شرح التبصرة والتذكرة ألفية العراقي

العراقي، زين الدين

مقدمة المحقق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} . أما بعد: الحمد لله ثُمَّ الحمد لله الذي مَنَّ علينا بتحقيق كتاب " شرح التبصرة والتذكرة " للإمام العلاّمة الحافظ العراقي، والحمد لله الذي مَنَّ علينا بالصحة والتمكين حتَّى أنهينا هذا السفر العظيم المبارك، والحمد لله الذي مَنَّ علينا بمعرفة السُّنَّة النبوية وخدمتها، والله وحده عليم بالجهد الذي بذلناه في خدمة هذا الكتاب النفيس، الذي نعدّه موسوعة في مصطلح الحديث؛إذ أن لهذا الكِتَاب أهمية بالغة بَيْنَ بقية كتب مصطلح الْحَدِيْث؛ لِمَا فِيْهِ من دراسات قلَّ نظيرها، ولِمَا فِيْهِ من استدراكات وإضافات عَلَى أعظم إمام كَتَبَ في المصطلح ألاَ وَهُوَ ابن الصَّلاَح، إذ يعدّ عمل ابن الصَّلاَح في كتابه " مَعْرِفَة أنواع علم الحديث " نواة لكتاب الحافظ العراقي هذا، إذ قام الحافظ بإضافات واستدراكات، وأوضح ما خفي وشرح ما كان يستحق الشرح، حتَّى أصبح هذا الكتاب أنفس كتاب في مصطلح الحديث وأحسنها. ومن العجب أنّ كُتُباً أقلّ شأناً منه قد عني بها المحقّقون، غير أن أحداً منهم لم يأخذ على عاتقه خدمة هذا السفر العظيم، من هنا شمّرنا عن ساعد الجدّ وأخذنا على

طبعات الكتاب

أنفسنا تحقيق هذا الكتاب الفريد، وقطعنا دونه جميع الأعمال والأشغال حتَّى خرج بهذه الحُلّة التي بين يديك. طبعات الكتاب طبع الكتاب عدة طبعات، بلغت - حسب علمنا - ثلاثاً، فيما يأتي وصف موجز لكلّ منها: أ. الطبعة المصرية القديمة: طبعة خطأً باسم " فتح المغيث بشرح ألفية الحديث "، صحّحها رجال جمعية النشر والتأليف الأزهرية، وعلَّق عليها محمود ربيع، سنة 1355 هـ‍- 1937 م. ولم يتيسر لنا الاطلاع عليها. ب. الطبعة الفاسية: وهي الطبعة التي حقّقها الأستاذ محمد بن الحسين العراقي الحسيني، في سنة 1355 هـ‍- 1937 م، وطبعت بالمطبعة الجديدة بفاس في المغرب. وهي طبعة تكاد تخلو من علامات الترقيم والشكل سواء لمتن الألفية أو لشرحها، علاوة على ما فيها من التصحيف والتحريف والخطأ والذهول، والخلط في تعيين الرجل المقصود بالكلام، ومن غير تخريج للأحاديث والآثار، ولا مراجعة لموارد العراقي في شرحه، ... إلى غير ذلك مما لا يخفى على لبيب. جـ. طبعة دار الكتب العلمية: وهي طبعة مُخْرَجَةٌ عن الطبعة الفاسية، لم يكن فيها جديد إلاّ إعادة تنضيد حروفها. فلمّا رأينا الأمر زاد عن حدّه، حتّى انقلب الصواب إلى ضدّه، مع حاجة الناس إليه، وكثرة تعويلهم عليه، استخرنا الله تعالى في إعادة العمل في خدمته بما ييسره لنا جلّ ذكره، فكان هذا الذي يراه القرّاء الكرام أمام أنظارهم وبين أياديهم الكريمة، محتسبين لله ما صرفناه فيه من الجهد والمال ابتغاء للمثوبة ورجاء الفوز يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم. اللهم فأحسن عاقبتنا في الأمور كلّها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

القسم الأول الدراسة

القسم الأول: الدراسة الباب الأول: ابن الصلاح ومقدمته الباب الثاني: العراقي وكتابه " شرح التبصرة والتذكرة "

الباب الأول ابن الصلاح ومقدمته

الباب الأول: ابن الصلاح ومقدمته ويشمل: الفصل الأول: دراسة تحليلية لسيرة ابن الصَّلاَح. الفصل الثاني: دراسة عن مقدمة ابن الصَّلاَح.

الفصل الأول دراسة تحليلية لسيرة ابن الصلاح

الفصل الأول: دراسة تحليلية لسيرة ابن الصلاح المبحث الأول: اسمه ونسبه وولادته: هو تقي الدين، أبو عَمْرو، عثمان بن صلاح الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر النصري الكردي الأهل الشرخاني الشهرزوري الأصل، الموصلي النشأة، الدمشقي الموطن والوفاة، الشافعي المذهب. ولد سنة (577) هـ‍، بشهرزور. المبحث الثاني أسرته ونشأته وطلبه للعلم: نشأ ابنُ الصلاح في بيت عِلم وورع ورئاسة في الفقه، إذ كان والده إماماً مُفتياً رأساً في الفقه على مذهب الإمام الشافعي - رحمه الله -، وولي فيما بعد التدريس في إحدى المدارس بحلب، فكان والده أوّل مشايخه وأبرزهم. كما تلقّى ابن الصلاح علومه على مشايخه في مسقط رأسه، والذين كان أغلبهم من الأكراد، ومما يدلّ على نباهته وعلو همته ونشاطه في طلب العلم-وَهُوَ لم يزل في مقتبل العمر- ما يذكر من أنّه أعاد على والده قراءة كتاب " المهذب " أكثر من مرة، ولم يختطّ شاربه بعدُ. ومن ثَمَّ انتقل به والده إلى مدينة الموصل، فاشتغل بها مدة وسمع بها.

ولم تقرّ عين أبي عمرو بأن يأخذ العلم عن شيوخ بلده فقط، فارتحل في طلب بغيته، وسافر إلى بغداد، وإلى قزوين، فلازم بها الإمام الرافعي، حتى أتقن عليه جملة من العلوم، وإلى بلاد خراسان وأقام هناك زمناً، وأكثر فيها من سماع الحديث وتحصيله. ومن ثَمَّ ألقى ابن الصلاح عصا ترحاله في بلاد الشام، وكان أوّل مقامه في مدينة القدس، ثُمَّ ورد دمشق بصحبة أبيه وأسرته فاتخذها سكناً، وذلك في سنة630هـ‍. ولا يفوتنا أنْ نذكر أنّه سافر إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحجّ. المبحث الثالث شيوخه: ... تتلمذَ ابنُ الصلاح على عدّة من الشيوخ، سواء كانوا من مسقط رأسه، أو من البلد التي استوطنها، أو من البلاد الأخرى خلال أسفاره ورحلاته، وكانت السمة المميزة لمشايخه أن أكثرهم كانوا من أهل الحديث، وأبرزهم: 1 - أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن السمين. 2 - ضياء الدين أبو أحمد عبد الوهاب بن أبي منصور علي بن علي البغدادي المعروف ابن سكينة، ت 607 هـ‍. 3 - عماد الدين أبو حامد محمد بن يونس بن محمد الموصلي الفقيه ت 608 هـ‍. 4 - أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني الرافعي ت 624 هـ‍، وغيرهم.

المبحث الرابع تلامذته ... رُزِق أبو عمرو القبول بين الناس، فتسابق طلاب العلم على التتلمذ عليه، والانتهال من معين ما أوتيه من العلوم، ومن أبرز تلامذته: 1 - شمس الدين عبد الرحمن بن نوح بن محمد المقدسي. ت 654 هـ‍. 2 - شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلّكان الإربليت (681) هـ‍. 3 - الحَافِظ أمين الدين عَبْد الصمد بن عَبْد الوهاب بن الحسن بن عساكر الدمشقي، ثُمَّ المكي. ت (686) هـ‍. 4- تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري المشهور بالفركاح. ت (690) هـ‍وغيرهم المبحث الخامس تدريسه كان أبو عمرو ملماً بجوانب متعددة من فنون العلوم المختلفة، زيادةً إلى طيب خلقه وكرم أصله، مع الزهد والتواضع وحب الخير، فوقع عليه الاختيار ليتولى التدريس في العديد من المدارس آنذاك، منها: 1 ـ المدرسة الناصرية بالقدس. 2 ـ المدرسة الرواحية بدمشق. 3 ـ دار الحديث الأشرفية، وهو أول من وليها ودرّس فيها من أهل الحديث، وبقي في مشيختها ثلاث عشرة سنة، وفيها أملى كتابه " علوم

الحديث ". 4 ـ مدرسة ست الشام (زمرد خاتون بنت أيوب) ت 616 هـ‍. ... ولقد أدّى ما أسند إليه حقّ القيام، وكان يتحمل أعباء المدارس ثلاثتها (الرواحية، وست الشام، ودار الحديث الأشرفية) من غير إخلال أو تقصير. المبحث السادس آثاره العلمية لَمَّا كان ابن الصلاح متضلِّعاً من تلك العلوم، استطاع بفضل الله أولاً، ثُمَّ بما تمتع به من ذكاء وحافظة وجودة فَهْم، أنْ يصنف العديد من المؤلفات، منها: 1 - أدب المفتي والمستفتي. 2 - شرح الورقات لإمام الحرمين في أصول الفقه. 3 - صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته عن الإسقاط والسقط. 4 - فتاوى ومسائل ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه. 5 - علوم الحديث، أو مقدمة ابن الصلاح. وغيرها. المبحث السابع وفاته ... بعد عمر مِلْؤُهُ العلم والخير والصلاح، انتقل الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح إلى جوار ربه الكريم، وذلك صباح يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 643 هـ‍بدمشق، ودُفن في مقابر الصوفية خارج دمشق - تغمده الله برحمته -.

الفصل الثاني دراسة عن مقدمة ابن الصلاح

الفصل الثاني دراسة عن مقدمة ابن الصلاح المبحث الأول آراء العلماء في الكتاب لقد كتب الله سبحانه وتعالى لهذا الكتاب - أعني علوم الحديث لابن الصلاح - القبول لدى الناس، ولابد لمصنَّف ألّفه مثل هذا الإمام أن يصبح مَدْرَسَ أهل العلم وطلبته وفلكهم الذي لا يجاوزوه، ومنهلهم الذي لا يصدرون إلا عنه ولا يردون إلا منه، فهو الحَكَم لمشكلاتهم، والفصل لمعضلاتهم أبان لهم عن جوهر معانيه، واستزادهم فائدة عما فيه، فأقبل الناس عليه، وأصبح أحد دعائم مسلماتهم، وانتهى إليه المتعلِّمون، وبه استنار المستبصرون. وليس أدلّ على ما قدّمناه ممّا سطّرته أياديهم، إشادة بهذا المصنَّف والمصنِّف، فقد قال الإمام النووي (ت 676 هـ‍) : ((هو كتاب كثير الفوائد، عظيم العوائد، قد نبَّه المصنِّف - رحمه الله - في مواضع من الكتاب وغيره، على عظم شأنه، وزيادة حسنه وبيانه، وكفى بالمشاهدة دليلاً قاطعاً، وبرهاناً صادعاً)) . وقال الخويي (ت 693 هـ‍) في منظومته: وخير ما صنف فيها واشتهر ... كتاب شيخنا الإمام المعتبر وهو الذي بابن الصلاح يعرف ... فليس من مثله مصنف وقال ابن رشيد (ت 721 هـ‍) : ((الذي وقفت عليه وتحصل عندي من تصانيف هذا الإمام الأوحد أبي عمرو ابن الصلاح - رحمه الله - كتابه البارع في معرفة أنواع علم الحديث وإنّه كلّما كتبت عليه متمثلاً: لكل أناس جوهر متنافس ... وأنت طراز الآنسات الملائح)) وقال ابن جماعة (ت733هـ‍) : ((واقتفى آثارهم الشيخ الإمام الحافظ تقي الدين أبو عمرو بن الصلاح بكتابه الذي أوعى فيه الفوائد وجمع، وأتقن في حسن تأليفه ما صنع)) .

وقال الزركشي (ت 794 هـ‍) : ((وجاء بعدهم الإمام أبو عمرو بن الصلاح فجمع مفرّقهم، وحقّق طرقهم، وأجلب بكتابه بدائع العجب، وأتى بالنكت والنخب، حتى استوجب أن يكتب بذوب الذهب)) . وقال الأبناسي (ت 802 هـ‍) : ((وأحسن تصنيف فيه وأبدع، وأكثر فائدة وأنفع: "علوم الحديث" للشيخ العلاّمة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح فإنّه فتح مغلق كنوزه، وحلّ مشكل رموزه)) . وقال ابن الملقن (ت 804 هـ‍) : ((ومن أجمعها: كتاب العلامة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح - سقى الله ثراه، وجعل الجنة مأواه - فإنه جامع لعيونها ومستوعب لفنونها)) . وقال العراقي (ت 806 هـ‍) : ((أحسن ما صنف أهل الحديث في معرفة الاصطلاح كتاب " علوم الحديث " لابن الصلاح، جمع فيه غرر الفوائد فأوعى، ودعا له زمر الشوارد فأجابت طوعاً)) . وقال ابن حجر (ت 852 هـ‍) : ((فجمع شتات مقاصدها، وضمَّ إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر)) . وقال السيوطي (ت 911 هـ‍) : ((عكف الناس عليه، واتخذوه أصلاً يرجع إليه)) . وبهذا نكاد أن ننقل إجماع الأئمة، منذ أن رأى كتاب " علوم الحديث " النور إلى يوم الناس هذا، دليلاً على مكانته، وغزارة علمه وفوائده شاهداً على علوِّ كعبه ونصرة حزبه، فرحم الله مؤلفه وجامعه، وأسبل عليه نعمه وفضائله، إنّه سميع مجيب.

المبحث الثاني توظيف العلماء جهودهم خدمة لكتاب ابن الصلاح:

المبحث الثاني توظيف العلماء جهودهم خدمة لكتاب ابن الصلاح: لعلّ كتاباً في مصطلح الحديث لم يخدم كما خدم كتاب ابن الصلاح؛ إذ كَانَ هُوَ المحرك الفعلي الَّذِي تولدت عَنْهُ عشرات، بل مئات المؤلفات التي أغنت المكتبة الإسلامية، وساهمت بمجموعها في إكمال حلقات هذا العلم المبارك. وقد اختلفت اتجاهات المؤلفين في طبيعة بحوثهم لتطوير وتعزيز القيمة العلمية لهذا الكتاب فمنهم الناظم، ومنهم الشارح، ومنهم المختصر، ومنهم المنكت توضيحاً واستدراكاً فلهذا ارتأينا - خدمة لتقسيمات البحث العلمي المنظم - أن نوزعها على النحو الآتي، وبالله التوفيق. أ. المختصرات: لعلّ هذا الطابع من التصنيف الذي كان كتاب ابن الصلاح المحفِّز لها هو الأكثر نظراً إلى أن من ألّف في هذا اللون يبغي تقليص حجم الكتاب الأصلي؛ وذلك باختزال الألفاظ وتكثيف الفكر والمعاني، وحذف الأمثلة التي لا حاجة لها والابتعاد عن المناقشات غير الضرورية، وزيادة الفوائد والآراء، مع مخالفة ترتيب الأصل أحياناً، تسهيلاً لطلبة العلم وغيرهم. ومن أبرز تلك المختصرات: 1- إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق، للإمام النووي (ت 676 هـ‍) . 2- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، للإمام النووي أيضاً وهو اختصار لكتابه السابق. 3- المنهج المبهج عند الاستماع لمن رغب في علوم الحديث على الاطلاع، لقطب الدين القسطلاني (ت 686 هـ‍) .

4- أصول علم الحديث، لعلي بن أبي الحزم القرشي الطبيب المشهور بابن النفيس (ت 689 هـ‍) . 5- الاقتراح، للإمام ابن دقيق العيد (ت 702 هـ‍) . 6- الملخص، لرضي الدين الطبري (ت 722 هـ‍) . 7- رسوم التحديث، للجعبري (ت 732هـ‍) . 8- المنهل الروي، لبدر الدين بن جماعة (ت 733 هـ‍) . 9- مشكاة الأنوار، للبارزي (ت 738 هـ‍) . 10- الخلاصة في علوم الحديث، للطيبي (ت 743 هـ‍) . 11 - الكافي، لتاج الدين التبريزي (ت 746 هـ‍) . 12 - الموقظة، للإمام الذهبي (ت 748 هـ‍) . 13 - المختصر، لعلاء الدين المارديني المشهور بابن التركماني (ت 750 هـ‍) . 14 - مختصر، لشهاب الدين الأندرشي الأندلسي (ت 750 هـ‍) . 15 - مختصر، للحافظ العلائي (ت 761 هـ‍) .

ب. المنظومات

16 - الإقناع، لعز الدين بن جماعة (ت 767 هـ‍) . 17 - اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير (ت 774 هـ‍) . 18 - التذكرة في علوم الحديث، لسراج الدين ابن الملقن (ت 804 هـ‍) . 19 - المقنع في علوم الحديث، لسراج الدين ابن الملقن أيضاً. 20 - نخبة الفكر، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ‍) . 21 - المختصر، للكافيجي (ت 879 هـ‍) . 22 - مختصر بهاء الدين الأندلسي ( ... ؟) . ب. المنظومات: ظهر منذ عهد مبكر نسبياً، تيّار في الشعر العربي، انتقل إلى علماء الفنون المختلفة يسمى: الشعر التعليمي، خصّص نطاق عمله في نظم الكتب المهمة في مجالات العلم تسهيلاً لطالبي العلوم في حفظها، ومن ثَمَّ الغوص في معانيها. وعلى أي حال فقد كان نصيب كتاب " علوم الحديث " لابن الصلاح عدداً من المنظومات التي لا يستهان بها، وسواء أكانت تلك المنظومات ذات جدة وحداثة أم لا؟ فإنّها مثّلت جانباً من جوانب اهتمام العلماء واعتنائهم بهذا السفر العظيم. والذي يهمنا هنا أن نسلِّط الضوء عليها كوَصَلاَتٍ في تاريخ هذا العلم المبارك، وليس من شرطنا أن تكون هذه المنظومة قد احتوت كل المادة العلمية لكتاب ابن الصلاح، بل يكفي أن يكون هذا الكتاب هو المرجع الأول بالنسبة لها، وعلى هذا نجد أن بعض هذه المنظومات مطوّلة، وبعضها مختصرة، وبعضها متوسطة، ولعلّ من أبرز من نظمه: 1. شمس الدين الخُوَيي (ت 693 هـ‍) ، وسمّى منظومته باسم " أقصى الأمل والسول في علوم حديث الرسول "، توجد منه عدة نسخ خطية.

ج‍. الشروح:

2. أبو عثمان سعد بن أحمد بن ليون التجيبي (ت 750 هـ‍) . 3. زين الدين العراقي (ت 806 هـ‍) المسمّى: التبصرة والتذكرة. 4. محمد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق المصري البرشنسي (ت 808 هـ‍) وسمّى منظومته: " المورد الأصفى في علم حديث المصطفى ". 5. شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الدمشقي المعروف بابن الجزري (ت 833 هـ‍) وسمّى منظومته " الهداية في علم الرواية ". 6. جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ‍) ومنظومته مشهورة باسم " الألفية ". 7. رضي الدين محمد بن محمد الغزي (ت 935 هـ‍) ، وسمّى نظمه " سلك الدرر في مصطلح أهل الأثر ". 8. منصور سبط الناصر الطبلاوي (ت 1014 هـ‍) . ج‍. الشروح: قد كان للجانب الشمولي في كتاب ابن الصلاح أثره الواضح في أن أحداً لم يتصدَّ لشرح الكتاب نفسه، وإنما انعكس هذا الجانب على شرح مختصراته ومنظوماته، لذا سنتناول أبرزها على اعتبار أن أصلها الأصيل هو كتاب ابن الصلاح، ومن ذلك: 1- شروح ألفية العراقي. 2- نزهة النظر، للحافظ ابن حجر (ت 852 هـ‍) وما يتعلق بها.

د. التنكيت

3- تدريب الراوي للسيوطي (ت 911 هـ‍) . 4- البحر الذي زخر، للسيوطي (ت 911 هـ‍) شرح فيه ألفيته. د. التنكيت: النُّكَت: جمع نُكْتَةٍ، وهي مشتقة من الفعل الثلاثي الصحيح (نَكَت) ، وهو ذو اشتقاقات مختلفة، أجملها ابن فارس فقال: ((النون والكاف والتاء أصل واحد يدلّ على تأثير يسير في الشيء كالنكتة ونحوها، ونكت في الأرض بقضيبه ينكت: إذا أثر فيها)) أما في الاصطلاح فالنكتة: مسألة لطيفة أخرجت بدقة نظر وإمعان فكر، من نكت رمحه بأرض إذا أثر فيها، وسميت المسألة الدقيقة نكتةً؛ لتأثير الخواطر في استنباطها. وقد كان نصيب ابن الصلاح من كتب النكت شيئاً دلّ على مدى تعمّق الدارسين في فهم معانيه ومدلولاته، حسب اللون العلمي الذي يغلب على ذلك المنكت، فنرى الأصولي يُغَلِّب المباحث الأصولية في طريق تقرير مسائل الكتاب المهمة، وهذا ما نلمسه جلياً في نكت الزركشي، والْمُحَدِّث يجعل همّه المباحثات الحديثية، وهو منهج واضح نراه في نكت العراقي وشيخه مغلطاي، وهكذا بالنسبة إلى الفقيه كما وقع للبلقيني وابن جماعة وغيرهم. وعلّ الفطن من القرّاء عرف من العرض السابق أسماء بعض من كتب نكتاً على كتاب ابن الصلاح، ولكننا نودّ أن نجعل الأمر استقصائياً استقرائياً، فجمعنا مَن وقع في علمنا أنه ساهم في هذا الجانب، سواء عن طريق الكتابة والبحث المباشر على كتاب ابن الصلاح أو العمل غير المباشر عن طريق التعليق على فروع كتاب ابن الصلاح، وأهم هذه الكتب: 1. إصلاح كتاب ابن الصلاح، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الأسعردي الدمشقي ثُمَّ المصري المشهور بابن اللبان (ت 749 هـ‍) .

2. إصلاح كتاب ابن الصلاح، للإمام العلاّمة علاء الدين أبي عبد الله مغلطاي بن قليج ابن عبد الله البكجري الحنفي (ت 762 هـ‍) . 3. النكت على مقدمة ابن الصلاح، للإمام بدر الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت 794 هـ‍) . 4. الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح، للشيخ برهان الدين إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي (ت 802 هـ‍) . 5. محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصَّلاَح، لسراج الدين أبي حفص عمر بن رسلان البلقيني (ت 805 هـ‍) . 6. التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح، للحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806 هـ‍) . 7. شرح علوم الحديث، لعز الدين محمد ابن أبي بكر بن عبد العزيز بن جماعة الحموي (819 هـ‍) . 8. النكت على كتاب ابن الصلاح، للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (852 هـ‍) .

الباب الثاني الحافظ العراقي وكتابه " شرح التبصرة والتذكرة "

الباب الثاني الحافظ العراقي وكتابه " شرح التبصرة والتذكرة "

الفصل الأول دراسة تحليلية لسيرة الحافظ العراقي

الفصل الأول دراسة تحليلية لسيرة الحافظ العراقي لا بد لنا وقد خضنا غمرة تحقيق كتاب شرح التبصرة والتذكرة أن نعرج على تعريف موجز بمؤلف الكتاب، ليس بالطويل المملّ ولا بالقصير المخلّ، لا سيّما أن هذا العمل يُعدّ مفتاحاً للولوج إلى معرفة أكثر بالمؤلف، تعين القارئ على تكوين صورة مجملة عنه، توضح مكانته العلمية والمدة الزمنية التي عاشها. ويشتمل هذا الفصل على ثمانية مباحث نوردها تباعاً: المبحث الأول اسمه، ونسبه، وكنيته، وولادته: هو عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم الكردي الرازياني العراقي الأصل المهراني المصري المولد الشافعي المذهب. كنيته: أبو الفضل، ويلقّب بـ (زين الدين) . وُلِدَ في اليوم الحادي والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة (725 هـ‍) . المبحث الثاني أسرته: أقام أسلاف الحافظ العراقي في قرية رازيان - من أعمال إربل - إلى أن انتقل والده وهو صغير مع بعض أقربائه إلى مصر، إذ استقر فيها وتزوج من امرأة

المبحث الثالث نشأته:

مصرية ولدت له الحافظ العراقي. وكانت أسرته ممن عُرفوا بالزهد والصلاح والتقوى، وقد كان لأسلافه مناقب ومفاخر، وكانت والدته ممن اشتهرن بالاجتهاد في العبادات والقربات مع الصبر والقناعة. أمّا والدُه فقد اختصَّ - منذ قدومه مصر - بخدمة الصالحين، ولعلَّ من أبرز الذين اختصَّ والده بخدمتهم الشيخ القناوي. ومن ثَمَّ ولد للمتَرجَمِ ابنٌ أسماه: أحمد وكنَّاه: أبا زرعة، ولقَّبه: بولي الدين، وكذلك بنت تدعى: خديجة، صاهره عليها: الحافظ نور الدين الهيثمي ورزق منها بأولاد، وأشارت بعض المصادر أنَّ له ابنتين أخريين: جويرية وزينب. المبحث الثالث نشأته: وُلِد الحافظ العراقي - كما سبق - في مصر، وحمله والده صغيراً إلى الشيخ القناوي؛ ليباركه، إذ كان الشيخ هو البشير بولادة الحافظ، وهو الذي سمَّاه أيضاً؛ ولكنَّ الوالد لَمْ يقم طويلاً مَعَ ولده، إذ إنَّ يدَ المنونِ تخطَّفته والطفل لَمْ يزل بَعْد طريَّ العود، غضَّ البنية لَمْ يُكمل الثالثة من عمره، وَلَمْ نقف عَلَى ذكر لِمَن كفله بَعْدَ رحيل والده، والذي يغلب عَلَى ظننا أنّ الشَّيْخ القناوي هُوَ الَّذِي كفله وأسمعه؛

وذلك لأن أقدم سماع وجد له كان سنة (737 هـ‍) بمعرفة القناوي وكان يُتَوقّعُ أن يكون له حضور أو سماع من الشيخ، إذ كان كثير التردد إليه سواء في حياة والده أو بعده، وأصحاب الحديث عند الشيخ يسمعون منه؛ لعلوِّ إسناده. وحفظ الزينُ القرآنَ الكريمَ والتنبيه وأكثر الحاوي مَعَ بلوغه الثامنة من عمره، واشتغل في بدء طلبه بدرس وتحصيل علم القراءات، وَلَمْ يثنِ عزمه عَنْهَا إلا نصيحة شيخه العزّ بن جَمَاعَة، إذ قَالَ لَهُ: ((إنَّهُ علم كَثِيْر التعب قليل الجدوى، وأنت متوقد الذهن فاصرف همَّتك إِلَى الْحَدِيْث)) . وكان قد سبق له أن حضر دروس الفقه على ابن عدلان ولازم العماد محمد بن إسحاق البلبيسي، وأخذ عن الشمس بن اللبان، وجمال الدين الإسنوي الأصولَ وكان الأخير كثير الثناء على فهمه، ويقول: ((إنَّ ذهنه صحيح لا يقبل الخطأ)) ، وكان الشيخ القناوي في سنة سبع وثلاثين - وهي السنة التي مات فيها - قد أسمعه على الأمير سنجر الجاولي، والقاضي تقي الدين بن الأخنائي المالكي، وغيرهما ممّن لم يكونوا من أصحاب العلوِّ. ثمَّ ابتدأ الطلب بنفسه، وكان قد سمع على عبد الرحيم بن شاهد الجيش وابن عبد الهادي وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين بن البابا، وصرف همَّته إلى التخريج وكان كثير اللهج بتخريج أحاديث " الإحياء " وله من العمر -آنذاك- عشرون سنة وقد فاته إدراك العوالي مما يمكن لأترابه ومَن هو في مثل سنّه إدراكه، ففاته يحيى بن المصري - آخر مَن روى حديث السِّلَفي عالياً بالإجازة - والكثير من أصحاب ابن

عبد الدائم والنجيب بن العلاّق، وكان أوّل مَن طلب عليه الحافظ علاء الدين بن التركماني في القاهرة وبه تخرّج وانتفع، وأدرك بالقاهرة أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسناداً، ولم يلقَ من أصحاب النجيب غيره، ومن ناصر الدين محمد بن إسماعيل الأيوبي، ومن ثَمَّ شدَّ رحاله - على عادة أهل الحديث - إلى الشام قاصداً دمشق فدخلها سنة (754 هـ‍) ، ثُمَّ عادَ إليها بعد ذلك سنة (758 هـ‍) ، وثالثة في سنة (759 هـ‍) ، ولم تقتصر رحلته الأخيرة على دمشق بل رحل إلى غالب مدن بلاد الشام، ومنذ أول رحلة له سنة (754 هـ‍) لم تخلُ سنة بعدها من الرحلة إمّا في الحديث وإمّا في الحجّ، فسمع بمصر ابن عبد الهادي، ومحمد بن علي القطرواني، وبمكة أحمد بن قاسم الحرازي، والفقيه خليل إمام المالكية بها، وبالمدينة العفيف المطري، وببيت المقدس العلائي، وبالخليل خليل بن عيسى القيمري، وبدمشق ابن الخباز، وبصالحيتها ابن قيم الضيائية، والشهاب المرداوي، وبحلب سليمان بن إبراهيم بن المطوع، والجمال إبراهيم بن الشهاب محمود في آخرين بهذه البلاد وغيرها كالإسكندرية، وبعلبك، وحماة، وحمص، وصفد، وطرابلس، وغزّة، ونابلس ... تمام ستة وثلاثين مدينة. وهكذا أصبح الحديث ديدنه وأقبل عليه بكليته، وتضلّع فيه رواية ودراية وصار المعول عليه في إيضاح مشكلاته وحلّ معضلاته، واستقامت له الرئاسة فيه، والتفرد بفنونه، حتّى إنّ كثيراً من أشياخه كانوا

المبحث الرابع مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه:

يرجعون إليه، وينقلون عنه - كما سيأتي - حتَّى قال ابن حجر: ((صار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الأسنائي ... وهلمَّ جرّاً، ولم نرَ في هذا الفنّ أتقن منه، وعليه تخرج غالب أهل عصره)) . المبحث الرابع مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه: مما تقدّم تبيّنت المكانة العلمية التي تبوّأها الحافظ العراقي، والتي كانت من توفيق الله تعالى له، إذ أعانه بسعة الاطلاع، وجودة القريحة وصفاء الذهن وقوة الحفظ وسرعة الاستحضار، فلم يكن أمام مَن عاصره إلاّ أن يخضع له سواء من شيوخه أو تلامذته. ولعلّ ما يزيد هذا الأمر وضوحاً عرض جملة من أقوال العلماء فيه، من ذلك: 1. قال شيخه العزُّ بن جماعة: ((كلّ مَن يدّعي الحديث في الديار المصرية سواه فهو مدَّعٍ)) . 2. قال التقي بن رافع السلامي: ((ما في القاهرة مُحَدِّثٌ إلاّ هذا، والقاضي عزّ الدين ابن جماعة)) ، فلمَّا بلغته وفاة العزّ قال: ((ما بقي الآن بالقاهرة مُحَدِّثٌ إلاّ الشيخ زين الدين العراقي)) . 3. قال ابن الجزري: ((حافظ الديار المصرية ومُحَدِّثُها وشيخها)) . 4. قال ابن ناصر الدين: ((الشيخ الإمام العلاّمة الأوحد، شيخ العصر حافظ الوقت ... شيخ الْمُحَدِّثِيْن عَلَم الناقدين عُمْدَة المخرِّجِين)) . 5. قال ابن قاضي شهبة: ((الحافظ الكبير المفيد المتقن المحرّر الناقد، محَدِّث الديار المصرية، ذو التصانيف المفيدة)) . 6. قال التقي الفاسي: ((الحافظ المعتمد، ... ، وكان حافظاً متقناً عارفاً بفنون الحديث وبالفقه والعربية وغير ذلك، ... ، وكان كثير الفضائل والمحاسن)) .

7. وقال ابن حجر: حافظ العصر، وقال: ((الحافظ الكبير شيخنا الشهير)) . 8. وقال ابن تغري بردي: ((الحافظ، ... شيخ الحديث بالديار المصرية، ... وانتهت إليه رئاسة علم الحديث في زمانه)) . 9. وقال ابن فهد: ((الإمام الأوحد، العلاّمة الحجة الحبر الناقد، عمدة الأنام حافظ الإسلام، فريد دهره، ووحيد عصره، من فاق بالحفظ والإتقان في زمانه، وشهد له في التفرّد في فنه أئمة عصره وأوانه)) . وأطال النفس في الثناء عليه. 10. وقال السيوطي: ((الحافظ الإمام الكبير الشهير، ... حافظ العصر)) . ويبدو أنّ الأمر الأكثر إيضاحاً لمكانة الحافظ العراقي، نقولات شيوخه عنه وعودتهم إليه، والصدور عن رأيه، وكانوا يكثرون من الثناء عليه، ويصفونه بالمعرفة، من أمثال السبكي والعلائي وابن جماعة وابن كثير والإسنوي. ونقل الإسنوي عنه في " المهمات " وغيرها، وترجم له في طبقاته ولم يترجم لأحد من الأحياء سواه، وصرّح ابن كثير بالإفادة منه في تخريج بعض الشيء. ومن بين الأمور التي توضّح مكانة الحافظ العراقي العلمية تلك المناصب التي تولاها، والتي لا يمكن أن تسند إليه لولا اتفاق عصرييه على أولويته لها، ومن بين ذلك: تدريسه في العديد من مدارس مصر والقاهرة مثل: دار الحديث الكاملية، والظاهرية القديمة، والقراسنقرية، وجامع ابن

المبحث الخامس شيوخه:

طولون والفاضلية، وجاور مدةً بالحرمين. كما أنّه تولّى قضاء المدينة المنورة، والخطابة والإمامة فيها، منذ الثاني عشر من جُمَادَى الأولى سنة (788 هـ‍) ، حتى الثالث عشر من شوال سنة (791 هـ‍) ، فكانت المدة ثلاث سنين وخمسة أشهر. وفي سبيل جعل شخصية الحافظ العراقي بينة للعيان من جميع جوانبها، ننقل ما زَبَّره قلم تلميذه وخِصِّيصه الحافظ ابن حجر في وصفه شيخه، إذ قال في مجمعه: ((كان الشيخ منور الشيبة، جميل الصورة، كثير الوقار، نزر الكلام، طارحاً للتكلف، ضيق العيش، شديد التوقي في الطهارة، لطيف المزاج، سليم الصدر، كثير الحياء، قلَّما يواجه أحداً بما يكرهه ولو آذاه، متواضعاً منجمعاً، حسن النادرة والفكاهة، وقد لازمته مدّة فلم أره ترك قيام الليل، بل صار له كالمألوف، وإذا صلَّى الصبح استمر غالباً في مجلسه، مستقبل القبلة، تالياً ذاكراً إلى أن تطلع الشمس، ويتطوع بصيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر وستة شوال، كثير التلاوة إذا ركب ... )) ، ثُمَّ ختم كلامه قائلاً: ((وليس العيان في ذلك كالخبر)) . المبحث الخامس شيوخه: عرفنا فيما مضى أنَّ الحافظ العراقي منذ أن أكبَّ على علم الحديث؛ كان حريصاً على التلقي عن مشايخه، وقد وفّرت له رحلاته المتواصلة سواء إلى الحج أو إلى بلاد الشام فرصة التنويع في فنون مشايخه والإكثار منهم. والباحث في ترجمته وترجمة شيوخه يجد نفسه أمام حقيقة لا مناص عنها، وهي أنَّ سمة الحديث كانت الطابع المميز لأولئك المشايخ، مما أدَّى بالنتيجة إلى تنّوع معارف الحافظ العراقي وتضلّعه في فنون علوم الحديث، فمنهم من كان ضليعاً بأسماء الرجال،

ومنهم من كان التخريج صناعته، ومنهم من كان عارفاً بوفيات الرواة، ومنهم من كانت في لغة الحديث براعته ... وهكذا. وهذا شيء نلمسه جلياً في شرحه هذا بجميع مباحثه، وذلك من خلال استدراكاته وتعقباته وإيضاحاته والفوائد التي كان يطالعنا بها على مرِّ صفحات شرحه الحافل. ومسألة استقصاء جميع مشايخه - هي من نافلة القول - فضلاً عن كونها شبه متعذرة سلفاً، لاسيّما أنه لم يؤلف معجماً بأسماء مشايخه على غير عادة المحدّثين، خلافاً لقول البرهان الحلبي من أنه خرّج لنفسه معجماً. لذا نقتصر على أبرزهم، مع التزامنا بعدم إطالة تراجمهم: 1 - الإمام الحافظ قاضي القضاة علي بن عثمان بن إبراهيم المارديني، المشهور بـ ((ابن التركماني)) الحنفي، مولده سنة (683 هـ‍) ، وتوفي سنة (750 هـ‍) ، له من التآليف: " الجوهر النقي في الرد على البيهقي، وغيره. 2 - الشيخ المُسْنِد المعمر صدر الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي المصري، ولد سنة (664 هـ‍) ، وهو آخر من روى عن النجيب الحراني، وابن العلاق، وابن عزون، وتوفي سنة (754 هـ‍) . 3 - الإمام الحافظ العلاّمة علاء الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي ثم المقدسي، ولد سنة (694 هـ‍) ، وتوفي سنة (761 هـ‍) ، له من التصانيف: " جامع التحصيل "، و" الوشي المعلم "، و" نظم الفرائد " وغيرها. 4 - الإمام الحافظ العلاّمة علاء الدين أبو عبد الله مغلطاي بن قُليج بن عبد الله البكجري الحكري الحنفي، مولده سنة (689 هـ‍) ، وقيل غيرها، برع في فنون الحديث، وتوفي سنة (762 هـ‍) ، من تصانيفه: ترتيب كتاب بيان الوهم والإيهام وسمّاه: " منارة الإسلام "، ورتّب المبهمات على أبواب الفقه، وله شرح على صحيح البخاري، وتعقّبات على المزي، وغيرها.

المبحث السادس تلامذته:

5 - الإمام العلاّمة جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي، شيخ الشافعية، ولد سنة (704 هـ‍) ، وتوفي سنة (777 هـ‍) ، له من التصانيف: طبقات الشافعية، والمهمات، والتنقيح وغيرها. المبحث السادس تلامذته: تبين مما تقدّم أنّ الحافظ العراقي بعد أن تبوأ مكان الصدارة في الحديث وعلومه وأصبح المعوّل عليه في فنونه بدأت أفواج طلاب الحديث تتقاطر نحوه، ووفود الناهلين من معينه تتجه صوبه، لاسيّما وقد أقرَّ له الجميع بالتفرد بالمعرفة في هذا الباب، لذا كانت فرصة التتلمذ له شيئاً يعدّه الناس من المفاخر، والطلبة من الحسنات التي لا تجود بها الأيام دوماً. والأمر الآخر الذي يستدعي كثرة طلبة الحافظ العراقي كثرة مفرطة، أنه أحيا سنة إملاء الحديث - على عادة المحدّثين - بعد أن كان درس عهدها منذ عهد ابن الصلاح فأملى مجالس أربت على الأربعمائة مجلس، أتى فيها بفوائد ومستجدات ((وكان يمليها من حفظه متقنة مهذّبة محرّرة كثيرة الفوائد الحديثية)) على حد تعبير ابن حجر. لذا فليس من المستغرب أن يبلغوا كثرة كاثرة يكاد يستعصي على الباحث سردها، إن لم نقل أنها استعصت فعلاً، فضلاً عن ذكر تراجمهم، ولكن القاعدة تقول: ((ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه)) وانسجاماً معها نعرّف تعريفاً موجزاً بخمسة من تلامذته كانوا بحقّ مفخرة أيامهم وهم: 1 - الإمام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي، مولده سنة (725 هـ‍) ، وهو من أقران العراقي، برع في الفقه، وله مشاركة في باقي الفنون، توفي سنة (802 هـ‍) ، من تصانيفه: الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح، وغيره.

2 - الإمام الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي القاهري، ولد سنة (735 هـ‍) ، وهو في عداد أقرانه أيضاً، ولكنه اختص به وسمع معه، وتخرّج به، وهو الذي كان يعلّمه كيفية التخريج، ويقترح عليه مواضيعها، ولازم الهيثمي خدمته ومصاحبته، وصاهره فتزوج ابنة الحافظ العراقي، توفي سنة (807 هـ‍) ، من تصانيفه: مجمع الزوائد، وبغية الباحث، والمقصد العلي، وكشف الأستار، ومجمع البحرين، وموارد الظمآن، وغيرها. 3 - ولده: الإمام العلاّمة الحافظ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي الأصل المصري الشافعي المذهب، ولد سنة (762 هـ‍) ، وبكّر به والده بالسماع فأدرك العوالي، وانتفع بأبيه غاية الانتفاع، ودرّس في حياته، توفي سنة (826 هـ‍) ، من تصانيفه: " الإطراف بأوهام الأطراف " و" تكملة طرح التثريب " و" تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل "، وغيرها. 4 - الإمام الحافظ برهان الدين أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي المشهور بسبط ابن العجمي، مولده سنة (753 هـ‍) ، رحل وطلب وحصّل، وله كلام لطيف على الرجال، توفي سنة (841 هـ‍) ، من تصانيفه: " حاشية على الكاشف " للذهبي و" نثل الهميان " و" التبيين في أسماء المدلّسين " و" الاغتباط فيمن رمي بالاختلاط " وغيرها. 5 - الإمام العلاّمة الحافظ الأوحد شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني المعروف بابن حجر، ولد سنة (773 هـ‍) ، طلب ورحل، وألقي إليه الحديث والعلم بمقاليده، والتفرد بفنونه، توفي سنة (852 هـ‍) ، من تصانيفه: "فتح الباري" و"تهذيب التهذيب" وتقريبه و" نزهة الألباب "، وغيرها.

المبحث السابع آثاره العلمية:

المبحث السابع آثاره العلمية: لقد عرف الحافظ العراقي أهمية الوقت في حياة المسلم، لذا فقد عمل جاهداً على توظيف الوقت بما يخدم السنة العزيزة، بحثاً منه أو مباحثة مع غيره فكانت ((غالب أوقاته في تصنيف أو إسماع)) كما يقول السخاوي، لذا كثرت تصانيفه وتنوعت، مما حدا بنا - من أجل جعل البحث أكثر تخصصاً - إلى تقسيمها على قسمين: قسم خاصّ بمؤلفاته التي تتعلق بالحديث وعلومه، وقسم يتضمن مؤلفاته في العلوم الأخرى، وسنبحث كلاً منهما في مطلب مستقل. المطلب الأول مؤلفاته فيما عدا الحديث وعلومه: تنوعت طبيعة هذه المؤلفات ما بين الفقه وأصوله وعلوم القرآن، غير أنَّ أغلبها كان ذا طابع فقهي، يمتاز الحافظ فيه بالتحقيق، وبروز شخصيته مدافعاً مرجّحاً موازناً بين الآراء. على أنَّ الأمر الذي نأسف عليه هو أنَّ أكثر مصنفاته فُقدت، ولسنا نعلم سبب ذلك، وقد حفظ لنا مَنْ ترجم له بعض أسماء كتبه، تعين الباحث على امتلاك رؤية أكثر وضوحاً لشخص هذا الحافظ الجليل، وإلماماً بجوانب ثقافته المتنوعة المواضيع. ومن بين تلك الكتب: 1 - أجوبة ابن العربي. 2 - إحياء القلب الميت بدخول البيت. 3 - الاستعاذة بالواحد من إقامة جمعتين في مكان واحد.

4 - أسماء الله الحسنى. 5 - ألفية في غريب القرآن. 6 - تتمات المهمات. 7 - تاريخ تحريم الربا. 8 - التحرير في أصول الفقه. 9 - ترجمة الإسنوي. 10 - تفضيل زمزم على كلّ ماء قليل زمزم. 11 - الرد على من انتقد أبياتاً للصرصري في المدح النبوي. 12 - العدد المعتبر في الأوجه التي بين السور. 13 - فضل غار حراء. 14 - القرب في محبة العرب. 15 - قرة العين بوفاء الدين. 16 - الكلام على مسألة السجود لترك الصلاة (¬1) . ¬

(¬1) لحظ الألحاظ: 231.

17 - مسألة الشرب قائماً. 18 - مسألة قصّ الشارب. 19 - منظومة في الضوء المستحب. 20 - المورد الهني في المولد السني. 21 - النجم الوهاج في نظم المنهاج. 22 - نظم السيرة النبوية. 23 - النكت على منهاج البيضاوي. 24 - هل يوزن في الميزان أعمال الأولياء والأنبياء أم لا؟. المطلب الثاني مؤلفاته في الحديث وعلومه: هذه الناحية من التصنيف كانت المجال الرحب أمام الحافظ العراقي ليظهر إمكاناته وبراعته في علوم الحديث ظهوراً بارزاً، يَتَجلَّى لنا ذلك من تنوع هذه التصانيف، التي بلغت (42) مصنفاً تتراوح حجماً ما بين مجلدات إلى أوراق معدودة، وهذه التصانيف هي: 1 - الأحاديث المخرّجة في الصحيحين التي تُكُلِّمَ فيها بضعف أو انقطاع. 2 - الأربعون البلدانية.

3 - أطراف صحيح ابن حبان. 4 - الأمالي. 5 - الباعث على الخلاص من حوادث القصاص. 6 - بيان ما ليس بموضوع من الأحاديث. 7 - تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي. 8 - ترتيب من له ذكر أو تجريح أو تعديل في بيان الوهم والإيهام. 9 - تخريج أحاديث منهاج البيضاوي. 10- تساعيات الميدومي. 11- تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد. 12- التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح. 13- تكملة شرح الترمذي لابن سيد الناس. 14- جامع التحصيل في معرفة رواة المراسيل.

15- ذيل على ذيل العبر للذهبي. 16- ذيل على كتاب أُسد الغابة. 17- ذيل مشيخة البياني. 18- ذيل مشيخة القلانسي. 19 - ذيل ميزان الاعتدال للذهبي. 20- ذيل على وفيات ابن أيبك. 21- رجال سنن الدارقطني. 22- رجال صحيح ابن حبان. 23- شرح التبصرة والتذكرة. 24- شرح تقريب النووي. 25- طرح التثريب في شرح التقريب. 26- عوالي ابن الشيخة. 27- عشاريات العراقي (¬1) . 28- فهرست مرويات البياني (¬2) . ¬

(¬1) منه نسختان خطيتان. انظر: الفهرس الشامل (1 / 104) ، وذكرها ابن حجر في المجمع المؤسس (89 / ب) ، وغيره. (¬2) الدرر الكامنة (3 / 295) .

29- الكلام على الأحاديث التي تُكُلِّمَ فيها بالوضع، وهي في مسند الإمام أحمد. 30 - الكلام على حديث: التوسعة على العيال يوم عاشوراء. 31- الكلام على حديث: صوم ستٍّ من شوال. 32- الكلام على حديث: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه. 33- الكلام على حديث: الموت كفّارة لكل مسلم. 34- الكلام على الحديث الوارد في أقل الحيض وأكثره. 35- المستخرج على مستدرك الحاكم. 36- معجم مشتمل على تراجم جماعة من القرن الثامن. 37- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الإحياء من الأحاديث والآثار. 38- مشيخة عبد الرحمن بن علي المصري المشهور بابن القارئ. 39- مشيخة محمد بن محمد المربعي التونسي وذيلها. 40- من روى عن عمرو بن شعيب من التابعين. 41- من لم يروِ عنهم إلا واحد (¬1) . 42- نظم الاقتراح (¬2) . ¬

(¬1) تدريب الراوي (1 / 319) . (¬2) منه نسخة خطية في مكتبة لاله لي برقم (392 (WEISW)) .

المبحث الثامن وفاته:

المبحث الثامن وفاته: تتفق المصادر التي بين أيدينا على أنَّه في يوم الأربعاء الثامن من شعبان سنة (806هـ‍) فاظت روح الحافظ العراقي عقيب خروجه من الحمام عن عمر ناهز الإحدى وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة، صلّى عليه الشيخ شهاب الدين الذهبي ودفن خارج القاهرة رحمه الله. ولما تمتع به الحافظ العراقي في نفوس الناس، فقد توجع لفقده الجميع، ومن صور ذلك التوجع أن العديد من محبيه قد رثاه بغرر القصائد، ومنها قول ابن الجزري: رحمة الله للعراقي تترى ... حافظ الأرض حبرها باتفاق إنني مقسم أليَّة صدق ... لم يكن في البلاد مثل العراقي ومنها قصيدة ابن حجر ومطلعها: مصاب لم ينفس للخناق ... أصار الدمع جاراً للمآقي ومن غرر شعر ابن حجر في رثاء شيخه العراقي قوله في رائيته التي رثا بها شيخه البلقيني: نعم ويا طول حزني ما حييت على ... عبد الرحيم فخري غير مقتصر لَهْفِيْ على حافظ العصر الذي اشتهرت ... أعلامه كاشتهار الشمس في الظهر علم الحديث انقضى لَمَّا قضى ومضى ... والدهر يفجع بعد العين بالأثر لَهْفِيْ على فَقْدِ شيخَيَّ اللذان هما ... أعزّ عنديَ من سمعي ومن بصري لَهْفِيْ على من حديثي عن كمالهما ... يحيي الرميم ويلهي الحي عن سمر اثنانِ لم يرتقِ النسران ما ارتقيا ... نسر السما إن يلح والأرض إن يطر

ذا شبه فرخ عقاب حجة صدقت ... وذا جهينة إن يسأل عن الخبر لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما ... العام كالعام حتى الشهر كالشهر عاشا ثمانين عاما بعدها سنة ... وربع عام سوى نقص لمعتبر الدين تتبعه الدنيا مضت بهما ... رزية لم تهن يوما على بشر بالشمس وهو سراج الدين يتبعه ... بدر الدياجي زين الدين في الأثر

الفصل الثاني دراسة كتاب شرح التبصرة والتذكرة

الفصل الثاني: دراسة كتاب شرح التبصرة والتذكرة المبحث الأول منهجه في شرحه لم يلتزم المؤلفون القدامى - لاسيّما الشرّاح منهم - بنهج واحد يسيرون عليه في أثناء شروحهم، بل كانت ثمّة خطوط عريضة يضعها الشارح نصب عينيه، من غير التفات إلى الجزئيات، ومما يزيد الطين بلّة - كما يقولون - أن السواد الأعظم منهم لم يفصحوا عن مناهجهم، وتركوا الباب مشرعاً على مصراعيه للباحثين في الإدلاء بدلائهم لاستنباط منهج الشارح. وقد كان من بين هؤلاء: الحافظ العراقي، فلم يوضّح لنا منهج شرحه، ولا أسلوب كتابته إلا أننا وبعد هذا الوقت الطويل الذي قضيناه برفقته استطعنا أن نتلمس بعض الأسس التي اعتمدها الحافظ العراقي في شرحه، والتي يمكن إيجازها بما يأتي: 1- تعددت شروح الألفية - كما سيأتي الكلام عنها - ولكن جميعها التزمت منهج البسط وهو الكلام عن البيت الشعري مقطّعاً؛ وذلك من خلال إيضاح معاني مفرداته ومن ثم معناه العام. في حين انفرد العراقي في شرحه بأن كانت طريقته تمتاز بجمع الأبيات ذات الموضوع والمغزى المتحد في مكان واحد، ومن ثَمَّ توضيح المراد بها من حيث المعنى والدلالة اللغوية والإعرابية. وهذا نهج مستفيض في أثناء شرحه - يلحظه كلّ متأنٍ - فليس بحاجة إلى تمثيل. 2- بروز المنحى القائم على إيراد الأمثلة، إذ لا يكاد يورد شرحاً إلا مع التمثيل كتمثيله للتعليق المجزوم به (¬1) ، وتمثيله لتسمية غير المجزوم به معلقاً (¬2) ، وغيرها (¬3) . 3- التنبيه على المواقع الإعرابية التي تحتلها بعض مفردات النظم، وتغيُّر موقعها الإعرابي بتغيُّر حركتها، نحو: إعرابه لكلمة: ((معتصماً)) (¬4) ، وكلمة: ((موقوف)) (¬5) ، ¬

(¬1) 1 / 141. (¬2) 1 / 142. (¬3) انظر مثلاً: 1/ 143، 145، 153، 160، 174، 187، 188، 236، 239. (¬4) 1/ 102. (¬5) 1/ 117.

وكلمة: ((ظناً)) (¬1) ، وغيرها (¬2) . 4- جمعه أقوال العلماء وإيرادات بعضهم على بعض، وأجوبة تلك الاعتراضات، وتوظيفها بما يخدم منهجه في الشرح؛ بغية التوصل إلى نتيجة أقرب ما تكون إلى السلامة من الانتقاد، مدعمة بالأدلة، مقنعة للمحاجج. ونجد ذلك واضحاً في مباحث تعريف الحسن (¬3) . وفي مبحث تحقيق ما يستفاد من سكوت أبي داود (¬4) وفي مباحث معنى قول الترمذي وغيره: حسن صحيح (¬5) ، وفي مباحثات تعليل حديث البسملة (¬6) ، وغيرها (¬7) . 5- لم يكن نظم الحافظ العراقي وشرحه مجرد تضمين لكتاب ابن الصلاح، خالياً عن الفوائد، بل كان خلاصة جهود ابن الصلاح مضافاً إليها ما أفاده العراقي خلال رحلته العلمية الممتدّة على طول سني حياته. لذا فلم يخلُ هذا المصنَّف من استدراكات وتعقبات على صاحب الأصل (ابن الصلاح) هذا خلا زوائده التي سنبحثها مستقلة فيما بعد، ومن ذلك: استدراكه على ابن الصلاح فيما يتعلق بزيادات الحميدي على الصحيحين (¬8) ، واستدراكه على تمثيل ابن الصلاح بعفان والقعنبي على ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر (¬9) . واستدراكه عليه في ذكر الخلاف في مرسل الصحابي (¬10) . وغيرها (¬11) . ¬

(¬1) 1 / 135. (¬2) انظر مثلاً 1/110 و126، 149، 159، 168. (¬3) 1/ 151 وما بعدها. (¬4) 1/ 162 وما بعدها. (¬5) 1/ 172 وما بعدها. (¬6) 1/280 وما بعدها. (¬7) انظر مثلاً: 1 / 125. (¬8) 1/ 124 وما بعدها. (¬9) 1/ 144. (¬10) 1/214. (¬11) انظر مثلاً: 1/298 و205، 206، 214، 254، 273، 298.

6- تعقباته على أقوال وتصرفات بعض الأئمة تأييداً أو استدراكاً، مثل: ردّه على قول ابن طاهر في شرط الشيخين (¬1) . وردّه على صنيع ابن دقيق العيد والذهبي فيما يتعلق بـ" المستدرك " (¬2) . ومثل تنبيهه على أن أبا الفتح اليعمري لا يشترط في كل حسن أن يأتي من وجه آخر (¬3) . وغيرها (¬4) . 7- تنبيهه على ضبط بعض المفردات الواردة في نَظْمِه، لإصابة الغرض المقصود منه، مثل ضبطه للفظة: ((مبهماً)) (¬5) ، وضبطه للفظة: ((معتصماً)) (¬6) ، وغيرهما. 8- بدا منهج الشرح اللغوي للمفردات واضحاً، مثل بيانه لمعاني: المرحمة (¬7) ، والرسم (¬8) ، والجفلى (¬9) ، وغيرها. 9- بيانه بعض قيود ومحترزات بعض التعريفات التي يرى إمكان الإيراد عليه عند مَن لم يفهم الخارج بتلك المحترزات (¬10) . 10- فيما يختص بالنصوص التي ينقلها، كان له إزاءها منهجان: الأول: التدليل على انتهائه بقوله: انتهى بعد النص (¬11) ، وهذا القسم أقل من الثاني وقد لجأ إليه الحافظ في أثناء مناقشاته، أو عندما يروم تعقب ذلك القول، أو غير ذلك من الأسباب، والدواعي الحاملة له على هذا الصنيع. الثاني: عدم تدليله على انتهاء النص - وهو الأكثر - وذلك إما لكون النص ظاهر الانتهاء، أو لكونه أورده باختزال أو غير ذلك. ¬

(¬1) 1/126. (¬2) 1/ 128. (¬3) 1/ 153. (¬4) انظر مثلاً: 1/ 130 و174 و216 و239. (¬5) 1/ 102. (¬6) 1/ 102. (¬7) 1 /99. (¬8) 1/ 99. (¬9) 1/ 170. (¬10) انظر مثلاً 1/ 104 و152 و181. (¬11) انظر مثلاً: 1/ 130 و143 و152 و154 و166 و173 وغيرها.

11- فيما يتعلق بحرفية النص المنقول، لم يلتزم العراقي كثيراً من الأحيان بحرفيته، فكان كثير التصرف حذفاً وإضافةً، وقد أشرنا إلى بعض ذلك وأغفلنا الكثير لما رأينا الأمر قد تفاقم خشية إثقال الحواشي. 12- كان طابع النقاش العلمي آنذاك يمتاز بعرض النتيجة ومن ثم ملاحظة الاعتراضات عليها والتي تسمى إيرادات أو اعتراضات، ومما يشيد تلك النتيجة أن يجاب عن اعتراضاتها المتوقعة مسبقاً، وهذا ما انتهجه العراقي في شرحه (¬1) . 13- توضيحه لمصادر كلام بعض العلماء، مثل بيانه لمصدر تحديد النووي لمعنى مصطلح: على شرط الشيخين (¬2) . ومثل بيانه لمصدر كلام ابن الصلاح في تصحيح حديث ((لولا أن أشق ... )) من طريق محمد بن عمرو (¬3) . 14- كان الحافظ العراقي حريصاً على إفادة القارئ: وبما أنه التزم أن يكون شرحه مختصراً؛ لذا كان من منهجه أن يحيل إلى كتبه الأخرى في المواطن التي تحتاج إلى إسهاب ولا يحتمل المقام ذلك (¬4) . 15- نقل أقوال الأئمة التي تعضد ما يروم التدليل عليه، وتوظيفها بمثابة ركائز تعزّز مراده (¬5) . 16- وضع العراقي الأمانة العلمية نصب عينيه، فكان حريصاً على نسبة كل قول وفائدة إلى صاحبها إيماناً منه بأن بركة العلم نسبته إلى أهله، إلا أنه خالف هذا النهج في موطن واحد فقط نقل فيه بضعة عشر نصاً عن جامع الخطيب حذف أسانيد الخطيب منها وساقها تباعاً من غير نسبة إليه (¬6) وكان هذا من الحافظ العراقي لسببين اثنين: الأول: طول أسانيد الخطيب - لاسيما مع بضعة عشر نصاً - والتزامه الاختصار غير المخل في شرحه. الثاني: أنه لم يغفل قرينة تدل على عدم كون النص له، وهي قوله قبل سياقته النص: " روينا " وهذا إمعان منه في العمل بمقتضى أمانته العلمية. ¬

(¬1) انظر مثلاً: ‍/ 115 و123 و158 و161 و197 وغيرها. (¬2) 1/ 128. (¬3) 1/ 160. (¬4) انظر مثلاً: 1/ 111 و129 و136. (¬5) انظر مثلاً: 1/ 113 و192 و224 و225. (¬6) 2/ 262.

17- فهمه دقائق وإشارات كلام ابن الصلاح، فهماً منقطع النظير (¬1) . وعليه يصدق قول الشاعر: إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوْهَا ... فَإِنَّ القَوْلَ مَا قَالتْ حَذَامِ 18- لقد كانت لزوائد الحافظ العراقي على ابن الصلاح أهمية علمية كبيرة، تمخضت عنها دراسات حاولت الكشف عن جدية تلك الزوائد، وبذلك أسهمت في إثراء المكتبة العلمية بمؤلفات، ومن ثم وفّرت مادة بحث جديدة للدارسين انصبت اهتماماتهم حولها، أو ضمنها من جاء بعده في مؤلفاتهم طلباً للكمال وسدّاً للإعواز. ولم تكن تلك الزيادات شيئاً نادراً أو قليلاً ليستهان بها، وإنما كانت من الكثرة الكاثرة بمكان، ويكفيك لتعلم غزارة هذه الزوائد أننا في الجزء الأول فقط أحصينا له قرابة خمسين موطناً ما بين زيادة واستدراك وتعقب على ابن الصلاح (¬2) . 19- كان من منهج الحافظ العراقي أنه لم يترك الأمور على علاتها من غير ترجيح وإنما كان ذا شخصية فذة بارزة في شرحه، يصحّح ويختار ويرجح في ضوء اجتهاده، غير ملتفت إلى مخالفة ابن الصلاح أو موافقته (¬3) . 20-لم يلتزم الحافظ العراقي في نظمه ومن ثم شرحه ترتيب ابن الصلاح، لاسيّما أن ابن الصلاح لم يخرج كتابه دفعة واحدة، وإنما أملاه شيئاً فشيئاً فخرج على غير الترتيب المقصود (¬4) . لذا حاول العراقي أن يرتّب مباحث الكتاب على وضع مناسب حسب اجتهاده فقدّم وأخّر، وهذّب وعدّل، ومن ذلك: أ- أنه قدّم موضوع " أول من صنف في الصحيح " على موضوع " تصحيح الأحاديث في العصور المتأخّرة ". ب- دمج بين المنقطع والمسند والمعضل، بخلاف ابن الصلاح الذي فرّق بينها في كتابه. ج- قدّم قول البرذعي في مبحث المقطوع، في حين ذكره ابن الصلاح في نهاية المنقطع. ¬

(¬1) انظر مثلاً: 1/ 185 و216 و239. (¬2) انظر مثلاً: 1/111 و120 و136 و153 و171 و186 و187 و189 و191 و192 و197 و208 و213 و219 - 220 وغيرها. (¬3) انظر مثلاً: 1/189 و219 وسواها الكثير. (¬4) انظر نزهة النظر: من 50 - 51.

المبحث الثاني مصادره في شرحه:

المبحث الثاني مصادره في شرحه: لقد بات من مسلمات الأمور في طبيعة أي بحث علمي أن تتناسب القيمة العلمية مع مصادر ذلك البحث تناسباً طردياً، وغير خافٍ على القراء أن إغناء جوانب البحث العلمي بكثرة مراجعة المصادر يعدّ دعامة قوية تعزز النتائج والنظريات التي يقدّمها أي باحث. ولسنا نشك أن هذا الأمر كان من أبرز جوانب شرح الحافظ العراقي، فقد لملم شعث الفوائد من بطون الكتب، وجمع غرر العوائد من ملاحظة تصرفات النقاد وحفاظ الأثر، لذا فقد أغنى في نظرنا شرحه غناءً مفرطاً بكثرة مصادره، سواء تلك الأصلية في مجال كتابته أو التي احتاجها بصورة عرضية، الأمر الذي دعانا - في سبيل إثبات ذلك - إلى إحصاء جميع تلك المصادر وقد امتاز منهجه في ذكر مصادره بمميزات منها: أ- أنه كان كثير التصرف في نقله النصوص لا يلتزم حرفية فيه. ب- أنه كان كثير التجوّز في إطلاق أسماء المؤلفات، فمثلاً يسمي كتاب شيخه العلائي " جامع التحصيل " ثم لا يلبث بعد صفحة واحدة أن يسميه " المراسيل " وهكذا في عشرات الكتب، وقد ارتأينا جمعها تحت مسمًى واحد، هو اسم الشهرة لذلك المصنَّف، مراعين مقصد الحافظ في ذلك. جـ- أنه لم يسر على نمط واحد في شرحه بشأن العزو إلى تلك المصادر، وإنما كانت له ثلاث طرق: الأولى: أن يذكر اسم العالم الذي ينقل عنه فقط، من غير ذكر لاسم كتابه أو الواسطة التي نقل عنه بها. الثانية: قد يذكر اسم المؤلف مقروناً بذكر اسم مصنفه. الثالثة: أن يذكر اسم الكتاب فقط، وهو أقل هذه الأقسام. وبغية جعل الأمر أكثر وضوحاً أمام القارئ الكريم، فقد جعلنا مصادره مرتبة حسب هذا التقسيم مراعين الترتيب الزمني في القسمين الأوليين، والترتيب الهجائي في القسم الثالث، مثبتين عدد مرات رجوعه إليها، مستغنين عن ذكر الصفحات خشية تضخم الكتاب. ومن الله العون والسداد.

أ. مصادره التي اكتفى فيها بذكر اسم العلم فقط، وهي: 1. الربيع بن خثيم (قبل 65 هـ‍) . رجع إليه مرة واحدة. 2. ابن إسحاق (محمد بن إسحاق بن يسار المطّلبي (150 هـ‍) أو بعدها. رجع إليه أربع مرات. 3. معمر بن راشد. (153 هـ‍) رجع إليه مرة واحدة. 4. مالك بن أنس. (179هـ‍) . رجع إليه مرة. 5. عبد الله بن المبارك المروزي (181 هـ‍) . رجع إليه مرتين. 6. أبو داود الطيالسي (سليمان بن الجارود 204 هـ‍) مرة واحدة. 7. الشافعي (محمد بن إدريس 204 هـ‍) . ست مرات. 8. الواقدي (محمد بن عمر بن واقد 207 هـ‍) مرتين. 9. عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211 هـ‍) مرتين. 10. الأصمعي (عبد الملك بن قُرَيب 215 هـ‍) مرة. 11. أبو بكر الحميدي (219 هـ‍) . مرة. 12. أبو عبيد القاسم بن سلاّم (224 هـ‍) مرة، 13. ابن سعد (محمد بن سعد 230 هـ‍) ست عشرة مرة. 14. يحيى بن معين (233 هـ‍) إحدى عشرة مرة. 15. علي بن المديني (علي بن عبد الله بن جعفر السعدي 234 هـ‍) ست مرات 16. ابن أبي شيبة (عبد الله بن محمد العبسي 235 هـ‍) مرتين. 17. عبد الملك بن حبيب الأندلسي القرطبي المالكي (238 هـ‍) مرة. 18. خليفة بن خياط العصفري (240 هـ‍) ثلاث عشرة مرة. 19. أحمد بن حنبل (أحمد بن محمد بن حنبل 241 هـ‍) عشر مرات. 20. محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي (242 هـ‍) مرة. 21. أحمد بن صالح المصري الطبري (248 هـ‍) . مرتين. 22. عبد بن حميد (249 هـ‍) . مرة. 23. الفلاّس (عمرو بن علي 249 هـ‍) مرتين. 24. الجوزجاني (إبراهيم بن يعقوب السعدي 259 هـ‍) مرتين.

25. العجلي (أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي 261 هـ‍) خمس مرات. 26. يعقوب بن شيبة (262 هـ‍) مرة. 27. أبو زرعة الرازي (عبيد الله بن عبد الكريم 264 هـ‍) ثماني مرات. 28. المروذي (275 هـ‍) مرة. 29. ابن قتيبة (عبد الله بن مسلم بن قتيبة 276 هـ‍) ثلاث مرات. 30. أبو حاتم الرازي (محمد بن إدريس الحنظلي 277 هـ‍) ستّاً وعشرين مرة. 31. الفسوي (يعقوب بن سفيان 277 هـ‍) مرة. 32. أبو بكر بن أبي خيثمة (أحمد بن زهير بن حرب 279 هـ‍) مرتين. 33. ابن أبي الدنيا (عبد الله بن محمد بن عبيد 281 هـ‍) مرة. 34. أبو زرعة الدمشقي (عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله 281 هـ‍) مرتين. 35. المبرّد (محمد بن يزيد 285 هـ‍) مرة. 36. ابن وضاح (محمد بن وضاح بن يزيد المرواني 287 هـ‍) مرة. 37. صالح جزرة (صالح بن محمد بن عمرو 293 هـ‍) . مرة. 38. البرديجي (أحمد بن هارون 301 هـ‍) مرة. 39. أبو بكر عبد الله بن أبي داود (310 هـ‍) مرة. 40. محمد بن جرير الطبري (310 هـ‍) ثلاث مرات. 41. ابن خزيمة (محمد بن إسحاق 311 هـ‍) مره. 42. أبو العباس السَّرَّاج (محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي 313 هـ‍) مرة. 43. أبو الفضل الهروي (محمد بن أحمد بن عمار الجارودي الهروي 317 هـ‍) مرة. 44. الطحاوي (أحمد بن محمد بن سلامة 321 هـ‍) . مرتين. 45. ابن دريد (محمد بن حسن بن دريد الأزدي 321 هـ‍) . مرة. 46. العقيلي (محمد بن عمرو بن موسى 322 هـ‍) خمس مرات. 47. ابن أبي حاتم (عبد الرحمن بن محمد بن إدريس 327 هـ‍) . ثلاث عشرة مرة. 48. أبو بكر الصيرفي (محمد بن عبد الله 330 هـ‍) ثلاث مرات. 49. ابن الأعرابي (أحمد بن زياد البصري 340 هـ‍) . مرتين. 50. ابن الأخرم (محمد بن يعقوب 344 هـ‍) . مرة.

51. ابن يونس (عبد الرحمن بن أحمد بن يونس 347 هـ‍) . ثلاث مرات. 52. أبو علي النيسابوري (الحسين بن علي بن يزيد 349 هـ‍) . مرتين. 53. ابن قانع (عبد الباقي بن قانع بن مرزوق 351 هـ‍) إحدى عشرة مرة. 54. ابن السكن (سعيد بن عثمان بن سعيد البغدادي 353 هـ‍) . مرة. 55. ابن حبان (محمد بن حبان بن أحمد 354 هـ‍) . سبعاً وخمسين مرة. 56. الرامهرمزي (الحسن بن عبد الرحمن بن خلاّد 360 هـ‍) اثنتين وعشرين مرة. 57. الطبراني (سليمان بن أحمد بن أيوب 360 هـ‍) أربع مرات. 58. ابن عدي (عبد الله بن عدي الجرجاني 365 هـ‍) . اثنتي عشرة مرة. 59. الأزهري (محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي 370 هـ‍) مرة. 60. أبو عبد الله (محمد بن خفيف الشيرازي 371 هـ‍) مرة. 61. أبو الفتح الأزدي (محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي 374 هـ‍) مرتين. 62. أبو عمرو بن أبي جعفر أحمد بن حمدان الحيري (376 هـ‍) . مرة. 63. ابن زبر (محمد بن عبد الله بن أحمد 379 هـ‍) إحدى عشرة مرة. 64. العسكري (الحسن بن عبد الله بن سعيد 382 هـ‍) مرة. 65. أبو عبيد الله المرزباني (محمد بن عمران بن موسى البغدادي 384 هـ‍) مرة. 66. الدارقطني (علي بن عمر البغدادي 385 هـ‍) . سبعاً وعشرين مرة. 67. الخطّابي (حمد بن محمد بن إبراهيم 388 هـ‍) سبع مرات. 68. المعافى بن زكريا النهرواني (390 هـ‍) . مرة. 69. الجوهري (إسماعيل بن حماد 393 أو 400 هـ‍) ست عشرة مرة. 70. ابن فارس (أحمد بن فارس بن زكريا 395 هـ‍) ثلاث مرات. 71. أبو عبد الله بن منده (395 هـ‍) أربع عشرة مرة. 72. الكلاباذي (أحمد بن محمد بن الحسين 398 هـ‍) . مرة. 73. أبو بكر الباقلاني (محمد بن الطيب البصري 403 هـ‍) . سبع عشرة مرة. 74. أبو الحسن القابسي (403 هـ‍) . مرة. 75. الحاكم (محمد بن عبد الله بن محمد 405 هـ‍) . تسعاً وخمسين مرة. 76. عبد الغني بن سعيد الأزدي (409 هـ‍) مرتين.

77. ابن الحذّاء (محمد بن يحيى التميمي 416 هـ‍) . مرتين. 78. الإسفراييني (إبراهيم بن محمد بن إبراهيم 418 هـ‍) مرتين. 79. البرقاني (أحمد بن محد بن أحمد 425 هـ‍) . مرة. 80. حمزة السهمي (حمزه بن يوسف بن إبراهيم 427 هـ‍) مرة. 81. أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي (429 هـ‍) . مرتين. 82. أبو نعيم الأصبهاني (أحمد بن عبد الله بن أحمد 430 هـ‍) . ست مرات. 83. أبو عمرو الداني (عثمان بن سعيد بن عثمان 444 هـ‍) . مرتين. 84. أبو نصر السجزي (عبيد الله بن سعيد بن حاتم 444 هـ‍) . مرة. 85. الخليلي (الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني 446 هـ‍) خمس مرات. 86. ابن حزم (علي بن أحمد بن سعيد 456) . ثلاث مرات. 87. البيهقي (أحمد بن الحسين بن علي 458 هـ‍) تسع مرات. 88. ابن سيده (علي بن إسماعيل المرسى 458 هـ‍) ست مرات. 89. أبو القاسم الفوراني (461 هـ‍) مرة. 90. الخطيب البغدادي (أحمد بن علي بن ثابت 463 هـ‍) إحدى وخمسين ومائة مرة. 91. ابن عبد البر (يوسف بن عبد الله بن محمد 463 هجريه) أربعاً وخمسين مرة. 92. أبو الوليد الباجي (سليمان بن خلف بن سعيد 474 هـ‍) مرة. 93. ابن ما كولا (علي بن هبة الله بن علي 475 هـ‍) أربع عشرة مرة. 94. ابن الصباغ (عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد 477 هـ‍) أربع مرات. 95. إمام الحرمين (عبد الملك بن عبد الله بن يوسف 478 هـ‍) أربع مرات. 96. أبو عبد الله الحميدي (محمد بن فتوح بن عبد الله الأندلسي 488 هـ‍) ثلاث مرات. 97. أبو المظفر السمعاني (منصور بن محمد التميمي 489 هـ‍) تسع مرات. 98. أبو علي البرداني (أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي 498 هـ‍) مرة. 99. أبو علي الجياني (الحسين بن محمد الغساني 498 هـ‍) ست مرات. 100. الغزالي (محمد بن محمد بن محمد 505 هـ‍) مرتين. 101. محمد بن طاهر المقدسي (507 هـ‍) . خمس مرات. 102. أبو بكر السمعاني (محمد بن منصور بن محمد التميمي 510 هـ‍) . مرة.

103. أبو زكريا بن منده (يحيى بن عبد الوهاب الأصبهاني511 هـ‍) خمس عشرة مرة. 104. البغوي (الحسين بن مسعود بن محمد 516 هـ‍) . أربع مرات. 105. ابن فتحون (محمد بن خلف بن سليمان 520 هـ‍) أربع مرات. 106. ابن السيد (عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي521 هـ‍) مرة. 107. البيضاوي (عبد الله بن محمد بن محمد 537 هـ‍) مرة. 108. أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي (538 هـ‍) . مرة. 109. عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (544 هـ‍) سبعاً وسبعين مرة. 110. ابن ناصر (محمد بن ناصر بن محمد 550 هـ‍) . مرتين. 111. عبد الرحيم بن عبد الخالق اليوسفي (574 هـ‍) مرة. 112. السلفي (أحمد بن محمد بن أحمد 576 هـ‍) . مرتين. 113. ابن بشكوال (خلف بن عبد الملك بن مسعود 578 هـ‍) . مرتين. 114. الحازمي (محمد بن موسى بن عثمان 584 هـ‍) خمس مرات. 115. ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن 597 هـ‍) تسع مرات. 116. فخر الدين الرازي (محمد بن عمر بن حسين 606 هـ‍) إحدى عشرة مرة 117. الرافعي (عبد الكريم محمد بن عبد الكريم 623 هـ‍) خمس مرات. 118. ابن القطان (علي بن محمد بن عبد الملك 628 هجرية) سبع مرات. 119. الآمدي (علي بن أبي علي بن محمد 631 هـ‍) سبع عشرة مرة. 120. الضياء المقدسي (محمد بن عبد الواحد بن أحمد 643 هـ‍) مرة. 121. ابن الحاجب (عثمان بن عمر بن أبي بكر 646 هـ‍) عشر مرات. 122. أبو العباس القرطبي (أحمد بن عمر بن إبراهيم 656 هـ‍) مرة. 123. الزكي عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (656 هـ‍) . مرة. 124. أبو شامة (عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم 665 هـ‍) مرتين. 125. النووي (يحيى بن شرف 676 هـ‍) تسع عشرة مرة. 126. ابن خلكان (أحمد بن محمد بن أبي بكر 681 هـ‍) . مرة. 127. جمال الدين الظاهري (أحمد بن محمد بن عبد الله 696 هـ‍) مرة. 128. ابن دقيق العيد (محمد بن علي بن وهب 702 هـ‍) . إحدى عشرة مرة.

129. ابن رشيد (محمد بن عمر بن محمد 721 هـ‍) مرة. 130. ابن الموّاق (محمد بن يحيى 721 هـ‍) . ثلاث مرات. 131. أبو الفتح اليعمري (محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس 734 هـ‍) أربع مرات. 132. المزي (يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف 742 هـ‍) أربع عشرة مرة. 133. تاج الدين التبريزي (746 هـ‍) . مرة. 134. الذهبي (محمد بن أحمد بن عثمان 748 هـ‍) خمس مرات. 135. محمود بن خليفة المنبجي (767 هـ‍) . مرتين. 136. أبو جعفر بن النرسي. مرة. 137. أبو الحسين محمد بن أبي الحسين بن الوزان. مرة. 138. أبو عبيد الآجري. خمس مرات. ب. مصادره التي صرّح فيها باسم الكتاب مع مؤلفه، وهي: 1. مالك في المدونة. مرة. 2. مالك في الموطأ. ثلاث مرات. 3. الشافعي في اختلاف الحديث. مرة. 4. الشافعي في الأم. مرة. 5. الشافعي في الرسالة. ثلاث مرات. 6. ابن سعد في الطبقات. أربع مرات. 7. أحمد في المسند. ثلاث مرات. 8. البخاري في التاريخ الكبير. أربع عشرة مرة. 9. البخاري في رفع اليدين. مرة. 10. البخاري في القراءة خلف الإمام. مرة. 11. مسلم في التمييز. ثلاث مرات. 12. مسلم في الطبقات. مرتين. 13. مسلم في الكنى. مرة. 14. مسلم في المنفردات والوحدان. مرة. 15. أبو داود في المراسيل. مرة.

16. ابن قتيبة في المعارف. مرة. 17. يعقوب الفسوي في التاريخ. مرة. 18. ابن أبي خيثمة في الإعراب. مرة. 19. الترمذي في العلل. مرتين. 20. ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان. مرة. 21. ابن أبي الدنيا في النية. مرة. 22. المبرد في الكامل. مرة. 23. ابن الجارود في الكنى. مرة. 24. البزار في مسنده. مرة. 25. البزار في معرفة من يترك حديثه أو يقبل. مرتين. 26. البرديجي في الأسماء المفردة. مرة. 27. البرديجي في جزء لطيف. مرة. 28. النسائي في التمييز. مرة. 29. النسائي في حديث الفضيل بن عياض. مرة. 30. النسائي في الكنى. ثلاث مرات. 31. ابن خزيمة في صحيحه. مرة. 32. أبو الفضل الهروي في مشتبه أسماء المحدثين. مرة. 33. الطحاوي في شرح مشكل الآثار. مرة. 34. العقيلي في الضعفاء. مرة. 35. ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل. سبع مرات. 36. ابن أبي حاتم في العلل. مرة. 37. الصيرفي في الدلائل. أربع مرات. 38. الصيرفي في شرح رسالة الشافعي. مرة. 39. أبو العرب في كتاب الضعفاء. مرة. 40. ابن يونس في تاريخ الغرباء. مرة. 41. ابن يونس في تاريخ مصر. مرة.

42. أبو عمر الكندي في كتاب الموالي. مرة. 43. ابن حبان في الثقات. اثنتي عشرة مرة. 44. ابن حبان في كتاب الخلفاء. مرة. 45. ابن حبان في صحيحه. مرتين. 46. ابن حبان في الضعفاء. ثلاث مرات. 47. ابن حبان في معرفة الصحابة. مرة. 48. الرامهرمزي في المحدث الفاصل. ثلاث مرات. 49. الآجري في التصديق بالنظر إلى الله. مرة. 50. الطبراني في حديث محمد بن جحادة. مرة. 51. الطبراني في حديث من كذب علي. مرة. 52. الطبراني في مسند الشاميين. مرة. 53. الطبراني في المعجم الكبير. ثلاث مرات. 54. محمد بن الحسين بن إبراهيم الأثري السجستاني في فضائل الشافعي. مرة. 55. ابن عدي في الكامل. خمس مرات. 56. أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين. أربع مرات. 57. الأزهري في تهذيب اللغة. مرة. 58. الإسماعيلي في حديث الأعمش. مرة. 59. الإسماعيلي في المستخرج. مرة. 60. أبو أحمد الحاكم في الكنى. مرة. 61. العسكري في معرفة الصحابة. مرتين. 62. الدارقطني في الأخوة والأخوات. مرة. 63. الدارقطني في العلل. مرتين. 64. الدارقطني في القضاء باليمين مع الشاهد. مرة. 65. الدارقطني في المؤتلف. مرة. 66. الخطّابي في معالم السنن. ثلاث مرات. 67. الوليد بن بكر الغمري في الوجازة. مرتين.

68. الجوهري في الصحاح. مرة. 69. أبو عبد الله بن منده في القراءة والسماع والمناولة. مرتين. 70. أبو عبد الله بن منده في معرفة الصحابة. خمس مرات. 71. الكلاباذي فيمن أخرج له البخاري في صحيحه. مرة. 72. الحاكم في تاريخ نيسابور. ثلاث مرات. 73. الحاكم في علوم الحديث. خمس عشرة مرة. 74. الحاكم في المدخل إلى الإكليل. مرة. 75. الحاكم في المستدرك. خمس مرات. 76. عبد الغني بن سعيد الأزدي في إيضاح الإشكال. مرتين. 77. عبد الغني بن سعيد في كتاب عمدة المحدِّثين. مرة. 78. غنجار في تاريخ بخارى. مرتين. 79. البرقاني في اللقط. مرة. 80. أبو نعيم في تاريخ أصبهان. مرتين. 81. أبو نعيم في معرفة الصحابة. مرة. 82. أبو نعيم في علوم الحديث. مرة. 83. أبو القاسم الطحان في ذيله على تاريخ مصر. مرة. 84. أبو يعلى الخليلي في الإرشاد. أربع مرات. 85. محمد بن الحسين التميمي الجوهري في الإنصاف. مرة. 86. الماوردي في الحاوي. مرتين. 87. ابن حزم في المحلى. مرتين. 88. البيهقي في الاعتقاد. مرتين. 89. البيهقي في الدلائل. مرة. 90. البيهقي في الزهد. مرة. 91. البيهقي في السنن. ثلاث مرات. 92. البيهقي في شعب الإيمان. مرة. 93. البيهقي في المدخل. سبع مرات.

94. البيهقي في المعرفة. ثلاث مرات. 95. الخطيب في التفصيل لمبهم المراسيل. مرة. 96. الخطيب في تلخيص المتشابه. مرة. 97. الخطيب في تمييز المزيد في متصل الأسانيد. مرة. 98. الخطيب في الجامع. ست مرات. 99. الخطيب في السابق واللاحق. مرة. 100. الخطيب في القول في علم النجوم. مرة. 101. الخطيب في الكفاية. تسع مرات. 102. الخطيب في المتفق والمفترق. ثلاث مرات. 103. الخطيب في المدرج. مرتين. 104. الخطيب في الموضح لأوهام الجمع والتفريق. أربع مرات. 105. ابن عبد البر في الاستذكار. مرة. 106. ابن عبد البر في الاستيعاب. أربع مرات. 107. ابن عبد البر في البسملة. مرة. 108. ابن عبد البر في بيان آداب العلم. مرتين. 109. ابن عبد البر في التقصي. مرة. 110. ابن عبد البر في التمهيد. ست مرات. 111. الداودي في شرح مختصر المزني. مرة. 112. أبو القاسم بن منده في القنوت. مرة. 113. أبو القاسم بن منده في المستخرج. مرة. 114. ابن ماكولا في الإكمال. مرتين. 115. أبو إسحاق الشيرازي في اللمع. مرة. 116. ابن الصَّبَّاغ في الشامل. مرة. 117. ابن الصَّبَّاغ في العدة. إحدى عشرة مرة. 118. إمام الحرمين في الإرشاد. مرة. 119. إمام الحرمين في البرهان. ثلاث مرات.

120. الحميدي في تاريخ الأندلس. مرة. 121. الحميدي في الجمع بين الصحيحين. مرة. 122. الجياني في تقييد المهمل. سبع مرات. 123. الروياني في البحر. مرة. 124. الغزالي في الإحياء. مرة. 125. الغزالي في المستصفى. ثلاث مرات. 126. الغزالي في المنخول. مرتين. 127. محمد بن طاهر في أطراف الغرائب. مرة. 128. محمد بن طاهر في شروط الأئمة. مرة. 129. محمد بن طاهر في العلو والنزول. مرة. 130. محمد بن طاهر في مسألة الانتصار. مرة. 131. أبو زكريا بن منده في معرفة الصحابة. مرة. 132. أبو زكريا بن منده في من عاش مائة وعشرين من الصحابة. ثلاث مرات. 133. البغوي في التهذيب. مرة. 134. البغوي في المصابيح. مرتين. 135. ابن فتحون في ذيل الاستيعاب. ست مرات. 136. عبد الغافر الفارسي في السياق. مرة. 137. عبد الغافر الفارسي في مجمع الغرائب. مرة. 138. الزمخشري في الفائق. مرة. 139. الزمخشري في المفصل. مرة. 140. ابن العربي في شرح الترمذي. مرة. 141. عياض في الإلماع. خمس مرات. 142. عياض في المشارق. عشر مرات. 143. الحازمي في الاعتبار. مرة. 144. الحازمي في شروط الأئمة. مرتين. 145. ابن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد. مرتين.

146. ابن خير في برنامجه. مرة. 147. السلفي في جزء له في القراءة. مرة. 148. ابن بشكوال في المبهمات. مرة. 149. أبو موسى المديني في ذيل معرفة الصحابة. مرتين. 150. ابن الجوزي في التحقيق. مرة. 151. ابن الجوزي في التلقيح. خمس مرات. 152. ابن الجوزي في العلل المتناهية. مرة. 153. ابن الجوزي في الموضوعات. مرتين. 154. ابن الأثير الجزري في النهاية. مرة. 155. فخر الدين الرازي في المحصول. مرة. 156. الرافعي في التذنيب. مرة. 157. الرافعي في الشرح الكبير. خمس مرات. 158. ابن النقطة في تكملة الإكمال. مرتين. 159. ابن الدبيثي في الذيل. مرة. 160. النباتي في ذيل الكامل. مرة. 161. ابن الصلاح في فتاويه. مرة. 162. عبد الغني المقدسي في الكمال. مرة. 163. ابن النجار في الذيل. مرة. 164. ابن باطيش في مشتبه النسبة 0 مرة 165. القرطبي في المفهم. مرتين 166. الرشيد العطار في الغرر المجموعة. مرة 167. النووي في الإرشاد. مرة 168. النووي في التقريب والتيسير. أربع مرات. 169. النووي في التهذيب. مرة 170. النووي في الخلاصة. مرة. 171. النووي في زياداته في الروضة. مرة.

172. النووي في شرح مسلم. مرتين. 173. النووي في شرح المهذب. أربع مرات. 174. النووي في مختصر المبهمات. مرة. 175. القرافي في شرح التنقيح. مرة. 176. محب الدين الطبري في تقريب المرام. مرة. 177. ابن دقيق العيد في الاقتراح. ثماني مرات. 178. ابن دقيق العيد في خطبة الإلمام. مرة. 179. ابن دقيق العيد في شرح الإلمام. مرة. 180. ابن الموّاق في بغية النقاد. مرتين. 181. أبو الفتح اليعمري في شرح الترمذي. مرتين. 182. الحافظ عبد الكريم الحلبي في تاريخ مصر. مرة. 183. الحافظ عبد الكريم الحلبي في القدح المعلّى. مرة. 184. المزي في الأطراف. ثلاث مرات. 185. المزي في التهذيب. ست مرات. 186. الذهبي في تاريخ الإسلام. مرة. 187. الذهبي في العبر. ثلاث مرات. 188. الذهبي في مختصر المستدرك. مرة. 189. الذهبي في مشتبه النسبة. ست مرات. 190. الذهبي في معجمه. مرة. 191. الذهبي في ميزان الاعتدال. تسع مرات. 192. ابن التركماني في الدر النقي. مرة. 193. العلائي في جامع التحصيل. أربع مرات. 194. العلائي في الوشي المعلم. مرتين.

جـ. مصادره التي ذكر فيها اسم الكتاب فقط، وهي: 1. الإحياء. مرة. 2. الاستيعاب. مرتين. 3. الأم. مرة. 4. أمالي ابن سمعون. مرة. 5. الإمام. مرة. 6. بيان أسماء ذوي الكنى. مرة. 7. تاريخ أبي بكر بن أبي خيثمة. مرة. 8. تاريخ البخاري. مرة. 9. تاريخ الخطيب. مرة. 10. تاريخ خليفة. مرة. 11. تهذيب الكمال. مرة. 12. تهذيب اللغة. مرة. 13. جزء ابن عرفة. مرة. 14. جزء الأنصاري. مرتين. 15. جزء الغطريف. مرة. 16. الدلائل والاعلام. مرة. 17. الزهد. مرة. 18. سنن البيهقي. مرة. 19. شرح الترمذي. مرة. 20. الصحاح. أربع مرات. 21. طبقات ابن سعد. مرة. 22. العبر. مرة.

23. العمدة. مرة. 24. العين. مرة. 25. " الغريبين ". مرة. 26. الغيلانيات. مرة. 27. كتاب ابن خزيمة. مرة. 28. كتاب ابن معين. مرة. 29. كتاب أبي أحمد الحاكم. مرة. 30. كتاب أحمد بن حنبل. مرة. 31. كتاب الأمير. مرة. 32. الكفاية. مرة. 33. المحصول. إحدى عشرة مرة. 34. المحكم. تسع مرات. 35. المدونة. مرة. 36. مسند أبي داود الطيالسي. مرة. 37. مسند أحمد. خمس مرات. 38. المطالع. مرة. 39. معجم الطبراني. مرة. 40. معرفة الصحابة. مرة. 41. الموطأ. سبع مرات. 42. الموضوعات. مرة.

المبحث الثالث دراسة عروضية لنظم ألفية الحافظ العراقي:

المبحث الثالث دراسة عروضية لنظم ألفية الحافظ العراقي: نظم الحافظ العراقي ألفيته هذه على بحر الرجز ووزنه: مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ ... مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ وهو بحرٌ كثيرةٌ أوزانُهُ، متعددةٌ ضروبُهُ، واسعةٌ زحافاتُهُ وهو عَذبُ الوزن واضحه؛ إذ هو من البحور ذات التفعيلة الواحدة، مكرَّرُها كما أن في كثرة زحافاته مجالاً لإرادة التصرف في الكلام، وسعةً في إقامة الجمل؛ إذ ليس بمستطاعٍ لشاعر الإتيان بثلاثة مقاطع قصيرة متتابعة في غير (مُتَعِلُنْ ب ب ب -) إحدى أشكال تفعيلة الرجز (مستفعلن - ب -) ، فضلاً عن أشكال (مُسْتَفْعِلُنْ) الأخرى مثل: (متفعلن ب - ب -) و (مُسْتَعِلنْ - ب ب -) و (مُسْتَفْعِلْ -) .. . الخ. وهذا من غير شكّ تارك للناظم الفرصة واسعة في النَّظْم والتصرف في التعبير بحسب متطلبات المعنى، ولَمَّا كان النظم في المتون العلمية في مسيس الحاجة لهكذا سعة في الجوازات، رُئِي أكثرها منظوماً على هذا البحر هذا الأمر الذي أفاد منه الحافظ العراقي في نظمه للتبصرة فجاءت على هذا البحر بكل أشكاله وتفعيلاته بل لا يكاد بيت يشبه سابقاً له أو لاحقاً في وزن أو ضرب لكثرة ما أفاده من هذا التعدد في أشكال البحر، فقد جاء ضرب البيت الأول (مُسْتَعِلُنْ - ب ب -) ، والثاني (مَفْعُوْلُنْ -) ، والثالث (مُتَفْعِلُنْ ب - ب -) ، والرابع (فعولن ب -) ، والخامس (مُسْتَفْعِلُنْ - ب -) وهكذا دواليك، هذه الإفادة من الحافظ تركت له الفرصة واسعة للتعبير

على حساب الجمال الصوتي والتناسب بين الأبيات، فقد جاءت بعض الانتقالات بين هذا الشكل أو ذاك قوية ثقيلة تركت تبايناً صوتياً واضحاً في أذن المستمع، وإن كان مثل هذا مغتفراً في المتون العلمية، إذ ليس من وَكْدِ الناظم فيها جمال الإيقاع بقدر تحقيق الدقة العلمية في وزن صحيح مقبول. وعوداً إلى بحر الرجز وما يحققه من سعة في التصرف ضمن القالب الشعري، فإنّ التقفية الداخلية المستعملة في المتون العلمية تعدّ شكلاً آخر من أشكال الحرية في صياغة العبارة العلمية في قالب شعري، فالقافية التي طالما كانت شكلاً لازماً في القصيدة العربية تفرض نفسها نمطاً صوتياً يتحكم في صياغة البيت الشعري كلّه الأمر الذي يفرض على الشاعر نهاية صوتية واجبة التحقيق، فضلاً عن الشكل الشعري الواجب أيضاً، لذلك كان في التقفية الداخلية التي استعملها الحافظ العراقي مجالاً للتخلص من هذا القيد - والذي لا تنكر قيمته الصوتية-لأن الدقة في التعبير العلمي مقدمة على الإبداع الصوتي وهذه التقفية التي حقّقت التوافق ما بين عروض البيت وضربه سهَّلت كثيراً حفظ البيت الشعري. على أن الحافظ العراقي لم يكتفِ بكل ما أتاحه له بحر الرجز من جوازات؛ ليفيد من مبدأ الضرورة الشعرية بشكل واسع جداً، حتى أصبحت الضرورة شيئاً ثابتاً في أبيات " التبصرة "، وهذا يدلّل بشكل واضح على تمكن الحافظ وقدرته على الإفادة مما تتيحه اللغة من ضرورات وإن كان في تكرار بعضها في البيت الواحد ثقل كان يمكن تجاوزه، ومن أبرز الضرورات في نظم الحافظ: 1. إدراج الهمزة، كقوله (78) : في البابِ غيرهُ فذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رأيٍ اقْوَى قَالَهُ ابنُ مَنْدَهْ وقوله (139) : مَعْرِفَةُ الرَّاوي بالاخْذِ عَنْهُ ... وَقِيْلَ: كُلُّ مَا أتانا مِنْهُ

وقوله (153) : تَدْلِيْسُ الاسْنَادِ كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ ... حَدَّثَهُ، وَيَرْتَقِي بِـ (عَنْ) وَ (أنْ) 2. تسكين بعض الحروف المتحركة: كقوله (82) : كَمُسْنَدِ الطَّيَالِسيْ وَأَحْمَدَا...... ...... ... وقوله (162) : ...... ...... ... وَلِلْخَلِيْلِيْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ 3. قصر الممدود، كقوله (136) : ...... ...... ... مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، واللِّقَا عُلِمْ وقوله (170) : ...... ...... ... خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلا وَوَضْعِهْ 4. صرف الممنوع من الصرف، كقوله (809) : ...... ...... ... أو سَهْلٌ او جَابِرٌ او بِمَكَّةِ وقوله (816) : وَقِيْلَ: إِفْرِيْقِيَّةٍ وَسَلَمَهْ...... ...... ... وقد يجمع الحافظ بين ضرورتين في موضع واحد، كقوله (864) : وَاعْنِ بِالاسْمَا والكُنَى وَقَدْ قَسَمْ...... ...... ...... والأصل (بالأسماء) فقصر الممدود وأدرج الهمزة. وقوله (867) : ...... ...... ...... النُّوْنُ فِي أبي قَطَنْ نُسَيْرُ فقد سكّن النون من (قطنْ) وأدغمها في نون (نسير) .

المبحث الرابع شروح الألفية:

وقد تتوالى الضرورات في شطر واحد مما يولد ثقلاً في قراءة البيت، كقوله: ...... ...... ... أو سَهْلٌ او جَابِرٌ او بِمَكَّةِ فقد أدرج الهمزة في موضعين في (أو) الثانية والثالثة مما يجعل البيت مستثقلاً عند قراءته. وقد يُعَلّق الحافظ - رحمه الله - معنى البيت بالبيت الذي يليه، وهذه ما يسمى بالتضمين، وهو عيب عند العروضيين، كقوله (7، 8) : فَحَيْثُ جَاءَ الفِعْلُ والضَّمِيْرُ ... لِوَاحِدٍ وَمَنْ لَهُ مَسْتُوْرُ كَـ (قَالَ) أو أطْلَقْتُ...... ...... ...... ...... ..... وقوله (51، 52) : يَقْدَحُ فِي أَهْلِيَّةِ الوَاصِلِ أو ... مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأوا أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ للرَّفْعِ وَلَوْ...... ...... ...... ...... ... وهكذا تنقّل الحافظ العراقي في أبيات نظمه عَلَى وفق ما يتيحه له هذا البحر من أشكال في تفعيلاته، وما يجوّزه له من الزحافات والعلل، زيادة على الضرورات التي غطّت مساحة واسعة من نظمه، مما أعطاه رونقاً وجمالاً خاصّاً وسهولةً وعذوبة وفّرت الجوَّ الملائم تسهيلاً وإفادة لمبتغي هذا العلم. المبحث الرابع شروح الألفية: نظراً لما تمتعت به ألفية العراقي من ثراء الأسلوب، واحتواء المعاني، وسلاسة الألفاظ، وترتيب الأفكار والموضوعات، فقد أصبحت ديدن طلاب هذا العلم والمشتغلين فيه، لاسيما وقد كان وكْدُ الناظم الأول تلخيص كتابٍ هو العمدة في هذا الباب، ألا وهو كتاب ابن الصلاح.

فلم يكن بدعاً من الأمر أن يتوالى عليها الشراح، ويضعون عصارة أفكارهم، درراً نفيسة تحلي جيدَ الألفية، وتلبسها ثوباً قشيباً تقرُّ به عين ناظمها، ومن ثمَّ عيون المحبين لهذا العلم الشريف. ولا غرو هناك أن تختلف طبائع هذه الشروح تبعاً لتمرس الشارح في هذا العلم، وتذوقه لحلاوة النقد والتعليل، والتخريج والتأصيل، وإفادته في المجال العلمي الذي يبرع فيه، ولعلنا لا نغادر أرض الواقع والحقيقة إذا قلنا: أن شرح الحافظ العراقي من أكثر الشروح أصالة في مادته العلمية، وأوفرها إغناءً لجوانب البحث العلمي، سواء أكان في مجاله الأصيل، أم في المجالات الطارئة الأخرى لغوية كانت أم عروضية، أم نحوية، وسواء أكان توضيحه لتلك المباحث بشكل مطول أم مختزل؟ ثمَّ إن تلك الشروح تختلف طولاً واختصاراً حسب إشباع الشارح للمادة العلمية، وتبعاً لمقدراته، ونحن في صدد عرضنا لأهم شروح الألفية نود التنبيه على أن تحقيقنا لهذا الشرح ليس الأخير في بابه، بل ستصدر قريباً شروح محققة على غرار هذا الشرح - إن شاء الله تعالى -. وأهم هذه الشروح: 1 - الشرح الكبير، للناظم الحافظ أبي الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (806 هـ‍) . 2 - الشرح المتوسط - وهو كتابنا هذا - للناظم. 3- النكت الوفية بما في شرح الألفية، للبقاعي: إبراهيم بن عمر بن حسن (885 هـ‍) .

3 - شرح ألفية العراقي، لابن العيني: زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الحنفي (893 هـ‍) . 5 - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، للحافظ شمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (902 هـ‍) . 6 - شرح ألفية الحديث، للحافظ جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (911 هـ‍) . 7 - فتح الباقي على ألفية العراقي، لقاضي القضاة زين الدين أبي يحيى زكريا بن محمد ابن أحمد بن زكريا الأنصاري السنكي ثم القاهري (926 هـ‍) 8 - شرح ألفية العراقي، لأمير بادشاه: شمس الدين محمد أمين بن محمود البخاري الحسيني (972 هـ‍) . 9 - شرح ألفية العراقي، للمناوي: زين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين (1031 هـ‍) . 10 - شرح ألفية العراقي، للأجهوري: نور الدين أبي الإرشاد عَلِيّ بن مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن علي المالكي (1066 هـ‍) .

11 - نهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف، للدمنهوري: أحمد بن عبد المنعم بن يوسف ابن صيام (1192 هـ‍) . 12 - شرح ألفية العراقي لابن كيران: أبي عبد الله محمد الطيب بن عبد المجيد بن عبد السلام الفاسي (1227 هـ‍) . 13 - معراج الراقي لألفية العراقي، للبطاوري: المكي بن محمد بن علي الرباطي (1354 هـ‍) .

القسم الثاني التحقيق

القسم الثاني التحقيق وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: التعريف بالكتاب الفصل الثاني: وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق الفصل الثالث: منهج التحقيق

الفصل الأول التعريف بالكتاب

الفصل الأول التعريف بالكتاب المبحث الأول مادته ومحتواه: كلنا يعلم جيداً أن الحافظ العراقي في نظمه هذا كان يحاول احتواء كتاب ابن الصلاح في علوم الحديث، فمن البدهي أن يكون شرح هذا النظم في موضوع الأصل، لذا فقد كانت مادة علوم الحديث أو مصطلح الحديث المادة الأصلية في الكتاب، غير أن الكتاب لا يخلو من مباحثات في علوم متنوعة كاللغة والصرف والنحو والعروض والتاريخ والسير وغيرها، دلّت بمجموعها على تضلع الحافظ العراقي من علوم شتى وتنوع معارفه واختلاف مشاربه، كما أن الكتاب لم يكن اختصاراً مجرداً، أو تقنيناً رتيباً، بل امتاز بأن أتى الشارح فيه بغرر الفوائد، ونفائس العوائد، استدراكاً وتصحيحاً وتعقباً وإيضاحاً، وزيادات ضمتها دفتا هذا السفر العظيم أكملت في نهاية المطاف مشوار علم مصطلح الحديث. وفي اعتقادنا - ونحن نكتب هذه الأسطر - أنه لم يأت بعد الحافظ العراقي حافظ يدانيه أو يقاربه سوى الحافظ ابن حجر، الذي صنف أيضاً في علم مصطلح الحديث كتاباً، لعلنا لا نكذب أنفسنا إن قلنا أن الحافظ العراقي كان مادته الأولى فيه، وإن كانت لابن حجر روعة الترتيب والابتكار. لذا فإن في وسعنا القول أن الحافظ العراقي يعدُّ المؤسس الثاني والمُنَظِّر الأخير لعلم المصطلح، وإن استدركت عليه بعض الأشياء، فهي لا تخل بروح التجديد التي امتلكها الحافظ العراقي، في أثناء شرحه فالحكم هنا للأغلبية لا للكلية. وقد احتوى هذا الكتاب في تضاعيفه على مفاتيح علم الحديث، ضمنها نبذاً من علومه على اختلاف موادها، فمن التواريخ إلى المتون ثمَّ ضبطها ثم المعرفة بالرجال ثمَّ بجرحهم وتعديلهم ثمَّ ... ثمَّ إلى ألوان العلوم يتقلب القارئ فيها بين رياض أزهارها، يقطف ورودها ويجني ثمارها بإدامة النظر في هذا العلم وتتبع شوارده، وقنص فوائده، وملاحظة مواضع كلام أهل الشأن فيه، والله الهادي والموفق للحق بإذنه.

المبحث الثاني اسم الكتاب:

المبحث الثاني اسم الكتاب: قد اعترى الناس شيء من الاضطراب في تحديد اسم هذا الكتاب، فمنهم من يسميه: شرح ألفية الحديث، ومنهم من يسميه: شرح التبصرة والتذكرة، ومنهم من يسميه: فتح المغيث، ومردُّ ذلك كله إلى الاختلاف في تسمية النَّظْم أصلاً. والحق أن الذي ظهر لنا من خلال بحثنا أن الذين أسموه: " فتح المغيث " مخطئون خطأً محضاً، فلا متابع لهم البتة في هذه التسمية، وقد يدَّعِي مدعٍ أن هذا الاسم عَلَمٌ على شرح المصنف الكبير الذي لم يتمه. والجواب: أن أحداً لم يذكر هذا الشيء، ولعل أقرب من تحدّث عن هذا الشرح هو البقاعي، وقد نقلنا لك كلامه فيما مضى، وها نحن نعيده لك ابتغاء الفائدة، قال البقاعي في نكته (3 / ب) : ((قوله: رأيته كبير الحجم، أيّ: ظننت أنَّه إذا كمل يكون كبيراً، وإلا فهو لم يوجد منه إلا قطعة يسيرة وصل فيها إلى الضعيف)) . فهذا نص كلام البقاعي، ونحن نعتقد جزماً أن الحافظ لو كان سماه لما تردد البقاعي في إيراد اسمه ومن ثمَّ التعليق عليه، وهذه هي مهمة من يتصدى للتنكيت على كتاب ما. ثمَّ إن الحافظ العراقي نفسه عندما كان يعزو إليه في هذا الشرح فيما يقارب العشرة مواطن لا يزيد على قوله: ((الشرح الكبير)) . أمّا الذين أسموه شرح ألفية العراقي أو ألفية الحديث للعراقي، فهؤلاء متجوزون في هذه التسمية، خشية الالتباس بألفية الحديث للسيوطي، فإن الناظم لم يصرح البتة في نظمه بأنه جعلها ألفية، وهذا هو المطابق للواقع، إذ زادت أبيات النظم على الألف ببيتين وهذه التفاتة قلّ من تنبّه عليها، وهي السرُّ في عدم قوله في النَّظْم ألفتها، على الرغم من تصريحه في الشرح بذلك. وعلى هذا فإن الراجح - في نظرنا - إن اسم الكتاب هو: " شرح التبصرة والتذكرة " تبعاً لتسمية النظم بـ " التبصرة والتذكرة "، لا سيّما أنَّهُ قَالَ في النظم: نظمتُها تبصرةً للمبتدي ... تذكرةً للمنتهي والمسْنِدِ

المبحث الثالث تاريخ إكمال الشرح:

مع قول الحافظ السخاوي في شرحه لهذا البيت: وأشير بالتبصرة والتذكرة إلى لقب هذه المنظومة. ولم ينص الحافظ العراقي في أثناء شرحه على اسم يكون علماً على شرحه هذا، الأمر الذي يضطرنا إلى القول بأن الحافظ العراقي ترك شرحه هذا من غير اسم، ولما كان سمى نظمه، فيكون هذا شرح لذلك النظم، وعليه استقر رأينا في تسميته بـ: " شرح التبصرة والتذكرة "، والله أعلم. المبحث الثالث تاريخ إكمال الشرح: أشار الحافظ العراقي إلى تاريخ إكماله لشرحه هذا، وذلك في ختامه فقال: ((وكَمُل هذا الشرح عليها في يوم السبت التاسع والعشرين، في شهر رمضان المعظم قدره، سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، بالخانقاه الطشتمرية خارج القاهرة المحروسة)) .

الفصل الثاني وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق

الفصل الثاني وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق اعتمدنا في تحقيقنا على نسخ لمتن الألفية ونسخ للشرح، لذا سنجعل لكل منهما قسماً: القسم الأول: نسخ المتن، اعتمدنا على ثلاث نسخ خطية فيما يأتي وصفها: 1- النسخة الأولى: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد -حرسها الله- تحت الرقم (8 / 2899 مجاميع) ، تقع في (48) ورقة خطها نسخي جميل واضح ومشكول، وهي حديثة العهد، إذ نسخت في سنة 1208 هـ‍. ورمزنا لها (أ) . 2- النسخة الثانية، وهي النسخة المحفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد تحت الرقم (2818) تقع في (55) ورقة، كتبت بخط نسخ واضح ومشكول تظهر عليها آثار المقابلة، وعلى حواشيها نقولات عدة عن شرح العراقي، وشرح زكريا الأنصاري، ونكت البقاعي، كتبها محمد أمين بن أحمد أفندي المدرس، وانتهى منها في سنة 1244هـ‍، وعلى طرتها بعض التملكات وصورة وقفيتها، ورمزنا لها بالرمز (ب) . 3- النسخة الثالثة: تقع ضمن مجموع محفوظ في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد تحت الرقم (1 / 2955 مجاميع) تقع في (52) ورقة، وخطها نسخي جميل واضح جداً ومشكول، وهي أقدم هذه النسخ إذ كتبت في سنة 1118 هـ‍على يد رجل لم يدون سوى اسمه: عبد الغفور، وعلى طرتها تظهر صورة وقفيتها على المدرسة الأمينية، ورمزنا لها بالرمز (جـ) . القسم الثاني: نسخ الشرح، اعتمدنا فيها على أربع نسخ هي: 1- النسخة الأولى: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد - حرسها الله - تحت الرقم (2951) تقع في (166) ورقة، خطها نسخي واضح جداً، على حواشيها آثار المقابلة، وعليها نقولات من بعض الشروح وتوضيحات، وهي نسخة قليلة الخطأ والسقط، أهمل ناسخها كتابة اسمه، وتاريخ النسخ، ولم يدون سوى اليوم فقال: ((وقع الفراغ من نسخ هذا الكتاب المبارك نهار الخميس)) ، وعلى طرتها ختم الوقفية على المدرسة الأمينية، ورمزنا لها بالرمز (ص) .

2- النسخة الثانية: نسخة مكتبة أوقاف بغداد تحت الرقم (2490) تقع في (217) ورقة، كتبت بخط نسخ جميل واضح مقروء، وهي مشكولة في الغالب قليلة الخطأ، وقد تغير خطها في بعض الصفحات الأخيرة، وتظهر فيها آثار المقابلة، إذ قوبلت على نسخة العلاّمة عبد الرحمن العمادي، ونسخة العلاّمة محمد بن هلال الحلبي، وقرئت على العلاّمة محمد بن عمر السفيري في سنة 949 هـ‍، فهي إذن مكتوبة قبل هذا التاريخ، وناسخها محمد بن الحاج يحيى بن الشيخ عبيد الشافعي الحلبي، وعلى طرتها تملكات ووقفيات على المدرسة العلية، ورمزنا لها بالرمز (ن) . 3- النسخة الثالثة: نسخة تحتضنها مكتبة الأوقاف العامة في بغداد برقم (2889) تقع في (256) ورقة، خطها نسخي واضح ومقروءة، وهي مشكولة مقابلة، في بعض حواشيها نقولات، وهي قليلة الخطأ ولا يكاد يوجد سقط فيها، نسخت سنة 830 هـ‍ولا يعلم اسم ناسخها، وهي مقروءة من قبل الشيخ محمد ناصر الدين القادري الشافعي، وفي آخرها وقفية والي بغداد سليمان باشا على مدرسته، ورمزنا لها بالرمز (ق) . 4- النسخة الرابعة: نسخة محفوظة في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد برقم (3318) تقع في (170) ورقة، خطها نسخي جميل واضح ومقروء، شكل ناسخها أبيات الألفية فقط، وفي بعض المواطن من حواشيها نقولات، وهي نسخة كثيرة الخطأ، سقيمة الضبط، ولم نعلم اسم ناسخها، أو تاريخ نسخها، إلاّ أن في طرتها والصفحة التي تليها تملكات ووقفيات أقدمها وقفية والي بغداد سليمان باشا على المدرسة العلية سنة 1223 هـ‍، وقد رمزنا لها بالرمز (س) .

الفصل الثالث منهج التحقيق

الفصل الثالث منهج التحقيق يمكننا أن نلخص منهج التحقيق الذي سرنا عليه والتزمناه في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة في ما يأتي: 1- لم نتخذ واحدة من النسخ أصلاً في تحقيقنا هنا، فإن هذا عمل قد يحتاج إليه في كتاب قد لا تتوافر منه إلا نسخة أو نسختان في العالم، أمّا مع كتاب يوجد منه في داخل العراق فقط ثماني عشرة نسخة خطية، فهذا أمر شبه المتعذر. 2- حاولنا ضبط النص - قدر المستطاع - سواء الألفية أو شرحها، مستعينين بما نثق به من الكتب المطبوعة، مثل: النفائس، وفتح المغيث، وشرح السيوطي، وطبعات الكتاب السابقة، مع مراجعة المصادر المباشرة للمؤلف، ككتب المتون والأسانيد، وكتب الرجال على اختلاف ألوانها. 3- خرجنا الآيات الكريمات من مواطنها في المصحف، مع الإشارة إلى اسم السورة ورقم الآية. 4- خرجنا الأحاديث النبوية الكريمة تخريجاً مستوعباً حسب الطاقة، وأجملنا التخريج عَلَى الصَّحَابِيّ، وبينا ما فيها من نكت حديثية، ونبّهنا على مواطن الضعف، وكوامن العلل مستعينين بما ألّفه الأئمة الأعلام جهابذة الحديث ونقّاد الأثر في هذا المجال. 5- خرّجنا الأبيات الشعرية التي استشهد بها المصنف من دواوين القائلين أو أقدم مصدر ذكرها. 6- خرّجنا أكثر نقولاته عن العلماء وذلك بعزوها إلى كتبهم. 7- تتبّعنا المصنف فيما يورده من المذاهب سواء أكانت لغوية أم فقهية أم غيرها؟ ووثّقناها من المصادر التي تعنى بتلك العلوم. 8- لم يكن من وكدنا أن نترجم للأعلام الذين يذكرهم الشارح رغم فائدتها التي لا تخفى، مقدمين دفع مفسدة تضخم الكتاب، على مصلحة التعريف بهؤلاء الأعلام، على أن الكتاب لا يخلو من التعريف ببعضهم. 9- قدّمنا للكتاب بدراسة نراها حسب اعتقادنا كافية كمدخل إليه.

10- لم نألوا جهداً في تقديم أي عمل يخدم الكتاب، وهذا يتجلى في الفهارس المتنوعة التي ألحقناها بالكتاب، بغية توفير الوقت والجهد على الباحث. 11- قمنا بشكل الألفية وشرحها، شكلاً متوسطاً، على حسب ما يقتضيه المقام. 12- علّقنا على المواطن التي نعتقد أنها بحاجة إلى مزيد إيضاح وبيان. 13- ذيّلنا الشرح بالمهم من نكت البقاعي والزركشي وشرح السيوطي وغيرها، ممّا أغنى الكتاب وتمّم مقاصده. وبعد هذا كلّه، فلسنا من الذين يدّعون الكمال لأنفسهم أو أعمالهم، وليتذكر من يقف على هفوة أو شطحة قلم أن يقدّم النظر بعين الرضا على الانتقاد بعين السخط، وليضع قول الإمام الشافعي - رحمه الله - نصب عينيه إذ يقول: وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيْلَةٌ ... ولَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاويَا سبحان ربك ربّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين المحقّقان صبيحة يوم الجمعة 19 / محرّم / 1422 هـ‍ 13 / نيسان / 2001 م العراق / الأنبار / الرمادي / حي التقدُّم

مقدمة المصنف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الحمدُ للهِ الذي قَبِلَ بصحيحِ النيّةِ حسنَ العملِ، وحَملَ الضعيفَ المنقطِعَ على مراسيلِ لُطفِهِ فاتّصلَ، ورفعَ مَنْ أسندَ في بابهِ، ووقفَ مَنْ شَذَّ عنْ جنابهِ وانفصلَ، ووصلَ مقاطيعَ حُبِّهِ، وأدرجَهُمْ في سلسلةِ حزبهِ؛ فسكنَتْ نفوسُهُم عن الاضطرابِ والعِللِ، فموضوعُهُم لا يكونُ محمولاً، ومقلوبُهُم لا يكونُ مقبُولاً ولا يُحْتَمَلُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَه، الفردُ في الأزلِ. وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسلَهُ والدينُ غريبٌ فأصبحَ عزيزاً مشهوراً واكتملَ، وأوضحَ به معضلاتِ الأُمورِ، وأزالَ به منكراتِ الدُّهُورِ الأُوَلِ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ ما علا الإسنادُ ونزَلَ، وطلعَ نجمٌ وأفلَ. وبعدُ: فعلمُ الحديثِ خطيرٌ وَقْعُهُ، كثيرٌ نفعُهُ، عليه مدارُ أكثرِ الأحكامِ، وبه يُعْرَفُ الحلالُ والحرامُ، ولأهلهِ اصطلاحٌ لابدَّ للطالبِ منْ فَهْمِهِ فلهذا نُدِبَ إلى تقديمِ العنايةِ بكتابٍ في علمِهِ. وكنتُ نظمْتُ فيهِ أُرجوزةً أَلَّفْتُهَا، ولبيانِ اصطلاحِهمُ أَلَّفْتُهُاْ، وشرعْتُ في شرحٍ لها، بسطتُهُ وأوضحتُه، ثم رأيتُه كبيرَ الحجمِ

فاستطَلتُهُ ومَلِلتُه، ثم شرعْتُ في شرحٍ لها متوسطٍ غيرِ مُفْرِطٍ ولا مُفَرِّطٍ، يُوضِحُ مُشْكِلَهَا، ويفتحُ مُقْفَلَها، ما كَثُرَ فأَمَلَّ، ولا قَصُرَ فأَخَلَّ، مَعَ فوائدَ لا يستغني عنها الطالبُ النبيهُ، وفرائدَ لا توجدُ مجتمعةً إلا فيهِ، جعلَهُ اللهُ تعالى خالصاً لوجهِهِ الكريمِ، ووسيلةً إلى جنات النعيمِ. 1.... يَقُوْلُ رَاجِي رَبِّهِ المُقْتَدِرِ ... عَبْدُ الرَّحيمِ بنُ الحُسَيْنِ الأَثَريْ 2.... مِنْ بَعْدِ حَمْدِ اللهِ ذِي الآلاءِ ... عَلَى امْتِنَانٍ جَلَّ عَنْ إحْصَاءِ 3.... ثُمَّ صَلاَةٍ وسَلامٍ دَائِمِ ... عَلَى نَبِيِّ الخَيْرِ ذِي المَرَاحِمِ 4.... فَهَذِهِ المَقَاصِدُ المُهِمَّهْ ... تُوْضِحُ مِنْ عِلْمِ الحدِيْثِ رَسْمَهْ (الأَثَرِيُّ) - بفتحِ الهمزةِ والثاءِ المثلثةِ -: نسبةٌ إلى الأَثَرِ، وهو الحديثُ واشتهرَ بها الحسينُ بنُ عبدِ الملكِ الخلاَّلُ الأثريُّ، وعبدُ الكريمِ بنُ منصورٍ الأثريُّ، في آخرينَ. (والآلاءُ) : النِّعَمُ، واحدُها أَلاً بالفتحِ والتنوينِ كَرَحًى، وقيلَ: بالكسرِ كمِعًى، وقيلَ: بالكسرِ وسكونِ اللامِ والتنوينِ كَنِحْىً، وقيلَ: بالفتحِ وتركِ

التنوينِ كقَفَى. (والمراحمُ) : جمعُ مَرْحَمَةٍ، وهي الرحمةُ. وفي صحيحِ مسلمٍ: ((أنا نبيُّ المَرْحَمْةِ)) ، وفي روايةٍ: الرحمة، وفي روايةٍ: الملحَمْةِ. والمرادُ برسْمِ الحديثِ: آثارُ أهلِهِ التي بَنَوا عليها أصولَهُم. والرسمُ في اللغةِ: الأثرُ، ومنهُ رسمُ الدارِ، وهو ما كان مِنْ آثارها لاصقاً بالأرض، وعَبَّرَ بالرسمِ هنا إشارةً إلى دُرُوْسِ كثيرٍ مِنْ هذا العلمِ، وإنَّهُ بقيتْ منهُ آثارٌ يُهْتَدَى بها، ويُبْنَى عليها.

5.... نَظَمْتُهَا تَبْصِرَةً لِلمُبتَدِيْ ... تَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِيْ وَالْمُسْنِدِ 6.... لَخَّصْتُ فيهَا ابْنَ الصَّلاحِ أَجْمَعَهْ ... وَزِدْتُهَا عِلْماً تَرَاهُ مَوْضِعَهْ (المسنِدُ) : بكسرِ النونِ فاعلُ أسندَ الحديثَ، أي: رواهُ بإسنادِهِ. وأَما عبدُ اللهِ ابنُ محمدِ المُسْنَدي، فهو - بفتحهَا - أحدُ شيوخِ البخاريِّ. وقولهُ: (لخصتُ فيها ابنَ الصلاحِ) ، أي: كتابَ ابنِ الصَّلاحِ. والمرادُ مسائلُهُ وأقسامُهُ دونَ كثيرٍ من أمثلتِهِ وتعاليلِهِ ونسبةِ أقوالٍ لقائليها وما تكررَ فيهِ. وقولُه: (وزدتُها علماً) : اعْلَمْ أَنَّ ما زدتُهُ فيها على ابنِ الصلاحِ أكثرُهُ مَيَّزْتُ أولَهُ بقولي: " قلت " ولم أميّزْ آخرَه، بل قدْ يتميزُ بالواقعِ إِنْ كانَ آخرَ مسألةٍ في تلكَ الترجمةِ المترجَمِ عليها، وأميزُ ما لمْ يقعْ آخرَ الترجمةِ في هذا الشرحِ إِنْ شاءَ اللهُ تعالى. ومِنَ الزياداتِ ما لم أميزْ أولَهُ بقولي: قلتُ. إذْ هو مُمَيَّزٌ بنفسِهِ عند مَنْ لَهُ معرفةٌ؛ بأَنْ يكونَ حكايةً عَمَّنْ هو متأخّرٌ عن ابن الصلاح كالنوويِّ، وابنِ دقيقِ العيدِ، وابن رُشَيدٍ، وابنِ سَيِّدِ الناسِ كما ستراهُ. وكذلك إذا تُعقّبَ كلامُ ابنِ الصلاحِ

بِرَدٍّ أو إيضاحٍ له، فهو واضحٌ في أنّهُ مِنَ الزياداتِ، وكذلك إذا تُعقبَ كلامُ مَنْ هو متأخرٌ عن ابنِ الصلاحِ بطريقٍ أولى. ومن الزياداتِ ما لَمْ أُميّزْ أولَها ولا تميزَتْ بنفسِها بما تقدمَ؛ فأميزُهَا في الشرحِ، وهي مواضعُ يسيرةٌ رأيتُ أنْ أجمعَهَا هنا لتُعْرَفَ. فمنها في آخرِ البابِ الأولِ قولُه: (ولُمْ منْ عَمَّمَهُ) . ومنها: في التدليسِ النقلُ عن الأكثرينَ أنّهمُ قبلوا ما صرحَ ثقاتُ المدلّسينَ بوصلِهِ. ومنها: قولي في آخرِ القسمِ الثالثِ من أقسامِ المجهولِ: (وفيه نظرٌ) . ومنها: في مراتبِ التعديلِ ومراتبِ الجرحِ زيادةُ ألفاظٍ لم يذكرْهَا ابنُ الصلاحِ مَيَّزْتُها هناكَ في الترجمتينِ المذكورتينِ. ومنها: قولي في صُوَرِ المناولةِ: (وأعلاَها) . ومنها قولي: (فيما إذا ناولَ واستّردَّ عند المحقِّقين) . ومنها في آخر المناولةِ قولي: (يُفيدُ حيثُ وقعَ التَّبيُّنُ) . ومنها قولي في كتابةِ الحديثِ: (وكَتْبِ السَّهْمِي) . ومنها: تقطيعُ حروفِ الكلمةِ المُشْكِلَةِ في هامشِ الكتابِ. ومنها: استثناءُ الحاءِ مما يُنَقَّطُ أسفلَ من الحروفِ المُهْمَلَةِ. ومنها: بيانُ أَنَّ مُسْنَدَ يعقوبَ بنِ شيبةَ ما كَمُلَ. ومنها: ذكرُ العسكريِّ فيمَنْ صَنَّفَ في التصحيفِ. ومنها: - في المُؤتَلِفِ والمُختَلِفِ - استثناءُ الحِزامي الذي أُبْهِمَ اسمُهُ، فإنَّ فيه الخلافَ في الراءِ والزاي.

7.... فَحَيْثُ جَاءَ الفِعْلُ والضَّميْرُ ... لِواحِدٍ وَمَنْ لَهُ مَسْتُوْرُ 8.... ك‍َ (قَالَ) أوْ أَطْلَقْتُ لَفْظَ الشَّيْخِ مَا ... أُرِيْدُ إلاَّ ابْنَ الصَّلاحِ مُبْهَما هذا بيانُ ما اصطلَحْتُ عليهِ للاختصارِ، أي: إذا أتى فعلٌ لواحدٍ لا لجماعةٍ، أو اثنينِ، ولم يُذْكَرْ فاعلُهُ معهُ. ولا قبلهُ؛ فالمرادُ بفاعلِهِ الشيخُ أبو عَمْرو ابنُ الصلاحِ. كقولِه: وقالَ: (بانَ لي بإمعانِ النظرِ) . وكذا إذا أتى بضميرٍ موَحدٍ لا يعودُ على اسمٍ تقدم قَبلَهُ؛ فالمرادُ به ابنُ الصلاحِ كقولهِ: كذا له وقيل ظَنَاً وَلَدَى. وكذا إذا أُطلِقَ الشيخُ فالمرادُ به ابنُ الصلاحِ، كقولهِ: فالشيخُ فيما بعدُ قد حَقَّقَهُ. وقولُه: (مُبْهَماً) بالباءِ الموحّدةِ وفتحِ الهاءِ، ويجوزُ كسرُهَا. 9.... وَإِنْ يَكُنْ لاثْنَيْنِ نَحْوُ (الْتَزَمَا) ... فَمُسْلِمٌ مَعَ البُخَارِيِّ هُمَا 10.... وَاللهَ أرجُوْ في أُمُوْرِي كُلِّهَا ... مُعْتَصِماً في صَعْبِهَا وَسَهْلِهَا أي: وإِنْ يكن الفعلُ أو الضميرُ المذكورانِ لاثنينِ، كقولهِ: (واقطعْ بصحَّةٍ لما قدْ أَسندَا) ، وكقولهِ: (وأَرْفَعُ الصحيحِ مَرْوِيُّهُمَا) ، فالمرادُ بذلك: البخاريُّ ومسلمٌ. وقوله: (معتصَماً) بفتحِ الصادِ على التمييزِ، ويجوزُ كسرُها على الحالِ.

أقسام الحديث

أَقْسَامُ الحَدِيْثِ 11.... وَأَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ ... إلى صَحِيْحٍ وَضَعِيْفٍ وَحَسَنْ 12.... فَالأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسْنَادِ ... بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطِ الْفُؤَادِ 13.... عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا شُذُوْذِ ... وَعِلَّةٍ قَادِحَةٍ فَتُوْذِي أي: وأهلُ الحديثِ. قال الخطَّابيُّ في " معالمِ السُّنَنِ ": ((اعلموا أَنَّ الحديثَ عندَ أهلِهِ على ثلاثةِ أقسامٍ: حديثٌ صحيحٌ، وحديثٌ حسنٌ وحديثٌ سَقيْمٌ؛ فالصحيحُ عندَهُم: ما اتّصلَ سندُهُ وعُدِّلَتْ نَقَلَتُهُ)) . فلمْ يشترطِ الخطَّابيُّ في الحدِّ ضَبْطَ الراوي، ولا سلامَةَ الحديثِ من الشذوذِ والعلّةِ. ولا شكَ أَنَّ ضَبْطَ الراوي لابُدَّ منِ اشتراطِه؛ لأنَّ مَنْ كَثُرَ الخطأُ في حديثِهِ، وفَحُشَ؛ استحقَ التْركَ، وإنْ كانَ عدلاً. وأما السلامةُ من الشذوذِ والعلةِ، فقالَ الشيخُ تقيُّ الدينِ ابنُ دَقيقِ العيدِ في " الاقتراح ": ((إِنَّ أصحابَ الحديثِ زادوا ذلكَ في حدِّ الصحيحِ. قال: وفي هذينِ الشرطينِ نظرٌ على مقتضى نَظَرِ الفقهاءِ، فإنَّ كثيراً من العِلَلِ التي يُعَلِّلُ بها المحدِّثونَ لا تجرِي على أُصولِ الفقهاءِ)) .

قلتُ: قد احترزْتُ بقولي: (قادحةً) ، عن العلةِ التي لا تقدحُ في صحّةِ الحديثِ. فقولي: (المتّصلُ الإسنادِ) ، احترازٌ عمّا لم يتصلْ وهو المنقطعُ، والمرسلُ، والمعضلُ، وسيأتي إيضاحُها. وقولي: (بنقلِ عدلٍ) ، احترازٌ عما في سندِهِ مَنْ لم تُعْرَفْ عدالتُهُ، إما بأنْ يكونَ عُرِفَ بالضعفِ أو جُهِلَ عيناً، أو حالاً، كما سيأتي في بيانِ المجهولِ. وقولي: (ضابطٌ) ، احترازٌ عمّا في سندِهِ راوٍ مغفّلٌ، كثيرُ الخطأ، وإِنْ عُرِفَ بالصدقِ والعدالةِ. وقولي: و (غيرُ ما شذوذٍ وعلةٍ قادحةٍ) ، احترازٌ عن الحديثِ الشاذِّ والمعللِ، بعلةٍ قادحةٍ. وما: هنا مُقْحَمَةٌ. ولم يذكُرِ ابنُ الصلاحِ في نفسِ الحدِّ قادحةً ولكنه ذكرَهُ بعد سَطْرٍ فيما احْتَرَزَ عنه، فقال: ((وما فيهِ علةٌ قادحةٌ)) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((فهذا هو الحديثُ الذي يُحْكَمُ له بالصحةِ بلا خلافٍ بين أهلِ الحديث)) . وإنّما قَيَّدَ نفيَ الخلافِ بأهلِ الحديثِ؛ لأنَّ بعضَ متأخّري المعتزلةِ يشترطُ العددَ في الروايةِ كالشهادةِ، حكاهُ الحازميُّ في شروط الأئمة. قال ابنُ دقيقِ العيد: ((لو قِيْلَ: في هذا: الحديثُ الصحيحُ المجمعُ على صحتِهِ، هو كذا وكذا إلى آخرِه لكانَ حسناً؛ لأَنَّ مَنْ لا يشترطُ مثلَ هذهِ الشروطِ، لا يحصُرُ الصحيحَ في هذه الأوصافِ. قال: ومِنْ شرطِ الحدِّ أَنْ يكونَ جامعاً مانعاً)) .

14.... وَبالصَّحِيْحِ وَالضَّعِيفِ قَصَدُوا ... في ظَاهِرٍ لاَ الْقَطْعَ، وَالْمُعْتَمَدُ 15.... إمْسَاكُنَا عَنْ حُكْمِنَا عَلى سَنَدْ ... بِأَنَّهُ أَصَحُّ مُطْلَقاً، وَقَدْ 16.... خَاضَ بهِ قَوْمٌ فَقِيْلَ مَالِكُ ... عَنْ نَافِعٍ بِمَا رَوَاهُ النَّاسِكُ 17.... مَوْلاَهُ وَاخْتَرْ حَيْثُ عَنْهُ يُسْنِدُ ... الشَّافِعِيْ قُلْتُ: وعَنْهُ أَحْمَدُ أي: حيثُ قال أهلُ الحديثِ: هذا حديثٌ صحيحٌ، فمرادُهُم فيما ظهرَ لنا عملاً بظاهر الإسنادِ، لا أَنَّهُ مقطوعٌ بصحتِهِ في نفسِ الأمرِ، لجوازِ الخطأ والنسيانِ على الثقةِ، هذا هو الصحيحُ الذي عليه أكثرُ أهلِ العلمِ، خلافاً لِمَنْ قالَ: إنَّ خبرَ الواحدِ يوجبُ العلمَ الظاهرَ، كحسين بن علي الكرابيسيِّ وغيرِهِ. وحكاه ابنُ الصباغِ في " العُدَّةِ " عن قومٍ مِنْ أصحابِ الحديثِ. قال القاضِي أبو بكرٍ الباقلانيّ: ((إنّهُ قولُ مَنْ لم يُحَصِّلْ علمَ هذا الباب)) ، انتهى. نعم ... إنْ أخرجَهُ الشيخانِ أو

أحدُهُما فاختارَ ابنُ الصلاحِ القطعَ بصحتِه، وخالفَهُ المحقّقونَ -كما سيأتي - وكذا قولُهم: هذا حديثٌ ضعيفٌ فمرادُهم أنه لم يظهَرْ لنا فيه شروطُ الصحةِ، لا أنَّهُ كَذِبٌ في نفسِ الأمرِ، لجوازِ صِدْقِ الكاذبِ، وإصابةِ مَنْ هو كثيرُ الخطأ. وقولُهُ: (والمعتمدُ إمساكُنا عن حُكْمِنا) إلى آخره. أي: القولُ المُعْتَمَدُ عليهِ، المختارُ: أنَّهُ لا يُطْلَقُ على إسنادٍ معينٍ بأنَّهُ أصَحُّ الأسانيدِ مُطْلَقاً؛ لأنَّ تَفَاوُتَ مراتبِ الصحةِ مترتبٌ عَلَى تَمَكُّنِ الإسنادِ مِن شروطِ الصحةِ، ويعِزُّ وجودُ أعلى درجات القبولِ في كلِ فردٍ فردٍ من ترجمةٍ واحدةٍ بالنسبةِ لجميعِ الرواةِ. قالَ الحاكمُ في عُلومِ الحديثِ: ((لا يمكنُ أنْ يُقْطَعَ الحكمُ في أصحِّ الأسانيدِ لصحابيٍّ واحدٍ)) . وسنذكرُ تتمةَ كلامِهِ في آخرِ هذهِ الترجمةِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((عَلَى أَنَّ جماعةً مِنْ أئمةِ الحديثِ خاضُوا غَمْرةَ ذلكَ فاضطربَتْ أقوالهُمْ)) . وقوله: (فقِيلَ: مالكٌ) ، أي: فقيلَ: أصحُّ الأسانيدِ ما رواهُ مالكٌ عَنْ نافعٍ عن ابن عمر، وَهُوَ المرادُ بقولِهِ:

(مولاهُ) أي: سَيِّدُهُ. وهذا هُوَ قولُ البخاريِّ. وقولُه: (واختَرْ حيثُ عَنْهُ) أيْ: عن مالكٍ، (يُسْنِدُ الشَّافعيُّ) ، أي: فعلى هذا إذا زدْتَ في الترجمةِ واحداً فأصحُّ الأسانيدِ ما أسندهُ الشافعيُّ عن مالكٍ بها، فقال الأستاذُ أبو منصورٍ عبدُ القاهرِ بن طاهرٍ التَّميميُّ: إنَّهُ أَجَلُّ الأسانيدِ، لإجماعِ أصحابِ الحديثِ أنه لم يكنْ في الرواةِ عن مالكٍ أجلُّ مِنَ الشافعيِّ. وقولُه: (قلتُ وعنهُ) ، أي: وعنِ الشافعيِّ أحمدُ بنُ حنبلٍ، يريدُ وإنْ زِدْتَ في الترجمةِ آخرَ، فأصحُّ الأسانيدِ ما رواه أحمدُ عنِ الشافعيِّ عنْ مالكٍ بها، لاتفاقِ أهلِ الحديثِ على أَنَّ أجلَّ مَنْ أخذَ عن الشافعيِّ مِنْ أهلِ الحديثِ الإمامُ أحمدُ، ووقعَ لنا بهذهِ الترجمةِ حديثٌ واحدٌ، أخبرني به أبو عبدِ الله محمدُ بنُ إسماعيلَ ابنُ الخبّازِ،

بقراءتي عليه بدمشقَ، قال: أخبرنا المسلمُ بنُ مكيٍّ ح وأخبرني عليُّ بنُ أحمدَ العرضيُّ، بقراءتي عليه بالقاهرة، قال: أخبرتنا زينبُ بنتُ مكيٍّ، قالا: أخبرنا حنبلٌ، قال: أخبرنا هبةُ اللهِ بنُ محمدٍ، قال: أخبرنا الحسنُ بنُ عليٍّ التميميُّ، قال: أخبرنا أحمدُ بنُ جعفرِ بن حمدانَ، قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ، قال: حدثني أبي رحمهُ اللهُ، قال: حدثنا محمدُ بنُ إدريسَ الشافعيُّ، قال: أخبرنا مالكٌ، عَنْ نافعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ رحمةُ اللهِ عليهِ، أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: ((لا يبِيعْ بعضُكُم على بَيعِ بعضٍ)) ، ونهى عنِ النَّجَشِ، ونهى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحبَلَةِ، ونهى عن المُزَابَنَةِ، والمزابنةُ: بيعُ الثمرِ بالتمرِ

كيلاً، وبيعُ الكَرْمِ بالزَّبيبِ كيلاً. أخرجَهُ البخاريُّ مُفرَّقاً مِنْ حديثِ مالكٍ. 18.... وَجَزَم ابْنُ حَنْبَلٍ بالزُّهْرِي ... عَنْ سَالِمٍ أَيْ: عَنْ أَبِيْهِ البَرِّ أي: وذهبَ أحمدُ بنُ حنبلٍ، وكذلك إسحاقُ بنُ راهويه إلى أَنَّ أصحَّ الأسانيدِ ما رواهُ أبو بكرٍ محمدُ بنُ مسلمِ بنِ عُبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ شهابٍ الزهريُّ عنْ سالمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ عن أبيهِ.

19.... وَقِيْلَ: زَيْنُ العَابِدِيْنَ عَنْ أَبِهْ ... عَنْ جَدِّهِ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْهُ بِهْ أي: وقيل: أصحُّ الأسانيدِ ما رواهُ ابنُ شهابٍ المذكورُ عن زَيْنِ العابدينَ وهو عليُّ ابنُ الحسينِ، عن أبيهِ الحُسينِ، عَنْ جَدِّهِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، وهو قولُ عبدِ الرزاقِ، ورُوِيَ أيضاً عَنْ أبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ. فقوله: (وابنُ شهابٍ عنهُ بهِ) ، أي: عَنْ زينِ العابدينَ بالحديثِ. وابنُ: مرفوعٌ على الابتداءِ، والواوُ: للحالِ، أي: في حالِ كونِ ابنِ شهابٍ راوياً للحديثِ عنهُ. 20.... أَوْ فَابْنُ سِيْريْنَ عَنِ السَّلْمَاني ... عَنْهُ أوِ الأعْمَشُ عَنْ ذي الشَّانِ 21.... النَّخَعِيْ عَنِ ابْنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ ... عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ وَلُمْ مَنْ عَمَّمَهْ أَوْ: هنا في الموضعينِ ليستْ للتخييرِ، ولا للشكِّ؛ ولكنها لتنويعِ الخلافِ، والضميرُ في (عنهُ) عائدٌ إلى قولِهِ في البيتِ الذي قبلَهُ (جَدِّهِ) ، يريدُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ، أي: وقيلَ: أصحُّ الأسانيدِ ما رواهُ محمدُ بنُ سيرينَ، عَنْ عَبيدَةَ السَّلْمانيِّ، عن عَليٍّ، وهو قولُ عَمْرِو بنِ عليٍّ الفلاّسِ، وعليِّ بنِ المدينيِّ وسليمانَ بنِ حربٍ إلا أَنَّ ابنَ المديني قال: ((أجودُها: عبدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ، عن ابنِ سيرينَ، عن عَبيدَةَ عَنْ عليٍّ)) .

وقالَ سليمانُ بنُ حربٍ: ((أصحُّهَا: أيوبُ عَنِ ابنِ سيرينَ عَنْ عَبيدةَ عنْ عليٍّ)) وقيل: أصحُّ الأسانيدِ ما رواهُ سليمانُ بنُ مِهْرانَ الأعمشُ، عن إبراهيمَ بنِ يزيدَ النَّخَعيِّ، عَنْ علقمةَ بنِ قيسٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وهو قولُ يحيى بنِ مَعينٍ. وهذهِ جملةُ الأقوالِ التي حكاها ابنُ الصلاحِ. وفي المسألةِ أقوالٌ أُخَرُ ذكرتُها في " الشرحِ الكبيرِ "، وفيه فوائدُ مهمةٌ لا يستغني عنها طالبُ الحديثِ. وقولُهُ: (وَلُمْ مَنْ عَمَّمَه) . أي: وَلُم مَنْ عَمَّمَ الحكمَ في أصحِّ الأسانيدِ في ترجمةٍ لصحابيٍّ واحدٍ، بلْ ينبغي أنْ تُقَيَّدَ كلُّ ترجمةٍ منها بِصحابيها. قالَ الحاكمُ: ((لا يمكنُ أنْ يُقْطَعَ الحكمُ في أصحِّ الأسانيدِ لصحابيٍّ واحدٍ فنقولُ وباللهِ التوفيقُ: إِنَّ أصحَّ أسانيدِ أهلِ البيتِ: جعفرُ بنُ محمدٍ عن أبيهِ عن جَدِّه، عَنْ عَليٍّ، إذا كانَ الراوي

عن جعفرٍ ثِقَةً. وأصحُّ أسانيدِ الصِّدِّيقِ: إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ، عن قَيْسِ بنِ أبي حازمٍ، عنْ أبي بكرٍ. وأصحُّ أسانيدِ عُمَرَ: الزهريُّ، عن سالمٍ، عن أبيهِ عن جَدِّهِ. وأصحُّ أسانيدِ أبي هُريرةَ: الزهريُّ، عَنْ سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أبي هُريرةَ. وأصحُّ أسانيدِ ابنِ عُمَرَ: مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ. وأصحُّ أسانيدِ عائشةَ: عُبَيْدُ اللهِ ابنُ عُمَرَ عَنِ القاسمِ، عَنْ عائشةَ. وقالَ يحيى بنُ معينٍ: هذهِ تَرْجَمةٌ مشبّكةٌ بالذَّهبِ. وأصحُّ أسانيدِ ابنِ مسعودٍ: سفيانُ الثوريُّ، عَنْ منصورٍ، عَنْ إبراهيمَ، عَنْ علقمةَ، عَنِ ابنِ مسعودٍ. وأصحُّ أسانيدِ أنسٍ: مالكٌ، عن الزهريِّ، عَنْ أَنَسٍ. وأصحُّ أسانيدِ المكيِّيْنَ: سفيانُ بنُ عُيينةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دينارٍ، عَنْ جابرٍ. وأصحُّ أسانيدِ اليمانيِّين: مَعْمَرٌ، عن هَمّامٍ، عَنْ أبي هُريرةَ. وأثبتُ أسانيدِ المِصْرِّيْينَ: اللّيْثُ عن يزيدَ بنِ أبي حَبيبٍ، عَنْ أبي الخيرِ، عنْ عُقْبَةَ بنِ عامرٍ. وأثبتُ أسانيدِ الشاميِّينَ: الأوزاعيُّ، عنْ حَسّانَ بنِ عَطيَّةَ، عن الصَّحابةِ.

أصح كتب الحديث

وأثبتُ أسانيدِ الخُراسانِيِّيْنَ: الحسينُ بنُ واقدٍ، عَنْ عبدِ اللهِ بنِ بُريدَةَ، عَنْ أبيهِ. أصحُّ كُتُبِ الحديثِ 22.... أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ في الصَّحِيْحِ ... مُحَمَّدٌ وَخُصَّ بِالتّرْجِيْحِ 23.... وَمُسْلِمٌ بَعْدُ، وَبَعْضُ الغَرْبِ مَعْ ... أَبِي عَلِيٍّ فَضَّلُوا ذَا لَوْ نَفَعْ أي: أَوَّلُ مَنْ صنّفَ في جمعِ الصحيحِ: محمدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ وكتابُه أصحُّ مِنْ كتابِ مسلمٍ عند الجمهورِ، وهو الصحيحُ. وقالَ النوويُّ: ((إنَّهُ الصوابُ)) . والمرادُ ما أسندَهُ دون التعليقِ والتراجمِ.

وقولُه: (ومسلمٌ بعدُ) ، أي: بعدَ البخاريِّ في الوجودِ والصحةِ. وقوله: (بعضُ الغربِ) ، أي: بعضُ أهلِ الغَرْبِ على حذفِ المضافِ، أي: وذهبَ بعضُ المغاربةِ، والحافظُ أبو عليٍّ الحسينُ بنُ عليٍّ النيسابوريُّ شيخُ الحاكمِ إلى تَفْضيلِ مسلمٍ على البخاريِّ، فقالَ أبو عليٍّ: ((ما تحتَ أديمِ السماءِ أصحُّ مِنْ كتابِ مسلمٍ في علمِ الحديثِ)) . وحكى القاضي عياضٌ عَنْ أبي مروانَ الطُّبْنيِّ، قال: ((كانَ مِنْ شيوخِيْ مَنْ يُفَضِّلُ كتابَ مسلمٍ عَنْ كتابِ البخاريِّ)) . قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((فهذا إنْ كان المرادُ بِهِ: أَنَّ كتابَ مُسلمٍ يترجحُ بأَنّهُ لَم يُمازِجْهُ غيرُ الصحيحِ، فهذا لا بأس به، وإنْ كانَ المرادُ به: أنَّ كتابَ مُسلمٍ أصحُّ صحيحاً، فهذا مردودٌ على مَنْ يقولُه)) . انتهى. وعلى كلِّ حالٍ فكتاباهُمَا أصحُّ كُتُبِ الحديثِ.

وأمَّا قولُ الشافعيِّ: ((ما على وَجْهِ الأرضِ بعدَ كتابِ اللهِ أصحُّ مِنْ كِتابِ مالكٍ)) ، فذاكَ قَبْلَ وجودِ الكتابَيْنِ. وقولُهُ: (لو نَفَع) : يريدُ لو نَفَعَ قولُ من فَضَّلَ مسلماً على البخاريِّ، فإنه لم يُقْبَلْ مِنْ قائِلِهِ. وقولُهُ: (في الصحيحِ) ، متعلقٌ بِصَنَّفَ. وأما أولُ مَنْ صَنَّفَ مطلقاً لا بقيدِ جَمْعِ الصحيحِ، فقدْ بينتُهُ في " الشرحِ الكبيرِ ". 24.... وَلَمْ يَعُمَّاهُ ولكن قَلَّمَا ... عِنْدَ ابْنِ الاخْرَمْ مِنْهُ قَدْ فَاتَهُمَا 25.... وَرُدَّ لكن قَالَ يَحيَى البَرُّ ... لَمْ يَفُتِ الخَمسَةَ إلاَّ النَّزْرُ أي: لَمْ يَعُمَّ البخاريُّ ومسلمٌ كلَّ الصحيحَ، يريدُ: لَمْ يستوعباهُ في كتابَيْهِمَا، ولم يلتزما ذلك. وإلزامُ الدارقطنيِّ، وغيرهِ إياهُما بأحاديثَ ليس بلازمٍ. قال الحاكمُ في خُطْبَةِ المستدركِ: ((ولم يَحْكُمَا ولا واحدٌ منهُما أنَّهُ لم يَصِحَّ منَ الحديثِ غيرُ ما خرَّجَه)) . انتهى.

قالَ البخاريُّ: ((ما أدخلْتُ في كتابي الجامعِ إلا ما صحَّ، وتركتُ من الصِّحَاح لحالِ الطولِ)) . وقالَ مسلمٌ: ((ليسَ كُلُّ صحيح وضعتُهُ هنا إنّما وضعتُ هنا ما أجمعُوا عليه)) . يريدُ: ما وَجَدَ عندَهُ فيها شرائطَ الصحيحِ المُجمَعِ عليهِ وإنْ لم يظهرِ اجتماعُها في بعضِها عند بعضِهم. قاله ابنُ الصلاحِ. وقولُهُ: (ولكن قَلَّمَا عندَ ابنِ الاخرمْ منه) ، أي: من الصحيحِ. يريدُ أَنَّ الحافظَ أبا عبدِ الله محمدَ بنَ يعقوبَ بنِ الأخرمِ شيخَ الحاكمِ ذكرَ كلاماً معناه: قلَّمَا يفوتُ البخاريَّ ومسلماً مما يَثْبت مِنَ الحديثِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((يعني: في كتابَيْهِمَا)) . ويحيى هو الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ، فقالَ في " التقريبِ والتيسيرِ ": ((والصوابُ أَنَّهُ لم يَفُتِ الأُصولَ الخمسةَ إلاَّ اليسيرُ، أعني الصَّحيحينِ وسنَنَ أبي داودَ والترمذيَّ والنسائيَّ)) .

26.... وَفيهِ مَا فِيْهِ لِقَوْلِ الجُعْفِي ... أَحْفَظُ مِنْهُ عُشْرَ أَلفِ أَلْفِ 27.... وَعَلَّهُ أَرَادَ بِالتَّكرَارِ ... لَهَا وَمَوْقُوْفٍ وفي البُخَارِي 28.... أَرْبَعَةُ الآلافِ والمُكَرَّرُ ... فَوْقَ ثَلاثَةٍ أُلُوْفاً ذَكَرُوا أي: وفي كلامِ النوويِّ ما فيهِ لقولِ الجُعْفِي - وهو البخاريُّ -: أحفظُ مائةَ ألفِ حديثٍ صحيحٍ. فقوله: (منه) ، أي: مِنَ الصحيحِ. وقولُهُ: (وعَلَّهُ) أي: ولعلَّ البخاريَّ أرادَ - بالأحاديثِ - المكرَّرَةَ الأَسانيدِ والموقوفاتِ. فقولُهُ: (وموقوفٍ) معطوفٌ على قولِه: (بالتكرارِ) . قال ابن الصلاحِ بَعْدَ حكايةِ كلامِ البخاريِّ: ((إلا أَنَّ هذه العبارةَ قَدْ يندرجُ تحتَها عندَهُم آثَارُ الصحابةِ والتابعينَ. - قال -: وَربُّما عُدَّ الحديثُ الواحدُ المرويُّ بإسنادَيْنِ حديثَيْنِ)) . وقولُهُ: (وفي البخاريِّ ... ) إلى آخره، فيه بيانُ عددِ أحاديثِ صحيحِ البخاريِّ، وهي - بإسقاطِ المُكَرَّرِ - أَربعةُ آلافِ حديثٍ على ما قيلَ. وبالمكررِ سبعةُ آلافٍ ومائتانِ وخمسةٌ وسبعونَ حديثاً. كذا جزمَ به ابنُ الصلاحِ، وهو مُسَلَّمٌ في روايةِ الفِرَبْرِيّ.

الصحيح الزائد على الصحيحين

وأما روايةُ حمّادِ بنِ شاكرٍ فهي دونَها بمائتي حديثٍ. ودون هذهِ بمائةِ حديثٍ روايةُ إبراهيمَ بنِ مَعْقلٍ. ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ عدةَ أحاديثِ مُسْلِمٍ قالَ النوويُّ: ((إِنَّهُ نحوُ أربعةِ آلافٍ بإسقاطِ المكرَّرِ)) . الصَحيحُ الزَائدُ على الصَحيحَينِ 29.... وَخُذْ زِيَادَةَ الصَّحِيْحِ إذْ تُنَصّْ ... صِحَّتُهُ أوْ مِنْ مُصَنِّفٍ يُخَصّْ 30.... بِجَمْعِهِ نَحوَ (ابْنِ حِبَّانَ) الزَّكِيْ ... (وَابنِ خُزَيْمَةَ) وَكَالمُسْتَدْرَكِ لَمَّا تقدَّمَ أَنَّ البخاريَّ ومسلماً لم يستوعبا إخراجَ الصحيحِ، فكأنَّهُ قيل: فمِنْ أينَ يُعرفُ الصحيحُ الزائدُ على ما فيهِما؟ فقالَ: خُذْهُ إذ تُنَصُّ صحتُهُ أي: حيثُ يَنُصُّ على صحتِهِ إمامٌ معتمدٌ كأبي داودَ، والترمذيِّ، والنسائيِّ والدارقطنيِّ، والخطّابيِّ، والبيهقيِّ في مصنفاتِهِم المعتمدةِ. كذا قَيَّدَهُ ابنُ الصلاحِ بِمصنفاتِهِم، ولم أقيّدْهُ بها، بل إذا صحَّ الطريقُ إليهم أنَّهم صحّحُوهُ ولو في غيرِ مصنفاتِهم، أو صحّحَهُ مَنْ لم

يشتهرْ له تصنيفٌ من الأئمةِ كيحيى بنِ سعيدٍ القطّانِ، وابنِ معينٍ، ونحوِهما، فالحكمُ كذلك على الصوابِ. وإنّما قيّدهُ ابنُ الصلاحِ بالمصنفاتِ؛ لأنَّهُ ذهبَ إلى أنهُ ليس لأَحدٍ في هذهِ الأعصارِ، أنْ يصححَ الأحاديثَ، فلهذا لم يعتمدْ على صحةِ السند إلى من صحّحهُ في غيرِ تصنيفٍ مشهورٍ، وسيأتي كلامُهُ في ذلك. ويؤخذُ الصحيحُ أيضاً من المصنفاتِ المختصَّةِ بجمْعِ الصحيحِ فقط، كصحيحِ أبي بكرٍ محمدِ بنِ إسحاقَ بنِ خزيمةَ، وصحيحِ أبي حاتِمٍ محمدِ بن حبّان البُستيِّ، المسمَّى بالتقاسيمِ والأنواعِ، وكتابِ المستدرَكِ على الصحيحينِ لأبي عبدِ اللهِ الحاكمِ. وكذلك ما يوجدُ في المستخرجاتِ على الصحيحينِ من زيادةٍ أو تَتِمَّةٍ لمحذوفٍ، فهو محكومٌ بصحتِهِ، كما سيأتي في بابِهِ.

