويٌ" و"مَرْمُويٌ" فلمّا اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسّكون قلبوا الواو ياءً، وأدغموا الأولى في الثانية، وكسروا ما قبل الياء الأولى لتتمكّن فقالوا: "مَرْئِيٌّ" و"مَرْمِيٌّ" فهذا على وزن "مَضْروبٍ" لأنّه بعدد حروفه. فإن كانت لام الثّلاثيّ واوًا وبنيت منه مفعولاً أدغمت الواو الأولى في

الثانية تقول: غَزَوْتُه فهو "مَغْزُوٌّ" ونَحَوْتُه فهو "مَنْحُوٌّ". وربّما استثقلوا في بعض هذا اجتماع الواوين مع الضّمّة قبلهما فقلبوا بدل الواو المشدّدة ياء مشدّدة فقد قالوا: "مَرْضِيٌّ" وسناها المطرُ يسْنوها فهي "مَسْنِيَّةٌ" إذا سقاها، والأصل: "مَرْضُوٌّ" و"مَسْنُوَّةٌ". وأكثر ما يكون هذا القلب في الجموع، لأنّهم يستثقلون أن يجمعوا بين ثقل الجمع وثقل الواوين. وهذا الذي يجتمع في آخره واو مثقّلة وقبلها ضمّة ثلاثة أقسام: إمّا أن يكون جمعًا نحو: "عاتٍ" و"عُتُوٌّ". أو يكون مصدرًا نحو: عتا يعتو "عُتُوًّا" وعسا يعْسوا "عُسُوًّا". أو يكون اسم مفعول نحو: "مَغْزُوٌّ" و"مَسْنُوٌّ". والقلب للجمع لازمٌ للعلّة التي ذكرتها وإنّما شذّ منه شيءٌ يسير خرج

مُصَحَّحًا ليدلّ على الأصل الذي انتقل عنه قالوا: "نَحْوٌ" و"نُحُوٌّ" و"بَهْوٌ" و"بُهُوٌّ" و"أبٌ" و"أُبُوٌّ"، و"نَجْوٌ" و"نُجُوٌّ" وهو السّحاب. وأمّا المصدر فيجيءُ مصحَّحًا على أصله قالوا: عتا يعتو "عُتُوًّا" فإنْ سُمِع فيه شيء قد قلب فإنّما شبّهوه بالجمع. فأمّا اسم المفعول فالجيّد فيه التّصحيح "مَغْزُوٌّ" و"مَسْنُوٌّ"، فإن قلب منه شيءٌ فإنّما شبّهوا اسم المفعول باسم الفاعل نحو: "غازٍ" فلمّا قلبوا الواو ياءً في اسم الفاعل قلبوها في اسم المفعول. ولك في القلب طريقتان في "عُتِيٍّ" إذا كان جمعًا و"مَسْنِيٍّ": أحدهما: أن تقول قد ثبت أنّه ليس في الأسماء العربيّة اسم في آخره واو قبلها ضمّة، فإذا أدّى قياسٌ إلى هذا قلبوا من الضّمّة كسرة ومن الواو

ياء، ألا تراهم قالوا في جمع "قَلَنْسُوَةٍ: قَلَنْسٍ"؟ والأصل: "قَلَنْسِوٌ" قال الشاعر: لا مهل حتّى تلحقي بعَبْسِ ... أهل الرِّياطِ البيض والقَلَنْسِ وقالوا: "عَرْقُوَةٌ" و"عَرْقٍ" قال الشاعر: حتّى تفُضِّي عَرْقِيَ الدُّلِيّ

وما زيد في الثلاثي من الحروف

والأصل: "عَرْقُوٌ". وقالوا: "دَلْوٌ" و"أدْلٍ"، و"حَقْوٌ" و"أحْقٍ" والأصل "أدْلُوٌ" و"أحْقُوٌ" على وزن "أفْلُسٍ" فقلبوا من الضمة قبل الواو كسرة حتى تنقلب الواو ياء. فإذا ثبت هذا شبّهوا الواو الأولى من "عُتُوّ" و"مَسْنُوّ" بالضمّة فقلبوها ياء كما يقلبون الضمّة كسرة فصار "عُتِيوٌ" و"مَسْنِيوٌ" فلمّا اجتمع الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون قلبوا من الواو ياء وأدغموا الأولى في الثانية. فأمّا الطريقة الثانية فيقولون: الواو الأولى ساكنة فلا يعتدّون بها من هذا الوجه، لأنّها ساكنة فتصير الواو الثّانية كأنّها قد وليت الضمّة فيقلبون الواو الأخيرة ياء، ثم تجتمع الواو والياء، والأولى ساكنة فيقلبون من الواو ياء ثم يدغمون الأولى في الثانية فيقولون: "مَسْنِيٌّ" و"عُتِيٌّ" و"دُلِيٌّ" و"حُقِيٌّ". وما زيد في الثّلاثيّ من الحروف: زادوا الهمزة في أوّل الفعل والاسم قالوا في الفعل: "أكْرَمَ" وفي الاسم "أحْمَرُ". وزادوا الواو ثانية في الفعل فقالوا: "حَوْقَلَ" وقالوا في الاسم: "جَوْهَرٌ".

وزادوا الواو ثالثة في الفعل فقالوا: "جَهْوَرَ" وقالوا في الاسم: "جَدْوَلٌ" و"قَسْوَرٌ". وزادوا الياء ثانية في الاسم فقالوا: "صَيْرَفٌ" و"حَيْدَرٌ" و"حِذْيَمٌ" و"طِرْيَمٌ" وضاعفوا عين الفعل فقالوا: "كَسَّرَ" و"قَطَّعَ". وزادوا الألف ثانية في الفعل فقالوا: "قاتل" و"خاصم" وزنه "فاعَلَ". ووزن "أكْرَمَ": "أفْعَلَ"، ووزن "كَسَّرَ": "فَعَّلَ"، و"جَوْهَرٌ": "فَوْعَلٌ" و"رَهْوَلَ" "فَعْوَلَ"، و"جَدْوَلٌ": "فَعْوَلٌ"، و"صَيْرَفٌ": "فَيْعَلٌ"، و"حِذْيَمٌ": "فِعْيَلٌ".

وقالوا: "احْرَنْبَى" وزنه "افْعَنْلى"، وقالوا: "اسْلَنْقى" وزنه "افْعَنْلى"، وقالوا: "احْبَنْطَى" وزنه: "افْعَنْلى"، وقالوا: "كِنْثَاوٌ" وزنه: "فِنْعَلْوٌ"، وقالوا: "اغْدَوْدَنَ" وزنه: "افْعَوْعَلَ"، وقالوا: "احْمَرَّ" وزنه: "افْعَلَّ"، و"احمارَّ" وزنه "افْعالَّ"، و"اسْتَخْرَجَ" وزنه: "اسْتَفْعَلَ"، و"اقْتَطعَ" وزنه: "افْتَعَلَ"، و"فَعْلىَ": "سَلْقى" و"انْفَعَلَ": "انطلقَ". وهذا الذي ذكرته كله من ذوات الثلاثة. فأمّا تكلّم وكلّم فهو من الثلاثة، لأنّه من "كَلَمْتُ"، لأنّ الكلام يخرق السمع كما أن الجِراح تخرق اللحم، فكلامهما من أصل واحد. وقرأ بعض المتقدّمين (أخرجنا لهم دابّة من الأرض

تَكْلِمُهُم) أراد تَسِمُهم فجعل السِّمَة كالجراحة، ومن قرأ (تُكَلِّمهم) أراد من الكلام. فأمّا: "احْواوى" الفرسُ فهو: "افْعالَلَ" من الحُوَّة مثل "احمارَّ" من الحمرة، فأمّا "تغافل" وزنه: "تفاعل" فهو من الغفلة. و"تَرَهْوَلَ" "تَفَعْوَلَ" كلّ هذا من الثّلاثة. فأمّا: "تدحرج" فهو: "تَفَعْلَلَ" من الدّحرجة، و"اطْمأنَّ" "افْعَلَلَّ" من الأربعة وأصله "طَمْأنَ" أحد النّونين زائدة من موضعها، و"اسْحَنْكَكَ" إحدى الكافين زائدة من موضعها، والنّون فيه زائدة، و"اقْشَعَرَّ": "افْعَلَلَّ" إحدى الرّاءين زائدة من موضعها فأصله: "قَشْعَرَ"، وأمّا "اسْحَنْكَكَ" فأصله من الثلاثة، فأمّا: "جَحَنْفَل" فوزنه "فَعَنْلَل" النّون زائدة وهو من الأربعة؛

لأنّ أصله "جَحْفَلَ"، فأمّا: "اقْعَنْسَسَ" فوزنه "افْعَنْلَلَ" النّون زائدة، وإحدى السّينين زائدة من موضعها، فأصله الثّلاثة، لأنّه من "القَعَسِ" ومن لا بصر له بالنحو من أهل اللغة يسمّي كلَّ ما كان على أربعة أحرف رباعيًا. كان أصليًا أو زائدًا، وقد بيّنّا فيما تقدّم أن الرباعي يختصُّ بالأصول دون ذوات الزّوائد، وأنّ ما كان على أربعةٍ يشترك فيه الأصليُّ والزّائدُ.

زيادة الهاء

زيادة الهاء اعلم أن هذه الهاء الزائدة يقال لها: "هاء السَّكْت"، وإنّما قيل لها هاء السّكت، لأنّه يسكت عليها، وتثبت في الخطّ، لأن الخطّ مبنيّ على الوقف، والوقف هو السّكت. والموضع الذي يختصّ بزيادة هذه الهاء هو أنّه إذا أريد الوقف على حركة بناء - وقد علم أنّ الوقف يزيل الحركة - زيدت الهاء لتسلم الحركة ويُسكت على الهاء، ولا يجوز أن تزاد هذه الهاء بعد حركة إعراب، لأنّ الإعراب لا يقتضي حركة بعينها ألا تراه ينتقل فيكون رفعًا ونصبًا وجرًّا، فلمّا لم تتعيّن حركة إعراب لم يلزم المحافظة عليها، ولمّا تعيّنت حركة البناء ولزمت طريقة واحدة لزموا المحافظة على لفظها فألحقوا الهاء بعد حركة البناء فقالوا "كَيْفَهْ" و"أيْنَهْ" و"مُسْلمونَهْ" وقالوا: "ارْمِهْ" و"اغْزُهْ" و"اسْعَهْ". وإذا كان الفعل الثلاثيّ معتلّ اللام والفاء لزمته هاء السكت فقالوا: "قِهْ" و"شِهْ" و"عِهْ" و"لِهْ" من "وقَيْتُ" و"وَشَيْتُ" و"وَعَيْتُ" و"وَلِيتُ"، فإذا

دخل حرف المضارعة على هذا الفعل كقولهم: "إن تقِ أقِ" فمنهم من يلحق الهاء فيقول: "إن تقِ أقِهْ"، ومنهم من يقول: قد قَوِيَ الفعل بحرف المضارعة فليس تلزم الهاء. فأما "ما" الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجرّ فللعرب فيها ثلاثة مذاهب: أفصحها وأجودها: أن تسقط ألفها لما اتصلت بحرف الجرّ وتكثّرت به ليفصلوا بين ما الاستفهامية وما الخبرية التي بمعنى الذي والتي فقالوا: "حتّى مَهْ" و"عَلامَهْ"، و"إلى مَهْ"، و"لِمَهْ"، و"بِمَهْ" و"فِيمَهْ"، وفي التنزيل: (عمَّ يتساءلون) و (فيم أنت من ذكراها) و (بم يزجع المرسلون). وقد ألحق بعض المتقدمين من القراء هذه الهاء لهذه الميم في الوقف. كما

ألحقوها لحركة ياء المتكلّم في (كتابِيَهْ) و (حِسابِيَهْ) و (مالِيَهْ) و (سلطانيه) وقد ألحقوها ياء الضّمير في قوله: (ما هِيَهْ) لأنّ "هِيَ" اسم مضمر. فأمّا قول صاحب الكتاب قد ألحقوها في: "بقرة" و"شجرة" فسهوٌ؛

لأنّ هذه الهاء بدلٌ من تاء التّأنيث وليست زائدة، وينبغي أن تذكر في حروف البدل لا في حروف الزّيادة. والمذهب الثاني: منهم من يُسَكِّن الميم فيقول: "لِمْ فعلت؟ "، و"حَتَّامْ" والمذهب الثالث - وهو أقلّها -: منهم من يثبت الألف فيقول: "علاما قمت؟ "، و"فيما رغبت؟ "، قال الشاعر: علاما قام يشتمني لئيمٌ ... كخنزير تمرَّغ في دمان

وقد روى غيره في "رماد". وقد حُكِيَ أنّ الخليل قال في "هِرْكَوْلَةٍ" إنّ وزنها: "هِفْعَوْلَةٌ"

والهاء زائدة، والهِرْكَوْلَةُ المرأة العظيمة الأوراك، لأنّها تركل الأرض في مشيها. وقالوا: إنّ الهاء في "أمَّهاتٍ" زائدة ووزنه "فُعْلَهاتٌ"، وقال قومٌ إنّما زيدت الهاء في: "أمّهاتٍ" ليُفْرَقَ بين العقلاء والبهائم؛ لأنّه يقال في البهائم: "أمّاتٌ" كما قال الشاعر: ... ... ... ولو مُنّيت أمّاتِ الرَّباع

السين

وزيدت الهاء في قولهم "أهْراقَ يُهْرِيقُ" وأصله: "أرْوَقَ" أو: "أرْيَقَ" فنقلوا فتحة العين التي هي "الياءُ" أو "الواو" إلى الرّاء، وسُكِّنت العين؛ لأن الراء فاء الكلمة ثمّ أتبعوا عين الكلمة فتحة الفاء فانقلبت ألفًا لتحرّكها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن فقالوا: "أراقَ يُرِيقُ"، ثمّ أدخلوا الهاء قبل الفاء، عوضًا من نقل حركة العين إلى الفاء فقالوا: "أهْراقَ يُهْرِيقُ". السين "اسْتَفْعَلَ يَسْتَفْعِلُ اسْتِفعالاً وهو مُسْتَفْعِلٌ"، والمفعول "مُسْتَفْعَلٌ"، وفي الأمر "اسْتَفْعِلْ"، وفي النهي "لا تَسْتَفْعِلْ" تقول: "اسْتَخْرَجَ" المال "يَسْتَخْرِجُهُ استخراجًا" وهو "مُسْتَخْرِجٌ" والمال "مُسْتَخْرَجٌ"

وقد أدخلوا السِّين عوضًا قالوا "اسْطاعَ" "يَسْطِيعُ"، وأصله "أطْوَعَ يُطْوِعُ" فالطّاءُ فاء الكلمة والواو عينها فنقلوا فتحة الواو إلى الطّاء فسكنت الواو وانفتحت الطّاء، ثمّ قلبوا الواو ألفًا لتحرّكها في الأصل، وانفتاح ما قبلها الآن، ولم يعتدّوا بسكونها فقالوا: "أطاعَ يُطِيعُ" ثمّ زادوا السّين قبل الطّاء عوضًا من نقل حركة العين إلى الفاء فقالوا: "اسْطاعَ يَسْطِيعُ".

اللام

اللام فأمّا اللّام فقد زادوها في حروف محفوظة قليلة قالوا: "تلك" والأصل: "تيك"، وقالوا: "ذلك" والأصل: "ذاك"، وقالوا: "أُلالك" والأصل "أُلاكَ" قال الأعشى

أُلالِك قومي لم يكونوا أُشابةً ... وهل يعظُ الضِّلِيل إلا ألالكا وقالوا "عَبْدَلٌ" في معنى "عبدٍ"، و"زَيْدَلٌ" في معنى "زَيْدٍ"، و"فَحْجَلٌ" في معنى "الأفْحَجِ" وزيادتها قليلة

واعلم أنّهم قد يزيدون حرف اللّين للمدّ فقط نحو الواو في "عجوزٍ" والياء في "سعيدٍ"، والألف في "عمادٍ". وقد يزيدون في بناء الكلمة زيادة يكون الاستعمال بها ولا يستعملون الأصل نحو "اشتدّ"، و"افتقر"، أصله: "شَدُدَ"، و"فَقُرَ"، ولا ينطقون بهما، وإنّما ينطقون بالزّائد، والّذي يدلّ على أنّ الأصل "شَدُدَ" و"فَقُرَ" أنّهم قد أخرجوا الصّفة منه على فعيلٍ فقالوا: "شديدٌ" و"فقيرٌ". والألف في آخر الاسم الثلاثيّ، والفعل الثلاثيّ لا بدَّ أن تكون منقلبة عن ياء أو واو، لأنّه لا يجوز أن يكون اسم معرب ولا فعل على أقلّ من ثلاثة أحرف، فمثال الألف المنقلبة عن ياء في الاسم: "فتى" لقوله تعالى: (ودخل معه السجن فتيان) ومثال المنقلبة عن ياء في الفعل: "رمى" لقولهم: "رَمَيا" و"الرَّمْيُ" و"يُرْمِي" ومثال الألف المنقلبة عن واو في الاسم "رجا" لقول الشاعر في تثنيته:

ولا يُرْمَى بي الرَّجوان إنّي ... أقلُّ القوم من يغني مكاني ومثال الألف المنقلبة عن الواو في الفعل: "غزا" لقولهم "غَزَوْتُ" و"يغزُو" و"الغزْوُ". ولا يمتنع أن يكون في الاسم لغتان: الياء والواو فقد قالوا: "رَحَيْتُ بالرَّحى" إذا طحنت بها، و"رَحَوْتُ"، فألف: "رَحَى" يجوز أن تكون منقلبة عن ياء وعن واو. وكذلك في الفعل قالوا: "طما الماءُ" إذا ارتفع "يَطْمِي" و"يَطْمُو" فألف: "طما" يجوز أن تكون منقلبة عن ياء وعن واو. وإذا زاد الاسم والفعل على ثلاثة أحرف انقلبت الواو فيه إلى الياء تقول: "أدْنى يُدْنِي" و"أغْزَى يُغْزِي" و"أعطى يُعْطِي" وأصله: "يُعْطِو" و"يُدْنِو" و"يُغْزِو" فلمّا سكنت الواو وانكسر ما قبلها انقلبت ياء فصار

"يُدْنِي" و"يُعْطِي" و"يُغْزِي"، ثم تحرّكت هذه الياء في الماضي في نحو: "أدْنَيَ" و"أعْطَيَ" و"أغْزَيَ" وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا فقلت "أعطى" و"أدنى" و"أغزى". وكذلك في اسم المفعول: "مُعْطَى" و"مُغْزَى" و"مُدْنَى" أصله: "مُعْطَوٌ" و"مُغْزَوٌ" و"مُدْنَوٌ" فقلبوا الواو ياء فقالوا: "مَعْطَيٌ" و"مُغْزَيٌ" و"مُدْنَيٌ" ثمّ تحرّكت الياء وقبلها فتحة فانقلبت ألفًا فقالوا "مُعْطَى" و"مُغْزَى" و"مُدْنَى"، فهذه ألف انقلبت عن واو، وكذلك الألف في "أعطى" و"أدنى" انقلبت عن ياء انقلبت عن واو. فأمّا الألف في "أعْمَى" فهي منقلبة عن ياء وأصله: "أعْمَيُ" فلمّا تحرّكت الياء وقبلها فتحة انقلبت ألفًا. فأمّا "أعْشى" فأصله: "أعْشَوُ" فلمّا وقعت الواو رابعة قلبت ياء فقيل: "أعْشَيُ"، فتحرّكت الياء وقبلها فتحة فانقلبت ألفًا. فالألف في "أعْشَى" انقلبت عن ياء انقلبت عن واو. فأمّا: "جَعْبَى" و"سَلْقَى" وكذلك "دَلَنْظَى" أصله: "دَلَنْظَيٌ" فلمّا

تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها انقلبت ألفًا. وكلّ واو وقعت في آخر اسم أو فعل زائد على ثلاثة أحرف فإنّها تنقلب ياء، فإن تحرّكت الياء وقبلها فتحة انقلبت ألفًا، وإن لم تتحرّك وقبلها فتحة ثبتت ياء. وكلّ ألف كانت في آخر اسم زائد على ثلاثة أحرف فلا بدّ أن تكون منقلبة عن ياء، أو تكون زائدة للتّأنيث نحو: "حُبْلى" و"جُمادى" و"لُغَّيْزَى". أو تكون منقلبة عن ياء زيدت للإلحاق نحو: "أرْطَى" أصله: "أرْطَيٌ" ألحق بـ "جَعْفَرٍ" و"مِعْزَى" أصله "مِعْزَيٌ" ألحق بـ "دِرْهَمٍ" و"سَرَنْدَى" أصله: "سَرَنْدَيٌ" ألحق بـ"سَفَرْجَلٍ". فهذه الياءات لمّا تحرّكت وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا. أو تكون الألف زيدت لتكثير الكلمة نحو: "قَبَعْثَرى" و"ضَبَغْطَرَى" وإنّما كانت هذه الألف زائدة لتكثير الكلمة، لأنّه ليس في الأصول اسم على ستّة أحرف فيكون ملحقًا به، ولا تكون للتّأنيث، لأنّه سُمِع فيه التّنوين.

فإن قيل: فبأيِّ شيء يفرق بين ألف التأنيث وألف الإلحاق؟ قيل له: فيه ثلاثة طرق: أوّلها: أن يسمع فيه التّنوين، فيعلم بالتّنوين أنّها للإلحاق كما قيل في: "أرْطَيٌ" و"مِعْزَيٌ"، فأمّا"ذِفْرَى" فقد اختلفت العرب فيها فمن نوّنها جعلها للإلحاق، ومن لم ينوّنها جعلها للتّأنيث. والطّريقة الثانية: أن يعتبر بالتّصغير، فإن كانت للإلحاق كسر ما قبلها في التّصغير فانقلبت ياء فقيل: "أُرَيْطٍ" و"مُعَيْزٍ"، وإن كانت للتّأنيث لم يكسر ما قبل الألف كما قيل: "حُبَيْلَى" و"سُكَيْرَى". والطّريقة الثالثة: أن تكون على صيغة تختصّ بالتّأنيث نحو: "بَشَكَى" و"بَرَدَيَّا" و"لُغَيْزَى" و"حُبْلى"، لأنّ هذه

أبنيةٌ وأمثالُها ليس في المذكّر على صيغها. فأمّا "بُهْمَى" فالألف فيها للتّأنيث، لأنّها على وزن "حُبْلى"، فأمّا من قال: "بُهْماةٌ" فقد بطل أن تكون الألف للتّأنيث، لأنّه لا يجوز أن تدخل علامة تأنيث على مثلها، فعند الأخفش تصير الألف ملحقة كأنّه ألحق بـ"جُؤْذَرٍ" فكأنّه: "فُعُلٌ" ملحق بـ"فُعْلَلٍ" وعند سيبويه ليس في الكلام "فُعْلَلٌ" ولكنّه يجعل الألف زائدة لتكثير الكلمة.

البدل

البدل حروف البدل: أحد عشر حرفًا، ثمانية منها في حروف الزّيادة، وثلاثة من غير حروف الزّيادة. فأمّا الثمانية التي من حروف الزيادة فهي: (الألف، والواو، والياء،

ذكر الألف

والهمزة، والميم، والنّون، والتّاء، والهاء). وأمّا التي ليست من حروف الزيادة فهي: (الجيم، والطّاء، والدّال). ذكر الألف اعلم أنّ الألف قد أبدلت من أربعة أحرف: من (الياء، والواو، والهمزة، والنّون). ذكر بدل الألف من الياء والواو اعلم أنّ الياء والواو إذا كانتا عينين أو لامين في الفعل أو في اسم على وزن الفعل، وتحرّكتا حركة لازمة لهما، ولم تكن الحركة منقولة من غيرها إليهما، ولم يكن قبلهما ساكنٌ ولا بعدهما، ولم يكونا في معنى يسكن ما قبلهما أو بعدهما، أو يكتنفهما ساكنٌ وجب قلبهما ألفًا.

مثال كونهما عينين في الفعل: "باع" أصله "بَيَعَ" و"قامَ" أصله "قَوَمَ" و"خاف" أصله "خَوِفَ" و"هاب" أصله "هَيِبَ" و"طال" الذي هو ضدُّ "قَصُرَ" فأصله" طَوُلَ" فأمّا "طال" الذي هو بمعنى الزّيادة من قولك: "طاوَلَني فطُلْتُهُ" فأصله: "طَوَلَ"، فالقلب لهذا كلِّه لازمٌ. وأمّا كونهما عينين في الاسم فقولك: "دارٌ" أصلها: "دَوَرٌ"، و"بابٌ" أصله "بَوَبٌ"، و"مالٌ" أصله: "مَوَلٌ"، و"نابَ" أصله: "نَيَبٌ"، و"غابٌ" و"عابٌ" أصله "غَيَبٌ" و"عَيَبٌ"، وهذا كلّه أُعِلّ بالقلب لأنّه على وزن "ضَرَبَ". فأمّا قولهم: "رجُلٌ مالٌ" فأصله "مَوِلٌ"، و"كَبْشٌ صافٌ" أصله: "صَوِفٌ" و"يومٌ راحٌ" أصله "رَوِحٌ" و"يومٌ طانٌ" أصله "طَيِنٌ" وهذا كلّه أُعِلّ، لأنّه على وزن "عَلِمَ".

وربّما جاء على وزن: "فَعُلَ" فَيُعَلّ بالقلب، لأنّه على وزن "ظَرُفَ". وأمّا كونهما لامين في الفعل أو في موضع اللاّمين فقولك: "غزا" أصله "غَزَوَ"، و"رَمَى" أصله "رَمَيَ"، وكذلك إن زاد على الثّلاثة نحو: "أعطى" أصله "أعْطَيَ"، و"تقاضى" أصله "تقاضَيَ"، و"احْواوَى" أصله: "احْواوَيَ". فقُلِبَ هذا كلّه لما ذكرناه. وكونهما لامين في الاسم قولك "فَتى" أصله "فَتَيٌ" و"عَصا" أصله "عَصَوٌ" و"رَجا" أصله "رَجَوٌ". وكذلك إن زاد على الثلاثة نحو "دَلَنْظَى" أصله: "دَلَنْظَيٌ" فقلب هذا كلّه لما ذكرته. فإن قيل فالحركة في الاسم نحو: "عصا"، و"رَحَى"، و"دَلَنْظَى" حركة إعراب ليست لازمة فلم وجب القلب؟ قيل له حركة الإعراب لازمة للمعرب، وإنّما لا تلزم حركة بعينها، لأنّه يكون مرّة نصبًا ومرّة رفعًا ومرّة

جرًّا، وإنّما كلامي على لزوم حركة من غير [تخصيص] لواحدة بعينها؛ فإن قيل فحركة الإعراب إنّما تكون في الوصل لا في الوقف فكان ينبغي أن تقلبا في الوصل ويصِحَّا في الوقف، قيل له إنّما الكلام على الوصل لأنّ فيه يظهر الإعرابُ الذي يفصل بين المعاني، فإذا ثبت القلب في الوصل حُمِل الوقف عليه. وقال بعض النّحويين: إذا كانت الياء والواو حرفي إعراب فهما متهيِّأتان لقبول الحركة التي تحلُّ فيهما فصار تهيُّؤهما لقبول ما حلّ فيهما بمنزلة ما حلّ فيهما فلزمهما القلب في الوصل والوقف. فأمّا قولهم: "ضَوٌ" في تخفيف "ضَوْء" و"شَيٌ" في تخفيف "شَيْء" و"جَيَلٌ" في تخفيف "جَيْأل" و"مَوَلَةٌ" في تخفيف "مَوْألةٍ" فلا يجوز أن تنقلب الياء والواو في هذا وما أشبهه ألفًا وإن تحرّكتا وانفتح ما قبلهما، لأنّ الحركة التي فيهما إنّما نقلناها إليهما من الهمزة التي

أسقطناها، وإذا كان كذلك فحركتهما عارضة ليست بلازمة. وكذلك لو قلت: "لوَ انّهم" "أوَ انتم" لم تقلب شيئا من ذلك، لأنّ الحركة في الواو للهمزة التي سقطت، وتقديره: "لو أنّهم" "أوْ أنتم" نقلت الحركة من الهمزة إلى الواو، فلمّا كانت حركتهما عارضة لم يجز أن تنقلب. وكذاك الحركة في: (اشتروا الضّلالة) و (لترونّ الجحيم) (فإمّا ترينَّ من البشر أحدا)، و"اخْشَيِ الرّجل" و"مُصْطَفَوُ الله" الحركة في جميع هذا لالتقاء الساكنين فلا يجوز قلبه، لأنّ الحركة ليست لازمة له. فأمّا قولهم "النَّزوان" و"الغليان" و"صميان" و"كَرَوان" فلا يجوز قلبه، لأنّه لو قلب ألفًا لوجب أن تسقط إحدى الألفين لالتقاء السّاكنين فكان يبقى: "نزانِ" و"كَرانِ" و"صَمانِ" فكان يشتبه "فَعالٌ" من الصّحيح بـ "فَعَلانٍ" من المعتلّ

فأمّا قولهم: "الطَوَفانُ"، و"الجَوَلان"، "والحَيَدان"، و"حَيَدَى" و"صَوَرَى" فكان ينبغي أن تنقلب، لأنّهما قد تحرّكتا وقبلهما فتحة، ولكنّهما لمّا كانتا عينين كانتا أقوى من اللّام، فلمّا صحّت في اللّام من قولهم "النّزوان" وهي الأضعف كانت أولى أن تصحّ في العين، لأنّها أقوى من اللام. وقال قوم إنّما صحّت في "النّزوان" و"الطَّوَفان" لأنّ بزيادة الألف والنّون خرج الاسم عن وزن الفعل فلم يجز أن يُعلّ بالقلب، وكذلك في "حَيَدَى" لأنّه بألف التّأنيث قد خرج عن وزن الفعل. فأمّا قولهم: "ماهانُ" و"دارانُ" فأصله: "مَوَهانُ" و"دَوَرانُ" فقلبه

شاذٌّ لا يقاس عليه. وقد قال المبرِّد القلب هو الأصل والتّصحيح شاذٌّ. والصّحيح ما قدّمناه من قول سيبويه. فأمّا قولهم: "اجْتوروا" و"اعْتَوَنوا" و"ازْدَوَجُوا" فإنّما صحّت الواو وإن كانت متحرّكة وقبلها مفتوح، لأنّها بمعنى ما يُسَكَّن قبل الواو. ألا ترى أنّ "اجْتَوَروا" في معنى "تجاوروا"، و"ازْدَوَجوا" في معنى "تزاوَجوا"، و"اهْتَوَشوا" في معنى "تهاوَشوا"، و"اعْتَوَنوا" في معنى "تعاوَنوا" وبابه. ولا يجوز أن تقلب الواو، لأنّ قبلها ألفًا فكذلك ما كان بمعناها لا يجوز أن يقلب. فأمّا قولهم: "حَوِلَ" و"صَيِدَ" و"عَورَ" فإنّما صحّت الياء والواو، لأنّها في معنى ما يكتنفه ساكنان، ألا تراها في معنى: "اعْوَرَّ" و"احْوَلَّ" و"اصْيَدَّ"، فلمّا كانت الواو في "اعْوَرَّ" وبابه لا يجوز أن تقلب ألفًا

لسكون ما قبلها وما بعدها، فكذلك في "عَوِرَ" وبابه لا يجوز أن تقلب، لأنّها بمعنى "اعْوَرَّ". فإن قيل: إذا أعللتم الفعل من قولكم: "دارَ" و"نارَ" فهو من "دارَ يدورُ"، و"نارَ يَنُورُ" فبأيّ شيء تفرقون بينه وبين الاسم؟ قيل له: الاسم يدخله التّنوين ويدخله الألف واللام، وحرف الجر ويضاف ويضاف إليه. والفعل يتصرّف وينتقل في الأزمنة، وإذا كان كذلك فليس يخلو واحد منهما من دليل يقترن به يميّزه من الآخر، ويزيل اللّبس بينهمان فلمّا ارتفع اللّبسُ وجب الإعلال بالقلب. فإن قيل: ولم إذا كملت هذه الشّروط التي قدّمتموها في الياء والواو وجب قلبها ألفًا؟ قيل له عن هذا السّؤال جوابان: قال بعض النّحويّين: لمّا استثقلوا الحركة في الياء والواو، وهم يُقَدّرون بحركتهما وانفتاح ما قبلهما على حرف أخفَّ لا يتأتّى حركته قلبوهما إليه وهو الألف لأنّه أخفّ.

وقال غير هذا النّحويّ: حروف المدّ واللّين تتقارب وتتجانس، والحركات مأخوذة منها فإذا ضمّت الواو فكأنّها الواوان، وإذا انكسرت [الياءُ] فكأنّها ياءان، وإذا انضمّت فكأنّها ياءٌ وواوٌ، وإذا انفتحت فكأنّها ياء وألف، لأنّ العرب تجري هذه الحركات مجرى هذه الحروف، فلمّا كانت حركة الياء والواو تؤدّي إلى هذا الثّقل والاشتباه قلبوهما إلى حرف يأمنون حركته. وهذا وجه حسن قويٌّ في القياس. فأمّا قولهم: "الحَوَكَةُ"، و"الخَوَنَةُ" فقد أعلّه قومٌ فقالوا: "حاكَةٌ" و"خانَةٌ"، وصحّحه قومٌ فقالوا: "حَوَكَةٌ" و"خَوَنَةٌ" فمن أعلّه قال: تاء التّأنيث بمنزلة المنفصل، وإذا كانت تاء التّأنيث بمنزلة المنفصل صار الاسم على وزن الفعل فوجب أن يُعَلّ بالقلب.

إبدال الألف من الهمزة

وأمّا من صحّح فله طريقان: إن شاء قال: لمّا اتّصلت تاء التّأنيث بالاسم أخرجته عن وزن الفعل فوجب أن يُصَحَّح. وإن شاء قال: إذا أعلّت العرب شيئًا بالقلب أقرّت بعضه على الصّحّة ليدلَّ على الأصل الذي أعلّوه. إبدال الألف من الهمزة اعلم أنّ الهمزة على ضربين: همزة يجب إبدالها ألفًا. وهمزة لا يجب إبدالها ألفًا. فأمّا الهمزة التي يجب إبدالها ألفًا فهي على ضربين: ضرب يجب إبداله في الكلام وفي الشعر. وضرب يجب إبداله في الشعر دون الكلام. فأمّا الذي يجب إبداله في الكلام وفي الشعر فهو أن يجتمع في الكلمة

الواحدة همزتان سواء كانت الكلمة اسمًا أو فعلا، وسواء اجتمعت الهمزتان في أوّل الكلمة أو في آخرها. فمثال اجتماع الهمزتين في أوّل الفعل قولهم: "آمَنَ" أصله "أامَنَ"، ومثال اجتماعهما في الاسم قولهم: "آدمُ" و"آخَرُ" و"آزَرُ" أصله: "أادَمُ" و"أَاخَرُ" و"أَازَرُ"، إلاّ أنّه لمّا كانت الهمزة وحدها تُسْتَثْقَل لأنّ مخرجها من الصّدر ويلحق المتكلّم فيها كالتّهوّع كانت إذا انضمّ إليها مثلها أثقل وجب القلب. وإنّما تقلب على حركة ما قبلها، فلمّا سكنت وقبلها فتحة قلبت ألفًا فقالوا: "آدَمُ" و"آخَرُ" و"آزَرُ"، والّذي يدلّ على أنّها قد قلبت قلبًا خالصًا أنّك إذا صغّرت الاسم انقلبت الألف واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها تقول: "أُوَيْدِمٌ" و"أُوَيْخِرٌ" و"أُوَيْزِرٌ" كما تقول "ضُوَيْرِبٌ"، وتحمل التصغير على التّكسير تقول: "أوادِمُ" و"أوَاخِرُ" و"أوَازِرُ" كما تقول: "كاهِلٌ" و"كَواهِلُ"، و"ضارِبَةٌ" و"ضَوارِبُ".

فأمّا الفعل فإذا رددته إلى المستقبل صارت ألفه واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها تقول: "آمن" "يومِنُ" وإذا صرت إلى المصدر صارت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فقلت "إيمانٌ". فأمّا قراءة من همز فقال: "يُؤْمِنُ" فإنّه لم يهمز الواو، لأنّ ذلك شاذٌّ، ولكنّه ردّ الهمزة التي كانت قبلها في الماضي ألفًا لزوال الهمزة الأولى مع حرف المضارعة، وكان الأصل فيه: "يُؤَؤْمِنُ" فسقطت الهمزة فصار "يُؤْمِنُ". وكان الخليل لا يجيز أن يجمع في الشعر بين "آدمَ" و"دِرْهَمٍ"

و"آخَرَ" و"شَنْبَرٍ"، لأنّ الألف في "آدمَ" و"آخَرَ" تأسيسٌ صحيحٌ، فلا يجوز أن يؤسس الشاعر بيتًا ويُجرّد بيتًا، لأنّ هذا عيبٌ في الشّعر والشّعراء اليوم على مذهب الخليل. وكان عبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ يجيز هذا، لأنّ من مذهبه أن يجمع بين همزتين في كلمة واحدة قال: فأنا أجيزه. إمّا أن أحقِّق الهمزتين فأقول: "أادَمُ"، و"دِرْهَمٌ"

و"أاخَرُ" و"شَنْبَر"، وإمّا أن أليّن الهمزة فأجعلها بين الهمزة والألف، لأنّ الملَيَّن في نيَّة المحقَّق، وفي وزنه. فأمّا اجتماع الهمزتين في آخر الكلمة فقولهم: "جاءٍ" و"شاءٍ" و"ساءٍ" أصله "جائِيٌ" و"شائِيٌ" و"سائِيٌ" وكذلك "ناءٍ" إلاّ أنّه لمّا اجتمع همزتان في الكلمة الواحدة قلبوا الثانية ياءً لانكسار ما قبلها فقالوا: "جائِيٌ" و"شائِيٌ" وسائِيٌ" و"نائِيٌ" فصارت من باب "قاضٍ" تقول: "هذا جاءٍ" و"مررت بجاءٍ" "ورأيت جائيًا"، فأمّا قول الشّاعر: ... ... يُشَجِّجُ رأسه بالفهر واجي

أصله: "واجِئٌ". والهمزة إذا كانت واحدة جاز أن تُتَحَمَّل، وإنّما وجب أن تقلب في الشِّعر لأنّ القصيدة جيميّة، ووصلها ياءٌ، وحروف الوصل لا تكون إلاّ حروف مدٍّ ولين سواكنَ فقلب الهمزة ياء فصارت وصلاً لكسرة الجيم، وهذا القلب إنّما يجوز في الشّعر، فأمّا في غير الشّعر فلا. فأمّا الهمزة في: "مأتَمٍ" و"مأثَمٍ" فيجوز أن تقع في الشعر مع:

"دِرهم" فإن شئت حقّقت الهمزة، وإن شئت ليّنتها تليينا قياسيًا، لأنّ الملَيَّن في نيّة المحقَّق تقول: "ماتمٌ" و"درهمٌ"، ويجوز أن تقع مع "عالَمٍ" فتقلب الهمزة ألفًا خالصة؛ لأنّها تأسيس كما أنّ الألف في "عالم" تأسيس وأمّا "كأسٌ" و"رأس" و"بأس" فيجوز أن تحقّقها، ويجوز أن تليّنها، لأنّ المليَّن في نيّة المحقَّق، ويجوز أن تقع في القوافي مع: "ناس" فتقلبها ألفًا خالصة ردفًا الا ترى أنّ الألف في: "ناس" لا تكون إلاّ ردفًا لأنّها ألف خالصة، فأمّا: "ذئبٌ" فيجوز أن تقع في القوافي مع: "حِبّ" فإن شئت حقّقت الهمزة، وإن شئت جعلتها بين الياء والهمزة فقلت: "ذِيبٌ" تليينًا قياسيًّا، ويجوز أن تقع في القوافي مع "شيبٍ" فتقلب الهمزة ياء خالصة. وأمّا "بئرٌ" فيجوز أن تقع في القوافي مع "بِشْرٍ"، فإن شئت حقّقت الهمزة، وإن شئت جعلتها بين الياء والهمزة، ويجوز أن تقع في القوافي مع: "عيرٍ"

فتقلب الهمزة ياء خالصة، لأنّها ردف. ألا ترى أنّ الياء في: "عيرٍ" لا تكون إلاّ ردفًا لمّا كانت ياء خالصة؟، والهمزة في: "لؤم" و"شُؤم" يجوز أن تقع في القوافي مع: "حُلْمٍ"، فإن شئت حقّقت الهمزة، وإن شئت جعلتها بين الواو والهمزة، ويجوز أن تقع في القوافي مع: "رُومٍ" و"كُومٍ" فتقلب الهمزة واوًا خالصة، لأنّها ردف، ألا ترى أنّ الواو في "رُومٍ" و"كُومٍ" لا تكون إلاّ ردفًا لمّا كانت واوًا خالصة؟. وأمّا إبدال الألف من التّنوين فإذا وقفوا على الاسم المنصوب المنوَّن أبدلوا من تنوينه ألفًا فقالوا: "لقيت زيدًا"و"ركبت فرسًا"، وجعلوا مع الألف شرطتين: "الأولى فتحة والثانية تنوين، فاجتمع في الخطّ علامتان: علامة للوقف وهي الألف، ومتى أراد الوقف وقف عليها، وعلامة للوصل وهي الشّرطتان، فمتى أراد الوصل وصل بهما. فأمّا إبدال الألف من النّون فقد أبدلوا من نون التّوكيد الخفيفة إذا كان قبلها فتحة وأرادوا الوقف عليها، وجعلوا مع الألف شرطتين أيضًا؛

ليكون الألف للوقف والشّرطتان للوصل، لأنّ نون التّوكيد الخفيفة في الفعل نظيرة التّنوين في الاسم المنصوب فقالوا: "اضْرِبا" و"قوما" يريدون: "اضربًا" و"قُومًا". قال الأعشى: ... ... ولا تعبد الشّيطان واللهَ فاعبدا أراد: "فاعْبُدَنْ"، وقال عمر بن أبي ربيعة:

وقُمَيْرٌ بدا ابنَ خمسٍ وعشري ... نَ له قالت الفتاتان قوما يريد: "قُومَنْ"، وقال الآخر: يحسبه الجاهل ما لم يعلما ... شيخًا على كرسيِّه معمَّما أراد ما لم "يعْلَمَنْ"، وفي التّنزيل: (وليكونا من الصّاغرين)

و (لنسفعًا بالنّاصية) الوقف عليهما: "ليكونَا" و"لنسفعَا". فأمّا النّون في "إذنْ" النّاصبة للفعل المستقبل، فأهل البصرة يكتبونها بالألف ويقفون عليها بالألف سواء عملت أو ألغيت، ويثبتون مع الألف

إبدال الياء

شرطتين علامة للوصل، يقولون في الإعمال: "إذًا أُكْرِمَكَ" وفي الإلغاء: "أنا إذًا أكرمُك" و"أقصدُك إذًا". وحكي عن الفرّاء أنه كان إذا أعملها كتبها بالألف، لأنّ بإعمالها لا تلتبس بـ"إذا" الزّمانيّة، وإذا ألغاها كتبها بالنّون، لئلّا تلتبس بـ"إذا" الزّمانيّة. إبدال الياء اعلم أنّ الياء قد أبدلت من حروف كثيرة بعضها يطّرد فيه البدل وبعضها لا يطّرد، وإنّما يحفظ في مكانه. ويذكر ها هنا ما يكثر استعماله وتدعو الحاجة إليه. اعلم أنّ الياء تبدل من الألف إذا انكسر ما قبلها تقول في تصغير: "مفتاح":"مُفَيْتِيحٌ" وفي تكسيره "مفاتيحُ" وفي "محراب": "مَحَيْرِيبٌ" و"مَحاريبُ". وأمثلة هذا كثيرة.

وقد تبدل الياء من الواو إذا سكنت الواو وقبلها كسرة سواء كانت الواو فاءً أو لامًا أو زائدة. فمثال الفاء قولهم: "ميعادٌ"، و"ميزانٌ"، و"ميقاتٌ"، وأصله: "مِوْعادٌ" لأنّه مِفعالٌ من الوعد، أو "مِوْزانٌ" لأنّه مِفعالٌ من الوزن، و"مِوْقاتٌ" لأنّه مِفعالٌ من الوقت. فلمّا سكنت الواو وقبلها كسرة غلبت عليها الكسرة فجذبتها إلى جنسها وهو الياء؛ لأنّ الحرف إذا سكن ضعف ومات بسكونه فغلبت عليه الكسرة، يدلّك على أنّ الكسرة غلبت على الواو السّاكنة أنّ الكسرة إذا زالت عادت الواو إلى حركتها قالوا: "مُوَيْعِيدٌ" و"مُوَيْزِينٌ" و"مَوازينُ" و"مُوَيْقِيتٌ" و"مواقيتُ". وتقول في الواو الزّائدة في "بُهْلُولٍ" و"قُرْقورٍ" و"زُنْبورٍ" و"صُندوقٍ": "بُهَيْليلٌ" و"بَهاليلُ"، و"قُرَيْقيرٌ" و"قَراقيرُ"، و"زُنَيْبيرٌ" و"زنابيرُ"، و"صُنَيْدِيقٌ" و"صناديقُ"، وأمثلته كثيرة، وهو قياس مطّرد. وقد تبدل هذه الواو ياء وإن تحرّكت إذا وقع قبلها ياء التّصغير قالوا في تصغير "عجوزٍ": "عُجَيِّزٌ"، والأصل: "عُجَيْوِزٌ"، وفي تصغير "عمودٍ"

"عُمَيِّدٌ"، والأصل: "عَمَيْوِدٌ" فقلبوا الواو ياء، وأدغموا ياء التّصغير فيها. وسأستوفي هذا الفصل في مكان آخر إن شاء الله. وأمّا قلب الياء من الواو إذا كانت الواو لامًا فقولهم: "غازٍ" وهو من "غزَوْتُ"، و"دانٍ" وهو من"دَنَوْتُ"، و"عالٍ" وهو من "عَلَوْتُ"، وأمثلته كثيرة. سألت بعض النّحويّين عن قلب هذه الواو إلى الياء فقلت له: شرطتم بأنّ الواو تنقلب ياءً إذا سكنت وانكسر ما قبلها، والأصل في هذا: "غازِوٌ" فالواو متحرّكة فقد نقص أحد الشّرطين، وكان ينبغي أن تصحَّ الواو ولا تنقلب، وليس يجوز أن يقال بأنّا استثقلنا الخروج من كسر لازم إلى ضمٍّ لازم، لأنّ ضمّة الواو إعرابٌ، والإعراب ليس بلازم. فقال لي: نوينا الوقف على الواو، فلمّا سكنت للوقف وقبلها كسرة غلبت عليها الكسرة فقلبتها ياء. فقلت له: نحن نقول في المؤنّث: "غازيةٌ" فقد زال السّكون. فقال لي: التّانيث طارئٌ على لفظ التّذكير، فالتّأنيث فرع والتّذكير هو الأصل، فلمّا وجب القلب في الأصل حمل الفرع عليه.

وهذا كلّه عن أبي القاسم الدّقّاق رحمه الله. وذكر ابن جنّي في بعض كتبه أنّ آخر الكلمة هو موضعٌ يلزمه التّغيير. ألا ترى أنّ الإعراب يحلّ فيه وحركات البناء وينقلب في الإعراب من حال إلى حال؟ فلمّا كان التّغيير لازمًا للطّرف كفى في القلب علّة واحدة وهو كون الكسرة قبلها، وإنّما يحتاج في القلب إلى مجموع علّتين إذا بعدت الواو من الطّرف؛ لأنّها إذا بعدت من الطّرف قويت فاحتجنا أن نقول لأنّها ساكنة وقبلها كسرة. فأمّا الياء في: "ريحٍ" فأصلها:"رِوْحٌ" "فِعْلٌ" من الرَّوْح فلمّا سكنت وقبلها كسرة انقلبت ياء يدلّك على أنّ الياء في: "ريحٍ" انقلبت عن واو أنّه من الرَّوْح، وتقول في تصغيرها: "رُوَيْحَةٌ" وفي تكسيرها "أرْواحٌ"، وتقول: راوَحْتُ بين الشّيئين. و"عيدٌ" الياء فيه منقلبة عن واو؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، وأصله:

"عِوْدٌ": "فِعْلٌ" من العَوْد، ولا اعتبار بلزوم الياء في التّصغير والتّكسير في قولهم: "عُيَيْدٌ" و"أعْيادٌ"، لأنّ هذا شاذٌّ، وإنّما ألزموه الياء ليَفْرقوا بينه وبين: "عُودٍ" و"عَوْدٍ" قال قوم من أهل الاشتقاق أصله من عاد يعُودُ كأنّه يعود بالفرح والسّرور. وأمّا: "قيَل" فأصله: "قُوِلَ" فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، لأنّه من القول. وسأستوفي هذا في اعتلال الأفعال إن شاء الله. فأمّا "دِيمَةٌ" فهي "فِعْلَةٌ" من الدَّوام، وأصلها: "دِوْمَةٌ" فلمّا سكنت الواو وقبلها كسرة انقلبت ياء. يقولون: دامت السّحابة تدوم إذا ثبتت من الوقت إلى الوقت، ويقولون: دَوَّمت السّحابة أيضًا قال الشاعر: هو الجواد بن الجواد بن سَبَلْ ... إنْ دَوَّموا جاد وإن جادوا وَبَلْ

فإن سكنت الواو للإدغام سلمت من القلب لتحصّنها بالإدغام وإن كان قبلها كسرة، فأمّا قولهم: "دِيوانٌ" فقلبه شاذٌّ، لأنّ الأصل: "دِوَّان" فالواو قد تحصّنت بالإدغام، يدلّك على أنّ هذا هو الأصل قولهم في التّصغير: "دُوَيْوِينٌ"، وفي التّكسير "دَواوينُ"، فعادت الواو التي انقلبت ياء لمّا فرّقت الألف بين المثلين. فأمّا قولهم: "دينارٌ" فالأصل فيه: "دِنّارٌ"، وقولهم: "دِيباجٌ" فالأصل فيه: "دِبَّاجٌ" على أحد القولين وقولهم "قِيراطٌ" فالأصل فيه: "قِرّاطٌ"، إلّا أنهم كرهوا التّضعيف مع الكسرة قبله فقلبوا الأوّل من المثلين ياء يدلّك على أنّ

هذا هو الأصل رجوع المثال المنقلب في التّصغير والتّكسير في قولهم: "دُنَيْنيرٌ" و"دنانيرُ" و"قُرَيْريطٌ" و"قَراريطُ" و"دُبَيْبيجٌ" و"دَبابيجُ"، فهذا يدلّ على أنّ هذا هو الأصل. الياء في "ديباجٍ" منقلبة عن باء، فأمّا، من قال: "دَيايِيجُ" فليس الياء في "ديباج" منقلبة عن باء. فأمّا من قال: "شَراريزُ" فالياء في "شيرازٍ" منقلبة عن راء، والأصل: "شِرّازٌ" وتقول في التّصغير: "شُرَيْريزٌ" لأنّهم يستثقلون التّضعيف مع الكسر. وقد قال قوم في تكسيره: "شَياريزُ" حملوه على اللّفظ، وفي التّصغير: "شُيَيْرِيزٌ". وقال آخرون: "شُوَيْريزٌ" وفي الجمع: "شَوارِيزُ"، كأنّهم جعلوا الياء في: "شيرازٍ" منقلبة عن واو، ولمّا قلبوا الرّاء ياء أَنَّسهم هذا التّغيير بالتّغيير الثاني فقلبوا الياء واوًا.

إبدال الواو

إبدال الواو الواو تبدل من الألف إذا انضمّ ما قبلها تقول في "ضارِبٍ": "ضُوَيْرِبٌ"، وفي "كاهِلٍ" "كُوَيْهِلٌ"، وفي "خاتَمٍ": "خُوَيْتِمٌ"، وفي "غارِبٍ": "غُوَيْرِبٌ". وقد تبدل في الفعل الماضي إذا كان ثانيه ألفًا وبنيته لما لم يُسَمَّ فاعله تقول: "ضُورِبَ زيدٌ" و"خُوصِمَ عمروٌ"، و"قُوتِلَ بكرٌ"، و"ضُوعِفَ الأجر"، وكان "ضاعف"، و"قاتل"، و"خاصم". و"تُمُودَّ الثّوْبُ"، والأصل: "تَمادَّ". وقد تبدل الواو من الياء السّاكنة إذا كان قبلها ضمّة وليست مدغمة

قالوا: "كُوسَى" وهو من "الكَيْسِ"، و"طُوبى" وهو من "الطِّيب". وقالوا: "مُوقِنٌ"، والأصل: "مُيْقِنٌ"، لأنّه من اليقين، وقالوا: "مُوسِرٌ" وهو من "اليُسْر" والأصل فيه: "مُيْسِرٌ"، فلمّا سكنت الياء ولم تكن مدغمة غلبت عليها الضّمّة فقلبتها واوًا، يدلّك على ذلك أنّها إذا تحرّكت سلمت من القلب تقول: "مُيَيْقِنٌ" و"مُيَيْسِرٌ" في التّصغير، و"مَياقِنُ" و"مَياسِرُ" في التّكسير فتصحُّ الياء، لأنّها قويت بحركتها. فأمّا قولهم: "عُيِّنَ" و"دُيِّثَ" و"حُيِّنَ" فإنّ الياء لم تنقلب واوًا وإن كانت ساكنة وقبلها ضمّة، لأنّها تحصّنت بالإدغام.

فأمّا قلب الواو من الهمزة فإنّما يجب إذا كانت الهمزة في موضع الرِّدْف تقول في "لُؤْمٍ": "لُومٍ" إذا كان بإزائها في القصيدة: "شُومٌ" أو "حُومٌ"، وتقول في "جُؤْنَةٍ" "جُونةٌ" إذا كان معها في القصيدة: "عُونَةٌ" وهذا القلب إنّما يجيزه الكلام. التّحقيقَ والتّليينَ (¬1) القياسيَّ، وكلُّ ما يجوز في الكلام يجوز في الشّعر، وليس كلّ ما يجوز في الشّعر يجوز في الكلام والنّثر. ¬

_ (¬1) أي: أعني التحقيق والتليين القياسي.

إبدال الهمزة

إبدال الهمزة اعلم أنّ الهمزة قد أبدلت من ألف التّأنيث إذا وقعت بعد ألف زائدة، للمدّ فقالوا: "حمراء"، و"صفراء"، و"خنفساء"، و"أنبياء" وأمثلته كثيرة. وأصل "حمراء": "حَمْرَى" على وزن: "سَكْرَى"؛ فلمّا أرادوا أن يكثّروا أبنية التّأنيث ويجعلوا له صيغة ممدودة كما جعلوا له صيغة مقصورة، ليتوسّعوا بذلك في نظم الشّعر والخطابة والسّجع زادوا قبل الألف التي في "حمراء" ألفًا للمدّ فصارت ألف التّانيث طرفًا بعد ألف زائدة فاجتمعت ألفان، فلم يخل أن يجمع بينهما، أو يسقطوهما، أو يسقطوا إحداهما أو يحرّكوا إحداهما، ولا يجوز الجمع بين ألفين لسكونهما، ولا يجوز إسقاطهما، لئلا يختلّ معنى الاسم، ولا يجوز إسقاط إحداهما، لأنّ

كلّ واحد منهما، دخل لمعنًى فإسقاطه يخلّ بالمعنى الذي دخل من أجله. فلا بدّ من تحريك أحدهما، فليس يخلوا أن يحرّكوا الأولى أو الثّانية، ولا يجوز أن يحرّكوا الأولى لأمرين: أحدهما: أنّ الأولى زيدت للمدّ فلا حظّ لها في الحركة، فلو حرّكوها لحرّكوا مالا يجوز حركته. والثّاني: أنّهم لو حرّكوها لانقلبت همزة، وبعدها ألف التّأنيث فكانت تكون الكلمة مقصورة وهم يريدون المدّ فلا يحصل لهم المدّ، فلمّا فاتهم تحريك الأولى حرّكوا الثانية، وكانت أوْلى بالحركة لأمرين: أحدهما: أنّ بحركتها تصير الكلمة ممدودة. والثاني: أنّ ألف التّأنيث قد شُبِّهت بالأصول من حيث كانوا يقلبونها ياء في جمع التّكسير إذ قالوا: "حَبالِي" وكانوا يجعلونها حرف رَوِيٍّ، فلمّا أشبهت الأصول كانت أحقّ بالحركة، ولمّا حرّكوا الثّانية وهي ألف التّانيث، والألف إذا حرّكت إنّما تنقلب إلى أقرب الحروف إليها وهي الهمزة فقالوا: "حمراءُ" و"صَفراءُ" فحصل لهم المدُّ الذي قصدوه. وإذا كان في أوّل اسم أو فعل واوٌ مضمومة ضمّة لازمة فإنّ العرب

تختلف في همزها فمنهم من يهمزها، ومنهم من لا يهمزها فمن همز قال: الضّمّة في الواو بمنزلة واو فكأنّهما واوان قد اجتمعتا ففررت إلى الهمزة، لأنّها أخفّ فقلت في "وُجوهٍ": "أُجوه". وكذلك إن كانت الواو حشوًا مضمومة ضمًّا لازمًا فمنهم من يهمزها للعلّة التي قدّمت ذكرها، ومنهم من لا يهمزها يقولون في جمع دار: "أَدْؤُرٌ" وفي جمع ثَوْبٍ: "أثْؤُبٌ"، وفي جمع نارٍ: "أنْؤُرٌ"، قال عمر بن أبي ربيعة: ... ... وأُطْفِئتْ ... مصابيحُ شُبَّتْ بالعشيِّ وأنْؤُرُ

وقال الآخر: لكلِّ حهر قد لبست أثْؤُبا ومن لم يهمز قال: "أثْوُبٌ"، و"أنْوُرٌ"، و"أَدْوُرٌ"، و"وجوهٌ". ووزن "أثْوُب": "أفْعُل". وبعض من يهمز هذه الواو المتوسّطة في "أدْؤُرٍ" يقدّمها على الدّال فتصير:" أادُر" فيجتمع همزتان في كلمة واحدة فيقلب الثانية ألفًا، لسكونها وانفتاح ما قبلها فيقولون "آدرٌ" ووزن الكلمة: "أعْفُل". وقد قالوا في "أبْآر" ووزنها "أفْعالٌ": "آبارٌ" فقدّموا عين الكلمة على فائها، أصله: "أابارٌ" فقلبوا الهمزة ألفًا ووزن الكلمة: "أعْفالٌ". وقد قالوا: "رَأيٌ" و"أرْآءٌ" ووزن الكلمة: "أفْعالٌ" ثم قدّموا الهمزة فصار: "أاراء" ثم قلبوا فقالوا: "آراءٌ" ووزن الكلمة "أعْفالٌ". وقالوا في جمع "ناقةٍ": "أنْوُقٌ" ووزن الكلمة: "أفْعُل" فمنهم من يقدّم الواو على النّون فيصير: "أَوْنُقٌ" ثم تقلب الواو ياء فيقول:

"أيْنُقٌ" فوزن الكلمة على هذا: "أعْفُلٌ"، ومنهم من يحذف الواو ويقول: الياء عوض من الواو فوزن الكلمة على هذا "أيْفُلٌ". فأمّا "سُوُوقٌ" جمع: "ساقٍ" فوزنه "فُعُولٌ"، ومنهم من يهمز الواو للزوم ضمّها فيقول: "سُؤُوقٌ". فأمّا قولهم: "أُولى" فوزنها: "فُعْلَى" وأصلها: "وُولى" فكلّهم همزها

فقال: "أُولى" لاجتماع واوين في أوّل الكلمة. و: "وُلْيَى" تأنيث "أَوْلَى" فهي "وُلْيَى". ولك أن تهمزها للزوم ضمّتها فتقول: "أُلْيَى". فإن بنيت الفعل لما لم يُسَمَّ فاعله، وكان في أوّله واوٌ فإنّها تنضمُّ، وإذا انضمّت جاز همزها تقول في "وُعِدَ": "أُعِدَ"، وفي "وُزِنَ": "أُزِنَ"، وفي "وُمِقَ": "أُمِقَ"، وفي "وُثِقَ": "أُثِقَ"، وقد قرئ: (وإذا الرّسل أُقِّتَتْ)

فإن كانت ضمّة الواو غير لازمة فهمزة خطأ نحو قولهم: "هذا دلوٌ وحَقْوٌ"، لأنّ هذه ضمّة إعراب يزيلها العامل إذا قلت: "رأيت دلوًا وحَقْوًا". وكذلك الضّمّة في قوله: (لتروُنَّ الجحيم) و (اشترَوُا الضّلالة) لا يجوز همزها، لأنّ الضمّة لالتقاء السّاكنين، والتقاء السّاكنين غير واجب، فإذا لم يجب التقاء السّاكنين فالحركة التي تجيءُ عن التقائهما غير واجبة، ألا تراك تقول: "اشتَرَوْا ثوبًا" فيسلم سكون الواو لمّا لم يلقها ساكن بعدها. فإذا كانت الواو مكسورة في أوّل اسم نحو: "وِشاح" و"وِفادة" و"وِعاء" و"وِسادة" فبعض النّحويّين يقول همزها قياس، وبعضهم يقول أقصُره على المسموع. وإنّما همزوا الواو المكسورة، لأنّهم استثقلوا الكسرة فيها كما يستثقلون الياء بعدها فيقولون: "إشاحٌ" و"إفادةٌ" و"إِسادةٌ" و"إِعاءٌ"

"وإكافٌ"، وقرأ سعيد بن جبير: (ثمّ استخرجها من إعاء أخيه). فإن وقعت الواو المكسورة حشوًا لم يجز همزها نحو: "طويلٍ" و"طويلةٍ" و"حوِيلٍ"، و"سَوِيطٍ". فأمّا قولهم "مصائِبُ" في جمع "مُصيبة" فأصله: "مَصاوِبُ" فالواو هو الصّحيح وهمزها خطأ ومن همزها شبّه الواو المكسورة حشوًا بالواو المكسورة أوّلاً في نحو: "إشاح" وهذا تأويل قريب. فأمّا "مَناوِرُ" في جمع منارة فلم يهمزه أحد

فإن كان كسر الواو لالتقاء السّاكنين نحو: (لوِ استطعنا) و (اشتروِا الضّلالة) فيمن كسر الواو فهمزها خطأ، لأنّ الحركة لالتقاء السّاكنين غير لازمة. وكذلك إن كانت الكسرة للإعراب نحو: "دلوٍ" و"حقوٍ" لم يجز همزها، لأنّ حركة الإعراب غير لازمة. فأمّا الواو المفتوحة فلا يجوز همزها، لأنّ الفتحة فيها لا تستثقل، كما لا تستثقل الألف بعدها سواء كانت الواو أوّلا أو حشوًا أو أخيرًا، ولكنّه قد شذّ من المفتوحة حريفاتٌ همزت في أوّل الكلمة كلمات معدودة قالوا: "أحدٌ" وأصله: "وَحَدٌ"، لأنّه فَعَلٌ من الوِحْدة، فأمّا مؤنّثه وهو: "إحْدى" فإنّما همزوا الواو، لأنّها مكسورة، وأصله: "وِحْدى" على ما قدّمت في "إشاح" و"وِشاح". وقالوا: امرأةٌ "أناةٌ"، وأصله: "وَناةٌ" فَعَلَةٌ من الوُنِيِّ يصفون به المرأة الكسول، لأنّ المرأة إذا عظمت عجيزتها ثقلت عليها الحركة، وهذا ممّا تمدح به النّساء.

وقالوا: "أبَلَة" الطّعام، وأصله: "وَبَلَة" من الوَبيل وهو الوخيم الرّديءُ. وهذا كلّه قليل شاذٌّ لا يقاس عليه. وقد أبدلوا الهمزة من الواو والياء إذا وقعتا طرفًا بعد ألف زائدة فقالوا: "كِساءٌ" وهو فِعالٌ من الكِسْوَة، وقالوا: "رِداءٌ" وهو فِعالٌ من الرّدْيَة، والأصل فيهما: "كِساوٌ" و"رِدايٌ"، وقد قالوا: "عِلْباءٌ" وأصله "عِلْبايٌ". ولك في همز هذه الياء والواو طريقان، في كلّ واحد من الطّريقين لا تراعي الألف من وجه، وتراعيها من وجه آخر. فأحد الطّريقين أن تقول: الألف الزائدة بمنزلة الفتحة، فإذا كانوا يقلبون الياء والواو لتحرّكهما وانفتاح ما قبلهما، فأقلّ الأقسام أن تكون الألف الزّائدة بمنزلة الفتحة اللاّزمة، فقلبوا الياء والواو ألفًا، فاجتمع ألفان: الألف الزّائدة والألف المنقلبة. فمن هذا الوجه يراعون الألف. والوجه الثّاني في القلب أن يقولوا: الألف الزّائدة لا يعتدّ بها وكأنّها ليست بموجودة في اللّفظ، وإذا كان كذلك صارت الياء والواو كأنّهما قد وليتا الفتحة التي قبل الألف، فوجب أن تقلب ألفًا، فإذا انقلبت ألفًا اجتمعت ألفان فعلى هذا الوجه تراعى الألف الزّائدة. وعلى التّقديرين جميعًا في القلب قد اجتمع ألفان. فلا يخلو أن يجمع

بينهما، أو تسقطهما، أو تسقط أحدهما، أو تحرّك أحدهما. ولا يجوز الجمع بينهما، لأنّ الجمع بين ألفين محال، ولا يجوز إسقاطهما، لأنّه يختلّ معنى الكلمة، ولا يجوز إسقاط أحدهما، لأنّه لا يخلو أن يسقط الأوّل أو الثّاني، وأيّهما أسقطنا صارت الكلمة مقصورة ونحن نريد المدّ، فيجب أن يحرّك، ولا يجوز أن تحرّك الألف الأولى لأمرين: أحدهما: أنّها زيدت للمدّ ولا حظّ لها في الحركة. والثّاني: أنّا لو حرّكناها لانقلبت همزة وبعدها ألف فكانت الكلمة تكون مقصورة، وهم يريدون المدّ. فإذا بطل تحريك الأولى وجب تحريك الثّانية لأمرين: أحدهما: أنّ لها أصلاً في الحركة. والثّاني: أنّها إذا حرّكت صارت همزة وقبلها ألف فجاءهم المدّ الذي أرادوه. فإن كان بعد هذه الياء والواو تاء التّأنيث نحو: "عَبَايَة" و"شَقاوَة" و"غَباوَة"، و"صَلايَة" و"مُحَّايَة" و"رَثَّايَة" فمن العرب من يقول: تاء التّأنيث منفصلة من الاسم، والأصل هو التّذكير فكأنّ الياء والواو قد وقعتا

طرفًا بعد ألف زائدة فيقلبهما ألفًا على التّقديرين اللذين ذكرتهما، ثم يحرّك الألف فتصير همزة فيقول: "عَباءٌ" ثم يلحق الهاء فيقول: "عباءة" و"صَلاءة" و"مَحّاءَة" و"شَقاءَة" و"رَثّاءَة". وفيهم من يقول إنّما كنت أستثقل حركة الإعراب في الياء والواو واختلافهما فيهما، فلمّا اتّصلت بهما تاء التّأنيث حصَّنَتْهما وصار الإعراب يحلّ في تاء التّأنيث ولزمت الياء والواو الفتح، والفتحة فيهما غير مستثقلة فقال: "عَبايَةٌ" و"صَلايَةٌ" و"شَقاوَةٌ" و"مَحَّايَةٌ". والقائل بهذا القول قد بنى الكلمة على التّذكير فجاءت تاء التّأنيث وقد استقرّ الهمز والقلب.

فأمّا قولهم: "ماءٌ" فالأصل: "مَوَهٌ" فقلبوا الواو ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصار: "ماهٌ"، ثمّ قلبوا من الهاء همزة، لأنّ الهاء تصاقب الهمزة وتجاورها وإن كانت الهاء فُوَيْقًا منها في المخرج قليلاً فقالوا: "ماءٌ" وهذا شاذٌّ؛ لأنّهم لا يُعِلّون حرفين متلاصقين ويدلّك على أنّ أصله "مَوَهٌ" قولهم في التّصغير: "مُوَيْهٌ" وفي تكسيره "أمْواهٌ" و"مِياهٌ" وفي تصريف الفعل منه "ماهَتِ الرَّكِيَّةُ" تمِيهُ وتمُوهُ وتَماهُ" إذا نبع ماؤها. فكما قلبوا من الهاء هاهنا همزة، فقد قلبوا من الهمزة هاء قرأ بعض

المتقدّمين: (هِيّاك نعبد وهِيّاك نستعين) قال الشّاعر: فَهِيّاك والأمر الذي إن توسّعت ... موارده ضاقت عليك مصادره وقد قال قوم: "شاءٌ" أصله: "شَوَهٌ": لقولهم: "تشوَّهتُ شاة" إذا

صِدْتُها، فقلبوا من الواو ألفًا، ومن الهاء همزة فقالوا: "شاءٌ". وقال قوم: هذا اسم للجمع ليس من لفظ "شاةٍ" وإن كان فيه بعض حروفه. وقالوا في قول امرئ القيس: وقد رابني قولها يا هَنا ... هُ ويحك ألحقْتَ شَرًّا بشرِّ

قال قوم: هو "فَعالٌ" من قولهم: "هَنُوكَ"، و"هَنَواتٌ"، وأصله: "هَناوٌ" فقلبوا الواو ألفًا على الطّريقتين اللّتين ذكرتهما وقلبوا من الألف همزة فقالوا: "هَناءٌ" ثمّ قلبوا من الهمزة هاء فقالوا: "يا هَناهُ". وهذا مذهب سديد.

وقال قوم: إنّما هو "يا هَنا" ثم ألحق الهاء للسّكت فقال: "يا هَناهْ"، ثمّ اضطُرَّ الشّاعر فحرّك هاء السّكت. وهذا الوجه ضعيف جدًّا، لأنّ هاء السّكت لا يجوز حركتها، ولا سيّما إذا وجدنا طريقة أخرى تغنينا عنها. فأمّا قولهم: "آلٌ" فهذا الاسم لا يستعمل إلاّ

مضافًا إلى الأعلام، وقال قوم هو أخصّ من أهلٍ، قد قيل في أهل مكّة هم "آلُ الله" قال الشاعر: نحن آلُ الله في كعبته ... لم يزل ذاك على عهد إبرَهَمْ وأصله: "أهْلٌ" فقلبوا من الهاء همزة ليفرقوا بين العامّ والخاصّ فقالوا: "أالٌ" فاجتمع همزتان في كلمة واحدة كما اجتمعتا في "أادَمَ" فقلبوا الثّانية

ألفًا لسكونها وانفتاح ما قبلها فقالوا: "آلٌ"، واختلفوا في تصغيره فكان يونس يقول في تصغيره: "أُوَيْلٌ"، ويقول هذه ألف صحيحة ينبغي أن تنقلب واوًا كما قلت في تصغير: "آدم": "أُوَيْدِمٌ". وكان غيره يردّ الهاء في التّصغير فيقول: "أُهَيْلٌ"، ويقول إنّما رددت الهاء لأدلّ على الأصل الذي انقلبت عنه.

إبدال النون

إبدال النّون اعلم أنّ النّون قد أبدلوها من الهمزة المنقلبة عن ألف التأنيث قالوا في "صَنْعاء": "صَنعانِيٌّ"، وفي "بَهْراء": "بَهْرانِيٌّ" وفي "سُوراء": "سُورانِيٌ" وفي "بَطْحاء": "بَطْحانِيٌّ" والأصل: بطحاء وسُورا وبهراء وصنعاء.

قال الخليل إنّما قلبوا من الهمزة نونًا ليدلّوا على أنّ النّون في: "سَكْران" و"عَطْشان" وبابهما منقلبة عن همزة التّأنيث في نحو: "حمراء" وبابها، لأنّ العرب إذا أعلّت شيئًا تركوا بعضه خارجًا على الأصل، ليكون شبهة على الأصل الذي انتقلوا عنه إلى غيره. وقال غير الخليل النّون في "بَهْراني" و"صَنْعانِي" و"سُورانِي" و"بَطْحانِي" منقلبة عن الواو التي انقلبت عن الهمزة، التي انقلبت عن ألف التّأنيث. كأنّهم قالوا: "صنعاء" ثم قلبوا من الهمزة الواو فقالوا: "صَنْعاوِي" و"بَهْراوِي" و"سُوراوِي" و"بَطْحاوِي"، وإنّما قلبوا النّون من الواو، لأنّ

إبدال الميم

النّون فيها غنّة فهي تشابه الواو، ولأنّ النّون تدغم في الواو فتقلب إليها إذا قلت: "مِن وّاقد"؛ ولأنّ النون تكون ضميرًا كما أن ّالواو تكون ضميرًا تقول: "النّساء يضربن" كما تقول: "الرّجال يضربون" وتكون النّون علامة للجمع كما تكون الواو علامة للجمع تقول: "يَقُمْن جواريك" كما تقول: "يقومون إخوتُك"، وتكون النّون إعرابًا تدلّ على الرّفع كما تدلّ الضّمّة تقول: "يضربان" كما تقول: "يضربُ"، وتقول: "تضربين" كما تقول: "تضربُ"، و"يضربون" كما تقول: "يضرِبُ". وإثبات النّون في أمثلة مخصوصة تقوم مقام الضمّة. إبدال الميم قد أبدلوا الميم من الواو في قولهم: "فمٌ" والأصل فيه: "فَوْهٌ" فأسقطوا الهاء، لأنّها تشابه حروف المدّ واللّين من حيث كانت تقع

وَصْلاً لحروف الرَّوِيّ في الشّعر ساكنة ومتحرّكة فلمّا أشبهت حروف المدّ واللّين جاز حذفها كما تحذف حروف العلّة وهي حروف المدّ. فلمّا أسقطت الهاء كان ينبغي أن يقع الإعراب على الواو. ولو تحرّكت وقبلها فتحة لانقلبت ألفًا، وإذا انقلبت ألفًا لحقها التّنوين فسقطت الألف لالتقاء السّاكنين فقلت: "فًا" فبقي الاسم الظّاهر على حرف واحد، وهذا أقلّ ما يوجد في الأسماء الظّاهرة، فلمّا كان بقاء الواو يؤدّي إلى القلب والإسقاط وهذا الإجحاف الذي ذكرته والخروج عن الأمثلة والنّظائر، ووجدوا الميم توافق الواو في المخرج من الشّفتين، وتوافقها في الغنّة قلبوا من الواو ميمًا، لأنّها حرف صحيح يتحمّل حركات الإعراب فقالوا: "هذا فمٌ" و"رأيْتُ فمًا" و"عَجِبْتُ من فمٍ".

فإذا صغّروا الاسم أو كسّروه عادت الهاء ليتمّ مثال التّصغير والتّكسير وإذا رجعت الهاء عادت الواو فقالوا في التّصغير: "هذا فُوَيْهٌ"، وفي التّكسير: "هذه أفواهٌ". فأمّا قول الشاعر: عجبتُ لها أنّى يكون غناؤها ... فصيحًا ولم تفغر بمنطقها فما فالألف للوصل وليست من نفس الاسم، فأمّا قول الشّاعر:

هما نفثا في فيَّ من فَمَوَيْهما ... على النّابح العاويّ أشدَّ رجامِ فقال قوم: اضطرّ الشاعر فجمع بين العِوَض والمُعَوَّض.

والصّحيح أنّ الميم ليست عوضًا من الواو، وإنّما هي بدلٌ، وكلّ بدل عوضٌ، وليس كلّ عوضٍ بدلا. والفرق بين العوض والبدل أنّ البدل يجتمع مع المُبْدَل ويحلُّ محلَّه، والعِوَضُ لا يجتمع مع المُعَوَّض ولا يحلّ محلّه، وإنّما يتأخّر عن مكان المُعَوَّض ويتقدّم عليه. فلمّا كانت الميم بدلا من الواو جاز أن يجمع بينهما من حيث كانت بدلاً، لا عِوَضًا خالصًا. وكان ينبغي أن يقول إنّما ردّ الواو في "فَمَوَيْهما"، لأنّه أقرّ الميم في مكانها ليدلّ على صحّة بدلها، ولو أخّرها لتُوُهِّم أنّها زائدة. وقال قوم: أصله "فَوْهٌ" وزنه "فَعْلٌ" ثم قدّم الهاء على الواو فقال: "فَهْوٌ" فوزنه "فَلْعٌ"، ثم أسقط الواو فبقي "فَلٌ" ثم أبدل من الهاء الميم فقال: "فَمٌ" فلمّا اضطُرَّ الشّاعر إلى إقامة الوزن ردّ الواو فقال "فَمَوَيْهما" فوزنه على هذا التقدير: "فَلَعَيْهما"، وعلى التّقدير الأوّل: "فَمَعَيْهما"، وهذا الوجه الثّاني ضعيف، لأنّ الميم ليس تقوى مشابهتها للهاء فتبدل منها، ولا هي من مخرجها، ولكنّ هذا القائلَ لمّا رأى الهاء تشبه حروف العلّة وكانت الميم من مخرج الواو، والواو من حروف العلّة توصَّل بهذا الشّبه البعيد فقال: الميمُ بدلٌ من الهاء.