31.... عَلى تَسَاهُلٍ - وَقَالَ: مَا انْفَرَدْ ... بِهِ فَذَاكَ حَسَنٌ مَا لَمْ يُرَدّْ 32.... بِعِلَّةٍ، وَالحقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا ... يَليْقُ، والبُسْتِيْ يُدَانِي الحَاكِما أي: على تساهُلٍ في المستدركِ، وإنّما قَيَّدَ تعلقَ الجارِ والمجرورِ بالمعطوفِ الأخيرِ، لتكرارِ أداةِ التشبيهِ فيه. وقوله: (وقال) ، أي: وقالَ ابنُ الصلاحِ: ما انفردَ الحاكمُ بتصحيحهِ لا بتخريجِهِ فقط، إنْ لم يكن من قبيلِ الصحيحِ فهو من قبيلِ الحسنِ، يُحتجُّ به، ويعملُ بهِ، إلاَّ أنْ تظهرَ فيه علّةٌ توجِبُ ضعفَهُ. وقولُهُ: (والحقُ أنْ يُحْكَمْ بِما يليقُ) ، هذا من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ وهو متميزٌ بنفسِهِ؛ لكونِهِ اعتراضاً على كلامهِ. وتقريرُهُ: أنَّ الحكمَ عليه بالحسنِ فقط تَحَكُّمٌ، فالحقُّ أنَّ ما انفردَ بتصحيحِهِ يُتَتَبَّعُ بالكشفِ عنه ويُحْكَمُ عليه بما يليقُ بحالِهِ من الصحَّةِ، أو الحُسْنِ، أوِ الضَّعْفِ. ولكنَّ ابنَ الصلاحِ رأيهُ أنَّهُ ليسَ لأَحدٍ أنْ يصحّحَ في هذهِ الأعصارِ، فلهذا قطعَ النظرَ عن الكشفِ عليهِ.

وقولُه: (والبستيّ يدانِي الحاكما) ، أي: وابنُ حبانَ البستيُّ يُقارِبُ الحاكمَ في التساهُلِ، فالحاكمُ أشدُّ تساهُلاً. قالَ الحازميُّ: ((ابنُ حبانَ أمْكَنُ في الحديثِ من الحاكمِ)) . الْمُسْتَخْرَجاتُ 33.... وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي ... عَوَانَةٍ) وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِبِ 34.... عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا ... إذْ خَالَفتْ لَفْظاً وَمَعْنَىً رُبَّمَا المستَخْرَجُ: مَوْضُوعُهُ أنْ يأتيَ المصنِّفُ إلى كتابِ البخاريِّ، أو مسلمٍ فيخَرِّجَ أحاديثَهُ بأسانيدَ لنفسِهِ من غيرِ طريقِ البخاريِّ، أو مسلمٍ، فيجتمعُ إسنادُ المصنِّفِ مع إسنادِ البخاريِّ، أو مسلمٍ في شيخِهِ، أو مَنْ فوقَهُ، كالمستخرَجِ على صحيحِ البخاريِّ لأبي بكرٍ الإسماعيليِّ، ولأبي بكرٍ البرقانيِّ ولأبي نُعيمٍ

المستخرجات

الأصبهانيِّ، وكالمستخرَجِ عَلَى صحيحِ مسلمٍ لأبي عوانةَ، ولأبي نُعيم أيضاً. والمستخرجونَ لم يلتزموا لفظَ واحدٍ من الصحيحينِ، بَلْ رَوَوْهُ بالألفاظِ التي وَقعتْ لهم عن شيوخِهِم مع المخالفةِ لألفاظِ الصحيحينِ. وربّما وقعتِ المخالفة أيضاً في المعنى فلهذا قالَ: (واجتنبْ عزوَكَ ألفاظَ المتونِ لهما) ، أي: لا تَعْزُ ألفاظَ متونِ المستخرجاتِ للصحيحينِ، فلا تقلْ: أخرجَهُ البخاريُّ أو مسلمٌ بهذا اللفظِ، إلا إنْ علمتَ أنَّهُ في المستخرَجِ بلفظِ الصحيحِ، بمقابلتِهِ عليه، فلكَ ذلك. فقولُهُ: (رُبَّما) متعلّقٌ بمخالفةِ المعنى فقط؛ لأنَّ مخالفةَ الألفاظِ كثيرةٌ، كما تقدّم. 35.... وَمَا تَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِهْ ... فَهْوَ مَعَ العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ 36.... وَالأَصْلَ يَعْني البَيْهَقيْ وَمَنْ عَزَا ... وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِيْ مَيَّزَا أي: وما تزيدُ المستخرجاتُ، أو ما يزيدُ المستخْرِجُ على الصحيحِ من ألفاظٍ زائدةٍ عليهِ من تتمةٍ لمحذوفٍ، أو زيادةِ شرحٍ في حديثٍ، أو نحوِ ذلكَ، فاحكُمْ بصحتِهِ؛ لأنَّها خارجةٌ من مخرجِ الصحيحِ.

وقولُهُ: (فَهُوَ مَعَ العلوِّ من فائدتِهِ) ، هَذَا بيانٌ لفائدةِ المستخرَجِ. فمنها: زيادةُ الألفاظِ المذكورةِ؛ لأنّها رُبَّما دلتْ على زيادةِ حُكمٍ. ومنها: علوُّ الإسنادِ؛ لأنَّ مصنِّفَ المستخرَجِ لو رَوَى حديثاً مثلاً من طريقِ مسلمٍ، لَوَقعَ أنزلَ من الطريقِ الذي رواهُ بهِ في المستخرَجِ. مثالُهُ: حديثٌ في مسندِ أبي داودَ الطيالسيِّ، فلو رواهُ أبو نُعيم مثلاً من طريق مسلمٍ، لكانَ بينَهُ وبينَ أبي داودَ أربعةُ رجالٍ، شيخانِ بينه وبين مسلمٍ، ومسلمٌ وشيخُهُ. وإذا رواهُ من غيرِ طريقِ مسلمٍ، كان بين أبي نُعيمٍ، وبين أبي داودَ رجلانِ فقط. فإنَّ أبا نُعيم سمعَ مُسْنَدَ أبي داود على ابنِ فارسٍ بسماعِهِ من يونُسَ بنِ حبيبٍ بسماعِهِ منه، ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ للمستخرَجِ، إلا هاتينِ الفائدتينِ. وأشرتُ إلى غيرهما بقولي: (مِنْ فائِدَتِه) . فمِنْ فوائدِهِ أيضاً: القوةُ بكثرةِ الطرقِ للترجيحِ عندَ المعارضةِ. وقولُهُ: (والأصلُ يعني البيهقيْ وَمن عَزا) ، كأنَّهُ قيل: فهذا البيهقيُّ في " السننِ الكبرى "، " والمعرفةِ "، وغيرِهِما. والبغويُّ في " شرح السنةِ "، وغيرُ واحدٍ يروون الحديثَ بأسانيدِهم، ثم يعزونَهُ إلى البخاريِّ، أو مسلمٍ، مع اختلافِ الألفاظِ، أو المعاني؟ والجوابُ: إنَّ البيهقيَّ وغيَرهُ ممَّنْ عزا الحديثَ لواحدٍ من

الصحيحينِ، إنّما يريدون أصلَ الحديثِ، لا عزوَ ألفاظِهِ، (فالأصلَ) : مفعولٌ مقدمٌ. وقولُهُ: (وليتَ إذ زادَ الحميديْ مَيَّزَا) ، أي: إنَّ أبا عبدِ اللهِ الحميديَّ زادَ في كتابِ " الجمعِ بين الصحيحين " ألفاظاً، وتتماتٍ ليستْ في واحدٍ منهُما من غيرِ تمييزٍ. قال ابنُ الصلاحِ: ((وذاكَ موجودٌ فيهِ كثيراً، فربَّما نقلَ من لا يميزُ بعضَ ما يجدُهُ فيه عن الصحيحِ، وهو مخطئٌ؛ لكونِهِ زيادةً ليست في الصحيح)) . انتهى. فهذا مما أُنكرَ على الحميديِّ؛ لأنَّهُ جمعَ بين كتابينِ، فمِنْ أين تأتي الزيادةُ؟

مراتب الصحيح

وأما " الجمعُ بين الصحيحينِ " لعبدِ الحقِّ، وكذلك مختصراتُ البخاريِّ ومسلمٍ، فلك أنْ تنقلَ منها، وتعزوَ ذاك للصحيحِ ولو باللفظِ؛ لأنَّهم أتوا بألفاظِ الصحيحِ. واعلمْ أنَّ الزيادات التي تقعُ في كتاب الحُميديِّ ليسَ لها حكمُ الصحيحِ، خلافُ ما اقتضاهُ كلامُ ابنِ الصلاحِ؛ لأنَّهُ ما رواها بسندِهِ كالمستخرَجِ، ولا ذكرَ أنَّهُ يزيدُ ألفاظاً، واشترطَ فيها الصحةَ حتى يُقَلَّدَ في ذلك، فهذا هو الصوابُ. مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ 37.... وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا ... ثُمَّ البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ، فَمَا 38.... شَرْطَهُمَا حَوَى، فَشَرْطُ الجُعْفِي ... فَمُسْلِمٌ، فَشَرْطُ غَيْرٍ يَكْفِي اعلمْ أنَّ درجاتِ الصحيحِ تتفاوتُ بِحَسَبِ تَمَكُّنِ الحديثِ من شروطِ الصحةِ، وعدمِ تَمَكُّنِهِ. وإنَّ أصحَّ كُتبِ الحديثِ: البخاريُّ ثم مسلمٌ، كما تقدمَ أنَّهُ الصحيحُ. وعلى هذا: فالصحيحُ ينقسمُ إلى سبعةِ أقسامٍ: أحدُها: -وهو أصحُّها- ما أخرجَه البخاريُّ ومسلمٌ، وهو الذي يُعبِّرُ عنه أهلُ الحديثِ بقولهم: ((متفقٌ عليهِ)) . والثاني: ما انفردَ به البخاريُّ. والثالثُ: ما انفردَ به مسلمٌ. والرابعُ: ما هو على شَرْطِهِما ولم يخرِّجْهُ واحدٌ منهُما. والخامسُ: ما هو على شرطِ البخاريِّ وَحْدَهُ. والسادسُ: ما هو على شرطِ مسلمٍ وَحْدَهُ.

والسابعُ: ما هو صحيحٌ عند غيرِهما من الأئمةِ المعتمدينَ، وليسَ على شرطِ واحدٍ منهُما. فقوله: (ثم البخارِيُّ) ، أي: ثمَّ مروِيُّ البخاريِّ وَحْدَهُ. (وشرطَهُمَا) : مفعولٌ مقدمٌ لِـ (‍حَوَى) . وقولُهُ: (فمسلمٌ) ، أي: فما حَوَى شرطُ مسلمٍ. وقولُه: (فشرطُ غيرٍ) أي: فشرطُ غيرِهما منَ الأئمةِ. واستعمالُ - غيرٍ - غيرَ مضافةٍ قليلٌ. ثم ما المرادُ بقولهِم: على شرطِ البخاريِّ، أو على شرطِ مسلمٍ؟ فقالَ محمدُ بنُ طاهرٍ في كتابه في " شروطِ الأئمة ": ((شرطُ البخاريِّ، ومسلمٍ، أن يُخَرِّجَا الحديثَ المجمعَ على ثِقَةِ نَقَلَتِهِ إلى الصحابيِّ المشهورِ)) ، وليس ما قالَهُ بجيّدٍ؛ لأنَّ النَّسائيَّ ضَعَّفَ جماعةً أخرجَ لهم الشيخانِ، أو أحدُهُما.

وقالَ الحازميُّ في " شروط الأئمةِ " ما حاصلُهُ: إنَّ شَرْطَ البخاريِّ أنْ يُخَرِّجَ ما اتّصلَ إسنادُه بالثقاتِ المتقنينَ الملازمينَ لمن أَخَذُوا عنه، ملازمةً طويلةً، وإنَّهُ قد يُخَرِّجُ أحياناً عن أعيانِ الطبقةِ التي تلي هذهِ في الإتقانِ والملازمةِ، لمَنْ رَوَوا عنه، فلم يَلْزَمُوهُ إلا ملازمةً يسيرةً. وإنَّ شرطَ مسلمٍ أن يُخَرِّجَ حديثَ هذهِ الطبقةِ الثانيةِ، وقد يُخَرِّجُ حديثَ مَنْ لم يَسْلَمْ مِنْ غوائلِ الجرحِ، إذا كانَ طويلَ الملازمةِ لمَنْ أخذَ عنه، كحمّادِ بنِ سلمةَ في ثابتٍ البُنانيِّ، وأيوبَ. هذا حاصلُ كلامِهِ.

وقالَ النوويُّ: ((إنَّ المرادَ بقولهم: على شرطِهِما أنْ يكونَ رجالُ إسنادِهِ في كتابيهما؛ لأنَّهُ ليس لهما شرطٌ في كتابَيْهما، ولا في غيرهِما)) . وقد أخذَ هذا من ابنِ الصَّلاحِ، فإنَّهُ لما ذكرَ كتابَ " المستدرَكِ للحاكمِ "، قالَ: ((إنَّهُ أودَعَهُ ما رآهُ على شرطِ الشيخينِ، وقد أخرجَا عن رواتِهِ في كتابيهِمَا)) إلى آخرِ كلامِهِ. وعلى هذا عملُ ابنِ دقيقِ العيدِ، فإنَّهُ ينقلُ عن الحاكمِ تصحيحَهُ لحديث على شرطِ البخاريِّ مثلاً، ثم يعترضُ عليه بأنَّ فيه فلاناً، ولم يُخَرِّجْ له البخاريُّ. وكذلك فَعَلَ الذهبيُّ في " مختصرِ المستدْرَكِ ". وليسَ ذلكَ مِنْهم بجيّدٍ، فإنَّ الحاكمَ صَرَّحَ في

خُطبةِ كتابِهِ " المستدركِ " بخلافِ ما فهموهُ عنه، فقال: ((وأَنا أَستعينُ اللهَ تعالى على إخراجِ أحاديثَ رواتُها ثقاتٌ، قد احتجَّ بمثلِها الشيخانِ، أو أحدُهما)) . فقولُهُ: بمثلِهَا، أي: بمثلِ رواتِها، لا بِهِمْ انْفُسِهِم. ويحتملُ أنْ يُرَادَ: بمثلِ تلك الأحاديثِ. وإنّما يكونُ بمثلِها إذا كانَتْ بنفسِ رواتِهَا. وفيه نظرٌ. وقد بينتُ المثليةَ في " الشرحِ الكبيرِ ". 39.... وَعِنْدَهُ التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ ... فِي عَصْرِنَا، وَقَالَ يَحْيَى: مُمْكِنُ أي: وعندَ ابنِ الصلاحِ: أنَّهُ تَعَذَّرَ في هذهِ الأَعصارِ الاستقلالُ بإدراكِ الصحيح بِمجردِ اعتبارِ الأسانيدِ؛ لأنَّهُ ما مِنْ إسنادٍ إلا وفيهِ مَنْ اعتمدَ على ما في كتابِهِ عَرِيًّا عن الضَّبْطِ، والإتقانِ. قال: فإذا وَجَدنا فيما يُروى من أجزاءِ الحديثِ وغيرِها؛ حديثاً

صحيحَ الإسنادِ، ولم نجدْهُ في أحدِ الصحيحينِ، ولا منصوصاً على صحتهِ في شيءٍ من مصنّفاتِ أئمةِ الحديثِ المعتمَدةِ المشهورةِ، فإنَّا لا نتجاسرُ على جزمِ الحكمِ بصحتِهِ. وقولُهُ: (وقال يحيى) : أي: النوويُّ: ((الأظهرُ عندِي جوازُهُ لِمَنْ تمكَّنَ، وقَوِيَتْ معرفَتُهُ)) . انتهى. وهذا هو الذي عليهِ عملُ أهلِ الحديثِ، فقد صَحَّحَ غيرُ واحدٍ من المعاصرينَ لابنِ الصلاحِ، وبعدَهُ أحاديثَ لم نجدْ لِمنْ تقدمَهُم فيها تصحيحاً، كأبي الحسنِ بنِ القطّانِ، والضِّياءِ المقدسيِّ، والزّكيِّ عبدِ العظيمِ، ومَنْ بَعْدَهُم.

حكم الصحيحين، والتعليق

حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ، وَالتَّعْلِيْقِ 40.... وَاقْطَعْ بِصِحَّةٍ لِمَا قَدْ أَسْنَدَا ... كَذَا لَهُ، وَقِيْلَ ظَنّاً وَلَدَى ... مُحَقِّقِيْهِمْ قَدْ عَزَاهُ (النَّوَوِيْ) ... وَفي الصَّحِيْحِ بَعْضُ شَيءٍ قَدْ رُوِيْ 42.... مُضَعَّفاً وَلَهُمَا بِلا سَنَدْ ... أَشْيَا فَإنْ يَجْزِمْ فَصَحِّحْ، أو وَرَدْ ... مُمَرَّضاً فَلا، وَلكِنْ يُشْعِرُ ... بِصِحَّةِ الأصْلِ لَهُ كَـ (يُذْكَرُ) أَي: ما أَسندَهُ البخاريُّ ومسلمٌ، يريدُ رَوَيَاهُ بإسنادِهِمَا المتّصلِ، فهو مقطوعٌ بصحتِهِ، كذا قالَ ابنُ الصلاحِ، قال: ((والعلمُ اليقينيُّ النظريُّ واقعٌ به، خلافاً لقولِ مَنْ نَفَى ذلكَ مُحتَجَّاً بأنَّهُ لا يفيدُ في أصْلِهِ إلا الظنَّ وإنَّما تلقَتْهُ الأمةُ بالقبولِ؛ لأنَّهُ يجبُ عليهم العملُ بالظنِّ، والظنُّ قد يُخطِئُ قال: وقد كنتُ أمِيْلُ إلى هذا، وأحسَبُهُ

قويّاً، ثم بانَ لي أنَّ المذهبَ الذي اخترناهُ أوّلاً هو الصحيحُ؛ لأنَّ ظَنَّ مَنْ هو معصومٌ من الخطأ لا يُخْطِئُ، والأمةُ بإجماعها معصومةٌ مِنَ الخطأ)) ... إلى آخرِ كلامِهِ. وقد سبقَهُ إلى نحوِ ذلك محمدُ بنُ طاهرٍ المقدسيُّ، وأبو نصرٍ عبدُ الرحيمِ بنُ عبدِ الخالقِ بنِ يوسفَ. قال النوويُّ: ((وخالفَ ابنَ الصلاحِ المحقّقونَ والأكثرون، فقالوا: يفيدُ الظنَّ ما لم يتواترْ)) . وقولُهُ: (ظناً) منصوبٌ بفعلٍ محذوف، أي: يفيدُ ظناً. وقولُهُ: (بعضُ شيءٍ) ، إشارةٌ إلى تقليلِ ما ضُعِّفَ من أحاديثِ الصحيحينِ. ولمّا ذكرَ ابنُ الصلاحِ: أنَّ ما أسنداهُ مقطوعٌ بصحتِهِ. قال: سوى أحرُفٍ يسيرةٍ، تكلّمَ عليها بعضُ أهلِ النقدِ، كالدارقطنيِّ وغيرِهِ، وهي معروفةٌ عندَ أهلِ الشأنِ. انتهى. وروينا عن محمدِ بنِ طاهرٍ المقدسيِّ، ومن خَطِّهِ نَقلْتُ قال: سمعتُ أبا عبدِ اللهِ محمدَ بنَ أبي نصرٍ الحميديَّ ببغدادَ يقول: قال لنا أبو محمدٍ بنُ حزمٍ: وما وجدنا للبخاريِّ ومسلمٍ في كتابيهما شيئاً لا يحتمل مخرجاً إلا حديثين. لكلِّ واحدٍ منهُما حديثٌ، تَمَّ عليهِ في تخريجِهِ الوَهْمُ معَ إتقانِهِمَا وحفظِهِمَا وصحةِ معرفتِهِما.

فذكر من عند البخاريِّ حديثَ شَرِيكٍ، عن أنسٍ في الإسراءِ، أنَّهُ قبلَ أنْ يُوحَى إليهِ، وفيهِ شَقُّ صَدْرِهِ. قال ابنُ حزمٍ: والآفةُ من شريكٍ. والحديثُ الثاني عندَ مسلمٍ، حديثُ عِكْرمةَ بنِ عمّارٍ، عن أبي زُمَيْلٍ، عن ابنِ عبّاسٍ، قال: كانَ المسلمون لا ينظرونَ إلى أبي سُفيانَ، ولا يقاعِدُوْنَهُ، فقال للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ثلاثٌ أعْطِينِهنَّ. قال: نعم. قال: عندي أحسنُ العربِ وأجملُهُ أمُّ حبيبةَ بنتُ أبي سفيانَ، أُزوِّجُكَهَا. قال: نعم ... الحديث. قالَ ابنُ حزمٍ: هذا حديثٌ موضوعٌ لاشكَّ في وضْعِهِ، والآفةُ فيهِ منْ عِكْرمةَ بنِ عمّارٍ. وقد ذكرتُ في "الشرحِ الكبيرِ" أحاديثَ غيرَ هذينِ.

وقد أفردتُ كتاباً لما ضُعِّفَ من أحاديثِ الصحيحينِ مع الجواب عنها. فمَنْ أرادَ الزيادةَ في ذلك فليقِفْ عليه، ففيه فوائدُ مهمّاتٌ. وقولُهُ: (ولَهُما بلا سَنَدْ أشيا) . أي: وللبخاريِّ ومسلمٍ في الصحيحِ مواضعُ لم يَصِلاها بإسنادِهِما، بل قطعا أوَّلَ أسانيدِهما مما يليهِما. وذكرَ ابنُ الصلاحِ أنَّ ذلك وقعَ في الصحيحينِ. قالَ: ((وأغلبُ ما وقع ذلك في كتاب البخاريِّ، وهو في كتابِ مسلمٍ قليلٌ جداً)) . قلتُ: في كتابِ مسلمٍ من ذلك موضعٌ واحدٌ في التيمُّمِ. وهو حديثُ أبي الْجُهَيم بنِ الحارثِ بنِ الصِّمَّةِ. أقبلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نحوِ بئرِ جمل، ... الحديث. قال فيه مسلم: وروى الليثُ بنُ سعدٍ. ولم يوصلْ مسلمٌ إسنادَهُ إلى الليثِ. وقد أسندَهُ البخاريُّ عن يحيى بنِ بكيرٍ عن الليثِ. ولا أعلمُ في كتاب مسلمٍ بعد مقدمةِ الكتابِ حديثاً لم يذكرْهُ إلا تعليقاً غيرَ هذا الحديثِ. وفيه مواضعُ أخرُ يسيرةٌ رواها بإسنادِهِ المتصلِ، ثم قال: ورواهُ فلانٌ، وهذا ليس من باب التعليقِ، إنّما أرادَ ذِكْرَ مَنْ تابعَ رواية الذي أسندَهُ من طريقِهِ عليه، أو أرادَ بيانَ اختلافٍ في السندِ، كما يَفْعَلُ أهلُ الحديثِ. ويدلُّ على أنَّهُ ليسَ مقصودُهُ بهذا ادخالَهُ في كتابِهِ؛ أنَّهُ يقعُ في بعضِ

أسانيدِ ذلك مَنْ ليس هو من شرْطِ مسلم، كعبدِ الرحمنِ بنِ خالدِ بنِ مُسافرٍ. وقد بَيَّنتُ بقيةَ المواضعِ في " الشرحِ الكبيرِ ". وقولُهُ: (فإنْ يجزم فصحِّحْ) ، أي: إنْ أتى به بصيغةِ الجزمِ، كقولِهِ: قال فلانٌ، أو رَوَى فلانٌ أو نحوَ ذلكَ؛ فاحكمْ بصحتِهِ عمَّنْ عَلَّقَهُ عنه، لأنَّهُ لا يستجيزُ أنْ يجزمَ بذلكَ عنه إلا وقد صحَّ عندَهُ عنه. ثمَّ الحكمُ بصحةِ الحديثِ مطلقاً يتوقفُ على ثقةِ رجالِهِ، واتصالِهِ من مَوْضِعِ التعليقِ. فإنْ كان فيمَنْ أبرزَهُ مَنْ لا يحتجُّ به، فليسَ فيهِ إلا الحكمُ بصحتهِ عمَّن أسندَ إليه كقولِ البخاريِّ: وقال بَهْزٌ، عن أبيهِ، عن جَدِّهِ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((اللهُ أحقُّ أنْ يُسْتَحيَى منه)) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((فهذا ليس من شرطِهِ قطعاً. ولذلكَ لم يوردْهُ الحميديُّ في جَمْعِهِ بين الصحيحينِ)) . (وإنْ وردَ مُمَرَّضاً) ، أي: أُتِي به بصيغةِ التمريضِ، كقولِهِ: ويُذْكَرُ، ويُرْوَى، ويُقَاْلُ، ونُقِلَ، ورُوِيَ، ونحوِها. فلا تحكمنَّ بصحتِهِ. كقولِهِ: ويُرْوَى عن ابنِ عباسٍ

وجَرْهَدٍ ومحمّدِ بنِ جَحْشٍ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((الفَخِذُ عورةٌ)) ؛ لأنَّ هذهِ الألفاظَ استعمالُها في الضعيف أكثرُ، وإن استعملتْ في الصحيحِ. وكذا قولُهُ: وفي البابِ تستعملُ في الأمرينِ معاً. قالَ ابنُ الصلاحِ: ومَعَ ذلك فإيرادُهُ له في أثناءِ الصحيحِ مُشعرٌ بصحةِ أصْلِهِ إشعاراً يؤنسُ به ويركنُ إليه. وحملَ ابنُ الصلاحِ قولَ البخاريِّ: ما أدخلتُ في كتابي " الجامع "، إلا ما صحَّ. وقول الأئمة في الحكم بصحتِهِ على أنَّ المرادَ مقاصدُ الكتابِ وموضوعُهُ ومتون الأبوابِ دون التراجمِ ونحوها.

44.... وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الاسْنَادِ حُذِفْ ... مَعْ صِيغَةِ الجَزْم فَتَعليْقَاً عُرِفْ ... وَلَوْ إلى آخِرِهِ، أمَّا الَّذِي ... لِشَيْخِهِ عَزَا بـ (قالَ) فَكَذِي 46.... عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ ... لا تُصْغِ لاِبْنِ حَزْمٍ المُخَالِفِ هذا بيانٌ لحقيقةِ التعليقِ، والتعبيرُ به موجودٌ في كلامِ الدارقطنيِّ والحميديِّ في الجمعِ بين الصحيحينِ وهو أنْ يُسْقِطَ مِنْ أوَّلِ إسنادِ البخاريِّ أو مسلمٍ من جهتِهِ راوٍ فأكثرَ، ويعزِيَ الحديثَ إلى مَنْ فوقَ المحذوفِ من رواتِهِ بصيغةِ الجزمِ، كقولِ البخاريِّ في الصومِ وقالَ يحيى بنُ كثيرٍ، عن عمرِ بنِ الحكم بنِ ثوبانَ، عن أبي هريرةَ

قال إذا قاءَ فلا يفطرُ وكقولِ مسلمٍ في التيمُّمِ ورَوَى الليثُ بنُ سعدٍ، فذكرَ حديثَ أقبلَ من نحوِ بئرِ جملٍ ... الحديث، وقد تقدم قالَ ابنُ الصلاحِ وكأنَّ التعليقَ مأخوذٌ من تعليقِ الجدارِ، وتعليقِ الطلاقِ ونحوه، لما يشتركُ الجميعُ فيه من قَطْعِ الاتصالِ قال ولم أجدْ لفظَ التعليقِ مستعمَلاً فيما سقطَ منه بعضُ رجالِ الإسنادِ مِنْ وَسَطِه أوْ من آخرِهِ، ولا فيما ليسَ فيه جزْمٌ، كيُرْوَى ويُذْكَرُ قلت استعملَ غيرُ واحدٍ من المتأخّرينَ التعليقَ في غيرِ المجزومِ به، منهم الحافظُ أبو الحجاجِ المزيُّ كقولِ البخاريِّ في بابِ مَسِّ الحريرِ من غيرِ لُبْسٍ ويُروَى فيهِ عن الزُّبيديِّ، عن الزهريِّ، عن أنسٍ، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكره في الأطرافِ، وعَلَّمَ عليهِ علامةَ التعليقِ للبخاريِّ

وقوله ولو إلى آخِرِهِ، أي ولو حذفَ الإسنادَ إلى آخرِهِ واقتصرَ على ذِكْرِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثِ المرفوعِ، أو على الصحابيِّ في الموقوفِ، كقولِهِ في العِلْمِ وقالَ عمرُ تفقهُوا قبل أنْ تسودوا أي فإنّهُ يُسمَّى تعليقاً هكذا حكاهُ ابنُ الصلاحِ عن بعضِهم، ولم يحكِ غَيْرَهُ فقالَ إنَّ لفظَ التعليقِ وجدتُهُ مستعملاً فيما حُذِفَ من مبتدأ إسنادِهِ واحدٌ فأكثرُ حتى إنَّ بعضَهم استعملَهُ في حذفِ كُلِّ الإسنادِ انتهى ولم يذكر المزيُّ هذا في الاطرافِ في التعليقِ، بلْ ولا ما اقتصرَ فيهِ على ذِكْرِ الصَّحابيِّ غالباً، وإنْ كان مرفوعاً وقولُهُ أمَّا الذي لشيخِهِ عزا بقالَ فكذي عنعنة، أي أمَّا ما عزاهُ البخاريُّ إلى بعضِ شيوخِهِ بصيغةِ الجزمِ، كقولِهِ قالَ فلانٌ، وزادَ فلانٌ، ونحوَ ذلكَ فليسَ حكمُهُ حكمَ التعليقِ عن شيوخِ شيوخِهِ، ومَنْ فوقَهُم، بل حكمُهُ حكمُ الإسنادِ المعَنْعَن، وحكمُهُ كما سيأتي في موضعِهِ الاتصالُ بشرطِ ثبوتِ اللقاءِ، والسلامةِ من التدليسِ واللقاءُ في شيوخِهِ معروفٌ، والبخاريُّ سالمٌ من التدليسِ، فَلَهُ حكمُ الاتصالِ هكذا جزمَ بهِ ابنُ الصلاحِ في الرابعِ من التفريعاتِ التي تلي النوعَ الحادي عشرَ ثم قال وبلغني عَن بعض المتأخّرينَ منْ أهلِ المغربِ أنَّهُ جعلَهُ قسماً من التعليقِ ثانياً،

وأضافَ إليه قولَ البخاريِّ في غيرِ موضعٍ من كتابِهِ وقالَ لي فلانٌ، وزادنا فلانٌ فَوَسَمَ كُلَّ ذلك بالتعليقِ المتّصلِ مِن حيثُ الظاهرُ، المنفصلِ من حيثُ المعنى، ... ، وسيأتي حكمُ قولِهِ قال لنا فلان، عند ذكرِ أقسامِ التحمُّلِ وما ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ هنا هو الصوابُ وقد خالَفَ ذلك في مثالٍ مَثَّلَ به في السادسةِ من الفوائدِ في النوعِ الأولِ، فقالَ وأمَّا الذي حُذِفَ من مبتدأ إسنادِهِ واحدٌ أو أكثرُ ثمَّ قالَ مِثالُهُ قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا، قال ابن عبّاس كذا، قال مجاهدٌ كذا، قال عفّانُ كذا، قال القَعْنَبيُّ كذا إلى آخركلامه فقولُهُ قالَ عفانُ كذا قال القعنبيُّ كذا في أمثلةِ ما سقطَ من أولِ إسنادِهِ واحدٌ مخالفٌ لكلامِهِ الذي قدّمْنَاهُ عنه؛ لأنَّ عفانَ والقعنبيَّ كلاهما شيخُ البخاريِّ حَدَّثَ عنه في مواضعَ من صحيحِهِ متصلاً بالتصريحِ فيكونُ قولُهُ قال عفانُ، قال القعنبيُّ، محمولاً على الاتّصال، كالحديث المعنعنِ وعلى هذا عملُ غيرِ واحدٍ من

المتأخّرينَ، كابنِ دقيقِ العيدِ، والمزّيِّ فجعلا حديثَ أبي مالكٍ الأشعَرِيِّ - الآتي ذِكْرُهُ - مثالاً لهذهِ المسألةِ تعليقاً وفي كلامِ أبي عبدِ الله بنِ منده أيضاً ما يقتضي ذلكَ، فقالَ في جزءٍ له في اختلافِ الأئمةِ في القراءة، والسماعِ، والمناولةِ، والإجازةِ أخرجَ البخاريُّ في كتبهِ الصحيحةِ وغيرِها، قال لنا فلانٌ، وهي إجازةٌ وقال فلانٌ، وهو تدليسٌ قال وكذلك مسلمٌ أخرجَهُ على هذا انتهى كلام ابنِ منده ولم يوافق عليهِ وقولُهُ كخبرِ المعازِفِ، هو مثالٌ لما ذَكَرَهُ البخاريُّ عن بعضِ شيوخِهِ من غيرِ تصريحٍ بالتحديثِ، أو الإخبارِ، أو ما يقومُ مقامَهُ كقولهِ قال هشامُ بنُ عمّار حدّثنا صَدَقةُ بنُ خالدٍ، حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ يزيدَ بنِ جابرٍ، حدثنا عطيّةُ بنُ قيسٍ، قال حدّثني عبدُ الرحمنِ بنُ غَنْمٍ، قال حدثني أبو عامرٍ، أو أبو مالكٍ الأشعريُّ، أنَّهُ سمعَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يقول ليكونَنَّ في أمتي أقوامٌ يستحلونَ الحِرَّ والحريرَ والمعازفَ، الحديث فإنَّ هذا الحديثَ حكمُهُ الاتصالُ؛ لأنَّ هشامَ بنَ عَمّارٍ من شيوخِ البخاريِّ حدَّثَ عنه بأحاديثَ، وخالفَ ابنُ حزمٍ في ذلك، فقال في المحلى هذا حديثٌ منقطعٌ لم يتصل ما بين البخاريِّ، وصدقةَ بنِ خالدٍ

نقل الحديث من الكتب المعتمدة

قال ولا يصحُّ في هذا البابِ شيءٌ أبداً - قال - وكلُّ ما فيه فموضوعٌ قال ابن الصلاحِ ولا التفاتَ إليهِ في رَدِّهِ ذلك - قال - وأخطأَ في ذلك من وُجوهٍ - قال - والحديثُ صحيحٌ معروفُ الاتصالِ بشرطِ الصحيحِ قالَ والبخاريُّ قد يفعلُ ذلك لكونِ الحديثِ معروفاً من جهةِ الثقاتِ عن الشخصِ الذي عَلَّقَهُ عنه، أو لكونِهِ ذكرَهُ في موضعٍ آخرَ من كتابهِ متصلاً، أو لغيرِ ذلكَ من الأسبابِ التي لا يصحبُها خللُ الانقطاعِ انتهى والحديثُ مُتَّصِلٌ مِن طُرُقٍ من طريقِ هشامٍ وغيرهِ قالَ الإسماعيليُّ في المستخرَج حدّثنا الحسنُ، وهو ابنُ سفيان النّسوَيُّ الإمامُ قال حدّثنا هشامُ بنُ عمّارٍ فذكرَهُ وقال الطبرانيُّ في مسندِ الشاميِّينَ حدّثنا محمدُ بنُ يزيدَ بنِ عبدِ الصمدِ، قال حدّثنا هشامُ بنُ عمّارٍ نَقْلُ الحَديثِ مِنَ الكُتبِ المُعتَمَدةِ ... وَأخْذُ مَتْنٍ مِنْ كِتَابٍ لِعَمَلْ ... أوِ احْتِجَاجٍ حَيْثُ سَاغَ قَدْ جَعَلْ ... عَرْضاً لَهُ عَلى أُصُوْلٍ يُشْتَرَطْ ... وَقَالَ يَحْيَى النَّوَوِيْ أصْلٍ فَقَطْ أي وأخذُ الحديثِ من كتابٍ من الكتبِ المعتمدةِ، لعملٍ به، أوِ احتجاجٍ به، إنْ كانَ ممَّنْ يسوغُ له العملُ بالحديثِ، أو الاحتجاج بهِ، جعلَ ابنُ الصلاحِ

شرطَهُ أنْ يكون ذلك الكتابُ مقابلاً بمقابلةِ ثقةٍ على أصولٍ صحيحةٍ متعددةٍ مرويةٍ برواياتٍ متنوعةٍ قال النوويُّ فإن قابلَهَا بأصلٍ معتمدٍ محققٍ أجزأَهُ وقال ابنُ الصلاحِ في قسمِ الحَسَنِ حين ذَكَرَ أنَّ نسخَ الترمذيِّ تختلفُ في قولهِ حسنٌ، أو حسنٌ صحيحٌ، ونحو ذلك فينبغي أن تصحِّحَ أصلَكَ بجماعةِ أصولٍ، وتعتمدَ على ما اتفقتْ عليه فَقَوْلُهُ هُنَا يَنْبَغِي، قَدْ يُشيرُ إلى عدمِ اشتراطِ ذلكَ، وإنَّما هوَ مستحبٌّ، وهوَ كذلكَ ... قُلْتُ: (وَلابْنِ خَيْرٍ) امْتِنَاعُ ... جَزْمٍ سِوَى مَرْوِيِّهِ إجْمَاعُ لما ذكرَ ابنُ الصلاحِ أنَّ من أرادَ أخذَ حديثٍ من كتابٍ من الكتبِ المعتمدةِ، أخذَهُ من كتابٍ مقابَلٍ. أحببتُ أنْ أذكرَ أنَّ بعضَ الأئمةِ حكى الإجماعَ على أنَّهُ لا يحلُّ الجزمُ بنقلِ الحديثِ، إلا لِمَنْ له به روايةٌ، وهو الحافظُ أبو بكرٍ محمدُ بنُ خيرِ بنِ عمرَ الأمويُّ - بفتحِ الهمزةِ - الإشبيليُّ وهو خالُ أبي القاسمِ السُّهيليِّ. فقال

في بَرْنامَجِهِ المشهورِ: وقد اتفقَ العلماءُ رحمهمُ اللهُ على أنّه لا يصحُّ لمسلمٍ أنْ يقولَ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا حتَّى يكونَ عندَهُ ذلك القولُ مروياً، ولو على أقلِّ وجوهِ الرواياتِ لقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ كَذَبَ عليَّ متعمِّداً فليتبوأ مَقْعَدَهُ من النَّارِ))

القسم الثاني: الحسن

وفي بعضِ الرواياتِ: ((مَنْ كَذَبَ عَليَّ)) مطلقاً دونَ تقييدٍ. فقولي: (امتناعُ جزمٍ) ، مبتدأٌ ومضافٌ إليه، وإجماعُ: خَبَرُهُ. القِسْمُ الثَّاني: الحَسَنُ

50.... وَالحَسَنُ المَعْرُوْفُ مَخْرَجاً وَقَدْ ... اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ بِذَاكَ حَدْ ... (حَمْدٌ) وَقَالَ (التِّرمِذِيُّ) : مَا سَلِمْ ... مِنَ الشُّذُوْذِ مَعَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ 52.... بِكَذِبٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْداً وَرَدْ ... قُلْتُ: وَقَدْ حَسَّنَ بَعْضَ مَا انفَرَدْ ... وَقِيْلَ: مَا ضَعْفٌ قَرِيْبٌ مُحْتَمَلْ ... فِيْهِ، وَمَا بِكُلِّ ذَا حَدٌّ حَصَلْ اختلفَ أقوالُ أئمةِ الحديثِ في حَدِّ الحديثِ الحسنِ، فقال أبو سليمانَ الخطّابيُّ، وهو حَمْدُ المذكورُ في أولِ البيتِ الثاني: ((الحسنُ: ما عُرِفَ مَخْرَجُهُ واشتهرَ رجالُهُ.

قال: وعليه مدارُ أكثرِ الحديثِ، وهو الذي يقبلُهُ أكثرُ العلماءِ، ويستعملُهُ عامةُ الفقهاءِ)) . انتهى. ورأيتُ في كلامِ بعضِ المتأخّرينَ أنَّ في قولِهِ ما عُرِفَ مخرجُهُ احترازاً عن المنقطعِ، وعن حديثِ المُدَلِّسِ قبلَ أنْ يتبينَ تدليسُهُ. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((ليسَ في عبارةِ الخطّابيِّ كبيرُ تلخيصٍ. وأيضاً فالصحيحُ قد عُرِفَ مخرجُهُ واشتُهِرَ رجالُهُ. فيدخلُ الصحيحُ في حَدِّ الحَسَنِ. قالَ: وكأنَّهُ يريدُ مما لم يبلغْ درجةَ الصحيحِ)) . قال الشيخُ تاج الدينِ التبريزيُّ: فيه نظرٌ؛ لأنَّهُ - أي: ابنُ دقيقِ العيدِ - ذكرَ من بعدُ: أنَّ الصحيحَ أخصُّ من الحسنِ. قالَ: ودخولُ الخاصِّ في حدِّ العامِّ ضروريٌّ. والتقييدُ بما يخرجهُ عنهُ مخلٌ للحدِّ وهو اعتراضٌ متجهٌ. وقالَ أبو عيسى الترمذيُّ في "العلل" التي في آخر " الجامعِ ": ((وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديثٌ حسنٌ، فإنَّما أردنا به حُسْنَ إسنادِهِ عندنا. كُلُّ حديثٍ يُروى لا يكونُ في إسنادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بالكذبِ، ولا يكونُ الحديثُ شاذاً، ويُرْوَى من غيرِ وجهٍ نحوُ ذلك فهو عندنا حديثٌ حسنٌ)) . قال الحافظ أبو عبدِ الله محمدُ بنُ أبي بكرٍ بنِ الموَّاق: إنّهُ لم يَخُصَّ الترمذيُّ الحسنَ بصفةٍ تميزُهُ عن الصحيحِ، فلا يكونُ صحيحاً إلا وهو غير شاذٍ، ولا يكونُ صحيحاً حَتَّى يكونَ رواتُهُ غيرَ متهمينَ، بل

ثقاتٌ. قال: فظهرَ من هذا أنَّ الحسنَ عند أبي عيسى صفةٌ لا تخصُّ هذا القسمَ بل قد يَشْركُهُ فيها الصحيحُ. قال: فَكلُّ صحيحٍ عندَهُ حسنٌ، وليسَ كُلُّ حسنٍ عندَهُ صحيحاً. قال أبو الفتحِ اليعمريُّ: بقي عليه أنهُ اشترطَ في الحسنِ أنْ يُرْوَى من وجهٍ آخرَ، ولم يشترطْ ذلك في الصحيحِ. قلت: وسنرى في كلامِ أبي الفتحِ بعدَ هذا بدونِ الصفحةِ أنَّهُ لا يشترطُ في كلِّ حسنٍ أنْ يكونَ كذلك، فتأمَّلْهُ. وقولُهُ: (قلتُ وقد حَسَّن بعضَ ما انفرد) . هذا من الزوائدِ على ابنِ الصَّلاحِ. وهو إيرادٌ على الترمذيِّ، حيث اشترطَ في الحسنِ أنْ يُروَى من غيرِ وجهٍ نحوُه. ومع ذلك فقد حَسَّنَ أحاديثَ لا تُروَى إلا من وجهٍ واحدٍ، كحديثِ إسرائيلَ، عن يوسفَ ابن أبي بردةَ، عن أبيهِ، عن عائشةَ، قالت: كانَ رسول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خرجَ من الخلاءِ قال: غفرانكَ. فإنَّهُ قال فيه: حسنٌ غريبٌ لا نعرفُهُ إلا من حديثِ إسرائيلَ، عن يوسفَ ابن أبي بردةَ. قال: ولا يُعرفُ في هذا البابِ إلا حديثُ عائشةَ. وأجاب أبو الفتحِ اليعمريُّ عن هذا الحديثِ بأنَّ الذي يحتاجُ إلى مجيئِهِ من غير وجهٍ ما كانَ راويه في درجة المستورِ ومَنْ لم تثبتْ عدالتُهُ. قال: وأكثرُ ما في البابِ أنَّ الترمذيَّ عَرّفَ بنوعٍ منه لا

بكلِّ أنواعِهِ. وقولُهُ: (وقيل ما ضَعْفٌ قريبٌ مُحْتَمَلٌ فيه) . هذا قولٌ ثالثٌ في حدِّ الحسنِ. قالَ ابنُ الجوزيِّ في " العللِ المتناهيةِ " وفي " الموضوعات ": الحديثُ الذي فيه ضَعفٌ قَريبٌ محتَملٌ، هو الحديثُ الحسنُ. ولم يسمِّ ابنُ الصلاحِ قائلَ هذا القولِ، بل عزاهُ لبعضِ المتأخِّرينَ، وأرادَ به ابنَ الجوزيِّ. واعترضَ ابنُ دقيقِ العيدِ على هذا الحدِّ بأنهُ ((ليس مضبوطاً بضابطٍ، يتميَّزُ به القَدْرُ المحتَملُ من غيرِهِ، قالَ: وإذا اضطربَ هذا الوصفُ لم يحصلِ التعريفُ المميِّزُ للحقيقةِ)) . وقال ابنُ الصلاحِ بعد ذِكْرِ هذهِ الحدودِ الثلاثةِ: كلُّ هذا مُستبْهَمٌ، لا يَشْفِي الغليلَ، قالَ: وليسَ في كلامِ الترمذيِّ، والخطّابيِّ ما يفصلُ الحسنَ من الصحيحِ. انتهى. وهذا المرادُ بقولِهِ: (وما بكلِّ ذا حدٌّ حَصَلْ) . أي: وما بكلِّ قولٍ من الأقوالِ الثلاثةِ حصلَ حدٌّ صحيحٌ للحَسَنِ. 54.... وَقَالَ بَانَ لي بإمْعَانِ النَّظَرْ ... أنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ كُلٌّ قَدْ ذَكَرْ ... قِسْماً، وَزَادَ كَونَهُ مَا عُلِّلا ... وَلاَ بِنُكْرٍ أوْ شُذُوْذٍ شُمِلاَ

أي: وقال ابنُ الصلاحِ: وقد أمعنْتُ النَظَرَ في ذلك، والبحثَ، جامعاً بين أطرافِ كلامِهِم، ملاحظاً مواقعَ استعمالِهِم، فتنقحَ لي واتضَحَ أنَّ الحديثَ الحسنَ قسمانِ: أحدُهما: الحديثُ الذي لا يخلو رجالُ إسنادهِ من مستورٍ لم تتحققْ أهليتُهُ، غيرَ أنَّهُ ليس مغفلاً، كثيرَ الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهمٌ بالكذبِ في الحديثِ، أي: لم يظهرْ منه تعمُّدُ الكذبِ في الحديثِ، ولا سببٌ آخرُ مفسِّقٌ ويكونُ متنُ الحديثِ مع ذلك قد عُرِفَ، بأنْ رُوِي مثلُهُ أو نحوُهُ من وجهٍ آخرَ، أو أكثر، حتى اعتضدَ بمتابعةِ مَنْ تابعَ راويهِ على مثلِهِ، أو بما لَهُ مِنْ شاهدٍ، وهو ورودُ حديثٍ آخرَ نحوه، فيخرجُ بذلك عن أنْ يكونَ شاذاً، أو منكراً. وكلامُ الترمذيِّ على هذا القسمِ يتنزلُ. القسمُ الثاني: أنْ يكونَ راويه من المشهورين بالصدقِ والأمانةِ، غيرَ أنَّهُ لا يبلغُ درجةَ رجالِ الصحيحِ؛ لكونهِ يقصُرُ عنهم في الحفِظِ والإتقانِ، وهو مع ذلك يرتفعُ عن حالِ مَنْ يُعَدُّ ما ينفردُ به من حديثِهِ منكراً. قال: ويعتبرُ في كلِّ هذا مع سلامةِ الحديثِ من أنْ يكونَ شاذاً، أو منكراً سلامتُهُ من أنْ يكونَ مُعَلّلاً. وعلى القسمِ الثاني يتنزلُ كلامُ الخطّابيِّ. قال: فهذا الذي ذكرناه جامعٌ لما تفرّقَ في كلامِ مَنْ بلغَنَا كلامُهُ في ذلك. قال: وكأنَّ الترمذيَّ ذَكَرَ أحدَ نوعَي الحَسَنِ، وذَكَرَ الخطابيُّ النوعَ الآخرَ، مقتصِراً كلُّ واحدٍ منهما على ما رأى أنَّهُ مشكِلٌ، معرضاً عمّا رأى أنَّهُ

لا يُشْكِلُ أو أنَّهُ غَفَلَ عن البعضِ وذهلَ. وقولُهُ: (كلٌّ قدْ ذَكَر) ، أي: كلُّ واحدٍ من الترمذيِّ، والخطّابيِّ. وقولُه: (وزادَ) ، أي: ابنُ الصلاحِ. والإمعانُ مصدرُ أمْعَنَ. من قولِ الفقهاءِ في التيمُّمِ: أمعنَ في الطلبِ. وكأَنَّهُ مأخوذٌ من الإبعادِ في العَدْوِ. ففي التهذيبِ عن الليثِ بن المظفّرِ: أمعنَ الفرسُ وغيرُهُ، إذا تباعَدَ في عَدْوِهِ. وفي " الصحاحِ ": أمعَنَ الفرسُ: تباعَدَ في عَدْوِهِ. ويحتملُ أنَّهُ من أمعنَ الماءَ إذا أجرَاهُ. ويحتَملُ غيرَ ذلك. وقد بينتُهُ في " الشرحِ الكبيرِ ". 56.... وَالفُقَهَاءُ كلُّهُمْ يَستَعمِلُهْ ... وَالعُلَمَاءُ الْجُلُّ مِنْهُمْ يَقْبَلُهْ 57.... وَهْوَ بأقْسَامِ الصَّحِيْحِ مُلْحَقُ ... حُجِّيَّةً وإنْ يَكُنْ لا يَلْحَقُ البيتُ الأولُ مأخوذٌ من كلامِ الخطّابيِّ. وقد تقدّم نَقْلُهُ عنه إلا أنَّهُ قال: عامّةُ الفقهاءِ، وعامةُ الشيءِ يطلقُ بإزاءِ معظمِ الشيءِ، وبإزاءِ جميعِهِ. والظاهرُ أنَّ الخطابيَّ أرادَ الكُلَّ. ولو أرادَ الأكثرَ لما فَرَّقَ بين العلماءِ والفقهاءِ. وقوله: (حجيّةً) ، نصبٌ على التمييزِ، أي: الحسنُ ملحقٌ بأقسامِ الصحيحِ في الاحتجاجِ به، وإنْ يكن دونَهُ في الرُّتْبَةِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((الحسنُ يتقاصرُ عن الصحيحِ)) . قال: ((ومِنْ أهلِ الحديثِ مَنْ لا يفردُ نوعَ الحسنِ ويجعلُهُ مندرجاً في أنواعِ الصحيحِ؛ لاندراجهِ

في أنواعِ ما يحتجُّ به)) . قال: ((وهو الظاهرُ من كلامِ الحاكمِ في تصرفاتِهِ. قال: ثمَّ إنَّ مَنْ سَمَّى الحسنَ صحيحاً لا يُنْكِرُ أنهُ دونَ الصحيحِ المقدّمِ المبينِ أولاً. قال: فهذا إذَنْ اختلافٌ في العبارةِ دون المعنى)) . 58.... فَإنْ يُقَلْ: يُحْتَجُّ بِالضَّعِيْفِ ... فَقُلْ: إذا كَانَ مِنَ المَوْصُوْفِ ... رُوَاتُهُ بِسُوْءِ حِفْظٍ يُجْبَرُ ... بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ يُذْكَرُ 60.... وَإنْ يَكُنْ لِكَذِبٍ أوْ شَذَّا ... أوْ قَوِيَ الضَّعْفُ فَلَمْ يُجْبَر ذَا ... أَلاَ تَرَى الْمُرْسَلَ حَيْثُ أُسْنِدَا ... أوْ أرْسَلُوا كَمَا يَجِيءُ اعْتُضِدَا لما تقدّمَ أنَّ الحسنَ قاصرٌ عن الصحيحِ، وإنّما أُلْحِقَ به في الاحتجاجِ. وتقدَمَ أنَّ الحسنَ لا يُشترطُ فيه ثقةُ رجالِهِ، بل إذا كان فيهم من لا يُتَّهَمُ بالكَذِبِ ورُوِيَ من وَجْهٍ آخرَ كان حسناً، على الشروطِ المتقدمةِ. وغيرُ المتهمِ أعمُّ منْ أنْ يكونَ ثقةً، أو مستوراً، والمستورُ غيرُ مقبولٍ عند الجمهورِ.

وربّما كان من تابعَهُ مستوراً أيضاً. وكلاهما لو انفردَ لم تَقُمْ به حجّةٌ فكيفَ يحتجُّ به إذا انضمَّ إليهِ مَنْ لا يحتجُّ به منفرداً. وأجابَ عنه ابنُ الصلاحِ بما ذُكرَ في البيتِ الأخيرِ من هذهِ الأبياتِ الأربعةِ. فقالَ بعد قولِهِ: إنَّ الحسنَ متقاصرٌ عن الصحيحِ: ((وإذا استبعدَ ذلك من الفقهاءِ الشافعيةِ مُسْتَبعدٌ ذكرنا له نصَّ الشافعيِّ (في مراسيلِ التابعينَ أنَّهُ يقبلُ منها المرسلَ الذي جاءَ نحوُه مسنداً. وَكَذَلِكَ لَوْ وافقَهُ مرسلٌ آخرُ أرسلَهُ مَنْ أخذَ العلمَ عن غيرِ رجال التابعيِّ الأولِ في كلامٍ لَهُ ذكرَ فِيْهِ وجوهاً من الاستدلالِ عَلَى صحةِ مَخْرجِ المُرْسَلِ بمجيئِهِ من وجهٍ آخرَ)) . ثُمَّ قَالَ في جوابِ سؤالٍ آخرَ: ((لَيْسَ كُلُّ ضعفٍ في الحديثِ يزولُ بمجيئِهِ من وجوهٍ، بَلْ ذَلِكَ يختلف فمنه ضَعْفٌ يُزِيلُه ذَلِكَ، بأنْ يكونَ ضَعْفُهُ ناشِئَاً مِنْ ضَعْفِ حفظِ راويه مَعَ كونِهِ مِنْ أهلِ الصِّدْقِ والديانة. فإذا رأينا ما رواهُ قَدْ جاءَ من وجهٍ آخرَ عرفنا أنَّهُ

مِمَّا قَدْ حفظَهُ وَلَمْ يختلَّ فِيْهِ ضبطُهُ لَهُ. وَكَذَلِكَ إذا كانَ ضَعْفُهُ من حيثُ الإرسالُ زالَ بنحوِ ذَلِكَ كَمَا في المُرْسَلِ الَّذِي يُرْسِلُهُ إمامٌ حافظٌ، إذ فِيْهِ ضعفٌ قليلٌ يزولُ بروايتهِ من وجهٍ آخرَ. - قَالَ -: ومن ذَلِكَ ضعفٌ لا يزولُ بنحوِ ذَلِكَ؛ لقوةِ الضعفِ؛ وتقاعدِ هذا الجابرِ عن جَبْرِهِ ومقاومتِهِ. وذلك كالضعفِ الذي ينشأُ من كونِ الراوي متهماً بالكذبِ أو كونِ الحديثِ شاذاً. قال: وهذهِ جملةٌ تفاصيلُها تدركُ بالمباشرةِ والبحثِ، فاعلمْ ذلك فإنَّهُ من النفائِسِ العزيزةِ، والله أعلمُ. وقولُهُ: (رواتُهُ) ، هو مرفوعٌ لسدِّهِ مَسَدَّ الفاعلِ، وهو مفعولُ قولِهِ: (الموصوفِ) . وقوله: (أوْ أرسلوا كما يجيءُ) ، يريدُ: أو أرسلوه على الوجهِ الذي يجيءُ لا مطلقاً. وأُشيرَ بقولِهِ: (يجيء) إلى موضعِ الكلامِ على المُرْسَلِ. 62.... وَالحَسَنُ: الْمشهُوْرُ بِالعَدَالَهْ ... وَالصِّدْقِ رَاوِيهِ، إذَا أَتَى لَهْ 63.... طُرُقٌ اخْرَى نَحْوُهَا مِن الطُّرُقْ ... صَحَّحْتُهُ كَمَتْنِ (لَوْلاَ أنْ أَشُقْ) 64.... إذْ تَابَعُوْا (مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو) ... عَلَيْهِ فَارْتَقَى الصَّحِيْحَ يَجْرِي

قوله المشهورُ، صفةٌ للحَسَنِ، لا خبرٌ له والشرطُ وجوابُهُ في موضعِ الخَبَرِ، أي والحَسَنُ الذي راويه مشهورٌ بالصدقِ والعدالةِ، إذا أتَتْ له طرقٌ أخرى حكمَتْ بصحتِهِ، كحديثِ محمدِ بنِ عمرو، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لولا أنْ أشقَّ على أمتي لأمرتُهم بالسواكِ عند كلِّ صلاةٍ قالَ ابنُ الصلاحِ محمدُ بنُ عمرِو بنِ علقمةَ من المشهورينَ بالصدقِ والصيانةِ لكنَّهُ لم يكن من أهلِ الإتقانِ حتَّى ضَعَّفَهُ بعضُهم مِنْ جهةِ سوءِ حفظِهِ ووثَّقَهُ بعضُهم لصدقِهِ وجلالتِهِ فحديثُهُ من هذهِ الجهةِ حَسَنٌ، فلمَّا انضمَّ إلى ذلكَ كونُهُ رُوي من أوجُهٍ أُخَرَ، زالَ بذلك ما كنا نخشاهُ عليه من جهةِ سوءِ حفظِهِ وانجبرَ بهِ ذلك النقصُ اليسيرُ، فصحَّ هذا الإسنادُ، والتحقَ بدرجةِ الصحيحِ وقد أخذَ ابنُ الصلاحِ كلامَهُ هذا من الترمذيِّ فإنَّهُ قالَ بعدَ أنْ أخرجَهُ من هذا الوجهِ حديثُ أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ عندي صحيحٌ ثُمَّ قالَ وحديثُ أبي هريرةَ إنَّما صَحَّ؛ لأنَّه قد رُوي من غيرِ وَجْهٍ

وقولُهُ إذ تابعوا محمدَ بنَ عمرٍو ذكرهُ بعد قولِهِ كمتنِ لولا أنْ أشقَّ ليعلمَ أنَّ التمثيلَ ليس لمُطْلَقِ هذا الحديثِ، ولكنْ بقيدِ كونِهِ من روايةِ مُحَمَّدِ بنِ عمرو ولستُ أريدُ بالمتابعةِ كونَهُ رواهُ عن أبي سلمةَ عن أبي هُرَيرَة غيرُ محمدِ بنِ عمرٍو؛ ولكنَّ متابعةَ شيخِهِ أبي سلمةَ عليه عن أبي هريرةَ فقد تابعَ أبا سلمةَ عليه عن أبي هريرةَ، عبدُ الرحمن بنُ هرمزٍ الأعرجُ، وسعيد المقبريُّ، وأبوه أبو سعيدٍ، وعطاءٌ مولى أُمِّ صُبَيَّةَ، وحميدُ بنُ عبدِ الرحمن، وأبو زرعة بنُ عمرِو بنِ جريرٍ، وهو متفقٌ عليه من طريقِ الأعْرَجِ والمتابعةُ قَدْ يُراد بها متابعةُ الشيخِ، وقد يُراد بها متابعةُ شيخِ الشيخِ، كما سيأتي الكلامُ عليهِ في فصلِ المتابعاتِ والشواهدِ

.. قَالَ: وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ ... جَمْعُ (أبي دَاوُدَ) أيْ في السُّنَنِ 66.... فإنَّهُ قَالَ ذَكَرْتُ فِيْهِ ... ما صَحَّ أوْ قَارَبَ أوْ يَحْكِيْهِ ... وَمَا بهِ وَهْنٌ شَدِيْدٌ قُلْتُهُ ... وَحَيْثُ لاَ فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ 68.... فَمَا بِهِ وَلَمْ يُصَحَّحْ وَسَكَتْ ... عَلَيْهِ عِنْدَهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ ... و (ابْنُ رُشَيْدٍ) قَالَ -وَهْوَ مُتَّجِهْ- ... قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ أي: قال ابنُ الصَّلاحِ: ومن مظانِّه - أي: الحسنِ - سننُ أبي داودَ السجستانيِّ - رحمهُ اللهُ تعالى -. رُوينا عنه أنَّهُ قالَ: ذكرتُ فيه الصحيحَ وما يُشْبِهُهُ ويقارِبُهُ. قال: وروينا عنه أيضاً ما مَعْناهُ أنَّهُ يذكُرُ في كُلِّ بابٍ أصحَّ ما عرفَهُ في ذلكَ

البابِ. وقال: ما كان في كتابي من حديثٍ فيه وَهْنٌ شديدٌ فقد بينتُهُ، وما لم أذكرْ فيه شيئاً فهو صالحٌ وبعضُها أصحُّ من بعضٍ. قال ابنُ الصلاحِ: ((فعلى هذا ما وجدناه في كتابِهِ مذكوراً مطلقاً، وليس في واحدٍ من الصحيحينِ، ولا نَصَّ على صحتِهِ أحدٌ ممَّنْ يُميِّزُ بين الصحيحِ والحسنِ عرفناه بأنَّهُ من الحسَنِ عند أبي داودَ. وقد يكونُ في ذلك ما ليسَ بحسَنٍ عند غيرِهِ، ولا مندرجٍ فيما حقّقنا ضبطَ الحسنِ به)) . ثم ذكرَ كلامَ ابنِ منده في شرطِ أبي داودَ، والنسائيِّ. وقد ذكرتُهُ بعد هذا بسبعةِ أبياتٍ. وقد اعترضَ أبو عبد اللهِ محمدُ بنُ عمرِ بنِ محمدِ الفِهريُّ الأندلسيُّ المعروفُ بابن رُشَيد، على كلامِ ابنِ الصَّلاحِ بأنْ قال: ((ليس يلزمُ أنْ يُستفادَ من كونِ الحديثِ لم

ينصَّ عليه أبو داودَ بضَعْفٍ، ولا نَصَّ عليهِ غيرُهُ بصحةٍ أنَّ الحديثَ عند أبي داودَ حسنٌ. إذْ قد يكونُ عنده صحيحاً، وإنْ لم يكن عندَ غيرِهِ كذلك. وقال أبو الفتح اليعمريُّ: ((وهذا تعقّبٌ حسنٌ)) . انتهى. وهذا معنى قولِهِ: (وهو مُتَّجِهْ) ، وهي جملةٌ معترضةٌ. ومعمولُ القولِ قد يبلغُ إلى آخرهِ. وقد يُجابُ عن اعتراضِ ابنِ رُشيد: بأنَّ ابنَ الصلاحِ إنَّما ذكرَ ما لنا أنْ نعرفَ الحديثَ به عندَهُ والاحتياطُ أنْ لا يرتفعَ به إلى درجةِ الصِّحَّةِ، وإنْ جازَ أنْ يبلغَها عند أبي داودَ؛ لأنَّ عبارتَهُ: فهو صالحٌ، أي للاحتجاجِ به. فإنْ كان أبو داودَ يَرى الحسنَ رتبةً بين الصحيحِ والضعيفِ، فالاحتياطُ ما قالَهُ ابنُ الصلاحِ، وإنْ كان رأيُهُ كالمتقدّمين أنَّهُ ينقسمُ إلى صحيحٍ وضعيفٍ، فما سكت عنه فهو صحيحٌ، والاحتياطُ أنْ يُقْالَ صالحٌ كما عَبَّرَ هو عن نفسِهِ. 70.... وَللإمَامِ (اليَعْمُرِيِّ) إنَّما ... قَوْلُ أبي دَاوُدَ يَحْكي مُسْلِما ... حَيثُ يَقُوْلُ: جُمْلَةُ الصَّحِيْحِ لا ... تُوجَدُ عِنْدَ (مَالِكٍ) وَالنُّبَلا 72.... فَاحْتَاجَ أنْ يَنْزِلَ في الإسْنَادِ ... إلى يَزيْدَ بنِ أبي زيَادِ ... وَنَحْوِهِ، وإنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ ... قَدْ فَاتَهُ، أدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْقِ 74.... هَلاَّ قَضَى عَلَى كِتَابِ مُسْلِمِ ... بِمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّمِ أي وللإمامِ أبي الفتحِ محمّدِ بن محمدِ بنِ محمدِ بنِ سَيِّدِ النّاسِ اليَعْمُريِّ تعقّبٌ على كلامِ ابنِ الصَّلاحِ، فقالَ في شرح الترمذيِّ لم يَرْسُمْ أبو داود شيئاً بالحسنِ

وعملُه في ذلك شبيهٌ بعملِ مسلم، الذي لا ينبغي أنْ يحملَ كلامَهُ على غيرِهِ أنّه اجتنبَ الضعيفَ الواهيَ، وأتى بالقسمينِ الأولِ والثاني، وحديثُ من مَثَّلَ به من الرواةِ من القسمينِ الأولِ والثاني، موجودٌ في كتابِهِ دونَ القسم الثالثِ قال فهلاَّ ألزمَ الشيخُ أبو عمرٍو مسلماً من ذلك ما ألزَمَ به أبا دوادَ؟ فمعنى كلامِهِمَا واحدٌ وقولُ أبي داودَ وما يشبهُهُ، يعني في الصِّحَّةِ، وما يقارِبُهُ، يعني فيها أيضاً قال وهو نحوُ قولِ مسلمٍ أنَّهُ ليس كُلُّ الصحيحِ نجدُهُ عند مالكٍ، وشعبةَ وسفيانَ، فاحتاجَ أنْ ينزلَ إِلَى مثلِ حديثِ ليثِ بن أبي سُليمٍ، وعَطَاءِ بنِ السائبِ، ويزيدَ بن أبي زيادٍ؛ لما يَشْملُ الكُلَّ من اسمِ العدالةِ والصدقِ، وإنْ تفاوتوا في الحفظِ والإتقانِ، ولا فرقَ بين الطريقينِ، غيرَ أنَّ مسلماً شرطَ الصحيحَ فَتَحرَّجَ من حديثِ الطبقةِ الثالثةِ، وأبا داودَ لم يشترطْهُ فذكرَ ما يشتدُّ وَهنُهُ عندَهُ والتزمَ البيانَ عنهُ قال وفي قولِ

أبي دوادَ أنَّ بعضَها أصحُّ من بعضٍ ما يشيرُ إلى القَدَرِ المشتَركِ بينَها من الصحَّةِ، وإنْ تفاوتَتْ فيه لما تقتضيهِ صيغةُ أفْعَلَ في الأكثرِ انتهى والجوابُ عمّا اعترضَ به ابنُ سَيِّدِ الناسِ أنَّ مسلماً التزم الصحةَ في كتابِهِ، فليس لنا أن نحكمَ على حديثٍ خَرَّجَهُ فيه بأنَّهُ حسنٌ عندَهُ، لما تقدّمَ من قُصورِ الحَسَنِ عن الصحيحِ وأبو داودَ قال إنَّ ما سكت عنه فهو صالحٌ والصالحُ قد يكونُ صحيحاً، وقد يكونُ حسناً عند مَنْ يَرَى الحسنَ رتبةً دونَ الصحيحِ ولم يُنْقَلْ لنا عن أبي داودَ هل يقولُ بذلك، أ ويَرى ما ليس بضعيفٍ صحيحاً؟ فكانَ الاحتياطُ أنْ لا يرتفعَ بِمَا سكتَ عَنْهُ إِلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يعلمَ أنَّ رأيَهُ هُوَ الثاني، ويحتاجُ إِلَى نَقلٍ وقولُهُ يحكي مسلماً، أي يشبهُ قولَ مُسْلِم وقولُهُ حيثُ يقولُ، أي مُسْلِم، وكذا قولُهُ فاحتاجَ، أي مُسْلِم وقولُهُ فاتَهُ، أي يزيدَ بنَ أبي زيادٍ، ونحوه وقولُهُ هلاّ قضى، أي ابنُ الصلاحِ وقولُهُ عَلَيْهِ، أي على كتابِ أبي داودَ ... وَ (البَغَوِيْ) إذْ قَسَّمَ المَصَابحَا ... إلى الصِّحَاحِ وَالحِسَانِ جَانِحا 76.... أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ في السُّنَنْ ... رَدَّ عَلَيهِ إذْ بِهَا غَيْرُ الحَسَنْ أي والبَغويُّ رُدَّ عليهِ في تسميتِهِ في كتابِ المصابيحِ ما رواهُ أصحابُ السُّنَنِ الحِسانَ إذ في السنن غيرُ الحسَنِ من الضعيفِ والصحيحِ، إنْ قلنا الحسنُ ليس أعمَّ من الصحيحِ، كما سيأتي في بقيّةِ الفصلِ قال ابنُ الصلاحِ هذا اصطلاحٌ لا يُعرفُ، وليس الحسنُ عند أهلِ الحديثِ عبارةً عن ذلكَ

.. كَانَ (أبُوْ دَاوُدَ) أقْوَى مَا وَجَدْ ... يَرْوِيهِ، والضَّعِيْفَ حَيْثُ لاَ يَجِدْ 78.... فِي البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رَأيٍ اقوَى قَالهُ ابْنُ مَنْدَهْ ... (وَالنَّسَئيْ) يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا ... عَليْهِ تَرْكاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ هذا بيانٌ لكونِ السننِ فيها غيرُ الحسن. قالَ ابنُ الصلاحِ: روينا عنه أي: عن أبي داودَ ما معناهُ أنَّهُ يذكرُ في كلِّ بابٍ أصحَّ ما عرَفَهُ في ذلك الباب. وقال أبو عبد الله ابنُ منده عنه: إنَّهُ يخرجُ الإسنادَ الضعيفَ إذا لم يجدْ في البابِ غيرَهُ؛ لأنَّهُ أقوى عندَهُ من رأي الرجالِ. وَقَالَ ابنُ منده: إنَّهُ سمعَ محمدَ بنَ سعدٍ الباورديَّ بمصرَ يقولُ: كانَ من مذهبِ أبي عبدِ الرحمنِ النَّسائيِّ أنْ يخرجَ عن كلِّ منْ لم يُجمَعْ على تركهِ.

فقولُهُ: (والضعيفَ) أي: ويروِي الضعيفَ. وقولُهُ: (مذهبٌ متّسعٌ) ، خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ. 80.... وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا ... فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيْحَا أي ومَنْ أطلقَ الصحيحَ على كتبِ السُّنن، فقد تساهَلَ، كأبي طاهرٍ السِّلَفيِّ حيث قال في الكتبِ الخمسةِ اتفقَ على صحتِها علماءُ المشرقِ

والمغربِ وكأبي عبدِ الله الحاكم حيثُ أطلقَ على الترمذيِّ الجامعَ الصحيحَ، وكذلك الخطيبُ أطلقَ عليه، وعلى النسائيِّ اسمَ الصحيحِ ... وَدُوْنَهَا في رُتْبَةٍ مَا جُعِلاَ ... عَلى المَسَانِيْدِ، فَيُدْعَى الجَفَلَى 82.... كَمُسْنَدِ الطَّيَالَسِيْ وأحْمَدَا ... وَعَدُّهُ لِلدَّارِميِّ انْتُقِدَا أي ودونَ السننِ في رتبةِ الصحةِ ما صنِّفَ على المسانيدِ، وهو ما أُفْرِدَ فيه حديثُ كُلِّ صَحَابِيّ عَلَى حِدَةٍ من غيرِ نَظَرٍ للأبوابِ كمسندِ أبي داودَ الطيالسيِّ

ويُقَالُ إنَّهُ أولُ مسندٍ صنِّفَ وكمسندِ أحمدَ بنِ حنبلٍ وأبي بكرِ بن أبي شيبةَ، وأبي بكرٍ البّزارِ، وأبي القاسم البغويِّ، وغيرهم وقد عَدَّ فيها ابنُ الصلاحِ مسندَ الدارميِّ، فَوَهِمَ في ذلك؛ لأنَّه مُرتّبٌ عَلَى الأبوابِ، لا عَلَى المسانيدِ وأشرتُ إِلَى ذَلِكَ بقولي وَعَدَّهُ، أي ابنُ الصلاحِ وقولُهُ فيُدْعَى الجَفَلى، كَنَّى به عن بيانِ كونِ المسانيدِ دونَ السننِ في مرتبةِ الصحةِ؛ لأنَّ من جَمَعَ مسندَ الصحابيِّ يجمعُ فيه ما يقعُ له من حديثِهِ، سواءٌ كان صالحاً للاحتجاجِ أم لا؟ والجَفَلى بفتح الجيمِ والفاءِ معاً مقصورٌ وهي الدعوةُ العامةُ للطعامِ فإنَّ الدعوةَ عندَ العربِ على قسمينِ الجفلى وهي العامةُ، والنقرى وهي الخاصّةُ قال طَرَفةُ نَحْنُ في المَشْتَاةِ نَدْعُو الجَفَلَى ... لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ وفي خطبةِ الإلْمَامِ لِلشَّيخِ تقيِّ الدينِ: ولم أدعُ الأحاديثَ إليهِ الجَفَلَى.

83.... والحُكْمُ لِلإسْنَادِ بِالصِّحَّةِ أوْ ... بِالْحُسْنِ دُوْنَ الحُكْمِ لِلمَتْنِ رَأَوْا ... وَاقْبَلْهُ إنْ أَطْلَقَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ ... وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بِضَعْفٍ يُنْتَقَدْ أي: ورأوا الحكمَ للإسنادِ بالصحةِ كقولهم: ((هذا حديثٌ إسنادُهُ صحيحٌ)) ، دونَ قولِهِم: ((هذا حديثٌ صحيحٌ)) . وكذلك حكمُهُم على الإسنادِ بالحسن، كقولهم: ((إسنادُهُ حسنٌ)) دونَ قولِهِم: ((حديثٌ حسنٌ)) ؛ لأنَّهُ قَدْ يصحُّ الإسنادُ لثقةِ رجالِهِ، ولا يصحُّ الحديثُ لشذوذٍ أو علّةٍ. قال ابنُ الصلاحِ: ((غير أنَّ المصنفَ المعتمدَ منهم إذا اقتصرَ على قولِهِ: إنّهُ صحيحُ الإسنادِ، ولم يذكرْ له علّةً، ولم يقدحْ فيه، فالظاهرُ منه الحكمُ له بأنَّهُ صحيحٌ في نفسهِ؛ لأنَّ عدمَ العلةِ والقادحِ، هو الأصلُ والظاهرُ)) . قلتُ: وكذلك إنِ اقتصرَ على قولِهِ: حَسَنُ الإسنادِ، ولم يُعَقِّبْهُ بضعفٍ، فهو أيضاً محكومٌ له بالحُسْنِ. 85.... وَاسْتُشْكِلَ الحُسْنُ مَعَ الصِّحَّةِ في ... مَتْنٍ، فَإنْ لَفْظاً يُرِدْ فَقُلْ: صِفِ ... بِهِ الضَّعِيْفَ، أوْ يُرِدْ مَا يَخْتَلِفْ ... سَنَدُهُ، فَكَيْفَ إنْ فَرْدٌ وُصِفْ؟ أي: واستُشْكِلَ الجمعُ بَيْنَ الصحةِ والحسنِ في حديثٍ واحدٍ، كقولِ الترمذيِّ وغيرِهِ: ((هَذَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)) ؛ لأنَّ الحسنَ قاصرٌ عن الصَّحِيحِ، كما سبقَ، فكيفَ يجتمعُ إثباتُ القصورِ ونفيُهُ في حديثٍ واحدٍ. وقد أجابَ ابنُ الصلاحِ بجوابٍ، ثمَّ جَوَّزَ جواباً آخرَ. وضَعَّفَ الجوابينِ ابنُ دقيقِ العيدِ، فمزجتُ الجوابينِ بردِّهِما. فقولُهُ:

(فإنْ لفظاً يُردْ) ، أي: ابنُ الصلاحِ، فإنَّهُ قالَ: ((إنّه غيرُ مستنكَرٍ أنْ يُرادَ بالحسنِ معناهُ اللُّغويُّ دون الاصطلاحيِّ)) . قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((ويلزمُ عليهِ أنْ يطلقَ على الحديثِ الموضوعِ إذا كان حسنَ اللفظِ أنَّهُ حسنٌ)) . وقولُهُ: (أو يُرِدْ ما يختلف سندُهُ) ، هذا هو الجوابُ الأولُ الذي أجابَ به ابنُ الصلاحِ أنَّ ذلك راجعٌ إلى الإسنادِ بأنْ يكونَ له إسنادانِ: أحدُهما صحيحٌ، والآخر: حسنٌ. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((يَرِدُ عليهِ الأحاديثُ التي قيلَ فيها: حسنٌ صحيحٌ مع أنَّهُ ليس لها إلاّ مخرجٌ واحدٌ. وفي كلامِ الترمذيِّ في مواضعَ يقولُ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ لا نعرفهُ إلا مِنْ هذا الوجه)) . وهذا معنى قولِهِ: (فكيفَ إنْ فردٌ وُصِف) ، أي: فكيفَ إنْ وصفَ حديثٌ فردٌ بأنّهُ حسنٌ صحيحٌ، كحديث العلاءِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ: ((إذا بقي نصفُ شعبانَ فلا تصوموا)) ، فقالَ فيه الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ لا نعرِفُهُ إلا مِنْ هذا الوجهِ على هذا اللفظِ.

87.... وَ (لأَبِي الفَتْحِ) في الاقْتِرَاحِ ... أنَّ انفِرَادَ الحُسْنِ ذُوْ اصْطِلاَحِ 88.... وَإنْ يَكُنْ صَحَّ فَليْسَ يَلْتَبِسْ ... كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ لاَ يَنْعَكِسْ 89.... وَأوْرَدوا مَا صَحَّ مِنْ أفْرَادِ ... حَيْثُ اشْتَرَطْنَا غَيْرَ مَا إسْنَادِ وهذا جوابٌ عن الاستشكالِ المذكورِ، أجابَ به ابنُ دقيقِ العيدِ في كتاب " الاقتراحِ "، بعدَ رَدِّ الجوابينِ المتقدّمينِ، وحاصلُهُ أنَّ الحسنَ لا يُشتَرطُ فيه القصورُ عن الصِّحَّةِ إلا حيثُ انفردَ الحسنُ فيرادُ بالحسنِ حينئذٍ المعنى الاصطلاحيُّ. وأمّا إنِ ارتفعَ إلى درجةِ الصحةِ فالحسنُ حاصلٌ لا محالةَ تبعاً للصحةِ؛ لأنَّ وجودَ الدرجةِ العُليا، وهي الحفظُ والإتقانُ، لا ينافي وجودَ الدنيا، كالصدقِ؛ فيصحُّ أنْ يُقالَ: حسنٌ باعتبارِ الصفةِ الدنيا، صحيحٌ باعتبارِ الصفةِ العليا. قال: ويلزَمُ على هذا أنْ يكونَ كُلُّ صحيحٍ حسناً ويؤيِّدُهُ قولُهُم: حَسَنٌ في الأحاديثِ الصحيحةِ وهذا موجودٌ في كلامِ المتقدّمين. انتهى. وقد تقدّمَ أنَّ ابنَ الموّاقِ أيضاً، قال: كُلُّ صحيحٍ عند الترمذيِّ حسنٌ، وليسَ كلُّ حَسَنٍ صحيحاً.

وقولُهُ: (وأوردوا إلى آخرهِ) : هذا إيرادٌ أوردَهُ ابنُ سَيِّدِ الناسِ على ابن الموّاقِ، فقالَ: قدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أنَّهُ اشترطَ في الحسنِ أنْ يُروى نحوُهُ من وجهٍ آخرَ، ولم يشترطْ ذلك في الصحيحِ، فانتفى أن يكونَ كلُّ صحيحٍ حسَنَاً. انتهى. فعلى هذا: الأفرادُ الصحيحةُ ليست بحسنةٍ عند الترمذيِّ إذ يشترطُ في الحسنِ أن يُروى من غير وجهٍ، كحديثِ: ((الأعمالُ بالنياتِ)) ، وحديثِ: ((السَّفرُ قِطْعةٌ من العذَابِ)) ،

وحديث: ((نهى عن بيعِ الوَلاءِ وعن هِبَتِهِ)) . قلتُ: وجوابُ ما اعترضَ به أنَّ الترمذيَّ إنَّما يشترطُ في الحسنِ، مجيئَهُ من وجهٍ آخرَ، إذا لم يبلغْ رُتْبَةَ الصحيحِ، فإنْ بلغَها لم يشترطْ ذلك بدليلِ قولِهِ في مواضعَ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، فلمّا ارتفعَ إلى درجةِ الصحةِ أثبتَ له الغرابةَ باعتبارِ فرديَّتِهِ.

القسم الثالث: الضعيف

الْقِسْمُ الثَّالِثُ الضَّعِيْفُ ... أمَّا الضَّعِيْفُ فَهْوَ مَا لَمْ يَبْلُغِ ... مَرْتَبَةَ الحُسْنِ، وإنْ بَسْطٌ بُغِي: 91.... فَفَاقِدٌ شَرْطَ قَبُوْلٍ قِسْمُ ... وَاثْنَيْنِ قِسْمٌ غَيْرُهُ، وَضَمُّوْا ... سِوَاهُما فَثَالِثٌ، وَهَكَذَا ... وَعُدْ لِشَرْطٍ غَيْرَ مَبْدُوٍّ فَذَا 93.... قِسْمٌ سِوَاهَا ثُمَّ زِدْ غَيْرَ الَّذِي ... قَدَّمْتُهُ ثُمَّ عَلى ذَا فَاحْتَذِي أي ما قَصَرَ عَلَى رتبةِ الحسنِ فَهُوَ ضعيفٌ وقولُ ابنِ الصلاحِ هُوَ ما لَمْ يجمعْ صفاتِ الصحيحِ، ولا صفاتِ الحسنِ فذِكْرُ الصحيحِ غيرُ محتاجٍ إِلَيْهِ؛ لأنَّ ما قصرَ عن الحسنِ فهو عن الصحيحِ أقصرُ، وإنْ كان بعضُهُم يقولُ إنَّ الفردَ الصحيحَ لا يُسَمَّى حسناً، على رأي الترمذيِّ فقد تقدّمَ ردُّه وقولُهُ وإنْ بَسْطٌ بُغِي ... إلى آخره، أي وإنْ أُريدَ بَسْطَ أقسامِ الضعيفِ، فما فُقدَ فيه شرطٌ من شروطِ القبولِ قِسْمٌ وشروطُ القبولِ هي شروطُ الصحيحِ والحسنِ، وهي ستةٌ اتصالُ السندِ حيث لم ينجبرِ المرسلُ بما يُؤَكِّدُهُ على ما سيأتي

وعدالةُ الرجالِ والسلامةُ من كثرةِ الخطأ والغفلةِ ومجيءُ الحديثِ من وجهٍ آخرَ حيثُ كان في الإسنادِ مستورٌ لم تُعْرَفْ أهليتُهُ، وليس متّهماً كثيرَ الغَلَطِ والسلامةُ من الشذوذِ والسلامةُ من العلةِ القادحةِ فما فقد فيه الاتّصالُ قسمٌ، ويدخل تحتَهُ قسمان الأولُ المنقطعُ، الثاني المرسلُ الذي لم ينجبرْ وقولُهُ واثنينِ قسمٌ غيرُهُ، أي وما فقد فيه شرطٌ آخرُ مع الشرطِ المتقدّمِ، قسمٌ آخرُ ويدخلُ تحتَهُ اثنا عَشَرَ قِسْمَاً؛ لأنَّ فقدَ العدالةِ يَدْخُلُ تحتَهُ الضعيفُ والمجهولُ وهذه أقسامُهُ الثالث مرسلٌ في إسنادِهِ ضعيفٌ الرابعُ منقطعٌ فيه ضعيفٌ الخامسُ مرسلٌ فيه مجهولٌ السادس منقطعٌ فيه مجهولٌ السابعُ مرسلٌ فيه مغفَّلٌ كثيرُ الخطأ، وإنْ كانَ عدلاً الثامنُ منقطعٌ فيهِ مغفَّلٌ كذلك التاسعُ مرسلٌ فيه مستورٌ، ولم ينجبر بمجيئِهِ من وجهٍ آخرَ العاشرُ منقطعٌ فيه مستورٌ، ولم يَجِئ من وجهٍ آخرَ الحادي عشر مرسلٌ شاذٌّ الثاني عشر منقطعٌ شاذٌ الثالث عشر مرسلٌ معلّلٌ الرابعَ عشر منقطعٌ معللٌ

وقولُهُ وضموا سواهما فثالث، أي وضموا إلى فقدِ الشرطينِ المتقدمَينِ فقدَ شرطٍ ثالثٍ، فهو قسمٌ ثالثٌ من أصلِ الأقسامِ ويدخل تحتَهُ عشرَةُ أقسامٍ، وهي هذهِ الخامس عشر مرسلٌ شاذٌّ فيه عدلٌ مغفلٌ كثيرُ الخَطَأ السادسَ عشرَ منقطعٌ شاذٌّ فيه مغفلٌ كذلك السابعَ عشرَ مرسلٌ معللٌ فيه ضعيفٌ الثامنَ عشرَ منقطعٌ معللٌ فيه ضعيفٌ التاسعَ عشرَ مرسلٌ معللٌ فيه مجهولٌ العشرونَ منقطعٌ معللٌ فيه مجهولٌ الحادي والعشرون مرسلٌ معللٌ فيه مغفلٌ كذلك الثاني والعشرونَ منقطعٌ معللٌ فيه مغفلٌ كذلك الثالث والعشرون مرسلٌ معللٌ فيه مستورٌ ولم ينجبر الرابعُ والعشرون منقطعٌ معللٌ فيه مستورٌ كذلك وقولُهُ وهكذا، أي وهكذا فافعلْ إلى آخرِ الشروطِ، فخذ ما فَقَدَ فيه الشرطَ الأولَ، وهو الاتصالُ مع شرطينِ آخرينِ، غيرَ ما تقدم، وهما السلامةُ من الشذوذِ والعلةِ ثم خذ ما فُقِدَ فيه شرطٌ آخرُ مضموماً إلى فَقْدِ هذهِ الشروطِ الثلاثةِ، وهي هذهِ الخامسُ والعشرون مرسلٌ شاذٌّ معللٌ السادسُ والعشرون منقطعٌ شاذٌّ معللٌ السابع والعشرون مرسلٌ شاذٌّ معللٌ فيه مغفلٌ كثيرُ الخطأ الثامنُ والعشرون منقطعٌ شاذٌّ معللٌ فيه مغفلٌ كذلك وقوله وعُدْ لشرطٍ غَيرَ مبدوٍّ، أي وَعُدْ فابدأ بما فُقِدَ فيه شرطٌ واحدٌ غيرَ ما بدأتَ به أولاً، وهو ثقةُ الرواةِ، وتحتَهُ قسمانِ وهما التاسعُ والعشرون ما في إسنادِهِ ضعيفٌ الثلاثون ما فيه مجهولٌ وقولُهُ ثُمَّ زِدْ غيرَ الذي قدمتُهُ، أي ثم زِدْ على فَقْدِ عدالةِ الراوي فَقْدَ شرطٍ آخرَ غيرَ ما بدأتَ به، وتحتهُ قسمان وهُما الحادي والثلاثون ما فيه ضعيفٌ وعلّةٌ الثاني والثلاثون ما فيه مجهولٌ وعلةٌ

وقولُهُ ثم على ذا فاحتذي، أي ثم احذُ على هذا الحذوِ وأدخلتِ الياءُ في آخرِهِ؛ لضرورةِ القافيةِ، والمرادُ فكمل هذا العملُ الثاني الذي بدأتَ فيهِ بفَقْدِ الشرطِ المثنى به، كما كَمَّلْتَ الأولَ، أي فَضُمَّ إلى فقدِ هذينِ الشرطينِ فقدَ شرطٍ ثالثٍ، ثم عُدْ فابدأْ بما فُقِدَ فيه شرطٌ آخرُ غيرُ المبدوِّ به، والمثنى به وهو سلامةُ الراوي من الغَفْلَةِ ثم زِدْ عليهِ وجودَ الشذوذِ أوِ العلَّةِ أو هما معاً ثمَّ عُدْ فابدأْ بما فُقِدَ فيه الشرطُ الرابعُ، وهو عدمُ مجيئه من وجهٍ آخرَ حيث كان في إسنادِهِ مستورٌ ثم زِدْ عليهِ وجودَ العِلَّةِ ثمَّ عُدْ فَابدَأْ بما فُقِدَ فيه الشرطُ الخامسُ، وهو السلامةُ من الشذوذِ ثم زدْ عليه وجودَ العلةِ معه، ثم اخْتِمْ بفَقْدِ الشرطِ السادسِ ويدخلُ تحتَ ذلك أيضاً عشرةُ أقسامٍ، وهي الثالثُ والثلاثونَ شاذٌّ معلّلٌ فيه عدلٌ مغفلٌ كثيرُ الخطأ الرابعُ والثلاثونَ ما فيه مغفلٌ كثير الخطأ الخامسُ والثلاثون شاذٌّ فيهِ مغفلٌ كذلك السادسُ والثلاثون معللٌ فيه مغفلٌ كذلك السابعُ والثلاثون شاذٌّ معللٌ فيه مغفلٌ كذلك الثامنُ والثلاثونَ ما في إسنادِهِ مستورٌ لم تُعْرفْ أهليتُهُ، ولم يُرو من وجهٍ آخرَ التاسعُ والثلاثون معللٌ فيه مستورٌ كذلك الأربعون الشاذُّ الحادي والأربعون الشاذُّ المعلل الثاني والأربعون المعللُ فهذهِ أقسامُ الضعيفِ باعتبارِ الانفرادِ، والاجتماع وقد تركتُ من الأقسامِ التي يظنُّ انقسامُهُ إليها بحسَبِ اجتماعِ الأوصافِ عدّةُ أقسامٍ، وهي اجتماعُ الشذوذِ، ووجودُ ضعيفٍ أو مجهولٍ أو مستورٍ في سندِهِ؛ لأنَّه لا يمكنُ اجتماعُ ذلك على الصَّحِيْحِ؛ لأنَّ الشّذوذَ تفردُ الثقةِ فلا يمكنُ وصفُ ما فيه راوٍ ضعيفٌ، أو مجهولٌ أو مستورٌ بأنَّهُ شاذٌّ، واللهُ أعلمُ

ومن أقسامِ الضعيفِ ما لَهُ لقبٌ خاصٌّ كالمُضطَرِبِ، والمَقْلوبِ، والمَوضوعِ، والمُنْكَرِ، وهو بمعنى الشاذِّ كما سيأتي ... وَعَدَّهُ (البُسْتِيُّ) فِيما أوْعَى ... لِتِسْعَةٍ وَأرْبَعِيْنَ نَوْعَا أي: عَدَّ أبو حاتِم محمّدُ بنُ حبّانَ البستيُّ أنواعَ الضعيفِ تسعةً وأربعينَ نوعاً. وقولُهُ: (أوعَى) ، أي: جمعَ، حكاه صاحبُ " المشارقِ ". ويقال: وَعَى العلمَ، وأوعاه: حَفِظَهُ وجمعَهُ. المَرْفُوْعُ 95.... وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبِيْ ... وَاشتَرَطَ الخَطِيْبُ رَفْعَ الصَّاحِبِ ... وَمَنْ يُقَابِلْهُ بِذي الإرْسَالِ ... فَقَدْ عَنَى بِذَاكَ ذَا اتِّصَالِ

المرفوع

اختلفَ في حدِّ الحديثِ المرفوعِ، فالمشهورُ أنَّهُ: ما أُضيف إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولاً له، أو فعلاً سواءٌ أضافَهُ إليه صحابيٌّ أو تابعيٌّ، أو مَنْ بعدَهما، سواءٌ اتّصلَ إسنادُهُ أم لا. فعلى هذا يدخلُ فيه المتصلُ والمرسلُ والمنقطعُ والمعضلُ. وقال الخطيبُ: هو ما أخبرَ فيه الصحابيُّ عن قولِ الرسولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو فعلِهِ. فعلى هذا لا تدخلُ فيه مراسيلُ التابعينَ ومَنْ بعدَهُم. قال ابنُ الصلاحِ: ((ومَنْ جَعَلَ من أهلِ الحديثِ المرفوعَ في مُقَابَلَةِ المُرْسَلِ، فقد عَنَى بالمرفوعِ المتصلَ)) . المُسْنَدُ 97.... وَالمُسْنَدُ المَرْفُوْعُ أوْ مَا قَدْ وُصِلْ ... لَوْ مَعَ وَقْفٍ وَهوَ في هَذَا يَقِلْ 98.... وَالثالِثُ الرَّفْعُ مَعَ الوَصْلِ مَعَا ... شَرْطٌ بِهِ (الحَاكِمُ) فِيهِ قَطَعَا أُخْتُلِفَ في حَدِّ الحديثِ المسنَدِ على ثلاثةِ أقوالٍ:

فقالَ أبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ في " التمهيد ": هو ما رُفع إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصّةً - قال -: وقد يكونُ متّصلاً مثلُ: مالكٍ، عن نافعِ، عن ابنِ عمرَ، عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد يكونُ منقطعاً، مثلُ: مالكٍ، عن الزهريِّ، عن ابنِ عبّاسٍ، عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: فهذا مسندٌ؛ لأنَّهُ قَدْ أُسندَ إلى رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو منقطعٌ، لأنَّ الزهريَّ لم يَسْمَعْ من ابنِ عبّاسٍ. انتهى. فعلى هذا يستوي المسندُ والمرفوعُ. وقالَ الخطيبُ: هو عندَ أهلِ الحديثِ: الذي اتّصلَ إسنادُهُ من راويهِ إلى منتهاهُ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وأكثرُ ما يستعملُ ذلك فيما جاءَ عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دونَ ما جاءَ عن الصحابةِ وغيرهم. وكذا قال ابنُ الصَّبَّاغِ في"العُدَّة" المسندُ: ما اتصلَ إسنادُهُ. فعلى هذا يَدخُلُ فيه المرفوعُ والموقوفُ. ومقتضى كلامِ الخطيبِ أنَّهُ يدخلُ فيه ما اتصلَ إسنادهُ إلى قائِلِهِ مَنْ كان، فيدخلُ فيه المقطوعُ، وهو قولُ التابعيِّ، وكذا قولُ مَنْ بعدَ التابعينَ، وكلامُ أهلِ الحديثِ يأباهُ. وقولُهُ: أو، هي لتنويعِ الخلافِ، يدلُّ عليه قولُهُ بَعدُ: (والثالثُ) ، وهو أنَّ المسندَ لا يقعُ إلا على ما رُفِعَ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإسنادٍ متصلٍ، وبه جزمَ الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ النَّيْسابوريُّ في " علومِ الحديثِ "

المتصل والموصول

، وحكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ قولاً لبعضِ أهل الحديثِ. المُتَّصِلُ وَالمَوصُولُ 99.... وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً مَوْصُوْلا ... سَوَاءٌ المَوْقُوْفُ وَالمَرْفُوْعُ ... وَلَمْ يَرَوْا أنْ يَدْخُلَ المَقْطُوْعُ المتّصلُ والموصولُ: هو ما اتّصلَ إسنادُهُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو إلى واحدٍ مِنَ الصحابةِ حيثُ كان ذلكَ موقوفاً عليهِ. وأما أقوالُ التابعينَ إذا اتصلتِ الأسانيدُ إليهم،

الموقوف

فلا يسمّونها متصلةً. وهذا معنى قولِهِ: (ولمْ يَرَوْا أنْ يدخُلَ المقطوعُ) ، وإنِ اتصلَ السندُ إلى قائلِهِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ومطلقُهُ، أي: المتصلِ، يقعُ على المرفوعِ والموقوفِ. قلتُ: وإنّما يَمتنعُ اسمُ المتصلِ في المقطوعِ في حالةِ الإطلاقِ. أما مع التقييدِ فجائزٌ واقعٌ في كلامِهِم، كقولِهِم: هذا متصلٌ إلى سعيدِ بنِ المسيِّبِ، أو إلى الزهريِّ، أو إلى مالكٍ ونحو ذلك. المَوْقُوْفُ 101.... وَسَمّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ وَصَلْتَ أوْ قَطَعْتَهُ ... وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَرْ ... وَإنْ تَقِفْ بِغَيرِهِ قَيِّدْ تَبَرّْ أي: والموقوفُ ما قصرْتَهُ بواحدٍ من الصحابةِ قولاً له، أو فعلاً، أو نحوَهُما. ولم تتجاوز به إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سواءٌ اتصلَ إسنادهُ إليه، أولم يتصلْ. وقال أبو القاسمِ الفُوْرانيُّ من الخُراسانيينَ: ((الفُقهاءُ يقولون: الأثرُ ما يُروى عن الصَّحابةِ)) .

وقولُهُ: (وإن تَقِفْ بغيره قيّدْ تبرِ) ، أي: وإنِ استعملتَ الموقوفَ فيما جاءَ عن التابعينَ فمَنْ بعدَهُم، فقيِّدْهُ بهم. فَقُلْ: موقوفٌ على عطاءٍ، أو على طاوُسٍ، أو وقفهُ فلانٌ على مجاهدٍ، ونحوَ ذلكَ. وفي كلامِ ابنِ الصلاحِ أنَّ التقييدَ لا يتقيدُ بالتابعيِّ، فإنَّهُ قال: وقد يستعملُ مقيّداً في غير الصحابيِّ. فعلى هذا يُقالُ موقوفٌ على مالكٍ، على الثوريِّ، على الأوزاعيِّ، على الشافعيِّ، ونحو ذلك. المَقْطُوْعُ 103.... وَسَمِّ بِالمَقْطُوْعِ قَوْلَ التَّابِعي ... وَفِعْلَهُ، وَقَدْ رَأى للشَّافِعِي ... تَعْبِيرَهُ بِهِ عَنِ المُنقطِعِ ... قُلْتُ: وَعَكسُهُ اصطِلاحُ (البَردَعِي)

المقطوع

قَالَ الخَطيبُ في كتابِ " الجامعِ بين آدابِ الراوي والسامعِ ": من الحديثِ: المقطوعُ. - وقال أيضاً -: المقاطعُ، هي الموقوفاتُ على التابعينَ. قال ابنُ الصلاحِ: ويقالُ في جمعِهِ المقاطيعُ، والمقاطعُ. وقولُهُ: (وقد رَأى) أي: ابنُ الصلاحِ، فقالَ: وقد وجَدْتُ التعبيرَ بالمقطوعِ عن المنقطعِ في كلامِ الإمامِ الشافعيِّ، وأبي القاسمِ الطبرانيِّ، وغيرِهما. انتهى. ووجدْتُهُ أيضاً في كلامِ أبي بكرٍ الحميديِّ، وأبي الحَسَنِ الدارقطنيِّ. وقولُهُ: (وعكسُهُ اصطلاحُ البرذعي) ، وهو أنَّ الحافظَ أبا بكرٍ أحمدَ بنَ هارونَ البَرْدِيجيَّ البَرْذعيَّ، جعلَ المنقطعَ هو قولُ التابعيِّ. قال ذلك في جزءٍ له لطيفٍ. وقد ذكرَ ابنُ الصلاحِ هذا القولَ في آخرِ كلامهِ على المنقطعِ أنَّ الخطيبَ حكاهُ عن بعضِ أهلِ العلمِ، واستبعدَهُ ابنُ الصلاح. وأتيتُ هنا بـ (‍قلتُ) : لأنَّ تعيينَ

فروع

القائلِ لها من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ، وإن كانت المسألةُ في مَوضِعٍ آخرَ من كتابِهِ غيرَ معزوةٍ إلى قائِلِها. فُرُوْعٌ 105.... قَوْلُ الصَّحَابيِّ (مِنَ السُّنَّةِ) أوْ ... نَحْوُ أُمِرْنَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَلَوْ ... بَعدَ النَّبِيِّ قالَهُ بِأَعْصُرِ ... عَلى الصَّحِيْحِ، وَهْوَ قَوْلُ الأكْثَرِ قولُ الصحابيِّ: ((من السنةِ كذا)) ، كقولِ عليٍّ - رضي الله عنه -: ((من السُّنَّةِ وَضْعُ الكفِّ على الكفِّ في الصلاةِ، تحتَ السُّرَّةِ)) . رواهُ أبو داودَ في روايةِ ابنِ داسةَ، وابنِ الاعرابيِّ. قالَ ابنُ الصَلاحِ: فالأصحُّ أنَّهُ مسندٌ مرفوعٌ؛ لأنَّ الظاهرَ أنّهُ لا يريدُ بهِ

قول الصحابي: أمرنا بكذا،

إلا سُنَّةَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما يجبُ اتباعُهُ. قالَ ابنُ الصَّبَّاغ في " العُدَّة ": وحُكِيَ عن أبي بكرٍ الصَّيْرفيِّ، وأبي الحَسَنِ الكَرْخيِّ وغيرهِما أنّهم قالوا: يحتملُ أنْ يُريدَ به سنةَ غير النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا يحملُ على سنتهِ. انتهى. وقولُ الصحابيِّ: أُمِرْنا بكذا، أو نُهينا عن كذا، كقولِ أُمِّ عَطيّةَ: أمِرنا أن نُخِرجَ في العِيدَيْنِ العَوَاتِقَ، وذَوَاتِ الخُدُورِ، وأُمِرَ الحُيَّضُ أنْ يعتزِلْنَ مُصَلَّى المُسلِمِينَ.

وكقولها أيضاً: نُهِينا عن اتِّباعِ الجنائزِ، ولم يُعْزَمْ علينا وكلاهما في الصحيح، هو من نوعِ المرفوعِ والمسندِ عند أصحابِ الحديثِ، وهو الصحيحُ، وقولُ أكثرِ أهلِ العلمِ، قاله ابنُ الصلاح. قال: لأنَّ مطلقَ ذلك ينصرفُ بظاهرِهِ إلى من إليهِ الأمرُ والنهي وهو رسول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. - قال -: وخالفَ في ذلك فريقٌ، منهم: أبو بكرٍ الإسماعيليُّ. قلتُ: وجزَم بهِ أبو بكرٍ الصَّيْرفيُّ في " الدلائل ". قال ابنُ الصلاحِ: وكذلك قولُ أنسٍ: أُمِرَ بلالٌ أنْ يَشْفعَ الأَذانَ ويُوترَ الإقامةَ. قال: ولا فَرْقَ بينَ أنْ يقولَ ذلك في زمنِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو بعدَهُ. انتهى. أما إذا صَرَّحَ الصحابيُّ بالآمر، كقوله: أمَرَنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا أعلمُ فيه خلافاً، إلا ما حكاهُ ابنُ الصَّبَّاغِ في " العُدَّة " عن داودَ وبعضِ المتكلّمينَ أنّهُ لا يكونُ ذلك حُجَّةً، حتى يُنقلَ لنا لفظُهُ. وهذا ضعيفٌ مردودٌ،

إلا أنْ يريدوا بكونِهِ لا يكونُ حجةً، أي في الوجوب. ويدلُّ على ذلك تعليلُهُ للقائلينَ بذلكَ، بأنَّ مِنَ الناسِ مَنْ يقولُ: المندوبُ مأمورٌ به. ومنهم مَنْ يقولُ: المباحُ مأمورٌ به أيضاً. وإذا كانَ ذلكَ مرادَهم، كان له وجهٌ، والله أعلم. 107.... وَقَوْلُهُ (كُنَّا نَرَى) إنْ كانَ مَعْ ... عَصْرِ النَّبِيِّ مِنْ قَبِيْلِ مَا رَفَعْ ... وَقِيْلَ: لا، أوْ لا فَلا، كَذاكَ لَه ... و (لِلخَطِيْبِ) قُلْتُ: لكِنْ جَعَلَهْ 109.... مَرفُوعاً الحَاكِمُ والرَّازِيُّ ... إبنُ الخَطِيْبِ، وَهُوَ القَوِيُّ

قول الصحابي: كنا نرى كذا،

أي وقولُ الصحابيِّ كُنَّا نَرَى كذا، أو نفعلُ كذا، أو نقولُ كذا، ونحو ذلك إنْ كان مع تَقْييدِهِ بعصر النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كقولِ جابرٍ كُنَّا نعزِلُ على عَهدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متفقٌ عليه وكقولِهِ كُنَّا نأكلُ لحمَ الخيلِ على عهد النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رواهُ النسائيُّ، وابنُ ماجه فالذي قَطَعَ به الحاكمُ وغيرُهُ من أهلِ الحديثِ وغيرهم، أنَّ ذلك من قبيلِ المرفوعِ وصَحَّحَهُ الأصوليون الإمامُ فخرُ الدين، والسيفُ الآمديُّ وأتباعهما قالَ ابنُ الصلاحِ وهو الذي عليه الاعتمادُ؛ لأنَّ ظاهرَ ذَلِكَ مشعرٌ بأنَّ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطّلعَ عَلَى ذلكَ وقرَّرَهُم عَلَيْهِ وتقريرُهُ أحدُ وُجوهِ السُّنن المرفوعةِ، فإنَّها أقوالُهُ، وأفعالُهُ، وتَقرِيرُهُ، وسكوتُهُ عن الإنكارِ بَعْدَ اطلاعِهِ - قَالَ وبلغني عن البَرْقانيِّ أنهُ سألَ الإسماعيليَّ عن ذلكَ فأنكَرَ كونَهُ من المرفوعِ قُلْتُ أمَّا إذا كانَ في القِصَّةِ اطلاعُهُ فحكمُهُ الرفعُ اجماعاً، كقولِ ابنِ عمرَ كُنَّا نقولُ ورسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيٌّ

أفضلُ هَذِهِ الأمةِ بَعْدَ نَبيِّها، أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، ويسمَعُ ذَلِكَ رَسُوْل الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلاَ يُنكرُهُ رواهُ الطبرانيُّ في المعجمِ الكبيرِ والحديثُ في الصحيحِ لكنْ لَيْسَ فِيْهِ اطّلاعُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ بالتصريح وقولُهُ أو لا فَلاَ أي وإنْ لَمْ يكنْ مقيّداً بعصرِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فليس مِنْ قَبِيْلِ المرفوعِ وقولُهُ كذاك لَهُ أي هذا لابنِ الصلاحِ تَبَعاً للخطيبِ فجزما بأنَّه من قبيلِ الموقوفِ وقولُهُ قُلتُ إلى آخر البيتِ الثالثِ من هذهِ الأبياتِ، هو من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ، وهو أنَّ الحاكمَ، والإمامَ فخرَ الدين الرازيَّ جَعلاهُ من قبيلِ المرفوعِ، ولولم يقيِّدْهُ بعهدِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال ابنُ الصَّبَّاغِ في العُدَّةِ إنَّهُ الظاهرُ، ومَثَّلَهُ بقولِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها كانتِ اليدُ لا تُقْطعُ في الشيء التافِهِ ومقتضى كلامِ

البيضاويِّ موافقٌ لما قالَهُ ابنُ الصلاحِ، ولكنَّ الإمامَ، والسيفَ الآمديَّ لم يُقييدا ذلك بعهدِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال به أيضاً كثيرٌ من الفقهاءِ، كما قالَهُ النوويُّ في شرح المُهَذَّبِ، قال وهو قويٌّ من حيثُ المعنى ... لكنْ حَدِيْثُ (كانَ بَابُ المُصْطَفَى ... يُقْرَعُ بالأَظْفَارِ) مِمَّا وُقِفَا 111.... حُكْماً لَدَى الحَاكِمِ والخَطِيْبِ ... وَالرَّفْعُ عِنْدَ الشَّيخِ ذُوْ تَصْوِيْبِ أي لكنَّ هذا الحديثَ حكمُهُ حكمُ الموقوفِ عندَ الحاكمِ والخطيبِ، وإنْ كان الحاكمُ قد تقدّمَ عنه ما يقتضي في نظيرِهِ أنَّهُ مرفوعٌ وهذا الحديثُ رواهُ المغيرةُ ابنُ شعبةَ، قال كان أصحابُ رسول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرعونَ بابَهُ بالأظافيرِ قالَ الحاكمُ هذا يتوهمُهُ مَنْ ليس من أهلِ الصنعةِ مسنداً لذكرِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه، قال

ما فسره الصحابي

وليس بمسنَدٍ بل هو موقوفٌ وذكرَ الخطيبُ في الجامع نحوَ ذلك أيضاً قال ابنُ الصلاحِ بل هو مرفوعٌ كما سبق ذِكْرُهُ، وهو بأنْ يكونَ مرفوعاً أحرى؛ لكونِهِ أحرَى باطلاعِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليه قالَ والحاكمُ معترفٌ بكونِ ذلك من قبيلِ المرفوعِ، وقد كُنَّا عددْنَا هذه فيما أخذناه عليهِ ثم تأولناهُ له على أنَّهُ أراد أنَّهُ ليس بمسنَدٍ لفظاً، وإنَّما جعلْنَاهُ مرفوعاً من حيثُ المعنى ... وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابِيْ ... رَفْعاً فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَابِ قولُهُ: (رفعاً) ، أي: مرفوعاً فأتى بالمصدرِ موضعَ المفعولِ، أي: وعَدُّ تفسيرِ الصحابةِ مرفوعاً محمولٌ على تفسيرٍ فيه أسبابُ النزولِ. ولم يعيّن ابنُ الصلاحِ القائلَ بأنَّ مطلقَ تفسيرِ الصحابيِّ مرفوعٌ، وهو الحاكمُ وعزاهُ للشيخينِ فقال في " المستدركِ ": ليعلمَ طالبُ العلمِ أنَّ تفسيرَ الصحابيِّ الذي شَهِدَ الوحيَ والتنزيلَ عندَ الشيخينِ حديثٌ مسندٌ. قال ابنُ الصلاحِ إنَّما ذلك في تفسيرٍ يتعلقُ بسببِ نزولِ آيةٍ يخبرُ بها الصحابيُّ أو نحوِ ذلك، كقولِ جابرٍ: ((كانتِ اليهودُ تقولُ: مَنْ أتَى امرأتَهُ مِن دُبرِها في قُبُلِها جاءَ الولدُ أحولَ، فأنزلَ اللهُ تعالى: {نِسَاْؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية)) . قال:

قولهم عن الصحابي يرفع الحديث،

فأمّا سائرُ تفاسيرِ الصحابةِ التي لا تشتمِلُ على إضافةِ شيءٍ إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمعدودةٌ في الموقوفاتِ. 113.... وَقَوْلُهُمْ يَرْفَعُهُ يَبْلُغُ بِهْ ... رِوَايَةً يَنْمِيْهِ رَفْعٌ فَانْتِبَهْ 114.... وَإنْ يَقُلْ (عَنْ تَابعٍ) فَمُرْسَلُ ... قُلْتُ: (مِنَ السُّنَّةِ) عَنْهُ نَقَلُوْا 115.... تَصْحِيْحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ ... نَحْوُ أُمِرْنَا مِنْهُ للغَزَالِيْ أي وقولُهم عن الصحابيِّ يرفعُ الحديثَ، أو يَبْلُغُ بِهِ، أو يَنْمِيهِ، أو رِوايةُ رفعٍ، أي مرفوعٍ قال ابنُ الصلاحِ وحكمُ ذلك عند أهلِ العلمِ حكمُ المرفوعِ صريحاً وذلك كقولِ ابنِ عبّاسٍ - رضي الله عنه - الشفاءُ في ثلاثٍ شَرْبةِ عَسَلٍ، وشَرْطةِ مِحْجمٍ، وكَيَّةِ نارٍ وأَنْهَى أُمتي عن الكيِّ رَفَعَ الحديثَ رواهُ البخاريُّ من روايةِ سعيدِ بنِ جُبيرٍ عنه ورواهُ مسلمٌ من روايةِ أبي الزِّنَادِ، عن الأعْرَجِ، عن أبي هريرةَ

يَبْلُغُ به قال الناسُ تَبَعٌ لقريشٍ وفي الصحيحينِ بهذا السندِ عن أبي هريرةَ روايةً تقاتِلُون قوماً صِغارَ الأعيُنِ ... الحديثَ وروى مالكٌ في الموطأ عن أبي حازمٍ، عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قال كانَ الناسُ يُؤمرونَ أنْ يضعَ الرجلُ يدَهُ اليُمنى على ذِراعِهِ اليُسْرى في الصلاة، قال أبو حازمٍ لا أعلمُ إلاَّ أنَّهُ يَنْمِى ذلكَ قال مالكٌ يرفعُ ذلك هذا لفظُ روايةِ عبدِ اللهِ بنِ يوسفَ، وقد رواهُ البخاريُّ من طريقِ القعنبيِّ عن مالكٍ، فقال يَنْمِي ذلك إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَصَرَّحَ برفْعِهِ

وقولُهُ وإنْ يَقُلْ، أي وإن يقل ذلك، أي هذه الألفاظَ عن تابعيٍّ فهو مرسلٌ، وقولُهُ قلتُ من السُنَّةِ إلى آخر الباب هو من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ وقولُهُ عنه، أي عن التابعيِّ وكذا قولُهُ - بعدَهُ منه فإذا قالَ التابعيُّ من السنةِ كذا فهل هو موقوفٌ متصلٌ، أو مرفوعٌ مرسلٌ كالذي قبلَهُ؟ فِيْهِ وجهانِ لأصحابِ الشافعيِّ مثالُهُ ما رَوَاهُ البيهقيُّ من قولِ عُبيدِ الله بن عبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ السنَّةُ تكبيرُ الإمامِ يومَ الفطرِ ويومَ الأضحى حِيْنَ يجلسُ عَلَى المنبرِ قَبْلَ الخطبةِ؛ تسعَ تكبيراتٍ وحكى الداوديُّ في شرحِ مختصر المُزَني أنَّ الشافعيَّ كان يَرَى في القديمِ أنَّ ذلك مرفوعٌ إذا صَدَرَ من الصحابيِّ، أو التابعيِّ ثم رَجَعَ عنه لأنَّهُم قد يُطلِقونَه ويُريدونَ سُنَّةَ البلدِ انتهى والأصحُ في مسألة التابعيِّ كما قالَ النوويُّ في شرح المهذبِ أنَّهُ موقوفٌ وعلى هذا فما الفرقُ بينَهُ وبينَ المسألةِ التي قبلَهُ؟ يمكنُ أنْ يُجابَ عَنْهُ بأنَّ قولَهُ يرفعُ الْحَدِيْث تصريحٌ بالرفعِ، وقريبٌ مِنْهُ الألفاظُ المذكورةُ مَعَهُ وأما قولُهُ من السُّنَّةِ، فكثيراً ما يعبَّرُ بِهِ عَنْ سُنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ ويترجحُ ذَلِكَ إذا قالَهُ التابعيُّ بخلافِ

ما جاء عن صحابي موقوفا عليه،

ما إذا قالَهُ الصحابيُّ، فإنَّ الظاهرَ أنَّ مرادَهُ سنةُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإذا قالَ التابعيُّ أُمِرْنا بكذا، ونحوه، فهل يكونُ موقوفاً، أو مرفوعاً مرسلاً؟ فيه احتمالان لأبي حامدٍ الغزاليِّ في المستصفى ولم يُرَجِّح واحداً مِنَ الاحتمالينِ وجَزَمَ ابنُ الصَّبَّاغِ في العُدَّة بأنَّهُ مرسلٌ وحكى فيما إذا قالَ ذلك سعيدُ بنُ المسيِّبُ، هل يكونُ حجةً؟ وجهين، والله أعلم 116.... وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا ... يُقَالُ رَأيَاً حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى 117.... مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ نَحْوُ مَنْ أتَى ... فَالحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا أثْبَتَا أي وما جاءَ عن صحابيٍّ موقوفاً عليهِ، ومثلُه لا يُقالُ مِنْ قبلِ الرأي حكْمُهُ حكمُ المرفوعِ كما قالَ الإمامُ فخرُ الدينِ في المحصولِ فقال إذا قالَ الصحابيُّ قولاً، ليس للاجتهادِ فيه مجالٌ فهو محمولٌ على السماعِ تحسيناً للظنِّ به

وقولُهُ نحو مَنْ أتى، أي كقولِ ابن مسعودٍ مَنْ أتى ساحراً، أو عرّافاً، فقد كفرَ بما أُنزلَ على محمّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ترجمَ عليه الحاكمُ في علومِ الحديثِ معرفةُ المسانيدِ التي لا يذكرُ سندُها عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ومثالُ ذلك، فذكرَ ثلاثةَ أحاديثَ، هذا أحدُها وما قالَهُ في المحصولِ موجودٌ في كلامِ غيرِ واحدٍ من الأئمةِ، كأبي عمرَ بنِ عبدِ البرِّ، وغيرِهِ وقد أدخلَ ابنُ عبدِ البرِّ في كتابِهِ التقصي عِدَّةَ أحاديثَ، ذكرَها مالكٌ في الموطّأ موقوفةً مع أنَّ موضوع الكتابِ لما في الموطّأ من الأحاديثِ المرفوعةِ، منها حديثُ سهلِ بنِ أبي حَثَمةَ في صلاةِ الخوفِ وقالَ في التمهيد هذا الحديثُ موقوفٌ على سَهْلٍ في الموطّأ عند جماعةِ الرواةِ عن

مالكٍ - قال - ومثلُه لا يقالُ من جهةِ الرأي، وكثيراً ما شنّع ابنُ حزم في المحلى على القائلين بهذا، فيقولُ عهدناهم يقولون لا يُقالُ مثلُ هذا من قبل الرأي ولإنكارِهِ وجهٌ؛ فإنَّهُ وإنْ كان لا يقالُ مثلُهُ من جهةِ الرأي، فلعلَّ بعضَ ذلك سمعَهُ ذلك الصحابيُّ من أهل الكتابِ وقد سمعَ جماعةٌ من الصحابةِ من كعب الأحبارِ، ورَوَوا عنه كما سيأتي، منهم العبادلةُ، وقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدّثوا عن بني إسرائيلَ، ولا حرجَ 118.... وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) ... (مُحَمَّدٌ) وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ 119.... كَرَّرَ قَالَ بَعْدُ، فَالخَطِيْبُ ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ أي وما رواهُ أهلُ البصرةِ عن محمّدِ بنِ سيرينَ، عن أبي هريرةَ قَالَ قَالَ، فذكرَ حديثاً، وَلَمْ يذكرْ فِيْهِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنّما كرّرَ لفظَ قَالَ بعدَ ذكرِ أبي هريرةَ فإنَّ

الخطيبَ رَوَى في الكفاية من طريقِ موسى بنِ هارونَ الحمّالِ بسندِهِ، إِلَى حمّادِ بنِ زيدٍ، عن أيوبَ، عن محمدٍ، عن أبي هريرةَ، قَالَ قَالَ الملائكةُ تصلّي عَلَى أحدِكم ما دامَ في مُصَلاَّهُ قَالَ موسى بنُ هارونَ إذا قَالَ حمّادُ بنُ زيدٍ والبصريون قالَ قالَ، فَهُوَ مرفوعٌ قَالَ الخطيبُ قلتُ للبَرْقانيِّ أحسبُ أنَّ موسى عَنيَ بهذا القولِ أحاديثَ ابنِ سيرينَ خاصّةً، فَقَالَ كَذَا يجبُ قال الخطيبُ ويحقّقُ قولَ موسى ما قال محمدُ بنُ سيرين كلَّ شيءٍ حدَّثتُ عن أبي هريرةَ، فهو مرفوعٌ قلتُ ووقعَ في الصحيحِ من ذلكَ ما رواهُ البخاريُّ في المناقبِ، حدّثنا سليمانُ بنُ حربٍ، حدَّثنا حمّادٌ، عن أيوبَ، عن محمدٍ، عن أبي هريرةَ، قال قال أسلمُ وغِفَارُ وشَيءٌ مِنْ مُزَيْنةَ، ... الحديث والحديثُ عند مسلمٍ من

روايةِ ابنِ عُلَيَّةَ، عن أيوبَ مصرحٌ فيه بالرفعِ وأما الحديثُ الذي رواهُ الخطيبُ فهو عند النسائيِّ في سننِه الكبرى من روايةِ ابن عُلَيَّةَ، عن أيوبَ، عن ابنِ سيرينَ ومن روايةِ ابنِ عونٍ، عن ابنِ سيرينَ أيضاً كذلك المُرْسَلُ ... مَرْفُوعُ تَابعٍ عَلى المَشهُوْرِ ... مُرْسَلٌ اوْ قَيّدْهُ بِالكَبِيْرِ ... أوْ سَقْطُ رَاوٍ مِنْهُ ذُوْ أقْوَالِ ... وَالأوَّلُ الأكْثَرُ في استِعْمَالِ

المرسل

اختلفَ في حدِّ الحديثِ المرسلِ فالمشهورُ أنَّهُ مَا رَفَعهُ التابعيُّ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سواءٌ كانَ مِنْ كبارِ التابعينَ، كعُبيدِ اللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ وقيسِ بن أبي حازمٍ، وسعيدِ بنِ المسِّيبِ، وأمثالِهم أو من صغارِ التابعينَ، كالزهريِّ وأبي حازمٍ، ويحيى ابنِ سعيدٍ الأنصاريِّ، وأشباهِهِم والقولُ الثاني أنّهُ ما رفَعهُ التابعيُّ الكبيرُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا معنى قولِهِ او قيّدهُ بالكبيرِ، أي بالكبيرِ من التابعينَ، فهذه الصورةُ لا خلافَ فيها، كما قالَ ابنُ الصلاحِ أما مراسيلُ صغارِ التابعينَ، فإنّها لا تسمّى مرسلةً على هذا القولِ، بل هي

منقطعةٌ هكذا حكاهُ ابنُ عبد البرِّ عن قومٍ من أهلِ الحديثِ؛ لأنَّ أكثرَ رواياتِهِم عن التابعينَ ولم يلقَوا من الصحابةِ إلا الواحدَ والاثنين قلتُ هكذا مَثَّلَ ابنُ الصلاحِ صغارَ التابعينَ بالزهريِّ ومَنْ ذَكَرَ، وذكرَ في التعليلِ أنَّهم لم يلقَوا من الصحابةِ إلا الواحدَ والاثنينِ، وليس ذلك بصحيحٍ بالنسبةِ إلى الزهريِّ، فقد لقي من الصحابةِ اثني عشرَ فأكثرَ، وهم عبدُ اللهِ بنُ عمرَ، وأنسُ بن مالكٍ، وسهلُ بنُ سعدٍ، وربيعةُ بنُ عِبادٍ، وعبدُ اللهِ بنُ جعفرٍ، والسائبُ بنُ يزيدَ، وسُنَيْن أبو جَميلةَ، وعبدُ الله بنُ عامرٍ بنِ ربيعةَ، وأبو الطُّفيلِ، ومحمودُ بنُ الربيعِ، والمِسورُ بنُ مَخْرمة، وعبد الرحمن بنُ أزهر ولم يسمع من عبدِ الله بنِ جعفر، بل رآه رؤيةً وقيل إنّه سمعَ من جابرٍ وقد سمعَ من محمودِ بنِ لبيدٍ، وعبدِ الله بنِ الحارثِ بنِ نوفلٍ، وثعلبةَ بنِ مالكٍ القرظيِّ وهم مختلفٌ في صحبتِهم وأنكرَ أحمدُ ويحيى سماعَهُ من ابنِ عمرَ، وأثبتَهُ عليُّ بنُ المدينيِّ

القولُ الثالثُ إنهُ ما سقطَ راوٍ من إسنادِهِ، فأكثرُ، من أيِّ موضعٍ كان، فعلى هذا المرسلُ والمنقطعُ واحدٌ قالَ ابنُ الصلاحِ والمعروفُ في الفقهِ وأصولِهِ أنَّ ذلك يُسمّى مرسلاً وبهِ قطعَ الخطيبُ، قال الخطيبُ إلا أنَّ أكثرَ ما يوصفُ بالإرسالِ من حيثُ الاستعمالُ ما رواهُ التابعيُّ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقطعَ الحاكم وغيرُهُ من أهلِ الحديثِ أنَّ الإرسالَ مخصوصٌ بالتابعينَ وسيجيءُ في فصلِ التدليسِ أنَّ ابنَ القطّانِ قال إنَّ الإرسالَ روايتُهُ عمَّنْ لم يسمع منه فعلى هذا مَنْ رَوَى عمَّنْ سمعَ منه ما لم يسمعْهُ منه، بل بينَه وبينَه فيه واسطةٌ، ليس بإرسالٍ، بل هو تدليسٌ، وعلى هذا فيكونُ هذا قولاً رابعاً في حَدِّ المرسلِ ... وَاحتَجَّ (مَاِلِكٌ) كَذا (النُّعْمَانُ) ... وَتَابِعُوْهُمَا بِهِ وَدَانُوْا 123.... وَرَدَّهُ جَمَاهِرُ النُّقَّادِ؛ ... لِلجَهْلِ بِالسَّاقِطِ في الإسْنَادِ ... وَصَاحِبُ التَّمهيدِ عَنهُمْ نَقَلَهْ ... وَ (مُسْلِمٌ) صَدْرَ الكِتَابِ أصَّلَهْ اختلفَ العلماءُ في الاحتجاجِ بالمرسلِ، فذهبَ مالكُ بنُ أنسٍ وأبو حنيفةَ

النعمانُ بنُ ثابتٍ وأتباعُهُما في طائفةٍ إلى الاحتجاج به. فقولُهُ: (وتابعُوهما) أي: التابعونَ لهما. (ودانوا) أي: جعلَوهُ دِيناً يدينونَ به، وذهب أكثرُ أهلِ الحديثِ إلى أنَّ المرسلَ ضعيفٌ لا يحتجُّ به. وحكاه ابنُ عبد البرِّ في مقدّمة " التمهيد " عن جماعةٍ من أصحابِ الحديثِ. وقال مسلمٌ في صَدْرِ كتابهِ " الصحيحِ ": ((المرسلُ في أصلِ قولِنا، وقولِ أهل العلمِ بالأخبارِ ليس بحُجَّةٍ)) . هكذا أطلقَ ابنُ الصلاحِ نَقْلَهُ عن مسلمٍ. ومسلمٌ إنّما ذكرَهُ في أثناءِ كلامِ خَصْمِهِ الذي رَدَّ عليهِ اشتراطَ ثبوتِ اللقاءِ، فقال: ((فإنْ قال: قُلْتُهُ لأنِّي وَجَدْتُ رواةَ الأخبارِ قديماً وحديثاً يَروي أحدُهُم عن الآخر الحديثَ، ولمّا يُعاينْهُ، وما سَمِعَ منه شيئاً قَطُّ،

فلمّا رأيتُهُم استجازُوا روايةَ الحديثِ بَينهُم هكذا على الإرسالِ مِنْ غَيْرِ سماعٍ - والمرسلُ من الرواياتِ في أصلِ قولِنا، وقولِ أهلِ العلمِ بالأخبارِ، ليس بحجّةٍ - احتجتُ لما وصفْتُ من العلّةِ إلى البحث عن سماعِ راوي كُلِّ خبرٍ عن راويه، إلى آخر كلامهِ)) . فهذا كما تراهُ حكاهُ على لسانِ خَصْمِهِ، ولكنَّهُ لمّا لم يرد هذا القدرَ منه حين رَدَّ كلامَهُ، كان كأنَّهُ قائلٌ به، فلهذا نسبَهُ ابنُ الصلاحِ إليه. وقولُهُ: (للجهلِ بالساقطِ) ، هو تعليلٌ لردِّ المرسلِ، وذلك أنهُ تقدّمَ أنَّ مِن شرطِ الحديثِ الصحيحِ ثقةَ رجالِهِ. والمرسلُ سقطَ منه رجلٌ لا نعلَمُ حالَه. فعدمُ معرفةِ عدالةِ بعض رواتِهِ، وإنِ اتفقَ أنَّ الذي أرسلَهُ كان لا يَروي إلا عن ثقةٍ، فالتوثيقُ في الرجلِ المبهمِ غيرُ كافٍ، كما سيأتي إن شاءَ اللهُ تعالى. 125.... لَكِنْ إذا صَحَّ لَنَا مَخْرَجُهُ ... بمُسْنَدٍ أو مُرْسَلٍ يُخْرِجُهُ ... مَنْ لَيْسَ يَرْوِي عَنْ رِجَالِ الأوَّلِ ... نَقْبَلْهُ، قُلْتُ: الشَّيْخُ لَمْ يُفَصِّلِ 127.... والشَّافِعِيُّ بِالكِبَارِ قَيَّدَا ... وَمَنْ رَوَى عَنِ الثِّقاتِ أبَدَا ... وَمَنْ إذا شَارَكَ أهْلَ الحِفْظِ ... وَافَقَهُمْ إلاّ بِنَقْصِ لَفْظِ

هذا استدراكٌ؛ لكونِ المرسلِ يُحتجُّ به إذا أُسندَ من وجهٍ آخرَ، أو أرسلَهُ مَنْ أخذَ العلمَ عن غيرِ رجالِ المُرسِلِ الأولِ. وقولُهُ: (نقبلْهُ) ، هو مجزومٌ جوابٌ للشرطِ على مذهبِ الكوفيينَ والأخفشِ كقولِ الشاعرِ: وإذَا تُصِبْكَ مُصِيْبَةٌ فاصبرْ لَهَاْ ... وإذا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فتجَمَّلِ وقولُهُ قلتُ الشيخُ، إلى آخر الأبياتِ الأربعةِ، من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ، وهو اعتراضٌ عليهِ في حكايتِهِ لكلامِ الشافعيِّ - رضي الله عنه - قالَ ابنُ الصَّلاحِ اعلم أنَّ حكمَ المرسَلِ حكمُ الحديثِ الضعيفِ، إلاّ أنْ يصحَّ مخرجُهُ بمجيِئهِ من وجهٍ آخرَ، كما سبق بيانُهُ في نوعِ الحسن، والذي ذكرَ أنَّهُ سبقَ أنّه حكى هناكَ نصَّ الشافعيِّ في مراسيلِ التابعينَ أنّهُ يُقْبَلُ منها المرسلُ الذي جاءَ نحوَهُ مسنداً، وكذلك لو وافقَهُ مرسلٌ آخرُ أرسلَهُ مَنْ أخذَ العلمَ عن غيرِ رجالِ التابعيِّ الأولِ في كلامٍ لهُ ذكرَ فيه وجوهاً من الاستدلالِ على صحةِ مخرجِ المرسلِ بمجيئِهِ من وجهِ آخرَ انتهى كلامُ ابنِ الصلاحِ

ووجهُ الاعتراضِ عليه أنَّهُ أطلقَ القولَ عن الشافعيِّ بأنَّهُ يقبلُ مطلقَ المرسلِ إذا تأكَّدَ بما ذكرَهُ الشافعيُّ والشافعيُّ إنّما يقبلُ مراسيلَ كِبارِ التابعينَ، إذا تأكدتْ مع وجودِ الشرطينِ المذكورينِ في كَلامي، كما نصَّ عليه في كتابِ الرسالة وممَّنْ روى كلامَ الشافعيِّ كذلك أبو بكرٍ الخطيبُ في الكفاية، وأبو بكرِ البيهقيُّ في المدخلِ بإسنادَيهما الصحيحينِ إليه، أنّهُ قالَ والمنقطعُ مختلِفٌ فمَنْ شاهدَ أصحابَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِن التابعينَ فحدَّثَ حديثاً منقطعاً عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتُبِرَ عليه بأمُورٍ، منها أنْ يُنظرَ إلى ما أرسلَ من الحديثِ فإنْ شَرِكَهُ فيه الحفّاظُ المأمونونَ فأسندوهُ إلى رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بمثلِ معنى ما روي؛ كانت هذهِ دلالةً على صحةِ ما قَبِلَ عنه وحفْظَهُ وإنِ انفردَ بإرسالِ حديثٍ لم يَشْرَكْهُ فيه مَنْ يُسنِدُهُ قُبِلَ ما يَنفردُ به من ذلك ويُعتبرُ عليه بأنْ يُنظرَ هل يوافقُهُ مُرْسِلٌ غيرُهُ ممَّنْ قَبِلَ العلم من غيرِ رجالِهِ الذينَ قَبلَ عنهم؟ فإنْ وُجِدَ ذلك كانت دلالةً تُقَوِّي له مرسله، وهي أضعفُ من

الأُولى، وإنْ لم يُوجدْ ذلك نظَرَ إلى بعضِ ما يروى عن بعضِ أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولاً له، فإنْ وجدَ ما يوافقُ ما روى عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانتْ في هذا دلالةٌ على أنَّهُ لم يأخذْ مرسلَهُ إلا عن أصلٍ يصحُّ إن شاء اللهُ تعالى، وكذلك إنْ وُجدَ عوامُّ مِنْ أهلِ العلمِ يُفْتُونَ بمثلِ معنى ما روي عن رسول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم يُعتبرُ عليهِ بأنْ يكونَ إذا سَمَّى مَنْ رَوَى عنهُ لم يُسَمِّ مجهولاً، ولا مرغوباً عن الروايةِ عنه، فيُستدلُّ بذلك على صحتِهِ فيما رَوَى عنه ويكونُ إذا شَرِكَ أحداً من الحفّاظِ في حديثِهِ لم يخالفْهُ، فإن خالفَهُ بأنْ وُجدَ حديثُهُ أنقصَ، كانت في هذهِ دلائلُ على صحةِ مَخْرَجِ حديثِهِ ومتى خالفَ ما وصفتُ أضَرَّ بحديثِهِ، حتى لا يَسَعَ أحداً قبولُ مُرسَلِهِ قال وإذا وُجدتِ الدلائلُ بصحةِ حديثهِ بما وصفتُ أحببنا أنْ نقبلَ مرسلَهُ ثم قال فأمّا مَنْ بعدَ كبارِ التابعينَ، فلا أعلمُ واحداً يُقْبَلُ مرسَلُهُ لأمورٍ أحدُها أنَّهُم أشدُّ تَجَوُّزاً فيمَنْ يَروُوْنَ عنه والآخَرُ أنّهمُ وجدَ عليهم الدلائلُ فيما أرسلوا لضَعْفِ مَخْرَجِهِ والآخَرُ كثرةُ الإحالةِ في الأخبارِ وإذا كثرتِ الإحالةُ كانَ أمْكَنَ للوهمِ وضَعْفِ مَن يُقبلُ عنه قال البيهقيُّ وقولُ الشافعيِّ أحببنَا أن نقبلَ مرسلَهُ أرادَ به اخترنا انتهى

فقولي وَمَنْ رَوى عَن الثقاتِ أبداً أي إذا أرسلَ وسمَّى مَنْ أرسَلَ عنه لم يسمِّ إلا ثقةً، فيكونُ المرادُ ومَنْ رَوَى ما أرْسَلَهُ عنِ الثقاتِ ويحتملُ ومَنْ رَوَى مطلقاً عن الثقاتِ المراسيلَ وغيرَها وعبارة الشافعيِّ محتمِلَةٌ للأمْرَيْنِ فليحملِ النَّظْمُ على أرجحِ محملَيْ كلامِ الشافعيِّ - رضي الله عنه -

.. فَإنْ يُقَلْ: فَالمُسْنَدُ المُعْتَمَدُ ... فَقُلْ: دَلِيْلانِ بِهِ يَعْتَضِدُ أي: فإنْ قيلَ: قولُكم يُقبلُ المرسلُ إذا جاءَ مسنداً مِنْ وجهٍ آخرَ، لا حاجةَ حينئذٍ إلى المرسلِ، بلِ الاعتمادُ حينئذٍ على الحديثِ المُسنَدِ. والجوابُ أنَّهُ بالمسنَدِ تبيَّنَا صحةَ المرسلِ، وصارا دليلينِ يُرَجَّحُ بهما عندَ معارضةِ دليلِ واحد. فقولُهُ: به، أي: بالمُسنَدِ يعتضدُ المرسلُ. 130.... وَرَسَمُوا مُنْقَطِعَاً (عَنْ رَجُلِ) ... وَفي الأصُوْلِ نَعْتُهُ بِالمُرْسَلِ أي إذا قيلَ في إسنادٍ عن رجلٍ، أو عن شيخٍ، ونحو ذلك فقالَ الحاكمُ لا يُسَمَّى مرسلاً، بل منقطعاً وكذا قالَ ابنُ القطّانِ في كتابِ " بيانِ الوهمِ والإيهامِ ": إنَّهُ منقطعٌ. وفي " البرهان " لإمامِ الحرمينِ قَالَ: وقولُ الرَّاوِي: أَخْبَرَنِي رجلٌ، أو عدلٌ موثوقٌ بِهِ، من المرسلِ أيضاً. قَالَ: وَكَذَلِكَ كُتُبُ

رَسُوْل الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي لم يُسَمَّ حاملُها. وفي "المحصول": أنَّ الراوي إذا سمّى الأصلَ باسمٍ لا يُعرفُ به، فهو كالمرسلِ. قلتُ: وفي كلامِ غيرِ واحدٍ من أهلِ الحديثِ، أنَّهُ متّصلٌ في إسنادِهِ مجهولٌ. وحكاهُ الرشيدُ العَطَّارُ في " الغُررِ المجموعةِ " عن الأكثرينَ، واختارَهُ شيخُنا الحافظُ أبو سعيدٍ العلائيُّ في كتابِ " جامعِ التحصيلِ ". ... أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ ... فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ أي: أمّا مراسيلُ الصحابةِ فحكمُها حكمُ الموصولِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ثم إنا لم نعدَّ في أنواعِ المرسلِ، ونحوِه، ما يسمَّى في أُصولِ الفِقهِ: مرسلُ الصحابيِّ. مثلُ ما يرويه ابنُ عبّاسٍ، وغيرُهُ من أحداث الصحابةِ عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يسمعُوْهُ منه، لأنَّ ذلك في حُكمِ الموصولِ المسنَدِ؛ لأنَّ روايتَهُم عن الصحابةِ، والجهالةُ بالصحابيِّ غيرُ قادحةٍ؛ لأنَّ الصحابةَ كلَّهُم عدولٌ. قلتُ: قولُهُ: لأنَّ روايَتَهم عن الصحابةِ، فيه نظرٌ. والصوابُ أنْ يُقَالَ: لأنَّ غالبَ روايتِهِم، إذ قد سمعَ جماعةٌ من الصحابةِ من بعض

التابعينَ. وسيأتي في كلامِ ابنِ الصلاحِ في روايةِ الأكابرِ عن الأصاغر، أنَّ ابنَ عباسٍ، وبقيّةَ العبادلةِ رَوَوْا عن كعبِ الأحبار، وهو من التابعينَ، وروى كعبٌ أيضاً عن التابعينَ، ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ خلافاً في مُرْسَلِ الصحابيِّ، وفي بعضِ كُتُبِ الأصولِ للحنفيَّةِ أنَّهُ لا خلافَ في الاحتجاجِ به، وليسَ بجيِّدٍ. فقد قال الأستاذُ أبو إسحاق الاسفراينيُّ: إنَّهُ لا يحتجُّ به، والصوابُ ما تقدّم.

المنقطع والمعضل

المُنْقَطِعُ والمُعْضَلُ 132.... وَسَمِّ بِالمُنْقَطِعِ: الَّذِي سَقَطْ ... قَبْلَ الصَّحَابيِّ بِهِ رَاوٍ فَقَطْ 133.... وَقِيْلَ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ، وَقَالا: ... بِأنَّهُ الأقْرَبُ لا استِعمَالا 134.... وَالمُعْضَلُ: السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ... فَصَاعِداً، وَمِنْهُ قِسْمٌ ثَانِ 135.... حَذْفُ النَّبِيِّ وَالصَّحَابِيِّ مَعَا ... وَوَقْفُ مَتْنِهِ عَلَى مَنْ تَبِعَا اختُلِفَ في صورةِ الحديثِ المنقطعِ. فالمشهورُ: أنّهُ ما سقطَ من رواتِهِ راوٍ واحدٌ غيرُ الصحابيِّ. وحكى ابنُ الصلاحِ عن الحاكمِ وغيرِهِ من أهلِ الحديثِ: أنَّهُ ما سقطَ منه قبلَ الوصولِ إلى التابعيِّ شخصٌ واحدٌ، وإن كان أكثر من واحدٍ سمّي: معضلاً. ويسمّى أيضاً: منقطعاً.

فقولُ الحاكمِ: قبلَ الوصولِ إلى التابعيِّ، ليس بجيّدٍ. فإنَّهُ لو سقط التابعيُّ كان منقطعاً أيضاً، فالأولى أنْ يعبرَ بما قلناهُ: قبل الصحابيِّ. وقالَ ابنُ عبد البرِّ: المنقطعُ ما لم يتصلْ إسنادُهُ، والمرسلُ مخصوصٌ بالتابعينَ. فالمنقطعُ أعمُّ. وحكى ابنُ الصلاحِ عن بعضِهِم أنَّ المنقطعَ مثلُ المرسلِ، وكلاهما شاملٌ لكلِّ ما لا يتصلُ إسنادُه. - قال -: وهذا المذهبُ أقربُ، صارَ إليه طوائفُ من الفقهاءِ وغيرِهم. وهو الذي ذكرَهُ الخطيبُ في " كفَايَتِهِ " إلا أنَّ أكثرَ ما يوصفُ بالإرسالِ من حيثُ الاستعمالُ ما رواهُ التابعيُّ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأكثرُ ما يوصفُ بالانقطاعِ ما رواهُ مَنْ دون التابعينَ عن الصحابةِ. مثلُ: مالكٍ، عن ابنِ عمر، ونحوِ ذلك. انتهى. والمعضلُ: ما سقطَ من إسنادِه اثنان فصاعداً من أي موضعٍ كان. سواءٌ سقطَ الصحابيُّ والتابعيُّ، أو التابعيُّ وتابعُهُ، أو اثنانِ قبلَهُما، لكن بشرطِ أنْ يكونَ سقوطُهُما من موضعٍ واحدٍ. أمّا إذا سقطَ واحدٌ من بين رجلين، ثم سقطَ من موضعٍ آخرَ من الإسنادِ واحدٌ آخرُ فهو منقطعٌ في موضعينِ. ولم أجدْ في كلامِهم إطلاقَ المعضلِ عليه، وإنْ كان ابنُ الصلاحِ أطلقَ عليه سقوطَ اثنينِ فصاعداً، فهو محمولٌ على هذا. وأما

اشتقاقُ لفظهِ، فقالَ ابنُ الصلاحِ: أهلُ الحديثِ يقولون: أعضَلَهُ فهو مُعْضَلٌ - بفتح الضّادِ -، وهو اصطلاحٌ مُشِكلُ المأخَذِ من حيث اللغةُ، وبحثتُ فوَجَدْتُ له قولَهُمْ: أمرٌ عَضِيْلٌ، أيْ: مستغلقٌ شديدٌ. ولا التفاتَ في ذلك إلى مُعْضِلٍ -بكسرِ الضادِ- وإنْ كانَ مثلَ عَضِيلٍ في المعنى. ومَثَّلَ أبو نصرٍ السِّجزِيُّ المعضَلَ بقولِ مالكٍ: بَلَغني عن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((للمملوكِ طعامُهُ وكِسْوتُهُ، ... الحديث)) .

وقالَ أصحابُ الحديثِ يسمُّونَه المعضلَ. قال ابنُ الصلاحِ: وقولُ المُصَنِّفِين: قال رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا، من قَبيلِ المعضَلِ. وقولُهُ: (ومنه قسمٌ ثانٍ) ، أي: ومن المعضَلِ قسمٌ ثانٍ، وهو أنْ يروِيَ تابعُ التابعيِّ عن التابعيِّ حديثاً موقوفاً عليه، وهو حديثٌ متّصلٌ مسندٌ إلى رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما روى الأعمشُ عن الشَّعبيِّ، قال: يُقالُ للرجلِ في القيامةِ عَمِلْتَ كذا وكذا، فيقولُ ما عَمِلتُهُ. فيُخْتَمُ على فِيْهِ، الحديثَ. فقد جعلَهُ الحاكمُ نوعاً من المعضَلِ، أعضَلَهُ الأعمشُ، ووصَلَهُ فُضَيلُ بنُ عمرٍو، عن الشعبيِّ، عن أنسٍ، قال: كنا عند النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضَحِكَ. فقال: هل تَدرُونَ مِمَّ أضحَكُ؟ قلنا: اللهُ ورسولُهُ أعلمُ، فقال: من مخاطبةِ العبدِ ربَّهُ، يقولُ: يا ربِّ! ألم تُجِرْنِي من الظُّلمِ؟ فيقولُ: بَلَى. وذكرَ الحديثَ. رواه مسلمٌ. قالَ ابنُ الصلاحِ: هذا جيّدٌ حسنٌ؛ لأنَّ هذا الانقطاعَ بواحدٍ مضموماً إلى الوقفِ يشْتَمِلُ على الانقطاعِ باثنينِ: الصحابيِّ، ورسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذلك باستحقاقِ اسمِ الإعضالِ أولَى.

العنعنة

العَنْعَنَةُ 136.... وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ ... مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، والِلِّقَا عُلِمْ ... وَبَعْضُهُمْ حَكَى بِذَا إجمَاعَا ... و (مُسْلِمٌ) لَمْ يَشْرِطِ اجتِمَاعَا 138.... لكِنْ تَعَاصُرَاً، وَقِيلَ يُشْتَرَطْ ... طُوْلُ صَحَابَةٍ، وَبَعْضُهُمْ شَرَطْ ... مَعْرِفَةَ الرَّاوِي بِالاخْذِ عَنْهُ، ... وَقيْلَ: كُلُّ مَا أَتَانَا مِنْهُ 140.... مُنْقَطِعٌ، حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ، ... وَحُكْمُ أَنَّ حُكمُ عَنْ فَالجُلُّ ... سَوَّوْا، وَللقَطْعِ نَحَا (البَرْدِيْجِيْ) ... حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ في التَّخْرِيجِ العَنْعَنةُ: مصدرُ عنعنَ الحديثَ، إذا رواه بلفظِ: عَنْ، مِنْ غيرِ بيانٍ للتحديثِ، والإخبارِ، والسماعِ. واختلفوا في حكمِ الإسنادِ المعنعنِ، فالصحيحُ الذي عليهِ العملُ، وذهبَ إليهِ الجماهيرُ من أئمة الحديثِ وغيرِهم، أنَّهُ من قبيلِ الإسنادِ المتصلِ بشرطِ سلامةِ الراوي الذي رواهُ بالعنعنةِ من التدليسِ. وبشرطِ ثبوتِ ملاقاتِهِ لمَنْ رواهُ عنه بالعنعنةِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وكادَ ابنُ عبد البرِّ يَدَّعي إجماعَ أئمةِ الحديثِ على ذلك)) . قلتُ: لا

حاجةَ لقولِهِ: كاد، فقد ادّعاهُ. وادّعى أبو عَمْرو الدانيُّ إجماعَ أهلِ النقلِ على ذلكَ، لكنَّهُ اشترطَ أنْ يكونَ معروفاً بالروايةِ عنه، كما سيأتي في موضعه. لكن قد يظهرُ عدمُ اتّصالِهِ بوجهٍ آخرَ، كما في الإرسالِ الخفيِّ، على ما سيأتي في موضعِهِ، وما ذكرناهُ من اشتراطِ ثبوتِ اللقاءِ هو مذهبُ عليِّ بنِ المدينيِّ، والبخاريِّ وغيرِهما من أئمة هذا العلمِ.

وأنكرَ مسلمٌ في خُطبةِ صحيحِهِ اشتراطَ ذلك، وادّعى أنَّهُ قولٌ مخترعٌ لم يسبقْ قائِلُه إليهِ، وإنَّ القولَ الشائعَ المتفقَ عليهِ بين أهلِ العلمِ بالأخبارِ قديماً وحديثاً أنّهُ يكفي في ذلك أنْ يثبتَ كونُهُما في عصرٍ واحدٍ، وإنْ لم يأتِ في خبرٍ قطُّ أنّهما اجتمَعا أو تشافها. قال ابنُ الصلاحِ: ((وفيما قالَهُ مسلمٌ نظرٌ. - قال -: وهذا الحكمُ لا أراهُ يَستمرُّ بعدَ المتقدّمينَ فيما وُجِدَ من المصنّفينِ في تصانيفهم مما ذكروهُ عن مشايخهِم قائلين فيه: ذكرَ فلانٌ، قال فلانٌ، ونحو ذلك. أي: فليسَ له حكمُ الاتصالِ، إلا إنْ كان له من شيخِهِ إجازةٌ على ما سيأتي في آخر هذا البابِ. ولم يكتفِ أبو المظفرِ السمعانيُّ بثبوتِ اللقاءِ، بل اشترطَ طولَ الصُّحبةِ بينهما. واشترطَ أبو عمرو الدانيُّ أنْ يكونَ معروفاً بالروايةِ عنه. واشترط أبو الحسنِ القابسيُّ

أنْ يُدْرِكَهُ إدراكاً بَيِّنَاً. وهذا داخلٌ فيما تقدّمَ من الشروطِ، وبيانُ الإدراكِ لابدَّ منه. وذهبَ بعضُهم إلى أنَّ الإسنادَ المعنعنَ من قبيلِ المرسلِ والمنقطعِ، حتى يتبينَ اتصالُهُ بغيرهِ، وهذا المرادُ بقولِهِ: (وقيل كلُّ ما أتانا منه منقطع) ، إلى آخرهِ. وقولُهُ: (وحكمُ أنَّ، حكمُ عَنْ، فالجلُّ سَوَّوا) أي: ذهبَ جمهورُ أهلِ العلمِ إلى التسويةِ بين الروايةِ المعنعنةِ، وبين الروايةِ بلفظِ: أنَّ فلاناً قالَ. وهو قولُ مالكٍ وممنْ حكاهُ عن الجمهورِ ابنُ عبد البرِّ في " التمهيدِ ". وأنَّهُ لا اعتبارَ بالحروفِ والألفاظِ، وإنّما هو باللقاءِ والمجالسةِ والسماعِ والمشاهدةِ يعني: مع السلامةِ من التدليسِ. ثم حكى ابنُ عبد البرِّ عن أبي بكرٍ البرديجيِّ أنَّ حرف (أنَّ) محمولٌ على الانقطاعِ حتى يتبينَ السماعُ في ذلك الخبرِ بعينِهِ من جهةٍ أخرى. قال: وعندِي لا معنى لهذا، لإجماعِهم على أنَّ الإسنادَ المتصلَ بالصحابيِّ، سواءٌ قال فيه: قال، أو أنَّ، أو عَنْ، أو سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يعني فكلُّهُ متصِلٌ.