فإن قيل فقد قلتم: الاسم الظّاهر لا يبقى على حرفين أحدهما حرف علّة لما يُؤدّي إليه من إسقاط حرف العلّة من أجل التّنوين وبقاء الاسم الظّاهر على حرف واحد. فما تصنعون في قول العجّاج؟ خالط من سلمى خياشيمَ وفا قيل له عن هذا السّؤال جوابان:

أحدهما: أنّ هذا الشّاعر من لغته أن لا يُنَوِّن القوافي فصار بمنزلة ما فيه الألف واللاّم، فلمّا أمن التّنوين جاز أن يبقي الاسم على حرفين أحدهما حرف علّة. والجواب الثّاني أنّه أراد "فاها"، والضّمير إذا اتّصل بالكلمة صار كالجزء منها فجاز أن يحذفها للضّرورة وهو ينويها. وقد أبدلوا من النّون السّاكنة إذا كان بعدها الباء ميمًا فقالوا في "عَنْبَر": "عَمْبَر". وفي "شَنْباء" "شَمْباء"؛ وإنّما قلبوا من النّون السّاكنة مع الباء ميمًا لأنّهم وجدوا النّون تدغم في الواو كقولهم: "من وّاقد"، وتدغم في الميم كقولهم: "مِن مُّحارب"، لأنّ إدغامها في الميم والواو لا يخلُّ بغنّتها. ولم يجز أن يدغموها في الباء لئلّا تذهب غنّتها، وأرادوا أن يكملوها التّغيير مع حروف الشّفة فغيّروها بأن قلبوها ميمًا إذا كانت ساكنة وبعدها الباء، وصار تغييرها بالقلب إلى الميم كإدغامها. فإن تحرّكت النّون قبل الباء قويت بحركتها فلم يجز تغييرها نحو: "الشَّنَب" و"العِنَب".

إبدال التّاء اعلم أنّ التّاء قد أبدلوها من الواو إذا كانت الواو فاءً، وكثر إبدالها. والسّبب في ذلك أنّ الواو حرف معتلّ، والحركة فيه تثقل، والواو مخرجها من الشّفة، ومخرج التّاء من طرف اللسان وأصول الأسنان، فلمّا قارب مخرج التّاء لمخرج الواو، وكانت التّاء أجلد من الواو وأحمل للحركة قلبوا التّاء من الواو فقالوا: "تُجاهٌ" وأصله "وُجاهٌ" لأنّه "فُعالٌ" من واجَهْتُ. فأمّا: "جاهٌ" فقد قدّموا العين على الواو وأصله: "جَوَهٌ" ووزنه "عَفَلٌ" فلمّا تحرّكت الواو وقبلها فتحة قلبت ألفًا. وقالوا: "تُراثٌ" وأصله "وُراثٌ"، لأنّه فُعالٌ من وَرِثْتُ. وقالوا: "تُكْلانٌ" وأصله: "وُكْلانٌ" وهو فُعْلانٌ من وَكَلْتُ ومن الوَكيل. وقالوا: "تُكَأةٌ" وأصلها: "وُكَأَةٌ" من وَكَاتُ، وقالوا: ضَربه حتّى "أتْكأَهُ" وأصله "أوْكَأَهُ" أفْعَلَهُ من "وَكَاتُ". وقالوا: "أتْلَجَهُ" وأصله: "أوْلَجَهُ" "أفْعَلَهُ" من الوُلوج.

وقالوا: "تَقِيَّةٌ" وأصلها: "وَقِيَّةٌ" "فَعيلةٌ" من وَقَيْتُ. وقد أبدلوا التّاء من لام الكلمة قالوا: "هَنْتٌ" وأصله: "هَنْوٌ". وقالوا: "بِنْتٌ" وأصله: "بِنْوٌ"، وقالوا: "أخْتٌ" والأصل: "أخْوٌ" لأنّهم قالوا: "هَنَواتٌ" و"أخواتٌ" وقالوا: "الأُخُوَّةُ"، و"البُنُوَّةُ" قال الشّاعر: أرى ابن نزار قد جفاني وملّني ... على هنواتٍ شأنها متتابعُ

وقد قالوا في "كِلْتا" أصلها: "كِلْوا" فقلبوا من الواو تاء. وقد قالوا في القسم: "تا لله"، والأصل "والله" وهذه الواو بدلٌ من الباء في "بِاللهِ" ثم قلبوا من الواو تاء فقالوا: "تا لله" فهذه التاء بدلٌ من واوٍ أبدلت من باء.

وقد قالوا في القسم: "ها للهِ" فقال قومٌ: "ها" بدل من واو القسم في قولهم: "والله". وقد أبدلت في حروف غير هذا، وليس هذا بدلاً ينقاس. وقد أبدلوها من الياء وهي لام قالوا: "ثِنْتان" وأصله: "فِعْلان" من "ثَنَيْتُ" وأصله: "ثَنْيان"، وإبدالها من الياء قليل جدًّا. وقد أبدلوا التّاء من الياء في قولهم كان من الأمر: "ذَيْتَ وذَيْتَ" و"كَيْتَ وكَيْتَ" والأصل: "ذَيَّتَ" و"كَيَّتَ" فأسقطوا تاء التّأنيث فبقي: "ذَيٌّ" و"كَيٌّ" فقلبوا من الياء الأخيرة تاء فقالوا: "ذَيْتَ" و"كَيْتَ"، فهاتان اللّفظتان يكنى بهما عن الجمل تقول: بلغني ذيت وذيت، وكيت وكيت إذا كنيت عن حديث طويل وجمل كثيرة. وكانت التّاء ساكنة فحرّكت لسكونها وسكون الياء قبلها، واختيرت لها الفتحة لخفّة الفتحة وكثرتها

فإن بينت "افْتعل" ممّا فاؤه واوٌ أو ياءٌ نحو: "وَعَدَ" و"وَزَنَ" و"يَمَنَ" و"يَسَرَ" فللعرب فيه مذهبان: مذهب أهل الحجاز وهو الأقلّ. ومذهب بني تميم وهو أقوى وأكثر. فأمّا أهل الحجاز فإنّهم يتبعون الياء والواو حركة ما قبلها فيجعلونهما مع الكسرة ياء، ومع الضّمّة واوًا، ومع الفتحة ألفًا فيقولون: "ايْتَزَنَ" "ياتَزِنُ" "ايْتِزانًا"، و"ايْتَعَدَ" "ياتَعِدُ" "ايْتِعادًا"، ويقولون في اسم الفاعل: "مُوتَعِدٌ" و"مُوتَزِنٌ" وفي اسم المفعول: "مُوتَعَدٌ" و"مُوتَزَنٌ". وقالوا في ذوات الياء: "ايْتَمَنَ" و"ايْتَسَرَ" "ياتَمِنُ" "ايْتِمانًا" و"ياتَسِرُ" "ايْتِسارًا" ويقولون في اسم الفاعل: "موتَمِنٌ" و"مُوتَسِرٌ"، وفي

اسم المفعول: "مُوتَمَنٌ" و"مُوتَسَرٌ" وهذا مذهب قليل؛ لأنّ الياء والواو لا يثبتان على أصل واحد. وأمّا بنو تميم فإنّهم قد كانوا أجمعوا مع أهل الحجاز على قلب الواو تاءً في الأحرف التي قدّمناها وكانت التّاء منفردة ليس بعدها تاء تدغم فيها ولم تكن الياء والواو اللّتان قلبوهما تنقلبان من حال إلى حال، فإذا كان كذلك فالفرار من الياء والواو في "افْتَعَل" وما تصرّف منه أوْلى لاعتلالهما وتقلّبهما من حال إلى حال، ويزيد في قوّة هذا أنّ بعدها تاء تدغم التّاء المنقلبة عن الياء والواو فيها فقالوا: "اتّعد" "يَتَّعِدُ" "اتّعادًا" و"اتَّسَرَ" "يَتَّسِرُ" "اتِّسارًا"، وقالوا في اسم الفاعل: "مُتَّعِدٌ" و"مُتَّسِرٌ" و"مُتَّزِنٌ". وأمّا قولهم: "اسْنَتُوا"، فالسَّنَةُ أصلها: "سَنَوَةٌ" ويقال: "اسْنَوْا" إذا دخلوا في السَّنَة، وكان الأصل: "اسْنَوُوا" فقلبوا الواو الأولى ياء، لأنّها رابعة فصار: "اسْنَيِوُا" فانقلبت الياء ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ثمّ سقطت الألف لسكونها وسكون الواو التي بعدها. فإذا صاروا في السّنة الجَدْب قالوا: "اسْنَتُوا" فالتّاء بدل من ياء أبدلت من واو، فخصّوا بهذا الجدب دون الخِصب لمّا كان بدلاً من بدلٍ كما قالوا: "تا للهِ" فخصّوا بالتّاء هذا الاسم دون غيره من أسماء القديم سبحانه لمّا كانت التّاء بدلاً من واوٍ أبدلت من باء؛ لأنّ الأصل "بالله" ثمّ "والله" ثمّ "تا لله".

إبدال الهاء

إبدال الهاء قد أبدلوا الهاء من الهمزة فقالوا: "هَرَقْتُ الماء" في "أرَقْتُ" وقالوا "هَرَحْتُ الدَّابّة" في "أرَحْتُها"، وقالوا: "هَنَرْتُ الثّوب" في "أنَرْتُ الثّوب"، وقالوا: "هِبْرِيَةٌ" في "إبْرِيَة" وهو الوسخ الذي يسقط عن الرّأس وقالوا في "إيّاك": "هِيّاك" قال الشاعر: فَهِيّاك والأمر الذي إن توسّعت ... موارده ضاقت عليك مصادره وقد أبدلوا الهاء من الياء قالوا: "هذي أمة الله" الياء هو الأصل، وقوم يبدلون من الياء هاء في الوقف فيقولون: "هذه" وينشدون: هذي شهور الصّيف عنّا قد انقضت ... فما للنّوى ترمي بليلى المراميا

فإذا وقفوا قالوا: "هذِهْ"، وإذا وصلوا عادوا إلى الياء؛ لأنّ الياء هي الأصل، وإنّما أبدلوا الهاء من تغيير الوقف. ومنهم من يثبت الهاء في الوصل والوقف ساكنة فيقول في الوصل "هذهْ أمةُ الله". ومنهم من يُسَكِّنها في الوقف فإذا وصلها كسر فقال: "هذه أمةُ الله". ومنهم من يُسَكِّنها في الوقف فإذا وصل شبّهها بـ"هاء" الضّمير

فأشبع الكسرة ياء فقال: "هذهِ أمةُ الله". وقد أبدلوا الهاء من الياء فقالوا: "دُهْدِهَةٌ" في "دُهْدِيَة" الجُعَل لأنّها من" دَهْدَيْتُ". وقالوا: "هُنَيْهَةٌ" في تصغير "هَنْوَةٍ"، والأصل: "هُنَيْوَةٌ"، فلمّا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسّكون قلبوا من الواو ياء وأدغموا الياء في الياء فقالوا: هُنَيَّةٌ ثم استثقلوا التّضعيف فقلبوا من الياء هاء فقالوا: "هُنَيْهَة" فهذه هاءٌ أبدلت من ياء أبدلت عن واو. وقالوا في قول امرئ القيس: وقد رابني قولها يا هنا ... هـ ويحك ألحقت شرًّا بشرّ

إنّ الهاء بدل من واو وهو "هَنُوكَ"، وأصله: "يا هَناوُ" لقولهم: "هَنَواتٌ" قال الشّاعر: أرى ابن نزار قد جفاني وملّني ... على هنوات شأنها متتابع وقال قوم: الأصل: "يا هَناوُ"، فأبدلت من الواو همزة لوقوعها طرفًا بعد ألف زائدة فقالوا: "يا هَناءُ"، ثمّ أبدلوا من الهمزة هاء فقالوا: "يا هَناهُ" فعلى هذا التّقدير تكون الهاء بدلاً من همزة أبدلت من واو. وقد أبدلوا الهاء من الألف فقالوا: "هُنَهْ" في "هُنا" قال الشّاعر: قد وردت من أمْكِنَهْ ... من هاهنا ومن هُنَهْ

وأحد ما قيل في قوله تعالى: (مهما تأتنا) الأصل فيه: "ما ما" فقلبوا من الألف الأولى هاء فقالوا: "مهما" قال الشاعر: الله نجّاك بكَفَّيْ مَسْلَمَهْ ... من بعدما وبعدِ مَهْ

إبدال الطاء

إبدال الطاء متى كانت فاء الكلمة حرفًا مطبقًا وحروف الإطباق هي "الصّاد، والضّاد، والطّاء، والظّاء". فإذا بنيت "افْتعل"من كلمة فاؤها أحد هذه الحروف الأربعة فإنّك تبدل من تاء الافتعال طاءً في جميع متصرّفات الفعل من ماض وحاضر ومستقبل ومصدر واسم فاعل واسم مفعول. فإذا بنيت: "افْتعل" من الصّلح فأصل الكلمة: "اصْتَلَحَ" إلاّ أنّهم ثقل عليهم أن يخرجوا من استعلاء الصّاد وإطباقها إلى همس التّاء وضعفها فطلبوا حرفًا معدَّلاً فوجدوه الطّاء، لأنّه يوافق الصّاد في إطباقها واستعلائها، ويوافق التّاء في مخرجها، فأبدلوه مكان التّاء فقالوا: "اصْطَلَحَ" "يَصْطَلِحُ" "اصْطِلاحًا" وقالوا في اسم الفاعل: "مُصْطَلِحٌ" وفي اسم المفعول: "مُصْطَلَحٌ".

فإن أرادوا إدغام الصّاد في الطّاء لم يمكن، لذهاب الصّفير الذي فيها بقلبها طاء، لكن إذا أردت الإدغام قلبت من الطّاء صادًا، وأدغَمْتَ الصّاد الأولى في الثّانية فقلت: "اصَّلَحَ" "يَصَّلِحُ" "اصِّلاحًا" وفي اسم الفاعل "مُصَّلِحٌ" وفي اسم المفعول "مُصَّلَحٌ". فإن بنيت "افْتَعَلَ" من الطّرْد قلت: "اطَّرَدَ" والأصل "اطْتَرَدَ" ثم تبدل من التّاء طاء للوجه الذي بيّنت لك، ثم تدغم الطّاء الأولى في الطّاء الثانية، لأنّه إذا التقى مثلان في كلمة واحدة وكان الأوّل ساكنًا والثّاني متحرّكًا وجب إدغام الأوّل في الثّاني فقلت: "اطَّرَدَ" "يَطَّرِدُ" "اطِّرادًا"، وفي اسم الفاعل "مُطَّرِدٌ" وفي اسم المفعول "مُطَّرَدٌ". فإن بنيت "افْتَعَلَ" من "ظَلَمَ" فالأصل فيه أن تقول: "اظْتَلَمَ" ثم تبدل من التّاء طاءً للعلّة التي ذكرتها فقلت: "اظْطَلَمَ" "يَظْطَلِمُ" "اظْطِلامًا"، وفي اسم الفاعل "مُظْطَلِمٌ" وفي اسم المفعول "مُظْطَلَمٌ"، وإن أردت الإدغام فإدغام الأوّل في الثّاني هو الوجه فلك أن تقلب من الظّاء وتدغم الأوّل في الثّاني فتقول: "اطَّلَمَ" "يَطَّلِمُ" "اطِّلامًا"، وفي اسم الفاعل "مُطَّلِمٌ" وفي اسم المفعول: "مُطَّلَمٌ". ولك أن تبدل من الطّاء ظاء، وتدغم الظّاء الأولى فيها فتقول: "اظَّلَمَ" "يَظَّلِمُ" "اظّلامًا"، وفي اسم الفاعل "مُظَّلِمٌ" واسم المفعول: "مُظَّلَمٌ".

وإنّما جاز هذا لأنّ الظّاء والطّاء من حروف طرف اللسان، وهما متّفقتان في الإطباق والاستعلاء فجاز إدغام كلّ واحد منهما في صاحبه. وبيت زهير يروى على أربعة أوجه وهو قوله: ... ... ... ... ونُظْلَمُ أحيانًا فيظْطَلِمُ ويروى: "فيَظَّلِمُ"، ويروى: "فيَطَّلِمُ".

فإن بنيت افْتَعَلَ من الضّلاعة فالأصل فيه أن تقول: "اضْتَلع" فثقل عليهم أن يخرجوا من استعلاء الضّاد وإطباقها وجهرها إلى همس التّاء وضعفها وتسفُّلِها فقلبوا من التّاء طاء لموافقتها إيّاها في المخرج، وموافقتها الضّاد في الاستعلاء والإطباق فقلت: "اضْطَلَعَ" "يَضْطَلِعُ" "اضْطِلاعًا"، وفي اسم الفاعل: "مُضْطَلِعٌ" وفي اسم المفعول: "مُضْطَلَعٌ". فإن أردت الإدغام لم يجز أن تدغم الضّاد في الطّاء لئلا يذهب ما فيها من التّفشِّي وليس مكانُها غيرها، ولكن تبدل من الطّاء ضادًا وتدغم الضّاد الأولى في الثانية فتقول: "اضَّلَعَ" "يَضَّلِعُ" "اضِّلاعًا" وفي اسم الفاعل: "مُضَّلِعٌ" وفي اسم المفعول: "مُضَّلَعٌ".

إبدال الدال

إبدال الدال إذا بنيت ممّا فاؤه دالٌ أو ذالٌ أو زايٌ فإنّك تقلب من تائه دالاً كأنّك بنيت افْتَعَلَ من: "دَرَاتُ" فأصله: "ادْتَرَأ" فثقل عليهم أن يخرجوا من قوّة الدّال وجهرها، إلى ضعف التّاء وهمسها فطلبوا حرفًا معدِّلاً فوجدوا الدّال، لأنّها توافق التّاء في مخرجها، وتوافق الدّال في جهرها فاجتمع دالان في كلمة واحدة، وقد بيّنْتُ إذا اجتمع المثلان في كلمة واحدة، والأوّل منها ساكن والثّاني متحرّك فلا بدّ من إدغام الأوّل في الثّاني في جميع متصرّفاته تقول: "ادّرأ" "يَدَّرِئُ" "ادِّراءً"، وفي اسم الفاعل: "مُدَّرِئٌ" وفي اسم المفعول "مُدَّرَأٌ". فإن بنيت "افْتَعَلَ" من الذِّكر فقياسه: "اذْتَكَرَ" فثقل عليهم أن يخرجوا من جهر الذّال وقوّتها إلى ضعف التّاء وهمسها فطلبوا حرفًا معدّلاً فوجدوه الدّال، لأنّها توافق التّاء في المخرج، والذّال في الجهر فقلبوها منها فقالوا: "اذْدَكَرَ" "يَذْدَكِرُ" "اذْدِكارًا"، وفي اسم الفاعل: "مُذْدَكِرٌ" وفي اسم المفعول "مُذْذَكَرٌ".

وإن أرادوا الإدغام ففيه وجهان: أقواهما: أن يقلبوا من الذّال دالاً ويدغموا الدّال الأولى في الثّانية فيقولون: "ادّكر" "يَدَّكِرُ" "ادِّكارًا" وفي اسم الفاعل: "مُدَّكِرٌ" وفي اسم المفعول: "مُدَّكَرٌ"، وأقوى القراءتين: (فهل من مُدَّكِر). وهذا هو الوجه. والقياس أن لا يقلب الأوّل إلى جنس الثّاني. والوجه الثّأني أن تقلب من الدّال الثّانية ذالاً، وتدغم الذّال الأولى فيها فتقول: "اذَّكَرَ" "يَذَّكِرُ" "اذِّكارًا" وفي اسم الفاعل: "مُذَّكِرٌ"، وفي اسم

المفعول: "مُذَّكَرٌ"، وقد قرأ بعض المتقدّمين (فهل من مُذَّكِر) وهذا الوجه قلب ضعيف. فإن بنيت "افْتَعَلَ" من الزّجر فقياسه أن تقول: "ازْتَجَرَ" فثقل عليهم أن يخرجوا من الزّاي وجهرها إلى التّاء وهمسها فطلبوا حرفًا معدِّلاً فوجدوه الدّال، لأنّها توافق التّاء في مخرجها، والزّاي في جهرها فقلبوه منها فقالوا: "ازْدَجَرَ" "يَزْدَجِرُ" "ازْدِجارًا" وفي اسم الفاعل: "مُزْدَجِرٌ" وفي اسم المفعول: "مُزْدَجَرٌ"، وفي التّنزيل: (ما فيه مزدجر). فإن أردت إدغام الزّاي في الدّال لم يجز، لأنّ الزّاي فيها صفير وإدغامها يذهب الصّفير الذي فيها، وكلّ حرف كان فيه فضل لم يجز إدغامه فيما ينقص الفضل الذي فيه. فإن أردت ذلك قلبت من الدّال زايًا وأدغمت الزّاي الأولى في الثّانية فقلت: "ازَّجَرَ" "يَزَّجِرُ" "ازِّجارًا" وفي اسم الفاعل: "مُزَّجِرٌ" وفي اسم المفعول: "مُزَّجَرٌ".

على ما بيّنت لك تجرى هذه الحروف. فأمّا: "تَوْلَج" فالتّاء فيه بدل من الواو، لأنّه فَوْعَلٌ من "وَلَجْتُ"، وأصله: "وَوْلَجَ" فقلبوا الواو الأولى تاء فصار: "تَوْلَجٌ". ومنهم من يقلب من التّاء دالاً؛ لأنّ الدّال أقوى صوتًا من التّاء للجهر الّذي فيها فيقول: "دَوْلَجٌ". فأمّا: "وَتِدٌ" فوزنه: "فَعِلٌ" على مثال: "فَخِذ"، فمن قال: "فَخْذٌ" فسكّن الخاء فقياسه أن يقول في "وَتَد": "وَتْدٌ" إلاّ أنّه يثقل الخروج من همس التّاء وضعفها إلى قوّة الدّال وجهرها فهؤلاء يقلبون من التّاء دالاً، ويدغمون الدّال الأولى في الثانية فيقولون "ودٌّ".

إبدال الجيم

إبدال الجيم اعلم أنّهم يبدلون الجيم من الياء وإنّما يقع هذا البدل في القول وأكثر ما يكون في الوقف، فإن اضطرّ شاعر جاز أن يحمل الوصل على الوقف فيثبت البدل في الوصل كما كان في الوقف، لأنّه ينوي الوقف. وإنّما تبدل الجيم من الياء، لأنّ الياء حرف ضعيف في أصل وضعه، والجيم حرف مجهور قويّ، فأبدلوها من الياء لقوّتها وجهارتها وقوّة صوتها إلاّ أنّهم يبدلون من الياء الخفيفة جيمًا خفيفة، ومن الياء الثّقيلة جيمًا ثقيلة، فممّا أبدلوا من الياء الخفيفة قول الشّاعر: يا ربّ إن كنت قبلت حِجَّتِجْ .. يريد حِجّتي

فلا يزال شاحِجٌ يأتيك بِجْ .. يريد بي أقْمَرُ نَهّاتٌ يُنَزِّي وفْرَتِجْ .. يريد وفرتي وإنّما يبدلون من الياء السّاكنة، لأنّها إذا سكنت ضعفت بسكونها فتطرّق عليها البدل وقوي. فإن قيل فالياء مثقّلة لا بدّ أن يكون الأخير متحرّكًا، ليصحّ الإدغام. قيل له إذا سكّنت الحرف أو نُوِي السّكوت عليه فقد صار ساكنًا فتطرّق عليه البدل قال الشاعر: خالي عُوَيْفٌ وأبو عَلِجٌ ... يريد عليّ المطعمان الشحم بالعَشِجِّ ... يريد بالعشيّ وبالغداة فلق البَرْنِجّ .. يريد البرْنِيّ يُقلَعُ بالودّ وبالصِّيصِجّ ... يريد بالصّيصيّ

و"الصّيصيّ" جمع صيصِيَةٍ، والصّيصِيَةُ إمّا قرنٌ أو ودّ حديد، سُمِّي بذلك لدقّة رأسه يقلع به التّمر. ويجمع "صيصية" على "صِيصٍ" كما جمعوا "تَمْرَة" على "تَمْر" إلاّ أنّه إذا تحرّك ما قبل الحرف الموقوف عليه فقومٌ يزيدون حرفًا من جنس

حرف الإعراب فيدغمونه في حرف الإعراب في الوقف فيقولون في "عمرَ": "عُمَرّ"، وفي "جعفرٍ": "جعفرّ"، وفي "خالدٍ": "خالدّ"، وفي "أحمدَ": "أحمدّ"، وفي "زينب": "زينبّ"؛ وإنّما أدغموا في حرف الإعراب، لأنّ الوقف يذهب الإعراب فدلّوا بالإدغام فيه استحقاقه للحركة. وكان ينبغي إذا وصل أن يبطل الإدغام لرجوع الحرف في الوصل، ولكنّه جمع بين الدّليل والمدلول عليه؛ ليدلّ على أنّه ينوي الوقف. وكذلك فَعَل في "صيصِيّ" زاد ياء، وأدغمها في هذه الياء فقال: "صيصيٌّ". ثم قلب منها جيما مثقّلة فقال: "صِيصِجٌ" ثم حمل الوصل على الوقف فقال: "صيصجّ". وهذا البدل إنّما يكون من الياء السّاكنة الموقوف عليها على ما بيّنت. فأمّا قول أبي النّجم:

كأنّ في أذنابهنّ الشُّوَّل ... من عبس الصّيف قرون الإجَّلِ يريد "الإيَّلِ" فحرف الإعراب هو اللاّم، فلما جاورت الياء الطّرف سرى إليها التّغيير كما يكون في الأطراف، لأنّ الجار يؤخذ بذنب جاره، ولأنّ هذا المجاور لحرف الإعراب لو سقط حرف الإعراب لصار هو حرف الإعراب لمجاورته له، فلأجل هذا سرى إلى الياء ممّا يجاورها كثير من أحكامها. فأمّا قول الآخر: حتّى إذا ما أمسجت وأمسجا

الحذف

وأصله: "أمْسَيَتْ" و"أمْسَيَ". وكان ينبغي أن تنقلب الياء ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، فلو انقلبت ألفًا في: "أمْسَيَتْ" لسقطت الألف لسكونها وسكون التّاء بعدها فيقول: "أمْسَتْ"، وكان تنقلب الياء الأخيرة ألفًا تقول: "أمْسَى" فيبطل حرف الرّوِيِّ، فقلب من الأولى جيمًا فقال: "أمْسَجَتْ"، وهذا يدلّ على أنّ ما سقط لالتقاء السّاكنين ثابتٌ في النّيّة، ألا تراه لمّا احتاج إلى الألف الّتي سقطت لالتقاء السّاكنين ردّها إلى الياء الّتي هي أصلها وقلب منها جيمًا؟ فقال: "أمْسَجَتْ"، وقلب من الياء الأخيرة جيمًا فقال: "أمْسَجَ"، وزاد ألف الإطلاق فقال: "أمْسَجا". وهذا البدل الذي وضعته كلّه ليس بقياس. الحذف الحذف في كلام العرب على ضربين أحدهما يجب عن علّة والثّاني يحذف تخفيفًا. فأمّا الحذف الذي يجب عن علّة فإنّه ينقاس ويطّرد أين وجدت علّته أوجبت حذفه.

فمن الحذف الذي يجب عن علّة أنّ الفعل الماضي إذا كان على ثلاثة أحرف وانفتحت فاؤه، وعينه، ولامه. وفاؤه واو فإنّ الواو تسقط منه في المضارع نحو: "وَعَدَ يَعِدُ"، و"وَزنَ يَزِنُ" و"وَرَدَ يَرِدُ" و"وَجَدَ يَجِدُ"؛ وإنّما أسقطوها من "يَعِدُ" لأنّهم استثقلوا وقوعها بين ياء وكسرة فقال قوم ثقل عليهم الخروج من ياء إلى واو بعدها كسرة كما ثقل عليهم الخروج من كسر لازم إلى ضمّ لازم، فلأجل هذا أسقطوها فقالوا: "يَعِدُ"، و"يَزِنُ" و"يَرِدُ" و"يَجِدُ". ولمّا أسقطوها مع الياء أسقطوها مع جميع حروف المضارعة قالوا: "تَعِدُ" و"نَعِدُ" و"أعِدُ"؛ وإنّما أسقطوها في جميع حروف المضارعة لأنّها مساوية للياء في كونها حرف مضارعة، والعلّة في إسقاطها هي وقوعها بين الياء والكسرة يدلّك على ذلك أنّها إذا زالت الكسرة بعدها صحّت ولم تسقط نحو قولهم: "وَجِلَ يوْجَلُ" و"وَحِلَ يَوْحَلُ" و"وَسِنَ

يَوْسَنُ" و"وَجِرَ يَوْجَرُ" و"وَضُأ يَوْضُؤُ". ويضبط هذا كلّه قوله تعالى: (لم يلد ولم يولد) سقطت الواو من (يلد) لوقوعها بين ياء وكسرة، وثبتت في قوله تعالى (ولم يولد) لوقوعها بين ياء وفتحة، وكذلك لو قلت: "يُوعَدُ" و"يُوزَنُ" و"يُورَدُ" لثبتت الياء لوقوع الفتحة بعدها. فإن قيل فقد قالوا: "وَجَدَ يَجُدُ" فقد سقطت الواو وبعدها ضمّة قيل له: هذه الضّمّة عارضة، وإنّما جاءت الضّمّة بعد أن سقطت الواو، والأصل فيه: "يَوْجِدُ" فسقطت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، ثمّ ضمّ قومٌ على

طريق الشّذوذ فقالوا: "يَجُدُ"، والأكثر والأفصح هو الكسر. ولو كانت الضمّة بعد الواو توجب إسقاطها إذا تقدّمتها الياء لوجب سقوطها في قولهم: "يَوْضَؤُ" وهذا لا يجيزه أحد. فإن قيل: فلم استثقلوا وقوعها بين ياء وكسرة؟ ولم يستثقلوا وقوعها بين ياء وضمّة، والضّمّة أثقل؟ قيل له: الكسرة ياء صغيرة فكأنّ الواو وقعت بين ياءين فثقلت عليهم، وفي "يَوْضُؤُ" وقعت بين ياء وضمّة، والضّمّة من الواو فلم تستثقل الضّمّة بعدها كاستثقال الكسرة، فإن قيل فقد قالوا: "وَهَبَ يَهَبُ" و"وَطِئَ يَطَأُ" و"وَسِعَ يَسَعُ" فأسقطوها وبعدها فتحة.

قيل له: الأصل فيه "يَوْهِبُ" و"يَوْسِعُ" و"يَوْطِئُ" فسقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ثم انفتحت العين لأجل حروف الحلق وهي الهاء في "يَهَبُ" والهمزة في "يطأ" والعين في "يَسَعُ"، وكذلك قالوا: "وَضَعَ يَضَعُ" والأصل فيه "يَوْضِعُ" فسقطت الواو لما قلنا، ثمّ انفتحت العين لأجل الحلق، وكذلك قولهم "يَدَعُ" الأصل فيه: "يَوْدِعُ" فسقطت الواو لما قلنا ثمّ انفتحت العين لأجل حرف الحلق. فأمّا قولهم: "يَذَرُ" فالأصل فيه "يَوْذِرُ" فسقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ثم فتحت إتباعًا لـ"يَدَعُ" ليزاوجوا يبن الكلمتين، ويُتْبِعوا الأولى الثانيةَ. فأمّا مصدر هذا الفعل فإن خرج على أصله صحّت الواو، لكون الفتحة بعدها على: "فَعْلٍ" نحو: "وَعْدٍ" و"وَزْنٍ". فأمّا إذا جاء المصدر على: "فِعْلَة" نحو: "عِدَة"، و"زِنَة" وأصله: "وِعْدَة" و"وِزْنَة" فإنّ هذا يُعَلُّ لأمرين:

أحدهما: استثقالاً للكسرة في الواو. والثّاني: أنّ هذه الواو قد اعتلّت في الفعل، والفعل والمصدر كالشّيء الواحد، فإذا خرج المصدر على غير أصله جاز أن يسري إليه الإعلال من فعله، فأُعِلّت لهذا الوجه أيضًا حملاً للمصدر على الفعل. ووجه الإعلال فيها أنّهم لمّا استثقلوا الكسرة في الواو نقلوها إلى ما بعدها، فلمّا انكسر ما بعدها سكنت هي، ثمّ أسقطت وهي ساكنة. وإنّما استثقلوا الحركة فيها لأمرين: أحدهما: لئلا يسقطوا حرفًا وحركة. والثّاني: أنّهم لو أسقطوها متحرّكة لاحتاجوا إلى ألف الوصل، لأنّ الذي بعدها ساكن، والسّاكن لا يبدأ به. ووجه ثالث: وهو أنّهم إذا أسقطوا حرفًا وجب أن يبقوا ما يدلّ عليه، فنقلوا الكسرة إلى ما بعد الواو لتكون الكسرة دالّة على الواو السّاقطة، ولمّا سقطت الواو عوّضوا منها تاء التأنيث في آخر الكلمة فقالوا: "عِدَة" و"زِنَة"، وعلى هذا قالوا: "وَجَهَ" "يَجِهُ" "جِهَةً"، والأصل فيه: "وِجْهَة" ففعلوا ما ذكرته.

فأمّا قوله تعالى: (ولكلّ وجهة) فقد طعنوا به في هذا الفصل وقالوا: خرج المصدر مصحَّحًا. والجواب عن هذا من وجهين: أنّ العرب إذا أعلّت شيئًا جاز أن يخرج بعضه مصحّحًا ليكون منبِّهًا على الأصل الذي أعلّ. والثّاني: أنّ هذا اسم للقبلة المتوجَّه إليها وليس بمصدر. وقد جاءت حروف من "فَعِلَ" فاؤها واو بنوا مستقبله على: "يَفْعِلُ" لتسقط الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، فعلوا ذلك كلّه فرارًا من ثقل الواو فقالوا: "وَرِمَ يَرِمُ"، والأصل: "يَوْرِمُ"، و"وَلِيَ يَلِي" والأصل: "يَوْلِي" و"وَمِقَ يَمِقُ" والأصل: "يَوْمِقُ"، و"وَرِثَ يَرِثُ" والأصل: "يَوْرِثُ"، وهي حريفات معدودة وكلّ هذا ليس بمقيس. وإذا كان الماضي على فَعَلَ وفاؤه ياء فإنّها تصحّ في المستقبل، لأنّ الكسرة التي بعدها من جنسها فلا تستثقل كما تستثقل الكسرة بعد الواو قالوا: "يَمَنَه يَيْمِنُهُ" و"يَسرَهُ يَيْسِرُهُ" و"يَعَرَ الجدي يَيْعِرُ" إذا صاح.

فإن كان الفعل على: "فَعِلَ يَفْعَلُ" وفاؤه ياء فإنّها تصحّ أيضًا قالوا: "يَئِسَ يَيْأسُ"، وقد جاء على طريق الشّذوذ: "يَئِسَ يَئِسُ" فأسقطوا الياء تشبيهًا بالواو، وهذا شاذٌّ لا يلتفت إليه. وإذا كان الفعل على "أفْعَلَ" وأخبر المتكلّمُ عن نفسه بالمضارع فإنّه يجب أن يقول: "أكرمتُ فأنا أُأَكْرِمُ" و"أحسنتُ فأنا أُأَحْسِنُ"، لأنّ حرف المضارعة ينبغي أن يزيد على حرف الماضي. وإن كان الماضي ثلاثة صار المضارع أربعة نحو: "ضرب يَضْرِبُ"، فإذا كان الماضي على أربعة صار المضارع على خمسة نحو: "دَحْرَجَ يُدَحْرِجُ" وأنا "أدَحْرِجُ" فكما تقول في "دَحْرَجَ" أنا "أُدَحْرِجُ" فكذلك ينبغي أن يقول: "أكْرَمْتُ" فأنا "أُأَكْرِمُ" إلاّ أنّه ثقل عليهم أن تجتمع همزتان في كلمة واحدة، ولم يجدوا بدًّا من إسقاط إحداهما، ولم يجز أن يسقطوا

الأولى، لأنّها حرف المضارعة وهي مضمومة، فأسقطوا الثانية وهي المفتوحة، لأنّها بإزاء الدّال من "أُدَحْرِجُ" فقال المتكلّم: "أنا أُكْرِمُ" فصار المضارع على أربعة أحرف لنقصان الهمزة التي كانت في ماضيه، و"أدحرج" على خمسة، لأنّه لم يسقط منه شيء. ولمّا أسقطوا الهمزة في فعل المتكلّم أسقطوها في جميع الحروف المضارعة فقالوا: "نُكْرِمُ" و"تُكْرِمُ" و"يُكْرِمُ"، حتّى يتّفق لفظ الفعل ولا يختلف تصريفه، ولو خرج على أصله لقال: "يُؤَكْرِمُ" و"تُؤَكْرِمُ" و"نُؤَكْرِمُ". ولمّا حذفوها في الفعل المضارع حذفوها في اسم الفاعل والمفعول، لأنّها مشتقّان منه فقالوا: "مُكْرِمٌ" والأصل "مُؤَكْرِمٌ" لأنّه على وزن "مُدَحْرِجٌ". فأمّا المصدر فلم يسقطوا منه شيئًا قالوا: "إكْرامٌ" و"إحْسانٌ"، وهذا يدلّ على أنّ المصدر ليس بمشتقّ من الفعل، لأنّه لو كان مشتقًّا من الفعل لسقطت منه الهمزة كما سقطت من اسم الفاعل والمفعول نحو: "مُكْرِم" و"مُكْرَم" لمّا كانا مشتقَّيْن من الفعل. وقد ردُّوا هذه الهمزة في بعض متصرّفات الفعل في ضرورة الشّعر ليدلّوا على الأصل قال الشّاعر:

فإنّه أهل لأن يُؤَكْرَما وردّوها مع الياء في اسم المفعول قال الشاعر: كراتُ غلام في كساء مُؤَرْنَب وكان ينبغي أن يقول: "مُرْنَبِ" و"لأن يُكْرَما"؛ وإنّما استجازوا ردّها في هذه المواضع، لأنّها ليست الموضع الذي يجب إسقاطها فيه، لأنّ العلّة

التي أوجبت إسقاطها هو مجامعتها لهمزة المتكلّم، وأحد لا يردّها مع همزة المتكلّم. فأمّا قولهم: "أوْعَدَ يُوعِدُ" فقد اعترضوا به فقالوا: لِمَ لَمْ تسقط الواو لوقوعها بين ياء وكسرة كما سقطت من "يَعِدُ" وبابه؟ قيل له عن هذا الاعتراض جوابان أحدهما: أنّ الواو لم تقع بين ياء وكسرة، لأنّ الأصل فيه: "يُؤَوْعِدُ" فالهمزة قد حالت بين الواو والياء وإن سقطت من اللّفظ فهي مراعاة في المعنى، يدلّك على مراعاتها أنّ الشاعر له أن يردّها كما ردّها في قوله: "يُؤَكْرما". والوجه الثّاني: أنّه قد أسقط همزة، فلو أسقطوا الواو لأجحف بالكلمة، لأنّه يسقط حرفين متلاصقين. فأمّا قولهم: "أسّس يُؤسِّسُ" فإنّ هذه الهمزة لا يجوز أن تسقط، لأنّ الحرف الذي بعدها قد أعلَّ بالإدغام فلا يجوز أن تسقط الهمزة لئلا يُعَلَّ حرفان متلاصقان، وإذا أخبر المتكلّم عن نفسه في هذا الفعل قال: "أنا أُؤَسِّسُ" فقلب الهمزة الثانية واوًا قلبًا خالصًا لانفتاحها وانضمام ما

قبلها كما قلبها في "جُؤَن" فقال: "جُوَنٌ" لأنّه لو ليّنها لجعلها بين الهمزة والألف، والألف لا يكون قبلها ضمّة فكذلك ما يقرب منها. وأمّا ما حذف للجزم والوقف أو لالتقاء السّاكنين فالياء والواو والألف، فمثال حذفها للجزم: "لم يَرْمِ" و"لم يَغْزُ" و"لم يَسْعَ"، والجازم إنّما يحذف حركة الحرف الصّحيح ألا تراك تقول: "هو يضرب"؟ فالباء حرف الإعراب، والضّمّة فيها علامة الرّفع، فإذا دخل الجازم قلت: "لم يضربْ" فأسقط الضّمّة وبقيت الباء ساكنة. فأمّا حرف العلّة في نحو: "يَرْمِي" و"يَغْزُو" و"يَسْعَى" فإنّ الضّمّة لا تظهر

في الألف، لأنّ الألف يستحيل حركتها، وتستثقل الضّمّة في الياء والواو، فصار المستثقل بمنزلة المستحيل، فلمّا لم تظهر الحركة التي يسقطها الجازم في هذه الحروف جعلوا هذه الحروف معاقبة للحركة فأسقطوها كما أسقطوا الحركة. وإن كان الشّاعر يجوز له أن يردّ الضّمّة في الياء والواو فيقول: "يغزُوُ" و"يَرْمِيُ" لمّا دعته الضّرورة إلى الرّدّ إلى أصل مهمل ومثل هذا لا يقاس عليه، ولا يكسر به قياس. ولمّا أسقطوا هذه الحروف بالجزم شبّهوا الوقف بالجزم فقالوا: "ارْمِ" و"اسْعَ" و"اغْزُ" فأسقطوا هذه الحروف في الوقف تشبيهًا بالجزم. وكذلك أسقطوها لالتقاء السّاكنين في قولهم: "لم يَبِعْ" و"لم يقُلْ" و"لم يَخَفْ" فإن تحرّك السّاكنُ الأخير لساكن بعده لم ترجع هذه الحروف السّاكنة، لأنّ الحركة لالتقاء السّاكنين لا يعتدّ بها؛ وإنّما لم يعتدَّ بها لأنّ

السّاكن الأخير عارِضٌ تقول: "لم يبع الثّوبَ" و"لم يقل الحقَّ" و"لم يخف اللهَ"، ألا ترى أنّك تقول: "لم يبع ثوبًا" و"لم يخف زيدًا" و"لم يقل حقًّا" فلا يلقى السّاكن ساكنًا بعده؟ فعلمت أنّ دخوله عارضٌ. فإن قيل: فما علامة الجزم في قوله: "لم يبع الثّوب"؟ قيل له سكون العين، لأنّ الحركة لا يعتدُّ بها، فلمّا لم يُعْتَدَّ بها صارت الكسرة في العين كالمعدومة، وكذلك لو قلت: "بِعِ الثّوب" فعلامة الوقف فيها سكون العين، لأنّ الحركة لالتقاء السّاكنين لا يعتدُّ بها، ولو اعتُدَّ بها لرجعت الحروف التي سقطت لالتقاء السّاكنين. وكذلك قولهم: "هذا قاضٍ" و"مررت بقاضٍ" والأصل فيه: "قاضِيٌ" في الرّفع و: "قاضِيٍ" في الجرّ، فاستثقلوا الضّمّة والكسرة على الياء الخفيفة التي قبلها كسرة فأسقطوها، فبقيت الياء ساكنة، والتّنوين بعدها ساكن، فاجتمع ساكنان: الياء والتّنوين، فأسقطت الياء لالتقاء السّاكنين، وكانت أولى بالإسقاط، لأنّ قبلها كسرة تدلّ عليها وتغني عنها، ولم يجز أن يحرّكوها، لأنّهم قد فرّوا من حركتها، ولم يجز أن يحرّكوا التّنوين لالتقاء السّاكنين، لأنّ التنوين إنّما يحرَّك لساكن بعده لا لساكن قبله. وقد شبّهوا بهذه الحروف النّون في خمسة أمثلة من الفعل وهي "تفْعَلين" و"تفعلان" و"يفعلان" و"يفعلون" و"تفعلون" فقد أسقطوا النّون في هذه للجزم كما أسقطوا حروف العلّة، وإنّما شبّهوها بحروف العلّة، لأنّ الحركة فيها إنّما هي لسكونها وسكون ما قبلها، فلم يعتدّ بحركتها لمّا كانت لالتقاء السّاكنين، فصارت كأنّها ساكنة، فأشبهت حروف العلّة لأجل الغنّة التي فيها، ولأنّها تكون ضميرًا في المؤنّث إذا قلت: "يَضْرِبْنَ"

كما تكون الواو والياء ضميرًا في "تضربينَ" للمؤنث، و"تضربون" للمذكر، وتكون إعرابًا في هذه الأمثلة الخمسة كما تكون الواو والياء والألف إعرابًا في قولك: "الزّيدان" و"الزّيدون" و"الزَّيْدَيْنِ"، وتكون علامة تدلّ على التّثنية والجمع إذا قلت: "يَقْمْنَ جواريك" كما تكون الألف والواو علامة للتثنية والجمع إذا قلت: "يقومان أخواك" و"يقومون إخوتك"، فلمّا أشبهت النّون لحروف العلّة من هذه الوجوه أسقطوها في الجزم والوقف، كما أسقطوا حروف العلّة فقالوا: "اضربي" و"اضربا" و"اضربوا"، وقالوا في الجزم: "لم تضربي" و"لم تضربا" و"لم تضربوا". إذا كان الثّلاثيّ يتعدّى إلى مفعول فاسم الفاعل منه: "فاعِلٌ" واسم المفعول منه: "مَفْعُولٌ" نحو: "ضارِب" و"مَضْرُوب" و"راحِم" و"مَرْحُوم". فإن كان فاء الفعل ياء أو واوًا صحّتا في اسم الفاعل واسم المفعول تقول: "يَمَنْتُ زيدًا" فأنا "يامِنٌ" وهو: "مَيْمُونٌ" و"وَعَدْتُهُ" فأنا: "واعِدٌ" وهو "مَوْعُودٌ". وإن كان لام الثّلاثيّ معتلّة فلا يخلو أن تكون ياء أو واوًا، فإن كانت ياء فإنّك تقلب من الواو التي قبل الياء ياء في اسم المفعول وتدغمها في الياء الأخيرة، وتكسر لها ما قبلها لتتمكّن الياء تقول رَمَيْتُه فهو "مَرْمِيٌّ" وسَقَيْتُهُ فهو: "مَسْقِيٌّ"، والأصل فيه: "مَرْمُويٌ" و"مَسْقُويٌ" ليكون على وزن مضروب من الصّحيح، فلمّا اجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى بالسّكون

قلبت الواو ياء وأدغمت الأولى في الثانية، وكسرت عين الكلمة، ليتمكّن القلب فقلت: "مَرْمِيٌّ" و"مَسْقِيٌّ". فإن كانت اللّام واوًا أدغمت الأولى في الثانية فصارت واوًا مثقّلة فقلت غَزَوْتُهُ فهو "مَغْزُوٌّ"، ودَعَوْتُهُ فهو: "مَدْعُوٌّ"، وضممت ما قبل الواو لتصحَّ وتتمكّنَ. وهذا هو الأصل المقيس.

وقد قلبوا في بعض هذا الواو الأخيرة ياء، ثم قلبوا الواو الأولى ياء وأدغموها في الثّانية، وكسروا لها ما قبلها لتصحّ فقالوا: "سناها الغيثُ فهي مَسْنِيَّةٌ" ومكانٌ "مَسْنِيٌّ" وهو من "سَنا" "يَسْنُو" إذا سقى، والجيّد مكانٌ: "مَسْنُوٌّ"، وأرضٌ "مَسْنُوَّةٌ"، ويقال: رجل "مَعْدِيٌّ" عليه وهو من عدا يعدُو كما قال: ... ... أنا اللّيثُ مَعْدِيًّا عليّ وعاديا والجيّد: مَعْدُوٌّ. فإن كانت عين الثّلاثيّ ياء نحو: "باع" و"خاط" فإنّ اسم المفعول منه

يجيءُ على: "مَبْيُوع" و"مَخْيُوط" وقد قالوا: "طَعامٌ مزيوتٌ"، فبنو تميم يصحّحون الياء ولا يستثقلون الضّمّة فيها فيقولون: "مَخْيُوط" و"مَكْيُول" و"مَبْيُوع" و"مَزْيُوت" فيستمرّون على أصلهم. فأمّا أهل الحجاز فيستثقلون الضّمّة في الياء ويقولون: قد أعللنا الفعل من هذا واسم الفاعل، فينبغي أن نعلّ اسم المفعول. واختلف النّحويّون في كيفيّة الإعلال وفي الحرف السّاقط في اسم المفعول فكان الخليل وسيبويه ينقلان ضمّة الياء من: "مَبْيُوع" إلى الباء فتنضمّ الباء وتكسن الياء، وبعد الياء السّاكنة واو مفعول ساكنة فيجتمع ساكنان: الواو والياء ولا يجوز الجمع بينهما فيسقطان واوَ مفعول، ويقولان: الزّائد أحقّ بالإسقاط إذا كان لا بدّ من إسقاط، وتبقى الياء ساكنة وقبلها ضمّة وهي مجاورة للطّرف فيقلبان من الضّمّة قبلها كسرة لتصحّ ولا

تنقلب واوًا فيقولان: "مَبِيعٌ" و"مَخِيطٌ" فوزن الكلمة على مذهبهما: "مَفْعِل". وكان أبو الحسن الأخفش يقول: الأصل: "مَكْيُول" فاستثقلوا الضّمّة في الياء فنقلوها إلى الكاف فسكنت الياء، وقبلها ضمّة، وبعدها واو مفعول ساكنة، فاجتمع ساكنان: الواو والياء، ولا يجوز الجمع بينهما فيقلب من ضمّة الكاف كسرة ثم يسقط الياء لالتقاء السّاكنين فتصادف الواو السّاكنة كسرة الكاف فتنقلب ياء فيصير: "مَخِيطٌ" و"مَبِيعٌ"، فوزن الكلمة على هذا: "مَفِيلٌ". قال أبو الحسن: وإنّما أسقطت عين الكلمة وإن كانت أصلاً، لأنّها ليست لمعنى، وأقررت واو مفعول، لأنّها دخلت لمعنى، وما دخل لمعنى فهو أولى بالإقرار، ألا ترى أن الياء في: "قاضٍ" و"غازٍ" أسقطناها لمّا كانت لغير معنى، وأقررنا التّنوين لمّا كان لمعنى فكذلك حذفت عين الكلمة لمّا كانت لغير معنى، وأقررت الزّائد لمّا كان لمعنى.

وإن كان عين مفعول واوًا فقد اتّفق بنو تميم وأهل الحجاز على إعلاله، لأنّهم استثقلوا واوين وضمّة، لأنّ الضّمّة بمنزلة الواو فقالوا: صغت الخاتم فهو: "مَصُوغٌ"، وقلت الحقّ فهو: "مَقُولٌ"، والأصل: "مَصْوُوغٌ" و"مَقْوُولٌ" فنقلوا الضّمّة من الواو إلى الصّاد من: "مَصْوُوغ" وإلى القاف من "مَقْوُول" فانضمّت الصّاد والقاف فاجتمع واوان ساكنان، فأسقط الخليل وسيبويه الواو الثّانية، لأنّها الزّائدة، وأقرّا الأولى، لأنّها عين الكلمة فصار اللّفظ: "مَقُولاً" و"مَصُوغًا" فوزن الكلمة عندهما: "مَفُعْل". وكان أبو الحسن يسقط الأولى وهي عين الكلمة ويبقي الثّانية فوزن الكلمة عنده: "مَفُول". وربّما شذّ شيءٌ من هذا فخرج على الأصل تنبيهًا على الأصل الذي انتقلوا عنه قالوا: "مِسْكٌ مَدْوُوفٌ" و"ثوبٌ مَصْوُونٌ"، وهذا قليل لا يقاس عليه.

الثاني من الحذفين

الثاني من الحذفين ممّا لا ينقاس ولا يطّرد وإنّما يستعمل حيث استعملته العرب ويؤدَّى كما سمع. فمن ذلك حذف الهمزة، والألف، والواو، والياء، والهاء، والباء، والحاء، والخاء، والفاء: حذف الهمزة اعلم أنّ الهمزة قد حذفت فاء وعينًا ولامًا. فمثال حذفها فاء قولهم في الأمر: "خُذْ"، و"كُلْ" وهو من "أخَذَ" و"أكَلَ"، والأصل: "ااخُذْ"، و"ااكُلْ" فثقل عليهم اجتماع همزتين في كلمة واحدة مع كثرة استعمالها، فأسقطوا الهمزة الساكنة وهي الثّانية، فلمّا أسقطوها أسقطوا الهمزة الأولى، لأنّها وصل، وإنّما تدخل توصُّلاً إلى النّطق بالسّاكن، فإذا سقط السّاكن الذي لأجله دخلت استُغْنِيَ

عنها، وربّما أثبتوا هذه الهمزة في ضرورة شعر قال الشّاعر: تحمَّلْ حاجتي وا أخذْ قُواها ... فقد نزلت بمنزلة الضّياع فأمّا الأمر من: "أَمَرَ" يامُرُ فالعرب تختلف فيه فمنهم من يقول قد كَثُرَ ككثرة "خُذْ" و"كُلْ" فهؤلاء يسقطون من أوّله فيقولون "مُرْ" كما يقولون "خُذْ"، والأصل فيه "امُرْ" فلمّا أسقطوا الهمزة السّاكنة استغنوا عن الأولى، لأنّ الأولى همزة وصل، وإنّما تدخل توصُّلاً إلى النّطق بالسّاكن، وإذا سقط السّاكن الذي لأجله دخلت استغني عنها. وقوم من العرب يقولون لم يكثر ككثرة: "خُذْ" و"كُلْ" فهؤلاء يدخلون

عليها همزة الوصل ويقلبون منها واوًا لسكونها وانضمام همزة الوصل قبلها حتّى لا يجمع بين همزتين في كلمة فيقولون: "اومُرْ"، فإذا سقطت همزة الوصل عادت الواو إلى الهمزة، لأنه لم يجتمع همزتان. وكلّهم إذا جاء حرف العطف ردّ الهمزة كما قال تعالى: "وامُرْ أهلك بالصّلاة). فأمّا إذا أمرت من "أتى يأتي" فالأصل فيه أن تقول: "ائْتِ" فتسقط الياء التي بعد التّاء للأمر كما أسقطتها في: "ارْمِ" لأنّها صارت بدلاً من الحركة في: "اضرب" ثم يبدلون الهمزة الثانية ياء لسكونها و [كسرة] همزة الوصل قبلها فيقولون: "ايتِ"، فإذا سقطت همزة الوصل عادت الياء إلى الهمزة فقالوا: "إِتِ" فإنّ هذا هو الأمر المقيس في هذا الفعل. وقد شبّه قوم من العرب وهم قليل: "ايتِ" بـ"خذْ وكلْ". و"إتِ" لم تكن مثلها في الكثرة فأسقط الهمزة الثانية فلمّا أسقطها استغنى عن همزة الوصل فقالوا: "تِ زيدًا" كما قالوا: "لِهْ عملَك" من "وَلِيْتُ" و"قِ زيدًا" من "وَقَيْتُ" وأنشدوا:

تِ لي آلَ زيدٍ فاندُهُمْ لي جماعة ... وسل آل زيدٍ أيّ شيء يضيرُها وهذا لا يقاس عليه. وقد حذفوا الهمزة وهي فاء من قولهم: "يا بافلان"، وهذا في الشّعر قال أبو الأسود الدؤلي: يابا المغيرة ربّ أمر فادح ... فرّجته بالمكر منّي والدّها والأصل: "يا أبا المغيرة" فحذفوا الهمزة.

وممّا حذفوا الهمزة منه وهي فاء قولهم: "إلاهٌ" حكى سيبويه فيه لغتين "إلاهٌ" وزنه (فِعالٌ) على وزن كتابٍ، الهمزة فاء واللام عينٌ، والهاء لامٌ، والألف قبل الهاء زائدة. الثّانية: "لاهٌ" وأصله: "لَيَهٌ" فتحرّكت الياء وقبلها فتحة فانقلبت ألفًا، فوزنه: "فَعَلَ" قبل القلب ووزنه بعد القلب: فَعْلٌ"، ولم يحذف من الاسم في هذه اللّغة شيء.

ولكنّهم قدّموا الهاء إلى موضع الألف فسكنت لمّا وقعت موقع السّاكن، وأخّروا الألف فرجعت إلى الياء لمّا سكن ما قبلها فقالوا: "لَهْيَ أبوكَ" فوزنه: "فَلْعَ"، وحرّكوا لسكونها وسكون الهاء قبلها، واختاروا لها الفتح لكثرة الفتحة وخفّتها كما اختاروا في أين وكيف. وإنّما استحقّ هذا الاسم البناء لأنّ الأصل فيه "للهِ أبوك" فاللامُ الأولى للجرّ والثانية للتّعريف والثّالثة فاء الكلمة، وضمّنوا الاسم معنى لام التّعريف، واستحقّ البناء لتضمّنه معنى الحرف، وبني على سكون الياء، ثمّ حركت لسكونها وسكون ما قبلها، وبقي لامان: لام الجرّ، واللامُ الأصليّة: فمن النّحويّين من يقول أسقط اللام الأصليّة تخفيفًا وبقيت لام الجرّ ليَعلق الاسم بمعنى الاستقرار، وفتحت لام الجرّ لوقوع الألف بعدها إذا قلت: "لاهِ" وشبِّهت الهاء بالألف فبقيت اللام معها مفتوحة. والمذهب الجيّد: أن يكونوا قد حذفوا لام الجرّ تخفيفًا، وبقيت اللام الأصليّة وهي وإن حذفت مقدّرة من طريق المعنى، لتعلّق الاسم بمعنى الفعل. فأمّا من قال: "إلاهٌ" فإنّه حذف الهمزة تخفيفًا فبقي: "لاهٌ" ثمّ أدخل

الألف واللّام وجعلهما عوضًا من الهمزة المحذوفة، ولمّا كانت لام التّعريف ساكنة أدغمها في اللّام الأصليّة فقال: "الله". فإذا كان قبل هذه اللام ضمّة أو فتحة فخّم اللام فقال: "قلتُ اللهَ" و"قال اللهُ" تعظيما لهذا الاسم وتمويها به، لأنّه صار كالاسم العلم. فإن كان قبل هذه اللام كسرة أرقّوا اللام فصارت كالإمالة فيها فقالوا: "للهِ" و"باللهِ". والذي يدلُّ على أنّ هذه الألف واللام قد صارتا عوضًا من الهمزة المحذوفة أنّهم يقطعون همزة الوصل في هذا الاسم فيقولون: "يا أللهُ اغفر لي"؛ وإنّما قطعوا همزة الوصل عن هذا ليدلُّوا على أنّها قد صارت عوضًا من همزة القطع. وممّا حذفوا منه الهمزة وهي فاء قولهم: "ناسٌ" والأصل فيه: "أُناسٌ" على وزن "فُعال" فأسقط الهمزة وبقي: "ناسٌ" على وزن" عالٍ" وألزموه الألف واللام فقالوا: "النّاسُ"، إلاّ أنّ الألف واللام ليستا عوضًا من المحذوفة؛ يدلّك على أنّها ليست عوضًا أنّهم لم يقطعوا همزتها ووصلوها فقالوا: "بالنّاس" و"للنّاسِ"، ويدلّك أيضًا على أنّها ليست عوضًا من الهمزة أنّهم قد

جمعوا بينها وبين الهمزة قال الشاعر: إنّ المنايا يطَّلعـ ... ن على الأُناسِ الآمنينا وقد حذفت الهمزة عينًا قالوا: "رأى" وزنه "فَعَلَ" وفيه لغتان منهم من يقول "رأى" وهو الأكثر على وزن: "فَعَلَ". ومنهم من يقدّم اللاّم فيقول: "راءَ" فوزنه "فَلَعَ" قال الشّاعر: وكلّ خليل راءني فهو قائلٌ ... من أجلك هذا هامة ُاليوم أو غدِ

فإذا صاروا إلى المستقبل قالوا: "يرى"، والأصل "يَرْأَى" إلاّ أنّهم قلمّا يستعملون هذا إلاّ في ضرورة شعر قال الشاعر: أري عينيَّ ما لم ترْأَياهُ ... كلانا عالِمٌ بالتُّرَّهات والمذهب الجيّد: أن ينقل حركة الهمزة إلى الرّاء فتنفتح الرّاء وتسقط الهمزة فيقولون: "يَرَى" و"نرى" و"ترى" وأنا "أرى" فوزن: "يَرَى": "يَعَلُ" هذه اللغة الفصيحة.

أشياء

وإنّما حذفوا عين الكلمة لأن جعلوا حرف المضارعة كالعوض منها. وقد حذفوا الهمزة لامًا فقالوا: "سُؤْتُهُ سوائِيَةً" وزنها "فَعالِيَةً" على وزن "كراهِيَةٍ" و"رَفاهِيَةٍ". ومنهم من يحذف هذه الهمزة فيقول: "سُؤْتُهُ سَوايَةً" فوزن الكلمة "فَعايَة". وقال أبو الحسن جمعوا: "شيئًا" على: "أشيِئاء". وهذا شاذّ، لأنّ شيئًا وزنه فَعْلٌ، وفَعْلٌ لا يجمع على "أفْعِلاء" ولكنّهم جعلوا هذا شاذًّا، كما جمعوا "سَمْحًا" على: "سُمَحاء" وهو "فُعَلاء"، فوزن: "أشيِئاء": "أفْعِلاء" فاجتمع في آخر الكلمة همزتان بينهما ألف، والألف من مخرج الهمزة، فكأنّه قد اجتمع ثلاث ألفاتٍ أو ثلاث همزات، فحذفوا الهمزة الأولى وهي لام الكلمة فبقي: "أشياءُ" وزنها: "أفْعاءُ" فأمّا الخليل وسيبويه

فيقولان "أشْياءُ" اسم للجمع وليس بجمع، وأصلها: "شَيْئاءُ" كما قالوا: "طَرَفَةٌ" و"طَرْفاءُ"، و"شَجَرَةٌ" و"شَجْراءُ"، و"قَصَبَةٌ" و"قَصْباءُ" فوزن الكلمة "فَعْلاءُ"، إلاّ أنّه قد اجتمع في آخر الاسم ألف بين همزتين فكأنّه قد اجتمع ثلاث ألفات أو ثلاث همزات، فقدّموا الهمزة الأولى وهي لام الكلمة على الفاء، ليزول بعض الثّقل فقالوا: "أشْياءُ" فوزنها الآن: "لَفْعاءُ" فأمّا بيت الحارث بن حلزّة وهو قوله: ومن يَغْـ ... دِرْ فإنّا من غدرهم بُرآءُ

فوزن الكلمة "فُعَلاءُ"، وهي جمع "بَريء" كما قالوا: "ظريف" و"ظُرَفاء". ورواه الفرّاء: "لَبُراءُ" حذف الهمزة الأولى وهي لام الكلمة فبقي وزن الكلمة: "فُعاء"، فعلى ما بيّنت لك يجري حذف الهمزة، وهو شاذّ. وقال قوم: "بُراءٌ" اسم واحد وزنه "فُعال" فكأنّهم قالوا: "بريءٌ وبُراء" كما قالوا: "خَفيفٌ وخُفافٌ" و"ظَريفٌ وظُرافٌ" و"طَويلٌ وطُوالٌ".

حذف الألف

وقال قوم: "بُراءٌ" جمع على غير قياس وزنه: "فُعالٌ" واحده: "بريءٌ" قالوا: "بريءٌ وبُراءٌ" كما قالوا: "رَخِلٌ ورُخالٌ" ومثل هذا الجمع: "فَريرٌ وفُرارٌ" لولد البقرة: وأجمعوا على أنّ فريرًا واحد، واختلفوا في: "فُرارٍ" فقال قوم: "فُرارٌ" واحد لغة في فَرير، كما قالوا: "طَويلٌ وطُوالٌ" في الواحد، وقال قوم: "فُرارٌ" جمع واحده: "فَريرٌ"، فإن صحَّ هذا فـ"بريءٌ وبُراءٌ" مثله. حذف الألف اعلم أنّ الألف حرف خفيف يخرج مع النَّفَس من غير كلفة على النَّفس حتّى قالوا ليس للألف مخرج من الحلق لخفاء مسلكها وغموضه، وقال الخليل مخرجها فُوَيْق الهمزة.

وحذف الألف في الجملة قليل لخفّتها، فممّا حذفت فيه من الشّعر قول لبيد: وقبيلٌ من لُكَيْزِ شاهد ... رهطُ مرجوم ورهط ابن المُعَلْ يريد: "المُعَلَّى" فحذف اللام الأخيرة، والألف التي بعدها، وقال الآخر: ولستُ بمدرك ما فات منّي ... بلهف ولا بليت ولا لوَ انّي فحذف الألف، وأكثر ما يجيءُ هذا الحذف في الشّعر، ليُقَوِّموا به

الأوزان، ويصحّحوا به القوافي. وقال قوم في قوله تعالى: (يابنَ أمَّ) أراد يا ابنَ أمَّا فحذف الألف، وحُكِي عن أبي عثمان المازنيّ في قراءة من قرأ: "يا أبتَ لم تعبدُ) أراد يا أبتا فحذف الألف قال: والدّليل على ذلك أنّ الشّاعر قد أظهرها في قوله: يا أبتا علَّكَ أو عساكا وإنّما يحذفون الألف، لأنّ الفتحة قبلها تدلّ عليها وتغني عنها

حذف الواو

قالوا: "أمَ والله لأفعلنَّ" وهذه: "ما" الزّائدة قد ركّبوها مع همزة الاستفهام فبطل ما كان فيها من المعنى، واستعملت على ضربين: أحدهما: أن تكون بمعنى حقًّا فيكون مصدرًا قد جعل ظرف زمان قالوا: "أما إنّك منطلقٌ". والثّاني: أنّهم استعملوها افتتاحًا بمنزلة: "ألا" قالوا: "أما إنَّ زيدًا منطلقٌ" كما قالوا: "ألا إنَّ زيدًا منطلقٌ"،وفي التّنزيل: (ألا إنّهم هم السّفهاءُ). فإذا وقعت هذه الكلمة في القَسَم قالوا: "أمَ واللهِ لأذهبنَّ" فأسقطوا الألف ليدلّوا على شدّة اتّصال الثّاني وتركيبه معه، لأنّ الكلمة إذا بقيت على حرف واحد لم تقم بنفسها، فعُلِم بذلك افتقارها إلى الاتّصال بغيرها. حذف الواو اعلم أنّ الواو قد حذفوها فاء في قولهم: "وَعَدَ يَعِدُ" لوقوعها بين ياء وكسرة، وقد مضى ذكر هذا. وقد حذفوها عينًا، وهو قليل، قالوا لوسط الحوض: "ثُبَة"، والأصل من

ثابَ يَثُوبُ، لأنّ الماء يثوب إليه مرّة بعد أخرى، والثّواب إنّما سُمِّيَ ثوابًا، لأنّه جعل ثوابًا على حسن قدّمه الإنسان فكأنّه إذا جُوزِيَ على الحسن رجع إليه ذلك الحسن. أمّا: "الثُّبَة" فهي الجماعة من النّاس فقد حذفوا لامها فكأنّه من: "ثبا يَثْبو" إذا اجتمع وتضامَّ؛ ولهذا قيل للجماعة "ثُبَةٌ" لانضمام بعضها إلى بعض، وليس في قولهم: "تَثَبَّيْتُ" أو "ثَبَّيْتُ" دليلٌ على أنّ اللام

ياء، لأنّ الواو إذا وقعت رابعة انقلبت ياء. و"ابن" و"ابنة" أيضًا اللام منهما واوٌ لقولهم: "البُنُوّة". و: "أخٌ" اللام منها واوٌ لقولهم: "الأخوّة والأخوان"، و"أختٌ" التّاء بدل من الواو، و"بنتٌ" التّاء فيها بدل من الواو، و"كِلْتا" التّاء فيها بدل من الواو، و"ظُبَةُ السَّيْف" أصلها: "ظُبْوَةُ السّيف" فحذفوا الواو وهي لام الكلمة، وقالوا: "أبٌ" فحذفوا لام الكلمة، وهو واوٌ؛ لقولهم: "أبُوكَ" و"أبَوان"، و"حَمٌ" أصله: "حَمْوٌ" فحذفوا لام الكلمة، لقولهم: "حَمُوكَ" و"حَمَوانِ"، و"هَنٌ" حذفوا لام الكلمة وهي الواو لقولهم: "هَنُوكَ"، و"هَنواتٌ" و"هَنوان" كما قال الشاعر:

.. على هَنواتٍ شانُها مُتتابِعُ فأمّا: "فُوكَ" فالواو عين الكلمة، واللام قد حذفت وكانت هاء، فأمّا قولهم: "ذو مالٍ" فهذه الواو عين الكلمة، وقد حذفت اللام وكانت ياءً، وإنّما أصله: "ذَوَيٌ"، فأمّا: "القُلَةُ" فقد حذفت لامها وهي واوٌ، لقولهم: "قَلَوْتُ بالقُلَة" إذا ضربت بها، فأمّا قولهم: "قالٌ" للعصا التي تضرب بها القُلَةُ فأصله: "قَلَوٌ" ثمّ قدّموا اللام على العين فقالوا: "قَوَلٌ" فوزنه: "فَلَعٌ" فتحرّكت الواو وقبلها فتحة فانقلبت ألفًا، وقد قالوا: "الكرةُ" فقال قومٌ أصلها: "كُرْوَةٌ" فحذفوا الواو وهي لامٌ، وقال قومٌ أصلها: "كُورَةٌ"؛ لأنّه من كارَ العمامة يَكُورُها إذا عبَّأ بعضها فوق بعض ومنه قوله تعالى: (يُكَوِّرُ الليلَ على النّهار ويكوِّرُ النّهار على اللّيل) أي يجعل

هذا على هذا، وهذا على هذا، وكذلك قيل لهذه كرة لتدويرها وجعل بعضها فوق بعض. فأمّا: "غدٌ" فأصله: "غَدْوٌ" فحذفت الواو منه وهي لامٌ قال الشاعر: غدٌ ما غدٌ ما أقرب اليوم من غد ... سيأتيك بالأخبار من لم تُزَوّدِ وربّما خرج هذا الاسم تامًّا على أصله قال الشّاعر: لا تَقْلُوَاها وادْلُواها دَلْوًا ... إنَّ مع اليوم أخاه غَدْوَا

وقال الآخر: ... ... .وغَدْوًا بلاقِعُ فإن قيل فمن قال: "غَدٌ" وحذف كيف يقول: "غَدْوٌ" فيتمِّم؟ قيل له الذي قال: "غدٌ" لغته: [النّقصُ]، والذي قال: "غَدْوٌ" لغته التّمام. وقال أبو الحسن: اللام في الواوات أكثر منه في الياءات، واستشهد

حذف الياء

بهذه المواضع كلِّها التي أرَيْتُكَ، فإذا وردت عليك كلمة قد حذفت لامها فعلى مذهب أبي الحسن يقطع على أنّها واو، وعند سيبويه يقطع على أنّها ياء. فعلى ما بيّنت لك يجري حذف اللّامات. حذف الياء قالوا: "يدٌ" والأصل: "يَدْيٌ"، لأنّ اشتقاقها من: "يَدَيْتُ إليه يدًا" أي: أسْدَيْتُ إليه معروفًا، فهذا يدلُّ على أنّ لامها ياءٌ، و"يدٌ" أصلها: "يَدْيٌ" على [وزن]: "فَعْلٍ" يدلُّك على ذلك جمعهم لها على: "أيْدٍ"، و"أيْدٍ" وزنه: "أفْعُلٌ"، و"أفْعُلٌ" هو جمع "فَعل" كما قالوا: "كَعْب" و"أَكْعُبٌ". وقد قالوا للنّعمة: "يدٌ"، ويجوز أن تكون سُمِّيت النّعمة يدًا، لأنّها تسدي اليد.

ويجوز أن تكون سُمِّيت الجارحة يدًا، لأنّها نعمة من الله تعالى للعبد. وأكثر ما تجمع الجارحة على "أيْدٍ" وتجمع النّعمةُ على "أيادٍ"، ويجوز أن تجمع: "أيْدٍ" على "أيادٍ" قال الشّاعر: أمّا واحدًا فكفاك مثلي ... فمن أيدٍ تطاوحها الأيادي أي تطاولها النّعمُ. وقالوا: "مائةٌ" والأصل: "مِئْيَةٌ" فحذفوا الياء وهي لام الكلمة. وقد

حكى أبو الحسن أنّه سمع أعرابيًّا يقول: "أعطني مِئْيًا". وهذا نصٌّ في موضع الخلاف ويزيل الشَّغْب. فأمّا: "دمٌ" فأصله: "دَمَيٌ"، لأنّه يقال في تثنيته: "دَمَيان" قال الشاعر: فلو أنّا على حجر ذُبِحْنا ... جرى الدَّمَيان بالخبر اليقينِ

حذف الهاء

وتثنيته بالياء يدلُّ على أنّ لامه ياء. وقد حكاه قومٌ: "دَمَوان"، وهذا قليل. وقال بعضهم في تثنية: "دمانِ"، لأنّه لم يردَّ المحذوف من الواحد في التّثنية. وينبغي أن يكون العمل والقياس على الأفصح الأكثر لا على القليل النَّزْر. وكون اللّام ياءً عند أبي الحسن أقلُّ من كونها واوًا، وعند سيبويه كونها ياء أكثر من كونها واوًا. والواو أثقل من الياء، والياء أثقل من الألف، فلأجل هذا صار حذف الواو أكثر من حذف الياء، وحذف الياء أكثر من حذف الألف، لأنّ الشيءَ كلّما ازداد ثقله ازداد حذفه. حذف الهاء ومن ذلك حذف الهاء: الهاء قد حذفت إذا كانت لامًا قالوا: "شاةٌ" والأصل: "شَوْهَةٌ"، وربّما

قالوا: "شَوَهَةٌ" فحذفوا الهاء في قولهم: "شاةٌ"، لأنّ الهاء حرف خَفيٌّ مهموس يُشَبَّه بحروف العلّة. ألا تراه يقع وصلاً في الشّعر كحروف العلّة، وينبغي أن يكون أضعف من حروف العلّة؛ لأنّ حروف العلّة لا تكون وصْلاً إلاّ سواكن، والهاء تكون وصلا ساكنة ومتحركة، فدلَّ على أنّ حركتها لا يُعْتَدُّ بها. ولإن تكون "شاةٌ" أصلها: "شَوْهَةٌ" بالسّكون أولى من الحركة، لأنّ أصل الحرف السّكون، وإنّما الحركة زائدة عليه، والزّائد لا يقطع عليه إلاّ بدليل. وإذا كان أصلها "شَوْهَةٌ" وسقطت الهاء باشرت الواو السّاكنة تاء التّأنيث، وتاء التّأنيث يفتح ما قبلها فصار: "شَوَة" فلمّا تحرّكت الواو وقبلها فتحة انقلبت ألفًا فصار: "شاةٌ". ويدلّك على أنّ لامها هاءٌ قولهم في تحقيرها: "شُوَيْهَةٌ" وفي تكسيرها: "شِياهٌ"، وقد حكى أبو زيد أنّ من العرب من يقول: "تَشَوَّهْتُ

شاةً" إذا صاد شاةً. فأمّا: "شاءٌ" فهذا اسم للجمع وليس بجمع، وقال قوم أصله: "شاهٌ" فقلبوا من الهاء همزة، وهذا لا يقاس عليه، لأنّه يكون "شَوَهٌ" يقلب الواو ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ويقلب الهاء همزة، وهذا لا يجوز؛ لأنّه لا يجوز أن يُعَلَّ حرفان متلاصقان من غير حاجز بينهما. فأمّا قولهم: "شاوِيٌّ" فهذا اسم للجمع وليس بمشتقّ من شاة وإن كان فيه بعض حروفه. فأمّا قولهم: "ماءٌ" فأصله: "مَوَهٌ" فقلبوا الواو ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصار: "ماهٌ" ثمّ قلبوا من الهاء همزة فقالوا: "ماءٌ". وهذا لا يقاس عليه لقلّته ونزارته. فأمّا: "اسْتٌ" فأصلها: "سَتَهَةٌ" يدلُّك على ذلك تصغيرها: "سُتَيْهَةٌ" و [تكسيرها] "أسْتاهٌ"، ومنهم من يقول: "اسْتٌ" فيسقط الهاء وهي لام

الكلمة، ويدخل في أوّلها همزة الوصل. ومنهم من يقول: "سَهٌ" فيسقط التّاء وهي عين الكلمة، ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (العينان وكاء السَّهِ) أي سِدادُ الاست؛ لأنّه إذا كان يقظان حفظت عيناه اسْتَهُ فلم تنطلق، وإذا نام انحلّ الوكاء فانطلقت الاست ولهذا قال: (فإذا نامت العينان استطلق الوكاء). وفي الكلام ما تكون لامُه تتعاقب عليها الياء والواو كما قالوا: "دَمَيان" و"دَمَوان"، و"رَجَوان" و"رَجَيان"، و"نَقَوان" و"نَقيان". وفيها ما يختصّ بالياء كما قالوا: فتيان. ومنها ما يتعاقب عليه الهاء والواو فمن ذلك: "سَنَةٌ" فمن قال: "سَنَواتٌ"

قال في الفعل: "سانَيْتُ" وفي التّصغير: "سُنَيَّةٌ"، وأصلها: "سُنَيْوَةٌ" فقلب من الواو ياء، وأدغم الياء في الياء. ومن قال اللامُ هاء قال: "سانَهْتُ"، و"سُنَيْهَةٌ" قال الشاعر: ليست بسَنْهاء ولا رُجَبِيّة ... ولكن عرايا في السّنين الجوائح ومن ذلك: "عِضَةٌ" منهم من يقول: "عُضَيْهَةٌ" و"عِضاهٌ"، ومنهم من يقول: "عُضَيَّةٌ"، و"عِضواتٌ" قال الشّاعر:

هذا طريقٌ يأزِمُ المآزِما ... وعِضَواتٌ تقطع اللَّهازِما فعلى ما بيّنت لك يجري لام الكلمة. فأمّا: "فمٌ" فأصله: "فَوْهٌ" فحذفوا الهاء وهي لام الكلمة، وأبدلوا من الواو ميمًا فقالوا: "فمٌ" يدلّك على ذلك قولهم في التّكسير: "أفْواهٌ"، وفي التّصغير: "فُوَيْهٌ".