142.... قَالَ وَمِثْلَهُ رَأى ابْنُ شَيْبَةْ ... كَذا لَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْ صَوْبَهْ ... قُلتُ: الصَّوَابُ أنَّ مَنْ أدْرَك مَا ... رَوَاهُ بالشَّرْطِ الَّذي تَقَدَّمَا 144.... يُحْكَمْ لَهُ بالوَصْلِ كَيفَمَا رَوَى ... بـ قَالَ أو عَنْ أو بـ أنَّ فَسَوَا ... وَمَا حَكَى عَنْ (أحمَدَ بنِ حنبلٍ) ... وَقَولِ (يَعْقُوبٍ) عَلَى ذا نَزِّلِ فاعلُ ((قالَ)) هو: ابنُ الصلاحِ، فقال: ووجدْتُ مثلَ ما حكاهُ عن البَرْديجي للحافظِ الفَحْلِ يعقوبَ بنِ شيبةَ في مسندِهِ الفحلِ، قال: فإنّهُ ذكرَ ما رواهُ أبو الزبيرِ، عن محمدِ ابن الحنفيةِ، عن عمّارٍ، قال: أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو يُصلِّي فسلمتُ عليه، فردَّ عليَّ السلامَ. وجعلَهُ مسنداً موصولاً. وذكرَ روايةَ قيسِ بنِ سعدٍ، كذلك عن عطاءِ بنِ أبي رباحٍ، عن ابنِ الحنفيةَ: أنَّ عمّاراً مَرَّ بالنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو يصلّي فجعله مرسلاً من حيثُ كونُهُ قالَ: إنَّ عمّاراً فعلَ، ولم يقلْ: عن عمّارٍ، واللهُ أعلم. انتهى كلامُ ابنِ الصلاحِ. ولم يقع على مقصودِ يعقوبَ بنِ شيبةَ، وهو المرادُ بقولِهِ: (كذا له) أي: لابن الصلاحِ. (ولم يُصَوِّبْ صوبَهُ) أي: ولم يعرجْ صوبَ مقصدِهِ، وبيانُ ذلك أنَّ ما فعلَهُ يعقوبُ هو صوابٌ من العملِ، وهو الذي عليه عملُ الناسِ،

وهو لم يجعلْهُ مرسلاً من حيثُ لفظُ: أنَّ، وإنّما جعلَهُ مرسلاً من حيثُ أنّهُ لم يُسنِدْ حكايةَ القصةِ إلى عمّارٍ، وإلا فلو قالَ: إنَّ عمّاراً قال: مررتُ بالنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لما جعلَهُ مرسلاً، فلما أتى به بلفظِ: أنَّ عماراً مرَّ، كانَ محمدُ بنُ الحنفيةِ هو الحاكي لقصّةٍ لم يُدركْهَا؛ لأنَّهُ لَمْ يُدرِكْ مرورَ عمارٍ بالنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكانَ نَقْلُهُ لِذَلِكَ مرسلاً. ثُمَّ بينتُ ذَلِكَ بقاعدةٍ يُعرفُ بِهَا المتصلُ من المرسلِ بقولي: (قلتُ) ، وهو من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ، إلا حكايةَ كلامِ أحمدَ ويعقوبَ. وتقريرُ هذهِ القاعدةِ: أنَّ الراوي إذا رَوَى حديثاً فيه قِصّةٌ، أو واقعةٌ، فإن كان أدركَ ما رواهُ، بأنْحكى قصةً وقعت بين النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبينَ بعضِ الصحابةِ، والراوي لذلك صحابيٌّ أدركَ تلك الواقعةَ، فهي محكومٌ لها بالاتصالِ، وإنْ لم يُعلَمْ أنّهُ شاهدَها وإنْ لم يدركْ تلك الواقعةَ، فهو مرسلُ صحابيٍّ. وإن كان الراوي تابعياً، فهو منقطعٌ، وإن روى التابعيُّ عن الصحابيِّ قِصَّةً أدركَ وُقوعَها، كان متّصلاً، وإن لم يدركْ وُقوعَها، وأسندَها إلى الصحابيِّ كانت متّصلةً. وإنْ لم يدركْهَا، ولا أسندَ حكايتَها إلى الصحابيِّ فهي منقطعةٌ كروايةِ ابنِ الحنفيةِ الثانيةِ، عن عمّارٍ. ولابُدَّ من اعتبارِ السلامةِ من التدليسِ في التابعينَ، ومَنْ بعدَهم. وقد حكى أبو عبدِ اللهِ بنُ الموَّاقِ اتفاقَ أهلِ التمييزِ من أهلِ الحديثِ على ذلك في كتابه " بُغية النُّقاد " عند ذكرِ حديث عبدِ الرحمنِ بنِ طَرفةَ أنَّ جدَّهُ عَرْفجةَ قُطِعَ أنفُهُ

يومَ الكلابِ، ... الحديث. فقال: الحديثُ عندَ أبي داودَ مرسلٌ. وقد نبّهَ ابنُ السَّكَنِ على إرسالِه فقال: فذكرَ الحديثَ مرسلاً. قال ابنُ الموَّاقِ: وهو أمرٌ بَيِّنٌ لا خلافَ بين أهل التمييزِ من أهلِ هذا الشأنِ في انقطاعِ ما يُرْوَى كذلك، إذا عُلمَ أنَّ الراويَ لم يدركْ زمانَ القِصَّةِ كما في هذا الحديثِ. وقولُهُ: (فسَوَا) ، هو ممدودٌ قُصِرَ لضرورةِ الشعرِ. وقولُهُ: (وما حكى) ، أي: ابنُ الصلاح عن أحمدَ بنِ حنبلٍ، فإنّهُ حكى قبلَ هذا عن أحمدَ أنَّ: عَنْ فلانٍ، وأنَّ فلاناً ليسا سواءً. (وقولِ يعقوبٍ) ، هو مجرورٌ بالعطفِ، ويعقوبَ: هو ابنُ شيبةَ. (على ذا نَزّلْ) أي: نزلْهُ على هذهِ القاعدةِ. أما كلامُ يعقوبَ فقد تقدمَ تنزيلُهُ عَلَيْهِ. وأما

كلامُ أحمدَ فإنَّ الخطيبَ رَوَاهُ في " الكفاية " بإسنادِهِ إِلَى أبي داودَ قَالَ: سمعتُ أحمدَ قيلَ لَهُ: إنَّ رجلاً قَالَ عروةَ: أنَّ عائشةَ قالت: يا رسولَ اللهِ، وعن عروةَ عن عائشةَ سواءٌ؟ قال: كيفَ هذا سواءٌ، ليس هذا بسواءٍ. فإنَّما فرّقَ أحمدُ بين اللفظينِ؛ لأنَّ عروةَ في اللفظِ الأولِ لم يُسنِدْ ذلك إلى عائشةَ، ولا أدرك القِصَّةَ فكانتْ مرسلةً. وأمَّا اللفظُ الثاني فأسْنَدَ ذلك إليها بالعنعنةِ، فكانت متصلةً. 146.... وَكَثُرَ استِعْمَالُ (عَنْ) في ذَا الزَّمَنْ ... إجَازَةً وَهْوَ بِوَصْلٍ مَا قَمَنْ ما تقدّم ذكرُهُ من أَنَّ ((عَنْ)) محمولةٌ على السماعِ، هو في الزَّمَنِ المتقدّمِ. وأمّا في هذه الأزمانِ، فقال: ابنُ الصلاحِ: كَثُرَ في عَصرنا وما قاربَهُ بين المنتسبينَ إلى الحديثِ استعمالُ ((عَنْ)) في الإجازةِ فإذا قال أحدُهُم: قرأتُ على فلانٍ، عن فلانٍ، أو نحو ذلك. فَظُنَّ بهِ أنَّهُ رواهُ عنهُ بالإجازة قال: ولا يُخْرِجُه ذلك من قَبيلِ الاتصالِ على ما لا يخفى. وهذا معنى قولي: (وهو بوصلٍ ما قَمَنْ) ، أي: بنوعٍ من الوصلِ؛ لأنَّ الإجازةَ لها حكمُ الاتصالِ لا القطعِ. وقَمَنْ: بفتحِ الميمِ لمناسبةِ ما قبَلَهُ، وفي الميمِ لغتان: الفتحُ، والكسرُ. ومَعناهُ حَقِيقٌ بذلك وجَدِيرٌ به.

تعارض الوصل والإرسال أو الرفع والوقف

تَعَاْرُضُ الْوَصْلِ والإرْسَاْلِ أوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ 147.... وَاحْكُمْ لِوَصْلِ ثِقَةٍ في الأظْهَرِ ... وَقِيْلَ بَلْ إرْسَالُهُ لِلأكْثَرِ ... وَنَسبَ الأوَّلَ لِلْنُّظَّارِ ... أنْ صَحَّحُوْهُ، وَقَضَى (البُخَارِيْ) 149.... بِوَصْلِ لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيْ ... مَعْ كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ كَالْجَبَلِ ... وَقِيْلَ الاكْثَرُ، وَقِيْلَ: الاحْفَظُ ... ثُمَّ فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ 151.... يَقْدَحُ فِي أَهْليَّةِ الوَاصِلِ، أوْ ... مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأَوْا ... أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وَلَوْ ... مِنْ وَاحِدٍ في ذَا وَذَا، كَما حَكَوْا إذا اختلفَ الثقاتُ في حديثٍ، فرواهُ بعضُهم متّصلاً، وبعضُهم مرسلاً. فاختلفَ أهلُ الحديثِ فيهِ هلِ الحكمُ لمَنْ وصلَ، أو لمَنْ أرسلَ، أو للأكثرِ، أو للأحفظِ؟ على أربعةِ أقوالٍ: أحدُها: أنَّ الحكمَ لَمنْ وصلَ، وهو الأظهرُ الصحيحُ. كما صحّحَهُ الخطيبُ. وقال ابنُ الصلاحِ: إنّهُ الصحيحُ في الفقِهِ وأصولِهِ. وهذا معنى قولِهِ: (ونَسَبَ) أي: ابنُ الصلاحِ الأولَ للنُّظّارِ أنْ صحّحوه، فالنُّظارُ هم أهلُ الفقهِ

والأصولِ. وأنْ هنا مصدريةٌ، أي: تصحيحَهُ. وهو بدلٌ من قولِهِ: (الأول) أي: ونَسَبَ تصحيحَ الأولِ للنُّظارِ. وسُئلَ البخاريُّ عن حديثِ: ((لا نكاحَ إلا بولي)) وهو حديث اختلِفَ فيه على أبي إسحاق السَّبِيعيِّ فرواهُ شُعبةُ والثوريُّ عنه، عن أبي بُردةَ عن النبيِّ (مرسلاً، ورواه إسرائيلُ بنُ يونُسَ في آخرينَ، عن جدِّهِ أبي إسحاقَ، عن أبي بُرْدَةَ عن أبي موسى الأشعريِّ، عن النبيِّ (متصلاً، فحَكَمَ البخاريُّ لمَنْ وصلَهُ، وقال: الزيادةُ من الثقةِ مقبولةٌ. هذا مع أنَّ مَنْ أرسلَهُ شعبةُ وسفيانُ، وهما جبلانِ في الحفظِ والإتقانِ.

والقولُ الثاني: أنَّ الحكمَ لمَنْ أرسلَ. وحكاهُ الخطيبُ عن أكثرِ أصحابِ الحديثِ، وهذا معنى قولِهِ: (وقيلَ بل إرسالُه للأكثرِ) . وقولُهُ: (للأكثرِ) ، خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، أي: وقيلَ الحكمُ لإرسالِهِ، وهذا للأكثرِ، أي: قولُ الأكثرِ. والقولُ الثالثُ: أنَّ الحكمَ للأكثرِ، فإنْ كان مَنْ أرسلَهُ أكثرَ ممَّن وصلَهُ، فالحكمُ للإرسالِ، وإنْ كانَ من وَصَلَهُ أكثرَ، فالحكمُ للوصلِ. والقولُ الرابعُ: أنَّ الحكمَ للأحفظِ، فإنْ كانَ مَنْ أرسلَ أحفظَ، فالحكمُ له، وإن كان مَنْ وصلَ أحفظَ فالحكمُ له، وهذا معنى قولِهِ: وقيلَ: الأكثرُ، وقيلَ: الأحفظُ. وكلاهُما خبرُ مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: وقيلَ: المعتبرُ الأكثرُ، وقيلَ: الأحفظُ. وينبني على هذا القولِ الرابعِ - وهو أنَّ الحكمَ للأحفظِ - ما إذا أرسلَ الأحفظُ، فهلْ يقدحُ ذلكَ في عدالةِ مَنْ وصَلَهُ، وأهليَّتِهِ، أوْ لاَ؟ فيهِ قولانِ: أصحُّهُما، وبه صَدَّرَ ابنُ الصلاحِ كلامَهُ أنَّهُ: لا يَقدَحُ. قالَ: ومنهم مَنْ قالَ: يَقدَحُ في مسندِهِ، وفي

عدالتِهِ، وفي أهليتِهِ. وهذا معنى قولِهِ: (ثُمَّ فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ ... ) إِلَى آخره. وقولُهُ: (أوْ مُسْنَدِهِ) أي: وما أسندَهُ من الحديثِ غَيْر هَذَا الَّذِي أرْسَلَهُ مَنْ هُوَ أحفظُ؛ لأنَّ هذا بناءٌ على أنَّ الحكمَ للأحفظِ، وقد أرسل، فلا شكَّ في قدحِهِ في هذا المسنَدِ على هذا القولِ. وقولُهُ: (وَرَأوا أنَّ الأصح الحُكْم للرَّفْع) . أشارَ بهِ إلى مسألةِ تعارضِ الرفعِ والوقفِ. وهو ما إذا رفعَ بعضُ الثقاتِ حديثاً، ووقفَهُ بعضُ الثقاتِ، فالحكمُ على الأصَحِّ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ، لما زادَهُ الثقةُ من الرفعِ؛ لأنَّهُ مثبتٌ، وغيرُهُ ساكتٌ، ولو كان نافياً فالمثبِتُ مقدّمٌ عليه؛ لأنَّهُ عَلِمَ ما خَفِيَ عليهِ. وقولُهُ: (وَلَو من وَاحِد في ذَا وَذا) . أشارَ بهِ إلى ما إذا وقعَ الاختلافُ مِن راوٍ واحدٍ ثقةٍ في المسألتينِ معاً فوصَلَهُ في وقتٍ وأرسَلَهُ في وقتٍ، أو رَفَعهُ في وقتٍ، ووقَفَهُ في وقتٍ، فالحكمُ على الأصَحِّ لوصلِهِ ورْفعِهِ، لا لإرْسالِهِ ووقْفِهِ. هكذا صحّحَهُ ابنُ الصلاحِ. وأما الأصوليون فصححوا أنَّ الاعتبارَ بما وقع منه أكثرُ. فإنْ وقعَ وصلُه، أو رفعُه أكثرَ من إرسالِهِ، أو وقفهِ؛ فالحكمُ للوصلِ، والرفعِ. وإنْ كان الإرسالُ، أو الوقفُ أكثرَ، فالحكمُ له.

التدليس

التَّدْلِيْسُ 153.... تَدلِيْسُ الاسْنَادِ كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ ... حَدَّثَهُ، وَيَرْتَقِي بـ (عَنْ) وَ (أَنْ) 154.... وَقَالَ: يُوْهِمُ اتِّصَالاً، وَاخْتُلِفْ ... فِي أَهْلِهِ، فَالرَّدُّ مُطْلَقَاً ثُقِفْ 155.... وَالأكْثَرُوْنَ قَبِلُوْا مَا صَرَّحَا ... ثِقَاتُهُمْ بِوَصْلِهِ وَصُحِّحَا 156.... وَفي الصَّحِيْحِ عِدَّةٌ (كَالاعْمَشِ) ... وَ (كَهُشَيْمٍ) بَعْدَهُ وَفَتِّشِ التدليسُ على ثلاثةِ أقسامٍ، ذكرَ ابنُ الصلاحِ منها قسمينِ فقطْ: القسمُ الأولُ: تدليسُ الإسنادِ: وهو أنْ يُسقطَ اسمَ شيخِهِ الذي سمعَ منه، ويرتَقي إلى شيخِ شيخِهِ، أو مَنْ فوقَهُ، فَيسندُ ذلك إليه بلفظٍ لا يقتضي الاتصالَ، بل بلفظٍ مُوهمٍ، كقولِهِ: عَنْ فلانٍ، أو أنَّ فلاناً، أو قالَ فلانٌ، مُوهِماً بذلك أنّهُ

سمعَ ممَّنْ رواه عنه، وإنّما يكونُ تدليساً إذا كانَ المدلِّسُ قد عاصرَ المرويَّ عنه أو لقيَهُ ولم يسمع منه، أو سمعَ منه ولم يسمعْ منه ذلكَ الحديثَ الذي دلَّسَهُ عنه. وقد فُهِمَ هذا الشرطُ مِنْ قولِهِ: (يُوْهِمُ اتصَّالاً) . وإنّما يقعُ الإيهامُ مع المعاصرةِ وقد حدَّهُ أبو الحسنِ ابنُ القطانِ في كتابِهِ " بيان الوهم والإيهام ": بأنْ يرويَ عمَّنْ قد سَمِعَ منه ما لم يسمعْ منهُ، من غيرِ أنْ يذكرَ أنّهُ سمعَهُ منه، قال: والفرقُ بينَهُ وبين الإرسالِ: هو أنَّ الإرسالَ روايتُهُ عمَّنْ لم يسمعْ منه، وقد سبقَ ابنَ القطانِ إلى حدِّهِ بذلك الحافظُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ عمرِو بنِ عبدِ الخالقِ البزَّارُ، ذكرَ ذلك في جزءٍ له " في معرفةِ مَنْ يُتركُ حديثُهُ، أو يقبلُ ". أما إذا روى عمَّنْ لم يدركْهُ بلفظٍ موهمٍ فإنَّ ذلك ليس بتدليسٍ على الصحيحِ المشهورِ. وحكى ابن عبد البرِّ في " التمهيد " عن قومٍ: أنَّهُ

تدليسٌ، فجعلوا التدليسَ أنْ يُحَدِّثَ الرجلُ عن الرجلِ بما لم يسمعْهُ منه بلفظٍ لا يقتضي تصريحاً بالسماعِ، وإلاَّ لكان كذباً. قالَ ابنُ عبد البرِّ: وعلى هذا فما سَلِمَ من التدليسِ أحدٌ لا مالكٌ ولا غيرُهُ. فقولُهُ: في البيتِ الثاني: (وقال) ، معطوفٌ على قولِهِ: (بِـ: عَنْ وأنْ) ، أي: بهذهِ الألفاظِ الثلاثةِ ونحوِها، ومثله أنْ يُسْقِطَ أداةَ الروايةِ، ويسمّي الشيخَ فقط فيقولُ: فلانٌ، وهذا يفعلُهُ أهلُ الحديثِ كثيراً. قال عليُّ بنُ خَشْرَمٍ: كُنَّا عند ابنِ عُيينةَ، فقالَ: الزُّهْريُّ، فقيل له: حدّثَكُمُ الزهريُّ؟ فسكتَ. ثمَّ قالَ: الزهريُّ، فقيل له: سمعتَهُ من الزهريِّ؟ فقال: لا لم أسمعْهُ من الزهريِّ ولا ممَّنْ سمِعَهُ من الزهريِّ، حدّثني عبدُ الرزاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن الزهريِّ. وقد مَثَّلَ ابنُ الصَّلاحِ للقسمِ الأولِ بهذا المثالِ. ثم حكى الخلافَ فيمَنْ عُرفَ بهذا، هل يُردُّ حديثُهُ مطلقاً، أو ما لم يُصرّحْ فيه بالاتصال؟! واعلمْ أنَّ ابنَ عبد البرِّ قد حكى عن أئمةِ الحديثِ أنَّهُم قالوا: يُقبلُ تدليسُ ابنِ عُيينةَ؛ لأنَّهُ إذا وقفَ أحالَ على ابنِ جُريجٍ ومعمرٍ ونظائرِهما. وهذا ما رجّحَهُ ابنُ حبّانَ، وقال: وهذا شيءٌ ليس في الدنيا إلاَّ لسفيانَ بنِ عيينةَ، فإنّهُ كان يدلِّسُ، ولا يدلِّسُ إلا عن ثقةٍ متقنٍ، ولا يكادُ يوجدُ لابنِ عيينةَ خبرٌ دلَّسَ فيهِ، إلاَّ

وقدْ بَيَّنَ سماعَهُ عن ثقةٍ مثل ثقتِهِ، ثم مَثَّلَ ذلك بمراسيلِ كبار الصحابةِ، فإنَّهُم لا يرسلونَ إلاّ عن صحابيٍّ. وقد سبقَ ابنَ عبدِ البرِّ إلى ذلك الحافظانِ: أبو بكر البزّارُ، وأبو الفتحِ الأزديُّ. فقالَ البزّارُ في الجزءِ المذكورِ: إنَّ مَنْ كان يدلِّسُ عن الثقاتِ كانَ تدليسُهُ عند أهلِ العلمِ مقبولاً. ثم قال: فمَنْ كانت هذهِ صفتُهُ وَجبَ أنْ يكونَ حديثُهُ مقبولاً وإنْ كان مدلساً. وهكذا رأيتُهُ في كلامِ أبي بكرٍ الصَيْرفيِّ من الشافعية في كتابِ "الدلائلِ" فقالَ: كلُّ مَنْ ظهرَ تدليسُهُ عن غيرِ الثقاتِ لَمْ يُقبلْ خبرُهُ حَتَّى يقولَ: حدّثني، أو سمعتُ. انتهى. وقولُهُ: (واختلفَ في أهْلِه) أي: في أهلِ هَذَا القسمِ مِنَ التدليسِ، وهم المعروفونَ بهِ. فقيلَ: يُرَدُّ حديثُهم مطلقاً، سواءٌ بينوا السماعَ، أو لَمْ يبينوا، وأنَّ التدليسَ نفسَهُ جرحٌ، حكاهُ ابنُ الصلاحِ عن فريقٍ من أهلِ الحديثِ

والفقهاءِ، وَهُوَ المرادُ بقولِهِ: (فالردُّ مطلقاً ثُقِفْ) أي: وُجِدَ عن بعضِهم. والصحيحُ كما قالَ ابنُ الصلاحِ، التفصيلُ. فإنْ صَرَّحَ بالاتصالِ كقولِهِ: سمعتُ، وحدّثنا، وأخبرنا، فهو مقبولٌ محتجٌّ به. وإنْ أتى بلفظٍ محتملٍ فحكمُه حكمُ المرسلِ. وإلى هذا ذهبَ الأكثرونَ كما حكيتُهُ عنهمْ. ولمْ يذكرِ ابنُ الصلاحِ ذلكَ عنِ الأكثرينَ. وهذا من الزيادةِ عليه التي لم تُمَيَّزْ بـ: قلتُ. وممَّنْ حكاهُ عن جمهورِ أئمةِ الحديثِ والفقهِ والأصولِ شيخُنا أبو سعيدٍ العلائيُّ في كتابِ " المراسيل "، وهو قولُ الشافعيِّ، وعليِّ بنِ المدينيِّ، ويحيى بنِ معين، وغيرِهم.

وقد وجدتُ في كلامِ بعضِهم: أنَّ المدلّسَ إذا لم يُصَرِّحْ بالتحديثِ، لم يُقبلْ اتّفاقاً. وقد حكاهُ البيهقيُّ في " المدخلِ " عن الشافعيِّ، وسائرِ أهلِ العلمِ بالحديثِ. وحكايةُ الاتفاقِ هنا غلطٌ أو هو محمولٌ على اتفاقِ مَنْ لا يحتجُّ بالمرسلِ. أمّا الذين يحتجُّونَ بالمرسلِ فيحتجونَ بهِ كما اقتضاهُ كلامُ ابنِ الصلاحِ على أنَّ بعضَ مَنْ يحتجُّ بالمرسلِ لا يقبلُ عنعنةَ المدلسِ. فقد حكى الخطيبُ في " الكفايةِ ": أنَّ جُمهورَ مَنْ يحتجُّ بالمرسلِ يقبلُ خبرَ المدلِّسِ. وقولُهُ: (وفي الصحيح ... ) إلى آخرهِ، أي: وفي الصَّحيحينِ وغيرِهما مِنَ الكتبِ الصحيحةِ عدّةُ رواةٍ من المدلّسينَ، كالأعمشِ، وهُشيمِ بنِ بَشِيرٍ، وغيرِهما. وقولُهُ: (وفَتِّشْ) أي: وفتشْ، في الصحيحِ تجدْ جماعةً منهم، كقتادةَ والسفيانَيْنِ، وعبدِ الرزاقِ، والوليدِ بنِ مسلمٍ، وغيرِهِمْ. وقالَ النوويُّ: إنَّ ما في الصحيحينِ وغيرِهما من الكتبِ الصحيحةِ عن المدلسينَ بـ: عَنْ، محمولٌ عَلَى ثبوتِ سماعِهِ من جهةٍ أخرى. وَقَالَ الحافظُ أبو محمدٍ عبدُ الكريمِ الحلبيُّ في كتاب " القِدْح المُعَلّى": قالَ أكثرُ العلماءِ: إنَّ الَّتِي في الصحيحينِ مُنَزَّلةٌ بمنزلةِ السماعِ.

157.... وَذَمَّهُ (شُعْبَةُ) ذُو الرُّسُوْخِ ... وَدُوْنَهُ التَّدْليْسُ لِلشِّيُوْخِ 158.... أنْ يَصِفَ الشَّيْخَ بِمَا لا يُعْرَفُ ... بِهِ، وَذَا بِمقْصِدٍ يَخْتَلِفُ 159.... فَشَرُّهُ للضَّعْفِ وَاسْتِصْغَارا ... وَكـ (الخَطِيْبِ) يُوْهِمُ اسْتِكْثَارَا 160.... و (الشَّافِعيْ) أثْبَتَهُ بِمَرَّه ... قُلْتُ: وَشَرُّهَا أخُو التَّسْويهْ أي: وذمّهُ شعبةُ فبالغَ في ذمِّهِ، وإلاّ فَقَدْ ذمّهُ أكثرُ العلماءِ، وَهُوَ مكروهٌ جدّاً، فروَى الشافعيُّ عن شعبةَ قالَ: التدليسُ أخو الكذبِ، وَقَالَ: لأنْ أزني أحبُّ إليَّ مِنْ أن أدلسَ. قَالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهذا من شعبةَ إفراطٌ محمولٌ عَلَى المبالغةِ في الزجرِ عَنْهُ والتنفيرِ)) . وقوله: (دُوْنَهُ التدليسُ للشيوخِ) أي: ودونَ القسمِ الأولِ. وهذا هو القسمُ الثاني من أقسامِ التدليسِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: أمرُه أخفُّ منه، و (أنْ) : في أولِ البيتِ الثاني مصدريةٌ. والجملةُ في موضع رفعٍ على أنّهُ بيانٌ للتدليسِ المذكورِ، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ

تقديره: وهو أنْ يصفَ المدلّسُ شيخَهُ الذي سمعَ ذلك الحديث منه بوصفٍ لا يُعْرَفُ به من اسمٍ، أو كنيةٍ، أو نسبةٍ إلى قبيلةٍ، أو بلدٍ، أو صنعةٍ أو نحوِ ذلك، كي يُوْعِّرِ الطريقَ إلى معرفةِ السامعِ له، كقول أبي بكرِ بن مجاهدٍ أحدِ أئمةِ القُرَّاْءِ: حدّثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي عبدِ اللهِ، يريدُ به: عبدَ اللهِ بنَ أبي داود السجستانيَّ، ونحوَ ذلك. قال ابنُ الصلاحِ: وفيه تضييعٌ للمَرْوِيِّ عنه. قلتُ: وللمَرْوِيِّ أيضاً بأنْ لا يتنبهَ له فيصيرُ بعضُ رواتِهِ مجهولاً. ويختلفُ الحالُ في كراهةِ هذا القسمِ باختلافِ المقْصَدِالحاملِ على ذلكَ. فشرُّ ذلكَ: إذا كانَ الحاملُ على ذلكَ كونَ المَرْوِيِّ عنهُ ضعيفاً، فيدلّسُهُ حتى لا تظهرَ روايتُهُ عن الضعفاءِ. وقد يكونُ الحاملُ على ذلكَ كونَ المَرْوِيِّ عنه صغيراً في السِّنِّ، أو تأخّرتْ وفاتُهُ، وشاركَهُ فيه مَنْ هو دونَهُ. وقد يكونُ الحاملُ على ذلك إيهامَ كثرةِ الشيوخِ بأنْ يرويَ عن الشيخِ الواحدِ في مواضعَ، يُعَرِّفُهُ في موضِعٍ بصفةٍ، وفي موضعٍ آخرَ بصفةٍ أخرى يُوهِمُ أنّهُ غيرُهُ. وممَّنْ يفعلُ ذلك كثيراً الخطيبُ، فقد كانَ لهِجَاً به في تصانيفهِ. ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ حكمَ مَنْ عُرِفَ بهذا القسمِ الثاني من التدليسِ. وقد جزمَ ابنُ الصَّبَّاغُ في " العُدَّةِ " بأنَّ مَنْ فعلَ ذلكَ؛ لكونِ مَنْ روى عنهُ غيرَ ثقةٍ عندَ الناسِ،

وإنّما أرادَ أنْ يُغيِّرَ اسمَهُ ليقبلوا خبرَهُ، يجبُ أنْ لا يُقبلَ خَبرُهُ، وإنْ كانَ هو يعتقدُ منهُ الثقةَ فقدْ غَلَطَ في ذلكَ؛ لجوازِ أنْ يَعْرِفَ غيرُهُ مِنْ جِرْحهِ ما لا يَعرفُهُ هو، فإنْ كانَ لصِغَرِ سنِّهِ، فيكونُ ذلكَ روايةً عن مجهولٍ، لا يجبُ قبولُ خَبَرِهِ حتَّى يعرفَ مَنْ رَوَى عنهُ. وقوله: (واستصغاراً) ، منصوبٌ بكانَ المحذوفةِ، أي: ويكونُ استصغاراً وإيهاماً للكثرةِ، وقوله: (وكالخطيبِ) أي: وكفعلِ الخطيبِ. وقولُه: (والشافعيُّ أثبتَهُ) أي: أصلُ التدليسِ لا هذا القسمُ الثاني منه. قالَ ابنُ الصلاحِ: والحكمُ بأنَّهُ لا يُقبلُ من المدلِّسِ حتَّى يُبَيِّنَ، قد أجراهُ الشافعيُّ (، فيمَنْ عرفناهُ دلَّسَ مرّةً. وممَّنْ حكاهُ عن الشافعيِّ البيهقيُّ في " المدخلِ ". وقولُهُ: (قلتُ: وشرُّها أخو التسوية) . هذا هو القسمُ الثالثُ من أقسامِ التدليسِ الذي لم يذكرْهُ ابنُ الصلاحِ - وهو تدليسُ التسويةِ - وصورتُه أنْ يرويَ حديثاً عن شيخٍ ثقةٍ، وذلكَ الثقةُ يرويه عنْ ضعيفٍ عن ثقةٍ، فيأتي المدلِّسُ الذي سمعَ الحديثَ من الثقةِ الأولِ، فيُسقطُ الذي في السندِ، ويجعلُ الحديثَ عن شيخِهِ الثقةِ عن الثقةِ الثاني، بلفظٍ محتملٍ، فيستوي الإسنادُ، كلُّهُ ثقاتٌ. وهذا شرُّ أقسامِ التدليسِ؛

لأنَّ الثقةَ الأولَ قدْ لا يكونُ معروفاً بالتدليسِ، ويجدُهُ الواقفُ على السندِ كذلكَ بعدَ التسويةِ قد رواهُ عن ثقةٍ آخرَ فيحْكَمُ له بالصحةِ، وفي هذا غرورٌ شديدٌ. وممَّنْ نُقِلَ عنه أنَّهُ كان يفعلُ ذلكَ: بقيّةُ بنُ الوليدِ، والوليدُ بنُ مسلمٍ. أما بقيةُ، فقال ابنُ أبي حاتمٍ في كتاب " العلل ": سمعتُ أبي، وذكرَ الحديثَ الذي رواهُ إسحاقُ بنُ راهويهِ، عنْ بقيةَ، حدّثني أبو وَهْبٍ الأسديُّ، عن نافعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ حديث: ((لا تحمدوا إسلامَ المرءِ حتى تعرفوا عقدةَ رأيِهِ)) . فقال أبي: هذا الحديثُ له أمرٌ قَلَّ مَنْ يفهمُهُ، رَوَى هذا الحديثَ عبيدُ الله بنُ عمرٍو، عن إسحاقَ بنِ أبي فروةَ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ (. وعبيدُ الله بنُ عمرٍو كنيته أبو وَهْبٍ وهو أسديٌ. فكناهُ بقيةُ ونسبَهُ إلى بني أسدٍ لكي لا يُفطَنَ له. حتى إذا تُرِكَ إسحاقُ بنُ أبي فروةَ من الوسط لا يُهتدى له. - قال -: وكان بقيّةُ مِن أفعلِ الناسِ لهذا. وأمَّا الوليدُ بنُ مسلمٍ فقال أبو مُسْهِرٍ: كانَ الوليدُ بنُ مسلمٍ يحدّثُ بأحاديثِ الأوزاعيِّ عن الكذابينَ، ثم يدلّسُها عنهم. وقال صالحٌ جَزَرَةُ: سمعتُ الهيثمَ بنَ

خارجةَ يقولُ: قلتُ للوليدِ بنِ مسلمٍ: قد أفسدتَ حديثَ الأوزاعيِّ. قال: كيف؟ قلتُ: تَروي عن الأوزاعيِّ، عن نافعٍ، وعن الأوزاعيِّ، عن الزهريِّ، وعن الأوزاعيِّ، عن يَحْيَى بنِ سعيدٍوغيرُكَ يُدْخلُ بَيْنَ الأوزاعيِّ وبينَ نافعٍ، عبدَ اللهِ بنَ عامرٍ الأسلميَّ وبينَهُ وبينَ الزهريِّ إبراهيمَ بنَ مُرَّةَ وقُرَّةَ، قَالَ: أُنَبِّلُ الأوزاعيَّ أنْ يروِيَ عن مثلِ هؤلاءِ. قلتُ: فإذا رَوَى عن هؤلاءِ - وهم ضُعفاءُ - أحاديثَ مناكيرَ فاسقطتَهُمْ أنتَ وصَّيرتَها من روايةِ الأوزاعيِّ عن الثِّقاتِ؛ ضُعِّفَ الأوزاعيُّ، فلم يلتفِتْ إلى قولي. وذَكَرَ الدارقطنيُّ عن الوليدِ أيضاً هذا النوعَ مِنَ التدليسِ. قال الخطيبُ: وكانَ الأعمشُ، والثوريُّ، وبقيّةُ، يفعلونَ مثلَ هذَا. وقد سَمَّاهُ ابنُ

القطّانِ وغيرُ واحدٍ تدليسَ التسويةِ. قال العلائيُّ في " المراسيلِ ": ((وبالجملةِ فهذا النوعُ أفحشُ أنواعِ التدليسِ مطلقاً وشرُّها)) . الشَّاذُّ 161.... وَذُو الشُّذُوذِ: مَا يُخَالِفُ الثِّقَهْ ... فِيهِ المَلاَ فَالشَّافِعيُّ حقَّقَهْ 162.... والحَاكِمُ الخِلاَفَ فِيهِ ما اشْتَرَطْ ... وَلِلْخَلِيليْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ 163.... وَرَدَّ مَا قَالاَ بِفَرْدِ الثِّقَةِ ... كالنَّهْي عَنْ بَيْعِ الوَلاَ وَالهِبَةِ 164.... وَقَوْلُ مُسْلِمٍ: رَوَى الزُّهْرِيُّ ... تِسْعِينَ فَرْدَاً كُلُّهَا قَوِيُّ 165.... واخْتَارَ فِيْمَا لَمْ يُخَالِفْ أنَّ مَنْ ... يَقْرُبُ مِنْ ضَبْطٍ فَفَرْدُهُ حَسَنْ 166.... أوْ بَلَغَ الضَّبْطَ فَصَحِّحْ أَوْ بَعُدْ ... عَنْهُ فَمِمَّا شَذَّ فَاطْرَحْهُ وَرُدْ

الشاذ

اختلفَ أهلُ العلمِ بالحديثِ في صفةِ الحديثِ الشاذِّ، فقالَ الشافِعيُّ: ليسَ الشاذُّ مِنَ الحديثِ أنْ يرويَ الثقةُ ما لا يروي غيرُهُ، وإنَّما أنْ يرويَ الثقةُ حديثاً يخالفُ ما روى الناسُ، وحكى أبو يعلى الخليليُّ عنْ جماعةٍ من أهلِ الحجازِ نحوَ هذا، وقالَ الحاكمُ: ((هوَ الحديثُ الذي ينفردُ بهِ ثقةٌ منَ الثقاتِ، وليسَ لهُ أصلٌ بمتابعٍ لذلكَ الثقةِ)) . فلمْ يشترطِ الحاكمُ فيهِ مخالفةَ الناسِ، وذَكَرَ أنَّهُ يغايرُ المعلَّلَ من حيثُ إِنَّ المعلَّلَ وُقِفَ على علَّتِهِ الدالةِ على جهةِ الوهمِ فيهِ، والشاذُّ لَمْ يُوقفْ فيهِ على علَّتِهِ كذلكَ. وقالَ أبو يعلى الخليليُّ: الذي عليهِ حفَّاظُ الحديثِ: أنَّ الشاذَّ ما ليسَ لهُ إلاَّ إسنادٌ واحدٌ، يشذُّ بذلكَ شيخٌ، ثقةً كانَ أو غيرَ ثقةٍ، فما كانَ عنْ غيرِ ثقةٍ فمتروكٌ لا يقبلُ، وما كانَ عنْ ثقةٍ يُتَوقَفُ فيهِ ولا يحتجُّ بهِ فَلمْ يشترطِ الخليليُّ في الشاذِّ تفردَ الثقةِ، بلْ مطلقُ التفردِ. وقولُهُ: ورَدَّ، أي: ابنُ الصلاحِ ما قالَ الحاكمُ والخليليُّ بأفرادِ الثقاتِ الصحيحةِ، وبقولِ مسلمٍ الآتي ذكرُهُ، فقالَ ابنُ الصلاحِ: ((أمَّا ما

حكمَ الشافعيُّ عليهِ بالشذوذِ، فلا إشكالَ في أنَّهُ شاذٌّ غيرُ مقبولٍ، قالَ: وأمَّا ما حكيناهُ عنْ غيرِهِ فيشكِلُ بما ينفردُ بهِ العدلُ الحافظُ الضابطُ، كحديثِ: ((إنّما الأعمالُ بالنياتِ)) ثمَّ ذكرَ مواضعَ التفردِ منهُ، ثمَّ قالَ: وأوضحُ من ذلكَ في ذلكَ: حديثُ عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، عنْ ابن عمرَ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((نهى عنْ بيعِ الولاءِ وهبتِهِ)) تفرّدَ بهِ عبدُ اللهِ بنُ دينارٍ. وحديثُ مالكٍ، عنِ الزُّهريِّ، عنْ أنسٍ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((دخلَ مكَّةَ وعلى رأسِهِ المِغْفَرُ)) تفرّد بهِ مالكٌ عنِ الزهريِّ. فكلُّ هذهِ مُخرجةٌ في

الصحيحينِ معَ أنَّها ليسَ لها إلاَّ إسنادٌ واحدٌ تفرَّدَ بهِ ثقةٌ، قالَ: وفي غرائبِ الصحيحِ أشباهٌ لذلكَ غيرُ قليلةٍ، قالَ: وقَدْ قالَ مسلمُ بنُ الحجّاجِ: ((للزُّهْريِّ نحوُ تسعينَ حرفاً يَرْوِيهِ عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا يُشَارِكُهُ فيها أحدٌ بأسانيدَ جِيادٍ)) قالَ: فهذا الذي ذكرناهُ وغيرُهُ من مذاهبِ أئمةِ الحديثِ يبينُ لكَ أنَّهُ ليسَ الأمرُ في ذلكَ على الإطلاقِ الذي أتى بهِ الخليليُّ والحاكمُ، بلِ الأمرُ في ذلكَ على تفصيلٍ نُبَيِّنُهُ فنقولُ: إذا انفردَ الراوي بشيءٍ نُظِرَ فيهِ، فإنْ كانَ مخالفاً لما رواهُ مَنْ هوَ أولى منهُ بالحفظِ لذلكَ، وأضبطُ، كانَ ما انفردَ بهِ شاذّاً مردوداً، وإنْ لَمْ يكنْ فيهِ مخالفةٌ لما رواهُ غيرُهُ وإنّما هوَ أمرٌ رواهُ هوَ ولَمْ يَرْوِهِ غيرُهُ، فيُنْظَرُ في هذا الراوي المنفردِ، فإنْ كانَ عدلاً

حافظاً موثوقاً بإتقانهِ وضبطِهِ قُبِلَ ما انفردَ بهِ ولَمْ يقدحِ الانفرادُ فيهِ كما سبقَ منَ الأمثلةِ، وإنْ لَمْ يكنْ ممَّنْ يُوثَقُ بحفظهِ وإتقانِهِ لذلكَ الذي انفرد بهِ، كانَ انفرادُهُ بهِ خارِماً لهُ مُزَحزِحاً لهُ عنْ حيِّزِ الصحيحِ، ثمَّ هوَ بعدَ ذلكَ دائرٌ بينَ مراتبَ متفاوتةٍ بحسبِ الحالِ فيهِ، فإنْ كانَ المنفردُ بهِ غيرَ بعيدٍ من درجةِ الحافظِ الضابطِ المقبولِ تفرّده، استحسنا حديثَهُ ذلكَ، ولَمْ نحّطْهُ إلى قبيلِ الحديثِ الضعيفِ، وإنْ كانَ بعيداً من ذلكَ ردَدْنَا ما انفردَ بهِ، وكانَ من قبيلِ الشَّاذِّ المنكرِ. انتهى.

وهذا معنى قولِهِ: (واختارَ) ، أي: ابنُ الصلاحِ في الفردِ الذي لم يُخالِفْ. وقولُهُ: (وَرُدْ) ، هو أمرٌ معطوفٌ على قولِهِ: (فاطْرَحْهُ) ، قالَ ابنُ الصَّلاحِ: فخرجَ من ذلكَ أنَّ الشاذَّ المردودَ قسمانِ: أحدُهما: الحديثُ الفردُ المخالفُ. والثاني: الفردُ الذي ليسَ في راويهِ منَ الثقةِ والضبطِ ما يقعُ جابراً لما يوجبُ التفردُ والشذوذُ من النكارةِ والضعفِ، واللهُ أعلمُ. وسيأتي مثالٌ لقسمي الشَّاذِّ في البابِ الذي بعدَهُ.

المنكر

الْمُنْكَرُ 167.... وَالْمُنكَرُ: الفَرْدُ كَذَا البَرْدِيجِيْ ... أَطْلَقَ، وَالصَّوَابُ فِي التَّخْرِيْجِ 168.... إِجْرَاءُ تَفْصِيْلٍ لَدَى الشُّذُوْذِ مَرْ ... فَهْوَ بِمَعْناهُ كَذَا الشَّيْخُ ذَكَرْ 169.... نَحْوَ ((كُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ)) الخَبَرْ ... وَمَالِكٍ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ 170.... قُلْتُ: فَمَاذَا؟ بَلْ حَدِيْثُ ((نَزْعِهْ ... خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلاَ وَوَضْعِهْ)) قالَ الحافظُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ هارونَ البَرْديجيُّ: المنكرُ هوَ الحديثُ الذي ينفردُ بهِ الرجلُ، ولا يُعرفُ متُنُه من غيرِ روايتِهِ، لا من الوجهِ الذي رواهُ منهُ ولا من وجهٍ آخرَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: فأطلقَ البرديجيُّ ذلكَ، ولمْ يفصِّلْ. قالَ: وإطلاقُ الحكمِ على التفرُّدِ بالرَّدِّ، أو النَّكارةِ، أو الشُّذوذِ، موجودٌ في كلامِ كثيرٍ من أهلِ الحديثِ. قالَ: والصوابُ فيهِ التّفصيلُ الذي بيناهُ آنفاً في شرحِ الشاذِّ، قالَ: وعندَ هذا نقولُ:

المنكرُ ينقسم قسمينِ على ما ذكرناهُ في الشاذِّ، فإنَّهُ بمعناهُ. وقولُهُ: (نحو كُلوا ... ) إلى آخرِ البيتِ هما مثالانِ للمنكرِ الذي هوَ بمعنى الشاذِّ. فالأولُ مثالٌ للفردِ الذي ليسَ في راويهِ من الثقةِ والإتقانِ ما يحتملُ معهُ تفرُّدُهُ، وهوَ ما رواهُ النسائيُّ، وابنُ ماجه منْ روايةِ أبي زُكَيْرٍ يحيى بنِ محمّدِ بنِ قيسٍ عنْ هِشامِ بنِ عُروةَ عنْ أبيهِ عنْ عائشةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((كلوا البَلَحَ بالتَّمْرِ، فإنَّ ابنَ آدمَ إذا أكلَهُ غَضِبَ الشيطانُ، ... الحديثَ)) ، قالَ النسائيُّ هذا حديثٌ منكرٌ، قالَ ابنُ الصلاحِ تفرّدَ بهِ أبو زُكيرٍ، وهوَ شيخٌ صالحٌ أخرجَ عنه مسلمٌ في كتابِهِ غيرَ أنَّهُ لَمْ يبلغْ مبلغَ مَنْ يحتملُ تفرُّدُهُ انتهى.

وإنّما أخرجَ لهُ مسلمٌ في المتابعات. والثاني: مثالٌ للفردِ المخالفِ لما رواهُ الثقاتُ، وهوَ ما رواهُ مالكٌ، عنِ الزهريِّ، عنْ عليِّ بنِ حسينٍ، عنْ عمرَ بنِ عثمانَ، عنْ أُسامةَ بنِ زيدٍ، عنْ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((لا يَرِثُ المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ)) . فخالفَ مالكٌ غيرَهُ منَ الثقاتِ في

قولهِ: عُمرَ بنِ عُثمانَ، يعني: بضمِّ العينِ، وذكرَ مسلمٌ في " التمييز " أنَّ كلَّ مَنْ رواهُ منْ أصحابِ الزهريِّ قالَ فيهِ: عَمْرو بنِ عثمانَ، يعني: بفتح العينِ، وذكرَ أنَّ مالكاً كانَ يشيرُ بيدهِ إلى دارِ عُمَرَ بنِ عثمانَ، كأنَّهُ علمَ أنَّهم يخالفونَهُ، وعَمرٌو وعُمَرُ جميعاً ولدا عثمانَ غيرَ أنَّ هذا الحديثَ إنّما هوَ عن عَمرٍو - بفتحِ العينِ - وحكمَ مسلمٌ وغيرُهُ على مالكٍ بالوهمِ فيهِ، هكذا مثَّلَ ابنُ الصلاحِ بهذا المثالِ، وفيهِ نظرٌ، منْ حيثُ إنَّ هذا الحديثَ ليسَ بمنكرٍ، ولمْ يطلقْ عليهِ أحدٌ اسمَ النكارةِ فيما رأيت والمتن ليسَ بمنكرٍ، وغايتُهُ أنْ يكونَ السندُ منكراً، أو شاذاً لمخالفةِ الثقاتِ لمالكٍ في ذلكَ، ولا يلزمُ من

شذوذِ السندِ ونكارتِهِ وجودُ ذلكَ الوصفِ في المتنِ فقدْ ذكرَ ابنُ الصلاحِ في نوعِ المعللِ: أنَّ العلةَ الواقعةَ في السندِ قدْ تقدحُ في المتنِ، وقدْ لا تقدحُ ومثَّلَ ما لا تقدحُ بما رواهُ يعلى بنُ عُبيدٍ، عنِ الثَّوريِّ، عنْ عَمرِو بنِ دينارٍ، عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((البَيِّعَانِ بالخِيَار)) قالَ: فهذا إسنادٌ معلَّلٌ غيرُ صحيحٍ، والمتنُ على كلِّ حالٍ صحيحٌ، قالَ: والعلّةُ في قولهِ عن عَمرِو بنِ دينارٍ، وإنّما هوَ عنْ عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ. انتهى. فحكمَ على المتنِ بالصحةِ معَ الحكمِ بوهمِ يعلى بنِ عُبيدٍ فيهِ وإلى هذا الإشارةُ بقولي: (قلتُ: فماذا) ، وإذا قالَ مالكٌ: عُمَرَ بنَ عثمانَ، فماذا؟ أي: فما يلزمُ منهُ من نكارةِ المتنِ. ثمَّ أشرتُ إِلَى مثالٍ صحيحٍ لأحدِ قسمَيْ المنكرِ، بقولي: (بَلْ حَدِيْث نزعه ... ) إلى آخرهِ، أي: بل هذا الحديثُ مثالٌ لهذا القسمِ من المنكر، وهوَ ما رواهُ أصحابُ السننِ

الأربعةِ من روايةِ همّامِ بنِ يحيى عنِ ابنِ جريجٍ عن الزُّهريِّ عن أنسٍ، قالَ: كانَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((إذا دَخَلَ الخلاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ)) ، قالَ أبو داودَ بعدَ تخريجهِ: هذا حديثٌ منكرٌ، قالَ: وإنّما يُعْرَفُ عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عنْ زيادِ بنِ سعدٍ، عنِ الزهريِّ، عنْ أنسٍ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((اتّخذَ خاتماً منْ وَرِقٍ، ثمَّ ألقاهُ)) ، قالَ: والوهمُ فيهِ من همّامٍ، ولمْ يروِهِ إلاَّ همّامٌ، وقالَ النسائيُّ بعدَ تخريجهِ: هذا حديثٌ غيرُ محفوظٍ انتهى. فهمّامُ بنُ يحيى ثقةٌ، احتجَّ بهِ أهلُ الصحيحِ، ولكنَّهُ خالفَ الناسَ، فروى عنِ ابنِ جريجٍ هذَا المتنَ بهذا السندِ وإنّما رَوَى الناسُ عنِ ابنِ جريجٍ الحديثَ الذي أشارَ إليهِ أبو داودَ، ولهذا حكمَ عليهِ أبو داودَ بالنكارةِ، وأما الترمذيُّ فقالَ فيه: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.

الاعتبار والمتابعات والشواهد

الاعْتِبَارُ وَالمُتَابَعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ 171.... الاعْتِبَارُ سَبْرُكَ الحَدِيْثَ هَلْ ... شَارَكَ رَاوٍ غَيْرَهُ فيْمَا حَمَلْ 172.... عَنْ شَيْخِهِ فَإنْ يَكُنْ شُوْرِكَ مِنْ ... مُعْتَبَرٍ بِهِ فَتَابِعٌ، وَإنْ 173.... شُورِكَ شَيْخُهُ فَفَوْقُ فَكَذَا ... وَقَدْ يُسَمَّى شَاهِدَاً ثُمَّ إذَا 174.... مَتْنٌ بِمَعْنَاهُ أتَى فَالشَّاهِدُ ... وَمَا خَلاَ عَنْ كُلِّ ذَا مَفَارِدُ 175.... مِثَالُهُ ((لَوْ أَخَذُوا إهَابَهَا)) ... فَلَفْظَةُ ((الدِّبَاغِ)) مَا أتَى بِهَا 176.... عَنْ عَمْرٍو الاَّ ابنُ عُيَيْنَةٍ وَقَدْ ... تُوبِعَ عَمْروٌ في الدِّبَاغِ فَاعْتُضِدْ 177.... ثُمَّ وَجَدْنَا ((أَيُّمَا إِهَابِ)) ... فَكَانَ فيهِ شَاهِدٌ في البابِ

هذهِ الألفاظُ يتداولها أهلُ الحديثِ بينَهم. فالاعتبارُ: أنْ تأتيَ إلى حديثٍ لبعضِ الرواةِ، فتعتبرُه برواياتِ غيرِهِ منَ الرواةِ بسبرِ طُرُقِ الحديثِ ليُعرفَ هلْ شاركَهُ في ذلكَ الحديثِ راوٍ غيرُهُ فرواهُ عنْ شيخِهِ أمْ لا؟ فإنْ يَكنْ شاركَهُ أحدٌ ممَّنْ يُعتبرُ بحديثهِ، أيْ: يصلحُ أنْ يخرجَ حديثُه للاعتبارِ بهِ والاستشهادِ بهِ، فيسمَّى حديثُ هَذَا الَّذِي شاركَهُ تابعاً - وسيأتي بيانُ مَنْ يعتبرُ بحديثهِ في مراتبِ الجرحِ والتعديلِ - وإنْ لمْ تجدْ أحداً تابعَهُ عليهِ عنْ شيخهِ فانظرْ هلْ تابعَ أحدٌ شيخَ شيخِهِ فرواهُ متابعاً لهُ أمْ لاَ؟ إنْ وجدتَ أحداً تابعَ شيخَ شيخِهِ عليهِ، فرواهُ كما رواهُ فسمِّهِ أيضاً تابعاً. وقدْ يسمُّونَهُ شاهداً، وإنْ لمْ تجدْ فافعلْ ذلكَ فيمنْ فوقَهُ إلى آخرِ الإسنادِ حتَّى في الصحابيِّ، فكلُّ مَنْ وُجِدَ لهُ متابعٌ فسمِّهِ تابعاً. وقدْ يسمُّونَهُ شاهداً، كما تقدَّمَ، فإنْ لَمْ تَجدْ لأحدٍ ممَّنْ فَوقَهُ متابعاً عليهِ فانظرْ هلْ أتى بمعناهُ حديثٌ آخرُ في البابِ أمْ لا؟ فإنْ أتى بمعناهُ حديثٌ آخرُ فسمِّ ذلكَ الحديثَ شاهداً، وإنْ لَمْ تجدْ حديثاً آخرَ يؤدِّي معناهُ، فقد عُدِمَتِ المتابعاتُ والشواهدُ. فالحديثُ إذاً فردٌ. قالَ ابنُ حبَّانَ: وطريقُ الاعتبارِ في الأخبارِ، مثالُهُ أنْ يرويَ حمَّادُ بنُ سَلَمَةَ حديثاً لَمْ يُتابعْ عليهِ، عنْ أيُّوبَ، عنِ ابنِ سِيرينَ، عنْ أبي هريرةَ، عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيُنْظرَ: هلْ

روى ذلكَ ثقةٌ غيرُ أيوبَ، عنِ ابنِ سيرينَ؟ فإنْ وُجِدَ عُلِمَ أنَّ للخبرِ أصلاً يُرْجَعُ إليهِ، وإنْ لَمْ يُوجَدْ ذلكَ، فثِقَةٌ غيرُ ابنِ سيرينَ رواهُ عنْ أبي هريرةَ، وإلاَّ فصحابيٌّ غيرُ أبي هريرةَ، رواهُ عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فأيُّ ذلكَ وُجِدَ يُعْلَمُ بهِ أنَّ للحديثِ أصلاً يرجعُ إليهِ، وإلاَّ فَلاَ. انتهى. قلتُ: فمثالُ مَا عُدِمَتْ فيهِ المتابعاتُ من هَذَا الوجهِ من وجهٍ يثبتُ ما رواهُ الترمذيُّ منْ روايةِ حمّادِ بنِ سَلَمَةَ، عنْ أيوبَ، عنِ ابنِ سيرينَ، عنْ أبي هريرةَ، أراهُ رَفَعَهُ: ((احببْ حبيبكَ هوناً مَا، ... الحديثَ)) . قالَ الترمذيُّ: حديثٌ غريبٌ لا نعرفُهُ بهذا الإسنادِ إلاَّ منْ هَذَا الوجهِ. قلتُ: أيْ من وجهٍ يثبتُ، وقدْ رواهُ الحسنُ بنُ دينارٍ، وهوَ متروكُ الحديثِ، عنِ ابنِ سيرينَ، عنْ أبي هريرةَ، قالَ ابنُ عَدِيٍّ في " الكاملِ ": ((ولا أعلمُ أحداً قالَ عنِ ابنِ سيرينَ، عنْ أبي هريرةَ إلاَّ الحسنَ بنَ دينارٍ. ومن حديثِ أيوبَ، عنِ ابنِ سيرينَ، عنْ أبي هريرةَ، رواهُ حمادُ بنُ سلمةَ، ويرويهِ الحسنُ بنُ أبي جعفرٍ، عنْ أيوبَ، عنِ ابنِ سيرينَ عنْ حُمَيدِ بنِ عبدِ الرحمنِ الحِمْيريِّ، عنْ عليٍّ مرفوعاً. انتهى. والحسنُ بنُ أبي جعفرٍ منكرُ الحديثِ، قالَهُ البخاريُّ.

وقولُهُ: (مثالُه لو أخذوا إهابها) ، هذا مثالٌ لما وُجِدَ لهُ تابعٌ وشاهدٌ أيضاً. وهوَ مَا روى مسلمٌ والنسائيُّ من روايةِ سفيانَ بنِ عُيينةَ، عنْ عَمْرِو بنِ دينارٍ، عنْ عطاءٍ، عنِ ابنِ عبّاسٍ، أنَّ رسولَ اللهَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَرَّ بِشَاةٍ مَطْرُوحَةٍ أُعْطِيَتْهَا مَوْلاَةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلاَّ أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ)) ، فلمْ يذكرْ فيهِ أحدٌ منْ أصحابِ عمرِو بنِ دينارٍ: فدبغوهُ، إلاَّ ابنُ عيينةَ. وقدْ رواهُ إبراهيمُ بنُ نافعٍ المكيُّ عن عمرٍو، فلمْ يذكرِ الدِّباغَ. وقولُ ابنِ الصلاحِ: ورواهُ ابنُ جريجٍ عن عمرٍو، عنْ عطاءٍ، ولَمْ يذكرْ فيهِ الدِّباغَ، يوهمُ موافقةَ روايةِ ابنِ جريجٍ لروايةِ ابنِ عيينةَ في السندِ وليسَ كذلكَ، فإنَّ ابنَ جريجٍ زادَ في السندِ ميمونةَ فجعلهُ من مسندها. وفي روايةِ ابنِ عيينةَ أنَّهُ من مسندِ ابنِ عبّاسٍ، فلهذا مَثَّلْتُ: بإبراهيمَ بنِ نافعٍ، واللهُ أعلمُ. فَنَظَرنَا هلْ نجدُ أحداً تابعَ شيخَهُ عمرَو بنَ دينارٍ على ذكرِ الدباغِ فيهِ، عنْ عطاءٍ أمْ لاَ؟ فوجدنا أسامةَ بنَ زيدٍ الليثيَّ تابعَ عَمْرَاً عليهِ. ورواهُ الدارقطنيُّ والبيهقيُّ من طريقِ ابنِ وَهْبٍ، عنْ أسامةَ، عنْ عطاءِ بنِ أبي رباحٍ، عنِ ابنِ عبّاسٍ: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لأهلِ شاةٍ ماتتْ: ((ألا نزعتُمْ إِهَابَهَا فدبَغْتُمُوهُ، فانتَفَعْتُمْ بهِ)) .

زيادات الثقات

قالَ البيهقيُّ وهكذا رواهُ الليثُ بنُ سعدٍ، عنْ يزيدَ بنِ أبي حبيبٍ، عنْ عطاءٍ. وكذلكَ رواهُ يحيى بنُ سعيدٍ، عنِ ابنِ جريجٍ، عنْ عطاءٍ. فكانتْ هذهِ متابعاتٍ لروايةِ ابنِ عيينةَ. ثمَّ نظرْنَا فوجَدْنَا لها شاهداً، وهوَ ما رواهُ مسلمٌ وأصحابُ السُّننِ من روايةِ عبدِ الرحمنِ بنِ وَعْلةَ المصريِّ، عنِ ابنِ عبّاسٍ، قالَ: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فقدْ طَهُرَ)) . زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ 178.... وَاقْبَلْ زِيَادَاتِ الثِّقَاتِ مِنْهُمُ ... وَمَنْ سِوَاهُمْ فَعَلَيْهِ المُعْظَمُ 179.... وَقِيْلَ: لاَ، وَقِيْلَ: لاَ مِنْهُمْ وَقَدْ ... قَسَّمَهُ الشَّيْخُ، فَقَالَ: مَا انْفَرَدْ 180.... دُوْنَ الثِّقَاتِ ثِقَةٌ خَالَفَهُمْ ... فِيْهِ صَرِيْحاً فَهْوَ رَدٌّ عِنْدَهُمْ 181.... أَوْ لَمْ يُخَالِفْ، فَاقْبَلَنْهُ وَادَّعَى ... فِيْهِ الخَطِيْبُ الاتِّفَاقَ مُجْمَعَا 182.... أَوْ خَالَفَ الاطْلاَقَ نَحْوُ ((جُعِلَتْ ... تُرْبَةُ الارْضِ)) فَهْيَ فَرْدٌ نُقِلَتْ

183.... فَالْشَّافِعِيْ وَأَحْمَدُ احْتَجَّا بِذَا ... وَالوَصْلُ والارْسَالُ مِنْ ذَا أُخِذَا 184.... لَكِنَّ في الإرْسَالِ جَرْحاً فَاقْتَضَى ... تَقْدِيْمَهُ وَرُدَّ أنَّ مُقْتَضَى 185.... هَذَا قَبُولُ الوَصْلِ إذْ فِيْهِ وَفِيْ ... الجَرْحِ عِلْمٌ زَائِدٌ لِلْمُقْتَفِيْ مَعْرِفةُ زياداتِ الثِّقاتِ فنٌّ لطيفٌ، يُسْتَحسَنُ العِنايةُ بهِ. وَقدْ كانَ الفقيهُ أبو بكرٍ عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ زيادٍ النَّيْسابوريُّ مشهوراً بمعرفةِ ذلكَ. قالَ الحاكمُ: كانَ يعرفُ زياداتِ الألفاظِ في المتونِ، وكذلكَ أبو الوليدِ حسّانُ بنُ محمدٍ القرشيُّ النيسابوريُّ. تلميذُ ابنِ سُرَيْجٍ وغيرُ واحدٍ منَ الأئمةِ. واخْتُلِفَ في زيادةِ الثقةِ على أقوالٍ: فذهبَ الجمهورُ منَ الفقهاءِ وأصحابِ الحديثِ، كما حكاهُ الخطيبُ عنهم، إلى قبولها سواءٌ تعلقَ بها حكمٌ شرعيٌّ أمْ لا. وسواءٌ غَيَّرَتِ الحكمَ الثابتَ، أمْ لاَ، وسواءٌ أوْجبتْ نقصاً منَ أحكامٍ ثبتتْ بخبرٍ ليستْ فِيْهِ تلكَ الزيادةُ أم لا. وسواءٌ كانَ ذلكَ من

شخصٍ واحدٍ بأنْ رواهُ مرّةً ناقصاً، ومرةً بتلكَ الزيادةِ، أو كانتْ الزيادةُ منْ غيرِ مَنْ رواهُ ناقصاً. وهذا معنى قولي: (وَمَنْ سواهُمْ) أيْ: وَمَنْ سوَى منْ زادَها بشرطِ كونِهِ ثقةً؛ لأنَّ الفصلَ معقودٌ لزيادةِ الثقةِ، لا أنَّ المرادَ: ومَنْ سوى الثقاتِ. وقدِ ادَّعى ابنُ طاهرٍ الاتفاقَ على هذا القولِ عندَ أهلِ الحديثِ، فقالَ في "مسألةِ الانتصارِ": لا خلافَ تجدُهُ بينَ أهلِ الصنعةِ أنَّ الزيادةَ منَ الثقةِ مقبولةٌ انتهى. وشَرَطَ أبو بكرٍ الصَّيْرفيُّ منَ الشافعيَّةِ وكذلك الخطيبُ في قبولِ الزيادةِ كونَ مَنْ رواها حافظاً. وشَرَطَ ابنُ الصَّبَّاغِ في " العُدَّةِ " منهم، ألاَّ يكونَ مَنْ نقلَ الزيادةَ واحداً، ومَنْ رواهُ ناقصاً جماعةٌ لا يجوزُ عليهمُ الوهمُ، فإنْ كانَ كذلكَ سقطتِ الزيادةُ وقالَ ذلكَ فيما إذا روياهُ عنْ مجلسٍ واحدٍ، فإنْ روياهُ عنْ مجلسينِ كانا خبرينِ وعُمِلَ بهِمَا. والقولُ الثاني: أنَّها لا تقبلُ مطلقاً لا ممَّنْ رواهُ ناقصاً ولاَ مِنْ غيرِهِ حُكيَ ذلكَ عن قومٍ منْ أصحابِ الحديثِ فيما ذَكَرَهُ الخطيبُ في "الكفايةِ" وابنُ الصبّاغِ في "العُدَّة". والقولُ الثالثُ: أنّها لا تقبلُ ممَّنْ رواهُ ناقصاً، وتقبلُ مِنْ غيْرِهِ منَ الثقاتِ، حكاهُ الخطيبُ عن فرقةٍ منَ الشافعيةِ.

وهوَ المرادُ بقولي: (وقيل: لا منهم) أي: لا يقبلُ ممَّنْ رواهُ ناقصاً، ثمَّ رواهُ بتلكَ الزيادةِ، أو رواهُ بالزيادةِ، ثمَّ رواهُ ناقصاً. وذكرَ ابنُ الصبّاغِ في " العدّةِ " فيما إذا روى الواحدُ خبراً، ثمَّ رواهُ بعدَ ذلكَ بزيادةٍ، فإنْ ذكرَ أنَّهُ سمعَ كلَّ واحدٍ منَ الخبرينِ في مجلسينِ، قُبلَتِ الزيادةُ، وإنْ عزى ذلكَ إلى مجلسٍ واحدٍ وتكررتْ روايتُهُ بغيرِ زيادةٍ ثمَّ روى الزيادةَ. فإنْ قالَ: كنتُ أُنسيتُ هذهِ الزيادةَ قُبِلَ منهُ، وإنْ لَمْ يقلْ ذلكَ وجبَ التوقّفُ في الزيادةِ. وفي المسألةِ قولٌ رابعٌ: أنَّهُ إنْ كانتِ الزيادةُ مغيرةً للإعرابِ، كانَ الخبرانِ متعارضينِ، وإنْ لَمْ تُغَيِّرِ الإعرابَ قُبِلتْ. حكاهُ ابنُ الصبّاغُ عنْ بَعضِ المتكلمينَ. وفيها قولٌ خامسٌ: أنَّها لا تقبلُ إلاَّ إذا أفادتْ حكماً. وفيها قولٌ سادسٌ: أنَّها تقبلُ في اللفظِ دونَ المعنى، حكاهما الخطيبُ. وقولُهُ: (وقد قسَّمهُ الشيخُ) أي: ابنُ الصلاحِ، فقالَ: قدْ رأيتُ تقسيمَ ما ينفردُ بهِ الثقةُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: أحدُها: ما يقعُ مخالفاً منافياً لما رواهُ سائرُ الثقاتِ، فهذا حكمهُ الردُّ، كما سبقَ في نوعِ الشاذِّ. الثاني: أنْ لا يكونَ فيهِ منافاةٌ ومخالفةٌ أصلاً لما رواهُ غيرُهُ، كالحديثِ الذي تفرّدَ بروايةِ جملتِهِ ثقةٌ، ولاَ تعرض فيهِ لما رواهُ الغيرُ بمخالفةِ أصلٍ. فهذا مقبول، وقدِ ادَّعى الخطيبُ فيهِ اتفاقَ العلماءِ عليهِ، وسبقَ مثالهُ في نوعِ الشاذِّ.

الثالثُ: ما يقعُ بينَ هاتينِ المرتبتينِ، مثلُ زيادةِ لفظةٍ في حديثٍ لَمْ يذكرْهَا سائرُ مَنْ روى ذلكَ الحديثَ، مثالُهُ ما رواهُ مالكٌ عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عمرَ: أنَّ رسولَ اللهَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((فرضَ زكاةَ الفطرِ من رمضانَ على كلِّ حرِّ، أو عبدٍ، ذكرٍ، أو أنثى منَ المسلمينَ)) ، فذكرَ أبو عيسى الترمذيُّ: أنَّ مالكاً انفردَ من بينِ الثقاتِ بزيادةِ قولِهِ: ((منَ المسلمينَ)) . وروى عبيدُ اللهِ بنُ عمرَ، وأيوبُ، وغيرُهما هذا الحديثَ عنْ نافعٍ عنْ ابنِ عمرَ دونَ هذهِ الزيادةِ، فأخذَ بها غيرُ واحدٍ منَ الأئمةَ، واحتجوا بها منهم:

الشافعيُّ وأحمدُ رضي اللهُ عنهما. قالَ: ومنْ أمثلةِ ذلكَ: ((جُعلَتْ لنا الأرضُ مسجداً وَجُعِلَتْ تربتها لنا طهوراً)) . فهذهِ الزيادةُ تفرَّدَ بها أبو مالكٍ سعدُ بنُ طارقٍ الأشجعيُّ، وسائرُ الرواياتِ لفظها: ((وجُعلتْ لنا الأرضُ مسجداً وطهوراً)) . قالَ: فهذا وما أشبهَهُ يشبهُ القسمَ الأولَ من حيثُ إنَّ ما رواهُ الجماعةُ عامٌّ، وما رواهُ المنفردُ بالزيادةِ مخصوصٌ، وفي ذلكَ مغايرةٌ في الصفةِ، ونوعٌ منَ المخالفةِ يختلفُ بهِ الحكمُ. ويشبهُ أيضاً القسمَ الثانيَ من حيثُ إنَّهُ لا منافاةَ بينهما انتهى كلامُ ابنِ الصلاحِ، واقتصرَ على المثالِ الثاني؛ لأنَّهُ صحيحٌ، كما ذكرَ: تفرّدَ بالزيادةِ سعدُ بنُ طارقٍ أبو مالكٍ الأشجعيُّ، والحديثُ رواهُ مسلمٌ والنسائيُّ من روايةِ الأشجعيِّ عنْ رِبْعي، عن حذيفةَ. وأما المثالُ الأولُ فلاَ يصحُّ؛ لأنَّ مالكاً لم ينفردْ بالزيادةِ، بلْ تابعهُ عليها عمرُ بنُ نافعٍ،

والضحاكُ بنُ عثمانَ، ويونسُ بنُ يزيدَ، وعبدُ اللهِ بنُ عمرَ، والمُعَلَّى بنُ إسماعيلَ، وكثيرُ بنُ فَرْقدٍ. واختُلِفَ في زيادتها على عُبيدِ اللهِ بنِ عمرَ، وأيوبَ. وقدْ بينتُ هذهِ الطرقَ في " النكتِ " التي جمعتُها على كتابِ ابنِ الصَّلاحِ. وقولُهُ: (والوصل والإرسال من ذا أخذ) أي: إنَّ تعارضَ الوصلِ والإرسال نوعٌ من زيادةِ الثقةِ؛ لأنَّ الوصلَ زيادةُ ثقةٍ، وقدْ تقدّمَ أنَّ الخطيبَ حَكَى عن أكثرِ أهلِ الحديثِ أنَّ الحكمَ لِمَنْ أرسلَ. وقالَابنُ الصلاحِ: إنَّ بينَ الوصلِ والإرسال مِنَ المخالفةِ نحوَ ما ذكرناهُ، أي: في القسمِ الثالثِ. قالَ: ويزدادُ ذلكَ بأن الإرسالَ نوعُ قدحٍ في الحديثِ، فترجيحُهُ، وتقديمُهُ من قبيلِ تقديمِ الجرحِ على التعديلِ. قالَ: ويجابُ عنهُ بأنَّ الجرحَ قُدِّمَ لما فيهِ من زيادةِ العلمِ. والزيادةُ هاهنا معَ مَنْ وصلَ، واللهُ أعلمُ.

الأفراد

الأفْرَاْدُ ... الفَرْدُ قِسْمَانِ، فَفَرْدٌ مُطْلَقا ... وَحُكْمُهُ عِنْدَ الشُّذُوْذِ سَبَقا 187.... وَالفَرْدُ بِالنِّسْبَةِ مَا قَيَّدْتَهُ ... بِثِقَةٍ، أوْ بَلَدٍ ذَكَرْتَهُ ... أوْ عَنْ فُلانٍ نَحْوُ قَوْلِ القَائِلْ ... لَمْ يَرْوِهِ عَنْ (بَكْرٍ) الاَّ (وَائِلْ) 189.... لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ الاّ ضَمْرَهْ ... لَمْ يَرْوِ هَذَا غيرُ أهْلِ البَصْرَهْ ... فَإنْ يُرِيْدُوا وَاحِداً مِنْ أهْلِهَا ... تَجَوُّزاً، فاجْعَلْهُ مِنْ أوَّلهِا 191.... وَلَيْسَ في أفْرَادِهِ النِّسْبِيَّهْ ... ضَعْفٌ لَهَا مِنْ هَذِهِ الحَيْثِيَّهْ ... لَكِنْ إذَا قَيَّدَ ذَاكَ بِالثِّقَهْ ... فَحُكْمُهُ يَقْرُبُ مِمَّا أطْلَقَهْ الأفرادُ منقسمةٌ إلى: ما هو فردٌ مطلقاً، وهو ما ينفردُ به واحدٌ عن كُلِّ أحدٍ. وقد سبقَ حكمُهُ ومثالُهُ في قسمِ الشاذِّ. وإلى ما هو فردٌ بالنسبةِ إلى جهةٍ خاصّةٍ. كتقييدِ الفرديةِ بثقةٍ، أو بلدٍ معيَّنٍ، كمكَّةَ والبصرةِ، والكوفةِ، أو بكونهِ لم يروِهِ من أهلِ البصرةِ، أو الكوفةِ - مثلاً - إلاّ فلانٌ، أو لم يروِهِ عن فلانٍ إلاّ فلانٌ. ونحوِ ذلك. فمثالُ تقييدِ الانفرادِ بكونهِ لم يروِهِ عن فلانٍ إلاّ فلانٌ: حديثٌ رواهُ أصحابُ السُّنن

الأربعةِ منِ طريق سفيانَ بنِ عُيينةَ، عن وائلِ بنِ داودَ، عن ابنِهِ بكرِ بنِ وائلٍ، عن الزهريِّ، عن أنسٍ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أوْلَمَ على صَفِيَّةَ بِسَوِيقٍ، وتَمْرٍ)) . قالَ الترمذيُّ: حديثٌ غريبٌ. وقالَ ابنُ طاهرٍ في أطرافِ الغرائبِ: غريبٌ من حديثِ بكرِ بنِ وائلٍ عنه. تفرّدَ به وائلُ بنُ داودَ، ولم يروِهِ عنه غيرُ سفيانَ بنِ عيينةَ. انتهى. فلا يلزمُ من تفرّدِ وائلٍ به عن ابنهِ بكرٍ تفرّدُهُ به مطلقاً. فقد ذكرَ الدارقطنيُّ في " العللِ " أنهُ رواهُ محمّدُ بن الصَّلْتِ التَّوَّزيُّ، عن ابنِ عُيينةَ، عن زيادِ بنِ سعدٍ، عن الزهريِّ، قال: ولم يتابعْ عليهِ. والمحفوظُ عن ابنِ عُيينةَ، عن وائلٍ، عن ابنِهِ. ورواهُ جماعةٌ عن ابنِ عيينةَ، عن الزهريِّ بغيرِ واسطةٍ. ومثالُ تقييدِ الانفرادِ بالثقةِ: حديثُ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأُ في الأضحى، والفطرِ: بِقَافْ، واقتربتِ الساعةُ. رواه مسلمُ وأصحابُ السنَنِ من روايةِ ضَمْرةَ بنِ

سعيدٍ المازنيِّ، عن عُبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ، عن أبي واقدٍ اللَّيثيِّ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا الحديثُ لم يروِهِ أحدٌ من الثقاتِ إلا ضَمْرَةَ. قالَ شيخُنا علاءُ الدينِ ابنُ التركمانيِّ في " الدرِّ النقي ": مدارُهُ على ضَمْرةَ - يريدُ حديثَ أبي واقدٍ -. وإنّما قيّدتُ هذا الحديثَ بقولي: أحدٌ من الثقاتِ؛ لأنَّ الدارقطنيَّ رواهُ من روايةِ ابنِ لَهِيعَةَ، عن خالدِ بنِ يزيدٍ، عن الزهريِّ، عن عروةَ، عن عائشةَ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وابنُ لَهِيعَةَ ضَعَّفَهُ الجمهورُ. ومثالُ ما انفردَ به أهلُ بلدةٍ: ما رواهُ أبو داودَ عن أبي الوليدِ الطيالسيِّ، عن همَّامٍ، عن قَتَادةَ، عن أبي نَضْرةَ، عن أبي سعيدٍ، قال: ((أمرَنا رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ نقرأَ بفاتحةِ الكتابِ، وما تَيَسَّرَ)) . قالَ الحاكمُ: تفرّدَ بذكرِ الأمرِ فيهِ أهلُ البصرةِ من أولِ الإسنادِ إلى آخرِه. ولم يشركْهم في هذا اللفظِ سِواهم. ونحوُ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ في صِفةِ وُضوءِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((وَمَسحَ رأسَهُ بماءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ)) رواهُ

مسلمٌ وأبو داودَ والترمذيُّ. قالَ الحاكمُ: هذهِ سنةٌ غريبةٌ تفرّدَ بها أهلُ مصرَ ولم يشاركهُم فيها أحدٌ. وقولُهُ: (فإنْ يُريدوا واحداً من أهلِها) أي: فإن يريدوا بقولهم: انفردَ بهِ أهلُ البصرةِ، أو هو من أفرادِ البصريين، ونحوَ ذلك واحداً من أهلِ البصرةِ انفردَ به متجوّزينَ بذلك كما يضافُ فعلُ واحدٍ من قبيلةٍ إليها مجازاً فاجعلْه من القسمِ الأولِ، وهو الفردُ المطلقُ. مثالُهُ ما تقدّمَ عند ذكرِ المنكرِ من روايةِ أبي زُكَيْرٍ، عن هِشامِ بنِ عروةَ، عن أبيهِ، عن عائشة مرفوعاً: كُلوا البلحَ بالتمرِ ... الحديثَ. قالَ الحاكمُ: هو من أفرادِ البصريينَ عن المدنيينَ تفرّدَ به أبو زُكيرٍ، عن هشامِ بنِ عُروة. انتهى. فجعلَهُ من أفرادِ البصريينَ، وأرادَ به واحداً منهم. وليس في أقسامِ الفردِ المقيّدِ بنسبةٍ إلى جهةٍ خاصّةٍ ما يقتضي الحكمَ بِضَعْفِها من حيثُ كونُها أفراداً، لكن إذا كانَ القيدُ بالنسبةِ لروايةِ الثقةِ كقولِهِم: لم يروِهِ ثقةٌ إلاّ فلانٌ، فإنَّ حكمَهُ قريبٌ من حكمِ الفردِ المطلقِ؛ لأنَّ روايةَ غيرِ الثقةِ كَلا روايةٍ، إلا أنْ يكونَ قَدْ بلغَ رتبةَ مَنْ يُعتبرُ بحديثه. فلهذا قِيْلَ: (يقربُ) . ولم يُجعَلْ حكمُه حكمَ الفردِ المطلقِ من كُلِّ وجهٍ.

المعلل

المُعَلَّلُ 193.... وَسَمِّ مَا بِعِلَّةٍ مَشْمُوْلُ ... مُعَلَّلاً، وَلاَ تَقُلْ: مَعْلُوْلُ 194.... وَهْيَ عِبَارَةٌ عَنَ اسْبَابٍ طَرَتْ ... فِيْهَا غُمُوْضٌ وَخَفَاءٌ أثَّرَتْ 195.... تُدْرَكُ بِالخِلاَفِ وَالتَّفَرُّدِ ... مَعَ قَرَائِنَ تُضَمُّ، يَهْتَدِيْ 196.... جِهْبِذُهَا إلى اطِّلاَعِهِ عَلَى ... تَصْويْبِ إرْسَالٍ لِمَا قَدْ وُصِلاَ 197.... أوْ وَقْفِ مَا يُرْفَعُ، أوْ مَتْنٍ دَخَلْ ... في غَيْرِهِ، أوْ وَهْمِ وَاهِمٍ حَصَلْ 198.... ظَنَّ فَأمْضَى، أوْ وَقَفْ فأحْجَمَا ... مَعْ كَوْنِهِ ظَاهِرَهُ أنْ سَلِمَا أي: وسمِّ الحديثَ الذي شملتْهُ علّةٌ من عللِ الحديثِ معلَّلاً. ولا تسمِّهِ معلولاً. وقد وقعَ في عبارةِ كثيرٍ من أهلِ الحديثِ تسمّيتُهُ بالمعلولِ. وذلك موجودٌ في كلامِ الترمذيِّ، وابنِ عَدِيٍّ، والدارقطنيِّ، وأبي يعلى الخليليِّ، والحاكمِ وغيرِهم. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وذلك منهم، ومن الفقهاءِ في قولهم في باب القياس: العلّةُ والمعلولُ

مرذولٌ عند أهلِ العربية واللغة)) . وقال النوويُّ: ((إنّهُ لَحْنٌ)) . قلتُ: والأجودُ في تسميتِهِ: المُعَلُّ. وكذلك هو في عبارةِ بعضِهم. وأكثرُ عباراتِهم في الفعلِ منه، أنَّهم يقولون: أعَلَّهُ فلانٌ بكذا. وقياسُهُ: مُعَلٌّ. وهو المعروفُ في اللغةِ. قالَ الجوهريُّ: لا أعلَّكَ اللهُ، أي: لا أصابَكَ بعِلَّةٍ. وقالَ صاحبُ المحكمِ: واستعملَ أبو إسحاقَ لفظةَ المَعْلولِ في المُتَقارِبِ من ((العَروضِ)) . ثم قال: والمتكلِّمونَ يستعمِلونَ لفظةَ المعلولِ في مثلِ هذا كثيراً. قال: وبالجملةِ فَلَسْتُ منه على ثِقَةٍ ولا ثَلَجٍ؛ لأنَّ

المعروفَ إنّما هو أعلَّهُ اللهُ، فهو مُعَلٌّ. اللهمَّ إلاَّ أنْ يكونَ على ما ذهبَ إليه سيبويهِ، من قولِهم: مَجْنُونٌ، ومَسلولٌ من أنّهما جاءا على جَنَنْتُه وسَللْتُه؛ وإنْ لم يُستَعملا في الكلام استُغنيَ عنهما بـ: أفعلْتُ، قالوا: وإذا قالوا: جُنَّ وَسُلَّ. فإنّما يقولونَ جُعِلَ فيه الجُنونُ والسِّلُّ. كما قالوا: حُرِقَ وفُسِلَ. انتهى. وأمّا عَلَّلَهُ، فإنّما يستعملُها أهلُ اللغةِ بمعنى: ألهاهُ بالشيءِ وشغلَهُ به. من تعليلِ الصبيِّ بالطعامِ. والعلّةُ عبارةٌ عن أسبابٍ خفيةٍ غامضةٍ، طرأتْ على الحديثِ، فأثّرتْ فيه، أي: قدحتْ في صحتِهِ. وحذفتْ همزةُ طرأت في النَّظْمِ تخفيفاً، وأنشدَ الأخفشُ: إذَا قَلَّ مَاْلُ المَرْءِ قَلَّ صَدِيْقُهُ ... واوْمَتْ إليهِ بِالعُيُوْبِ الأصَاْبعُ حكاهُ صاحبُ المحكمِ في مادةِ: روى، مثالاً لحرف الروي.

وتدركُ العلةُ بتفردِ الراوي، وبمخالفةِ غيرِهِ له، مع قرائنَ تنضمُّ إلى ذلك يهتدي الجهبذُ، أي: الناقدُ بذلك إلى اطلاعِهِ على إرسالِ في الموصول، أو وقفٍ في المرفوعِ، أو دخولِ حديثٍ في حديثٍ، أو وهمِ واهمٍ بغيرِ ذلكَ، بحيثُ غلبَ على ظنِّهِ ذلك، فأمضاهُ، وحكمَ بهِ، أو تردَّدَ في ذلك فوقف وأحْجَمَ عن الحكمِ بصحةِ الحديثِ. وإنْ لم يغلبْ على ظنهِ صحةُ التعليلِ بذلك مع كونِ الحديثِ المعلِّ ظاهرهُ السلامةُ من العلّةِ. وإنْ، في قولي: (إنْ سلما) ، مصدريةٌ. قالَ الخطيبُ: السبيلُ إلى معرفةِ علةِ الحديثِ أنْ تجمعَ بين طرقِهِ، وتنظرَ في اختلافِ رواتِهِ، وتعتبرَ بمكانهِم من الحفظِ، ومنزلتِهِم في الإتقانِ والضبطِ. وقالَ ابنُ المدينيِّ: ((البابُ إذا لم تجمعْ طرقُه، لم يتبين خطؤهُ)) . ومثالُ العلّةِ في الحديثِ، حديثٌ رواهُ الترمذيُّ وحسَّنَهُ، أو صحَّحَهُ وابنُ حبّانَ، والحاكمُ وصحَّحهُ من روايةِ ابن جُرَيجٍ، عن موسى بن عُقبةَ، عن

سُهَيل بنِ أبي صالحٍ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ مرفوعاً: ((مَنْ جَلَسَ في مجلسٍ فَكثُرَ فيه لَغَطُهُ، ... الحديثَ)) . قال الحاكمُ في " علوم الحديث ": هذا حديثٌ مَنْ تأمَّلَهُ لم يشكَّ أنّه مِنْ شرطِ الصحيحِ، وله علّةٌ فاحشةٌ. ثم روى أنَّ مسلماً جاء إلى البخاريِّ فسألهُ عن علتهِ، فقال محمدُ بنُ إسماعيلَ: هذا حديثٌ مليحٌ، ولا أعلمُ في الدنيا في هذا البابِ غيرَ هذا الحديثِ الواحدِ، إلا أنَّهُ معلولٌ. حدّثنا به موسى بنُ إسماعيلَ، قال: حدّثنا وُهَيبُ، قال: حدّثنا سُهيلٌ، عن عَوْنِ بنِ عبدِ اللهِ، قولُه. قالَ البخاريُّ: هذا أولى فإنّهُ لا يُذكَرُ لموسى بنِ عُقبةَ سماعٌ من سهيلٍ. هكذا أعلَّ الحاكمُ في علومِهِ هذا الحديثَ بهذه الحكايةِ. وغالبُ ظنِّي أنَّ هذهِ الحكايةَ ليست بصحيحةٍ، وأنا أتهمُ بها أحمدَ بنَ حمدونَ القَصَّارَ راويَها عن مسلمٍ. وقدْ بينتُ ذلكَ في النكتِ التي على كتابِ ابنِ الصلاحِ.

199.... وَهْيَ تَجِيءُ غَالِباً في السَّنَدِ ... تَقْدَحُ في المتْنِ بِقَطْعِ مُسْنَدِ 200.... أوْ وَقْفِ مَرْفُوْعٍ وَقَدْ لاَ يَقْدَحُ ... (كَالبَيِّعَانِ بالخِيَار) صَرَّحُوا 201.... بِوَهْمِ (يَعْلَى بْنِ عُبَيدٍ) : أبْدَلا ... (عَمْراً) بـ (عَبْدِ اللهِ) حِيْنَ نَقَلا 202.... وَعِلَّةِ المتْنِ كَنَفْي البَسْمَلَهْ ... إذْ ظَنَّ رَاوٍ نَفْيَها فَنَقَلَهْ 203.... وَصَحَّ أنَّ أَنَساً يَقُوْلُ: (لا ... أحْفَظُ شَيْئاً فِيهِ) حِيْنَ سُئِلاَ العلّةُ تكونُ في الإسنادِ - وهو الأغلبُ الأكثرُ - وتكونُ في المتنِ.

ثُمَّ العلةُ في الإسنادِ قدْ تقدحُ في صحةِ المتنِ أيضاً، وقد لا تقدحُ. فأما علّةُ الإسنادِ التي تقدحُ في صحةِ المتنِ، فكالتعليلِ بالإرسالِ، والوقفِ. وأما علّةُ الإسنادِ التي لا تقدحُ في صحةِ المتنِ، فكحديثٍ رواه يَعْلَى بنُ عُبيدِ الطَّنَافسيُّ أحدُ رجالِ الصحيحِ، عن سفيانَ الثَّوريِّ، عن عَمْرِو بنِ دينارٍ، عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ (، قالَ: ((البَيِّعَان بالخِيَارِ)) ، الحديثَ. فوَهِمَ يَعْلَى بنُ عُبيدٍ على سفيانَ في قولِهِ: عمرِو بنِ دينارٍ. وإنّما المعروفُ من حديثِ سفيانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، عن ابنِ عُمَرَ. هكذا رواهُ الأئمّةُ من أصحابِ سفيانَ أبو نُعيمٍ الفَضْلُ بن دُكَين، وعُبيدُ الله بنُ موسى العَبْسيُّ،

ومحمّدُ بنُ يوسفَ الفِرْيابيُّ، ومَخْلَدُ بنُ يزيدَ، وغيرُهم. وهكذا رواهُ عن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ شعبةُ، وسفيانُ بنُ عُيينةَ ويزيدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الهادِ، ومالكُ بنُ أنسٍ من روايةِ ابنِ وَهْبٍ عنه. والحديثُ مشهورٌ لمالكٍ، وغيرِهِ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ. وأما روايةُ عمرِو بنِ دينارٍ له فوهمٌ من يَعْلَى بنِ عُبيدٍ، وقال عثمانُ بنُ سعيدٍ، عن يحيى بنِ معينٍ: يعلى بنُ عُبيدٍ ضعيفٌ في الثوريِّ، ثقةٌ في غيرِهِ. وقولي: (أبدلَ عمراً بعبدِ اللهِ) أي: تركَ عبدَ الله بنَ دينارٍ، وأتى بعمرِو بنِ دينارٍ، لأنَّ الباءَ تدخلُ على المتروكِ. وأمّا علّةُ المتنِ، فمثالُهُ ما تفرّدَ به مسلمٌ في صحيحهِ من روايةِ الوليدِ بنِ مسلمٍ، حدّثنا الأوزاعيُّ، عن قتادةَ، أنّه كتبَ إليه يخبرُهُ عن أنسِ بنِ مالكٍ أنّهُ حَدَّثَهُ قال:

صليتُ خلفَ النبيِّ (، وأبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ؛ فكانوا يستفتحونَ بـ: الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين، لا يذكرون بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، في أولِ قراءةٍ، ولا في آخرِها. ثم رواهُ من رواية الوليدِ، عن الأوزاعيِّ: أخبرني إسحاقُ بنُ عبدِ اللهِ ابنِ أبي طلحةَ أنهُ سمعَ أنسَ بنَ مالكٍ يذكرُ ذلك. وروى مالكٌ في " الموطّأ " عن حُميدٍ، عن أنسٍ، قال: صليتُ وراءَ أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، فكلُّهُم كانَ لا يقرأُ بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. وزادَ فيه الوليدُ بنُ مسلمٍ، عن مالكٍ به: صليتُ خلفَ رسولِ اللهِ (، قال ابنُ عبد البرِّ: ((وهو عندهُم خطأٌ)) . وحديثُ أنسٍ قد أعلَّهُ الشافعيُّ (، فيما ذكرَهُ البيهقيُّ في " المعرفةِ " عنه أنّه قال في " سُننِ حَرْمَلةَ " جواباً لسؤالٍ أوردَهُ: فإنْ قالَ قائلٌ قد روى مالكٌ، فذكرَهُ. قال الشافعيُّ: قيل له خالَفَهُ سفيانُ بنُ عيينةَ والفَزَارِيُّ، والثَقفيُّ، وعددٌ لقيتُهم سبعةٌ أو ثمانيةٌ، مُؤتَفِقين مخالفينَ له.

قال: والعددُ الكثيرُ أولى بالحفظِ من واحدٍ. ثم رجّحَ روايتَهُم بما رواه عن سفيانَ، عن أيوبَ، عن قتادةَ، عن أنسٍ، قال: كان النبيُّ (، وأبو بكرٍ، وعمرَ يفتتحون القراءةَ بـ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ. قال الشافعيُّ: يعني يبدؤون بقراءةِ أمِّ القرآنِ، قبلَ ما يُقرأُ بعدَها. ولا يعني أنَّهم يتركونَ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. وحكى الترمذيُّ عن الشافعيِّ في معنى الحديثِ مثلَ هذا. قالَ الدارقطنيُّ: ((هذا هو المحفوظُ عن قتادةَ وغيرِهِ، عن أنسٍ)) . قالَ البيهقيُّ: وكذلك رواهُ أكثرُ أصحابِ قَتادةَ، عن قتادةَ قال: وهكذا رواهُ إسحاقُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أبي طلحةَ، وثابتٌ البُنانيُّ عن أنسٍ. انتهى. وممَّنْ رواه عن قتادةَ هكذا أيوبُ السَّخْتِيانيُّ، وشُعبةُ، وهِشامٌ الدَّسْتَوائيُّ،

وشَيْبانُ بنُ عبدِ الرحمنِ، وسعيدُ بنُ أبي عَرُوبةَ، وأبو عوانة وغيرهم. قالَ ابنُ عبدِ البَّرِ: ((فهؤلاءِ حُفّاظُ أصحاب قتادةَ ليسَ في روايتهم لهذا الحديثِ ما يوجبُ سقوطَ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ من أولِ فاتحةِ الكتابِ. انتهى)) . وهذا هو اللفظُ المتفقُ عليه في الصحيحينِ وهو روايةُ الأكثرينَ. وما أوَّلهُ عليه الشافعيُّ مصرّحٌ به في روايةِ الدارقطنيِّ فكانوا يستفتحون بأمِّ القرآنِ فيما يجهرُ به. قال الدارقطنيُّ: هذا صحيحٌ. وأيضاً فلو قالَ قائلٌ إنَّ روايةَ حميدٍ منقطعةٌ بينه وبين أنسٍ؛ لم يكن بعيداً. فقد رواها ابنُ عديٍّ عن حميدٍ، عن قتادةَ، عن أنسٍ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: ويقولون: إنَّ أكثرَ روايةِ حميدٍ، عن أنسٍ، إنّما سمعَها من قتادةَ، وثابتٍ عن أنسٍ. وقال ابنُ عبدِ البرِّ في " الاستذكارِ ": اختُلِفَ عليهم في لفظِهِ اختلافاً كثيراً مضطرباً متدافعاً. منهم مَنْ يقولُ فيه: صليتُ خلفَ رسولِ اللهِ (وأبي بكرٍ وعمرَ، ومنهم مَنْ يذكرُ عثمانَ، ومنهم مَنْ لا يذكرُ: فكانوا لا يقرؤونَ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. ومنهم مَنْ قال: فكانوا لا يجهرونَ بـ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. وقال كثيرٌ منهم: فكانوا يفتتحونَ

القراءةَ بـ: الحمدُ لله رَبِّ العالمينَ. وقال بعضُهم: فكانوا يجهرونَ بـ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. وقال بعضُهم: كانوا يقرؤون: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. قال: وهذا اضطرابٌ لا تقومُ معَهُ حجةٌ لأحدٍ من الفقهاءِ الذين يقرؤون بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، والذين لا يقرؤونها. وقولي: (إذ ظنَّ راوٍ نفيها، فنقله) أي: إذ ظنَّ بعضُ الرواةِ فَهْماً منه أنَّ معنى قولِ أنسٍ: يستفتحون بـ: الحمدُ للهِ، أنَّهم لا يُبَسْمِلونَ، فرواهُ على فَهْمِهِ بالمعنى، وهو مخطئٌ في فَهْمِهِ. وممَّا يدلُّ على أنَّ أنساً لم يُرِدْ بذلك نفيَ البسملةِ، ما صحَّ عنه مِنْ روايةِ أبي مسلمةَ سعيدِ بنِ يَزِيْدَ، قال: سألتُ أنسَ بنَ مالكٍ أكانَ رسولُ اللهِ (يستفتح بـ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين أو بـ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم؟ فقالَ: إنّك لتسألني عن شيءٍ ما أحفظُهُ، وما سألني عنه أحدٌ قبلَكَ. رواه أحمدُ في مسندِهِ، وابنُ خزيمة في " صحيحهِ "، والدارقطنيُّ وقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ. قال البيهقيُّ في " المعرفة ": في هذا دلالةٌ على أنَّ مقصودَ أنسٍ ما ذكرَهُ الشافعيُّ. وقد اعترضَ ابنُ

عبد البرِّ على هذا الحديثِ بأنْ قال: ((مَنْ حفظَهُ عنه حجّةٌ على مَنْ سألَهُ في حالِ نسيانِهِ)) . وأجابَ أبو شَامةَ بأنّهما مسألتانِ. فسؤالُ أبي مسلمة عن البسملةِ وتركِها، وسؤالُ قتادةَ عن الاستفتاح بأيِّ سورةٍ. وفي صحيحِ مسلم: أنَّ قتادةَ قال: نحنُ سألناهُ عنه، فاتضح أنَّ سؤالَ قتادةَ كان غيرَ سؤالِ أبي مسلمة. وأما قولُ ابنِ الجوزيِّ في " التحقيق ": ((حديثُ أبي مسلمة ليسَ في الصحاحِ، فلا يُعارِضُ ما في الصحاح. وإنَّ الأئمةَ اتفقوا على صحةِ حديثِ أنسٍ)) ففيه نظرٌ. فهذا الشافعيُّ، والدارقطنيُّ، والبيهقيُّ لا يقولون بصحةِ حديث أنسٍ الذي فيه نفيُ البسملة. فلا يصحُّ نقلُ اتفاقِ الأئمةِ عليه، ولا يُردُّ حديثُ أبي مسلمةِ، بكونهِ ليس في الصحاحِ. فقد صحّحهُ ابنُ خزيمةَ والدارقطنيُّ. وأيضاً فقد وصفَ أنسٌ قراءةَ النبيِّ (بـ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. فروى البخاريُّ في صحيحِهِ من روايةِ قتادةَ، قال: سُئلَ

أنسُ بنُ مالكٍ، كيف كانت قراءةُ رسولِ اللهِ (؟ قال: كانت مدّاً. ثمَّ قرأَ: بِسْمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، يمدُّ بسمِ اللهِ. ويمدُّ الرحمنَ، ويمدُّ الرحيمَ. قال الدارقطنيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ. وكلُّهم ثقاتٌ. وقال الحازميُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ لا يُعرفُ له علّةٌ. وفيه دلالةٌ على الجهرِ مطلقاً، وإنْ لم يُقَيَّدْ بحالةِ الصلاةِ. فيتناولُ الصلاةَ وغيرَ الصلاةِ. قال أبو شامةَ: وتقريرُ هذا أنْ يُقالَ: لو كانتْ قراءةُ رسولِ اللهِ (في أمرِ الجهرِ والإسرارِ تختلفُ في الصلاةِ وخارجِ الصلاةِ، لقال أنس لمَنْ سألَهُ عن أيِّ قراءتَيْهِ تسألُ؟ عن التي في الصلاةِ أم عن التي خارجَ الصلاةِ؟ فلما أجابَ مطلقاً عُلم أنَّ الحالَ لم يختلفْ في ذلكَ. وحيثُ أجابَ بالبسملةِ دونَ غيرِها من آياتِ القرآنِ، دلَّ على أنَّ النبيَّ (كان يجهرُ بالبسملةِ في قراءتهِ. ولولا ذلك لكان أنسٌ أجابَ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، أو غيرها من الآياتِ. قال: وهذا واضحٌ. قال: ولنا أنْ نقولَ: الظاهرُ أنَّ السؤالَ لم يكن إلاّ عن قراءتِهِ في الصلاةِ، فإنَّ الراوي قتادةُ، وهو راوي حديثِ أنسٍ ذاك. وقال فيه: نحنُ سألناهُ عنه. انتهى. فهذا ترجيحٌ لقراءةِ البسملةِ. وقد قالَ الحازميُّ: إنّهُ لا يُعرَفُ له علّةٌ. ولم يختلفْ على قتادةَ فيهِ. وأما حديثُ أنسٍ ذاكَ، فلهُ علّلٌ اختُلفَ على قتادةَ فيه. وأعلَّهُ الشافعيُّ بخطأِ الراوي في فَهْمِهِ، وأعلَّهُ ابنُ عبدِ البرِّ بالاضطرابِ. ومِنْ عِلَلِهِ أنهُ ليسَ متّصلاً بالسماعِ، فإنَّ قتادةَ كتبَ إلى الأوزاعيِّ به. والخلافُ في الكتابةِ معروفٌ، كما سيأتي. وأما روايةُ مسلمٍ الثانيةُ فإنَّ مسلماً لم يسقْ لفظَها، وقد ساقَهُ ابنُ عبدِ البرِّ، كروايةِ الأكثرينَ، كانوا يفتتحونَ القراءةَ بـ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وليس فيها نفيُ

البسملةِ. رواها من روايةِ محمدِ بنِ كثيرٍ قال: حدّثنا الأوزاعيُّ وهذهِ أولى من روايةِ مسلمٍ؛ لأنَّ تلك من روايةِ الوليدِ بنِ مسلمٍ عن الأوزاعيِّ بالعنعنةِ، والوليدُ مدلّسٌ، كما تقدّم. وأيضاً فقد تقدمَ قولُ البيهقيِّ أنَّ روايةَ إسحاقَ، وثابتٍ هكذا، وهو خلافُ ما يوهمُهُ عملُ مسلمٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى. 204.... وَكَثُرَ التَّعْلِيْلُ بِالإرْسَالِ ... لِلوَصْلِ إنْ يَقْوَ عَلَى اتِّصَالِ 205.... وَقَدْ يُعِلُّوْنَ بِكُلِّ قَدْحِ ... فِسْقٍ، وَغَفْلَةٍ، وَنَوْعِ جَرْحِ 206.... وَمِنْهُمُ مَنْ يُطْلِقُ اسْمَ العِلَّةِ ... لِغَيْرِ قادحٍ كَوَصْلِ ثِقَةِ 207.... يَقُوْلُ: مَعْلُوْلٌ صَحِيْحٌ كَالذّيْ ... يَقُوْلُ: صَحَّ مَعْ شُذُوْذٍ احْتُذِيْ لمَّا تقدّمَ أنَّ العلّةَ تكونُ غامضةً خفيةً في الحديثِ، ذكر أنّهم يُعِلُّونَ أيضاً بأمورٍ ليست خفيةً. كالإرسالِ، وفِسْقِ الراوي، وضَعْفِهِ، وبما لا يقدحُ أيضاً. قالَ ابنُ الصَّلاح: وكثيراً ما يُعللون الموصولَ بالمُرسلِ، مثلُ أنْ يجيءَ الحديثُ بإسنادٍ موصولٍ، ويجيءَ أيضاً بإسنادٍ منقطع أقوى من إسناد الموصولِ. قالَ: ولهذا اشتملتْ كتبُ عللِ الحديثِ على جمع طرقِهِ.

وقولي: (إنْ يَقْوَ) أي: إنْ يَقْوَ الإرسالُ على الاتّصالِ. وقد يُعِلُّوَنَ الحديثَ بأنواعِ الجرحِ، من الكذبِ، والغَفْلةِ، وسوءِ الحفظِ، وفسقِ الراوي وذلك موجودٌ في كتبِ عِلَلِ الحديثِ. وبعضُهم يطلقُ اسمَ العلةِ على ما ليس بقادحٍ من وجوهِ الخلاف، كالحديثِ الذي وَصَلَهُ الثقةُ الضابطُ، وأرسلَهُ غيرُه، حتى قالَ: مِنْ أقسامِ الصحيحِ ما هو صحيحٌ معلولٌ. هكذا نقلَهُ ابنُ الصلاحِ عن بعضِهِم، ولم يسمِّه. وقائلُ ذلك هو أبو يعلى الخليليُّ.

قاله في كتابهِ " الإرشادِ " أنَّ الأحاديثَ على أقسامٍ كثيرةٍ. صحيحٍ متفقٍ عليه، وصحيحٍ معلولٍ، وصحيحٍ مختلفٍ فيه. ثم مَثَّلَ الصحيحَ المُعَلَّ بحديثٍ رواه إبراهيمُ بنُ طَهْمانَ، والنُّعمانُ بنُ عبدِ السلامِ، عن مالكٍ، عن محمّدِ بنِ عَجْلانَ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((للمملوكِ طعامُهُ وشرابُهُ)) . وقد رواه أصحابُ مالكٍ كلُّهم في " الموطّأ " عن مالكٍ، قال: بلغنا عن أبي هريرةَ. قال الخليليُّ: فقد صارَ الحديثُ بتبيُّنِ الإسنادِ صحيحاً يُعتَمَدُ عليه. قال: وهذا مِنَ الصحيحِ المبيَّن بحجّةٍ ظهَرتْ. قال: وكانَ مالكٌ يرسِلُ أحاديثَ لا يُبيِّنُ إسنادَها. وإذا استقصى عليه مَنْ يتجاسَرُ أنْ يسألَهُ ربّما أجابه إلى الإسنادِ، وأتيتُ بلفظٍ معلولٍ. وكذلك ابنُ الصلاحِ تَبَعاً لمَنْ حكى كلامَهُ في ذلك، وهو الخليليُّ. وقولي: (كالذي يقولُ ... ) إلى آخره، أي: كما قالَ بعضُهم من الصحيحِ ما هو صحيحٌ شاذٌّ. 208.... وَالنَّسْخَ سَمَّى التِّرْمِذِيُّ عِلَّهْ ... فَإنْ يُرِدْ في عَمَلٍ فَاجْنَحْ لَهْ أي وسمَّى الترمذيُّ النسخَ علةً من عللِ الحديثِ

وقولي فإنْ يرد، هوَ مِنَ الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ، أي فإنْ أرادَ الترمذيُّ أنّهُ علّةٌ في العملِ بالحديثِ، فهو كلامٌ صحيحٌ فاجنح له، أي مِلْ إلى كلامِهِ وإنْ يُرد أنّهُ علةٌ في صحةِ نقلِهِ، فلا؛ لأنَّ في الصحيحِ أحاديثَ كثيرةً منسوخةً، وسيأتي الكلامُ على النسخِ في فصلِ الناسخِ والمنسوخِ المُضْطَرِبُ ... مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ: مَا قَدْ وَرَدَا ... مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحِدٍ فَأزْيَدَا 210.... في مَتْنٍ اوْ في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ ... فِيْهِ تَسَاوِي الخُلْفِ، أَمَّا إِنْ رَجَحْ ... بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا ... وَالحُكْمُ للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا 212.... كَالخَطِّ للسُّتْرَةِ جَمُّ الخُلْفِ ... والاضْطِرَابُ مُوْجِبٌ للضَّعْفِ المُضْطَرِبُ مِنَ الحديثِ، هو ما اختَلَفَ راويه فيهِ. فرواهُ مرّةً على وجهٍ، ومرةً على وجهٍ آخَر مخالفٍ له. وهكذا إنِ اضطربَ فيهِ راويانِ فأكثر، فرواهُ كلُّ واحدٍ على وجهٍ مخالفٍ للآخرِ. فقولي من واحدٍ أي من راوٍ واحدٍ، ثم الاضطرابُ قد يكونُ في المتنِ، وقد يكونُ في السندِ وإنّما يُسَمَّى مضطرباً إذا تساوتِ الروايتان المختلفتانِ في الصحةِ

بحيثُ لم تترجَّحْ إحداهُما على الأخرى أمَّا إذا ترجَّحَتْ إحداهما بكونِ راويها أحفظَ، أو أكثرَ صحبةً للمرويِّ عنهُ، أو غيرَ ذلك من وجوهِ الترجيحِ، فإنهُ لا يُطلقُ على الوجهِ الراجحِ وصفُ الاضطرابِ، ولا لَهُ حكمُهُ، والحكمُ حينئذٍ للوجهِ الراجحِ مثالُ الاضطرابِ في السندِ ما رواهُ أبو داودَ، وابنُ ماجه، من روايةِ إسماعيلَ بنِ أُميَّةَ، عن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ حُرَيثٍ، عن جَدِّهِ حريثٍ، عن أبي هريرةَ، عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال إذا صلَّى أحدُكُم فليجعَلْ شيئاً تِلْقاءَ وَجْهِهِ ... الحديثَ وفيه فإذا لم يجدْ عَصاً ينصبُها بين يديه فَليَخُطَّ خطاً وقدِ اختُلِفَ فيه على إسماعيلَ اختلافاً كثيراً فرواهُ بِشْرُ بنُ المُفضَّلِ، ورَوْحُ بنُ القاسمِ عنه، هكذا ورواهُ سفيانُ الثوريُّ عنه، عن أبي عمرِو بنِ حُريثٍ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ ورواهُ حُميدُ بنُ الأسودِ عنه، عن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ عمرِو بنِ حريثٍ، عن جدِّهِ حريثِ بنِ سُليمٍ عن أبي هريرةَ ورواهُ وُهَيبُ بنُ خالدٍ، وعبدُ الوارثِ عنه، عن أبي عمرِو بنِ حريثٍ، عن جدِّهِ حريثٍ ورواهُ ابنُ جُريجٍ عنه، عن حريثِ بنِ عمّارٍ، عن أبي

هريرةَ ورواه ذَوَّادُ بن عُلْبَةَ الحارثيُّ عنه، عن أبي عمرِو بنِ محمدٍ، عن جدِّهِ حريثِ بنِ سليمانَ قالَ أبو زُرعةَ الدمشقيُّ لا نعلمُ أحداً بيَّنَهُ ونسبَهُ غيرُ ذَوَّادٍ ورواه سفيانُ بنُ عُيينةَ عنهُ فاختُلِفَ فيه على ابنِ عيينة فقال ابنُ المدينيِّ عن ابنِ عيينةَ، عن إسماعيلَ، عن أبي محمدِ بنِ عمرِو بنِ حريثٍ، عن جدِّهِ حريثٍ رجلٍ من بني عُذْرةَ قال سفيانُ لم نجدْ شيئاً نشدُّ به هذا الحديثَ، ولم يجئ إلاَّ مِنْ هذا الوجهِ قال ابنُ المدينيِّ قلتُ له إنّهم يختلفونَ فيه فتفكَّرَ ساعةً ثم قال ما أحفظُهُ إلاّ أبا محمدِ بنَ عمرٍو ورواه محمّدُ بنُ سلامٍ البِيكَنْديُّ، عن ابنِ عيينَة، مثلَ روايةِ بشرِ بنِ المفضّلِ، ورَوْحٍ ورواهُ مُسَدَّدٌ، عن ابنِ عيينةَ، عن إسماعيلَ، عن أبي عمرِو بنِ حريثٍ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ ورواهُ عمّارُ بنُ خالدٍ الواسطيُّ، عن ابنِ عيينة، عن إسماعيلَ، عن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ عمرِو بنِ حريثٍ، عن جَدِّهِ حريثِ بنِ سُليمٍ، وفيه من

المضطرب

الاضطرابِ غيرُ ما ذكرتُ وهو المرادُ بقولي كالخطِّ أي كحديثِ الخَطِّ للسُّتْرةِ جَمُّ الخُلْفِ، أي هو كثيرُ الاختلافِ ومثالُ الاضطرابِ في المتنِ، حديثُ فاطمةَ بنتِ قَيْسٍ، قالت سألتُ، أو سُئِلَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الزَّكاةِ، فقال إنَّ في المالِ لَحَقّاً سِوَى الزَّكَاةِ فهذا حديثٌ قدِ اضطربَ لفظُهُ ومعناهُ فرواهُ الترمذيُّ هكذا من روايةِ شَرِيكٍ، عن أبي حمزةَ، عن الشِّعبيِّ، عن فاطمةَ ورواهُ ابنُ ماجه من هذا الوجهِ بلفظِ ليسَ في المالِ حقٌّ سِوَى الزكاةِ فهذا اضطرابٌ لا يحتملُ التأويلَ وقولُ البيهقيِّ أنّهُ لا يحفظُ لهذا اللفظِ الثاني إسناداً، معارَضٌ بما رواهُ ابنُ ماجه هكذا، واللهُ أعلمُ والاضطرابُ موجبٌ لضعفِ الحديثِ المضطربِ لإشعارِهِ بعدمِ ضبطِ راويهِ، أو رواتِهِ، واللهُ أعلمُ

المدرج

المُدْرَجُ 213.... المُدْرَجُ: المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ ... مِنْ قَوْلِ راوٍ مَا، بلا فَصْلٍ ظَهَرْ 214.... نَحْوُ (إذَا قُلْتَ: التَّشَهُّدَ) صَلْ ... ذَاكَ (زُهَيْرٌ) وَ (ابنُ ثَوْبَانَ) فَصَلْ 215.... قُلْتُ: وَمِنْهُ مُدْرَجٌ قَبْلُ قُلِبْ ... (كَأسْبِغُوا الوُضُوْءَ وَيْلٌ لِلعَقِبْ) المدرجُ في الحديثِ أقسامٌ: القسمُ الأولُ منه: ما أُدرجَ في آخرِ الحديثِ من قولِ بعضِ رواتِهِ. أمَّا الصحابيُّ، أو مَنْ بعدَهُ موصولاً بالحديثِ من غيرِ فَصْلٍ بين الحديثِ وبين ذلك الكلامِ، بذكرِ قائِلِه، فيلتبسُ على مَنْ لا يعلم حقيقةَ الحالِ، ويتوهمُ أنَّ الجميعَ مرفوعٌ. مثالُهُ: ما رواهُ أبو داودَ، قالَ: حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ النُّفَيْلِيُّ، قالَ: حدَّثَنا زُهَيرٌ، قالَ: حدَّثَنا الحسنُ بنُ الحُرِّ، عن القاسمِ بنِ مُخَيْمِرةَ، قال: أخذَ عَلْقَمةُ بيدي، فحدّثني أنَّ عبدَ اللهِ

بْنَ مسعودٍ أخذَ بيدِهِ، وأنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذَ بيدِ عبدِ اللهِ، فعلَّمَنَا التشهدَ في الصلاةِ. قال: فذكرَ مثلَ حديثِ الأعمشِ: إذا قُلتَ هذا، أو قَضَيْتَ هذا فقد قَضَيْتَ صَلاتَكَ، إنْ شِئْتَ أنْ تقومَ فَقُمْ. وإنْ شئتَ أنْ تقعُدَ فاقْعُدْ. فقولُهُ: إذا قلتَ إلى آخره، وصلَهُ زُهيرُ بنُ معاويةَ أبو خَيثمةَ بالحديثِ المرفوعِ في روايةِ أبي داودَ هذهِ. قالَ الحاكمُ: قولُهُ إذا قلتَ، هذا مدرجٌ في الحديثِ من كلامِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ. وكذا قالَ البيهقيُّ في " المعرفةِ ": قد ذهبَ الحُفَّاظُ إلى أنَّ هذا وهمٌ وأنَّ قولَهُ: ((إذا فعلتَ هذا، أو قضيتَ هذا، فقد قَضَيْتَ صَلاتَكَ)) من قولِ ابنِ مسعودٍ، فأدرجَ في الحديثِ. وكذا قال الخطيبُ في كتابهِ الذي جمَعهُ في الْمُدرجِ: إنّها مُدْرَجَةٌ. وقالَ النَّوويُّ في " الخُلاصة ": اتّفقَ الحفَّاظُ على أنّها مُدرجةٌ. انتهى. وقولُ الخطّابيِّ في " المعالم ": اختلفوا فيهِ، هلْ هوَ مِنْ قَوْلِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو من قولِ ابنِ مسعودٍ؟ فأرادَ اختلافَ الرواةِ في وصلِهِ، وفصلِهِ، لا اختلافَ الحفَّاظِ؛ فإنَّهُمْ متَّفِقُونَ على أنَّهَا

مُدْرَجَةٌ. على أنَّهُ قدِ اختُلِفَ على زُهيرٍ فيهِ، فرواهُ النُّفَيليُّوأبو النَّضْرِ هاشمُ بنُ القاسمِ، وموسى بنُ داودَ الضَّبِّيُّ، وأحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ يونسَ اليَرْبوعيُّ، وعليُّ بنُ الجَعْدِ، ويحيى بنُ يحيى النَّيسابوريُّ، وعاصمُ بنُ عليٍّ، وأبو داودَ الطيالسيُّ، ويحيى بنُ أبي بُكَيرٍ الكِرْمانيُّ، ومالكُ بنُ إسماعيلَ النَّهْديُّ عنهُ، هكذا مُدْرَجَاً. ورواهُ شَبَابةُ بنُ سَوَّارٍ عنهُ، فَفَصَلَهُ وبيَّنَ أنَّهُ مِنْ قولِ عبدِ اللهِ، فقالَ: قالَ عبدُ اللهِ: ((فإذا قلتَ ذلكَ فقد قَضَيْتَ ما عليكَ من الصلاةِ، فإنْ شئتَ أنْ تقومَ فقُمْ، وإنْ شئتَ أنْ تَقْعُدَ فاقعُدْ)) . رواهُ الدارقطنيُّ، وقالَ: شَبَابةُ ثقةٌ. وقد فَصَلَ آخِرَ الحديثِ وجعلَهُ من قولِ ابنِ مسعودٍ، وهو أصحُّ من روايةِ مَنْ أدرجَ آخرَه. وقولُه أشبهُ

بالصوابِ؛ لأنَّ ابنَ ثوبانَ رواهُ عن الحسنِ بنِ الحرِّ كذلك، وجعل آخرَه من قولِ ابنِ مسعودٍ، ولم يرفعْهُ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم رواهُ من روايةِ غسّانَ بنِ الربيعِ، عن عبدِ الرحمن ابنِ ثابتِ بنِ ثوبانَ، عن الحسنِ بنِ الحرِّ، بهِ. وفي آخرِهِ: ثم قال ابنُ مسعودٍ: إذا فرغتَ من هذا فقد فرغتَ من صلاتِكَ، فإنْ شئتَ فاثبُتْ، وإن شئتَ فانصرِفْ. ورواه الخطيبُ أيضاً من روايةِ بقيّةَ، قال: حدّثنا ابنُ ثوبانَ فاستدلَّ الدارقطنيُّ على تصويبِ قولِ شَبَابةَ، بروايةِ ابنِ ثوبانَ هذهِ، وباتفاقِ حسين الجُعْفِيِّ، وابنِ عَجْلانَ، ومحمدِ بنِ أبانَ في روايتِهِم عن الحسنِ بنِ الحرِّ، على تَرْكِ ذكرِهِ في آخِرِ الحديثِ، مع اتفاقِ كُلِّ مَنْ روى التشهدَ عن علقمةَ، وعَنْ غيرِهِ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ على ذلك. واعلمْ أنَّ ابنَ الصلاحِ قَيَّدَ هذا القسمَ من المدرجِ بكونِهِ أُدرجَ عَقِبَ الحديثِ. وقد ذكرَ الخطيبُ في المدرجِ ما أُدخلَ في أوَّلِ الحديثِ، أو في وَسَطِهِ. فأشرتُ إلى ذلكَ بقولي: (قلتُ: ومنه مدرجٌ قَبْلُ قُلِبْ) أي: أُتي بهِ قبلَ الحديثِ المرفوعِ، أو قبلَ آخرهِ، في وَسطِهِ مثلاً. وقولُهُ: (قُلِبْ) أي: جعلَ آخِرَهُ أوَّلَهُ؛ لأنَّ الغالبَ في المدرجاتِ ذكرُها عَقِبَ الحديثِ.

ومثالُ ما وُصلَ بأوَّلِ الحديثِ، وهو مدرجٌ: ما رواه الخطيبُ من روايةِ أبي قَطَن، وشَبابَة فَرَّقَهُما عن شعبةَ، عن محمدِ بنِ زيادٍ، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أسبغوا الوضوءَ، ويلٌ للأعقابِ من النارِ)) . فقولُهُ: أسبغوا الوضوءَ، من قولِ أبي هريرةَ، وُصلَ بالحديثِ في أوَّلِهِ كذلك. رواه البخاريُّ في صحيحهِعن آدمَ بنِ أبي إياسٍ، عن شعبةَ، عن محمدِ بنِ زيادٍ، عن أبي هريرةَ، قال: أسبغوا الوضوءَ، فإنَّ أبا القاسمِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((ويلٌ للأعقابِ من النارِ)) . قال الخطيبُ: وَهِمَ أبو قَطَن عمرُو بنُ الهيثمِ، وشَبَابةُ بنُ سَوَّارٍ في روايتهما هذا الحديث عن شعبةَ على ما سقناه. وذلك أنَّ قولَهُ: ((أسبغوا الوضوءَ)) كلامُ أبي هريرةَ. وقولُهُ: ((ويلٌ للأعقابِ مِنَ النارِ)) ، كلامُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد رواهُ أبو داودَ الطيالسيُّ، ووَهْبُ بنُ جريرٍ، وآدمُ بنُ أبي إياسٍ، وعاصمُ بنُ عليٍّ، وعليُّ بنُ الجَعْدِ، وغُنْدَرٌ، وهُشيمٌ، ويزيدُ بنُ زُرَيعٍ، والنَّضْرُ بنُ شُميلٍ، ووكيعٌ، وعيسى بنُ يونسَ، ومُعاذُ بنُ معاذٍ؛ كلُّهُم عن شعبةَ. وجعلوا الكلامَ الأولَ من قولِ أبي هريرةَ، والكلامَ الثانيَ مرفوعاً.

وقولُهُ: (ويلٌ للعَقِبِ) ، أُفرِدَ لأجلِ الوزنِ، وكذلك هو في روايةِ أبي داودَ الطيالسيِّ، عن شعبةَ: ((ويلٌ للعَقِبِ من النارِ)) . ومثالُ المدرجِ في وَسَطِ الحديثِ، ما رواهُ الدارقطنيُّ في سننهِ من روايةِ عبدِ الحميدِ بنِ جعفرٍ، عن هِشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيهِ، عن بُسْرَةَ بنتِ صَفْوانَ قالتْ: سمعتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، أو أُنْثَيَيْهِ أو رُفْغَهُ، فَلْيَتَوضَّأْ)) . قال الدارقطنيُّ: كذا رواه عبدُ الحميدِ، عن هشامٍ، ووَهِمَ في ذكرِ الأُنثيين، والرُّفْغِ، وإدراجِهِ ذلك في حديثِ بُسْرَةَ. قالَ: والمحفوظُ أنَّ ذلك من قولِ عُروةَ غيرُ مرفوعٍ. وكذلك رواه الثقاتُ عن هشامٍ منهم: أيوبُ السِّخْتِيانيُّ، وحمّادُ بنُ زيدٍ، وغيرُهما. ثم رواهُ من طريق أيوبَ بلفظِ: ((مَنْ مَسَّ ذكرَهُ فليتوضَّأ)) ، قال: وكان عروةُ يقولُ: إذا مسَّ رُفْغَيهِ، أو أُنثييهِ، أو ذكرَهُ فليتوضَّأْ. وقالَ الخطيبُ: تفرّدَ عبدُ الحميدِ بذكرِ الأُنثيينِ، والرُّفْغينِ. وليس من كلامِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنَّما هو قولُ عروةَ بنِ الزبيرِ، فأدرَجَهُ الراوي في متنِ الحديثِ. وقد بَيَّنَ ذلك حمّادٌ وأيوبُ.

قلتُ: لم ينفردْ به عبدُ الحميدِ. فقد رواه الطَّبرانيُّ في "المعجمِ الكبيرِ" من روايةِ أبي كاملٍ الجَحْدريِّ، عن يزيدَ بنِ زُرَيعٍ، عن أيوبَ، عن هشامٍ عن أبيه، عن بُسرة بلفظِ: ((إذا مسَّ أحدُكُم ذَكَرَهُ، أو أُنْثييهِ، أو رُفْغيْهِ، فَلْيَتوضَّأ)) . وعلى هذا فقدِ اختُلِفَ فيه على يزيدَ بنِ زُريعٍ. ورواهُ الدارقطنيُّ أيضاً من روايةِ ابنِ جريجٍ، عن هشامٍ، عن أبيهِ، عن مروانَ، عن بُسرة، بلفظ: ((إذا مسَّ أحدُكم ذكرَهُ أو أنْثَييهِ)) ، ولم يذكرِ: الرُّفْغَ، وزادَ في السندِ مروانَ بنَ الحكمِ. وقد ضعّفَ ابنُ دقيقِ العيدِ الطريقَ إلى الحُكْمِ بالإدراجِ في نحو هذا. فقالَ في " الاقتراح " وممّا يَضعُفُ فيه أنْ يكونَ مُدرجاً في أثناءِ لفظِ الرسولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لاسيما إنْ كان مُقدَّماً على اللفظِ المرويِّ، أو معطوفاً عليه بواوِ العطفِ، كما لو قال مَنْ مسَّ أنثييهِ أو ذَكَرَهُ فَلْيَتَوضَّأْ، بتقديمِ لفظِ الأنثييْنِ على الذَّكَرِ فهاهنا يضعفُ الإدراجُ لما فيه من اتصالِ هذهِ اللفظةِ بالعاملِ الذي هو من لفظِ الرسولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلتُ: ولا يعرفُ في طُرُقِ الحديثِ تقديمُ الأُنثيين على الذَّكَرِ، وإنّما ذكرَهُ الشيخُ مثالاً، فليُعلمْ ذلكَ.

216.... وَمِنْهُ جَمْعُ مَا أتَى كُلُّ طَرَفْ ... مِنْهُ بِإسْنَادٍ بِوَاحِدٍ سَلَفْ ... كـ (وَائِلٍ) في صِفَةِ الصَّلاَةِ قَدْ ... أُدْرِجَ (ثُمَّ جِئْتُهُمْ) وَمَا اتَّحَدْ أي: من أقسامِ المدرَجِ، وَهُوَ القسمُ الثاني: أنْ يكونَ الحديثُ عِنْدَ راويهِ بإسنادٍ إلاّ طرفاً مِنْهُ، فإنهُ عندَهُ بإسنادٍ آخرَ. فيجمعُ الرَّاوِي عَنْهُ طرفيِّ الحديثِ بإسنادِ الطرفِ الأولِ، ولا يذكرُ اسنادَ طرفِهِ الثاني. مثالُهُ: حديثٌ رواهُ أبو داودَ من روايةِ زائدةَ، وشَرِيكٍ، فَرَّقَهُمَا، والنسائيُّ من روايةِ سفيانَ بنِ عيينة كلُّهُم، عن عاصمِ بنِ كُلَيْبٍ، عن أبيهِ، عن وائلِ بن حُجْرٍ في صِفَةِ صلاةِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ فِيْهِ: ثُمَّ جِئْتُهُم بعدَ ذلكَ في زمانٍ فِيْهِ بردٌ شديدٌ، فرأيتُ الناسَ عَلَيْهِمْ جُلَّ الثيابِ، تَحَرَّكُ أيديِهم تحتَ الثِّيابِ. قَالَ موسى بنُ هارونَ الحمّالُ: ذَلِكَ عندنا وهمٌ. فقولُهُ: (ثُمَّ جئت) . ليس هو بهذا الإسنادِ، وإنّما أُدرج عليه وهو من روايةِ عاصمٍ، عن عبدِ الجبارِ بنِ وائلٍ عن بعضِ أهلِهِ، عن وائلٍ. وهكذا رواه مُبَيَّناً زُهيرُ بنُ معاويةَ، وأبو بَدْرٍ شُجاعُ بنُ الوليدِ، فمَيَّزَا قصّةَ تحريكِ الأيدي من تحتِ الثيابِ، وفَصَلاها مِنَ الحديثِ، وذكر إسنادها، كما ذكرناه. قال موسى بنُ هارونَ الحمّالُ: وهذه روايةٌ مضبوطةٌ، اتفق عليها زهيرٌ وشُجاعُ بنُ الوليدِ. فهما أثبَتُ له روايةً ممَّنْ رَوَى رفعَ الأيدي من تحتِ الثيابِ، عن عاصمِ بنِ كُليبٍ، عن أبيهِ، عن وائلٍ. وقال ابنُ الصلاح: إنهُ الصّوابُ.

وقولي: (وما اتّحد) أي: وما اتحدَ إسنادُ هذا الطرفِ الأخيرِ مع أوَّلِ الحديثِ، بل إسنادُهما مختلفٌ. 218.... وَمِنْهُ أنْ يُدْرَجَ بَعْضُ مُسْنَدِ ... في غَيْرِهِ مَعَ اخْتِلاَفِ السَّنَدِ ... نَحْوُ (وَلاَ تَنَافَسُوْا) في مَتْنِ (لاَ ... تَبَاغَضُوا) فَمُدْرَجٌ قَدْ نُقِلاَ 220.... مِنْمَتْنِ لاَ تَجَسَّسوا أدْرَجَهُ ... إبْنُ أبي مَرْيَمَ إذْ أخْرَجَهُ أي: ومن أقسامِ المدرجِ، وهو القسمُ الثالثُ: أنْ يُدرجَ بعضُ حديثٍ في حديثٍ آخرَ مخالفٍ له في السند. مثالُهُ: حديثٌ رواهُ سعيدُ بنُ أبي مريمَ، عن مالكٍ، عن الزهريِّ، عن أنسٍ، أنَّ رسولَ اللهِ (، قال: ((لا تَبَاغَضُوا، ولا تَحَاسَدُوا، ولا تَدَابَرُوا ولا تَنَافَسُوا، ... الحديثَ)) . فقولُهُ: ((ولا تنافسُوا)) مدرجَةٌ في هذا الحديثِ أدرَجَها ابنُ أبي مريمَ فيه، من حديثٍ آخرَ لمالكٍ، عن أبي الزِّنادِ، عن الأعرجِ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ (: ((إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذَبُ الحديثِ، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَنَافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ... )) وكلا الحديثينِ متفقٌ عليه. من طريقِ مالكٍ. وليس في الأولِّ: ولا تنافسوا. وهي في الحديثِ الثاني. وهكذا الحديثانِ عند رواةِ " الموطّأ ": عبدِ الله بنِ

يوسفَ، والقَعْنبيِّ، وقُتيبةَ، ويحيى بنِ يحيى، وغيرهم. قال الخطيبُ: وقد وَهِمَ فيها ابنُ أبي مريمَ على مالكٍ، عن ابنِ شهابٍ. وإنّما يرويها مالكٌ في حديثِهِ عن أبي الزِّنادِ. 221.... وَمِنْهُ مَتْنٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدْ ... وَبَعْضُهُمْ خَالَفَ بَعْضَاً في السَّنَدْ 222.... فَيَجْمَعُ الكُلَّ بإسْنَادٍ ذَكَرْ ... كَمَتْنِ (أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ) الخَبَرْ 223.... فَإنَّ (عَمْرَاً) عِنْدَ (وَاصِلٍ) فَقَطْ ... بَيْنَ (شَقيْقٍ) وَ (ابْنِ مَسْعُوْدٍ) سَقَطْ 224.... وَزَادَ (الاعْمَشُ) كَذَا (مَنْصُوْرُ) ... وَعَمْدُالادْرَاجِ لَهَا مَحْظُوْرُ أي: ومن أقسامِ المدرجِ، وهو القسمُ الرابعُ: أنْ يرويَ بعضُ الرواةِ حديثاً عن جماعةٍ، وبَيْنهم في إسنادهِ اختلافٌ فيجمعُ الكلَّ على إسنادٍ واحدٍ ممّا اختلفوا فيه، ويدرجُ روايةَ مَنْ خالفَهم معهم على الاتفاقِ. مثالُهُ: حديثٌ رواه الترمذيُّ، عن بُنْدَارٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ مهديٍّ عن سفيانَ الثوريِّ، عن واصلٍ، ومنصورٍ، والأعمشِ، عن أبي وائلٍ، عن عمرِو بنِ

شُرَحْبِيلَ، عن عبدِ اللهِ، قال: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الذنبِ أعظَمُ؟ ... )) الحديثَ. وهكذا رواهُ محمدُ بنُ كثيرٍ العبديُّ، عن سفيانَ فيما رواهُ الخطيبُ. فروايةُ واصلٍ هذهِ مدرجةٌ على روايةِ منصورٍ، والأعمشِ؛ لأنَّ واصلاً لا يذكرُ فيه عمراً، بل يجعلُهُ عن أبي وائلٍ، عن عبدِ اللهِ، هكذا. رواه شعبةُ، ومهديُّ بنُ ميمونٍ، ومالكُ بنُ مِغْولٍ، وسعيدُ بنُ مسروقٍ، عن واصلٍ، كما ذكرَهُ الخطيبُ. وقد بَيَّنَ الإسنادَيْنِ معاً يحيى بنُ سعيدٍ القطّانُ في روايتهِ، عن سفيانَ، وفَصَلَ أحدَهُما من الآخرِ. رواه البخاريُّ في صحيحهِ في "كتابِ المحاربينَ" عن عمرِو بنِ عليٍّ، عن يحيى، عن سفيانَ، عن منصورٍ، والأعمشِ؛ كلاهما عن أبي وائلٍ، عن عمرٍو، عن عبدِ اللهِ، وعن سفيانَ، عن واصلٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبدِ اللهِ، من غيرِ ذكرِ عمرِو بنِ شرحبيلَ. قال عمرُو بنُ عليٍّ: فذكرتُهُ لعبدِ الرحمنِ، وكان حدّثنا عن سفيانَ، عن الأعمشِ، ومنصورٍ وواصلٍ، عن أبي وائلٍ، عن أبي مَيْسرةَ، يعني: عمراً، فقال: دَعْهُ دَعْهُ. قلتُ: لكن رواهُ النسائيُّ في المحاربةِ، عن بُنْدارٍ، عن ابنِ مهديٍّ، عن سفيانَ، عن واصلٍ - وَحْدَهُ -، عن أبي وائلٍ، عن عمرِو بنِ شُرْحَبيلَ، فزادَ في السند عمْراً من غير ذكرِ أحدٍ، أدرجَ عليه روايةَ واصلٍ. وكأنَّ ابنَ مهديٍّ لمّا حدَّثَ به عن سفيانَ، عن منصورٍ، والأعمشِ، وواصلٍ، بإسنادٍ واحدٍ ظنَّ الرواةُ عن ابنِ مهديٍّ اتفاقَ طرقِهِم، فربَّما اقتصرَ أحدُهم على بعضِ شيوخِ سفيانَ، ولهذا لا ينبغي لمَنْ يروي حديثاً بسندٍ فيه جماعةٌ في طبقةٍ واحدةٍ مجتمعين في الرواية عن شيخٍ واحدٍ، أن يحذفَ بعضَهم؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ اللفظُ في السندِ أو المتنِ لأحدِهم وحملَ روايةَ الباقينَ عليه. فربَّما كانَ مَنْ حَذَفَهُ هو صاحبُ ذلكَ اللفظِ، وسيأتي التنبيهُ على ذلكَ في موضعِهِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

وقولُهُ: (وزادَ الأعمشُ) أي: وزادَ الأعمشُ، ومنصورٌ، ذِكْرَ عمرِو بنِ شُرحبيلَ بين شَقيقٍ، وابنِ مسعودٍ؛ على أنَّهُ قد اختُلِفَ على الأعمشِ في زيادةِ عمرِو بنِ شرحبيلَ اختلافاً كثيراً، ذكرَهُ الخطيبُ. وقولُهُ: (وعَمْدُ الادراجِ لها) أي: لهذهِ الأقسامِ الأربعةِ، أو الخمسةِ. محظورٌ، أي: ممنوعٌ. قالَ ابنُ الصلاحِ: واعلمْ أنَّهُ لا يجوزُ تعمُّدُ شيءٍ مِنَ الادراجِ المذكورِ. وهذا النوعُ قد صنَّفَ فيه الخطيبُ، فشَفَى وكَفَى. المَوْضُوْعُ 225.... شَرُّ الضَّعِيْفِ: الخَبَرُ الموضُوْعُ ... الكَذِبُ، المُختَلَقُ، المَصْنُوْعُ 226.... وَكَيْفَ كَانَ لَمْ يُجِيْزُوا ذِكْرَهُ ... لِمَنْ عَلِمْ، مَا لَمْ يُبَيِّنْ أَمْرَهُ 227.... وَأكْثَرَ الجَامِعُ فِيْهِ إذْ خَرَجْ ... لِمُطْلَقِ الضَّعْفِ، عَنَى: أبَا الفَرَجْ

الموضوع

أي: شرُّ الأحاديثِ الضعيفةِ: الموضوعُ، وهو المكذوبُ، ويقالُ له المختلَقُ المصنوعُ، أي: إنَّ واضعَهُ اختلقَهُ وصنَعَهُ. وهذا هو الصوابُ، كما ذكره ابنُ الصلاحِ هنا. وأما قولُهُ في قسمِ الضعيفِ: إنَّ ما عُدِمَ فيه جميعُ صفاتِ الحديثِ الصحيحِ والحسنِ، هو القسمُ الآخِرُ الأَرذَلُ؛ فَهُوَ محمولٌ عَلَى أنَّهُ أرادَ ما

لَمْ يكنْ موضوعاً، اللهمَّ إلا أن يريدَ بفَقْدِ ثقةِ الرَّاوِي أنْ يكونَ كذّاباً. ومعَ هَذَا فَلاَ يلزمُ مِنْ وُجودِ كذّابٍ في السندِ أنْ يكونَ الحديثُ موضوعاً، إذ مطلقُ كذبِ الرَّاوِي لا يدلُّ عَلَى الوضعِ، إلا أنْ يعترفَ بوضعِ هَذَا الحديثِ بعينِهِ، أو ما يقومُ مقامَ اعترافِهِ عَلَى ما ستقفُ عَلَيْهِ. وكيفَ كَانَ الموضوعُ، أي: في أيِّ معنى كانَ، في الأحكامِ أو القصصِ، أو الترغيبِ والترهيبِ، وغيرِ ذَلِكَ. لَمْ يجيزوا لمنْ علمَ أنَّهُ موضوعٌ أنْ يذكرَهُ بروايةٍ، أو احتجاجٍ، أو ترغيبٍ إلا معَ بيانِ أنّهُ موضوعٌ، بخلافِ غيرِهِ من الضعيفِ المحتملِ للصدقِ، حَيْثُ جوّزوا روايتَهُ في الترغيبِ والترهيبِ، كَمَا سيأتي. قَالَ ابنُ الصَّلاَح: ولقد أكثرَ الَّذِي جمعَ في هَذَا العصرِ الموضوعاتِ في نَحْوِ مُجَلّدَيْنِ، فأودَعَ فِيْهَا كثيراً مِنْهَا، لا دليلَ عَلَى وضعِهِ، وإنّما حقُّهُ أنْ يُذكرَ في مطلقِ الأحاديثِ الضعيفةِ. وأراد ابنُ الصلاحِ بالجامعِ المذكورِ، أبا الفَرَجِ بنَ الجَوْزيِّ. وأشرتُ إِلَى ذلكَ بقولي: (عَنَى: أبا الفرجِ) . 228.... وَالوَاضِعُوْنَ لِلحَدِيْثِ أضْرُبُ ... أَضَرُّهُمْ قَوْمٌ لِزُهْدٍ نُسِبُوا 229.... قَدْ وَضَعُوْهَا حِسْبَةً، فَقُبِلَتْ ... مِنْهُمْ، رُكُوْناً لَهُمُ ونُقِلَتْ 230.... فَقَيَّضَ اللهُ لَهَا نُقَّادَهَا ... فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا 231.... نَحْوَ أبي عِصْمَةَ إذْ رَأَى الوَرَى ... زَعْمَاً نَأوْا عَنِ القُرَانِ، فافْتَرَى 232.... لَهُمْ حَدِيْثَاً في فَضَائِلِ السُّوَرْ ... عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فبئسَمَا ابْتَكَرْ 233.... كَذَا الحَدِيْثُ عَنْ أُبَيٍّ اعْتَرَفْ ... رَاوِيْهِ بِالوَضْعِ، وَبِئسَمَا اقتَرَفْ 234.... وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ كِتَابَهْ ... - كَالوَاحِدِيِّ - مُخْطِئٌ صَوَابَهْ الواضعونَ للحديثِ عَلَى أصنافٍ بحسبِ الأمرِ الحاملِ لَهُمْ عَلَى الوضعِ. فضربٌ من الزَّنادقةِ يفعلونَ ذَلِكَ؛ ليُضلوا به الناسَ، كعبدِ الكريمِ بنِ أبي

العَوجاءِ الذي أمرَ بضربِ عُنقِهِ محمدُ بنُ سليمانَ بنِ عليِّ، وكبَيَانٍ الذي قتَلهُ خالدُ القَسْريُّ، وحرقَهُ بالنارِ. وقدْ رَوَى العُقيليُّ بسندِهِ إلى حمّادِ بنِ زيدٍ قالَ: وضعتِ الزنادقةُ على رسولِ اللهِ (أربعةَ عشرَ ألفَ حديثٍ. وضربٌ يفعلونَهُ انتصاراً لمذاهبِهِم، كالخَطَّابيّةِ والرافضةِ، وقومٍ من السَّالميةِ. وضربٌ يتقربونَ لبعضِ الخلفاءِ والأمراءِ بوضعِ ما يوافقُ فعلَهُم وآراءهم، كغِياثِ بنِ إبراهيمَ، حيثُ وضعَ للمهدي في حديث: ((لا سَبَقَ إلا في نَصْلٍ، أو

خُفٍّ، أو حافرٍ)) . فزادَ فيه: أو جَناحٍ. وكان المهديُّ إذ ذاك يلعبُ بالحَمَامِ فتركهَا بعد ذلك وأمرَ بذبحِها، وقال أنا حملتُهُ على ذلك. وضربٌ كانوا يتكسَّبُونَ بذلك ويرتزِقُونَ به في قَصَصِهم، كأبي سعدٍ المدائنيِّ. وضَرْبٌ امتُحِنوا بأولادٍ لهم أو ورّاقينَ فوضعُوا لهم أحاديثَ ودَسُّوها عليهم، فحدّثوا بها من غيرِ أنْ يَشْعُروا، كعبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ ربيعةَ القُدَامِيِّ. وضربٌ يلجؤونَ إلى إقامةِ دليلٍ على ما أفتوا به بآرائِهِم، فيضعُونَ، كما نُقِلَ عن أبي الخطّابِ بنِ دِحْيةَ، إنْ ثَبَتَ عنه. وضربٌ يَقلِبُونَ سَنَدَ الحديثِ؛ ليُستَغْرَبَ، فيُرغَبَ في سماعِهِ منهم، وسيأتي ذلكَ بعدَ هذا في المقلوبِ. وضربٌ يتديّنُونَ بذلكَ لترغيبِ الناسِ في أفعالِ الخيرِ بزعمِهِم، وهم منسوبُونَ إلى الزُّهْدِ، وهم أعظمُ الأصنافِ ضرراً؛ لأنَّهم يحتسِبُونَ بذلكَ، ويرونَهُ قربةً، فلا يمكنُ

تركُهم لذلك. والناسُ يَثِقُون بهم، ويركنونَ إليهم لما نُسِبُوا له من الزهدِ، والصلاحِ، فينقلونَها عنهم. ولهذا قالَ يحيى بنُ سعيدٍ القطّانُ: ما رأيتُ الصَّالحينَ أكذبَ منهم في الحديثِ. يريدُ بذلكَ - واللهُ أعلم - المنسوبينَ للصلاحِ بغيرِ علمٍ يفرّقُونَ بهِ بينَ ما يجوزُ لهم ويمتنعُ عليهم. يدلُّ على ذلكَ ما رواهُ ابنُ عَدِيٍّ والعُقيليِّ بسندِهما الصحيحِ إليه أنّهُ قال: ما رأيتُ الكذبَ في أحدٍ أكثرَ منه فيمَنْ يُنسَبُ إلى الخيرِ. أو أرادَ أنَّ الصالحينَ عندَهم حسنُ ظنٍّ، وسلامةُ صدرٍ، فيحمِلونَ ما سمِعَوه على الصدقِ، ولا يهتدونَ لتمييزِ الخطأ من الصوابِ. ولكن الواضعون ممَّنْ يُنْسَبُ للصلاحِ، وإنْ خَفِيَ حالُهم على كثيرٍ من الناسِ، فإنّه لم يَخْفَ على جَهابِذَةِ الحديثِ، ونقّادِهِ. فقاموا بأعباءِ ما حُمِّلُواْ فتحمَّلوهُ، فكشفُوا عُوَارَها، ومَحَوا عَارَها. حتى لقد روينا عن سفيانَ قال: ما سترَ اللهُ أحداً بكذبٍ في الحديثِ. وروينا عن عبدِ الرحمنِ بنِ مهديٍّ أنهُ قال: لو أنَّ

رجلاً هَمَّ أنْ يكذبَ في الحديثِ، لأسقَطَهُ اللهُ تعالى. وروينا عن ابنِ المباركِ قال: لو هَمَّ رجلٌ في السَّحرِ أنْ يكذبَ في الحديثِ، لأصبحَ والناسُ يقولون فلانٌ كذّابٌ. وروينا عنه أنّهُ قيل له: هذهِ الأحاديثُ المصنوعةُ، فقال: تعيشُ لها الجَهَابِذةُ (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ (. وروينا عن القاسمِ بنِ محمدٍ أنّهُ قال: إنَّ الله أعانَنَا على الكذّابينَ بالنسيانِ. ومثالُ مَنْ كان يضعُ الحديثَ حِسْبةً، ما رويناه عن أبي عِصْمَة نُوحِ بنِ أبي مريمَ المروزيِّ - قاضي مَرْو -، فيما رواهُ الحاكمُ بسندهِ إلى أبي عمّارٍ المروزيِّ أنّهُ قيل لأبي عصمةَ: مِن أين لك عن عِكْرمةَ، عن ابنِ عبّاسٍ في فضائلِ القرآنِ سورةً سورةً، وليس عند أصحابِ عكرمةَ هذا؟! فَقَالَ: إنّي رأيتُ الناسَ قَدْ أعرضُوا عن القرآنِ، واشتغلوا بفقهِ أبي حنيفةَ، ومغازي محمدِ بنِ إسحاقَ، فوضعتُ هَذَا الحديثَ حِسْبةً. وَكَانَ يُقال لأبي عصمةَ هَذَا نوحٌ الجامعُ. فَقَالَ أبو حاتمٍ ابنُ حبّانَ: جمعَ كلَّ شيءٍ إلا الصدقَ. وَقَالَ أبو عبدِ اللهِ الحاكمُ: وضعَ

حديثَ فضائلِ القرآنِ. وروى ابنُ حبّانَ في مقدّمةِ "تاريخِ الضُّعفاءِ"، عن ابنِ مهديٍّ قال: قلتُ لِمَيْسرة بن عبدِ ربِّهِ: من أين جئت بهذهِ الأحاديثِ مَنْ قرأ كذا فلَهُ كذا؟ قال: وضعتُها أُرَغِّبُ الناسَ فيها. وهكذا حديثُ أُبَيٍّ الطويلُ في فضائلِ قراءةِ سُوَرِ القرآنِ سُورةً سورةً. فروينا عن المؤمَّل بنِ إسماعيلَ، قال: حدّثني شيخٌ به. فقلتُ للشيخِ مَنْ حدّثكَ؟ فقالَ: حدّثني رجلٌ بالمدائنِ - وهو حيٌّ - فصرتُ إليهِ، فقلتُ: مَنْ حدّثَكَ؟ فقال: حدّثني شيخٌ بواسطَ - وهو حيٌّ - فصرتُ إليه، فقال: حدثني شيخٌ بالبصرةِ، فصرتُ إليه، فقال: حدثني شيخٌ بعبادانَ، فصرتُ إليه، فأخَذَ بيدي، فأدخلني بيتاً، فإذا فيه قومٌ من المتصوّفِةِ، ومعهم شيخٌ، فقالَ هذا الشيخُ حدّثني، فقلتُ: يا شيخُ مَنْ حدّثكَ؟ فقال: لم يحدّثني أحدٌ. ولكنَّا رأينا الناسَ قد رغبُوا عن القرآنِ، فوضَعنا لهم هذا الحديثَ؛ ليصرفُوا قُلوبَهم إِلَى القرآنِ. وكلُّ مَنْ أودعَ حديثَ أُبَيٍّ - المذكورِ - تفسيرَهُ، كالواحديِّ، والثَّعْلبيِّ والزَّمَخْشَريِّ مخطئٌ في ذلكَ؛ لكنّ من أبرزَ إسنادَهُ منهم، كالثعلبيِّ، والواحديِّ فهو

أبسطُ لِعُذْرِهِ، إذ أحالَ ناظرَهُ على الكشفِ عن سندِهِ، وإنْ كان لا يجوزُ له السكوتُ عليه من غيرِ بيانِهِ، كما تقدّمَ. وأمَّا مَنْ لم يُبْرِزْ سنَدَهُ، وأوردَهُ بصيغةِ الجزمِ فخطؤُهُ أفحشُ، كالزَّمخشريِّ. 235.... وَجَوَّزَ الوَضْعَ -عَلَى التَّرْغِيْبِ- ... قَوْمُ ابنِ كَرَّامٍ، وَفي التَّرْهِيْبِ ذكرَ الإمامُ أبو بكرٍ محمدُ بنُ منصورٍ السَّمعانيُّ: أنَّ بعضَ الكَرَّاميَّةِ ذهبَ إلى جوازِ وضعِ الحديثِ على النبيِّ (، فيما لا يتعلقُ به حكمٌ من الثوابِ والعقابِ ترغيباً للنَّاسِ في الطاعةِ، وزجْرَاً لهم عن المعصيةِ. واستدلوا بما رُويَ في بعضِ طُرقِ الحديثِ: ((مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتعمِّداً -ليُضِلَّ بهِ الناسَ- فلْيَتبوَّأْ مَقْعدَهُ من النارِ)) .

وحملَ بعضُهم حديثَ مَنْ كذبَ عليَّ، أي: قالَ: إنّهُ ساحرٌ أو مجنونٌ. وقال بعضُ المخذُولِينَ: إنّما قالَ مَنْ كَذَبَ عليَّ، ونحنُ نكذبُ لَهُ ونقوِّي شَرعَهُ. نسألُ اللهَ السلامةَ من الخِذْلانِ. وروى العُقيليُّ بإسنادِهِ إلى محمدِ بنِ سعيدٍ - كأنَّهُ المَصْلُوبُ - قال: ((لا بأسَ إذا كانَ كلامٌ حسنٌ أنْ تضعَ له إسناداً)) . وحكى القُرْطبيُّ في " المُفْهِم " عن بعضِ أهلِ الرأي أنَّ ما وافقَ القياسَ الجليَّ جازَ أنْ يُعزَى إِلَى النبيِّ (. وروى ابنُ حبّانَ في مقدّمةِ " تاريخِ الضُّعفاءِ " بإسنادِهِ إلى عبدِ اللهِ بنِ يزيدَ المقريء: أنَّ رجلاً من أهلِ البِدَعِ رجعَ عن بدعتِهِ، فجعلَ يقولُ: انظروا هذا الحديثَ عمَّنْ تأخذونَهُ، فإنّا كُنَّا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً.

236.... وَالوَاضِعُوْنَبَعْضُهُمْ قَدْ صَنَعَا ... مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَبَعْضٌ وَضَعَا 237.... كَلامَ بَعْضِ الحُكَمَا في المُسْنَدِ ... وَمِنْهُ نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَدِ 238.... نَحْوُ حَدِيْثِ ثَابِتٍ (مَنْ كَثُرَتْ ... صَلاَتُهُ) الحَدِيْثَ، وَهْلَةٌ سَرَتْ ثُمَّ الواضعونَ منهم مَنْ يَضَعُ كلاماً من عندِ نفسِهِ، ويرويه إلى النبيِّ (ومنهم من يأخُذُ كلامَ بعضِ الحُكَماءِ، أو بعضِ الزُّهادِ، أو الإسرائلياتِ فيجعلُهُ حديثاً نحو حديثِ: ((حبُّ الدنيا رأسُ كُلِّ خطيئةٍ)) . فإنّه إمّا من كلامِ مالكِ بن دينارٍ، كما رواهُ ابنُ أبي الدنيا في كتابِ " مكايدِ الشيطانِ " بإسنَادِهِ إليه. وإمَّا هو مرويٌّ من كلامِ عيسى بنِ مريمَ (كما رواه البيهقيُّ في كتابِ " الزهدِ "، ولا أصلَ لَهُ من حديثِ النبيِّ (، إلا من مراسيلِ الحسنِ البصريِّ، كما رواهُ البيهقيُّ في " شعبِ الإيمانِ " في البابِ الحادي والسبعين منه. ومراسيلُ الحسن عندَهم شِبْهُ الريحِ. وكالحديثِ الموضوعِ: ((المَعِدةُ بيتُ الداءِ، والحِمْيَةُ رأسُ الدَّواءِ)) . فهذا من كلامِ بعضِ الأطباءِ، لا أصلَ له عن النبيِّ (.

ومن أقسامِ الموضوعِ: ما لم يُقْصَدْ وضعهُ، وإنّما وهمَ فيه بعضُ الرواةِ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: إنّهُ شبهُ الوضعِ، كحديثٍ رواهُ ابنُ ماجه، عن إسماعيلَ بنِ محمدَ الطَّلْحِيِّ، عن ثابتِ بنِ موسى الزاهدِ، عن شَرِيكٍ، عن الأعمشِ، عن أبي سُفيانَ، عن جابرٍ مرفوعاً: ((مَنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ باللَّيلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بالنَّهارِ)) . قال أبو حاتمٍ الرازيُّ: كتبتُهُ عن ثابتٍ فذكرتُهُ لابن نُميرٍ، فقال الشيخُ - يعني ثابتاً - لا بأسَ به. والحديثُ منكرٌ. قال أبو حاتمٍ: والحديثُ موضوعٌ. وقال الحاكمُ: دخلَ ثابتُ بنُ موسى على شَريكِ بنِ عبدِ اللهِ القاضي، والمُستملي بين يديهِ، وشريكٌ يقول: حدّثنا الأعمشُ، عن أبي سفيانَ، عن جابرِ، قال: قالَ رسول الله (: ولم يذكرِ المتْنَ. فلما نظرَ إلى ثابتِ بنِ موسى قالَ: ((مَنْ كثُرتْ صلاتُهُ بالليلِ حسُن وجههُ بالنهارِ)) وإنَّما أرادَ ثابتاً لزهدِهِ وورعِهِ، فظنَّ ثابتٌ أنّه رُوِيَ هذا الحديثُ مرفوعاً بهذا الإسنادِ، فكان ثابتٌ يحدّثُ به عن شريكٍ، عن الأعمشِ، عن أبي سفيانَ، عن جابرِ، وقالَ ابنُ حبّانَ: وهذا قولُ شريك. قالَهُ عَقِبَ حديثِ الأعمشِ، عن أبي سفيانَ، عن جابرِ: ((يَعْقِدُ الشيطانُ على قافيةِ رأسِ أحدِكم)) . فأدرجهُ ثابتٌ في الخبرِ، ثمَّ سَرَقَهُ منهجماعةٌ ضعفاءُ، وحدّثوا به عن شريكٍ؛ فعلى هَذَا هُوَ من أقسامِ المدرجِ.