حذف النون

فأمَّ: "شَفَةٌ" فأصلها: "شَفَهَةٌ" وزنها: "فَعَلَةٌ" فحذفوا الهاء وهي لام الكلمة فبقي: "شَفَةٌ"، يدلُّك على أصلها تصغيرهم إيّاها: "شُفَيْهَةٌ"، وتكسيرهم إيّاها: "شِفاهٌ"، وتصريف الفعل منها: "شافَهْتُ مُشافَهَةً وشِفاهًا". حذف النون قد حذفت النّون في: "مُذْ" يدلُّك على حذفها وأنّ أصلها: "منذ" أنّك لو سمّيت بـ"مُذْ" ثمّ صغّرت الاسم لقلت: "مُنَيْذٌ"، ولو كسرته لقلت: "أمْناذٌ"؛ فرجوع النّون في التّصغير والتّكسير يدلّ على أنّها أصل في الكلمة. وكذلك قالوا: "إنْ زيدًا لقائمٌ" وقد قالوا: "إنَّ زيدًا قائمٌ" فردُّوا التّشديد، ولو سمّيت بـ"إنْ" مخفّفة ثم صغَّرْت الاسم لقلت: "أُنَيْنٌ" فرددت النّون.

حذف الباء

حذف الباء قالوا: "رُبَّ" رجلٍ لقيته بباء مثقّلة، وخفّفوا فقالوا: "رُبَ رجلٍ" قال الشّاعر: ... ... ربَ هَيْضَل لجبٍ لففتُ بهَيْضَلِ

وقال الآخر: أسُمَيَّ ما يدريك أنْ رُب فتيةٍ ... باكرتُ صحبتهم بأدكن عاتق ولو سمّيت بـ "رُبَ" مخفّفة ثم صغّرته لقلت: "رُبَيْبٌ" وقد قرئ (رُبَما يودُّ الذين كفروا).

حذف الحاء

حذف الحاء قالوا: "حِرٌ"، وأصله "حِرْحٌ" يدلُّك على ذلك قولهم في تصغيره "حُرَيْحٌ"، وفي تكسيره: "أحْراحٌ" قال الشّاعر: إنِّي أقود جملا مِمْراحًا ... ذا قُبَّةٍ مملوءةٍ أحراحا حذف الخاء قالوا: "عِزٌّ بَخٌّ" إذا أرادوا تعظيمه وفخامته قال الشاعر:

في حَسَب بَخٌ وعِزّ أقْعَسا ولو سَمَّيْتَ بـ "بَخٍ" مخفّفة ثمّ صغّرته لقلت: "بُخَيْخٌ" فرددت الخاء، وقد كرّروه فقالوا: "بخٍ بخٍ" قال الشاعر: بين الأشجّ وبين قيسٍ بيتُه ... بخْ بخْ لوالده وللمولود

حذف الفاء

حذف الفاء قالوا في التّضجّر: "أُفْ" وهو اسم للفعل في الخبر لا في الأمر ولا في النّهي، كأنّهم قالوا: "أتأفَّفُ" كما يقولون: "أتضجَّرُ"،وفيها تسع لغات قالوا: "أَفُّ" فضمُّوا الفاء لسكونها وسكون الفاء التي قبلها، واختاروا لها الضّمّة إتباعًا لضمّة الهمزة في أوّلها. ومن قال: "أُفِّ" كسر الفاء لالتقاء السّاكنين، لأنّ حركة التقاء السّاكنين أصلها الكسر كما تقول: "اضربِ الرّجل" فتكسر الباء. ومن قال: "أُفَّ" ففتح الفاء لالتقاء السّاكنين، واختار الفتح مع التّضعيف، لأنّهم يكرهون الضّمّة والكسرة بعد التّضعيف، كما يكرهونهما بعد الياء والواو. وهذا اسم معرفة كأنّهم يقولون: "أتضجّرُ التّضجُّرَ المعروفَ".

فإن أراد تنكيره كأنّه قال: "أتضجَّرُ تضجُّرًا" دخله التّنوين مع الضمّ [في] لغة مَنْ ضَمَّ، ومع الفتح في لغة من فتح، ومع الكسر في لغة من كسر فقال: "أفٌّ" و"أُفّا"، و"أُفٍّ". فهذه ستّ لغات. وقالوا: "أُفَّى" على وزن: "حُبْلى"، وهذا اسم غريب، لأنّه ليس اسمًا لفعل ولا في الأصوات ما في آخره ألف تأنيث سوى هذا الاسم. وقالوا: "أُفْ" فحذفوا الفاء الأخيرة استثقالاً للتّضعيف. فهذه ثماني لغات. فأمّا العامّة فإنّها تقول: "أُفَّيْ" تقلب من الألف ياء قبلها فتحة، وهذا لا يجوز، لأنّ من العرب من يقلب الألف ياء في الوقف فيقول: "أعْمَيْ" و"حُبْلَيْ" إلاّ أنّه إذا وصل مع الألف فقال: "أعمى يا هذا" و"حُبلى عندك"، وربّما أقرّوا الوصل؛ يحملون الوصل على الوقف وهو قليلٌ.

وقد حكوا عن ثعلب أنّ بعض العرب يقول: "سَوْ أفعلُ" يريد "سوف أفعل" وهذا قليلٌ جدًّا.

ذكر أبنية الأفعال الثلاثية الصحيحة

ذكر أبنية الأفعال الثلاثية الصحيحة اعلم أنّ الفعل الثّلاثيَّ الماضي يكون على: "فَعَلَ"، و"فَعِلَ"، و"فَعُلَ" إذا كان الفعل للفاعل، فإن بنيت الفعل للمفعول كان على: "فُعِلَ". إذا كان الماضي على: "فَعِلَ" مكسور العين كان مستقبله على: "يَفْعَلُ" بفتح العين نحو: "عَلِمَ يَعْلَمُ" و"رَكِبَ يرْكَبُ"، و"لَبِسَ يلبَسُ"، وقد شذَّ من هذا الفصل أربعة أفعال جاء مستقبلها على: "يفعِلُ ويفعَلُ"، كأنّهم ركّبوا مستقبلين على ماضٍ واحد قالوا: "حسِبَ: يحسِبُ ويحسَبُ" و"يئِسَ: ييْئِسُ ويَيْأسُ" و"يَبِسَ: ييْبِسُ وييْبَسُ" و"نَعِمَ: ينعِمُ وينْعَمُ". وقد قالوا: "نَعَمَ: ينعُمُ"، "نعِمَ: ينْعَمُ" ثمّ ركّبوا من مجموع اللغتين لغة ثالثة فقالوا: "نعِمَ ينعُمُ"، وقالوا: "فَضَلَ: يفْضُلُ" و"فَضِلَ: يفضَلُ" وركّبوا من اللغتين لغة ثالثة فقالوا: "فَضِلَ: يفضُلُ"، وقالوا: "حَضَرَ: يحضُرُ" و"حضِرَ: يحضَرُ" ركّبوا من مجموع اللغتين لغة ثالثة فقالوا: "حضِرَ: يحضُرُ"، وقالوا: "رَكَنَ: يركُنُ" و"رَكِنَ يركَنُ" ثمّ ركبوا من اللغتين لغة ثالثة فقالوا: "رَكِنَ يركُنُ"، وقالوا: "قَنَطَ: يقنِطُ" و"قنِطَ يقنَطُ" ثمّ ركّبوا من اللغتين لغة ثالثة فقالوا: "ركِنَ: يركُنُ"، وقالوا: "قنَطَ يقنِطُ" و"قنِطَ يقنَطُ" ثمّ ركّبوا من اللغتين لغة ثالثة فقالوا: "قنَطَ: يقنْطُ".

وإذا كان الماضي على "فَعُلَ" جاء المستقبل على "يفعُلُ" لا ينكسر منه شيء قالوا: "ظَرُفَ يظْرُفُ"، و"كرُمَ يكرُمُ"، و"شرُفَ يشرُفُ". وإذا كان الماضي على "فَعَلَ" وليس عينه ولا لامه حرفًا من حروف الحلق، فربّما جاء المستقبل على: "يفعِلُ" نحو: "ضرَبَ يضرِبُ" و"جلَسَ يجلِسُ" و"حبسَ يحبِسُ"، وربّما جاء المستقبل على "يفعُلُ" لا غير نحو: "ذكرَ يذْكُرُ" و"قتلَ يقتُلُ"، وربّما جاء المستقبل على "يفعِلُ ويفعُلُ" قالوا: "فسَقَ يفسُقُ" و"عَكَفَ: يعكِفُ ويعكُفُ"، و"عرَشَ: يعرِشُ ويعرُشُ"، و"طَمَسَ: يطْمِسُ ويطمُسُ"، و"سفَكَ: يسفِكُ ويسفُكُ"، وأمثلته كثيرة. فإن كان عين الفعل أو لامه حرفًا من حروف الحلق وهي: "الهمزة، والهاء، والحاء، والعين، والخاء، والغين" فربّما جاء المستقبل على: "يفعُلُ" فقط نحو: "دخَلَ: يدخُلُ". وربّما جاء على "يفعَلُ" نحو: "ذبَحَ يذْبَحُ" و"قرأ: يقرَأ". وربّما جاء على "يفعِلُ ويفعَلُ" قالوا: "زأرَ: يزْئِرُ ويزأرُ". وربّما جاء على: "يفعَلُ ويفعِلُ" قالوا: "ضَبَعَ: يضبَعُ ويضبِعُ".

وقد جاء على "يفعُلُ" نحو "دخَلَ يدخُلُ". وقد جاء على "يفعِلُ، ويفعَلُ، ويفعُلُ"، فإذا مرّ بك فلا تستوحش منه. فهذا أصل في الصّحيح، وأنا أحمل المعتلَّ على هذه الأمثلة إن شاء الله تعالى. فإذا كان حرف الحلق عينًا فتح نفسه، وإذا كان لامًا فتح العين، وإذا كان فاء لم يؤثّر، وإذا لم يكن عين فعل أو لامه حرفًا حلقيًّا لم يجز فتح العين في المستقبل، وقد شذّ منه شيء قالوا: "أبى: يأبَى" قال قوم إنّما فتحه، لأنّ فاءه همزة وهي من حروف الحلق، وهذا غلط، لأنّ حروف الحلق إنّما تؤثّر إذا كانت متحرّكة عينًا أو لامًا، والهمز هاهنا في "يابَى" ساكنة وهي فاء فهي غير مؤثّرة. وقال قوم إنّما فتح، لأنّ لامه ألف، والألف من حروف الحلق.

وهذا أيضًا قول ليس بالجيّد. وقال قوم: إنّما فتح تشبيهًا له بنظيره وهو "منَعَ يمنَعُ"، لأنّ الإباء المنع. وقال قوم إنّما فتح على طريق الغلط توهّموا ماضيَهُ على "فعِلَ" فجاء المستقبل على "يفعَلُ"، وهذا وجده جيّد. وهذا حرف متّفق عليه. وقد حكوا حروفًا أخر وهي متأوَّلَةٌ قالوا: "ركَنَ يرْكَنُ" و"قَنَطَ يقنَطُ"، وقد ذكرناهما، وقالوا: "حَنا يحْنَى" و"قلا يقْلَى" و"عَسا يعْسَى" وهذا يجوز أن يكون ماضيه على "فَعِلَ"، ويجوز أن يكون جاء من فَعَلَ على طريق الشّذوذ.

فأمّا "فَعِلَ يفعِلُ" ممّا فاؤه واو نحو: "وفِقَ أمرُه يفِقُ" و"وَرِثَ يرِثُ" و"وَمِقَ يمِقُ". وقد مضى من هذا نبذٌ فيما تقدّم. وقد جاء: "طاحَ يطيحُ" و"تاه يتِيهُ" فمن قال: "طَوَّحْتُ" و"تَوَّهْتُ" قال أصله: "طَوِحَ يطْوِحُ" و"تَوِهَ يتْوِهُ" جاء على مثال: "حَسِبَ يحسِبُ" فانقلبت الواو في الماضي ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، فأمّا في المستقبل فإنّهم نقلوا كسرة العين إلى الفاء في: "يطْوِحُ" و"يتْوِهُ" فسكنت العين وانكسرت الفاء فصار: "يطِوْحُ" ويتِوْهُ" فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فقالوا: "يطِيحُ" و"يتِيهُ"، فهذا ما اعتلّت عينه، قد أعلَّ بإسكان متحرّك، وتحريك ساكن. وقد حكوا فيه: "طَيَّحْتُ" و"تيَّهْتُ" و"هو أطْيَحُ منك" و"أتْيَهُ منك"، وقالوا أصل هذا: "طَيَحَ يطْيِحُ" و"تَيَهَ يتْيِهُ" فتحرّكت الياء في الماضي وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفًا، فأمّا في المستقبل فإنّهم نقلوا كسرة الياء إلى الفاء فسكنت الياء وانكسرت الفاء فقالوا: "يطِيحُ" و"يتِيهُ". وكذلك فعلوا في: "باعَ" "يَبِيعُ" و"كال" "يكِيلُ" و"هالَ الترابَ" "يهيلُه" فأصله: "كَيَلَ يكْيِلُ"، و"بَيَعَ يبْيِعُ" و"هَيَلَ التّرابَ يهْيِلُهُ"

و"خَيَطَ يخْيِطُ "فقلبت الياء في الماضي ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فأمّا في المستقبل فإنّه نقل كسرة الياء إلى الفاء فسكنت وانكسر ما قبلها فقالوا: "يبِيعُ" و"يكِيلُ" و"يهِيلُ" و"يخِيطُ"؛ وإنّما أعلّوا العين في المستقبل حملاً على إعلالها في الماضي، ولتكون فاء الكلمة تابعة للعين بكونها مكسورة قبلها كما كانت تابعة لها في الماضي. وكذلك إن كانت لامه ياء نحو: "رمَى يرْمِي" و"قَضَى يقْضِي"، وأصله: "رَمَيَ" فقلب الياء ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وقالوا في المستقبل: "يرْمِي" و"يقْضِي" فجعل العين تابعة للاّم في كونها مكسورة، وخصّوا ما كانت عينه أو لامه ياء من "فَعَلَ" بـ"يفْعِلُ" في المستقبل حتّى ينكسر [ما] قبل العين واللام في: "يبِيعُ" و"يرمِي" فتظهر الياء. ولم يجيزوا فيه: "يفعُلُ" كما جاء في الصّحيح: "عَكَفَ" "يعْكُفُ" و"يعكِفُ" لئلاّ يلتبس ذوات الياء بذوات الواو. فأمّا: "سعى يسْعَى" فأصله: "سَعَيَ يسْعَيُ" فانقلبت الياء في الماضي ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وجاء المستقبل على: "يفعَلُ"، لأنّ عينه من حروف الحلق، وانقلبت الياء في مستقبله ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فقالوا: يسْعَى. وإذا كانت عين: "فَعَلَ" أو لامه واوًا خصّوا مستقبله بـ"يفعُلُ" ليظهر

الواو، ويكون الفاء تابعة للعين، والعين تابعة للّام، ولم يجيزوا فيه: "يفْعِلُ" كما جاء "يعْكُفُ" و"يعكِفُ" لئلاّ يلتبس ذوات الواو بذوات الياء قالوا: "قالَ يقُولُ" و"زال يزُولُ" و"صاغَ يصُوغُ" وأصله: "قَوَلَ يقْوُلُ" و"زَوَلَ يزْوُلُ" و"صَوَغَ يصْوُغُ" فانقلبت العين في الماضي ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، فأمّا في المستقبل فإنّهم نقلوا ضمّة العين إلى الفاء فسكنت الفاء وقبلها ضمّة، والواو إذا انضمّ ما قبلها كان أمكن لها نحو: "يقُولُ" و"يرُوعُ" و"يصُوغُ". وكذلك إن كانت لام فعل واوًا نحو: "غزا يغْزُو" وأصله: "غَزَوَ يغْزُوُ" وانقلبت الواو في الماضي ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، فأمّا في المستقبل فحذفوا الضّمّة منها استثقالاً لها فيها، وصارت العين مضمومة قبل اللام في "يغْزُو" كما كانت الفاء مضمومة قبل العين في: "يَزُولُ" و"يقُولُ". ومن قال: "محا يمْحُو" فهو مثل: "غزا يغْزُو"، ومن قال: "يمْحا" فإنّما فتح العين، لأنّها من حروف الحلق، وانقلبت الواو ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

وكذلك "شَأَ يشْأَى" الأصل فيه: "يشْؤُو" مثل "يغْزُو" إلاّ أنّهم فتحوا العين، لأنّها من حروف الحلق فانقلبت الواو ألفًا في الماضي والمستقبل لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. فأمّا: "هابَ يهابُ" و"خاف يخافُ" فأصله: "هَيِبَ يهْيَبُ" و"خَوِفَ يخْوَفُ" فانقلبت الواو والياء في الماضي ألفًا لتحرّكهما وانفتاح ما قبلهما، وأمّا في المستقبل فإنّهم نقلوا حركة العين إلى الفاء فسكنت العين وانفتحت الفاء فصار: "يَهَيْبُ" و"يَخَوْفُ" ثمّ أتبعوا الياء والواو الفتحة التي نقلت منهما فصارتا ألفين فقالوا: "يهابُ" و"يخافُ"، ومن الناس من يقول: راعَوا فتح ما قبلهما بعد النّقل، وحركتهما قبل النقل، فصارتا كأنّهما متحرّكتان وقبلهما فتحة، فانقلبتا ألفين. فأمّا: "حَوِلَ" و"عَوِرَ" و"صَيِدَ البعيرُ" فإنّما صحّت لتدلّ على أنّها في

معنى ما يجب تصحيحه نحو: "احْوَلَّ" و"اعْوَرَّ" و"اصْيَدَّ"، فلمّا صحّت في الماضي وقد تحرّكت وانفتح ما قبلها صحّت في المستقبل فقالوا: "يحْوَلُ" و"يَعْوَرُ" و"يَصْيَدُ". وأمّا "ليْسَ" فليس يخلو أن يكون أصله: "لَيَسَ"، أو "لَيِسَ"، أو "لَيُسَ". ولا يجوز أن يكون أصلها: "لَيَسَ" لأنّ المفتوح لا يُسَكَّن،

ولا يجوز أن يكون "لَيُسَ"، لأنّه ليس في الكلام: "فَعُلَ" مما عينه أو لامه ياء. فلمّا بطل أن يكون "فَعَلَ" و"فَعُلَ" ثبت أنّ أصلها: "فَعِلَ". وإنّما جمدت ولم تتصرّف لأحد وجهين: أحدهما أن يكون لمضارعتها لـ"ما" النافية سرى إليها منها البناء. والثانية: أنّه ينبغي أن يكون فائدة الفعل ما دلّ عليه لفظه، فلمّا كان لفظ: "ليْسَ" ماضيًا، وهي موضوعة لنفي الحال، خالف لفظها معناها، فخالفت نظائرها من الأفعال فجمدت ولم تتصرّف. فأمّا "دامَ يدامُ" و"مات يماتُ" فأصلها: "دَوِمَ يدْوَمُ"، "مَوِتَ يمْوَتُ"، فانقلبت الواو في الماضي ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ونقلت [حركة] الواو في المستقبل إلى الفاء فسكنت وانفتح ما قبلها، ثم أتبعت الفتحة فصارت ألفًا فقالوا: "يدامُ" و"يماتُ" على مثال: "عَلِمَ يعْلَمُ" وحكوا فيهما لغة ثانية فقالوا: "دام يدُومُ"، و"مات يمُوتُ"، وأصلهما: "دَوَمَ يدْوُمُ"، و"مَوَتَ يمْوُتُ"، فانقلبت الواو في الماضي ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ونقلوا ضمّتها في المستقبل إلى الفاء قبلها فثبتت فقالوا: "يدُومُ" و"يَمُوتُ" كما تقول: "يقُومُ ويزُولُ".

وقد ركّبوا من هاتين اللغتين لغة ثالثة فجاءوا بها على: "فَعِلَ يفعُلُ" كما قالوا في الصّحيح: "فَضِلَ يفضُلُ" قال أبو الأسود الدؤلي: ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر ... وما مرَّ من عيشي ذكرت وما فَضِلْ وأصلها على هذا: "دَوِمَ يدْوُمُ" و"مَوِتَ يمْوُتُ" فانقلبت الواو في الماضي ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ونقلوا ضمّة الواو في المستقبل إلى ما قبلها فسكنت، وقبلها ضمّة فصحّت فقالوا: "يمُوتُ" و"يدُومُ"، ويقول المتكلّم على اللغة الأولى: "مِتُّ أماتُ" و"دِمْتُ أدامُ"، وعلى اللغة الثانية: "مُتُّ أمُوتُ" و"دُمْتُ أدُومُ"، وعلى اللغة المركّبة: "مِتُّ أمُوتُ"، و"دِمْتُ أدُومُ" مثل: "حَضِرْتُ أحْضُرُ".

فأمّا كاد فيستعمل على ضربين: أحدهما: من فعل المكيدة وهي الحيلة. والثانية من فعل المقاربة. قالوا في فعل الحيلة: "كاد زيدٌ القومَ يكِيدُهم"، والأصل: "كَيَدَ يكْيِدُ" مثل: "بَيَعَ يبْيِعُ" ثمّ قلبوا الياء في الماضي ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. ونقلوا كسرتها إلى ما قبلها فسكنت، وقبلها كسرة فصحّت فقالوا: "يَكِيدُ" كما قالوا: "يَبِيعُ". وقالوا في المقاربة: "كاد زيدٌ يدخُلُ البلدَ يكادُ"، والأصل: "كَيِدَ يكْيَدُ" فقلبوا الياء في الماضي ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ونقلوا فتحتها في المستقبل إلى ما قبلها فسكنت، وقبلها فتحة، ثمّ أتبعوها الفتحة فصارت ألفًا فقالوا: "يكادُ". وقد ركّبوا ماضيين على مستقبل واحد فقالوا: "كِدْتُ تكادُ" في المقاربة و [كُدْتَ تكادُ] والأصل: "كَيُدْتَ" فحذفوا فتحة الكاف، ونقلوا إليها ضمّة الياء فسكنت وقبلها ضمّة فانقلبت واوًا، ثم سقطت الواو لسكونها وسكون الدّال بعدها، وبقيت الضّمّة قبلها تدلّ عليها فقالوا: "كُدْتَ تكادُ" فهذان ماضيان وهما: "فَعُلَ" و"فَعِلَ" ومستقبلهما: "يفْعَلُ".

فأمّا "طال" الذي هو ضدُّ "قَصُرَ" فأصله: "طَوُلَ" على وزن "قَصُرَ" فانقلبت الواو ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وتقول في المستقبل: "يطُولُ"، وأصله: "يطْوُلُ" فنقلوا ضمّة الواو إلى الطّاء فسكنت الواو وقبلها ضمّة فثبتت. فهذا إعلال بإسكان متحرّك، وتحريك ساكن. فأمّا الصّفة المشتقّة منه فـ"طويلٌ" على وزن: "ظرِيف وكريم"، وليست باسم جار على الفعل، ونقيضُ "طويلٍ": "قصير"، واسمه الجاري عليه: "طائلٌ".

فإن بنيت اسم الفاعل من "باعَ" و"خاف" و"قام" و"نام" و"هاب" أدخلت ألفًا قبل هذه الألف فاجتمع ألفان فلم يخل أن تجمع بينهما، أو تسقطهما، أو تسقط أحدهما، أو تحرّك أحدهما.

والجمع بين ألفين محال، لأنّ كل واحد منهما قد دخل لمعنى وإسقاطه يخلُّ بالمعنى الذي دخل من أجله. ولا يجوز إسقاط أحدهما لئلا يلتبس الاسم بالفعل. ولا بدّ من تحريك أحدهما، ولا يجوز تحريك الأوّل، لأنّه زائد لا حظّ له في الحركة، وإنّما زيد ليفصل بين الاسم والفعل، فوجب أن تحرَّك الألف الثانية التي انقلبت عن عين الكلمة، وسواء انقلبت عن ياء أو واو، وإذا حرّكت الألف انقلبت همزة، وكسرت فقلت: "قائمٌ" و"بائعٌ" و"خائفٌ" و"نائمٌ" و"طائلٌ" و"هائِرٌ" و"قائلٌ" و"عائدٌ" وأمثلته كثيرة. فأمّا: "طالَ" من قولهم" "طاوَلَني فطُلْتُهُ" أي زدت عليه في الطُّول كما تقول: "كاثَرَني وكثَرْتُهُ" أي زيدت عليه في الكثرة، وأصلها: "فَعَلْتُ" يدلُّك على ذلك تعديتها إلى المفعول في قولك: "طُلْتُه". فأمّا: "طُلْتُ" التي ضدُّ: "قَصُرْتُ" فأصلها: "طَوُلْتُ" على وزن: "فَعُلْتُ"، يدلّك على ذلك أنّها لا تتعدّى إلى مفعول، كما لا تتعدّى "قَصُرْتُ". وإنّما اعتلّ اسم الفاعل من: "فَعِلَ" و"فَعَلَ" و"فَعُلَ" في نحو: "هائبٍ"

و"بائع" و"طائل"، لأنّ فعله مُعَلٌّ فصار على وزن "ضارِب وقائل". وقد ذكرت إعلال المفعول منه في نحو: "مَصُوغٍ ومكِيلٍ"، ولست أحتاج إلى إعادته. فأمّا: "عَوِرَ" و"حَوِلَ" و"صَيِدَ" فإنّ اسم الفاعل منها يصحُّ كما صحّ فعله، تقول في الماضي: "حَوِلَ" و"عَوِرَ" و"صَيِدَ"، وفي المستقبل: "يحْوَلُّ" و"يعْوَرُّ" و"يصْيَدُّ" وفي اسم الفاعل: "حاوِلٌ" و"عاوِرٌ" و"صايِدٌ" غير مهموز. تصحُّ الياء والواو، ولو بنيته للمفعول لقلت: "حُوِلَ" و"عُوِرَ" و"صُيِدَ" في هذا المكان "يُحْوَلُّ" و"يُعْوَرُّ" و"يُصْيَدُّ". فإن بنيت من" قال" و"باعَ" و"خاف" و"هاب" الفعل للمفعول ففيه ثلاثة مذاهب: أجودها: "قِيلَ" و"بِيعَ" و"خِيفَ" و"هِيبَ" بكسر الفاء، وأفصح

القراءات: (وإذا قِيلَ لهم) [البقرة: 11] بكسر القاف، وكذلك (طِيبَ) [النساء: 3] و (حِيلَ) [سبأ: 54] و (سِيقَ) [الزمر: 71] و (جِيءَ) [الزمر: 69]. الوجه الثاني: أن تشير إلى الضم ليدل على الأصل نحو:

(قُيْلَ) و (حُيْلَ) و (سُيْقَ) و (جُيءَ). والوجه الثالث: أن تضمّ الفاء ضمًّا خالصًا فتصير العين واوًا خالصة سواء كان أصلها واوًا أو ياء نحو: "قُولَ" و"هُوبَ" و"خُوفَ". والأصل في هذا كله: "قُوِلَ" و"بُيِعَ" فاستثقلوا الكسرة في الياء والواو، فأسقطوا الضّمّة من الفاء، فلمّا سكنت الفاء نقلوا إليها كسرة الياء والواو. فإن كانت ياء صحّت لسكونها وانكسار ما قبلها نحو: "بِيْعَ" و"هِيْبَ"، وإن كانت واوًا انقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها نحو: "قِيلَ" و"خِيفَ" و"قِيمَ في هذا المكان" و"صِيغَ الخاتمُ" و (سيئت وجوه الذين كفروا) [الملك: 27]. ومن أشار إلى ضمّة الفاء فإنّما أراد الدّلالة على الأصل.

فأمّا اللغة الثالثة: وهي: "قُولَ" و"بُوعَ الثوب" و"هُول التّراب" و"كُولَ الطعامُ" فلمّا كان الأصل فيه: "كُيِلَ" و"خُوِفَ" و"قُوِلَ" استثقلوا الكسرة في الياء والواو فأسقطوها. فإن كانت واوًا ثبتت لسكونها وانضمام ما قبلها نحو: "قُولَ" و"خُوفَ"، وإن كانت ياء انقلبت لسكونها وانضمام ما قبلها نحو "بُوعَ" و"هُوبَ" قال الشاعر: وابتذلت غضبى وأمَّ الرِّحالْ ... وقُول لا أهلٌ له ولا مالْ فأمّا المستقبل فنحو: "يُقالُ" و"يُباعُ" و"يُخافُ" و"يُهابُ" تنقلب الواو والياء ألفًا. والأصل فيه: "يُقْوَلُ" و"يُهْيَبُ" و"يُخْوَفُ"، فنقلوا فتحة الواو والياء إلى ما قبلهما فسكنتا، وانفتح ما قبلهما، ثمّ أتبعوهما الفتحة فصارتا

ألفًا، لأنّه ثقل فقُلِب، وإنّما نقلوا فتحتهما إلى ما قبلهما ليتبعوا بها الفتح في نحو: "يُباعُ" و"يُخافُ". وقد قالوا: رُوعِيت حركتهما قبل النقل، وفتحة ما قبلهما بعد النّقل فصارتا كأنّهما متحرّكتان وقبلهما فتحة، فانقلبتا ألفًا. وقال بعض النحويين: لمّا كنت متمكّنًا بتحرّكهما وانفتاح ما قبلهما من قلبهما إلى الألف قلبتهما ألفًا؛ لأنّ الألف ساكنة تستحيل حركتها، وهي أسهل في اللفظ من الياء والواو سكنتا أو تحرّكتا. وكذلك إذا كانت عين الفعل ولامه من جنس واحد نحو: "ردَّ يرُدُّ" و"عَضَّ يعَضُّ" و"فَرَّ يفِرُّ" والأصل: "رَدَدَ" و"عَضِضَ" و"فَرَرَ" فثقل عليهم تكرير المثلين، لأنّ اللسان يتناول الحرف من مكانه ثم يعود إلى المكان لتناول الثاني فيصير كمشي المقيَّد يمشي ولا يبرح من مكانه، فلمّا

ثقل عليهم أسقطوا حركة الأوّل، فلمّا سكن أدغموه في الثاني فقالوا: "ردَّ" و"عَضَّ" و"فَرَّ". فإذا صاروا إلى المستقبل فالأصل فيه: "يعْضَضُ" و"يَرْدُدُ" و"يَفْرِرُ"، فلمّا ثقل عليهم توالي المثلين نقلوا حركة الأوّل إلى السّاكن الذي قبله فتحرّك السّاكن بالحركة المنقولة إليه، وسكن المثل الأوّل، وأدغم في الثاني. فالضمّة في الراء من "يرُدُّ" هي المنقولة إليها من الدّال، والفتحة في العين هي المنقولة إليها من الضّاد، والكسرة في الفاء من "يفِرُّ" هي المنقولة إليها من الرّاء. فإذا سكن المثل الثاني لوقف أو جزم جاز في المضموم الأوّل أن يحرَّك الساكن الأخير بثلاث حركات: تقول: "رُدُّ" و"رُدَّ" و"رُدِّ". فمن ضمَّ الدّال أتبعها ضمّة الراء، ولم يحفل بالسّاكن بينهما، لأنّ السّاكن حاجزٌ غير حصين.

ومن فتح الدّال فإنه طلب التخفيف لثقل التضعيف. ومن كسر الدّال فإنّه كسر على الأصل في حركة التقاء الساكنين. إذا قال عضَّ جاز في الضّاد الفتح والكسر: "عضِّ" و"عَضَّ"، فمن كسر فعلى الأصل في حركة التقاء الساكنين. والفتح في الضّاد من وجهين: أحدهما: طلبًا للتّخفيف. والثّاني: إتباعًا لحركة العين. فأمّا: "فِرَّ" فيجوز فيه فتح الرّاء، وكسرها، فمن فتح الرّاء فإنّه طلب التّخفيف. ومن كسر الرّاء فمن وجهين: أحدهما: إتباعًا لكسرة الفاء. والثاني: على الأصل في حركة التقاء السّاكنين. هذه مذاهب بني تميم. فأمّا أهل الحجاز فإنّه إذا سكن الثاني لوقف أو جزم ردُّوا إلى الحرف

الذي قبله حركته فسكن الأوّل فقالوا: "يَرْدُدْ ويعْضَضْ ويفْرِرْ". فإن كان أمرًا اجتلبوا له ألف الوصل فقالوا: "امْدُدْ" و"اعْضَضْ" و"افْرِرْ". فإن بنوا هذا المدغَم لما لم يسمَّ فاعله جاز فيه وجهان إذا كان في الماضي: قالوا: "قد رُدَّ زيدٌ" و"قد رِدَّ زيدٌ" بضمّ الراء وكسرها، وقد قرئ: (رُدُّوا إلى الله) [الأنعام: 62] و (رِدُّوا إلى الله) فمن قال (رِدُّوا إلى الله) بالكسر فأصله: "رُدِدَ" فأسقط ضمّة الرّاء، ونقل إليها كسرة الدّال فقال: "رِدُّوا" و"رِدَّ زيدٌ" فالكسرة في الرّاء هي المنقولة إليها من الدّال فقال: "رِدُّوا"، وهذه أقلُّ القراءتين. فأمّا من ضمّ الرّاء فالأصل فيه: "رُدِدَ" فأسقط حركة الدّال الأولى، وأدغمها في الثانية، وبقيت ضمّة الرّاء فيها فقالوا: "رُدَّ زيدٌ". فأمّا في المستقبل فيقال: "يُرَدُّ زيدٌ" فالفتحة في الرّاء هي المنقولة إليها من

الدّال، لأنّ الأصل فيه: "يُرْدَدُ". فأمّا: "عَضَّ" فإذا بنيته لما لم يسمّ فاعله جاز فيه: "عِضَّ الخبزُ" و"عُضَّ الخبزُ". فمن قال: "عِضَّ" بكسر العين فالأصل فيه: "عُضِضَ" فأسقط ضمّة العين، ونقل كسرة الضّاد، وأدغم الضّاد في الضّاد فقال: "عِضَّ" والكسرة في العين هي المنقولة إليها من الضّاد. فأمّا من قال: "عُضَّ" فالأصل فيه: "عُضِضَ" فأسقط كسرة الضّاد، وأدغمها في الضّاد الأخرى فقال: "عُضَّ". وأمّا في المستقبل فإنّه يقول "يُعَضُّ" فالفتحة في العين هي المنقولة إليها من الضّاد، لأنّ الأصل: "يُعْضَضُ". فأمّا: "فَرَّ" فإذا بنيته لما لم يسمّ فاعله جاز فيه كسر الفاء وضمّها تقول: "قد فِرَّ الفرارُ" و"فُرَّ الفرارُ" فمن كسر الفاء فأصله: "فُرِرَ" فأسقط ضمّة الفاء، ونقل إليها كسرة الرّاء، ثم أدغم الرّاء في الرّاء فقال: "قد فِرَّ". فأمّا من ضمَّ الفاء فالأصل فيه: "فُرِرَ" فأسقط كسرة الرّاء، ثمّ أدغمها في الرّاء فقال: "فُرَّ الفرارُ". فأمّا في المستقبل فيقول: "يُفَرُّ" فالفتحة في الفاء هي المنقولة إليها من الرّاء، لأنّ الأصل "يُفْرَرُ". وإذا كانت لام فعل ألفًا قد انقلبت عن ياء أو واو نحو: "رمَى" و"غَزا"، لأنّ الأصل فيه: "رَمَيَ" و"غَزَوَ" فلمّا تحرّكتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفًا

فإذا رددته إلى المستقبل قلت: "يغزُو" و"يرمِي" فصحّت الواو لانضمام ما قبلها، وصحّت الياء لانكسار ما قبلها. فإذا بنيت الماضي لما لم يسمّ فاعله قلت: "غُزِيَ زيدٌ" و"رُمِيَ عمروٌ" وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وفتحت الياء، لأنّ آخر الماضي مبنيٌّ على الفتح. فإذا بنيت المستقبل لما لم يسمّ فاعله قلت: "يُرْمَى زيدٌ" و"يُغْزى عمروٌ" قلبت الياء والواو ألفًا لتحرّكهما وانفتاح ما قبلهما. فإذا ثنّيت الضمير قلت: "يُغْزيان" و"يُرْمَيان" وصارت الواو في "يُغْزَيان" ياء، لأنّ الواو إذا وقعت رابعة قلبت إلى الياء. وإذا كان الماضي على "فَعِلَ" ولامه واو، قلبت ياء لانكسار ما قبلها، وإنّما بنوه على: "فَعِلَ" لتنقلب واوه ياء، لأنّ الياء أخفُّ عليهم من الواو نحو: "رَضِيَ" و"شَقِيَ" و"غَبِيَ" لأنّه من الغباوة والشّقاوة والرّضوان والأصل: "رَضِوَ" و"شَقِوَ" و"غَبِوَ" فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. فإذا صرت إلى المستقبل قلت: "يرْضَى" و"يَشْقى" و"يَغْبَى" قلبت الياء ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

فإذا ثبَّتَ الضمير قلت: "يرضيان" فهذه ياء انقلبت عن ألف: "يرْضَى" وألف "يرْضى" انقلبت عن ياء: "رَضِيَ"، وياء "رَضِيَ" انقلبت عن واو "رَضِوَ". فإن بنيت: "رَضِيَ" لما لم يسمّ فاعله قلت: "رُضِيَ" عنه فتحت الياء، لأنّ الماضي مفتوح الآخر. فإن سكّنت الضّاد على مذهب من قال في: "عَلِمَ: عَلْمَ" أبقيت الياءَ

فقلت: "رضْيَ عنه"، ولم تردَّ الياءَ إلى الواو، لأنّ سكون الضّاد عارضٌ، والكسرة فيها مقدّرة. وهذا قياس مستمرٌّ في نظائره. وكذلك لو بنيت: "فَعُلَ" ممّا لامه ياء إذا أردت المبالغة قلت: "قد رَمُوَتْ يدُه" إذا حذِقَ الرّماية، و"قد قَضُوَ الرجل" إذا حذق القضاء. فإن سكّنتَ ما قبل الواو للتّخفيف على مذهب من قال: "ظَرْفَ" في: "ظَرُفَ" قلت: "قد رمَوَتْ يدُهُ"، و"قد قَضْوَ الرّجلُ" ولم تردَّ الواوَ إلى الياء، لأنّ السكون الذي قبلها عارضٌ، والضّمّة مقدّرة. وتقول: "رَمَى" فإذا ألحقتها التّاء أسقطتها، لسكونها وسكون التّاء فقلت: "رَمَتْ" و"غَزَتْ" كما تقول: "بِعْ" و"خَفْ" و"قُلْ" فتسقط الياء والواو والألف لسكونها وسكون ما بعدها. فإن تحرّك السّاكن الأخير لساكن بعده نحو: "رَمَتْ المرأةُ" و"غزتِ اليومَ" و"خفِ اللهَ" و"قلِ الحقَّ" و"بعِ الثّوبَ" لم يرجع السّاكن الأوّل، لأنّ

حركة السّاكن الثاني عارضة إذا كان الساكن الثالث غير لازم، ألا تراك تقول: "رمتْ هندٌ" و"قلْ حقًّا" و"خف ربَّك" فلا يكون بعد السّاكن الثاني ساكن ثالث، فعلمت أنّ الساكن الثالث عارض، وكذلك الحركة التي تجب عنه عارضة. وتقول: "رامَى" فإذا ألحقته تاء التأنيث قلت: "رامَتْ" فسقطت الألف للتّاء، فإن قلت: "رامتِ المرأةُ" لم ترجع الألف، لأنّ حركة التّاء عارضة إذا كان الساكن الذي بعدها غير لازم. وتقول: "يرمِي الغرضَ" و"يغزو العدوَّ" و"يسعى اليومَ" فتسقط هذه الحروف لالتقاء السّاكنين. فإن بنيت اسم الفاعل من "ساءَ يسُوءُ" و"جاءَ يجِيئُ" فقد بيَّنْتُ لك أنّه يجب أن يزاد قبل هذه الألف ألفٌ تحرّك هذه الألف، وإذا حرّكتها انقلبت همزة، وبعدها همزة، اجتمع همزتان نحو: "جائِئٌ" و"سائِئٌ" من: "جئْتُ" و"سُؤْتُ". فيجتمع همزتان والخليل لا يرى اجتماع همزتين في كلمة واحدة،

وكذلك البصريّون فيقلبون الثانية ياء، لانكسار ما قبلها فيقولون: "جائِيٌ" و"سائِيٌ" فوزنه فاعِلٌ على وزن "قاضٍ". وكان الخليل يقدِّم الهمزة التي هي اللام على الألف التي انقلبت عن العين فتحصل الألف آخرًا وقبلها كسرة فتنقلب ياء فتقول: "جائِيٌ" و"سائِيٌ" فوزنه على مذهب الخليل: "فالِعٌ". فقول الخليل والجماعة في اللفظ واحد، وفي التقدير مختلف. فإذا زاد الماضي على ثلاثة أحرف، وكانت عينه ألفًا قد انقلبت عن ياء أو واو، نحو: "أقامَ" و"أرادَ" و"أعانَ" و"استعانَ" و"استغاث" و"اسْتَراثَ" و"اسْتَكانَ" و"اسْتبانَ" و"اسْتضاء" ففيهم من يقول: لمّا اعتلَّ الفعلُ، وأدخل الهمزة عليه بقّاه على اعتلاله لمّا أدخل الهمزة سكنت القاف فصار: "أقْوَمَ" و"أرْوَدَ" و"اسْتَقْوَمَ" و"اسْتَعْوَنَ" و"اسْتَلْيَنَ" و"اسْتَرْيَثَ" و"اسْتَضْوَأ" فنقل فتحة الواو والياء إلى السّاكن، فسكنت الياء والواو، وأتبعتا الفتحة التي قبلها فصارتا ألفًا.

ومن النحويين من يقول: راعَوْا حركتهما قبل النّقل، وفتحة ما قبلهما بعد النّقل، والكلمة واحدة، فصارتا كأنّهما متحرّكتان وقبلهما فتحة، فانقلبتا ألفًا فقالوا: "أراد" و"أقام" و"أجاد" و"استراث" و"استعاذ" و"استضاء". فإذا ردَّ إلى المستقبل قال: "يُقِيمُ" و"يُرِيدُ"، والأصل: "يُقْوِمُ" و"يُرْوِدُ"، فنقل كسرة الواو إلى ما قبلها، فلمّا سكنت الواو وقبلها كسرة انقلبت ياء فقال: "يُقِيمُ" و"يُرِيدُ" و"يُعِيدُ"، وكذلك "يستعينُ" و"يستضيءُ" أصله: "يسْتَعْوِنُ" و"يستضْوِئُ" فقنل كسرة الواو إلى ما قبلها، ثمّ انقلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها. و"يستَبِينُ" و"يسترِيثُ" أصله: "يسْتَبْيِنُ" و"يسترْيِثُ" فنقلوا كسرة الياء إلى ما قبلها، فلمّا سكنت الياء وقبلها كسرة تمكّنت. وتقول في اسم الفاعل من هذا: "مُقِيمٌ" و"مُريدٌ" و"مُسْتضِيئٌ" و"مُستعِينٌ" والأصل "مُقْوِمٌ" و"مُرْوِدٌ" و"مُسْتَضْوِئٌ" و"مُسْتَعْوِنٌ" ثمّ تنقل كسرة الواو إلى ما قبلها، فلمّا سكنت الواو، وقبلها كسرة قلبت ياء فقلت: "مُقيمٌ" و"مُرِيدٌ" و"مُسْتَعِينٌ" و"مُسْتَضيئٌ". فأمّا: "مُسْتَرِيثٌ" و"مُسْتَبِينٌ" فأصله: "مُسْتَرْيِثٌ" و"مُسْتَبْيِنٌ" فنقلت

كسرة الياء إلى ما قبلها فسكنت الياء، وقبلها كسرة فتمكّنت، فقلت: "مُسْتَريثٌ" و"مُسْتَبِينٌ". فأمّا اسم المفعول فقولك: "مُرادٌ" و"مُقامٌ"، والأصل: "مُقْوَمٌ" و"مُرْوَدٌ"، و"مُسْتعانٌ" الأصل: "مُسْتَعْوَنٌ" و"مُسْتضاءٌ" الأصل: "مُسْتَضْوَءٌ"، و"مُسْتبانٌ" و"مُسْتَراثٌ"، الأصل:"مُسْتَبْيَنٌ" و"مُسْتَرْيَثٌ" فنقلت حركة الواو والياء إلى ما قبلهما ثمّ أتبعتا الفتحة فصارتا ألفًا فقلت: "مُقامٌ" و"مُرادٌ" و"مُسْتعانٌ" و"مُسْتَراثٌ" و"مُسْتبانٌ" و"مُسْتَضاءٌ". وقد صحّحوا من هذه الأفعال شيئًا دلّوا به على الأصل الذي أعَلُّوه فمن ذلك: (اسْتَحْوَذَ) صحِّح، فهذا حقيقة في الاستعمال، وشاذٌّ في القياس ولم يرد إلا مصحَّحًا. وقد قالوا: "أغْيَلَتِ المرأةُ" و"أغالتْ" فأوردوه تارة مُعلا وتارة

مصحَّحًا وقالوا: "اسْتَتْيَسَتِ الشّاةُ" فصحّحوا ليدُلّوا به على الأصل الذي أُعِلَّ. فأمّا مصادر هذه الأفعال فنحو قولهم: "أراد يُريد إرادةً" والأصل: "إرْوادًا" و"أقام يُقيمُ إقامةً" والأصل: "إقْوامًا" فقلبوا من الواو ألفًا ليُعَلَّ المصدرُ كما أعلَّ الفعل، فاجتمع ألفان: الأولى منقلبة عن عين الكلمة، والثانية زائدة. فالخليل وسيبويه يسقطان الأخيرة، لأنّها ليست لمعنى، فوزن الكلمة عندهما: "إفْعَل". وكان الأخفش يسقط الألف الأولى ويبقي الثانية، وقال: إنّها دخلت لمعنى، والأولى ليست لمعنى: والذي دخل لمعنى أولى بالإبقاء، فوزن الكلمة عند الأخفش: "إِفال". وعوّضوا تاء التّأنيث من الألف السّاقطة سواء كانت السّاقطة الأصليّة أو الزّائدة، فقالوا: "إقامةٌ" و"إرادة" فوزنها عند الخليل: "إفْعَلَةٌ"، وعند

الأخفش: "إفالة"، وربّما أسقطوا التّاء وجعلوا المضاف إليه عوضًا منها (وإقامَ الصلاة) والأصل: "إقامة الصلاة". وكذلك: "استضاء استضاءة" والأصل: "اسْتِضْواء" و"اسْتقام يستقِيمُ استقامة" والأصل: "اسْتِقْوامًا" و"اسْتعاذ استعاذة"، والأصل "اسْتِعْواذًا" ففعلوا فيه ما بيّنت لك، والطّريقة في إعلال الأفعال واحدة في هذه المواضع كلّها. واعلم بأنّه قد يجيءُ اسم الفاعل والمفعول بلفظ واحد، والتقدير فيهما مختلف، تقول: "اخترت الثوبَ فأنا مُخْتارٌ" فهذا اسم الفاعل، و"الثوب مختارٌ" فهذا اسم المفعول، وهما في اللفظ واحدٌ، إلاَّ أنّ اسم الفاعل "مُخْتَيِرٌ" في الأصل بكسر العين، واسم المفعول: "مُخْتَيَرٌ" بفتح العين، والعين هي الياء، فلمّا تحرّكت وقبلها فتحة انقلبت ألفًا، فينبغي أن يقدَّر على الألف في اسم الفاعل كسرة وفي اسم المفعول فتحة كما كانت على الياء. وكذلك: "انقاد الفرسُ فهو مُنْقادٌ" والأصل: "مُنْقَوِدٌ" فلمّا تحرّكت الواو وقبلها فتحة انقلبت ألفًا، ويقدَّر على الألف كسرة، لأنّه اسم فاعل.

وكذلك يجيءُ في الإدغام اسم الفاعل واسم المفعول بلفظ واحد لأنّ الإدغام قد أذهب الحركة منهما تقول: "اقْشعرَّ زيدٌ فهو مقشعِرٌّ" والأصل: "مُقْشَعْرِرٌ" فنقلت حركة الرّاء الأولى إلى ما قبلها، وأدغمتها فيما بعدها، فالكسرة في العين من "مُقْشَعِرّ" هي المنقولة إليها من الرّاء، ومثل هذا كثير في "مُحْمَرٌّ"، إذا كان اسمًا للفاعل فأصلها: "مُحْمَرِرٌ" فأسقطت [كسرة] الرّاء الأولى وأدغمتها فيما بعدها، وتقول: "هذا مكانٌ محمَرٌّ فيه"، والأصل: "مُحْمَرَرٌ فيه" فأسقطت فتحة الرّاء الأولى، وأدغمتها فيما

بعدها فقد بان لك أنّ اسم الفاعل والمفعول قد يكونان على صورة واحدة في اللفظ، ويختلفان في المعنى. فإن كان الاسم والفعل على وزن واحد صحّحوا الاسم وأعلّوا الفعل؛ وإنّما أعلّوا الفعل، لأنّ الألف خفيفة، والفعل ثقيل، فجعل الخفيف مع الثقيل فقالوا: "أقام يُقيمُ" و"أراد يُريدُ" و"استجاب يستجيب". وصحّحوا في الاسم، لأنّ الاسم على كلّ وجه أخفُّ من الفعل فهو أحمل للثّقل فقالوا: "هذا أقْوَمُ منك" و"زيدٌ أبْيَعُ من عمرٍو". فإن قيل فقد صحّحوا فعل التّعجّب فقالوا: "ما أبْيَعَهُ"، و"ما أقْوَمَهُ" و"ما أقْوَلَ زيدًا". قيل له: فعل التّعجّب لمّا لم يتصرّف أشبه الأسماء فصحّحوا فيه العين، كما صحّحوا في الاسم؛ ولأجل شبهه بالأسماء ما دخله التّصغير فقالوا: "ما أُحَيْسِنَ زيدًا" و"ما أُمَيْلِحَهُ".

فإن كان في أوّل الاسم ميمٌ زال شبهه بالفعل، لأنّ الميم ليست من زيادات الفعل، وإذا زال التباسه بالفعل وجب أن يعلَّ قالوا: "مُقامٌ" والأصل: "مُقْوَمٌ" فنقلوا فتحة الواو إلى القاف فسكنت الواو، وانفتح ما قبلها، ثمّ أتبعت الفتحة فصارت ألفًا فقالوا: "مُقامٌ" وكذلك قالوا: "مَعاشٌ" والأصل: "مَعْيَشٌ" نقلوا فتحة الياء إلى العين، فلمّا سكنت وانفتح ما قبلها أتبعوها الفتحة فانقلبت ألفًا، لأنّه نقل فقلب. وقالوا: "المَعيشُ" و"المَعِيشةُ" والأصل "مَعْيِشَةٌ" و"مَعْيِشٌ" فنقلوا كسرة الياء إلى العين، فلمّا سكنت الياء وقبلها كسرة تمكّنت، فوزن: "مَعِيش": "مَفْعِل" ومثله: "المَقِيل" و"المَحِيص" أصله: "مَحْيِصٌ" فنقلوا كسرة الياء إلى ما قبلها فقالوا: "مَحِيصٌ" و"مَقِيلٌ" أصله: "مَقْوِلٌ" فنقلوا كسرة الواو إلى ما قبلها، فلمّا سكنت وقبلها كسرة انقلبت ياء. فأمّا: "مَعِيشةٌ" فعند سيبويه يجوز أن تكون: "مَفْعِلَة" أصلها: "مَعْيِشَة" فنقلوا كسرة الياء إلى ما قبلها فثبتت، لأنّها ساكنة وقبلها كسرة. ويجوز أن تكون: "مَفْعُلَة" أصلها: "مَعْيُشَة" فنقل ضمّة الياء إلى العين فسكنت الياء وقبلها ضمّة فقلب من الضّمّة كسرة؛ لقرب الياء من الطّرف لأنّه لا يُعْتَدُّ بتاء التّأنيث فقال: "مَعِيشَة".

وكذلك "مَعِيشٌ" يجوز أن يكون "مَفْعُلا" "مَعْيُش" فنقل ضمّة الياء إلى العين فسكنت الياء وقبلها ضمّة، ثمّ قلب من الضّمّة كسرة لتسلم الياء إذ كانت قريبًا من الطّرف كما كسروا الباء من "بِيضٍ" لتثبت الياء ولا تنقلب واوًا إذ كانت قريبًا من الطّرف، لأنّ وزنه "بُيْضٌ" على وزن "حُمْر"، وكذلك فعلوا في: "عِين" أصله "عُيْنٌ" على وزن "صُفْر" قال الأخفش إنّما قلبت الضّمّة في الجمع كسرة في: "بِيضٌ" و"عِين" لئلاّ أجمع على الكلمة ثقل الجمع، وثقل الواو؛ ولأنّ الياء إذا سكنت وقبلها ضمّة وجب أن تقلب واوًا. وقال الأخفش لو كان "مَعِيشُ" مَفْعُلاً لقلت: "مَعُوشًا، وكذلك لو كانت: "مَعِيشَةٌ" مَفْعُلَةً لقلت "مَعُوشَةً"، وكذلك "عَيُشَ" لو كان فَعُلاً لقلت "عُوشٌ" و"عِيشَةٌ" لو كانت فَعُلَةً لقلت "عُوشَةٌ"، لأنّ الواحد خفيف فلا يستثقل فيه ما يستثقل في الجمع.

فأمّا قولهم: "عُوطَطٌ" فالأصل فيه: "عُيْطَطٌ". وكذلك "مُوقِنٌ" و"مُوسِرٌ" الأصل فيهما "مُيْقِنٌ" و"مُيْسِر" فقلبوا الياء واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها لمّا بعدت من الطّرف، ولو قربت من الطّرف لقلبوا من الضّمّة كسرة كما فعلوا في: "بِيضٍ" و"عِينٍ". فأمّا: "مُقام" و"مُراد" فالأصل فيهما: "مُقْوَمٌ" و"مُرْوَدٌ" فنقلوا فتحة الواو إلى ما قبلها فسكنت الواو وقبلها فتحة ثم أتبعت الفتحة فصارت ألفًا. وكذلك ما فوق هذا الاسم من العدد في نحو: "مُسْتغاثٍ" و"مُسْتجابٍ" و"مُسْتعانٍ"، الطّريقة في إعلاله واحدة. فأمّا: "مُعْطَى" و"مَرْمَى" و"مَدْعَى" فالأصل فيه: "مُعْطَوٌ" و"مَرْمِيٌ" و"مَدْعُوٌ" فلمّا تحرّكت الياء في: "مَرْمِيٍ" وقبلها فتحة انقلبت ألفًا. ولمّا وقعت الواو في "مَدْعَوٍ" و"مُعْطَوٍ" رابعة قلبت ياء، وتحرّكت

الياء، وقبلها فتحة انقلبت ألفًان وكذلك يفعلون في الواو إذا وقعت رابعة فصاعدًا طرفًا يقلبونها ياء، والأصل هذا في الفعل، وإنّما تحمل الأسماء المشتقّة منه عليه، ألا تراهم قالوا في الفعل: "يُدْنِي" و"يُغْزِي" والأصل "يدْنُو" و"يغْزُو"؟؛ لأنّه من "دَنَوْتُ" و"غَزَوْتُ" فلمّا انكسر ما قبل الواو انقلبت ياء، ثم قلبوا هذه الياء ألفًا في: "أدْنَى" و"أغْزَى"، والأصل: "أغْزَيَ" و"أدْنَيَ" فلمّا تحرّكت الياء وقبلها فتحة قلبت ألفًا فقيل: "أدْنَى" و"أغْزَى" فهذه ألف انقلبت عن ياء انقلبت عن واو. فإن قيل: فلم انقلبت في "تَرَجَّيْنا" و"تعاطَيْنا" و"تغازينا"؟ وأنت تقول: "تغازى يتغازى" و"تعاطى يتعاطى" و"ترجّى يترجّى" وليست هنا كسرة توجب قلب الواو ياء؟ قيل له الأصل: "غازى يُغازِو" و"عاطى يُعاطِو" و"رَجَّى يُرَجِّو" فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، ثمّ دخلت التّاء في أوّله بعد القلب فبقي القلب على حاله فقالوا: "ترجّى يترجَّى" و"تعاطى يتعاطَى" و"تغازى يتغازى" وأمثلته كثيرة. وإذا كان الماضي على ثلاثة أحرف، وكانت عينه ولامه من جنس واحد، وتحرّك الثاني منهما حركة لازمة ثقل عليهم إظهارهما، فأسقطوا حركة

الأوّل وأدغموه في الثاني سواء كان الفعل على "فَعِلَ" أو "فَعُلَ" أو "فَعَلَ" قالوا: "مَدَّ" و"رَدَّ" و"ضَنَّ" و"حبَّذَا" والأصل "مَدَدَ" و"رَدَدَ" و"ضَنِنَ" و"حَبُبَ" فأسكنوا الأوّل وأدغموه في الثاني. فإن اتّصل المثل الثاني بتاء المتكلم وتثنيته وجمعه، وتاء المخاطب وتثنيته وجمعه، وتاء المخاطَبة وتثنيتها وجمعها، ونون التّأنيث فُكَّ الإدغام، لأنّه لمّا سكن الثاني استحال أن يدغم فيه لمّا حصل في مكان لا يمكن أن تصل إليه حركة. فأمّا قولهم: "مَرَّتُ" فهذا في الحقيقة ليس بإدغام، فاختلسوا الحركة. فإن قيل: الفتحة لا تسقط كما تسقط الضّمّة والكسرة لخفّة الفتحة.

قيل له: الفتحة وإن لم تسقط يجوز أن تختلس فيخيَّل للسّامع أنّ الحرف قد أسكن وهو متحرّك. وإن كان المثلان قد ألحقا بمتحرّكين وجب أن يظهرا ليكونا على وزن ما ألحقتا به؛ لأنّ الإدغام يزيل الإلحاق ويبطلة، كما قالوا في الأرض الصّلبة: "قَرْدَدٌ" لمّا ألحقوه بـ"جَعْفَر"، وقالوا في اسم المرأة: "مَهْدَدٌ" لمّا ألحقوه بـ"جَعْفَر". ولو بنيت من "ضَرَبَ" مثال: "دَحْرَجَ" لقلت: "ضَرْبَبَ" فأظهرت المثلين ليكون على وزن: "دَحْرَجَ". فإن زاد الماضي على ثلاثة أحرف، وكان في آخره مثلان نقلت حركة المثل الأوّل إلى السّاكن الذي قبله فتحرّك الساكن وسكن المتحرك فأدغمته في الذي بعده فقلت: "اسْتَعَدَّ" و"اطْمَأنَّ" و"اقْشَعَرَّ"، والأصل فيه: "اسْتَعْدَدَ" و"اطْمأنَنَ" و"اقْشَعْرَرَ" فنقلت الحركة من المثل الأوّل، وأدغمته في الثاني فالفتحة في العين من: "اسْتَعَدَّ" هي المنقولة إليها من الدّال، والفتحة في عين "اقْشَعَرَّ" هي المنقولة إليها من الرّاء، والفتحة في همزة: "اطْمأنَّ" هي المنقولة إليها من النّون. فإن اتّصل المثل الثاني بالضمائر التي ذكرتها وجب أن يظهر المدغم، وتردَّ إليه حركته نحو: "اطْمأنَنْتُ" و"اقْشَعْرَرْتُ" و"اسْحَنْكَكْتُ".

فأمّا "احْمارَّ" فالأصل فيه: "احْمارَرَ" فأسقطوا حركة المثل الأوّل، وأدغموه في الثاني، ولم يجز أن ينقلوها، لأنّ الألف لا تتحرّك. فإن اتّصل هذا بتاء المتكلّم وما جرى مجراه سكن الثاني فانفكّ الإدغام، وردوا إلى الأوّل حركته فقالوا: "احْمارَرْتُ" ومثل هذا كثير. فإذا صرت إلى المستقبل في: "يَرُدُّ" و"يَضَنُّ" ألقوا حركة الأوّل على ما قبله، وأدغموه في الثاني، فالضّمّة في ميم "يَمُدُّ" هي المنقولة إليها من الدّال، والفتحة في ضاد "يَضَنُّ" هي المنقولة إليها من النّون. وكذلك إن زاد على الثلاثة في نحو: "يَسْتَعِدُّ "و"يَطْمَئِنُّ" و"يَقْشَعِرُّ" فالكسرة في عين "يَسْتَعِدُّ" هي المنقولة إليها من الدّال، والكسرة في [همزة] "يَطْمَئِنُّ" هي المنقولة إليها من النّون، والكسرة في عين "يَقْشَعِرُّ" هي المنقولة إليها من الرّاء. فأمّا: "اسْحَنْكَكَ يَسْحَنْكِكُ" فإنّما لم يجز إدغام الكاف في الثانية، لأنّه ملحق بـ"احْرَنْجَمَ" "يَحْرَنْجِمُ"،

فأمّا قراءة من قرأ: (ويخشَ الله ويتَّقِه) [النور: 52] فإنّه خلط الهاء بما قبلها واشتقّ من الكلمتين مثالاً واحدًا فقال: "تَقِهْ" مثل "كَتِف" فأسقط الحركة من القاف فاجتمع ساكنان: الهاء والقاف، فكسر الهاء لالتقاء السّاكنين. وكذلك قول الشاعر: قالت سُلَيْمَى اشْتَرْ لنا دقيقا

خلط اللام بما قبلها، واشتقّ من الكلمتين مثالاً واحدًا فصار: "تَرِلَ" على مثال: "عَلِمَ" فسكّن الرّاء تخفيفًا كما قالوا في: "عَلِمَ" "عَلْمَ" فسكّن الرّاء تخفيفًا، وقال الآخر: ألا رُبَّ مولودٍ وليس له أب ... وذي ولدٍ لم يلْدَهُ أبوان والمولود الذي ليس له أبٌ هو عيسى عليه السّلام، وذي ولدٍ لم يلْدَهُ أبوان هو آدم عليه السلام. والأصل في: "يَلْدَهُ: يَلِدْهُ" فسكّن الدّالَ للجزم فصار "يَلِدْ" على وزن "كَتِفْ" فسكّن اللام كما تقول في: "كَتِفٍ: كَتْفٌ" فاجتمع ساكنان اللام والدّالُ، ولم يجز الجمع بينهما، فحرّك الدّال لالتقاء السّاكنين، واختار لها الفتح إتباعًا لفتحة الياء التي قبلها، ولم يحفل بالحرف الذي قبلها لمّا كان ساكنًا.

عقود وقوانين ينتفع بها في التصريف

عقود وقوانين ينتفع بها في التّصريف اعلم أنّه إذا اجتمعت الواو والياء في كلمة أو كلمتين، وسبقت إحداهما بالسّكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء الأولى في الثانية فصارت ياء منقلبة. وإنّما قلبوا الواو ياء، لأنّه لا يخلو أن تكون الأخيرة، أو هي الأولى. فإن كانت الواو متقدّمة فإنهم استثقلوا الخروج من واو لازمة إلى ياء لازمة، لأنّه أثقل من الخروج من ضمٍّ لازم إلى كسر لازم. وإن كانت الواو متأخرة فإنّهم استثقلوا الخروج من ياء لازمة إلى واو لازمة، لأنّه أثقل من الخروج من كسر لازم إلى ضمّ لازم. فإن قيل: فلم آثروا قلب الواو ياء؟ ولم يؤثروا قلب الياء إلى الواو؟ قيل له: إنّما آثروا قلب الواو إلى الياء لأمرين: أحدهما: أنّ الياءَ أخفُّ من الواو، فطلبوا الأخفَّ الأسهل، وتجنّبوا الأثقل. والأمر الثاني: أنّهم قلبوا ليدغموا، والإدغام في حروف الفم أقوى، لكثرتها، والياء من حروف الفم، فالإدغام فيها أقوى، والواو من حروف الشّفة، وهي قليلة، والإدغام فيها ضعيف.

وقد جاء هذا القلب في المصادر، وفي الأسماء التي ليست بمصادر، فمثاله في المصادر: "طَوَيْتُ الثّوبَ طَيًّا" والأصل "طَوْيًا"، لأنّه من "طَوَى يَطْوِي"، و"لَوَيْتُ يدَهُ ليًّا"، والأصل: "لَوْيًا" من "لَوَى يَلْوِي"، و"شَوَيْتُ اللحمَ شَيًّا" والأصل "شَوْيًا"، لأنّه من "شَوَى يشْوِي"، و"زَوَى وجهه زيًّا"، والأصل: "زَوْيًا"، لأنّه من "زَوَى يزْوِي" فقلبوا الواو في كلّ هذا ياء، وأدغموها في الثانية. ومثاله في الأسماء التي ليست بمصادر قولهم: "سَيِّد" وهو "فَيْعِلٌ" من "ساد يَسُودُ" وأصله "سَيْوِدٌ"، وكذلك "مَيِّتٌ" أصله: "مَيْوِتٌ"، لأنّه من "ماتَ يمُوتُ"، وكذلك "جَيِّدٌ" الأصل: "جَيْوِدٌ"، لأنّه من "جاد يجُودُ"، وكذلك "هَيِّنٌ" أصله "هَيْوِنٌ" لأنّه من "هانَ يهُونُ"، وقالوا في اسم المكان: "حَيِّزٌ" أصله "حَيْوِزٌ"، لأنّه من "حازَ يحُوزُ" فقلبوا الواو في جمع هذا ياء وأدغموا الياء في الياء فقالوا: "سَيِّدٌ" و"مَيِّتٌ" و"هَيِّنٌ" و"حَيِّزٌ"،

[ويجوز الحذف فيقال: سَيْدٌ ومَيْتٌ]. فإن قيل فأيُّ الياءين حذفوا للتّخفيف؟ قيل له الياء التي انقلبت عن الواو، لأنّها لمّا تغيّرت بالقلب من الواو هذا التّغيير غُيّرت بتغيير الثاني بالحذف، لأنّه آنسهم هذا التّغيير بالتّغيير. فإذا قالوا: "سَيْدٌ ومَيْتٌ" فوزنه: "فَيْلٌ"، لأنّ المحذوف هو عين الكلمة فبقي وزن الكلمة "فَيْلٌ" فإن زاد الاسم على أربعة أحرف ألزموه الحذف والتخفيف لطول الاسم، لأنّهم إذا كانوا قد خُيِّروا في الإتمام والحذف لزمهم فيما زاد على الأربعة الحذف، لطول الاسم، وسواء كانت الياء منقلبة عن واو أو لم تكن. وكذلك قد قالوا في الأربعة: "لَيِّنٌ" و"لَيْنٌ". وقالوا: "كان كَيْنُونة" و"قاد قَيْدُودَة" و"صار صَيْرُورَةً" و"دام

دَيْمُومَةً" والأصل: "كَيِّنُونة" و"قَيِّدُودَة" و"صَيِّرُورَة" و"دَيِّمُومَة". والأصل "كَيْوِنُونَة" و"قَيْوِدُودَة" و"صَيْوِرُورَة" و"دَيْوِمُومَة" وزنه: "فَيْعِلُولَة"، فقلبوا الواو ياء، وأدغموها في الياء فصار: "كَيِّنونة" و"قَيِّدودة" و"صَيِّرورة" و"دَيِّمومة"، فلمّا حذفوا بقي وزنها "فَيْلُولة". و"رَيْحانٌ":

أصله: "رَيَّحانٌ" "فَيْعَلانٌ"، وأصله: "رَيْوَحانٌ" من الرَّوْح فخفّفوه بالحذف. فإن اضطرّ شاعر إلى ردّ الأصل كان له ذلك قال الشاعر: قد فارقت قرينها القرينهْ ... وشحطت عن دارها الظّعينهْ ياليتَ أنّا ضمَّنا سفينهْ ... حتّى يعودَ الوصل كَيِّنُونَهْ وقد شذّ من هذا الفصل شيءٌ لا يقاس عليه قالوا: "ضَيْوَنٌ" في اسم القطّ، وكان القياس أن يقولوا: "ضَيَّنٌ"، إلاّ أنّهم لم يقلبوا، ولم يدغموا، وأخرجوه مصحّحًا لأمرين: أحدهما: تنبيهًا على الأصل الذي فرّوا منه. والآخر: أنّه "فَيْعَلٌ" فخشوا أن يقلبوا ويدغموا، لئلا يلتبس بـ"فَعَّلٍ". وشذّ في الأسماء "حَيْوَةُ" في اسم الرّجل، وقياسه: "حَيَّةٌ"؛ وإنّما

عقد ينتفع به في التصريف

أخرجوه مصحَّحًا تنبيهًا على الأصل، وهذا التّصحيح في الأعلام إنّما سوّغه فيها لأنّ العلمَ في الأصل مُغَيَّرٌ، ألا تراه ينقل من نوع إلى نوع، كتسميتهم الرّجل قردًا وحمارًا وذئبًا وأسدًا وحجرًا وما أشبه ذلك، فآنسهم هذا التغيير بالنّقل حتّى جرّأهم على التغيير الثاني، والتّغيير في الأعلام كثير، ألا ترى إلى حكايتهم إعراب العلم وإمالتهم "الحَجَّاج". عقد ينتفع به في التّصريف ليس في كلام العرب اسم في آخره واو قبلها ضمّة فإن أدّى قياس إلى هذا قلب من الضّمّة كسرةٌ، ومن الواو ياءٌ قالوا في جمع "دَلْوٍ": "أدْلٍ" وفي جمع "حَقْوٍ": "أَحْقٍ"، وفي "قَلَنْسُوَةٍ": "قَلَنْسٍ"، وفي "جَرْوٍ":

"أَجْرٍ" قال الشّاعر: لا غَرْوَ حتّى يلتقي بعبس ... أهل الرِّياط البيض والقَلَنْسِ فالأصل: "القَلَنْسُو"، وقال الآخر: ليثٌ هِزَبْرٌ مُدِلٌّ عند خِيسته ... بالرَّقْمَتَيْنِ له أجرٍ وأعراسُ والأصل: "أَجْرُوٌ" فقلبوا من ضمّة الرّاء كسرة، ومن الواو ياء. وكذلك قالوا: "أدْلٍ"، والأصل: "أدْلُوٌ" فقلبوا من ضمّة اللامِ كسرة،

ومن الواو ياء. وقالوا: "حَقْوٌ" و"أحْقٍ" والأصل: "أحْقُوٌ" فقلبوا من ضمّة القاف كسرة، ومن الواو ياء. وكذلك فعلوا في الأسماء الأعجمية إذا أرادوا تعريبها قالوا في: "سَمَنْدُو: سَمَنْدِي" وفي "بانْدُو": بانْدِي"، وقالوا في "خَسْرُو: خَسْرِي" وإنّما فرّوا في الأسماء من الواو إلى الياء لشيئين: أحدهما: أنّ الياء أخفُّ من الواو وأسهل. والثاني أنّ الاسمَ يدركه الرفع والنّصب والجرّ والتّنوين، وربّما أدركته ياء النّسبة، فكانوا يقولون: "أَدْلُوِيٌّ" فتنكسر الواو قبل الياء،

فعدلوا إلى قلب الواو إلى الياء ليسهل عليهم. وإنّما اختصّ الفعل بأن يكون في آخره واوٌ قبلها ضمّة؛ لأنّ الواو في الفعل غير لازمة، ألا ترى أنّ الجزم يدركها فتسقط قالوا: "لم يَغْزُ"، ولا يلحقها التّنوين، ولا ياء النّسبة؛ فلأجل هذا احتُمِلت الواو التي قبلها ضمّةٌ في الفعل لمّا أمِنوا فيه التّنوين، وياء النّسبة، وكان الجزم يسقط الواو.

عقد

عَقْدٌ إذا كانت الواو لامًا وقبلها كسرة: قلبت ياء سواء كانت اللام متحركة أو ساكنة قالوا: "مَحْنِيَةٌ" والأصل: "مَحْنِوَةٌ"، وقالوا: "غازِيَةٌ"، والأصل: "غازِوَةٌ"، وقالوا: "الغازِي" والأصل: "الغازِو"؛ وإنّما اكتفوا في قلبها بعلّة واحدة وهو انكسار ما قبلها، لأنّها لام، وهي حرف الإعراب، والتّغيير يسرع إليها، ألا ترى أنّ حركات الإعراب تتعاقب عليها، ولا يُعْتَدُّ بتاء التّأنيث، لأنّها كالمنفصلة من الكلمة. فإن كانت الواو عينًا لم يجز أن تنقلب ياء إلاّ أن تسكن وينكسر ما قبلها قالوا في "رِوْح": "رِيح" وفي "دِوْمَة": "دِيمَة"، وفي "عِوْد": "عِيد". فإن تحرّكت العين تحصّنت بحركتها وسلمت من القلب وإن كان قبلها كسرة، قالوا: "عِوَضٌ"، و"حِوَلٌ" و"طِوَلٌ". وإذا كان الفعل الثلاثيُّ عينُه واوٌ: قلبوها في مصدره ياء قالوا: "حالَ

يحولُ حِيالاً"، و"زال يَزُولُ زِيالاً" و"قامَ يقُومُ قِيامًا"؛ وإنّما قلبت في المصدر؛ لأنّ المصدر يسري إليه الإعلال من فعله، لأنّهما كالشيء الواحد. وكلُّ جمعٍ يكون على وزن هذا المصدر، وتكون عين واحده معتلَّةً فلا بدَّ أن تنقلب الواو فيه إلى الياء لاجتماع خمسة شروط: أحدها: كون الجمع على وزن مصدر مُعَلٍّ. وثانيها: اعتلال الواو في واحد هذا الجمع. وثالثها: كون الكسرة قبل الياء في هذا الجمع. ورابعها: كون الألف بعدها. وخامسها: صحّة لام الكلمة، لأنّه إن كانت اللام مُعَلَّة لم يُعِلُّوا العين لئلا يجمعوا في الكلمة بين إعلالين فيُجْحِفوا بها. قالوا: "سَوْطٌ" و"سِياطٌ" و"حَوْضٌ" و"حِياضٌ" و"ثَوْبٌ" و"ثِيابٌ"، لأنّ سكون الواو في الواحد إعلالٌ لها من حيث ضعفت وماتت بالسّكون، ولأنّ الكسرة قبلها في الجمع تطلب الياء، لأنّ الكسرة قبل الياء بعض الياء، ولأنّ الألف بعدها تطلب الياء لقربها منها، ولأنّه على وزن مصدر مُعَلٍّ، فلأجل هذا أعلّ بالقلب.

وإن تحرّكت الواو في الواحد قويت بحركتها فلم تقلب في الجمع قالوا: "طَويلٌ وطِوالٌ". وقد أُعِلَّتْ هذه الواو في الجمع بالقلب وإن كانت متحرّكة في الواحد قال الشّاعر: تبيَّنَ لي أنّ القماءة ذِلّة ... وأنّ أعزّاء الرّجال طِيالُها وإنّما قلب هذه الواو ياء لأنّه لم يعتدَّ بالألف بعدها فصارت الواو مجاورة للطّرف، والأطراف موضع الإعلال فسرى إلى ما جاور الطّرف الإعلالُ، لأنّ الجار يؤخذ بذنب جاره.