وقالَ ابنُ عديٍّ: إنّهُ حديثٌ منكرٌ لا يُعرفُ إلا بثابتٍ، وسرقَهُ مِنْهُ من الضُّعفاء عبدُ الحميدِ بنُ بحرٍ، وعبدُ اللهِ بنُ شبرمةَ الشَّريكيُّ، وإسحاقُ بن بشرٍ الكَاهليُّ، وموسى بنُ محمدٍ أبو الطاهرِالمقدسيُّ. قَالَ: وحدّثنا بِهِ بعضُ الضِّعاف عن زحمويهِ، وكذب؛ فإنَّ زحمويهِ ثقةٌ. قَالَ وبلغني عن محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بن نميرٍ أنّهُ ذُكرَ لَهُ هَذَا الحديثُ، عن ثابتٍ، فَقَالَ: باطلٌ، شُبِّهَ عَلَى ثابتٍ؛ وذلكَ أنَّ شريكاً كان مَزَّاحاً، وكانَ ثابتٌ رجلاً صالحاً فيشبهُ أن يكونَ ثابتٌ دخلَ على شَرِيكٍ، وكان شريكٌ يقولُ: حدثنا الأعمشُ، عن أبي سفيانَ، عن جابرٍ، عن النبيِّ (، فالتفَتَ فرأى ثابتاً فقال يُمازِحُه: ((مَنْ كثُرت صلاتُهُ بالليلِ حسُن وجهُهُ بالنهارِ)) . فظنَّ ثابتٌ لغفلتِهِ أنَّ هذا الكلامَ الذي قالَهُ شريكٌ، هو متنُ الإسنادِ الذي قرأهُ فحملَهُ على ذلك. وإنَّما ذلك قولُ شريكٍ. وقال العقيليُّ: إنّهُ حديثٌ باطلٌ، ليس له أصلٌ ولا يتابعهُ عليه ثقةٌ. وقال عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ: كُلُّ مَنْ حَدَّثَ به عن شريكٍ، فهو غيرُ ثقةٍ. وقد قالَ ابنُ معينٍ في ثابتٍ هذا: إنّهُ كذَّابٌ. وقولُهُ: (وَهْلَةٌ) أي: غَفْلَةٌ. ومنه: قولُ عائشةَ رضي اللهُ عنها في الحديثِ الصحيحِ: ((إنَّهُ لم يكذبْ ولكنَّهُ وَهِلَ)) ، أي: ذهبَ وَهْمُهُ إلى ذلك.

239.... وَيُعْرَفُ الوَضْعُ بِالإقْرَارِ، وَمَا ... نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَرُبَّمَا 240.... يُعْرَفُ بِالرِّكَةِ، قُلْتُ: اسْتَشْكَلاَ ... (الثَّبَجِيُّ) القَطْعَ بِالوَضْعِ عَلَى 241.... مَا اعْتَرَفَ الوَاضِعُ، إذْ قَدْ يَكْذِبُ ... بَلَى نَرُدُّهُ، وَعَنْهُ نُضْرِبُ قال ابنُ الصلاحِ: وإنّما يُعرف كونُ الحديثِ موضوعاً، بإقرارِ واضعِهِ أو ما يتنزلُ منزلةَ إقرارِهِ. قال: وقد يفهمُونَ الوضعَ من قرينةِ حالِ الراوي، أو المروِيِّ فقد وُضِعتْ أحاديثُ طويلةٌ يشهدُ بوضعِها رَكاكةُ ألفاظِها ومَعانِيها. انتهى. وروينا عن الربيعِ بنِ خُثَيْمٍ قال: إنَّ للحديثِ ضَوْءاً كضَوْءِ النهارِ، تعرفُهُ؛ وظُلمةً كظلمةِ الليلِ تُنْكِرُهُ. قال ابنُ الجوزيِّ: واعلمْ أنَّ الحديثَ المُنكرَ يقشعرُّ له جلدُ الطالبِ. للعلمِ ويَنْفُرُ مِنْهُ قلبُهُ في الغالبِ. وَقَدْ استشكلَ ابنُ دقيقِ العيدِ الاعتمادَ عَلَى إقرارِ الرَّاوِي بالوضعِ. فَقَالَ: هَذَا كافٍ في رَدِّهِ لَكِنْ لَيْسَ بقاطعٍ في كونِهِ موضوعاً؛

المقلوب

لجوازِ أنْ يكذبَ في هذا الإقرارِ بعينِهِ. وهذا هو المعنيُّ بقولي: (استشكلَ الثَّبَجِي) ، وهو ابنُ دقيقِ العيدِ، وربّما كان يكتبُ هذهِ النسبةَ في خَطِّهِ، لأنّهُ ولد بثَبَجِ البحرِ بساحلِ يَنْبُعَ من الحِجازِ. ومنهُ الحديثُ الصحيحُ: ((يَرْكَبُوْنَ ثَبَجَ هذا البَحْرِ)) ، أي: ظَهْرَهُ، وقيلَ: وَسَطَهُ. المَقْلُوْبُ 242.... وَقَسَّمُوا المَقْلُوْبَ قِسْمَيْنِ إلى: ... مَا كَانَ مَشْهُوراً بِراوٍ أُبْدِلا 243.... بِواحدٍ نَظِيْرُهُ، كَيْ يُرْغَبَا ... فِيهِ، لِلاغْرَابِ إذا مَا اسْتُغْرِبَا أي: من أقسامِ الضعيفِ المقلوبُ، وهو قسمانِ: أحدُهما أنْ يكونَ الحديثُ مشهوراً براوٍ، فَجُعِلَ مكانَهُ راوٍ آخرُ في طبقتِهِ؛ ليصيرَ بذلك غريباً مرغوباً فيه. كحديثٍ مشهورٍ بسالمٍ، فجُعلَ مكانَهُ نافعٌ. وكحديثٍ مشهورٍ بمالكٍ فَجُعِلَ مكانَهُ عُبيدُ اللهِ بنُ عُمَرَ. ونحوِ ذلكَ.

وممَّنْ كانَ يفعلُ ذلك من الوضّاعينَ: حمّادُ بنُ عَمْرٍو النَّصِيْبِيُّ، وإسْماعيلُ بنُ أبي حَيَّة اليَسَعُ، وبَهْلُولُ بنُ عُبيدٍ الكِنْدِيُّ. مثالُهُ: حديثٌ رواهُ عمرُو بنُ خالدٍ الحرانيُّ، عن حمّادِ بنِ عمرٍو النَّصِيْبِيِّ، عن الأعمشِ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ مرفوعاً: ((إذا لَقِيتُم المشركينَ في طريقٍ، فلا تبدؤوهم بالسلامِ، ... الحديث)) . فهذا حديثٌ مقلوبٌ. قلبهُ حمّادُ بنُ عمرٍو - أحدُ المتروكينَ - فجعلَهُ عن الأعمشِ، وإنّما هو معروفٌ بسهيلِ بن أبي صالحٍ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ. هكذا رواهُ مسلمٌ في صحيحهِ من روايةِ شُعبةَ، والثوريِّ، وجريرِ بنِ عبدِ الحميدِ، وعبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ الدَّراوَرْدِيِّ، كلُّهم عن سُهَيْلٍ. قال أبو جعفرٍ العُقيليُّ: لا يحفَظُ هذا من حديثِ الأعمشِ، إنَّما هذا حديثُ سُهيلِ بنِ أبي صالحٍ، عن أبيهِ. ولهذا كَرِهَ أهلُ الحديثِ تتبُّعَ الغرائبِ، فإنهُ قلمّا يصحُّ منها، كما سيأتي في بابِهِ. 244.... وَمِنْهُ قَلْبُ سَنَدٍ لِمَتْنِ ... نَحْوُ: امْتِحَانِهِمْ إمَامَ الفَنِّ 245.... في مائَةٍ لَمَّا أتَى بَغْدَادَا ... فَرَدَّهَا، وَجَوَّدَ الإسْنَادَا هَذَا هُوَ القسمُ الثاني من قسمي المقلوبِ، وَهُوَ أنْ يُؤخذَ إسنادُ متنٍ، فيجعلَ عَلَى متنٍ آخرَ، ومتنُ هَذَا فيُجعل بإسنادٍ آخرَ. وهذا قَدْ يُقصَدُ بهِ أيضاً الإغرابُ؛ فيكونُ

ذلك كالوضعِ، وقد يُفعلُ اختباراً لحفظِ المحدِّثِ، وهذا يفعلُهُ أهلُ الحديثِ كثيراً، وفي جوازِهِ نظرٌ إلا أنّهُ إذا فعلَهُ أهلُ الحديثِ لا يستقرُّ حديثاً، وإنّما يقصدُ اختبارُ حفظِ المحدّثِ بذلك، أو اختبارِهِ، هل يقبل التَّلْقين، أم لا؟ وممَّنْ فعل ذلك شعبةُ وحمّادُ بنُ سلمةَ. وقد أنكرَ حَرَمِيُّ على شعبةَ لمّا حدَّثَهُ بهزٌ أنَّ شعبةَ قلبَ أحاديثَ على أبانَ بنِ أبي عيّاشٍ. فقال حَرَميٌّ: يا بئسَ ما صنعَ، وهذا يحِلُّ!. فمما فعلَهُ أهلُ الحديثِ للاختبارِ، قِصّتُهم مع البخاريِّ ببغدادَ. أخبرني محمدُ بنُ محمدِ بنِ إبراهيمَ المَيدُوميُّ، قال: أخبرنا أبو الفرجِ عبدُ اللطيفِ بنُ عبدِ المنعمِ بنُ عليٍّ الحرّانيُّ، قال: أخبرنا أبو الفرجِ عبدُ الرحمنِ بنُ عليِّ بنِ محمدِ بنُ الجوزيِّ الحافظُ قراءةً عليه وأنا أسمعُ ببغدادَ (ح) وأخبرني محمدُ بنُ إبراهيمَ بنُ محمدٍ البنانيُّ بقراءتي، واللفظُ لَهُ، قال: أخبرنا يوسفُ بنُ يعقوبَ الشيبانيُّ كتابةً، قال: أخبرنا أبو اليُمن الكنديُّ قالا: أخبرنا أبو منصورٍ القزّازُ، قال: أخبرنا الخطيبُ، قال: حدّثني محمدُ بنُ أبي الحسنِ السَّاحليُّ، قال: أخبرنا أحمدُ بنُ الحسنِ الرازيُّ، قال سمعتُ أبا أحمدَ بنَ عَدِيٍّ يقولُ: سمعتُ عِدَّةَ مشايخَ يحكُونَ: أنَّ محمدَ بنَ إسماعيلَ البخاريَّ قَدِمَ بغدادَ، فسمعَ به أصحابُ الحديثِ، فاجتمعوا وعَمَدوا إلى مائةِ حديثٍ فقلَبُوا متونَها، وأسانيدَها، وجعلوا مَتْنَ هذا الإسنادِ، لإسنادٍ آخرَ، وإسنادَ هذا المتنِ لمتنٍ آخرَ. ودفعوا إلى عَشَرةِ أنفُسٍ، إلى كُلِّ رجلٍ عَشَرةَ أحاديثَ، وأمرُوهم إذا حَضُروا المجلسَ يُلقُون ذلك على البخاريِّ، وأخذوا الموعدَ للمجلسِ، فحضرَ المجلسَ جماعةُ أصحابِ الحديثِ من الغرباءِ من أهل خُراسانَ، وغيرِهم، ومن البغداديينَ. فلما اطّمأنَّ المجلسُ بأهلِهِ انتدبَ إليه رجلٌ من العَشَرةِ، فسأله عن

حديثٍ من تلك الأحاديثِ، فقال البخاريُّ: لا أعرِفُهُ. فسأله عن آخرَ، فقال: لا أعرفُهُ. فما زالَ يُلقي عليهِ واحداً بعدَ واحدٍ حتى فرغَ من عَشَرَتِهِ، والبخاريُّ يقولُ: لا أعرفُهُ. فكان الفهماءُ ممَّنْ حضرَ المجلسَ يلتفتُ بعضُهم إلى بعضٍ. ويقولون: الرجلُ فَهِمَ، ومَنْ كان منهم غيرَ ذلكَ يقضي على البخاريِّ بالعَجْزِ والتَّقصِيرِ وقِلّةِ الفَهْمِ، ثم انتدبَ رجلٌ آخرُ من العَشَرَةِ، وسألَهُ عن حديثٍ من تلك الأحاديثِ المقلوبة، فقال البخاريُّ: لا أعرفُهُ. فسألهُ عن آخرَ، فقال: لا أعرفُهُ. فسألهُ عن آخرَ، فقالَ: لا أعرفُهُ. فلم يزلْ يُلقي عليه واحداً بعدَ آخرَ، حتى فرغَ من عَشَرَتِهِ، والبخاريُّ يقولُ: لا أعرفُهُ. ثم انتدبَ له الثالثُ والرابعُ إلى تمام العَشَرةِ، حتى فرغُوا كلُّهم من الأحاديثِ المقلوبةِ، والبخاريُّ لا يَزِيدُهم على لا أعرفُه، فلمَّا عَلِمَ البخاريُّ أنَّهم قد فرغوا التفتَ إلى الأولِ منهم، فقال: أمّا حديثُكَ الأولُ فهو كذا، وحديثُكَ الثاني فهو كذا، والثالثُ والرابعُ على الولاءِ، حتى أتى على تمامِ العَشَرَةِ، فردَّ كلَّ متنٍ إلى إسنادِهِ، وكلَّ إسنادٍ إلى متنِهِ. وفعلَ بالآخرينَ مثلَ ذلكَ، وردَّ متونَ الأحاديثِ كُلِّها إلى أسانِيدِها، وأسانيدَها إلى متونِها، فأقرَّ له الناسُ بالحفظِ وأَذْعَنُوا له بالفضلِ. 246.... وَقَلْبُ مَا لَمْ يَقْصِدِ الرُّوَاةُ ... نَحْوُ: (إذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ ... ) 247.... حَدَّثَهُ -في مَجْلِسِ البُنَاني- ... حَجَّاجٌ، اعْنِي: ابْنَ أبي عُثمَانِ 248.... فَظَنَّهُ -عَنْ ثَابِتٍ- جَرِيْرُ، ... بَيَّنَهُ حَمَّادٌ الضَّرِيْرُ أيْ: ومن أقسامِ المقلوبِ: ما انقلبَ على راويهِ، ولم يقصدْ قلبَهُ. مثالُهُ: حديثٌ رواهُ جريرُ بنُ حازمٍ، عن ثابتٍ البُنانيِّ، عن أنسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فلا تَقُومُوا حتى تَرَوْني)) . فهذا حديثٌ انقلبَ إسنادهُ على جريرِ بنِ حازمٍ. وهذا الحديثُ مشهورٌ ليحيى بن أبي كَثِيرٍ عن عبدِ اللهِ بنِ أبي قَتَادةَ، عن أبيهِ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

هكذا رواهُ الأئمّةُ الخمسةُ من طرقٍ عن يحيى. وهو عند مسلمٍ والنسائيِّ من روايةِ حجّاج بنِ أبي عثمانَ الصَّوَّافِّ، عن يحيى. وجريرٌ إنّما سمعَهُ من حَجَّاجِ بن أبي عثمانَ الصوّافِ، فانقلبَ عليهِ. وقد بَيَّنَ ذلك حمّادُ بنُ زيدٍ فيما رواهُ أبو داودَ في " المراسيلِ " عن أحمدَ بنِ صالحٍ، عن يحيى بنِ حسَّانَ، عن حمّادِ بنِ زيدٍ قال: كنتُ أنا وجريرُ بنُ حازمٍ عند ثابتٍ البُنانيِّ، فحدّثَ حجّاجُ بنُ أبي عثمانَ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ أبي قتادةَ، عن أبيهِ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكَرَهُ. فظنَّ جريرٌ أنّهُ إنّما حَدَّثَ به ثابتٌ، عن أنسٍ. وهكذا قالَ إسحاقُ بنُ عيسى الطَّبَّاعُ: حدّثنا جريرُ بنُ حازمٍ بهذا، فأتيتُ حمّادَ بنَ زيدٍ فسأْلتُهُ عن الحديثِ، فقال: وَهِمَ أبو النَّضْرِ - يعني: جريرُ بنُ حازمٍ - إنّما كُنَّا جميعاً في مجلسِ ثابتٍ البنانيِّ، فذكرَ نَحْوَ ما تقدّمَ.

تنبيهات

تَنْبِيْهَاْتٌ 249.... وَإنْ تَجِدْ مَتْنَاً ضَعِيْفَ السَّنَدِ ... فَقُلْ: ضَعِيْفٌ، أيْ: بِهَذَا فَاقْصِدِ 250.... وَلاَ تُضَعِّفْ مُطْلَقَاً بِنَاءا ... عَلَى الطَّرِيْقِ، إذْ لَعَلَّ جَاءا 251.... بِسَنَدٍ مُجَوَّدٍ، بَلْ يَقِفُ ... ذَاكَ عَلَى حُكْمِ إمَامٍ يَصِفُ 252.... بَيَانَ ضَعْفِهِ، فَإنْ أطْلَقَهُ ... فَالشَّيْخُ فِيما بَعْدَهُ حَقَّقَهُ إذا وَجدْتَ حديثاً بإسنادٍ ضعيفٍ، فلكَ أنْ تقولَ: هذا ضعيفٌ، وتعني بذلكَ: الإسنادَ. وليسَ لكَ أنْ تعني بذلك ضَعْفَهُ مطلقاً، بناءً على ضَعْفِ ذلك الطريقِ؛ إذ لعلَّ له إسناداً آخرَ صحيحاً، يثبُتُ بمثلِهِ الحديثُ، بل يقفُ جوازُ إطلاقِ ضَعْفِهِ على حكمِ إمامٍ من أئمةِ الحديثِ، بأنّهُ ليس لَهُ إسنادٌ يثبتُ به، مع وصفِ ذلكَ الإمامِ لبيانِ وجهِ الضَّعْفِ مُفسَّراً، فإنْ أطلقَ ذلكَ الإمامُ ضَعْفَهُ ولم يفسِّرْهُ ففيهِ كلامٌ ذكرَهُ الشيخُ بعد هذا، في النوعِ الثالثِ والعشرينَ من كتابهِ، وسيأتي بعدَ هذا بتسعةَ عشرَ بيتاً. 253.... وَإنْ تُرِدْ نَقْلاً لِوَاهٍ، أوْ لِمَا ... يُشَكُّ فِيهِ لاَ بِإسْنَادِهِمَا 254.... فَأتِ بِتَمْرِيضٍ ك‍ (يُرْوَى) ، وَاجْزِمِ ... بِنَقْلِ مَا صَحَّ كـ (قَالَ) فَاعْلَمِ أي إذا أردتَ نقلَ حديثٍ ضعيفٍ، أو ما يُشكُّ في صحتِهِ وضعفِهِ يغيرِ إسنادٍ،

فَلاَ تذكرْهُ بصيغةِ الجزمِ، كقالَ وفعلَ، ونحوِ ذَلِكَ. وأتِ بِهِ بصيغةِ التمريضِ، كيُرْوى، ورُوي، ووردَ، وجاءَ، وبلغنا، وروى بعضُهم، ونحوِ ذَلِكَ. أمّا إذا نقلتَ حديثاً صحيحاً بغيرِ إسنادٍ فاذكرْهُ بصيغةِ الجزمِ، كقالَ، ونحوِها. 255.... وَسَهَّلُوا في غَيْرِ مَوْضُوْعٍ رَوَوْا ... مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ لِضَعْفٍ، وَرَأوْا 256.... بَيَانَهُ في الحُكْمِ وَالعَقَائِدِ ... عَنِ (ابنِ مَهْدِيٍّ) وَغَيْرِ وَاحِدِ تقدّمَ أنَّهُ لا يجوزُ ذكرُ الموضوعِ إلاّ مَعَ البيانِ، في أيِّ نوعٍ كانَ. وأمّا غيرُ الموضوعِ فجوّزوا التساهُل في إسنادِهِ وروايتِهِ من غيرِ بيانٍ لضَعْفِهِ إذا كانَ في غيرِ الأحكامِ والعقائدِ. بلْ في الترغيبِ والترهيبِ، من المواعظِ والقصصِ، وفضائلِ الأعمالِ، ونحوِها. أما إذا كانَ في الأحكامِ الشرعيةِ من الحلالِ والحرامِ وغيرِهما، أو في العقائدِ كصفاتِ اللهِ تَعَالَى، وما يجوزُ ويستحيلُ عَلَيْهِ، ونحوِ ذلكَ. فَلَمْ يَرَوا التساهلَ في ذَلِكَ. وممَّنْ نصَّ عَلَى ذَلِكَ من الأئمةِ عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وعبدُ اللهِ بنُ المباركِ، وغيرُهُمْ. وقدْ عقدَ ابنُ عديٍّ في مقدّمةِ " الكاملِ "، والخطيبُ في " الكفايةِ " باباً لذلكَ. فقولي: (عَنِ ابنِ مَهْدِيٍّ) ، خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، أي: هذا عن ابنِ مهديٍّ.

معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

مَعْرِفَةُ صِفَةِ مَنْ تُقَبَلُ رِوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ 257.... أَجْمَعَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الأَثَرْ ... وَالْفِقْهِ فِي قَبُوْلِ نَاقِلِ الْخَبَرْ 258.... بِأنْ يَكُوْنَ ضَابِطاً مُعَدَّلاَ ... أيْ: يَقِظاً، وَلَمْ يَكُنْ مُغَفَّلاَ 259.... يَحْفَظُ إنْ حَدَّثَ حِفْظاً، يَحْوِيْ ... كِتَابَهُ إِنْ كَانَ مِنْهُ يَرْوِيْ 260.... يَعْلَمُ مَا فِي الَّلَفْظِ مِنْ إحِالَهْ ... إنْ يَرْوِ بالْمَعْنَى، وَفِي الْعَدَالَهْ 261.... بِأنْ يَكُوْنَ مُسْلِمَاً ذَا عَقْلِ ... قَدْ بَلَغَ الْحُلْمَ سَلِيْمَ الفِعْلِ 262.... مِنْ فِسْقٍ اوْ خَرْمِ مُرُوْءةٍ وَمَنْ ... زَكَّاهُ عَدلاَنِ، فَعَدْلٌ مُؤْتَمَنْ 263.... وَصُحِّحَ اكْتِفَاؤُهُمْ بِالْوَاحِدِ ... جَرْحَاً وَتَعْدِيْلاً خِلاَفَ الشَّاهِدِ قالَ ابنُ الصلاحِ: أجمعَ جماهيرُ أئمّةِ الحديثِ والفقهِ، على أنَّهُ يشترطُ فيمَنْ يُحْتَجُّ برِوَايَتِهِ أنْ يكونَ عدلاً ضابطاً لما يرويِهِ، ثمَّ فَصَّلَ شروطَ العدالةِ، ثُمَّ شروطَ الضبطِ. وقَدَّمْتُ شروطَ الضبطِ على العدالةِ؛ لتقدمِ الضبطِ في النَّظْمِ.

، بيان لشروط العدالة،

فقولي: (أي: يقظاً) ، إلى قولي: (وفي العدالةِ) ، تفسيرٌ للضبطِ؛ ويَقُِظَ - بضمِ القافِ وكسرِها - لغتانِ، حكاهما الجوهريُّ وغيرُهُ. وقولي: (يحوي كتابَهُ) ، أي: يحتوي عليه، ويحفظُهُ من التبديلِ والتغييرِ. وقد نصَّ الشافعيُّ على اعتبارِ هذهِ الأوصافِ فيمَنْ يحتجُّ بخبرِهِ، فقالَ في كتابِ " الرسالةِ " التي أرسلَ بها إلى عبدِ الرحمنِ بنِ مهديٍّ: لا تقومُ الحجةُ بخبرِ الخاصّةِ حتّى يَجمعَ أموراً منها: أنْ يكونَ مَنْ حَدَّثَ به ثقةً في دينِهِ، معروفاً بالصدقِ في حديثِهِ، عاقِلاً لما يُحدِّثُ به، عالِماً بما يُحِيلُ مَعانِيَ الحديثِ من اللفظِ، أو يكونَ ممَّنْ يُؤَدِّي الحديثَ بحروفِهِ، كما سمعَهُ، لا يُحدِّثُ به على المعنى؛ لأنَّهُ إذا حدَّثَ به على المعنى، وهو غيرُ عالمٍ بما يحيلُ معناهُ، لم يَدْرِ لعلَّهُ يُحيلُ الحلالَ إلى الحرامِ. وإذا أدَّاهُ بحروفِهِ فلم يَبْقَ وجهٌ يُخافُ فيه إحالتُهُ الحديثَ، حافظاً إنْ حدَّثَ مِنْ حفظِهِ، حافظاً لكتابِهِ إنْ حدَّثَ مِن كتابِهِ، إذا شَرِكَ أهلَ الحفظِ في الحديثِ وافَقَ حديثَهُم، بريئاً من أنْ يكونَ مُدلِّساً، يُحَدِّثُ عمَّنْ لقيَ ما لم يَسْمَعْ منه، ويحدِّثُ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما يُحدِّثُ الثقاتُ خلافَهُ، ويكونُ هكذا مَنْ فوقَه ممَّنْ حدَّثَهُ، حتى يُنْتهَى بالحديثِ موصُولاً إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو إلى مَنْ انْتُهيَ بهِ إليهِ دونَهُ؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منهم مُثبِّتٌ مَنْ حَدَّثَهُ ومُثْبِتٌ على مَن حَدَّثَ عنه، فلا يُسْتغنَى في كلِّ واحدٍ منهم عمّا وصفْتُ انتهى كلامُ الشافعيِّ - رضي الله عنه - وقولي وفي العدالةِ، إلى آخر قولي أو خرم مروءة، بيانٌ لشروطِ العدالةِ، وهي خمسةٌ الإسلامُ، والبلوغُ، والعقلُ، والسلامةُ من الفسق وهو ارتكابُ كبيرةٍ، أو إصرارٌ على صغيرةٍ والسلامةُ ممّا يخرمُ المروءة، ولم نذكرْ في شروطِها الحريةَ، وإنْ ذكرَه الفقهاءُ في الشهاداتِ؛ لأنَّ العبدَ مقبولُ الروايةِ

، بيان لما تثبت به العدالة.

بالشروطِ المذكورةِ بالإجماعِ، كما حكاه الخطيبُ بخلافِ الشهادةِ على أنَّ جماعةً من السلفِ أجازوا شهادةَ العبدِ العدلِ وإنْ كان الجمهورُ على خلافِ ذلك وهذا مما تفترقُ فيه الروايةُ والشهادةُ، كما ذكرهُ القاضي أبو بكرٍ وغيرُهُ فهذهِ إذاً شروطُ العدالةِ في الروايةِ. ومَنْ يقبلُ أيضاً روايةَ الصبيِّ المميِّزِ الموثوقِ به، لم يشترطِ البلوغَ. وفي المسألةِ وجهانِ حكاهما البغويُّ والإمامُ وتَبِعهَما الرَّافعيُّ، إلا أنّهُ قيَّدَ الوجهينِ في التيمُّمِ بالمُراهِقِ، وصحَّحَ عدمَ القبولِ، وتَبِعَهُ عليه النوويُّ، وقيَّدَهُ في استقبالِ القبلةِ بالمميِّزِ، وحكى عن الأكثرين عدمَ القبولِ. وحكى النوويُّ في "شرحِ المهذَّبِ" عن الجمهورِ قبولَ أخبارِ الصبيِّ المميِّزِ فيما طريقُهُ المشاهدةُ بخلافِ ما طريقُهُ النقلُ، كالافتاءِ، وروايةِ الأخبارِ، ونحوهِ وسبقَهُ إلى ذلك المُتَولِّي فتبعَهُ، واللهُ أعلمُ. وقولي ومَنْ زَكَّاهُ عدلانِ، إلى آخرهِ، بيانٌ لما تثبتُ به العدالةُ فمما تثبتُ به تنصيصُ معدّلِينَ على عدالتِهِ، كما في الشهادةِ واختلفوا هل تثبتُ العدالةُ والجرحُ بالنسبةِ إلى الروايةِ بتعديلِ عدلٍ واحدٍ وجَرحِه، أو لا يثبتُ ذلك إلا باثنينِ، كما في الجرحِ والتعديلِ في الشهادات؛ على قولينِ وإذا جُمعتِ الروايةُ مع الشهادةِ صارَ في المسألةِ ثلاثةُ أقوالٍ

تعديل المرأة العدل، والعبد العدل.

أحدُها أنّهُ لا يقبلُ في التزكيةِ إلا رجلانِ، سواءٌ التزكيةُ للشهادةِ والروايةِ وهو الذي حكاهُ القاضي أبو بكرٍ الباقلانيُّ عن أكثرِ الفقهاءِ من أهلِ المدينةِ وغيرِهم والثاني الاكتفاءُ بواحدٍ في الشهادةِ والرواية معاً، وهو اختيارُ القاضي أبي بكرٍ المذكورِ؛ لأنَّ التزكيةَ بمثابةِ الخبرِ قال القاضي والذي يوجبُهُ القياسُ وجوبُ قَبولِ تزكيةِ كُلِّ عدلٍ مَرْضِيٍّ، ذكرٍ، أو أنثى، حرٍّ أو عبدٍ، لشاهدٍ ومُخبِرٍ والثالثُ التفرقةُ بين الشهادةِ والروايةِ، فيشترطُ اثنانِ في الشهادةِ ويُكتفى بواحدٍ في الروايةِ ورجَّحَهُ الإمامُ فخرُ الدينِ، والسيفُ الآمديُّ ونقلَهُ عن الأكثرينَ وكذلك نقلَهُ أبو عمرٍو بنُ الحاجبِعن الأكثرينَ، وهو مخالفٌ لما نقلهُ القاضي عنهم قال ابنُ الصلاحِ والصحيحُ الذي اختارهُ الخطيبُ وغيرُهُ أنَّهُ يثبتُ في الروايةِ بواحدٍ؛ لأنَّ العددَ لَمْ يُشترطْ في قبولِ الخبرِ، فَلَمْ يشترطْ في جرحِ راويهِ وتعديلهِ بخلافِ الشهاداتِ وقولي بالواحدِ أي بالعدلِ الواحدِ، فيدخلُ فيه تعديلُ المرأةِ العدلِ، والعبدِ العدلِ وقد اختلفوا في تعديلِ المرأةِ، فحكى القاضي أبو بكرٍ عن أكثرِ الفقهاءِ من أهلِ المدينةِ وغيرِهم أنّهُ لا يقبلُ في التعديلِ النساءُ، لا في الروايةِ، ولا في الشهادةِ واختار القاضي أنّهُ يُقبلُ تزكيةُ المرأةِ مطلقاً في الروايةِ والشهادةِ؛ إلا تزكيتُها في الحكمِ الَّذِي لا

تزكية العبد،

تُقبلُ شهادتُها فِيْهِ وأطلق صاحبُ المحصولِ وغيرُهُ قبولَ تزكيةِ المرأةِ من غيرِ تقييدٍ بما ذكرهُ القاضي وأما تزكيةُ العبدِ، فقال القاضي أبو بكرٍ إنَّهُ يجبُ قبولُها في الخبرِ دونَ الشهادةِ؛ لأنَّ خبَرهُ مقبولٌ، وشهادَتَهُ مردودةٌ قَالَ والذي يوجبُهُ القياسُ وجوبُ قَبولِ تزكيةِ كلِّ عدلٍ مَرْضِيٍّ، ذكرٍ، أو أنثى، حرٍّ، أو عبدٍ لشاهدٍ ومُخِبرٍ وهذا ما صرَّحَ بِهِ صاحبُ المحصولِ وغيرُهُ قَالَ الخطيبُ في الكفايةِ الأصلُ في هَذَا البابِ سؤالُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيرَةَ في قِصَّةِ الإفْكِ عن حالِ عائشةَ أمِّ المؤمنينَ، وجوابُها لَهُ ... وَصَحَّحُوا استِغْنَاءَ ذِي الشُّهْرَةِ عَنْ ... تَزكِيَةٍ، كـ (مَالكٍ) نَجْمِ السُّنَنْ 265.... و (لابنِ عَبْدِ البَرِّ) كُلُّ مَنْ عُنِي ... بِحَمْلِهِ العِلْمَ وَلَمْ يُوَهَّنِ ... فَإنَّهُ عَدْلٌ بِقَوْلِ المُصْطَفَى ... (يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ) لكِنْ خُوْلِفَا أي: وممَّا تثبتُ به العدالةُ: الاستفاضةُ والشهرةُ. فمن اشتهرتْ عدالتُهُ بين أهلِ النقلِ، أو نحوِهم من أهلِ العلمِ، وشاعَ الثناءُ عليه بالثقةِ والأمانةِ استُغنيَ فيه بذلك عن بينةٍ شاهدةٍ بعدالتهِ تنصيصاً. قالَ ابنُ الصَّلاحِ: وهذا هو الصحيحُ في مذهبِ الشافعيِّ، وَعَلَيْهِ الاعتمادُ في أصولِ الفقهِ. وممَّنْ ذكرَهُ من أهلِ الحديثِ؛ الخطيبُ، وَمَّثلَ ذلك بمالكٍ، وشعبةَ،

والسفيانَيْنِ، والأوزاعيِّ، والليثِ، وابنِ المباركِ، ووكيعٍ، وأحمدَ، وابنِ معينٍ، وابنِ المدينيِّ، ومَنْ جرى مجراهم في نَباهةِ الذكرِ واستقامة الأمرِ، فلا يُسألُ عن عدالةِ هؤلاءِ، وأمثالهِمِ، وإنّما يُسأل عن عدالةِ مَنْ خَفِيَ أمرُهُ على الطالبينَ. انتهى. وقد سُئِلَ أحمدُ بنُ حنبلٍ عن إسحاقَ بنِ راهويهِ، فقال: مثلُ إسحاقَ يُسألُ عنه؟! وسُئِلَ ابنُ معينٍ عن أبي عُبيدٍ، فقال: مثلي يُسألُ عن أبي عبيد؟! أبو عُبيدٍ يُسألُ عن الناسِ. وقال القاضي أبو بكرٍ الباقلانيُّ: الشاهدُ والمُخبِرُ إنمّا يحتاجانِ إلى التزكيةِ متى لم يكونا مشهورينِ بالعدالةِ والرِّضا، وكان أمرُهما مُشْكِلاً مُلتبِسَاً، ومُجوَّزاً فيه العدالةُ وغيرُها. قال: والدليلُ على ذلك أنَّ العلمَ بظهورِ سِتْرِهما. واشتهارُ عدالتهِما أقوى في النفوسِ من تعديلِ واحدٍ واثنينِ يجوز عليهما الكذبُ والمحاباةُ في تعديلِهِ، وأغراضٌ داعيةٌ لهما إلى وصفِهِ بغيرِ صفتِهِ، إلى آخركلامِهِ. وقولي في وصف مالكٍ: (نجمِ السننِ) ، اقتداءٌ بالشافعيِّ حيث يقولُ: إذا ذُكِرَ الأثرُ فمالكٌ النَّجْمُ. وقالَ ابنُ عبد البرِّ: كلُّ حاملِ علمٍ معروفِ العِنايةِ به، فهو عدلٌ محمولٌ في أمرهِ أبداً على العدالةِ، حتى يتبينَ جَرْحُهُ. واستدلَّ على ذلك بحديثٍ

رواهُ من طريقِ أبي جعفرٍ العُقيليِّ من روايةِ مُعَان بنِ رِفَاعةَ السَّلاَميِّ، عن إبراهيمَ بنِ عبدِ الرحمنِ العُذريِّ، قال: قال النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((يَحْمِلُ هذا العِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عنه تحريفَ الغالينَ، وانتحالَ المُبْطِلينَ، وتأويلَ الجاهلينَ)) . أوردَهُ العُقيليُّ في "الضُّعفاءِ" في ترجمةِ مُعَانِ بنِ رِفَاعةَ، وقال: لا يُعرفُ إلا به. ورواهُ ابنُ أبي حاتِمٍ في مقدّمةِ " الجرحِ والتعديلِ "، وابنِ عَدِيٍّ في مقدّمةِ " الكاملِ "، وهو مرسلٌ أو معضلٌ ضعيفٌ. وإبراهيمُ الذي أرسلَهُ قالَ فيه ابنُ القطّانِ: لا نعرفُهُ البتةَ في شيءٍ من العلمِ غيرَ هذا. وفي كتاب " العلل " للخَلاَّلِ: أنَّ أحمدَ سُئلَ عن هذا الحديثِ، فقيلَ له: كأنَّهُ كلامٌ موضوعٌ؟ فقالَ: لا. هُوَ صحيحٌ. فقيل لَهُ: ممَّنْ سمعتُهُ؟ قال: من غيرِ واحدٍ. قيل له: مَنْ هُم؟ قال: حدّثني به مِسْكِينٌ، إلاّ أنّهُ يقولُ عن مُعَانٍ، عن القاسمِ

بنِ عبدِ الرحمنِ، قال أحمدُ: ومُعَانٌ لا بأسَ بهِ. ووثَّقَهُ ابنُ المدينيِّ أيضاً. قال ابنُ القطّان: وخَفِيَ على أحمدَ من أمرهِ ما علمَهُ غيرُهُ، ثم ذكرَ تضعيفَهُ عن ابنِ معينٍ وأبي حاتِمٍ، والسَّعْديِّ وابنِ عَدِيٍّ، وابن حبانَ. انتهى. وقد وردَ هذا الحديثُ مرفوعاً مسنداً من حديثِ أبي هريرةَ، وعبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وعليِّ بنِ أبي طالبٍ، وابنِ عُمرَ، وأبي أُمامةَ، وجابرِ بنِ سَمُرةَ - رضي الله عنهم -.

وكلُّها ضعيفةٌ. قال ابنُ عَدِيٍّ: ورواهُ الثقاتُ عن الوليدِ بنِ مسلمٍ، عن إبراهيمَ بنِ عبدِ الرحمنِ العذريِّ، قال: حدّثنا الثقةُ من أصحابِنا أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فذَكَرَهُ. وممَّنْ وافقَ ابنَ عبدِ البرِّ على قولِهِ هذا من المتأخّرينَ: أبو عبدِ اللهِ بنُ الموَّاقِ، فقال في كتابِهِ " بُغيةِ النُّقادِ ": وأهلُ العلمِ محمولونَ على العدالةِ حتى يظهرَ منهم خلافُ ذلكَ. وقولُهُ: (لكنْ خُولفا) ، أي: خُولفَ ابنُ عبدِ البرِّ في اختيارِهِ هذا وفي استدلالهِ بهذا الحديثِ، أما اختيارُهُ فقالَ ابنُ الصلاحِ: فيما قالَهُ اتّساعٌ غيرُ مَرْضِيٍّ. وأما استدلالُهُ بهذا الحديثِ، فلا يصحُّ من وجهينِ:

ضبط الراوي،

أحدُهما: إرسالُهُ وضعفُهُ. والثاني: أنَّهُ إنّما يصحُّ الاستدلالُ بهِ، أنْ لو كان خبراً، ولا يصحُّ حملُهُ على الخبرِ لوجودِ من يحملُ العلمَ، وهو غيرُ عدلٍ، وغيرُ ثقةٍ، فلم يبقَ له محملٌ إلا على الأمرِ. ومعناهُ أنّهُ أمرَ الثِّقاتِ بحملِ العلمِ؛ لأنَّ العلمَ إنّما يُقبلُ عن الثقاتِ. والدليلُ عَلَى أنّه للأمرِ: أنَّ في بعضِ طُرقِ أبي حاتِمٍ: ((لِيحْمِلْ هَذَا العلمَ)) ، بلامٍ للأمْرِ. 267.... وَمَنْ يُوَافِقْ غَالِباً ذا الضَّبْطِ ... فَضَابِطٌ، أوْ نَادِراً فَمُخْطِيْ لمّا تقدّمَ أنهُ لا يقبلُ إلاّ العدلُ الضابطُ، احتيجَ أنْ يذكرَ ما الذي يُعرفُ به ضبطُ الراوي، وذلك بأنْ يُعتبَرَ حديثُهُ بحديثِ الثقاتِ الضابطينَ، فإنْ وافقَهم في روايِتهم في اللفظِ، أو في المعنى، ولو في الغالبِ، عرفنا حينئذٍ كونَهُ ضابطاً، وإن كانَ الغالبُ على حديثِهِ المخالفةَ لهم، وإنْ وافقَهم فنادرٌ، عرفنا حينئذٍ خطأهُ، وعدمَ ضبطِهِ، ولم يحتَجَّ بحديثِهِ 268.... وَصَحَّحُوا قَبُوْلَ تَعْدِيْلٍ بِلاَ ... ذِكْرٍ لأسْبَابٍ لَهُ، أنْ تَثْقُلاَ 269.... وَلَمْ يَرَوْا قَبُوْلَ جَرْحٍ أُبْهِمَا؛ ... لِلْخُلْفِ في أسبَابِهِ، وَرُبَّمَا 270.... اسْتُفْسِرَ الجَرْحُ فَلَمْ يَقْدَحْ، كَمَا ... فَسَّرَهُ (شُعْبَةُ) بِالرَّكْضِ، فَمَا 271.... هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ الأثَرْ ... كـ (شَيْخَيِ الصَّحِيْحِ) مَعْ أهْلِ النَّظَرْ اختُلِفَ في التعديلِ والجرحِ، هل يقبلانِ، أو أحدُهما من غيرِ ذكرِ أسبابِهِما، أم لا يقبلانِ إلاّ مُفسّرَينِ؟ على أربعةِ أقوالٍ:

الأولُ: وهو الصحيحُ المشهورُ: التفرقةُ بين التعديلِ والجرحِ، فيقبلُ التعديلُ من غيرِ ذكرِ سببِهِ؛ لأنَّ أسبابَهُ كثيرةٌ، فتثقلُ ويشُقُّ ذكرُها؛ لأنَّ ذلكَ يُحوِجُ المُعدِّلَ إلى أنْ يقولَ ليسَ يفعلُ كذا ولا كذا، وَيَعُدُّ ما يجبُ عليه تركُهُ. ويفعلُ كذا وكذا، فيعدُّ ما يجبُ عليه فِعْلُهُ. فيشقُّ ذلك، ويطُولُ تفصيلُهُ. وأما الجرحُ فإنَّهُ لا يُقبلُ إلا مفسَّراً مُبَيَّنَ السببِ؛ لأنَّ الجرحَ يحصلُ بأمرٍ واحدٍ، فلا يشقُّ ذِكْرُهُ؛ ولأنَّ الناسَ مختلفونَ في أسبابِ الجرحِ. فيطلقُ أحدُهم الجرحَ بناءً على ما اعتقدَهُ جرحاً، وليس بجرحٍ في نفسِ الأمرِ، فلا بدَّ من بيانِ سببِهِ، ليَظْهرَ أهو قادحٌ أم لا؟ ويدلُّ على أنَّ الجرحَ لا يُقبلُ غيرَ مُفَسَّرٍ، أنّهُ ربَّما استُفْسِرَ الجارحُ، فذكرَ ما ليس بجرحٍ. فقد روى الخطيبُ بإسنادِهِ إلى محمدِ بنِ جعفرٍ المدائنيِّ، قال: قيل لشعبةَ: لِمَ تركتَ حديثَ فلانٍ؟ قَالَ: رأيتُهُ يركُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ، فتركتُ حديثَهُ. وقولي في آخرِ البيتِ: (فما) ، أي: فماذا يلزمُ من ركضِهِ على برذونٍ. وروى بنُ أبي حاتِمٍ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، قالَ: أتى شعبةُ المِنْهالَ بنَ عمرٍو، فسمِعَ صوتاً

فترَكَهُ. قال بنُ أبي حاتِمٍ: سمعتُ أبي يقولُ: يعني أنّهُ سَمِعَ قراءةً بألحانٍ فكَرِهَ السماعَ منه من أجلِ ذلك. هكذا قالَ أبو حاتِمٍ في تفسيرِ الصوتِ. وقد روى الخطيبُ بإسنادِهِ إلى وَهْبِ بنِ جريرٍ، قالَ: قالَ شعبةُ: أتيتُ منزلَ المِنْهالِ بنِ عَمْرٍو فسمعتُ منه صوتَ الطُّنْبُورِ، فرجعتُ. فقيلَ له: فهلاَّ سألتَ عنه أنْ لا يَعْلَمَ هو. وروينا عن شعبةَ قال: قلتُ للحكمِ بنِ عُتَيْبةَ: لِمَ لَمْ تروِ عن زَاذانَ؟ قال: كانَ كثيرَ الكلامِ. وقال محمدُ بنُ حُميدٍ الرازيُّ: حدّثنا جريرٌ قال: رأيتُ سِمَاكَ بنَ حَرْبٍ يبولُ قائماً، فلم أكتبْ عنه. وقد عقدَ الخطيبُ لهذا باباً في " الكفاية ". والقولُ الثاني: عكسُ القولِ الأولِ، أنّهُ يجبُ بيانُ سببِ العدالةِ، ولا يجبُ بيانُ سببِ الجرحِ؛ لأنَّ أسبابَ العدالةِ يكثرُ التَّصنُّعُ فِيْهَا، فيبني المُعدِّلُونَ عَلَى الظاهرِ. حكاهُ صاحبُ " المحصولِ "، وغيرُهُ. ونقلَهُ إمامُ الحرمينِ في " البرهانِ "، والغزاليُّ في

" المنخولِ " تَبَعاً له؛ عن القاضي أبي بكرٍ. والظاهرُ أنّهُ وَهْمٌ منهما، والمعروفُ عنه أنّهُ لا يجبُ ذكرُ أسبابِهِما معاً، كما سيأتي. والقولُ الثالثُ: أنَّهُ لابدَّ من ذكرِ أسبابِ العدالةِ والجرحِ معاً. حكاهُ الخطيبُ، والأصوليونَ، قالوا: وكما قد يجرحُ الجارحُ بما لا يَقْدحُ، كذلك قد يوثّقُ المُعَدِّلُ بما لا يقتضي العدالةَ. كما روى يعقوبُ الفَسَويُّ في " تاريخه "، قال: سمعتُ إنساناً يقولُ لأحمدَ بنِ يونسَ: عبدُ اللهِ العمريُّ ضعيفٌ. قال: إنّما يضعّفُهُ رافضيٌّ مبغِضٌ لآبائِهِ، لو رأيتَ لحيتَهُ، وخِضابَهُ، وهيئتَهُ؛ لعرفتَ أنّهُ ثقةٌ. فاستدلَّ أحمدُ بنُ يونسَ على ثقتِهِ بما ليسَ بحجّة، لأنَّ حُسنَ الهيئةِ يشتركُ فيه العَدْلُ والمجروحُ. والقولُ الرابعُ: عكسُهُ: أنّهُ لا يجبُ ذكرُ سببٍ واحدٍ منهما، إذا كانَ الجارحُ والمعدِّلُ عالماً بصيراً. وهو اختيارُ القاضي أبي بكرٍ، ونقلَهُ عن الجمهورِ فقال: قالَ الجمهورُ من أهلِ العلمِ: إذا جَرَحَ مَنْ لا يعرفُ الجَرْحَ، يجبُ الكشفُ عن ذلكَ. ولم يوجبوا ذلك على أهلِ العلمِ بهذا الشأنِ. قال: والذي يقوِّي عندنا تركُ الكشفِ عن ذلك، إذا كان الجارحُ عالماً، كما لا يجبُ استفسارُ المعدِّلِ عمّا بهِ صارَ عندَهُ المزكّى عدلاً، إلى آخرِ كلامِهِ. وممَّن حكاهُ عن القاضي أبي بكرٍ، الغزاليُّ في "المستصفى" خلافَ ما حكاهُ عنه في " المنخولِ ". وما ذَكَرَهُ عنه في " المستصفى " هو الذي حكاهُ صاحبُ " المحصولِ "، والآمديُّ، وهو المعروفُ عن القاضي، كما رواهُ

عنه الخطيبُ في " الكفايةِ ". والقولُ الأولُ هو الذي نصَّ عليه الشافعيُّ. وقالَ الخطيبُ: هو الصوابُ عندنا. وقالَ ابنُ الصلاحِ: إنّهُ الصحيحُ المشهورُ. وحكى الخطيبُ أنّهُ ذهبَ الأئمةُ من حفّاظِ الحديثِ ونقّادِهِ، مثلُ البخاريِّ، ومسلمٍ، وغيرِهما، إلى أنَّ الجرحَ لا يُقبلُ إلا مفسَّراً. قال ابنُ الصلاحِ: وهو ظاهرٌ مقررٌ في الفقِهِ وأُصولِهِ. 272.... فَإنْ يُقَلْ: (قَلَّ بَيَانُ مَنْ جَرَحْ) ... كَذَا إذَا قَالُوا: (لِمَتْنٍ لَمْ يَصِحْ) 273.... وَأبْهَمُوا، فَالشَّيْخُ قَدْ أجَابَا ... أنْ يَجِبَ الوَقْفُ إذا اسْتَرَابا 274.... حَتَّى يُبِيْنَ بَحْثُهُ قَبُوْلَهْ ... كَمَنْ أُوْلُو الصَّحِيْحِ خَرَّجُوا لَهْ 275.... فَفي (البُخَارِيِّ) احتِجَاجاً (عِكْرِمَه) ... مَعَ (ابْنِ مَرْزُوْقٍ) ، وَغَيْرُ تَرْجَمَهْ 276.... وَاحْتَجَّ (مُسْلِمٌ) بِمَنْ قَدْ ضُعِّفَا ... نَحْوَ (سُوَيْدٍ) إذْ بِجَرْحٍ مَا اكتَفَى 277.... قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ (أبُو المَعَاليْ) ... ، واخْتَارَهُ تِلْمِيْذُهُ (الغَزَاليْ) 278.... و (ابْنُ الخَطِيْبِ) : الْحَقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا ... أطْلَقَهُ العَالِمْ بِأسْبَابِهِمَا هذا سؤالٌ أوردَهُ ابنُ الصلاحِ على قولِهِم: إنَّ الجرحَ لا يُقبلُ إلا مفسَّرَاً. وكذلك تضعيفُ الحديثِ، فقال: ولقائلٍ أنْ يقولَ: إنّما يعتمدُ الناسُ في جرحِ الرواةِ، وردِّ حديثِهِم، على الكُتُبِ التي صنَّفَها أئمةُ الحديثِ في الجرحِ، أو في الجرحِ والتعديلِ.

وقلَّما يتعرضونَ فيها لبيانِ السببِ، بل يقتصرونَ على مجردِ قولِهم: فلانٌ ضعيفٌ، وفلانٌ ليس بشيءٍ، ونحوُ ذلك. وهذا حديثٌ ضعيفٌ، وهذا حديثٌ غيرُ ثابتٍ، ونحوُ ذلكَ. فاشتراطُ بيانِ السببِ، يُفضِي إلى تعطيلِ ذلكَ، وسدِّ بابِ الجرحِ في الأغلبِ الأكثرِ. قال: وجوابُهُ أنَّ ذلكَ وإنْ لم نعتمدْهُ في إثباتِ الجرحِ، والحكمِ بهِ، فقد اعتمدناهُ في أنْ توقَّفنا عن قبولِ حديثِ مَنْ قالوا فيه مثلَ ذلك، بناءً على أنَّ ذلك أوقعَ عندنا فيهم رِيبةً قويةً، يوجبُ مثلُها التوقُّفَ. ثم مَنِ انزاحتْ عنه الريبةُ منهم، ببحثٍ عن حالِهِ، أوْجَبَ الثقةَ بعدالتِهِ؛ قبلنا حديثَه، ولم نتوقَّفْ. كالذينَ احتجَّ بهم صاحِبا " الصحيحينِ "، وغيرُهما ممَّنْ مسَّهم مثلُ هذا الجرحِ من غيرِهم. فافْهَمْ ذلك فإنهُ مَخْلَصٌ حسَنٌ. ولمّا نقلَ الخطيبُ عن أئمّة الحديثِ: أنَّ الجرحَ لا يُقبلُ إلا مفسَّرَاً، قال: فإنَّ البخاريَّ احتجَّ بجماعةٍ سبقَ من غيرِهِ الطعنُ فيهم، والجرحُ لهم، كعِكْرِمَةَ مولى ابنِ عبّاسٍ في التابعينَ، وكإسماعيلَبنِ أبي أويسٍ، وعاصمِ بنِ عليٍّ، وعمرِو بنِ مَرْزوقٍ في المتأخّرينَ.

قالَ: وهكذا فعلَ مسلمٌ، فإنّهُ احتجَّ بسُوَيْدِ بنِ سعيدٍ، وجماعةٍ غيرِهم، اشتَهَرَ عمَّنْ ينظرُ في حالِ الرواةِ الطعنُ عليهم. قالَ: وسلكَ أبو داودَ هذه الطريقةَ، وغيرُ واحدٍ ممَّنْ بعدَهُ. وقولي: (إذ بجرح) ، أي: بمطلقِ جرحٍ، وذلك لأنَّ سويدَ بنَ سعيدٍ صدوقٌ في نفسهِ، كما قالَ أبو حاتمٍ، وصالحٌ جزرةُ، ويعقوبُ بنُ شيبةَ وغيرُهم. وقد ضعّفهُ البخاريُّ، والنسائيُّ. فقال البخاريُّ: حديثُهُ منكرٌ. وقال النسائيُّ: ضعيفٌ. ولم يفسِّرِ الجرحَ. وأكثرُ مَنْ فَسَّرَ الجرحَ فيه، ذكرَ أنّهُ لما عَمِي ربَّما تلقّنَ الشيءَ. وهذا وإنْ كانَ قادحاً فإنّما يقدحُ فيما حدّثَ به بعد العَمى، وما حدَّثَ به قبلَ

ذلك فصحيحٌ. ولعلَّ مسلماً إنّما خَرَّجَ عنه ما عُرِفُ: أنَّهُ حدَّثَ به قبلَ عَماهُ. وأما تكذيبُ ابنِ معينٍ له، فإنّه أنكرَ عليه ثلاثةَ أحاديثَ: حديثَ: ((مَنْ عَشِقَ، وعَفَّ)) ، وحديثَ: ((مَنْ قالَ في دِيننا بِرَأيهِ فاقتُلُوهُ)) ، وحديثَهُ عن أبي معاويةَ، عن الأعمشِ، عن عطيّةَ، عن أبي سعيدٍ مرفوعاً: ((الحسنُ والحُسَينُ سَيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّةِ)) . فقالَ

ابنُ مَعِينٍ: هذا باطلٌ عن أبي معاويةَ. قال الدارقطنيُّ: فلما دخلتُ مِصْرَ، وجدْتُ هذا الحديثَ في مُسندِ المَنْجَنِيْقيِّ، وكان ثقةً، عن أبي كُرَيبٍ، عن أبي معاويةَ، فتخلَّصَ منه سُويدٌ، فأنكرَهُ عليه ابنُ معينٍ؛ لظنِّهِ أنَّهُ تفرّدَ به عن أبي معاويةَ، ولا يحتملُ التفرّدَ، ولم ينفردْ بهِ، وإنّما كذَّبَهُ ابنُ معينٍ فيما تلقّنَهُ آخراً. فنسبَهُ إلى الكذبِ لأجلهِ. ويدلُّ عليه أنَّ محمّدَ بنَ يحيى السُّوسيَّ، قال: سألتُ ابنَ معينٍ، عن سُويدٍ، فقال: فيما حدَّثَكَ فاكتُبْ عنه، وما حدَّثَكَ به تلقيناً فلا. فَدَلَّ هذا على أنّهُ صدوقٌ عندَهُ، أنْكَرَ عليه ما تلقَّنَهُ، واللهُ أعلمُ. وإنّما روى عنه مسلمٌ لطلبِ العُلوِّ مما صحَّ عندَهُ بنزولٍ. ولم يخرجْ عنه ما انفرَدَ به. وقد قالَ إبراهيمُ بن أبي طالبٍ: قلتُ لمسلمٍ: كيفَ استجزتَ الروايةَ عن سويدٍ في الصحيحِ؟ فقال: ومِنْ أين كنتُ آتي بنسخةِ حفصِ بنِ ميسرةَ؟ وذلك أنَّ مسلماً لم يروِ عن أحدٍ ممَّنْ سمعَ مِنْ حفصِ بنِ ميسرةَ في الصحيحِ، إلا عن سويدِ بنِ سعيدٍ فقط. وقد رَوَى في الصحيحِ عن واحدٍ، عن ابنِ وَهْبٍ، عن حفصٍ، والله أعلمُ.

تعارض الجرح والتعديل في راو واحد.

وقولي: (قلتُ ... ) إلى آخر البيتينِ، هو من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ. وهما ردٌّ على السؤالِ الذي ذكرهُ، وذلك أنَّ إمامَ الحرمينِ، أبا المعَالي الجُوينيَّ، قالَ في كتابِ " البُرهانِ ": الحقُّ أنّهُ إنْ كان المزكّيِّ عالماً بأسبابِ الجرحِ والتعديلِ، اكتفينا بإطلاقِهِ. وإلاّ فلا. وهذا هو الذي اختارَهُ أبو حامدٍ الغزاليُّ، والإمامُ فخرُ الدينِ بنُ الخطيبِ، وقد تقدّم نقلُهُ في شرحِ الأبياتِ التي قبلَ هذهِ عن القاضي أبي بكرٍ، وأنّهُ نقلَهُ عن الجمهورِ. وممَّنْ اختارَهُ أيضاً من المحدّثينَ: الخطيبُ، فقالَ بعدَ أنْ فرّقَ بينَ الجرحِ والتعديلِ في بيانِ السببِ: على أنّا نقولُ أيضاً: إنْ كان الذي يرجعُ إليهِ في الجرحِ عدلاً مرضيّاً في اعتقادِهِ، وأفعالِهِ، عارفاً بصفةِ العدالةِ والجرحِ، وأسبابِهما، عالماً باختلافِ الفقهاءِ في أحكامِ ذلك؛ قُبِلَ قولُهُ فيمَنْ جرحَهُ مجملاً، ولا يُسألُ عَنْ سببهِ. 279.... وَقَدَّمُوا الجَرْحَ، وَقِيْلَ: إنْ ظَهَرْ ... مَنْ عَدَّلَ الأكْثَرَ فَهْوَ المُعْتَبَرْ إذا تعارضَ الجرحُ والتعديلُ في راوٍ واحدٍ. فجرَّحَهُ بعضُهم، وَعدَّلَهُ بعضُهم، ففيهِ ثلاثةُ أقوالٍ: أحدُها: أنَّ الجرحَ مقدَّمٌ مطلقاً، ولو كانَ المعدِّلُونَ أكثرَ. ونقلَهُ الخطيبُعن جمهورِ العلماءِ. وقال ابنُ الصلاحِ: إنَّهُ الصحيحُوكذا صحَّحَهُ الأصوليونَ، كالإمامِ فخرِ الدينِ

والآمديِّ؛ لأنَّ مع الجارحِ زيَادةَ علمٍ، لم يطّلعْ عليها المعدِّل؛ ولأنَّ الجارحَ مصدّقٌ للمعدِّل فيما أخبرَ به عن ظاهرِ حالِهِ، إلا أنّهُ يخبرُ عن أمرٍ باطنٍ خَفِي عن المعدِّلِ. والقولُ الثاني: أنّهُ إنْ كانَ عددُ المعدّلينَ أكثرَ قُدِّمَ التعديلُ. حكاه الخطيبُ في " الكفايةِ "، وصاحبُ " المحصولِ "؛ وذلك لأنَّ كثرةَ المعدّلين تقوِّي حالَهُم، وتوجبُ العملَ بخبرِهم. وقلّةَ الجارحينَ تُضْعِفُ خبرَهُم. قال الخطيبُ: وهذا خطأٌ وبُعْدٌ ممَّنْ توهَّمَهُ؛ لأنَّ المعدِّلين، وإن كثروا ليسُوا يخبرُونَ عن عَدَمِ ما أخبرَ به الجارحُونَ. ولو أخبرُوا بذلكَ لكانتْ شهادةً باطلةً على نفيٍّ. والقولُ الثالثُ: أنّهُ يتعارضُ الجرحُ والتعديلُ فلا يرجَّحُ أحدُهما، إلاّ بمرجِّحٍ، حكاهُ ابنُ الحاجبِ. وكلامُ الخطيبِ يقتضي نفي هذا القولِ الثالثِ. فإنّهُ قالَ: اتّفقَ أهلُ العلمِ على أنَّ مَنْ جَرَّحَهُ الواحدُ والاثنانِ، وعَدَّلَهُ مثلُ عددِ مَنْ جَرَّحَهُ، فإنَّ الجرحَ به أولى. ففي هذهِ الصورةِ حكايةُ الإجماعِ على تقديمِ الجرحِ، خلافَ ما حكاهُ ابنُ الحاجبِ. وقولي: (الأكثرَ) ، هو في موضعِ الحالِ، وجاءَ معرّفاً، كما قُرِئَ في الشاذِّ قولُهُ تعالى: {لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُ مِنْهَا الأذَلَّ} . على أنَّ (يَخرجُ) : ثلاثيٌّ قاصرٌ، و (الأذلَّ) : في موضعِ الحالِ.

التعديل على الإبهام

280.... وَمُبْهَمُ التَّعْدِيْلِ لَيْسَ يَكْتَفِيْ ... بِهِ الخَطِيْبُ والفَقِيْهُ الصَّيْرَفِيْ ... وَقِيْلَ: يَكْفِي، نَحْوُ أنْ يُقالا: ... حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، بَلْ لَوْ قَالاَ: 282.... جَمِيْعُ أشْيَاخِي ثِقَاتٌ لَوْ لَمْ ... أُسَمِّ، لاَ يُقْبَلُ مَنْ قَدْ أَبْهَمْ ... وَبَعْضُ مَنْ حَقَّقَ لَمْ يَرُدَّهُ ... مِنْ عَالِمٍ في حَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ التعديلُ على الإبهامِ من غيرِ تسميةِ المعدَّلِ، كما إذا قال: حدّثني الثقةُ، ونحوَ ذلك، من غيرِ أنْ يسمّيَهُ؛ لا يُكتَفَى به في التوثيقِ، كما ذكرهُ الخطيبُ أبو بكرٍ، والفقيهُ أبو بكرٍ الصَّيْرفيُّ، وأبو نصرٍ بنُ الصَّبَّاغِ من الشافعيةِ، وغيرُهم. وحكى ابنُ الصباغِ في " العُدَّةِ " عن أبي حنيفةَ أنّهُ يُقْبَلُ، وهو ماشٍ على قولِ مَنْ يحتجُّ بالمرسلِ، وأولى بالقبولِ. والصحيحُ الأولُ؛ لأنَّهُ وإنْ كان ثقةً عندَهُ، فربَّما لو سمّاهُ لكان ممَّنْ جَرَّحَهُ غيرُهُ بجرحٍ قادحٍ. بل إضرابُهُ عن تَسْمِيتِهِ ريبةٌ تُوْقِعُ تردداً في القلبِ. بل زادَ الخطيبُ على هذا بأنّهُ لو صَرَّحَ بأنَّ جميعَ شيوخِهِ ثقاتٌ، ثم رَوى عمَّنْ لم يسمِّهِ، أنّا لا نعملُ بتزكيتهِ له. قالَ الخطيبُ في " الكفايةِ ": ((إذا قالَ العَالِمُ كُلُّ مَنْ رَوَيْتُ عنه فهو ثقةٌ، وإنْ لم أُسمِّهِ. ثم رَوَى عمَّنْ لم يُسَمِّهِ، فإنّهُ يكونُ مُزَكِّيَاً لهُ. غيرَ أنَّا لا نَعملُ على تزكيتِهِ؛ لجوازِ أنْ نعرفَهُ إذا ذكرَهُ بخلاف العدالةِ)) . نعمْ، إذا قالَ العالمُ: كُلُّ مَنْ أَروي لكم عنه وأُسميهِ فهو عدلٌ مرضيٌّ مقبولُ الحديثِ كان هذا القولُ

تعديلاً لكلِّ مَنْ رَوَى عنه وسمَّاهُ. هكذا جزمَ به الخطيبُ، قال: وكان ممَّنْ سلكَ هذهِ الطريقةَ عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ. زادَ البيهقيُّ مع ابنِ مهديٍّ مالكَ بنَ أنسٍ، ويحيى بنَ سعيدٍ القطّانِ. قال: وقد يوجدُ في روايةِ بعضِهم الروايةُ عن بعضِ الضُّعفاءِ لخفاءِ حالِهِ عليهِ، كروايةِ مالكٍ، عن عبد الكريمِ بن أبي المُخَارِقِ. وفي التعديلِ على الإبهامِ قولانِ آخرانِ: أحدُهما: أنّهُ يقبلُ مطلقاً، كما لو عيَّنَهُ؛ لأنَّهُ مأمونٌ في الحالتينِ معاً. القولُ الثاني: وهو ما حكاهُ ابنُ الصلاحِ عن اختيارِ بعضِ المحقّقينَ أنّهُ إنْ كانَ القائلُ لذلك عالماً أجزأَ ذلكَ في حقِّ مَنْ يوافقُهُ في مذهبِهِ كقولِ مالكٍ: أخبرني الثقةُ، وكقولِ الشافعيِّ ذلكَ أيضاً في مواضعَ. وعليه يدلُّ كلامُ ابنِ الصباغِ في " العدّةِ "، فإنّهُ قال: إنَّ الشافعيَّ لم يُورِدْ ذلكَ احتجاجاً بالخبرِ على غيرِهِ، وإنَّما ذَكَرَ لأَصحابهِ قيامَ الحجَّةِ عندَهُ على الحُكْمِ. وقد عرف هو مَنْ رَوَى عنه

ذلك. وقد بَيَّنَ بعضُ العلماءِ بعضَ ما أبهما مِنْ ذلكَ باعتبارِ شيوخِهما. فحيثُ قال مالكٌ: عن الثقةِ -عندَهُ- عن بُكَيْرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الأشجِّ. فالثقةُ مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ. وحيث قالَ: عن الثقةِ، عن عمرِو بنِ شُعيبٍ، فقيلَ: الثقةُ عبدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، وقيل: الزهريُّ. ذكر ذلك أبو عُمر بنُ عبدِ البرِّ. وقالَ أبو الحسنِ محمدُ بنُ الحسينِ بنِ إبراهيمَ الأثريُّ السجستانيُّ في كتابِ " فضائلِ الشافعيِّ ": سمعتُ بعضَ أهلِ المعرفةِ بالحديثِ يقولُ: إذا قال الشافعيُّ في كتبهِ: أخبرنا الثقةُ، عن ابنِ أبي ذِئْبٍ، فهو ابنُ أبي فُدَيكَ. وإذا قالَ: أخبرنا الثقةُ، عن الليثِ بنِ سعدٍ، فهو يحيى بنُ حَسَّانَ. وإذا قال: أخبرنا الثقةُ، عن الوليدِ بنِ كثيرٍ فهو أبو أسامَةَ. وإذا قال: أخبرنا الثقةُ،

رواية العدل عن شيخ بصريح اسمه، فهل ذلك تعديل له أم لا؟

عن الأوزاعيِّ، فهو عمرُو بنُ أبي سَلَمَةَ. وإذا قال: أخبرنا الثقةُ، عن ابنِ جُريجٍ، فهو مسلمُ بنُ خالدٍ. وإذا قالَ: أخبرنا الثقةُ، عن صالحٍ مولى التَّوْأَمَةِ، فهو إبراهيمُ بنُ أبي يحيى. 284.... وَلَمْ يَرَوْا فُتْيَاهُ أوْ عَمَلَهُ ... عَلَى وِفَاقِ المَتْنِ تَصْحِيْحَاً لَهُ ... وَلَيْسَ تَعْدِيلاً عَلَى الصَّحِيْحِ ... رِوَايَةُ العَدْلِ عَلَى التَّصْرِيْحِ أيْ: ولم يَرَوْا فُتيا العالمِ على وفقِ حديثٍ حُكماً منه بصحةِ ذلك الحديثِ؛ لإمكانِ أنْ يكونَ ذلك منه احتياطاً، أو لدليلٍ آخرَ وافقَ ذلكَ الخبرَ. وأما روايةُ العدلِ عن شيخٍ بصريحِ اسمِهِ، فهلْ ذلكَ تعديلٌ له أم لا؟ فيه ثلاثة أقوالٍ: أحدُها: أنَّهُ ليس بتعديلٍ؛ لأنَّهُ يجوزُ أنْ يرويَ عن غيرِ عَدْلٍ. وهذا قولُ أكثرِ العلماءِ من أهلِ الحديثِ، وغيرِهم. وهو الصحيحُ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ. والثاني: أنّهُ تعديلٌ مطلقاً؛ إذ لو علمَ فيه جرحاً لذكرَهُ، ولكان غاشاً في الدينِ، لو علِمَهُ ولم يذكرْهُ حكاه الخطيبُ وغيرُهُ. قال أبو بكر الصَّيْرفيُّ: وهذا خطأٌ؛ لأنَّ الروايةَ تعريفٌ لهُ والعدالةُ بالخبرةِ. وأجاب الخطيبُ: بأنَّهُ قد لا يَعلمُ عدالتَهُ، ولا جرحَهُ.

رواية المجهول،

والثالث: أنّهُ إنْ كانَ ذلكَ العَدْلُ الذي روي عنه لا يَروي إلا عن عدلٍ كانت روايتُهُ تعديلاً، وإلاّ فلا. وهذا هو المختارُ عن الأصوليينَ، كالسيفِ الآمديِّ، وأبي عمرِو بنِ الحاجبِ، وغيرِهما. أما إذا رَوَى عَنْهُ من غيرِ تصريحٍ باسمِهِ، فإنهُ لا يكونُ تعديلاً، بَلْ وَلَوْ عدلهُ عَلَى الإبهامِ لَمْ يكتفِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. 286.... وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يُقْبَلُ المَجْهُوْلُ؟ ... وَهْوَ -عَلَى ثَلاَثَةٍ- مَجْعُوْلُ 287.... مَجْهُوْلُ عَيْنٍ: مَنْ لَهُ رَاوٍ فَقَطْ، ... وَرَدَّهُ الأَكْثَرُ، وَالقِسْمُ الوَسَطْ: 288.... مَجْهُوْلُ حَالٍ بَاطِنٍ وَظَاهِرِ ... وَحُكْمُهُ: الرَّدُّ لَدَى الجَمَاهِرِ، 289.... وَالثَّالِثُ: المَجْهُولُ لِلعَدالَه ... في بَاطِنٍ فَقَطْ. فَقَدْ رَأَى لَه 290.... حُجِّيَّةً-في الحُكْمِ-بَعْضُ مَنْ مَنَعْ ... مَا قَبْلَهُ، مِنْهُمْ (سُلَيْمٌ) فَقَطَعْ 291.... بِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: إنَّ العَمَلا ... يُشْبِهُ أنَّهُ عَلَى ذَا جُعِلا 292.... في كُتُبٍ منَ الحَدِيْثِ اشْتَهَرَتْ ... خِبْرَةُ بَعْضِ مَنْ بِهَا تَعَذَّرَتْ 293.... في بَاطِنِ الأمْرِ، وبَعْضٌ يَشْهَرُ ... ذَا القِسْمَ مَسْتُوْراً، وَفِيْهِ نَظَرُ اختلفَ العلماءُ في قَبولِ روايةِ المجهولِ، وهو على ثلاثةِ أقسامٍ: مجهولِ العينِ، ومجهولِ الحالِ ظاهراً وباطناً، ومجهولِ الحال باطناً. القسمُ الأولُ: مجهولُ العَيْنِ، وهو مَنْ لم يروِ عنه إلا راوٍ واحدٌ. وفيه أقوالٌ: الصحيحُ الذي عليه أكثرُ العلماءِ من أهلِ الحديثِ، وغيرِهم، أنّهُ لا يقبلُ.

والثاني: يقبلُ مطلقاً. وهذا قولُ مَنْ لم يشترطْ في الراوي مزيداً على الإسلامِ. والثالثُ: إن كان المنفردُ بالروايةِ عنه لا يروي إلا عَنْ عَدْلٍ، كابنِ مهديٍّ، ويحيى بنِ سعيدٍ، ومَنْ ذُكرَ معهُما، واكتفينا في التعديلِ بواحدٍ قُبلَ، وإلاّ فلا. والرابعُ: إنْ كان مشهوراً في غيرِ العلمِ بالزُّهْدِ، أو النَّجْدةِ قُبلَ، وإلاّ فلا. وهو قولُ ابنِ عبدِ البرِّ، وسيأتي نقلهُ عنه. والخامسُ: إنْ زَكَّاه أحدٌ من أئمةِ الجرحِ والتعديلِ مع روايةِ واحدٍ عنهُ قُبل، وإلاّ فلا. وهو اختيارُ أبي الحسنِ بنِ القطّانِ في كتابِ " بيان الوهمِ والإيهامِ ". قال الخطيبُ في " الكفاية ": المجهولُ عند أصحابِ الحديثِ: كُلُّ مَنْ لم يشتهرْ بطلبِ العلمِ في نفسِهِ، ولا عرفَهُ العلماءُ به. ومَنْ لم يُعرفْ حديثُهُ إلاّ من جهةِ راوٍ واحدٍ، مثلُ: عَمْرٍو ذِي مرٍّ، وجَبَّارٍ الطَّائيِّ، وعبدِ اللهِ بنِ أَعَزَّ الهَمْدانيِّ، والهَيْثَمِ بنِ

حَنَشٍ، ومالكِ بنِ أَعزَّ، وسعيدِ بنِ ذي حُدَّانَ، وقَيْسِ بنِ كُرْكُمٍ، وخَمْرِ بنِ مالكٍ. قال: وهؤلاءِ كلُّهم لم يَرْوِ عنهم غيرُ أبي إسحاقَ السَّبِيعيِّ. ومثلُ: سَمْعانَ بنِ مُشَنَّجٍ، والهَزْهازِ بنِ مَيْزنٍ، لا يُعرفُ عنهما راوٍ إلاّ الشَّعبيُّ. ومثلُ: بَكْرِ بنِ قِرْواشٍ، وحَلاَّمِ بنِ جَزْلٍ، لم يروِ عنهما إلا أبو الطُّفَيلِ عامرُ بنُ واثلةَ. ومثلُ: يزيدَ بنِ سُحَيْمٍ، لم يروِ عنه إلا خِلاَسُ بنُ عَمْرٍو. ومثلُ: جُرَي بنِ كُلَيبٍ، لم يروِ عنه إلا قتادةُ بن دِعَامةَ. ومثلُ: عُمَيرِ بنِ إسحاقَ، لم يروِ عنه سوى عبدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ. وغيرُ من ذَكرنا. وروينا عن محمدِ بنِ يحيى الذُّهْلِيِّ، قال: إذا رَوَى عن المحدِّثِ رجلانِ ارتفعَ عنه اسمُ الجهالةِ. وقال الخطيبُ: أقلُّ ما تُرفعُ به الجهالةُ أن يرويَ عنه اثنانِ فصاعداً، من المشهورينَ بالعلمِ، إلا أنّه لا يثبتُ له حكمُ العدالةِ بروايتهِما عنه. واعترضَ عليه ابنُ الصلاحِ بأنَّ الهَزْهازَ رَوَى عنه الثوريُّ أيضاً. قلت: وروى عنه أيضاً الجرَّاحُ بنُ مَلِيحٍ، فيما ذكرَهُ ابنُ أبي حاتمٍ، وسمَّى أباهُ مازناً، بالألفِ لا بالياءِ. ولعلَّ بعضَهُم أمالَهُ فكتبَهُ بالياءِ. وخَمْرُ ابنُ مالكٍ روى عنه أيضاً عبدُ اللهِ بنُ قَيْسٍ، وذكرَهُ ابنُ حبّانَ في " الثقاتِ "، وسمَّاهُ خُمَيْرَ بنَ مالكٍ، وذكرَ الخلافَ فيه في التَّصْغيرِ والتّكبيرِ ابنُ أبي حاتِمٍ. وكذلِكَ الهَيْثمُ ابنُ حَنَشٍ رَوَى عنه أيضاً سَلَمةُ بنُ كُهَيْل، قالَهُ أبو حاتمٍ الرازيُّ. وأما عبدُ اللهِ بنُ أَعزّ، ومالكُ بن أعزَّ، فقد جعلَهُما ابنُ ماكولا واحداً، اختُلفَ على أبي إسحاقَ في

اسمِهِ. وبَكْرُ بنُ قِرْواشٍ روى عنه أيضاً قتادةُ فيما ذكرَهُ البخاريُّ، وابنُ حبّانَ في " الثقاتِ ". وسمَّى ابن أبي حاتم أباهُ قُرَيشاً. وحَلاَّمُ بنُ جَزْلٍ ذكرَهُ البخاريُّ في " تاريخه " فقالَ: حِلاَبٌ، أي: بباء موحّدةٍ، وخطَّأهُ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابٍ جمعَ فيهِ أوهامَهُ في " التاريخ "، وقال: ((إنّما هو حَلاَّمٌ)) ، أي: بالميمِ. ثم تعقّبَ ابنُ الصلاحِ بعضَ كلامِ الخطيبِ المتقدّم بأنْ قال: قد خَرَّجَ البخاريُّ حديث جماعةٍ ليس لهم غيرُ راوٍ واحدٍ منهم: مِرْدَاسٌ الأسلميُّ، لم يروِ عنه غيرُ قَيْسٍ بنِ أبي حازمٍ. وخَرَّجَ مسلمٌ حديثَ قومٍ ليس لهم غيرُ راوٍ واحدٍ منهم: ربيعةُ بنُ كعبٍ الأسلميُّ، لم يروِ عنه غيرُ أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ. وذلك منهما مَصِيرٌ إلى أنَّ الراوي قد يَخْرُجُ عن كونِهِ مجهولاً مردوداً، بروايةِ واحدٍ عنه. والخلافُ في ذلك مُتَّجِهٌ، نحوَ اتجاهِ الخلافِ المعروفِ في الاكتفاءِ بواحدٍ في التعديلِ. قلتُ: لم ينفردْ عن مِرْداسٍ قَيْسٌ، بل روى عنه أيضاً زيادُ بنُ عِلاَقةَ فيما ذكرَهُ المزّيُّ في " التهذيبِ "، وفيه نظرٌ. ولم ينفردْ عن ربيعةَ أبو سَلَمةَ، بل رَوَى عنه أيضاً نُعَيْمٌ المُجْمِرُوحَنْظلةُ بنُ عليٍّ. وأيضاً فمِرْداسٌ وربيعةُ من مشاهيرِ الصحابةِ، فمِرداسٌ من أهلِ الشَّجَرَةِ، وربيعةُ من أهل الصُّفَّةِ. وقد ذكرَ أبو مسعودٍ إبراهيمُ بنُ محمدٍ الدِّمَشْقيُّ

في ((جُزْءٍ له أجابَ فيه عن اعتراضاتِ الدارقطنيِّ على كتابِ مسلمٍ)) ، فقال: لا أعلمُ رَوَى عن أبي عليٍّ عمرِو بنِ مالكٍ الجَنْبيِّ أحدٌ غيرُ أبي هانيءٍ، قال: وبروايةِ أبي هانيءٍ وَحْدَهُ لا يرتفعُ عنه اسمُ الجهالةِ، إلا أنْ يكونَ معروفاً في قبيلتهِ، أو يروي عنه أحدٌ معروفٌ مع أبي هانئٍ، فيرتفعُ عنه اسمُ الجهالةِ. وقد ذكرَ ابنُ الصلاحِ في النوعِ السابعِ والأربعينَ عن ابنِ عبدِ البرِّ، قال: كُلُّ مَنْ لم يروِ عنه إلا رجلٌ واحدٌ، فهو عندَهم مجهولٌ إلا أنْ يكونَ رجلاً مشهوراً في غيرِ حملِ العلمِ كاشتهارِ مالكِ بنِ دينارٍ بالزُّهْدِ، وعَمْرِو بن مَعْديْ كَرِبَ بالنَّجْدةِ. فشهرةُ هذينِ بالصُّحبةِ عند أهلِ الحديثِ آكدُ في الثقةِ به من مالكٍ وعمرٍو، والله أعلمُ. والقسمُ الثاني: مجهولُ الحالِ في العدالةِ في الظاهرِ والباطنِ، مع كونِهِ معروفَ العَيْنِ بروايةِ عدلينِ عنه. وفيه أقوالٌ: أحدُها: وهو قولُ الجماهيرِ، كما حكاهُ ابنُ الصلاحِ أنَّ روايتَهُ غيرُ مقبولةٍ. والثاني: تقبلُ مطلقاً، وإنْ لم تقبلْ روايةُ القسمِ الأولِ. قال ابنُ الصلاحِ: وقد يَقبلُ روايةَ المجهولِ العدالةِ مَنْ لا يَقبلُ روايةَ المجهولِ العينِ.

والثالثُ: إنْ كانَ الراويانِ، أو الرواةُ عنه فيهم مَنْ لا يَروِي عن غيرِ عَدْلٍ قُبِلَ، وإلاَّ فلاَ. والقسمُ الثالثُ: مجهولُ العدالةِ الباطنةِ، وهو عدلٌ في الظاهرِ، فهذا يحتَجُّ به بعضُ مَنْ رَدَّ القسمَينِ الأولَينِ، وبهِ قطعَ الإمامُ سُلَيمُ بنُ أيوبَ الرازيُّ، قال: لأنَّ الإخبارَ مَبنيٌّ على حُسْنِ الظَّنِّ بالراوي؛ لأنَّ روايةَ الأخبارِ تكونُ عندَ مَنْ تَتَعذَّرُ عليه معرفةُ العدالةِ في الباطنِ، فاقتُصِرَ فيها على معرفةِ ذلك في الظاهرِ. وتُفَارِقُ الشهادَةَ، فإنَّها تكونُ عند الحُكَّامِ، ولا يتعذّرُ عليهم ذلكَ، فاعتُبِرَ فيها العدالةُ في الظاهرِ والباطنِ. قالَ ابنُ الصّلاحِ: ويشبهُ أنْ يكونَ العملُ على هذا الرأي في كثيرٍ من كتبِ الحديثِ المشهورةِ في غيرِ واحدٍ من الرُّواةِ الذين تقادَمَ العهدُ بهم، وتعذَّرَتِ الخِبْرةُ الباطنةُ بهم، واللهُ أعلمُ. وأطلقَ الشافعيُّ كلامَهُ في اختلافِ الحديثِ أنَّهُ لا يحتجُّ بالمجهولِ، وحكى البيهقيُّ في " المدخلِ ": أنَّ الشافعيَّ لا يحتجُّ بأحاديثِ المجهولينَ. ولما ذكرَ ابنُ الصلاحِ هذا القسمَ الأخيرَ، قال: وهو المستورُ، فقد قال بعضُ أئمتِنا: المَسْتُورُ مَنْ يكونُ عَدْلاً في الظَّاهرِ، ولا تُعْرَفُ عدالتُهُ باطناً. انتهى كلامُه. وهذا الذي نَقَلَ كلامَهُ آخراً، ولم يسمِّهِ، هو البغويُّ، فهذا لفظُهُ بحروفِهِ في " التهذيبِ "، وتَبِعهُ

عليه الرافعيُّ. وحكى الرافعيُّ في الصومِ وجهين في قبولِ روايةِ المستورِ من غيرِ ترجيحٍ. وقالَ النوويُّ في " شرحِ المهذّبِ ": ((إنَّ الأصحَّ قبولُ روايتِهِ)) . وقولي: (وفيه نظرٌ) ، ليس في كلامِ ابنِ الصلاحِ، فهو من الزوائدِ التي لم تتميَّزْ ووجهُ النظرِ الذي أشرتُ إليهِ هو أنَّ في عبارة الشافعيِّ في اختلافِ الحديثِ ما يقتضي أنَّ ظاهِرَي العدالةِ مَنْ يحكمُ الحاكمُ بشهادتِهِمَا. فقالَ في جوابِ سؤالٍ أوردَهُ: فلا يجوزُ أنْ يَتركَ الحُكْمَ بشهادتِهما إذا كانا عَدْلَيْنِ في الظاهرِ. فعلى هذا لا يُقالُ لمَنْ هو بهذهِ المثابةِ مستورٌ. نَعَمْ، في كلامِ الرافعيِّ في الصومِ أنَّ العدالةَ الباطنةَ هي التي يُرْجَعُ فيها إلى أقوالِ المُزَكِّينَ. ونقلَ الرُّوْيَانيُّ في " البَحر " عن نصِّ الشافعيِّ في " الأمِّ ": أنَّهُ لو حضَرَ العقدَ رجلانِ مسلمانِ، ولا يُعرفُ حالُهما من الفِسْقِ والعَدالةِ انعقدَ النكاحُ بهما في الظاهرِ. قال: لأنَّ الظّاهرَ من المسلمينَ العدالةُ. والله أعلم.

رواية مبتدع لم يكفر في بدعته،

294.... وَالخُلْفُ في مُبْتَدِعٍ مَا كُفِّرَا ... قِيْلَ: يُرَدُّ مُطلَقَاً، وَاسْتُنْكِرَا 295.... وَقْيِلَ: بَلْ إذا اسْتَحَلَّ الكَذِبَا ... نُصْرَةَ مَذْهَبٍ لَهُ، وَنُسِبَا 296.... (لِلشَّافِعيِّ) ، إذْ يَقُوْلُ: أقْبَلُ ... مِنْ غَيْرِ خَطَّابِيَّةٍ مَا نَقَلُوْا 297.... وَالأكْثَرُوْنَ -وَرَآهُ الأعْدَلاَ- ... رَدُّوَا دُعَاتَهُمْ فَقَطْ، وَنَقَلا 298.... فِيهِ (ابْنُ حِبَّانَ) اتِّفَاقاً، وَرَوَوْا ... عَنْ أهْلِ بِدْعٍ في الصَّحِيْحِ مَا دَعَوْا اختلفوا في روايةِ مبتدعٍ لم يُكفَّرْ في بدعتِهِ، على أقوالٍ: فقيلَ: تردُّ روايتُهُ مُطلقاً؛ لأنَّهُ فاسقٌ ببدعتِهِ. وإنْ كانَ متأوِّلاً فتردُّ كالفاسقِ مَنْ بغيرِ تأويلٍ، كما استوى الكافرُ المتأوّلُ، وغيرُ المتأوِّلِ. وهذا يُروَى عن مالكٍ، كما قالَ الخطيبُ في " الكفايةِ ". وقالَ ابنُ الصَّلاحِ: إنّهُ بعيدٌ مباعِدٌ للشائعِ عن أئمّةِ الحديثِ. فإنَّ كتبَهم طافحةٌ بالروايةِ عن المتبدعةِ غيرِ الدُّعاةِ، كما سيأتي. والقولُ الثاني: أنَّهُ لم يكنْ ممَّنْ يستحلُّ الكذبَ في نُصرةِ مذهبِهِ، أو لأهلِ مذهبِهِ قُبِلَ، سواءٌ دَعَى إلى بِدْعَتِهِ. أو لا؟ وإنْ كان ممَّنْ يستحلُّ ذلكَ لم يقبلْ، وعزا

الخطيبُ هذا القولَ للشافعيِّ، لقولِهِ: أقبل شَهادةَ أهلِ الأهواءِ، إلاّ الخَطّابيّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ؛ لأنَّهم يَرَوْنَ الشهادةَ بالزُّورِ لموافِقِيهم. قالَ: وحُكِي هذا أيضاً عن ابنِ أبي لَيلَى، والثوريِّ، وأبي يوسفَ القاضي. ورَوَى البيهقيُّ في " المدخلِ " عن الشافعيِّ، قال: ما في أهلِ الأهواءِ قومٌ أشهدُ بالزُّورِ من الرَّافِضَةِ. والقولُ الثالثُ: أنَّهُ إنْ كانَ داعيةً إلى بدعتِهِ، لم يقبلْ، وإنْ لم يكنْ داعيةً قُبِلَ. وإليهِ ذهبَ أحمدُ، كما قالَ الخطيبُ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وهذا مذهبُ الكثيرِ، أو الأكثر. وهو أَعدَلُها وأَوْلاَها. قال ابنُ حبّانَ: الداعيةُ إلى البدعِ لا يجوزُ الاحتجاجُ به عند أئمتنا قاطبةً، لا أعلمُ بينهم فيه اختلافاً. وهكذا حَكَى بعضُ أصحابِ الشافعيِّ أنَّهُ لا خلافَ بين أصحابهِ أنّهُ لا يقبلُ الداعيةُ، وإنَّ الخلافَ بينَهم فيمَنْ لم يَدْعُ إلى بدعتِهِ. فقولي: (وَنَقَلَ فِيهِ ابنُ حِبَّانَ اتِّفَاقاً) ، أي: في رَدِّ روايةِ الداعيةِ، وفي قبولِ غيرِ الداعيةِ أيضاً. واقتصرَ ابنُ الصلاحِ على حكايةِ الاتفاقِ عنه في الصورةِ الأولى. وأمَّا

المبتدع الذي يكفر ببدعته،

الثانيةُ فإنهُ قال في " تاريخ الثقاتِ " في ترجمةِ جعفرِ بنِ سُليمانَ الضُّبَعيِّ: ليسَ بين أهلِ الحديثِ مِنْ أئمتنا خلافٌ أنَّ الصدوقَ المتقنَ إذا كان فيهِ بدعةٌ، ولم يكن يَدْعُوا إليها أنَّ الاحتجاجَ بأخبارِهِ جائزٌ. فإذا دَعَى إلى بِدْعَتِهِ سقطَ الاحتجاجُ بأخبارِهِ. وفي المسألةِ قولٌ رابعٌ لم يحكِه ابنُ الصلاحِ، أنَّهُ تقبلُ أخبارُهم مطلقاً، وإنْ كانوا كفّاراً، أو فُسَّاقاً بالتأويلِ. حكاهُ الخطيبُ عن جماعةٍ من أهلِ النَّقْلِ، والمتكلمينَ. وقولي: (وَرَآهُ الأعْدَلا) ، أي: ابنُ الصلاحِ. وهي جملةٌ معترضةٌ بينَ المبتدأ والخبرِ. وفي الصحيحينِ كثيرٌ من أحاديثِ المبتدعةِ غير الدُّعاةِ، احتجاجاً واستشهاداً. كعِمرانَ بنِ حِطّانَ، وداودَ بنِ الحُصَينِ، وغيرِهما. وفي " تاريخِ نيسابورَ " للحاكمِ في ترجمةِ محمدِ بنِ يعقوبَ بنِ الأخرمِ أنَّ كتابَ مُسْلِمٍ ملآنٌ من الشِّيعةِ. وقولي: (وَالخُلْفُ في مُبتَدِعٍ مَا كُفِّرَا) ، احترازٌ عن المبتدعِ الذي يُكَفَّرُ ببدعتِهِ، كالمجسمِةِ إنْ قلنا بتكفيرِهم على الخلافِ فيه. فإنَّ ابنَ الصلاحِ لم يحكِ فيه خلافاً. وحكاهُ الأصوليونَ، فذهب القاضي أبو بكرٍ إلى رَدِّ روايتِهِ مطلقاً، كالكافرِ المخالَفِ،

من تعمد كذبا في حديث رسول الله

والمسلمِ الفاسقِ. ونقَلهُ السيفُ الآمديُّ عن الأكثرينَ وبهِ جزمَ أبو عمرِو بنِ الحاجبِ. وقالَ صاحبُ " المحصولِ ": الحقَّ أنّهُ إنِ اعتقَدَ حرمةَ الكذبِ، قَبِلْنَا روايتَهُ، وإلا فلا؛ لأنَّ اعتقادَ حرمةِ الكذبِ يمنعُهُ مِنْهُ، واللهُ أعلمُ. 299.... وَ (لِلحُمَيْدِيْ) وَالإمَامِ (أحْمَدَا) ... بأنَّ مَنْ لِكَذِبٍ تَعَمَّدا 300.... أيْ فِي الحَدِيْثِ، لَمْ نَعُدْ نَقْبَلُهُ ... وَإنْ يَتُبْ، وَ (الصَّيْرَفِيِّ) مِثْلُهُ 301.... وَأطْلَقَ الكِذْبَ، وَزَادَ: أنَّ مَنْ ... ضُعِّفَ نَقْلاً لَمْ يُقَوَّ بَعْدَ أنْ 302.... وَلَيْسَ كَالشَّاهِدِ، وَ (السَّمْعَانِيْ ... أبُو المُظَفَّرِ) يَرَى فِي الجَانِيْ 303.... بِكَذِبٍ فِي خَبَرٍ إسْقَاطَ مَا ... لَهُ مِنَ الحَدِيْثِ قَدْ تَقدَّمَا مَنْ تَعمَّدَ كَذِباً في حديثِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنهُ لا تُقبلُ روايتُهُ أبداً، وإن تابَ، وحسنُتْ توبَتُهُ، كما قالَهُ غيرُ واحدٍ من أهلِ العلمِ، منهم: أحمدُ بنُ حنبلٍ، وأبو بكرٍ الحُمَيديُّ. أمَّا الكذبُ في حديثِ الناسِ، وغيرِهِ من أسبابِ الفِسْقِ. فإنّهُ تقبلُ روايةُ التائبِ منهُ. قال ابنُ الصلاحِ: وأطلقَ الإمامُ أبو بكرٍ الصَّيْرفيُّ الشافعيُّ فيما وَجَدْتُ له في ((شرحِهِ لرسالةِ الشافعيِّ)) فقال: كُلُّ مَنْ أسقطنا خبَرهُ من أهلِ النَّقْلِ بكذبٍ، وجدناهُ عليه، لم نَعُدْ لِقَبُوْلِهِ بتوبةٍ تظهرُ. ومَنْ ضعَّفنَا نقلَهُ لم نجعلْهُ قويّاً بعدَ ذلكَ. وذَكَرَ أنَّ ذلكَ ممَّا افترقَتْ فيه الروايةُ والشهادةُ. قلتُ: الظاهرُ أنَّهُ إنّما أرادَ الكذبَ في حديثِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا مطلقاً. بدليلِ قولِهِ: من أهلِ النَّقْلِ، أيْ: للحديثِ. ويدلُّ على ذلكَ أنَّهُ قيدَ

ذلك بالمحدِّثِ فيما رأيتُه في كتابِ "الدلائلِ والاعلامِ"، فقال: وليس يطعنُ على المحدِّثِ إلاّ أنْ يقولَ: عَمَدْتُ الكَذِبَ، فهو كاذبٌ في الأوّلِ، ولا يُقبلُخبَرُهُ بعدَ ذلكَ. انتهى. وقولي: (والصيرفِيِّ) ، هو مجرورٌ عَطْفَاً على قولِهِ: (وللحميديْ) ، وقولي: (بعدَ أنْ) ، أيْ: بعدَ أنْ ضُعِّفَ. فحذفَ لدلالةِ ضُعِّفَ المتقدّمةِ عليهِ. وذكرَ أبو المظفرِ السَّمْعَانيُّ: أنَّ مَنْ كَذَبَ في خبرٍ واحدٍ وجبَ إسقاطُ ما تَقَدَّمَ مِنْ حديثِهِ. قال ابنُ الصلاحِ: وهذا يُضاهي مِنْ حيثُ المعنى ما ذكرَهُ الصَّيْرفيُّ. 304.... وَمَنْ رَوَى عَنْ ثِقَةٍ فَكَذَّبَهْ ... فَقَدْ تَعَارَضَا، وَلَكِنْ كَذِبَهْ ... لاَ تُثْبِتَنْ بِقَوْلِ شَيْخِهِ، فَقَدْ ... كَذَّبَهُ الآخَرُ، وَارْدُدْ مَا جَحَدْ 306.... وَإنْ يَرُدَّهُ بِـ لاَ أذْكُرُ أوْ ... مَا يَقْتَضِي نِسْيَانَهُ، فَقَدْ رَأوْا ... الحُكْمَ لِلذَّاكِرِ عِنْدَ المُعْظَمِ، ... وَحُكِيَ الإسْقَاطُ عَنْ بَعْضِهِمِ 308.... كَقِصَّةِ الشَّاهِدِ واليَمِيْنِ إذْ ... نَسِيَهُ سُهَيْلٌ الَّذِي أُخِذْ ... عَنْهُ، فَكَانَ بَعْدُ عَنْ (رَبِيْعَهْ) ... عَنْ نَفْسِهِ يَرْوِيْهِ لَنْ يُضِيْعَهْ 310.... وَالشَّافِعي نَهَى ابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ ... يَرْوِي عَنِ الحَيِّ لخَوْفِ التُّهَمِ

إذا روى ثقة عن ثقة حديثا فكذبه المروى عنه صريحا،

إذا روى ثقةٌ عن ثقةٍ حديثاً فكذَّبَهُ المُرْوَى عنهُ صريحاً، كقولِهِ كَذَبَ عليَّ، أو بنفيٍ جازم، كقولِهِ ما رويتُ هذا لهُ فقدْ تعارضَ قولُهما، فيردُّ ما جحَدَهُ الأصلُ؛ لأنَّ الراوي عنه فرعُهُ ولكن لا يَثْبُتُ كذبُ الفَرْعِ بتكذيبِ الأصلِ له في غيرِ هذا الذي نفاهُ، بحيثُ يكونُ ذلك جرحاً للفرعِ؛ لأنَّهُ أيضاً مُكَذِّبٌ لشَيخِهِ في نَفْيهِ لذلكَ وليسَ قَبولُ جَرْحِ كُلٍّ منهما بأوْلى من الآخرِ فتَساقَطا وقولي في آخرِ البيتِ كَذِبَهْ، مفعولٌ مقدّمٌ لقولي لاَ تُثْبِتَنْ وقولي وَارْدُدْ مَا جَحَدْ أي اردُدْهُ من حيثُ الفرعُ إذا نفى الأصلُ تحديثَهُ للفرعِ به خاصّةً ولا يردُّ من حيثُ الأصلُ نفسهُ إذا حدَّثَ به، كما صرَّحَ بهِ القاضي أبو بكرٍ فيما حكاهُ الخطيبُ عنه وكذا إذا حَدَّثَ به فرعٌ آخرُ ثقةٌ عنه، ولم يكذبْهُ الأصلُ، فهو مقبولٌ، وهذا واضحٌ أما إذا لم يكذبْهُ الأصلُ صريحاً، ولكنْ قالَ لا أذكرُهُ، أو لا أعْرِفُهُ، ونحوَ ذلكَ ممّا يقتضي جوازَ أنْ يكونَ نَسِيَهُ، فذلكَ لا يقتضي رَدَّ روايةِ الفرعِ عنهُ ومَعَ ذلكَ فقد اختُلفَ فيه هل يكونُ الحكمُ للفرعِ الذاكرِ، أو للأصلِ الناسي؟ فذهبَ جمهورُ أهلِ الحديثِ، وجمهورُ الفقهاءِ، والمتكلِّمينَ إلى قبولِ ذلكَ وأنَّ نسيانَ الأصلِ لا يُسقِطُ العملَ بما نسيَه قال ابنُ الصلاحِ وهو الصحيحُ وذهبَ بعضُ أصحابِ أبي حنيفةَ إلى إسقاطِهِ بذلك، وحكاهُ ابنُ الصَّبَّاغِ في العُدَّة عن أصحابِ أبي حنيفةَ

مثالُهُ حديثٌ رواهُ أبو داودَ، والترمذيُّ، وابنُ ماجه من روايةِ ربيعةَ بنِ أبي عبدِ الرحمنِ، عن سُهيلٍ بنِ أبي صالحٍ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ، أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى باليمينِ معَ الشاهدِ زادَ أبو دوادَ في روايةٍ أنَّ عبدَ العزيزِ الدَّراوَرديَّ، قال فذكرتُ ذلك لسهيلٍ، فقال أخبرني ربيعةُ وهو عندي ثقةٌ أَنِّي حَدَّثْتُهُ إيّاهُ، ولا أحفظُهُ قالَذذ عبدُ العزيزِ وقدْ كانَ أصابتْ سهيلاً علّةٌ أذهبَتْ بعضَ عقلِهِ، ونسيَ بعضَ حديثِهِ فكانَ سهيلٌ بعدُ يُحدِّثهُ، عن ربيعةَ عنه، عن أبيهِ ورواهُ أبو داودَ أيضاً من روايةِ سليمانَ بنِ بلالٍ، عن ربيعةَ، قالَ سليمانُ فلقيتُ سهيلاً، فسألتُهُ عن هذا الحديثِ، فقال ما أعرفُهُ فقلتُ لهُ إنَّ ربيعةَ أخبرني بهِ عنكَ قال فإنْ كانَ ربيعةُ أخبركَ عَنِّي، فحدِّثْ به عَنْ ربيعةَ عَنِّي وقد مَثَّلَ ابنُ الصلاحِبحديثٍ آخرَ، تركتُ التمثيلَ به لما سأذكرُهُ وَهُوَ حديثٌ رواه الثلاثةُ المذكورونَ من روايةِ سليمانَ بنِ موسى، عن الزهريِّ، عن عروةَ، عن عائشةَ رضي اللهُ عنها مرفوعاً إذا نُكِحَتِ المرأةُ بغيرِ إذْنِ وَليِّها، فنِكاحُها باطلٌ فذكرَ الترمذيُّ أنَّ بعضَ أهلِ الحديثِ ضعَّفَهُ من أجلِ أنَّ ابنَ جُريجٍ قَالَ ثُمَّ لقيتُ الزهريَّ، فسألتُهُ فأنكَرَهُ

وإنّما تركتُ التمثيلَ بهذا المثالِ؛ لعدم صحةِ إنكارِ الزهريِّ لَهُ فَقَدْ ذَكَرَ الترمذيُّ بعدَهُ عن ابنِ مَعِينٍ أنَّهُ لَمْ يذكرْ هَذَا الحرفَ عَلَى ابنِ جريجٍ، إلاّ إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ قَالَ وسَمَاعُهُ عن ابنِ جريجٍ ليسَ بذاكَ إنّما صَحَّحَ كُتُبَهُ عَلَى كتبِ عبدِ المجيدِ بنِ عبدِ العزيزِ بنِ أبي رَوَّادٍ، ما سمعَ من ابنِ جُريجٍ وضَعَّفَ يَحْيَى روايةَ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ، عن ابنِ جريجٍ وَقَدْ جمعَ غيرُ واحدٍ من الأئمةِ أخبارَ مَنْ حَدَّثَ، ونَسِيَ، مِنْهُمْ الدارقطنيُّ، والخطيبُ، قالَ الخطيبُ في الكفايةِ ولأجلِ أنَّ النسيانَ غيرُ مأمونٍ عَلَى الإنسانِ، فيبادرُ إِلَى جحودِ ما رُوي عَنْهُ، وتكذيبِ الرَّاوِي لَهُ، كَرِهَ مَنْ كَرِهَ من العلماءِ التحديثَ عن الأحياءِ ثُمَّ رَوَى عن الشعبيِّ أنّهُ قَالَ لابنِ عَوْنٍ لا تحدّثْعن الأحياءِ وعن مَعْمَرٍ أنّهُ قالَ لعبدِ الرزاقِ إنْ قَدَرْتَ ألاّ تحدِّثَ عن رجلٍ حيٍّ فافعلْ وعن الشافعيِّ أنَّهُ قَالَ لابنِ عبدِ الحكم إيَّاكَ والروايةَ عن الأحياءِ وفي روايةِ البيهقيِّ في المدخلِ لا تُحدِّثْ عن حيٍّ، فإنَّ الحيَّ لا يؤمَنُ عَلَيْهِ النسيانُ، قالَه لهُ حينَ رَوَى عنِ الشافعيِّ حكايةً فأنكرَها، ثُمَّ ذكرَها ...

رواية من أخذ على التحديث أجرا.

وَمَنْ رَوَى بأُجْرَةٍ لَمْ يَقْبَلِ ... (إسْحَاقُ) و (الرَّازِيُّ) و (ابْنُ حَنْبَلِ) 312.... وَهْوَ شَبيْهُ أُجْرَةِ القُرْآنِ ... يَخْرِمُ مِنْ مُرُوْءةِ الإنْسَانِ ... لَكِنْ (أبُوْ نُعَيْمٍ الفَضْلُ) أَخَذْ ... وَغَيْرُهُ تَرَخُّصَاً، فإنْ نَبَذْ 314.... شُغْلاً بِهِ الكَسْبَ أجِزْ إرْفَاقَا، ... أفْتَى بِهِ الشَّيْخُ أبُوْ إسْحَاقا اختلفوا في قَبولِ روايةِ مَنْ أخذَ على التحديثِ أجراً فذهبَ أحمدُ وإسحاقُ وأبو حاتِمٍ الرازيُّ، إلى أنَّهُ لا يقبلُ ورَخَّصَ في ذلكَ آخرون، منهم أبو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ، شيخُ البخاريِّ، وعليُّ بنُ عبدِ العزيزِ البغويُّ، فأَخَذُوا العِوَضَ علىالتحديثِ قالَ ابنُ الصلاحِ وذلكَ شبيهٌ بأخْذِ الأُجرةِ على تعليمِ القرآنِ ونحوِهِ غيرَ أنَّ في هذا مِنْ حيثُ العرفُ خَرْماً للمروءةِ، والظنُّ، يُساءُ بفاعلِهِ، إلاّ أنْ يَقترنَ ذلكَ بعُذرٍ يَنْفِي ذلكَ عنه كمثِل ما حدَّثنيه الشيخُ أبو المُظفّرِ، عن أبيهِ الحافظِ أبي سعدٍ السَّمْعانيِّ أنَّ أبا الفضلِ محمدَ بنَ ناصرٍ، ذكرَ أنَّ أبا الحُسينِ بنَ النَّقُوُّرِ فعَلَ ذلكَ لأنَّ الشيخَ أبا إسحاقَ الشّيرازيَّ، أفتاهُ بجوازِ أخذِ الأُجرةِ على التحديثِ؛ لأنَّ أصحابَ الحديثِ كانوا يمنعونَهُ عن الكسبِ لعيالِهِ فقولي يَخْرِمُ من مروءةِ الإنسانِ، أي أخْذَ الأُجرةِ على التحديثِ، لا على القرآنِ فعلى هذا يكونُ يَخْرِمُ خبراً بعدَ خبرٍ ... وَرُدَّ ذُوْ تَسَاهُلٍ في الحَمْلِ ... كَالنَّوْمِ وَالأدَا كَلاَ مِنْ أصْلِ، 316.... أوْ قَبِلَ التَّلقِيْنَ، أوْ قَدْ وُصِفَا ... بِالمُنْكَرَاتِ كَثْرَةً، أوْ عُرِفَا

رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث وتحمله،

.. بِكَثْرَةِ السَّهْوِ، وَمَا حَدَّثَ مِنْ ... أصْلٍ صَحِيْحٍ فَهْوَ رَدٌّ، ثُمَّ إنْ 318.... بُيِّنْ لَهُ غَلَطُهُ فَمَا رَجَعْ، ... سَقَطَ عِنْدَهُمْ حَدِيْثُهُ جُمَعْ ... كَذَا (الحُمَيْدِيُّ) مَعَ (ابْنِ حَنْبَلِ) ... و (ابْنِ المُبَارَكِ) رَأَوْا فِي العَمَلِ 320.... قَالَ وَفيهِ نَظَرٌ، نَعَمْ إذَا ... كَانَ عِنَادَاً مِنْهُ مَا يُنْكَرُ ذَا أي: وردوا روايةَ مَنْ عُرِفَ بالتساهُلِ في سماعِ الحديثِ وتحمُّلِهِ، كالنومِ أي: كمَنْ ينامُ هو، أو شيخُهُ في حالةِ السماعِ، ولا يُبالي بذلك. وكذلك رَدُّوا روايةَ مَنْ عُرفَ بالتساهُلِ في حالةِ الأداءِ للحديثِ، كأنْ يؤدي لا مِنْ أصلٍ صحيحٍ مُقَابَلٍ على أصلهِ، أو أصلِ شيخِهِ، على ما سيأتي. وكذا ردُّوا روايةَ مَنْ عُرفَ بقبولِ التَّلقِيْنِ في الحديثِ، وهو أنْ يُلَقَّنَ الشيءَ فيُحدِّثَ بهِ من غيرِ أنْ يَعلمَ أنَّهُ من حديثِهِ. كموسى بنِ دينارٍ ونحوِهِ. وكذلكَ رَدُّوا حديثَ مَنْ كَثُرَتِ المناكيرُ والشواذُّ في حديثِهِ، كما قالَ شعبةُ: لا يجيئكَ الحديثُ الشاذُّ إلا من الرجلِ الشاذِّ. وقيل له أيضاً: مَنْ الذي تُتْرَكُ الروايةُ عنه؟ قال: إذا أكثرَ عن المعروفِ من الروايةِ ما لا يُعرَفُ من حديثِهِ، وأكثرَ الغلط. وكذلك رَدُّوا روايةَ مَنْ عُرِفَ بكثرةِ السَّهوِ في رواياتِهِ إذا لم يحدِّثْ من أصلٍ صحيحٍ.

فقولي: (وما حَدَّثَ مِنْ أصلٍ) ، هو في موضعِ الحالِ، أَيْ: ورُدَّ حديثُ مَنْ عُرِفَ بكثرةِ السَّهْوِ في حالِ كونِهِ ما حدَّثَ مِنْ أصلٍ صحيحٍ. أما إذا حدَّثَ من أصلٍ صحيحٍ فالسماعُ صحيحٌ، وإنْ عُرِفَ بكثرةِ السَّهوِ؛ لأنَّ الاعتمادَ حينئذٍ على الأصلِ، لا على حفظِهِ. قال الشافعيُّ في "الرسالةِ": من كثُرَ غلطُهُ من المحدِّثينَ، ولم يَكُنْ له أصلُ كتابٍ صحيحٍ، لم يُقبلْ حديثُهُ، كما يكونُ مَنْ أكثرَ الغلطَ في الشهاداتِ لم تُقْبَلْ شهادتُهُ. وقولي: (فهو رَدُّ) ، أي: مردودٌ. وأمَّا مَنْ أصرَّ على غَلَطِهِ بعدَ البيانِ، فوردَ عن ابنِ المباركِ، وأحمدَ بنِ حنبلٍ، والحُميديِّ، وغيرِهم، أنَّ مَنْ غَلِطَ في حديثٍ، وبُيِّنَ له غلطُهُ، فلم يرجعْ عنه وأصَرَّ على روايةِ ذلك الحديثِ، سقطَتْ رواياتُهُ، ولم يُكتَبْ عنه. قال ابنُ الصلاحِ: وفي هذا نظرٌ، وهو غيرُ مستنْكَرٍ، إذا ظهرَ أنَّ ذلك منه على جِهَةِ العِنَادِ، أو نحوِ ذلكَ. وقالَ ابنُ مهديٍّ لشُعبةَ: مَنِ الذي تَتْركُ الروايةَ عنه؟ قَالَ: إذا تمادَى في غَلَطٍ مُجتمعٍ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَّهِم نفسَهُ عندَ اجتماعِهِم عَلَى خلافِهِ، أو رجلٌ يُتَّهَمُ بالكذبِ. وَقَالَ ابنُ حبّانَ: إنْ بُيِّنَ لَهُ خطؤهُ، وعَلِمَ، فلمْ يَرْجَعْ عَنْهُ، وتمادَى في ذلكَ كانَ كَذَّاباً بعلمٍ صحيحٍ. 321.... وَأعْرَضُوا فِي هَذِهِ الدُّهُوْرِ ... عَنِ اجتِمَاعِ هَذِهِ الأمُوْرِ 322.... لِعُسْرِهَا، بَلْ يُكْتَفَى بِالعَاقِلِ ... المُسْلِمِ البَالِغِ، غَيْرِ الفَاعِلِ 323.... لِلفِسْقِ ظَاهِراً، وَفِي الضَّبْطِ بأنْ ... يُثْبِتَ مَا رَوَى بِخَطِّ مُؤْتَمَنْ 324.... وَأنَّهُ يَرْوِي مِنَ اصْلٍ وَافَقَا ... لأصْلِ شَيْخِهِ، كَمَا قَدْ سَبَقَا 325.... لِنَحْوِ ذَاكَ (البَيْهَقِيُّ) ، فَلَقَدْ ... آلَ السَّمَاعُ لِتَسَلْسُلِ السَّنَدْ

يكتفى في أهلية الشيخ

أعرضَ الناسُ في هذهِ الأعصارِ المتأخّرةِ، عن اعتبارِ مجموعِ هذهِ الشروطِ لعُسْرِها، وتعذُّرِ الوَفاءِ بها، فيُكْتَفَى في أهليةِ الشيخِ بكونِهِ مُسلِماً بالغاً عاقلاً، غيرَ متظاهرٍ بالفِسْقِ، وما يخرمُ المروءةَ، على ما تقدَّمَ. ويُكتَفَى في اشتراطِ ضَبْطِ الراوي بوجودِ سَماعِهِ متثبتاً بخطِّ ثقةٍ غيرِ مُتَّهَمٍ، وبروايتِهِ مِنْ أصلٍ موافقٍ لأصلِ شيخِهِ. وقد سبقَ إلى نحوِ ذلكَ البيهقيُّ لمّا ذكرَ تَوَسُّعَ منْ تَوَسَّعَ في السماعِ مِنْ بعضِ محدِّثِي زمانِهِ الذينَ لا يَحْفَظُونَ حديثَهُم، ولا يُحْسِنُونَ قراءَتَهُ مِنْ كُتُبِهم، ولا يعرفُونَ ما يُقْرَأُ عَلَيْهِمْ، بَعْدَ أنْ تكونَ القراءةُ عليهم مِنْ أصْلِ سماعِهِم، وذلكَ لتدوينِ الأحاديثِ في الجوامعِ التي جمعَها أئمّةُ الحديثِ. قالَ فَمَنْ جاءَ اليومَ بحديثٍ لا يُوجَدُ عندَ جميعِهم، لم يُقْبَلْ منه. ومَنْ جَاءَ بحديثٍ معروفٍ عندَهُم، فالذي يرويهِ لا ينفردُ بروايتِهِ، والحجّةُ قائمةٌ بحديثِهِ، بروايةِ غيرِهِ. والقَصْدُ من روايتِه والسماعِ منه، أنْ يصيرَ الحديثُ مُسَلْسَلاً بـ: حَدَّثَنا، وأخبرنا. وتبقى هذهِ الكرامةُ التي خُصَّتْ بها هذهِ الأمةُ شَرَفاً لِنبيِّنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكذلكَ قالَ السِّلَفِيُّ في جزءٍ لهُ جمَعَهُ في "شرطِ القراءةِ": إنَّ الشيوخَ الذينَ لا يَعرفُونَ حديثَهم الاعتمادُ في روايتِهم على الثِّقةِ المقيّدِعنهم لا عليهم. وإنَّ هذا كُلَّهُ توسُّلٌ من الحفّاظِ إلىحفظِ الأسانيدِ، إذ ليسوا من شرطِ الصحيحِ، إلاّ على وجهِ المتابعةِ، ولولا رُخصةُ العلماءِ؛ لما جازتِ الكتابةُ عنهم، ولا الروايةُ إلاّ عن قومٍ منهم دونَ آخرينَ. انتهى. وهذا هو الذي استقرَّ عليه العملُ. قالَ الذهبيُّ في مقدّمةِ كتابِهِ "الميزان": العمدةُ في زمانِنا ليسَ على الرواةِ، بل على المحدِّثينَ، والمقيِّدينَ، الذين عُرِفَتْ عدالتُهم وصدقُهم في ضَبْطِ أسماءِ السَّامِعِيْنَ. قال: ثُمَّ مِنَ المَعلُومِ أنَّهُ لابُدَّ من صَوْنِ الراوي وسَتْرِهِ.

مراتب التعديل

مَرَاْتِبُ التَّعْدِيْلِ 326.... وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيْلُ قَدْ هَذَّبَهُ ... (إِبْنُ أبي حَاتِمِ) إِذْ رَتَّبَهُ 327.... وَالشَّيْخُ زَادَ فِيْهِمَا، وَزِدْتُ ... مَا فِي كَلاَمِ أَهْلِهِ وَجَدْتُ هذهِ الترجمةُ معقودةٌ لبيانِ أَلْفاظهِمِ في التعديلِ، التي يَدُلُّ تغايُرُهَا على تبايُنِ أحوالِ الرواةِ في القوَّةِ. وَقَدْ رتَّبَ ابنُ أبي حاتِمٍ في مقدّمةِ كتابِهِ " الجرحِ والتعديلِ " طبقاتِ أَلْفَاظهِمِ فيهما، فأَجادَ وأَحسنَ. وَقَدْ أَوردَها ابنُ الصلاحِ وزادَ فيهِمَا ألفاظاً أَخَذَهَا منْ كلامِ غيرِهِ. وَقَدْ زِدْتُ عليهِمَا أَلفاظاً من كلامِ أَهْلِ هذا الشأنِ غيرَ مُتمَيِّزَةٍ بـ (قُلتُ) ؛ ولكنِّي أوضِّحُ ما زدْتُ عليهِمَا هنا إِنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى. 328.... فَأَرْفَعُ التَّعْدِيلِ: مَا كَرَّرْتَهُ ... كَـ (ـثِقَةٍ) (ثَبْتٍ) وَلَوْ أَعَدْتَهُ 329.... ثُمَّ يَلِيْهِ (ثِقَةٌ) أوْ (ثَبْتٌ) اوْ ... (مُتْقِنٌ) اوْ (حُجَّةٌ) اوْ إذا عَزَوْا 330.... الحِفْظَ أَوْ ضَبْطاً لِعَدْلٍ وَيَلِي ... (لَيْسَ بِهِ بَأسٌ) (صَدُوقٌ) وَصِلِ 331.... بِذَاكَ (مَأَمُوْناً) (خِيَاراً) وَتَلا ... (مَحَلُّهُ الصّدْقُ) رَوَوْا عَنْهُ إلى

332.... الصِّدْقِ مَا هُوَ كذَا شَيْخٌ وَسَطْ ... أَوْ وَسَطٌ فَحَسْبُ أَوْ شَيْخٌ فَقَطْ 333.... وَ (صَالِحُ الْحَدِيْثِ) أَوْ (مُقَارِبُهْ) ... (جَيِّدُهُ) ، (حَسَنُهُ) ، (مُقَارَبُهْ) 334.... صُوَيْلِحٌ صَدُوْقٌ انْ شَاءَاللهْ ... أَرْجُوْ بِأَنْ (لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ) عَرَاهْ مراتبُ التعديلِ على أَربعِ أَوْ خَمْسِ طبقاتٍ. فالمرتبةُ الأُولى: العُليا منْ ألفاظِ التعديلِ، ولم يذكرُها ابنُ أبي حاتِمٍ، ولا ابنُ الصلاحِ فيما زادهُ عليه؛ وَهِيَ: إذا كُرِّرَ لفظُ التوثيقِ المذكورِ في هَذِهِ المرتبةِ الأُولى، إمَّا مَعَ تبايُنِ اللَّفظيْنِ، كقولِهِم: ((ثَبْتٌ حُجَّةٌ)) أو ((ثَبْتٌ حَافظٌ)) أو ((ثقةٌ ثبتٌ)) ، أو ((ثقةٌ مُتْقِنٌ)) أو نحوُ ذَلِكَ. وإمَّا مَعَ إعادةِ اللَّفظِ الأوَّلِ، كقولِهِم: ثقةٌ ثقةٌ، ونحوِها. وهذا المرادُ بقولي: (وَلَوْ أعدتَهُ) ، أي: لَوْ أعدْتَ اللَّفظَ الأَولَ بعينِهِ، فهذهِ المرتبةُ أعلى العباراتِ في الرواةِ المقبولينَ، كَمَا قالَهَ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ في مقدّمةِ كتابِهِ " ميزان الاعتدال ". وقولي: (ك‍: ثقةٍ ثبتٍ) ، أُشيرُ بالمثالِ إلى أَنَّ المرادَ تكرارُ

ألفاظِ هذهِ المرتبةِ الأُولى، لا مُطْلَقُ تكرارِ التوثيقِ. المرتبةُ الثانيةُ: وهي التي جعلَها ابنُ أبي حاتِمٍ، وتبعَهُ ابنُ الصلاحِ المرتبةَ الأُولى؛ قال ابنُ أبي حاتِمٍ: ((وَجَدْتُ الأَلفاظَ في الجرحِ والتعديلِ على مراتبَ شَتَّى، فإذا قِيلَ للواحدِ: إنَّه ثقةٌ أو مُتْقِنٌ، فهو مِمَّنْ يُحْتَجَّ بحديثهِ)) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وكذا إذا قيلَ: ثَبْتٌ أو حُجَّةٌ. وكذا إذا قِيلَ في العَدْلِ: إنَّهُ حافظٌ أو ضابطٌ)) . قالَ الخطيبُ: ((أرفعُ العباراتِ أَنْ يقال: حُجَّةٌ، أو ثقةٌ)) . المرتبةُ الثالثةُ: قولهُم ليسَ بهِ بأْسٌ، أو لا بأْسَ بِهِ، أو صدوقٌ، أو مأمونٌ، أو خِيَارٌ. وجَعَلَ ابنُ أبي حاتِمٍ وابنُ الصلاحِ هذهِ المرتبةَ: الثانيةَ واقتصرَا فيهَا على قولِهِم: صدوقٌ، أو لا بأْسَ به. وأَدخلا فيها قولَهُم: محلُّهُ الصِّدقُ. وقالَ ابنُ أبي حاتِمٍ: إنَّ مَنْ قيلَ فيه ذلك، فهو مِمَّنْ يُكْتَبُ حديثُهُ وينظَرُ فيه. وأَخَّرْتُ هذه اللفظةَ إلى المرتبةِ التي تلي هذهِ تبعاً لصاحبِ " الميزانِ ". المرتبةُ الرابعةُ: قولُهُم: محلُّهُ الصِّدقُ، أو رَوَوْا عنه، أَو إلى الصِّدْقِ ما هو،

أو شَيْخٌ وَسَطٌ، أو وَسَطٌ، أو شيخٌ، أو صالحُ الحديثِ، أو مُقارَِبُ الحديثِ - بفتحِ الراءِ وكسرِها - كما حكاهُ القاضِي أبو بكرِ بنُ العربيِّ في " شرحِ الترمذيِّ "؛ فلهذا كررتُ هذهِ اللفظةَ في وسطِ البيتِ وآخرِهِ. أو جيدُ الحديثِ، أو حَسَنُ الحديثِ، أو صُوَيْلحٌ، أو صدوقٌ إنْ شاءَ اللهُ، أو أَرجو أنَّه ليس به بأْسٌ، واقتصرَ ابنُ أبي حاتِمٍ في المرتبةِ الثالثةِ من كلامِهِ على قولِهِم: شيخٌ. وقال: هو بالمنْزِلةِ التي قبلَها يُكتَبُ حديثُهُ، وَيُنْظَرُ فيه إلاَّ أنَّهُ دونَهُما واقتصرَ في المرتبةِ الرابعةِ على قولِهم: صالحُ الحديثِ. وقالَ: إنَّ مَنْ قيلَ فيه ذلك يُكتَبُ حديثُهُ للاعتَبارِ. ثُمَّ ذَكرَ ابنُ الصلاحِ مِنْ ألفاظهِم على غيرِ ترتيبٍ، قولَهُم: فلانٌ روَى عنهُ الناسُ، فلانٌ وسطٌ، فلانٌ مقارَبُ الحديثِ، فلانٌ ما أعلَمُ به بأساً. قال: وهو دونَ قولِهِم: لا بَأْسَ بهِ. وأمَّا تَمْييزُ الأَلفاظِ التي زدْتُها على كتابِ ابنِ الصلاحِ، فهي المرتبةُ الأُوْلَى بكمالِها،

وفي المرتبةِ الثالثةِ قولهُم: مأمونٌ خِيَارٌ، وفي المرتبةِ الرابعةِ قولُهُم: فلانٌ إلى الصِّدْقِ مَا هُوَ، وشَيْخٌ وسطٌ، وَوَسَطٌ، وجَيِّدُ الحديثِ، وحَسَنُ الحديثِ، وصُوَيلحٌ، وصَدُوقٌ إِنْ شاءَ اللهُ، وأرجو أَنَّهُ لا بَأْسَ به، وهي نظيرُ ما أعلمُ به بأْساً، والأُوْلَى أَرفَعُ؛ لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ العلمِ حصولُ الرجاءِ بذلكَ. 335.... وَ (ابْنُ مَعِيْنٍ) قال: مَنْ أَقُوْلُ: (لاَ ... بَأْسَ بِهِ) فَثِقَةٌ وَنُقِلاَ 336.... أَنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ أَجَابَ مَنْ سَأَلْ: ... أَثِقَةً كَاَنَ أبو خَلْدَةَ؟ بَلْ 337.... كَانَ (صَدُوْقاً) (خَيِّراً) (مَأْمُوْنَا) ... الثِّقَةُ (الثُّوْرِيُّ) لَوْ تَعُوْنَا 338.... وَرُبَّمَا وَصَفَ ذَا الصِّدْقِ وَسَمْ ... ضَعْفاً بِ (صَالِحِ الْحَدِيْثِ) إِذْ يَسِمْ لمَاَّ تقدمَ أَنَّ لأَِلفاظِ التعديلِ مراتِبَ، وأَنَّ قولَهُم: ((ثقةٌ)) أرفعُ مِنْ ((ليسَ به بأْسٌ)) ؛ ذكرَ بعدَهُ أَنَّ كلامَ ابنِ معينٍ يقتضي التسويةَ بينهما، فإنَّ ابنَ أبي خَيْثَمَةَ قال: قلتُ ليحيى بنِ مَعِينٍ: إنَّكَ تقولُ: فلانٌ ليس بِهِ بَأْسٌ، وفلانٌ ضعيفٌ، قالَ: إذا قلتُ لكَ: ليس به بأْسٌ، فهو ثقةٌ، وإذا قلتُ لكَ: هو ضعيفٌ، فليسَ هو بثقةٍ لا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ليسَ في هذا حكايةُ ذلكَ عن غيرِهِ مِنْ أهلِ الحديثِ، فإِنَّهُ نَسَبَهُ إلى نفسِهِ خاصَّةً، بخلافِ ما ذكرَهُ ابنُ أبي حاتِمٍ)) . قلتُ: ولمْ يَقُلِ ابنُ معينٍ: إنَّ قولي: ليسَ بهِ بأْسٌ، كقولي: ثقةٌ، حَتَّى يلزمَ منه

التساوي بينَ اللَّفظَيْنِ، إنَّمَا قالَ: إنَّ مَنْ قالَ فيهِ هذا فهو ثقةٌ، وللثقةِ مراتبُ. فالتعبيرُ عنهُ بقولهِم: ثقةٌ، أرفعُ من التعبيرِ عنهُ بأَنَّهُ لا بأْسَ بِهِ، وإنِ اشتركا في مُطلقِ الثقةِ، واللهُ أعلمُ. وفي كلامِ دُحَيْم ما يوافقُ كلامَ ابنِ معينٍ، فإنَّ أبا زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيَّ قالَ: قلتُ لعبدِ الرحمنِ بنِ إبراهيمَ: ما تقولُ في عليِّ بنِ حَوْشَبٍ الفَزَاريِّ؟ قالَ: لا بأْسَ به. قالَ: قُلْتُ: ولِمَ لا تقولُ: ثقةٌ، ولا نعلمُ إلا خيراً؟ قالَ: قدْ قلتُ لك: إِنَّهُ ثقةٌ. ويدلُ على أَنَّ التعبيرَ بثقةٍ أرفعُ؛ أَنَّ عبدَ الرحمنِ ابنَ مَهْدِيٍّ قالَ: حَدَّثَنَا أبو خَلْدةَ فقيلَ لهُ: أَكان ثقةً؟ فقال: كانَ صدوقاً، وكان مأموناً، وكان خَيِّراً - وفي روايةٍ وكانَ خياراً - الثقةُ: شعبةُ وسفيانُ. فانظرْ كيفَ وصفَ أبا خَلْدةَ بما يقتضي القبولَ،

ثمَّ ذكرَ أَنَّ هذا اللفظَ يُقالُ لِمِثْلِ شُعبةَ وسفيانَ. ونحوُهُ ما حكاهُ الْمَرُّوْذِيُّ قالَ: سألتُ أبا عبدِ اللهِ - يعني: أحمدَ بنَ حنبلٍ - عبدُ الوهابِ بنُ عطاء ثقةٌ؟ قالَ: تدري ما الثِّقَةُ؟! إِنمّا الثِّقَةُ يَحْيَى بنُ سعيدٍ القطانُ. وقولي: (لَوْ تَعُوْنَا) ، تكملةٌ للوزنِ، أي لو تحفظُونَ مراتبَ الرواةِ. وكانَ ابنُ مَهْدِيٍّ أيضاً - فيما ذكرَ أحمدُ بنُ سِنَانٍ - رُبمَّا جَرَى ذِكْرُ حديثِ الرجلِ فيه ضَعفٌ، وهو رجلٌ صدوقٌ، فيقولُ: رجلٌ صالحُ الحديثِ، والله أعلم. مَرَاْتِبُ التَّجْرِيْحِ 339.... وَأَسْوَأُ التَّجْرِيْحِ: (كَذَّابٌ) (يَضَعْ) ... يَكْذِبُ وَضَّاعٌ وَدَجَّالٌ وَضَعْ 340.... وَبَعْدَهَا مُتَّهَمٌ بَالْكَذِبِ ... وَ (سَاقِطٌ) وَ (هَالِكٌ) فَاجْتَنِبِ 341.... وَذَاهِبٌ مَتْرُوْكٌ اوْ فِيْهِ نَظَرْ ... وَ (سَكَتُوْا عَنْهُ) (بِهِ لاَ يُعْتَبَرْ) 342.... وَ (لَيْسَ بِالثِّقَةِ) ثُمَّ (رُدَّا ... حَدِيْثُهُ) كَذَا (ضَعِيْفٌ جِدَّا) 343.... (وَاهٍ بَمَرَّةٍ) وَ (هُمْ قَدْ طَرَحُوْا ... حَدِيْثَهُ) وَ (ارَمِ بِهِ مُطَّرَحُ) 344.... (لَيْسَ بِشَيءٍ) (لاَ يُسَاوِي شَيْئَا) ... ثُمَّ (ضَعِيْفٌ) وَكَذَا إِنْ جِيْئَا

345.... بِمُنْكَرِ الْحَدِيْثِ أَوْ مُضْطَرِبِهْ ... (وَاهٍ) وَ (ضَعَّفُوهُ) (لاَ يُحْتَجُّ بِهْ) 346.... وَبَعْدَهَا (فِيْهِ مَقَالٌ) (ضُعِّفْ) ... وَفِيْهِ ضَعفٌ تُنْكِرُ وَتَعْرِفْ 347.... (لَيْسَ بِذَاكَ بالْمَتِيْنِ بِالْقَوِيْ ... بِحُجَّةٍ بِعُمْدَةٍ بِالْمَرْضِيْ) 348.... لِلضَّعْفِ مَا هُوْ فيْهِ خُلْفٌ طَعَنُوْا ... فِيْهِ كَذَا (سَيِّئُ حِفْظٍ لَيِّنُ) 349.... (تَكَلَّمُوا فِيْهِ) وَكُلُّ مَنْ ذُكِرْ ... مِنْ بَعْدُ شَيْئَاً بِحَدِيْثِهِ اعْتُبِرْ مراتبُ ألفاظِ التجريحِ على خَمْسِ مراتبَ، وجَعَلَهَا ابنُ أبي حاتِمٍ - وتبِعَهُ ابنُ الصلاحِ - أربعَ مراتبَ: المرتبةُ الأُولى: وهي أَسوؤُها أَنْ يُقالَ: فلانٌ كذَّابٌ، أو يكذِبُ، أو فلانٌ يضعُ الحديثَ، أو وَضَّاعٌ، أو وَضَعَ حديثاً، أو دَجَّالٌ. وادخلَ ابنُ أبي حاتِمٍ، والخطيبُ بعضَ ألفاظِ المرتبةِ الثانيةِ في هذهِ. قالَ ابنُ أبي حاتِمٍ: ((إذا قالوا: متروكُ

الحديثِ، أو ذاهبُ الحديثِ، أو كذَّابٌ، فهو ساقطٌ، لا يُكتَبُ حديثُهُ)) . وقالَ الخطيبُ: أَدونُ العباراتِ أَنْ يُقالَ: كذَّابٌ ساقِطٌ، وقد فَرَّقْتُ بين بعضِ هذهِ الألفاظِ تبعاً لصاحبِ " الميزانِ ". المرتبةُ الثانيةُ: فلانٌ مُتَّهَمٌ بالكذبِ، أو الوضعِ، وفلانٌ ساقطٌ، وفلانٌ هالكٌ، وفلانٌ ذاهبٌ، أو ذاهبُ الحديثِ، وفلانٌ متروكٌ، أو متروكُ الحديثِ أو تركوهُ، وفلانٌ فيه نظرٌ، وفلانٌ سكتوا عنه - وهاتانِ العبارتانِ يقولهُمُا البخاريُّ فيمَنْ تركوا حديثَهُ -، فلانٌ لا يُعْتَبَرُ بِهِ، أو لا يُعْتَبَرُ بحديثِهِ، فلانٌ ليسَ بالثقةِ، أو ليسَ بثقةٍ، أو غيرُ ثقةٍ ولا مأمونٍ، ونحوُ ذلك. المرتبةُ الثالثةُ: فلانٌ رُدَّ حديثُهُ، أو رَدُّوا حديثَهُ، أو مردودُ الحديثِ، وفلانٌ ضعيفٌ جِدَّاً، وفلانٌ واهٍ بمرّةٍ، وفلانٌ طرحوا حديثَهُ، أو مُطرَّحٌ، أو مطرَّحُ الحديثِ، وفلانٌ أرمِ بِهِ، وفلانٌ ليس بشئٍ، أو لا شئَ، وفلانٌ لا يُسَاوي شيئاً، ونحوُ ذلك. وكلُّ مَنْ قِيْلَ فيهِ ذلكَ من هذهِ المراتبِ الثلاثِ، لا يُحْتَجُّ بهِ، ولا يُسْتَشْهَدُ بِهِ، ولا يُعْتَبَرُ بِهِ.

المرتبةُ الرابعةُ: فلانٌ ضعيفٌ، فلانٌ مُنكَرُ الحديثِ، أو حديثُهُ منكرٌ، أو مضطربُ الحديثِ، وفلانٌ واهٍ، وفلانٌ ضَعَّفُوهُ، وفلانٌ لا يُحْتَجُّ بِهِ. المرتبةُ الخامسة: ُ فلانٌ فيه مقالٌ، فلانٌ ضُعِّفَ، أو فيه ضَعْفٌ، أو في حديثِهِ ضَعْفٌ، وفلانٌ تَعْرِفُ وتُنْكِرُ، وفلانٌ ليس بذاك، أو بذاك القويِّ وليس بالمتينِ، وليس بالقويِّ، وليس بحُجَّةٍ، وليسَ بِعُمْدَةٍ، وليس بالمرضِيِّ وفلانٌ للضَّعْفِ ما هو، وفيه خُلْفٌ، وطعنُوا فيهِ، أو مَطْعُوْنٌ فيه، وَسَيِّئُ الحِفْظِ، وَلَيِّنٌ، أو لَيِّنُ الحديثِ، أو فيه لِيْنٌ، وتكلَّمُوا فيهِ، ونحوُ ذلكَ. وقولي: (وَكُلُّ مَنْ ذُكِرْ مِنْ بَعْدُ شَيْئَا) ، أي: مِنْ بعد قولي: (لا يُساوي شيئاً) ، فإنَّهُ يُخَرَّجُ حديثُه للاعتبارِ، وهمُ المذكورون في المرتبةِ الرابعةِ والخامسةِ. قالَ ابنُ أبي حاتِمٍ: إذا أجابوا في رَجُلٍ بأنه ليِّنُ الحديثِ، فهو مِمَّنْ يُكْتَبُ حديثُهُ، وينظرُ فيه اعتباراً. وإذا قالوا: ليسَ بقويٍّ: فهو بمنْزِلتِهِ في كَتْبِ حديثِهِ، إلاَّ أنَّهُ دونَهُ. وإذا قالوا: ضعيفُ الحديثِ، فَهُوَ دونَ الثاني، لا يُطْرحُ حديثُهُ، بَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ. وَقَدْ تقدَّمَ في كلامِ ابنِ مَعِينٍ ما قدْ يخالفُ هَذَا مِنْ أَنَّ مَنْ قالَ فِيْهِ: ضعيفٌ، فليس

متى يصح تحمل الحديث، أو يستحب؟

بثقةٍ، لا يُكتَبُ حديثُهُ. وتقدَّمَ أَنَّ ابنَ الصلاحِ أجابَ عَنْهُ: بأَنَّهُ لَمْ يَحْكِهِ عن غيرِهِ من أهلِ الحديثِ. وسألَ حمزةُ السَّهْمِيُّ الدَّارَقطنيَّ: أَيْشٍ تريدُ إذا قلْتَ: فلانٌ لينٌ؟ قال: لا يكونُ ساقطاً متروكَ الحديثِ، ولكنْ مجروحاً بشيءٍ لا يُسْقِطُ عن العدالةِ. وأما تَمْييزُ ما زدْتُهُ من ألفاظِ الجرحِ على ابنِ الصلاحِ، فهي: فلانٌ وضَّاعٌ، ويضعُ، ووضَعَ، ودجَّالٌ، ومتَّهمٌ بالكذِبِ، وهالكٌ، وفيه نظرٌ، وسَكَتُوا عنهُ، ولا يُعتبرُ به، وليس بالثقةِ، ورُدَّ حديثُهُ، وضعيفٌ جِدَّاً، وواهٍ بمرّةٍ، وطرحُوا حديثَهُ، وارمِ بِهِ، ومطَرَّحٌ، ولا يُسَاوِي شيئاً، ومنكرُ الحديثِ وواهٍ، وضعفوهُ، وفيهِ مقالٌ، وضُعِّفَ، وتَعْرِفُ وتُنكرُ، وليس بالمتينِ، وليسِ بحُجَّةٍ، وليس بِعُمْدَةٍ، وليسَ بالمَرْضِيِّ، وللضَّعْفِ ما هوَ، وفيهِ خُلْفٌ، وطعنوا فيه، وسَيِّئُ الحفظِ، وتَكَلَّمُوا فيهِ. فهذهِ الألفاظُ لم يذكُرْهَا ابنُ أبي حاتِمٍ، ولا ابنُ الصلاحِ، وهي موجودةٌ في كلامِ أئَمةِ أهلِ هذا الشأَنِ، وأشرتُ إلى ذلك بقولي: (وزدْتُ ما في كَلاَمِ أهلِهِ وَجدْتُ) . مَتَى يَصِحُّ تَحَمُّلُ الْحَدِيْثِ، أَوْ يُسْتَحَبُّ؟ 350 ... وَقَبِلُوا مِنْ مُسْلِمٍ تَحَمُّلاَ ... فِي كُفْرِهِ كَذَا صَبِيٌّ حُمِّلاَ 351.... ثُمَّ رَوَى بَعْدَ الْبُلُوْغِ وَمَنَعْ ... قَوْمٌ هُنَا وَرُدَّ (كَالسِّبْطَيْنِ) مَعْ 352.... إِحْضَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلصِّبْيَانِ ثُمّْ ... قَبُوْلُهُمْ مَا حَدَّثُوا بَعْدَ الْحُلُمْ

مَنْ تحمَّلَ قبلَ دخولهِ في الإسلامِ، وروى بعدَهُ قُبِلَ ذلك منهُ. مثالهُ: حديثُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ المتفقُ على صحتِهِ: أَنَّهُ سمعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأُ في المغربِ بالطُّوْرِ. وكانَ جاءَ في فِدَاءِ أُسَارَى بدرٍ قَبلَ أَنْ يُسْلِمَ. وفي روايةٍ للبُخَاريِّ: وذلكَ أَوَّلُ ما وقرَ الإيمانُ في قلبي. وكذلك تُقْبلُ روايةُ مَنْ سمعَ قبلَ البلوغِ، وَرَوَى بعدَهُ. ومنعَ مِنْ ذلكَ قومٌ هنا، أي: في مسألةِ الصبيِّ، وهوَ خطأٌ مردودٌ عليهم. وقولي: (كالسِّبْطَيْنِ) ، أي: كروايةِ الحَسنِ والحُسينِ، وغيرهِما، مِمَّنْ تَحَمَّلَ في حالِ صباهُ، كعبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ، والنُّعمانِ بنِ بَشِيرٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ، والسائبِ بنِ يزيدَ، والمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، ونحوِهم. وَقبِلَ الناسُ روايتَهُم مِنْ غيرِ فَرْقٍ بينَ ما تحمَّلُوهُ قبلَ البلوغِ وبعدَهُ. وكذلك كانَ أَهلُ العلمِ يُحضِرُونَ الصِّبيانَ مجالسَ الحديثِ وَيَعْتَدُّوْنَ بروايتِهِمْ بذلكَ بعدَ البلوغِ.

353.... وَطَلَبُ الْحَدِيْثِ فِي الْعِشْرِيْنِ ... عِنْدَ (الزُّبَيْرِيِّ) أَحَبُّ حِيْنِ 354.... وَهْوَ الَّذِي عَلَيْهِ (أَهْلُ الْكُوْفَهْ) ... وَالْعَشْرُ فِي (الْبَصْرَةِ) كَالْمَألُوْفَهْ 355.... وَفِي الثَّلاَثِيْنَ (لأَهْلِ الشَّأْمِ) ... وَيَنْبَغِي تَقْيِيْدُهُ بِالْفَهْمِ 356.... فَكَتْبُهُ بالضَّبْطِ، والسَّمَاعُ ... حَيْثُ يَصِحُّ، وَبِهِ نِزَاعُ 357.... فَالْخَمْسُ لِلْجُمْهُورِ ثُمَّ الحُجَّهْ ... قِصَّةُ (مَحْمُوْدٍ) وَعَقْلُ الْمَجَّهْ 358.... وَهْوَ ابْنُ خَمْسَةٍ، وَقِيْلَ أَرْبَعَهْ ... وَلَيْسَ فِيْهِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَهْ 359.... بَلِ الصَّوَابُ فَهْمُهُ الْخِطَابَا ... مُمَيِّزاً وَرَدُّهُ الْجَوَابَا حكى أبو محمَّدِ بنُ خَلاَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ في كتابهِ " المحدِّثِ الفاصلِ "، عن أبي عبدِ اللهِ الزُّبيريِّ من الشافعيةِ، واسمُهُ الزُّبيرُ بنُ أحمدَ، أَنَّهُ قالَ: يُستحبُ كَتْبُ الحديثِ في العشرينِ؛ لأَنَّها مُجتمعُ العقلِ، قالَ: وأحبُّ أَنْ يَشْتَغِلَ دونَها بحفِظِ القرآنِ، والفرائِضِ. وقولي: (في العشرينِ) - بكسر النون - على لغةٍ كقولِ الشاعرِ: ...... ...... ...... وَقَدْ جاوزْتُ حَدَّ الأربعِيْنِ وقالَ موسى بنُ إسحاقَ: كانَ أهلُ الكوفةِ لا يُخرِجُونَ أولادَهُم في طلبِ الحديثِ صِغَاراً، حَتَّى يستكمِلوا عشرينَ سنةً. وقالَ موسى بنُ هارونَ الحمَّالِ: أهلُ البصرةِ يكتبُوْنَ لعشرِ سنينَ، وأهلُ الكوفةِ لعشرينَ، وأهلُ الشَّامِ لثلاثينَ.

وقوليِ: (وَيَنْبَغِي تَقْييدُهُ) ، أي: طلبُ الحديثِ وكتابتُهُ بالضبطِ، وسماعُهُ مِنْ حيثُ يصحُّ. فقولهُ: (والسَّماعُ) ، مرفوعٌ عطفاً على قولهِ: (فكتبهُ) . قال ابنُ الصلاحِ: ((وينبغي بعدَ أَنْ صار الملحوظُ إبقاءَ سلسلةِ الإسنادِ أن يُبَكَّرَ بإسماعِ الصغيرِ في أَولِ زمانٍ يَصِحُّ فيهِ سماعُهُ. وأمَّا الاشتغالُ بِكَتْبِهِ الحديثَ وتحصيلِهِ، وضبطِهِ، وتقييدِهِ، فمن حيثُ يتأهَّلُ لذلكَ ويستعدُ لهُ، وذلكَ يختلفُ باختلافِ الأشخاصِ، وليس ينحصرُ في سِنٍّ مخصوصٍ)) . وقولي: (وَبِهِ نِزَاعٌ) ، أي: وفي الوقتِ الذي يصحُ فيه السماعُ نزاعٌ بين العلماءِ، وهي أربعةُ أقوالٍ: أحدُها: ما ذهبَ إليه الجمهورُ أَنَّ أقلَّهُ خمسُ سنينَ. وحكاهُ القاضي عياضٌ في " الإلماع " عن أَهلِ الصنعةِ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: هو الذي استقرَّ عليه عملُ أهلِ الحديثِ المتأخِّرينَ، وحجتُهُم في ذلكَ ما رواهُ البخاريُّ في صحيحِهِ والنسائيُّ وابنُ ماجه، من حديثِ محمودِ بنِ الرَّبيعِ قالَ: عَقَلْتُ مِنَ النبيِّ (مَجَّةً مَجَّهَا في وَجْهِي مِنْ دلوٍ وأنا ابنُ خمسِ سنينَ. بَوَّبَ عليهِ البخاريُّ: متى يصحُّ سماعُ الصغيرِ؟ قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: حَفِظَ ذلكَ عنهُ

وهوَ ابنُ أربعِ سنينَ، أو خمسِ سنينَ. وأثبْتُ هاءَ التأنيثِ في خمسةٍ أو أربعةٍ لإرادةِ الأعوامِ. وأثبْتُ مع حذفِ المعدودِ عَلَى إِحدى اللُّغتيْنِ. وليسَ في حديثِ محمود سُنَّةٌ مُتَّبعةٌ، إذ لا يلزمُ منه أَنْ يُمَيِّزَ كلُّ أَحدٍ تمييزَ محمودٍ، بلْ قد ينقصَ عنه وقدْ يزيدُ. ولا يلزمُ منه ألاَّ يعقِلَ مثلَ ذلكَ وسِنُّهُ أَقلُ من ذلكَ، ولا يلزمُ مِنْ عَقْلِ المَجَّةِ أَنْ يَعْقِلَ غيرَ ذلك مما يسمَعُهُ. والقولُ الثاني من الخلافِ في صحةِ سماعِ الصغيرِ اعتبارُ تمييزِهِ على الخصوصِ، فمتى كانَ يفهمُ الخطابَ، ويردُّ الجوابَ؛ كان سماعُهُ صحيحاً، وإنْ كانَ ابْنَ أقلّ مِنْ خمسٍ وإنْ لم يكنْ كذلك لم يصحَّ، وإنْ زادَ على الخمسِ. وهذا هو الصوابُ، وسيأتي القولانِ الآخرانِ في الأبياتِ التي تلي هذا. 360.... وَقِيْلَ: (لابْنِ حَنْبَلٍ) فَرَجُلُ ... قال: لِخَمْسَ عَشْرَةَ التَّحَمُّلُ 361.... يَجُوْزُ لاَ فِي دُوْنِهَا، فَغَلَّطَهْ ... قال: إذا عَقَلَهُ وَضَبَطَهْ 362.... وَقِيْلَ: مَنْ بَيْنَ الْحِمَارِ وَالْبَقَرْ ... فَرَّقَ سَامِعٌ، وَمَنْ لاَ فَحَضَرْ 363.... قال: بِهِ الَحْمَّالُ، وابْنُ الْمُقْرِيْ ... سَمَّعَ لاِبْنِ أَرْبَعٍ ذِي ذُكْرِ

وممَّا يدلُّ على اعتبارِ التمييزِ في صحةِ سماعِ الصبيِّ، قولُ أحمدَ وقدْ سُئِلَ: مَتَى يصحُّ سماعُ الصبيِّ للحديثِ؟ فقالَ: إذا عَقَلَ وَضَبَطَ. فَذُكرَ لهُ عَنْ رجلٍ أنَّهُ قالَ: لا يجورُ سماعُهُ حَتَّى يكونَ له خمسَ عَشْرَةَ سنةً، فأنكرَ قولَهُ، وقالَ: بئسَ القولُ. وهذا هو القولُ الثالثُ. والقولُ الرابعُ: وهو قولُ موسى بنِ هارونَ الحمَّالِ، وقد سُئِلَ متى يجوزُ سماعُ الصبيِّ للحديثِ؟ فقالَ: إذا فَرَّقَ بَيْنَ البقرةِ والدابَّةِ، وفي روايةٍ بَيْنَ البَقَرَةِ والحِمَاْرِ. وقولي: (وابنُ الْمُقْرِيْ) هُوَ مبتدأٌ ليسَ معطوفاً عَلَى الحمَّالِ. والذي سمعَ لهُ ابنُ المقرئ هُوَ الْقَاضِي أبو محمدٍ عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ اللَّبانِ الأصبهانيُّ. فروينا عَنْ الخطيبِ قالَ: سمعتُهُ يقولُ: حفِظْتُ القرآنَ ولي خمسُ سنينَ، وأُحْضِرْتُ عِنْدَ أبي بكرِ بنِ المقري، ولي أربعُ سنينَ، فأرادوا أن يُسَمِّعُوا لي فِيْمَا حَضَرْتُ قراءتَهُ، فَقَالَ بعضُهُم: إنَّهُ يصغرُ عَنْ السماعِ! فقالَ لي ابنُ المقرئ: اقرأْْ سورةَ ((الكافرون)) ، فقرأتُها. فقالَ: اقرأْ سورةَ ((التكويرِ)) ، فقرأتها. فقالَ لي غيرُهُ: اقرأْ سورةَ و ((المرسلاتِ)) ، فقرأتها، وَلَمْ أَغلطْ فِيْهَا. فَقَالَ ابنُ المقرئ: سمِّعوا لَهُ والعُهْدَةُ عليَّ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: بَلَغَنَا عنْ إبراهيمَ بنِ سعيدٍ الْجَوْهَرِيِّ، قالَ: رأيتُ صبيَّاً ابنَ أربعِ

أقسام التحمل

سنينَ، قد حُمِلَ إلى المأمونِ، قد قَرأَ القرآنَ، ونظرَ في الرأيِ، غيرَ أَنّهُ إذا جاع يَبْكي! والذي يَغْلبُ على الظنِّ عدمُ صحةِ هذهِ الحكايةِ، وقد رواها الخطيبُ في الكفايةِ بإسنادِهِ، وفي سَنَدِها أحمدُ بنُ كاملٍ القاضي، وكان يعتمدُ على حفظِهِ فيهم. وقال الدَّارقطنيُّ: كانَ متساهلاً. أَقْسَاْمُ التَّحَمُّلِ وَأَوَّلُهَا: سَمَاْعُ لَفْظِ الشَّيْخِ 364.... أَعْلَى وُجُوْهِ الأَخْذِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ ... وَهْيَ ثَمَانٍ: لَفْظُ شَيْخٍ فَاعْلَمِ 365.... كتَاباً او حِفْظاً وَقُلْ: (حَدَّثَنَا) ... (سَمِعْتُ) ، أَوْ (أَخْبَرَنَا) ، (أَنْبَأَنَا)

366.... وَقَدَّمَ (الْخَطِيْبُ) أَنْ يَقُوْلاَ: ... (سَمِعْتُ) إِذْ لاَ يَقْبَلُ التَّأْوِيْلاَ 367.... وَبَعْدَهَا (حَدَّثَنَا) ، (حَدَّثَنِي) ... وَبَعْدَ ذَا (أَخْبَرَنَا) ، (أَخْبَرَنِي) 368.... وَهْوَ كَثْيِرٌ وَ (يَزِيْدُ) اسْتَعْمَلَهْ ... وَغَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا قَدْ حَمَلَهْ 369.... مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ، وَبَعْدَهُ تَلاَ: ... (أَنْبَأَنَا) ، (نَبَّأَنَا) وَقَلَّلاَ وجوهُ الأخذِ للحديثِ وتحمُّلهِ عن الشيوخِ ثمانيةٌ. فأرفعُ الأقسامِ وأعلاهَا عندَ الأكثرينَ: السماعُ مِنْ لفظِ الشيخِ، سواءٌ حَدَّثَ من كتابِهِ أو حفظهِ بإملاءٍ أو غيرِ إملاءٍ. وقولي: (وقُلْ: حَدَّثَنَا) ، أي: وقُلْ في حالةِ الأداءِ لما سمعتَهُ هكذا من لفْظِ الشيخِ. قال القاضي عياضٌ: لا خلافَ أَنَّهُ يجوزُ في هذا أن يقولَ السامعُ منهُ: حَدَّثَنَا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعتُ فلاناً يقولُ، وقالَ لنا فلانٌ، وذكرَ لنا فلانٌ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: في هذا نظرٌ، وينبغي فيما شاعَ استعمالُهُ من هذهِ الألفاظِ مخصوصاً بما سمعَ من غيرِ لفظِ الشيخِ أن لا يُطْلَقَ فيما سَمِعَ من لفظهِ، لما فيهِ من الإيهامِ، والإلباسِ. قلت: ولم أذكرْ هذا في النَّظْمِ؛ لأنَّ القاضي حكى الإجماعَ على جوازهِ، وهو مُتَّجِهٌ، ولا شكَ أَنَّهُ لا يجبُ على السامعِ أَنْ يُبَيِّنَ هل كان السماعُ من لفظِ الشيخِ أو عَرْضَا؟ نَعَمْ، إطلاقُ أنبأنا بعد أنِ اشتهَرَ استعمالُها في الإجازةِ يؤدي إلى أَنْ يُظنَّ بما أدَّاهُ بها أنَّهُ إجازةٌ فيسقطُهُ مَنْ لا يحتجُ بالإجازةِ فينبغي أن لا تُستعملَ في المتصلِ بالسماعِ، لما حدثَ من الاصطلاحِ. وقال الخطيبُ: أرفعُ العباراتِ: سمعتُ، ثُمَّ حَدَّثَنَا وحَدَّثَني، ثُمَّ أخبرنا،

وهو كثيرٌ في الاستعمالِ، ثم أنبأنا ونبأنا، وهو قليلٌ في الاستعمالِ. وقال أحمدُ بنُ صالحٍ: أخبرنا وأنبأنا دونَ حَدَّثَنَا. وقال أحمدُ بنُ حنبلٍ: أخبرنا أسهلُ من حَدَّثَنَا، حَدَّثَنَا شديدٌ. واستدلَ الخطيبُ على ترجيحِ سمعتُ بأَنَّهُ لا يكادُ أحدٌ يقولُها في أَحاديثِ الإجازةِ، والمكاتبةِ، ولا في تَدْليسِ ما لم يسمعْهُ. واستعملَ بعضهُمُ حَدَّثَنَا في الإجازةِ، ورُوِيَ عن الحسن، قال: حَدَّثَنَا أبو هريرة ويتأوَّلُ: حَدَّثَ أهلَ المدينةِ والحسنُ بها. قال ابنُ دقيقِ العيدِ: وهذا إذا لمْ يَقُمْ دليلٌ قاطعٌ على أَنَ الحسنَ لم يسمعْ من أبي هريرةَ لم يَجُزْ أَنْ يُصَارَ إليه. قلتُ: قال أبو زرعةَ، وأبو حاتِم: مَنْ قال عن الحسن حَدَّثَنَا أبو هريرةَ، فقد أخطأ. انتهى. والذي عليهِ العملُ أَنَّهُ لم يَسْمَعْ منه شيئاً. قال أيوبُ وبَهْزُ بنُ أسدٍ ويونسَ بنُ عبيدٍ وأبو زُرْعَةَ وأبو

حاتِمٍ والترمذيُ والنسائيُ والخطيبُ، وغَيْرُهُم. وزاد يونُسُ ما رآه قَطُّ. وقيل: سمعَ منه، وهو ضعيفٌ. وقال ابنُ القطانِ: واعلمْ أنَّ حَدَّثَنَا ليستْ بنصٍ في أَنَّ قائِلَها سمعَ، ففي مسلمٍ حديثُ الذي يقتلُهُ الدَّجَّالُ، فيقولُ: أنتَ الدَّجَّالُ الذي حَدَّثَنَا بهِ رسولُ اللهِ (؟ قَالَ: ومعلومٌ أَنَّ ذَلِكَ الرجلَ متأخِّرُ الميقاتِ. انتهى. فيكونُ مرادُهُ حَدَّثَ أُمَّتَهُ وَهُوَ مِنْهُمْ. وَقَدْ قالَ مَعْمَرٌ: إِنَّهُ الخضرُ، فحينئذٍ لا مانعَ من سماعهِ. وقولي: (ويزيدُ استعمَلَه) ، أي: ويزيدُ بنُ هارونَ وغيرُ واحدٍ استعملَ أخبرَنا فيما سَمِعَهُ من لفظِ الشيخِ. قالَ محمدُ بنُ أبي الفوارسِ: هُشَيْمُ ويزيدُ بنُ هارونَ وعبدُ الرزاقِ؛ لا يقولونَ إلا أخبرنا، فإذا رأيتَ حَدَّثَنَا فهو مِنْ خطأ الكاتبِ. وحكى الخطيبُ: أَنَّ مِمَّنْ كان يفعلُ ذلكَ أيضاً: حمَّادَ بنَ سلمةَ وابنَ المباركِ وهُشيماً وعبيدَ اللهِ بنَ موسى وعمرَو بنَ عَوْنٍ ويحيى بنَ يحيى التَّمِيميَّ

وابنَ رَاهَوَيْهِ وأحمدَ بنَ الفراتِ ومحمّدَ ابنَ أيوبَ الرازيَّيْنِ. وذُكِرَ عَنْ محمدِ بنِ رافعٍ أَنَّ عبدَ الرزاقِ كانَ يقولُ: أخبرنا، حتى قدمَ أحمدُ وإسحاقُ فقالا له: قُلْ حَدَّثَنَا، مما سمعتَ معَ هَؤلاءِ، قالَ: حَدَّثَنَا. وما قبل ذلكَ كانَ يقولُ: أخبرنا. وقالَ ابنُ الصلاحِ بعد حكايةِ كلامِ ابنِ أبي الفوارسِ: - قُلتُ: - وكان هذا كلُّهُ قبلَ أَنْ يشيعَ تخصيصُ أخبرنا بما قُرئَ على الشيخِ. 370.... وَقَوْلُهُ: (قَالَ لَناَ) وَنَحْوُهَا ... كَقُوْلِهِ: (حَدَّثَنَا) لَكِنَّهَا 371.... الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا مُذَاكَرَهْ ... وَدُوُنَهَا (قَالَ) بِلاَ مُجَارَرَهْ 372.... وَهْيَ عَلى السَّمَاعِ إِنْ يُدْرَ اللُّقِيْ ... لاَ سِيَّمَا مَنْ عَرَفُوْهُ فِي الْمُضِيْ 373.... أنْ لاَ يَقُوْلَ ذَا بِغَيْرِ مَا سَمِعْ ... مِنْهُ (كَحَجَّاجٍ) وَلَكِنْ يَمْتَنِعْ 374.... عُمُوْمُهُ عِنْدَ الْخَطيْبِ وَقُصِرْ ... ذَاكَ عَلى الَّذِي بِذَا الوَصْفِ اشْتُهِرْ

قولُ الراوي: قالَ لنا فلانٌ، أو قالَ لي، أو ذَكَرَ لنا، أو ذَكَرَ لِي، ونحوُ ذلك؛ هو من قبيلِ قولِهِ: حَدَّثَنَا فلاَنٌ في أَنَّهُ متصلٌ. لكنَّهُم كثيراً ما يستعملونَ هذا فيما سمعوهُ في حالةِ المذاكرةِ. قال ابنُ الصلاحِ: إنه لائقٌ بهِ وهو بهِ أشبهُ مِنْ حَدَّثَنَا. وخالف أبو عبدِ الله بنُ مَنْدَه في ذلك، فقالَ فيما رويناهُ في جزءٍ له: أَنَّ البخارِيَّ حيثُ قال: قالَ لي فلانٌ، فهو إجازةٌ، وحيثُ قال: قالَ فلانٌ، فهو تدليسٌ، ولم يقبلِ العلماءُ كلامَهُ هذا، وسيأتي كلامُ ابنِ حمْدَانَ بما يخالفُ هذا في كيفيةِ الروايةِ بالمناولةِ والإجازةِ، حيث ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ. ولما ذكرَ أبو الحسنِ بنُ القطانِ تدليسَ الشيوخِ؛ قال: وأَما البخاريُّ فذلك عنه باطلٌ. ودون هذهِ العبارةِ قولُ الراوي: قال فلانٌ وذكرَ فلانٌ منِ غيرِ ذِكْرِ الجارِ والمجرورِ، وهذا معنى قولي: (بلا مجارَرَه) ، وهو براءَيْنِ، وهذهِ أوضعُ العباراتِ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ، ومع ذلك فهي محمولةٌ على السماعِ بالشرطِ المذكورِ في الْمُعَنْعَنِ، وهو إذا عُلِمَ اللُّقِيُّ، أي: وسَلِمَ الراوي من التدليسِ، كما اشترطَ هناكَ وإِنْ لم يذكرْ هنا تبعاً لابنِ الصلاحِ، لا سِيِّما مَنْ عُرِفَ من حالِهِ أَنَّهُ لا يَرْوي إِلا ما سمعَهُ. كحجَّاجِ بنِ محمدٍ الأعورِ، فروى كُتبَ ابنِ جُرَيْجٍ بلفظِ: قالَ ابنُ جريجٍ، فحملَها الناسُ عنه واحتَجُّوا بها، هذا هو المحفوظُ المعروفُ، وخصَّصَ الخطيبُ ذلك بمَنْ عُرِفَ من عادتهِ مثلُ ذلك، فأمَّا مَنْ لا يُعْرَفُ بذلك، فلا يحملِهُ على السماعِ.