عقد

عقد إذا كان لام الاسم واوًا وجُمِعَ على "فُعُول" فإنّه يجتمع في آخره واوان، وتدغم الأولى في الثانية فتصير واوًا مثقّلة فثقل عليهم اجتماع واوين في جمع لثقل الجمع، وثقل الواو [فقلبوا الواو ياء] قالوا: "عَصا وعُصِيٌّ" والأصل: "عُصُوٌّ"، وقالوا: "دَلْوٌ ودُلِيٌّ" والأصل: "دُلُوٌّ" و"حَقْوٌ وحُقِيٌّ" والأصل "حُقُوٌّ". ولهم في قلب هذه الواو إلى الياء طريقان: أحدهما: أنّهم تصوّروا أنّ الواو الأولى بمنزلة الضّمّة، فحصل كأنّ في آخره واوًا قبلها ضمّة، فقلب من الواو ياء فصار: "عُصُويٌ" و"دُلُويٌ" و"حُقُويٌ"، فلمّا اجتمع الواو والياء والسّابق ساكنٌ قلبوا من الواو ياء، وأدغموا الياء في الياء فصار "عُصُيٌّ" و"دُلُيٌّ" و"حُقُيٌّ"، ثمّ كسروا ما قبل الياء لتتمكّن فقالوا: "عُصِيّ" و"دُلِيّ" و"حُقِيّ"، وربّما كسروا الحرف الأوّل إتباعًا لكسرة الثاني فقالوا: "عِصِيٌّ"، و"دِلِيٌّ" و"حِقِيٌّ". والوجه الثاني في القلب: أنّهم لم يعتدّوا بالواو الأولى لسكونها فصارت

الواو الأخيرة كأنّها قد وليت الضّمَّةَ التي قبل الواو الأولى، ومن شأنهم إذا كان في آخر الاسم واوٌ قبلها ضمّةٌ أن يقلبوا الواو ياء قالوا: "عُصُويٌ" فلمّا اجتمعت الواو، والياء، والسّابق ساكن قلبوا من الواو ياء وأدغموها في الياء الأخيرة، ثمّ كسروا ما قبل الياء لتمكّن الياء فقالوا: "عُصِيّ"، وربّما كسروا الأوّل اتّباعًا للثاني فقالوا: "عِصِيٌّ" و"دِلِيٌّ" و"حِقِيٌّ" واستمرّ القياس على هذا. وقد شذَّ منه أسماء قليلة جاءت وفي آخرها واو مثقّلة، وإنّما صحّحوها لينبّهوا على الأصل الذي انتقلوا منه قالوا في جمع "نَجْوٍ" وهو السّحابُ: "نُجُوٌّ" وقالوا في جمع "نَحْوٍ": "نُحُوٌّ"، وحكي عن بعض العرب أنّه قال: (إنّكم لتنظرون في نُحُوٍّ كثيرة)، وقالوا في جمع "أبٍ": "أُبُوٌّ" وفي جمع "أخٍ": "أُخُوٌّ"، وفي جمع "ابْنٍ": "بُنُوٌّ"

قال القَنانيُّ يرثي الكسائيَّ: أبى الذَّمَّ أخلاقُ الكسائيِّ وانتمت ... به المجدَ أخلاقُ الأُبُوِّ السّوابق وقالوا في الصّدر "بَهْوٌ" وجمعه "بُهُوٌّ" وقد قالوا: "بُهِيٌّ" على القلب.

عقد

عقد إذا وقع في أوّل الكلمة واوان لازمتان وجب أن تهمز الأولى على أيّ حركة كانت، لأنّهم إذا فرّوا من واو وضمّة إلى الهمزة كانوا أولى بالفرار من اجتماع واوين، لأنّ الحرف أثقل من الحركة، تقول في تصغير "واصِلٍ": "أُوَيْصِلٌ" والأصل: "وُوَيْصِلٌ"، وتقول في الجمع: "أوَاصِلٌ" والأصل: "وَواصِلٌ"، وقالوا: "أُولى" في تأنيث: "أوّل" والأصل: "وُولى". فأمّا "وُلْيَى" في تأنيث "أولى" فما اجتمع فيها واوان، وإن همزت فمن حيث هي مضمومة كما همزت (وُقِّتَتْ) [المرسلات: 11]. فأمّا قوله تعالى: (وُورِيَ عنهما) [الأعراف: 20] فهمز الواو غير واجب بل هو جائز، لأنّ الواو الثانية غير لازمة، لأنّها بدل من ألف "وارَى" فلمّا كانت غير لازمة لم يجب الهمز، فإن همزتها من حيث هي مضمومة كما همزت

(وجوهًا) و (وُقِّتَتْ) كان جائزًا. فأمّا قول الشاعر: رفعت صدرها إليَّ وقالت ... يا عَدِيًّا لقد وَقَتْك الأواقِي الأصل: "وَواقِي" لأنّه جمع واقِيَة، تقول في تصغيرها: "أُوَيْقِيَة"، وفي جمعها "أواقٍ" والأصل: "وَوَيْقِيَةٌ" و"وَواقٍ". فإن وقعت الواو في حشو الكلمة لم يجز الهمز تقول في النّسب إلى "نوَى" نَوَوِيٌّ" وإلى "هَوَى" "هَوَوِيٌّ"؛ وإنّما لم يجز همزها لأنّ الواو الأخيرة ليست لازمة إذ كانت ياء النّسبة بمنزلة المنفصل على بعض التقديرات.

عقد

عقد متى وقعت ألف التّكسير بين واوين، أو ياءين، أو ياء وواو، أو واو وياء، وكان الحرف الثاني مجاورًا للطّرف في اللفظ أو في التقدير وجب أن يهمز الحرف الذي جاور الطّرف، وإنّما همز لأمرين: أحدهما: أنّ الطّرف موضع يغلب فيه التغيير فسرى منه إلى مجاوره الإعلالُ. والثاني: أنّه لمّا اكتنف الألف حرفا علّة ثقل عليهم ثلاثة أحرف معتلّة، ففرّوا من أحدها إلى الهمزة، وكان الأخير أولى بالهمز لمجاورته الطّرف. فإذا اكتنف الألف واوان اجتمع الأخفش وسيبويه على همز الثانية، وادّعى الأخفش أنّ هذا هو الذي سُمِع من العرب وصحّح ما عدا الواوين ولم يجز همزه.

وكان سيبويه يهمز الكلَّ وحكى المازنيُّ قال: سألت الأصمعيَّ كيف تجمع العرب عَيِّلاً؟ فقال: "عَيائِل"فهمز، وهذا يردُّ قول الأخفش:

إنّه ما سمع من العرب. مثال الواوين تقول في "أوَّل: أواوِلُ" وفي فُوَّهَة النّهَر: "فَواوِهُ" ومثال الياءين عَيِّلٌ وعَيايِلُ ومثال الياء والواو "سَيِّقَةٌ" و"سَياوِقُ". ومثال الواو والياء "بَيِّعٌ" تقول في جمع "بَيِّعٍ" إذا جعلته "فَوْعَلاً": "بَوايِعُ". وإن جعلته "فَعْوَلاً" قلت "بَياوِعُ" وإن جعلته "فَيْعَلاً" أو "فَعّلاً" قلت "بَيايِعُ". فهذا كلّه ينبغي أن يهمز تقول: "أوائلُ" و"فَوائِهُ" و"عيائِلُ" و"سَيائِقُ" و"بوائِعُ" و"بَيائِعُ" فهمزت لما قدّمت ذكره. فإن اضطرّ شاعر إلى أن يردف قصيدته فيزيد بعد كسرة الهمزة ياء صحّح الهمزة، ولم يعتدّ بالمزيد لمّا كان عارضًا، ولم يكن من نفس الكلمة فتقول: "أوائيلُ" و"عَيائِيلُ".

فإن بَعُدَ حرف العلّة من الطّرف صُحِّحَ ولم يجز أن يُهْمَزَ تقول في جمع "طاوُوسٍ": "طَواوِيسُ" وفي "ناوُوسٍ": "نَواوِيسُ" وفي "داوُدَ": "دَواوِيدُ". فإن اضطرّ شاعرٌ إلى حذف هذه الياء فقال: "طَواوِسٌ" و"نَواوِسٌ" لم يجز أن يهمز وإن جاورت الطّرف، لأنّ المحذوف مُقَدَّرٌ منويٌّ، فكأنّ الحرف لم يجاور الطّرف في التّقدير، وإن جاوره في اللفظ، وعلى هذا قول الشاعر: وكحّل العينين بالعَواوِرِ فصحّح الواو، ولم يهمز، لأنّ التقدير "بالعوَاوِيرِ"، لأنّه جمع "عُوّارٍ". فإن عرضت همزة في هذا الجمع غُيِّرتْ، تقول في جمع "شاوِيَةٍ": "شَوايا"، والأصل "شَواوِيُ"، ثمّ همزت الواو فصار: "شَوائِيُ"،

فعرضت الهمزة في الجمع، فقلبوا من كسرة الهمزة فتحة فقالوا: "شَواءَيُ"، فلمّا تحرّكت الياء وقبلها فتحة انقلبت ألفًا فقالوا: "شَواءا"، فوقعت الهمزة بين ألفين، فاجتمعت ثلاث متشابهات: إمّا ثلاث همزات أو ثلاث ألفات، فقلبوا من الهمزة ياء فقالوا: "شَوايا". وكذلك في جمع: "راوِيَةٍ": "رَوايا" والأصل "رَواوِيُ" ثمّ "رَوائِيُ"، ثمّ "رَواءَيُ" ثمّ "رَوايا" فهذه ياء انقلبت عن همزة انقلبت عن واو. وكذلك قالوا في جمع "مَطِيَّةٍ": "مَطايا"، والأصل "مَطايِيُ" ثمّ:

"مَطاءَيُ" ثمّ: "مَطاءا" ثمّ "مَطايا" فهذه ياء انقلبت عن همزة انقلبت عن ياء. وأمّا الألف التي بعدها فإنّها انقلبت عن ياء ووزن الكلمة: "فَعائِلُ". وإن جمعت: "إداوَة" زدت ألف التكسير بعد الدّال وقلبت من الألف التي بعدها همزة وكسرتها فانقلبت الواو ياء فقلت: "أدائِيُ" ثمّ "أداءا" ثمّ "أَداوَى" فهذه واو انقلبت عن همزة انقلبت عن ألف زائدة؛ وإنّما قلبوها واوًا في الجمع ليدلّوا على أنّ لام الكلمة كانت واوًا ظاهرة في الواحد. فإن كانت لام الكلمة ياء، أو ياء مبدلة من واو أبدلوها ياء في هذا

الجمع، ولم يعتدّوا بما انقلبت عنه لمّا لم تظهر في الواحد، والألف التي بعد الواو مبدلة من ياء أبدلت من واو كانت ظاهرة في الواحد، تقول في جمع "هِراوَة": "هِراوَى"، وكان "هَرائِيُ" ثمّ "هَراءا" ثمّ "هَراوى" فالواو مبدلة من همزة أبدلت من ألف زائدة، وإنّما أبدلت واوًا ليدلّوا على أنّ واو الكلمة كانت ظاهرة في الواحد، والألف التي بعد الواو مبدلة من ياء أبدلت من واو كانت ظاهرة في الواحد، وزن الكلمة: "فَعائِلُ". فأمّا "شَوايا" فوزنها "فَواعِلُ" على وزن "ضَوارِب"، لأنّه جمع "شاوِيَةٍ".

فأمّا "رَزِيئَةٌ" و"خَطِيئَةٌ" وزنها "فَعِيلة"، والياء زائدة، فإذا جمعتهما بالتكسير زدت ألف التكسير قبل الياء، وهمزت الياء بعد الألف وكسرتها، لأنّها زائدة، فاجتمع في آخر الاسم همزتان الهمزة العارضة في الجمع، والهمزة الأصليّة، وقد كانوا يغيّرون هذا الجمع للهمزة العارضة فيه وحدها، فإذا اجتمع فيه همزتان كان ألزم للتغيير فجاء اللفظ: "خَطائِيُ" و"رَزائِيُ" فقلبوا الهمزة الأخيرة ياء لانكسار ما قبلها فصار "خَطائِيُ" و"رَزائِيُ" ثمّ قلبوا من كسرة الهمزة فتحة فصار "خَطاءَيُ" و"رَزاءَيُ" فتحرّكت الياء وقبلها فتحة فانقلبت ألفًا فصار: "خَطاءا" و"رَزاءا" فوقعت همزة بين ألفين فصار كأنّه قد اجتمع ثلاث ألفات أو ثلاث همزات، ففرّوا من اجتماع ثلاث متشابهات إلى التّغيير، وكان الأوسط أولى بالتّغيير؛ ليحجز بين المثلين فقلبوا من الهمزة ياء فقالوا: "خَطايا" و"رزايا" فالياء منقلبة عن همزة انقلبت عن ياء زائدة لوقوعها بعد ألف التكسير، والألف التي بعدها انقلبت عن ياء انقلبت عن همزة أصليّة وهي لام: "خَطِيئة" و"رَزِيئة". وقد ذكرت من هذا الجمع ما يستدلُّ به على ما لم أذكره.

فإن كانت الألف والياء والواو في أحد هذا الجمع زوائد سواكن: همزت في الجمع، وترك همزها خطأ. فإن أردت أن تجمع: "رسالة" زدت ألف الجمع بعد السّين، وبعدها ألف زائدة. ولم يجز الجمع بينهما، ولا إسقاطها، ولا إسقاط إحداهما ولا تحريك الأولى، لأنّها ألف الجمع، فوجب أن تحرَّك الثانية، وإذا حُرِّكت الألف صارت همزة، وكسرتها لوقوعها بعد ألف الجمع فقلت: "رَسائِلُ"، وفي "عِمامة": "عَمائِمُ"، وفي "حَمامة": "حَمائِمُ". وتقول في "عجوز": "عَجائِزُ" فتقلب من الواو همزة تشبيهًا لها بألف "رسالة"، وتقول في "كبيرة": "كَبائِرُ" فتقلب من الياء همزة؛ لأنّ الياء والواو لمّا كانتا زائدتين ساكنتين وما قبلهما منهما شُبِّها بألف "رِسالة" همزتا، ولم يجز أن يُحَرَّكا، ومن لم يهمزها فقد أخطأ. قالوا في: "صَيْرَف": "صَيارِف" وفي "حَيْدَر": "حَيادِرُ" وقالوا في

"جَوْهَر": "جَواهِرُ"، وفي "جَدْوَل": "جَداوِلُ"، وقالوا في "حِذْيَم": "حَذايِمُ". وكذلك إن كانت الياء والواو عينًا [في] الكلمة وجب أن تصحَّح إن كانت متحرّكة أو ساكنة. قالوا في المتحرّكة "أسْوَدُ" و"أساوِد" و"أخْيَر" و"أخايِرُ" و"أطْيَبُ" و"أطايِبُ" و"أجْوَدُ" و"أجاوِدُ". وقالوا في السّاكنة: "مَعيشةٌ" و"مَعايِشُ"، لأنّ الياء في "مَعيشة" وإن كانت ساكنة فأصلها الحركة ومن همزة "مَعايِش" فهو مخطئ؛ وإنّما همزها لأنّه شبّه "معيشة" بـ"صحيفة" وليست مثلها؛ لأنّ الياء في صحيفة زائدة؛ وإنّما همزوا ياء "صحيفة" وواو "عجوز" وألف "رسالة" لأنّهنّ متن بالسّكون في اللفظ والأصل، فوجب لهنّ الهمز. والياء في "معيشة" أصلها الحركة، لأنّها عين الكلمة. وتقول في "مَباع": "مَبايِعُ"، لأنّ الأصل "مَبْيَعُ"، وتقول في: "مَقال": "مقاوِلُ" لأنّ الأصل "مَقْوَل" فتصحِّح هذه الأشياء، لأنّ أصلها الحركة، وهمزها خطأ، وتقول في جمع "منارة": "مَناوِرُ"، لأنّها من النّور، وفي "مُصيبة": "مَصاوِب" لأنّها من "صاب يَصُوبُ" وأصلها "مُصْوِبَة" و"مَنْوَرَة"

في "مَنارة"، وتقول في جمع "مَقام": "مَقاوِمُ" قال الشاعر: وإنّي لقَوّامٌ مَقاوِمَ لم يكن ... جريرٌ ولا مولى جرير يقومها وتقول في جمع "مَساءَة": "مَساوِئُ" كما قال الشاعر: مساوئهم لو أنّ ذا الليل يعدلُ

فأمّا "مَعينٌ" فمن أخذه من "المَعْن" فالياء زائدة فينبغي أن يهمز فيقال "مَعائِنُ"، وقد قالوا في جمعه: "مُعُنٌ" و"مُعُناتٌ"، وإسقاط الياء يدلّ على زيادتها, ومن أخذ "مَعين" من "العَيْن" فالياء عين الكلمة فينبغي أن يحرّكها فيقول: "مَعايِنُ". وأمّا "مدينةٌ" فمن أخذها من "دان يدِينُ" فالياء عين الكلمة، لأنّهم يدينون لسلطانهم فوزنها: "مَفْعِلَةٌ" وأصلها "مَدْيِنَةٌ" كما أنّ أصل "مَعِين": "مَعْيِنٌ" فيمن صحّح، فينبغي أن يقول: "مَدايِنُ" يصحّح الياء ولا يهمز. ومن أخذها من قولهم: "مَدَّنْتُ المدائنَ" إذا بنيتها وحصّنتها فوزنها: "فَعِيلة" والياء زائدة فينبغي أن يقول في التّكسير: "مدائِنُ" فيهمز.

عقد

عقد إذا اعتلّت عين الماضي الثلاثي فانقلبت ألفًا نحو "باعَ" و"قام" لأنّهما من "بَيَعَ" و"قَوَمَ"، فإذا بنيت اسم الفاعل من "باعَ" و"قامَ" وما أشبههما زدت قبل هذه الألف ألفًا كما زدتها في "ضارِب" و"قاعِد" ليفرق بين الاسم والفعل، فاجتمع ألفان: الألف الزائدة، والألف المنقلبة من عين الكلمة، فلم يخل أن يجمع بينهما، أو يسقطا، أو يسقط أحدهما، أو يحرّك أحدهما. والجمع بينهما محال، لأنّه لا يمكن النّطق بألفين، وإسقاطهما محال، لأنّه إجحاف بالكلمة، وإخلال بمعناها، ولا يجوز إسقاط أحدهما، لأنّ كل واحد منهما دخل لمعنى، ولا يجوز أن تهمز الأولى، لأنّه لا حظّ لها في الحركة، فلم يبق إلاّ أن تحرّك الثانية فتنقلب همزة وتكسر لوقوعها بعد الألف الزائدة لتكون على وزن "ضارِب".

وكانت الثانية أولى بالحركة لأمرين: أحدها: أنّ لها أصلاً في الحركة. والثاني: أنّها قد أعلّت بالقلب، والإعلال يُؤنِّسُ بالإعلال. فقلت "قائمٌ" و"بائعٌ"، وفي التنزيل (إلا خائفين) يجوز أن يقرأ بتحقيق الهمزة وبجعلها بين الهمزة والياء، ولا يجوز أن يقرأ بياء خالصة. فإن صحّت الياء والواو في الفعل الماضي صحّتا في اسم الفاعل قالوا: "حَوِلَ" فهو: "حاوِلٌ" و"عَوِرَ" فهو "عاوِرٌ" و"صَيِدَ" فهو "صايِدٌ" صحّت الواو والياء في اسم الفاعل لصحّتهما في الفعل ومن همزة شيئًا من هذا فقد لحن.

عقد

عقد الواو والياء إذا أدغمتا فيما بعدهما تحصّنتا عن القلب أي: عن القلب القياسيّ، لأنّه لا يطّرد فيهما القلب، فإن جاء فيهما قلب فذلك قليل لا يقاس عليه، إلاّ أنّ القلب فيهما إذا كانتا طرفًا أكثر من القلب فيهما إذا جاورتا الطّرف، وقد ذكرنا قبلهما في الطّرف في الواحد والجمع وإنّما نذكر في هذا الفصل ما جاور الطّرف، لأنّه يسري إليه من الطّرف الإعلال والقلب، يدلّك على أنّ القلب إنّما جعل فيهما لمجاورتهما الطّرف أنّهما متى بعدتا من الطّرف صحّتا قالوا: "سُيُّلٌ" و"عُيُّلٌ" قال الشاعر: يحمي الصِّحابَ إذا تكون كريهةٌ ... وإذا هم نزلوا فمأوى العُيَّلِ وقال أبو النّجم:

بين التِّلاع السُّيَّلِ وقالوا: "سُوَّلٌ" وقالوا في الجمع "نُوَّمٌ ونُيَّمٌ" و"صُوَّمٌ وصُيَّمٌ" و"قُوَّمٌ وقُيَّمٌ"؛ وإنّما قلبوا الواو الأخيرة لمجاورتها الطّرف، ثم اجتمع الواو والياء والسّابق ساكن فقلبوا الواو ياء وأدغموا الياء في الياء فقالوا: "قُيَّمٌ" و"صُيَّمٌ" و"نُيَّمٌ" قال الشاعر: لولا الإله ما سكَنّا خَضَّما ... ولا ظللنا بالمشائي قُيَّما

فإذا بعدت من الطّرف صحّت قالوا: "صُوَّامٌ" و"نُوّامٌ" و"قُوّامٌ" قال الشاعر: ألا أيّها النُّوّام ويحكم هُبُّوا ... ... ... فأمّا ما رواه ابن الأعرابيِّ من قول ذي الرّمّة:

ألا طرقتنا مَيَّةُ ابنة بندر ... فما أرَّقَ النُّيّامَ إلاّ سلامُها فالأصل فيه: "نُوَّمٌ" فقلبت الواو الأخيرة ياء لمجاورتها الطّرف، فاجتمع ياء وواو، وسبقت إحداهما بالسكون وهو "نُويَمٌ" فقلبت الواو ياء،

وأدغمت الياء في الياء، فكسر الحرف الذي قبل الياء ليتمكّن القلب فقال: "نِيَّمُ"، ثمّ أشبع الياء الأخيرة فنشأت الألف عن إشباع الفتحة فقال: "نِيّامٌ". فأمّا قولهم: "اخْرَوَّطَ: اخْرِوّاطًا" و"اجْلَوَّذَ اجْلِوّاذًا" و"اعْلَوَّطَ: اعْلِوّاطًا" فإنّما صحّت فيه الواو لأنّه واحد، وأنّ الواو قد بعدت من الطّرف، ولو ورد شيء من هذا مقلوبًا لكان الكلام فيه كالكلام في: "نُيّام". وإنّما صار القلب في الجمع أكثر منه في الواحد لئلاّ يجمعوا على الكلمة ثقل الجمع، وثقل الواو، ففرّوا منها إلى الياء، لأنّ الياء أسهل، وأنّها من حروف الفم، وحروف الفم أكثر من حروف الشّفة. اعلم أنّه إذا اجتمع في الفعل الماضي واوان بنوه على: "فَعِلَ" لتنقلب الثانية من الواوين ياء، فلا يجتمع مثلان ثقيلان، ولا يلزم إدغام.

قالوا: "ذَوِيَ يَذْوَى" و"جَوِيَ يجْوَى" على مثال: "شَقِيَ يَشْقَى". فإن كان في الماضي ياءان نحو: "عَيِيَ يعْيَى" و"حَيِيَ يحْيَى" فمنهم من يظهر الياءين ويقول ليست الياء الأخيرة لازمة، ألا تراها تنقلب إذا قلت: "يَعْيَى" و"يَحْيَى" وأيضًا فإنّ السّكون يدركها فتقول: "عَيِيتُ" و"حَيِيتُ" فلمّا كان السّكون يدركها، والقلب يدركها لم تكن لازمة، وإذا لم تكن لازمة لم يلزم إدغامها، وإنّما يلزم الإدغام إذا اجتمع مثلان متحرّكان وقد قرأ بعض القرّاء: (من حيِيَ عن بيّنة) بالإظهار. وقد أدغمها قوم فرارًا من اجتماع المثلين وشبّهوها بحركة الإعراب من حيث كانت هاء السّكت لا تلحقها كما لا تلحق المعرَب

فقالوا: "عَيَّ" و"حَيَّ"، وقد قرأ بعضهم "من حَيَّ عن بيّنة). وتقول في التثنية: "عيَّا" و"حَيَّا" وفي الجمع: "عَيُّوا" و"حَيُّوا" قال الشاعر: عَيُّوا بأمرهم كما ... عَيَّتْ ببيضتها الحمامه جعلت لها عودين من ... نشم وآخر من ثمامه

فأمّا إذا بنيت على مذهب من أظهر الياء قلت "عَيِيا" و"حَيِيا"، فإذا جمعت قلت "عَيُوا" و"حَيُوا" وزنه "فَعُوا"، وقد سقطت لام الكلمة من قوله تعالى: (عَمُوا) و (رَضُوا بأن يكونوا مع الخوالف) والأصل فيه حَيِيُوا، وعَيِيُوا، ورَضِيُوا فاستثقلوا الضّمّة على الياء الحقيقيّة التي قبلها كسرة، فأسقطوا الضّمّة منها فبقيت الياء ساكنة، وبعدها واو الجمع ساكنة، فاجتمع الواو والياء ولا يجوز الجمع بينهما، ولا إسقاطهما، ولا تحريك أحدهما، ولا بدّ من إسقاط أحدهما، والواو لا يجوز إسقاطها لئلاّ يبطل علامة الجمع ويبقى الفعل بلا فاعل، فلمّا استحال إسقاط الواو أسقطوا الياء لالتقاء السّاكنين فبقيت الواو ساكنة وقبلها كسرة، فلو أقرّوها لانقلبت الواو ياء؛ لأنّه لا يثبت واو ساكنة قبلها

كسرة، وكان يجيءُ "حَيِي" و"عَيِي" فيلتبس الجمع بالواحد، فلمّا كان يؤدّي إقرار الواو إلى هذا الالتباس قلبوا من الكسرة ضمّة لتثبت الواو ولا تنقلب فقالوا: "حَيُوا" و"عَيُوا" و"رَضُوا" و"شَقُوا" و"عَمُوا"، وعلى هذا قال الشاعر: ... ... ... حَيُوا بعدما ماتوا من الدّهر أعْصُرا فإن بنيت هذا الفعل لما لم يسمّ فاعله قلت في لغة من أظهر: "عُيِيَ

بهذا الأمر" و"حُيِيَ في هذا المكان" فأمّا من قال: "قِيلَ" فينبغي له أن يسقط ضمّة الحاء من "حُيِيَ" وضمّة العين من "عُيِيَ" فإذا سكنتا نقل إليهما كسرة الياء التي بعدهما، فانكسرتا لأجل الكسرة المنقولة إليهما، وسكنت الياء التي بعدهما، وأدغمت في الياء التي بعدها فقيل: "عِيَّ بهذا الأمر" و"حِيَّ في هذا المكان". ومن أشار في: "قِيل" أشار هنا إلى الضّمّ. فأمّا من قال: "قُولَ لهم" فإنّه يسقط كسرة الياء الأولى، ويدغمها فيما بعدها فيقول "قد حُيَّ في هذا المكان" وقد "عُيَّ بهذا الأمر". فإن أدخل الهمزة على هذا الفعل فقال: "أُحْيِيَ" و"أُعْيِيَ" ولم يدغم واتّصلت به واو الجميع فقال: "أحْيُوا" و"أُعْيُوا"، والأصل فيه: "أُحْيِيُوا" و"أُعْيِيُوا" فاستثقلوا الضمّة في الياء التي قبلها كسرة، فأسقطوا منها الضّمّة، فبقيت الياء ساكنة، وبعدها واو الجميع ساكنة، ولم يجز أن تسقط واو الجمع، فأسقطوا الياء، لالتقاء السّاكنين فبقيت الواو ساكنة، وقبلها كسرة،

فقلبوا من الكسرة ضمّة لتثبت الواو ولا تنقلب فقال: "أُحْيُوا" و"أُعْيُوا" ووزن الكلمة "أُفْعُوا"، لأنّ اللام قد سقطت. فأمّا من أدغم فأصله: "أُحْيِيُوا" و"أُعْيِيُوا" فنقل كسرة الياء الأولى إلى السّاكن الذي قبلها، فانكسر الساكن، وسكنت الياء، فأدغمها في التي بعدها فقال: "أُحِيَّ" و"أُعِيَّ" واتّصلت به واو الجمع فقال: "أُحِيُّوا" و"أُعِيُّوا". فأمّا: "اسْتَحْيَى" فوزنه "اسْتَفْعَلَ" من "حَيِيتُ" والأصل: "اسْتَحْيَيَ" فانقلبت الياء الأخيرة ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فقالوا: "اسْتَحْيَى يستحْيِي استحياءً" وهو "مُسْتَحْيٍ". فإذا أسند المتكلّم هذا الفعل إلى نفسه قال "اسْتَحْيَيْتُ" فسكنت الياء الأخيرة لاتّصالها بما يوجب سكونها، والياء التي قبلها مفتوحة. هذا هو الصّحيح الأكثر. ومن الناس من يقول: "اسْتَحْيَيْتُ" وفيه طريقان: منهم من يقول إنّ الأصل: "اسْتَحايَ" على وزن "اسْتَقامَ" أعلَّ عين

الكلمة بأن قلبها ألفًا بعد أن نقل فتحتها إلى الحاء وصحّح اللام، فإذا اتّصلت اللام بما يوجب سكونها سقط ما قبلها لالتقاء السّاكنين فقال "اسْتَحَيْتُ" فوزن الكلمة: "اسْتَفَلْتُ"، وهذا المذهب رديء، لأنّه لو كان الماضي: "اسْتحايَ" لوجب أن يقول في المستقبل: "يسْتَحِيُّ" فيضمّ الياء في الرفع، لأنّها مشدّدة، وهذا لا يجوز، لأنّ المضارع لا يجوز أن تنضمّ ياؤه في مكان، وتسكن في مكان، وكذلك الواو، ألا تراهم يقولون: "يَرْمِي" و"يَغْزُو" فيسكّنون الياء والواو في الرّفع. فإذا أدّى قياسٌ إلى أن تضمَّ هذه الياء والواو رفضوه وأعلّوه إلى أن يرجع إلى القياس، ولهذا قالوا: "احْواوى التّيسُ" إذا بنوه على وزن: "احْمارَّ"، و"احمارَّ" صحيح يدخله الرّفع في المستقبل تقول: "احْمارَّ يحمارُّ احْميرارًا" فإذا بنوه من الحُوّة مثل: "احْمارَّ" فقياسه أن تقول: "احْواوَّ يحْواوُّ" فيضم الواو في الرفع وهذا لا يجوز. فلمّا كان يؤدّي تصحيح الواو في "احْواوَّ" إلى أن يرتفع في المضارع رفضوه فحرّكوا الواو الأولى بالفتح فانقلبت الواو الثانية ألفًا فقالوا في الماضي "احْواوَى" وفي المستقبل "يَحْواوِي" فسكنت الياء في موضع الرفع. فأمّا مصدر هذا الفعل فمن قال: "احْميرارًا" في الصّحيح قال في هذا: "احْويواوًا". فإن قيل فقد جمعتم بين "ياء" و"واو" والسابق منهما ساكن! قيل له

لأنّها انقلبت عن ألف احْواوى التي بين الواوين، فلمّا لم تلزم لم يعتدَّ بها فقالوا: "احْوِيواوًا" فالحاء فاء الكلمة، والواو التي بعدها عين، والياء التي بعد الواو انقلبت عن ألف زائدة، والواو التي بعد الياء هي لام الكلمة، والألف التي بعدها هي الألف التي تزاد قبل آخر المصادر، والهمزة التي بعد الألف انقلبت عن واو هي لام الكلمة في: "احْواوَيْتُ". ومن النّاس من يراعي اللفظ فيقلب من الواو ياء ويدغم الياء في الياء فيقول: "احْوِيَّاء". ومن أسقط الياء في الصّحيح قال في: "احْميرار: احْمرارًا" أسقط الياء هنا فقال: "احْوِواء". فمن قال: "احْوِيواء" و"احْوِيّاء" فوزن الكلمة "افْعِيلال". ومن قال: "احْوِواء" فوزن الكلمة: "افْعِلال". وم الناس من ينقل كسرة الواو الأولى إلى الحاء فيستغني بكسرتها عن

ألف الوصل، ويدغم الواو في الواو فيقول: "حِوّاوًا" فوزن الكلمة "فِعْلال". والوجه الثاني: في "اسْتَحَيْتُ" أن يكون الأصل فيه: "اسْتَحْيَيْتُ" فاستثقل الجمع بين ياءين فنقل فتحة الياء الأولى إلى الحاء فانفتحت الحاء، وسكنت الياء، ثمّ قلب من الياء ألفًا، وبعدها ياء ساكنة فسقطت الألف لالتقاء السّاكنين. هذا هو القياس، لأنّ الياء التي قبلها فتحة لا تسقط لالتقاء السّاكنين. وفي النّاس من قال: أسقط الياء لالتقاء السّاكنين وإن كان قبلها فتحة، وقد فعلوا في الصّحيح مثل هذا قالوا: "مَسِسْتُ" و"ظلِلْتُ" هذا هو الأصل.

وفي النّاس من ينقل، ويسكِّن الميم والظّاء وينقل إليهما حركة السّين واللّام فتنكسر الميم والظّاء، ويسكن ما بعدهما، ويسقطه لسكونه وسكون ما بعده فيقول: "مِسْتُ" و"ظِلْتُ" فوزن الكلمة: "فِلْتُ". وفي الناس من يقول: أسقط كسرة السين واللام، فلمّا سكنتا أسقطهما لسكونهما وسكون ما بعدهما فقال: "مَسْتُ" و"ظَلْتُ" فوزن الكلمة: "فَلْتُ". وعلى المذهب الأوّل أنشدوا: ... أحسن به فهنَّ إليه شُوسُ

وأصله: "أحْسَسْنَ" فنقل حركة السّين إلى ما قبلها، ثمّ أسقطها لالتقاء السّاكنين، فوزن الكلمة: "أفَلْنَ"، وعلى هذا قالوا: "أحَسْتُ" وزنه "أفَلْتُ" وأصله: "أحْسَسْتُ" فنقل حركة السّين إلى ما قبلها، ثمّ أسقطها لالتقاء السّاكنين. ومن قال "حَسِينَ" فإنّه قلب من السّين الثّانية ياء، فرارًا من اجتماع مثلين، وليقوِّم وزن البيت. وإذا كانت لام الكلمة وعينها معتلّتين وجب أن تعلَّ اللّامُ، لأنّها موضع الإعلال، وتصحَّح العين، لبعدها من الطّرف: كما قالوا "عَيَيْتُ" و"حَيَيْتُ"، و"يَعْيَى" و"يَحْيَى" أجروه مجرى "غَبِيتُ" و"شَقِيتُ" فصحّحوا العين، كما صحّحوا القاف في "شَقِيتُ" والباء من "غَبِيتُ".

وقد شذّ منه حريفات أعلّوا فيها العين، وصحّحوا اللام: قالوا في الفعل: "اسْتحْيَيْتُ" على مذهب من قال ماضيه: "اسْتَحايَ" فأعلّوا العين وصحّحوا اللام. وقالوا في الأسماء: "رايَةٌ" والأصل "رَوَيَةٌ"، وقالوا: "ثايَةُ الغنم" والأصل: "ثَوَيَة"، وقالوا: "غايةٌ" والأصل: "غَيَيَةٌ" فقلبوا العين ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وصحّحوا اللام، وكان القياس: أن يصحّحوا العين، ويعلّوا اللام فيقولون: "غَياةٌ" و"رَواةٌ" و"ثَواةٌ"، ووزنها "فَعَلَةٌ". فأمَّ: "آيةٌ" فقال قوم أصلها: "أيَيَةٌ" "فَعَلَةٌ" فقلبوا العين ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وصحّحوا اللام، وكان القياس أن يقولوا: "أياةٌ" فيعلّوا اللام ويصحّحوا العين. وقال قوم وزنها "أيّةٌ" على وزن "فَعْلَة" إلاّ أنّهم كرهوا التّضعيف

فقلبوا من العين ألفًا على غير قياس فقالوا: "آية" كما قالوا في "طَيِّئٍ: طائِيّ"، وكان القياس ألاّ تقلب الياء الساكنة ألفًا. وقال الكسائيُّ أصلها: "آيِيَةٌ" على وزن فاعِلة، فلمّا كثر الاستعمال أسقطوا الياء الأخيرة تخفيفًا فوزنها السّاعة "فاعَةٌ". وإذا كان الفعل الماضي على ثلاثة أحرف، وكانت عينه معتلّة، وكانت ألفًا قد انقلبت عن ياء أو واو لم يخل أن يكون على وزن "فَعَلَ" أو "فَعِلَ" أو "فَعُلَ". فإن كان على: "فَعَلَ" جاز أن يكون متعدّيًا إلى مفعول، وألاّ يكون متعدّيًا وإن كان على "فَعِلَ" جاز أن يكون متعدّيًا وألاّ يكون متعدّيًا. وإن كان على "فَعُلَ" لم يجز أن يكون متعدّيًا، ألا ترى أنّه لا يجوز أن يقول: "كَرُمْتُهُ" و"ظَرُفْتُهُ".

فأمّا "طال" الذي هو ضدُّ "قَصُرَ" فأصله: "طَوُلَ" على وزن "قَصُرَ" فلا يجوز أن يتعدّى، لا يجوز أن تقول: "طُلْتُهُ" كما لا تقول"قَصُرْتُهُ". فلمّا تحرّكت الواو في "طَوُلَ" وقبلها فتحة انقلبت ألفًا. فإذا اتّصلت اللام بالضّمائر التي توجب سكونها قالوا: "طَولْتُ"، وأسقطوا فتحة الطّاء، فلمّا سكنت نقلوا إليها ضمّة الواو، فانضمّت الطّاء وسكنت الواو، وبعدها حرف ساكن، ثمّ سقطت الواو لالتقاء السّاكنين، وبقيت الضّمّة في الطّاء تدلّ عليها، لأنّها منها نقلت ووزن الكلمة "فُلْتُ"

وقالوا في المستقبل: "يَطُولُ" وأصله: "يَطْوُلُ" فنقلوا ضمّة الواو إلى الطّاء فصار: "يَطُولُ" لتعلَّ المستقبل كما أعلَّ الماضي، ليجري الفعل على وتيرة واحدة. فأمّا قولهم: "طاوَلني فطُلْتُهُ" فهو محوَّلٌ من "طَوَلَ" إلى "طَوُلَ"، ولو لم يكن اصله: "طَوَلَ" لم يتعدّ إلى مفعول، ألا ترى قول الشاعر: إنّ الفرزدق صخرة عاديّةٌ ... طالت - فليس تنالها - الأوعالا فـ"الأوعال" منصوبة بـ"طالتْ"، وأصله "طَوَلَتْ"، لأنّ "فَعَلَ" ممّا يتعدّى، فلمّا تحرّكت الواو، وقبلها فتحة انقلبت ألفًا، فإذا اتّصلت اللام

بالضّمير الذي يوجب سكونها حوّلوا "طَوَلَ" إلى "طَوُلْتُ" فأسقطوا فتحة الطّاء، ونقلوا إليها ضمّة الواو، فانضمّت الطّاء وسكنت الواو، ثمّ سقطت لسكونها وسكون ما بعدها، وبقيت الضّمّة في الطّاء تدلّ عليها، فهذا، معتلٌّ من محوَّل إليه، لأنّه كان "فَعَلَ" فَحُوِّلَ إلى "فَعُلْتُ" ثمّ أُعِلَّ. و"طُلْتُ" الذي هو ضدُّ "قَصُرْتُ" أُعِلَّ من "فَعُلْتُ" لأنّه لم يكن له "فَعَلْتُ" ثمّ حُوِّل إلى "فَعُلْتُ". فأمّا "فَعَلَ" فقد تكون ألفه من ياء، ومن واو، فمثال الياء "باع" أصله "بَيَعَ" فتحرّكت الياء وقبلها فتحة فانقلبت ألفًا. فإذا أسندوا هذه الأفعال إلى ضمير فاعل يوجب سكون لامها حوّلوا: "فَعَلْتُ" من ذوات الياء إلى "فَعِلْتُ" فحوّلوا: "بَيَعْتُ" إلى "بَيِعْتُ"، وحوّلوا ذوات الواو من "فَعَلْتُ" إلى "فَعُلْتُ" فحوّلوا: "صَوَغْتُ" إلى "صَوُغْتُ"، و"قَوَمْتُ" إلى "قَوُمْتُ" ثمّ أسقطوا فتحة الباء من "بَيِعْتُ" ونقلوا إليها كسرة الياء التي بعدها، فانكسرت الباء، وسكنت الياء، ثمّ سقطت الياء لسكونها وسكون ما بعدها، وبقيت الكسرة في الباء تدلّ عليها، لأنّها منها نقلت. وهذا معتلٌّ من محوَّل إليه، وإنّما فعلوا هذا ليدلّوا بالكسرة على الياء السّاقطة، الذي يدلّك على أنّ أصله "فَعَلْتُ" مجيءُ مستقبله على "يَفْعِلُ" نحو "يَبِيعُ" أصله: "يَبْيِعُ"، فنقلوا كسرة الياء إلى الباء فقالوا: "يَبِيعُ"، ولو

كان الماضي "فَعِلَ" من غير مُحوَّل إليه كان المستقبل "يَفْعَلُ" نحو: "رَكِبَ يركَبُ"، وكنت تقول: "يَباعُ". فأمّا "صُغْتُه" فأصله: "صَوَغْتُ" حوِّلت إلى "صَوُغْتُ"، ثمّ أسقطت فتحة الصّاد، ونقلت إليها ضمّة الواو، وسقطت الواو لسكونها وسكون ما بعدها، وبقيت الضّمّة في الصّاد تدلُّ عليها، يدلُّك على أنّ أصله "صَوَغْتُ" وحُوِّل إلى "صَوُغْتُ" تعدِّيه إلى مفعول إذا قلت: "صُغْتُ الخاتم"، ولو كان أصله: "فَعُلْتُ" لم يتعدّ. وقالوا في المستقبل: "يَصُوغُ" وأصله: "يَصْوُغُ" فنقلوا ضمّة الواو إلى الصّاد فصار "يَصُوغُ". و"قُمْتُ" أصله: "قَوَمْتُ" حُوِّل إلى: "قَوْمْتُ" ثمّ أسقطوا فتحة القاف، ونقلوا إليها ضمّة الواو، وسقطت الواو لسكونها وسكون ما بعدها فقالوا: "قُمْتُ"، ودلّت الضّمّة في القاف على الواو. وقالوا في المستقبل "يَقُومُ"، والأصل: "يَقْوُمُ"، وأعلّوا المستقبل الإعلال الماضي حتّى يجري الفعل على وتيرة واحدة فلا يختلف. فإذا قال المملوك: "بِعْتُ الثّوب" فالتاء في موضع رفع لأنّها فاعلة.

فإن قال: "بِعْتُ" ولم يذكر شيئًا جاز أن تكون التّاء فاعلة وقد حذف المفعول، وأصله: "بَيَعْتُ" فحُوِّل إلى: "بَيِعْتُ" ثمّ سكنت الباء، ونقلت إليها كسرة الياء فقالوا: "بِعْتُ". ويجوز أن تكون التّاء في موضع رفع لأنّها اسم ما لم يُسَمَّ فاعله. فإن كان على لغة من قال: "قُولَ" قال: "بُعْتُ"، والأصل فيه: "بُيِعْتُ" فأسقطت كسرة الياء فسكنت وقبلها ضمّة فانقلبت واوًا، ثمّ سقطت لسكونها وسكون ما بعدها، وهذه لغة قليلة. وإن كان على لغة من قال: "قِيلَ" فالأصل فيه: "بُيِعْتُ" فسكّنوا الباء ونقلوا إليها كسرة الياء، فسكنت الياء ثمّ سقطت لسكونها وسكون ما بعدها.

وإذا كانوا قد أشاروا إلى الضّمّ في: "قِيلَ" وهو غير ملتبس، فالإشارة هاهنا إلى الضّمّ ألزم فيقولون: "بُعْتُ"، ليفرقوا بين كون التّاء فاعلة، وكونها اسم ما لم يسم فاعله. وإذا كان الماضي على "فَعِلَ" نحو: "هابَ" أصله: "هَيِبَ" فانقلبت الياء ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ويدلُّك على أنّه "فَعِلَ" أنّ مستقبله "يَهابُ" وأصله "يَهِيبُ" فنقلت فتحة الياء إلى ما قبلها، ثمّ أتبعتها فانقلبت ألفًا. فإن بنيت هذا لما لم يسمّ فاعله فقلت: "هِيبَ زيدٌ"، وأصله: "هُيِبَ" فسكّنوا الهاء، ونقلوا إليها كسرة الياء، فسكنت الياء فقيل: "هِيبَ زيدٌ"، ومنهم من يشير إلى الضّمّ ليدلَّ على الأصل فيقول: "قد هِيبَ". ومنهم من يسقط الكسرة من الياء في: "هِيبَ" فتسكن الياء وقبلها ضمّة فتنقلب واوًا فيقول: "هُوبَ زيدٌ". فإذا صار إلى المستقبل اتّفق المذهبان فقالوا: "يُهابُ زيدٌ". فمن قال في الماضي: "هِيبَ" فأصل المستقبل: "يُهْيَبُ". ومن قال في الماضي: "هُوبَ" فأصل المستقبل: "يُهْوَبُ". إلاّ أنّه ينقل فتحة الواو والياء إلى ما قبلهما، ويقلبان ألفًا فيتساوى اللغتان.

فإن أسند "هابَ" إلى فاعل يسكن فيه ياؤه قلت: "هِبْتُ"، والأصل "هَيِبْتُ" فسكنت الهاء ونقلت إليها كسرة الياء ثمّ سقطت الياء لسكونها وسكون ما بعدها. فهذا أعلّ من موضعه، ولم يكن له بناء غير هذا ينقل إليه ويعلُّ. فإن كانت التاء اسم ما لم يسمّ فاعله كما قيل في الظّاهر: "هِيبَ زيدٌ" فالأصل فيه: "هُيِبَ" فاللغة الجيدة أن تسكن الهاء وتنقل إليها حركة الياء، وتسقط الياء لسكونها وسكون ما بعدها فيقال: "هِبْتُ". والجيّد: أن تشير بضمّة ليفرق بين كون التّاء فاعلة، وكونها اسم ما لم يسمّ فاعله. ويجوز: "هُبْتُ" والأصل: "هُيِبْتُ" فأسقط كسرة الياء، فلمّا سكنت وقبلها ضمّة انقلبت واوًا، ثمّ سقطت لسكونها وسكون ما بعدها. وتقول في المستقبل: "أُهابُ" على اللغتين، والأصل: "أُهْوَبُ" و"أُهْيَبُ" على المذهبين، فنقل فتحة الياء والواو إلى ما قبلهما فانقلبتا ألفًا فتساوت اللغتان. وقالوا: "خاف زيدٌ عمرًا" والأصل "خَوِفَ" فانقلبت الواو ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ويدلّك على أنّ الماضي: "فَعِلَ" قوله في المستقبل "يخافُ" وأصله: "يَخْوَفُ" فنقل فتحة الواو إلى ما قبلها فانقلبت الواو ألفًا.

وإذا بنيت هذا الفعل للمفعول قلت: "خِيفَ عمروٌ" والأصل: "خُوِفَ" فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. وفيهم من يشير إلى الضّمّ، ليدلَّ على الأصل فيقول: "خُيْفَ زيدٌ" كما قالوا: "قُيْلَ". وفيهم من يقول: "خُوفَ" فأسقطوا كسرة الواو، فسكنت وقبلها ضمّة فصحّت، وقالوا في المستقبل على اللغتين: "يُخافُ"، وأصله: "يُخْيَفُ" و"يَخْوَفُ" فألقى فتحة الياء والواو على ما قبلهما فانقلبتا ألفًا إتباعًا للفتحة قبلهما. فإن أسند: "خاف" إلى ضمير فاعل تسكَّن الفاء فيه قال: "خِفْتُ"، وأصله: "خَوِفْتُ" فسكّن الخاء، وألقى عليها كسرة الواو، فلمّا سكنت الواو وقبلها كسرة انقلبت ياء، ثمّ سقطت لسكونها وسكون ما بعدها، وبقيت الكسرة في الخاء تدلّ عليها. وقالوا في المستقبل: "يخافُ" والأصل: "يَخْوَفُ"، فألقوا فتحة الواو على ما قبلها، ثمّ أتبعوها الفتحة فصارت ألفًا. فهذا قد أُعِلَّ من "فَعِلْتُ" ولم يكن له أصل غير هذا ثمّ نقل إلى هذا

وأعلّ منه، وهو مُعَلٌّ من موضعه. فإن جعلت التّاء اسم ما لم يسم فاعله كما قلت: "خِيف زيدٌ" فالأصل فيه: "خُوِفْتُ" ثمّ تسكن الخاء وتلقى عليها كسرة الواو، فتسكن الواو وقبلها كسرة فتنقلب ياء، ثمّ تسقط لسكونها وسكون ما بعدها، لأنّ الكسرة في الخاء تدلّ عليها. ومنهم من يشير بضمّة ليدلّ على أنّه لما لم يسم فاعله. ومنهم من يقول: أصله: "خُوِفَ" فأسقطوا الكسرة من الواو فسكنت الواو وقبلها ضمّة، ثمّ سقطت لسكونها وسكون ما بعدها. وتقول في المستقبل: "يُخافُ" على اللغتين، والأصل: "يُخْوَفُ" و"يُخْيَفُ" فألقيت فتحة الواو والياء على ما قبلهما، وأتبعتهما الفتحة فصارتا ألفًا. فعلى هذا تجري هذه الأفعال إذا اتّصلت بالفاعلين المضمرين، وسكن ما قبل الفاعل، والمفعول المضمر الذي يقام مقام الفاعل. ولم يفعل هذا التّغيير والنّقل مع الأسماء الظّاهرة، لأنّه لو قيل في: "باع زيدٌ" "بِيع زيدٌ"، وفي "خاف زيدٌ": "خِيف زيدٌ" لالتبس الفاعل بما لم يسمّ فاعله، ولكنّهم فعلوا هذا في اسم واحد قال الشّاعر:

وكِيد ضباعُ القُفِّ يأكلن جثّتي ... وكيد خِراشٌ يوم ذلك ييتمُ والأصل: "كَيِدَ" فسكّنوا الكاف، وألقوا عليها كسرة الياء فصار: "كِيدَ"، لأنّهم أرادوا أن يفرقوا بين "كاد يكادُ" من المقاربة، وبين "كاد يكِيدُ" من الكَيْد. واعلم أنّ "فُعْلَى" تكون وصفًا، وتكون اسمًا، فإذا كانت اسمًا وعينها

ياء قلبت الياء لسكونها وانضمام ما قبلها واوًا فقالوا: "الكُوسَى" و"الطُوبى" وهما من "الكَيْس" و"الطِّيب". فإن كانت لام "فُعْلى" واوًا واستعملت اسمًا قلبت واوها ياء قالوا "الدُّنيا" وهو من "دنا يدْنو" و"العُلْيا" وهو من "علا يَعْلُو". وإنّما قلبوا ليفرقوا بين الاسم والصّفة، وكان التغيير في الاسم أولى من

الصّفة، لانّ الاسم على كلّ وجه أخفّ من الصّفة. فلو بينت "فُعْلى" من "غَزَوْتُ" وجعلتها اسمًا لقلت: "الغُزْيا"، ولو جعلتها صفة لصحّحت الواو فقلت: "الغُزْوَى". فأمّا قراءة من قرأ: (تلك إذا قسمة ضيزى) بغير همزة فهي "فُعْلى"، وأصلها: "ضُيْزَى"، وإنّما كسروا أوّلها، وأقرّوا الياء، لأنّهم أمنوا اللّبس من حيث لم يوجد في كلام العرب "فِعْلى" صفة، وإنّما تجيء الصفة على "فِعْلاة" نحو "امرأة سِعْلاة" للكثيرة الصّخب، و"رجل عِزْهاة" للذي لا يحب اللهو مع النساء.

فأمّا قراءة من قرأ: (ضِئْزَى) بالهمز فهو مصدر وصف به. ولو كانت "الطُوبى" و"الكوسى" وصفين لقيل فيهما: "طيبى" و"كِيسى" كما قالوا: "ضِيزَى". فإذا كانت "فَعْلَى" اسمًا ولامها ياء قلبوها واوًا ليفرقوا بين الاسم والصّفة قالوا: "تَقْوى" و"شَرْوَى" و"ثَنْوَى" وهو من "شَرَيْتُ" و"وَقَيْتُ" و"ثَنَيْتُ"، ولو كانت وصفًا لقالوا "شَرْيَا" و"تَقْيَا" و"ثَنْيَا" كا قالوا: "خَزْيَا". ولو بنيت "فَعْلى" اسمًا من "غَزَوْتُ" لقلت: "غَزْوَى" فصحّحت الواو، لأنّك إذا كنت تفرّ من الياء إلى الواو فينبغي أن تتمسّك بالواو إذا ظفرت بها. ولو كانت "غَزْوَى" وصفًا لصحّت الواو أيضًا، لأنّهم فرّوا من الياء إلى

الواو في الاسم ليفرقوا بينه وبين الصفة، ولم يفرّوا من الواو إلى الياء. فأمّا القصوى فكان ينبغي أن تكون "القصْيا" على مثال "الدّنْيا" ولكنّه شذّ، فأمّا: "رَيَّا" فهو من "رَوَيْتُ" وأصله: "رَوْيا" فلمّا اجتمعت الواو والياء، وسبقت الأولى بالسّكون قلبوا من الواو ياء، وأدغموا فقالوا: "رَيَّا"، ولو كانت "رَيَّا" اسمًا لقلبوا من الياء واوًا كما قالوا في: "شَرْوَى"، وأدغموا الواو الأولى فيها فكانوا يقولون: "رَوَّى". فأمّا: "العَوَّى" في اسم النّجم فأصله "عَوْيا" من "عَوَى يعْوِي" ولكنّه اسم وليس بوصف؛ فلأجل هذا قلبوا من الياء واوًا، وأدغموا الواو الأولى فيها فقالوا: "العَوَّى". فأمّا: "فَعْلاء" فإذا كان وصفًا ولامها واو صحّت الواو فيها قالوا:

"القَنْواء" و"العَشْواء" و"العَثْواء" فأمّا "العَلْياء" في قول الشاعر: ألا يا بيتُ بالعلياء ... ... ... فليس بتأنيث "الأعلى" كما قالوا: "الأحمر وحمراء"، لأنّ تأنيث "الأعلى": "العُلْيا" كما قالوا: "الأفضل والفُضْلى" فقلبوا واو "العُلْيا" ياء كما قلبوها في "الدّنيا". فأمّا: "العَلْياءُ" فكان ينبغي أن يقال: "العَلْواءُ"، ولكن قلبوا الواو ياء لمّا استعملوها استعمال الأسماء، ليفرقوا بين الاسم والصّفة، ألا تراهم صحّحوا

الواو في "القَنْواء" و"العَشْواء" لمّا كانت صفة، ولم تستعمل استعمال الأسماء. فأمّا رواية من روى: "العَوّاءُ" بالمدّ، وهو شاذٌّ فكان ينبغي أن يكون: "العَيّاءُ" كما قالوا "العَلْياءُ"، لأنّه اسم وأصله: "عَوْياءُ" فتقلب من الواو ياء، وتدغم في الياء التي بعدها، ولكنّه أشبع فتحة الواو الأخيرة فنشأت ألف، فلمّا اجتمع ألفان حرّك الأخيرة فانقلبت همزة فجاء اللفظ: "عَوَّاءُ". فهذا أجود ما يصرف إليه هذا الشّذوذ إذا كان اسمًا وليس بوصف. واعلم أنّه قد يجيءُ في الثّلاثيّ الفاء واللام من جنس واحد نحو: "سَلِسَ" و"قَلِقَ"، وقلّما يجيءُ مثل هذا في المعتلّ، إلاّ أنّه قد جاء حرف واحد قالوا: "يدَيْتُ إليه يدًا"، واليد مأخوذة منه، وأصلها: "يَدْيٌ" فحذفوا الياء الأخيرة تخفيفًا فقالوا: "يَدٌ". ولم تجئ الفاء واللام واوين، وأمّا قولهم في هذا الحرف:

"واوٌ" فقال قومٌ أصله: "وَوَوٌ" كما قالوا: "بَبَّهْ" إلاّ أنّهم قلبوا الواو الوسطى ألفًا فقالوا: "واوٌ"، و"بَبَّةٌ" لا يقاس عليه، لأنّه صوت. وقال قوم أصله: "وَيَوٌ" فحجزت الياء بين الواوين، ثمّ قلبوها ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. وقد تجيء الفاء "واوًا" واللام "ياءً" قالوا: "وَدَى: يَدِي" من الدِّيَة، و"وَأى: يَئِي" من "الوَاي" وهو الوعد، وقالوا: "وَشَى: يَشِي"

و"وَلِيَ: يَلِي" و"وَهى: يَهِي". ولا تكون الفاء واللام واوين ليس في الكلام مثل: "وَعَوْتُ". وقد تكون العين واللام ياءين نحو: "عَيِيَ" و"حَيِيَ". ولا تكون العين واللام واوين فإن اتّفق مثل هذا بنوه على: "فَعِلْتُ"، لتنقلب الواو الأخيرة ياء، فرارًا من الواوين. وقد تكون العين واوًا واللام ياء نحو: "طَوَيْتُ" و"شَوَيْتُ" و"رَوَيْتُ". ولا يجوز أن تكون العين ياء واللام واوًا، لأنّه ليس في كلام العرب مثل "حَيَوْتُ". وقد تكون الفاء معتلّة، وتصحّ العين واللام نحو: "وَعَدْتُ". وقد تصحّ الفاء واللام، وتعتلّ العين نحو: "قال" و"باع".

وقد تصحّ الفاء والعين، وتعتلّ اللام نحو: "غزا" و"رمى". وعلى ما بيّنت لك تجري قواعد التصريف. وقد ذكرت أنّ الياء والواو إذا وقعتا طرفًا بعد ألف زائدة وليس بعدها تاء التّأنيث فإنّ العرب تقلب منهما همزة في نحو: "رداء" و"كساء"، لأنّهما من "الرِّدْيَة" و"الكِسْوَة"، وقد ذكرت علّة قلبهما فيما تقدّم. فإن وقعت بعدهما تاء التّأنيث فللعرب فيها مذهبان: منهم من يصحّح الياء والواو، لأنّ تاء التأنيث قد صارت حرف الإعراب لأنّه بنى الكلمة على التّأنيث، وصارت التّاء لازمة للكلمة، فكأنّها ما انفكّت منها فقال: "عَبايَةٌ" و"صَلايَةٌ" و"شَقاوَةٌ" هذا مذهب. والمذهب الثاني: أن تتصوّر الكلمة كأنّ الهاء ليست فيها، وكأنّ الاسم مذكّر، فكأنّه قال: "عَبايٌ" و"صَلايٌ" و"عَظايٌ" فهذا يقلب من الياء والواو همزة كما قلبها في "رداء" و"كساء" فيقول: "صَلاءَة" و"عَظاءة" والعلّة في قلبها كالعلّة في قلب "رداء" و"كساء" ثمّ يلحق تاء التّأنيث بعدما استقرّ القلب، ويؤنّث الاسم بعدما كان مذكّرًا فيقول: "عباءة" و"صلاءة" و"عَظاءة" و"شَقاءَة"، وكلّ شيء ورد من الأسماء من هذه الأمثلة فطريق همزه وتصحيحه ما بيّنت لك.

واعلم أنّ النّون قد شبّهوها بحروف المدّ واللّين ووجه شبهها بحروف المدّ واللّين: أنّها تكون علامة للجمع في: "قُمْنَ جواريك" كما قالوا: "قاموا إخوتك" على هذه اللغة. وتكون النّون علامة للرفع في خمسة أمثلة من الأفعال وهي "تفْعَلِين، وتفعلان، ويفعلان، ويفعلون، وتفعلون"، كما تكون الألف علامة للرّفع إذا قلت: "الزّيدان" والواو علامة للرّفع إذا قلت: "الزّيدون"، والياء علامة للنّصب، والجرّ إذا قلت: "الزّيْدَيْن" و"الزَّيْدِينَ". وتكون النّون ضمير الفاعلات إذا قلت: "الهنداتُ يقمن" كما تكون الواو ضمير الفاعلين إذا قلت: "الزّيدُون يقومون"، وتكون الياء ضميرًا للفاعلة إذا قلت للمخاطبة: "أنت تقومين".

وتحذف النّون تخفيفًا إذا قلت: "لم يكُ" كما تحذف الياء تخفيفًا إذا قلت: "لا أدْرِ" و"لا أبالِ". وتسكن النّون في الأسماء المركّبة كما تسكن الياء قالوا: "سُوسَنْجِرْدُ" و"باذِنْجانُ" و"دَسْتَنْبُويَهْ" كما قالوا:

"مَعْدِي كَرِبَ" و"قالِيقَلا". ويحذفونهما في الجزم في: "لم تفعلي" و"لم تفعلا" و"لم يفعلا" و"لم يفعلوا" و"لم تفعلوا" كما يحذفون الواو والياء والألف من قولهم: "لم يَرْمِ" و"لم يَدْعُ" و"لم يَسْعَ". ويدغمونهما في الواو والياء بأن يقلبوها إلى جنسها قالوا: "زيد ومحمّد يقومان". (من يقول آمنّا)

وقالوا: "أناسِيُّ" وأصله: "أناسِينُ". وقلبوا من النّون ألفًا في المنصوب المنصرف إذا قالوا: "لقيتُ زيدًا"، لأنّ التّنوين نون ساكنة. وأبدلوا من نون التّوكيد ألفًا في الفعل إذا انفتح ما قبلها فقالوا: "اضْرِبا" وفي التنزيل: (لنسفعًا بالنّاصية). وفي النّون غنّة كما أنّ في حروف المدّ لينًا. فلمّا أشبهت النّون لحروف المدّ من هذه الوجوه أجروها مجراها، ومع هذا فلا بدّ أن يكون الفرع أنقص من الأصل، ولا يجوز أن يساويه

تنبيه على كيفية الأبنية

تنبيه على كيفية الأبنية اعلم أنّ التّصريفيين قد احتاطوا ووضعوا أصولا يرتاضُ بها النّاس سواء كان للكلمة معنى في نفسها أو لم يكن لها معنى، لأنّ الغرض بوضعهم إيّاها أن يروِّض الإنسان خاطره ويقوِّيَ تصرُّفَه، فإذا قالوا: ابنِ مِنْ كذا مثالَ كذا فكأنّهم قالوا: خذ الحروف الأصول من هذه الكلمة، وابن مثل هذه الأجزاء، فإن كان المثال الذي يسأل عنه أصولاً كلُّه ليس في أحرف زيادة بنى مثله أصولاً، فإن كان فيه زائد: وضع مكانه حرفًا زائدًا، ليقابل الأصليَّ بالأصليّ، والزّائد بالزّائد، والسّاكن بالسّاكن، والمتحرّك بالمتحرّك، والمضموم بالمضموم، والمفتوح بالمفتوح، والمكسور بالمكسور، وإن كان في المثال المطلوب زائدان في موضع واحد: وضع مثلهما زائدين في مقابلتهما، وإن كان فيه زائدان في موضعين: وضع في مقابلتهما زائدين في موضعين، وإن كان في المثال حرفان قد أدغم أحدهما في الآخر: جعل بإزائهما حرفان وأدغم أحدهما في الآخر. ولك أن تبني من القليل كثيرًا، لأنّ البناء زيادة، وليس لك أن تبني من الكثير قليلاً، لأنّ هذا يكون هدمًا ونقضًا. فلك أن تبني من الثّلاثيّ: ثلاثيًّا ورباعيًّا وخماسيًّا، ولك أن تبني من الرّباعي رباعيًّا وخماسيًّا، ولك أن تبني من الخماسيّ خماسيًّا. فإن كان المثال مساويًا للمثال: كان البناء بتغيير الحركات والسّكون، ولم يكن بزيادة حرف في العدد. وإن كان البناء المطلوب أكثر عددًا فلا بدّ من زيادة حرف أو حروف

ليتساوى المثالان، فإن كان المثال الذي سُؤِلت عنه أكثر ممّا معك فاجعل الزّيادة في العدد من موضع اللام إلاّ أن يكون المثال الذي سؤلت عنه قد تكرّرت فيه العين فينبغي لك أن تكرّر العين، فإن كانت العين وحدها مكرّرة كررت العين وحدها، وإن كانت اللام وحدها مكرّرة كرّرت اللام وحدها، وإن كانت الفاء والعين قد تكرّرتا كرّرت الفاء والعين. وأنا أسوق على ما أريتك أمثلة يهتدى بها إن شاء الله. مثال بناء ثلاثيّ من ثلاثيّ: إذا قال ابن من "ضرَبَ" مثال "عَلِمَ" قلت "ضَرِبَ". وإن قال ابنِ مثال: "ظَرُفَ قلت: "ضَرُبَ" غيّرت الحركات عمّا كانت عليه ليكون على مثال المطلوب. فإن قال ابن من "ضَرَبَ "مثال "جَعْفَر" فقد سألك أن تبني من ثلاثيّ رباعيًّا فلك أن تكرّر اللام ليكون على عدّته وفي حركاته وسكونه وهو أصول كلّه قلت: "ضَرْبَبٌ". فإن قال ابن من "ضَرَبَ" مثال "صَيْرَفٍ" زدت ياء ثانية ساكنة فقلت "ضَيْرَبٌ" فإن قال ابن مثال "كَوْثَرٍ" قلت: "ضَوْرَب". فإن قال ابن مثال "جَهْوَر" قلت: "ضَرْوَب". فإن قال ابن مثال "عَجوز" قلت: "ضَرُوب". فإن قال ابن مثال "سَعِيد" قلت: "ضَرِيب". فإن قال ابن مثال "عِماد" قلت: "ضِراب".

فإن قال ابْنِ مثال "كَسَّرَ" قلت: "ضَرَّبَ". فإن قال: ابن من: "ضَرَبَ" مثال: "قَنْرَبٍ" قلت: "ضَنْرَب" وهذا لا يجوز، لأنّ النّون قريبة من الرّاء فإن أظهرتها ثقل، وإن أدغمتها جاء "ضَرَّب" فالتبس. ولو قالوا ابن من: "عَلِمَ" مثال: "قَنْلَمٍ" فمثاله: "عَنْلَم" وهذا لا يجوز لأنّك إن أدغمت النّون في اللام لقربها منها جاء: "عَلَّم" فالتبس، وإن أظهرتها ثقل. فإن قال: ابن من "ضَرَبَ" مثال "درهم" قلت: "ضِرْبَبٌ". فإن بنيت مثال "حُبْرُج" قلت: "ضُرْبُب". فإن بنيت مثال: "ضَيْفَنٍ" قلت: "ضَرْبَنٌ"، لأنّ النّون زائدة. فإن بنيت من: "ضَرَبَ" مثال: "خِلَفْنَة" قلت: "ضِرَبْنَة". فإن بنيت مثال: "جَحَنْفَل" قلت: "ضَرَنْبَبٌ". ومثال: "هِدَمْلَةٍ" قلت: "ضِرَبَّة". فإن بنيت مثال: "عُثْمان" قلت: "ضُرْبان".

ومثال: "غَطفان": "ضَرَبان". ومثال: "زَعْفَران" قلت: "ضَرْبَبان". وإن بنيت مثال: "مَرْمَرِيت" قلت "ضرْضَريب". وإن بنيت مثال: "صَمَحْمَح" وهو "فَعَلْعَلٌ" قلت: "ضَرَبْرَبٌ". فإن بنيت من "جَعْفَر" مثال "جِرْدَحْل" قلت: "جِعْفَرٌّ". فإن بنيت من "جعفر" مثال: "قِمَطْرٍ" قلت: "جِعَفْرٌ". فإن بنيت من "جعفر" مثال: "حُبْرَجٍ" قلت: "جُعْفَر". فإن بنيت من "جعفر" مثال: "سَفَرْجَل" قلت: "جَعَفْرَرٌ". وإن بنيت مثال: "صَهْصَلِقٍ" قلت: "جَعْفَرِرٌ". فإن بنيت من "سَفَرْجَل" مثال: "جَحْمَرِش" قلت: "سَفَرْجِلٌ". فإن بنيت من "جَحْمَرِش" مثال: "سَفَرْجَل" قلت: "جَحَمْرَشٌ". فإن بنيت من "جعفر" مثال: "جَحَنْفَل" قلت: "جَعَنْفَر". فإن بنيت من "جِرْدَحْل" مثال: "سَفَرْجَل" قلت: "جَرَدْحَلٌ". وإن بنيت مثال: "جَحْمَرِشٍ" قلت: "جَرْدَحِلٌ".

وإن بنيت من "جَحْمَرِشٍ" مثال "جَرْدَحْلٍ" قلت: "جَحْمَرْشٌ". وإن بنيت من "قراتُ" مثال "جَعْفَر" فقياسه أن تقول: "قَرْأأٌ" إلاّ أنّ العرب لا تجمع بين الهمزتين فينبغي أن تقلب الثانية ياء، أو تقلبها ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فتقول: "قَرْأى" على مثال: "أرْطى". وإن بنيت من "قَرَاتُ" مثال "جِرْدَحْلٍ" فقياسه في اللفظ: "قِرْأَ أُ أٌ" بثلاث همزات على وزن: "قِرْعَعٌّ"، إلاّ أنّ العرب إذا لم تجمع بين همزتين فهي من الثلاث أفرّ، ولا يجوز أن تقلب الأولى، لأنّه يبقى بعدها همزتان، ولا تقلب الثالثة، لأنّه يبقى قبلها همزتان، ولكن تقلب الوسطى ياء، لتحجز بين المثلين فتقول: "قِرْأيْأٌ". فإن بنيت من "قَراتُ" مثال "حُبْرُجٍ" جاء: "قُرْؤُؤٌ" فقلبت الثانية ياء فصار: "قُرْؤُيٌ" فكسرت ما قبل الياء فصار: "قُرْئِيٌ"، ومررت بـ"قُرْئِيٍ" ورأيتُ "قُرْئِيًا". فإن بنيت من "قَراتُ" مثال "سَفَرجَل" جاء: "قَرَأَّ أٌ" بثلاث همزات، ولا يجوز أن تقلب الأولى، لأنّه يبقى بعدها همزتان، ولا يجوز أن تقلب

الأخيرة، لأنّه يبقى قبلها همزتان، ولكن تقلب الوسطى لتحجز بين المثلين فتقول: "قَرَايَأٌ". فإن بنيت من "قَرَاتُ" مثال "جَحْمَرِش" جاء "قَرْأَإِأٌ" فيجتمع ثلاث همزات وهذا لا يجوز، ولا يجوز أن تقلب الأولى ولا الثالثة، ولكن تقلب الوسطى ياء فيجيء: "قَرْأَيِئٌ" فتتحرّك الياء وقبلها فتحة فتنقلب ألفًا فتقول: "قَرْآء" مثل: "قَرْعاع". وإن بنيت من "قَرَاتُ" مثال: "جَحَنْفَل" قلت: "قَرَنْأَأٌ" وقلبت الهمزة الثانية ياء فقلت: "قَرَنْأَيٌ" فانقلبت الياء ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فقلت: "قَرَنْأَى" والأمثلة كثيرة تتشعّب وتكثر وفيما ذكرته رياضة لمن تدرّب. المعتل من ذلك فإن بنيت من المعتلّ مثال الصّحيح أعللت حرف العلّة إن كان فيه ما يوجب إعلاله، وصحّحته إن كان فيه ما يوجب تصحيحه. تقول: إذا بنيت من "البَيْع" مثال "كَتِفٍ" "باعٌ" ومن "القَوْل": "قالٌ"، وأصلهما "بَيِعٌ" و"قَوِلٌ" فقلبت الواو والياء ألفًا لما تحرّكتا وانفتح ما قبلهما. وإن بنيت مثل "كَتِف" من "رَمَى" و"غَزا" قلت: "رَمٍ" و"غَزٍ".

وإن بنيت من "البَيْع" و"القَوْل" مثل "جَعْفَر" قلت: "بَيْعَعٌ" و"قُولَلٌ" صحّت الواو، والياء لسكونهما. وإن بنيت من "رَمَى" و"غَزا" مثال: "جَعْفَر" قلت: "رَمْيَى" و"غَزْوَى" على مثال "أرْطَى"، وأصله: "غَزْوَوٌ" و"رَمْيَيٌ" قلبت الياء الثانية ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وقلبت الواو الثانية من "غَزْوَوٍ" ياء، لأنّها رابعة، وانقلبت الياء ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وصحّت الواو الأولى لسكون ما قبلها. فإن بنيت من "البَيْع" و"القَوْل" مثال: "سِبَطْر" قلت: "بِيَعٌّ" و"قِوَلٌّ". فإن بنيت من "غَزَوْتُ" و"رَمَيْتُ" مثال: "سِبَطْرٍ" قلت: "رِمَيٌّ" و"غِزَوٌّ" صحّت الواو والياء لإدغامهما. فإن بنيت من "غَزَوْتُ" و"رَمَيْتُ" مثل "سَفَرْجَل" قلت: "رَمَيَّى" و"غَزَوَّى"، والأصل: "رَمَيَّيٌ" فقلبت الياء الأخيرة ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. فإن بنيت من "غَزَوْتُ" مثال: "جَحْمَرِش" جاء اللفظ: "غَزْوَوِوٌ" بثلاث واواتٍ: الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة والثالثة حرف الإعراب، فلا بدّ من إعلال أحد الواوات، والأولى لا يجوز أن تعلَّ، لأنّ قبلها ساكنًا، وإنّما يكون الإعلال في الثانية، أو في الثالثة، فمنهم من يعلّ الثالثة بأن قلبها ياء فقال: "غَزْوَوٍ" فصار من باب "قاضٍ" تقول: "هذا غَزْوَوٍ" و"مررت بغَزْوُوٍ".

و"رأيتُ غَزْوَوِيًا" وصحّت الواو الثانية وإن كانت متحرّكة، لأنّك قد أعللت التي بعدها، ولا يجوز أن تعلَّ حرفين متلاصقين ألا ترى إلى صحّة الواو في: "الهَوَى" و"النَّوى" وإن كانت متحرّكة وقبلها فتحة، وإنّما صحّت لأنّك قد أعللت التي بعدها فلم يجز أن تعلّها. فإن حجز بين حرفي العلّة حرف صحيح جاز أن تعلّهما تقول في الأمر من يلي: "لِهْ" وهو من "وَلِيتَ" فتسقط الواو، والياء. فأمّا الواو فسقطت من "يَلِي" لوقوعها بين ياء وكسرة. ثمّ أمرت بعد إسقاط الواو، فسقطت الياء للأمر فبقي معك حرف واحد، فزدت بعده هاء للسّكت تثبت في الخطّ والوقف، فإذا وصلت الكلام بما بعده سقطت الهاء من لفظك. وكذلك تقول: "شَهْ ثوبَك" وهو من "وَشَيْتَ". و"قِهْ ثوبَك" وهو من "وَقِيتَ"، والطّريق في هذه الألفاظ واحدة كما أعلمتك في: "وَليتُ". ومنهم من يعلُّ الواو الوسطى بأن يقلبها ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها

فتقول: "غَزْواوٌ"، وصحّت الواو الأولى لأمرين: أحدهما: لسكون ما قبلها. والثاني: لسكون ما بعدها. وأمر ثالث: أنّك قد أعللت ما بعدها، فلا يجوز أن تعلّها، لئلاّ تعلَّ حرفين متلاصقين على ما ذكرناه. وصحّت الواو الثالثة وإن كانت طرفًا وقبلها ألف، لأنّ الألف التي قبلها ليست زائدة، وإنّما هي بدل من حرف من نفس الكلمة، ولو كانت الألف زائدة لوجب أن تهمز الواو على حدّ ما همزت حرف العلّة في "كِساء" و"رِداء". وقد أوردت في هذا الكتاب المختصر جملاً من التّصريف يستدلُّ بها على غيرها، ويُشْرَفُ بها على ما لم أذكره وبالله التّوفيق. تم الكتاب والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله أجمعين، فرغ من نسخه كاتبه أبو الفضائل علي بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أبي عيسى يوم السبت سلخ ذي الحجة سنة ثمان وستمائة وهو يسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة وذلك بمدينة السلام بغداد

حرسها الله تعالى بالمدرسة النظامية. بلغ قراءة وتصحيحًا واستشراحًا على الشيخ الإمام العالم الفاضل: تقي الدين الحسن بن معالي بن مسعود الباقلاني أدام الله تأييده وإسعاده وذلك في مجالس عدَّة بمنزله آخرها سلخ رجب سنة إحدى عشرة وستّمائة، وكتب نصر بن علي بن محمد بن عبد الله. قرأ اليحمورُ العالم العارف هذا الكتاب قراءة صحيحة مفهومة جيّدة ثابته في غاية الصّحّة والمعرفة على نَظام الدين علامة الزّمان نفعه الله بعلمه في الدّنيا والآخرة برحمته إنّه أرحم الرّاحمين.

§1/1