الثاني: القراءة على الشيخ

الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ 375.... ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتَهَا ... مُعْظَمُهُمْ عَرْضَاً سَوَا قَرَأْتَهَا 376.... مِنْ حِفْظٍ او كِتَابٍ او سَمِعْتَا ... والشَّيْخُ حَافِظٌ لمِاَ عَرَضْتَا 377.... أولاَ، وَلَكِنْ أَصْلُهُ يُمْسِكُهُ ... بِنَفْسِهِ، أو ثِقَةٌ مُمْسِكُهُ 378.... قُلْتُ: كَذَا إنْ ثِقَةٌ مِمَّنْ سَمِعْ ... يَحْفَظُهُ مَعَ اسْتِماَعٍ فَاقْتَنِعْ ثُمَّ القسمُ الثاني منْ أَقسامِ الأخذِ والتحمُّلِ: القراءةُ على الشيخِ، ويسمِّيها أكثرُ المحدِّثينَ عَرْضَاً، بمعنى أَنَّ القارئ يعرضُ على الشيخِ ذلكَ. وقولي: (سَوَا) - بفتحِ السِّيْنِ وقُصِرَ للضَّرُوْرَةِ - أي: سواءٌ قرأتَ بنفسكَ على الشيخِ من حِفْظِكَ أو من كتابٍ أو سمعتَ بقراءةِ غيرِكَ من كتابٍ أو حفظه أيضاً، وسواءٌ كانَ الشَّيخُ حافظاً لما عرضْتَ أَمْ عَرَضَ غيرك عليهِ، أو غيرَ حافظٍ له، ولكنْ يُمسِكُ أصلَهُ هو أو ثقةٌ غيُره خلافاً لبعضِ الأُصوليينَ فيما إذا لم يُمْسِكْ أصلَهُ بنفسِهِ على ما سيأتي في التفريعاتِ التي بعدَ هذهِ الترجمةِ. وهكذا إنْ كان ثقةٌ من

السامعينَ يحفظُ ما يُقْرَأُ على الشيخِ، والحافظُ لذلك مُستمِعٌ لما يُقْرَأُ غيرُ غافلٍ عنهُ فذاكَ كافٍ أيضاً. ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ هذهِ المسألة الأخيرةَ. والحكمُ فيها مُتَّجِهٌ، ولا فرقَ بينَ إمساكِ الثِّقَةِ لأصلِ الشيخِ وبين حفظِ الثقةِ لما يقرأُ وقد رأيتُ غيرَ واحدٍ من أَهلِ الحديثِ وغيرِهم اكتفى بذلك سواءٌ كانَ الحافظُ هو الذي يقرأُ أو غيرُه. 379.... وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا، وَرَدُّوا ... نَقْلَ الخِلاَفِ، وَبِهِ مَا اعْتَدُّوا 380.... وَالخَلْفُ فِيْهَا هَلْ تُساوي الأوَّلاَ ... أو دُوْنَهُ أو فَوْقَهُ؟ فَنُقِلاَ 381.... عَنْ (مَالِكٍ) وَصَحبْهِ وَمُعْظَمِ ... (كُوْفَةَ) وَ (الحِجَازِ أَهْلِ الْحَرَمِ) 382.... مَعَ (البُخَارِيِّ) هُمَا سِيَّانِ ... وَ (ابْنُ أبِي ذِئْبٍ) مَعَ (النُّعْمَانِ) 383.... قَدْ رَجَّحَا الْعَرَضَ وَعَكْسُهُ أَصَحّْ ... وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) نَحْوَهُ جَنَحْ ... أي: وأجمعُوا على صِحَّةِ الروايةِ بالعَرْضِ، وردُّوا ما حُكِىَ عَنْ بعضِ مَنْ لا يُعتَدُّ بخلافِهِ، أنَّهُ كانَ لا يَرَاها، وهو أبو عاصمٍ النَّبيلُ رواهُ الرَّامَهُرْمُزِيُّ عنه. وروى الخطيبُ عن وكيعٍ قالَ: ما أخذتُ حديثاً قطُّ عَرْضَاً. وعن محمدِ بنِ

سَلامٍ: أَنَّهُ أدركَ مالكَ بنَ أنسٍ، والناسُ يَقْرَؤُونَ عليه فلم يَسْمَعْ منه لِذَلِكَ. وكذلك عبدُ الرحمنِ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحِيُّ لم يكتفِ بذلكَ. فقالَ مالكٌ: أخرجوهُ عَنِّي. وَمِمَّنْ قالَ بصحتِها مِنَ التَّابعينَ: عطاءٌ ونافعٌ وعروةُ والشعبيُّ والزهريُّ ومكحولٌ والحسنُ ومنصورٌ وأيوبُ، ومن الأَئِمَّةِ: ابنُ جريجٍ والثوريُّ وابنُ أبي ذِئْبٍ وشُعبةُ والأئمةُ الأربعةُ وابنُ مهدِيٍّ وشريكٌ والليثُ وأبو عُبيدٍ والبخاريُّ في خَلْقٍ لا يحصَوْنَ كثرةً. واستدلَّ البخاريُّ على ذلك بحديثِ ضِمَامِ بنِ ثعلبةَ. واختلفوا في القراءةِ على الشيخِ هل تساوي القسمَ الأولَ -وهو السَّماعُ من لفظهِ- أو هي دونَهُ، أو فوقَه؟ عَلَى ثلاثةِ أقوالٍ: فذهبَ مالكٌ وأصحابُهُ ومعظمُ علماءِ الحجازِ والكوفةِ والبخاريُّ إِلَى التسويةِ بينَهما، وحكاهُ أبو بكرٍ الصيرفيُّ في كتابِ

" الدلائلِ " عن الشافعيِّ، فَقَالَ: وبابُ الحديثِ عندَ الشافعيِّ رحمهُ الله في القراءةِ عَلَى المحدّثِ، والقراءةِ مِنْهُ سواءٌ. وذهبَ ابنُ أبي ذِئْبٍ، وأبو حَنيفةَ النعمانُ بنُ ثابتٍ، إِلَى ترجيحِ القراءةِ عَلَى الشَّيخِ عَلَى السَّماع ِمن لفظهِ، وحُكِيَ ذلكَ عن مالكٍ أيضاً، حكاهُ عَنْهُ ابنُ فارسٍ، وحكاهُ أيضاً عن ابنِ جُريج ٍوالحسنِ بنِ عمارةَ، ورواهُ الخطيبُ في " الكفاية " عن مالكٍ أيضاً، والليثِ بنِ سعدٍ وشعبةَ وابنِ لهيعةَ ويحيى بنِ سعيدٍ ويحيى بنِ عبدِ اللهِ بنِ بكيرٍ والعباسِ بنِ الوليدِ بنِ مَزْيَدٍ وأبي الوليدِ وموسى بن داودَ الضبيَّ الخلقانيِّ وأبي عُبيدٍ القاسمِ بنِ سَلاَّمٍ وأبي حاتِمٍ. وذهب جمهورُ أهلِ الشرقِ إِلَى ترجيحِ السماعِ منْ لفظِ الشيخِ على القراءةِ عليهِ، وهو الصحيحُ.

384.... وَجَوَّدُوا فِيْهِ قَرَأْتُ أو قُرِىْ ... مَعْ وَ (أَنَا أَسْمَعُ) ثُمَّ عَبِّرِ 385.... بِمَا مَضَى فِي أولٍ مُقَيِّدَا ... (قِرَاَءةً عَلَيْهِ) حَتَّى مُنْشِدَا 386.... (أَنْشَدَنَا قِرَاَءةً عَلَيْهِ) لاَ ... (سَمِعْتُ) لَكِنْ بَعْضُهُمْ قَدْ حَلَّلاَ 387.... وَمُطْلَقُ التَّحْدِيْثِ وَالإِخْبَارِ ... مَنَعَهُ (أَحْمَدُ) ذُوْ الْمِقْدَارِ 388.... (وَالنَّسَئِيُّ) وَ (التَّمِيْمِيْ يَحْيَى) ... وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) الْحمِيْدُ سَعْيَا 389.... وَذَهَبَ (الزُّهْرِيُّ) وَ (الْقَطَّانُ) ... وَ (مَالِكٌ) وَبَعْدَهُ (سُفْيَانُ) 390.... وَمُعْظَمُ (الْكُوْفَةِ) وَ (الْحِجَازِ) ... مَعَ (الْبُخَارِيِّ) إلى الْجَوَازِ 391.... وَابْنُ جُرَيِجٍ وَكَذَا الأوزَاعِيْ ... مَعَ (ابْنِ وَهْبٍ) وَ (الإمَامُ الشَّافِعِيْ) 392.... وَ (مُسْلِمٌ) وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) ... قَدْ جَوَّزُوا أَخْبَرَنَا لِلْفَرْقِ 393.... وَقَدْ عَزَاهُ صَاحِبُ الإِنْصَافِ ... (للنَّسَئيْ) مِنْ غَيْرِ مَا خِلاَفِ 394.... وَالأَكْثَرِيْنَ وَهُوَ الَّذِي اشْتَهَرْ ... مُصْطَلَحاً لأَهْلِهِ أَهْلِ الأَثَرْ

هذا بيانٌ لعبارةِ أداءِ مَنْ سمعَ بالعَرْضِ. وأجودُ العباراتِ فيه أنْ يقولَ قرأتُ على فلانٍ. هذا إِنْ كان هو الذي قَرأَ. فإِنْ سمعَ عليه بقراءةِ غيرهِ قالَ قُرِيء على فلانٍ وأنا أسمعُ، وهذا المرادُ بقولي: (وَجَوَّدُوا) - بالدال - أي: رأوا أجودَ. وقولي: (ثم عَبِّرِ) ، أي: ويلي هذه مِنَ العباراتِ العباراتُ التي مضتْ في القِسْمِ الأولِ مقيّدةً بما تبينَ أنَّ السماعَ عرضٌ، فيقولُ: حَدَّثَنَا فلانٌ بقراءتِي، أو قراءةً عليه، وأنا أسمع وأخبرنا بقراءتي أو قراءةً عليه أو أنبأنا، أو نبأنا فلانٌ بقراءتِي أو قراءةً عليه، أو قالَ لنا فلانٌ قراءةً عليه، أو نحوَ ذلك، حتى استعملوهُ في الإنشادِ، فقالوا: أنشدَنا فلانٌ قراءةً عليه، أو بقراءتِي عليه، ولم يستثنوا مما يجوزُ في القِسْمِ الأول إلا لفظَ سمعتُ فلم يُجَوِّزُوْهَا في العَرْضِ، وقد صَرَّحَ بذلك أحمدُ بنُ صالحٍ فقال: لا يجوزُ أنْ يقولَ: سمعتُ. وقال القاضي أبو بكرٍ الباقلانيُّ: إنَّهُ الصحيحُ. قالَ: وقالَ بعضُهم: يجوزُ. وقال القاضي عياضٌ: وهو قولٌ رُوِيَ عَنْ مالكٍ والثوريِّ وابنِ عُيينةَ. والصحيحُ ما تقدَّمَ، وهو المرادُ بقولي: (لا سمعتُ) . فأمَّا إطلاقُ حَدَّثَنَا، وأخبرنا من غيرِ تقييدٍ

بقوله: بقراءتي، أو قراءةً عليه، فقد اختلفوا فيه على مذاهبَ: فَذَهَبَ عبدُ الله بنُ المباركِ، ويحيى بنُ يحيى التميميُّ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، والنسائيُّ، فيما حكاه عنه ابنُ الصلاحِ. تبعاً للقاضي عياضٍ إلى مَنْعِ إطلاقِهِما. وقال القاضي أبو بكرٍ: إِنَّهُ الصحيحُ. وحكاهُ الخطيبُ عن ابنِ جُرَيْجٍ، خلافَ ما حكى عنه ابنُ الصلاحِ من التفرقةِ. قال الخطيبُ: وهو مذهبُ خَلْقٍ كثيرٍ من أصحابِ الحديثِ، وذهبَ أبو بكرِ بنُ شهابٍ الزهريُّ، ومالكٌ، والثَّوريُّ،

وأبو حنيفةَ، وصاحباهُ، وسفيانُ بنُ عيينةَ، ويحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، ومعظمُ الحجازيين، والكوفيينَ، والبخاريُّ، إلى جوازِ إطلاقهِما. ومِمَّنْ ذهبَ إلى أنَّ حَدَّثَنَا وأخبرنا سواءٌ: يحيى بنُ سعيدٍ القطَّانُ، ويزيدُ بنُ هارونَ، والنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وأبو عاصمٍ النبيلُ، ووهبٌ بنُ جريرٍ، ومالكٌ في أحدِ القولينِ عنه، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وثعلبٌ، والطحاويُّ وصَنَّفَ فيه جزءاً سمعناهُ متصلاً وغيرُهم من أهلِ العلمِ وقد حكاهُ القاضي عياضٌ عن الأكثرينَ وكذا قالَ ابنُ فارسٍ: ذهب إليه أكثرُ علمائِنا، وذهبَ ابنُ جريجٍ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ وأصحابُهُ وابنُ

وَهْبٍ وجمهورُ أهلِ المشرقِ إلى الفرقِ بين اللفظين، فَجَوَّزُوا إطلاقَ: أخبرنا، ولم يُجَوِّزُوا إطلاقَ: حَدَّثَنَا، وعزاهُ محمدُ بنُ الحسنِ التَّمِيْمِيُّ الجوهريُّ في كتابِهِ "الإنصافِ" للنسائيِّ ولأكثرِ أصحابِ الحديثِ، وهو الشائعُ الغالبُ على أهلِ الحديثِ، كما قال ابنُ الصلاحِ وكأنَّهُ اصطلاحٌ للتمييزِ بين النوعينِ. فقولي: (وبعدَهُ سُفيانُ) ، إشارةٌ إلى أَنّهُ ابنُ عيينةَ، لا الثَّوريُّ؛ لأَنَّ الثَّوريَّ متقدمُ الوفاةِ عَلَى مالكٍ، كَمَا سيأتي في تاريخِ الوفياتِ، وابنُ عيينةَ متأخرٌ، وقولي: (وابنُ جريج) مبتدأٌ وليسَ بمعطوفٍ. 395.... وَبَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَا أَعَادَا ... قِرَاءَةَ الصَّحِيْحِ حَتَّى عَادَا 396.... فِي كُلِّ مَتْنٍ قَائِلاً: (أَخْبَرَكَا) ... إِذْ كَانَ قال أوَّلاً: (حَدَّثَكَا) 397.... قُلْتُ وَذَا رَأْيُ الَّذِيْنَ اشْتَرَطُوا ... إِعادَةَ اْلإِسْنَادِ وَهْوَ شَطَطُ أي: وبعضُ مَنْ قالَ بالفرقِ بينَ اللَّفْظَيْنِ، وهو أبو حاتِمٍ محمدُ بنُ يعقوبَ الهرويُّ، فيما حكاهُ البَرْقانيُّ عنهُ؛ أَنَّهُ قرأَ على بعضِ الشيوخِ عِن الفِرَبْرِيِّ صحيحَ البخاريِّ، وكان يقولُ لهُ في كلِ حديثٍ حدَّثَكُم الفِرَبْرِيُّ، فلمَّا فَرَغَ من الكتابِ سَمِعَ الشيخَ يذكرُ أنَّهُ إنَّمَا سَمِعَ الكتابَ من الفِرَبْرِيِّ قراءةً عليه، فأَعادَ قراءةَ الكتابِ كُلِّهِ، وقالَ لهُ في جميعهِ: أخبرَكُم الفِرَبْرِيُّ، قلتُ: وكأَنَّهُ كانَ يرى أَنَّهُ لابُدَّ مِنْ ذِكْرِ السَّنَدِ في كُلِّ

تفريعات

حديثٍ، وإنْ كانَ الإسنادُ واحداً إلى صاحبِ الكتابِ، وهو من مذاهبِ أهلِ التشديدِ في الروايةِ، وإلاَّ لاكتفى بقولهِ لهُ: أخبرَكُم الفِرَبْرِيُّ بجميعِ صحيحِ البخاريِّ. والصحيحُ أنَّهُ لا يحتاجُ إلى إعادةِ السَّنَد في كلِّ حديثٍ على ما سيأتي في موضوعِهِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى. تَفْرِيْعَاتٌ 398.... وَاخْتَلَفُوا إِنْ أَمْسَكَ الأَصْلَ رِضَا ... وَالشَّيْخُ لاَ يَحْفَظُ مَا قَدْ عُرِضَا 399.... فَبَعْضُ نُظَّارِ الأُصُوْلِ يُبْطِلُهْ ... وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثْيِنَ يَقْبَلْهْ 400.... وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ ... مُمْسِكُهُ فَذَلِكَ السَّمَاعُ رَدّْ إذا كانَ الشيخُ الذي يُقْرَأُ عليه عَرْضَاً لا يحفظُ ذلك المقروءَ عليهِ، فإنْ كانَ أصلُهُ بيدِهِ، فالسَّماعُ صحيحٌ -كما تَقَدَّمَ- وإنْ كانَ القارئُ يقرأُ في أصلِهِ فهوَ صحيحٌ أيضاً، خلافاً لبعضِ أهلِ التشديدِ في الروايةِ. وإِنْ لَمْ تكنِ القراءةُ من الأَصلِ، ولكنَّ الأصلَ يُمسكُهُ أحدُ السامعينَ الثقاتِ، فاختلفوا في صحةِ السماعِ. فحكى القاضي عياضٌ: أنَّ القاضي أبا بكرٍ الباقلانيَّ تردَّدَ فيهِ. قالَ: وأكثرُ ميلِهِ إلى المنعِ. قال: وإليهِ نَحَا الجوينيُّ، يَعني: إمامَ الحرمينِ قالَ: وأجازَهُ بعضهُمْ، وصحَّحَهُ. وبهذا عملَ كافةُ الشيوخِ وأهلُ الحديثِ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: إنَّه المختارُ. أمَّا إذا كانَ المُمْسِكُ للأصلِ، والحالةُ هذه لا يُعتَمَدُ عليه ولا يُوْثَقُ به، فذلك السماعُ مردودٌ غيرُ مُعْتَدٍّ بِهِ.

إذا قرأ القارئ على الشيخ، وسكت الشيخ على ذلك، غير منكر له مع إصغائه، وفهمه، ولم يقر باللفظ

401.... وَاخْتَلَفُوا إنْ سَكَتَ الشَّيْخُ وَلَمْ ... يُقِرَّ لَفْظَاً، فَرآهُ الْمُعْظَمْ 402.... وَهْوَ الصَّحِيْحُ كَافِيَاً، وَقَدْ مَنَعْ ... بَعْضُ أولي الظَّاهِرِ مِنْهُ، وَقَطَعْ 403.... بِهِ (أبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ الرَّازِي) ... ثُمَّ (أبُو إِسْحَاقٍ الشِّيْرَازِيْ) 404.... كَذَا (أبُو نَصْرٍ) وَقال: يُعْمَلُ ... بِهِ وَألْفَاظُ الأَدَاءِ الأَوَّلُ إذا قَرأَ القارئُ على الشَّيخِ، وسكتَ الشَّيخُ على ذلكَ، غيَر مُنْكِرٍ له مع إِصغائِهِ، وفهمِهِ، وَلمَ يُقِرَّ باللفظِ بقوله: نَعَمْ وما أشبهَ ذلك، فذهبَ جمهورُ الفقهاءِ، والمحدِّثِيْنَ، والنُّظَّارِ؛ - كَمَا قَالَ الْقَاضِي عياضٌ - إِلَى صحةِ السماعِ، وأَنَّ ذَلِكَ غيرُ شرطٍ، وقالَ: إنَّهُ الصحيحُ. قالَ: وشَرَطَهُ بعضُ الظاهريةِ. وبه عملَ جماعةٌ من مشايخِ أهلِ الشرقِ. وَقَالَ ابنُ الصلاحِ: وقَطَعَ بهِ أبو الفتحِ سُليمُ الرازيُّ، والشَّيخُ أبو إسحاقَ الشِّيْرَازيُّ، وأبو نصرٍ بنُ الصَّبَّاغِ من الشافعيِّينَ. قَالَ ابنُ الصباغِ: وله أَنْ يعملَ بِمَا قُرِئَ عليهِ، وإذا أرادَ روايتَهُ عنهُ، فليس لَهُ أَنْ يَقُوْل: حَدَّثَنِي، ولا أَخْبَرَنِي، بَلْ قرأتُ عَلَيْهِ، أو قُرِئَ عليهِ وَهُوَ يسمعُ. وهذا المرادُ بقولي: (وأَلْفَاظُ الأَدَاءِ الأُوَّلُ) ، أي: ويعبرُ في الأداءِ بالرتبةِ الأولى من الأداءِ في العَرْضِ، وَهُوَ ما تَقدَّمَ مِنْ قولي: (وجَوَّدُوْا فيهِ قرأتُ أوقُرِيْ) . وما قالَهُ ابنُ الصَّبَّاغِ من أَنَّهُ لا يُطْلِقُ فيهِ حَدَّثَنَا ولا أخبرنا

بيان لألفاظ الأداء

هو الذي صحَّحَهُ الغزاليُّ وحكاهُ الآمديُّ عن المتكلمِيْنَ وصحَّحَهُ. وحَكَى الآمديُّ تجويزَهُ عن الفقهاءِ والمحدِّثِيْنَ، وصححهُ ابنُ الحاجبِ وحكى عن الحاكمِ أنه مذهبُ الأَئمةِ الأربعةِ. وإِنْ أشارَ الشيخُ برأسِهِ أو أصبُعِهِ للإقرارِ بهِ، ولم يتلفَّظْ، فجزمَ صاحبُ " المحصولِ ": بأَنَّهُ لا يَقولُ في الأَداءِ: حَدَّثَنِي ولا أخبرني ولا سمعْتُ، وفيهِ نظرٌ. 405.... وَالْحَاْكِمُ اخْتَارَ الَّذِي قَدْ عَهِدَا ... عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوْخِ فِي الأَدَا 406.... حَدَّثَنِي فِي الْلَفْظِ حَيْثُ انْفَرَدَا ... وَاجْمَعْ ضَمِيْرَهُ إذا تَعَدَّدَا 407.... وَالْعَرْضِ إِنْ تَسْمَعْ فَقُلْ أَخْبَرَنَا ... أو قَارِئَاً (أَخْبَرَنِي) واسْتُحْسِنا 408.... وَنَحْوُهُ عَنِ (ابْنِ وَهْبٍ) رُوِيَا ... وَلَيْسَ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ رُضِيَا هذا بيانٌ لأَلفاظِ الأَداءِ التي ينبغي استعمالُها بحسَبِ تحملِ الحديثِ. قالَ الحاكمُ: الذي أَخْتَارُهُ في الروايةِ وعهدْتُ عليهِ أكثرَ شُيوخي وأَئِمَّةَ عصرِي، أَنْ يقولَ في الذي

الشك في الأخذ

يأْخذُهُ من المحدِّثِ لفظاً، وليسَ معهُ أَحدٌ: حَدَّثَنِي فلانٌ، وما كانَ مَعَهُ غيرُه: حَدَّثَنَا فلانٌ. وهذا معنى قولي: (واجْمَعْ ضَمِيرَه إذا تَعَدَّدَا) . قالَ الحاكمُ: وما قُرِئَ على المحدِّثِ بنفسِهِ: أخبرني فلانٌ، وما قُرِئَ على المحدِّثِ وهو حاضرٌ: أخبرنا فلانٌ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وهوَ حَسَنٌ رائِقٌ. ورَوَى الترمذيُّ في " العللِ " عن ابنِ وَهْبٍ قالَ: ما قلتُ: حَدَّثَنَا فهو ما سمعتُ مع الناسِ، وما قلتُ: حَدَّثَنِي فهو ما سمعتُ وحدي. وما قلتُ: أخبرنا فهو ما قُرِئَ على العالِمِ وأنا شاهدٌ. وما قلتُ: أخبرني فهو ما قرأتُ على العالمِ. وفي كلامِ الحاكمِ وابنِ وَهْبٍ أَنَّ القارئَ يقولُ: أخبرني سواءٌ سمعَ معهُ غيرُه، أَم لا. وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في " الاقتراحِ": إنَّ القارئَ إذا كانَ مَعَهُ غيرُهُ يقولُ: أخبرنا فسوَّى بينَ مسألَتي التَّحْدِيثِ والإخبارِ في ذلكَ. ثُمَّ إِنَّ هذا التفصيلَ في أَلفاظِ الأَداءِ ليسَ بواجبٍ، ولكنَّهُ مستحبٌ، حكاهُ الخطيبُ عن أَهلِ العلمِ كافةً. فجائزٌ لِمَنْ سَمِعَ وحدَهُ أنْ يقولَ: أخبرنا وحَدَّثَنَا ولِمَنْ سَمِعَ معَ غيرهِ أَنْ يقولَ: أخبرني وحَدَّثَنِي، ونحوَ ذلكَ. 409.... وَالشَّكُ فِي الأَخْذِ أكَانَ وَحْدَهْ ... أو مَعْ سِوَاهُ؟ فَاعِتَبارُ الْوَحْدَهْ 410.... مُحْتَمَلٌ لَكِنْ رأى الْقَطَّانُ ... اَلْجَمْعَ فِيْمَا أوْ هَمَ الإِْنْسَانُ 411.... فِي شَيْخِهِ مَا قَالَ وَالْوَحْدَةَ قَدْ ... اخْتَارَ فِي ذَا الْبَيْهَقِيُّ وَاعْتَمَدْ

إذا شكَّ الراوي هلْ كانَ وحدَهُ حالةَ التحمُّلِ فيقولُ في الأَداءِ: حَدَّثَنِي، أو كانَ معهُ غيرُهُ، فيقولُ: حَدَّثَنَا؟! فيحتملُ أَنْ يُقالَ: يؤدى بلفظِ مَنْ سَمِعَ وحدَهُ؛ لأَنَّ الأصلَ عدمُ غيرِهِ. أَمَّا إذا شكَّ في تحمَّلِهِ هلْ هوَ مِنْ قَبيلِ: أَخبرنا، أو أَخْبَرَنِي؟ فقدْ جمعها ابنُ الصلاحِ معَ مسألةِ الشكِّ هلْ هوَ من قبيلِ: حَدَّثَنَا، أو حَدَّثَنِي؟! وأنه يحتملُ أن يقولَ: أخبرني؛ لأَنَّ عدمَ غيرهِ هو الأصلُ. وفيه نظرٌ؛ لأَنَّ قبيلَ أخبرني أن يكونَ هو الذي قَرَأَ بنفسِهِ على الشيخِ على ما ذكرهُ ابنُ الصلاحِ، وعلى هذا فهو يتحقَّقُ سماعَ نفسِهِ، ويشكُّ هل قَرَأَ بنفسِهِ أم لا؟ والأصلُ: أنَّهُ لَمْ يقرَأْ. وَقَدْ حَكَى الخطيبُ في " الكفايةِ " عن البَرْقانيِّ: أَنَّهُ ربُّما شَكَّ في الحديثِ هَلْ قرأَهُ هُوَ أو قُرِئَ وَهُوَ يَسْمَعُ فيقولُ فيهِ: قرأْنَا عَلَى فلانٍ؟! وهذا حَسَنٌ فإِن إِفرادَ الضميرِ يقتضي قراءَتَهُ بنفسِهِ، وجَمْعُهُ يُمكنُ حَمْلهُ على قراءةِ بعضِ مَنْ حَضَرَ لسماعِ الحديثِ، بل لو

تحققَ أَنَّ الذي قَرَأَ غيرُهُ فلا بأْسَ أَنْ يقولَ: قرأْنَا. قالَهُ أحمدُ بنُ صالحٍ حين سُئِلَ عنهُ. وقال النُفَيْليُّ: قرأْنَا على مالكٍ، وإنَّما قُرِئَ على مالكٍ، وهو يَسمَعُ. وأما مسألةُ الشكِّ هلْ هوَ من قَبِيلِ: حَدَّثَنَا أو حَدَّثَنِي، فقدْ رأَى يحيى بنُ سعيدٍ القطانُ: الإتيانَ بضميرِ الجمعِ حَدَّثَنَا في مسألةٍ تُشْبِهُهَا، وهيَ إذا شكَّ في لفظِ شيخِه، هلْ قالَ: حَدَّثَنِي أو حَدَّثَنَا؟ ومقتضاهُ هنا أَنْ يقولَ: حَدَّثَنَا، وكَأَنَّ وَجْهَهُ: أَنَّ حَدَّثَنِي أَكملُ مرتبةً فيُقتصَرُ في حالةِ الشكِّ على الناقصِ، وقدِ اختارَ البيهقيُّ - بعد حكايتِهِ كلامَ ابنِ القَطَّانِ -: أَنَّهُ يوحِّدُ فيقولُ: حَدَّثَنِي. وقولي: (فيما أوهَمَ) ، أي: شَكَّ، ومنهُ حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ: ((إذا أَوهَمَ أَحدُكُم في صلاتِهِ فلم يَدْرِ أَزادَ أو نَقَصَ، ... )) الحديثَ. وقالَ ثعلبٌ: أوهَمَ: تَرَكَ. وهذا لا يمشي في هذا الحديثِ، وحَكَى صاحبُ " المُحْكَمِ " عن ابنِ الأَعرابيِّ، قالَ: أوهَمَ وَوَهَم سواءٌ، وأَنشدَ:

اتباع لفظ الشيخ

فَإنْ أخْطَأْتُ أَوْ أوهَمْتُ شَيْئَاً ... فَقَدْ يَهِمُ المُصَافِيْ بالحبَيِبِ وقال: قولُهُ: (شيئاً) منصوبٌ على المصدرِ. 412.... وَقَالَ (أَحْمَدُ) : اتَّبِعْ لَفْظَاً وَرَدْ ... لِلشَّيْخِ فِي أَدَائِهِ وَلاَ تَعَدْ 413.... وَمَنَعَ الإبْدَالَ فِيْمَا صُنِّفَا ... - الشَّيْخُ - لَكِنْ حَيْثُ رَاوٍ عُرِفَا 414.... بِأَنَّهُ سَوَّى فَفِيْهِ مَا جَرَى ... فِي النَّقْلِ باِلْمَعْنَى، وَمَعْ ذَا فَيَرَى 415.... بِأَنَّ ذَا فِيْمَا رَوَى ذُو الطَّلَبِ ... بِالْلَفْظِ لاَ مَا وَضَعُوا فِي الْكُتُبِ قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: اتَّبِعْ لفظَ الشيخِ في قولهِ: حَدَّثَنَا وحَدَّثَنِي وسمعتُ وأَخبرنا ولا تَعْدَهُ. ومنعَ ابنُ الصلاحِ إبدالَ أخبرنا: بحَدَّثَنَا ونحوهِ في الكُتُبِ المصنَّفةِ، وإنْ كانَ في إِقامةِ أحدهِما مُقامَ الآخرِ خلافٌ؛ لاحتمالِ أَنْ يكونَ قائلُ ذلكَ لا يَرَى التسويةَ بينهُمَا، فإنْ عرفْتَ أنَّ قائلَ ذلك سَوَّى بينهُمَا ففيهِ الخلافُ في جوازِ الروايةِ بالمعنى -كما قالَ الخطيبُ - قالَ ابنُ الصلاحِ: الذي نراهُ الامتناعَ من إِجراءِ مثلِهِ فيما وُضِعَ في الكُتُبِ المصنَّفَةِ. وما ذكَرَه الخطيبُ محمولٌ عندَنا على ما يَسْمَعُهُ الطالبُ من لفظِ المحدثِ غيرَ موضوعٍ في كتابٍ مؤلفٍ. قال ابنُ دقيقِ العيدِ: وهذا

السماع من ناسخ،

كلامٌ فيه ضَعْفٌ. قال: وأَقلُّ ما فيهِ أَنَّهُ يقتضِي تجويزَ هذا فيما ينقلُ مِنَ المصنفاتِ المتقدِّمَةِ إلى أجزائِنَا وتخاريجِنَا، فإنَّهُ ليسَ فيهِ تغييرُ التصنيفِ المتقدِّمِ. قالَ: وليسَ هذا جارياً على الاصطلاح. قلتُ: لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يقتضي ذلك، بلْ آخرُ كلامِ ابنِ الصلاح يُشْعِرُ: أَنَّهُ إذا نُقِلَ حديثٌ مِنْ كتابٍ وعُزِيَ إليه، لا يجوزُ فيه الإبدالُ سواءٌ أَنقلَناهُ في تأَليفٍ لنا أَم لفظاً؟ واللهُ أعلمُ. 416.... وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ ... مِنْ نَاسِخٍ، فَقَالَ بَامْتِنَاعِ 417.... (الإِسْفَرَاييِنِيْ) مَعَ (الْحَرْبِيِّ) ... وِ (ابْنِ عَدِيٍّ) وَعَنِ (الصِّبْغِيِّ) 418.... لاَ تَرْوِ تَحْدِيْثاً وَإِخْبَاراً، قُلِ ... حَضَرْتُ وَالرَّازِيُّ وَهْوَ الْحَنْظَلِيْ 419.... وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) كِلاَهُمَا كَتَبْ ... وَجَوَّزَ (الْحَمَّالُ) وَالشَّيْخُ ذَهَبْ 420.... بِأَنَّ خَيْراً مِنْهُ أَنْ يُفَصِّلاَ ... فَحَيْثُ فَهْمٌ صَحَّ، أولاَ بَطَلاَ 421.... كَماَ جَرَى لِلدَّارَقُطْنِي حَيْثُ عَدْ ... إِمْلاَءَ (إِسْمَاعِيْلَ) عَدّاً وَسَرَدْ اختلفَ أهلُ العلمِ فيمَنْ ينسخُ في حالةِ السماعِ سواءٌ في ذلكَ الشيخُ المسُمِعُ، والطالبُ السامعُ؛ هَلْ يصحُّ السماعُ أم لاَ؟ فذهبَ أبو إسحاقَ الإسفرايينيُّ الأُستاذُ،

وإبراهيمُ الحربيُّ، وأبو أحمدَ بنُ عديٍّ وغيرُ واحدٍ من الأَئِمَّةِ إلى مَنْعِ الصحةِ مطلقاً، وذهبَ الإمامُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ إِسحاقَ الصِّبْغيُّ إلى أَنَّهُ لا يقولُ في الأَداءِ: حَدَّثَنَا ولا أَخْبرنا، بلُ يقولُ: حَضَرْتُ، وذهبَ موسى بنُ هارونَ الحمَّالِ إلى الصحةِ مطلقاً. وقد كتبَ أبو حاتِمٍ محمدُ بنُ إدريسَ الرازيُّ الحنظليُّ في حالةِ السماعِ عند عارمٍ، وعندَ عمرِو بنِ مرزوقٍ، وكتبَ أيضاً عبدُ اللهِ بنُ المباركِ وهو يَقْرَأُ عليهِ شيئاً آخرَ غيرَ ما يُقرأُ عليهِ. قال ابنُ الصلاحِ: وخيرٌ من هذا الإطلاقِ التفصيلُ، فنقولُ: لا يصحُّ السماعُ إذا كانَ النَّسْخُ بحيثُ يمتنعُ معهُ فَهْمُ الناسخِ لما يُقرأُ حَتى يكونَ الواصلُ إلى سمعِهِ كأَنّهُ صوتٌ غُفْلٌ، ويصحُّ بحيثُ إذا كانَ لا يمتنعُ معهُ الفهمُ كقصةِ الدارقطنيِّ إذْ حضرَ في حَدَاثَتِهِ مجلسَ إِسماعيلَ الصَّفَّارِ، فجلسَ ينسخُ جُزءَاً كانَ معَهُ وإِسماعيلُ يُمْلي فقالَ لهُ بعضُ الحاضرينَ: لا يصحُّ سماعُكَ وأنتَ تنسخُ، فقالَ: فَهْمِي للإملاءِ خِلافُ فَهْمِكَ، ثُمَّ قالَ: تحفظُ كمْ أَملى الشيخُ مَنْ حديثٍ إلى الآنَ؟

عزب عن السامع الكلمة والكلمتان،

فقالَ: لا. فقالَ الدَّارقطنيُّ: أَملى ثمانيةَ عَشَرَ حديثاً، فعدَدْتُ الأحاديثَ فوجدْتُ كما قالَ. ثُمَّ قالَ: الحديثُ الأولُ منها: عن فلانٍ عن فلانٍ، ومتنُهُ كذا، والحديثُ الثاني عن فلانٍ عن فلانٍ، ومتنُهُ: كذا، ولم يزلْ يَذْكُرُ أسانيدَ الأحاديثِ ومتونَها على ترتيبهَا في الإملاءِ حتى أَتَى على آخِرِها فعجِبَ الناسُ منه. 422.... وَذَاكَ يَجْرِي فِي الْكَلاَمِ أو إذا ... هَيْنَمَ حَتَّى خَفِيَ الْبَعْضُ، كَذَا 423.... إِنْ بَعُدَ السَّامِعُ، ثُمَّ يُحْتَمَلْ ... فِي الظَّاهِرِ الْكَلِمَتَانِ أو أَقَلْ أي: وما ذُكِرَ في النَّسْخِ من التفصيلِ يجري في الكلامِ في وقتِ السماعِ مِنَ السامعِ، أو الشيخِ. وكذا إذا هَيْنَمَ القارئُ والْهَيْنَمَةُ: الصوتُ الخفيُّ، قاله الجوهريُّ. وكذا إذا أَفْرَطَ في الإسراعِ بحيثُ يخفى بعضُ الكَلِمِ، أو كان السامعُ بعيداً عن القارئ وما أَشْبَهَ ذلكَ. ثُمَّ الظاهرُ أنَّهُ يُعْفَى في كلِّ ذلكَ عن القَدَرِ اليَسِيْرِ، نحوِ الكلمةِ والكلمتَيْنِ. 424.... وَيَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ يُجِيْزَ مَعْ ... إِسْمَاعِهِ جَبْرَاً لِنَقْصٍ إنْ يَقَعْ 425.... قَالَ: ابْنُ عَتَّابٍ وَلاَ غِنَى عَنْ ... إِجَازَةٍ مَعَ السَّمَاعِ تُقْرَنْ لما ذَكَرَ أَنَّهُ رُبَّما عَزَبَ عن السامعِ الكلمةُ والكلمتانِ، لعجلةِ القارئِ، أو هينمتِهِ، أو كلامٍ، ونحوِ ذلكَ، ذَكَرَ ما يَجْبُرُ ذلك، وهو أنَّهُ يُسْتَحَبُّ للشيخِ أَنْ يجيزَ للسامعيَن

: الشيخ يدغم الحرف

روايةَ الكتابِ أو الجزءِ الذي سمعُوْهُ وإنْ شملَهُ السَّماعُ لاحتمالِ وقوعِ شيءٍ ممَّا تقدَّمَ فينجَبرُ بذلكَ. وكذلكَ ينبغي لكاتبِ السماعِ أَنْ يَكْتُبَ إِجازةَ الشَّيخِ عَقِبَ كتابةِ السَّماعِ، ويقالُ: إنَّ أولَ مَنْ كَتَبَ الإجازةَ في طِبَاقِ السَّماعِ: أبو الطاهرِ إسماعيلُ بنُ عبدِ المحسنِ الأنماطيُّ، فجزاهُ الله خَيْراً في سَنِّهِ ذلكَ لأَهْلِ الحديثِ، فلقدْ حَصَلَ به نفعٌ كثيرٌ، ولقدِ انقطعَ بسببِ تَرْكِ ذَلِكَ، وإهمالِهِ اتصالُ بعضِ الكُتُبِ في بعضِ البلادِ، بسببِ كونِ بعضِهِمْ كَانَ لَهُ فَوْتٌ، ولَمْ يذكرْ في طبقةِ السَّماعِ إجازةَ الشيخِ لهم، فاتَّفَقَ أنْ كانَ بعضُ المفوتينَ آخرَ مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ سَمِعَ بعضَ ذلك الكتابَ فَتَعَذَّرَ قراءةُ جميعِ الكتابِ عليه كأبي الحسنِ بنِ الصَّوَّافِ الشَّاطبيِّ، راوي غالبِ سُنَنِ النسائيِّ عن ابنِ باقا، واللهُ أعلمُ. وقالَ أبو عبدِ الله بنُ عتابٍ الأندلسيُّ: ((لا غنَى في السماعِ عن الإجازَةِ؛ لأَنَّهُ قدْ يغلَطُ القارئُ، ويغفلُ الشيخُ، أو يَغلطُ الشيخُ إن كان القارئُ، ويغفلُ السامعُ فينجبِرُ لَهُ ما فاتهُ بالإجازةِ)) . واللهُ أعلمُ. 426.... وَسُئِلَ (ابْنُ حنبلٍ) إِن حَرْفَا ... أدْغَمَهُ فَقَالَ: أَرْجُو يُعْفَى 427.... لَكِنْ (أبو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ) مَنَعْ ... فِي الْحَرْفِ تَسْتَفْهِمُهُ فَلاَ يَسَعْ 428.... إِلاَّ بَأَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الشَّارِدَهْ ... عَنْ مُفْهِمٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ (زَائِدَهْ) قال صالحُ بنُ أحمدَ بنِ حنبلٍ: قلتُ لأبي: الشَّيْخُ يُدْغِمُ الحرفَ يَعْرفُ أَنَّهُ كذا وكذا ولا يُفْهَمُ عنه، تَرَى أنْ يُروى ذلك عنه؟ قال: أرجو ألاَّ يُضَيَّقَ

هذا. وأما أبو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ فكانَ يَرَى فيما سَقَطَ عنهُ من الحرفِ الواحدِ والاسمِ مما سمعَهُ من سفيانَ والأعمشِ، واستفهمَهُ من أصحابهِ أَنْ يرويهِ عن أَصَحابِهِ لا يَرَى غيرَ ذلك واسعاً. فقولي: (تلكَ الشَّارِدَهْ) ، أي: تلكَ الكلمةُ أو الحرفُ الذي شردَ عنه، فلم يَفْهَمْهُ عن شيخِهِ، وإنَّماْ فهِمَهُ عَنِ الشيخِ غيرُه، وهكذا جاءَ عن زائدةَ بنِ قُدامةَ، قال خَلَفُ بنُ تميم: سمعتُ من الثَّوريِّ عشرةَ آلافِ حديثٍ، أو نحوَها، فكنتُ أَستفهمُ جليسيَ، فقلتُ لزائدةَ: فقالَ لي: لا تُحَدِّثْ منها إلاّ بما تحفَظُ بقلبِكَ وسَمْع أُذُنِكَ. قالَ: فألْقَيْتُهَا. 429.... وَ (خَلَفُ بْنُ سَاِلمٍ) قَدْ قال: نَا ... إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ مِنْ حَدَّثَنَا 430.... مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ، وَسُفْيَانُ اكْتَفَى ... بِلَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِى اقْتَفَى 431.... كَذَاكَ (حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أَفْتَى: ... إِسْتَفْهمِ الَّذِي يَلِيْكَ، حَتَّى 432.... رَوَوْا عَنِ (الأَعْمَشِ) : كُنَّا نَقْعُدُ ... (لِلنَّخَعِيْ) فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ 433.... البَعْضُ - لاَ يَسْمَعُهُ - فَيسأَلُ ... البَعْضَ عَنْهُ، ثَمَّ كُلٌّ يَنْقُلُ 434.... وَكُلُّ ذَا تَسَاهُلٌ، وَقَوْلُهُمْ: ... يَكْفِيِ مِنَ الْحَدِيْثِ شَمُّهُ، فَهُمْ 435.... عَنَوا إذا أَوَّلَ شَيءٍ سُئِلاَ ... عَرَفَهُ، وَمَا عَنَوْا تَسَهُّلاَ

نا

قالَ الخطيبُ: بلغني عَنْ خَلَف بنِ سالمٍ الْمُخَرِّميِّ، قالَ: سمعتُ ابنَ عُيينةَ يقولُ: (نا) عمرُو بنُ دينارٍ، يريدُ: حَدَّثَنَا، فإذا قيِلَ له: قُلْ: حَدَّثَنَا عمرٌو، قالَ: لا أَقولُ لأَنِّي لم أَسْمَعْ مِنْ قولِهِ -حَدَّثَنَا- ثلاثَةَ أحْرُفٍ؛ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ، وهي ح د ث. وعن ابنِ عُيينةَ أَنهُ قالَ له أبو مُسْلِمٍ الْمُسْتَمْلي: إنَّ الناسَ كثيرٌ لا يسْمَعُونَ. قالَ: تسمعُ أَنْتَ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَأَسْمِعْهُم. قالَ: وهذا هوَ الذي عليهِ العملُ، أي: أنَّ مَنْ سَمِعَ الْمُسْتَمْلي دونَ سَماعِ لفظِ المُمْلي جازَ له أَنْ يَرْوِيَهُ عن المُمْلي كالعَرْضِ، سواءٌ؛ لأَنَّ الْمُسْتَمْلي في حُكْمِ مَنْ يقرأُ على الشيخِ ويعرِضُ حديثَهُ عليه ولكن يُشْتَرَط أَنْ يَسْمعَ الشيخُ المُمْلي لَفْظَ الْمُسْتَمْلي، كالقارئِ عليه. ومَعَ هذا فليسَ لِمَنْ لم يسمعْ لفظَ المُمْلي أَنْ يقول: سمعْتُ فلاناً يقولُ - كما تقدَّمَ في العَرْض - سواءٌ، ولكنَّ الأَحوطَ أن يُبَيِّنَ حالةَ الأَداءِ أنَّ سماعَهُ لذلكَ، أو لبعضِ الأَلفاظِ، من الْمُسْتَمْلي، كما فَعَلَهُ الإمامُ أبو بكرِ بنُ خُزيمةَ، وغيرُهُ من الأَئِمَّةِ.

وقالَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنُ عَمَّارٍ الموْصليُّ: ما كتبتُ قطُّ مِنْ في المُسْتَمْلي، ولا التفَتْتُ إليهِ، ولا أَدْري أَيَّ شيءٍ يقولُ، إنَّما كنتُ أكتبُ عن فِي المحُدِّثِ. وأمَّا قولُ حَمَّادِ بنِ زيدٍ لمن استفهَمَهُ، كيف قُلتَ؟ فقالَ: استفهِم الذي يليكَ. وقولُ الأعمَشِ: كُنَّا نجلسُ إلى إبراهيمَ النخعيِّ فتتسعُ الحلقةُ فَرُبَّمَا يُحَدِّثُ بالحديثِ فلا يسمَعُهُ مَنْ تَنَحّى عنهُ، فَيَسْأَلُ بعضُهُم بَعْضَاً، عمَّا قالَ، ثُمَّ يروُونَهُ عنهُ، وما سمعُوهُ منهُ، فهذا وما أشبههُ تساهلٌ ممنْ فَعلَهُ، وقد قالَ أبو زُرْعَةَ - بعدَ أَنْ رَوَى حكايةَ الأعمشِ هذهِ-: رأيتُ أبا نُعَيمٍ لا يُعْجِبُهُ هذا، ولا يَرْضَى به لنفسِهِ، وأَمَّا قولُ عبدِ الرحمنَ بنِ مهديٍّ: يكفيكَ من الحديثِ شَمُّهُ، فقال حمزة بنُ محمدٍ الكنانيُّ: إنَّهُ يعني بهِ إذا سُئِلَ عن أوَّلِ شيءٍ عَرَفَهُ، وليسَ يعني التسهيلَ في السماعِ.

السماع من وراء حجاب،

436.... وَإِنْ يُحَدِّثْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِ ... - عَرَفْتَهُ بِصَوْتِهِ او ذِي خُبْرِ - 437.... صَحَّ، وَعَنْ شُعْبَةَ لاَ تَرْوِ لَنَا ... إنَّ بِلاَلاً، وَحَدِيْثُ أُمِّنَا يَصحُّ السَّماعُ من وراءِ حجابٍ، إذا عرفَ صَوْتَ المحدِّثِ، أو اعتمدَ في معرفةِ صوتِهِ وحضورِهِ على خَبرِ ثقةٍ مِنْ أَهْلِ الخبرَةِ بالمحدِّثِ، وقالَ شعبةُ: إذا حدَّثَكَ المحدِّثُ فلمْ تَرَ وَجْهَهُ فلا تروِ عنهُ، فلَعَلَّهُ شيطانٌ قد تَصَوَّرَ في صورتِهِ، يقولُ: حَدَّثَنَا وأمرنا. وقولي لنا إنَّ بلالاً إلى آخرِهِ، أي الْحُجَّةُ لنا في صحةِ السماعِ من وراءِ حِجَابٍ حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ الْمُتَّفَقُ عليهِ أَنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال إنَّ بلالاً يُؤَذِّنُ بليلٍ

سمع من شيخ حديثا ثم قال له: لا تروه عني،

فكلُوا واشربُوا حتى تسمعُوا آذانَ ابنِ أُمِّ مكتومٍ فأَمَرَ بالاعتمادِ على صوتِهِ مع غَيْبَةِ شَخْصِهِ عمَّنْ يَسْمَعَهُ وكذلكَ حديثُ أُمِّ المؤمنينَ عائشةَ وغيرِها مِن أُمَّهاتِ المؤمنينَ كنَّ يُحدِّثْنَ مِنْ وراءِ حجابٍ، وينقلُ عنهنَّ مَنْ سمعَ ذلكَ، واحْتَجَّ به في الصحيحِ. وهذا معنى قولي: (وحديثُ أُمِّنَا) . 438.... وَلاَ يَضُرُّ سَامِعاً أنْ يَمْنَعَهْ ... الشَّيْخُ أَنْ يَرْوِيَ مَا قَدْ سَمِعَهْ 439.... كَذَلِكَ التَّخْصِيْصُ أو رَجَعْتُ ... مَاَ لمْ يَقُلْ: أَخْطَأْتُ أو شَكَكْتُ إذا سمعَ من شيخٍ حديثاً ثم قال له: لا تَرْوِهِ عَنِّي، أو ما أَذنْتُ لكَ في روايتهِ عني ونحوَ ذلكَ، فلا يضرُّهُ ذلكَ ولا يمنعُهُ أَنْ يرويَهُ عنهُ. وكذلكَ إذا خصَّصَ قوماً بالسَّماعِ، وسَمِعَ غيرُهُمْ مِنْ غيرِ أَنْ يَعْلَمَ المحدِّثُ بهِ، كما صَرَّحَ بهِ الأستاذُ أبو إسحاقَ الإسفرايينيُّ. وكذلكَ لوْ قالَ: إنِّي أخُبِرُكُم ولا أُخْبِرُ فلاناً فلا يضرُّ ذلكَ فلاناً في صحَّةِ سماعِهِ، وكذا إِنْ قالَ: رجعتُ عمَّا حدَّثْتُكُمُ بهِ ونحوَ ذلكَ مما لا ينفي أنَّهُ من حديثِهِ ما لم يكنِ المنعُ مُستنداً إلى أَنَّهُ أَخْطَأَ فيما حدَّثَ بهِ، أو شَكَّ في سماعِهِ ونحوِ ذلكَ، فليسَ لهُ أَنْ يرويَهُ عنهُ والحالةُ هذهِ.

الثالث: الإجازة

الثَّالِثُ: الإجَاْزَةُ 440.... ثُمَّ الإِجَازَةُ تَلىِ السَّمَاعَا ... وَنُوّعَتْ لِتِسْعَةٍ أَنْوَاعَا 441.... أرْفَعُهَا بِحَيْثُ لاَ مُنَاولَهْ ... تَعْيِيْنُهُ الْمُجَازَ وَالْمُجْازَ لَهْ 442.... وَبَعْضُهُمْ حَكَى اتِّفَاقَهُمْ عَلَى ... جَوَازِ ذَا، وَذَهَبَ (الْبَاجِيْ) إِلَى 443.... نَفْي الْخِلاَفِ مُطْلَقَاً، وَهْوَ غَلَطْ ... قال: وَالاخْتِلاَفُ فِي الْعَمَلِ قَطْ 444.... وَرَدَّهُ الشَّيْخُ بأَِنْ للشَّافِعِي ... قَوْلاَنِ فِيْهَا ثُمَّ بَعْضُ تَابِعي 445.... مَذْهَبِهِ (الْقَاضِي حُسَيْنٌ) مَنَعَا ... وَصَاحِبُ (الْحَاوي) بِهِ قَدْ قَطَعَا 446.... قَالاَ كَشُعْبَةٍ وَلَو جَازَتْ إِذَنْ ... لَبَطَلَتْ رِحْلَةُ طُلاَّبِ السُّنَنْ 447.... وَعَنْ (أبي الشَّيْخِ) مَعَ (الْحَرْبِيِّ) ... إِبْطَالُهَا كَذَاكَ (لِلسِّجْزِيِّ) 448.... لَكِنْ عَلى جَوَازِهَا اسْتَقَرَّا ... عَمَلُهُمْ، وَالأَكْثَرُوْنَ طُرَّا 449.... قَالُوا بِهِ، كَذَا وُجُوْبُ الْعَمَلِ ... بِهَا، وَقِيْلَ: لاَ كَحُكْمِ الْمُرْسَلِ القسمُ الثالثُ من أَقسامِ الأَخذِ والتحمُّلِ: الإجازةُ. وهيَ دونَ السماعِ. وهيَ على تسعةِ أنواعٍ: النوعُ الأولُ: إجازةُ مُعَيَّنٍ لِمُعَيَّنٍ: كأَنْ يقول: أجزتُ لكُم، أو لفلانٍ الفلانيِّ: - ويصفُهُ بما يميّزُهُ - الكتابَ الفلانيَّ، أو ما اشتملَتْ عليهِ فِهْرِستي، ونحوَ ذلكَ. وهذا أرفعُ أنواعِ الإجازةِ المجردةِ عن المناولةِ. وسيأتي حُكْمُ المناولةِ مَعَ الإِجازةِ.

قالَ القاضي عياضٌ: ((فهذهِ عندَ بعضهِمِ التي لم يُخْتَلَفْ في جوازهِا، ولا خالفَ فيه أهلُ الظاهرِ، وإِنَّما الخلافُ بينهُم في غيرِ هذا الوجهِ)) . وقالَ القاضي أبو الوليدِ الباجيُّ: لا خلافَ في جوازِ الروايةِ بالإجازةِ من سلفِ هذهِ الأمةِ وخَلَفِهَا، وادَّعَى فيها الإجماعَ، ولم يُفَصِّلْ، وذَكَرَ الخلافَ في العملِ بها. فقولي: (قالَ) ، أي: الباجيُّ، وما حكاهُ الباجيُّ من الإجماعِ في مُطْلَقِ الإجازةِ غَلَطٌ، قالَ ابنُ الصلاحِ: هذا باطلٌ فقدْ خالَفَ في جوازِ الروايةِ بالإجازةِ جماعاتٌ من أهلِ الحديثِ والفقهاءِ والأصوليينَ وذلكَ إِحدَى الروايتينِ عن الشافعيِّ، وقطعَ بإبطالِها القاضي حُسَيْنٌ، والماورديُّ، وبهِ قَطَعَ في كتابهِ " الحاوي " وعزاهُ إلى مذهبِ الشافعيِّ، وقالا جميعاً كما قالَ شُعبةُ: لو جازتِ الإجازةُ لبطلتِ الرِّحْلَةُ. وَمِمَّنْ قالَ بإبطالِها إبراهيمُ الْحَرْبيُّوأبو الشيخِ عبدُ اللهِ بنُ محمّدٍ الأصبهانيُّ وأبو نصرٍ الوائليُّ السجزيُّ، وأبو طاهرٍ الدَّبَّاسُ من الحنفيةِ، وأبو بكرٍ محمَّدُ بنُ ثابتٍ الخُجَنْدِيُّ من الشافعيةِ، وحكاهُ الآمديُّ، عن أبي حنيفةَ، وأبي يوسُفَ. لكنَّ الذي استقرَّ عليه العملُ، وقالَ بهِ جماهيرُ أهلِ العلمِ من أَهْلِ الحديثِ وغيرِهم: القولُ بتجويزِ الإجازةِ وإِجازةِ الروايةِ بها، وحكاهُ

الآمديُّ عن أصحابِ الشافعيِّ وأكثرِ المحدِّثينَ. وكما تجوزُ الروايةُ بالإِجازةِ، كذلكَ يجبُ العملُ بالمرويِّ بها. وقالَ بعضُ أهلِ الظاهرِ ومَنْ تَابَعَهُمْ: لا يجبُ العملُ بهِ كالحديثِ المرسلِ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهذا باطلٌ؛ لأَنَّهُ ليس في الإِجازةِ ما يقدحُ في اتِّصَالِ المنقولِ بها وفي الثقةِ بهِ)) ، واللهُ أَعْلَمُ. 450.... وَالثَّانِ: أَنْ يُعَيِّنَ الْمُجَازَ لَهْ ... دُوْنَ الْمُجَازِ، وَهْوَ أَيْضَاً قَبِلَهْ 451.... جُمْهُوْرُهُمْ رِوَايَةً وَعَمَلاَ ... وَالْخُلْفُ أَقْوَى فِيْهِ مِمَّا قَدْ خَلاَ النوعُ الثاني منْ أَنواعِ الإِجازةِ: أَن يُعَيِّنَ الشخصَ المجُازَ له دونَ الكتابِ المجازِ، فيقول: أجزتُ لك جميعَ مسموعاتي، أو جميعَ مرويَّاتي، وما أَشْبَهَ ذلكَ. والجمهورُ على تجويزِ الروايةِ بها، وعلى وُجوبِ العملِ بما رُوِيَ بها بشرطِهِ، ولكنَّ الخلافَ في هذا النوعِ أَقوى مِنَ الخلافِ في النوعِ المتُقدِّمِ. 452.... وَالثَّالِثُ: التَّعْمِيْمُ فِي الْمُجَازِ ... لَهُ، وَقَدْ مَالَ إِلى الْجَوَازِ 453.... مُطْلَقَاً (الْخَطِيْبُ) (وَابْنُ مَنْدَهْ) ... ثُمَّ (أبو الْعَلاَءِ) أَيْضَاً بَعْدَهْ 454.... وَجَازَ لِلْمَوْجُوْدِ عِنْدَ (الطَّبَرِيْ) ... وَالشَّيْخُ لِلإِبْطَالِ مَالَ فَاحْذَرِ والنوعُ الثالثُ من أنواعِ الإجازةِ: أَنْ يَعُمَّ المجُازَ لهُ فلا يُعيِّنُهُ، كأجزْتُ للمسلمينَ، أو لكلِّ أَحدٍ، أو لِمنْ أدْرَكَ زماني، ونحوِ ذلكَ، وقد فعلَهُ أبو عبدِ الله بنُ

مَنْدَه، فقالَ: أجزتُ لمنْ قالَ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ. وجَوَّزهُ أيضاً الخطيبُ وحكى الحازميُّ عَمَّنْ أَدرَكَهُ من الحفَّاظِ كأبي العلاءِ الحسنِ بنِ أحمدِ العطارِ الهمدانيِّ وغيرِهِ: أنَّهُم كانوا يميلون إلى الجوازِ. وحكى الخطيبُ عن القاضي أبي الطيِّبِ الطبريِّ: أَنَّهُ جوَّزَ الإجازةَ لجميعِ المسلمينَ مَنْ كان منهُم موجوداً عند الإِجازةِ. قال ابنُ الصلاحِ: ولم نَرَ، وَلَم نَسْمَعْ عن أَحدٍ ممَّن يُقْتَدَى بِهِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ هذهِ الإجازةَ، فَرَوَى بها، ولا عن الشِرْذِمَةِ المُستأخِرَةِ الذين سوَّغوها. والإجازةُ في أَصْلِها ضعيفةٌ وتزدادُ بهذا التوسُّعِ والاسترسالِ ضَعْفَاً كثيراً، لا ينبغي احتمالُهُ. قلتُ: مِمَّنْ أَجازَها أبو الفضلِ أحمدُ بنُ الحسينِ بنِ خَيْرُونَ البغداديُّ، وأبو الوليدِ بنُ رُشدٍ المالِكيُّ، وأبو طاهرٍ السِّلَفِيُّ، وغيرُهم. ورجَّحَهُ أبو عمرِو بنُ الحاجبِ، وصحَّحَهُ النَّوَوِيُّ من زياداتِهِ فِي "الرَّوضةِ". وقد جَمعَ بعضُهم مَنْ أَجَازَ هذهِ الإجازةَ العامّةَ في تصنيفٍ لهُ، جَمَعَ فيه خَلقاً كثيراً رتَّبَهُم على حروفِ المُعْجَمِ؛ لكَثرتِهِم، وهُو الحافظُ أبو جَعْفَرٍ محمدُ بنُ الحسينِ ابنِ أبي البدرِ الكاتبِ البغداديُّ، ومِمَّنْ حَدَّثَ بِهَا مِنَ الحُفَّاظِ: أبو بكرِ بنُ خيرٍ الإشبِيليُّ، ومن الحفَّاظِ المتأخرينَ: الحافظُ شرفُ الدينِ عبدُ المؤمنِ بنُ خَلَفٍ الدمياطيُّ، بإجازَتِهِ العامةِ من المؤيِّدِ الطوسيِّ. وسمعَ بِهَاالحفَّاظُ: أبو الحجَّاجِ المِزِّيُّ، وأبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ، وأبو محمدٍ البِرْزَاليُّ عَلَى الركْنِ الطَّاوسي بإجازتِهِ العامَّةِ من أبي جعفرٍ

الصَّيدلانيِّ وغَيرِهِ. وقرأَ بِهَا الحافظُ أبو سعيدٍ العلائيُّ عَلَى أبي العباسِ بنِ نعمةَ بإجازتهِ العامَّةِ من داودَ بنِ مَعْمَرِ بنِ الفاخرِ. وقرأْتُ بِهَا عدَّةَ أجزاءٍ عَلَى الوجيهِ عبدِ الرحمنِ العوفيِّ بإجازتِهِ العامَّةِ من عبدِ اللَّطيفِ بنِ القُبَّيْطِيِّ، وأبي إسحاقَ الكَاشْغَرِيِّ، وابنِ رواجِ، والسِّبْطِ، وآخرينَ من البغداديِّينَ والمصريِّينَ. وفي النفسِ من ذَلِكَ شئٌ وأنا أَتوقفُ عن الروايةِ بِهَا، وأهلُ الحديثِ يقولونَ: إذا كتبتَ فَقَمِّشْ، وإذا حَدَّثْتَ فَفَتِّشْ. 455.... وَمَا يَعُمُّ مَعَ وَصْفِ حَصْرِ ... كَالْعُلَمَا يَوْمَئِذٍ بِالثَّغْرِ 456.... فَإِنَّهُ إِلى الْجَوَازِ أَقْرَبُ ... قُلْتُ (عِيَاضٌ) قالَ: لَسْتُ أَحْسِبُ 457.... فِي ذَا اخْتِلاَفَاً بَيْنَهُمْ مِمَّنْ يَرَى ... إِجَازَةً لِكَوْنِهِ مُنْحَصِرَا والإجازةُ العامَّةُ إذا قُيِّدَتْ بوصفٍ حاصرٍ، فهي إلى الجوازِ أقربُ. قالهُ ابنُ الصلاحِ، وَمثَّلَهُ القاضي عِياضٌ بقولهِ: أجزتُ لِمَنْ هوَ الآنَ من طلبةِ العلمِ ببلدِ

كذا، أو لِمَنْ قرأَ علَيَّ قبلَ هذَا. وقالَ: فما أَحسَبُهُم اختلفوا في جَوَازِهِ ممَّنْ تَصحُّ عندَهُ الإجازةُ، ولا رأيتُ مَنْعَهُ لأَحدٍ؛ لأَنَّهُ محصورٌ موصوفٌ كقولهِ، لأولادِ فلانٍ، أو إخوةِ فلانٍ. 458.... وَالرَّابعُ: الْجَهْلُ بِمَنْ أُجِيْزَ لَهْ ... أو مَا أُجِيْزَ كَأَجَزْتُ أَزْفَلَهْ 459.... بَعْضَ سَمَاَعاِتي، كَذَا إِنْ سَمَّى ... كِتَاباً او شَخْصَاً وَقَدْ تَسَمَّى 460.... بِهِ سِوَاهُ ثُمَّ لَمَّا يَتَّضِحْ ... مُرَادُهُ مِنْ ذَاكَ فَهْوَ لاَ يَصِحْ 461.... أَمَّا الْمُسَمَّوْنَ مَعَ الْبَيَانِ ... فَلاَ يَضُرُّ الْجَهْلُ بِالأَعْيَانِ 462.... وَتَنْبَغِي الصِّحَّةُ إِنْ جَمَلَهُمْ ... مِنْ غَيْرِ عَدٍّ وَتَصَفُّحٍ لَهُمْ والنوعُ الرابعُ من أنواعِ الإِجازةِ: الإِجازَةُ للمجهولِ، أو بالمجهولِ. فالأولُ كقولهِ: أجزتُ لجماعةٍ من الناسِ مسموعاتي. والثاني كقولِهِ: أجزتُ لَكَ بعضَ مَسْمُوْعَاتي. وقد جمعْتُ مثالَ الْجَهْلِ فيهما في مثالٍ واحدٍ، وهو: أجزتُ أَزْفَلَةً بعضَ مَسْمُوْعَاتي. والأَزْفَلةُ - بفتحِ الهمزةِ وإِسكانِ الزاي وفتحِ الفاءِ -: الجماعةُ مِنَ الناسِ. ومنه: أَنَّ عائِشةَ رضيَ اللهُ عنها أَرسلَتْ إلى أَزْفَلَةٍ من الناسِ، وذلك في قِصَّةِ خُطبةِ عائشةَ في فضلِ أبيهَا. ومِنْ أَمثلةِ هذا النوعِ: أَنْ يُسَمِّيَ شخصاً، وقد تَسَمَّى به غيرُ واحدٍ في ذلكَ الوقتِ كأجزتُ لمحمدِ بنِ خالدٍ الدِّمَشْقيِّ - مثلاً - ويُسَمِّي كتاباً، كنحوِ: أجزتُ

لك أَنْ تَرويَ عَنِّي كتابَ السننِ وهُو يروي عدةً من السننِ المعروفةِ بذلك، ولم يَتِّضحْ مرادُهُ في المسألتينِ، فإِنَّ هذهِ الإجازةَ غيرُ صحيحةٍ. أَمَّا إذا اتَّضَحَ مرادُه بقرينةٍ بأَنْ قيلَ لهُ: أجزتَ لمحمَّدِ بنِ خالدِ بنِ عليِّ بنِ محمودٍ الدمشقيِّ - مثلاً - فحيثُ لا يلتبسُ فقالَ: أجزتُ لمحمدِ بنِ خالدٍ الدِّمَشْقِيِّ، أو قِيْلَ لَهُ: أجزْتَ لي روايةَ كتابِ السننِ لأبي داودَ - مثلاً - فقالَ: أجزتُ لكَ روايةَ السُّننِ. فالظاهرُ صحَّةُ هذهِ الإجازةِ، وأَنَّ الجوابَ خَرَجَ عَلَى الْمَسْؤُوْلِ عنهُ. وكذلكَ إذا سُمِّيَ للشَّيخِ المسؤولِ منهُ المجَازَ لهُ معَ البيانِ المزيلِ للاشتباهِ، ولكنَّ الشيخَ لا يعرفُ المسؤولَ لهُ بلْ يجهلُ عينَهُ، فلا يَضُرُّ ذلكَ، والإجازةُ صحيحةٌ. كما لا يُشترَطُ معرفَةُ الشيخِ بِمَنْ سمعَ من الشَّيخِ، وإذا سُئِلَ الشيخُ الإجازةَ لجمَاعةٍ مُسمَّيْنَ مع البيانِ في استدعاءِ كما جرتْ بهِ العادةُ فأجازَ لهم مِنْ غيرِ معرفةٍ بهم، ولم يَعْرِفْ عددَهم ولا تصفَّحَ أسماءَهُم واحداً واحداً. قال ابنُ الصلاحِ: فينبغي أَنْ يَصحَّ ذلكَ أيضاً كما يصحُّ سماعُ مَنْ سمعَ منهُ على هذا الوصفِ. 463.... وَالْخَامِسُ: التَّعْلِيْقُ فِي الإِجَازَهْ ... بِمَنْ يَشَاؤُهَا الذَّيِ أَجَازَهْ 464.... أو غَيْرُهُ مُعَيَّنَاً، وَالأُولَى ... أَكْثَرُ جَهْلاً، وَأَجَازَ الْكُلاَّ 465.... مَعَاً (أبو يَعْلَى) الإِمَامُ الْحَنْبَلِيْ ... مَعَ (ابْنِ عُمْرُوْسٍ) وَقَالاَ: يَنْجَلِي 466.... الْجَهْلُ إِذْ يَشَاؤُهَا، وَالظَّاهِرُ ... بُطْلاَنُهَا أَفْتَى بِذَاك (طَاهِرُ) 467.... قُلْتُ: وَجَدْتُ (ابنَ أبي خَيْثَمَةِ) ... أَجَازَ كَالَّثانِيَةِ الْمُبْهَمَةِ 468.... وَإِنْ يَقُلْ: مَنْ شَاءَ يَرْوِي قَرُبَا ... وَنَحْوَهُ (الأَزْدِي) مُجِيْزَاً كَتَبَا 469.... أَمَّا: أَجَزْتُ لِفُلاَنٍ إِنْ يُرِدْ ... فَالأَظْهَرُ الأَقْوَى الْجَوَازُ فَاعْتَمِدْ

النوعُ الخامسُ من أنواعِ الإجازةِ: الإجازةُ المعُلَّقةُ بالمَشِيئةِ. ولم يُفردْ ابنُ الصلاحِ هذا بنوعٍ وأدخلَهُ في النوعِ قبلَهُ، وقال: فيهِ جهالةٌ وتعليقٌ بشرطٍ. وأفردتُهُ بنوعٍ، لأَنَّ بعضَ الأجائِزِ المعلَّقةِ لا جهالةَ فيها كما ستقفُ عليهِ هنا؛ وذلك لأَنَّ التعليقَ قد يكونُ مع إِبهام المُجَازِ، أو مع تعيينِهِ، وقد يُعَلَّقُ بمشيئةِ المُجازِ، وقد يُعَلَّقُ بمشيئةِ غيرِه مُعَّيناً، وقد يكونُ التعليقُ لنفسِ الإجازةِ، وقد يكونُ للروايةِ بالإجازةِ. فأمَّا تعليقُها بمشيئةِ المجازِ مبهماً، كقولهِ: مَنْ شاءَ أَنْ أُجِيزَ له فقدْ أَجزتُ له، أَو أَجزتُ لمنْ شاءَ فهو كتعليقِها بمشيئةِ غيرِه، وسيأتي حكمُهُ. قال ابنُ الصلاحِ: بلْ هَذِهِ أكثرُ جهالةً وانتشاراً من حيثُ إنَّها معلقةٌ بمشيئةِ من لا يُحَصرُ عددُهم بخلافِ تعليقِها بمشيئةِ معيَّنٍ. وأما تعليقُها بمشيئةِ غيرِ المجازِ: فإِنْ كان المُعَلَّقُ بمشيئتِهِ مبهماً فهذهِ باطلةٌ قطعاً، كقولهِ: أَجَزْتُ لِمَنْ شاءَ بعضُ الناسِ أَنْ يرويَ عنِّي، وإِنَ كانَ مُعَّيناً، كقولهِ: مَنْ شاء فلانٌ أَنْ أُجيزَهُ فقد أجزتُهُ، أو أجزتُ لِمَنْ يشاءُ فلانٌ ونحوُ ذلك؛ فقد حكى الخطيبُ في جزءٍ لهُ في ((الإجازةِ للمعدومِ والمجهولِ)) عن أبي يعلى محمدِ بنِ الحسينِ بنِ الفراءِ الحنبليِّ وأبي الفَضْلِ محمّدِ بنِ عُبيدِ اللهِ بنِ عُمْرُوسٍ: أنَّهُمَا أَجازَا ذلكَ واستُدِلَّ لهما بأنَّ هذهِ الجهالةَ ترتفعُ عندَ وجودِ المشيئةِ، ويتعَيَّنُ المُجَازُ لهُ عندَها. قالَ ابنُ الصلاحِ: والظاهرُ أَنَّه لا يصحُّ وبذلكَ أفتى القاضي أبو الطيبِ طاهرُ بنُ عبدِ اللهِ الطبريُّ إِذْ سألهُ الخطيبُ عن ذلكَ وَعَلَّلَهُ: بأَنَّهُ إجازةٌ لمجهولٍ، كقولهِ: أجزتُ لبعضِ الناسِ. قالَ

ابنُ الصلاحِ: وقد يُعَلَّلُ أيضاً بما فيهِ مِنَ التَّعليقِ بالشرطِ فَإِنَّ ما يَفْسُدُ بالجهالةِ يَفْسُدُ بالتعليقِ عندَ قومٍ. قلتُ: وقد وجدْتُ عن جماعةٍ من أئمةِ الحدِيثِ المتقدِّمِينَ والمتأخِّرِينَ استعمالَ هذا. فمِنَ المتقدِّمِينَ: الحافظُ أبو بكرٍ أحمدُ ابنُ أبي خَيْثَمَةَ زُهيرِ بنِ حَرْبٍ صاحبِ يحيى بنِ معينٍ، وصاحبِ " التاريخِ ". قالَ الإمامُ أبو الحسنِ محمَّدُ ابنُ أبي الحسينِ بنِ الوزَّانِ: أَلْفَيْتُ بخطِ أبي بكرِ ابنِ أبي خيثمةَ: قد أَجَزْتُ لأبي زكريا يحيى بنِ مَسْلَمةَ أَنْ يرويَ عَنِّي ما أَحبَّ من كتابِ " التاريخِ " الذي سمعَهُ مِنِّي أبو محمَّدٍ القاسمُ ابنُ الأصبَغِ، ومحمدُ بنُ عبدِ الأعلى، كما سمعاهُ مِنِّي. وأذنتُ له في ذلكَ ولِمَنْ أحبَّ من أصحابهِ فإن أحبَّ أَنْ تكونَ الإجازةُ لأحدٍ بعدَ هذا فأنا أجزتُ له ذلك بكتابي هذا وكَتَبَ أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي خيثمةَ بيدِهِ في شَوَّالٍ منْ سنةِ ستٍّ وسبعينَ ومائتينِ. وكذلكَ أجازَ حفيدُ يعقوبَ بنِ شيبةَ، وهذه نسختُها - فيما حكاهُ الخطيبُ - يقولُ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ يعقوبَ بنِ شيبةَ: قد أجزتُ لعمرَ بنِ أحمدَ الخلاَّلِ وابنِهِ عبدِ الرحمن بنِ عُمَرَ وَلِخَتَنِهِ عليِّ بنِ الحسنِ جميعَ ما فاتَهُ من حَدِيْثِي، مِمَّا لَمْ يُدْرِكْ سماعَهُ من المُسْنَدِ وغيرِهِ، وقد أجزتُ ذلكَ لِمَنْ أَحَبَّ عمرُ فلْيَرْوُوهُ عَنِّي إِنْ شَاؤُوا. وكَتَبْتُ لهم ذلكَ بخطِّي في صَفَرٍ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وثلاثينَ وثلاثمائةٍ. قالَ الخطيبُ بعدَ حكايةِ هذا: ورأيتُ مثلَ

هذهِ الإجازةِ لبعضِ المتقدمينَ، إلاَّ أَنَّ اسمَهُ ذهبَ من حفظِي. انتهى. وكأَنَّه أرادَ بذلكَ ابنَ أبي خيثمةَ، واللهُ أعلمُ. وأمَّا إذا كانَ الْمُعَلَّقُ هُوَ الروايةَ كقولهِ: أجزتُ لمنْ شاءَ الروايةَ عنِّي، أَنْ يرويَ عنِّي، فقالَ ابنُ الصَّلاحِ: هذا أَولى بالجوازِ من حيثُ إِنَّ مُقْتَضَى كُلِّ إِجازةٍ تفويضُ الروايةِ بها إلى مشيئةِ المجُازِ لَهُ، فكانَ هذا مَعَ كونِهِ بصيغةِ التعليقِ تصريحاً بما يقتضيهِ الإطلاقُ، وحكايةً للحالِ، لا تعليقاً في الحقيقةِ. قالَ: ولهذا أجازَ بعضُ أَئِمَّةِ الشَّافعيِّيْنَ في البيعِ أن يَقُوْلَ: بِعْتُكَ هذا بكذا إِن شئتَ، فيقولُ: قَبِلْتُ. قُلْتُ: الفَرْقُ بَيْنَهُمَا تَعْيِيْنُ الْمُبتاعِ هنا، بخلافِهِ في الإجازةِ، فإنَّهُ مُبْهَمٌ. نَعَمْ.. وِزَانُهُ في الإجازةِ أَنْ يقولَ: أجزتُ لك أَنْ ترويَ عَنِّي إِنْ شئتَ الروايةَ عنِّي. وأمَّا المثالُ الذي ذكرهُ فالتعليقُ وإِنْ لم يَضُرَّهُ فالجهالةُ مُبطِلةٌ لَهُ. وكذلكَ ما وُجِدَ بخطِ أبي الفتحِ الأَزْدِيِّ: أجزتُ روايةَ ذلكَ لجميعِ مَنْ أَحبَّ أَنْ يرويَ ذلكَ عنِّي. وأمَّا تعليقُ الروايةِ مَعَ التصريحِ بالمجُازِ لَه وتعيينِهِ، كقولِهِ: أجزتُ لكَ كذا وكذا إِنْ شئتَ روايتَهُ عَنِّي، أو أَجَزْتُ لكَ إِنْ شِئْتَ أَنْ ترويَ عَنِّي، أو أجزْتُ لفلانٍ إِنْ شَاْءَ الروايةَ عَنِّي، ونحوَ ذلكَ؛ فالأظهرُ الأقوى أَنَّ ذلك جائزٌ إذْ قد انتفتْ فيه الجَهالةُ، وحقيقةُ التعليقِ، وَلَمْ يَبْقَ سوى صِيغتِهِ. فقولي: (إنْ يرد) ، أي: إنْ يُرِدِ الروايةَ يَدُلُّ عليهِ قولي في البيتِ قبلَهُ: (مَنْ شاءَ يَرْوِي) ، ويجوزُ أنْ يُرَادَ الأمرانِ معاً، أي: إِنْ أرادَ الروايةَ، أو الإجازة. والظاهرُ: أنَّهُ لا فرقَ وإِنْ لَمْ يُصَرِّحِ ابنُ الصَّلاحِ بتعليقِ الإِجازةِ في الْمُعَيَّنِ فتعليلُهُ وبعضُ أمثلتِهِ يقتضي الصحَّةَ فيه لعمومِهِ.

470.... وَالسَّادِسُ: الإِذْنُ لِمَعْدُوْمٍ تَبَعْ ... كَقَوْلِهِ: أَجَزْتُ لِفُلاَنِ مَعْ 471.... أَوْلاَدِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهْ ... حَيْثُ أَتَوْا أَوْ خَصَّصَ الْمَعْدُوْمَ بِهْ 472.... وَهْوَ أَوْهَى، وَأَجَازَ الأَوَّلاَ ... (ابْنُ أبي دَاوُدَ) وَهْوَ مُثِّلاَ 473.... بِالْوَقْفِ، لَكِن (أَبَا الطَّيِّبِ) رَدْ ... كِلَيْهِمَا وَهْوَ الصَّحِيْحُ الْمُعْتَمَدْ 474.... كَذَا أبو نَصْرٍ. وَجَازَ مُطْلَقَا ... عِنْدَ الْخَطِيْبِ وَبِهِ قَدْ سُبِقَا 475.... مِنِ ابْنِ عُمْرُوْسٍ مَعَ الْفَرَّاءِ ... وَقَدْ رَأَى الْحُكْمَ عَلى اسْتِوَاءِ 476.... فِي الْوَقْفِ في صِحَّتِهِ مَنْ تَبِعَا ... أَبَا حَنِيْفَةَ وَمالِكاً مَعَا والنوعُ السادسُ من أنواعِ الإِجازة: الإِجازةُ للمعدومِ، وهي على قسمينِ: الأولُ: أَنْ يَعْطِفَ المعدومَ على الموجودِ، كقولهِ: أجزتُ لفلانٍ ولولدهِ وعَقِبهِ ما تَنَاسَلُوا، أو أجزتُ لكَ ولمنْ يولدُ لكَ، ونحوِ ذلكَ. وقد فعلَهُ أبو بكرٍ عبدُ الله ابنُ أبي داودَ السجستانيُّ، وقد سُئِلَ الإجازةَ، فقالَ: قَدْ أجزتُ لكَ ولأولادكَ ولِحَبَلِ الْحَبَلةِ، يعني: الذينَ لَمْ يُوْلَدُوا بَعْدُ.

والقسمُ الثاني: أَنْ يُخصِّصَ المعدومَ بالإجازةِ من غَيْرِ عَطْفٍ على موجودٍ، كقولهِ: أجزتُ لمنْ يُولدُ لفلانٍ، وهو أضعفُ من القسمِ الأولِ والأولُ أَقربُ إلى الجوازِ، وقد شُبِّهَ بالوقفِ على المعدومِ. وقد أجازهُ أصحابُ الشافعيِّ في القسمِ الأولِ دونَ الثاني، وحَكَى الخطيبُ عن القاضي أبي الطيبِ الطبريِّ: أَنَّهُ منعَ صِحَّةَ الإجازةِ للمعدومِ مطلقاً، قالَ: وقدْ كانَ قالَ لي قديماً: إِنَّه يَصحُّ. وحكى ابنُ الصلاحِ عن أبي نَصْرِ بنِ الصَّبَّاغِ: أنَّهُ بَيَّنَ بُطلانَها، قالَ ابنُ الصلاحِ: وذلكَ هوَ الصحيحُ الذي لا ينبغي غيرُهُ؛ لأَنَّ الإِجازةَ في حُكمِ الإِخبارِ جملةً بالمُجازِ، فكما لا يصحُّ الإخبارُ للمعدومِ، لا تصحُ الإِجازةُ لهُ. وأَجازَ الخطيبُالإجازةَ للمعدومِ مطلقاً، وحَكَاهُ عن أبي يعلى بنِ الفَرَّاءِ وأبي الفَضْلِ بنِ عُمْرُوْسٍ، وقالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أجازهُ معظَمُ الشُّيُوْخِ المتأخِّرِينَ. قالَ: وبهذَا اسْتَمَرَّ عَمَلُهُمْ بَعدُ شرقاً وغرباً. انتهى وحَكَى الخطيبُ: أَنَّ أصحابَ أبي حنيفةَ ومالكٍ، قَدْ أَجَازُوا الوَقْفَ عَلَى المعدومِ، وإِنْ لَمْ يكنْ أصلُهُ موجوداً حالَ الإيقافِ، مثلَ أَنْ يقولَ: وقفتُ هَذَا عَلَى مَنْ يُولد لفلانٍ وإِن لَمْ يَكُنْ وَقَفَهُ عَلَى فلانٍ. 477.... وَالسَّاِبعُ: الإِذْنُ لِغَيْرِ أَهْلِ ... لِلأَخْذِ عَنْهُ كَافِرٍ أو طِفْلِ 478.... غَيْرِ مُمَيِزٍ وَذَا الأَخِيْرُ ... رَأَى (أَبُو الطَّيِّبِ) وَالْجُمْهُوْرُ 479.... وَلَمْ أَجِدْ فِي كَافِرٍ نَقْلاً، بَلَى ... بِحَضْرَةِ (الْمِزِّيِّ) تَتْرَا فُعِلا

480.... وَلَمْ أَجِدْ فِي الْحَمْلِ أَيْضَاً نَقْلاَ ... وَهْوَ مِنَ الْمَعْدُوْمِ أولَى فِعْلاَ 481.... وَ (لِلْخَطِيْبِ) لَمْ أَجِدْ مَنْ فَعَلَهْ ... قُلْتُ: رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ قَدْ سَأَلَهْ 482.... مَعْ أبويْهِ فَأَجَازَ، وَلَعَلْ ... مَا اصَّفَّحَ الأَسماءَ فِيْهَا إِذْ فَعَلْ 483.... وَيَنْبَغِي الْبِنَا عَلى مَا ذَكَرُوْا ... هَلْ يُعْلَمُ الْحَمْلُ؟ وَهَذَا أَظْهَرُ والنوعُ السابعُ من أنواعِ الإجازةِ: الإجازةُ لمنْ ليسَ بأهلٍ حِيْنَ الإجازةِ للأَدَاءِ والأخذِ عنهُ، وذلكَ يشملُ صُوراً لَمْ يذكرِ ابنُ الصلاحِ مِنْهَا إلاَّ الصبيَّ، وَلَمْ يُفْرِدْهُ بنوعٍ، بلْ ذَكَرَهُ في آخرِ الكلامِ عَلَى الإجازةِ للمعدومِ، وزدتُ عليهِ في النَّظْمِ الإجازةَ للكافرِ. فأمَّا الإجازةُ للصبيِّ فَلاَ يخلوا إِمَّا أنْ يكونَ مُمَيَّزَاً أو لا، فإنْ كَانَ مُمَيِّزاً فالإجازةُ لَهُ صحيحةٌ كسماعهِ، وإن تَقَدَّمَ نقلُ خلافٍ ضعيفٍ في صحةِ سماعهِ فإنَّهُ لا يُعْتَدُّ بهِ. وإنْ كَانَ غيرَ مُمَيِّزٍ، فاختُلِفَ فيهِ. فَحَكَى الخطيبُ: أنَّ بعضَ أصحابِنَا قالَ: لا تصحُّ الإجازةُ لمنْ لا يصحُّ السماعُ لهُ. قالَ: وسألتُ القاضيَ أبا الطيبِ الطبريَّ، هلْ يُعتبرُ في صِحَّتِهَا سِنُّهُ أو تمييزُهُ كَمَا يعتبرُ ذلكَ في صحَّةِ سماعِهِ؟ فقالَ: لا يُعتبرُ ذلكَ. فذكرَ له الخطيبُ قولَ بعضِ أصحابِنا المتقدّمِ فقالَ: يصحُّ أَنْ يُجيزَ للغائبِ ولا يصحُّ سماعُهُ. قالَ الخطيبُ: وعلى هذا رأينا كافةَ شيوخِنا يجيزونَ للأطفالِ الغُيَّبِ عنهم مِن غيرِ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مَبْلَغِ أسْنَانِهِم، وحَالِ تمييزِهِم. واحْتَجَّ لذلكَ بأَنَّ الإجازةَ إنَّما هيَ إباحةُ المجيزِ للمُجَازِ لهُ، أَنْ يرويَ عنهُ، والإبَاحةُ تصحُّ للعاقلِ، وغيرِ العاقلِ وقالَ ابنُ الصلاحِ: وكأَنَّهُم رَأَوا الطِّفْلَ أهْلاً لتحمُّلِ هذا النوعِ ليؤدِّيَ بهِ بعدَ حصولِ أَهليتهِ لبقاءِ

الإسنادِ. وأمَّا الإجازةُ للكافرِ فلم أجدْ فيها نَقْلاً، وقد تَقَدَّمَ أَنَّ سماعَهُ صحيحٌ ولم أَجدْ عن أَحدٍ من المتقدِّمِيْنَ والمتأخِّرِينَ الإجازةَ للكافرِ، إلاَّ أنَّ شخصاً من الأَطباءِ بدمشقَ ممن رأيتُهُ بدمشقَ ولم أسمعْ عليهِ، يُقالُ لهُ محمَّدُ بنُ عبدِ السيدِ بنِ الدَّيَّانِ، سَمِعَ الحديثَ في حالِ يهوديتِهِ على أبي عبدِ اللهِ محمَّدِ بنِ عبدِ المؤمنِ الصوريِّ، وكتبَ اسمهُ في طبقةِ السماعِ معَ السامعينَ وأَجازَ ابنُ عبدِ المؤمن لمنْ سمعَ وهوَ من جملتهِم. وكَاْنَ السماعُ والإجازةُ بحضورِ الحافظِ أبي الحجاجِ يوسف بنِ عبدِ الرحمنِ المِزِّيِّ، وبعضُ السماعِ بقراءتهِ وذلكَ في غيرِ ما جزءٍ منها: "جزءُ ابنِ عترةَ" فلولاَ أنَّ المِزِّيَّ يرى جوازَ ذلكَ ما أَقرَّ عليهِ. ثُمَّ هَدَى اللهُ ابنَ عبدِ السيدِ المذكورِ للإِسلامِ وحَدَّثَ وسَمِعَ منهُ أصحابُنا. ومن صُوَرِ الإجازةِ لغيِر أهلِ الأداءِ الإجازةُ للمَجْنُونِ، وهيَ صحيحةٌ وقد تقدَّمَ ذكرُها في كلامِ الخطيبِ. ومِنْ صُوَرِها الإجازةُ للفاسقِ والمبتدعِ، والظاهرُ جوازُها، وأولَى من الكافرِ، فإذا زالَ المانعُ من الأَداءِ صحَّ الأداءُ، كالسماعِ سواءٌ. وأمَّا الإجازةُ للحَمْلِ فلَمْ أَجدْ فيها أيضاً نَقْلاً غيرَ أنَّ الخطيبَ قالَ: لَمْ أَرَهُم أجازُوا لمنْ لَمْ يكنْ مولوداً في الحالِ، ولم يَتَعَرَّضْ؛ لكونهِ إذا وقعَ تصحُّ أو لا؟ ولا شكَّ أَنَّهُ أولى بالصِّحَّةِ مِنَ المعدومِ. والخطيبُ يرى صحتَها للمعدومِ - كما تقدَّمَ - وقدْ رأيتُ بعضَ شيوخِنَا المتأخِّرِينَ سُئِلَ الإجازةَ لِحَمْلٍ بعدَ ذِكْرِ أبويهِ قبلَهُ وجماعةٍ معهُم، فأجازَ فيها، وهوَ الحافظُ أبو سعيدٍ العلائيُّ. ورأيتُ بعضَ أهلِ الحديثِ قدْ احترزَ عنِ الإجازةِ لهُ، بلْ عَمَّنْ

لَمْ يُسمَّ في الإجازةِ، وإِنْ كانَ موجوداً، فكتبَ: أجزْتُ للمسمِّيْنَ فيهِ، وهوَ المحدِّثُ الثقةُ أبو الثناءِ محمودُ بنُ خَلَفٍ المنبجيُّ. ومَنْ عَمَّمَ الإجازَةَ للحَمْلِ وغيرِهِ أَعْلَمُ وأَحفظُ وأَتقنُ. إلا أنهُ قد يُقالُ: لعلَّهُ ما اصَّفَّحَ أسماءَ الإجازةِ حتى يَعلمَ هلْ فيها حملٌ أم لا؟ فقدْ تقدَّمَ أَنَّ الإجازةَ تصحُّ وإِنْ لَمْ يَتَصَفَّحِ الشيخُ الْمُجيزُ أسماءَ الجماعةِ المسؤولِ لَهُمْ الإجازةَ. إلاَّ أَنَّ الغالبَ أَنَّ أَهْلَ الحديثِ لا يُجيزونَ إلاَّ بعدَ نَظَرِ المسؤولِ لَهُمْ، كَمَا شاهدناهُ مِنْهُمْ. قلتُ: وينبغي بناءُ الحكمِ في الإجازةِ للحملِ عَلَى الخلافِ في أَنَّ الحَمْلَ هلْ يُعْلَمُ أو لا؟ فإِن قلنا: إِنَّه لا يُعلمُ، فتكونُ كالإجازَةِ للمعدومِ ويجري فيهِ الخلافُ وإِن قُلنا: إِنَّهُ يُعْلَمُ - وهو الأَصَحُّ كما صحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ - صَحَّتِ الإجازةُ. ومعنى قولهِم: إِنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ، أي: يُعامَلُ مُعامَلةَ المعلومِ وإِلاَّ فقدْ قالَ إِمامُ الحرمينِ: لا خلافَ أَنَّهُ لا يُعلمُ وقد جزمَ بهِ الرافعيُّ بعد هذا بنحوِ صفحةٍ في أثناءِ فَرقٍ ذَكَرَهُ. وقولي: (وَهَذَا أَظْهَرُ) ، أي: في أَنَّ الحملَ يُعْلمُ، وفي بناءِ الإجازةِ للحملِ على هذا الخلافِ، ففيهِ ترجيحٌ للأَمرينِ معاً.

484.... وَالثَّامِنُ: الإِذْنُ بِمَا سَيَحْمِلُهْ ... الشَّيْخُ، وَالصَّحِيْحُ أَنَّا نُبْطِلُهْ 485.... وبعضُ عَصْرِيِّ عِيَاضٍ بَذَلَهْ ... وَ (ابْنُ مُغِيْثٍ) لَمْ يُجِبْ مَنْ سَأَلَهْ 486.... وَإِنْ يَقُلْ: أَجَزْتُهُ مَا صَحَّ لَهْ ... أو سَيَصِحُّ، فَصَحِيْحٌ عَمِلَهْ 487.... (الدَّارَقُطْنِيْ) وَسِواهُ أوحَذَفْ ... يَصِحُّ جَازَ الكُلُّ حَيْثُمَا عَرَفْ والنوعُ الثامنُ من أنواعِ الإجازةِ: إجازةُ ما سَيَحْمِلُهُ المجُيزُ ممَّا لم يسمعْهُ قبلَ ذلكَ، ولم يتحمَّلْهُ، لِيَرْوِيَهُ الْمُجَازُ لهُ بعدَ أَنْ يتحمَّلَهُ المجُيزُ، قالَ القاضي عياضٌ في "الإلماع": ((فهذا لم أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ فيهِ من المشايخِ)) ، قالَ: ((ورأيتُ بعضَ المتأخِّرينَ والعَصْرِيينَ يَصْنَعُونَهُ، إلاَّ أَنِّي قرأتُ في فهرسةِ أبي مروانَ عبدِ الملكِ بنِ زيادةِ اللهِ الطُّبْنيِّ، قالَ: كنتُ عندَ القاضي بقُرْطُبَةَ أبي الوليدِ يونسَ بنِ مُغيثٍ، فجاءَهُ إنسانٌ فسأَلَهُ الإجازةَ لهُ بجميعِ ما رواهُ إلى تاريخِها، وما يرويهِ بَعْدُ، فلمْ يجبْهُ إلى ذلكَ، فغضبَ السائلُ، فنظرَ إليَّ يونُسُ فقلتُ لهُ: يا هذا يُعطيكَ ما لَمْ يأْخُذْ؟!! هذا محالٌ. فقالَ يُونُسُ: هذا جوابي. قالَ القاضي عياضٌ: وهذا هو الصَّحيحُ فإنَّ هذا يُخْبرُ بما لا خَبَرَ عندهُ منهُ، ويأذنُ لهُ بالحديثِ بما لَمْ يحدَّثْ بهِ بعدُ ويُبيحُ ما لا يَعْلَمُ، هلْ يصحُّ لهُ

الإذنُ فيهِ؟! فَمَنْعُهُ الصوابُ)) . وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((ينبغي أنْ يُبنَى هذا على أَنَّ الإجازةَ في حُكمِ الإخبارِ بالمجُازِ جملةً، وهي إِذْنٌ. فإنْ جُعِلَتْ في حُكمِ الإخبارِ لم يصحَّ، إذْ كيفَ يخبرُ بما لا خَبرَ عندهُ منه؟ وإنْ جُعِلَتْ إذناً انْبَنَى على الإذْن في الوكالةِ فيما لم يملكْهُ الآذنُ بعدُ. وأجازَ ذلكَ بعضُ أصحابِ الشافعيِّ، قالَ: والصحيحُ بطلانُ هذهِ الإجازةِ. وقالَ النوويُّ: إنَّهُ الصوابُ. وعلى هذا يتعيَّنُ على مَنْ يَرْوِي عَنْ شيخٍ بالإجازةِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ ذلكَ سمِعَه أو تحمَّلَهُ قَبْلَ الإجازةِ له. وأمّا إذا قالَ: أجزتُ له ما صحَّ ويصِحُّ عندَه من مَسْمُوْعَاتي فهيَ إجازةٌ صحيحةٌ، وفَعَلَهُ الدَّارقطنيُّ وغيرُهُ ولهُ أنْ يرويَ عنهُ ما صحَّ عندَهُ بعدَ الإجازةِ أَنَّهُ سمعَهُ قبلَها، وكذلكَ لو لمْ يقلْ: ويصحُّ، فإنَّ المرادَ بقولهِ: مَا صَحَّ، أي: حالةَ الروايةِ، لا حالةَ الإجازةِ. فقولي: (جَازَ الكُلُّ) ، أي: ما عَرَفَ حالةَ الأداءِ أَنُّه سماعُهُ. وقولي: بذلَهُ بذالِ معجمةٍ، أي: أعطاهُ لِمَنْ سألَهُ. 488.... وَالتَّاسِعُ: الإِذْنُ بِمَا أُجِيْزَا ... لِشَيْخِهِ، فَقِيْلَ: لَنْ يَجُوْزَا 489.... وَرُدَّ، وَالصَّحِيْحُ: الاعْتِمَادُ ... عَلَيْهِ قَدْ جَوَّزَهُ النُّقَّاْدُ 490.... أبو نُعَيْمٍ، وَكَذَا ابْنُ عُقْدَهْ ... وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَنَصْرٌ بَعْدَهْ

491.... وَالَى ثَلاَثَاً بإِجَازَةٍ وَقَدْ ... رَأَيْتُ مَنْ وَالَى بِخَمْسٍ يُعْتَمَدْ 492.... وَيَنْبَغِي تَأَمُّلُ الإِجازَهْ ... فحيثُ شَيْخُ شَيْخِهِ أَجَاْزَهْ 493.... بَلِفْظِ مَا صَحَّ لَدَيْهِ لَمْ يُخَطْ ... مَا صَحَّ عِنْدَ شَيْخِهِ مِنْهُ فَقَطْ والنوعُ التاسعُ من أنواعِ الإجازةِ: إجازةُ المجُازِ، كقولِهِ: أجزتُ لكَ مُجَازَاتي، ونحوَ ذلكَ. فمَنَعَ جوازَ ذلكَ الحافظُ أبو البركاتِ عبدُ الوهابِ بنُ المباركِ بنِ الأنماطيِّ - أحدُ شيوخِ ابنِ الجوزيِّ- وصنَّفَ جزءاً في مَنْعِ ذلكَ. وذلكَ أَنَّ الإجازةَ ضعيفةٌ؛ فيقْوَى الضَّعْفُ باجتماعِ إجازتينِ، وحكاهُ الحافظُ أبو عليٍّ البَرَدَانيُّ عن بعضِ مُنتحلي الحديثِ، وَلَمْ يُسمِّهِ، وقدْ أبهمَهُ ابنُ الصلاحِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بقولِهِ: بعضُ منْ لا يُعتدُّ بِهِ من المتأخِّرينَ، قالَ: والصحيحُ الَّذِيعليهِ العملُ أَنَّ ذلكَ جائزٌ، ولا يُشْبِهُ ذلكَما امتنعَ مِنْ توكيلِ الوكيلِ بغيرِ إذنِ المُوكِّلِ. وحَكَى الخطيبُ تجويزَهُ عن الدارقطنيِّ وأبي العباسِ بنِ عُقْدَةَ، وفعلَهُ الحاكمُ في "تأرْيخِهِ". قالَ ابنُ طاهرٍ: ولا يُعْرَفُ بين القائلينَ بالإجازةَ خلافٌ في العملِ بإجازةِ الإجازةِ، وقال أبو نُعيم: الإجازةُ على الإجازةِ قويةٌ جائزةٌ.

وقولي: (وَنَصْرٌ) هو مبتدأٌ، خبرُه: (وَالَى ثلاثاً) ، أي: بينَ ثلاثِ أجائزَ، ويجوز أَنْ يكونَ نصرٌ معطوفاً على الدارقطنيِّ، فإنَّ فِعْلَ نصرٍ له دالٌ على جوازهِ عندَهُ، وهوَ الفقيهُ: نصرُ بنُ إبراهيمَ المقدسيُّ، قالَ محمدُ بنُ طاهرٍ: سمعتُه ببيتِ المقدسِ يروي بالإجازة عنِ الإجازةِ، وربَّما تابعَ بين ثلاثٍ منها. وذكرَ أبو الفضلِ محمدُ بنُ ناصرٍ الحافظُ، أَنَّ أَبا الفتحِ ابنَ أبي الفوارسِ، حدَّثَ بجزءٍ من العلِلِ لأَحمدَ بإجازته من أبي عليًّ بنِ الصَّوَّافِ، بإجازتهِ من عبدِ الله بنِ أحمدَ، بإجازتهِ من أبيهِ. قلتُ: وقد رأَيتُ في كلامِ غيرِ واحدٍ مِنْ الأَئمة وأَهلِ الحديثِ، الزيادةَ على ثلاثِ أجائزَ، فرَوْوا بأربعِ أجائزَ متواليةٍ، وخمسٍ، وقدْ روى الحافظُ أبو محمدٍ عبدُ الكريمِ الحلبيُّ في " تاريخِ مصرَ " عن عبدِ الغنيِّ بنِ سعيدٍ الأزديِّ بخمسِ أجائزَ متواليةٍ في عدَّةِ مواضعَ. وينبغي لِمَنْ يروِي بالإِجازةِ عن الإجازَةِ، أَنْ يتأَمَّلَ كيفيةَ إجازةِ شيخِ شيخِهِ لشيخهِ، ومُقْتَضَاهَا حَتَّى لا يروي بها ما لم يندرجْ تحتها، فربما قَيَّدَهَا بعضُهم بما صحَّ عند المجازِ، أو بما سمعهُ المجيزُ فقط، أو بما حدَّثَ به من مَسْمُوْعَاتِهِ أو غيرِ ذلكَ. فإنْ كان أجازَهُ بلفظِ: أجزتُ له ما صحَّ عندَهُ من سماعاتي؛ فليسِ للمجازِ الثاني أَنْ يروي عن المجُازِ الأولِ إلاّ ما علمَ أَنَّهُ صحَّ عنده أنَّهُ مِن سماعِ شيخِهِ الأَعْلَى. ولا يَكتَفي بمجرَّدِ صحةِ الإجازة)) ، وكذلك إنْ قيَّدَها بسماعهِ، لم يتعدَّ إلى مجازاتهِ. وقد غلطَ غيرُ واحدٍ من الأئمة، وعَثَرَ بسببِ هذا. فمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الإمامَ أبا عبدِ اللهِ محمدَ بنَ أحمدَ بنِ محمدٍ الأَنْدَرَشِيَّ، المعروفَ بابنِ اليَتِيْمِ، - أحَد مَنْ رحلَ وجالَ

في البلادِ، وسمعَ ببلادِ المغربِ، ومصرَ، والشامِ، والعراقِ، وخراسانَ، وأخذَ عن السِّلفيِّ وابنِ عساكرَ والسهيليِّ وابنِ بَشْكَوالَ وعبدِ الحقِّ الإشبيليِّ وخلقٍ - ذكرَ إسنادهُ في الترمذيِّ عن أبي طاهرٍ السِّلفيِّ عن أحمدَ بنِ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ سعيدٍ الحدَّادِ، عن إسماعيلَ بنِ يَنَالَ الْمَحْبُوْبيِّ، عن أبي العباسِ الْمَحْبُوْبيِّ، عن الترمذيِّ، هكذا ذكرَ الحافظُ أبو جعفرِ بنُ النَّرْسِيِّ: أَنَّهُ وجدَهُ بخطِّ ابنِ اليتيمِ. وَوَجْهُ الغَلَطِ فيهِ: أَنَّ فيهِ إجازتينِ: إحداهُما: أنَّ ابنَ يَنَالَ أجازَ للحدَّادِ، ولم يسمعْهُ منهُ. والثانيةُ: أَنَّ الحدَّادَ أجازَ للسِّلَفيِّ ما سمعَهُ فقطْ، فلم يُدْخِلْ الترمذيَّ في إجازتِهِ للسِّلَفيِّ. وذكرَ النَّرْسِيُّ: أنَّ السِّلَفِيَّ وَهِمَ في ذلكَ قديماً ثمَّ تذكرَ ورجعَ عن هذا السندِ. قالَ: ومنْ هُنا تكَلَّمَ أبو جعفرِ بنُ الباذشِ في السِّلَفِيِّ، وعذرَ الناسُ السِّلَفِيِّ، فقدْ رجعَ عنهُ. قالَ: وتكلَّمَ الناسُ في ابنِ اليتيمِ: قالَ: وما أظنُّ الباعثَ لذلكَ إلاَّ ما ذكرتُهُ. انتهى. وقدْ بَيَّنَ السِّلَفِيُّ صورةَ إجازةِ الحدَّادِ له في " فهْرستِهِ " فيما أخبرني به محمدُ بنُ محمدِ بنِ يحيى القرشيُّ، قالَ: أخبرنا عيسى بنُ يحيى السبتيُّ، قالَ: أخبرنا عبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ المجيدِ الصفراويُّ، أخبرني أبو طاهر السِّلَفيُّ، قال: كانَ أبو الفرجِ الحدَّادُ يرويهِ، أي: كتابَ الترمذيِّ، قالَ: ولم يُجِزْ لي ما أُجيزَ لهُ، بلْ ما سمعَهُ فقطْ، قال: كتبَ إليَّ إسماعيلُ بنُ يَنَالَ المحْبُوْبيُّ من مَرْو. انتهى.

لفظ الإجازة، وشرطها

قلتُ: وكانَ الشيخُ تقيُّ الدِّينِ بنُ دقيقِ العيدِ، لا يُجيزُ روايةَ سماعِهِ كُلِّهِ بلْ يُقَيّدُهُ بما حَدَّثَ بهِ مِنْ مَسْمُوْعَاتهِ، هكذا رأيتُهُ بخطِّهِ في عِدَّةِ إجازاتٍ، ولم أَرَ لهُ إجازةً تَشملُ مسموعَهُ؛ وذلك أَنَّهُ كَاْنَ شكَّ في بعضِ سماعاتهِ فَلَمْ يحدِّثْ بِهِ وَلَمْ يُجزْهُ، وَهُوَ سماعُهُ عَلَى ابنِ الْمُقَيَّرِ، فمَنْ حدَّثََ عنهُ بإجازتِهِ مِنْهُ بشيءٍ مِمَّا حَدَّثَ بهِ من مَسْمُوْعَاتِهِ فَهُوَ غيرُ صحيحٍ، وينبغي التنبهُ لهذا وأمثالِهِ. لَفْظُ الإجَازَةِ، وَشَرْطُهَاْ 494.... أَجَزْتُهُ (ابْنُ فَارِسٍ) قَدْ نَقَلَهْ ... وَإِنَّمَا الْمَعْرُوْفُ قَدْ أَجَزْتُ لَهْ قالَ أبو الحُسينِ أحمدُ بنُ فارسٍ: ((معنى الإجازةِ في كلامِ العربِ مأخوذٌ مِنْ جوازِ الماءِ الذي يُسْقَاهُ المالُ من الماشيةِ والْحَرْثِ، يُقالُ منهُ: استجزتُ فلاناً فأجازني، إذا سَقَاكَ ماءً لأرضِكَ أو ماشيتِكَ، كذلكَ طالبُ العلمِ يسألُ العالِمَ أنْ يجيزَهُ عِلْمَهُ،

فيجيزَهُ إيَّاهُ)) . قال ابنُ الصلاحِ: فللمجيزِ - على هذا - أنْ يقولَ: أجزتُ فلاناً مَسْمُوْعَاتي، أو مَرْوِيَاتي، فيُعَدِّيهِ بغيرِ حرفِ جرٍ، من غيرِ حاجةٍ إلى ذِكْرِ لفظِ الروايةِ، أو نحوِ ذلكَ. ويحتاجُ إلى ذلكَ مَنْ يجعلُ الإجازةَ بمعنى التسويغِ والإذنِ والإباحةِ، قالَ: وذلكَ هو المعروفُ. فيقولُ: أجزتُ له روايةَ مَسْمُوْعَاتي مثلاً. قالَ: وَمنْ يقولُ: أجزتُ له مَسْمُوْعَاتي فعلى سبيلِ الحذفِ الذي لا يَخْفَى نظيرُهُ. 495.... وَإِنَّمَا تُسْتَحْسَنُ الإِجَازَهْ ... مِنْ عَالِمٍ بِهِ، وَمَنْ أَجَازَهْ 496.... طَالِبَ عِلْمٍ (وَالْوَلِيْدُ) ذَا ذَكَرْ ... عَنْ (مَالِكٍ) شَرْطَاً وَعَنْ (أبي عُمَرْ) 497.... أَنَّ الصَّحِيْحَ أَنَّهَا لاَ تُقْبَلُ ... إِلاَّ لِمَاهِرٍ وَمَا لاَ يُشْكِلُ 498.... وَالْلَفْظُ إِنْ تُجِزْ بِكَتْبٍ أَحْسَنُ ... أو دُوْنَ لَفْظٍ فَانْوِ وَهْوَ أَدْوَنُ هذا بيانٌ لشرطِ صحةِ الإجازة عند بعضهِمِ على الخلافِ المذكورِ. قال ابنُ الصلاحِ: إنَّمَا تُستَحْسَنُ الإجازةُ إذا كانَ الْمُجيزُ عالماً بما يُجيزُ، والمجازُ لهُ مِنْ أهلِ العلمِ؛ لأَنَّها تَوَسُّعٌ وترخيصٌ، يتأَهلُ لَهُ أهلُ العلمِ لِمسيسِ حاجتِهِم إليها. قَالَ: وبالغَ بعضُهم في ذَلِكَ فجعلَه شرطاً فِيْهَا، وحكاهُ الوليدُ بنُ بكرٍ المالكيُّ عن مالكٍ، وَقَالَ أبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ: الصحيحُ أَنَّها لا تجوزُ إلاّ لماهرٍ بالصناعةِ، وفي شيءٍ مُعيَّنٍ لا

الرابع: المناولة

يُشْكِلُ إسنادُهُ. ثُمَّ الإجازةُ قد تكونُ بلفظِ الشيخِ وقد تكونُ بالخطِّ، سواءٌ أجازَ ابتداءً أَمْ كتبَ بهِ على سؤالِ الإجازةِ؟ كما جرتِ العادةُ. فإنْ كانتِ الإِجازةُ بالخطِّ فالأحسنُ والأَولى أن يتلفَّظَ بالإجازةِ أيضاً، فإنِ اقتصرَ على الكتابةِ ولم يتلفظْ بالإجازةِ أيضاً، صحتْ إذا اقترنتِ الكتابةُ بقصدِالإجازةِ؛ لأنَّ الكتابةَ كتابةٌ وهذهِ دون الإجازةِ الملفوظِ بها في المرتبةِ. فإنْ لم يقصدِ الإجازةَ فالظاهرُ عدمُ الصحةِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وغيرُ مستبَعدٍ تصحيحُ ذلك بمجردِ هذهِ الكتابةِ في بابِ الروايةِ التي جُعلتْ فيه القراءةُ على الشيخِ، مع أَنَّهُ لم يلفظْ بما قُرِئَ عليه اخبارًا منه بذلك. الرَّاْبِعُ: الْمُنَاولَةُ 499.... ثُمَّ الْمُنَاولاَتُ إِمَّا تَقْتَرِنْ ... بِالإِذْنِ أَوْ لاَ، فَالَّتِي فِيْهَا إِذِنْ 500.... أَعْلَى الإْجَازَاتِ، وَأَعْلاَهَا إذا ... أَعْطَاهُ مِلْكَاً فَإِعَارَةً كَذَا 501.... أَنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ بِالْكِتَابِ لَهْ ... عَرْضاً وَهَذَا الْعَرْضُ لِلْمُنَاولَهْ 502.... وَالشَّيْخُ ذُوْ مَعْرِفَةٍ فَيِنَظُرَهْ ... ثُمَّ يُنَاولَ الْكِتَابَ مُحْضِرَهْ 503.... يقول: هَذَا مِنْ حَدِيْثِي فارْوِهِ ... وَقَدْ حَكَوْا عَنْ (مَالِكٍ) وَنَحْوِهِ

وهي على نوعين

504.... بِأَنَّهَا تُعَادِلُ السَّمَاعَا ... وَقَدْ أَبَى الْمُفْتُوْنَ ذَا امْتِنَاعَا 505.... إِسْحَاقُ وَالثُّوْرِيْ مَعَ النُّعْمَانِ ... وَالشَّافِعيْ وَأحْمَدُ الشَّيْبَانِيْ 506.... وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) وَغَيْرُهُمْ رَأوْا ... بِأَنَّهَا أَنْقَصُ، قُلْتُ: قَدْ حَكَوْا 507.... إِجْمَاعَهُمْ بِأَنَّهَا صَحِيْحَهْ ... مُعْتَمَداً، وَإِنْ تَكُنْ مَرْجُوْحَةْ القسمُ الرابعُ من أقسامِ الأَخذِ والتحمُّلِ: المناولةُ، وهي على نوعينِ: الأولُ: المناولةُ المقرونةُ بالإجازةِ، وهي أَعلى أنواعِ الإجازةِ على الإطلاقِ. ثُمَّ لهذهِ المناولةِ العاليةِ صورٌ، أعلاها أنْ يُناولَهُ شيئاً من سماعِهِ، أصلاً أو فرعاً مقابلاً به، ويقولَ: هَذا مِنْ سَمَاعِي، أو رِوَايَتِي عن فلانٍ فاروهِ عنِّي، ونحو ذلكَ. وكذا لو لم يذكرْ شيخَهُ وكان اسمُ شيخِهِ في الكتابِ المُنَاول، وفيهِ بيانُ سماعِهِ منهُ، أو إجازتِهِ منهُ، ونحوِ ذلكَ، ويُمَلِّكُهُ الشيخُ لهُ، أو يقولُ له: خُذْهُ وانتسخْهُ، وقابلْ به، ثم رُدَّهُ إليَّ، ونحَو ذلك. ومنها أَنْ يناولَهُ له ثُمَّ يَرْتَجِعَهُ منهُ في الحالِ، وسيأتي حكمُ هذهِ الصورةِ في الأبياتِ التي تلي هذهِ، ومنها أَنْ يُحضِرَ الطالبُ الكتابَ - أَصْلَ الشيخِ أو فرعَهُ المُقابلَ بهِ - فيعرضَهُ عليهِ، وسَمَّاهُ غيرُ واحدٍ من الأئمةِ عَرْضَاً، فيكونُ هذا عَرْضَ المناولِة، وقد تقَدَّمَ عَرْضُ السَّماعِ. فإذا عَرَضَ الطالبُ الكتابَ على الشَّيْخِ، تأَمَّلَهُ الشَّيْخُ، وهوَ عارفٌ مُتَيَقِّظٌ، ثمَّ يُنَاولُهُ للطالبِ، ويقولُ: هوَ روايتي عن فلانٍ أو عمَّنْ ذُكِرَ فيه، أو نحوَ ذلك، فاروِهِ عنِّي، ونحوَ ذلكَ. ولم يتعرضِ ابنُ الصلاحِ لكونِ الصورةِ الأُوْلى من صُوَرِ المناولةِ أعلى، ولكنَّهُ قَدَّمَها في الذِّكْرِ، وقالَ القاضي عياضٌ: أَرفعُها أَنْ يدفعَ الشَّيْخُ كتابَهُ للطالبِ فيقولَ: هذهِ روايتي فارْوِها عنِّي، ويدفَعَها إليهِ، أو يقولَ له: خذْها فَانْسَخْهَا، وقابلْ بها ثمَّ اصْرِفْهَا إليَّ، أو يأتيهِ الطالبُ بنسخةٍ

صحيحةٍ إلى آخرِ كلامِهِ. وهذهِ المناولةُ المقرونةُ بالإجازةِ حَالَّةٌ محلَّ السَّماعِ عندَ بعضهِم، كما حكاهُ الحاكمُ عن ابنِ شهابٍ، وربيعةَ الرأي، ويحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ، ومالكٍ في آخرينَ مِن أهلِ المدينةِ، ومَكَّةَ والكوفةِ والبصرةِ والشامِ ومصرَ وخُراسانَ. وفي كلامِهِ بعضُ تخليطٍ؛ إذْ خلطَ عَرْضَ المناولةِ بعرْضِ السَّمَاعِ، وقالَ الحاكمُ في هذا العرضِ: أما فقهاءُ الإسلامِ الذين أَفتوْا في الحلالِ والحرامِ فإنَّهم لم يَرَوْهُ سماعاً، وبهِ قالَ الشافعيُّ والأوزاعيُّ والبويطيُّ والْمُزَنيُّ وأبو حنيفةَ وسفيانُ الثوريُّ وأحمدُ بنُ حنبلٍ وابنُ المباركِ ويحيى بنُ يحيى وابنُ راهويهِ. قالَ: وعليهِ عَهِدْنَا أَئمَتَنا، وإليهِ ذهبوا، وإليهِ نَذْهَبُ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: إنَّهُ الصحيحُ وإنَّ هذا مُنْحَطٌّ عن التَّحْدِيثِ والإخبارِ. وقولي: (قُلتُ: قَدْ حَكَوَا إجماعَهُمْ) ، أي: أجماعَ أهلِ النقلِ، وإنما زدْتُ نَقْلَ اتفاقِهم هنا؛ لانَّ الشيخَ حكى الخلافَ المتقدِّمَ في الإجازةِ، ولم يحكِ هنا إلاَّ كونَها مُوازيةً للسَّمَاعِ أولا، فأردْتُ نَقْلَ اتفاقِهِم على صَحَّتِهَا، وقد حكاهُ القاضي عياضٌ في " الإِلماعِ " بعد أنْ قالَ: وهي روايةٌ صحيحةٌ عند معظمِ الأئَمةِ والمحدِّثينَ، وسَمَّى جماعةً، ثُمَّ قالَ: وهو قولُ كافةِ أهلِ النقلِ والأَداءِ والتحقيقِ من أهلِ النَّظَرِ. انتهى. وقولي: (مُعتَمَداً) ، هو بفتحِ الميمِ، وهو تمييزٌ، أي: صحيحةً اعتماداً.

508.... أَمَّا إذا نَاولَ وَاسْتَرَدَّا ... فِي الْوَقْتِ صَحَّ وَالْمُجَازُ أَدَّى 509.... مِنْ نُسْخَةٍ قَدْ وَافَقَتْ مَرْوِيَّهْ ... وَهَذِهِ لَيْسَتْ لَهَا مَزِيَّهْ 510.... عَلَى الذَّيِ عُيَّنَ فِي الاجَازَهْ ... عِنْدَ الْمُحَقِّقِيْنَ لَكِنْ مَازَهْ 511.... أَهْلُ الْحَدِيْثِ آخِراً وَقِدْمَا ... أَمَّا إذا مَا الشَّيْخُ لَمْ يَنْظُرْ مَا 512.... أَحْضَرَهُ الطَّالِبُ لَكِنْ اعْتَمَدْ ... مَنْ أَحْضَرَ الْكِتَابَ وَهْوَ مُعْتَمَدْ 513.... صَحَّ وَإِلاَّ بَطَلَ اسْتِيْقَانَا ... وَإِنْ يَقُلْ: أَجَزْتُهُ إِنْ كَانَا 514.... ذَا مِنْ حَدِيْثِي، فَهْوَ فِعْلٌ حَسَنُ ... يُفِيْدُ حَيْثُ وَقَعَ التَّبَيُّنُ هذا أحدُ صورِ المناولةِ الذي تقدمَ الوعدُ بذكرِهِ، وهو أَنْ يُنَاولَهُ الشيخُ الكتابَ، ويجيزُ له روايتَهُ ثم يرتجِعَهُ منه في الحالِ. فالمناولةُ صحيحةٌ ولكنها دونَ الصُّوَرِ المتقدمَةِ لعدمِ احتواءِ الطالبِ عليهِ وغيبتِهِ عنهُ. وقولي: (والمجُازُ) ، أي: والمجازُ له، وهو مبتدأٌ خبرُهُ: أدَّى، أي: ومَنْ تناولَ على هذهِ الصُّورَةِ فَلَهُ أَن يُؤَدِّيَ مِنَ الأَصْلِ الذي ناولَهُ لهُ الشيخُ واستردَّهُ، إذا ظَفَرَ بهِ، معَ غَلبَةِ ظنِّهِ بسلامتِهِ من التغييرِ، أو مِنْ فَرْعٍ مُقَاْبَلٍ بهِ كذلكَ، وهو المرادُ بقولي: (قَدْ وَافَقَتْ مَرْوِيَّهْ) أي: الكتابَ الذي تناولَهُ، إمَّا بكونِهِ من الكتابِ المُنَاولِ نفسِهِ، مَعَ غَلَبَةِ السلامةِ، أو مِنْ نسخةٍ توافِقُهُ بمقابَلَتِهِ، أو إخبارِ ثقةٍ بموافقَتِها، ونحوِ ذلكَ. وقولي: (وَهَذِهِ) ، أي: وهذهِ الصورةُ من صُوَرِ المناولةِ ليستْ لها مزيةٌ على الإجازةِ بكتابٍ مُعَيَّنٍ، قالَ القاضي عياضٌ: وعلى التحقيقِ فليسَ هذا بشيءٍ زائدٍ على

معنى الإجازَةِ للشيءِ المُعَيَّنِ من التصانيفِ المشهورةِ والأَحاديثِ المعروفةِ المُعَيَّنَةِ، ولا فرقَ بين إجازتِهِ إيَّاهُ أَنْ يُحَدِّثَ عنه بكتابِ " الموطأ " وهوَ غائبٌ أو حاضرٌ، إذ المقصودُ تعيينُ ما أَجَازَهُ لهُ. لكنْ قديماً وحديثاً شيوخُنُا من أَهلِ الحديث يَرَوْنَ لهذا مزيةً على الإجازةِ. قال: - ولا مزيةَ له عند مشايخِنا من أَهلِ النظرِ والتحقيقِ، بخلاف الوُجُوْهِ الأُوَلِ. فقولي: (عِنْدَ المُحَقِّقينَ) مما زِدْتُهُ على ابنِ الصَّلاحِ من كلامِ القاضي عياضٍ. وابنُ الصلاحِ إنَّمَا حَكَى هذا عن غيرِ واحدٍ من الفقهاءِ والأُصوليينَ لا عن أَهلِ التحقيقِ، كما قالَ عياضٌ، واللهُ أعلمُ. ومن صُوَرِ المناولةِ: أنْ يُحْضِرَ الطالبُ الكتابَ للشيخِ، فيقولَ: هذا روايتُكَ فناولْنِيْهِ وأَجِزْ لي روايتَهُ فلا ينظرُ فيه الشيخُ، ولا يتحقَقُ أَنَّهُ روايتُه، ولكنِ اعتمدَ خبرَ الطالبِ، والطالبُ ثقةٌ، يُعتمَدُ على مثلِهِ، فَأجابَهُ إلى ذلكَ؛ صحتِ المناولةُ والإجازةُ. وإنْ لم يكنِ الطالبُ موثوقاً بخبرِهِ ومعرفتِهِ، فإنَّهُ لا تجوزُ هذهِ المناولةُ، ولا تصحُّ، ولا الإجازةُ فإنْ ناولَهُ وأَجازَهُ، ثُمَّ تبيَّنَ بعدَ ذلكَ بخبرِ ثقةٍ يُعتمدُ عليه: أَنَّ ذلك كان من سماعِ الشيخِ أو مِنْ مرويَّاتِه فهل يُحكَمُ بصحةِ المناولةِ والإجازة السابقتَيْنِ؟ لَمْ يَنُصَّ عَلَى هذهِ صريحاً ابنُ الصلاحِ، وعمومُ كلامهِ يقتضي: أنَّ ذَلِكَ لا يصحُّ. وَلَمْ أرَهَ أيضاً في كلامِ غيرِهِ، إلاَّ في عمومِ كلامِ الخطيبِ الآتي. والظاهرُ الصحَّةُ؛ لأَنَّهُ تبيَّنَ بعدَ ذلكَ صحَّةُ سماعِ الشيخِ لما ناولَهُ وأجازَهُ، وزالَ ما كنَّا نخشى من عدمِ ثقةِ المُخْبِرِ، واللهُ أعلمُ. قالَ الخطيبُ: ولو قالَ: حَدِّثْ بما في هذا الكتابِ عنِّي إنْ كانَ مِنْ حَدِيْثِي، مع براءَتي

مِنَ الغَلَطِ والوَهْمِ، كانَ ذلكَ جائزاً حسناً. انتهى. ويدخلُ في كلامِ الخطيبِ الصورتانِ: ما إذا كان مَنْ أحضرَ الكتابَ ثقةً معتمداً؛ وما إذا كان غيرَ موثوقٍ به. فإنْ كانَ ثقةً، جازتِ الروايةُ بهذهِ المناولةِ والإجازةِ، وإن كانَ غيرَ موثوقٍ بهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ الإجازةِ بخبرِ مَنْ يوثَقُ به أَنَّ ذلك الذي ناولَهُ الشيخُ كانَ مِنْ مرويَّاتِهِ؛ جازتْ روايتُهُ بذلك. وأشرتُ إلى ذلكَ بقولي: (يُفيدُ حَيْثُ وَقَعَ التَّبَيُّنُ) . وهذا النصفُ الأخيرُ من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ. 515.... وإنْ خَلَتْ مِنْ إذْنِ المُنَاْولَهْ ... قِيْلَ: تَصِحُّ والأَصَحُّ بَاْطِلَهْ هذا النوعُ الثاني من نوعَيْ المناولةِ: وهو ما إذا تجرَّدَتِ المناولةُ عن الإجازة بأَنْ يُنَاولَهُ الكتابَ، ويقول: هذا مِنْ حَدِيْثِي، أو من سَمَاعَاتي، ولا يقولُ لهُ: ارْوِهِ عنِّي، ولا أَجزتُ لكَ روايتَهُ، ونحوَ ذلكَ. وقدِ اخْتُلِفَ فيها، فحكى الخطيبُ عن طائفةٍ من أهلِ العلمِ: أنَّهم صَحَّحُوها وأَجازوا الروايةَ بها، وقالَ ابنُ الصلاحِ: هذهِ إجازةٌ مختلةٌ، لا تجوزُ الروايةُ بها، قالَ: وعابَها غيرُ واحدٍ مِنَ الفقهاءِ والأصوليينَ على المحَُدِّثِيْنَ الَّذِيْنَ أَجازوها، وسَوَّغُوا الروايةَ بِهَا. وَقَالَ النوويُّ في "التقريبِ والتيسيرِ": لا تجوزُ الروايةُ بِهَا عَلَى الصحيحِ الَّذِي قَالَهُ الفقهاءُ، وأصحابُ الأصولِ. قلتُ: ما أطلقَهُ من أَنَّهُ قالَهُ الفقهاءُ وأصحابُ الأصولِ معَ كونهِ مخالفاً لكلامِ ابنِ الصَّلاَحِ في حكايتهِ لذلكَ عنْ غيرِ واحدٍ، فهوَ مخالِفٌ لما قالهُ جماعةٌ من أهلِ الأصُولِ، مِنْهُمْ صاحبُ "

كيف يقول من روى بالمناولة والإجازة؟

المحصولِ"، فإنَّهُ لَمْ يشترطِ الإذنَ، بلْ ولا المناولةَ، بلْ إذا أشارَ الشيخُ إِلَى كتابٍ، وقالَ: هَذَا سَمَاعي من فلانٍ، جازَ لمنْ سمعَهُ أن يرويَهُ عنهُ، سواءٌ أَناولَهُ أم لا؟ خلافاً لبعضِ المحَُدِّثِيْنَ، وسواءٌ قالَ لهُ ارْوِهِ عنِّي أمْ لا. نعمْ..، مقتضى كلامِ السيفِ الآمِدِيِّاشتراطُ الإذْنِ في الروايةِ، وقدْ قالَابنُ الصَّلاحِ بعد هذا: إنَّ الروايةَ بها تترجَّحُ على الروايةِ بمجردِ إعلامِ الشيخِ، لما فيهِ مِنَ المناولةِ، فإنَّها لا تخلو من إشعارٍ بالإذْنِ في الروايةِ. كَيْفَ يَقُوْلُ مَنْ رَوَى بِالمُنَاولَةِ وَالإِجَاْزَةِ؟ 516.... وَاخْتَلَفُوا فِيْمَنْ رَوَى مَا نُوْوِلاَ ... (فَمَالِكٌ) وَ (ابْنُ شِهَابٍ) جَعَلاَ 517.... إِطْلاَقَهُ (حَدَّثَنَا) وَ (أَخْبَرَا) ... يَسُوْغُ وَهْوَ لاَئِقٌ بِمَنْ يَرَى 518.... الْعَرْضَ كَالسَّمَاعِ بَلْ أَجَازَه ... بَعْضُهُمُ في مُطْلَقِ الإِجَازَهْ 519.... وَ (الْمَرْزُبَانِيْ) وَ (أبو نُعَيْمِ) ... أَخْبَرَ، وَالصَّحِيْحُ عِنْدَ القَوْمِ 520.... تَقْيِيْدُهُ بِمَا يُبيِنُ الْوَاقِعَا ... إِجَازَةً تَنَاولاً هُمَا مَعَا 521.... أَذِنَ لِي، أَطْلَقَ لِي، أَجَازَنِي ... سَوَّغَ لِي، أَبَاحَ لِي، نَاولَنِي 522.... وَإِنْ أَبَاحَ الشَّيْخُ لِلْمُجَازِ ... إِطَلاَقَهُ لَمْ يَكْفِ فِي الْجَوَازِ اختلفوا في عبارةِ الراوي لما تحمَّلَهُ بطريقِ المناولةِ، فحُكِيَ عن جماعةٍ، منهم: أبو

بكرِ ابنُ شهابٍ الزهريُّ، ومالكُ بنُ أنسٍ، جوازُ إطلاقِ حدثنا وأخبرنا، وهو لائقٌ بمذهبِ مَنْ يرى عرضَ المناولةِ المقرونةِ بالإجازةِ سماعاً، ممَّنْ تَقَدَّمَتْ حكايتُهُ عنهم. وحُكِيَ عن قومٍ آخرينَ: جوازُ إطلاقِ: حدَّثَنا وأخبرنا في الروايةِ بالإجازَةِ مطلقاً، قالَ القاضي عياضٌ: وحُكِيَ ذلك عن ابنِ جُرَيْجٍ، وجماعةٍ من المتقدمينَ، وَحَكَى الوليدُ بنُ بكرٍ: أنَّهُ مذهبُ مالكٍ، وأهلِ المدينةِ، وذهبَ إلى جوازهِ إمامُ الحرمينِ، وخالفَهُ غيرُهُ من أهلِ الأُصُولِ. وأَطلقَ أبو نُعَيمٍ الأصبهانيُّ، وأبو عُبيدِ اللهِ الْمَرْزُبانيُّ في الإجازةِ: أخبرنا من غيرِ بيانٍ. وحَكَى الخطيبُ: أَنَّ الْمَرْزُبانيَّ عِيْبَ بذلكَ. فقولي: (والمَرْزُباني وأبو نُعَيم أَخْبَرَ) أي: أطلقا لفظَ أخبرَ في الإجازة، والصحيحُ المختارُ الذي عليهِ عملُ الجمهورِ، واختارهُ أهلُ التَّحَرِّي، والورعِ: المنعُ من إطلاقِ حَدَّثَنا وأخبرنا، ونحوهِما في المناولةِ والإجازةِ، وَتقييدُ ذلكَ بعبارةٍ تُبيِّنُ الواقعَ في كيفيةِ التحمُّلِ، وتُشْعِرُ بهِ، فنقولُ: أخبرنا أو حَدَّثَنا فلانٌ إجازةً، أو مناولةً،

أو إجازةً ومناولةً، أو إذْنَاً، أو في إذنهِ، أو أذِنَ لِي، أو أطلَقَ لي روايتَهُ عنه، أو أجازني، أو أجازَ لي، أو سوَّغَ لي أنْ أرويَ عنه، أو أباحَ لي، أو ناولَني، وما أشبهَ ذلكَ مِنَ العباراتِ الْمُبَيِّنَةِ لكيفيةِ التحمُّلِ. وإنْ أباحَ المجيزُ للمُجَازِ إطلاقَ أخبرنا أو حَدَّثَنَا في الإجازةِ، أو المناولةِ، لم يجزْ لهُ ذلكَ، كما يفعلُهُ بعضُ المشايخِ في إِجازتهِمِ، فيقولونَ عَمَّنْ أجازُوا لَهُ: إنْ شاءَ قالَ: حَدَّثَنا، وإنْ شاءَ قالَ: أخبرنا. 523.... وَبَعْضُهُمْ أَتَى بِلَفَظٍ مُوْهِمْ ... (شَافَهَنِي) (كَتَبَ لِي) فَمَا سَلِمْ 524.... وَقَدْ أَتَى بِـ (خَبَّرَ) الأوزَاعِيْ ... فِيْهَا وَلَمْ يَخْلُ مِنَ النِّزَاعِ 525.... وَلَفْظُ ((أَنَّ)) اخْتَارَهُ (الْخَطَّابي) ... وَهْوَ مَعَ الإِسْنَادِ ذُوْ اقْتِرَابِ 526.... وَبَعْضُهُمْ يَخْتَارُ فِي الإِجَازَهْ ... (أَنْبَأَنَا) كَصَاحِبِ الْوِجَازَهْ 527.... وَاخْتَارَهُ (الْحَاكِمُ) فِيْمَا شَافَهَهْ ... بِالإِذْنِ بَعْدَ عَرْضِهِ مُشَافَهَهْ 528.... وَاسْتَحْسَنُوْا لِلْبَيَهْقَيْ مُصْطَلَحا ... (أَنْبَأَنَا) إِجَازَةً فَصَرَّحَا 529.... وَبَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَ اسْتَعْمَلَ عَنْ ... إِجَازَةً، وَهْيَ قَرِيْبَةٌ لِمَنْ 530.... سَمَاعُهُ مِنْ شَيْخِهِ فِيْهِ يَشُكّْ ... وَحَرْفُ (عَنْ) بَيْنَهُمَا فَمُشْتَرَكْ 531.... وَفِي الْبُخَارِيْ قَالَ لِي: فَجَعَلَهْ ... حِيْرِيُّهُمْ لِلْعَرْضِ وَالمُنَاولَهْ هذهِ الألفاظُ استعملَها بعضُ أهلِ العلمِ في الروايةِ بالإجازةِ. فاستعملَ بعضُهم فيها: شَافَهَنِي فُلاَنٌ، أو أخبرنا مُشَافَهةً، إذا كانَ قدْ شَافهَهُ بالإجازةِ لفظاً. واستعملَ بعضُهُم في الإجازةِ بالكتابةِ كَتَبَ لي، أو إليَّ فلانٌ، أو أخبرنا كتابةً، أو في كتابهِ. وهذهِ الألفاظُ وإنِ استعملَهَا طائفةٌ من المتأخِّرِينَ، فلا يَسْلَمُ مَنِ استعملَها مِنَ الإيهامِ، وطَرَفٍ مِنَ التَّدْلِيْسِ. أمَّا الْمُشَافَهَةُ فَتُوْهِمُ مُشافهتَهُ بالتَّحْدِيثِ. وأمَّا الكتابةُ فَتُوْهِمُ أَنَّهُ كَتَبَ إليهِ

بذلكَ الحديثِ بعينِهِ، كما كانَ يفعلُهُ المتقدِّمُوْنَ، ومِنْهَا لَفْظُ: خَبَّرَنا، وقد ورَدَ عَنِ الأوزاعيِّ: أَنَّه خَصَّصَ الإجازةَ بقولهِ: خَبَّرَنا -بالتشديدِ-، والقراءةَ عليهِ، بقولهِ: أخبرنا. وقولي: (ولم يَخْلُ مِنَ النِّزَاعِ) أي: إنَّ معنى خَبَّرَ وأَخْبَرَ واحدٌ من حيثُ اللغةُ، ومن حيثُ الاصطلاحُ المتعارفُ بين أهلِ الحديثِ. ومنها لفظُ: ((أن)) فيقولُ في الروايةِ بالسماعِ عن الإجازةِ: أخبرنا فلانٌ أنَّ فلاناً حَدَّثَهُ، أو أخبرهُ. وحُكِيَ عن الْخَطَّابِيِّ: أنَّهُ اختارَهُ، أو حَكَاهُ. وهوَ بعيدٌ مِنَ الإشعارِ بالإجازةِ. وحَكَاهُ القاضي عياضٌعن اختيارِ أبي حاتِمٍ الرازيِّ، قالَ: وأَنكرَ هذا بعضُهُم، وحقُّهُ أَنْ يُنْكِرَ، فلا معنى لهُ يُتَفَهَّمُ منهُ المرادُ، ولا اعْتِيدَ هذا الوضْعُ في المسألةِ لغةً ولا عرفاً ولا اصطلاحاً. قالَ ابنُ الصلاحِ: وهو فيما إذا سمعَ منهُ الإسنادَ فحسبُ، وأجازَ لهُ ما رواهُ قريبٌ؛ فإنَّ فِيْهَا إشعاراً بوجودِ أصلِ الإخبارِ، وإنْ أَجْمَلَ المُخْبَرَ بهِ وَلَمْ يذكرْهُ تفصيلاً. ومنها: أَنْبَأَنَا، وَهِيَ عِنْدَ المتقدمين بمنْزِلةِ: أَخْبَرَنَا. وحَكَى الْقَاضِي عياضٌعن شعبةَ: أنَّهُ قَالَ في الإجازةِ مرةً: أَنْبَأَنَا، قَالَ: ورُوِي عَنْهُ أيضاً: أَخْبَرَنَا. قلتُ: وكلاهما بعيدٌ عَنْ شُعْبَةَ فإنَّهُ كَانَ مِمَّنْ لايرى الإجَاْزَةَ كَمَا تقدَّمَ نَقْلُهُ عنهُ. واصطلحَ قومٌ من المتأخِّرينَ عَلَى إطلاقِها في الإجازةِ، واختارَهُ صاحبُ " الوِجَازَةِ "، وَهُوَ الوليدُ بنُ بكرٍ، وَقَالَ الحاكمُ: الَّذِي أَخْتَاْرُهُ وعهدْتُ عليهِ أكثرَ مشايخي، وأَئِمَّةَ عَصْرِي، أَنْ يقولَ فِيْمَا عُرِضَ عَلَى المحدِّثِ فأَجازَ لهُ روايتَهُ شفاهاً: أنبأني فلانٌ. وكانَ البيهقيُّ يقولُ في الإجازةِ: أَنْبَأَنَا إجازةً. وفي هَذَا التصريحُ بالإجازةِ معَ رعايةِ

اصطلاحِ المتأخِّرينَ. ومنها لفظُ ((عَنْ)) ، وكثيراً ما يأتي بِهَا المتأخِّرُون في موضعِ الإجازةِ، قالَ ابنُ الصلاحِ: وذلكَ قريبٌ فِيْمَا إذا كانَ قدْ سمعَ منهُ بإجازتِهِ من شيخِهِ إنْ لَمْ يكنْ سماعاً فإنَّهُ شاكٌّ. (وحرفُ (عَنْ)) : مشتركٌ بين السماعِ والإجازةِ صادقٌ عليهما. قولي: (فَمُشْتَرَكْ) ، دخلتِ الفاءُ في الخبِر على رأيِ الكسائيِّ. ومنها: قالَ لي فلانٌ، وكثيراً ما يُعبِّرُ بها البخاريُّ، فقالَ أبو عمرٍو محمدُ بنُ أبي جعفرٍ أحمدَ بنِ حَمْدَانَ الحِيْرِيُّ: كُلُّ مَا قالَ البخاريُّ: قالَ لي فلانٌ، فهو عَرْضٌ ومناولةٌ. وقد تقدَّمَ أَنَّها محمولةٌ على السَّماعِ، وأَنَّها كـ (أَخبرنا) وأَنَّهم كثيراً ما يستعملونها في المُذاكرةِ، وأنَّ بعضَهم جعلَها مِنْ أَقسامِ التعليقِ، وأَنَّ ابنَ مَنْدَه جعلَها إجازَةً.

الخامس: المكاتبة

الخَاْمِسُ: المُكَاتَبَةُ 532.... ثُمَّ الْكِتَابَةُ بِخَطِّ الشَّيْخِ أَوْ ... بِإِذْنِهِ عَنْهُ لِغَائِبٍ وَلَوْ 533.... لِحَاضِرٍ فَإِنْ أَجَازَ مَعَهَا ... أَشْبَهَ مَا نَاوَلَ أَوْ جَرَّدَهَا 534.... صَحَّ عَلى الصَّحِيْحِ وَالْمَشْهُوْرِ ... قَالَ بِهِ (أَيُّوْبُ) مَعْ (مَنْصُورِ) 535.... وَالْلَيْثُ وَالسَّمْعَانِ قَدْ أَجَازَهْ ... وَعَدَّهُ أَقْوَى مِنَ الإِجَازَهْ 536.... وَبَعْضُهُمْ صِحَّةَ ذَاكَ مَنَعَا ... وَصَاحِبُ الْحَاوِيْ بِهِ قَدْ قَطَعَا القسمُ الخامسُ من أقسامِ تحمُّلِ الحديثِ: المكاتبةُ، وهيَ: أَنْ يكتُبَ الشيخُ شيئاً من حديثِهِ بخطِّهِ، أو يأْمرَ غيرَهُ فيكتُبَ عنهُ بإذْنِهِ، سواءٌ كتَبَهُ أو كَتَبَ عنهُ إلى غائبٍ عنهُ أو حاضرٍ عندَهُ، وهيَ أيضاً تنقسمُ إلى نوعينِ: أحدُهما: الكتابةُ المقترنةُ بالإجازةِ بأَنْ يكتُبَ إليه ويقولَ: أَجزتُ لكَ ما كتبتُهُ لكَ، ونحوِ ذلكَ. وهيَ شبيهةٌ بالمناولةِ الَمَقْرُونةِ بالإجازةِ في الصِّحَّةِ والقُوَّةِ. والنوعُ الثاني: الكتابةُ المجرَّدَةُ عنِ الإجازةِ. وإليها أَشرتُ بقولي: (أو جَرَّدَهَا) أي: مِنَ الإجازةِ فإنِّها صَحِيْحَةٌ تجوزُ الروايةُ بها على الصحيحِ المشهورِ بينَ أهلِ الحديثِ، وهوَ عندَهم معدودٌ في المُسْنَدِ الموصولِ، وهو قولُ كثيرٍ من المتقدِّمِينَ والمتأخِّرِيْنَ، منهم:

أيوبُ السِّخْتِيَانيُّ، ومَنصورٌ، والليثُ بنُ سعدٍ، وغيرُ واحدٍ من الشَّافِعيِّيْنَ، منهم: أبو المظفَّرِ السَّمْعَانيُّ، وجعلَها أَقوى من الإجازةِ. وإليهِ صارَ جماعةٌ من الأُصوليينَ منهم: صاحبُ "المحصولِ". وفي الصحيحِ أحاديثُ من هذا النوعِ، منها عندَ مسلمٍ: حديثُ عامرِ بنِ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ، قالَ: كتبتُ إلى جابرِ بنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلاَمي نافعٍ، أَنْ أَخْبَرَني بشيءٍ سمعتَهُ مِنْ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قالَ: فكتبَ إليَّ: سمعتُ مِنْ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومَ جُمُعَةٍ، عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسْلَمِيُّ، فذكرَ الحديثَ. وقالَ البخاريُّ في كتابِ الأَيْمانِ والنُّذُورِ: كتَبَ إِليَّ محمَّدُ بنُ بشَّارٍ. ومنعَ صحَّةَ ذلكَ قومٌ آخرونَ، وبهِ قَطَعَ الماوَرِديُّ في " الحاوي ". وقالَ السيفُ الآمديُّ: لا يرويهِ إلا بتسليطٍ مِنَ الشَّيْخِ، كقولِهِ: فارْوِهِ عَنِّي. أو أجزْتُ لكَ

روايتَهُ. وذهبَ ابنُ القَطَّانِ إلى انقطاعِ الروايةِ بالكتابةِ، قالَهُ عَقبَ حديثِ جابرِ بنِ سَمُرَةَ المذكورِ، وَرَدَّ ذلكَ عليهِ أبو عبدِ اللهِ ابنُ الموَّاقِ. 537.... وَيَكْتَفِي أَنْ يَعْرِفَ الْمَكْتُوْبُ لَهْ ... خَطَّ الَّذِي كَاتَبَهُ وَأَبْطَلَهْ 538.... قَوْمٌ لِلاشْتِبَاهِ لَكِنْ رُدَّا ... لِنُدْرَةِ اللَّبْسِ وَحَيْثُ أَدَّى 539.... فَاللَّيْثُ مَعْ مَنْصُوْرٍ اسْتَجَازَا ... (أَخْبَرَنَا) ، (حَدَّثَنَا) جَوَازَا 540.... وَصَحَّحُوْا التَّقِيْيْدَ بِالْكِتَابَهْ ... وَهْوَ الِذَّي يَلِيْقُ بِالنَّزَاهَهْ يُكتفى في الروايةِ بالكتابةِ أن يَعْرِفَ المكتوبُ لهُ خطَّ الكاتبِ، وإنْ لم تَقُمْ البَيِّنَةُ عليهِ، ومنهُم مَنْ قالَ: الخطُّ يُشْبِهُ الخطَّ، فلا يجوزُ الاعتمادُ على ذلك، قال ابنُ الصلاحِ: وهذا غيرُ مرضي؛ لأنَّ ذلك نادرٌ، والظاهرُ أَنَّ خطَّ الإنسانِ لا يَشْتَبِهُ بغيرِهِ، ولا يَقَعُ فيه إِلْبَاسٌ. واختلفوا في اللَّفْظِ الذي يُؤدي به مَنْ تحملَ بالكتابةِ. فذهبَ غيرُ واحدٍ، منهم: الليثُ بنُ سعدٍ، ومنصورٌ، إلى جوازِ إطلاقِ: حَدَّثَنا

السادس: إعلام الشيخ

وأخبرنا، والمختارُ الصحيحُ اللائقُ بمذاهبِ أهلِ التحرِي والنَّزَاهةِ، أنْ يُقَيَّدَ ذلكَ بالكتابةِ، فيقول: حدَّثَنا أو أخبرنا كتابةً، أو مُكاتبةً، أو كَتَبَ إليَّ، ونحَو ذلك. وقالَ الحاكمُ: الذي أَخْتَارُهُ وعهدْتُ عليهِ أَكثرَ مشايخي وأَئِمَّةِ عَصْرِي أَنْ يقولَ فيما كَتَبَ إليهِ المحدِّثُ من مدينةٍ، ولم يُشَافِهْهُ بالإجازَةِ: كَتَبَ إليَّ فلانٌ. السَّاْدِسُ: إعْلاَمُ الشَّيْخِ 541.... وَهَلْ لِمَنْ أَعْلَمَهُ الشَّيْخُ بِمَا ... يَرْوِيْهِ أَنْ يَرْوِيَهُ؟ فَجَزَمَا 542.... بِمَنْعِهِ (الطُّوْسِيْ) وَذَا الْمُخْتَارُ ... وَعِدَّةٌ (كَابْنِ جُرَيْجٍ) صَارُوْا 543.... إلى الْجَوَازِ وَ (ابْنُ بَكْرٍ) نَصَرَهْ ... وَصَاحِبُ الشَّامِلِ جَزْمَاً ذَكَرَهْ 544.... بَلْ زَادَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ لَوْ مَنَعَهْ ... لَمْ يَمْتَنِعْ، كَمَا إذا قَدْ سَمِعَهْ 545.... وَرُدَّ كَاسْتِرْعَاءِ مَنْ يُحَمَّلُ ... لَكِنْ إذا صَحَّ، عَلَيْهِ الْعَمَلُ القسمُ السادسُ من أقسامِ أَخْذِ الحديثِ وتحمُّلِهِ: إعلامُ الشَّيخِ للطالبِ أَنَّ هذا الحديثَ، أو الكتابَ سماعُهُ من فلانٍ، أو روايتُهُ؛ من غيرِ أَنْ يأذنَ لهُ في روايتِهِ عنهُ، وقدِ اختُلِفَ في جوازِ روايتهِ لهُ بمجردِ ذلكَ: فذهبَ غيرُ واحدٍ من المحدِّثينَ وغيرِهِم، إلى المنعِ من ذلكَ، وبهِ قَطَعَ أبو حامدٍ الطوسيُّ مِنَ الشَّافِعِيِّيْنَ، ولم يذكرْ غيرَ ذلكَ،

فيما حكاهُ ابنُ الصلاحِ عنهُ. والظاهرُ أنَّهُ أرادَ بأبي حامدٍ هذا الغزاليَّ، فإنَّهُ كذلكَ في " المستصفى"، فقالَ: أمَّا إذا اقتصرَ على قولِهِ: هذا مسمُوعي مِنْ فلانٍ، فلا تجوزُ الروايةُ عنهُ؛ لأَنَّهُ لم يأذنْ في الروايةِ، فلعلَّهُ لا يُجَوِّزُ الروايةَ لخللٍ يعرفُهُ فيهِ، وإنْ سَمِعَهُ. انتهى كلامُه. وفي الشَّافِعِيِّيْنَ غيرُ واحدٍ يُعْرَفُ بأبي حامدٍ الطّوسيِّ لكنْ لم يَذْكُرْ لهُ مصنفاتٍ ذَكَرَ فيها هذهِ المسألةَ. ومَا قالَهُ أبو حامدٍ مِنَ المنعِ، هو المختارُ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ، وقد تقدَّمَ أنَّ مقتضى كلامِ السيفِ الآمديِّ اشتراطُ الإذنِ فيهِ. وذهبَ كثيرونَ، منهم: ابنُ جريجٍ، وعبيدُ اللهِ العُمَريُّ، وأصحابُهُ المدنيُّونَ، وطوائفُ من المحدِّثينَ، والفقهاءِ والأصوليِّيْنَ والظَّاهِريِّيْنَ، إلى الجوازِ. واختارَهُ ونَصَرَهُ الوليدُ بنُ بكرٍ الغَمْريُّ - بفتح الغين المعجمة - في كتابِ " الوِجَازِة " له. وبه قطعَ أبو نَصْرٍ ابنُ الصَّبَّاغِ صاحبُ " الشاملِ "، وحَكَاهُ القاضي عياضٌ عن الكثيرِ. واختارَهُ أبو محمدِ بنُ خَلاَّدٍ الرامَهُرْمُزيُّ، وهوَ مذهبُ عبدِ الملكِ بنِ حبيبٍ من المالكيَّةِ - وهو

الذي ذكرهُ صاحبُ " المحصولِ " واتباعه، بل زادَ بعضُهم على هذا، وهو القاضي أبو محمَّدِ بنُ خَلاَّدٍ الرامَهُرْمُزيُّ، فقالَ: حَتَّى لو قالَ لهُ: هذهِ روايتي، ولكنْ لا تروِها عنِّي، ولا أُجيزُهُ لكَ، لم يضرَّهُ ذلكَ. قالَ القاضي عياضٌ: ومَا قالَهُ صحيحٌ لا يقتضي النظرُ سواهُ؛ لأَنَّ مَنْعَهُ أنْ لا يُحَدِّثَ بما حَدَّثَهُ لا لعلةٍ ولا ريبةٍ في الحديثِ لا يُؤَثِّرُ؛ لأَنَّهُ قَدْ حدَّثَهُ، فهو شيءٌ لا يُرْجَعُ فيهِ، وردَّهُ ابنُ الصلاحِ بأنْ قالَ: إنَّمَا هذا كالشاهدِ إذا ذَكَرَ في غيرِ مجلسِ الحُكْمِ شهادتَهُ بشيءٍ، فليس لمنْ سمعَهَ أنْ يَشْهَدَ على شهادتهِ، إذا لم يَأذَنْ له ولم يُشْهِدْهُ على شهادتِهِ، قال: وذلك مما تساوَتْ فيه الروايةُ والشهادةُ؛ لأَنَّ المعنى يجمعُ بينهما فيهِ، وإنِ افترقتا في غيرِهِ. وقالَ القاضي عياضٌ: قياسُ مَنْ قاسَ الإذنَ في الحديثِ في هذا الوجهِ وعدمِهِ على الإذنِ في الشهادةِ وعدمِهِ غيرُ صحيحٍ؛ لأَنَّ الشهادةَ على الشهادةِ لا تصحُّ إلاَّ مَعَ الإشْهادِ والإذنِ في كلِّ حالٍ، إلاَّ إذا سَمِعَ أَداءَها عندَ الحاكمِ، ففيهِ اختلافٌ، والحديثُ عن السماعِ والقراءةِ لا يُحتاجُ فيهِ إلى إذْنٍ باتِّفَاقٍ، فهذا يَكْسِرُ عليهم حُجَّتَهُم بالشهادةِ في مسألتِنا هنا، ولا فرقَ. وأيضاً فالشهادةُ مُفْترقةٌ مِنَ الروايةِ في أكثرِ الوُجُوْهِ. ثم عدَّدَ أشياءَ ممَّا يفترقانِ فيهِ.

السابع: الوصية بالكتاب

وقولي: (ورُدَّ) أي: القولُ بالجوازِ، كمسألةِ استرعاءِ الشاهدِ لِمَنْ يُحَمِّلُهُ شهادتَهُ فلا يكفي إعلامَهُ، بل لابدَّ لهُ أَنْ يأذنَ لهُ أنْ يشهدَ على شهادتهِ، إلاَّ إذا سَمِعَهُ يؤدي عندَ الحاكمِ، كما تقدَّمَ، فهو نظيرُ ما إذا سمعَهُ يُحدِّثُ بالحديثِ فحينئذٍ لا يحتاجُ إلى إذْنِهِ في أن يَرْوِيَهُ عنهُ، ولا يضرُّهُ مَنْعُهُ إذا مَنَعَهُ، وهذا كُلُّه في الروايةِ بإعلامِ الشيخِ. أَمَّا العملُ بما أخبرَهُ الشيخُ أنَّهُ سماعُهُ فإنَّهُ يجبُ عليهِ إذا صحَّ إسنادُهُ، كما جزمَ به ابنُ الصلاحِ، وحكاهُ القاضي عياضٌ عن مُحَقِّقِي أصحابِ الأُصولِ: أَنَّهُم لا يختلفونَ في وجوبِ العملِ بهِ. السَّاْبِعُ: الْوَصِيَّةُ بالكِتَاْبِ 546.... وَبَعْضُهُمْ أَجَازَ لِلْمُوْصَى لَهُ ... بالْجُزْءِ مِنْ رَاوٍ قَضَى أَجَلَهُ 547.... يَرْوِيْهِ أَوْ لِسَفَرٍ أَرَادَهْ ... وَرُدَّ مَا لَمْ يُرِدِ الْوِجَادَهْ القسمُ السابعُ من أقسامِ الأَخْذِ والتَّحَمُّلِ: الوصيةُ بالكُتُبِ، بأَنْ يُوصِيَ الراوي بكتابٍ يرويهِ عندَ مَوتِهِ، أو سَفَرِهِ لشخصٍ، فهل له أَنْ يروَيهُ عنهُ بتلكَ الوصيَّةِ؟ فرَوَى الرامَهُرْمُزِيُّ من روايةِ حَمَّادِ بنِ زيدٍ، عن أيوبَ قالَ: قلتُ لمحمدِ بنِ سيرينَ:

الثامن: الوجادة

إنَّ فلاناً أَوْصَى لي بكتبهِ، أَفأُحَدِّثُ بِهَا عنهُ؟ قالَ: نَعَمْ.. ثمَّ قالَ لي بعدَ ذلكَ: لا آمُرُكَ ولا أنهاكَ. قالَ حمَّادٌ: وكانَ أبو قِلابةَ قالَ: ادفعوا كُتُبي إلى أيوبَ إنْ كانَ حَيَّاً، وإلاّ فاحرقُوهَا. وعلَّلَهُ القاضي عياضٌ: بأَنَّ في دَفْعِهَا لهُ نَوعاً من الإذْنِ وشَبَهاً من العَرْضِ والمناولةِ. قالَ: وهو قريبٌ من الضَّرْبِ الذي قبلَهُ. قالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((هذا بعيدٌ جدَّاً وهو إمَّا زَلَّةُ عالِمٍ، أو مُتأوَّلٌ على أَنَّهُ أرادَ الروايةَ على سبيلِ الوِجَادةِ. قالَ: وإنَّهُ لا يصحُّ تشبيهُهُ بقسمِ الإعلامِ وقسمِ المناولةِ)) . الثَّاْمِنُ: الْوِجَاْدَةُ ... ثُمَّ الوِجَادَةُ وَتِلْكَ مَصْدَرْ ... وَجَدْتُهُ مُوَلَّدَاً لِيَظْهَرْ 549.... تَغَايُرُ الْمَعْنَى، وَذَاكَ أَنْ تَجِدْ ... بِخَطِّ مَنْ عَاصَرْتَ أَوْ قَبْلُ عُهِدْ ... مَا لَمْ يُحَدِّثْكَ بِهِ وَلَمْ يُجِزْ ... فَقُلْ: بِخَطِّهِ وَجَدْتُ، وَاحْتَرِزْ 551.... إِنْ لَمْ تَثِقْ بِالْخَطِّ قُلْ وَجَدْتُ ... عَنْهُ، أَوْ اذْكُرْ قِيْلَ أَوْ ظَنَنْتُ القسمُ الثامنُ من أقسامِ أَخْذِ الحديثِ وَنقْلِهِ الوِجَادَةُ بكسر الواو وهي مصدرٌ مُوَلَّدٌ لِـ وَجَدَ - يَجِدُ قالَ الْمُعَافَى بنُ زكريا النَّهْرَوَانيُّ إنَّ المولَّدِينَ

فَرَّعُوا قولَهم وِجَادَةً فيما أُخِذَ مِنَ العِلْمِ مِنْ صَحِيْفَةٍ من غيرِ سماعٍ ولا إجازةٍ ولا مُنَاوَلةٍ، من تفريقِ العَرَبِ بين مصادرِ وَجَدَ، للتمييزِ بينَ المعاني المختلفةِ قالَ ابنُ الصلاحِ يعني قولَهم وَجَدَ ضالَّتَهُ وِجْدَاناً، ومطلوبَهُ وُجُوداً، وفي الغَضَبِ مَوْجِدَةً، وفي الغِنى وُجْدَاً، وفي الحُبِّ وَجْداً قلتُ وَلِـ وَجَدَ مصدرانِ آخرانِ، لم يذكرْهُما وهما جِدَةٌ في الغَضَبِ وفي الغنى، وإِجْدَانٌ - بكسرِ الهمزةِ - حَكاهما ابنُ الأعرابيِّ، قالَ ابنُ سِيْدَه وهذا على بَدَلِ الهمزةِ من الواوِ، وليسَ معنى من المعاني التي ذكرَها مقتصراً على مصدرٍ واحدٍ إلاّ في الحُبِّ؛ فإنَّ مصدَرَهُ وَجْدٌ - بالفتح لا غيرُ كما قالَ ابنُ سِيْدَه وكذلكَ هو مصدرُ وَجَدَ بمعنى حَزِنَ قالَهُ الجوهريُّ وغيرُهُ وأمَّا في المَطْلُوبِ فلهُ مصدرانِ وُجُوْدٌ، ووِجْدانٌ حَكَاهما صاحبُ المشارقِ وأمَّا في الضَّالةِ فلهُ إجْدَانٌ أيضاً، كمَا تقدَّمَ وأمَّا بمعنى الغَضَبِ، فله مصادرُ مَوْجِدَةٌ وجِدَةٌ ووَجْدٌ -بالفتح- ووِجْدَانٌ، حَكَاها ابنُ سِيْدَه وأمَّا بمعنى الغِنَى، فلَهُ أيضاً مصادرُ

أربعةٌ وَُِجْدٌ - مثلَّثُ الواوِ - وَجِدَةٌ، حَكَاها الجوهريُّ وابنُ سِيْدَه وقُرِئَ بالثلاثةِ في قولهِ تعالى {أَسْكِنُوْهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} وقولي وذَاكَ أي والوِجادةُ أن تجدَ بخطِّ مَنْ عاصرْتَهُ لقيتَهُ أوْ لم تلْقَهُ أو لم تُعاصِرْهُ، بلْ كانَ قبلَكَ؛ أحاديثَ يرويها، أو غيرَ ذلكَ ممَّا لم تسمَعْهُ منهُ، ولم يُجِزْهُ لكَ، فلكَ أنْ تقولَ وجدْتُ بخطِّ فلانٍ، أخبرنا فلانٌ، وتسوقَ الإسنادَ والمتنَ أو ما وجدْتَهُ بخطِّهِ، أو نحو ذلكَ هذا إذا وَثِقَ بأنَّهُ خطُّهُ، فإِنْ لم يَثِقْ بأنَّهُ خطُّهُ فليحترِزْ عن جَزْمِ العبارةِ بقولِهِ بلغني عَنْ فلانٍ، أو وجدْتُ عنهُ، أو وجدْتُ بخطٍّ قِيْلَ إنَّهُ خطُّ فلانٍ، أو قالَ لي فلانٌ إنَّهُ خطُّ فلانٍ، أو ظننْتُ أنَّهُ خطُّ فلانٍ، أو ذَكَرَ كُنَاتُهُ أنَّهُ فلانُ بنُ فلانٍ، ونحوِ ذلكَ مِنَ العباراتِ الْمُفْصِحَةِ بالْمُستَنَدِ في كونهِ خطَّهِ قلتُ هكذا مَثَّلَ ابنُ الصلاحِ الوِجادةَ بما إذا لَمْ يكنْ لَهُ إجازةٌ ممَّنْ وَجَدَ ذلكَ بخطِّهِ وقدِ استعملَ غيرُ واحدٍ من أهلِ الحديثِ الوِجادةَ معَ الإجازةِ، وهو واضحٌ كقولِهِ وجدْتُ بخطِّ فلانٍ وأَجَازَهُ لي، وكذلكَ لم يذكرْهُ القاضي عياضٌ في الإلماعِ في مثالِ الوِجَادةِ، وإنِّما أرادَ الشيخُ أَنْ يَتَكَلَّمَ على الوِجَادَةِ الخاليةِ عن الإجازةِ، هلْ هيَ مُسْتَنَدٌ صحيحٌ في الروايةِ، أو العملِ؟ واللهُ اعلمُ ... وَكُلُّهُ مُنْقَطِعٌ، وَالأَوَّلُ ... قَدْ شِيْبَ وَصْلاً مَا، وَقَدْ تَسَهَّلُوْا 553.... فيْهِ بِعَنْ، قالَ وَهَذَا دُلْسَهْ ... تَقْبُحُ إِنْ أَوْهَمَ أَنَّ نَفْسَهْ ... حَدَّثَهُ بِهِ، وَبَعْضٌ أَدَّى ... (حَدَّثَنَا) ، (أَخْبَرَنَا) وَرُدَّا

555.... وَقِيْلَ فِي الْعَمَلِ إِنَّ الْمُعْظَمَا ... لَمْ يَرَهُ، وَبالْوُجُوْبِ جَزَمَا ... بَعْضُ الْمَحُقِّقِيْنَ وَهْوَ الأَصْوَبُ ... وَ (لاِبْنِ إِدْرِيْسَ) الْجَوَازَ نَسَبُوْا أي: وكُلُّ ما ذُكِرَ منَ الرّوايةِ بالوِجادةِ منقطعٌ، سواءٌ وَثِقَ بأنَّهُ خَطُّ مَنْ وَجَدَهُ عنهُ، أَم لا. ولكنَّ الأوَّلَ وهو إذا ما وثِقَ بأنَّهُ خطُّهُ أَخَذَ شوباً من الاتصالِ بقولهِ: وجدْتُ بخطِّ فلانٍ، وقد تَسَهَّلَ مَنْ أَتى بلفظةِ: ((عَنْ فلانٍ)) في موضعِ الوِجادةِ، قالَ ابنُ الصلاحِ: وذلكَ تَدْلِيْسٌ قبيحٌ، إذا كانَ بحيثُ يُوهِمُ سماعَهُ منه على ما سبقَ في نوعِ التدليسِ. فقولي: (أَنَّ نَفْسَهْ) أي: نَفْسَ مَنْ وَجَدَ ذلكَ بخطِّهِ حدَّثَهُ بِهِ. وجازَفَ بعضُهُمْ فأطْلَقَ في الوِجادةِ: حَدَّثَنَا وأخبرنا، وانتُقِدَ ذلكَ على فاعِلِه، قالَ القاضي عياضٌ: لا أعْلَمُ مَنْ يُقْتَدَى بهِ أجازَ النقلَ فيهِ بـ: حَدَّثَنَا، وأخبرنا، ولا مَنْ يَعُدُّهُ مَعَدَّ المُسْنَدِ. انتهى. هذا الحكمُ في الروايةِ بالوِجادةِ، وأَمّا العملُ بها، فقالَ القاضي عياضٌ: اختلفَ أَئمةُ الحديثِ والفِقْهِ والأُصولِ فيهِ، مع اتفاقِهِم على مَنْعِ النَّقْلِ، والروايةِ بهِ، فمعظُمُ المحدِّثينَ والفقهاءِ من المالكيةِ وغيرِهم، لا يَرَوْنَ العملَ بهِ، قالَ: وحُكِيَ عن الشافعيِّ - رحمهُ اللهُ - جوازُ العملِ بهِ، وقالَتْ بهِ طائفةٌ مِنْ نُظَّارِ أَصحابهِ، قالَ: وهوَ الذي

نصرَهُ الْجُوينيُّ وَاخْتَارَهُ غيرُهُ مِن أربابِ التحقيقِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: قطعَ بعضُ المحقِّقِينَ من أصحابهِ في أُصولِ الفِقْهِ بوجوبِ العملِ بهِ عندَ حصولِ الثقةِ بهِ، وقالَ: لو عُرِضَ ما ذكرناهُ على جُملةِ المحدِّثينَ لأَبَوْهُ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وما قطعَ بهِ هوَ الذي لا يَتَّجِهُ غيرُهُ في الأعصارِ المتأخِّرةِ، وقالَ النوويُّ: هذا هو الصحيحُ. 557.... وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِ خَطّهِ فَقُلْ ... قالَ وَنَحْوَهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ... بِالنُّسْخَةِ الْوُثُوْقُ قُلْ: (بَلَغَنِيْ) ... وَالْجَزْمُ يُرْجَى حِلُّهُ لِلْفَطِنِ إذا أردْتَ نقلَ شَيءٍ من كتابٍ مُصَنَّفٍ، فإنْ كانتِ النُّسْخَةُ بخطِّ المُصَنِّفِ، وَوَثِقْتَ بأَنَّهُ خطُّهُ، فقُلْ: وجدْتُ بخطِّ فلانٍ، واحْكِ كلامَهُ، كما تَقدَّمَ. وإنْ كانتْ بغيرِ خطِّ المُصَنِّفِ، فإنْ وَثِقْتَ بصِحَّةِ النسخةِ بأَنْ قابلَها المُصَنِّفُ، أو ثقةٌ غيرُهُ بالأَصلِ، أو بفرعٍ مُقَابَلٍ على ما تقدَّمَ؛ فقُلُ: قالَ فلانٌ، أو ذَكَرَ فلانٌ، ونحوَ ذلكَ مِنْ أَلفاظِ الجزمِ. وإنْ لَمْ تَثِقْ بصحَّةِ النسخةِ فقُلْ: بلغني عن فلانٍ، أو: وجدْتُ في نسخةٍ من الكتابِ الفلانيِّ، ونحوَ ذلكَ مِمَّا لا يقتضي الجزمَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: فإنْ كانَ المطالِعُ عالماً فطناً بحيثُ لا يخفى عليهِ في الغالِبِ مواضعُ الإسقاطِ والسَّقَطِ، أَو ما أُحِيْلَ عَن

كتابة الحديث وضبطه

ْ جِهَتِهِ مِنْ غيرِها رجونا أَنْ يجوزَ له إطلاقُ اللَّفْظِ الجازِمِ فيما يحكيهِ من ذلكَ. قالَ: وإلى هذا فيما أَحسَبُ استروَحَ كثيرٌ من المصنِّفِينَ فيما نقلوهُ من كُتُبِ الناسِ، والعِلْمُ عندَ اللهِ تعالى. كِتَاْبَةُ الْحَدِيْثِ وَضَبْطُهُ 559.... وَاخْتَلَفَ الِصّحَابُ وَألاتْبَاعُ ... فِي كِتْبَةِ الْحَدِيْثِ، وَالإِجْمَاعُ ... عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَهُمْ بالْجَزْمِ ... لِقَوْلِهِ: (اكْتُبُوْا) وَكَتْبِ (السَّهْمِيْ) اختلفَ الصحابةُ والتابعونَ في كتابةِ الحديثِ: فكرِهَهُ ابنُ عمرَ وابنُ مسعودٍ وزيدُ بنُ ثابتٍ وأبو موسى وأبو سعيدٍ الخدريُّ، وآخرونَ من الصحابةِ والتابعينَ، لقولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيئاً إلاَّ القرآنَ، ومَنْ كَتَبَ عنِّي شيئاً غيرَ

القرآنِ فليمْحُهُ)) . أخرجهُ مسلمٌ من حديثِ أبي سعيدٍ. وجوَّزَهُ أو فعلَهُ جماعةٌ من الصحابةِ، منهم: عمرُ، وعليٌّ وابنُهُ الحَسَنُ، وعبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ، وأنسٌ، وجابرٌ، وابنُ عبَّاسٍ، وابنُ عُمَرَ أيضاً، وعطاءٌ، وسعيدُ بنُ جُبيرٍ، وعمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، وحكاهُ القاضي عياضٌ عن أكثرِ

الصحابةِ والتابعينَ، قالَ: ثمَّ أجمعَ المسلمونَ على جوازِها، وزالَ ذلكَ الخِلافُ. ومما يدلُّ على الجوازِ قولُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثِ الصحيحِ: ((اكتبوا لأبي شَاهٍ)) . ورَوَى أبو داودَ مِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، قالَ: كنتُ أَكتبُ كلَّ شيءٍ أسمعُهُ مِنْ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) ... فذكَر الحديثَ. وفيهِ: أَنَّهُ ذكرَ ذلكَ للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالَ لهُ: اكْتُبْ. وفي صحيحِ البخاريِّ مِن حديثِ أبي هريرةَ قالَ: ليسَ أحدٌ من أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أكثرَ حديثاً عنهُ منِّي إلاَّ ما كانَ مِنْ عبدِ الله بنِ عمرٍو فإنَّهُ كانَ يكتُبُ ولا

أَكْتُبُ. وهذانِ الحديثانِ هما المرادُ بقولي: (وَكَتْبِ السَّهْمِيْ) ، أريدُ: عبدَ الله بنَ عمرٍو السهميَّ. وهذا الاستدلالُ من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ ممَّا لم أُميِّزْهُ من كلامِهِ. وقد ذكرَ ابنُ عبدِ البرِّ في كتابِ " بيانِ آدابِ العِلْمِ ": أنَّ أبا هريرةَ كانَ يكتُبُ، قالَ: والروايةُ الأُولى أصحُّ. وقد اختُلِفَ في الجوابِ عن حديثِ أبي سعيدٍ والجمعِ بينَهُ وبينَ أحاديثِ الإذنِ في الكتابِةِ، فقيلَ: إنَّ النهيَ منسوخٌ بها، وكانَ النهيُ في أَوَّلِ الأَمْرِ لخوفِ اختلاطِهِ بالقرآنِ، فلمَّا أُمِنَ ذلكَ أُذِنَ فيهِ، وجمعَ بعضُهُم بينهما: بأَنَّ النهيَ في حقِ مَنْ وُثِقَ بحفظِهِ وخيفَ اتَكالُهُ على خَطِّهِ إذا كَتَبَ، والإذْنُ في حقِّ مَنْ لا يُوْثَقُ بحفْظِهِ، كأبي شاهٍ المذكورِ. وحَمَلَ بعضُهم النهيَ على كتابةِ الحديثِ مع القرآنِ في صحيفةٍ واحدةٍ؛ لأنَّهُم كانوا يسمعونَ تأوْيِلَ الآيةِ فربَّما كتبوْهُ مَعَهُ فَنُهُوْا عَنْ ذلكَ، لخوفِ الاشْتِبَاهِ، واللهُ أَعلمُ. 561.... وَيَنْبَغِي إِعْجَامُ مَا يُسْتَعْجَمُ ... وَشَكْلُ مَا يُشْكِلُ لاَ مَا يُفْهَمُ ... وَقِيْلَ: كُلِّهِ لِذِي ابْتِدَاءِ ... وَأَكَّدُوْا مُلْتَبِسَ الأَسْمَاءِ 563.... وَلْيَكُ فِي الأَصْلِ وَفِي الْهَامِشِ مَعْ ... تَقْطِعْيِهِ الْحُرُوْفَ فَهْوَ أَنْفَعْ

ينبغي لطالب العلم ضبط كتابه

يَنْبَغِي لطالبِ العلمِ ضبطُ كتابهِ بالنَّقْطِ والشَّكْلِ ليؤدَّيهُ كما سمعَهُ فقد روينا عن الأوزاعيِّ، قالَ العَجْمُ نورُ الكتابِ، قالَ ابنُ خَلاَّدٍ هكذا الحديثُ، والصوابُ الإعَجامُ، وهو النَّقْطُ، أي يُبَيِّنُ التاءَ من الياءِ، والحاءَ من الخاءِ، قالَ والشَّكْلُ تقييدُ الإعراْبِ ثُمَّ اختلفوا هلْ يقتصرُ على ضَبْطِ المُشْكِلِ، أو يضبطُهُ هو وغيرُهُ؟ فقالَ عليُّ بنُ إبراهيمَ البغداديُّ في كتابِ سِمَاْتِ الخَطِّ ورقومِهِ إِنَّ أهلَ العلمِ يكرهون الإعْجَامَ والإعرابَ إلاَّ في المُلْتَبسِ وقالَ القاضي عياضٌ النَّقْطُ والشَّكْلُ مُتَعَيِّنٌ فيما يُشْكِلُ وَيُشْتَبهُ وقالَ ابنُ خَلاَّدٍ قالَ أصحابُنا أمَّا النَّقْطُ فلابُدَّ منهُ؛ لأنَّهُ لا تُضْبَطُ الأشياءُ المُشْكِلَةُ إلاَّ بهِ، وقالَوا إنما يُشْكَلُ ما يُشْكِلُ ولا حاجةَ إلى الشَّكْلِ مع عدمِ الإشكالِ، قالَ وقالَ آخرونَ الأَولَى أَنْ يُشْكَلَ الجميعُ قالَ القاضي عياضٌ وهذا هو الصَّوابُ لا سِيَّمَا للمُبْتَدِئ وغيرِ المتبحِّرِ في العلمِ فإنَّهُ لا يميِّزُ ما يُشْكِلُ مما لا يُشْكِلُ، ولا صوابَ وجهِ الإعرابِ للكلمةِ من خَطَئِهِ

وقولي كلِّهِ، مخفوضٌ بالإضافةِ، أي وقيلَ يَنْبَغِي شَكْلُ كُلِّهِ وقولي لِذِي ابتِدَاءِ، ليسَ بقيدٍ بمعنى أَنَّهُ يَشْكُلُ للمُبْتَدِئ فقطْ، وإنما هو كالتعليلِ لمنْ يقولُ يُشْكَلُ الكلُّ لأجلِ المبتدئ، فهو مُشْكِلٌ عليهِ، وربَّمَا ظُنَّ أَنَّ الشيءَ غيرُ مُشْكِلٍ لوضوحِهِ، وهو في الحقيقةِ محلُّ نظرٍ محتاجٌ إلى الضَّبْطِ ووقعَ بينَ العلماءِ خلافٌ في مسائلَ مرتَّبةٍ على إعرابِ الحديثِ، كحديثِ ذَكَاةُ الْجَنِيْنِ ذَكَاةُ أُمِّهِ، فاستدلَّ بهِ الجمهورُ، كالشافعيةِ والمالكيةِ وغيرِهم، على أَنَّهُ لا تجبُ (¬1) ذكاةُ الجنينِ، بناءً على أَنَّ قولَهُ ذكاةُ أُمِّهِ مرفوعٌ، وهو المشهورُ في الروايةِ ورجَّحَ الحنفيونَ الفتحَ على التشبيهِ، أي يُذَكَّى مثلَ ذكاةِ أُمِّهِ، ونحوِ ذلكَ مِنَ الأحاديثِ التي يَتَرتبُ الاحتجاجُ بها على الإعْرَاْبِ ثم إنَّهُ ينبغي الاعتناءُ بضبطِ ما يَلْتَبِسُ من الأسماءِ، قالَ أبو إسحاقَ النَّجيرميُّ أَوْلَى الأَشياءِ بالضبطِ أسماءُ الناسِ؛ لأَنَّهُ لا يَدْخُلُهُ القياسُ، ولا قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ شيءٌ يدلُّ عليهِ وذكرَ أبو عليٍّ الغَسَّانيُّ أَنَّ عبدَ اللهِ بنَ إدريسَ، قالَ لَمَّا حدَّثَني شعبةُ بحديثِ أبي الحوراءِ السعديِّ عَنِ

الحسَنِ بنِ عليٍّ كتبتُ تحتَهُ حوُرٌ عِينٌ لئلاَّ أَغْلَطَ، يعني فيقرأهُ أبي الجوزاءِ - بالجيمِ والزايِ وأما صورةُ ضَبْطِ المُشْكِلِ، فقالَ القاضي عياضٌ جرى رسمُ المشايخِ وأهلِ الضَّبْطِ في الحروفِ المُشْكِلَةِ، والكلماتِ المُشْتَبِهَةِ إذا ضُبِطَتْ وصُحِّحَتْ في الكتابِ أَنْ يُرْسَمَ ذلكَ الحرفُ المُشْكِلُ مُفْرداً في حاشيةِ الكتابِ قُبَالَةَ الحرفِ بإهمالِهِ، أو نَقْطِهِ وعَلَّلَ ذلكَ بأنَّ الانفرادَ يرفعُ إِشكالَ الالتباسِ بضبطِ ما فوقَهُ وتحتَهُ من السطورِ، لا سِيَّمَا معَ دقةِ الكتابِ وضيقِ الأَسطرِ وذكرَ ابنُ الصلاحِ نحوَهُ ولَمْ يَتَعَرَّضَا لتقطيعِ حروفِ الكلمةِ المُشْكِلَةِ التي تكتبُ في هامشِ الكتابِ، وقد رأيتُ غيرَ واحدٍ من أَهْلِ الضبطِ يفعلُهُ وهوَ حسنٌ وفائدَتُهُ أنهُ يُظهِرُ شَكْلَ الحرفِ بكتابتهِ مفرداً في بعضِ الحروفِ، كالنون والياء المثناة من تحتُ بخلافِ ما إذا كُتِبَتِ الكلمةُ كلُّها، والحرفُ المذكورُ في أَوَّلِها أَوْ وَسَطِها، واللهُ أعلمُ قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في الاقتراح ومِنْ عادةِ المتُقِنِيْنَ أَن يبالغوا في إيضاحِ المُشْكِلِ فيفرِّقُوا حروفَ الكلمةِ في الحاشيةِ ويَضْبِطُوْهَا حَرْفاً حَرْفاً

الخط الرقيق

.. وَيُكْرَهُ الْخَطُّ الرَّقِيْقُ إِلاَّ ... لِضِيْقِ رَقٍّ أَوْ لِرَحَّالٍ فَلاَ 565.... وَشَرُّهُ التَّعْلِيْقُ وَالْمَشْقُ، كَمَا ... شَرُّ الْقِرَاءَ ةِ إذا مَا هَذْرَمَا يُكْرَهُ الخطُ الرقيقُ؛ لأَنَّهُ لا ينتَفِعُ به مَنْ في نظرِهِ ضَعْفٌ وربَّمَا ضَعُفَ نظرُ كاتبِهِ بعدَ ذلكَ فلاَ ينتفعُ بهِ، كَمَا قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ لابنِ أخيهِ حنبلِ بنِ إسحاقَ ورآهُ يكتبُ خَطَّاً دقيقاً لا تَفْعَلْ أحوجَ ما تكونُ إليهِ يخونُكَ وهذا إذا كانَ لغيرِ عُذْرٍ فإنْ كانَ ثَمَّ عُذْرٌ كضِيقِ الوَرَقِ أو الرَّقِّ الذي يَكْتُبُ فيهِ، أو كانَ رَحَّالاً في طلبِ العلمِ يريدُ حملَ كُتُبِهِ معهُ فتكونُ خفيفةَ الْحَمْلِ؛ فلا يُكْرَهُ ذلكَ ويُستَحَبُّ لهُ تحقيقُ الخطِّ وتجويدُهُ دونَ الْمَشْقِ والتَّعْلِيقِ وقد ذكرَ ابنُ قتيبةَ أَنَّ عمرَ بنَ الخطابِ قالَ شرُّ الكتابةِ المَشقُ وشرُّ القراءةِ الهَذْرَمةُ، وأجودُ الخَطِّ أبينُهُ انتهى والْمَشْقُ سرعةُ الكتابةِ، قالَه الجوهريُّ وذكر ابنُ قتيبةَ أيضاً عن إبراهيمَ بنِ العباسِ قالَ وزنُ الخطِّ وزنُ القراءةِ، أجودُ القراءةِ أبينُها، وأجودُ الخطِّ أبينُهُ

كيفية ضبط الحرف المهمل،

وقولي وَشَرُّهُ هو بالشينِ المعجمةِ، أي وَشرُّ الخطِّ وقولي هَذْرَمَ هو بالذالِ المعجمةِ، والهذرمةُ السرعةُ في القراءةِ، قالَهُ الجوهريُّ ... وَيُنْقَطُ الْمُهْمَلُ لاَ الْحَا أَسْفَلاَ ... أَوْ كَتْبُ ذَاكَ الْحَرْفِ تَحْتُ مَثَلاَ 567.... أَوْ فَوْقَهُ قُلاَمَةً، أَقْوَالُ ... وَالْبَعْضُ نَقْطَ الِسّيْنِ صَفَّاً قالَوْا ... وَبَعْضُهُمْ يَخُطُّ فَوْقَ الْمُهْمَلِ ... وَبَعْضُهُمْ كَالْهَمْزِ تَحْتَ يَجْعَلِ هذا بيانٌ لكيفيةِ ضَبْطِ الحرفِ المُهْمَلِ، قالَ القاضي عياضٌ: وكما نأمُرُهُ بنَقْطِ ما يُنقطُ للبيانِ، كذلكَ نأمرُهُ بتبيينِ المُهْمَلِ. ثُمَّ ذكرَ علاماتٍ يُضْبَطُ بها الحرفُ المهملُ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وسبيلُ الناسِ في ضبطِها مختلفٌ. فمَنْهم من يَقْلِبُ النُّقَطَ الذي فوقَ المعجماتِ تحتَ ما يشاْكِلُهَاْ من المبهماتِ فينقطُ تحتَ الراءِ والطاءِ والصادِ والعينِ ونحوِها من المبهماتِ. واختلفوا في كيفيةِ نُقَطِ السينِ المُهْمَلةِ من تحتُ، فقيلَ: هوَ كصورةِ النَّقْطِ مِنْ فَوقُ، وذكرَ بعضُهم أَنَّ شكلَهُما مختلفٌ فيجعلُ النقطَ فوقَ المعجمةِ، كالأثافي وتحتَ المُهْمَلةِ مبسوطةً صَفَّاً، وهو المرادُ بقولي: (والبَعْضُ نَقْطَ السِّيْنِ صَفَّاً، قالَوا) .

وقولي: (لا الحا) ، هو استثناءٌ لبعضِ الحروفِ المُهْمَلةِ مما يُنقطُ تحتَهُ، وهو الحاءُ ولم يستثْنِها ابنُ الصلاحِ تَبَعَاً للقاضي عياضٍ. ولابدَّ من استثنائِها وإلاَّ فلو فعلَ ذلكَ لاشتبهَتْ بالجيمِ فلاَ يدخلُ هذا الحرفُ في عمومِ هذهِ العلامةِ للمُهْملِ. والعلامةُ الثانيةُ للحَرْفِ المُهْمَلِ: أَنْ يَكْتُبَ ذلكَ الحرفَ المُهْمَل بعينهِ مفرداً تحتَ الحرفِ الذي يُشارُ إلى إهمالهِ، فيجعلَ تحتَ الحاءِ المهملةِ حاءً مفردةً صغيرةً، وكذا تحتَ الدالِ والصادِ والطاءِ والعينِ. قالَ القاضي عياضٌ: ((وهو عملُ بعضِ أهلِ المشرقِ والأندلسِ)) . وإلى هذا أَشرتُ بقولي: (أو كَتْبُ ذاكَ الحَرْفِ تَحْتُ) ، وهو خبرٌ لمبتدإٍ محذوفٍ تقديرُه: أو علامتُهُ كَتْبُ ذلكَ الحرفِ. والعلامةُ الثالثةُ: أنْ يجعلَ فوقَ الحرفِ المُهْمَلِ صورةَ هلالٍ كَقُلاَمةِ الظُّفرِ مُضْجَعةً على قَفَاها. قالَ ابنُ الصلاحِ: إنَّ هذهِ العلامات الثلاثَ شائعةٌ معروفةٌ. والعلامةُ الرابعةُ: أَنْ يُجعلَ فوقَ المهمَلِ خَطٌّ صغيرٌ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وذلكَ موجودٌ في كثيرٍ من الكتبِ القديمةِ، ولا يَفْطِنُ لهُ كثيرونَ. قلتُ: وسمعتُ بعضَ أهلِ الحديثِ يفتحُ الراءَ من رِضْوان، فقلتُ: لهُ في ذلكَ، فقالَ: ليسَ لهم رِضوانٌ -بالكسرِ-، فقلتُ: إنما سُمِّي بالمصدرِ وهو بالكَسْرِ، فقالَ: وجدْتُهُ بخطِّ فلانٍ - بالفتحِ - وسَمَّى مَنْ لا يحضُرُنِي ذكْرُه الآنَ. ثُمَّ إنِّي وجدْتُ بعدَ ذلكَ في بعضِ الكتبِ القديمةِ هذا الاسمَ وفوقَهُ فتحةٌ فتأمَّلْتُ الكتابَ فإذا هو يَخُطُّ فوقَ الحرفِ المهملِ خطَّاً صغيراً فعرفْتُ أَنَّهُ عَلاَمَةُ الإهمالِ لا الفتحِ، وأَنَّ الذي قالَهُ بالفتحِ من ههنا أُتِي. لكنْ ذكرَ القاضي

أن يبينوا اختلاف الروايات

عياضٌ عن بعضِ أهلِ المشرقِ: أنَّهُ يُعَلِّمُ فوقَ الحرفِ المهملِ بخطٍّ صغيرٍ يُشْبِهُ النَّبْرَةَ، وذكرَ الجوهريُّ، وابنُ سِيْدَه: أَنَّ النَّبْرَةَ الهمزةُ، واللهُ أعلمُ. والعلامةُ الخامسةُ: أنْ يجعلَ تحتَ الحرفِ المهملِ مِثْلَ الهمزةِ حكاهُ ابنُ الصلاحِ عن بعضِ الكتبِ القديمةِ. وذكرَ القاضي عياضٌ: أنَّ منهم مَنْ يقتصِرُ على مثالِ النَّبْرَةِ تحتَ الحرفِ المُهْمَلِ. 569.... وَإِنْ أَتَى بِرَمْزِ رَاوٍ مَيَّزَا ... مُرَادَهُ وَاخْتِيْرَ أَنْ لاَ يَرْمِزَا جرتْ عادةُ أهلِ الحديثِ إذا سمعوا الكتابَ من طرقٍ أنْ يُبيِّنوا اختلافَ الرواياتِ إنِ اختلفَتْ، على ما سيأتي بيانُهُ، وبيَّنوا عندَ لفظِ كلِّ روايةٍ منها اسمَ راويها إما باسْمِهِ كاملاً، وهو أَولى وأدفعُ للالتباسِ، وإما برمزٍ يدلُّ عليهِ كحرفٍ أو حرفينِ من اسْمِهِ كما فَعَلَ اليونينيُّ في نسختِهِ من صحيحِ البخاريِّ فإنْ بَيَّنَ مرادَهُ بتلكَ العلاماتِ في أوَّلِ كتابِهِ، أو آخرِهِ، كما فعلَ اليونينيُّ فلا بأسَ بهِ، وإلاَّ فهوَ مكروهٌ لما يوقعُ فيهِ غيرَهُ من الحَيْرةِ في فَهْمِ مرادِهِ

أن يجعل بين كل حديثين دارة (صورة O) تفصل بين الحديثين وتميز بينهما،

.. وَتَنْبَغِي الدَّارَةُ فَصْلاً وَارْتَضَى ... إِغْفَالَهَا (الْخَطِيْبُ) حَتَّى يُعْرَضَا ينبغي أَنْ يجعلَ بينَ كلِّ حديثينِ دارةً (صورةَ O) تفصلُ بينَ الحديثينِ وتميِّزُ بَيْنَهُمَا، وقدْ روى ابنُ خَلاَّدٍ مِنْ روايةِ ابنِ أبي الزِّنَادِ أَنَّ كتابَ أبيهِ كانَ هكذا. وَحُكِيَ ذلكَ أيضاً عن أحمدَ والحربيِّ، وابنِ جريرٍ. واستحبَّ الخطيبُ أنْ تكونَ الدَّارَاتُ غُفْلاً، فإذا عارضَ فكلُّ حديثٍ يفرغُ من عَرْضِهِ يَنْقُطُ في الدَّارةِ التي تليهُ نُقْطَةً، أو يخطُّ في وَسَطِها خطاً. قالَ: وقد كانَ بعضُ أهلِ العلمِ لا يعتدُّ من سماعِهِ إلاَّ بما كانَ كذلكَ أو في معناهُ. 571.... وَكَرِهُوْا فَصْلَ مُضَافِ اسْمِ اللهْ ... مِنْهُ بِسَطْرٍ إِنْ يُنَافِ مَا تَلاَهْ وُيكْرَهُ أن يَفْصِلَ في الخطِّ بينَ ما أُضيفَ إلى اسمِ اللهِ تعالى وبينَ اسمِ اللهِ في مثلِ عبدِ اللهِ بنِ فلانٍ وعبدِ الرحمنِ بنِ فلانٍ، وغيرِ ذلكَ من الأسماءِ فيكتبُ عبدَ في آخرِ سطرٍ ويكتُبُ في السطرِ الآخرِ اسمَ اللهِ، وبقيَّةَ النِّسبِ هكذا ذكرَ ابنُ الصلاحِ أنَّهُ مكروهٌ،

وفي كلامِ الخطيبِ مَنْعُهُ، فإنَّهُ روى في الجامعِ عن أبي عبدِ اللهِ بنِ بَطَّةَ أنَّهُ قالَ هذا كلُّهُ غَلَطٌ قبيحٌ فيجبُ على الكاتبِ أَنْ يتوَقَاْهُ ويتأمَّلَهُ ويتحفَّظَ منهُ قالَ الخطيبُ وهذا الذي ذكرَهُ أبو عبدِ اللهِ صحيحٌ فيجبُ اجتنابُهُ فعلى هذا تحملُ الكراهةُ في النَّظْمِ وفي كلامِ ابنِ الصلاحِ على التحريمِ، وجعلَهُ صاحبُ الاقتراحِ أيضاً من الأَدبِ، لا من بابِ الوُجوبِ قالَ الخطيبُ ومما أكرهُهُ أيضاً أَنْ يكتُبَ قالَ رسولُ في آخرِ السطرِ، ويكتُبَ في أولِ السطرِ الذي يليهِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فينبغي التحفظُ من ذلكَ قلت ولا يختصُّ المنعُ أو الكراهةُ بأسماءِ اللهِ تعالى، بل الحكمُ كذلكَ في أسماءِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والصحابةِ أيضاً، مثالُه لو قيلَ سابُّ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كافرٌ، أو قاتِلُ ابنِ صَفيَّةَ في النارِ، يريدُ الزبيرَ بنَ العوامِ، ونحوَ ذلكَ، فلا يجوزُ أن يكتبَ سابُّ أو قاتِلُ في سطرٍ وما بعدَ ذلكَ في سطرٍ آخرَ، فينبغي أنْ يجتنبَ أيضاً ما يُسْتَبْشَعُ، ولو وقعَ ذلكَ في

غيرِ المُضَافِ والمُضَافِ إليهِ، كقولهِ في حديثِ شاربِ الخمرِ، الذي أوتِيَ به النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ثملٌ، فقالَ عُمَرُ أخزاهُ اللهُ ما أكثرَ ما يْؤتَى بِهِ فلا ينبغي أنْ يكتُبَ فقالَ، في آخرِ سطرٍ، وعُمَرُ وما بَعْدَهُ في أَوَّلِ السطرِ الذي يليهِ أَمَّا إذا لم يكُنْ في شيءٍ منْ ذلكَ بعدَ اسمِ اللهِ تعالى، أو اسمِ نبيِّهِ، أو اسمِ الصحابيِّ ما ينافيهِ، بأَنْ يكونَ الاسمُ آخرَ الكتابِ، أو آخرَ الحديثِ، ونحوَ ذلكَ، أو يكونَ بَعْدَهُ شيءٌ ملائمٌ لهُ، غيرُ منافٍ لهِ، فلا بأْسَ بالفَصْلِ، نحوَ قولهِ في آخرِ البخاريِّ سبحانَ اللهِ العظيمِ، فإنَّهُ إذا فَصَلَ بينَ المضافِ، والمضافِ إليهِ، كانَ أوَّلُ السطرِ اللهِ العظيمِ، ولا منافاةَ في ذلكَ، ومَعَ هذا فجمْعُهُما في سطرٍ واحدٍ أوْلَى، واللهُ أعلمُ ... وَاكْتُبْ ثَنَاءَ (اللهِ) وَالتَّسْلِيْمَا ... مَعَ الصَّلاَةِ للِنَّبِي تَعْظِيْمَا 573.... وَإِنْ يَكُنْ أُسْقِطَ فِي الأَصْلِ وَقَدْ ... خُوْلِفَ فِي سَقْطِ الصَّلاَةِ أَحْمَدْ ... وَعَلَّهُ قَيَّدَ بِالرِّوَايَهْ ... مَعْ نُطْقِهِ، كَمَا رَوَوْا حِكَايَه

أن يحافظ على كتب الثناء على الله تعالى

ْ 575.... وَالْعَنْبَرِيْ وَابْنُ الْمُدِيْنِيْ بَيَّضَا ... لَهَا لإِعْجَالٍ وَعَادَا عَوَّضَا ... وَاجْتَنِبِ الرَّمْزَ لَهَا وَالْحَذْفَا ... مِنْهَا صَلاَةً أَوْ سَلاَماً تُكْفَى يَنْبَغِي أن يُحافظَ على كَتْبِ الثناءِ على اللهِ تعالى عندَ ذِكْرِ اسمِهِ، نحوِ: عزَّ وجلَّ، وتباركَ وتعالى، ونحوِ ذلكَ. وكذلكَ كتابةُ الصلاةِ والتسليمِ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عند ذِكرِهِ. ولا تسأَمْ مِنْ تكرُّرِ ذلكَ فأجْرُهُ عظيمٌ، وقدَ قيلَ في قولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْلى الناسِ بي أكثُرُهُم عليَّ صلاةً. أنَّهُمْ أهلُ

يصلي على النبي صلى الله عليه

الحديثِ، وذلكَ لكثرةِ ما يتكرَّرُ ذكرُهُ في الروايةِ فيصلُّونَ عليهِ، فإنْ كانَ الثناءُ والصلاةُ والتسليمُ ثابتاً في أصْلِ سماعِهِ، أوْ أَصْلِ الشيخِ فواضحٌ، وإنْ لم يكنْ في الأَصْلِ، فلا يتقيَّدُ بهِ أيضاً، بلْ يَتَلَفَّظُ بهِ ويكتُبُهُ؛ وذلكَ لأَنَّهُ ثناءٌ ودعاءٌ يُثْبِتُه لا كلامٌ يرويهِ، وأما ما وُجِدَ في خطِّ أَحمدَ بنِ حنبلٍ مِنْ إغفالِ الصلاةِ والتسليمِ، فقالَ الخطيبُ: قَدْ خالفَهُ غيرُهُ من الأَئمة المتقدِّمِيْنَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: لعلَّ سبَبَهُ أنَّهُ كانَ يرى التَقَيُّدَ في ذلكَ بالرِّوَايةِ، وعزَّ عليهِ اتصالهُا في جميعِ مَنْ فوقَهُ من الرواةِ. قالَ الخطيبُ: وبلغني أَنَّهُ كَانَ يُصَلي على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُطقاً لا خطَّاً. وقدْ مالَ ابنُ دقيقِ العيدِ إلى ما فعلَهُ أحمدُ، فقالَ في " الاقتراحِ ": والذي نميلُ إليهِ أَنْ نَتَّبِعَ الأصولَ والرواياتِ. وقالَ: إذا ذكرَ الصلاَة لفظاً من غيرِ أَنْ يكونَ في الأصلِ فينبغي أنْ يُصحبَها قرينةٌ تدلُّ على ذلكَ من كونِهِ يرفعُ رأْسَهُ عن النَّظَرِ في الكتابِ، وينوي بقلبهِ أَنَّهُ هو المصلِّي لا حاكياً عن غيرِهِ. وقالَ عبدُ الله بنُ سنانٍ: سمعتُ عبَّاساً العَنْبَرِيَّ وعليَّ بنَ المدينيِّ يقولانِ: ما تَرَكْنَا الصلاَة على رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كلِّ

حديثٍ سمعناهُ، وربما عَجِلنا فَنُبَيِّضُ الكتابَ في كُلِّ حديثٍ، حتى نَرجِعَ إليهِ. قالَ النوويُّ: وكذا الترضِّي والترحُّمُ على الصحابةِ والعلماءِ وسائرِ الأخيارِ، ويُكْرَهُ أنْ يَرْمِزَ للصَّلاةِ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخطِّ بأَنْ يقتصِرَ من ذلكَ على حرفينِ، ونحوِ ذلكَ، كمن يكتُبُ (صلعم) يشيرُ بذلكَ إلى الصلاةِ والتَّسْلِيمِ. ويُكْرَهُ حذفُ واحدٍ منَ الصلاةِ والتَّسْلِيمِ. والاقتصارُ على أحدهِما كما يفعلُ الخطيبُ، فإنَّ في خطِّهِ الاقتصارُ على الصلاةِ فقطْ. شاهدتُهُ بخطِّهِ كذلكَ في كتابِ " الموضحِ "، وليسَ بِمَرْضيٍّ، فقدْ قالَ حَمْزَةُ الكنانيُّ: ((كنتُ أكتبُ عندَ ذكرِ النبيِّ: ((صلى اللهُ عليهِ)) ، ولا أكتبُ ((وَسَلَّمَ)) ، فرأيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنامِ، فقالَ لي: ما لكَ لا تُتِمُّ الصلاةَ عليَّ؟! قالَ فما كتبتُ بعدَ ذلكَ: ((صَلَّى اللهُ عليهِ)) ، إلاَّ كتبتُ: ((وَسَلَّمَ)) .

المقابلة

المُقَاْبَلَةُ 577.... ثُمَّ عَلَيْهِ الْعَرْضُ بِالأَصْلِ وَلَوْ ... إِجَازَةً أَوْ أَصْلِ أَصْلِ الشَّيْخِ أَوْ 578.... فَرْعٍ مُقَابَلٍ، وَخَيْرُ الْعَرْضِ مَعْ ... أُسْتَاذِهِ بِنَفْسِهِ إِذْ يَسْمَعْ 579.... وَقِيْلَ: بَلْ مَعْ نَفْسِهِ وَاشْتَرَطَا ... بَعْضُهُمُ هَذَا، وَفِيْهِ غُلِّطَا 580.... وَلْيَنْظُرِ السَّامِعُ حِيْنَ يَطْلُبُ ... فِي نُسْخَةٍ وَقالَ (يَحْيَى) : يَجِبُ على الطالبِ مقابلةُ كتابهِ بكتابِ شيخهِ الذي يرويهِ عنه؛ سماعاً، أو إجازةً، أو بأَصلِ أَصْلِ شيخِهِ المُقَاْبَلِ بهِ أصلُ شيخهِ، أو بِفَرْعٍ مقابَلٍ بأصْلِ السماعِ؛ المقابلةَ المشروطةَ. وقالَ القاضي عياضٌ: مقابلةُ النُّسْخةِ بأصلِ السَّماعِ متعيّنةٌ، لابدَّ منها، وقد قالَ عروةُ لابنِهِ هِشَامٍ: عَرَضْتَ كتابَكَ؟ قالَ: لا. قالَ: لم تكتُبْ؟ وقالَ الأوزاعيُّ، ويحيى بنُ أبي كثيرٍ: مَثَلُ الذي يكتبُ ولا يعارِضُ مثلُ الذي يَدخلُ الخلاءَ ولا يَسْتَنْجِي. وعنِ الأخفشِ، قالَ: إذا نُسِخَ الكتابُ ولم يُعَارَضْ، ثُمَّ نُسِخَ ولم يُعَارَضْ، خَرَجَ أَعْجَمِيَّاً.

ثُمَّ أفضلُ المعارضةِ أنْ يُعارِضَ كتابَهُ بنفسِهِ مع شيخِهِ بكتابِهِ في حالِ تحديثِهِ بهِ. وقالَ أبو الفضلِ الجاروديُّ: أصدقُ المعارضةِ مع نفسِكَ. والقولُ الأولُ أَوْلَى. وقالَ بعضُهم: لا تصحُّ مقابلتُهُ مع أحدٍ غيرِ نفسِهِ، ولا يُقلِّدُ غيرَهُ، حكاهُ القاضي عياضٌ عن بعضِ أهلِ التحقيقِ. قالَ ابنُ الصَّلاحِ: وهذا مذهبٌ متروكٌ. ويُسْتَحَبُّ للطالبِ أنْ ينظرَ في نسختِهِ حالةَ السماعِ، ومَنْ ليسَ مَعَهُ نسخةٌ نظرَ في نسخةِ مَنْ معهُ نسخةٌ. وسُئِلَ يحيى بنُ معينٍ عمَّنْ لم ينظرْ في الكتابِ والمحدِّثُ يقرأُ هلْ يجوزُ أنْ يُحدِّثَ بذلكَ عنهُ؟! فقالَ: أمَّا عندي فلا يجوزُ. ولكنَّ عامةَ الشيوخِ هكذا سماعُهمْ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وهذا مِنْ مذاهبِ أهلِ التشديدِ في الروايةِ. والصحيحُ أنَّ ذلكَ لا يُشتَرطُ، وأنَّهُ يصحُّ السَّماعُ وإنْ لم ينظرْ أصلاً في الكتابِ حالةَ القراءةِ وأَنَّهُ لا يُشْتَرطُ أنْ يُقَابِلَهُ بنفسهِ، بل يكفيهِ مقابلةُ نسختِهِ بأَصْلِ الراوي، وإنْ لم يكنْ ذلكَ حالةَ القراءةِ وإن كانتِ المقابَلَةُ على يَدَيْ غيرِهِ، إذا كانَ ثقةً موثوقاً بضبْطِهِ. 581.... وَجَوَّزَ الأُسْتَاذُ أَنْ يَرْوِيَ مِنْ ... غَيْرِ مُقَابَلٍ وَ (لِلْخَطِيْبِ) إِنْ 582.... بَيَّنَ وَالنَّسْخُ مِنَ اصْلٍ وَلْيُزَدْ ... صِحَّةُ نَقْلِ نَاسِخٍ فَالشَّيْخُ قَدْ 583.... شَرَطَهُ ثُمَّ اعْتَبِرْ مَا ذُكِرَا ... فِي أَصْلِ الاصْلِ لاَتَكُنْ مُهَوِّرَا

اختلفوا في جوازِ روايةِ الراويِ من كتابه الذي لم يُعارَضْ، فقالَ القاضي عياضٌ: لا يَحِلُّ للمسلمِ التقيِّ الروايةُ مما لم يُقابِلْ بأصلِ شيخِهِ، أو نسخةٍ تحقَّقَ ووَثِقَ بمقابلتِها بالأَصْلِ، وتكونُ مقابلتُه لذلك مَعَ الثقةِ المأمونِ على ما ينظرُ فيهِ. فإذا جاءَ حرفٌ مُشِكلٌ نظرَ معهَ حتى يحقِّقُوا ذلكَ. وذهبَ الأستاذُ أبو إسحاق الإسفرايينيُّ إلى الجوازِ، وسُئِلَ أبو بكرٍ الإسماعيليُّ هل للرَجُلِ أَنْ يُحَدِّثَ بما كَتَبَ عن الشيخِ ولم يُعارِضْ بأَصْلِه؟ قالَ: نَعَمْ. ولكنْ لابُدَّ أنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يُعارِضْ. وإليهِ ذهبَ أبو بكرٍ البرقانيُّ، وأجازَهُ الخطيبُ بشرطِ أَنْ تكونَ سختُهُ نُقِلَتْ من الأَصلِ، وأن يُبَيِّنَ عِنْدَ الروايةِ أَنَّهُ لَمْ يُعارضْ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ولابُدَّ مِنْ شرطٍ ثالثٍ، وهو أَنْ يكونَ ناسخُ النُّسْخَةِ من الأَصْلِ غيرَ سَقِيْمِ النقلِ، بل صحيحَ النقلِ، قليلَ السَّقَطِ، ثُمَّ إِنَّهُ ينبغي أَنْ يُرَاعيَ في كتابِ شيخِهِ بالنسبةِ إلى مَنْ فَوْقَهُ مثلَ ما ذكرنا أَنَّهُ يراعيهِ من كتابِهِ ولا يكونَنَّ كَمنْ إذا رأى سماعَ شيخٍ لكتابٍ قرأهُ عليهِ مِنْ أيِّ نسخةٍ اتفقتْ. والتَّهَوُّرُ: الوقوعُ في الشيءِ بقلَّةِ مبالاةٍ، قالَهُ الجوهريُّ.

خريج الساقط

َخْرِيْجُ السَّاْقِطِ 584.... وَيُكْتَبُ السَّاقِطُ: وَهْوَ اللَّحَقُ ... حَاشِيَةً إلى الْيِمَيْنِ يُلْحَقُ 585.... مَا لَمْ يَكُنْ آخِرَ سَطْرٍ وَلْيَكُنْ ... لِفَوْقُ وَالسُّطُوْرُ أَعْلى فَحَسُنْ 586.... وَخَرِّجَنْ لِلسَّقْطِ مِنْ حَيْثُ سَقَطْ ... مُنْعَطِفَاً لَهُ، وَقِيْلَ: صِلْ بِخَطْ 587.... وَبَعْدَهُ اكْتُبْ صَحَّ أَوْ زِدْ رَجَعَا ... أَوْ كَرِّرِ الكَلْمَةَ لَمْ تَسْقُطْ مَعَا 588.... وَفِيْهِ لَبْسٌ وَلِغَيْرِ الأَصْلِ ... خَرِّجْ بِوَسْطِ كِلْمَةِ الْمَحَلِّ 589.... وَ (لِعِيَاضٍ) : لاَ تُخَرِّجْ ضَبِّبِ ... أَوْ صَحِّحَنْ لِخَوْفِ لَبْسٍ وَأُبِي أهلُ الحديثِ والكُتَّاْبةُ يُسَمُّوَن ما سَقَطَ مِن أَصْلِ الكتابِ فأُلْحِقَ بالحاشيةِ أو بينَ السطورِ: اللَّحَقُ -بفتحِ اللامِ والحاءِ المهملة معاً-. وأَمَّا اشتقاقهُ فيحتملُ أَنَّهُ من الإلْحَاقِ. قالَ الجوهريُّ: واللَّحَقُ - بالتحريكِ - شيءٌ يَلْحَقُ بالأوَّل. قالَ: واللَّحَقُ أيضاً من التَّمرِ: الذي يأتي بعدَ الأولِ. وقالَ صاحبُ " المُحكمِ ": اللَّحَقُ كلُّ شيءٍ لَحِقَ شيئاً أو أُلْحِقَ بِهِ، من الحَيَوَانِ، والنَّبَاتِ، وحَمْلِ النخلِ، وأنشدَ: * وَلَحَقٍ يَلْحَقُ مِنْ أَعْرَابِهَا * ويحتملُ أنَّهُ مِنَ الزيادةِ يدلُّ عليهِ كلامُ صاحبِ " المحكمِ " فإنَّهُ قالَ: واللَّحَقُ: الشيءُ الزائدُ. قالَ ابنُ عيينةَ: * كأَنَّهُ بينَ أسْطُرٍ لَحَقُ * وقد وقعَ في شِعْرٍ نُسِبَ لأَحمدَ بنِ حنبلٍ - بإسكانِ الحاءِ -، أنشدَهُ الشريفُ أبو عليٍّ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ أبي موسى الهاشميُّ، لأَحمدَ بنِ حنبلٍ.

مَنْ طَلَبَ العِلْمَ والحدِيْثَ فلا ... يَضْجَرُ مِنْ خَمْسَةٍ يُقَاسِيْهَا: دَرَاهِمٍ لِلْعُلُومِ يَجْمَعُهَا ... وعِنْدَ نَشْرِ الحدِيْثِ يُفْنِيْهَا يُضْجِرُهُ الضَّرْبُ في دَفَاتِرِهِ ... وكَثْرَةُ اللَّحْقِ في حَوَاشِيهَا يَغْسِلُ أَثْوابَهُ وَبِزَّتَهُ ... مِنْ أَثرِ الحِبْرِ لَيْسَ يُنقِيْهَا وكأَنَّهُ خَفَّفَ حركةَ الحاءِ؛ لضرورةِ الشِّعْرِ. وأمَّا كيفيةُ كتابةِ ما سَقَطَ من الكتابِ فلا ينبغي أنْ يُكتَبَ بينَ السُّطورِ؛ لأَنَّهُ يُضَيِّقُها وُيغلِّسُ ما يُقْرَأُ خصوصاً إِنْ كانتِ السطورُ ضيقةً متلاصقةً. والأَوْلى أَنْ يُكْتَبَ في الحاشيةِ. ثُمَّ السَّاقطُ لا يخلوا إمَّا أَنْ يكونَ سَقَطَ مِنْ وَسَطِ السَّطْرِ، أو مِنْ آخرِهِ، فإنْ كانَ مِنْ وَسَطِ السَّطْرِ فَيُخَرَّجُلهُ إلى جهةِ اليمينِ، - وسيأتي صفةُ التَّخْرِيجِ لهُ -؛ لاحتمالِ أنْ يَطْرَأَ في بقيَّةِ السَّطْرِ سَقطٌ آخرُ، فَيُخَرَّجُ له إلى جهةِ اليسارِ. فلو خَرَّجَ للأَولِ إلى اليسارِ ثُمَّ ظهرَ في السطرِ سقطٌ آخرُ، فإنْ خَرَّجَ لهُ إلى اليسارِ أيضاً اشتبهَ موضعُ هذا السقطِ بموضعِ هذا السقطِ، وإنْ خرَّجَ للثاني إلى اليمينِ تقابلَ طرفا التخريجتينِ، وربما التقيا؛ لِقُرْبِ

السَّاقطينِ، فَيُظَنُّ أَنَّ ذلكَ ضَرْبٌ - عَلَى ما بينهَما عَلَى ما سيأتي في صفةِ الضَّرْبِ -. وإنْ كانَ الَّذِي سَقَطَ محلُّهُ بعدَ تمامِ السَّطْرِ، فقالَ الْقَاضِي عياضٌ: لا وَجْهَ إلاَّ أَن يُخَرِّجَهُ إِلَى جهةِ الشِّمَالِ؛ لقُرْبِ التخريجِ من اللَّحَقِ، وسرعةِ لحاقِ الناظرِ بهِ؛ ولأَنَّه أمِنَ مِنْ نقصٍ يَحْدُثُ بَعدَهُ، فلا وَجْهَ لتخريجهِ إلى اليمينِ. وتبعهُ ابنُ الصلاحِ على ذلكَ. نَعَمْ..، إنْ ضَاقَ ما بَعْدَ آخرِ السطرِ لقُرْبِ الكتابةِ من طرفِ الورقِ أو لضيقِهِ بالتجليدِ بأنْ: يكونَ السَّقطُ في الصفحةِ اليُمْنَى فلا بأسَ حينئذٍ بالتخريجِ إلى جهةِ اليمينِ. وقد رأيتُ ذلكَ في خطِّ غيرِ واحدٍ من أهلِ العلمِ. ثُمَّ الأَوْلَى أن يكتُبَ الساقطَ صاعداً لفوقُ، إلى أعلى الورقةِ من أيِّ جهةٍ كانَ تخريجُ الساقطِ: اليمينَ أو الشِّمالَ؛ لاحتمالِ حُدوثِ سقطٍ آخرَ فيكتُبَ إِلَى أسفلَ. فلو كُتِبَ الأولُ إِلَى أسفلَ لَمْ يجدْ للسقطِ الثاني موضعاً يقابِلُهُ بالحاشيةِ خالياً. وهذا معنى قولي: (وليكُنْ لفوقُ) ، والأَوْلَى أنْ يبتديءَ السُّطورَ منْ أعلى إِلَى أسفلَ. فإنْكانَ التخريجُ في جهةِ اليَمينِ انقضتِ الكتابةُ إِلَى جهةِ باطنِ الورقةِ. وإنْ كانَ في جهةِ الشِّمالِ انتهتِ الكتابةُ إِلَى طرفِ الورقةِ؛ وذلك لأَنَّ الساقطَ ربما زادَ على السطرِ والسطرينِ أو أكثرَ. فلو

كُتِبَ السَّاقِطُ مِنْ أسفلَ لربمُّا فرغَ السَّطرُ، ولم يُتِمَّ السَّاقِطَ، فلا يجدُ لَهُ مَوْضِعَاً يُكْمِلُه، إلا بانتقالٍ إلى موضعٍ آخرَ بتخريجٍ أو اتِّصَالٍ. وهذا فيما إذا كتبَ السَّاقطَ لفوقُ. وإنْ كانتِ الكتابةُ إلى أسفلَ بأَنْ يكونَ ذلك في السَّقطِ الثاني، أو خالفَ أوَّلاً وخرجَ إلى أسفلَ فينعكِسُ الحالُ فيكونُ انتهاءُ الكتابةِ في الجانبِ اليمينِ إلى طرفِ الورقةِ، وفي الجانبِ اليسارِ إلى باطنِ الورَقةِ. وهذا معنى قولي: (والسُّطُوْر أَعْلَى) أي: ولتكُنِ السطورُ أعلى. وقولي: (فَحَسُن) ، هو فعلٌ ماضٍ - بضمِّ السينِ -، أي: فَحسُنَ هذا الفعلُ ممَّنْ يفعَلُهُ. وأما صفةُ التخريجِ للساقطِ فقالَ القاضي عياضٌ: أحسنُ وجوهِها: ما استمرَّ عليهِ العملُ عندَنا من كتابةِ خطٍّ بموضعِ النَّقْصِ صاعداً إلى تحتِ السطرِ الذي فوقَهُ، ثُمَّ ينعطِفُ إلى جهةِ التخريجِ في الحاشيةِ انعطافاً يُشِيْرُ إليه. وقالَ ابنُ الصلاحِ: إنَّ المخْتَارَ هذهِ الكيفيةُ. وقالَ ابنُ خَلاَّدٍ: أجودُهُ أَنْ يُخَرَّجَ من مَوْضِعِهِ حتى يُلْحِقَ بهِ طرفُ الحرفِ المبتدإِ به مِنَ الكلمةِ الساقِطةِ في الحاشيةِ. وهذا معنى قولي: وقيلَ: (صِلْ بخطٍّ) . قالَ القاضي عياضٌ: وهذا فيهِ بيانٌ لكنَّهُ تَسْخِيْمٌ للكتابِ، وتَسْوِيْدٌ لهُ، لا سِيَّما إنْ كَثُرَتِ الإلحاقاتُ والنَّقْصُ. وقالَ ابنُ الصلاحِ أيضاً: هذا غيرُ مَرْضِيٍّ. قلتُ: فإنْ لم يكنِ اللَّحَقُ قُبَالةَ موضعِ السُّقوطِ بأنْ لا يكونَ ما يقابِلُهُ خالياً، وكُتِبَ اللَّحَقُ في موضعٍ آخرَ فيَتَعَيَّنُ حينئذٍ جرُّ الخطِّ إلى أوَّلِ اللَّحَقِ، أو يَكتبُ قُبَالَةَ موضعِ

السقوطِ يتلُوهُ كذا وكذا في الموضعِ الفلانيِّ ونحوِ ذلكَ لزوالِ اللَّبْسِ وقد رأيتُ في خطِّ غيرِ واحدٍ ممَّنْ يَعْتَمِدُ اتِّصَالَ الخطِّ إذا بَعُدَ اللَّحَقُ عن مُقابلِ موضعِ النَّقْصِ، وهو جيدٌ حَسَنٌ، ثُمَّ إذا انتهتْ كتابةُ السَّاقطِ كَتَبَ بعدَهُ: صَحّ. قالَ القاضي عياضٌ: وبعضُهم يكتبُ آخرَهُ بَعْدَ التصحيحِ: رَجَعَ. وقالَ ابنُ خَلاَّدٍ: إِنَّ الأجودَ أن يُكتَبَ في الطرفِ الثاني حرفٌ واحدٌ مِمَّا يتصلُ بهِ الدَّفترُ ليدُلَّ أَنَّ الكلامَ قَدْ انتظمَ. وهذا معنى قولي: (أوْ كَرِّرِ الكلمةَ لَمْ تسقطْ) أي: التي لم تسقطْ في الأصلِ، بل سَقَطَ ما قبلَها. وهذا ما حكاهُ القاضي عياضٌ عن اختيارِ بعضِ أهلِ الصَّنْعةِ من أهلِ المغربِ أيضاً، قالَ: وليسَ عندي باختيارٍ حَسَنٍ فرُبَّ كلمةٍ قد تجيءُ في الكلامِ مكرَّرَةً مرتينِ وثلاثاً لمعنى صحيحٍ، فإذا كرَّرْنا الحرفَ لم نَأْمَنْ أنْ يوافقَ ما يتكرَّرُ حقيقةً أو يُشْكِلَ أمرُهُ، فيوجبُ ارتياباً وزيادةَ إشكالٍ. قالَ ابنُ الصلاحِ: وليسَ ذلكَ بمرْضِيٍّ. قالَ القاضي عياضٌ: وبعضُهم يكتُبُ: انتهى اللَّحَقُ. قالَ: والصَّوابُ التصحيحُ. وهذا كلُّهُ في التخريجِ للسَّاقطِ، أَمَّا ما يُكتبُ في حاشيةِ الكتابِ منْ غيرِ الأَصلِ من شرحٍ أو تنبيهٍ على غَلَطٍ، أو اختلافِ روايةٍ أو نسخةٍ أو نحوِ ذلكَ؛ فالأَوْلَى أَنْ يُخَرَّجَ له على نفسِ الكلمةِ التي من أجلِهَا كتُبتِ الحاشيةُ، لا بين الكلمتينِ. وقالَ القاضي عياضٌ: لا يُحَبُّ أن يُخَرَّجَ إليهِ، فإنَّ ذلكَ يُدْخِلُ اللَّبْسَ

التصحيح، والتمريض، وهو التضبيب

ويُحْسَبُ من الأَصلِ. قالَ ولا يُخرَّجُ إلاَّ لما هوَ من نفسِ الأَصلِ، لكن رُبمَّا جُعلَ على الحرَفِ كالضَّبَّةِ، أو التصحيحِ، ليدُلَّ عليهِ. وسيأتي بيانُ التضبيبِ والتصحيحِ بعدَهُ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: التخريجُ أَوْلَى، وأَدلُّ من وَسَطِ الكلمةِ، كما تقدَّمَ. التَّصْحِيْحُ، وَالتَّمْرِيْضُ، وهُو التَّضْبِيْبُ 590.... وَكَتَبُوْا (صَحَّ) عَلى الْمُعَرَّضِ ... لِلشَّكِّ إِنْ نَقْلاً وَمَعْنًى ارْتُضِي 591.... وَمَرَّضُوْا فَضَبَّبُوْا (صَاداً) تُمَدّْ ... فَوْقَ الذَّيِ صَحَّ وُرُوْداً وَفَسَدْ 592.... وَضَبَّبُوْا فِي الْقَطْعِ وَالإِرْسَالِ ... وَبَعْضُهُمْ فِي الأَعْصُرِ الْخَوَالي 593.... يَكْتُبُ صَادَاً عِنْدَ عَطْفِ الأَسْمَا ... تُوْهِمُ تَضْبِيْباً، كَذَاكَ إِذ مَا 594.... يَخْتَصِرُ التَّصْحِيْحَ بَعْضٌ يُوْهِمُ ... وَإِنَّمَا يَمِيْزُهُ مَنْ يَفْهَمُ التصحيحُ هو كتابةُ: ((صَحّ)) ، على الحرفِ الذي يُشارُ إلى صحتِهِ. والتمريضُ، والتضبيبُ: هو كتابةُ صورةِ ((صـ)) هكذا فوقَ الحرفِ الَّذِي يُشارُ إِلَى تمريضِهِ. ووجدتُ عن أبي القاسمِ بنِ الإفليلي، واسمُهُ إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ زكريا، قالَ:

كَانَ شيوخُنَا من أهلِ الأَدَب - وفي الإلماع للقاضي عِيَاض: شيوخُنا من أهلِ المغربِ - يَتَعَالَمُوْنَ أَنَّ الحرفَ إذا كُتبَ عليهِ ((صَحّ)) ، أَنَّ ذلكَ علامةٌ لصحةِ الحرفِ فَوُضِعَ حرفٌ كاملٌ عَلَى حرفٍ صَحَّيحٍ، وإذا كانَ عليهِ صادٌ ممدودةٌ دون حاءٍ كانَ علامةً أَنَّ الحرفَ سقيمٌ، إذ وُضِعَ عليه حرفٌ غيرُ تامٍّ، ليدلَّ نَقْصُ الحرفِ على اختلالِ الحرفِ قالَ: ويُسمَّى ذلكَ الحرفُ أيضاً: ضَبَّةً، أي: أَنَّ الحرفَ مقفلٌ بها، لا يتَّجِهُ لقراءةٍ كما أَنَّ الضَّبَّةَ مقفلٌ بها. قالَ ابنُ الصلاحِ: ولأنَّها أشبهتِ الضَّبَّةَ التي تُجعَلُ على كَسْرٍ أو خَلَلٍ فاستعيرَ لها اسمُها. قلتُ: هذا بعيدٌ؛ لأَنَّ ضَبَّةَ القَدَحِ جُعِلَتْ للجبرِ، وهذهِ ليستْ جابرةً، وإنَّمَا هيَ علامةٌ لكونِ الروايةِ هكذا، وَلَمْ يتَّجِهْ وجْهُهَا، فهي علامةٌ لصحةِ ورودِها، لئلاَّ يظنَّ الرَّاوِي أَنَّها من غَلَطٍ فيُصْلِحَهَا، وَقَدْ يأتي بعدَ ذلكَ مَنْ يُظْهِرُ لهُ وجهَ ذلكَ. وَقَدْ غيَّرَ بعضُ المتجاسرينَ ما الصوابُ إبقاؤُهُ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ما ذكرتُهُ الْقَاضِي

عياضٌ، وتبعهُ عليه ابنُ الصلاحِ أيضاً، واللهُ أعلمُ. ولا يُصَحِّحُ إلاَّ على ما هو عُرْضَةٌ للشكِّ، أو الخلافِ، وقد صَحَّ روايةً ومعنًى؛ ليُعْلَمَ أَنَّهُ لم يَغْفَلْ عنهُ، وأنَّهُ قد ضُبِطَ، وصحَّ على الوجهِ. وأَمَّا ما صحَّ من طريقِ الروايةِ، وهو فاسدٌ من جهةِ المعنى، أو اللَّفظِ، أو الخطِّ، بأن يكونَ غيرَ جائزٍ في العربيةِ، أو شَاذَّاً، أو مُصَحَّفَاً، أو نَاقِصَاً، وما أشبهَ ذلكَ؛ فجرتْ عادةُ أهلِ التقييدِ، كما قالَ القاضي عياضٌ أنْ يَمدُّوا على أَوَّلِهِ مثلَ الصادِ، ولا يُلزقُ بالكلمةِ المُعَلَّمِ عليها، لِئَلاَّ يُظَنَّ ضَرْبَاً. قالَ: ويسمُّونهُ ضَبَّةً، ويسمُّونَهُ تَمْرِيْضَاً. قالَ ابنُ الصلاحِ: ومن مواضعِ التَّضْبِيْبِ، أَنْ يقعَ في الإسنادِ إرسالٌ، أو انقطاعٌ، فمِنْ عَادَتِهِم تَضْبِيْبُ موضعِ الإرسالِ، والانقطاعِ. قالَ: ويُوجدُ في بعضِ الأُصولِ القديمةِ في الإسنادِ الذي يجتمعُ فيهِ جماعةٌ معطوفةٌ أسماؤُهُم بعضُها على بعضٍ، علامةٌ تُشْبِهُ الضَّبَّةَ فيما بينَ أسمائهِمِ، فَتُوْهِمُ مَنْ لا خبرةَ لهُ أَنَّهَا ضَبَّةٌّ، وليستْ بضَبَّةٍ، وكأنَّهَا علامةُ وصلٍ فيما بينهما، أُثْبِتَتْ تأكيداً للعطفِ، خوفاً من أَنْ تُجعلَ ((عن)) مكانَ الواوِ، والعلمُ عندَ اللهِ تعالى. قالَ: ثُمَّ إنَّ بعضَهم ربما اختصرَ علامةَ التصحيحِ، فجاءتْ صورتُها تُشْبِهُ صورةَ التضبيبِ، والفِطْنةُ من خيرِ ما أُوْتِيَهُ الإنسانُ.

الكشط، والمحو، والضرب

الْكَشْطُ، وَالْمَحْوُ، وَالضَّرْبُ 595.... وَمَاَ يزِيْدُ فِي الْكِتَابِ يُبْعَدُ ... كَشْطاً َوَمَحْواً وَبِضَرْبٍ أَجْوَدُ 596.... وَصِلْهُ بِالْحُرُوْفِ خَطّاً أَوْ لاَ ... مَعْ عَطْفِهِ أَوْ كَتْبَ (لاَ) ثُمَّ إلى 597.... أَوْ نِصْفَ دَارَةٍ وَإِلاَّ صِفْرَا ... فِي كُلِّ جَانِبٍ وَعَلِّمْ سَطْرَا 598.... سَطْرَاً إذا مَا كَثُرَتْ سُطُوْرُهْ ... أَوْلا وَإِنْ حَرْفٌ أتَى تَكْرِيْرَهْ 599.... فَأَبْقِ مَا أَوَّلُ سَطْرٍ ثُمَّ مَا ... اخِرُ سَطْرٍ ثُمَّ مَا تَقَدَّمَا 600.... أَوِ اسْتَجِدْ قَوْلاَنِ مَا لَمْ يُضِفِ ... أَوْ يُوْصَفُ اوْ نَحْوُهُمَا فَأَلِفِ لَمَّا تقدَّمَ إلحاقُ الساقطِ، ناسبَ تعقيبَهُ بإبطالِ الزائدِ. فإذا وقعَ في الكتابِ شيءٌ زائدٌ لَيْسَ مِنْهُ، فإنَّهُ يُنفى عنهُ إِمَّا بالكشطِ، وَهُوَ الحكُّ. وإمَّا بالمحْوِ، بأَنْ تكونَ الكتابةُ في لوحٍ أو رَقٍ، أو وَرَقٍ صقيلٍ جِدَّاً في حالِ طَرَاْوَةِ المكتوبِ. وَقَدْ رُوِيَ عن سُحْنُوْنَ أَنَّهُ كانَ رُبَّمَا كَتَبَ الشيءَ ثُمَّ لعقهُ. وإمَّا بالضَّرْبِ عليهِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: والضَّرْبُ خيرٌ من الحكِّ والمحْوِ. وروينا عن أبي محمدِ بنِ خَلاَّدٍ

الرامَهُرْمُزِيِّ قالَ: قالَ أصحابُنا: الحكُّ تهمةٌ، قالَ: وأجودُ الضربِ أنْ لا يَطمسَ الحرفَ المضروبَ عليهِ، بل يخطُّ من فوقِهِ خطَّاً جيِّداً بَيِّنَاً يدلُ على إبطالِهِ، وَيُقرأُ من تحتِهِ ما خطَّ عليهِ. وقد أُنبئْتُ عَمَّن أُنْبِئَ عن القاضي عياضٍ: قالَ سمعتُ أبا بحرٍ سفيانَ بنَ العاص الأسديَّ، يحكي عن بعضِ شيوخِهِ أنَّهُ كانَ يقولُ: كانَ الشيوخُ يكرهونَ حضورَ السِّكِّيْنِ مجلسَ السماعِ، حتَّى لا يُبْشَرَشيءٌ؛ لأَنَّ ما يُبْشَرُ منهُ، رُبَّما يصحُّ في روايةٍ أخرى، وقد يُسْمَعُ الكتابُ مرةً أخرى على شيخٍ آخرَ يكونُ ما بُشِرَ من روايةِ هذا صحيحاً في روايةِ الآخرِ، فيحتاجُ إلى إلحاقِهِ بعدَ أَنْ بُشِرَ، وهو إذا خُطَّ عليهِ، وأوقفَهُ من روايةِ الأَوَّلِ، وصحَّ عندَ الآخرِ، اكْتُفِيَ بعلامةِ الآخرِ عليهِ بصحَّتِهِ. انتهى. وقد اخْتُلِفَ في كيفيةِ الضَّرْبِ على خمسةِ أقوالٍ: الأوَّلُ: ما تقدَّمَ نقلُهُ عن الرامَهُرْمُزِيِّ، وحكاهُ القاضي عياضٌ عن الأكثرينَ. قالَ: لكنْ

يكونُ الخطُّ مُخْتَلِطَاًبالكلماتِ المضروبِ عليها، وهو الذي يُسمَّى: الضَّرْبَ والشَّقَّ. والقولُ الثاني: أنْ لا يُخْلَطَ الضربُ بأوائلِ الكلماتِ، بل يكونُ فوقَها مُنْفَصلاً عنها، لكنَّهُ يَعْطِفُ طرفي الخطِّ، على أوائلِ المبطِلِ وآخرِهِ. حكاهُ القاضي عياضٌ عن بعضِهِم. وإليهِ الإشارةُ بقولي: (أوْ لاْ مَعَ عطفِهِ) أي: أو لا تصلِهُ بالحروفِ، بلِ اعطفْهُ عليها من الطرفينِ. مثالُ الضربِ في هذا القولِ هكذا. والقولُ الثالثُ: أنْ يكتبَ في أوَّلِ الزائدِ لا، وفي آخرِهِ إلى. قالَ القاضي عياضٌ: ومثلُ هذا يصلُحُ فيما صحَّ في بعضِ الرواياتِوسقطَ منبعضٍ من حديثٍ أو كلامٍ. قالَ: وقد يُكتَفىفي مثلِ هذا بعلامةِ من ثَبَتَتْ له فَقَطْ، أو بإثباتِ لا وإلى فقطْ. وإلى هذا القولِالإشارةُ بقولي: (أَو كَتْبَ لا ثُمَّ إلى) ، وهو مصدرٌ وآخرُهُ منصوبٌ على نزعِ الخافِضِ، أي: يُبْعَدُ الزائدُ بالكشطِ، أو المحوِ، أو الضربِ، أو يكتبُ كذا.

لا إلى مثالُ الإبطالِ في هذا القولِ هكذا. والقولُ الرابعُ: أنْ يُحَوِّقَ في أوَّلِ الكلامِ الزائدِ بنِصْفِ دارةٍ، وعلى آخرِهِ بنِصْفِ دارةٍ. وإليهِ الإشارةُ بقولي: (أو نِصْفَ دَارَةٍ) أي: أوَّلَهُ وآخِرَهُ والفاءُ منهُ منصوبةٌ عطفاً على محلِّ المضافِ إليهِ، (مثالُ ذلكَ على هذا القولِ) . والقولُ الخامسُ: أنْ يكتبَ في أوَّلِ الزيادةِ دائرةً صغيرةً، وكذلكَ في آخرِها دائرةً صغيرةً، حكاهُ القاضي عياضٌ عن بعضِ الأَشياخِ المحسنينَ لكتبُهِم، قالَ: ويسمِّيها صِفْرَاً، كما يُسَمِّهَا أهلُ الحسابِ، ومعناها خُلُوُّ موضعِها من عددٍ، كذلكَ هنا تُشْعِرُ بخلوِ ما بينهما عن صحةٍ. وإليهِ الإشارةُ بقولي: (وإلاَّ صِفْرَاً) o مثالُ ذلكَ o. وقولي: (وعَلِّمْ سَطْرَاً سَطْرَاً ... ) إلى آخرِهِ، هو مبنيٌّ على الأقوالِ الأخيرةِ أنَّهُ يُعَلَّمُ أَوَّلُ الزائدِ، وآخرُهُ من غيرِ ضَرْبٍ، فإذا كَثُرَتْ سُطورُ الزائدِ فاجعلْ علامةَ الإبطالِ في أَوَّلِ كُلِّ سَطرٍ وآخرِهِ للبيانِ إنْ شئتَ، أو لا تكرِّرِ العلامةَ، بلِ اكتفِ بها في أوَّلِ الزائدِ وآخرِهِ، وإن كَثرتِ السطورُ. حكاهُ القاضي عياضٌ عن بعضِهِم، أَنَّهُ رَبمَّا اكتفى بالتَّحْوِيقِ على أوَّلِ الكلامِ وآخرِهِ، وربَّمَا كُتِبَ عليهِ (لا) في أوِّلِهِ، و (إلى) في آخرِهِ، وإليهِ الإشارةُ بقولي: (أوْ لا) . وهذا كلُّهُ فيما إذا كانَ الزائدُ غيرَ مُكرَّرٍ، فإنْ كانَ حرفاً تكرَّرَتْ كتابتُهُ فالذي رآهُ القاضي عياضٌ: أَنَّهُ إنْ كانَ تكرارُهُ في أَوَّلِ سَطرٍ أَن يضربَ على الثاني لِئَلاَّ يَطْمِسَ أوَّلَ السَّطرِ. وإنْ كانتْ إِحدى الكلمتينِ في آخرِ سطرٍ، والأُخرى في أوَّلِ الذي يليهِ فيضْربَ

العمل في اختلاف الروايات

على الأُوْلَى. وإِنْ كانتِ الكلمتانَ مَعَاً في آخرِ السطرِ فيضْربَعلى الأُوْلَى، صَوْناً لأَوائلِ السَّطورِ وأواخرِها، ومراعاةُ أوَّلِ السَّطرِ أَولى. وإِنْ كانَ التَّكرَارُ لهما في وَسَطِ السَّطرِ ففيهِ قولانِ حكاهما ابنُ خلاَّدٍ وغيْرُهُ في أصلِ المسألةِ من غيرِ مراعاةٍ لأَوائلِ السُّطورِ وأوَاخِرها: أحدُهما: أَنَّ أَوْلاهُمَا بالإبطالِ الثاني؛ لأَنَّ الأَوَّلَ كُتِبَ عَلَى صوابٍ، فالخطأُ أَوْلَى بالإبطالِ. والقولُ الثاني: أولاهمُا بالإبقاءِ أَجودُهما صورةً وأَدَلُّهُما عَلَى قراءتِهِ. وهذا معنى قولي: (أو اسْتَجِدْ) أي: اسْتَجِدْ للإبقاءِ أجودُهما. وَقَدْ أطلقَ ابنُ خلاَّدٍ الخلافَ من غيرِ مراعاةٍ لأوائلِ السطورِ وأواخرِها، ومن غيرِ مراعاةٍ للفصلِ بَيْنَ المضافِ والمضافِ إليهِ ونحوِ ذلكَ. قالَ الْقَاضِي عياضٌ: وهذا عندي إذا تساوتِ الكلماتُ في المنازلِ، فأَمَّا إنْ كانَ مثلَ المضافِ والمضافِ إليهِ، فتكرَّرَ أحدُهما فينبغي أَنْ لا يُفصلَ في الخطِّ، ويَضربَ بعدُ عَلَى المتكرِّرِ من ذلكَ كانَ أَوَّلاً، أوْ آخِرَاً، وكذلكَ الصفةُ معَ الموصوفِ وشِبْهُ هَذَا، فمُراعاةُ هَذَا مضطرٌ إليهِ للفَهْمِ، فمراعاةُ المعاني أَوْلَى من مراعاةِ تحسينِ الصورةِ في الخطِّ. واستحسنَ ابنُ الصلاحِ من الْقَاضِي عياضٍ هَذَا التفصيلَ كُلَّهُ. الْعَمْلُ فِي اخْتِلاْفِ الرُّوَاْيَاْتِ 601.... وَلْيَبْنِ أَوَّلاً عَلَى رِوَايَهْ ... كِتَابَهُ، وَيُحْسِنِ الْعِنَايَهْ

602.... بِغَيْرِهَا بِكَتْبِ رَاوٍ سُمِّيَا ... أَوْ رَمْزَاً اوْ يَكْتُبُهَا مُعْتَنِيَا 603.... بِحُمْرَةٍ، وَحَيْثُ زَادَ الأَصْلُ ... حَوَّقَهُ بِحُمْرَةٍ وَيَجْلُو إذا كانَ الكتابُ مروياً بروايتينِ، أو أكثرَ ويقعُ الاختلافُ في بعضِهِا، فينبغي لمنْ أرادَ أَنْ يجمعَ بينَ روايتينِ فأَكثرَ في نسخةٍ واحدةٍ أنْ يَبْني الكتابَ أوَّلاً على روايةٍ واحدةٍ، ثُمَّ ما كانَ من روايةٍ أُخرى أَلحْقَهَا في الحاشيةِ أو غيرِها مع كتابةِ اسمِ راوِيْها مَعَهَا، أو الإشارةِ إليهِ بالرمزِ إِنْ كانتْ زيادةً. وإنْ كانَ الاختلافُ بالنَّقْصِ أَعْلَمَ على الزائدِ أنَّهُ ليسَ في روايةِ فلانٍ باسمِهِ، أو الرمزِ إليهِ. وإنْ شاءَ كتبَ زيادةَ الروايةِ الأخرى بِحُمْرَةٍ، وما نَقَصَ منها حَوَّقَ عليهِ بالحُمْرةِ، فقد حكاهُ القاضي عياضٌ عَنْ كثيرِ من الأَشياخِ، وأهلِ الضَّبْطِ كأبي ذَرٍّ الهرويِّ وأبي الحسنِ القابسيِّ وغيرِهِما. وقولي: (ويَجْلُو) أي: ويُوَضِّحُ مرادَهُ بالرَّمْزِ أو بالْحُمْرَةِ في أوَّلِ الكتابِ أو آخرِهِ على ما سبقَ، ولا يَعْتَمِدُ على حفظِهِ في ذلك وذِكْرِه، فرُبَّما نسي فالصوابُ - كما قالَ القاضي عياضٌ - أَنْ لا يتساهلَ في ذلك ولا يهملهُ، وقد يقعُ كتابُه إلى غيرِهِ فيقعُ في حَيْرةٍ من رموزِهِ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ.

الإشارة بالرمز

الإِشَاْرَةُ بِالرَّمْزِ 604.... وَاخْتَصَرُوْا فِي كَتْبِهِمْ (حَدَّثَنَا) ... عَلَى (ثَنَا) أَوْ (نَا) وَقِيْلَ: (دَثَنَا) 605.... وَاخْتَصَرُوْا (أَخْبَرَنَا) عَلَى (أَنَا) ... أَوْ (أَرَنَا) وَ (الْبَيْهَقِيُّ) (أَبَنَا) جَرتْ عادةُ أهلِ الحديثِ باختصارِ بعضِ ألفاظِ الأَداءِ في الخطِّ دونَ النُّطْقِ. فمنْ ذلكَ: حَدَّثَنَا. والمشهورُ عندَهم حذفُ شَطْرِها الأَوَّلِ، ويقتصرونَ مِنه على صُورة: ثنا. وربَّما اقتصروا على الضَّميرِ فقطْ، فكتبوا: نا. وربَّمَا اقتصروا على حذفِ الحاءِ فقطْ () ، فقالَوا: دثنا. وقالَ ابنُ الصلاحِ () : إنَّهُ رآه في خَطِّ الحاكمِ وأبي عبدِ الرحمنِ السُّلَميِّ والبَيهقيِّ. ومن ذلكَ: أخبرنا. والمشهورُ في اختصارِها حذفُ أُصولِ الكلمةِ، والاقتصارُ على الأَلفِ والضميرِ، وربَّمَا لَمْ يَحْذِفْ بعضُهُمُ الراءَ، فقالَ: أرنا. وبعضُهُمْ يَحْذِفُ الخاءَ والراءَ، ويكتبُ: أبنا، وقد فعلَهُ البيهقيُّ في طائفةٍ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ، قالَ ابنُ الصلاحِ: وليسَ بِحَسَنٍ () . 606.... قُلْتُ: وَرَمْزُ (قالَ) إِسْنَادَاً يَرِدْ ... (قَافَاً) وَقالَ الشَّيْخُ: حَذْفُهَا عُهِدْ 607.... خَطَّاً وَلاَبُدَّ مِنَ النُّطْقِ كَذَا ... قِيْلَ لَهُ: وَيَنْبَغِي النُّطْقُ بِذَا وممَّا جَرتْ به عادةُ أهلِ الحديثِ حذفُ ((قالَ)) في أثناءِ الإسنادِ في الخطِّ، أَو الإشارةُ إليها بالرَّمْزِ. فرأيتُ في بعضِ الكُتبِ المعتَمدةِ الإشارةَ إليها بقافٍ، فبعضُهم يجمعُها معَ أَداةِ التحديثِ فيكتبُ: قثنا، يريدُ: قالَ: حَدَّثَنَا. وقد توهَّمَ () بعضُ مَنْ رأى هذا هكذا أَنَّها الواوُ التي تأتي بعدَ () حَاءِ التحويلِ، وليسَ كذلكَ. وبعضُهم

يفردُها فيكتبُ: ق ثنا، وهذا اصطلاحٌ متروكٌ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: جرتِ العادةُ بحذفِها خطَّاً. قالَ: ولابدَّ من ذكْرِهِ حالَ القراءةِ لفظاً، قالَ: وإذا تكرَّرتْ كلمةُ: قالَ، كما في قولِهِ في كتابِ البخاريِّ () : حَدَّثَنَا صالحُ بنُ حيانَ، قالَ: قالَ عامرٌ الشَّعْبيُّ. حذفوا إحداهُما في الخطِّ. وعلى القارئِ أنْ يلفظَ بهما جميعاً () . وقد سُئِلَ ابنُ الصلاحِ في "فتاويهِ" () عن تركِ القارئِ ((قالَ)) ، فقالَ: هذا خطأٌ من فاعلِهِ، قالَ: والأَظهرُ أَنَّهُ لا يَبْطُلُ السماعُ به؛ لأَنَّ حذفَ القولِ جائزٌ اختصاراً، وَقَدْ () جاءَ بهِ القرآنُ العظيمُ، وكذا قالَ النوويُّ في " التقريبِ والتيسيرِ ": تَرْكُهَا خطأٌ، والظاهرُ صحةُ السماعِ () . وقولي: (كذا قيلَ لهُ) أي: كذا لفظُ ((قيلَ لهُ)) ، فيما إذا كانَ في أَثناء الإسنادِ قُرِئَ على فلانٍ أخبركَ فلانٌ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((فينبغي للقاري أنْ يقولَ فيهِ: قيلَ لهُ أَخبركَ فلانٌ. قالَ: ووقَعَ في بعضِ ذلكَ: قُرِئَ على فلانٍ حَدَّثَنَا فلانٌ. فهذا يذكرُ فيهِ: قالَ)) . انتهى () . وقدْ كانَ بعضُ مَنْ لقيتُهُ من أَئِمَّةِ العربيةِ يُنكِرُ اشتراطَ المحدِّثينَ للتلفِّظِ بـ: قالَ في أَثناءِ السَّنَدِ، وهو العلاَّمةُ شهابُ الدينِ عبدُ اللَّطيفِ بنُ عبدِ العزيزِ ابنِ المرحِّلِ. وما أدري ما وجْهُ إنكارِهِ لذلكَ! لأَنَّ الأَصلَ الفَصْلُ بين كلامَي المتكلمَيْنِ، للتمييزِ بينهُما، وحيثُ لم يُفْصَلْ فهو مُضْمَرٌ، والإضْمَاْرُ خلافُ الأَصلِ.

608.... وَكَتَبُوْا عِنْدَ انْتِقالٍ مِنْ سَنَدْ ... لِغَيْرِهِ (ح) وَانْطِقَنْ بِهَا وَقَدْ 609.... رَأَى الرَّهَاوِيُّ بأَنْ لاَ تُقْرَا ... وَأَنَّهَا مِنْ حَائِلٍ، وَقَدْ رَأَى 610.... بَعْضُ أُوْلِي الْغَرْبِ بِأَنْ يَقُوْلاَ ... مَكَانَهَا: الْحَدِيْثَ قَطْ، وَقِيْلاَ 611.... بَلْ حَاءُ تَحْوِيْلٍ وَقالَ قَدْ كُتِبْ ... مَكَانَهَا: صَحَّ فَحَا مِنْهَا انْتُخِبْ جرتْ عادةُ أهلِ الحديثِ وكَتَبَتِهِ: أنَّهُ إذا كانَ للحديثِ إسنادانِ فأكثرُ، وجمعُوا بينَ الأَسانِيدِ في متنٍ واحدٍ، أَنَّهم إذا انْتَقَلُوا مِنْ سَنَدٍ إلى إسْنَادٍ آخَرَ كتبوا بينهُمَا حاءً مفردةً مهملةً، صورة: ((ح)) . والذي عليهِ عملُ أهلِ الحديثِ أن ينطقَ القارئُ بها كذلك مفردةً. واختارَهَ ابنُ الصلاحِ، وذهبَ الحافظُ أبو محمدٍ عبدُ القادرِ بنُ عبدِ اللهِ الرُّهاويُّ إلى أَنَّ القارئَ لا يتلفظُ بها، وأنّها حاءٌ مِنْ حَاْئِلٍ، أي: تَحُوْلُ بينَ الإسنادينِ، وأنكرَ كونَهَا من قولهِم: ((الحديثَ)) وغيرَ ذلكَ لَمَّا سَأَلَهُ ابنُ الصلاحِ عن ذلكَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وذاكرتُ فيها بعضَ أهلِ العلمِ من أهلِ الغَرْبِ، وحكيتُ له عن بعضِ مَنْ لقيتُ مِنْ أهلِ الحديثِ: أَنَّها حاءٌ مهملةٌ، إشارةً إلى قولِنا: ((الحديث)) ، فقالَ لي: أهلُ المغربِ ما عرفتُ بَيْنَهم اختلافاً يجعلونها حاءً مهملةً، ويقولُ أحدُهم إذا وصلَ إليها: الحديث)) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وحكى لي بعضُ مَنْ جمعتْنِي وإيَّاهُ الرحلةُ بِخُرَاسَانَ عَمَّنْ وصَفَهُ بالفضلِ مِنَ الأصبهانِيِّيْنَ: أَنَّها من التحويلِ، أي: من إسنادٍ إلى إسنادٍ آخرَ)) . وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((وجدْتُ بخطِّ الأُستاذِ الحافظِ أبي عثمانَ الصابونيِّ، والحافظِ أبي مسلمٍ عمرَ بنِ عليٍّ الليثيِّ البخاريِّ، والفقيهِ المحدِّثِ أبي سعيدٍ

كتابة التسميع

الخليليِّ () ، في مكانِها بدلاً عنها ((صَحّ)) صريحةً. قالَ: وهذا يُشْعِرُ بكونِها رمزاً إلى ((صَحّ)) . وَحَسُنَ إثباتُ صحَّ ههنا لِئَلاَّ يُتَوَهَّمَ أَنَّ حديثَ هذا الإسنادِ سَقَطَ، ولِئَلاَّ يُرَكَّبَ الإسنادُ الثاني على () الأوَّلِ فيُجْعَلا إِسناداً واحداً)) () . كِتَاْبَةُ التَّسْمِيْعِ 612.... وَيَكْتُبُ اسْمَ الشَّيْخِ بَعْدَ الْبَسْمَلَهْ ... وَالسَّامِعِيْنَ قَبْلَهَا مُكَمَّلَهْ 613.... مُؤَرِّخَاً أَوْ جَنْبَهَا بِالطُّرَّهْ ... أَوْ آخِرَ الْجُزْءِ وَإِلاَّ ظَهْرَهْ 614.... بِخَطِّ مَوْثُوْقٍ بِخَطٍّ عُرِفَا ... وَلَوْ بِخَطِّهِ لِنَفْسِهِ كَفَى 615.... إِنْ حَضَرَ الْكُلَّ، وَإِلاَّ اسْتَمْلَى ... مِنْ ثِقَةٍ، صَحَّحَ شَيْخٌ أَمْ لاَ قالَ الخطيبُ في كتابِ الجامعِ: ((يكتبُ الطالبُ بعدَ التسميةِ اسمَ الشيخِ الذي سمعَ الكتابَ منهُ، وكنيتَهُ، ونسبَهُ. قالَ: وصورةُ ما ينبغي أَنْ يكتُبَهُ: حَدَّثَنَا أبو فلانٍ فلانُ بنُ فلانِ بنِ فلانٍ الفلانيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا فلانٌ، ويسوقَ ما سمعَهُ مِنَ الشَّيخِ على لفظِهِ)) . قالَ: ((وإذا كَتَبَ الطالبُ الكتابَ المسموعَ فينبغي أَنْ يكتبَ فوقَ سَطْرِ التسميةِ أسماءَ مَنْ سمعَ معهُ، وتاريخَ وقتِ السماعِ. قالَ: وإنْ أَحَبَّ كَتْبَ

ذلكَ في حاشيةِ أَوَّلِ ورقةٍ مِنَ الكتابِ، فكلاهُما قد فَعَلَهُ شُيُوخُنا. قالَ: وإنْ كانَ سماعُهُ للكتابِ في مجالسَ عِدَّةٍ، كتبَ عند انتهاءِ السماعِ في كُلِّ مجلسٍ علامةَ البلاغِ، ويكتبُ في الذي يليهِ التسميعَ والتاريخَ كما حكيتُ في أولِ الكتابِ. فعلى هذا شاهدتُ أُصولَ جماعةٍ من شيوخِنِا مرسومةً)) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ولا بأْسَ بكتبتهِ - أي: التسميعِ - آخِرَ الكتابِ، وفي ظهرِهِ، وحيثُ لا يخفى موضعُهُ)) . وقولي: (مُكَمَّلَهْ) أي: ويَكتبُ أسماءَ السامعينَ قبلَ البَسْمَلةِ مُكَمَّلَةَ الأَنْسابِ، والعددِ، فيكتبُ أسماءَهم وأسماءَ آبائِهِم وأجدادِهِم وأنسابِهِم التي يُعْرَفُونَ بها، ولا يسقطُ أحداً منُهْم. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وعليهِ الحذرُ من إسقاطِ اسمِ أحدٍ منهم لغرضٍ فاسدٍ)) . قالَ: ((وينبغي أَنْ يكونَ التسميعُ بخطِّ موثوقٍ بهِ غيرِ مجهولِ الخطِّ)) . قالَ: ((ولا بأْسَ على صاحبِ الكتابِ إذا كانَ موثوقاً به أَنْ يقتصِرَ على إثباتِ سماعِه بخطِّ نفسِهِ،

فطالما فعلَ الثقاتُ ذلكَ)) () . قالَ: ((فإنْ كانَ مُثبتُ السماعِ غيرَ حاضرٍ في جميعهِ، لكنْ أثبتَهُ معتمداً على إخبارِ مَنْ يثقُ بخبرِهِ من حاضريْهِ، فلا بَأْسَ بذلكَ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى)) () . وقولي: (صَحَّحَ () شيخٌ، أَمْ لا) أي: لا يُشترطُ كتابةُ الشيخِ المُسْمِعِ التصحيحَ على التسميعِ بعد أَنْ يكونَ كاتبُ السماعِ ثقةً. 616.... وَلْيُعِرِ الْمُسْمَى بِهِ إِنْ يَسْتَعِرْ ... وَإِنْ يَكُنْ بِخَطِّ مَالِكٍ سُطِرْ 617.... فَقَدْ رَأَى حَفْصٌ وَإِسْماعِيْلُ ... كَذَا الزُّبَيْرِيْ فَرْضَهَا إِذْ سِيْلُوْا 618.... إِذْ خَطُّهُ عَلَى الرِّضَا بِهِ دَلْ ... كَمَا عَلَى الشَّاهِدِ مَا تَحَمَّلْ 619.... وَلْيَحْذَرِ الْمُعَارُ تَطْوِيْلاً وَأَنْ ... يُثْبِتَ قَبْلَ عَرْضِهِ مَا لَمْ يُبَنْ أي: ومَنْ كانَ اسمُهُ في طبقةِ السَّماعِ فأرادَ أَنْ يستعيرَ الكتابَ من مالكِهِ ليستنسخَهُ، أو ينقلَ سماعَهُ منه، فَلْيُعِرْهُ إيَّاهُ استحباباً، فإنْ كانَ التَّسْميعُ بخطِّ مالكِ الكتابِ، فقد قالَ جماعةٌ من الأَئِمَّةِ بوجوبِ العاريَّةِ، فروى ابنُ خَلاَّدٍ: أَنَّ رجلاً ادَّعى على رجلٍ بالكوفةِ سماعاً منعَهُ إيَّاهُ فتحاكما إلى قاضِيها حفصِ بنِ غياثٍ - وهو من الطبقةِ الأُولى من أصحابِ أبي حنيفةَ - فقالَ لصاحبِ الكتابِ: أَخْرِجْ إلينا كُتُبَكَ، فما

كانَ منْ سماعِ هذا الرجلِ بخطِّ يَدِكَ ألزمناكَ بهِ، وما كانَ بخطِّهِ أعفيناكَ منهُ. قالَ ابنُ خَلاَّدٍ: فسألتُ أبا عبدَ اللهِ الزُّبيريَّ -وهو من أئمةِ أصحابِ الشافعيِّ- عنْ هذا، فقالَ: لا يجيءُ في هذا البابِ حُكْمٌ أحسنُ من هذا؛ لأنَّ خطَّ صاحبِ الكتابِ دالٌّ على رضاهُ باستماعِ صاحبهِ معهُ. قالَ ابنُ خَلاَّدٍ: ((وقالَ غيرُهُ: ليس بشيءٍ)) . وروى الخطيبُ: أنَّهُ تُحُوْكِمَ في ذلكَ إلى إسماعيلَ بنِ إسحاقَ القاضي - وهو إمامُ أصحابِ مالكٍ - فأطرقَ مليَّاً، ثُمَّ قالَ: للمدَّعَى عليهِ: إنْ كانَ سماعُهُ في كتابِكَ بخطِّ يَدِكَ فَيَلْزَمُكَ أنْ تُعيرَهُ، وإنْ كانَ بخطِّ غيرِكَ فأنتَ أَعلمُ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ويرجعُ حاصلُ أقوالهِم إلى أنَّ سماعَ غيرِهِ إذا ثبتَ في كتابِهِ برضاهُ فيلزمُهُ إعارتُهُ إيَّاهُ. قالَ: وقدْ كانَ لا يَبِيْنُ لي وَجْهُهُ، ثُمَّ وَجَّهْتُهُ بأنَّ ذلكَ بمنْزلةِ شهادةٍ لهُ عندَهُ، فيلزَمُهُ أداؤُها بما حَوَتْهُ، وإنْ كانَ فيهِ بذلُ مالِهِ، كما يلزمُ متحمِّلَ الشَّهادةِ أداؤُها، وإنْ كانَ فيهِ

صفة رواية الحديث، وأدائه

بذلُ نفسِهِ بالسَّعيِّ إلى مجلسِ الحكمِ لأَدائِها)) . انتهى. ثُمَّ إذا أعارَهُ فليحذَرِ المعارُ لهُ مِنَ التطويلِ بالعاريَّةِ، والإبطاءِ بهِ عليهِ إلاَّ بقدرِ الحاجةِ، فقدْ روينا عن الزهريِّ أنَّهُ قالَ: أيَّاَكَ وغُلُولَ الكُتُبِ قيلَ: وما غُلُولُ الكُتُبِ؟ قالَ: حَبْسُها عن أصحابِها. وروينا عن الفُضَيْلِ بنِ عياضٍ، قالَ: ليسَ مِنْ فَعَالِ العلماءِ أنْ يأخُذَ سماعَ رجلٍ وكتابهُ فيحبِسَهُ عنهُ)) . انتهى. ثُمَّ إذا نسخَ الكتابَ فلا يُثْبِتُ سماعَهُ عليهِ ولا ينقلُهُ إلاَّ بعدَ العرضِ والمقابلةِ، وكذلكَ لا ينبغي إثباتُ سماعٍ على كتابٍ إلاَّ بعدَ المُقابلةِ، إلاَّ أنْ يُبَيِّنَ في النقلِ والإثباتِ أَنَّ النسخةَ غيرُ مُقابلةٍ. صِفَةُ رِوَايَةِ الْحَدِيْثِ، وَأَدَائِهِ 620.... وَلْيَرْوِ مِنْ كِتَابِهِ وَإِْن عَرِي ... مِنْ حِفْظِهِ فَجَائِزٌ لِلأَكْثَرِ 621.... وَعَنْ أبي حَنِيْفَةَ الْمَنْعُ كَذَا ... عَنْ مَالِكٍ وَالصَّيْدَلاَنِيْ وَإِذَا 622.... رَأَى سَمَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فَعَنْ ... نُعْمَانٍ الْمَنْعُ وَقالَ ابْنُ الْحَسَنْ 623.... مَعَ أَبِي يُوْسُفَ ثُمَّ الشَّافِعِيْ ... وَالأَكْثَرِيْنَ بِالْجَوَازِ الْوَاسِعِ اختلفوا في الاحتجاجِ بمَنْ لا يحفَظُ حديثَهُ، وإنَّمَا يحدِّثُ مِنْ كتابهِ مُعتمداً عليهِ. فذهبَ الجمهورُ إلى جوازِ الروايةِ لذلكَ، وثبوتِ الحجَّةِ بهِ إذا كانَ قدْ ضَبَطَ سماعَهُ، وقابلَ كتابَهُ على الوجهِ الذي سَبَقَ ذكرُهُ في المقابلةِ. ورُوِيَ عَنْ أبي حنيفةَ

ومالكٍ: أنَّهُ لا حجَّةَ إلاَّ فيما رواهُ الراوي من حفظِهِ وتذكُّرِه، وإليهِ ذهبَ أبو بكرٍ الصَّيْدلانيُّ المروزيُّ مِنَ الشَّافِعيةِ. والصوابُ كما قالَ ابنُ الصلاحِ: الأولُ. وإذا وجدَ سماعَهُ في كتابهِ وهو غيرُ ذاكرٍ لهُ فحُكِيَ عن أبي حنيفةَ أنَّهُ لا يُجَوِّزُ لهُ روايتَهُ. وإليهِ ذهبَ بعضُ أصحابِ الشافعيِّ، وخالفَ أبا حنيفةَ في ذلكَ صاحباهُ: محمدُ ابنُ الحسنِ، والقاضي أبو يوسفَ، فذهبا إلى الجوازِ. وإليهِ ذهبَ الشافعيُّ وأكثرُ أصحابهِ، وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((ينبغي أنْ يُبْنَى على الخلافِ في جوازِ اعتمادِ الراوي على كتابهِ في ضَبْطِ ما سمعَه، فإنَّ ضبْطَ أصلِ السَّماعِ كأَصلِ المسموعِ، فكما كانَ الصحيحُ وما عليهِ أكثرُ أهلِ الحديثِ تجويزَ الاعتمادِ على الكتابِ المصونِ في ضبطِ المسموعِ حتى يجوزَ لهُ أنْ يرويَ ما فيهِ، وإنْ كانَ لا يذكرُ أحاديثَهُ حديثاً حديثاً، كذلكَ ليكنْ هذا إذا وُجِدَ شرْطُهُ وهو أنْ يكونَ السماعُ بخطِّهِ أو بخطِّ مَنْ يثقُ بهِ، والكتابُ مصونٌ. قالَ: وهذا إذا سكنَتْ نفسُهُ إلى صحتِهِ فإنْ شكَّ فيهِ لم يَجُزِ الاعتمادُ عليهِ))

624.... وَإِنْ يَغِبْ وَغَلَبَتْ سَلاَمَتُهْ ... جَازَتْ () لَدَى جُمْهُوْرِهِم رِوَايَتُهْ 625.... كَذَلِكَ الضَّرِيْرُ وَالأُمِّيُّ ... لاَ يَحْفَظَانِ يَضْبُطُ الْمَرْضِيُّ 626.... مَا سَمِعَا وَالْخُلْفُ فِي الضَّرِيْرِ ... أَقْوَى، وَأَوْلَى مِنْهُ فِي الْبَصِيْرِ إذا كانَ اعتمادُ الراوي على كتابِهِ دونَ حفظِهِ، وغابَ عنه الكتابُ بإعارةٍ، أو ضياعٍ، أو سرقةٍ، ونحوِ ذلكَ؛ فذهبَ بعضُ أهلِ التشديدِ في الروايةِ إلى أنَّهُ لا يجوزُ الروايةُ منهُ لغيبتِهِ عنهُ، وجوازِ التغييرِ فيهِ () . والصوابُ الذي عليهِ الجمهورُ أنَّهُ إذا كانَ الغالبُ على الظنِّ مِنْ أَمرِهِ سلامَتَهُ من التغييرِ والتبديلِ جازتْ لهُ الروايةُ منهُ، لا سِيَّمَا إذا كانَ ممَّنْ لا يخفى عليهِ في الغالبِ إذا غُيَّرَ ذلكَ، أو شيءٌ منهُ، لأنَّ بابَ الروايةِ مبنيٌ على غَلَبةِ الظنِّ () . وقولي: (كَذَلِكَ () الضَّرِيْرُ والأُمِّيُّ) أي: كذلكَ يجري الخلافُ في الضريرِ والأُمِّيِّ اللَّذَينِ لا يحفظانِ حديثهَ ما. فإذا ضَبَطَ سماعَ هُمَا ثقةٌ، وحفظَا كتابيهِ ما عن التغييرِ بحيثُ يغلِبُ على الظنِّ سلامتُهُ؛ صحتْ روايتُهما. قالَ الخطيبُ: والسماعُ من البصيرِ الأَمِّيِّ والضريرِ اللذينِ لَمْ يحفظا () من المحدِّثِ ما سمعاهُ منهُ، لكنَّهُ كُتِبَ لهما، بمثابةٍ واحدةٍ؛ قدْ منعَ منهُ غيرُ واحدٍ من العلماءِ، ورخصَ فيهِ بعضُهم () . وقالَ ابنُ الصلاحِ في الضَّريرِ الذي لَمْ () يحفظْ حديثَهُ مِن فَمِ مَنْ حَدّثَهُ واستعانَ بالمأمونينَ في ضَبْطِ سماعِهِ وحِفْظِ كتابِهِ ثُمَّ عندَ روايتِهِ في القراءةِ منهُ عليهِ، واحتاطَ في ذلكَ على حَسبِ حالِهِ بحيثُ يحصلُ معهُ الظنُّ بالسلامةِ مِنَ التغييرِ صَحَّتْ روايتُهُ. غيرَ أنّهُ أَولى بالخلافِ من مثلِ ذلكَ في البصيرِ () .

الرواية من الأصل

الرِّوَاْيَةُ مِنَ الأَصْلِ 627.... وَلْيَرْوِ مِنْ أَصْلٍ أَوِ الْمُقَابَلِ ... بِهِ وَلاَ يَجُوْزُ بِالتَّسَاهُلِ 628.... مِمَّا بِهِ اسْمُ شَيْخِهِ أَوْ أُخِذَا ... عَنْهُ لَدَى الْجُمْهُوْرِ وَأَجَازَ ذَا 629.... أَيُّوْبُ وَالبُرْسَانِ () قَدْ أَجَازَهْ ... وَرَخَّصَ الشَّيْخُ مَعَ الإِجَازَهْ إذا أرادَ الراوي أن يُحدِّثَ ببعضِ مسموعاتِهِ فليرْوِهِ مِنْ أَصلِهِ الذي سمعَ منهُ، أو مِنْ نسخةٍ مقابلةٍ على أَصْلِهِ بمقابلةِ ثقةٍ، وهلْ لهُ أنْ يُحَدِّثَ مِنْ أَصلِ شيخِهِ الذي لم يسمعْ فيهِ هو، أو مِن نسخةٍ كُتبتْ عنْ شيخِهِ تسكنُ نفسُهُ إلى صحَّتِها؟ فذكرَ الخطيبُ () : أنَّ عامَّةَ أصحابِ الحديثِ مَنَعُوا من روايتِهِ من ذلكَ، وجاءَ عن أيَّوبَ ومحمَّدِ بنِ بكرٍ الْبُرْسَانيِّ، الترخيصُ فيهِ. وحُكِيَ عن أبي نَصْرِ بنِ الصَّبَّاغِ: أنَّهُ قطعَ بأنَّهُ لا يجوزُ أنْ يرويَ من نسخةٍ سمعَ منها على شيخِهِ، وليسَ فيها سماعُهُ، ولا قُوبِلْتَ بنسخةِ سماعِهِ؛ وذلكَ لأنَّهُ قد يكونُ فيها زوائدُ ليستْ في نسخةِ سماعِهِ. وقولي: (ورَخَّصَ الشَّيْخُ) أي: ابنُ الصلاحِ، فقالَ: ((اللَّهُمَّ إلاَّ أنْ تكونَ لهُ إجازةٌ عَنْ شيخهِ عامَّةٌ لمروياتِهِ، أو نحوِ ذلكَ، فيجوزُ لهُ حينئذٍ الروايةُ منها إذ ليسَ فيه أَكْثَرُ من روايةِ تلك الزياداتِ بالإجازةِ بلفظ: أخبرنا أو حَدَّثَنَا، من غيرِ بيانٍ للإجازَةِ فيها. والأمرُ في ذلكَ قريبٌ يقعُ مثلُه في محلِّ التَّسَامحِ)) . قالَ: ((فإنْ كانَ الذي في النُّسْخَةِ سماعَ شيخِ شيخِهِ، أو هي مسموعةٌ على شيخِ شيخِهِ، أو مرويةٌ عن شيخِ

الرواية بالمعنى

شيخِهِ، فينبغي له حينئذٍ في روايتِهِ منها أَنْ تكونَ له إجازةٌ شاملةٌ من شيخِهِ، ولشيخِهِ إجازةٌ شاملةٌ من شيخِهِ. قالَ: وهذا تيسيرٌ حَسَنٌ، هدانا اللهُ لهُ)) () . 630.... وَإِنْ يُخَالِفْ حِفْظُهُ كِتَابَهْ ... وَلَيْسَ مِنْهُ فَرَأَوْا صَوَابَهْ: 631.... الْحِفْظَ مَعْ تَيَقُّنٍ وَالأَحْسَنُ ... الجَمْعُ كَالْخِلاَفِ مِمَّنْ يُتْقِنُ إذا وجدَ الحافظُ للحديثِ في كتابهِ خلافَ ما يحفظُهُ، فإنْ كانَ إنَّمَا حَفِظَ من كتابهِ فليرجعْ إلى كتابِهِ. وهذا معنى قولي: (وَلَيْسَ مِنْهُ) أي: وليسَ حفظُهُ من كتابهِ. وإنْ كان حفظَهُ مِنْ فَمِ المحُدِّثِ، أو مِنَ القراءةِ على المحدِّثِ وهو غيرُ شاكٍّ في حفظِهِ فليعتمِدْ حفظَهُ، والأحسنُ أنْ يجمعَ بينهما، فيقول: حفظي كذا، وفي كتابي كذا. فهكذا فعلَ شعبةُ وغيرُ واحدٍ من الحفَّاظِ. وقولي: (كالخلافِ مِمَّنْ يُتقنُ) أي: كمسألةِ ما إذا حَفِظَ شيئاً وخالفَهُ فيهِ بعضُ الحفَّاظِ المتقنينَ فإنَّهُ يحسنُ فيه أيضاً بيانُ الأمرينِ، فيقولُ: حفظِي كذا وكذا، وقالَ فيهِ فلانٌ: كذا وكذا، ونحوُ ذلكَ. وقدَ فعلَ ذلكَ سفيانُ الثوريُّ وغيرُهُ. الرِّوَاْيَةُ بِالْمَعْنَى 632 ... وَلْيَرْوِ بِالأَلْفَاظِ مَنْ لاَ يَعْلَمُ ... مَدْلُوْلَهَا وَغَيْرُهُ فَالْمُعْظَمُ 633.... أَجَازَ بِالْمَعْنَى وَقِيْلَ: لاَ الْخَبَرْ ... وَالشَّيْخُ فِي التَّصْنِيْفِ قَطْعَاً قَدْ حَظَرْ 634 ... وَلْيَقُلِ الرَّاوِي: بِمَعْنَىً، أَوْ كَمَا ... قالَ وَنَحْوُهُ كَشَكٍّ أُبْهِمَا لا يجوزُ لمنْ لا يعلمُ مدلولَ الألفاظِ ومقاصدَها، وما يحيلُ معانيها أنْ يرويَ ما سمعَهُ بالمعنى دونَ اللفظِ بلا خلافٍ. بلْ يَتَقَيَّدُ بلفظِ الشيخِ، فإنْ كانَ عالماً بذلكَ جازتْ لهُ

الروايةُ بالمعنى عندَ أكثرِ أهلِ الحديثِ والفقهِ والأصولِ. ومنعَ بعضُ أهل الحديثِ والفقهِ مطلقاً () . وقولي: (وغيرُهُ) ، ليستْ الواوُ للعطفِ، بل للأستئنافِ، أي: وأَمَّا غيرُهُ وهو الذي يعلمُ مدلولَ الألفاظِ. وقولي: (وقيل: لا الخبرَ) أي: وقيلَ: لا تجوزُ الروايةُ بالمعنى () في الخبرِ، وهو حديثُ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويجوزُ في غيرِهِ () ، والقولُ الأولُ هو الصحيحُ. وقد روينا عن غيرِ واحدٍ من الصحابةِ التصريحَ بذلكَ، ويدلُّ على ذلكَ روايتُهم للقصَّةِ الواحدةِ بألفاظٍ مختلفةٍ. وقد وردَ في المسألةِ حديثٌ مرفوعٌ رواهُ ابنُ مَنْدَه في " معرفة () الصحابةِ " () ، من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ سُليمانَ ابنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ () ، قالَ: قلتُ يا رسولَ اللهِ: إنِّي أسمعُ منكَ الحديثَ لا أستطيعُ أنْ أُؤَدِّيَهُ كما أسمعُ منكَ، يزيدُ حرفاً، أو ينقصُ حرفاً، فقالَ: إِذْ لم تُحِلُّوْا حَرَاماً، ولم تُحَرِّمُوا حَلاَلاً، وأَصبتُمُ المعنى، فلا بأسَ.

فَذُكِرَ ذلكَ للحَسَنِ، فقالَ: لولا هذا ما حَدَّثَنَا. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ثُمَّ إِنَّ هذا الخلافَ لا نراهُ جارياً ولا أَجراهُ الناسُ فيما نعلمُ فيما تضَمَّنتْهُ بطونُ الكتبِ، فليسَ لأَحدٍ أنْ يغيِّرَ لفظَ شيءٍ من كتابٍ مصنَّفٍ ويُثْبِتَ بدلَهُ فيه لفظاً آخرَ بمعناهُ. فإِنّ الروايةَ بالمعنى رخصَ فيها مَنْ رخصَ، لما كانَ عليهِم في ضبطِ الألفاظِ والجمودِ عليها من الْحَرَجِ والنَّصَبِ، وذلكَ غيرُ موجودٍ فيما اشتملَتْ عليهِ بطونُ الأوراقِ والكتبِ، ولأنَّهُ إنْ ملكَ تغييرَ اللفظِ، فليسَ يملكُ تغييرَ تصنيفِ غيرِه، واللهُ أعلمُ)) () . وقدْ تَعَقَّبَ كلامَهُ ابنُ دقيقِ العيدِ، فقالَ: إنَّهُ كلامٌ فيهِ ضَعْفٌ () ، قالَ: ((وأَقلُّ ما فيهِ أَنَّهُ يقتضِي تجويزَ هذا فيما يُنْقَلُ مِنَ المصنَّفَاتِ إلى أجزائِنِا وتخاريجِنِا، فإنَّهُ ليسَ فيهِ تغييرُ التصنيفِ () المتقدِّمِ. قالَ: وليسَ هذا جارياً على الاصطلاحِ، فإنَّ الاصطلاحَ على أنْ لا تُغَيَّرَ الألفاظُ بعدَ الانتهاءِ إلى الكتبِ المصنفةِ سواءٌ رَويناها فيها أو نَقَلْناها منها)) () ، (قلتُ: لا نسلِّمُ أَنَّهُ يقتضي جوازَ التغييرِ فيما نقلناهُ إلى تخاريجِنا، بلْ لا يجوزُ نقلُهُ عن ذلكَ الكتابِ، إلاَّ بلفظِهِ دونَ معناهُ، سواءٌ في تصانيفِنا، أو غيرِها، واللهُ أعلمُ) () . وقولي: (حَظَرْ) أي: مَنَعَ من قولهِ تَعَالَى: {وَمَاْ كَاْنَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوْرَاً} () ، أي: ممنوعاً. وينبغي لمَنْ روى بالمعنى أنْ يقولَ، أو كما قالَ، أو نحوَ هذا، وما أَشبَه ذلكَ. فقد وردَ ذلكَ عن ابنِ مسعودٍ، وأبي

الاقتصار على بعض الحديث

الدرداءِ، وأنسٍ، وَهُمْ مِنْ أعلَمِ الناسِ بمعاني الكلامِ. وقولي: (كَشَكٍّ أُبْهِمَا) أي: كمسألةِ ما إذا شكَّ القارئُ أو الشيخُ في لفظةٍ أو أكثرَ فقرأَها على الشكِّ، فإنَّهُ يحسنُ أنْ يقولَ: أو كما قالَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهو الصوابُ في مثلِهِ؛ لأنَّ قولَهُ: أو كَمَا قالَ، يتضمنُ إجازةً من الرَّاوِي وإذناً في روايةِ صوابِها عنهُ، إذا بانَ. ثُمَّ لا يُشترطُ إفرادُ ذلكَ بلفظةِ الإجازةِ لِمَا بَيَّنَّاهُ قريباً)) . الاقْتِصَاْرُ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيْثِ 635.... وَحَذْفَ بَعْضِ الْمَتْنِ فَامْنعَ او أَجِزْ ... أَوْ إِنْ أُتِمَّ أَوْ لِعَالِمٍ وَمِزْ 636.... ذَا بِالصَّحِيْحِ إِنْ يَكُنْ مَا اخْتَصَرَهْ ... مُنْفَصِلاً عَنِ الَّذِي قَدْ ذَكَرَهْ 637.... وَمَا لِذِي تُهْمَةٍ أَنْ يَفْعَلَهْ ... فَإِنْ أَبَى فَجَازَ أَنْ لاَ يُكْمِلَهْ 638.... أَمَّا إِذَا قُطِّعَ فِي الأبوابِ ... فَهْوَ إلى الْجَوَازِ ذُو اقْتِرَابِ اختلفَ العلماءُ في جوازِ الاقتصارِ على بعضِ الحديثِ، وحذفِ بعضِهِ، على أقوالٍ: أحدُها: المنعُ مطلقاً. والثاني: الجوازُ مطلقاً.

وَيَنْبَغِي تَقْييدُ الإطلاقِ بما إذا لم يكنِ المحذوفُ مُتعلِّقاً بالمأتيِّ بِهِ تَعَلُّقاً يُخِلُّ بالمعنى حَذْفُهُ، كالاستثناءِ، والحالِ، ونحوِ ذلكَ، كما سيأتي في القولِ الرابعِ. فإنْ كانَ كذلكَ لم يَجُزْ بلا خلافٍ، وبهِ جزمَ أبو بكرٍ الصَّيْرَفيُّ () وغيرُهُ، وهو واضحٌ. والثالثُ: أَنَّهُ إِنْ لم يكنْ رواهُ على التمامِ مَرَّةً أخرى هو أو غيرُهُ، لم يَجُزْ. وإنْ كانَ رواهُ على التمَامِ مَرَّةً أُخرى هو أو غيرُه جازَ () . وإليهِ الإشارةُ بقولي: (أو إنْ أُتِمَّ) أي: أو أجِزْهُ إِنْ أَتَمَّ مرَّةً ما، منهُ أو من غيرِهِ. والقولُ الرابعُ: وهو الصحيحُ كما قالَ ابنُ الصلاحِ: ((إنَّهُ يجوزُ ذلكَ مِنَ العالمِ العارفِ إذا كانَ ما تركَهُ متمَيّزاً عمَّا نَقَلَهُ، غيرَ متعلِّقٍ بهِ، بحيثُ لا يختلُّ البيانُ، ولا تختلفُ الدلالةُ، فيما نَقَلَهُ بتركِ ما تَرَكَهُ. قالَ: فهذا ينبغي أنْ يُجَوَّزَ، وإنْ لم يَجُزِ النقلُ بالمعنى () ؛ لأنَّ ذلكَ بمنْزلةِ خبرينِ منفصلينِ)) () . وإلى تصحيحِ هَذَا القولِ الإشارةُ بقولي: (وَمِزْ ذا بالصَّحِيحِ) . وليسَ للمُتَّهمِ أنْ يحذفَ بعضَ الحديثِ، كما ذكرَ الخطيبُ () أنَّ مَنْ روى حديثاً على التَّمامِ، وخافَ إِنْ رواهُ مرَّةً أُخرى على النقصانِ أَنْ يُتَّهَمَ بأَنَّهُ زادَ في أَولِ مرَّةٍ ما لَمْ يكنْ سَمِعَهُ أو أَنَّهُ نسيَ في الثاني باقي الحديثِ؛ لقلَّةِ ضَبْطِهِ، وكثرةِ غَلَطِهِ، فواجبٌ عليهِ أَنْ ينفي هذهِ الظِنَّةَ عنْ نفسِهِ. وقالَ سُلَيمٌ الرَّازيُّ: ((مَنْ رَوَى بعضَ الخبرِ، ثُمَّ أرادَ أنْ ينقلَ تمامَهُ، وَكَانَ ممَّنْ يُتَّهَمُ بأنَّهُ زادَ في حديثِه ِ؛ كانَ ذلكَ عُذْرَاً لهُ في تركِ الزيادةِ، وكتمانِها)) () . وإليهِ الإشارةُ بقولي: (فإنْ أبى) أي: فإنْ خَالَفَ،

التسميع بقراءة اللحان، والمصحف

ورواهُ () ناقصاً مرَّةً، فجازَ أنْ لا يكمِلَهُ بعدَ ذلكَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((مَنْ كانَ هذا حالُهُ، فليسَ لهُ منَ الابْتِدَاءِ، أنْ يرويَ الحديثَ غيرَ تامٍّ، إذا كانَ قدْ تعيَّنَ عليهِ أَدَاءُ تمامِهِ؛ لأنَّهُ إذا رواهُ أوَّلاً ناقصاً، أخرجَ باقِيَهُ عن حَيِّزِ الاحتجاجِ بهِ، ودارَ بينَ أنْ لا يرويَهُ () أصلاً فيضيِّعَهُ رأساً، وبينَ أنْ يرويَهُ متَّهماً فيهِ، فيضيِّعَ ثمرتَهُ؛ لسقوطِ الحجَّةِ فيهِ)) () . وأَمَّا تقطيعُ المصنِّفِ للحديثِ الواحدِ، وتفريقُهُ في الأبوابِ بِحَسَبِ الاحتجاجِ بهِ عَلَى مسألةٍ مسألةٍ، فَهُوَ إِلَى الجوازِ أقربُ، وَقَدْ فعلَهُ الأَئِمَّةُ: مالكٌ وأحمدُ والبخاريُّ وأبو داودَ والنسائيُّ وغيُرهُم من الأَئِمَّةِ () . وحَكَى الخَلاّلُ عن أحمدَ: أَنَّهُ ينبغي أَنْ لا يُفْعلَ () . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ولا يَخْلُو مِنْ كَرَاهِيَةٍ)) () . التَّسْمِيْعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّاْنِ، وَالْمُصَحِّفِ 639.... وَلْيَحْذَرِ اللَّحَّانَ وَالْمُصَحِّفَا ... عَلَى حَدِيْثِهِ بِأَنْ يُحَرِّفَا 640.... فَيَدْخُلاَ فِي قَوْلِهِ: مَنْ كَذَبَا ... فَحَقٌّ النَّحْوُ عَلَى مَنْ طَلَبَا 641.... وَالأَخْذُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لاَ الْكُتُبِ ... أَدْفَعُ لِلتَّصْحِيْفِ فَاسْمَعْ وَادْأَبِ أي () : وليحذرِ الشَّيْخُ أنْ يرويَ حديثَهُ بقراءةِ لَحَّانٍ أو مُصَحِّفٍ فقد روينا عنْ الأصمعيِّ قالَ إنَّ أخوفَ ما أخافُ على طالبِ العلمِ إذا لم يعرفِ النَّحْوَ أنْ يدخلَ في جملةِ قولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ كَذَبَ عليَّ فليتبوَّأْ مقعَدَهُ مِنَ النَّارِ () ، لأنَّهُ لم يكن يَلْحَنُ،

فمَهْمَا رويتَ عنهُ ولحنتَ فيه كذبتَ عليهِ () وقد روينا نحوَ () هذا عن حمَّادِ بنِ سلمةَ أنَّهُ قالَ لإِنْسَاْنٍ: إنْ لحنتَ في حَدِيْثِي فقدْ كذبتَ عليَّ، فإنِّي لا أَلْحَنُ () وقدْ كانَ حمَّادٌ إمَامَاً في ذلكَ وقدْ روينا () أنَّ سيبويهِ شكاهُ إلى الخليلِ بنِ أحمدَ، قالَ سألتُهُ عن حديثِ هِشامِ بنِ عُرْوةَ عن أبيهِ في رجلٍ رَعُفَ () ، فانتهرني، وقالَ لي () : أخطأتَ، إنَّمَا هو رَعَفَ، أي بفتحِ العينِ -، فقالَ لهُ الخليلُ: صدقَ، أَتَلْقَى بهذا الكلامِ أبا أسامةَ قالَ ابنُ الصلاحِ: فحقَّ على طالبِ الحديثِ أنْ يتعلمَ مِنَ النَّحْوِ واللُّغَةِ ما يتخلَّصُ بهِ عن () شَيْنِ اللَّحْنِ، والتحريفِ، ومَعَرَّتِهمَا () وروى الخطيبُ عن شعبةَ قالَ مَنْ طَلَبَ الحديثَ ولم يُبْصِرِ العربيةَ كمثل رَجُلٍ عليه بُرْنُسٌ، وليسَ لهُ رأسٌ () وروى الخطيبُ أيضاً عن حمَّادِ بنِ سلمةَ، قالَ مَثَلُ الذي يطلبُ الحديثَ ولا يعرفُ النحوَ، مَثَلُ الحمَارِ عليهِ مِخْلاَةٌ لا شعيرَ فيها () فبتعلُّمِ النَّحْوِ يسلمُ من اللَّحنِ وأما السلامةُ من التصحيفِ فسبيلُها الأَخْذُ من أفواهِ أهلِ العلمِ، والضبطِ عنهم، لا من بُطُونِ الكُتُبِ، فقلَّمَا سَلِمَ من التصحيفِ مَنْ أخذَ العلمَ مِنَ الصُّحُفِ من غيرِ تدريبِ المشايخِ

إصلاح اللحن، والخطأ

إِصْلاَحُ اللَّحْنِ، وَالْخَطَأِ 642.... وَإِنْ أَتَى فِي الأَصْلِ لَحْنٌ أَوْ خَطَا ... فَقِيْلَ: يُرْوَى كَيْفَ جَاءَ غَلَطَا 643.... وَمَذْهَبُ الْمُحَصِّلِيْنَ يُصْلَحُ ... وَيُقْرَأُ الصَّوَابُ وَهْوَ الأَرْجَحُ 644.... فِي اللَّحْنِ لاَ يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ ... وَصَوَّبُوْا الإِبْقَاءَ مَعْ تَضْبِيْبِهِ 645.... وَيُذْكَرُ الصَّوَابُ جَانِبَاً كَذَا ... عَنْ أَكْثَرِ الشُّيُوْخِ نَقْلاً أُخِذَا 646.... وَالْبَدْءُ بِالصَّوَابِ أَوْلَى وَأَسَدْ ... وَأَصْلَحُ الإِصْلاَحِ مِنْ مَتْنٍ وَرَدْ إذا وقعَ في الأصلِ لحنٌ أو تحريفٌ، فقيلَ: يُرْوَى على الخطإِ، كما وقعَ. حُكِيَ ذلكَ عن ابنِ سيرينَ وعبدِ اللهِ بنِ سَخْبَرَةَ. وقيلَ: يُصلحُ ويُقرأُ على الصوابِ، وإليهِ ذهبَ الأوزاعيُّ وابنُ المباركِ والْمُحَصِّلُوْنَ مِنَ العلماءِ والمحدِّثينَ، لا سِيَّما في اللَّحْنِ الذي لا يختلفُ المعنى بهِ. وإصلاحُ مثلِ ذلكَ لازمٌ على تجويزِ الروايةِ بالمعنى، وهوَ قولُ الأكثرينَ، وقد ذكرَ ابنُ أبي خيثمةَ في كتابِ " الإِعرابِ " لهُ: أَنَّهُ سُئِلَ الشعبيُّ والقاسمُ بنُ محمدٍ وعطاءٌ ومحمدُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِ: الرجلُ يحدِّثُ بالحديثِ فيلحَنُ أَأُحَدِّثُ كَمَا سمعتُ؟ أو أعْرِبُهُ؟ فقالَوا: لا، بل اعْرِبْهُ. واختارَ الشيخُ عزُّ الدينِ بنُ عبدِ السَّلاَمِ في هذه المسألةِ تَرْكَ الخطأِ والصوابِ أيضاً، حكاهُ عنه ابنُ دقيقِ العيدِ في

" الاقتراحِ "، فقالَ: سمعتُ أبا محمدِ بنَ عبدِ السَّلامِ، وكانَ أحدَ سلاطينِ العلماءِ، كانَ يَرى في هذه المسألةِ ما لَمْ أرَهُ لأحدٍ، أنَّ هذا اللفظَ المحتملَ لا يُرْوَى على الصوابِ ولا على الخطأِ. أما على الصوابِ، فإِنّهُ لَمْ يسمعْ مِنَ الشَّيْخِ كذلكَ، وأمَّا عَلَى الخطأِ فلأَنَّ سَيدَنا رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقلْهُ كذلكَ، وهذا معنى ما قالَهُ أو قريبٌ منهُ. وقولي: (في اللَّحْنِ) ، هو متعلقٌ بقولي: (وَهْوَ الأَرْجَحُ) أي: الأرجحُ في هذهِ الصورةِ لا مطلقاً. قالَ ابنُ الصلاحِ: وأمَّا إصلاحُ ذلكَ وتغييرهُ في كتابهِ وأَصلهِ، فالصوابُ تَرْكُهُ، وتقريرُ ما وقعَ في الأَصلِ على ما هوَ عليهِ معَ التَّضْبِيْبِ عليهِ، وبيانِ الصَّوَابِ خَارِجَاً في الحاشِيَةِ. وحكاهُ القاضي عياضٌ عن عملِ أكثرِ الأَشياخِ.

قالَ أبو الحسينِ بنُ فارسٍ: وهذا أحسنُ ما سمعتُ في هذا البابِ. ثُمَّ إذا قرأَ الرَّاوي، أوِ القارئُ عليهِ شيئاً من ذلكَ، فإنْ شاءَ قَدَّمَ ما وقعَ في الأَصلِ، والروايةِ ثُمَّ يُبَيِّنُالصَّوابَ. وإنْ شَاءَ قَدَّمَ مَا هُوَ الصَّوابُ ثُمَّ قالَ: وقعَ في الروايةِ كذا وكذا. وهذا أَوْلَى مِنَ الأَوَّل كَيْلاَيقولَ على رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لَمْ يَقُلْ. قالَهُ ابنُ الصلاحِ قالَ: ((وأَصلحُ ما يعتمدُ عليهِ في الإصلاحِ أنْ يكونَ ما يصلحُ بهِ الفاسدُ قدْ وردَ في أحاديثَ أُخَرَ، فإنَّ ذاكِرَهُ آمنٌ مَنْ أنْ يكونَ متقوِّلاً على رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم يَقُلْ)) . 647.... وَلْيَأْتِ فِي الأَصْلِ بِمَا لاَ يَكْثُرُ ... كَابْنٍ وَحَرْفٍ حَيْثُ لاَ يُغَيِّرُ 648.... وَالسَّقْطُ يُدْرَى أَنَّ مِنْ فَوْقُ أَتَى ... بِهِ يُزَادُ بَعْدَ يَعْنِي مُثْبَتَا إذا كانَ الساقطُ من الأَصلِ شيئاً يسيراً يُعْلَمُ أنَّهُ سقطَ في الكتابةِ، وهو معروفٌ كلفظِ: ابنِ في النسبِ، وكحرفٍ لا يختلفُ المعنى بهِ، فلا بَأْسَ بإلحاقِهِ في الأصلِ من غيرِ تنبيهٍ على سقوطِهِ. وقد سألَ أبو داودَ أحمدَ بنَ حنبلٍ فقالَ: وجدْتُ في كتابي: ((حَجَّاجٌ عن جُرَيْجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ)) ، يجوزُ لي أنْ أُصلحَهُ: ((ابنُ جريجٍ؟)) فقالَ: أرجو أنْ يكونَ هَذَا لا بأسَ بهِ. وقيلَ لمالكٍ: أرأيتَ حديثَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُزادُ فيهِ الواوُ والألفُ، والمعنى واحدٌ؟ فقالَ: أرجو أنْ يكونَ خفيفاً. انتهى. وإذا كانَ الساقطُ يُعلمُ أنَّهُ

سقطَ من بعضِ مَنْ تأخَّرَ من رواةِ الحديثِ، وأنَّ مَنْ فوقَهُ من الرواةِ أَتى بهِ، فإنَّهُ يُزادُ في الأصلِ، ويُؤتَى قبلَهُ بلفظِ: يعني، كما فعلَ الخطيبُ إذ روى عن أبي عُمَرَ ابنِ مهديٍّ عن المحامليِّ بسنِدهِ إلى عُرْوَةَ عن عَمْرَة - يعني - عن عائشةَ قالَتْ: كانَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْنِي إليَّ رأسَهُ فأُرَجِّلُهُ. قالَ الخطيبُ: كانَ في أصلِ ابنِ مهديٍّ ((عن عَمْرَةَ، قالَتْ: كانَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْنِي إِليَّ رأسَهُ)) . فأَلْحَقْنَا فيهِ ذكرَ (عائشةَ) ، إذ لم يكنْ منهُ بُدٌّ. وعَلِمْنا أنَّ المحامليَّ كذلكَ رواهُ، وإنَّما سقطَ مِنْ كتابِ شيخِنا، وقلنا فيهِ: ((يعني عن عائشةَ)) ؛ لأنَّ ابنَ مهديٍّ لم يقلْ لنا ذلكَ. قالَ: وهكذا رأيتُ غيرَ واحدٍ من شيوخِنا يفعلُ في مثلِ هذا، ثُمَّ روى عن وكيعٍ قالَ: ((أنا استعينُ في الحديثِ بـ: يعني)) . 649.... وَصَحَّحُوْا اسْتِدْرَاكَ مَا دَرَسَ في ... كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِهِ إِنْ يَعْرِفِ 650.... صِحَّتَهُ مِنْ بَعْضِ مَتْنٍ أَوْ سَنَدْ ... كَمَا إذَا ثَبَّتَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ 651.... وَحَسَّنُوا الْبَيَانَ كَالْمُسْتَشْكِلِ ... كَلِمَةً فِي أَصْلِهِ فَلْيَسْألِ إذا دُرِسَ من كتابهِ بعضُ المتنِ، أو الإسنادِ بتقطيعٍ، أو بللٍ، أو نحوِ ذلكَ فإنَّهُ يجوزُ له استدراكُهُ من كتابِ غيرِهِ، إذا عرفَ صحتَهُ، ووَثِقَ بصاحبِ الكتابِ، بأنْ يكونَ قد أَخَذَهُ عن شيخِهِ، وهو ثقةٌ، أو نحوَ ذلكَ على الصحيحِ وممَّنْ فعلَ ذلكَ نُعَيمُ بنُ حَمَّادٍ وذهبَ بعضُ المحدِّثينَ إلى المنعِ مِنْ

ذلكَ قالَ الخطيبُ: ولو بَيَّنَ ذلكَ كانَ أولى وهكذا الحكمُ فيما إذا شكَّ المحدِّثُ في شيءٍ فاستثْبَتَهُ مِنْ ثقةٍ غيرِهِ من حفظِهِ، أو كتابهِ، كما رُوِيَ ذلكَ عن أبي عوانةَ وأحمدَ بنِ حنبلٍ، وغيرِهما ويحسُنُ أنْ يُبَيِّنَ مَنْ ثَبَّتَهُ كما فعلَ يزيدُ بنُ هارونَ، وغيرُهُ، وقدْ روينا في " مسندِ أحمدَ "، قالَ حَدَّثَنَا يزيدُ بنُ هارونَ، قالَ أخبرنا عاصمٌ بالكوفةِ، فلَمْ اكتبْهُ فسمعْتُ شعبةَ يُحَدِّثُ بهِ، فعرفتُهُ بهِ عن عاصمٍ، عن عبدِ الله بنِ سَرْجِسَ: أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ إذا سافرَ قالَ اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ مِنْ وَعْثَاءِ السفرِ، ... الحديثَ وفي غيرِ المُسْنَدِ عن يزيدَ، قالَ أخبرنا عاصمٌ وثَبَّتَنِي شُعبةُ، فإنْ بَيَّنَ أَصلَ التثبيتِ، ولم يُبَيِّنْ مَنْ ثبَّتَهُ، فلا بأسَ بهِ، فعلَهُ أبو داودَ في "سُنَنِهِ" عَقِبَ حديثِ الحكمِ بنِ حَزْنٍ الكُلَفِيِّ، فقالَ ثَبَّتَنِي في شيءٍ منهُ بعضُ أصحابِنا وقولي (كالمُسْتَشْكِلِ) ، أي كما الحكمُ كذلكَ في مسألةِ ما إذا وجدَ في أصلِهِ كلمةً مِنْ غريبِ العربيةِ، أو غيرِها غيرَ مُقَيَّدةٍ، وأشكلتْ عليهِ، فجائزٌ أنْ يسألَ عنها أهلَ العلمِ بها، ويرويها على ما يخبرونَهُ بهِ، رُوِيَ مثلُ ذلكَ عَنْ أَحَمدَ وإسحاقَ وغيرِهما

اختلاف ألفاظ الشيوخ

اخْتِلاَفُ أَلْفَاْظِ الشُّيُوْخِ 652.... وَحَيْثُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْخٍ سَمِعْ ... مَتْنَاً بِمَعْنَى لاَ بِلَفْظٍ فَقَنِعْ 653.... بِلَفْظِ وَاحِدٍ وَسَمَّى الْكُلَّ: صَحّْ ... عِنْدَ مُجِيْزِي النَّقْلِ مَعْنَىً وَرَجَحْ 654.... بَيَانُهُ مَعْ قالَ أَوْ مَعْ قالاَ ... وَمَا بِبَعْضِ ذَا وَذَا وَقالاَ 655.... اقْتَرَبَا فِي اللَّفْظِ أَوْ لَمْ يَقُلِ: ... صَحَّ لَهُمْ وَالْكُتْبُ إِنْ تُقَابَلِ 656.... بِأَصْلِ شَيْخٍ مِنْ شُيُوخِهِ فَهَلْ ... يُسْمِى الجَمِيْعَ مَعْ بَيَانِهِ؟ احْتَمَلْ إذا سَمِعَ الرَّاوي الحديثَ منْ شيخينِ فأكثرَ بلفظٍ مختلفٍ، والمعنى واحدٌ جاز لَهُ أنْ يَرْوِيَهُ عن شَيْخَيْهِ، أو شيوخِهِ معَ تسميةِ كُلٍّ، ويسوقَ لفظَ روايةِ واحدٍ فقطْ عندَ مَنْ يجيزُ الروايةَ بالمعنى، وهمُ الأكثرونَ بالشَّرْطِ المتقدِّمِ، والأحسنُ الراجحُ أنْ يُبَيِّنَ لفظَ الروايةِ لِمَنْ هِيَ بقولهِ: وهذا لفظُ فلانٍ، ونحوُ ذلكَ، للخروجِ من الخلافِ. ثُمَّ هُوَ مخيرٌ بَيْنَ أنْ يُفْرِدَ فعلَ القولِ فيخصِّصَهُ بمَنْ لهُ اللَّفْظُ، فيقولُ: أَخبرنا فلانٌ وفلانٌ، واللَّفْظُ لهُ، قالَ: وبينَ أَنْ يأتَي بالفعلِ لهما فيقولُ: قالاَ أَخْبَرَنَا فلانٌ. وإلى هَذَا الإشارةُ بقولي: (مَعْ قالَ، أَوْ مَعْ قالاَ) . واستُحْسِنَ لمسلمٍ قولُهُ: حَدَّثَنَا أبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ وأبو سعيدٍ الأشجُّ؛ كِلاَهُمَا عن أبي خالدٍ، قالَ أبو بكرٍ: حَدَّثَنَا أبو خالدٍ الأحمرُ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((فإعادتُهُ ثانياً ذِكْرَ أحدِهما خاصَّةً إِشعارٌ بأنَّ اللَّفْظَ المذكورَ لهُ)) . قلتُ: ويحتملُ أنَّهُ أرادَ

الزيادة في نسب الشيخ

بإعادتِه بيانَ التصريحِ فيهِ بالتحديثِ، وأنَّ الأشجَ لم يُصَرِّحْ في روايتهِ بالتحديثِ، واللهُ أعلمُ. وقولي: (وما بِبَعْضِ ذَا وذَا وقالاَ) ، الألفُ في آخرِ حرفِ الروي للإطلاقِ، أي: وما أتى فيه الراوي ببعضِ لفظِ أحدِ الشيخينِ، وبعضِ لفظِ الآخرِ، ولَمْ يُبَيِّنْ لفظَ أحدِهما منَ الآخرِ، بلْ قالَ: وتقاربا في اللَّفْظِ، أو المعنى واحدٌ، ونحوَ ذلكَ؛ فهوَ جائزٌ صحيحٌ عندَ مَنْ يُجَوِّزُ الروايةَ بالمعنى، وهكذا لَوْ لَمْ يقلْ وتقاربا، وما أشبهَهَا، فهوَ جائزٌ صحيحٌ أَيْضاً عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ الروايةَ بالمعنى، وإليهِ الإشارةُ بقولي: (صَحَّ لَهُمْ) أَي: لِمُجيزِي الروايةِ بالمعنى. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهذا ممَّا عِيبَ بهِ البخاريُّ أو غيرُهُ)) ، أي تَركَ البيانِ. وقولي: (وَالكُتْبُ إنْ تُقَابَلِ ... ) إلى آخرهِ، أي: إذا قُوبلَ كتابٌ من الكتبِ المصنَّفةِ سمعَه على شيخينِ فأكثرَ بأَصلِ أحدِ شَيْخَيْهِ، أو أَحَدِ شيوخِهِ دونَ بقيِّتِهِم، فهل له أنْ يُسمِّيَ جميعَ شيوخِهِ في روايتهِ لذلكَ الكتابِ مع بيانِ أيِّ اللفظِ للشيخِ الذي قاَبلَهُ بأصلهِ؟ قالَ ابنُ الصلاحِ: ((يحتملُ أنْ يجوزَ كالأَوَّلِ؛ لأنَّ ما أوردَهُ قد سمعَهُ بنصِّهِ ممَّنْ ذكرَ أنَّهُ بلفظِهِ، ويحتملُ أنَّهُ لا يجوزُ؛ لأنَّهُ لا علمَ عندَهُ بكيفيةِ روايةِ الآخرينَ، حتى يُخبرَ عنها بخلافِ ما سبق؛ فإنهُ اطَّلَعَ فيهِ على موافقةِ المعنى)) . الزِّيَاْدَةُ فِيْ نَسَبِ الشَّيْخِ 657.... وَالشَّيْخُ إِنْ يَأْتِ بِبَعْضِ نَسَبْ ... مَنْ فَوْقَهُ فَلاَ تَزِدْ وَاجْتَنِبْ 658.... إِلاَّ بِفَصْلٍ نَحْوُ هُوْ أَوْ يَعْنِي ... أَوْجِئْ بِأَنَّ وَانْسِبَنَّ الْمَعْنِي 659.... أَمَّا إذا الشَّيْخُ أَتَمَّ النَّسَبَا ... فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ فَقَطْ فَذَهَبَا

660.... الأَكْثَرُوْنَ لِجَوَازِ أَنْ يُتَمْ ... مَا بَعْدَهُ وَالْفَصْلُ أَوْلَى وَأَتَمْ إذا سمعَ من شيخٍ حديثاً فاقتصرَ شيخُهُ في نسبِ شيخِهِ، أو مَنْ فوقَهُ على بعضِهِ، فليسَ له أَنْ يزيدَ في النسبِ على ما ذكرَ منهُ شيخُهُ منْ غيرِ فصلٍ يُبَيِّنُ أنَّهُ مِنَ الزيادةِ على شيخِهِ، كقولهِ: هو ابنُ فلانٍ الفلانيُّ، أو يعني: ابنَ فلانٍ، او نحوُ ذلكَ. وروى الخطيبُ عن أحمدَ: أنَّهُ كانَ إذا جاءَ اسمُ الرجلِ غيرَ منسوبٍ، قالَ: يعني ابنَ فلانٍ. وروينا في كتابِ " اللُّقطِ " للبرقانيِّ بإسنادِهِ إلى ابنِ المدينيِّ، قالَ: إذا حدَّثَكَ الرجلُ فقالَ: حَدَّثَنَا فلانٌ، ولَمْ ينسبْهُ، وأحببْتَ أن تنسبَهُ، فقلْ: حَدَّثَنَا فلانٌ أَنَّ فلانَ بنَ فلانِ بنِ فلانٍ حَدَّثَهُ. وأَمَّا إذا أتمَّ الشيخُ نَسَبَ شيخهِ في أولِ كتابٍ أو جزءٍ واقتصرَ في بقيةِ الكتابِ، أو الجزءِ على اسمِ الشيخِ، فإنَّهُ يجوزُ لمَنْ سمعَ من الشيخِ أنْ يفردَ ما بعدَ الحديثِ الأوَّلِ معَ إتمامِ نسبِ شيخِ شيخِهِ فيهِ، كما حكاهُ الخطيبُ عن أكثرِ أهلِ العلمِ. وحَكَى عن شيخهِ أبي بكرٍ أحمدَ بنِ عليٍّ الأصبهانيِّ أحدِ الحفَّاظِ أنَّهُ كانَ يقولُ في مثلِ هذا: إنَّ فلانَ بنَ فلانٍ. وعنْ بعضِهِم: أنَّ الأَوْلى أنْ يقولَ فيهِ: يعني ابنَ فلانٍ. وبعضُهُم يقول: هو ابنُ فلانٍ، قالَ: وهذا الذي اسْتَحِبُّهُ؛ لأنَّ قوماً من الرواةِ كانوا يقولونَ فيما أُجيزَ لهم: أخبرنا فلانٌ أنَّ فلاناً حدَّثَهُم. انتهى. ولعلَّهُ فيما أُجيزَ لشيوخِهِم، كما تقدَّمَ نَقْلُهُ عن الخطَّابيِّ.

الرواية من النسخ التي إسنادها واحد

الرِّوَاْيَةُ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي إسْنَاْدُهَا وَاحِدٌ 661.... وَالنُّسَخُ الَّتِي بِإِسْنَادٍ قَطُ ... تَجْدِيْدُهُ فِي كُلِّ مَتْنٍ أَحْوَطُ 662.... وَالأَغْلَبُ الْبَدْءُ بِهِ وَيُذْكَرُ ... مَا بَعْدَهُ مَعْ وَبِهِ وَالأَكْثَرُ 663.... جَوَّزَ أَنْ يُفْرِدَ بَعْضاً بِالسَّنَدْ ... لآِخِذٍ كَذَا وَالإِفْصَاحُ أَسَدْ 664.... وَمَنْ يُعِيْدُ سَنَدَ الْكِتَابِ مَعْ ... آخِرِهِ احْتَاطَ وَخُلْفَاً مَا رَفَعْ النسخُ التي إسنادُ أحاديثِها إسنادٌ واحدٌ كنُسخةِ همَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - روايةُ عبدِ الرزاقِ عن مَعْمرٍ عنهُ ونحوِها. الأحوَطُ أنْ يُجَدِّدَ ذكرَ الإسنادِ عندَ كُلِّ حديثٍ منها. ومن أهلِ الحديثِ مَنْ يفعلُهُ. ويوجدُ ذلكَ في كثيرٍ من الأُصولِ القديمةِ، وأَوجبَ بعضُهم ذلكَ، وأشرتُ إلى الخلافِ بقولي في آخرِ الأبياتِ: (وخُلْفاً ما رَفَعْ) . والأغلبُ الأكثرُ أنْ يُبدأَ بالإسنادِ في أوَّلها، أو في أَوَّلِ كُلِّ مجلسٍ من سماعِها، ويُدْرَجُ الباقي عليهِ، بقولهِ، في كُلِّ حديثٍ بعدَ الحديثِ الأوَّلِ، وبهِ، أو وبالإسنادِ، ونحوِ ذلكَ. ثُمَّ إنَّ مَنْ سمعَ هكذا يذكرُ السندَ في أوَّلهِ. وإدراجُ ما بعدَهُ عليهِ هلْ لهُ أنْ يُفردَ ما بعدَ الحديثِ الأولِ بالسندِ المذكورِ في أولِهِ؟ ذهبَ الأكثرونَ إِلَى الجوازِ منهمْ وكيعٌ وابنُ معينٍ والأسماعيليُّ؛ لأَنَّ المعطوفَ لهُ حُكمُ المعطوفِ عليهِ وهوَ بمثابةِ تقطيعِ المتنِ الواحدِ في أبوابٍ بإسنادِهِ المذكورِ في أوَّلهِ. وذهبَ أبو إسحاقَ الإسفرايينيُّ وبعضُ أهلِ الحديثِ إلى المنعِ، إِلاَّ معَ بيانِ كيفيةِ التحمُّلِ. وعلى القولِ بالجوازِ،

تقديم المتن على السند

فالأحسنُ البيانُ كما يفعلُ كثيرٌ من المؤلِّفِيْنَ، منهمْ مُسْلِمٌ، كقولهِ: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ رافعٍ، قالَ: حَدَّثَنَا عبدُ الرزاقِ، قالَ: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن همَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، قالَ: هذا ما حَدَّثَنَا أبو هريرةَ، وذكرَ أحاديثَ منها: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ أدنى مَقْعَدِ أَحَدِكُم في الجنَّةِ، ... الحديثَ. وما يفعلُهُ بعضُهُمْ من إعادةِ السندِ في آخرِ الكتابِ، أو الجزءِ، فهو احتياطٌ وتأكيدٌ، ولا يَرْفَعُ الخلافَ في إفرادِ كُلِّ حديثٍ بالسنَدِ. تَقْدِيْمُ المَتْنِ عَلى السَّنَدِ 665.... وَسَبْقُ مَتْنٍ لَوْ بِبَعْضِ سَنَدِ ... لاَ يَمْنَعُ الْوَصْلَ وَلاَ أَنْ يَبْتَدِي 666.... رَاوٍ كَذَا بِسَنَدٍ فَمُتَّجِهْ ... وَقالَ: خُلْفُ النَّقْلِ مَعْنَى يَتَّجِهْ 667.... في ذَا كَبَعْضِ الْمَتْنِ قَدَّمْتَ عَلَى ... بَعْضٍ فَفِيْهِ ذَا الْخِلاَفُ نُقِلاَ إذا قدَّمَ الرَّاوي الحديثَ على السندِ، كأنْ يقولَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كذا وكذا، أخبرنا به فلانٌ، ويذكرُ سندَهُ، أو قدَّمَ بعضَ الإسنادِ معَ المتنِ على بقيَّةِ السَّنَدِ كأَنْ يقولَ: رَوَى عمرُو بنُ دينارٍ عن جابرٍ، عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كذا وكذا، أخبرنا به فلانٌ، ويسوقُ سندَهُ إلى عمروٍ، فهو إسنادٌ متَّصلٌ لا يمنعُ ذلكَ الحكمَ باتِّصَالهِ، ولا يمنعُ ذلكَ كمنْ روى كذلكَ أي تحمَّلَهُ من شيخِهِ كذلكَ أنْيبتدئَ بالإسنادِ جميعِهِ، أوَّلاً، ثُمَّ يذكرُ المتنَ كما جوَّزَهُ بعضُ المتقدِّمينَ من أهلِ الحديثِ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وينبغي أنْ يكونَ فيهِ خلافٌ نحوُ الخلافِ في تقديمِ بعضِ المتنِ على بعضٍ، فقد حَكى الخطيبُ: المنعَ من ذلكَ، على القولِ بأَنَّ الروايةَ على المعنى لا تجوزُ، والجوازَ على القولِ بأَنَّ الروايةَ على المعنى تجوزُ ولا فرقَ بينهُما في ذلكَ)) .

إذا قال الشيخ: مثله، أو نحوه

إذا قالَ الشَّيْخُ: مِثْلَهُ، أَوْ نَحْوَهُ 668.... وَقَوْلُهُ مَعْ حَذْفِ مَتْنٍ مِثْلَهُ ... أَوْ نَحْوَهُ يُرِيْدُ مَتْنَاً قَبْلَهُ 669.... فَالأَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ انْ يُكَمِّلَهْ ... بِسَنَدِ الثَّاني وَقِيْلَ: بَلْ لَهْ 670.... إِنْ عَرَفَ الرَّاوِيَ بِالتَّحَفُّظِ ... وَالضَّبْطِ وَالتَّمْيِيْزِ لِلتَّلَفُّظِ 671.... وَالْمَنْعُ فِي نَحْوٍ فَقَطْ قَدْ حُكِيَا ... وَذَا عَلَى النَّقْلِ بَمِعْنَى بُنِيَا 672.... وَاخْتِيْرَ أَنْ يَقُوْلَ: مِثْلَ مَتْنِ ... قَبْلُ وَمَتْنُهُ كَذَا، وَيَبْنِي إذا رَوَى الشيخُ حديثاً بإسنادٍ لهُ، وذكرَ متنَ الحديثِ. ثُمَّ أتبعَهُ بإسنادٍ آخرَ، وحذفَ متنَهُ، وأحالَ به على المتنِ الأوَّلِ، بقولِهِ: مِثْلُهُ، أو نحوُهُ، فهلْ لِمَنْ سمعَ منهُ ذلكَ أنْ يقتصرَ على السندِ الثاني، ويسوقَ لفظَ حديثِ السندِ الأوَّلِ؟ فيهِ ثلاثةُ أقوالٍ: أظهرُهَا منعُ ذلكَ، وهو قولُ شعبةَ. فروينا عنهُ أَنَّهُ قالَ: فلانٌ عن فلانٍ: مِثْلُهُ، لا يُجْزِئُ. وروينا عنهُ أيضاً، أنَّهُ قالَ: قولُ الراوي: نحوَهُ، شكٌّ. والثاني: جوازُ ذلكَ إذا عُرِفَ أنَّ الراوي لذلكَ ضابطٌ مُتَحَفِّظٌ، يذهبُ إلى تمييزِ الألفاظِ وَعَدِّ الحروفِ، فإنْ لم يُعْرَفْ ذلكَ منهُ، لم يَجُزْ. حكاهُ الخطيبُ عن بعضِ أهلِ العلمِ. وروينا عن سفيانَ الثوريِّ قالَ: فلانٌ عن فلانٍ مِثْلهُ يُجْزِئُ، وإذا قالَ: نحوَهُ، فهو حديثٌ.

والثالثُ: أنَّهُ يجوزُ في قولِهِ: مثلِهِ، ولا يجوز في قولِهِ: نحوهِ. وهو قولُ يحيى بنِ معينٍ. وعليهِ يدلُّ كلامُ الحاكمِ أبي عبدِ اللهِ حيثُ يقولُ: لا يَحِلُّ لهُ أنْ يقولَ: مِثلَهُ إلاَّ بعدَ أنْ يَعْلَم أنَّهُما على لفظٍ واحدٍ، ويحلُّ أنْ يقول: نحوَهُ، إذا كانَ على مثلِ معانيهِ. قالَ الخطيبُ: ((وهذا على مذهبِ مَنْ لم يُجِزِ الروايةَ على المعنى، وأمَّا على مذهبِ مَنْ أجازَها فلا فَرْقَ بينَ مثلِهِ ونحوِهِ)) . قالَ الخطيبُ: وكانَ غيرُ واحدٍ من أهلِ العلمِ، إذا روى مثلَ هذا يوردُ الإسنادَ، ويقولُ: مثلُ حديثٍ قبلَهُ، متنُهُ كذا وكذا، ثم يسوقُهُ. قالَ: وكذلكَ إذا كانَ المحدِّثُ قدْ قالَ نحوَهُ. قالَ: ((وهذا الذي أَختارُهُ)) . 673.... وَقَوْلُهُ: إِذْ بَعْضُ مَتْنٍ لِمْ يُسَقْ ... وَذَكَرَ الْحَدِيْثَ فَالْمَنْعُ أَحَقّْ 674.... وَقِيْلَ: إِنْ يَعْرِفْ كِلاَهُمَا الْخَبَرْ ... يُرْجَى الْجَوَازُ وَالْبَيَانُ الْمُعْتَبَرْ 675.... وَقالَ: إِنْ يُجِزْ فَبِالإِجَازَهْ ... لِمَا طَوَى وَاغْتَفَرُوْا إِفْرَازَهْ أي: إذا أتى الشيخُ الراوي ببعضِ الحديثِ وحذفَ بقيتَهُ، وأشارَ إليهِ بقولهِ: وذكرَ الحديثَ، أو نحوَ ذلكَ، كقولِهِ: وذَكَرَهُ، وكقولِهِ: الحديثَ، ولم يكنْ تقدَّمَ كمالُ الحديثِ، كالصورةِ الأُولى، فليسَ لمَنْ سمعَ كذلكَ أنْ يتمِّمَ الحديثَ، بل يقتصرُ على ما سمعَ منهُ، إلاَّ معَ البيانِ، كما سيأتي. وهذا أَوْلى بالمنعِ من المسألةِ التي قبلَها؛ لأنَّ المسألةَ التي قبلَها قد ساقَ فيها جميعَ المتنِ قبلَ ذلكَ، بإسنادٍ آخرَ، وفي هذه الصورةِ لم يُسِقْ إلاَّ هذا القَدَرَ من الحديثِ.

إبدال الرسول بالنبي، وعكسه

وبالمنعِ أجابَ الأستاذُ أبو إسحاقَ الإسفرايينيُّ، وقالَ أبو بكرٍ الإسماعيليُّ: إذا عَرَفَ المحدِّثُ والقارِئُ ذلكَ الحديثَ فأرجو أَنْ يجوزَ ذلكَ. والبيانُ أولى بأنْ يقولَ: كما قالَ. وطريقُ مَنْ أرادَ إتمامهُ أنْ يقتصرَ ما ذكرَهُ الشيخُ منهُ، ثُمَّ يقولُ: قالَ، وذكرَ الحديثَ. ثُمَّ يقولُ: وتمامُهُ كذا وكذا، ويسوقُهُ. وقالَ ابنُ الصلاحِ بعدَ حكايةِ كلامِ الإسماعيليِّ: ((إذا جَوَّزْنَا ذلكَ، فالتحقيقُ فيهِ أنَّهُ بطريقِ الإجازَةِ فيما لم يذكرْهُ الشيخُ. قالَ: لكنَّها إجازةٌ أكيدةٌ قويةٌ من جهاتٍ عديدةٍ، فجازَ لهذا - معَ كونِ أَوَّلِهِ سماعاً - أدراجُ الباقي عليهِ من غيرِ إِفرادٍ لهُ بلفظِ الإجازةِ)) . إِبْدَاْلُ الرَّسُوْلِ بِالنَّبِيِّ، وَعَكْسُهُ 676.... وَإِنْ رَسُوْلٌ بِنَبِيٍّ أُبْدِلاَ ... فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ كَعَكْسٍ فُعِلاَ 677.... وَقَدْ رَجَا جَوَازَهُ ابْنُ حَنْبَلِ ... والنووي صَوَّبَهُ وَهْوَ جَلِيْ إذا وقعَ في الروايةِ: عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهلْ للسامعِ أَنْ يقولَ: عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهكذا عكسُهُ، كأَنْ يكونَ في الروايةِ عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيقولَ: عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((الظاهرُ أنهُ لا يجوزُ وإِنْ جازتِ الروايةُ بالمعنى، فإنَّ شَرْطَ ذلك أَلا يختلفَ المعنى، والمعنى في هذا مختلفٌ)) . وكان أحمدُ إذا كانَ في الكتابِ: النبيُّ، فقالَ المحدِّثُ: رسولَ اللهِ، ضَرَبَ وكتبَ: رسولَ اللهِ. قالَ الخطيبُ: ((هذا غيرُ لازمٍ، وإنَّما استُحِبَّ اتباعُ اللفظِ، وإِلاَّ فمذهبُهُ الترخيصُ في ذلكَ)) . وقد سألَهُ ابنُهُ صالحٌ: يكونُ في الحديثِ رسولُ اللهِ فَيَجْعَلُ النبيَّ؟! قالَ: أرجو ألا يكونَ بِهِ

السماع على نوع من الوهن، أو عن رجلين

بأسٌ، وقالَ حمَّادُ بنُ سَلَمَةَ لعفانَ وبهزٍ، لما جَعَلا يُغيِّرانِ النبيَّ من رسولِ اللهِ: أمَّا أنتُما فَلاَ تَفْقَهانِ أبداً. قلتُ: وقولُ ابنِ الصلاحِ: أنَّ ((المعنى في هَذَا مختلفٌ)) لا يمنعُ جوازَ ذلكَ؛ لأَنَّهُ وإنِ اختلفَ معنى النبيِّ والرسولِ، فإنَّهُ لا يختلفُ المعنى في نسبةِ ذلكَ القولِ لقائلهِ بايِّ وصفِ وصفَهُ، إذا كانَ يُعَرِّفُ بهِ. وأمَّا ما استدلَّ بهِ بعضُهُم على المنعِ بحديثِ البراءِ بنِ عازبٍ في الصحيحِ في الدُّعاءِ عندَ النومِ، وفيهِ: ونبيِّكَ الذي أرسلتَ. فقالَ يستذكِرُهُنَّ: وبرسولِكَ الذي أرسلتَ، فقالَ: ((لا وبنَبِيِّكَ الذي أرسلتَ)) فليسَ فيهِ دليلٌ؛ لأنَّ ألفاظَ الأذكارِ توقيفيَّةٌ، وربَّمَا كانَ في اللَّفْظِ سِرٌّ لا يحصلُ بغيرِهِ، ولعلَّهُ أرادَ أنْ يجمعَ بينَ اللَّفظينِ في موضعٍ واحدٍ. وقالَ النوويُّ: ((الصوابُ - واللهُ أعلمُ - جوازُهُ؛ لأنَّهُ لا يختلفُ بهِ هُنَا مَعْنًى)) . السَّمَاْعُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الوَهْنِ، أَوْ عَنْ رَجُلَيْنِ 678.... ثُمَّ عَلَى السَّامِعِ بِالْمُذَاكَرَهْ ... بَيَانُهُ كَنَوْعِ وَهْنٍ خَامَرَهْ إذا سمعَ مِنَ الشيخِ مِنْ حفظِهِ في حالةِ المذاكرةِ، فعليهِ بيانُ ذلكَ بقولِهِ: حَدَّثَنَا مذاكرةً، أو في المذاكرةِ، ونحوِ ذلكَ؛ لأنهم يتساهلونَ في المذاكرةِ. والحِفْظُ خَوَّانٌ، ولهذا كانَ أحمدُ يمتنعُ من روايةِ ما يحفظُهُ إلاَّ من كتابِهِ، وقد منعَ عبدُ الرحمنِ بنُ

مهديٍّ وابنُ المباركِ وأبو زُرْعَةَ الرازيُّ أَنْ يُحَملَ عنهم في المذاكرةِ شيءٌ. هكذا قالَ ابنُ الصلاحِ: إنَّ عليهِ بيانَ ما فيهِ بعضُ الوَهْنِ. وجعلَ من أمثلتِهِ ما سمِعَهُ في المذاكرةِ فتبعتُهُ في ذلكَ. وفي كلامِ الخطيبِ: إنَّهُ ليسَ بحتمٍ، فإنَّهُ قالَ: ((وأستَحِبُ أَنْ يقولَ: حدثنَاهُ في المذاكرةِ)) . وقولي: (كنَوْعِ وَهْنٍ خَامَرَهْ) أي: كما إذا كانَ في سماعِهِ نوعٌ من الوَهْنِ، فإنَّ عليهِ بيانَهُ، كأنْ يسمَعَ من غيرِ أصلٍ، أَو كانَ هو، أو شيخُهُ يتحدَّثُ في وقتِ القراءةِ عليهِ، أَوْ يَنْسَخُ، أو يَنْعَسُ، أو كانَ سماعُ شيخِهِ، أو سماعُهُ هو بقراءةِ مُصَحِّفٍ، أو لَحَّانٍ، أَو كُتَّابَةِ التَّسْمِيعِ بخطِّ مَنْ فيهِ نَظَرٌ، ونحوِ ذلكَ، فإنَّ في إغفالِ ذلكَ وَتَرْكِ البيانِ نوعاً من التَّدْلِيْسِ. 679.... وَالْمَتْنُ عَنْ شَخْصَيْنِ وَاحِدٌ جُرِحْ ... لاَ يَحْسُنُ الْحَذْفُ لَهُ لَكِنْ يَصِحْ 680.... وَمُسْلِمٌ عَنْهُ كَنَى فَلَمْ يُوَفْ ... وَالْحَذْفُ حَيْثُ وُثِقَا فَهْوَ أَخَفْ إذا كانَ الحديثُ عن رجلينِ: أحدُهما مجروحٌ، كحديثٍ لأنَسٍ يرويهِ عنهُ مثلاً ثابتٌ البُنَانيُّ، وأبانُ بن أبي عيَّاشٍ، ونحوُ ذلكَ، لا يحسنُ إسقاطُ المجروحِ - وهو أبانُ - والاقتصارُ على ثابتٍ لجوازِ أَنْ يكونَ فيه شيءٌ عن أبانَ لم يذكرْهُ ثابتٌ؛ وحملُ لفظِ أحدِهما عَلَى الآخَرِ، قالَ نحوَ ذلكَ أحمدُ، والخطيبُ، وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((إنَّهُ

لا يمتنعُ ذلكَ امتناعَ تحريمٍ؛ لأنَّ الظاهرَ اتفاقُ الروايتينِ، وما ذُكِرَ من الاحتمالِ نادرٌ بعيدٌ)) . قالَ الخطيبُ: وكانَ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ في مثلِ هذا رُبَّمَا أسقطَ المجروحَ من إلاسنَاْدِ ويذكرُ الثقةَ، ثُمَّ يقولُ: ((وآخرُ)) كِنَايَةً عن المجروحِ. قالَ: وهذا القولُ لا فائدةَ فيهِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهكذا ينبغي، إذا كانَ الحديثُ عن ثقتينِ أنْ لا يُسقِطَ أحدَهما منهُ؛ لتطرقِ مثلِ الاحتمالِ المذكورِ إليهِ، وإنْ كانَ محذورُ الإسقاطِ فيهِ أقلَّ، ثُمَّ لا يمتنعُ ذلكَ)) . 681.... وَإِنْ يَكُنْ عَنْ كُلِّ رَاوٍ قِطْعَهْ ... أَجِزْ بِلاَ مَيْزٍ بِخَلْطِ جَمْعَهْ 682.... مَعَ الْبَيَانِ كَحَدِيْثِ الإِْفْكِ ... وَجَرْحُ بَعْضٍ مُقْتَضٍ لِلتَّرْكِ 683.... وَحَذْفَ وَاحِدٍ مِنَ الإِسْنَادِ ... فِي الصُّوْرَتَيْنِ امْنَعْ لِلاِزْدِيَادِ إذا لم يكن سمعَ جميعَ الحديثِ من شيخٍ واحدٍ فأكثرَ، بل سمعَ قطعةً من الحديثِ من شيخٍ، وقطعةً منه من شيخٍ آخرَ، فما زادَ، فإنَّهُ يجوزُ لهُ أنْ يخلطَ الحديثَ ويرويَهُ عنهما، أو عنهم جميعاً، معَ بيانِ أَنَّ عن كُلِّ شيخٍ بعضَ الحديثِ من غيرِ تمييزٍ لما سمعَهُ من كُلِّ شيخٍ من الآخَرِ، كحديثِ الإفْكِ في الصحيحِ من روايةِ الزُّهريِّ، حيثُ قالَ:

آداب المحدث

حَدَّثَني عروةُ، وسعيدُ بنُ المسيِّبِ، وعلقمةُ بنُ وقاصٍ، وعُبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ، عن عائشةَ، قالَ: وكلٌّ قد حَدَّثَني طائفةً من حديثِها، ودخلَ حديثُ بعضِهِم في بعضٍ، وأَنَا أَوْعَى لحديثِ بعضِهِم!!؟ فذكرَ الحديثَ. فإنِ اتُّفِقَ في حديثٍ غيرِ هذا أَنْ كانَ بعضُ الرواةِ في مثلِ هذهِ الصورةِ ضعيفاً، فذلكَ مقتضٍ لطرحِ جميعِ الحديثِ؛ لأنَّهُ ما مِنْ قطعةٍ من الحديثِ، إلاَّ وجائزٌ أَنْ تكونَ عن ذلكَ الرَّاوي المجروحِ. وقولي: (وحَذْفَ) ، هو مفعولٌ مقدَّمٌ، أي: امنعْ حذفَ واحدٍ من الإسنادِ فيما نحنُ فيهِ في الصورتينِ، في صورةِ ما إذا كانَ الراويانِ، أوِ الرواةُ كلهُّم ثقاتٌ، وفي صورةِ ما إذا كانَ فيهم ضعيفٌ؛ لأنَّكَ إذا حذفتْ واحداً من الإسنادِ، وأتيتَ بجميعِ الحديثِ، فَقَدْ زدْتَ عَلَى بقيَّةِ الرواةِ ما ليسَ من حديثِهِم، وإنْ حذفْتَ بعضَ الحديثِ لَمْ يُعلمْ أَنَّ ما حذفْتَهُ هُوَ روايةُ مَنْ حَذفتَ اسمَهُ فيجبُ ذكرُ جميعِ الرواةِ في الصورتينِ معاً. واللهُ أعلمُ. آدَاْبُ الْمُحَدِّثِ 684.... وَصَحِّحِ النِّيَّةَ فيِ التَّحْدِيْثِ ... وَاحْرِصْ عَلَى نَشْرِكَ لِلْحَدِيْثِ 685.... ثُمَّ تَوَضَّأْ وَاغْتَسِلْ وَاسْتَعْمِلِ ... طِيْبَاً وَتَسْرِيْحَاً وَزَبْرَ المعتَلِي 686.... صَوْتاًعَلى الْحَدِيْثِ وَأجْلِسْ بِأَدَبْ ... وَهَيْبَةٍ بِصَدْرِ مَجْلِسٍ وَهَبْ 687.... لَمْ يُخْلِصِ النِّيَّةَ طَالِبٌ فَعُمْ ... وَلاَ تُحَدِّثْ عَجِلاً أَوْ إِنْ تَقُمْ 688.... أَوْ فِي الطَّرِيْقِ ثُمَّ حَيْثُ احْتِيْجَ لَكْ ... فِي شَيْءٍ ارْوِهِ وَابْنُ خَلاَّدٍ سَلَكْ 689.... بِأَنَّهُ يَحْسُنُ لِلْخَمْسِيْنَا ... عَامَاً وَلاَ بَأْسَ لأَِرْبَعِيْنَا 690.... وَرُدَّ. والشَّيْخُ بِغَيْرِ الْبَارِعِ ... خَصَّصَ لاَكَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيْ

مَنْ تصدَّى لإسماعِ الحديثِ، أو الإفادةِ فيهِ فليقدِّمْ تصحيحَ النِّيَّةِ وإخلاصَها، فإنَّمَا الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وقد قالَ سفيانُ الثوريُّ: قلتُ لحبيبَ بنِ أبي ثابتٍ حَدِّثْنا. قالَ: حتى تجيءَ النِّيَّةُ. وقيلَ لأبي الأحوصِ سَلاَّمِ بنِ سُليمٍ حدِّثْنَا. فقالَ: ليستْ لي نيةٌ، فقالُوا لهُ: إنَّكَ تُؤْجَرُ. فقالَ: يُمَنُّوْنَنِيَ الْخَيْرَ الكَثِيْرَ وَلَيْتَنِي ... نَجَوْتُ كَفَافاً لاَ عَليَّ وَلالِيَا وروينا عن حمَّادِ بنِ زيدٍ أنَّهُ قالَ: استغفرُ اللهَ إنَّ لذكرِ الإسنادِ في القلبِ خُيلاءَ، وليكنْ أكبرَ هَمِّهِ نشرُ الحديثِ، والعلمِ، وقدْ أمرَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتبليغِ عنهُ، وقد كانَ عُروةُ يتألَّفُ الناسَ على حديِثهِ. وقالَ سفيانُ الثوريُّ: تَعَلَّمُوا هذا العلمَ فإذا عَلِمْتُمُوْهُ فَتَحَفَّظُوْهُ، فإذا حَفِظْتُمُوْهُ فاعْمَلُوا بهِ، فإذا عَمِلْتُمْ بهِ فانْشُرُوْهُ. ويُستَحَبُّ لهُ أنْ يستعملَ عندَ إِرادةِ التَّحْدِيثِ ما رويناهُ عن مالكٍ - رضي الله عنه -، أنَّهُ كانَ إذا أرادَ أنْ يُحَدِّثَ توضّأَ، وجلسَ على صَدْرِ فراشِهِ، وسَرَّحَ لِحْيَتَهُ، وتمكَّنَ في جلوسِهِ بوَقَارٍ وهَيْبَةٍ، وحَدَّثَ، فقيلَ لهُ في ذلكَ، فقالَ أُحبُّ أَنْ أعظِّمَ حديثَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أُحَدِّثَ إلاَّ على طهارةٍ مُتَمَكِّناً، وكانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحدِّثَ في الطريقِ، أو وهوَ قائمٌ، أو يستعجلَ وقالَ:

أُحِبُّ أَنْ أتَفَهَّمَ ما أُحَدِّثُ بهِ عنْ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروينا عنهُ أَيضاً أنَّهُ كانَ يغتسلُ لذلكَ ويتبخَّرُ ويتطَيَّبُ، فإنْ رفعَ أحدٌ صوتَهُ في مجلسِهِ زَبَرَهُ، وقالَ: قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذْيِنَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} ، فَمَنْ رَفَعَ صوتَهُ عِندَ حديثِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فكأَنَّمَا رفعَ صوتَهُ فوقَ صوتِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقولي: (وهَبْ لم يُخْلِصِ النِّيَّةَ) أي: وَهَبْ أنَّ الطالبَ لم يُخْلِصْ نِيّتَهُ فلا تمتنِعْ من تحديثِهِ، بلْ عُمَّ كُلَّ طالبِ علمٍ. وروينا عن الثوريِّ أنَّهُ قالَ: ما كانَ في الناسِ أفضلُ مِنْ طلبةِ الحديثِ، فقالَ لهُ ابنُ مهديٍّ: يطلبونَهُ بغيرِ نِيَّةٍ، فقالَ: طلبهُم إيَّاهُ نِيَّةٌ. وروينا عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ ومَعْمَرٍ بنِ راشدٍ أنَّهُما قالاَ: طلبنَا الحديثَ وما لنا فيه نيَّةٌ، ثُمَّ رزقَ اللهُ عزَّ وجلَّ النِّيَّةَ بَعْدُ وروينا عن مَعْمَرٍ أيضاً، قالَ: إنَّ الرجلَ ليطلبُ العلمَ لغيرِ الله فيأبَى عليهُ العلمُ حتى يكونَ للهِ عزَّ وجلَّ. قالَ الخطيبُ: ((والذي نستحبُّهُ أنْ يَرْوِيَ الْمُحَدِّثُ لكلِّ أحدٍ سأَلهُ التحديثَ، ولا يمنعُ أحداً من الطلبةِ)) . وقولي: (أو أنْ تَقُمْ) أي: في حالِ قيامِكَ، فإنَّهُ معطوفٌ على الحالِ التي قَبْلَهُ.

وقولي: (ثُمَّ حيثُ احْتِيْجَ لَكَ في شَيءٍ اروهِ) ، بيانٌ للوقتِ الذي يحسنُ فيهِ التَّصَدِّي للإسماعِ، والتَّحْدِيْثِ. فإنْ كانَ قد احْتِيْجَ إلى ما عندَهُ، فقدِ اختلفَ فيه كلامُ الخطيبِ، وابنِ الصلاحِ في الوجوبِ والاستحبابِ، فلهذا أتيتُ فيهِ بصيغةِ الأمرِ الصالحةِ لهما في قولي: (اروهِ) . قالَ الخطيبُ في كتابِ " الجامع ": فإن احتيجَ إليهِ في روايةِ الحديثِ قبل أنْ يعلوا سنُّهُ فيجبُ عليهِ أَنْ يُحدِّثَ، ولا يمتنعَ؛ لأنَّ نشرَ العلمِ عندَ الحاجةِ إليهِ لازمٌ، والممتنعُ مِن ذلكَ عاصٍ آثمٌ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: والذي نقولُهُ أنهُ متى احتيجَ إِلَى ما عندَهُ استحبَّ لَهُ التَّصَدِّي لروايتهِ، ونشرِهِ في أيِّ سنٍّ كانَ. وروينا عن أبي محمدَ بنِ خَلاَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ في كتابهِ " المحدِّث الفاصل "، قالَ: الَّذِي يصحُّ عندي من طريقِ الأَثرِ والنَّظَرِ في الحدِّ الَّذِي إذا بَلَغَهُ الناقلُ حَسُنَ بهِ أنْ يُحدِّثَ؛ هو أنْ يستوفيَ الخمسيْنَ؛ لأنَّها انتهاءُ الكهولةِ، وفيها مجتمعُ الأَشُدِّ. قالَ: ((وليسَ بمستَنْكَرٍ أنْ يُحَدِّثَ عندَ استيفاءِ الأربعينَ؛ لأَنَّهَا حَدُّ الاستواءِ، ومنتهى الكمَالِ، نُبِّيءَ رَسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو ابنُ أربعينَ، وفي الأربعينَ تتناهى عزيمةُ الإنسانِ وقَّوتُهُ ويتوفرُ عقلُهُ ويجودُ رأيُهُ)) . وتعقَّبَهُ القاضي عياضٌ في كتابِ " الإلماع "، فقالَ: واستحسانُهُ هذا لا تقومُ لهُ حُجَّةٌ بما قالَ، وكمْ مِنَ السلفِ المتقدِّمِيْنَ، ومَنْ بعدَهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ مَنْ لم ينتِهِ إلى هذا السنِّ، ولا استوفى هذا العمرَ، وماتَ قبلَهُ، وقد نَشَرَ مِنَ العلمِ، والحديثِ ما لا يُحصَى. هذا عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ تُوُفِّيَ ولم يُكْمِلِ الأربعينَ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ لم يبلغِ الخَمْسِيْنَ.

وكذلكَ إبراهيمُ النَّخَعِيُّ. وهذا مالكُ بنُ أنسٍ قد جلسَ للناسِ ابنَ نَيَّفٍ وعشرينَ سنةً، وقيلَ: ابنُ سبعَ عشرةَ سنةً، والناسُ متوافرونَ، وشيوخُهُ أحياءٌ: ربيعةُ وابنُ شهابٍ وابنُ هُرْمُزٍ ونافعٌ ومحمدُ بنُ الْمُنْكَدِرِ، وغيرُهم. وقد سمعَ منهُ ابنُ شهابٍ حديثَ الفُرَيْعةِ. ثُمَّ قالَ: وكذلكَ محمدُ بنُ إدريسَ الشافعيُّ قد أُخِذَ عنهُ العلمُ في سنِّ الحداثةِ وانتصبَ لذلكَ في آخرينَ من الأئِمَّةِ المتقدِّمِيْنَ والمتأخِّرِيْنَ. انتهى كلامُ القاضي عياضٍ. وقد روينا عن محمدِ بنِ بشارٍ بُنْدَارٍ، أنَّهُ حَدَّثَ وهو ابنُ ثماني عشرةَ سنةً. وروينا عن أبي بكرٍ الأعْيَنِ، قالَ: كتَبْنَا عن محمّدِ بنِ إسماعيلَ البخاريِّ على بابِ محمدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وما في وَجْهِهِ من شَعْرَةٍ. وروينا عن الخطيبِ قالَ: وقد حَدَّثْتُ أنَا وَلِيَ عشرونَ

سنةً، كَتَبَ عَنِّي شيخُنا أبو القاسمِ الأزهريُّ أشياءَ في سنةِ اثنتي عَشْرَةَ وأربعمائةٍ. انتهى. وقد حَدَّثَ شيخُنُا الحافظُ أبو العباسِ أحمدُ بنُ مُظَفَّرٍ، وسنُّهُ ثماني عَشْرَةَ سنةً، سمعَ منهُ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ سنةَ ثلاثٍ وتسعينَ وستمائةٍ، وحَدَّثَ عنهُ في "مُعْجَمِهِ" بحديثٍ من " الأفرادِ " للدَّارقطنيِّ، وقالَ عقِبَهُ: أملاهُ عليَّ ابنُ مُظَفَّرٍ، وهو أمردُ. وقد حدَّثَ شيخُنا أبو الثناءِ محمودُ بنُ خليفةَ المنبجيُّ ولهُ عشرونَ سنةً، سمعَ منهُ شيخُنا العلاَّمةُ شيخُ الإسلامِ تقيُّ الدينِ السُّبْكيُّ أحاديثَ من " فضائلِ القرآنِ "، لأبي عُبيدٍ. قلتُ: وقدْ سَمِعَ مِنِّي صاحبُنا العلاَّمَةُ أبو محمودٍ محمدُ بنُ إبراهيمَ المقدسيُّ، وَلِيَ عشرونَ سنةً، سنةَ خمسٍ وأربعينَ، وقد سَمِعَ على شيخِنَا الحافظِ عمادِ الدِّيْنِ بنِ كثيرٍ حديثاً من " أماليِّ ابنِ سمعونَ "، ولم أُكْمِل يومَئِذٍ ثلاثينَ سنةً، سنةَ أربعٍ وخمسينَ بدمشقَ. وهذا ونحوُهُ من روايةِ الأكابرِ عنِ الأَصاغرِ. وقد حملَ ابنُ الصَّلاحِ كلامَ ابنِ خَلاَّدٍ على مَحْمِلٍ صَحيحٍ، فقالَ: ما ذكرَهُ ابنُ خَلاَّدٍ غيرُ مُسْتَنْكَرٍ، وهو محمولٌ على أنَّهُ قالَهُ فيمَنْ يَتَصَدَّى للتَّحْدِيْثِ ابتداءً من نفسِهِ من غيرِ بَرَاعَةٍ في العِلْمِ تعجَّلَتْ له قبلَ السنِّ الذي ذَكَرَهُ. فهذا إِنما ينبغي له ذلكَ بعدَ استيفاءِ السنِّ المذكورِ، فَإنَّهُ مِظنَّةُ الاحتياجِ إلى ما عندَهُ. قالَ: ((وأَمَّا الذينَ ذكرَهُم عياضٌ ممَّنْ حَدَّثَ قبلَ ذلكَ، فالظاهرُ أَنَّ ذلكَ لبراعةٍ منهم في العلمِ تقَدَّمَتْ، ظهرَ لهمُ معها الاحتياجُ إليهم فحدَّثوا قبلَ ذلكَ، أوْ لأنَّهمَ سُئِلُوا ذلكَ، إمَّا بصريحِ السؤالِ، وإمَّا بقرينةِ الحالِ)) انتهى كلامُهُ. وإليهِ الإشارةُ بقولي: (والشَّيخُ بغيرِ البارعِ خَصَّصَ) أي: خَصَّصَ كلامَ ابنِ خَلاَّدٍ بغيرِ البارعِ في العلمِ. 691.... وَيَنْبَغِي الإِْمْسَاكُ إِذْ يُخْشَى الْهَرَمْ ... وَبالْثَمَانِيْنَ ابْنُ خَلاَّدٍ جَزَمْ 692.... فَإِنْ يَكُنْ ثَابِتَ عَقْلٍ لَمْ يُبَلْ ... كَأَنَسِ وَمَالِكٍ وَمَنْ فَعَلْ 693.... وَالْبَغَوِيُّ وَالْهُجَيْمِيْ وَفِئَهْ ... كَالطَّبَرِيِّ حَدَّثُوْا بَعْدَ الْمِائَهْ لَمَّا ذكرَ السِّنَّ الذي ينبغي فيهِ التَّحْدِيثُ ذكرَ بعدَهُ السِّنَّ الذي ينبغي عنده الإمْسَاكُ عن التَّحْدِيْثِ، قالَ القاضي عياضٌ: ((الحدُّ في تركِ الشيخِ التحديثَ التَّغيُّرُ، وخوفُ الخَرَفِ)) ، وكذا قالَ ابنُ الصلاحِ: ((هو السِّنُّ الذي يُخْشَى عليهِ فيهِ مِنَ الْهَرَمِ والخَرَفِ، وَيُخَافُ عليهِ فيهِ أَنْ يُخَلِّطَ، ويرويَ ما ليسَ من حديثِهِ. قالَ: والناسُ

في بلوغِ هذا السِّنِّ يتفاوتونَ بِحَسَبِ اختلافِ أحوالهِمِ)) . وروينا عن أبي محمدِ بنِ خَلاَّدٍ، قالَ: فإذا تناهَى العُمْرُ بالمحدِّثِ فأعْجبُ إليَّ أنْ يُمْسِكَ في الثمانينَ؛ فإنَّهُ حَدُّ الْهَرَمِ. قالَ والتسبيحُ، والذِّكْرُ، وتلاوةُ القرآنِ؛ أَوْلَى بأبناءِ الثمانينَ فإنْ كانَ عقلُه ثابتاً، ورأيُهُ مُجْتَمعاً، يَعْرِفُ حديثَهُ، ويقومُ بهِ، وتحرَّى أنْ يُحدِّثَ احتساباً، رَجَوْتُ له خيراً؛ كالحضرميِّ وموسى وعَبْدَانَ. قالَ: ولم أرَ بفَهْمِ أبي خَلِيْفَةَ وضَبْطِهِ بأساً معَ سِنِّهِ. انتهى كلامُهُ. وقد حَدَّثَ جَمَاعةٌ من الصَّحابةِ فمَنْ بعدَهُم بعدَ مجاوزةِ الثمانينَ. فمِنَ الصحابةَ: أنسُ بنُ مالكٍ، وعبدُ اللهِ بنُ أبي أوفى، وسَهْلُ بنُ سَعْدٍ، في آخَرِينَ. ومن التَّابِعِيْنَ: شُرَيْحٌ القَاضِي، ومجاهدٌ، والشعبيُّ، في آخرينَ. ومِنْ اتباعِهِم: مالكُ بنُ أنسٍ، واللَّيْثُ بنُ سعدٍ، وسفيانُ بنُ عُيينةَ، في آخَرِين منهم. وممَّنْ بعدَهُم، وقدْ ذَكَرَ القاضي عياضٌ أنَّ مالكَاً قالَ: ((إنَّمَا يَخْرِّفُّ الكذَّابُونَ)) وقد حَدَّثَ جماعةٌ بعدَ أنْ جاوزوا المائةَ. فمِنَ الصحابةِ: حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ، ومِنَ التابعينَ: شَرِيْكُ بنُ عبدِ اللهِ النَّمرِيُّ، ومِمَّنْ بعدَهم: الحسنُ بنُ عَرَفَةَ، وأبو القاسمِ عبدُ اللهِ بنُ محمّدٍ البغويُّ، وأبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ عَلَيٍّ الْهُجَيْمِيُّ، حَدَّثَ وهو ابنُ مائةٍ وثلاثِ سنينَ، والقاضي أبو الطَّيِّبِ طاهرُ بنُ عبدِ اللهِ الطَّبَرِيُّ، والحافظُ أبو الطاهرِ أحمدُ بنُ محمّدٍ السِّلَفيُّ، وغَيْرُهُم؛ ولم يتغيرْ أحدٌ منهم. وقَرَأَ القَارِئُ يومَاً على الْهُجَيْمِيِّ بعدَ أنْ جاوزَ المائَةَ، وأرادَ اختبارَهُ بذلكَ.

إنَّ الجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ ... كالكَلْبِ يَحْمِي جِلْدَهُ برَوْقِهِ فقالَ لَهُ الْهُجَيْمِيُّ: قُلِ الثَّوْرَ يا ثَوْرُ! فإنَّ الكلبَ لا روقَ لَهُ، فَفَرِحَ الناسُ بصحَّةِ عَقلهِ وجودةِ حسِّهِ. قالَ الجوهريُّ: ((والرَّوْقُ: القَرْنُ)) . قالَ الْقَاضِي عياضٌ: ((وإنما كرهَ مَنْ كرهَ لإصحابِ الثمانينَ التحديثَ؛ لأنَّ الغالبَ على مَنْ يَبْلُغُ هذا السِّنَّ اختلالُ الجسْمِ، والذِّكْرِ، وضَعْفِ الحالِ، وتغَيُّرِ الفَهْمِ، وحلولِ الخَرَفِ؛ مخافةَ أنْ يبدأَ به التغيرُ والاختلالُ، فلا يفطنُ له إلاَّ بعدَ أنْ جازتْ عليهِ أشياءُ)) . 694 ... وَينْبغي إمْسَاكُ الاعْمَى إنْ يَخَفْ ... وَإِنَّ مَنْ سِيْلَ بِجُزْءٍ قَدْ عَرَفْ 695 ... رُجْحَانَ رَاوٍ فِيْهِ دَلَّ فَهْوَ حَقّْ ... وَتَرْكُ تَحْدِيْثٍ بِحَضْرَةِ الأَحَقّْ 696 ... وَبَعْضُهُمْ كَرِهَ الأَخْذَ عَنْهُ ... بِبَلَدٍ وَفِيْهِ أَوْلَى مِنْهُ أي: ويَنْبَغِي لِمَنْ عَمِيَ وخافَ أنْ يدخلَ عليهِ ما ليسَ مِنْ حديثِهِ، أنْ يُمسِكَ عن الروايةِ. ويَنْبَغِي أَيضاً للمحدِّثِ إذا سُئِلَ بجزءٍ، أو كتابٍ أنْ يُقْرَأَ عليهِ، وهو يعلمُ أنَّ غيرَهُ في بلدتهِ أو غيِرها أرجحُ في روايتِهِ منهُ، بكونِهِ أعلى إسناداً منهُ فيهِ، أو سماعُ غيرِهِ متَّصِلاً بالسَّمَاعِ وفي طريقِهِ هو إجازةٌ، أو غيرُ ذلك من التَّرْجِيْحَاتِ أنْ يُدِلَّ السائلَ على

مَنْ هو أحقُّ منهُ بذلكَ، فذلكَ مِنَ النَّصِيْحَةِ في العِلْمِ. ويَنْبَغِي أيضاً أنْ لا يُحَدِّثَ بحضرةِ مَنْ هو أحقُّ بالتحديثِ وأولى بهِ منهُ، فقدْ كانَ إبراهيمُ النَّخَعيُّ إذا اجتمعَ معَ الشّعبيِّ لم يتكلمْ إبراهيمُ بشيءٍ. وزادَ بعضُهُم على هذا بأَنْ كَرِهَ الروايةَ ببلدٍ وفيه مَنْ هو أَولى منه لسنِّه، أو غيرِ ذلكَ. فقدْ قالَ يحيى بنُ مَعِينٍ: الذي يُحَدِّثُ ببَلْدَةٍ وفيها أَوْلى بالتَّحْدِيثِ منهُ أَحْمَقُ. ورُويِّ عنهُ أنَّهُ قالَ: إذا حَدَّثْتُ ببلدٍ فيهِ مثلُ أبي مُسْهِرٍ، فيجبُ لِلِحْيَتي أنْ تُحْلَقَ. 697 ... وَلاَ تَقُمْ لأَحَدٍ وَأَقْبِلِ ... عَلَيْهِمُ وَلِلْحَدِيْثِ رَتِّلِ 698 ... وَاحْمَدْ وَصَلِّ مَعْ سَلاَمٍ وَدُعَا ... فِي بَدْءِ مَجْلِسٍ وَخَتْمِهِ مَعَا ويَنْبَغِي للشَّيْخِ أنْ لا يقومَ لأحدٍ في حالِ التَّحْدِيْث ِ. وكذلكَ قارئُ الحديثِ، فقدْ بَلَغَنَا عن محمّدِ بنِ أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ الفقيهِ، وهو أبو زيدٍ المروزيُّ، أنَّهُ قالَ: القارئُ لحديثِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قامَ لأَحَدٍ فإنَّهُ تُكْتَبُ عليهِ خطيئةٌ. ويُسْتَحَبُّ لهُ أنْ يُقْبِلَ على مَنْ يحدِّثُهُم، فقد روينا عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ، قالَ: مِنَ السُّنَّةِ إذا حَدَّثَ القومَ أنْ يُقْبِلَ عليهم جميعاً. وروينا عنهُ قالَ: كانوا يُحِبُّونَ إذا حَدَّثَ الرجلُ لا يُقْبِلَ على الرجلِ الواحدِ، ولكِنْ ليعمَّهُمْ. ويُستحبُّ أنْ يُرَتِّلَ الحديثَ، ولا يَسْرُدَهُ سَرْدَاً

يمنعُ السامعَ من إدراكِ بعضِهِ. ففي الصَّحِيْحَيْنِ من حديثِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، قالَتْ: إنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يَكُنْ يَسْرُدُ الحديثَ كسَرْدِكم. زادَ الترمذيُّ: ولكنَّهُ كانَ يتكلَّمُ بكلامٍ بَيِّنٍ فَصْلٍ، يحفَظُهُ مَنْ جلسَ إليهِ. وقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ويُستحبُّ لهُ أنْ يَفْتَتِحَ مجلسَهُ ويختِمَهُ بتحميدِ اللهِ تَعَالَى وصلاةٍ وسَلاَمٍ عَلَى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودعاءٍ يَليقُ بالحالِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ومِنْ أَبْلَغِ ما يفتَتِحَهُ بهِ أنْ يقولَ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أكملُ الحمدِ عَلَى كُلِّ حالٍ، والصلاةُ والسلامُ الأَتمَّانِ عَلَى سَيِّدِ المُرْسِليْنَ، كُلَّما ذكرَهُ الذاكرونَ، وكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذكرِهِ الغافلونَ، اللِّهُمَّ صلِّ عليهِ، وعلى آلهِ، وسائرِ النبيِّينَ، وآلِ كُلٍّ وسائرِ الصالحِيْنَ، نهايةَ ما ينبغي أنْ يَسْأَلَهُ السَّائِلوَنَ)) .

699.... وَاعْقِدْ لِلاِمْلاَ مَجْلِسَاً فَذَاكَ مِنْ ... أَرْفَعِ الاسْمَاعِ وَالاَخْذِ ثُمَّ إِنْ 700.... تَكْثُرْ جُمُوْعٌ فَاتَّخِذْ مُسْتَمْلِيَا ... مُحَصِّلاً ذَا يَقْظَةٍ مُسْتَوِيَا 701.... بِعَالٍ اوْ فَقَائِماً يَتْبَعُ ما ... يَسْمَعُهُ مُبَلِّغاً أَوْ مُفْهِمَا يُستحبُّ للمُحدِّثِ العارفِ أنْ يعقِدَ مجلساً لإملاءِ الحديثِ، فإنَّهُ مِن أعلى مراتبِ الإسماعِ، والتحمُّلِ. فإنْ كَثُرَ الجمعُ فليتخذْ مستمْلِياً يُبَلِّغُ عنهُ. فَقَدْ فعلَ ذلكَ مالكٌ، وشعبةُ، ووكيعٌ، وأبو عاصمٍ، ويزيدُ بنُ هارونَ، في عددٍ كثيرٍ من الحفَّاظِ، والمحدِّثينَ وَقَدْ روينا في سننِ أبي داودَ والنسائيِّ من حديثِ رافعِ بنِ عمرٍو، قالَ: رأيتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَخْطُبُ الناسَ بمنىً، حيثُ ارتَفَعَ الضُّحَى علىَ بْغَلةٍ شَهْبَاءَ، وعليٌّ - رضي الله عنه - يُعَبِّرُ عنهُ. فإنْ تكاثرَ الجمعُ بحيثُ لا يكفي بِمُسْتَمْلٍ واحدٍ اتخذَ مُسْتَمْلِيَيْنِ فأكْثَرَ. فَقَدْ روينا أنَّ أبا مسلمٍ الكَجِّي، أَمْلَى في رَحَبَةِ غَسَّانَ. وكانَ في مجلسِهِ سبعةُ مُسْتَمْلِيْنَ، يُبَلِّغُ كُلُّ واحدٍ صاحِبَهُ الَّذِي يليهِ، وكتبَ الناسُ عنهُ قياماً بأيديهِم المحابرُ، ثُمَّ مُسِحَتِ الرَّحَبَةُ، وحُسِبَ مَنْ حضرَ بِمَحْبَرَةٍ فبلغَ ذلكَ نَيِّفاً وأربعينَ ألفِ محبرةٍ سوى النَّظَّارَةِ. وروينا أَنَّ مجلسَ عاصمِ بنِ عليٍّ كانَ

يُحْزَرُ بأكثرَ مِنْ مائةِ ألفِ إنسانٍ، وكانَ يَسْتَمْلِي عليهِ هارونُ الدِّيْكُ وهارونُ مُكْحَلَةُ. وليكنِ الْمُسْتَمْلِي مُحَصِّلاً مُتَيَقِّظاً فَهِمَاً، لا كمُسْتَمْلِي يزيدَ بنِ هارونَ حيثُ سُئِلَ يزيدُ عن حديثٍ فقالَ: حَدَّثَنا بهِ عدَّةٌ، فصاحَ الْمُسْتَمْلِي: يا أبا خالدٍ (¬1) عِدَّةُ ابنُ مَنْ؟ فقالَ لهُ: عِدَّةُ ابنُ فَقَدْتُكَ! وليكنِ الْمُسْتَمْلِي على مَوْضِعٍ مُرتفعٍ مِنْ كُرسيٍّ، أو نحوهِ وإلاَّ فقائماً على قدميهِ، ليكونَ أبلغَ للسامعَينَ، وعلى الْمُسْتَمْلِي أنْ يتبعَ لفظَ المُمْلي فَيُؤَدِّيَهُ على وجهِهِ مِنْ غيرِ تغييرٍ، وقالَ الخطيبُ: ((يُسْتَحَبُّ لهُ أنْ لا يُخَالفَ لَفْظَهُ)) . وقالَ ابنُ الصلاحِ: عليهِ ذلكَ كما تقدَّمَ. وفائدتُهُ إبلاغُ مَنْ لم يبلغْهُ لفظُ المُملي، وإفهامُ مَنْ بلغَهُ على بُعْدٍ، ولم يتفهمْهُ. فيتوصَّلُ بصوت الْمُسْتَمْلِي إلى تفهُّمِهِ وتحقُّقِهِ. وقد تقدَّمَ الكلامُ فَيمَنْ لم يسمعْ إلاَّ لفظَ الْمُسْتَمْلِي، هلْ لهُ أنْ يَرويهُ عن الْمُملي، أو ليسَ لهُ إلاَّ أنْ يَرْوِيَهُ عَنِ الْمُسْتَمْلِي عنهُ؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍! 702 ... واسْتَحْسَنُوْا الْبَدْءَ بِقَارئ تَلاَ ... وَبَعْدَهُ اسْتَنْصَتَ ثُمَّ بَسْمَلاَ 703 ... فَالْحَمْدُ فَالصَّلاَةُ ثُمَّ أَقْبَلْ ... يَقُوْلُ: مَنْ أَوْمَا ذَكَرْتَ وَابَتهَلْ 704 ... لَهُ وَصَلَّى وَتَرَضَّى رَافِعا ... وَالشَّيْخُ تَرْجَمَ الشُّيُوْخَ وَدَعَا واستحسَنُوا افتتاحَ مجلِسِ الإملاءِ بقراءةِ قارئٍ لشيءٍ من القرآنِ العظيمِ

وقالَ الخطيبُ: سورةً من القرآنِ. ثُمَّ رَوَى بإسنادِهِ إِلَى أبي نَضْرَةَ، قالَ: كانَ أصحابُ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اجتمعوا تذاكروا العلمَ وقرؤوا سورةً، فإذا فَرَغَ القارئُ استنصَتَ الْمُسْتَمْلِي أهلَ المجلِسِ، حيثُ احْتِيْجَ للاستنصاتِ. ففي الصحيحينِ من حديثِ جريرٍ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لهُ في حِجَّةِ الوداعِ: استَنْصِتِ الناسَ. فإذا أنْصَتَ الناسُ بَسْمَلَ الْمُسْتَمْلِي وحَمِدَ اللهَ تَعَالَى، وصَلَّى عَلَى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الشيخِ الْمُحَدِّثِ قائلاً لهُ: مَنْ ذكرتَ؟ أي: مِنَ الشيوخِ، أو ما ذكرتَ؟ أي: مِنَ الأحاديثِ رحمكَ اللهُ، أو غَفَرَ اللهُ لكَ وهو المرادُ بقولي: (وَابْتَهِلْ لَهُ) أي: ودَعَا لَهُ. وقد روينا عَنْ يحيى بنِ أكثمَ، قالَ: نِلْتُ القضاءَ وقضاءَ القضاةِ والوزارةَ، وكذا، وكذا، ما سُرِرْتُ بشيءٍ مثلَ قولِ الْمُسْتَمْلِي: مَنْ ذكرتَ رحمكَ اللهُ. قالَ الخطيبُ: وإذا انتهى الْمُسْتَمْلِي في الإسنادِ إلى ذكر النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استُحِبَّ لَهُ الصلاةُ عليهِ رافعاً صوتَهُ بذلكَ، وهكذا يفعلُ في كُلِّ حديثٍ عادَ فيه ذكرُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قالَ: وإذا انتهى إلى ذِكْرِ بعضِ الصحابةِ، قالَ: رِضْوانُ اللهِ عليهمْ، أو رَضِيَ اللهُ عنهُ. انتهى. وكذلكَ الترضّي والتَّرَحُّمُ عن الأئِمَّةِ، فقد رَوَى الخطيبُ أنَّ الربيعَ بنَ سليمانَ قالَ القارئُ يوماً: حَدَّثَكُم الشَّافِعيُّ فلَمْ يَقُلْ: - رضي الله عنه -، فقالَ الربيعُ: ولا حرفَ حتى يُقالَ: - رضي الله عنه -.

وقولي: (والشيخُ) ، هو مبتدأٌ، أي: الشيخُ المُمْلي يُتَرْجِمُ شيوخَهَ الذينَ يُحَدِّثُ عَنْهُم بِذِكْرِ أَنْسَابِهِم، وبعضِ مناقبِهِم، ويدعُو لهم بالمغفرةِ والرحمةِ. قالَ الخطيبُ: إذْ فعلَ الْمُسْتَمْلِي ما ذكرتُهُ، قالَ الراوي: حَدَّثَنَا فلانٌ. ثُمَّ نَسَبَ شيخَهُ الذي سمَّاهُ حتَّى يبلغَ بنسَبهِ منتهاهُ. قالَ: والجمعُ بينَ اسمِ الشَّيْخِ وكنيتِهِ أبلغُ في إعظامِهِ. ثُمَّ قالَ: إنَّهُ يقتصرُ في الروايةِ على اسمِ مَنْ لا يشكِلُ كأَيوبَ ويونُسَ ومالكٍ والليثِ، ونحوِهِم. وهكذا مَنْ كانَ مشهورًا بنسبهِ إلى أبيهِ، أو قبيلتِهِ. قدِ اكُتِفيَ في كثيرٍ من الرُّواةِ بذِكْرِ ما اشتُهِرَ بهِ، وإنْ لم يُسَمَّ كابنِ عونٍ، وابنِ جُرَيْجٍ، وابنِ لَهِيْعَةَ، وابنِ عُيَيْنَةَ، ونحوِهِم، وكالشعبيِّ، والنَّخَعيِّ، والزُّهْريِّ، والثَّوْريِّ، والأوزاعيِّ، والشَّافعيِّ، ونحوِهم. ثُمَّ ذِكْرُ مَنْ اشتُهرَ بلقبٍ، أو كنيةٍ، أو نسبةٍ لأُمٍّ، أوْ نَقْصٍ كالعَوَرِ، ونحوِهِ، وسيأتي. وأمَّا ذِكْرُ بعضِ أوصافِ شُيوخِهِ، فكقَوْلِ أبي مُسْلِمٍ الْخَوْلانيِّ: حَدَّثَني الحبيبُ الأمِينُ أمَّا هو إِليَّ فحبيبٌ، وأمَّا هو عندي فأمينٌ: عوفُ بنُ مالكٍ)) رواهُ مُسْلِمٌ. وكَقَوْلِ مَسْروقٍ: حَدَّثَتْني الصِّدِّيْقَةُ بنتُ الصِّدِّيْقِ، حَبيبةُ حَبيبِ اللهِ المُبَرَّأَةُ. وكقولِ عطاءِ بنِ أبي رباحٍ: حَدَّثَني الْبَحْرُ. يريدُ: ابنَ عبَّاسٍ. وكقولِ الشّعبيِّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ ابنُ خُثَيْمٍ، وكانَ مِنْ معادنِ الصِّدْقِ. وكقولِ ابن

عُيَيْنةَ: حَدَّثَنَا أوثَقُ الناسِ: أيوبُ. وكقولِ شُعبةَ: حَدَّثَني سَيِّدُ الفقهاءِ: أيوبُ. وقالَ وكيعٌ: حَدَّثَنَا سفيانُ أميرُ المؤمنينَ في الحديثِ. وقالَ ابنُ خُزيمةَ: حَدَّثَنَا مَنْ لم تَرَ عينايَ مثلَهُ: أبو الحسنِ محمّدُ بنُ أسلمَ الطوسيُّ، وحَدَّثَني الحافظُ أبو سعيدٍ العلائيُّ يوماً عن الرَّضِيِّ الطَّبَرِيِّ، فقالَ: حَدَّثَنَا الإمامُ أبو إسحاقَ الطَّبريُّ، وهو أجلُّ شيخٍ لقيتُهُ. 705 ... وَذِكْرُ مَعْرُوْفٍ بِشَيءٍ مِنْ لَقَبْ ... كَغُنْدَرٍ أَوْ وَصْفِ نَقْصٍ أَوْ نَسَبْ 706 ... لأُمِّهِ فَجَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ ... يَكْرَهُهُ كَابْنِ عُلَيَّةٍ فَصُنْ قالَ الخطيبُ: غَلَبتْ ألقابُ جماعةٍ من أَهلِ العلمِ، [على أَسْمَائِهِم] فاقتصرَ الناسُ على ذكرِ ألقابهِم في الروايةِ عنهمُ، منهم: غُنْدَرٌ محمّدُ بنُ جعفرٍ، ولوينٌ مُحَمَّدُ بنُ سليمانَ المصيصيُّ، ومشكدانةُ عبدُ الله بنُ عمرَ الكوفيُّ، وعارمٌ محمّدُ بنُ الفضلِ السدوسيُّ، وسَعْدويهِ سعيدُ بنُ سُليمانَ

الواسطيُّ، وصاعقةُ محمّدُ ابنُ عبدِ الرحيمِ البغداديُّ، وَمُطَيَّنٌ محمّدُ بنُ عبدِ اللهِ الحضرميُّ، ونِفْطَوَيْهِ إبراهيمُ بنُ محمّدِ بنِ عرفةَ النحويُّ. وقالَ: ((لم يختلفِ العلماءُ في أنَّهُ يجوزُ ذكرُ الشَّيخِ وتعريفُهُ بصفتِهِ التي ليستْ نقصًا في خِلْقَتِهِ، كالطُّوْلِ والقِصَرِ، والزُّرْقَةِ، والشُّقْرَةِ، والْحُمْرَةِ، والصُّفْرَةِ، قالَ: وكذلكَ يجوزُ وصفُهُ بالعَرَجِ، والقِصَرِ، والعَمَى، والعَوَرِ، والعَمَشِ، والحَوَلِ، والإْقَعْادِ، والشَّلَلِ، كعِمْرَانَ القَصِيْرِ، وأبي معاويةَ الضَّريرِ، وهارونَ بنِ موسى الأعْوَرِ، وسُليمانَ الأعْمَشِ، وعبدِ الرحمنِ بنِ هُرْمُزٍ الأعرجِ، وعاصمٍ الأحولِ، وأبي مَعْمَرٍ الْمُقْعَدِ، ومنصورٍ الأشَلِّ وجماعةٍ)) . وسُئِلَ ابنُ المباركِ عن فلانٍ القصيرِ، وفلانٍ الأعْرَجِ، وفلانٍ الأصْفَرِ، وحُميدٍ الطويلِ، قالَ: إذا أرادَ صِفَتَهُ ولم يُرِدْ عَيْبَهُ فلا بأْسَ. قالَ الخطيبُ: وإذا كانَ معروفاً باسمِ أُمِّهِ، وهو الغالبُ عليهِ، جازَ نسَبتُهُ إليهِ، مثلُ: ابنِ بُحَيْنَةَ، وابنِ أمِّ مكتومٍ، ويعلى بنِ مُنْيَةَ، والحارثِ بنِ البَرْصَاءِ، وغيرِهِم مِنَ الصَّحَابةِ، ومَنْ بعدَهُم كمنصورِ بنِ

صَفِيَّةَ، وإسماعيلَ بنِ عُلَيَّةَ. واستثنى ابنُ الصلاحِ من الجوازِ ما يكرهُهُ المُلَقَّبُ، فقالَ: إلاَّ ما يكرهُهُ مِنْ ذلكَ، كما في إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ، المعروفِ بابنِ عُلَيَّةَ، وهيَ أُمُّهُ، وقيلَ: أُمُّ أمِّهِ. روينا عن يحيى بنِ مَعِينٍ أنَّهُ كانَ يقولُ: حَدَّثَنَا إسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ، فنَهَاهُ أَحمدُ بنُ حنبلٍ، وقالَ: قُلْ: إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ، فإنَّهُ بلغني أنَّهُ كانَ يكرَهُ أنْ يُنْسَبَ إلى أُمِّهِ، فقالَ: قد قبلْنَا منكَ يا مُعَلِّمَ الخيرِ. انتهى. ولم يستثنِ الخطيبُ ذلكَ من الجوازِ، بَلْ: روى هذهِ الحكايةَ، والظاهرُ أنَّ ما قالَهُ أحمدُ هو على طريقِ الأدبِ، لا اللُّزُوْمِ. 707.... وَارْوِ فِي الاِمْلاَ عَنْ شُيُوْخِ قَدِّمِ ... أَوْلاَهُمُ وَانْتَقِهِ وَأَفْهِمِ 708.... مَا فِيْهِ مِنْ فَائِدَةٍ وَلاَ تَزِدْ ... عَنْ كُلِّ شَيْخٍ فَوْقَ مَتْنٍ وَاعْتَمِدْ 709.... عَاِليَ إِسْنَادٍ قَصِيْرَ مَتْنِ ... وَاجْتَنِبِ الْمُشْكِلَ خَوْفَ الْفَتْنِ قالَ الخطيبُ: يُستحبُّ للراوي ألاّ يقتصرَ في إملائِهِ على الروايةِ عن شيخٍ واحدٍ من شيوخِهِ، بل يروي عن جماعتهِم، ويقدِّمُ مَنْ علا إسنادُهُ منهمْ. زادَ ابنُ الصَّلاحِ: أوِ يقدِّمُ الأوْلى من وجهٍ آخرَ، قالَ: ويتَّقِي ما يمليهِ وَيتَحَرَّى المستفادَ

منهُ. قالَ الخطيبُ: ومِنْ أنفعِ ما يُمْلي الأحاديثُ الفقهيَّةُ. قالَ: ((وَيُسْتَحَبُّ أيضاً إملاءُ أحاديثِ الترغيبِ)) ، قالَ: وإذا روى حديثًا فيهِ كلامٌ غريبٌ فَسَّرَهُ، أو معنى غامضٌ بَيَّنَهُ وأظَهرَهُ. ثُمَّ رَوَى عن ابنِ مهديٍّ قالَ: لو استقبلتُ مِنْ أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ، لكتبتُ بجنبِ كُلِّ حديثٍ تفسيرَهُ. قالَ الخطيبُ: ويُستحبُّ للراوي أنْ يُنَبِّهَ على فضلِ ما يَرويهِ، ويُبَيِّنَ المعاني التي لا يعرفُها إلاَّ الحفَّاظُ من أمثالِهِ وذويهِ فإنْ كانَ الحديثُ عالياً عُلُوَاً متفاوتاً، وصفَهُ بذلكَ، وهكذا إذا كانَ راويه غايةً في الثقةِ والعدالةِ. قالَ: ويُستحبُّ إنْ روى حديثاً معلولاً أنْ يُبَيِّنَ عِلَّتَهُ: وإذا كانَ في الإسنادِ اسمٌ يُشاكِلُ غَيْرَهُ في الصورةِ، استحبَبْتُ لهُ أنْ يذكرَ صورةَ إعجامِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ التنبيهَ على تاريخِ السَّماعِ القديمِ، وكونَهَ انفردَ عَنْ شيخهِ بهِ وكونَ الحديثِ لا يوجدُ إلاَّ عِنْدَهُ. قالَ الخطيبُ: ويكونُ إملاؤُهُ عن كَلِّ شيخٍ حديثاً واحداً فإنَّهُ أعمُّ للفائدةِ، وأكثرُ للمَنْفَعَةِ قالَ: ويعتمدُ ما علا سنَدُهُ وقَصُرَ مَتْنُهُ. وروينا عن عليِّ بنِ حُجْرٍ أنَّهُ كانَ يقولُ:

وَظِيْفَتُنَا مِائَةٌ لِلْغَرِيْـ ... بِ في كُلِّ يَوْمٍ سِوَى مَا يُعَادُ شَرِيْكِيَّةٌ أَوْ هُشَيْمِيَّةٌ ... أَحَادِيْثُ فِقْهٍ قِصَارٌ جِيَادُ قالَ الخطيبُ: وينبغي أنْ يعتمدَ في إملائِهِ الروايةَ عن ثقاتِ شيوخِهِ، ولا يروي عن كَذَّابٍ، ولا مُتَظَاهِرٍ ببدعةٍ، ولا معروفٍ بالفسقِ، قالَ: ((وليتجنَّبْ في أماليهِ روايةَ ما لا تحتمِلُهُ عقولُ العوامِ لما لا يؤمَنُ عليهِمِ فيه مِنْ دخولِ الخطأ والأَوهامِ، أنْ يُشَبهُوا اللهَ تعالى بخلقِهِ، ويُلْحِقُوا بهِ ما يستحيلُ في وصفِهِ، وذلكَ نحوُ أحاديثِ الصفاتِ التي ظاهِرُها يقتضي التشبيهَ، والتجسيمَ، وإثباتَ الجوارحِ والأعضاءِ للأزليِّ القديمِ؛ وإنْ كانَتِ الأحاديثُ صحاحاً ولها في التَّأويلِ طرقٌ ووُجوهٌ، إلاَّ أنَّ مِنْ حقِّها ألاَّ تُرْوَى إلاَّ لأَهْلِها خَوْفاً مِنْ أنْ يَضِلَّ بِهَا مَنْ جَهِلَ معانِيها، فيحمِلَهَا على ظاهرِها، أو يستنكرَها فَيَرُدَّهَا، ويُكذِّبَ رواتَها، وَنَقَلَتَهَا، ثُمَّ روى حديثَ أبي هُريرةَ: ((كفى بالمرءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ)) . وقولَ عليٍّ: تُحبُّوْنَ أنْ يُكَذَّبَ اللهُ ورسولُهُ؟ حَدِّثُوا الناسَ بما يَعرفونَ، ودعوا ما يُنكِرُونَ. وقولَ ابنِ مسعودٍ: إنَّ الرجلَ ليُحَدِّثُ بالحديثِ، فيسمَعُهُ مَنْ لا يبلغُ عَقْلُهُ فَهْمَ ذلكَ الحديثِ،

فيكونُ عليهِ فتنةٌ قالَ الخطيبُ: ومِمَّا رأى العلماءُ أنَّ الصُّدُوفَ عن روايتهِ للعوامِّ أوْلَى: أحاديثُ الرُّخَصِ، كحديثِ الرُّخصةِ في النبيذِ، ثُمَّ ذَكَرَ كراهيةَ روايةِ أحاديثِ بني إسرائيلَ المأثورةِ عن أهلِ الكتابِ، وما نُقِلَ عَنْ أهلِ الكتابِ. ثُمَّ روى عَنْ الشافعيِّ أنَّ معنى حديثِ: حَدِّثُوا عن بني إسرائيلَ ولا حَرَجَ. أي لا بأْسَ أنْ تُحَدِّثُوا عَنْهُمْ ما سمعتُمْ وإنِ استحالَ أنْ يكونَ في هذهِ الأُمةِ، مثلُ ما رُويَ أنَّ ثيابَهُمْ تطولُ، والنارُ التي تنزلُ من السماءِ فتأكلُ القربانَ. انتهى. وقالَ بعضُ العلماءِ: إنَّ قولَه ولا حرجَ في مَوْضِعِ الحالِ، أي حَدِّثُوا عَنْهُمْ حيثُ لا حرجَ في التحديثِ عنْهُم، كما حُفِظَ عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَخبارِهم قالَ الخطيبُ وعن صحابَتهِ، وعن العلماءِ، فإنَّ روايَتهُ تجوزُ. قالَ الخطيبُ: ((وَلْيَتَجَنَّبْ ما شَجَرَ بينَ

الصَّحابةِ، وقد رَوَى الخطيبُ في كتابٍ لَهُ في القولِ في علمِ النُّجُومِ من حديثِ ابنِ مسعودَ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ إذا ذُكِرَ أصحابي فأَمْسِكُوا ورواهُ ابنُ عديٍّ من حديثِ ابنِ عمرَ أيضاً، وكلاهُما لا يصحُّ. (والفَتْنِ) - بفتحِ الفاءِ -: مصدرُ قولِكَ: فَتَنَ، حكاهُ الخليلُ بنُ أحمدَ. 710.... وَاسْتُحْسِنَ الإنْشَادُ في اْلأَوَاخِرِ ... بَعْدَ الْحِكَاياَتِ مَعَ النَّوَادِرِ 711.... وَإِنْ يُخَرِّجْ لِلرُّوَاةِ مُتْقِنُ ... مَجَالِسَ الإِمْلاَءِ فَهْوَ حَسَنُ 712.... وَلَيْسَ بِالإِْمْلاءِ حِيْنَ يَكْمُلُ ... غِنًى عَنِ الْعَرْضِ لِزَيْغٍ يَحْصُلُ جرتْ عادةُ غيرِ واحدٍ مِنَ الأَئَمَّةِ أنْ يختِم مجالسَ الإملاءِ بشيءٍ من الحكاياتِ والنوادرِ والإنشاداتِ بأسانيدِها. قالَ ابنُ الصلاحِ: وذلكَ حَسَنٌ. وقدْ بَوَّبَ لهُ الخطيبُ في

" الجامعِ "، واستَدَلَّ لهُ بما رَوَى بإسنادِهِ إلى عليٍّ - رضي الله عنه - قالَ: رَوِّحُوا القُلُوبَ، وابْتَغُوا لها طُرَفَ الحِكْمَةِ. وعن الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ كانَ يقولُ لأصحابهِ: هاتُوا من أَشْعَارِكُم، هاتُوا من حديثِكُمُ، فإنَّ الأُذُنَ مَجَّةٌ والقلبُ حَمِضٌ. وعن حَمَّادِ بنِ زيدٍ: أنَّهُ حَدَّثَ بأحاديثَ، ثُمَّ قالَ: لتأخُذوا في أبزَارِ الجنةِ، فحَدَّثَنَا بالحكاياتِ. وعن كثيرِ بنِ أفلحَ، قالَ: آخرُ مجلسٍ جالسْنَا فيهِ زيدَ بنَ ثابتٍ، تناشدْنَا فيهِ الشِّعْرَ. قالَ الخطيبُ: وِإنْ لم يكنِ الراوي من أهلِ المعرفةِ بالحديثِ، وعِلَلِهِ، واختلافِ وجوهِهِ، وطرقِهِ، وغيْرِ ذلكَ من أنواعِ علومِهِ، فينبغي لهُ أنْ يَستعينَ ببعضِ حُفَّاظِ وقتهِ في تخريجِ الأحاديثِ التي يُريدُ إملاءَ ها قبلَ يومِ مجلسِهِ. فقدْ كانَ جماعةٌ من شيوخِنَا يفعلونَ ذلكَ منهم: أبو الحسينِ بنُ بِشْرَانَ والقاضي أبو عمرَ الهاشميُّ، وأبو القاسمِ السَّرَّاجُ، وغيرُهم. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وإذا نَجِزَ الإملاءُ فلا غنًى عن مقابلتِهِ، وإتقانِهِ، وإصلاحِ ما فسدَ منهُ بزيغِ القلمِ، وطُغيانِهِ)) . هكذا قالَ ابنُ الصلاح هنا،

آداب طالب الحديث

أنَّهُ لا غنًى عن مقابلةِ الإملاءِ، وقد تقدَّمَ في كلامِهِ التَّرْخِيصُ في الروايةِ من الأصلِ غيرِ المُقَابلِ بشروطٍ ثلاثةٍ، ولم يذكرْ ذلكَ هنا، فيحتملُ أنْ يُحملَ هذا على مَا تقدَّمَ، ويُحتملُ أنْ يُفَرِّقَ بينَ النُّسَخِ مِنْ أصْلِ السَّمَاعِ، والنسخِ مِنْ إملاءِ الشَّيْخِ حِفظاً؛ لأنَّ الحِفْظَ يخونُ. ولكنَّ المقابلَةَ للإملاءِ، إنَّما هيَ مَعَ الشَّيْخِ أيضاً مِنْ حفظِهِ، لا على أُصُولِهِ، وليسَ في كلامِ الخطيبِ هنا اشتراطُ مقابَلةِ الإملاءِ، وإنما تَرْجَمَ عليهِ بقولهِ: المعارضةُ بالمجلسِ المكتوبِ وإِتقانهِ، وإصلاحِ ما أفسدَ منهُ زيغُ القلمِ، وطغيانُهُ، ثُمَّ روى بإسنادِهِ إلى زيدِ بنِ ثابتٍ، قالَ: كنتُ أكتبُ الوحْيَ عندَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإذا فرغتُ قالَ: اقرأهُ، فإنْ كانَ فيهِ سقطٌ أقامَهُ، ثُمَّ يُخْرَجُ بهِ. آدَابُ طَالِبِ الْحَدِيْثِ 713.... وَأَخْلِصِ الّنِيَّةَ فِي طَلَبِكا ... وَجِدَّ وَابْدَأْ بِعَوَاِلي مِصْرِكَا 714.... وَمَا يُهِمُّ ثُمَّ شُدَّ الرَّحْلاَ ... لِغَيْرِهِ وَلاَ تَسَاهَلْ حَمْلاَ أوَّلُ ما يجبُ على الطالبِ إخلاصُ النِّيَّةِ، فقد روينا في " سننِ أبي داودَ "، و"ابنِ ماجه" من حديثِ أبي هريرَةَ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ تَعلَّمَ عِلْماً مما يُبْتَغَى بهِ وَجْهُ اللهِ عزَّ وجلَّ، لا يَتَعَلَّمُهُ إلاَّ ليُصِيْبَ بهِ عَرَضاً من الدنيا، لم يجدْ

عَرْفَ الجنَّةِ يومَ القيامةِ. وروينا عن حمادِ بنِ سلمةَ قالَ: من طلبَ الحديثَ لغيرِ اللهِ مُكِرَ بهِ. قالَ الخطيبُ: إذا عزمَ اللهُ تعالى لامرئٍ على سماعِ الحديثِ وحَضَرَتْهُ نيةٌ في الاشتغالِ بهِ، فينبغي أنْ يُقَدِّمَ المسألةَ لله تعالى أَنْ يُوفِّقَهُ فيهِ، ويعينَهُ عليهِ، ثُمَّ يبادرَ إلى السماعِ، ويحرصَ على ذلكَ من غيرِ توقفٍ، ولا تأخيرٍ. وفي " صحيحِ مسلمٍ " مِنْ حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((احْرِصْ على ما يَنفعُكَ، واسْتَعِنْ باللهِ ولا تَعْجزْ)) . ولْيَجُدَّ الطالبُ في طلبهِ، فقد روينا عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، قالَ: لا يُنَاْلُ العلمُ براحةِ الجَسَدِ. وروينا عن الشافعيِّ قالَ: لا يَطْلُبُ هذا العلمَ مَنْ يطلُبهُ بالتمَلُّلِ، وغنى النَّفْسِ، فيُفْلِحُ، ولكنْ مَنْ طَلَبهُ بِذِلَّةِ النَّفْسِ، وضيقِ الَعيْشِ، وخدمَةِ العلمِ، أفلَحَ. قالَ الخطيبُ: ويعمدُ إلى أسْنَدِ شيوخ مِصرِهِ، وأقدمِهِمْ سماعًا فيديمُ الاختلاَف إليهِ، ويواصلُ العكوفَ عليهِ، فيقدّمُ السماعَ منهُ، وإِنْ تكاَفأَتْ أسانيدُ جماعةٍ من الشيوخِ في العُلُوِّ، وأرادَ أنْ يَقْتصرَ على السماعِ من بعضِهم، فينبغي أنْ يتخيَّرَ المشهورَ منهم

بطلبِ الحديثِ، المشارَ إليهِ بالإتقانِ لهُ، والمعرفةِ بهِ. وإذا تساوَوْا في الإسنادِ والمعرفةِ فمَنْ كانَ مِنْ الأشرافِ وذوي الأَنسابِ، فهو أَوْلَى أن يُسْمَعَ منهُ. وروينا عن الحافظِ أبي الفضلِ صالحِ بنِ أحمدَ التميميِّ، قالَ: ينبغي لطالبِ الحديثِ ومَنْ عُنِىَ بهِ أنْ يبدأَ بكَتْبِ حديثِ بلدِهِ، ومعرفةِ أهلِهِ منهم، وتفهُّمهِ وضبْطِهِ حَتّى يعلمَ صحيحَها وسقيمَها، ويَعْرِفَ مَنْ أهلُ الحديثِ بهَا، وأحوالَهُم معرفةً تامةً، إذا كانَ في بَلَدِه عِلْمٌ وعلماءُ، قديمًا وحديثًا. ثُمَّ يشتغلُ بعدُ بحديثِ البُلدانِ والرحلةِ فيهِ. وروينا عن أبي عبيدةَ، قالَ: مَنْ شَغَلَ نفسَهُ بغيرِ المُهِمِّ أضَرَّ بالمُهِمِّ. وقالَ الخطيبُ: المقصودُ بالرحلةِ في الحديثِ أمرانِ: أحدُهما: تحصيلُ عُلُوِّ الإسناِد وقِدَمِ السَّماعِ. والثاني: لقاءُ الحفَّاظِ، والمذاكرةُ لهم، والاستفادةُ عنهم. فإذا كانَ الأمْرَانِ موجودَيْنِ في بلدِ الطالبِ، ومعدومينِ في غيرِهِ، فلا فائدةَ في الرحلةِ، فالاقتصارُ على ما في البلدِ أولى. فإذا كانا موجوْدَينِ في بلدِ الطالبِ، وفي غيرِهِ إلاَّ أنَّ ما في كُلِّ واحدٍ مِنَ البلدينِ يختصُّ بهِ، أي: مِنَ العوالي والحفَّاظِ؛ فالمستحبُّ للطالبِ الرحلةُ لجمعِ الفائدتَيْنِ من عُلُوِّ الإسناْدَينِ، وعلمِ الطائفَتْينِ. لكن بعدَ تحصيلِهِ حديثَ بلدِهِ وتمهُّرِهِ في المعرفةِ بهِ. قالَ: وإذا عزمَ الطالبُ على الرحلةِ، فينبغي لهُ ألاَّ يتركَ في بلدِهِ من الرواةِ أحداً إلاَّ ويكتبَ عنهُ ما تيسَّرَ من الأحاديثِ، وإنْ قَلَّتْ فإنِّي سمعتُ بعضَ أصحابِنا يقولُ: ضَيِّعْ ورقةً ولا تُضَيِّعَنَّ شَيخَاً. وروينا عن أحمدَ

وسألَهُ ابنُهُ عبدُ اللهِ عمَّنْ طلبَ العلمَ، تَرَى له أنْ يَلْزمَ رجلاً عندَهُ عِلْمٌ فيكتبَ عنهُ؟ أو تَرَى لهُ أنْ يَرْحَلَ إلى المواضعِ التي فيها العلمُ فيسمَعَ منهمْ؟ قالَ: يرحلُ، يكتبُ عن الكوفِيِّينَ والبصريِّينَ، وأهلِ المدينةِ ومكَّةَ يُشَامُّ الناسَ يسمعُ منهم. وروينا عن ابنِ مَعِينٍ، قالَ: أربعةٌ لا تُؤْنِسُ منهم رُشْداً منهم رجلٌ يكتبُ في بلدِهِ، ولا يرحَلُ في طلبِ الحديثِ. وقالَ إبراهيمُ بنُ أدهمَ: إنَّ اللهَ يدفعُ البلاءَ عن هذهِ الأمةِ برحلةِ أصحابِ الحديثِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ولا يَحْمِلَنَّهُ الحِرْصُ والشَّرَهُ على التَّسَاهُلِ في السَّمَاع والتَّحَمُّل، والإخلالِ بما عليهِ في ذلكَ. وقالَ الخطيبُ: لِيَعْلَمَ الطالبُ أنَّ شهوةَ السَّمَاعِ لا تنتهي، والنَّهْمَةَ من الطلبِ لا تَنْقَضِي، والعِلْمُ كالبِحَارِ الْمُتَعَذِّرِ كيلُها، والمعادنِ التي لا ينقطعُ نيلُها. فلا ينبغي له أنْ يَشْتَغِلَ في الغُرْبةِ إلاَّ بما يُسْتَحَقُّ لأجْلِهِ الرحلةُ. وقولي: (حَمْلاً) تمييزٌ، أي: ولا تتساهلْ في الْحَمْلِ والسَّمَاعِ.

715.... وَاعْمَلْ بِمَا تَسْمَعُ فِي الْفَضَائِلِ ... وَالشَّيْخَ بَجّلْهُ وَلاَ تَثَاقَلِ 716.... عَلَيْه تَطْويْلاَ بِحَيْثُ يَضْجَرْ ... وَلاَ تَكُنْ يَمْنَعُكَ التَّكَبُّرُ 717.... أَو الْحَيَا عَنْ طَلَبٍ وَاجْتَنِبِ ... كَتْمَ السَّمَاعِ فَهْوَ لُؤْمٌ وَاكْتُبِ 718.... مَا تَسْتَفيْدُ عَالِياً وَنَاِزلاَ ... لاَ كَثْرَةَ الشُّيُوْخِ صِيْتَاً عَاطلاَ 719.... وَمَنْ يَقُلْ إذا كَتَبْتَ قَمِّشِ ... ثُمَّ إذا رَوَيْتَهُ فَفَتِّشِ 720.... فَلَيْسَ مِنْ ذَا وَالْكتَابَ تَمِّمِ ... سَمَاَعَهُ لاَ تَنْتَخِبه تَنْدَمِ 721.... وَإِنْ يَضِقْ حَالٌ عَنِ اسْتِيْعَابهِ ... لِعَارِفٍ أَجَادَ فِي انْتِخَابهِ 722.... أَوْ قَصَّرَ اسْتَعَانَ ذَا حِفْظٍ فَقَدْ ... كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ مَنْ لَهُ يُعدْ 723.... وَعَلَّمُوْا فِي الأَصْلِ إِمَّا خَطَّا ... أَوْ هَمْزَتَيْنِ أَوْ بِصَادٍ أَوْ طَا ولْيَسْتَعْمِلِ الطالبُ ما سمعَ من الحديثِ في فضائلِ الأعمالِ، فقد روينا في حديثِ عليٍّ: أنَّ رجلاً قالَ: يا رسولَ اللهِ، ما يَنْفِيَ عنِّي حُجَّةَ الْجَهْلِ؟ قالَ: العِلْمُ. قالَ: فما يَنْفِيَ عنِّي حُجَّةَ العِلْمِ؟ قالَ: العَمَلُ. وروينا عن بشرِ بنِ الحارثِ، قالَ: يا أصحابَ الحديثِ! أدُّوا زكاةَ هذا الحديثِ، اعمَلُوا مِن كُلِّ مائتي حديثٍ بخمسةِ أحاديثَ.

وروينا عن عمرِو بنِ قيسٍ الْمُلاَئِيِّ، قالَ: إذا بلغَكَ شيءٌ من الخيرِ فاعْمَلْ بهِ، - ولو مرَّةً - تكنْ مِنْ أهلِهِ. وروينا عن وكيعٍ، قالَ: إذا أردتَ أنْ تحفظَ الحديثَ فاعملْ بهِ وروينا عن إبراهيمَ بنِ إسماعيلَ بنِ مُجَمِّعٍ، قالَ كُنَّا نَسْتَعِينُ على حفظِ الحديثِ بالعملِ بهِ وروينا عن أحمدَ بنِ حنبلٍ، قالَ ما كتبتُ حديثاً إلاَّ وقدْ عملتُ بهِ، حتَّى مَرَّ بي في الحديثِ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وأَعطى أبا طَيْبَةَ دِيْنَاراً، فأَعْطَيْتُ الْحَجَّامَ ديناراً حين احْتَجَمْتُ وليبَجِّلِ الطالبُ الشَّيخَ، فقدْ روينا عن مغيرةَ، قالَ كُنَّا نَهَابُ إِبراهيمَ، كما نَهَابُ الأَميرَ وروينا عن البخاريِّ قالَ ما رأيتُ أحداً أوقرَ للمُحَدِّثينَ مِن يحيى بنِ معينٍ. وليحذَرْ منَ التثقيلِ عليهِ لئلاَّ يُضْجِرَهُ ويملَّهُ. قالَ الخطيبُ: وإذا حدَّثَهُ فيجبُ أنْ يأخذَ منهُ العفوَ ولا يُضْجِرْهُ. قالَ: والإضْجَارُ يُغَيِّرُ الأفهامَ، ويفسِدُ الأخلاقَ، ويحيلُ الطِّبَاعَ، وقد كانَ إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ مِنْ أحسنِ الناسِ خُلُقاً، فلَمْ يزالوا بهِ حتَّى ساءَ خُلُقُهُ. وروينا عن محَمَّدِ بنِ سيرينَ: أنَّهُ سألَهُ رجلٌ عن حديثٍ وقد أرادَ أنْ يقومَ، فقالَ: إنَّكَ إنْ كَلَّفْتَني ما لم أُطِقْ،

ساءَكَ ما سَرَّكَ مِنِّي مِنْ خُلُقٍ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((يُخْشَى على فاعلِ ذلكَ أنْ يُحْرَمَ الانتفاعَ)) . قلتُ: وقد جَرَّبْتُ ذلكَ، فإنَّ شيخَنا أبا العباسِ أحمدَ بنَ عبدِ الرحمنِ الْمردَاويَّ، كانَ كَبِرَ وعَجَزَ عن الإسماعِ حتى كُنَّا نتألَّفُهُ على قراءةِ الشيءِ اليسيرِ، فقرأَ عليهِ بعضُ أصحابنِا فيما بلغني"العُمْدةَ" بإجازتِهِ من ابنِ عبدِ الدائمِ وأطالَ عليهِ فأضْجَرَهُ فكانَ يقولُ لهُ الشيخُ: لا أحْيَاكَ اللهُ أنْ تروِيَها عنِّي، أو نحوَ ذلكَ، فماتَ الطالبُ بعدَ قليلٍ، ولم ينتفعْ بما سَمِعَهُ عليهِ. وليحذرِ الطالبُ أنْ يمنعَهُ التَّكَبُّرُ، أو الحياءُ عن طلبِ العلمِ، فقد ذكرَ البخاريُّ عن مجاهدٍ قالَ: ((لا ينالُ العلمَ مُسْتَحيٍ، ولا مُسْتَكبرٌ)) ، وليتجنَّبِ الطالبُ أنْ يظفرَ بشيخٍ، أو بسماعٍ لشيخٍ فيكتمَهُ لينفردَ بهِ عن أضرابهِ، فذلكَ لؤمٌ مِنْ فَاعلهِ، على أنَّهُ قد روينا فِعْلَ ذلكَ عن جماعةٍ من الأئِمَّةِ المتقدِّمينَ، كشعبةَ وسفيانَ الثوريِّ، وهُشيمٍ، واللَّيثِ، وابنِ جُرْيَجٍ، وسفيانَ بنِ عُيينةَ، وابنِ لَهِيْعَةَ، وعبدِ الرَّزَّاقِ، فاللهُ أعلمُ بمقاصدِهِم في ذلكَ. وروينا عن مالكٍ قالَ: مِنْ بَرَكَةِ الحديثِ إفادةُ بعضِهِم بعضاً

، ونَحُوه عن ابنِ المباركِ ويحيى بن مَعينٍ. وروينا عن يحيى بنِ معينٍ، قالَ: مَنْ بَخِلَ بالحديثِ، وكَتَمَ على الناسِ سماعَهُم، لم يُفْلِحْ. وروينا عن إِسْحَاقَ بنِ راهويهِ، قالَ: قد رأيْنَا أقواماً مَنَعُوا هذا السَّماعَ، فواللهِ ما أفلحُوا ولا أنجحوا. قالَ الخطيبُ: ((والذي نَسْتَحِبُّهُ إفادةَ الحديثِ لمنْ لم يسمَعْهُ والدّلالةَ على الشُّيُوخِ والتنبيهَ على رواياتهِم، فإنَّ أَقَلَّ ما في ذلكَ النُّصْحُ للطالبِ، والحفظُ للمطلوبِ، معَ ما يُكْتَسَبُ بهِ من جزيلِ الأجرِ، وجميلِ الذِّكْرِ)) ، ثُمَّ رَوَى بإسنادهِ إلى ابنِ عبَّاسٍ رَفَعَهُ، قالَ: إخواني تَنَاصَحُوا في العِلْمِ ولا يَكتُمْ بعضُكُم بعضاً، فإنَّ خيانةَ الرجلِ في علمِهِ، أشدُّ من خيانتهِ في مالِهِ، ثُمَّ رَوَى عن الثَّوريِّ قالَ: لِيُفِدْ بعضُكم بعضاً، وهذا يدلُّ على أنَّ ما رُوِيَ عنهُ وعمَّنْ تقدَّمَ ذكرُهُ مِنَ الأئِمَّةِ ممَّا يخالفُ ذلكَ محمولٌ على كَتْمِهِ عمَّنْ لَمْ يَرَوْهُ أهلاً، أو على مَنْ لَمْ يَقْبلِ الصوابَ إذا أُرْشِدَ إليهِ، أو نحوِ ذلكَ. وقد قالَ الخطيبُ: ((مَنْ أدَّاْهُ - لجهلهِ - فَرْطُ التِّيهِ والإعجابِ إلى المحاماةِ عن الخطأِ والمماراةِ في الصوابِ، فهو بذلكَ الوصفِ مذمومٌ مأثومٌ، ومُحْتجِزُ الفائدةِ عنه غيرُ مؤَنَّبٍ ولا مَلُومٍ)) .

وروينا عن الخليلِ بنِ أحمدَ أنَّهُ قالَ لأبي عُبيدةَ معمرِ بنِ المثنى: لا تَرُدَّنَّ على معجبٍ خطأً، فيستفيدَ منكَ علماً، ويتخذَكَ بهِ عدواً. ولتكنْ همةُ الطالبِ تحصيلَ الفائدةِ، سواءٌ وقعتْ له بعلوٍّ أمْ بِنُزولٍ ولا يأَنَفْ أنْ يكتبَ عمَّنْ هو دونَه ما يستفيدُهُ. روينا عن سفيانَ ووكيعٍ قالاَ: لا يكونُ الرجلُ مِنْ أهلِ الحديثِ، حتَّى يكتبَ. وقالَ وكيعٌ: لا يكونُ عالماً حتى يأخذَ عمَّنْ هو فوقَهُ، وعمَّنْ هو دونَه، وعمَّنْ هو مثلُهُ. وكانَ ابنُ المباركِ يكتبُ عمَّنْ هو دونَهُ، فقيلَ لهُ، فقالَ: لعلَّ الكلمةَ التي فيها نجاتي لم تَقَعْ لي. وليحذرِ الطالبُ أنْ تكونَ هِمَّتُهُ تكثيرَ الشيوخِ لمجرَّدِ اسمِ الكثرةِ وصيتِها، قالَ ابنُ الصلاحِ: وليسَ بموفَّقٍ مَنْ ضَيَّعَ شيئاً من وقتهِ في ذلكَ. وروينا عن عفَّانَ أنَّهُ سمعَ قوماً يقولونَ: نسخْنَا كُتُبَ فلانٍ، فقالَ: هذا الضربُ من َالناسِ، لا يُفلِحُونَ. كُنَّا نأتي هذا فنسمعُ منهُ ما ليسَ عندَ هذا، ونسمعُ مِنْ هذا ما ليسَ عندَ هذا، فقدمْنَا الكوفةَ، فأقمنا أربعةَ أشهرٍ، ولو أردْنا أنْ نكتبَ مائةَ ألفِ حديثٍ، لكتبناها، فما كتبْنَا إلا قدرَ خمسةِ آلافِ حديثٍ، وما رضيِنَا مِنْ أحدٍ إلاَّ بالإملاءِ؛ إلاَّ شريكَ فإنَّهُ أَبى علينا. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وليسَ من ذلكَ قولُ أبي

حاتِمٍ الرازيِّ: إذا كتبتَ فَقَمِّشْ، وإذا حَدَّثْتَ فَفَتِّشْ)) . والتَّقْمِيْشُ والقَمْشُ أيضاً: جمعُ الشيءِ من هاهُنا وهاهُنا. وَلَمْ يُبَيِّنِ ابنُ الصلاحِ ما المرادُ بذلكَ، وكأنَّهُ أرادَ: اكْتُبِ الفائدةَ ممَّنْ سمعتَها ولا تُؤخِّرْ ذلكَ حَتَّى تنظرَ فيمَنْ حدَّثكَ، أهُوَ أهلٌ أنْ يُؤخَذَ عَنْهُ أم لا؟ فربَّما فاتَ ذلكَ (¬1) بموتِ الشيخِ أو سفرِهِ، أو سفرِكَ. فإذا كانَ وقتُ الروايةِ عنهُ، أو وقتُ العملِ بذِلكَ، فَفَتِّشْ حينئذٍ. وقد ترجمَ عليهِ الخطيبُ: باب مَنْ قالَ: يكتبُ عَنْ كُلِّ أحدٍ. ويَحْتَمِلُ: أنَّ مرادَ أبي حاتمٍ استيعابُ الكتابِ المسموعِ، وتركُ انتخابهِ، أوْ استيعابُ ما عندَ الشيخِ وقتَ التحمُّلِ، ويكونُ النظرُ فيهِ حالةَ الروايةِ. وقدْ يكونُ قَصْدُ المحدِّثِ تكثيرَ طُرُقِ الحديثِ، وجَمْعَ أطرافِهِ، فيكثرُ لذلكَ شيوخُه ولا بأْسَ بذلكَ. فقد روينا عن أبي حاتمٍ قالَ: لو لَمْ نكْتُبِ الحديثَ من ستينَ وجهاً ما عَقَلْنَاهُ. وقد وُصِفَ بالإكثارِ من الشيوخِ سفيانُ الثوريُّ، وأبو داودَ الطيالسيُّ، ويونسُ بنُ محمّدٍ المؤدِّبُّ، ومحمّدُ بنُ يونسَ الكُدَيميُّ، وأبو عبدِ الله ابنُ مَنْدَه، والقاسمُ بنُ داودَ البغداديُّ، روينا عنهُ قالَ: كتبْتُ عن ستةِ آلافِ شيخٍ. وينبغي للطالبِ أنْ يسمعَ، ويكتبَ ما وقعَ له من كتابٍ، أو جُزءٍ على التَّمَامِ، ولا يَنتخبْهُ، فربمَّا احتاجَ بعدَ ذلكَ إلى روايةِ شيءٍ منهُ لَمْ يَكنْ فيما انتخبَهُ مِنْهُ، فيندمُ، ¬

(¬1) سقطت من النسخ المطبوعة

وقد روينا عن ابنِ المباركِ قالَ: ما انتخبتُ على عالمٍ قَطُّ، إلاَّ نَدمْتُ. وروينا عنهُ قالَ: ما جاءَ مِن مُنْتَقٍ خيرٌ قَطُّ. وروينا عن يحيى ابنِ معينٍ قالَ: صاحبُ الانتخابِ يندمُ، وصاحبُ النسخِ لا يندمُ. وقد فَرَّقَ الخطيبُ في ذلكَ بَيْنَ أَنْ يكونَ الشيخُ عَسِراً، والطالبُ وارداً غريباً؛ فقالَ: إذا كَانَ المحدِّثُ مُكْثِراً وفي الروايةِ مُعْسِراً، فينبغي للطالبِ أن يَنْتَقِي حديثَهُ، وينتخبَهُ، فَيَكْتبَ عنهُ ما لا يجدُهُ عندَ غيرِهِ، ويَتجنَّبَ الْمُعَادَ من رواياتِهِ قالَ: وهكذا حُكمُ الواردينَ من الغُرباءِ الذينَ لا يُمكنُهُم طولُ الإقامةِ والثَّوَاءِ. قالَ: وأَمَّا مَتَىلم يتمَيَّزْ للطالبِ مُعادُ حديثِهِ من غيرِهِ، وما يُشَارَكُ في روايتهِ مِمَّا ينفردُ بهِ، فالأوْلَى أنْ يكتبَ حديثَهُ عَلَى الاستيعابِ دونَ الانتقاءِ والانتخابِ. انتهى. وإليهِ أشرتُ بقولي: (وإنْ يَضِقْ حَالٌ عَنِ اسْتِيْعَابِهْ) أي: لعُسْرِ الشيخِ، أوْ لكونِ الشيخِ، أوِ الطالبِ وارداً غيرَ مُقيمٍ، ونحوِ ذلكَ. وقولي: (لعارفٍ) أي: بجودةِ الانتخابِ فقد روينا عن يحيى بنِ مَعِينٍ قالَ: دَفَعَ إليَّ ابنُ وَهْبٍ كتابينِ عن معاويةَ بنِ صالحٍ خمسمائةِ أو ستمائةِ حديثٍ، فانتقيتُ شرارَها لم يكنْ لي بها يومئذٍ معرفةٌ.

وإنْ قَصَّرَ الطالبُ عن معرفةِ الانتخابِ وجودتهِ، فقالَ الخطيبُ: ((ينبغي أنْ يستعينَ ببعضِ حُفَّاظِ وقتِهِ على انتقاءِ ما لَهُ غرضٌ في سماعِهِ وكتْبِهِ. ثُمَّ ذكرَ من المعروفينَ بحسنِ الانتقاءِ أبا زُرْعَةَ الرازيَّ، وأبا عبدِ الرحمنِ النسائيَّ، وإبراهيمَ بنَ أُورمةَ الأصبهانيَّ، وعُبَيْداً العِجْلَ، وأبا بكرٍ الْجِعَابِيَّ، وعمرَ البصريَّ، ومحمَّدَ بن الْمُظَفَّرِ، والدَّارقطنيَّ، وأبا الفتحِ ابنَ أبي الفوارسِ، وأبا القاسمِ هبةَ اللهِ بنَ الحسنِ الطبريَّ اللالكائيَّ. وقولي: (وَعَلَّمُوا في الأصْلِ) . هذا بيانٌ لما جرتْ به عادةُ الحفَّاظِ من تعليمهِم في أصلِ الشيخِ على ما انتخبوهُ. وفائدتُهُ لأجلِ المعارضَةِ أو ليُمْسِكَ الشيخُ أصلَهُ، أو لاحتمالِ ذهابِ الفرعِ، فينقلَ من الأصلِ، أو يحدّثَ من الأصلِ بذلكَ المعلَّمِ عليهِ. واختياراتُهُم لصورةِ العلامةِ مختلفةٌ، ولا حرجَ في ذلكَ، فكانَ الدَّارقطنيُّ يعلِّمُ بخطٍّ عريضٍ، بالْحُمْرَةِ في الحاشيةِ اليُسرى، وكانَ اللالكائيُّ يُعلِّمُ على أوَّلِ إسنادِ الحديثِ بخطٍّ صغيرٍ، بالْحُمْرَةِ. وهذا الذي استقرَّ عليهِ عَمَلُ أكثرِ المتأخِّرِينَ وكانَ أبو الفضلِ عليُّ بنُ الحسنِ الفَلَكِيُّ يُعلِّمُ بصورةِ همزتينِ بحبرٍ في الحاشيةِ اليُمنى. وكان أبو الحسنِ عليُّ بنُ أحمدَ النُّعَيْميُّ يُعَلِّمُ صاداً ممدودةً بِحِبْرٍ في الحاشيةِ اليُمنى، أيضاً. وكان أبو محمّدٍ الخلاّلُ يُعَلِّمُ طاءً ممدودةً كذلكَ. وكانَ محمَّدُ بنُ طلحةَ النِّعَاليُّ يُعَلِّمُ بحاءينِ إحداهُما إلى جَنْبِ الأخْرَى كذلكَ.

724.... وَلاَ تَكُنْ مُقْتَصِراً أَنْ تَسْمَعَا ... وَكَتْبَهُ مِنْ دُوْنِ فَهْمٍ نَفَعَا 725.... وَاقْرَأْ كِتَاباً فِي عُلُوْمِ الأَثَرِ ... كَابْنِ الصَّلاَحِ أَوْ كَذَا الْمُخْتَصَرِ لا يَنْبَغِي للطَّالبِ أنْ يقتصرَ على سماعِ الحديثِ، وكَتْبِهِ دونَ معرفتِهِ وَفَهْمِهِ، وقدْ روينا عن أبي عاصمٍ النَّبِيْلِ، قالَ: الروايةُ في الحديثِ بلا درايةٍ، رِيَاسَةٌ نَذِلَةٌ. قالَ الخطيبُ: هيَ اجتماعُ الطلبةِ على الرَّاوي للسماعِ عندَ عُلُوِّ سِنِّهِ، قالَ: فإذا تَمَيَّزَ الطالبُ بَفَهْمِ الحديثِ، ومعرفتِهِ، تَعَجَّلَ بَرَكَةَ ذلكَ في شبيبتِهِ. قالَ: ولو لَمْ يَكُنْ في الاقتصارِ على سماعِ الحديثِ، وتخليدِهِ الصُّحُفَ، دونَ التَّمْييزِ بمعرفةِ صحيحِهِ من فاسدِهِ والوقوفِ على اختلافِ وجوهِهِ، والتصرفِ في أنواعِ عُلومِهِ، إلاَّ تَلْقِيبُ المعتزلةِ القدريةِ مَنْ سَلَكَ تِلْكَ الطريقةِ بالْحَشَوِيَّةِ؛ لوجبَ على الطالبِ الأَنَفَةُ لنفسِهِ، ودَفْعُ ذلكَ عنهُ، وعن أبناءِ جِنْسِهِ. وروينا عن فارسِ بنِ الحسينِ لنفسِهِ:

يا طَاْلبَ العلمِ الذِّي ... ذَهَبَتْ بمُدَّتِهِ الرِّوَاْيَهْ كُنْ فيْ الِّرَوْايَةِ ذَاْ العِنَا ... يَةِ، بِالرِّوَاْيَةِ، وَالدِّرَاْيَهْ وَارْوِ الْقَلِيْلَ وَرَاْعِهِ ... فَالْعِلْمُ لَيْسَ لَهُ نِهَاْيَهْ وقولي: (وكتْبَهُ) ، هو منصوبٌ عطفاً على محلِّ (أنْ) المصدريةِ، فمحلُّها نُصِبَ على نزعِ الخافضِ، أي: مُقتصراً على سماعِ الحديثِ، وكَتْبِهِ. ويَنْبَغِي للطالبِ أنْ يقدِّمَ قراءةَ كتابٍ في علومِ الحديثِ حِفْظاً، أو تَفَهُّماً، ليعرفَ مصطلحَ أهلِهِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ثمَّ إنَّ هذا الكتابَ مدخلٌ إلى هذا الشأْنِ، مُفْصِحٌ عنْ أُصُولِهِ، وفروعِهِ، شارحٌ لمصطلحاتِ أهلِهِ، ومقاصدِهمْ، وَمُهْمَّاتِهِمُ التي ينقصُ المحدِّثُ بالجهلِ بها نقصاً فاحِشاً، فهو- إنْ شاءَ اللهُ تعالى- جديرٌ بأنْ تُقَدّمَ العنايةُ بهِ)) . وقولي: (أو كَذَا الْمُخْتَصَرِ) ، إشارةٌ إلى هذهِ الأُرْجُوْزَةِ. 726 ... وَبِالصَّحِيْحَيْنِ ابْدَأَنْ ثُمَّ السُّنَنْ ... وَالْبَيْهَقِيْ ضَبْطَاً وَفَهْمَاً ثُمَّ ثَنْ 727.... بِمَا اقْتَضَتْهُ حَاجَةٌ مِنْ مُسْنَدِ ... أَحْمَدَ وَالْمُوَطَّأِ الْمُمَهَّدِ 728.... وَعِلَلٍ، وَخَيْرُهَا لأَِحْمَدَا ... وَالدَّارَقُطْنِي وَالتَّوَارِيْخُ غَدَا 729.... مِنْ خَيْرِهَا الْكَبِيْرُ لِلْجُعْفِيِّ ... وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيْلُ لِلرَّازِيِّ 730.... وَكُتُبِ الْمُؤْتَلِفِ الْمَشْهُوْرِ ... وَالأَكْمَلُ الإِْكْمَالُ لِلأَمِيْرِ قالَ الخطيبُ: ((مِنْ أَوَّلِ ما يَنْبَغِي أنْ يستعملَهُ الطالبُ شدةُ الحرصِ على السماعِ، والمسارعةُ إليهِ، والملازمةُ للشيوخِ. ويبتدئُ بسماعِ الأُمَّهَاتِ من كُتُبِ أهلِ الأثرِ، والأصولِ الجامعةِ للسُّنَنِ. وأَحقُّها بالتقديمِ الصحيحانِ للبخاري ومسلمٍ،

وممَّا يتلو الصحيحينِ: سننُ أبي داودَ، والنَّسَائيِّ، والتِّرْمذيِّ، وكتابُ ابنِ خُزيمةَ)) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ضبطاً لِمُشْكِلِهَا، وفَهْماً لخفيِّ معانيها. قالَ: ولا يُخْدَعَنَّ عن كتابِ " السننِ الكبيرِ " للبيهقيِّ، فإنَّا لا نعلمُ مِثْلَهُ في بابِهِ. ثُمَّ لسائرِ ما تَمَسُّ حاجةُ صاحبِ الحديثِ إليهِ من كُتُبِ المسانيدِ، ك‍" مسندِ أحَمدَ "، ومن كتبِ الجوامعِ المصنَّفَةِ في الأحكامِ. و" موطأُ مالكٍ " هو المقدَّمُ منها)) . وقالَ الخطيبُ - بعدَ أنْ ذكرَ الكتبَ الخمسةَ -: ثُمَّ كُتُبُ المسانيدِ الكبارِ، مثلُ مسندِ أحمدَ، وابنِ راهويهِ، وأبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ، وأبي خيثمةَ، وعبدِ بنِ حُميدٍ، وأحمدَ بنِ سنانٍ، والحسنِ بنِ سُفْيَانَ، وأبي يَعْلَى، وما يوجدُ من مسندِ يعقوبَ بنِ شيبةَ، وإسماعيلَ القاضي، ومحمّدِ بنِ أيوبَ الرازيِّ. ثُمَّ الكتُبُ المصنَّفَةُ، مثلُ كتبِ ابنِ جُريجٍ، وابنِ أبي عَرُوبةَ، وابنِ المباركِ، وابنِ عُيينةَ، وهُشيمٍ، وابنِ وَهْبٍ، والوليدِ بنِ مسلمٍ، ووكيعٍ، وعبدِ الوهابِ بنِ عطاءٍ، وعبدِ الرزاقِ، وسعيدِ بنِ منصورٍ، وغيرِهم. قالَ: وأما " موطّأُ مالكٍ "، فهو المقَدَّمُ في هذا النوعِ، ويجبُ أنْ يُبتدأَ بذكرِهِ على كُلِّ كتابٍ لغيرِهِ)) . ثُمَّ الكتبُ المتعلِّقةُ بعِلَلِ الحديثِ، فمنها كتابُ أحمدَ بنِ حنبلٍ، وابنِ المدينيِّ، وابنِ أبي حاتِمٍ، وأبي عليٍّ النَيْسابوريِّ، والدارقطنيِّ، و" التمييزُ " لمسلمٍ، ثُمَّ تواريخُ المحدِّثينَ، مثلُ: كتابِ ابنِ مَعِيْنٍ - روايةُ عبَّاسٍ، وروايةُ المفضَّلِ الغَلاّبيِّ، وروايةُ الحسينِ بنِ حبَّانَ -، وتاريخِ خليفةَ، وأبي حسَّانَ الزِّيَادِيِّ، ويعقوبَ الفَسَويِّ، وابنِ أبي خَيْثمةَ، وأبي زُرْعةَ

الدمشقيِّ، وَحنبلِ بنِ إسحاقَ، والسَّرَّاجِ. و" الجرحُ والتعديلُ " لابنِ أبي حاتِمٍ. قالَ: وَيُرْبِي على هذِهِ الكُتُبِ كُلِّها، تاريخُ محمدِ بنِ إسماعيلَ البخاريِّ، يريدُ: " التأْريخَ الكبيرَ ". وله ثلاثةُ تواريخَ. وإلى هذا أشرتُ بقولي: (مِنْ خَيْرِهَا الكَبِيْرُ للجُعْفِيِّ) أي: البخاريِّ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((إنَّ مِنْ أجودِ العِلَلِ، كتابَ أحمدَ، والدَّارقطنيِّ، ومن أفضلِ التواريخِ، " تاريخَ البخاريِّ الكبيرَ "، وكتابَ ابنِ أبي حاتِمٍ. ثُمَّ قالَ: ومِنْ كُتُبِ الضبطِ لمُشْكِلِ الأسماءِ، قالَ: ومِنْ أكملِهَا كتابُ الإكمالِ، لأبي نصرِ بنِ ماكولا)) . 731.... وَاحْفَظْهُ بِالتَّدْرِيْجِ ثُمَّ ذَاكِرِ ... بِهِ وَالاتْقَانَ اصْحَبَنْ وَبَادِرِ 732.... إذا تَأَهَّلْتَ إلى التَّأْلِيْفِ ... تَمْهَرْ وَتُذْكَرْ وَهْوَ في التَّصْنِيْفِ 733.... طَرِيْقَتَانِ جَمْعُهُ أبوابَا ... أَوْ مُسْنَداً تُفْرِدُهُ صِحَابَا 734.... وَجَمْعُهُ مُعَلَّلاً كَمَا فَعَلْ ... يَعْقُوْبُ أَعْلَى رُتْبَةً وَمَا كَمَلْ لِيَكُنْ تَحَفُّظُ الطالبِ للحديثِ على التَّدريجِ قليلاً قليلاً، ولا يأخذُ نفسَهُ بما لا يطيقُهُ. ففي الحديثِ الصحيحِ: ((خُذُوا مِنَ الأعمالِ مَا تُطِيْقُونَ)) . وروينا عن الثوريِّ قالَ: كنتُ آتي الأعمشَ، ومنصوراً، فأسمَعُ أربعةَ أحاديثَ أو خمسةً، ثُمَّ

انصرفُ كراهيةَ أنْ تَكْثُرَ، وتَفَلَّتْ. وروينا نحو ذلكَ عن شعبةَ، وابنِ عُلَيَّةَ، ومَعْمَرٍ. وروينا عن الزهريِّ قالَ: مَنْ طلبَ العلمَ جملةً، فاتَهُ جملةً، وإنما يُدْرَكُ العلمَ حديثٌ وحديثانِ. وقالَ أيضاً فيما رويناهُ عنه: إنَّ هذا العلمَ إنْ أخذتَهُ بالمكَاثَرَةِ لهُ غَلَبَكَ، ولكنْ خُذْهُ معَ الأيَّامِ، واللَّيَالي أخذاً رفيقاً، تَظْفَرُ بهِ. وممَّا يعينُ على دوامِ الحفظِ المذاكرةُ. روينا عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - قالَ: تذاكروا هذا الحديثَ، إِلاَّ تَفْعَلوا، يَدْرُسْ. وروينا عن ابنِ مسعودٍ قالَ: تذاكروا الحديثَ، فإنَّ حياتَهُ مذاكرتُهُ. وروينا نحوَه عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، وابنِ عبَّاسٍ. وروينا عن الخليلِ بنِ أحمدَ قالَ: ذَاكِرْ بعلمكَ، تَذْكُرْ ما عندكَ، وتَسْتَفِدْ ما ليسَ عِنْدَكَ. وروينا عن عبدِ اللهِ ابنِ المعتزِّ، قالَ: مَنْ أكثرَ مذاكرةَ العلماءِ، لم يَنْسَ ما عَلِمَ، واستفادَ ما لم يَعْلَمْ. وليكنِ المحدِّثُ مصاحباً للإتقانِ، فقد روينا عن عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْديٍّ قالَ: الحفظُ الإتقانُ. وإذا تأهَّلَ المحدِّثُ للتأليفِ والتخريجِ،

واستعدَّ لذلكَ، فليبادرْ إليهِ. فقد قالَ الخطيبُ: قَلَّمَا يتمهَّرُ في علمِ الحديثِ ويقِفُ على غوامضِهِ، ويَستبينُ الْخَفِيَّ مِنْ فوائدِهِ؛ إلاَّ مَنْ جَمَعَ متفرِّقَهُ، وأَلَّفَ مُتَشَتِّتَهُ، وضمَّ بعضَهُ إلى بَعْضٍ، واشتغلَ بتصنيفِ أبوابِهِ، وترتيبِ أصنافِهِ فإنَّ ذلكَ الفِعلَ مما يُقوِّي النَّفْسَ، ويُثَبِّتُ الحِفْظَ، ويُذْكي القلبَ، ويَشْحَذُ الطَّبْعَ، ويبسطُ اللسانَ، ويجيدُ البيانَ، ويكشِفُ الْمُشْتَبِهَ، ويوضحُ الْمُلْتَبِسَ، ويُكْسِبُ أيضاً جَمِيْلَ الذِّكْرِ، ويخلِّدُهُ إلى آخرِ الدهرِ، كما قالَ الشاعرُ: يَمُوْتُ قَوْمٌ فَيُحْيِي الْعِلْمُ ذِكْرَهُمُ ... وَالْجَهْلُ يُلْحِقُ أَحْيَاءً بِأَمْوَاتِ قالَ: وكانَ بعضُ شيوخِنِا يقولُ: مَنْ أرادَ الفائدةَ فَلْيَكْسِرْ قلمَ النَّسْخِ، وليأخُذْ قلمَ التَّخْرِيجِ. وروينا عن الحافظِ أبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ الصُّوريِّ، قالَ: رأيتُ عبدَ الغنيِّ بنَ سعيدٍ الحافظَ في المنامِ، فقالَ لي: يا أبا عبدِ اللهِ، خَرِّجْ وصنِّفْ قبلَ أنْ يُحَالَ بينكَ وبينَهُ، هذا أنا قدْ تَراني قد حِيْلَ بيني وبينَ ذلكَ. ثمَّ إنَّ للعلماءِ في تصنيفِ الحديثِ، وجمعهِ، طريقتينِ. إحداهُما: تصنيفُهُ على الأبوابِ على أحكامِ الفقهِ وغيرِها، كالكتبِ الستةِ، والموطَّأ، وبقيةِ المصنفاتِ. والثانيةُ: تصنيفُهُ على مسانيدِ الصحابةِ، كُلُّ مُسْنَدٍ على حدَةٍ، كما تقدَّمَ.

وروينا عن الدارقطنيِّ، قالَ: أوَّلُ مَنْ صنَّفَ مُسنداً وَتَتَبَّعَهُ نُعَيمُ بنُ حمَّادٍ. قالَ الخطيبُ: ((وقد صنَّفَ أسدُ بنُ موسى مُسْنَداً، وكانَ أكبرَ مِنْ نُعَيمٍ سِناً، وأقدمَ سماعاً، فيحتملُ أنْ يكونَ نُعَيمٌ سبقَهُ في حداثتِهِ)) . قالَ الخطيبُ: ((فإنْ شاءَ رتَّبَ أسماءَ الصحابةِ على حروفِ الْمُعْجَمِ، وإنْ شاءَ على القبائلِ، فيبدأُ ببني هاشمٍ ثُمَّ الأقربِ فالأقربِ إلى رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النَّسَبِ. وإنْ شاءَ على قَدَرِ سَوَابقِ الصَّحَابةِ في الإسلامِ. قالَ: وهذهِ الطريقةُ أحبُّ إلينا. فيبدأُ بالعَشَرةِ، ثُمَّ بالمقدَّمينَ مِنْ أهلِ بَدْرٍ، ويَتْلُوهُم أهلُ الْحُدَيْبِيَّةِ، ثُمَّ مَنْ أسلمَ وهاجرَ بينَ الْحُدَيْبِيَّةِ والفتحِ، ثُمَّ مَنْ أسلمَ يومَ الفتحِ، ثُمَّ الأصاغرِ الأسنانِ، كالسائبِ بنِ يزيدَ، وأبي الطُّفَيْلِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ثُمَّ بالنساءِ، قالَ: وهذا أحسنُ، والأوَّلُ أسهلُ)) . قالَ الخطيبُ: ((يُسْتحبُّ أنْ يصنِّفَ الْمُسْنَدَ مُعَلَّلاً، فإنَّ معرفةَ العللِ أجلُّ أنواعِ الحديثِ)) . وروينا عن عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْديٍّ، قالَ: لإِنْ أَعْرفَ عِلَّةَ حديثٍ هو عندي، أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أكتبَ عشرينَ حديثاً ليسَ عندي. وقد جمعَ يعقوبُ بنُ شيبةَ مُسْنَداً مُعَلَّلاً. قالَ الأزهريُّ: ولم يُصَنِّفْ يعقوبُ المسندَ كُلَّهُ. قالَ: وسمعْتُ الشيوخَ يقولونَ: لم يُتَمَّمْ مسندٌ معلَّلٌ قَطُّ. قالَ: وقِيْلَ لي: إنَّ نسخةً بمسندِ أبي هُريرةَ شُوهِدَتْ بمصرَ، فكانتْ مائتي جزءٍ، قالَ: ولَزِمَهُ على ما

خرَّجَ من المسندِ عشرةُ آلافِ دينارٍ. قالَ الخطيبُ: ((والذي ظهرَ ليعقوبَ مسندُ العشرةِ وابنِ مسعودٍ، وعمَّارٍ، وعتبةَ بنِ غزوانَ، والعبَّاسِ، وبعضِ الموالي. هَذَا الذي رأينا من مُسْندِهِ)) . وإلى هذا أشرتُ بقولي: (وما كَمَلْ) وهيَ مِنَ الزوائدِ على ابنِ الصَّلاح. 735.... وَجَمَعُوْا أبواباً اوْ شُيُوخاً اوْ ... تَرَاجِماً أَوْ طُرُقاً وَقَدْ رَأَوْا 736.... كَراهَةَ الْجَمْعِ لِذِي تَقْصِيْرِ ... كَذَاكَ الاخْرَاجُ بِلاَ تَحْرِيْرِ وممَّا جَرَتْ عادةُ أهلِ الحديثِ أنْ يخصُّوهُ بالجمعِ والتأليفِ؛ الأبوابُ، والشُّيُوخُ، والتَّرَاجمُ، والطُّرقُ، فأمَّا جمعُ الأبوابِ، فَهُوَ إفرادُ بابٍ واحدٍ بالتَّصنيفِ، ككتابِ " رفعِ اليدينِ "، وبابِ " القراءةِ خلفَ الإمامِ "، أفردَهُما البخاريُّ بالتصنيفِ. وبابِ " التصديقِ بالنظرِ للهِ تعالى " أفردَهُ الآجُرِّيُّ. وبابِ " النِّيَّةِ "، أفردَهُ ابنُ أبي الدنيا. وبابِ " القضاءِ باليمينِ مع الشاهدِ "، أفردَهُ الدَّارقطنيُّ. وبابِ " القنوتِ " أفردَهُ ابنُ مَنْدَه. وبابِ " البسملةِ "، أفردَهُ ابنُ عبدِ البرِّ. وغيرِهِ وغيرِ ذلكَ. وأمَّا جمعُ الشيوخِ، فهو جمعُ حديثِ شيوخٍ مخصوصينَ، كُلِّ واحدٍ منهم على انفرادِهِ، كجمعِ " حديثِ الأعمشِ " للإسماعيليِّ، وحديثِ " الفُضَيلِ بنِ عياضٍ " للنسائيِّ، وحديثِ " محمدِ بنِ جُحَادةَ " للطَّبرانيِّ، وغيرِ ذلكَ، وقد ذكرَ الخطيبُ ممَّنْ يُجْمَعُ حديثُهُ: إسماعيلَ بنَ أبي خالدٍ، وأيوبَ بنَ أبي تميمةَ، وبيانَ بنَ بشرٍ، والحسنَ بنَ صَالحِ بنِ حيٍّ، وحمَّادَ بنَ زيدٍ وداودَ بنَ أبي هندٍ، وربيعةَ بنَ أبي عبدِ الرحمنِ، وزائدةَ، وزهيراً، وزيادَ بنَ سعدٍ، وسفيانَ الثوريَّ، وسفيانَ بنَ عُيينةَ، وسُليمانَ بنَ إسحاقَ الشيبانيَّ، وسليمانَ بنَ طَرْخَانَ، وسليمانَ بنَ مِهْرَانَ الأعمشَ، وشُعبةَ، وصفوانَ بنَ سُلَيمٍ، وطلحةَ بنَ مُصَرِّفٍ، وعبدَ اللهِ

ابنَ عَوْنٍ. وعبدَ الرحمنِ بنَ عمرٍو الأوزاعيَّ، وعبيدَ اللهِ بنَ عمرَ العُمَريَّ، وأبا حَصينٍ عثمانَ بنَ عاصمٍ الكوفيَّ، وعمرَو بنَ دينارٍ المكيَّ، ومالكَ بنَ أَنَسٍ، ومحمَّدَ بنَ جُحَادةَ، ومحمدَ بنَ سُوقَةَ، ومحمدَ بنَ مسلمِ بنِ شهابٍ، ومحمدَ بنَ واسعٍ، ومِسْعَرَ بنَ كِدَامٍ، ومَطَرَ بنَ طَهْمانَ، وهِشامَ بنَ سعدٍ، ويحيى بنَ سعيدٍ الأنصاريَّ، ويونسَ بنَ عُبَيدِ البصريَّ. وروينا عن عثمانَ ابنِ سعيدٍ الدارميَّ، قالَ: يقالَ: مَنْ لم يَجمعْ حديثَ هؤلاءِ الخمسةِ، فهو مُفْلِسٌ في الحديثِ: سُفيانُ، وشُعبةُ، ومالكٌ، وحمَّادُ بنُ زيدٍ، وابنُ عُيينةَ، وهم أصولُ الدينِ. وأمَّا جمعُ التراجمِ فهو جمعُ ما جاءَ بترجمةٍ واحدةٍ من الحديثِ، كمالكٍ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ، وسُهَيلِ بنِ أبي صالحِ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ، وهشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ، وأيوبَ، عن ابنِ سِيرينَ، عن أبي هُريرةَ، ونحوِ ذلكَ. وأمَّا جمعُ الطرقِ، فهو جمعُ طرقِ حديثٍ واحدٍ، كطرقِ حديثِ " قبضِ العلمِ " للطُّوسيِّ، وطرقِ حديثِ " مَنْ كذبَ عليَّ متعمداً " للطبرانيِّ، وطرقِ حديثِ " طلبُ العلمِ فريضةٌ ". ونحوِ ذلكَ. وقد أدخلَ الخطيبُ هذا القسمَ في جمعِ الأبوابِ، وأفردَهُ ابنُ الصلاحِ بالذِّكْرِ، وهو واضحٌ؛ لأنَّ هَذَا جمعُ طرقِ حديثٍ واحدٍ، وذلكَ جمعُ بابٍ وفيهِ أحاديثُ مختلفةٌ، واللهُ أعلمُ. وكَرِهُوا الجمعَ والتأليفَ لمنْ هو قاصرٌ عن جودَةِ التأليفِ. روينا عن عليِّ بنِ المدينيِّ، قالَ: إذا رأيتَ المحدِّثَ أوَّلَ ما يكتبُ الحديثَ يجمعُ حديثَ " الغُسْلِ "، وحديثَ " مَنْ كذبَ عليَّ "، فاكتبْ على قَفَاهُ: لا يُفْلِحُ. وكذلكَ كَرِهُوا إخراجَ التصنيفِ إلى الناسِ قبلَ تهذيبِهِ، وتحريرِهِ، وإعادةِ النَّظَرِ فيهِ، وتكريرِهِ.

العالي والنازل

الْعَالِي وَالنَّازِلُ 737.... وَطَلَبُ الْعُلُوِّ سُنَّةٌ وَقَدْ ... فَضَّلَ بَعْضٌ النُّزُوْلَ وَهْوَ رَدّْ 738.... وَقَسَّمُوْهُ خَمْسَةً فَالأَوَّلُ ... قُرْبٌ مِنَ الرَّسُوْلِ وَهْوَ الأَفْضَلُ 739.... إِنْ صَحَّ الاسْنَادُوَقِسْمُ القُرْبِ ... إلى إِمَامٍ وَعُلُوٍّ نِسْبِي 740.... بِنِسْبَةٍ لِلْكُتُبِ السِّتَّةِ إِذْ ... يَنْزِلُ مَتْنٌ مِنْ طَرِيْقِهَا أُخِذْ روينا عن أحمدَ بنِ حنبلٍ، قالَ: طلبُ الإسنادِ العالي سُنَّةٌ عمَّنْ سلفَ. وروينا عن محمدِ بنِ أسلمَ الطوسيِّ، قالَ: قُرْبُ الإسنادِ قُرْبٌ، أو قُرْبَةٌ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ. وقالَ الحاكمُ: ((وفي طلبِ الإسناد العالي سُنَّةٌ صحيحةٌ، فذكرَ حديثَ أنسٍ في مجيءِ الأعْرَابيِّ، وقولهِ: يا محمدُ، أَتَانا رَسُولُكَ فَزَعَمَ كذا، ... الحديثَ. قالَ: ولو كانَ طلبُ العُلُوِّ في الإسنادِ غيرَ مستحَبٍّ لأنكرَ عليهِ سؤالَهُ عمَّا أخبرَهُ رسولُهُ عنهُ، ولأَمَرَهُ بالاقتصارِ على ما أخبرَهُ الرسولُ عنهُ)) . ولم يحكِ الحاكمُ خلافاً في تفضيلِ العُلُوِّ،

العلو في الإسناد على خمسة أقسام،

وحكاهُ ابنُ خَلاَّدٍ، ثُمَّ الخطيبُ، فحكيا عن بعضِ أهلِ النَّظَرِ: أنَّ التَّنَزُّلَ في الإسنادِ أفضلُ؛ لأنَّهُ يجبُ عَلَى الرَّاوِي أَنْ يجتهدَ في مَتْنِ الحديثِ، وتأويلهِ، وفي الناقلِ وتَعديلهِ، وكلَّما زادَ الاجتهادُ زادَ صاحبُهُ ثواباً. قالَ ابنُ خَلاَّدٍ: ((وهذا مذهبُ مَنْ يزعُمُ أَنَّ الخبرَ أقوى مِنَ القياسِ)) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهذا مذهبٌ ضعيفُ الحجَّةِ)) . قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: لأنَّ كثرةَ المشقةِ ليستْ مطلوبةً لنفسِها، قالَ: ((ومراعاةُ المعنى المقصودِ من الروايةِ، وَهُوَ الصحةُ أوْلَى)) . قلتُ: وهذا بمثابةِ مَنْ يَقْصِدُ المسجدَ لصلاةِ الجماعةِ، فيسلُكُ طريقةً بعيدةً لتكثير الخُطَا، وإنْ أدَّاهُ سلوكُها إلى فواتِ الجماعةِ التي هي المقصودُ. وذلكَ أنَّ المقصودَ من الحديثِ التَّوَصُّلُ إلى صحَّتِهِ وبُعْدُ الوَهَمِ. وكلَّما كثُرَ رجالُ الإسنادِ تطرَّقَ إليهِ احتمالُ الخطأ والخلَلِ، وكلَّما قَصُرَ السندُ كانَ أسلمَ. اللَّهُمَّ إلاَّ أنْ يكونَ رجالُ السندِ النازلِ، أوثقَ، أو أحفظَ، أو أفقهَ، ونحوَ ذلكَ، على ما سيأتي في آخرِ هذا الفصلِ. ثمَّ العلوُّ في الإسنادِ على خمسةِ أقسامٍ، كما قَسَّمَهُ أبو الفضلِ محمدُ بنُ طاهرٍ في جزءٍ لَهُ، أفردَهُ لذلكَ، وتبعَهُ ابنُ الصَّلاحِ على كونِها خمسةَ أقسامٍ، وإنِ اختلفَ كلامُهُمَا في مَاهِيَّةِ بعضِ الأقسامِ، كما سيأتي.

القسمُ الأولُ: القربُ من رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنْ حيثُ العددُ بإسنادٍ نظيفٍ غيرِ ضعيفٍ. وإليهِ الإشارةُ بقولي: (إنْ صَحَّ الاسنادُ) ، فأمَّا إذا كانَ قربُ الإسنادِ مع ضعفِ بعضِ الرواةِ، فلا التفاتَ إلى هذا العلوِّ، لا سِيَّمَا إنْ كانَ فيهِ بعضُ الكذَّابينَ المتأخِّرِينَ ممَّنْ ادَّعَى سماعاً من الصحابةِ، كإبراهيمَ بنِ هُدْبَةَ، ودينارِ بنِ عبدِ اللهِ، وخراشٍ، ونُعَيمِ بنِ سالمٍ، ويَعْلَى بنِ الأشْدَقِ وأبي الدنيا الأشجِّ، ونحوِهم. قالَ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ في " الميزانِ ": ((متى رأيتَ المحدِّثَ يفرحُ بعوالي أبي هُدْبَةَ، ويَعْلَى بنِ الأشْدَقِ، وموسى الطويلِ، وأبي الدنيا، وهذا الضربِ، فاعلمْ أنَّهُ عَامِيٌّ بعدُ)) . وهذا القسمُ الأوَّلُ هوَ أفضلُ أنواعِ العُلُوِّ، وأجلُّها، وأعْلَى ما يقعُ للشيوخِ في هذا الزمانِ من الأحاديثَ الصِّحَاحِ المتصلةِ بالسَّمَاعِ؛ ما هُوَ تُساعيُّ الإسنادِ، ولا يقعُ ذلكَ في هذهِ الأزمانِ إلاَّ مِنَ " الغَيْلانياتِ "، و" جُزْءِ الأنصاريِّ "، و" جُزْءِ الغِطْريفِ " فقطْ. أو ما هوَ مأخوذٌ مِنْهَا. ولا يقعُ لأَمثالنِا من الصحيحِ المتصلِ بالسماعِ، إلاَّ عُشاريُّ الإسنادِ، وَقَدْ يقعُ لنا التساعيُّ الصحيحُ، وَلَكِنْ بإجازةٍ في الطريقِ، واللهُ أعلمُ. وقولُ الذهبيِّ في " تأريخ الإسلامِ " في ترجمةِ ابنِ البخاريِّ: وهو آخرُ مَنْ كانَ في الدنيا بينَهُ وبينَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثمانيةُ رجالٍ ثقاتٍ، فإنَّهُ يريدُ معَ اتصالِ السماعِ. أمَّا مَعَ الإجازةِ فقدْ تأخّرَ بعدَهُ جماعةٌ، واللهُ أعلمُ.

والقسمُ الثاني من أقسامِ العلوِّ: القربُ إلى إمامٍ من أئِمَّةِ الحديثِ، كالأعمشِ وهشيمٍ، وابنِ جريجٍ، والأوزاعيِّ، ومالكٍ، وسفيانَ، وشعبةَ، وزُهيرٍ، وحمَّادَ بنِ زيدٍ، وإسماعيلَ بنِ عُلَيَّةَ، وغيرِهمِ من أئِمَّةِ الحديثِ. وكلامُ الحاكمِ يشيرُ إلى ترجيحِ هذا القسمِ على غيرِهِ، وأنَّهُ المقصودُ من العلُوِّ، وإنما يوصفُ بالعلوِّ إذا صحَّ الإسنادُ إلى ذلكَ الإمامِ بالعددِ اليسيرِ، كما صرَّحَ بهِ الحاكمُ، وهو كذلكَ، كما مَرَّ في القسمِ الأوَّلِ. وأعلى ما يقعُ اليومَ للشيوخِ بيَنهمُ وبينَ هؤلاءِ الأئِمَّةِ مِنْ حيثُ العددُ معَ صحةِ السَّنَدِ، واتِّصَالِهِ بالسَّماعِ أَنَّ بينَهمُ وبينَ الأعمشِ وهشيمٍ، وابنِ جُرَيْجٍ، والأوزاعيِّ، ثمانيةً. وبينَهمُ وبينَ مالكٍ والثوريِّ، وشعبةَ، وزهيرٍ، وحمَّادِ بنِ سلمةَ، سبعةٌ، وبينَهم وبينَ ابنِ عُلَيَّةَ ستةٌ. وقدْ سَاوينا الشُّيُوخَ بالنسبةِ إلى هشيمٍ، فبيننا وبينَهُ سبعةٌ بالسَّمَاعِ الصَّحيحِ المتصلِ. والقسمُ الثالثُ: العلوُّ المقيَّدُ بالنسبةِ إلى روايةِ الصحيحينِ، وبقيةِ الكتبِ السِّتَّةِ. وسَمَّاهُ ابنُ دقيقِ العيدِ: علوَّ التنزيلِ، ولم يذكرِ ابنُ طاهرٍ هذا القسمَ، وجعلَ القسمَ الثالثَ: علوَّ تَقدُّمِ السَّمَاعِ، وجمعَ بينَهُ وبينَ قسمِ تقدُّمِ الوفاةِ، فجعلهُمَا قسماً واحداً، كما سيأتي ولكنَّ هذا القسمَ يؤخذُ من كلامِ ابنِ طاهرٍ في آخرِ الجزءِ المذكورِ، وإنْ لم يذكرْهُ في الأقسامِ. وليسَ هذا علوّاً مطلقاً في جميعِ هذا القسمِ، وإنّما هو بالنسبةِ لهذهِ الكتبِ، إذ الراوي لَوْ رَوَى الحديثَ من طريقِ كتابٍ مِنَ السِّتَّةِ يقعُ أنزلَ مِمَّا لو رواهُ من غيرِ طريقِهَا، وقد يكونُ عالياً مطلقاً أيضاً، مثالُهُ: حديثٌ رواهُ الترمذيُّ لابنِ مسعودٍ مرفوعاً: يومَ كلَّمَ اللهُ موسى كانتْ عليهِ جُبَّةُ صُوْفٍ ... الحديثَ.

رواهُ الترمذيُّ عن عليٍّ بنِ حُجْرٍ عن خَلَفِ بنِ خَليفةَ. فلو رويناهُ من طريقِ الترمذيِّ وقعَ بينَنَا وبينَ خَلَفٍ تسعةٌ، فإذا رويناهُ من " جزءِ ابنِ عرفَةَ "، وقعَ بيننا وبينَه سبعةٌ بعلوِّ درجتينِ. فهذا معَ كونهِ علواً بالنسبةِ، فهو أيضاً علوٌّ مطلقٌ، ولا يقعُ اليومَ لأحدٍ هذا الحديثُ أعلى من هذا، وكلُّ واحدٍ منْ شَيْخِنا فَمن بَعْدَهُ إلى خَلَفٍ هو آخرُ مَنْ رواه عن شيخِهِ بالسَّماعِ من الجزءِ المذكورِ، وقولُ ابنِ الصلاحِ: ((إنَّ هذا النوعَ من العلوِّ، عُلوٌّ تابعٌ لنزولٍ)) محمولٌ عَلَى الغالبِ، وإلاَّ فهذا الحديثُ المذكورُ عالٍ للترمذيِّ، وعالٍ لنا، وليسَ هُوَ عالياً بالنسبةِ فقطْ. وهذا النوعُ هُوَ الَّذِي يقعُ فِيْهِ الموافقاتُ، والإبدالُ، والمساواةُ، والمصافحاتُ، عَلَى ما سيأتي بيانُها. 741.... فَإِنْ يَكُنْ فِي شَيْخِهِ قَدْ وَافَقَهْ ... مَعَ عُلُوٍّ فَهُوَ الْمُوَافَقَهْ 742.... أَوْ شَيْخِ شَيْخِهِ كَذَاكَ فَالْبَدَلْ ... وَإِنْ يَكُنْ سَاوَاهُ عَدَّاً قَدْ حَصَلْ 743.... فَهْوَ الْمُسَاوَاةُ وَحَيْثُرَاجَحَهْ ... الأَصْلُ باِلْوَاحِدِ فَالْمُصَاَفَحَهْ هذا إشارةٌ إلى بيانِ الموافقةِ، وما ذُكِرَ معها. فالموافقةُ: أنْ يرويَ الراوي حديثاً في أحدِ الكُتبِ السِّتَّةِ بإسنادٍ لنفسِهِ، مِنْ غيرِ طرِيقِهَا، بحيثُ يجتمعُ مع أحدِ الستةِ في شيخِهِ معَ علوِّ هذا الطريقِ الذي رواهُ منه على ما لو رواهُ من طريقِ أحدِ الكتبِ الستةِ. مثالهُ: حديثٌ رواهُ البخاريُّ عن محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ، عن حُمَيْدٍ، عن أنسٍ مرفوعاً:

((كتابُ اللهِ القِصَاصُ)) فإذا رويناهُ من" جزءِ الأنصاريِّ " يقعُ موافقةً للبخاريِّ في شيخِهِ مع علوِّ درجةٍ. وأمَّا البَدَلُ: فهو أنْ يوافِقَهُ في شيخِ شيخِهِ مع العلوِّ أيضاً. وإلى ذلكَ أشرتُ بقولي: (كذاكَ) . مثالُهُ: حديثُ ابنِ مسعودٍ الذي رواهُ الترمذيُّ، وتقدَّمَ في شرحِ الأبياتِ التي قبلَ هذهِ فهذا يطلقونَ عليهِ: البَدَلَ، وقدْ يُسمُّونَهُ موافقةً مقيَّدةً، فيقالُ: هو موافقةٌ في شيخِ شيخِ الترمذيِّ مثلاً. ويؤخذُ ذلكَ من قولي: (أو شيخِ شيخِهِ) أي: وإنْ يكنْ قدْ وافَقَهُ في شيخِ شيخهِ فسَمَّاهُ موافقةً في شيخِ الشيخِ، وأمَّا تقييدُ الموافقةِ والبدلِ بصورةِ العلوِّ فكذا ذكرَهُ ابنُ الصَّلاحِ، أنَّهُ لا يطلقُ عليهِ ذلكَ إلاَّ مَعَ العلوِّ، فإنَّهُ قالَ: ولوْ لَمْ يكنْ ذلكَ عالياً فهوَ أيضاً موافقةٌ وبدلٌ، لكنْ لا يُطلقُ عليهِ اسمُ الموافقةِ والبدلِ، لعدمِ الالتفاتِ إليهِ. قلتُ: وفي كلامِ غيرِهِ من المخَرِّجِيْنَ إطلاقُ اسمِ الموافقةِ والبدلِ؛ مع عدمِ العلوِّ، فإنْ علا قالَوا: موافقةً عاليةً، أوْ بدلاً عالياً، كذا رأيتُهُ في كلامِ الشيخِ جمالِ الدينِ الظاهريِّ، وغيرِهِ، ورأيتُ في كلامِ الظاهريِّ، والذهبيِّ: فوافقناهُ بنزولٍ. فسمَّياهُ معَ النُّزُولِ موافقةً، ولكنْ مقيَّدةً بالنُّزُولِ، كما قَيَّدَهَا غيُرهُما بالعلوِّ. وأمَّا المُسَاوَاةُ: فهو أنْ يكونَ بينَ الراوي وبينَ الصحابيِّ، أوْ مَنْ قَبْلَ الصحابيِّ إلى شيخِ أحدِ السِّتَّةِ كما بَيْنَ أحدِ الأئمةِ السِّتَّةِ وبينَ ذلكَ الصَّحابيِّ أو مَنْ قَبْلَهُ على ما ذكرَ. أو يكونُ بينَهُ وبينَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما بينَ أحدِ الأئمةِ الستةِ وَبيْنَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العددِ. وهذا كُلُّهُ كانَ يوجدُ قديماً، وأمَّا اليومُ فلا توجدُ المساواةُ إلاَّ بأنْ يكونَ عَدُّ ما بينَ الراوي الآنَ، وبينَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَعَدِّ ما بينَ أحدِ الأئِمَّةِ السِّتَّةِ، وبينَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومثالُ المساواةِ لشيوخِنَا، حديثُ النهي عن نكاحِ الْمُتْعَةِ، أخبرنا به محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ عبدِ العزيزِ، قالَ: أخبرنا عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ المنعمِ الحرَّانيُّ، قالَ: أنبأنا أسعدُ بنُ سعيدٍ بنِ رَوْحٍ، وعَفِيفةُ بنتُ

أحمدَ الفَارفانيةُ، واللَّفظُ لها، قالاَ: أخبَرَتْنَا فاطمةُ بنتُ عبدِ اللهِ الْجُوْزدانيِّةُ، قالَتْ: أخبرنا أبو بكرِ بنُ رِيْذَةَ، قالَ: أخبرنا سُليمانُ بنُ أحمدَ الطبرانيُّ، قالَ: حدَّثَنا أبو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بنُ الفَرَجِ، قالَ: حَدَّثَنا يحيى بنُ بُكيرٍ، قالَ: حَدَّثَني اللَّيثُ ح قالَ الطبرانيُّ: وحَدَّثَنا يوسفُ القاضي، قالَ: حَدَّثَنا أبو الوليدِ الطيالسيُّ، قالَ: حَدَّثَنا ليثُ بنُ سعدٍ، قالَ: حَدَّثَني الرَّبيعُ بنُ سَبْرَةَ الْجُهنيُّ، عن أبيهِ - سَبْرَةَ - أنَّهُ قالَ: أذنَ لنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالْمُتْعَةِ، ... الحديثَ، وفيهِ: ثُمَّ إنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: مَنْ كانَ عندَهُ شيءٌ منْ هذهِ

النِّساءِ اللاَّتي يُتَمَتَّعُ بِهنَّ فَلْيُخَلِّ سَبيلَها، واللَّفظُ لحديثِ يحيىبنِ بُكَيرٍ. هذا حديثٌ صحيحٌ أخرجه مسلمٌ والنسائيُّ، عن قُتيبةَ، عن اللَّيثِ. فوقعَ بدلاً لهما عالياً. ووَرَدَ حديثُ النَّهْي عن نكاحِ الْمُتْعَةِ من حديثِ جماعةٍ من الصحابةِ منهم: عليُّ بنُ أبي طالبٍ وهو مُتَّفَقٌ عليهِ من حديثهِ من طريقِ مالكٍ. وقد رواهُ النسائيُّ في جمعهِ "لحديثِ مالكٍ" عن زكريا بنِ يحيى خيَّاطِ السُّنَّةِ، عنِ إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ الهرويِّ، عن سعيدِ بنِ محبوبٍ، عن عَبْثَرَ بنِ القاسمِ، عن سفيانَ الثوريِّ، عن مالكٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن عبدِ اللهِ، والحسنِ ابنَي محمّدِ ابنِ عليٍّ، عن أبيهِمَا، عن عليٍّ. فباعتبارِ هذا العددِ كأنَّ شيخَنا سَاوَى فيهِ النسائيَّ، وكأَنِّي لَقيْتُ النسائيَّ وصافحْتُهُ بهِ، وللهِ الحمدُ. وأمَّا المصافحةُ: فهوَ أنْ يعلوَ طريقَ أحدِ الكتبِ الستةِ عن المساواةِ بدرجةٍ، فيكونُ الراوي كأنَّهُ سمعَ الحديثَ من البخاريِّ، أو مسلمٍ مثلاً. وهو المرادُ بقولي: (وَحَيْثُ راجَحَهُ الأصْلُ) أي: وحيثُ رجَّحَ أحدٌ من الأئِمَّةِ السِّتَّةِ براوٍ واحدٍ على الراوي الذي وقعَ لهُ ذلكَ الحديثُ، سَمَّوْهُ مصافحةً، بمعنى: أنَّ الراوي كأَنَّهُ لقيَ أحدَ الأئِمَّةِ السِّتَّةِ، وصافحَهُ بذلكَ الحديثِ. ومثَّلْتُ بالكتبِ السِّتَّةِ؛ لأنَّ الغالبَ عَلَى

المخرِّجينَ استعمالُ ذلكَ بالنسبةِ إليهم فقطْ. وقدِ استعملَهُ الظاهريُّ وغيرُهُ بالنسبةِ إِلَى مسندِ أحمدَ، ولا مُشَاحَّةَ في ذلكَ. وَقَدْ وقعَ لنا غيرُ ما حديثٍ مصافحةً، فمِنْ ذَلِكَ: الحديثُ المتقدِّمُ مثالاً للمساواةِ، فإنَّهُ مساواةٌ لشيوخِنا، مصافحةً لنا، كَمَا تقدَّمَ، واللهُ أعلمُ. 744.... ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ الْوَفَاةِ ... أَمَّا الْعُلُوُّ لاَ مَعَ الْتِفَاتِ 745.... لآخَرٍ فَقِيْلَ لِلْخَمْسِيْنَا ... أَو الثَّلاَثِيْنَ مَضَتْ سِنِيْنَا هذا القسمُ الرابعُ من أقسامِ العُلوِّ، وهو تَقدُّمُ وفاةِ الراوي عَنْ شيخٍ، على وفاةِ راوٍ آخَرَ عنْ ذلكَ الشيخِ، مثالُهُ: مَنْ سمعَ " سننَ أبي داودَ " على الزكيِّ عبدِ العظيمِ، أعلى مِمَّنْ سمعَهُ على النجيبِ الحرَّانيِّ. ومَنْ سمعَهُ على النجيبِ، أعلى ممَّنْ سمعَهُ على ابنِ خطيبِ المزَّةِ، والفخرِ بنِ البخاريِّ؛ وإِنِ اشتركَ الأَربعَةُ في روايةِ الكتابِ عن شيخٍ واحدٍ، وهو: ابنُ طَبَرْزَذ؛ لتَقَدُّمِ وفاةِ الزكيِّ على النجيبِ، وتَقَدُّمِ وفاةِ النجيبِ على مَنْ بَعْدَهُ.

روينا عن أبي يعلى الخليليِّ، قالَ: ((قد يكونُ الإسنادُ يعلُو على غيرِهِ بتقدُّمِ مَوْتِ راويهِ، وإنْ كانا متساوِيَيْنِ في العدَدِ)) . وهذا كُلُّهُ بنسبةِ شيخٍ إلى شيخٍ. أمَّا علوُّ الإسنادِ بتقدُّمِ موتِ الشيخِ، لا معَ التفاتِ لأمْرٍ آخرَ، أو شيخٍ آخرَ، فمَتى يُوصفُ بالعلوِّ؟ روينا عَنْ ابنِ جَوْصَا، قالَ: إسنادُ خمسينَ سنةً من موتِ الشيخِ؛ إسنادُ عُلُوٍّ. وروينا عَنْ أبي عبدِ اللهِ بنِ مَنْدَه، قالَ: إذا مرَّ عَلَى الإسنادِ ثلاثونَ سنةً، فَهُوَ عالٍ. وقولي: (سنيناً) ، تمييزٌ. والتقييدُ بالخمسينَ أُرِيدَ: منْ موتِ الشيخِ، لا من وقْتِ السماعِ عليهِ، كما صرَّحَ به ابنُ جَوْصَا. وأَمَّا كلامُ ابنِ مَنْدَه، فيحتملُ أنَّهُ أرادَ من حينِ السماعِ، وهو بعيدٌ؛ لأنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ َشيخُهُ إلى الآن حيّاً، والظاهرُ أنَّهُ أرادَ إذا مضى على إسنادِ كتابٍ، أو حديثٍ، ثلاثونَ سنةً، وهوَ في تِلْكَ المدَّةِ لا يقعُ أعلى من ذلكَ، كسماعِ كتابِ البخاريِّ في سنةِ ستينَ وسبعمائةٍ مثلاً على أصحابِ أصحابِ ابنِ الزَّبيديِّ، فإنَّهُ مضتْ عليهِ ثلاثونَ سنةً مِنْ موتِ مَنْ كانَ آخرَ مَنْ يرويه عالياً، وهو الحجَّارُ.

746 ... ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ السَّمَاعِ ... وَضِدُّهُ النُّزُوْلُ كَالأَنْوَاعِ 747 ... وَحَيْثُ ذُمَّ فَهْوَ مَا لَمْ يُجْبَرِ ... وَالصِّحَّةُ الْعُلُوُّ عِنْدَ النَّظَرِ هذا القسمُ الخامسُ من أقسامِ العلوِّ، وهو تقدُّمُ السماعِ من الشيخِ، فمَنْ تقدَّمَ سماعُهُ من شيخٍ كانَ أعلى ممَّنْ سمعَ من ذلكَ الشيخِ نفسِهِ بعدَهُ. روينا عن محمدِ بنِ طاهرٍ، قالَ: من العُلُوِّ تقدُّمُ السَّماعِ. ولكنْ جعلَ ابنُ طاهرٍ، وتبعهُ ابنُ دقيقِ العيدِ، هذا القسمَ، والذي قبلَهُ، قسماً واحداً، وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((إنَّ كثيراً من هذا يدخلُ في النوعِ المذكورِ قبلَهُ، وفيهِ ما لا يدخلُ مثلُ أنْ يسمعَ شخصانِ مِن شيخٍ واحدٍ، وسماعُ أحدِهما من ستينَ سنةً مثلاً، وسماعُ الآخرِ من أربعينَ سنةً)) ، قلتُ: وأهلُ الحديثِ مُجْمِعُوْنَ على أفضليةِ المتَقَدِّمِ في حَقِّ مَنِ اختلَطَ شيخُهُ، أو خَرِفَ لِهَرَمٍ، أو مَرَضٍ، وهو واضحٌ. أمَّا مَنْ لَمْ يحصلْ لهُ ذلكَ فربَّما كانَ السماعُ المتأخِّرُ أرجحَ، بأنْ يكونَ تحديثُهُ الأولُ قبلَ أنْ يبلغَ درجةَ الإتقانِ، والضبطِ، ثُمَّ كانَ الشيخُ متصفاً بذلكَ في حالةِ سماعِ الراوي المتأخِّرِ السماعِ، فلهذا مزيةٌ، وفضلٌ على السماعِ المتقدِّمِ، وهو أرفعُ وأعلى، لكنَّهُ علوٌّ معنويٌّ على ما سيأتي. فهذهِ أقسامُ العلوِّ ولَمَّا جمعَ ابنُ طاهرٍ، وابنُ دقيقِ العيدِ، بين قسمي تقدُّمِ السماعِ، وتقدُّمِ الوفاةِ، وجعلاهما قسماً واحداً، زادا بدلَ الساقطِ: العلوَّ إلى صاحِبَي الصحيحينِ ومصنِّفي الكُتبِ المشهورةِ. وجعلَ ابنُ طاهرٍ هذا قسمينِ: أحدُهُما: العلوُّ إلى البخاريِّ ومسلمٍ، وأبي داودَ وأبي حاتِمٍ، وأبي زرعةَ. والآخرُ: العلوُّ إلى كتبٍ مصنَّفَةٍ لأقْوَامٍ، كابنِ أبي الدنيا، والخطَّابيِّ، وأشباهِهِما، قالَ: ابنُ طاهرٍ: واعلمْ أنَّ كلَّ حديثٍ عَزَّ على المحدِّثِ، ولَمْ يجدْهُ عالياً ولابُدَّ لهُ مِنْ إيرادِهِ في تصنيفٍ، أو احتجاجٍ بِهِ؛ فمنْ أيِّ وجهٍ أوردَهُ، فهو عالٍ لعزَّتِهِ، ثُمَّ مَثَّلَ ذلكَ بأَنَّ البخاريَّ روى عن أماثلِ أصحابِ مالكٍ، ثُمَّ روَىَ حديثاً لأبي إسحاقَ الفَزَاريِّ عن مالكٍ، لمعنى فيه فكانَ فيهِ بينَهُ وبينَ مالكٍ ثلاثةُ رجالٍ، واللهُ أعلمُ.

أقسام النزول،

وأمّا أقسامُ النزولِ، فهي خمسةٌ أيضاً. فإنَّ كُلَّ قسمٍ من أقسامِ العلوِّ ضدَّهُ قسمٌ مِن أقسامِ النزولِ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ. وقالَ الحاكمُ في " علومِ الحديثِ ": ((لَعَلَّ قائلاً يقولُ: النزولُ ضدُّ العلوِّ، فمَنْ عَرَفَ العلوَّ، فقدْ عَرَفَ ضِدَّهُ. قالَ الحاكمُ: وليسَ كذلكَ، فإنَّ للنزولِ مراتبَ لا يعرفُها إلاَّ أهلُ الصنعةِ)) ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((هذا ليسَ نفياً لكونِ النزولِ ضدَّ العلوِّ عَلَى الوجهِ الَّذِي ذكرتُهُ، بَلْ نفياً لكونهِ يُعرفُ بمعرفةِ العلوِّ. قالَ: وذلكَ يليقُ بِمَا ذكرَهُ هُوَ في معرفةِ العلوِّ، فإنَّهُ قَصَّرَ في بيانِهِ وتفصيلِهِ، وليسَ كذلكَ ما ذكرناهُ فإنَّهُ مفصَّلٌ تفصيلاً مبيّناً مُفْهِماً لمراتبِ النزولِ)) . ثُمَّ إنَّ النزولَ حيثُ ذَمَّهُ مَنْ ذَمَّهُ، كقولِ عليِّ بنِ المدينيِّ، وأبي عمرٍو المستمليِّ، فيما رويناهُ عنهما: النزولُ شُؤْمٌ. وكقولِ ابنِ معينٍ فيما رويناهُ عنهُ: إلاسنادُ النازلُ قُرْحَةٌ في الوجهِ، فهو محمولٌ على ما إذا لم يكنْ مع النزولِ ما يجبرُهُ، كزيادَةِ الثقةِ في رجالِهِ على العالي، أو كونِهِم أحفظَ، أو أفقهَ، أو كونِهِ متَّصِلاً بالسماعِ وفي العالي حضورٌ، أو إجازةٌ، أو مناولةٌ، أو تساهلُ بعضِ رواتهِ في الحملِ، ونحوُ ذلكَ؛ فإنَّ العدولَ حينئذٍ إلى النزولِ ليسَ بمذمومٍ، ولا مفضولٍ. وقد روينا عن وكيعٍ قالَ: الأعمشُ أحبُّ اليكم عنْ أبي وائلٍ عَنْ عبدِ اللهِ؟ أو سفيانُ، عن منصورٍ عن إبراهيمَ، عن علقمةَ، عن عبدِ اللهِ؟ فقلنا: الأعمشُ عن أبي وائلٍ أقربُ. فقالَ:

الأعمشُ شيخٌ، وأبو وائلٍ شيخٌ، وسفيانُ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، عنْ علقمةَ فقيهٌ، عن فقيهٍ، عن فقيهٍ، عن فقيهٍ. وروينا عن ابنِ المباركِ قالَ: ليسَ جَوْدةُ الحديثِ قربَ الإسنادِ بلْ جَوْدةُ الحديثِ صحةُ الرجالِ. وروينا عن السِّلفيِّ قالَ: الأصلُ الأخذُ عن العلماءِ فنزولُهُم أَوْلَى من العُلُوِّ عن الجهلةِ على مذهبِ المحقِّقِينَ من النَقَلَةِ، والنازلُ حينئذٍ هو العالي في المعنى عندَ النظرِ والتحقيقِ، كما روينا عَنْ نِظامِ الْمُلْكِ قالَ: عندي أنَّ الحديثَ العالي: ما صحَّ عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنْ بلغَتْ رواتُهُ مائةً. وكما روينا عن السِّلَفيِّ من نظمهِ: لَيْسَ حُسْنُ الْحَدِيْثِ قُرْبَ رِجَالٍ ... عِنْدَ أرْبَابِ عِلْمِهِ النُّقَّادِ بلْ عُلُوُّ الْحَدِيْثِ بينَ أُولي الحِـ ... ـفْظِ والإتقانِصِحَّةُ الإسْنَادِ وإذا ما تَجَمَّعَا في حَدِيْثٍ ... فاغْتَنِمْهُ فَذَاكَ أقْصَى الْمُرَادِ قالَ ابنُ الصلاحِ: ((هذا ليسَ منْ قَبيلِ العلوِّ المتعارفِ إطلاقُهُ بينَ أهلِ الحديثِ، وإنَّما هو عُلُوٌّ مِنْ حيثُ المعنى فحسبُ)) .

الغريب، والعزيز، والمشهور

الغَرِيْبُ، وَالْعَزِيْزُ، وَالْمَشْهُوْرُ 748.... وَمَا بِهِ مُطْلَقاً الرَّاوِي انْفَرَدْ ... فَهْوَ الْغَرِيْبُ وَابْنُ مَنْدَةَ فَحَدْ 749.... بِالانْفِرَادِ عَنْ إِمَامٍ يُجْمَعُ ... حَدِيْثُهُ فَإِنْ عَلَيْهِ يُتْبَعُ 750.... مِنْ وَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ فَالْعَزِيْزُ أَوْ ... فَوْقُ فَمَشْهُوْرٌ وَكُلٌّ قَدْ رَأَوْا 751.... مِنْهُ الصَّحِيْحَ وَالضَّعِيْفَ ثُمَّ قَدْ ... يَغْرُبُ مُطْلَقاً أَوِ اسْنَاداً فَقَدْ ج قالَ ابنُ الصلاحِ: ((الحديثُ الذي ينفردُ به بعضُ الرواةِ، يوصَفُ بالغريبِ، قالَ: وكذلكَ الحديثُ الذي ينفردُ فيهِ بعضهم بأمرٍ لا يذكرُهُ فيهِ غيرُهُ، إمَّا في متنِهِ، وإمَّا

في إسنادِهِ)) . وروينا عَنْ أبي عبدِ اللهِ بنِ مَنْدَه قالَ: الغريبُ من الحديثِ كحديثِ الزهريِّ وقتادةَ وأشباهِهِمَا مِنَ الأَئِمَّةِ ممَّنْ يُجْمَعُ حديثُهُم إذا انفردَ الرجلُ عنهم بالحديثِ يُسمَّى غريباً، فإذا روى عنهم رجلانِ، أو ثلاثةٌ، واشتركوا يُسمَّى عزيزاً، فإذا روى الجماعةُ عنهم حديثاً، يُسَمِّي مشهوراً، وهكذا قالَ محمدُ بنُ طاهرٍ المقدسيُّ، وكأنَّهُ أخذَهُ من كلامِ ابنِ مَنْدَه. وقولي: (وَكُلٌّ قَدْ رَأَوْا، مِنْهُ الصَّحِيْحَ وَالضَّعِيْفَ) أي: إنْ وُصِفَ الحديثُ بكونِهِ مشهوراً، أو عزيزاً، أو غريباً، لايُنافي الصِّحَّةَ، ولا الضعفَ، بل قد يكونُ مشهوراً صحيحاً، أو مشهوراً ضعيفاً، أو غريباً صحيحاً، أو غريباً ضعيفاً، أو عزيزاً صحيحاً، أو عزيزاً ضعيفاً. ولم يذكرِ ابنُ الصلاحِ كونَ العزيزِ يكونُ منهُ الصحيحُ والضعيفُ، بل ذَكَرَ ذلكَ في المشهورِ والغريبِ فقطْ. ومَثَّلَ المشهورَ الصحيحَ بحديثِ: ((الأعمالُ بالنِّيَّاتِ)) وتبعَ في ذلكَ الحاكمَ، وفيهِ نظرٌ، فإنَّ الشهرةَ إنَّما طَرَأَتْ لهُ مِنْ عندِ يحيى بنِ سعيدٍ، وأوَّلُ الإسنادِ فردٌ، كما تقدَّمَ. وقد نَبَّهَ على ذلكَ ابنُ الصلاحِ في آخرِ النوعِ الحادي والثلاثينَ، وهو الذي يلي نوعَ المشهورِ، وكانَ ينبغي لهُ أنْ يُمثِّلَ بغيرِهِ مما مَثَّلَ بهِ الحاكمُ أيضاً، كحديثِ: ((إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ

انْتِزَاعاً، ... )) وحديثِ: ((مَنْ أتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ، ... )) ، وحديثِ رفعِ اليدينِ في الصلاةِ، وغيرِ ذلكَ. وَمَثَّلَ ابنُ الصلاحِ المشهورَ الذي ليسَ بصحيحٍ، بحديثِ: ((طلبُ العلمِ فريضةٌ على كُلِّ مُسلمٍ)) ، وتبعَ في ذلكَ أيضاً الحاكمَ، وقد صَحَّحَ

بعضُ الأئِمَّةِ بعضَ طرقِ الحديثِ، كما بَيَّنْتُهُ في تخريجِ أحاديثِ " الإحياءِ ". ومَثَّلَهُ الحاكمُ أيضاً، بحديثِ: ((الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ)) . وبأمثلةٍ كثيرةٍ بعضُها صحيحٌ، وإنْ لم تُخَرَّجْ في واحدٍ من الصحيحينِ. وذكرَ ابنُ الصلاحِفي أمثلتهِ ما بلغَهُ عن أحمدَ بنِ حنبلٍ، قالَ: أربعةُ أحاديثَ تَدُورُ عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأسواقِ، ليس لها أصلٌ: ((مَنْ بَشَّرَنِي بِخُرُوجِ آذارَ بَشَّرْتُهُ بالجنَّةِ)) ، ((ومَنْ آذى ذمِّيَّاً، فَأَنَا خَصْمُهُ يومَ القيامةِ)) ، ((ويومُ نَحْرِكُم يومُ صَوْمِكُم)) ، ((وللسَّائلِ حقٌّ، وإنْ جاءَ على فَرَسٍ)) ، قلتُ:

وهذا لا يصحُّ عن أحمدَ، وقد أخرجَ أحمدُ في " مُسْنَدِهِ " هذا الحديثَ الرابعَ عن وكيعٍ، وعبدِ الرحمن بنِ مهديٍّ، كلاهما عن سفيانَ، عن مصعبِ بنِ محمدٍ، عن يعلى ابنِ أبي يحيى، عن فاطمةَ بنتِ الحُسَينِ عن أبيهَا حسينِ بنِ عليٍّ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو إسنادٌ جَيِّدٌ. ويَعْلَى وإنْ جَهَّلَهُ أبو حاتِمٍ، فقد وَثَّقَهُ أبو حاتمِ بنِ حبَّانَ. وأمَّا مصعبٌ، فوثَّقَهُ يحيى بنُ مَعِيْنٍ، وغيرُهُ. وأخرجه أبو داودَ في " سُنَنِهِ " وسكتَ عنهُ، فهو عندَهُ صالحٌ. وأخرجهُ أيضاً من حديثِ عليٍّ، وفي إسنادِهِ مَنْ لم يُسَمَّ. ورويناهُ أيضاً من حديثِ ابنِ عباسٍ، ومن حديثِ الهِرْمَاسِ بنِ زيادٍ. وأمّا حديثُ: ((مَنْ آذى ذِمِّيّاً)) فقد رواهُ بنحوِهِ أبو داودَ أيضاً، وسكتَ عليهِ، من روايةِ صَفْوانَ بنِ سُليمٍ، عن عدةٍ مِنْ أبناءِ أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن آبائِهِم دِنْيَةً عَنْ

رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً أو انْتَقَصَهُ، أو كَلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ، أو أخذَ منهُ شيئاً من غيرِ طِيْبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يومَ القيامةِ)) . وهذا إسنادٌ جَيِّدٌ، وإنْ كانَ فيهِ مَنْ لم يُسَمَّ، فإنَّهُم عِدَّةٌ مِنْ أبناءِ الصحابَةِ يبلغونَ حَدَّ التواترِ الذي لا يُشتَرطُ فيهِ العدالةُ. فقد روينا في سننِ البيهقيِّ، وفيهِ: ((عن ثلاثينَ مِن أبناءِ أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) . وأمَّا الحديثانِ الآخرانِ فلا أَصْلَ لهما كما ذَكَرَ. وأمَّا مثالُ الغريبِ الصحيحِ، فكأفرادِ الصحيحِ، وهي كثيرةٌ، منها حديثُ مالكٍ عن سُمَيٍّ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ، مرفوعاً: ((السَّفَرُ قِطْعَةٌ من العذابِ)) . وأمَّا الغريبُ الذي ليسَ بصحيحٍ فهو الغالبُ على الغرائبِ. وقد روينا عن أحمدَ بنِ حنبلٍ، قالَ: ((لا تكتبوا هذهِ الأحاديثَ الغرائبَ، فإِنَّها مَنَاكِيرُ، وعامَّتُها عنِ الضُّعَفَاءِ)) . وروينا عن مالكٍ قالَ: شرُّ العلمِ الغريبُ، وخَيْرُ العلمِ الظاهرُ الذي قد رواهُ الناسُ. وروينا عن عبدِ الرزاقِ قالَ: كُنَّا نَرَى أَنَّ غريبَ الحديثِ خيرٌ، فإذا هو شرٌ. وَقَسَّمَ الحاكمُ الغريبَ إلى ثلاثةِ أنواعٍ: غرائبُ الصحيحِ، وغَرَائبُ الشُّيُوخِ، وغَرَائبُ المتونِ. وقَسَّمَهُ ابنُ طاهرٍ إلى خمسةِ أنواعٍ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: إِنَّ مِنَ الغريبِ ما هو

غريبٌ متناً، وإسناداً، وهو الحديثُ الذي تفرَّدَ بروايةِ مَتْنِهِ راوٍ واحدٌ. ومنهُ ما هو غريبٌ إسناداً لا متناً، كالحديثِ الذي متنُهُ معروفٌ، مرويٌّ عن جماعةٍ من الصحابةِ، إذا تفرَّدَ بعضُهُم بروايتِهِ عن صحابيٍّ آخرَ، كانَ غريباً مِنْ ذلكَ الوجهِ. قالَ ومِنْ ذلكَ: غرائبُ الشيوخِ في أسانيدِ المتونِ الصحيحةِ، قالَ: وهذا الذي يقولُ فيه الترمذيُّ: غريبٌ من هذا الوجهِ، قلتُ: وأشرتُ إلى القسمِ الأولِ بقولي: (ثُمَّ قَدْ يَغْرُبُ مُطْلَقَاً) ، وإلى الثاني بقولي: (أو اسْنَاداً فَقَدْ) أي: فقطْ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ولا أرى هذا النوعَ ينعكسُ، فلا يوجدُ إذاً ما هو غريبٌ متناً، وليسَ غريباً إسناداً، وإلاَّ إذا اشتهَرَ الحديثُ الفردُ عَمَّنْ تفرَّدَ بهِ، فرواهُ عنهُ عددٌ كثيرونَ، فإنَّ إسنادَهُ متصفٌ بالغرابةِ في طرفِهِ الأوَّلِ، متصفٌ بالشهرةِ في طرفِهِ الآخِرِ، كحديثِ: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ)) ، وكسائرِ الغرائبِ التي اشْتَمَلَتْ عليها التصانيفُ المشتهرةُ، هكذا قالَ ابنُ الصلاحِ: إنَّهُ لا يوجدُ ما هو غريبٌ متناً لا سنداً، إلاَّ بالتأويلِ الذي ذكرَهُ. وقد أطلقَ أبو الفتحِ اليَعْمريُّ ذِكْرَ هذا النوعِ في جملةِ أنواعِ الغريبِ من غيرِ تقيّدٍ بآخِرِ السندِ، فقالَ في " شرح الترمذيِّ ": ((الغريبُ على أقسامٍ: غريبٌ سنداً ومتناً، ومتناً لا سنداً، وسنداً لا متناً، وغريبٌ بعضَ السندِ فقطْ، وغريبٌ بعضَ المتنِ فقطْ)) . فالقسمُ الأوَّلُ واضحٌ، والقسمُ الثاني هو الذي أطلقَهُ أبو الفتحِ، ولم يذكرْ لهُ مِثالاً، والقسمُ الثالثُ مثالُهُ حديثٌ رواهُ عبدُ المجيدِ بنُ عبدِ العزيزبنِ أبي روَّادٍ، عن مالكٍ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ)) . قالَ الخليليُّ في

" الإرشادِ ": ((أخطأَ فيهِ عبدُ المجيدِ، وهو غيرُ محفوظٍ من حديثِ زيدِ بنِ أسلمَ بوجهٍ، قالَ: فهذا مِمَّا أخطأَ فيهِ الثِّقةُ عَنِ الثِّقةِ)) . وقالَ أبو الفتحِ اليعمريُّ: ((هذا إسنادٌ غريبٌ كُلُّهُ، والمتنُ صحيحٌ)) ، والقسمُ الرابعُ مثالُهُ حديثٌ رواه الطبرانيُّ في " المعجمِ الكبيرِ " من روايةِ عبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ الدَّراوَرْدِيِّ، ومن روايةِ عبَّادِ بنِ منصورٍ، فرَّقهُمَا كلاهُما عن هِشامِ بنِ عُرْوةَ، عن أبيهِ، عن عائشةَ بحديثِ أمِّ زَرْعٍ. والمحفوظُ ما رواه عيسى بنُ يونُسَ عن هِشامِ بنِ عُرْوةَ عن أخيهِ عبدِ اللهِ بنِ عُروةَ، عن عُروةَ عن عائشةَ. هكذا اتفقَ عليهِ الشيخانِ. وكذا راوهُ مسلمٌ من روايةِ سعيدِ بنِ سلمَةَ بنِ أبي الْحُسَامِ، عن هِشامٍ. قالَ أبو الفتحِ: ((فهذهِ غَرَابةٌ تخصُّ موضعاً من السندِ، والحديث صحيحٌ)) قلتُ: ويصلحُ ما ذكرناهُ من عندِ الطبرانيِّ مثالاً للقسمِ الخامسِ؛ لأنَّ عبدَ العزيزِ وعبَّاداً جعلا جميعَ الحديثِ مرفوعاً، وإنَّما المرفوعُ مِنْهُ قولُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((كنتُ لكِ كأبي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ)) ، فَهَذَا غَرَاْبَةُ بعضِ المتنِ، أيضاً. واللهُ اعلمُ.

752.... كَذَلِكَ الْمَشْهُوْرُ أَيْضاً قَسَّمُوْا ... لِشُهْرِةٍ مُطْلَقَةٍ كَـ ((الْمُسْلِمُ 753.... مَنْ سَلِمَ الْحَدِيْثَ)) وَالْمَقْصُوْرِ ... عَلَى الْمُحَدِّثِيْنَ مِنْ مَشْهُوْرِ 754.... ((قُنُوتُهُ بَعْدَ الرُّكُوْعِ شَهْرَا)) ... وَمِنْهُ ذُوْ تَوَاتُرٍ مُسْتَقْرَا 755.... فِي طَبَقَاتِهِ كَمَتْنِ ((مَنْ كَذَبْ)) ... فَفَوْقَ سِتِّيْنَ رَوَوْهُ وَالْعَجَبْ 756.... بِأَنَّ مِنْ رُوَاتِهِ لَلْعَشَرَهْ ... وَخُصَّ بِالأَمْرَيْنِ فِيْمَا ذَكَرَهْ 757.... الشَّيْخُ عَنْ بَعْضِهِمْ، قُلْتُ: بَلَى ... ((مَسْحُ الخِفَافِ)) وَابْنُ مَنْدَةَإلى 758.... عَشْرَتِهِمْ ((رَفْعِ اليَدَيْنِ)) نَسَبَا ... وَنَيَّفُوْا عَنْ مِائَةٍ ((مَنْ كَذَبَا)) أي: كما أَنَّ المشهورَ ينقسمُ إلى صحيحٍ وضعيفٍ، كذلكَ ينقسمُ من وجهٍ آخرَ إلى ما هوَ مشهورٌ شُهرةً مطلقةً بينَ أهلِ الحديثِ، وغيرِهمِ، كحديثِ: ((المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويدِهِ)) ، وما أشبهَ ذلكَ في الشهرةِ المطلقةِ، وإلى ما هو مشهورٌ بينَ أهلِ الحديثِ خاصّةً، كحديثِ أنسٍ ((أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْراً بعدَ الركوعِ، يَدْعُو على رِعْلٍ؛ وذَكْوَاْنَ)) فهذا حديثٌ اتفقَ عليهِ الشيخانِ من روايةِ سُليمانَ التَّيْمِيِّ، عن أبي مِجْلَزٍ واسمُهُ: لاحقُ بنُ حُميدٍ، عن أنسٍ، وَقَدْ رواهُ عن أنسٍ غيرُ أبي مجلزٍ

، وعن أبي مجلزٍ غيرُ سليمانَ التيميِّ، وعن سليمانَ التيميِّ جماعةٌ، وهو مشهورٌ بينَ أهلِ الحديثِ، وقد يستغربُهُ غيرُهم؛ لأَنَّ الغالبَ على روايةِ التَّيْميِّ، عن أنسٍ، كونُها بغيرِ واسطةٍ، وهذا الحديثُ بواسطةِ أبي مجلزٍ. ثُمَّ إنَّ المشهورَ أيضاً ينقسمُ باعتبارٍ آخرَ إلى ما هو متواترٌ، وإلى ما هو مشهورٌ غيرُ متواترٍ. وقد ذكرَ المتواترَ الفقهاءُ والأصوليونَ وبعضُ أهلِ الحديثِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وأهلُ الحديثِ لا يذكرونَهُ باسمهِ الخاصِّ المشعرِ بمعناهُ الخاصِّ، وإنْ كانَ الخطيبُ قد ذكرَهُ في كتابهِ " الكفايةِ " ففي كلامهِ ما يُشْعِرُ بأنَّهُ اتَّبَعَ فيهِ غيرَ أهلِ الحديثِ)) . قلتُ: قد ذكرَهُ الحاكمُ، وابنُ حَزْمٍ وابنُ عبدِ البَرِّ. وهو الخبرُ الذي ينقلُهُ عددٌ يَحْصُلُ العِلْمُ بصدْقِهِمْ ضَرُوْرَةً. وعبَّرَ عنه غيرُ واحدٍ بقولِهِ: عددٌ يستحيلُ تواطؤُهم على الكذبِ. ولا بُدَّ مِنْ وجودِ ذلكَ في رواتِهِ منْ أَوَّلِهِ إلى منتهاهُ، وإلى ذلكَ أشرتُ بقولي: (في طبقاتِهِ) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ومَنْ سُئِلَ عن إبرازِ مثالٍ لذلكَ أعياهُ تَطَلُّبُهُ. ثُمَّ قالَ: نعمْ.. حديثُ: ((منْ كَذَبَ عليَّ متعمِّداً فليتَبَوَّأْ مقعدَهُ من النارِ)) ، نراهُ مثالاً لذلكَ فإنَّهُ نقلَهُ من الصحابةِ - رضي الله عنهم - العددُ الجمُّ، وهو في " الصحيحينِ " مرويٌّ عن جماعةٍ منهم. قالَ: وذكرَ أبو بكرٍ البزَّارُ في " مسندِهِ ": أنَّهُ رواهُ نحوٌ من أربعينَ رجلاً منَ الصحابةِ. قالَ: وذكرَ بعضُ الحفَّاظِ: أنَّهُ رواهُ اثنانِ وستونَ نفساً من الصحابةِ، وفيهم العشرةُ المشهودُ لهم بالجنَّةِ. قالَ: وليسَ في الدنيا حديثٌ اجتمعَ على روايتِهِ العشرةُ غيرَهُ

ولا يُعْرَفُ حديثٌ يُروَى عن أكثرِ من ستينَ نفساً من الصحابةِ عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلاَّ هذا الحديثُ الواحدُ قالَ: وبلغَ بهمبعضُ أهلِ الحديثِ أكثرَ من هذا العددِ، وفي بعضِ ذلكَ عددُ التواترِ! انتهى. وما حكاهُ ابنُ الصلاحِ عن بعضِ الحفَّاظِ، وأبهمَهُ، هو في كلامِ ابنِ الجوزيِّ، فإنَّهُ ذكرَ في مقدّمةِ "الموضوعاتِ"، أنَّهُ رواهُ من الصحابةِ أحدٌ وستون نفساً، ثُمَّ رَوَى بعدَ ذلكَ بأَورَاقٍ عن أبي بكرٍ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ عبدِ الوهابِ الإسفرايينيِّ، أنَّهُ ليسَ في الدنيا حديثٌ اجتمعَ عليهِ العشرةُ غيرَهُ. ثُمَّ قالَ ابنُ الجوزيِّ قلتُ: ما وقَعَتْ إليَّ روايةُ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ إلى الآنَ. قالَ: ولا عرفتُ حديثاً رواهُ عَنْ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدٌ وستونَ نفساً، وعلى قولِ هذا الحافظِ اثنانِ وستونَ نفساً، إلاَّ هذا الحديثَ)) . هذا كلامُهُ في النسخةِ الأُولى من الموضوعاتِ، ومن خَطِّ الحافظِ أبي محمدٍ المنذريِّ نقلتُ. وأمَّا كلامُهُ المحكيُّ عن الكتابِ المذكورِ في آخرِ الفصلِ، فهو في النسخةِ الأخيرةِ، فاعلمْ ذلكَ. قلتُ: وما ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ عن بعضِ الحفَّاظِ، من تخصيصِ هذا الحديثِ بهذا العددِ، وبكونِهِ من روايةِ العشرةِ منقوضٌ بحديثِ المَسْحِ على الْخُفَّيْنِ، فقدْ رواهُ أكثرُ من ستينَ من الصحابةِ، ومنهم العشرةُ، ذكرَ ذلكَ أبو القاسمِ عبدُ الرحمنِ بنُ محمدِ بنِ إسحاقَ بنِ مَنْدَه في كتابٍ لهُ سَمَّاهُ " المستخرَج من كتبِ الناسِ ". وذكرَ صاحبُ " الإمامِ " عن ابنِ

الْمُنْذِرِ قالَ: روينا عن الحسنِ أنَّهُ قالَ: حَدَّثَني سبعونَ مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسحَ لى الْخُفَّينِ. انتهى. وجعلَهُ ابنُ عبدِ البرِّ متواتراً، فقالَ: رَوَى عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسحَ على الْخُفَّينِ، نحوُ أربعينَ من الصحابةِ، واستفاضَ، وتواترَ. قلتُ: فهذا مثالٌ آخرُ للمتواترِ، صرَّحَ بوصفِهِ بذلكَ. وإلى ذلكَ أشرتُ بقولي: (قُلْتُ: بَلَى مَسْحُ الخِفَافِ) . وأيضاً فحديثُ رَفْعِ اليدينِ قد عزاهُ غيرُ واحدٍ من الأئمة إلى رواية العشرَةِ أيضاً، منهم ابنُ مَنْدَه المذكورُ في كتابِ " المستخرج "، والحاكمُ أبو عبدِ اللهِ، وجعلَ ذلكَ مما اختصَّ بهِ حديثُ رَفْعِ اليدينِ، قالَ البيهقيُّ: سمعتُهُ يقولُ: لا نعلمُ سُنَّةً اتَّفَقَ على روايتِها عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخلفاءُ الأربعةُ، ثُمَّ العشرةُ الذين شَهِدَ لهم رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنَّةِ، فمَنْ بعدَهُم مِنْ أَكابرِ الصحابةِ، على تفرُّقِهِم في البلادِ الشاسِعَةِ؛ غيرَ هذهِ السُّنَّةِ. قالَ البيهقيُّ: وهو كما قالَ أستاذُنا أبو عبدِ اللهِ - رضي الله عنه -. فقد روى هذهِ السُّنَّةَ عن العشرَةِ وغيرِهِم، وأَمَّا عِدَّةُ مَنْ رواهُ من الصحابةِ، فقالَ ابنُ عبدِ البرِّ في " التمهيدِ ": رواهُ ثلاثةَ عَشَرَ رجلاً مِن الصحابةِ. وقالَ السِّلَفِيُّ: رواهُ سبعةَ عشرَ. قلتُ: وقدْ جمعتُ رواتَهُ فبلغوا نحوَ الخمسينَ، وللهِ الحمدُ. وقولي: (وَنَيَّفُوا عَنْ مِائَةٍ) أي: وَرَوَوْا حديثَ ((مَنْ كَذَبَ عَليَّ متعمِّداً)) عن مائةٍ ونَيِّفٍ من الصحابةِ. وقالَ ابنُ الجوزيِّ في مقدمةِ " الموضوعات ": رواهُ من الصحابةِ

غريب ألفاظ الأحاديث

ثَمَانيةٌ وتسعونَ نفساً. انتهى. هكذا نقلتُهُ مِنْ خَطِّ عليٍّ، وَلَدِ المصنِّفِ، وهي النسخةُ الأخيرةُ منِ الكتابِ المذكورِ وفيها زوائدُ ليستْ في النسخةِ الأولى التي كُتِبَتْ عنه. وقد جَمَعَ الحافظُ أبو الحجَّاجِ يوسفُ بنُ خليلٍ الدِّمشقيُّ طُرُقَهُ في جزأينِ، فبلغَ بهم مائةً واثنينِ، وأخبرني بعضُ الحفَّاظِ: أنَّهُ رَأى في كلامِ بعضِ الحفَّاظِ: أنَّهُ رواهُ مائتانِ من الصحابةِ، وأنا أستبعدُ وقوعَ ذلكَ، واللهُ أعلمُ. غَرْيِبُ أَلْفَاْظِ الأَحَاْدِيْثِ 759.... وَالنَّضْرُ أَوْ مَعْمَرُ خُلْفٌ أَوَّلُ ... مَنْ صنَّفَ الْغَرِيْبَ فِيْمَا نَقَلُوْا 760.... ثُمَّ تَلا أبو عُبَيْدٍ وَاقْتَفَى ... القُتَبِيُّ ثُمَّ حَمْدٌ صنَّفَا 761.... فَاعْنِ بِهِ وَلاَ تَخُضْ بالظَّنِّ ... وَلاَ تُقَلِّدْ غَيْرَ أَهْلِ الْفَنِّ 762.... وَخَيْرُ مَا فَسَّرْتَهُ بِالْوَارِدِ ... كَالدُّخِّ بِالدُّخَانِ لاِبْنِ صَائِدِ 763.... كَذَاكَ عِنْدَ التِّرْمِذِيْ، وَالْحَاكِمُ ... فَسَّرَهُ الْجِمَاعَ وَهْوَ وَاهِمُ غريبُ الحديثِ، هو ما يقعُ فيهِ من الألفاظِ الغامضةِ البعيدةِ عن الفَهْمِ. وقد صنَّفَ فيه جماعةٌ من الأئِمَّةِ، واختلفوا في أوَّلِ مَنْ صنَّفَ فيهِ. فقالَ الحاكمُ في" علومِ الحديثِ ": ((أوَّلُ مَنْ صنَّفَ الغريبَ في الإسلامِ النَّضْرُ بنُ شُمَيلٍ. ثُمَّ صنَّفَ فيهِ أبو

عُبَيْدٍ القاسمُ بنُ سلاَّمٍ كتابَهُ الكبيرَ)) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ومنهم مَنْ خالَفَهُ فقالَ: أوَّلُ مَنْ صنَّفَ فيهِ أبو عُبَيدةَ مَعْمَرُ بنُ الْمُثَنَّى)) . وقالَ الحافظُ محبُّ الدينِ الطبريُّ في كتابِ " تقريبِ المرامِ ": وقد قيلَ: إنَّ أوَّلَ مَنْ جَمَعَ في هذا الفنِّ شيئاً، وألَّفَهُ أبو عُبَيدةَ معمرُ بنُ الْمُثَنَّى، ثُمَّ النَّضْرُ بنُ شُمَيلٍ، ثُمَّ عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ، وكانَ في عصرِ أبي عُبيدةَ، وتأخّرَ، وكذلكَ قُطْرُبٌ، وغيرُهُ مِنْ أئِمَّة الفِقْهِ، واللُّغَةِ، جمعوا أحاديثَ تَكَلَّمُوا على لغتِها، ومعناها، في أوراقٍ ذواتِ عَدَدٍ، ولَمْ يكن أحدٌ منهم ينفردُ عن غيرِهِ بكثيرِ حديثٍ لم يذكرْهُ الآخرُ. واستمرتِ الحالُ إلى زمنِ أبي عُبيدٍ القاسمِ بنِ سلاَّمِ، وذلكَ بعدَ المائتينِ، فجمعَ كتابَهُ المشهورَ في غريبِ الحديثِ والآثارِ. انتهى. ثُمَّ بعدَ ذلكَ صنَّفَ أبو محمدٍ عبدُ اللهِ بنُ مسلمِ بنِ قُتيبةَ الدِّيْنَوَرِيُّ القُتبيُّ كتابَهُ المشهورَ فزادَ على أبي عُبيدٍ مواضعَ وتَتَبَّعَهُ في مواضعَ. ثُمَّ صنَّفَ بعدَهُ أبو سليمانَ حَمْدُ بنُ محمدِ بنِ إبراهيمَ الخطَّابيُّ كتابَهُ في ذلك، فزادَ على القُتبيِّ، وَنَبَّهَ على أغالِيْطَ لهُ. وصنَّفَ فيهِ جماعةٌ منهم: قاسمُ بنُ ثابتِ بنِ حزمٍ السَّرَقُسْطِيُّ، وعبدُ الغافِرِ الفارسيُّ كتاباً سماهُ: " مَجْمَعُ الغرائبِ "، وصنَّفَ الزمخشريُّ كتابَهُ " الفائقَ "، وبعدهُ أبو الفرجِ ابنُ الجوزيِّ. وكانَ جمعَ بينَ الغريبينِ: غريْبَي القرآنِ والحديثِ أبو عُبيدٍ أحمدُ

بنُ محمدٍ الْهَرَويُّ، صاحبُ أبي منصورٍ الأزْهَرِيِّ، وَذَيَّلَ عليهِ الحافظُ أبو موسى المدينيُّ ذيلاً حَسَناً. ثُمَّ جمعَ بينهُما مقتصراً على غريبِ الحديثِ فقط أبو السعاداتِ المباركُ بنُ محمدِ بنِ الأثيرِ الْجَزَرِيُّ، وزادَ عليهِما زياداتٍ كثيرةً، وذلكَ في كتابهِ " النهايةِ ". وبلغني أنَّ الإمامَ صفيَّ الدينِ محمودَ بنَ محمدِ بنِ حامدٍ الأُرْمويَّ، ذَيَّلَ عليهِ ذيلاً لم أَرَهُ، وبَلَغَني أنَّهُ كَتبَهُ حواشٍ على أصلِ النهايةِ فقطْ، وإنَّ الناسَ أفردوهُ. وقد كنتُ كتبتُ على نسخةٍ - كانتْ عندي من النهايةِ - حواشيَ كثيرةً، وأرجو أنْ أجمَعَهَا، وأُذيِّلَ عليهِ بذيلٍ كبيِرٍ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى. وقولي: (فاعْنِ بهِ) أي بعلمِ الغريبِ، أي: اجعلَهُ من عنايتِكَ، واحفظْهُ، واشتغِلْ بهِ. فإنْ قيلَ: إنَّمَا تستعملُ هذه اللفظةُ مبينةً لما لم يُسَمَّ فاعلُه، يقالَ: عُنِيْتُ بالأمرِ عِنَايةً، كما جزمَ به صاحبا " الصحاحِ " و" المحكمِ "، وعلى هذا فلا يؤمرُ منهُ بصيغةٍ على صيغةِ افْعَلْ. قالَ الجوهريُّ وإذا أَمَرْتَ منهُ قلتَ: لِتُعْنَ بِحَاجَتي قلتُ فيهِ لغتانِ: عُنِيَ، وَعَنِيَ. وممَّنْ حكاهما صاحبُ الغريبينِ، والْمُطَرِّزيُّ: وفي الحديثِ: أنَّهُ قالَ لرجلٍ: لقدْ عَنِيَ اللهُ بِكَ. قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: أي: حَفِظَ دينَكَ. قالَ الهرويُّ: يُقالَ عُنِيْتُ بأمْرِكَ، فأنا مَعْنِيٌّ بكَ، وعَنِيْتُ بأمْرِكَ أيضاً، فأَنا عانٍ. ولا ينبغي لمَنْ تَكَلَّمَ في غريبِ الحديثِ أنْ يخوضَ فيه رجماً بالظنِّ، فقدْ روينا عن أحمدَ بنِ حنبلٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن حرفٍ منهُ، فقالَ: سَلُوا أصحابَ الغريبِ، فإنيِّ أكرَهُ أن

أتَكَلَّمَ في قولِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالظَّنِّ. وسُئِلَ الأصمعيُّ عن حديثِ: ((الجارُ أحقُّ بِسَقَبِهِ)) ، فقالَ: أنا لا أفَسِّرُ حديثَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكنَّ العربَ تزعمُ أنَّ السَّقَبَ: اللَّزيقُ. ولا ينبغي أنْ يقلِّدَ من الكتبِ المصنَّفَةِ في الغريبِ، إلاَّ ما كانَ مصنِّفُوها أئِمَّةً جِلَّةً في هذا الشأْنِ. فمَنْ لم يكنْ مِنْ أهلِهِ، تَصَرَّفَ فيهِ فأخْطَأَ. وقدْ كانَ بعضُ العَجَمِ يقرأُ عليَّ مِنْ مُدَّةِ سنينَ في " المصابيحِ " للبغويِّ، فقرأَ حديثَ: ((إذا سَافرتُمْ في الخِصْبِ، فأَعْطُوا الإبلَ حَقَّها، وإذا سافرتُمْ في الجَدْبِ، فبادِرُوا بها نِقْيَها)) ، فَقَرَأَها نَقْبَها - بفتحِ النونِ وبالباءِ الموحدةِ بعدَ القافِ - فقلتُ لهُ: إنَّمَا هيَ نِقْيَهَا - بالكسرِ والياءِ آخرَ الحروفِ - فقالَ: هكذا ضبطَهُ بعضُ الشُّرَّاحِ في طُرَّةِ الكتابِ. فأخذْتُ منهُ الكتابَ، وإذا على الحاشيةِ كما ذكرَ. وقالَ النَّقْبُ: الطَّرِيْقُ الضَّيِّقُ بينَ جبَلَينِ. فقلتُ: هذا خطأٌ وتصحيفٌ فاحشٌ، وإنَّما هو النِّقْيُ، أي: الْمُخُّ الذي في العَظْمِ. ومنهُ قولُهُ في حديثِ أُمِّ زَرْعٍ: ((لا سَمِينَ فَيُنْتَقى)) ، وفي حديثِ

الأُضْحيَّةِ: ((والعَجْفاءِ التي لا تُنْقِي)) . فليحذرِ طالبُ العلمِ ضبطَ ذلكَ من الحواشي، إلاَّ إذا كانتْ بخطِّ مَنْ يُعْرَفُ خطُّهُ من الأئِمَّةِ. وأحسنُ ما يفسَّرُ به الغريبُ ما جاءَ مُفَسَّراً بهِ في بعضِ طرقِ الحديثِ، كقولِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثِ الصحيحِ المتفقِ عليهِ لابنِ صائدٍ: ((قد خَبَأْتُ لكَ خَبِيئاً فما هُوَ؟ قالَ: الدُّخُّ)) . فالدُّخُّ هنا: هُوَ الدُّخَانُ، وَهُوَ لغةٌ فيهِ. حكاها ابنُ دُرَيْدٍ، وابنُ السِّيْدِ، والجوهريُّ، وغيرُهم. وحكى ابنُ السِّيْدِ فيهِ أيضاً: فَتْحَ الدالِ. وَقَدْ رَوَى أبو داودَ والترمذيُّ من روايةِ الزهريِّ، عن سالِمٍ، عن ابنِ عُمرَ في هَذَا الحديثِ، أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لهُ: ((إنِّي قدْ خَبَأْتُ لكَ خَبِيْئَةً)) -وقالَ الترمذيُّ: ((خَبِيْئاً)) - وخَبَأَ لهُ {يَوْمَ تَأَتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِيْنٍ} قالَ الترمذيُّ: هَذَا حديثٌ صحيحٌ،

والحديثُ مُتَّفَقٌ عليهِ دون ذِكْرِ الآيةِ. وذكرَ أبو موسى المدينيُّ: أنَّ السِّرَّ في كونِهِ خَبَأَ لَهُ الدُّخانَ، أنَّ عيسى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتُلُهُ بِجَبَلِ الدُّخَانِ فهذا هو الصوابُ في تفسيرِ الدُّخِّ هنا. وقد فسَّرَهُ غيرُ واحدٍ على غيرِ ذلكَ فأخطأَ، ومنهم الحاكمُ في " علوم الحديث "، قالَ: سألتُ الأدباءَ عن تفسيرِ الدُّخِّ، قالَ: يَدُخُّها، ويَزُخُّها، بمعنى واحدٍ، الدُّخُّ والزَّخُّ، قالَ: والمعنى الذي أشارَ إليه ابنُ صَيَّادٍ - خَذَلَهُ اللهُ - فيهِ مفهومٌ، ثُمَّ أنشدَ لعليِّ ابنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه -: طُوْبَى لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مَزَخَّهْ ... يَزُخُّهَا ثُمَّ يَنَامُ الفَخَّهْ فالْمَزَخَّةُ - بالفتحِ -: هي المرأةُ. قالَهُ الجوهريُّ. ومعنى يَزُخُّها: يجامِعُها. والفَخَّةُ: أنْ ينامَ فينفخَ في نومِهِ. هذا الذي فَسَّرَ الحاكمُ بهِ الحديثَ من كونِهِ

المسلسل

الجماعَ، تخليطٌ فاحشٌ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ، ثُمَّ إنِّي لم أرَ في كلامِ أهلِ اللغةِ أَنَّ الدُّخَّ -بالدال-: هو الجماعُ. وإنما ذكروهُ بالزاي فقطْ. ومِمَّنْ فسَّرَهُ على غيرِ الصوابِ أيضاً أبو سليمانَ الخطَّابيُّ فرجَّحَ أَنَّ الدُّخَّ: نَبْتٌ موجودٌ بينَ النخيلِ، وقالَ: لا معنى للدُّخَانِ هاهنا، إِذ ليسَ ممَّا يُخَبَّأُ، إلاَّ أنْ يُريدَ بـ: خَبَأْتُ أضْمَرْتُ وما قالَهُ الخطابيُّ أيضاً غيرُ مَرْضِيٍّ. وقولي: (والحاكمُ) ، هُوَ ابتداءُ كلامٍ مرفوعٍ، (وَفَسَّرَهُ) : في موضعِ الخبرِ. الْمُسَلْسَلُ 764.... مُسَلْسَلُ الْحَدِيْثِ مَا تَوَارَدَا ... فِيْهِ الرُّوَاةُ وَاحِداً فَوَاحِدَا 765.... حَالاً لَهُمْأوْ وَصْفاً اوْوَصْفَسَنَدْ ... كَقَوْلِ كُلِّهِمْ: سَمِعْتُ فَاتَّحَدْ 766.... وَقَسْمُهُ إلى ثَمَانٍ مُثُلُ ... وَقَلَّمَا يَسْلَمُ ضَعْفاً يَحْصُلُ 767.... وَمِنْهُ ذُوْ نَقْصٍ بِقَطْعِ السِّلْسِلَهْ ... كَأوَّلِيَّةٍ وَبَعْضٌ وَصَلَهْ التسلسلُ من صفاتِ الأسانيدِ، فالحديثُ المُسَلْسَلُ: هو ما تواردَ رجالُ إسنادِهِ واحداً فواحداً على حالةٍ واحدةٍ أوْ صفةٍ واحدةٍ سواءٌ كانتِ الصفةُ للرواةِ، أو للإسنادِ. وسواءٌ كانَ ما وقعَ منهُ في الإسنادِ في صيغِ الأداءِ، أو متَعَلّقاً بزمنِ الروايةِ، أو

التسلسل بأحوال الرواة القولية،

بالمكانِ. وسواءٌ أكانتْ أحوالُ الرواةِ، أو صفاتُهم أقوالاً، أمْ أفعالاً؟ مثالُ التسلسلِ بأحوالِ الرواةِ القوليَّةِ، حديثُ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ، أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لهُ: ((يا معاذُ، إنِّي أُحبُّكَ، فَقُلْ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) ، فَقَدْ تَسَلْسَلَ لنا بقولِ كُلٍّ من رواتهِ: وأنا أحبُّكَ فقلْ. ومثالُ التسلسلِ بأحوالِ الرواةِ الفعليَّةِ، حديثُ أبي هريرةَ قالَ: شَبَّكَ بيدي أبو القاسمِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقالَ: خَلَقَ اللهُ الأرضَ يومَ السَّبْتِ، ... الحديثَ. فقدْ تسلسلَ لنا تشبيكُ كُلِّ واحدٍ من رواتِهِ بيدِ مَنْ رواهُ عنهُ. وقدْ يجتمعُ تسلسلُ الأقوالِ والأفعالِ في حديثٍ واحدٍ كالحديثِ الذي أخبرنا بهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريُّ سماعاً عليهِ بدمشقَ في الرحلةِ الأولى، قالَ: أخبرنا والدِي، ويحيى بنُ عليِّ بنِ محمدٍ القلانسيُّ قالاَ: أخبرنا عليُّ بنُ محمدِ ابنِ أبي الحسنِ، قالَ: حَدَّثَنَا يحيى بنُ محمودٍ الثقفيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا إسماعيلُ بنُ محمدِ بنِ الفضلِ، قالَ: حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ عليِّ بنِ خَلَفٍ، قالَ: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ، قالَ: حَدَّثَنَا الزبيرُ بنُ عبدِ الواحدِ، قالَ: حَدَّثَنَا يوسفُ

ابنُ عبدِ الأحدِ الشافعيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا سليمانُ بنُ شعيبٍ الكَيْسانيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا سعيدٌ الأَدَمُ، قالَ: حَدَّثَنَا شِهابُ بنُ خِرَاشٍ، قالَ: سمعتُ يزيدَ الرَّقَاشِيَّ يُحَدِّثُ عن أنسِ بنِ مالكٍ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لا يَجِدُ العبدُ حلاوةَ الإيمانِ حَتَّى يُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ)) قالَ: وقبضَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على لحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وقَبَضَ أنسٌ على لحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ يزيدُ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقدرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ شهابٌ بلحيتِهِ، فقالَ: آمنتُ بالقدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ سعيدٌ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ سليمانُ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ يوسفُ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ الحاكمُ: وأخذَ الزبيرُ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ الحاكمُ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ ابنُ خَلَفٍ بلحيتِهِ،

التسلسل بصفات الرواة القولية،

وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ إسماعيلُ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ يحيى الثقفيُّ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ عليُّ بنُ محمدٍ بلحيتِهِ وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ كُلٌّ مِنْ يحيى بنِ القلانسيِّ وإسماعيلَ بنِ إبراهيمَ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، وأخذَ شيخُنا أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ. ومثالُ التسلسلِ بصفاتِ الرواةِ القوليةِ، كالحديثِ المُسلسلِ بقراءةِ سورةِ الصفِّ ونحوِهِ. وأحوالُ الرواةِ القوليَّةُ، وصفاتهُم القوليةُ، متقاربةٌ بل متماثلةٌ. ومثالُ التسلسلِ بصفاتِ الرواةِ الفعليَّةِ، كالحديثِ المسلسلِ بالفقهاءِ، وهو حديثُ ابنِ عمرَ مرفوعاً: ((البَيِّعَانِ بالخِيَارِ)) فقد تسلسلَ لنا بروايةِ الفقهاءِ. وكالحديثِ المسلسلِ بروايةِ الحفَّاظِ، ونحوِ ذلكَ. ومثالُ التسلسلِ بصفاتِ الإسنادِ والروايةِ، كقولِ كُلٍّ من رواتِهِ:

أنواع التسلسل كثيرة.

سمعتُ فلاناً، وإليهِ الإشارةُ بقولي: (كقولِ كُلِّهم: سمعتُ فاتَّحِدْ) ، لفظُ الأَدَاءِ في جميعِ الرواة فصارَ مسلسلاً بذلكَ، وكذلكَ قولُ جميعِهِمُ حدَّثَنا، أو قولُهَم: أخبرنا، وقولهُمُ: شهدتُ على فلانٍ، قالَ: شهدتُ على فلانٍ، ونحوُ ذلكَ. وجعلَ الحاكمُ من أنواعِهِ أنْ تكونَ ألفاظُ الأداءِ في جميعِ الرواةِ دالةٌ على الاتصالِ، وإنِ اختلفَتْ، فقالَ بعضُهم: سمعتُ، وبعضُهم: أخبرنا، وبعضُهم: حَدَّثَنَا، ولَم يُدْخِلِ الأكثرونَ في المسلسلاتِ إلاَّ ما اتفقتْ فيهِ صيغُ الأداءِ بلفظٍ واحدٍ، ومثالُ التسلسلِ في وقتِ الروايةِ حديثُ ابنِ عباسٍ، قالَ: شهدتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يومِ عيدِ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، ... الحديث. فقد تسلسلَ لنا بروايةِ كُلِّ واحدٍ من الرواةِ له في يومِ عيدٍ وكحديثِ تسلسُلِ قَصِّ الأظفارِ بيومِ الخميسِ، ونحوِ ذلكَ. ومثالُ التسلسلِ بالمكانِ، كالحديثِ المسلسلِ بإجابةِ الدعاءِ في الْمُلْتَزمِ. وأنواعُ التسلسلِ كثيرةٌ. وقد ذكرَهُ الحاكمُ في علومِهِ ثَمَانيةَ أنواعٍ، قالَ ابنُ الصلاحِ: والذي ذكرَهُ فيها إنَّمَا هو صُوَرٌ، وأمثلةٌ ثَمَانيةٌ، ولا انحصارَ لذلكَ في ثَمَانيةٍ. قلتُ: لم يقل الحاكمُ إنَّهُ يَنْحَصِرُ في ثَمَانيةِ أنواعٍ، كما فهمَهُ ابنُ الصلاحِ، وإنَّمَا قالَ بعدَ ذِكْرِهِ الثَّمَانيةَ: ((فهذه أنواعُ المسلسَلِ من الأسانيدِ المتصلةِ التي لا يشوبُهَا تدليسٌ وآثارُ السماعِ بينَ الراويينِ ظاهرةٌ)) . انتهى.

فالحاكمُ إِنَّمَا ذَكَرَ من أنواعِ المُسَلْسَلِ ما يدلُّ على الاتصالِ. فالأولُ: المسلسلُ بـ: سَمِعْتُ. والثاني: المسلسلُ بقولِهِم: قُمْ فصبَّ عليَّ حتى أريَك وضوءَ فلانٍ. والثالثُ: المسلسلُ بمطلقِ ما يدلُّ على الاتصالِ من ((سمعتُ)) أو ((أخبرَنا)) أو ((حَدَّثَنَا)) ، وإنِ اختلفَتْ ألفاظُ الرواةِ. والرابعُ: المسلسلُ بقولِهِم: فإنْ قيلَ لفلانٍ: مَنْ أَمَرَكَ بهذا؟ قالَ: يقولُ: أمرني فلانٌ. والخامسُ: المسلسلُ بالأخذِ باللحيةِ، وقولِهِم: آمنتُ بالقَدَرِ، الحديث، وقد تقدَّمَ. والسادسُ: المسلسلُ بقولِهِم: وعدَّهُنَّ في يدي. والسابعُ: المسلسلُ بقولِهِم: شهدْتُ على فلانٍ. والثامنُ: المسلسلُ بالتشبيكِ باليدِ مع أَنَّ من أمثلتِهِ ما يدلُّ على الاتصالِ، ولم يذكرْهُ، كالمسلسلِ بقولِهِم: أطعَمَنا وسقانا. والمسلسلِ بقولِهِم: أضافَنَا بالأسودَيْنِ، التمرِ والماءِ. والمسلسلِ بقولِهِم: أخذَ فلانٌ بيدي. والمسلسلِ بالمصافَحةِ. والمسلسلِ بقصِّ الأظفارِ يومَ الخميسِ، ونحوِ ذلكَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وخيرُها ما كانَ فيه دلالةٌ على اتِّصَالِ السَّماعِ وعدمِ التدليسِ، قالَ: ومن فضيلةِ التسلسلِ اشتمالُه على مزيدِ الضَّبْطِ من الرواةِ. قالَ: وقلَّما تَسْلَمُ المسلسلاتُ من ضَعْفٍ، أعني: في وصفِ التسلسُلِ لا في أصلِ المتنِ)) . ومن المسلسلِ ما هو ناقصُ التسلسُلِ بقطعِ السِلسِلةِ في وَسَطِهِ، أو أوَّلِهِ، أو آخرِهِ، كحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو المسلسلِ بالأَوَّلِيَّةِ، فإِنَّهُ إنَّمَا يصحُّ التسلسلُ فيهِ إلى سفيانَ بنِ عُيينةَ، وانقطعَ التسلسلُ بالأَوَّلِيَّةِ في سماعِ سفيانَ من عمرٍو، وفي سماعِ عمرٍو من أبي قَابُوسَ، وفي سماعِ أبي قابوسَ من عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، وفي سماعِ عبدِ اللهِ من النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد وقعَ لنا - بإسنادٍ متصلٍ - التسلسلُ إلى آخرِهِ، ولا يصحُّ ذلكَ، واللهُ أعلمُ.

الناسخ، والمنسوخ

النَّاسِخُ، وَالْمَنْسُوْخُ 768.... وَاَلنَّسْخُ رَفْعُ الشَّارِعِ السَّابقَ مِنْ ... أَحْكَامِهِ بِلاَحِقٍ وَهْوَ قَمِنْ 769.... أَنْ يُعْتَنَى بِهِ وَكَانَ الشَّافِعِي ... ذَا عِلْمِهِ ثُمَّ بِنَصِّ الشَّارِعِ 770.... أَوْ صَاحِبٍ أَوْ عُرِفَ التَّارِيْخُ أَوْ ... أُجْمِعَ تَرْكَاً بَانَ نَسْخٌ وَرَأَوْا 771.... دَلاَلَةَ الإِجْمَاعِ لاَ النَّسْخَ بِهِ ... كَالْقَتْلِ فِي رَابِعَةٍ بِشُرْبِهِ النسخُ يطلقُ لغةً: على الإزالةِ، وعلى التحويلِ. وأمَّا نسخُ الأحكامِ الشرعيَّةِ، وهو المحدودُ هنا، فهو عبارةٌ عن: ((رَفْعُ الشَّارعِ حُكْماً مِنَ أحكامِهِ سابقاً، بحكمٍ من أحكامِهِ لاحقٌ)) . والمرادُ برفعِ الحكمِ: قطعُ تَعَلُّقِهِ بالمكلّفينَ، وإلاَّ فالحكمُ قديمٌ لا يرتفعُ. فقولنُا: (رفعُ) ، احترازٌ عن بيانِ مجملٍ، فإنَّهُ ليسَ برفعٍ. وقولنا: (الشارعِ) ، احترازٌ عن إخبارِ بعضِ مَنْ شاهدَ النسخَ من الصحابةِ، فإنَّهُ لا يكونُ نسخاً، وإنْ كانَ التكليفُ إِنَّمَا حصلَ بإخبارِهِ لِمَنْ لم يكنْ بلغَهُ قَبْلَ ذلكَ.

وقولُنا: حكماً من أَحكامِهِ احترازٌ عن رفعِ الإباحةِ الأصليةِ، فإنَّهُ لا يُسَمَّى نسخاً. وقولُنا: سابقاً، احترازٌ عن التخصيصِ المتصلِ بالتكليفِ، كالاستثناءِ، ونحوِهِ. وقولُنا: بحكمٍ من أحكامِهِ، احترازٌ عن رَفْعِ الحكمِ لموتِ المكلفِ، أو زوالِ التكليفِ بجنونٍ، أو نحوِهِ. وقولُنا لاحقٌ، احترازٌ عن انتهاءِ الحكمِ بانتهاءِ الوقتِ، كقولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّكُمْ لاَقُوا العَدُوَّ غَداً، والفِطْرُ أَقْوَى لَكُم، فَأَفْطِرُوا فالصومُ - مثلاً بعدَ ذلكَ اليومِ ليسَ لنسخِ متَأخّرٍ، وإنَّمَا المأمورُ بهِ مُؤَقَّتٌ وقدْ انقضى وَقْتُهُ بعدَ ذلكَ اليومِ المأمورِ بإفطارِهِ وقولي: (وهو قَمِنْ) - بفتحِ القافِ وكسرِ الميمِ - على إحدى اللُّغتينِ، بمعنى: حقيقٌ، أي: وعِلْمُ الناسخِ والمنسوخِ حقيقٌ أنْ يُعتَنَى بهِ. وقولي ذا عِلْمِهِ، أي صاحبُ علمهِ وقد روينا عن أحمدَ بنِ حنبلٍ، أنَّهُ قالَ ما عَلِمْنَا الْمُجْمَلَ مِنَ الْمُفَسَّرِ، ولا ناسخَ حديثِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من منسوخِهِ حتى جالسْنَا الشافعيَّ وقولي: (ثُمَّ بنَصِّ الشَّارِعِ ... ) إلى آخرِهِ. الجارُ والمجرورُ هنا متعلقٌ بقولي: بانَ نسخٌ أي يتبينُ النسخُ، ويعرفُ بنصِّ الشارعِ عليهِ، أو بنصِّ صاحبٍ من الصحابةِ عليهِ، أو بمعرفِةِ التاريخِ للواقعتينِ، أو بأنْ يُجمعَ على تركِ العملِ بحديثٍ

فالأولُ كقولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنْتُ نَهَيْتُكُم عن زيَارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوْهَا وكُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عن لُحُومِ الأضَاحِي فوقَ ثلاثٍ فكُلُوا ما بَدَا لكُمْ وكُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوْفِ، ... الحديثَ أخرجه مسلمٌ والترمذيُّ وصحَّحَهُ من حديثِ بُرَيْدَةَ بنِ الْحُصَيْبِ والثاني كقولِ جابرٍ كانَ آخِرَ الأمْرَيْنِ من رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُ الوُضُوءِ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ رواهُ أبو داودَ والنسائيُّ وكقولِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ كانَ الماءُ من الماءِ رُخْصَةً في أوَّلِ الإسلامِ ثُمَّ أُمِرَ بالغُسْلِ. رواهُ أبو داودَ، والترمذيُّ وَصَحَّحَهُ، وابنُ ماجه. هكذا أطلقَ ابنُ الصلاحِ أنَّ مما يُعْرَفُ النسخُ به قولَ الصحابي، وهو واضحٌ. وخصَّصَ أهلُ الأصولِ ثبوتَ النسخِ بقولِهِ فيما إذا أخبرَ: بأنَّ هذا متأخّرٌ. فإنْ

قالَ: هذا ناسخٌ. لم يثبتْ بهِ النسخُ. قالَوا: لجوازِ أنْ يقولَهُ عن اجتهادِهِ، بناءً على أنَّ قولَهُ ليسَ بحجَّةٍ. وما قالَهُ أهلُ الحديثِ أوضحَ وأشهرَ. والنسخُ لا يُصارُ إليهِ بالاجتهادِ والرأي، وإنَّمَا يُصارُ إليهِ عندَ معرفةِ التأريخِ. والصحابةُ أورعُ من أنْ يحكمَ أحدٌ منهم على حُكمٍ شرعيٍّ بنسخٍ من غيرِ أنْ يعرفَ تأخُّرَ الناسخِ عنهُ. وفي كلامِ الشافعيِّ موافقةٌ لأهلِ الحديثِ، فقدْ قالَ فيما رواهُ البيهقيُّ في المدخلِ ولا يُسْتَدَلُّ على الناسخِ والمنسوخِ إلاَّ بخبرٍ عنْ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو بوقتٍ يَدُلُّ على أَنَّ أحدَهُما بعدَ الآخَرِ، أو بقولِ مَنْ سَمِعَ الحديثَ، أو العامَّةِ. فقولُهُ: أو بقولِ مَنْ سمعَ الحديثَ، أرادَ بهِ قولَ الصحابةِ مطلقاً، فذكرَ الوجوهَ الأربعةَ التي يُعْرَفُ بها النسخُ، واللهُ أعلمُ. والثالثُ كحديثِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ أَفْطَرَ الحاجِمُ والْمَحْجُومُ رواهُ أبو داودَ والنسائيُّ، وابنُ ماجه فذكرَ الشافعيُّ - رضي الله عنه - أنَّهُ منسوخٌ بحديثِ ابنِ عباسٍ، أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجمَ وهو مُحْرِمٌ صائمٌ أخرجَهُ مسلمٌ فإنَّ ابنَ عبَّاسٍ إنَّمَا صَحِبَهُ مُحْرِماً في حجَّةِ الوداعِ سنةَ عشرٍ. وفي بعضِ طرقِ حديثِ شَدَّادٍ: أنَّ ذلكَ كانَ زَمَنَ الفتحِ، وذلكَ في سنةِ ثمانٍ، واللهُ أعلمُ.

والرابعُ كحديثِ مُعاويةَ قالَ قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فاجْلِدُوهُ، فإنْ عادَ في الرابعةِ فَاقْتُلُوهُ رواهُ أصحابُ السنِنِ، أبو داود، والترمذيُّ، وابنُ ماجه، قالَ الترمذيُّ في آخرِ الجامعِ جميعُ ما في هذا الكتابِ معمولٌ بهِ، وقد أخذَ بهِ بعضُ أهلِ العِلْمِ ما خَلاَ حديثينِ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ في الجمعِ بين الظهرِ والعصرِ بالمدينةِ، والمغربِ والعشاءِ من غيرِ خَوفٍ، ولا سفرٍ، وحديثُ، إذا شربَ الخمرَ فاجلدوهُ، فإنْ عادَ في الرابعةِ فاقْتُلُوهُ)) . قالَ النوويُّ في " شرحِ مسلمٍ ": ((وهذا في حديثِ شاربِ الخمرِ هو كما قالَهُ، فهو حديثٌ منسوخٌ دلَّ الإجماعُ على نَسْخِهِ. قالَ: وأمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ فلَمْ يُجْمِعُوا على تَرْكِ العَمَلِ بهِ)) . قلتُ: وقولُهُ عن حديثِ شاربِ الخمرِ: أنَّهُ كما قالَهُ، فيهِ نظرٌ من حيثُ إنَّ ابنَ حَزْمٍ خالفَ في ذلكَ.

اللَّهُمَّ إلاَّ أنْ يُقالَ: إنَّ خلافَ الظاهريَّةِ لا يقدحُ في الإجماعِ. وقد ذكرَ أبو الفتحِ اليعمريُّ في "شرحِ الترمذيِّ"، أنَّهُ روى ذلكَ أيضاً عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، واللهُ أعلمُ. ومعَ الإجماعِ على خلافِ العملِ به فقد وردَ النَّسْخُ لذلكَ كما قالَ الترمذيُّ من روايةِ محمدِ بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ، عنْ جابرٍ، عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ إنْ شَرِبَ الخمرَ فاجْلِدُوهُ، فإنْ شَرِبَ في الرابعةِ فاقْتُلُوهُ قالَ ثُمَّ أُتِيَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدَ ذلكَ برجلٍ قد شَرِبَ الخَمْرَ في الرابعةِ فضرَبهُ ولم يقتلْهُ، قالَ وكذلكَ روى الزهريُّ، عن قَبِيْصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نحوَ هذا، قالَ فرُفِعَ القتلُ، وكانتْ رُخْصَةً ولم يجعلْ أبو بكرٍ الصَّيرفيُّ الإجماعَ دليلاً على تَعَيُّنِ المصيرِ للنسخِ، بل جعلَهُ متردداً بينَ النسخِ والغَلَطِ، فإنَّهُ قالَ في كتابهِ " الدلائلِ ": فإنْ أُجْمِعَ على إبطالِ حُكْمِ أحدِهما، فهو منسوخٌ، أوْ غلطٌ، والآخرُ ثابتٌ. وما قالَهُ محتَملٌ، واللهُ أعلمُ. التَّصْحِيْفُ 772.... وَالْعَسْكَرِيْ وَالدَّارَقُطْنِيْ صَنَّفَا ... فِيْمَا لَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ صَحَّفَا 773.... فِي الْمَتْنِ كَالصُّوْلِيِّ ((سِتّاً)) غَيَّرْ ... ((شَيْئاً)) ، أوِ الإِسْنَادِ كَابْنِ النُّدَّرْ 774.... صَحَّفَ فِيْهِ الطَّبَرِيُّ قالاَ: ... ((بُذَّرُ)) بالبَاءِ وَنَقْطٍ ذَالاَ

التصحيف

معرفةُ التصحيف فَنٌّ مهمٌّ، وقد صنَّفَ فيهِ أبو الحسنِ الدَّارقطنيُّ، وصنَّفَ فيهِ أبو أحمدَ العسكريُّ كتابَهُ المشهورَ في ذلكَ، وذِكْرُ العسكريِّ من الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ بغيرِ تمييزٍ. ثُمَّ التصحيفُ ينقسمُ إلى تصحيفٍ في متنِ الحديثِ، وإلى تصحيفٍ في الإسنادِ. وينقسمُ أيضاً إلى تصحيفِ البصرِ -وهو الأكثرُ- وإلى تصحيفِ السَّمْعِ -كما سيأتي-. وينقسمُ أيضاً إلى تصحيفِ اللَّفْظِ - وهو الأكثرُ - وإلى تصحيفِ المعنى - كما سيأتي -. فمثالُ التصحيفِ في المتنِ ما ذكرَهُ الدارقطنيُّ: أَنَّ أبا بكرٍ الصُّوليَّ أَمْلَى في الجامعِ حديثَ أبي أيوبَ مرفوعاً: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وأَتْبَعَهُ سِتّاً من شَوَّالٍ، ... )) . فقالَ فيهِ: شيئاً - بالشينِ المعجمةِ، والياءِ آخرِ الحروفِ -. وكقولِ هِشامِ بنِ عُرْوةَ في حديثِ أبي ذَرٍّ: ((تُعِينُ ضَايعاً)) - بالضادِ المعجمة والياءِ آخرِ الحروفِ -. والصوابُ-

بالمهملةِ والنونِ -. وكقولِ وكيعٍ في حديثِ معاويةَ: ((لعنَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذينَ يُشَقِّقُوْنَ الحَطبَ)) بفتح الحاء المهملة - وإنَّمَا هو بضمِّ المعجمَةِ -. وحُكِيَ: أنَّ ابنَ شاهيَن صحَّفَهُ كذلكَ. وكقولِ أبي موسى محمدِ بنِ الْمُثَنَّى في حديثِ: ((أو شاةٍ تَنْعَرُ - بالنونِ - وإنَّمَا هو بالياءِ آخرِ الحروفِ. وكقولِ أبي بكرٍ الإسماعيليِّ في حديثِ عائشةَ: ((قَرَّ الزُّجَاجَةِ)) بالزاي، وإِنَّما هو بالدالِ المهملةِ المفتوحةِ.

ومثالُ التصحيفِ في الإسنادِ ما ذكرَهُ الدارقطنيُّ: أنَّ محمدَ بنَ جريرٍ الطبريَّ قالَ فيمَنْ روى عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بني سُليمٍ، ومنهم: عُتبةُ بنُ البُذَّرِ، قالَهُ: بالموحّدةِ والذالِ المعجمةِ، وإنَّمَا هو بالنونِ المضمومةِ، وفتحِ الدالِ المهملةِ المشدَّدَةِ. وكقولِ يحيى بنِ مَعينٍ: العَوَّامُ بنُ مُزَاحِمٍ - بالزاي والحاء المهملة - وإنَّمَا هو بالراءِ والجيمِ. 775.... وَأَطْلَقُوْا التَّصْحِيْفَ فِيْمَا ظَهَرَا ... كَقَوْلِهِ: ((احْتَجَمْ)) مَكَانَ ((احْتَجَرا)) أي وقد أطلقَ مَنْ صنَّفَ في التصحيفِ، التصحيفَ على ما لا تشتبِهُ حروفُهُ بغيرِهِ، وإنَّمَا أخطأَ فيه راويهِ، أو سقطَ بعضُ حروفِهِ من غيرِ اشتباهٍ مثالُهُ ما ذكرهَ مسلمٌ في التمييزِ أنَّ ابنَ لهيعةَ صَحَّفَ في حديثِ زيدِ بنِ ثابتٍ أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَرَ في المسجدِ، فقالَ احْتَجَمَ بالميمِ وكما رَوَى يحيى بنُ سَلاَّمٍ الْمُفَسِّرُ عن سعيدِ بن أبي عَرُوبةَ عن قَتَادةَ في قولِهِ تعالى {سأُرِيْكُمْ دَارَ الْفَاسِقِيْنَ} ، قالَ مِصْرُ، وقدِ استعظمَ أبو زُرْعَةَ الرازيُّ هذا واستقبحَهُ، وذكرَ أنَّهُ في تفسيرِ سعيدٍ عن قتادةَ مَصِيْرُهُم، فأطلقوا على مثلِ هذا اسمَ التصحيفِ، وإنْ لم يشتبهْ. ولكنَّهُ سقطَ الضميرُ والياءُ، فوقعَ هكذا.

776.... وَوَاصِلٌ بِعَاصِمٍ وَالأَحْدَبُ ... بِأَحْوَلٍ تَصْحِيْفَ سَمْعٍ لَقَّبُوا 777.... وَصَحَّفَ الْمَعْنَى إِمَامُ عَنَزَهْ ... ظَنَّ الْقَبِيْلَ بحَدِيْثِ ((الْعَنَزَهْ)) 778.... وَبَعْضُهُمْ ظَنَّ سُكُوْنَ نَوْنِهْ ... فَقالَ: شَاَةٌ خَابَ فِي ظُنُوْنِهْ هذا مثالٌ لتصحيفِ السمعِ، وتصحيفِ المعنى. فأمّا تصحيفُ السَّمْعِ فهو: أنْ يكونَ الاسمُ واللقبُ، أو الاسمُ واسمُ الأبِ على وزن اسمٍ آخرَ ولقبِهِ، أو اسمٍ آخرَ واسمِ أبيهِ؛ والحروفُ مختلفةٌ شكلاً ونطقاً، فيشتبِهُ ذلكَ على السَّمْعِ، كأنْ يكونَ الحديثُ لعاصمٍ الأحولِ فيجعلُهُ بعضُهم عن واصلٍ الأحدبِ. فذكرَ الدارقطنيُّ: أنَّهُ من تصحيفِ السمعِ. وكذا عكسُهُ، مثالُهُ ما ذكرَهُ النسائيُّ عن يزيدَ بنِ هارونَ، عن شعبةَ، عن عاصمٍ الأحولِ، عن أبي وائلٍ، عن ابنِ مسعودٍ بحديث: ((أيُّ الذنبِ أعظمُ؟ ... الحديث)) . وكذلكَ ذكرَهُ الخطيبُ في " المُدْرَجَاتِ " من طريقِ مهديِّ بنِ ميمونٍ، عن عاصمٍ الأحولِ، والصوابُ: واصلٌ الأحدبُ مكانَ عاصمٍ الأحولِ من طريقِ شعبةَ، ومهديٍّ، وغيرِهما. قالَ النسائيُّ: حديثُ يزيدَ خطأٌ، إنَّما هو عن واصلٍ. وقالَ الخطيبُ: إنَّ قولَ بعضِهِم: عن مهديِّ بنِ ميمونٍ، عن عاصمٍ الأحولِ؛ وَهْمٌ. قالَ: وقد رواهُ شعبةُ والثوريُّ ومالكُ بنُ مِغْولٍ، وسعيدُ بنُ مسروقٍ، عن واصلٍ

الأحدبِ. عن أبي وائلٍ. قالَ: وهذا أيضاً هو المشهورُ من روايةِ مهديٍّ. ومن ذلك ما رواهُ أبو داودَ والنسائيُّ من روايةِ شعبةَ عن مالكِ ِعُرْفُطَةَ، عن عبدِ خيرٍ، عن عليٍّ في صفةِ الوضوءِ والصوابُ: خالدُ بنُ عَلْقَمَةَ، مكانَ: مالكِ بنِ عُرْفُطةَ. قالَهُ النسائيُّ. وقد نسبَ شعبةَ فيهِ إلى الخطأ أبو داودَ والنسائيُّ وغيرُهما. وقد سمَّى أحمدُ بنُ حنبلٍ هذا تصحيفاً، فقالَ في حديثٍ رواهُ شُعبةُ عن مالك بنِ عُرْفُطةَ، عن عبدِ خَيرٍ، عن عائشةَ في النهي عنِ الدُّبَّاءِ، والْمُزَفَّتِ، صَحَّفَ فيه شُعبةُ، وإنَّمَا هو خالدُ بنُ عَلْقَمةَ. وأما تصحيفُ المعنى، فمثالُهُ ما ذكرَهُ الدارقطنيُّ: أنَّ أبا موسى محمدَ بنَ الْمُثَنَّى العَنَزِيَّ الملقَّبَ بالزَّمِنِ، أحدَ شيوخِ الأئِمَّةِ السِّتَّةِ، وَهُوَ المرادُ في قولي: (إِمَامُ عَنَزَهْ) ، قالَ يوماً: نحنُ قومٌ لنا شَرَفٌ، نحنُ من عَنَزَةَ قَدْ صَلَّى النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلينا. يريدُ أَنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إلى عَنَزَةَ فَتَوَهَّمَ أنَّهُ صَلَّى إلى قبيلتِهِم. وإنَّمَا العَنَزَةُ هنا الحربةُ

تُنْصَبُ بينَ يديهِ. وأعجبُ مِن ذلكَ ما ذكرهُ الحاكمُ عن أعرابيٍّ: أنَّهُ زعمَ أنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ إذا صَلَّى نُصِبَتْ بينَ يديهِ شاةٌ فصحَّفَها عَنْزَة - بإسكان النون - ثُمَّ رواهُ بالمعنى على وهْمِهِ فاخطأَ في ذلكَ من وجهينِ، واللهُ أعلمُ. ومن أمثلةِ تصحيفِ المعنى، ما ذكرَهُ الخطَّابيُّ عن بعضِ شيوخِهِ في الحديثِ: أنّهُ لما روى حديثَ النهيِ عن التحليقِ يومَ الْجُمعةِ قبلَ الصلاةِ، قالَ: ما حَلَقْتُ رأسي قبلَ الصلاةِ منذُ أربعينَ سنةً. فهِمَ منهُ تحليقَ الرؤوسِ، وإنَّمَا المرادُ تحليقُ الناسِ حِلَقاً، واللهُ أعلمُ.

مختلف الحديث

مُخْتَلِفُ الْحَدِيْثِ 779.... وَالْمَتْنُ إِنْ نَافَاهُ مَتْنٌ آخَرُ ... وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ فَلاَ تَنَافُرُ 780.... كَمَتْنِ ((لاَ يُوْرِدُ)) مَعْ ((لاَ عَدْوَى)) ... فَالنَّفْيُ لِلطَّبْعِ وَفِرَّ عَدْوَا 781.... أَوْلاَ فَإِنْ نَسْخٌ بَدَا فَاعْمَلْ بِهِ ... أَوْ لاَ فَرَجِّحْ وَاعْمَلَنْ بِالأَشْبَهِ هذا فنٌّ تكلَّمَ فيهِ الأئِمَّةُ الجامعونَ بينَ الحديثِ والفقهِ وأوَّلُ مَنْ تكلَّمَ فيهِ الإمامُ الشافعيُّ - رضي الله عنه - في كتابهِ اختلافُ الحديثِ، ذكرَ فيهِ جُملةً من ذلكَ يَتَنَبَّهُ بها على طريقِ الجمعِ، ولم يقصدِ استيفاءَ ذلكَ، ولم يفردْهُ بالتأليفِ، إنَّما هو جزءٌ من كتابِ "

الأُمِّ ". ثُمَّ صنَّفَ في ذلكَ أبو محمدِ بنُ قتيبةَ فأَتى بأشياءَ حسنةٍ، وقَصُرَ باعُهُ في أشياءَ قَصَّرَ فيها. وصنَّفَ في ذلكَ محمدُ بنُ جريرٍ الطبريُّ، وأبو جَعْفَرٍ الطحاويُّ كتابَهُ " مُشْكِلُ الآثارِ "، وهو من أَجلِّ كُتُبِهِ وكانَ الإمامُ أبو بكرِ بنُ خُزيمةَ مِنْ أَحسنِ الناسِ كلاماً في ذلكَ، حتى إنَّهُ قالَ: لا أعرفُ حديثينِ صحيحينِ متضادَّينِ، فَمَنْ كانَ عندَهُ فليأتني بهِ لأُؤَلِّفَ بينهُمَا. وجملةُ الكلامِ في ذلك: إنَّا إذا وجدْنَا حديثينِ مختلفي الظاهرِ، فلا يخلو إمّا أنْ يُمْكنَ الجمعُ بينهما بوجهٍ يَنْفي الاختلافَ بينهما، أوْ لا؟ فإنْ أمْكَنَ ذلكَ بوجهٍ صحيحٍ، تَعَيَّنَ الجمعُ، ولا يُصَارُ إلى التعارُضِ، أوِ النَّسْخِ، معَ إمكانِ الجمعِ، مثالُهُ قولُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثِ الصحيحِ لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ وقولُهُ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فرارَكَ من الأسدِ معَ قولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثِ الصحيحِ أيضاً لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، فقد جعلَهَا بعضُهم متعارضةً، وأدخلَهَا بعضُهم في الناسخِ والمنسوخِ، كأبي حفصِ بنِ شاهينَ والصوابُ الجمعُ بَيْنَهُما، ووجهُهُ أَنَّ قولَه لا عَدْوَى نفيٌ لما كانَ يعتقدُهُ أهلُ الجاهليةِ، وبعضُ الحكماءِ، مِن أنَّ هذهِ الأمراضَ تُعْدِي بِطَبْعِهَا، ولهذا قالَ: ((فَمَنْ أَعْدَى الأوَّلَ)) ، أي: إنَّ اللهَ هوَ الخالقُ لذلكَ بسببٍ وغيرِ سببٍ، وإنَّ قولَه ((لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ)) ، ((وفِرَّ منَ الْمَجْذُومِ)) ، بيانٌ لما يخلقُهُ اللهُ منَ الأسبابِ عندَ المخالطَةِ للمريضِ، وقدْ يتخلَّفُ ذلكَ عن سببِهِ، وهذا مذهبُ أهلِ السُّنَّةِ. كما أَنَّ النارَ لا تُحْرِقُ بطَبْعِهَا، ولا الطعامُ يُشْبِعُ بطبعِهِ، ولا الماءُ يُرْوِي بطبعِهِ، وإنَّما

هيَ أسبابٌ، والقَدَرُ وراءَ ذلك. وقد وجدنا من خالطَ المصابَ بالأمراض التي اشتهرتْ بالإعْدَاءِ، ولم يتأثَّرْ بذلكَ. ووجدْنَا من احترزَ عن ذلكَ، الاحترازَ الممكنَ، وأُخِذَ بذلكَ المرضِ. (وعَدْوا) في آخرِ البيتِ، مصدرُ قولِكِ عَدَا يَعْدُوْا عَدْواً، إذا أسرعَ في مَشْيِهِ، إشارةٌ إلى قولِهِ: ((فِرَّ منَ الْمَجْذُومِ فِراركَ من الأسدِ)) . وإنْ لم يمكنِ الجمعُ بينَ الحديثينِ المختلفينِ، فإنْ عُرف المتأخّرُ منهما فإنَّهُ يُصارُ حينئذٍ إلى النسخِ، ويعملُ بالمتأخِّرِ منهما. وإنْ لم يدُلَّ دليلٌ على النسخِ، فقد تعارضَا حينئذٍ فيُصَارُ إلى الترجيحِ، ويُعْمَلُ بالأرجحِ منهما، كالترجيحِ بكثرةِ الرواةِ، أو بصفاتِهِم في خمسينَ وَجْهاً من وُجوهِ الترجيحاتِ وأكثرَ. كذا ذكرَ ابنُ الصلاحِ: أنَّ وجوهَ الترجيحاتِ خمسونَ، وأكثرُ. وتَبِعَ في ذلكَ الحازميَّ، فإنَّهُ كذلكَ قالَ في كتابِ " الاعتبار " لهُ في الناسخِ والمنسوخِ. وقد رأينا أنْ نسرُدَها مُختصَرةً: الأولُ: كثرةُ الرواةِ. الثاني: كونُ أحدِ الراوِيَيْنِ أتقنَ وأحفظَ. الثالثُ: كونُهُ مُتَّفَقاً على عدالتِهِ. الرابعُ: كونُهُ بالغاً حالةَ التحمُّلِ. الخامسُ: كونُ سماعِهِ تحديثاً، والآخَرِ عَرْضاً. السادسُ: كونُ أحدِهما سماعاً، أوْ عَرْضاً، والآخرِ كتابةً، أو وِجادةً، أو مُناولةً. السابعُ: كونُهُ مباشراً لما رواهُ. الثامنُ: كونُهُ صاحبَ القِصَّةِ. التاسعُ: كونُهُ أحسنَ سياقاً، واستقصاءً لحديثِهِ.

العاشرُ: كونُهُ أقربَ مكاناً. الحادي عشرَ: كونُهُ أكثرَ ملازمةً لشيخِهِ. الثاني عشرَ: كونُهُ سمِعَهُ من مشايخِ بلدِهِ. الثالث عشرَ: كونُ أحدِ الحديثينِ له مخارجُ. الرابعَ عشرَ: كونُ إسنادِهِ حِجازياً. الخامسَ عشرَ: كونُ رواتِهِ من بلدٍ لا يرضونَ التدليسَ. السادسَ عشرَ: دلالةُ ألفاظِهِ على الاتِّصالِ، كـ: سمعتُ، و: حدَّثنا. السابعَ عشرَ: كونُهُ مشافِهاً مُشاهداً لشيخِهِ عندَ الأَخذِ. الثامنَ عشرَ: عدمُ الاختلافِ في الحديثِ. التاسعَ عشرَ: كونُ راويهِ لم يضطربْ لفظُهُ، وهو قريبٌ من الذي قبلَهُ. العشرونَ: كونُ الحديثِ مُتَّفَقاً على رفْعِهِ. الحادي والعشرونَ: كونُهُ مُتَّفَقاً على اتِّصالِهِ. الثاني والعشرونَ: كونُ راويهِ لا يجيزُ الروايةَ بالمعنى. الثالثُ والعشرونَ: كونُهُ فَقِيهاً. الرابعُ والعشرونَ: كونُهُ صاحبَ كتابٍ يَرْجِعُ إليهِ. الخامسُ والعشرونَ: كونُ أحدِ الحديثينِ نصاً وقولاً [والآخَرُ نُسِبَ إليهِ استدلالاً واجتهاداً] . السادسُ والعشرونَ: كونُ القولِ يقارنُهُ الفعلُ. السابعُ والعشرونَ: كونُهُ مُوَافقاً لظاهرِ القرآنِ. الثامنُ والعشرونَ: كونُهُ مُوَافقاً لِسُنَّةٍ أُخرى. التاسعُ والعشرونَ: كونُهُ موافقاً للقياسِ. الثلاثونَ: كونُهُ معه حديثٌ آخرُ مرسلٌ، أو منقطعٌ. الحادي والثلاثونَ: كونُهُ عملَ به الخلفاءُ الراشدونَ. الثاني والثلاثونَ: كونُهُ مع عَمَلِ الأُمَّةِ.

الثالثُ والثلاثونَ: كونُ ما تضمَّنَهُ من الحكمِ منطوقاً. الرابعُ والثلاثونَ: كونُهُ مُستقلاً لا يحتاجُ إلى إضمارِ. الخامسُ والثلاثونَ: كونُ حكمِهِ مَقْرُوناً بصفةٍ، والآخرُ بالاسمِ. السادس والثلاثونَ: كونُهُ مقروناً بتفسيرِ الراوي. السابعُ والثلاثونَ: كونُ أحدِهِما قولاً، والآخرُ فعلاً، فيرجَّحُ القولُ. الثامنُ والثلاثونَ: كونُهُ لم يدخلْهُ التخصيصُ. التاسعُ والثلاثونَ: كونُهُ غيرَ مُشعرٍ بنوعِ قدحٍ في الصحابةِ. الأربعونَ: كونُهُ مُطلقاً، والآخرُ وردَ على سببٍ. الحادي والأَربعونَ: دلالةُ الاشتقاقِ على أحدِ الحكمينِ. الثاني والأربعونَ: كونُ أحدِ الخصمينِ قائلاً بالخبرينِ. الثالثُ والأربعونَ: كونُ أحدِ الحديثينِ فيه زيادةٌ. الرابعُ والأربعونَ: كونُهُ فيه احتياطٌ للفرضِ وبراءةُ الذِّمَّةِ. الخامسُ والأربعونَ: كونُ أحدِ الحديثينِ له نظيرٌ متفقٌ على حُكمِهِ. السادسُ والأربعونَ: كونُهُ يدُلُّ على الحظرِ، والآخرُ على الإباحةِ. السابعُ والأربعونَ: كونُهُ يثبتُ حُكماً موافقاً لحكمِ ما قبلَ الشَّرْعِ، فقيلَ: هو أَوْلَى، وقيلَ: هما سواءٌ. الثامنُ والأربعونَ: كونُ أحدِ الخبرينِ مُسقطاً للحدِّ، فقيلَ: هو أَوْلَى، وقيلَ: لا ترجيحَ. التاسعُ والأربعونَ: كونُهُ إثباتاً يتضمنُ النقلَ عن حُكمِ العقلِ والآخرُ نفياً يتضمنُ الإقرارَ على حكمِ العقلِ. الخمسونَ: أنْ يكونَ أحدُهما في الأقضيةِ، وراويه عليٌّ: أو في الفرائضِ، وراويه زيدُ ابنُ ثابتٍ، أو في الحلالِ والحرامِ وراويه مُعاذُ بنُ جَبَلٍ، وَهَلُمَّ جَرّاً.

خفي الإرسال، والمزيد في الإسناد

فالصحيحُ الذي عليهِ الأكثرونَ، كما قالَ الحازميُّ: الترجيحُ بهِ. وقدِ اقتصرَ الحازميُّ على ذكرِ هذهِ الخمسينَ وجهاً، قالَ: وثَمَّ وجوهٌ كثيرةٌ أضْرَبْنَا عن ذِكْرِها، كي لا يطولَ بهِ هذا الْمُخْتَصَرُ. قلتُ: وقدْ خالفَهُ بعضُ الأصوليينَ في بعضِ ما ذكرَهُ من وُجوهِ الترجيحاتِ، فرجَّحَ مقابلَهُ، أو نَفى التَّرجيحَ. وقد زادَ الأصوليونَ كالإمامِ فخرِ الدينِ الرازيِّ، والسيفِ الآمديِّ، وأتباعِهِما؛ وجوهاً أُخرى للترجيحِ، إذا انضمتْ إِلَى هذهِ، زادتْ عَلَى المائةِ. وَقَدْ جمعتُها فِيْمَا جمعتُهُ عَلَى كلامِ ابنِ الصَّلاحِ، فلتراجعْ من هناكَ، وقدِ اقتصرتُ هنا عَلَى ما أودَعَهُ المحدِّثُونَ كُتُبَهُمْ، واللهُ أعلمُ. خَفِيُّ الإِرْسَالِ، وَالْمَزِيْدُ فِي الإِسْنَادِ 782.... وَعَدَمُ السَّمَاعِ وَالِلِّقَاءِ ... يَبْدُو بِهِ الإِرْسَالُ ذُوْ الْخَفَاءِ 783.... كَذَا زِيَادَةُ اسْمِ رَاوٍ فِي السَّنَدْ ... إِنْ كَانَ حَذْفُهُ بِعَنْ فِيْهِ وَرَدْ

الإرسال على نوعين:

784.... وَإِنْ بِتَحْدِيْثٍ أَتَى فَالْحُكْمُ لَهْ ... مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ قَدْ حمَلَهْ 785.... عَنْ كُلٍّ الاَّ حَيْثُ مَا زِيْدَ وَقَعْ ... وَهْماً وَفِي ذَيْنِ الْخَطِيْبُ قَدْ جَمَعْ ليسَ المرادُ هُنا بالإرسالِ ما سقطَ منهُ الصحابيُّ، كما هو المشهورُ في حدِّ المرسلِ. وإنَّمَا المرادُ هُنا: مُطلقُ الانقطاعِ. ثُمَّ الإرسالُ على نوعينِ: ظاهرٌ، وخفيٌّ. فالظاهرُ هو أَنْ يرويَ الرجلُ عَمَّنْ لم يعاصرْهُ بحيثُ لا يشتبهُ إرسالُهُ باتصالِهِ على أهلِ الحديثِ، كأنْ يرويَ مالكٌ مثلاً عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ، وكحديثٍ رواهُ النسائيُّ من روايةِ القاسمِ بنِ محمدٍ، عن ابنِ مسعودٍ، قالَ أصابَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعضَ نسائِهِ، ثُمَّ نامَ حَتَّى أصبحَ، ... الحديثَ فإنَّ القاسمَ لَمْ يُدْرِكِ ابنَ مسعودٍ. والخفيُّ: هو أنْ يرويَ عمَّنْ سمعَ منهُ ما لم يسمعْهُ منهُ، أوْ عمَّنْ لقيَهُ ولم يسمعْ منه، أوْ عمَّنْ عاصرَهُ ولم يلقَهُ، فهذا قد يخفى على كثيرٍ من أهلِ الحديثِ، لكونِهِما قد جمعَهُما عصرٌ واحدٌ. وهذا النوعُ أشبهُ برواياتِ المدَلِّسِينَ. وقد أفردَهُ ابنُ الصلاحِ بالذِّكْرِ عن نوعِ المرسلِ، فتبعتُهُ على ذلكَ.

ويعرف خفي الإرسال بأمور:

ويعرفُ خفيُّ الإرسالِ بأمورٍ: أحدُها أنْ يُعْرَفَ عدمُ اللقاءِ بينهما بنصِّ بعضِ الأئمةِ على ذلك، أوْ يُعْرَفَ ذلكَ بوجهٍ صحيحٍ، كحديثٍ رواه ابنُ ماجَه من روايةِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، عن عُقْبَةَ بنِ عامرٍ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ رَحِمَ اللهُ حَارِسَ الْحَرَسِ، فإنَّ عمرَ لم يلقَ عُقبةَ، كما قالَ المِزِّيُّ في الأطرافِ والثاني: بأنْ يُعْرَفَ عَدَمُ سماعِهِ منهُ مطلقاً بنصِّ إمامٍ على ذلكَ، أوْ نحوِهِ، كأحاديثِ أبي عُبيدةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ عن أبيهِ، وهي في السُّنَنِ الأربعةِ. فقد روى الترمذيُّ: أنَّ عَمْرَو بنَ مُرَّةَ قالَ لأبي عُبيدةَ: هلْ تذكرُ مِنْ عبدِ اللهِ شيئاً؟ قالَ: لا. والثالثُ: بأنْ يُعْرَفَ عدمُ سماعِهِ منهُ لذلكَ الحديثِ فَقَطْ، وإنْ سَمِعَ منهُ غيرُهُ؛ إمَّا بنصِّ إمامٍ، أو إخبارِهِ عن نفسِهِ بذلكَ في بعضِ طرقِ الحديثِ، أو نحوِ ذلكَ. والرابعُ: بأنْ يَرِدَ في بعضِ طرقِ الحديثِ زيادةُ اسمِ راوٍ بينهما، كحديثٍ رواهُ عبدُ الرزاقِ، عن سفيانَ الثوريِّ، عن أبي إسحاقَ، عن زيدِ بنِ يُثَيْعٍ، عن حُذَيْفَةَ

مرفوعاً: ((إنْ وَلَّيتُمُوْهَا أبا بكرٍ، فقويٌّ، أَمينٌ)) ، فهو منقطعٌ في موضعينِ؛ لأنَّهُ رُويَ عن عبدِ الرزاقِ، قالَ: حدَّثَني النُّعمانُ بنُ أبي شيبةَ، عن الثوريِّ، ورُوِي أيضاً عن الثوريِّ، عن شَرِيْكٍ، عن أبي إسحاقَ. وهذا القسمُ الرابعُ محلُّ نظرٍ لا يُدْرِكُهُ إلاَّ الحفَّاظُ النقَّادُ، ويَشَتَبِهُ ذلكَ على كثيرٍ من أهلِ الحديثِ؛ لأنَّهُ ربَّمَا كانَ الحكمُ للزائدِ، وربَّما كانَ الحكمُ للناقصِ والزائدُ وَهْمٌ فيكونُ من نوعِ المزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ؛ فلذلكَ جمعتُ بينَهُ وبينَ نوعِ خفيِّ الإرسالِ، وإنْ كانَ ابنُ الصلاحِ جعلَهُمَا نوعينِ، وكذلكَ الخطيبُ أفردَهُما بالتصنيفِ، فصنَّفَ في الأولِ كتاباً سمَّاهُ التفصيل لمُبْهَمِ المراسيلِ، وصَنَّفَ في الثاني كتاباً سمَّاهُ تمييز المزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ، وفي كثيرٍ مما ذكرَهُ فيهِ نظرٌ والصوابُ ما ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ من التفصيلِ واقتصرتُ عليهِ، وهوَ أَنَّ الإسنادَ الخالي عن الراوي الزائدِ، إنْ كانَ بلفظةِ عن في ذلكَ - وكذلكَ ما لا يقتضي الاتصالَ، كـ قالَ ونحوِها - فينبغي أنْ يُحْكَمَ بإرسالِهِ، ويُجْعَلَ مُعَلَّلاً بالإسنادِ الَّذِي ذُكِرَ فيهِ الرَّاوِي الزائدُ؛ لأَنَّ الزيادةَ من الثقةِ مقبولةٌ وإنْ كانَ بلفظٍ يقتضي الاتصالَ، كـ حَدَّثَنا، وأخبرنا، وسمعتُ، فالحكمُ للإسنادِ الخالي عن الرواي الزائدِ؛ لأنَّ معَهُ الزيادةَ، وهيَ إثباتُ سماعِهِ منهُ ومثالُهُ حديثٌ رواهُ مسلمٌ والترمذيُّ من طريق ابنِ المباركِ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ

يزيدَ بنِ جابرٍ، عن بُسْرِ بنِ عُبيدِ اللهِ، قالَ سمعتُ أبا إدريسَ الْخَوْلاَنيَّ قالَ سمعتُ واثلةَ يقولُ سمعتُ أبا مرثدٍ يقولُ سمعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ لا تَجْلِسُوا على القُبُورِ ولا تُصَلُّوا إليها فَذِكْرُ أبي إدريسَ في هذا الحديثِ وَهَمٌ من ابنِ المباركِ؛ لأنَّ جماعةً من الثقاتِ روَوْهُ عن ابنِ جابرٍ، عن بسرٍ، عن واثلةَ بلفظِ الاتصالِ بينَ بُسْرٍ وواثلةَ رواهُ مسلمٌ والترمذيُّ أيضاً، والنسائيُّ عن عليِّ بنِ حُجْرٍ، عن الوليدِ بنِ مسلمٍ، عن ابنِ جابرٍ، عن بسرٍ، قالَ سمعتُ واثلةَ ورواهُ أبو داودَ عن إبراهيمَ بنِ موسى، عن عيسى بنِ يونُسَ، عن ابنِ جابرٍ كذلكَ وحكى الترمذيُّ عن البخاريِّ قالَ حديثُ ابنِ المباركِ خطأٌ، إنَّما هُوَ عن بُسْرِ بنِ عُبيدِ اللهِ، عن واثلةَ، هكذا رَوَى غيرُ واحدٍ عن ابنِ جابرٍ قالَ وبُسْرٌ قَدْ سمعَ من واثلةَ وقالَ أبو حاتِمٍ الرازيُّ يرونَ أَنَّ ابنَ المباركِ وَهِمَ في هَذَا قالَ وكثيراً ما يُحَدِّثُ بُسْرٌ، عن أبي إدريسَ، فغلطَ ابنُ المباركِ، وظنَّ أنَّ هَذَا ممَّا رُوِيَ عن أبي ادريسَ، عن واثلةَ قالَ وَقَدْ سمعَ هَذَا بُسْرٌ من واثلةَ نفسِهِ وقالَ الدارقطنيُّ زادَ ابنُ المباركِ في هَذَا أبا إدريسَ ولا أحسَبُهُ إلاَّ أَدخلَ حديثاً في حديثٍ فَقَدْ حكمَ هؤلاءِ الأئمةُ عَلَى ابنِ المباركِ بالوَهْمِ في هَذَا

وقولي: (مع احتمالِ كونِهِ قد حملَهْ عن كُلٍّ الاَّ حيثُ ما زيدَ وَقَعْ وَهْماً) أي: معَ جوازِ أَنْ يكونَ قد سمعَهُ من هذا، ومِنْ هذا، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((فجائزٌ أَنْ يكونَ سمعَ ذلكَ من رَجُلٍ عنهُ، ثُمَّ سمعَهُ منهُ نفسُهُ، قالَ: فيكونُ بسرٌ في هذا الحديثِ قد سمعَهُ من أبي إدريسَ عن واثلةَ، ثمَّ لقيَ واثلةَ فسمعَهُ منهُ، كما جاءَ مثلُهُ مُصَرَّحاً به في غيرِ هذا. اللَّهُمَّ إلاَّ أنْ توجدَ قرينةٌ تدُلُّ على كونِهِ، أي: الطريقُ الزائدُ - وَهَماً - كنحوِ ما ذكرهُ أبو حاتِمٍ الرازيُّ في المثالِ المذكورِ، قالَ: وأيضاً، فالظاهرُ ممَنْ وقعَ لهُ مثلُ هذا أَنْ يذكرَ السَّمَاعَيْنِ، فإذا لم يجئ عنهُ ذِكْرُ ذلكَ حَمَلْنَاهُ على الزيادةِ المذكورةِ. وقد وقعَ في هذا الحديثِ وَهَمٌ آخرُ لمَنْ دونَ ابنِ المُباركِ بزيادةِ راوٍ آخرَ في السندِ، فقالَ فيهِ: عن ابنِ المباركِ، قالَ: حَدَّثَنا سفيانُ عن ابنِ جابرٍ، حدَّثَني بُسْرٌ، قالَ: سمعتُ أبا إدريسَ، قالَ: سمعتُ واثلةَ، فَذِكْرُ سفيانَ في هذا وَهَمٌ ممَّنْ دونَ ابنِ المباركِ؛ لأَنَّ جماعةً ثقاتٍ رَوَوْهُ عن ابنِ المباركِ، عن ابنِ جابرٍ، من غيرِ ذِكْرِ سُفْيَانَ، منهم عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ، وحسنُ بنُ الربيعِ، وهنَّادُ بنُ السريِّ وغيرُهم. وزادَ فيهِ بعضُهُم التصريحَ بلفظِ الإِخبارِ بينهما. وقولي: (وفي ذَيْنِ) أي: وفي هذينِ النوعينِ، وهما: الإرسالُ الخفيُّ، والمزيدُ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ، قد صنَّفَ الخطيبُ كتابيهِ اللَّذَينِ سبقَ ذِكْرُهُمَا.

معرفة الصحابة

مَعْرِفَةُ الصَّحابَةِ ... رَائي النَّبِيِّ مُسْلِماً ذُو صُحْبَةِ ... وقِيْلَ: إنْ طَالَتْ وَلَمْ يُثَبَّتِ 787.... وقِيلَ مَنْ أقَامَ عَاماً أو غَزَا ... مَعْهُ وذَا لابْنِ المُسَيِّبِ عَزَا ألَّفَ العلماءُ في مَعْرِفَةِ الصحابةِ كتباً كثيرةً منها معرفةُ الصحابةِ لأبي حاتمِ بنِ حبَّانَ البُستيِّ، مختصرٌ في مجلدةٍ، ومنها كتابُ معرفةِ الصحابةِ لأبي عبدِ اللهِ بن مندَه، وهو كتابٌ كبيرٌ جليلٌ، وقد ذَيَّلَ عليهِ الحافظُ أبو موسى المدينيُّ بذيلٍ كبيرٍ، ومنها الصحابةُ لأبي نُعَيْمٍ الأصبهانيِّ كتابٌ جليلٌ، ومنها كتابُ الاستيعابِ لابنِ عبدِ البرِّ، وهو كثيرُ الفوائدِ وذَيَّلَ عليهِ ابنُ فتحونَ بذيلٍ في مجلدةٍ ومنها معرفةُ الصحابةِ للعسكريِّ وهو على غيرِ ترتيبِ الحروفِ، وصنَّفَ معاجمَ الصحابةِ جماعةٌ منهم أبو القاسمِ البغويُّ، وابنُ قانعٍ، والطبرانيُّ، إلاَّ أنَّ مَنْ صنَّفَ المعاجمَ لا يوردُ غالباً إلاَّ مَنْ لهُ رِوايةٌ، وإنْ ذكروا مَنْ لا روايةَ لهُ أيضاً وقد صنَّفَ أبو الحسنِ عليُّ بنُ محمدِ بنِ الأثيرِ الجَزَرِيُّ كتاباً كبيراً سمَّاهُ أُسْد الغابةِ جمَعَ فيهِ بينَ كتابِ ابنِ منده، وذيْلِ أبي موسى عليهِ، وكتاب أبي نُعَيْمٍ، والاستيعاب، وزادَ مِنْ غيرِها أسماءَ ولم يقعْ له ذيلُ ابنِ فتحونَ؛ لكنَّهُ يكررُ أسماءَ الصحابةِ باعتبارِ أسمائِهِم وكناهُم، وباعتبارِ الاختلافِ في أسمائهم، أو كناهُم واختصرهُ جماعةٌ منهم الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ، في مختصرٍ لطيفٍ وقد ذيَّلْتُ عليهِ بعدةِ أسماءٍ لم تقعْ لهُ وقد اخْتُلِفَ في حدِّ الصحابيِّ مَنْ هو؟ على أقوالٍ

أحدُها وهو المعروفُ المشهورُ بينَ أهلِ الحديثِ أنَّهُ مَنْ رأى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حالِ إسلامهِ هكذا أطلقهُ كثيرٌ من أهلِ الحديثِ ومرادُهُم بذلكَ مَعَ زوالِ المانعِ منَ الرؤيةِ، كالعمى، وإلاَّ فمَنْ صحبَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يرَهُ لعارضٍ بنظرهِ كابن أُمِّ مكتومٍ ونحوهِ معدودٌ في الصحابةِ بلا خلافٍ قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ مَنْ صحبَهُ سنةً، أو شهراً، أو يوماً، أو ساعةً، أو رآهُ؛ فهو من الصحابةِ وقالَ البخاريُّ في صحيحهِ مَنْ صَحِبَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو رآهُ من المسلمينَ فهوَ من أصحابهِ وفي دخولِ الأعمى الذي جاءَ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسلماً، ولم يصحبْهُ، ولم يجالسْهُ؛ في عبارةِ البخاريِّ نظَرٌ ولو قيلَ في النَّظْمِ لاقى النبيَّ كانَ أولى؛ ولكنْ تَبِعْتُ فيهِ عبارةَ ابنِ الصلاحِ فالعبارةُ السالمةُ مِنَ الاعتراضِ أنْ يقالَ الصحابيُّ مَنْ لقيَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسلماً ثمَّ ماتَ على الإسلامِ؛ ليخرجَ مَنِ ارتدَّ وماتَ كافراً، كابنِ خَطَلٍ، وربيعةَ بنِ أميةَ، ومِقْيَسِ بنِ صُبَابَةَ، ونحوهم وفي دخولِ مَنْ لقيهُ مسلماً ثمَّ ارتدَّ ثمَّ أسلمَ بعدَ وفاةِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصحابة نظرٌ كبيرٌ، فإنَّ الرِّدَّةَ مُحبِطةٌ للعملِ عندَ أبي حنيفةَ، ونصَّ عليهِ الشافعيُّ في الأمِّ، وإنْ كانَ الرافعيُّ قدْ حكى عنهُ أنَّها إنَّما تُحْبَطُ بشرطِ اتصالها بالموتِ، وحينئذٍ فالظاهرُ أنَّها محبطةٌ للصُّحْبَةِ المتقدمةِ، كقُرَّةَ بنِ هُبَيْرةَ، وكالأشعثِ بنِ قيسٍ أما مَنْ رَجَعَ إلى الإسلامِ في حياتِهِ، كعبدِ اللهِ بنِ أبي سَرْحٍ، فلا مانعَ من دخولِهِ في الصُّحبةِ بدخولهِ الثاني في الإسلامِ، واللهُ أعلمُ

فقولي رائي، اسمُ فاعلٍ مِنْ رأى، والنبيُّ مضافٌ إليهِ ومسلماً حال مِنِ اسمِ الفاعلِ، وذو صحبةٍ خبرُ المبتدأ، والمرادُ برؤية النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رؤيتُهُ في حالِ حياتِهِ، وإلاَّ فلو رآهُ بعدَ موتِهِ قبلَ الدفنِ، أو بعدهُ، فليسَ بصحابيٍّ على المشهورِ، بلْ إنْ كانَ عاصَرَهُ ففيهِ الخلافُ الآتي ذِكْرُهُ وإنْ كانَ وُلِدَ بعدَ موتِهِ فليستْ لهُ صحبةٌ بلا خلافٍ واحترزتُ بقولي مسلماً عمَّا لو رآهُ وهوَ كافرٌ ثم أسلمَ بعدَ وفاتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنهُ ليسَ بصحابيٍّ على المشهورِ، كرسولِ قيصرَ، وقدْ خَرَّجَهُ أحمدُ في المسندِ، وكعبدِ اللهِ بنِ صَيَّادٍ، إنْ لَمْ يكنْ هو الدَّجالُ وقد عدَّهُ في الصحابةِ، كذلكَ أبو بكرِ بنُ فتحونَ في ذيلِهِ على الاستيعابِ وحُكيَ أنَّ الطبريَّ، وغيرهُ ترجمَ بهِ هكذا وقولهم مَنْ رأى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هلْ المرادُ رآهُ في حالِ نبوَّتِهِ، أو أعمُّ مِنْ ذلكَ؟ حتَّى يدخلَ مَنْ رآهُ قبلَ النبوةِ، وماتَ قبلَ النبوةِ على دينِ الحنيفية كزيدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ فقد قالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ يُبْعَثُ أمَّةً وحدَهُ وقد ذكرَهُ في الصحابةِ أبو

عبدِ اللهِ بنُ منده وكذلكَ لو رآهُ قبلَ النبوَّةِ ثمَّ غابَ عنهُ، وعاشَ إلى بعدِ زمنِ البعثةِ، وأسلمَ ثمَّ ماتَ، ولمْ يرهُ ولمْ أرَ مَنْ تَعرَّضَ لذلكَ، ويدلُّ على أنَّ المرادَ مَنْ رآهُ بَعْدَ نبوَّتِهِ أنَّهم ترجموا في الصحابةِ لمنْ وُلِدَ للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدَ النبوةِ، كإبراهيمَ، وعبد اللهِ، ولم يترجموا لمنْ ولِدَ قبلَ النبوةِ وماتَ قبلها كالقاسمِ وكذلكَ أيضاً ما المرادُ بقولهم مَنْ رآهُ؟ هلِ المرادُ رؤيتُهُ لهُ معَ تمييزهِ، وعقلهِ؟ حتى لا يدخلَ الأطفالُ الذينَ حَنَّكَهُمْ ولمْ يروهُ بعدَ التمييزِ، ولا مَنْ رآهُ وهو لا يعقلُ، أو المرادُ أعمُّ مِنْ ذلكَ؟ ويدلُّ على اعتبارِ التمييزِ معَ الرؤيةِ ما قالَهُ شيخُنا الحافظُ أبو سعيدٍ بنُ العلائي في كتابِ المراسيل في ترجمةِ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ نوفلٍ حنَّكهُ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعا لهُ ولا صحبةَ لهُ بلْ ولا رؤيةَ أيضاً، وحديثهُ مرسلٌ قطعاً وكذلكَ قالَ في ترجمةِ عبدِ اللهِ بنِ أبي طلحةَ الأنصاريِّ حنَّكهُ ودعا لهُ، ولا تُعرفُ لهُ رؤيةٌ، بلْ هوَ تابِعيُّ وحديثُهُ مرسلٌ والقول الثاني أنَّهُ مَنْ طالتْ صحبتُهُ لهُ، وكثرتْ مجالستُهُ على طريقِ التَّبَعِ لهُ والأخذِ عنهُ حكاهُ أبو المُظَفَّرِ السَّمْعَانيُّ، عنِ الأصوليينَ، وقالَ إنَّ اسمَ الصحابيِّ يقعُ على ذلكَ مِنْ حيثُ اللغةُ والظاهرُ، قال وأصحابُ الحديثِ يطلِقونَ اسمَ الصحبةِ على كلِّ مَنْ روى عنهُ حديثاً، أو كلمةً، ويتوسَّعُونَ حتَّى يَعدُّونَ مَنْ رآهُ رؤيةً مِنَ

الصحابةِ، قال وهذا لِشَرَفِ منزلةِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَعطوا كلَّ مَنْ رآهُ حكمَ الصحبةِ هكذا حكاهُ أبو المُظَفَّرِ السَّمْعَانيُّ عن الأصوليينَ، وهوَ قولٌ لبعضهمْ، حكاهُ الآمديُّ وابنُ الحاجبِ، وغيرُهما وبه جزمَ ابنُ الصبَّاغِ في العدَّةِ فقالَ الصحابيُّ هوَ الذي لقِيَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأقامَ عندَهُ، واتَّبَعَهُ، فأمَّا مَنْ وَفِدَ عليهِ وانصرفَ عنهُ منْ غيرِ مصاحبةٍ، ومتابعةٍ، فلا ينصرفُ إليهِ هذا الاسمُ وقالَ القاضي أبو بكرِ بنُ الطيبِ الباقلانيُّ لا خلافَ بينَ أهلِ اللغةِ أنَّ الصحابيَّ مشتقٌ منَ الصحبةِ، وأنَّهُ ليسَ بمشتقٍ مِن قدرٍ منها مخصوصٍ، بلْ هوَ جارٍ على كلِّ مَنْ صَحِبَ غيرَهُ قليلاً كانَ، أو كثيراً، يقالُ صحِبْتُ فلاناً حولاً ودهراً وسنةً وشهراً ويوماً وساعةً، قالَ وذلكَ يوجبُ في حكمِ اللغةِ إجراءها على مَنْ صحِبَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساعةً مِن نهارٍ هذا هوَ الأصلُ في اشتقاقِ الاسمِ ومعَ ذلكَ فقد تقررَ للأئمةِ عرفٌ في أنَّهُمْ لا يستعملونَ هذهِ التسميةَ إلاَّ فيمَنْ كَثُرَتْ صحبتُهُ، واتَّصَلَ لقاؤُهُ ولا يُجْرُونَ ذلكَ على مَنْ لقِيَ المرءَ ساعةً، ومشى معهُ خُطًى وسمعَ منهُ حديثاً فوجبَ لذلكَ ألاَّ يجريَ هذا الاسمُ في عرفِ الاستعمالِ إلا على مَنْ هذهِ حالهُ وقالَ الآمديُّ الأشبهُ أنَّ الصحابيَّ مَنْ رآهُ

وحكاهُ عنْ أحمدَ بنِ حنبلٍ، وأكثرِ أصحابنا، واختارهُ ابنُ الحاجبِ أيضاً؛ لأنَّ الصحبةَ تعمُّ القليلَ والكثيرَ، نَعَم في كلامِ أبي زُرْعَةَ الرازيِّ، وأبي داودَ ما يقتضي أنَّ الصحبةَ أخصُّ منَ الرؤيةِ، فإنهما قالا في طارقِ بنِ شهابٍ لهُ رؤيةٌ، وليستْ لهُ صحبةٌ وكذلك ما رويناه عن عاصمٍ الأحولِ قال قدْ رأى عبدُ اللهِ بنُ سَرْجِسَ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غيرَ أنَّهُ لم تكنْ لهُ صحبةٌ، ويدلُّ على ذلكَ أيضاً ما رواهُ محمدُ بنُ سعدٍ في الطبقاتِ عن عليِّ بنِ محمدٍ عن شعبةَ، عن موسى السيلانيِّ، قال أتيتُ أنسَ بنَ مالكٍ، فقلتُ أنتَ آخرُ مَنْ بقيَ من أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالَ قدْ بقيَ قومٌ مِنَ الأعرابِ، فأمَّا مِنْ أصحابهِ فأنا آخرُ مَنْ بقيَ انتهى قال ابنُ الصلاحِ إسنادُهُ جيِّدٌ حدَّثَ بهِ مسلمٌ بحضرةِ أبي زُرْعَةَ والجوابُ عن ذلكَ أنَّهُ أرادَ إثباتَ صحبةٍ خاصةٍ ليستْ لتلكَ الأعرابِ، وكذا أرادَ أبو زُرْعَةَ وأبو داودَ نفيَ الصحبةِ الخاصةِ دونَ العامةِ وقولي ولم يثبتْ أي وليسَ هو الثبتُ الذي عليهِ العملُ عندَ أهلِ الحديثِ والأصولِ

والقولُ الثالثُ وهوَ ما رويَ عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ أنَّهُ كانَ لا يعدُّ الصحابيَّ إلاَّ مَنْ أقامَ مع رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنةً أو سنتينِ، وغزا معهُ غَزْوةً أو غزوتينِ، قالَ ابنُ الصلاحِ وكأنَّ المرادَ بهذا إنْ صحَّ عنهُ راجعٌ إلى المحكيِّ عنِ الأصوليينَ؛ ولكنْ في عبارتِهِ ضيقٌ يوجبُ ألاَّ يُعَدَّ مِنَ الصحابةِ جريرُ بنُ عبدِ اللهِ البَجَليُّ ومَنْ شارَكَهُ في فَقْدِ ظاهرِ ما اشترَطَهُ فيهم، ممَّنْ لا نعلمُ خلافاً في عدِّهِ من الصحابةِ قلتُ ولا يصحُّ هذا عن ابن المسيِّبِ ففي الإسنادِ إليهِ محمدُ بنُ عمرَ الواقديُّ ضعيفٌ في الحديثِ والقولُ الرابعُ أنَّهُ يُشترطُ مع طولِ الصحبةِ الأخذُ عنهُ حكاهُ الآمديُّ عن عمرِو بنِ يحيى، فقال ذهبَ إلى أنَّ هذا الاسم إنَّما يسمى بهِ مَنْ طالتْ صحبتُهُ للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخذَ عنهُ العلمَ وحكاهُ ابنُ الحاجبِ أيضاً قولاً، ولم يعزهُ لعمرِو بنِ يحيى؛ ولكنْ أبدلَ الروايةَ بالأخذِ عنهُ، وبينهما فرقٌ وعمرٌو هذا الظاهِرُ أنَّهُ الجاحظُ، فقدْ ذكرَ الشيخُ أبو إسحاقَ في اللمع أنّ أباهُ اسمُهُ يحيى، وذلكَ وهمٌ، وإنَّما هو عمرُو بنُ بحرٍ أبو عثمانَ الجاحظُ من أئمةِ المعتزلةِ، قالَ فيهِ ثعلبٌ إنَّهُ غيرُ ثقةٍ، ولا مأمونٍ،

ولم أرَ هذا القولَ لغيرِ عمرٍو هذا وكأنَّ ابنَ الحاجبِ أخذَ هذا القولَ مِن كلامِ الآمديِّ، ولذلكَ أسقطتُهُ منَ الخلافِ في حدِّ الصحابيِّ تبعاً لابنِ الصلاحِ والقولُ الخامسُ أنَّهُ مَنْ رآهُ مسلماً بالغاً عاقلاً حكاهُ الواقديُّ عن أهلِ العلمِ فقالَ رأيتُ أهلَ العلمِ يقولونَ كلُّ مَنْ رأى رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقدْ أدركَ الحلمَ، فأسلمَ، وعقلَ أمرَ الدينِ ورضيهُ فهوَ عندنا ممَّنْ صحبَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولوْ ساعةً من نهارٍ، انتهى والتقييدُ بالبلوغِ شاذٌّ والقول السادس أنَّه مَنْ أدركَ زمنَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو مسلمٌ، وإنْ لم يرَهُ وهو قولُ يحيى بنِ عثمانَ بنِ صالحٍ المصريِّ فإنَّهُ قال وممَّنْ دُفِنَ، أي بمصرَ من أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممَّن أدركهُ ولمْ يسمعْ منهُ أبو تميمٍ الجيشانيُّ، واسمهُ عبدُ اللهِ بنُ مالكٍ انتهى وإنَّما هاجرَ أبو تميمٍ إلى المدينةِ في خلافَةِ عمرَ باتفاقِ أهلِ السِّيَرِ وممَّنْ حكى هذا القولَ منَ الأصوليينَ القرافيُّ في شرح التنقيح وكذلكَ إن كانَ صغيراً محكوماً بإسلامهِ تبعاً لأحدِ أبويهِ، وعلى هذا عملَ ابنُ عبدِ البرِّ في الاستيعاب وابنُ منده في معرفةِ الصحابةِ، وقدْ بيَّنَ ابنُ عبدِ البرِّ في ترجمةِ الأحنفِ بنِ قيسٍ أنَّ ذلكَ شرطُهُ وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ في مقدمةِ كتابهِ وبهذا كلِّهِ يستكملُ القَرْنُ الذي أشارَ إليهِ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما قالهُ عبدُ اللهِ بنُ أبي أوفى صاحبُ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريدُ بذلِكَ تفسيرَ القَرْنِ، قلتُ وإنَّما هوَ قولُ زُرَارةَ بنِ أوفى من التابعينَ القَرْنُ مائةٌ وعشرونَ سنةً، وهكذا رواهُ هوَ قبلَ ذلكَ بأربعِ ورقاتٍ، كلُّ ذلكَ في مقدمةِ الاستيعابِ

وقد اختلفَ أهلُ اللغةِ في مُدَّةِ القَرْنِ، فقالَ الجوهريُّ هوَ ثمانونَ سنةً، قالَ ويقالُ ثلاثونَ وحكى صاحبُ المحكمِ فيهِ ستةَ أقوالٍ قيلَ عشرُ سنينَ، وقيلَ عشرونَ، وقيلَ ثلاثونَ، وقيلَ ستونَ، وقيلَ سبعونَ، وقيلَ أربعونَ، قالَ وهوَ مقدارُ أهلِ التوسطِ في أعمارِ أهلِ الزمانِ، فالقرنُ في كلِّ قومٍ على مقدارِ أعمارهم فعلى هذا يكونُ ما بينَ الستينَ والسبعينَ، كما رواهُ الترمذيُّ في الحديثِ المرفوعِ أعمارُ أمتي ما بينَ الستينَ والسبعينَ وأما ابتداءُ قرنِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فالظاهرُ أنَّهُ من حينِ البعثةِ، أو من حينِ فُشُوِّ الإسلامِ فعلى قولِ زرارةَ بنِ أوفى قد استوعبَ القرنُ جميعَ مَن رآهُ، وقد روى ابنُ مَنْدَهْ في الصحابةِ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ مرفوعاً القرنُ مائةُ سنةٍ ... وَتُعْرَفُ الصُّحْبَةُ باشْتِهَارٍ أو ... تَوَاتُرٍ أو قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَوْ 789.... قَدِ ادَّعَاهَا وَهْوَ عَدْلٌ قُبَلا ... وَهُمْ عُدُولٌ قِيلَ لا مَنْ دَخَلا ... في فِتْنَةٍ، والمُكْثِرُونَ سِتَّةُ ... أَنَسٌ، وابنُ عُمَرَ، والصِّدِّيقَةُ

ما تعرف به الصحبة،

791.... البَحْرُ، جَابِرٌ أَبُو هُرَيْرَةِ ... أَكْثَرُهُمْ وَالبَحْرُ في الحَقِيقَةِ ... أَكْثَرُ فَتْوَى وَهْوَ وابنُ عُمَرا ... وَابْنُ الزُّبَيرِ وَابْنُ عَمْرٍو قَدْ جَرَى 793.... عَلَيْهِمُ بِالشُّهْرَةِ العَبَادِلهْ ... لَيْسَ ابْنَ مَسْعُودٍ ولا مَنْ شَاكَلَهْ ... وَهْوَ وزَيْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ ... في الفِقْهِ أَتْبَاعٌ يَرَوْنَ قَوْلَهُمْ هذهِ الأبياتُ تجمعُ ستَّ مسائلَ: الأولى: فيما تُعْرفُ بهِ الصحبةُ، وذلكَ إمَّا بالتواترِ، كأبي بكرٍ، وعمرَ، وبقيةِ العشرةِ في خَلْقٍ منهم، وإمَّا بالاستفاضةِ والشهرةِ القاصرةِ عنِ التواترِ، كعُكَاشَةَ بنِ مِحْصنٍ، وضِمَامِ بنِ ثعلبةَ، وغيرِهما. وإمَّا بإخبارِ بعضِ الصحابةِ عنهُ أَنَّهُ صحابيٌّ كحُمَمَةَ بنِ أبي حُمَمَةَ الدَّوسِيِّ، الذي ماتَ بأصبهانَ مبطوناً، فشهدَ لهُ أبو موسى الأشعريُّ أنَّهُ سمِعَ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حكمَ لهُ بالشهادةِ ذكرَ ذلكَ أبو نُعَيْمٍ في "تاريخِ أصبهان". وروينا قصتَهُ في مسندِ أبي داودَ الطيالسيِّ، ومعجمِ الطبرانيِّ. على أنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ أبو موسى إنَّما أرادَ بذلكَ شهادةَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قتلهُ بطنُهُ وفي عمومِهِم حممةٌ، لا أنَّهُ سمَّاهُ باسمِهِ، واللهُ أعلمُ.

: الصحابة كلهم عدول،

وإمَّا بإخبارهِ عنْ نفسهِ أَنَّهُ صحابيٌّ بعدَ ثُبوتِ عدالتِهِ قبلَ إخبارهِ بذلكَ. هكذا أطلقَ ابنُ الصلاحِ تَبَعَاً للخطيبِ، فإنهُ قالَ في " الكفايةِ ": وقد يُحكمُ بأنَّهُ صحابيٌّ إذا كانَ ثقةً أميناً مقبولَ القولِ، إذا قالَ صحبتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكَثُرَ لقائي لهُ، فيحكم بأنَّهُ صحابيٌّ في الظاهرِ، لموضعِ عدالَتِهِ، وقبولِ خبرِهِ، وإنْ لمْ يقطعْ بذلكَ كمَا يعملُ بروايتِهِ. هكذا ذكرهُ في آخرِ كلامِ القاضي أبي بكرٍ، والظاهرُ أنَّ هذا كلامُ القاضي، قلت: ولا بدَّ من تقييدِ ما أطلِقَ منْ ذلكَ بأنْ يكونَ ادِّعاؤهُ لذلكَ يقتضيهِ الظاهرُ. أما لو ادَّعاهُ بعدَ مضيِّ مائةِ سنةٍ من حينِ وفاتهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنهُ لا يُقبلُ وإنْ كانتْ قدْ ثبَتَتْ عدالتُهُ قبلَ ذلكَ، لقولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثِ الصحيحِ: ((أرأيتُكم ليلتكم هذهِ، فإنَّهُ على رأسِ مائةِ سنةٍ لا يبقى أحدٌ ممّنْ على ظهرِ الأرضِ)) ، يريدُ انخرامَ ذلكَ القرنِ. قالَ: ذلكَ في سنةِ وفاتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا واضحٌ جليٌّ. وقد اشترطَ الأصوليونَ في قبولِ ذلكَ منهُ أن يكونَ قدْ عُرِفَتْ معاصرَتُهُ للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ الآمديُّ: فلوْ قالَ مَنْ عاصرَهُ أنا صحابيٌّ معَ إسلامهِ، وعدالتِهِ، فالظاهرُ صدقُهُ، وحكاهما ابنُ الحاجبِ احتمالينِ من غيرِ ترجيحٍ، قالَ: ويحتملُ أن لا يُصَدَّقَ لكونهِ متَّهماً بدعوى رتبةٍ يثبتها لنفسِهِ. الثانيةُ: الصحابةُ كلُّهم عدولٌ، لقولهِ تعالى: {وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وهذا خطابٌ مع الموجودينَ حينَئذٍ، ولقولهِ تعالى:

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قيل: إنَّ المفسرينَ اتفقوا على أنَّهُ واردٌ في أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولقولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثِ المتفقِ على صحتهِ من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ: ((لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيدِهِ لو أنْفَقَ أحدُكمْ مِثلَ أُحُدٍ ذهباً ما أدركَ مُدَّ أحدِهِم، ولا نصيفَهُ)) ولقولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثِ المتفقِ على صحتِهِ أيضاً من حديثِ ابنِ مسعودٍ ((خيرُ الناسِ قرني)) ، وقدْ سبقَ تفسيرُ القرنِ في أولِ هذهِ الترجمةِ، ولغيرِ ذلكَ من الأحاديثِ الصحيحةِ، ولإجماعِ مَنْ يُعْتَدُّ بهِ في الإجماعِ من الأئمةِ على ذلكَ، ثمَّ إنَّ جميعَ الأمةِ مُجْمِعَةٌ على تعديلِ مَنْ لم يلابسِ الفتنَ منهم. وأما مَنْ لابسَ الفتنَ منهم - وذلك من حينِ مقتلِ عثمانَ - فأجمعَ مَنْ يُعتدُّ بهِ أيضاً في الإجماعِ على تعديلِهم إحساناً للظنِّ بهم، وحملاً لهم في ذلكَ على الاجتهاد. هكذا حكى ابنُ الصلاحِ إجماعَ الأمةِ على تعديلِ مَنْ لَمْ يلابسِ الفتنَ منهم وفيهِ نَظَرٌ، فقدْ حكى الآمديُّ وابنُ الحاجبِ قولاً: أنَّهم كغيرهم في لزومِ البحثِ عنْ عدالتهمْ مطلقاً،

: المكثرون من الصحابة

وقولاً أخرَ: أنهم عدولٌ إلى وقوعِ الفتنِ، فأمَّا بعدَ ذلكَ فلا بدَّ منَ البحثِ عمَّنْ ليسَ ظاهرَ العدالةِ، وذهبَتِ المعتزلةُ إلى فِسْقِ مَنْ قاتلَ عليَّاً منهم، وقيلَ: يُرَدُّ الداخلونَ في الفتنِ كلُّهم؛ لأنَّ أحدَ الفريقينِ فاسقٌ منْ غيرِ تعيينٍ، وقيلَ: يُقبلُ الداخلُ فيها، إذا انفردَ؛ لأنَّ الأصلَ العدالةُ وشككنا في فسقِهِ، ولا يقبلُ معَ مخالِفِهِ لتحققِ فسقِ أحدهما من غيرِ تعيينٍ. والذي عليهِ الجمهورُ كما قالَ الآمديُّ وابنُ الحاجبِ: إنَّهم عدولٌ كلُّهم مطلقاً. وقالَ الآمديُّ: إنَّهُ المختارُ، وحكى ابنُ عبدِ البرِّ في " الاستيعابِ " إجماعَ أهلِ الحقِّ منَ المسلمينَ، وهمْ أهلُ السنَّةِ والجماعةِ على أنَّ الصحابةَ كلَّهم عدولٌ. الثالثةُ: المكثرونَ منَ الصحابةِ عنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستةٌ: أنسُ بنُ مالكٍ، وعبدُ اللهِ بنُ عمرَ، وعائشةُ الصِّدِّيقَةُ بنتُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، وعبدُ اللهِ بنُ عباسٍ - وهو البحر -، وجابرُ بنُ عبدِ اللهِ، وأبو هريرةَ، وأكثرُ السِّتَّةِ حديثاً أبو هريرةَ، قالَ ذلكَ أحمدُ بنُ حنبلٍ وغيرهُ، وأشرتُ إلى كونِ أبي هريرةَ أكثرهم حديثاً، بقولي: (أكثرُهم) ، ولم يتعرضِ ابنُ الصلاحِ لترتيبِ مَنْ بعدَ أبي هريرةَ في الأكثريةِ، وبعضهم مقاربٌ لبعضٍ. والذي يدلُّ عليهِ كلامُ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ: أنَّ أكثرهم أبو هريرةَ، روى خمسةَ آلافِ حديثٍ وثلاثمائةٍ وأربعةً وسبعينَ حديثاً، ثمَّ ابنُ عمرَ، روى ألفي حديثٍ وستمائةٍ وثلاثينَ، ثمَّ أنسٌ، روى ألفينِ ومائتينِ وستةً وثمانينَ، ثمَّ عائشةُ روتْ أَلْفَيْنِ ومائتينِ وعشرةَ، ثمَّ ابنُ عباسٍ، روى ألفاً وستمائةٍ وستينَ حديثاً، ثمَّ جابرٌ، روى ألفاً وخمسمائةٍ وأربعينَ

: أكثر الصحابة فتوى

حديثاً. وليسَ في الصحابةِ مَنْ يزيدُ حديثهُ على ألفٍ إلاَّ هؤلاءِ، وأبو سعيدٍ الخدريُّ، فإنَّهُ روى ألفاً ومائةً وسبعينَ حديثاً. الرابعةُ: أكثرُ الصحابةِ فتوى عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ، قالَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ أيضاً. الخامسةُ: في بيانِ العبادِلَةِ مِنَ الصحابةِ، وقيلَ لأحمدَ بنِ حنبلٍ: مَنْ العبادِلَةُ؟ فقالَ: عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ، وعبدُ الله بنُ عمرَ، وعبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ، وعبدُ اللهِ بنُ عمرٍو، قيلَ لهُ: فأينَ ابنُ مسعودٍ؟ قالَ: لا، ليسَ منَ العبادلةِ، قالَ البيهقيُّ: وهذا لأنَّهُ تقدَّمَ موتُهُ، وهؤلاءِ عاشوا حتَّى احتيجَ إلى علمِهِم فإذا اجتمعوا على شيءٍ قيلَ: هذا قولُ العبادلةِ. وقولي: (وهوَ وابنُ عمرَ) ، الضميرُ عائدٌ على البحرِ، وهو ابنُ عباسٍ؛ لأنَّهُ أقربُ مذكورٍ، وما ذُكِرَ مِنْ أنَّ العبادلةَ همْ هؤلاءِ الأربعةُ، هُوَ المشهورُ بَيْنَ أهلِ الحديثِ وغيرِهِم. واقتصرَ صاحبُ " الصحاحِ " عَلَى ثلاثةٍ، وأسقطَ ابنَ الزبيرِ. وأما ما حكاهُ النوويُّ في " التهذيبِ ": أنَّ الجوهريَّ ذكرَ فيهم ابنَ مسعودٍ، وأسقطَ ابنَ العاصِ؛ فوهمٌ، نَعَمْ.. وقعَ في كلامِ الزمخشريِّ في " المفصلِ " أنَّ العبادلةَ: ابنَ مسعودٍ، وابنَ عمرَ، وابنَ عباسٍ وكذا قالَ الرافعيُّ في " الشرحِ الكبيرِ " في الدياتِ، وغلطا في ذلكَ منْ حيثُ الاصطلاحُ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ويلتحقُ بابنِ مسعودٍ في

بيان من كان له من الصحابة أتباع يقولون برأيه،

ذلكَ سائرُ العبادلةِ المسَمَّيْنَ بعبدِ اللهِ من الصحابةِ، وهمْ نحوُ مائتينِ وعشرينَ نفساً. أي: فلا يُسمَّونَ العبادلةَ اصطلاحاً، وإلى ذلكَ أشرتُ بقولي: (ولا مَنْ شاكَلَهُ) أي: ولا مَنْ أشبهَ ابنَ مسعودٍ في التسميةِ بعبدِ اللهِ. وقولُ ابنِ الصلاحِ: أنَّهم نحوُ مائتينِ وعشرينَ كأنَّهُ أخذهُ منَ " الاستيعابِ " لابنِ عبدِ البرِّ، فإنَّهُ عدَّ ممَّنْ اسمُهُ عبدُ اللهِ مائتينِ وثلاثينَ، ومنهم مَنْ كرَّرَهُ للاختلافِ في اسمِ أبيهِ أو في اسمهِ هو، ومنهم مَنْ لم يصحِّحْ له صحبةً، ومنهم مَنْ لمْ يروِ وإنَّما ذكرهُ لمعاصرتِهِ على قاعِدَتِهِ؛ وذلكَ فوقَ العشرةِ فبقيَ نحوُ مائتينِ وعشرينَ، كما ذكرَ، ولكنْ قد ذكرَ الحافظُ أبو بكرِ بنُ فتحونَ فيما ذَيَّلَهُ على " الاستيعابِ " مائةً وأربعةً وستينَ رجلاً زيادةً على ذلكَ، وفيهم أيضاً مَنْ عاصرهُ ولمْ يرهُ، ومَنْ كررهُ للاختلافِ في اسمهِ أيضاً، واسمِ أبيهِ، ومَنْ لمْ تصحَّ صحبتُهُ، ولكنْ يجتمعُ من المجموعِ نحوُ ثلاثمائةِ رجلٍ. السادسةُ: في بيانِ مَنْ كانَ لهُ من الصحابةِ أتباعٌ يقولونَ برأيهِ، قالَ ابنُ المدينيِّ: ((لم يكنْ منْ صحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدٌ لهُ أصحابٌ يقومونَ بقولهِ في الفقهِ إلاَّ ثلاثةٌ: عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، وابنُ عباسٍ، كانَ لكلِّ رجلٍ منهم أصحابٌ يقومونَ بقولهِ، ويُفْتونَ الناسَ)) . انتهى. فقولي في البيتِ: (وهو) أي: ابنُ مسعودٍ.

بيان الذين انتهى إليهم العلم من أكابر الصحابة،

795.... وَقَالَ مَسْرُوقُ انْتَهَى العِلْمُ إلى ... سِتَّةِ أَصْحَابٍ كِبَارٍ نُبُلاً ... زَيْدٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَعْ أُبَيِّ ... عُمَرَ، عَبْدِ اللهِ مَعْ عَليِّ 797.... ثُمَّ انْتَهَى لِذَيْنِ والبَعْضُ جَعَلْ ... الأَشْعَرِيَّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَا بَدَلْ في هذهِ الأبياتِ بيانُ الذينَ انتهى إليهمُ العلمُ من أكابِرِ الصحابةِ، وقد ذكرَ ذلكَ مسروقٌ والشَّعبيُّ، فقال مسروقٌ وجدتُ علمَ أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انتهى إلى ستةٍ عمرَ وعليٍّ وأُبَيٍّ وزيدٍ وأبي الدرداءِ، وعبدِ اللهِ ابنِ مسعودٍ ثمَّ انتهى علمُ هؤلاءِ السِّتَّةِ إلى اثنينِ عليٍّ وعبدِ اللهِ فقولي ثمَّ انتهى لِذَيْنِ أي للأَخيرينِ، وهما عليٌّ، وعبدُ اللهِ، وقد روى مُطَرِّفٌ عنِ الشعبيِّ عنْ مسروقٍ نحوَهُ إلاَّ أنَّهُ ذكرَ أبا موسَى الأشعريَّ بدلَ أبي الدرداءِ، قلتُ زيدُ بنُ ثابتٍ، وأبو موسى الأشعريُّ، كلاهما تأخرتْ وفاتُهُ بعدَ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وبعدَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، بلا خلافٍ، فقول مسروقٍ إنَّ علمَ الستةِ انتهى لعبدِ اللهِ وعليٍّ، فيهِ نظرٌ من هذا الوجهِ، ولهذا عزوتُ هذهِ المقالةَ لمسروقٍ، ولم أطلقْها لتكونَ العُهْدَةُ عليهِ ويصحُّ أنْ يقالَ انتهى علمهم إليهما لكونهما ضمَّا علمَهم إلى علمِهما، وإنْ تأخرتْ وفاةُ زيدٍ، وأبي موسى عنْ عليٍّ، وابنِ مسعودٍ، واللهُ أعلمُ وقالَ الشعبيُّ كانَ العلمُ يؤخذُ عنْ ستَّةٍ مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانَ عمرُ وعبدُ اللهِ وزيدٌ يُشْبِهُ عِلْمُ بعضِهم بعضاً، وكانَ يقتبسُ بعضُهُم من بعضٍ وكانَ عليٌّ والأشعريُّ وأُبَيٌّ يشبهُ علمُ بعضِهم بعضاً، وكانَ يقتبسُ بعضُهم من بعضٍ

حصر الصحابة رضي الله عنهم بالعد والإحصاء

.. وَالعَدُّ لاَ يَحْصُرُهُمْ فَقَدْ ظَهَرْ ... سَبْعُونَ أَلْفاً بِتَبُوكٍ وَحَضَرْ 799.... الحَجَّ أَرْبَعُونَ أَلْفاً وَقُبِضْ ... عَنْ ذَيْنِ مَعْ أَرْبَعِ آلاَفٍ تَنِضّْ حصرُ الصحابةِ - رضي الله عنهم - بالعدِّ والإحصاءِ متعذرٌ لتفرقِهِم في البلدانِ والبوادي وقد روى البخاريُّ في صحيحهِ أنَّ كعبَ بنَ مالكٍ قالَ في قصةِ تخلفِهِ عن غزوةِ تبوكَ وأصحابُ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيرٌ لا يجمعهم كتابٌ حافِظٌ، يعني الديوانَ؛ ولكنْ قدْ جاءَ ضبطُهم في بعضِ مشاهدهِ كتبوكَ، وحجَّةِ الوداعِ، وعدةُ منْ قبضِ عنهُ مِنَ الصحابةِ عن أبي زرعةَ الرازيِّ على ما فيهِ مِنْ نظرٍ، فروينا عنهُ أنَّهُ سُئِلَ عنْ عدةِ مَنْ روى عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَ ومَنْ يَضْبِطُ هذا شهدَ معهُ حجةَ الوداعِ أربعونَ ألفاً، وشهدَ معهُ تبوكَ سبعونَ ألفاً وروينا عنهُ أيضاً أَنَّهُ قيلَ لهُ أليسَ يُقَالُ حديثُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعةُ آلافِ حديثٍ؟ قالَ ومَنْ قالَ ذا؟ قَلْقَلَ اللهُ أنيابهُ، هذا قولُ الزنادقةِ، ومَنْ يُحصي حديثَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قُبِضَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مائةِ ألفٍ وأربعةَ عشرَ ألفاً منَ الصحابةِ ممَّنْ روى عنهُ وسمعَ منهُ، وفي روايةٍ ممَّنْ رآهُ وسمعَ منه، فقيلَ لهُ هؤلاءِ أينَ كانوا؟ وأينَ سمعوا منهُ؟ قالَ أهلُ المدينةِ، وأهلُ مكةَ ومَنْ بينهما والأعرابُ، ومَنْ شهِدَ معهُ حجةَ الوداعِ، كلٌّ رآهُ وسمعَ منهُ بعرفةَ

الصحابة على طبقات

وقولي عنْ ذينِ أيْ عن مقدارِ هذينِ العددينِ المذكورينِ، وهما سبعونَ ألفاً، وأربعونَ ألفاً، مع زيادةِ أربعةِ آلافٍ، فذلكَ مائةُ ألفٍ وأربعةَ عشرَ ألفاً، كما تقدَّمَ بيانُهُ وقولي تَنِضّ بكسرِ النونِ وتشديدِ الضادِ أيْ تتيسرُ، يقالُ خُذْ ما نضَّ لكَ من دَيْنٍ، أيْ تَيَسَّرَ حكاهُ الجوهريُّ، والنَّضُّ والنَّاضُّ، وإنْ كانَ إنَّما يطلقُ على الدنانيرِ، والدراهمِ، فقدِ استُعِيرَ للصحابةِ لرواجِهم في النقدِ وسلامتهم من الزيفِ لعدالةِ كلِّهم كما تقدَّمَ وأسقطتُ الهاءَ من أربعَ آلافٍ؛ لضرورةِ الشعرِ، وإنْ كانَ الألفُ مذكراً ... وَهُمْ طِبَاقٌ إِنْ يُرَدْ تَعْدِيدُ ... قِيلَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ أَوْ تَزِيدُ الصحابةُ على طبقاتٍ باعتبارِ سبقِهِم إلى الإسلامِ أو الهجرةِ أو شهودِ المشاهدِ الفاضلةِ، وقدِ اختلفَ كلامُ مَنِ اعتنى بذكرِ طبقاتهم في عدِّها، فقسَّمَهمُ الحاكِمُ في " علومِ الحديثِ " إلى اثنتي عشرةَ طبقةً. فالطبقةُ الأولى: قومٌ أسلموا بمكةَ، كالخلفاءِ الأربعةِ. والثانيةُ: أصحابُ دارِ الندوةِ. والثالثةُ: مُهَاجِرَةُ الحَبَشَةِ. والرابعةُ: أصحابُ العَقَبةِ الأُولى. والخامسةُ: أصحابُ العَقَبةِ الثانيةِ، وأكثرُهم مِنَ الأَنصارِ.

أفضل الصحابة

والسادسةُ: أولُ المهاجرينَ الذينَ وصلوا إليهِ بِقُبَاءَ قبلَ أنْ يدخلَ المدينةَ. والسابعةُ: أهلُ بدرٍ. والثامنةُ: الذينَ هاجروا بينَ بدرٍ والحُدَيْبِيَةِ. والتاسعةُ: أهلُ بيعةِ الرِّضْوَانِ. والعاشرةُ: مَنْ هاجرَ بينَ الحديبيةِ وفتحِ مكةَ، كخالدِ بن الوليدِ، وعمرِو بنِ العاصِ، وأبي هريرةَ. قلتُ: لا يصحُّ التمثيلُ بأبي هريرةَ، فإنَّهُ هاجرَ قبلَ الحديبيةِ عقبَ خَيْبَرَ، بل في أواخرِها. والحاديةَ عشرةَ: مُسْلِمَةُ الفَتْحِ. والثانيةَ عشرةَ: صِبْيَانٌ وأطفالٌ رأَوْا رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومَ الفتحِ، وفي حجةِ الوداعِ، وغيرهما كالسَّائبِ بنِ يزيدَ، وعبدِ اللهِ بنِ ثعلبةَ ابنِ أبي صُعَيْرٍ، وأبي الطُّفَيْلِ، وأبي جُحَيْفَةَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ومنهمْ مَنْ زادَ على ذلكَ)) . انتهى، وأما ابنُ سعدٍ، فجعلهُمْ خمسَ طبقاتٍ فقطْ. 801.... وَالأَفْضَلُ الصِّدِّيقُ ثُمَّ عُمَرُ ... وَبَعْدَهُ عُثْمَانُ وَهْوَ الأَكْثَرُ ... أَوْ فَعَلِيٌّ قَبْلَهُ خُلْفٌ حُكِيْ ... قُلْتُ: وَقَوْلُ الوَقْفِ جَا عَنْ مَالِكِ 803.... فَالسِّتَّةُ البَاقُونَ، فالبَدْرِيَّهْ ... فَأُحُدٌ، فَالبَيْعَةُ المَرْضِيَّهْ أجمعَ أهلُ السنةِ على أنَّ أفضلَ الصحابةِ بعدَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الإطلاقِ أبو بكرٍ، ثمَّ عمرُ، وممَّنْ حكى إجماعَهم على ذلِكَ أبو العباسِ القُرْطُبيُّ، فقالَ ولمْ يختلفْ في ذلكَ

أحدٌ منْ أئمةِ السَّلَفِ ولا الخَلَفِ، قال ولا مبالاةَ بأقوالِ أهلِ التشيعِ، ولا أهلِ البِدَعِ انتهى وقدْ حكى الشافعيُّ وغيرهُ إجماعَ الصحابةِ والتابعينَ على ذلكَ قالَ البيهقيُّ في كتابِ الاعتقادِ روينا عن أبي ثورٍ عنِ الشافعيِّ قالَ ما اختلفَ أحدٌ منَ الصحابةِ والتابعينَ في تفضيلِ أبي بكرٍ وعمرَ وتقديمهما على جميعِ الصحابةِ، وإنَّما اختلفَ مَنِ اختلفَ منهم في عليٍّ وعثمانَ انتهى وروينا عنْ جريرِ بنِ عبدِ الحميدِ، أنَّهُ سألَ يحيى بنَ سعيدٍ الأنصاريَّ عن ذلكَ قالَ مَنْ أدركتُ منَ الصحابةِ والتابعينَ لم يختلفوا في أبي بكرٍ وعمرَ وفضلهما إنَّما كانَ الاختلافُ في عليٍّ وعثمانَ وحكى المازريُّ عنْ أهلِ السنةِ تفضيلَ أبي بكرٍ، وعنْ الخَطَّابِيَّةِ تفضيلَ عمرَ بنِ الخطابِ، وعنِ الشيعةِ تفضيلَ عليٍّ، وعن الراونديةِ تفضيلَ العباسِ، وعنْ بعضهمُ الإمساكَ عنِ التفضيلِ وحكاهُ الخطَّابيُّ أيضاً في المعالمِ، وحكى أيضاً عن بعضِ مشايخهِ أنَّهُ كانَ يقولُ أبو بكرٍ خيرٌ وعليٌّ أفضلُ وهذا تهافتٌ منَ القولِ وحكى القاضي عياضٌ أنَّ ابنَ عبدِ البرِّ، وطائفةً ذهبوا إلى أنَّ مَنْ تُوفِّيَ منَ الصحابةِ في حياةِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضلُ ممنْ بقي بعدَهُ لقولهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعضهم أنا شهيدٌ على هؤلاءِ، قالَ النوويُّ وهذا الإطلاقُ

غيرُ مرضيٍّ، ولا مقبولٍ انتهى وهو أيضاً مردودٌ بما تقدَّمَ من حكايةِ اجماعِ الصحابةِ والتابعينَ على أفضليةِ أبي بكرٍ وعمرَ على سائرِ الصحابةِ واختَلَفَ أهلُ السنةِ في الأفضلِ بعدَ عمرَ، فذهبَ الأكثرونَ كما حكاهُ الخطابيُّ وغيرُهُ إلى تفضيلِ عثمانَ على عليٍّ وأنَّ ترتيبهم في الأفضليةِ كترتيبهم في الخلافةِ، وإليهِ ذهبَ الشافعيُّ وأحمدُ بنُ حنبلٍ، كما رواهُ البيهقيُّ في كتابِ الاعتقاد عنهما، وهو المشهورُ عندَ مالكٍ، وسفيانَ الثوريِّ وكافَّةِ أئمةِ الحديثِ والفقهاءِ، وكثيرٍ منَ المتكلمينَ كما قالَ القاضي عياضٌ، وإليهِ ذهبَ أبو الحسنِ الأشعريُّ والقاضي أبو بكرٍ الباقلانيُّ؛ ولكنهما اختلفا في أنَّ التفضيلَ بينَ الصحابةِ، هلْ هوَ على سبيلِ القطعِ، أوْ الظنِّ؟ فالذيْ مالَ إليهِ الأشعريُّ أنَّهُ قطعيٌّ، وعليهِ يدلُّ قولُ مالكٍ الآتي نَقْلُهُ مِنَ المدوَّنةِ، والذي مالَ إليهِ القاضي أبو بكرٍ، واختارهُ إمامُ الحرمينِ في الارشادِ أنَّهُ ظنيٌّ، وبهِ جزمَ صاحبُ المُفْهِمِ وذهبَ أهلُ الكوفةِ - كما قالَ الخطابيُّ - إلى تفضيلِ عليٍّ على عثمانَ، وروى بإسنادهِ إلى سفيانَ الثوريِّ أنَّهُ حكاهُ عن أهلِ السنَّةِ من أهلِ الكوفةِ وحكى عن أهلِ السنَّةِ من أهلِ البصرةِ أفضليةَ عثمانَ، فقيلَ فما تقولُ؟ فقالَ أنا رجلٌ كوفيٌّ، ثمَّ قالَ وقدْ ثَبتَ عنْ سفيانَ في آخرِ قوليهِ، تقديمُ عثمانَ

وممَّنْ ذهبَ إلى تقديمِ عليٍّ على عثمانَ أبو بكرٍ بنُ خزيمةَ، وقدْ جاءَ عنْ مالكٍ التوقفُ بينَ عثمانَ وعليٍّ، كما حكاهُ المازريُّ عن المدوَّنةِ أنَّ مالكاً سُئِلَ أيُّ الناسِ أفضلُ بعدَ نبيهم؟ فقالَ أبو بكرٍ، ثمَّ قالَ أَوَفي ذلكَ شكٌّ؟ قيلَ لهُ فعليٌّ وعثمانُ؟ قالَ ما أدركتُ أحداً ممَّن أقتدِي بهِ يفضلُ أحدَهما على صاحبِهِ، ونرَى الكفَّ عن ذلكَ، وفي روايةٍ في المدوَّنةِ حكاها القاضي عياضٌ أفضلهم أبو بكرٍ، ثمَّ عمرُ، وحكى القاضي عياضٌ قولاً أنَّ مالكاً رجعَ عن الوقفِ إلى القولِ الأولِ قالَ القرطبيُّ وهوَ الأصحُّ إنْ شاءَ اللهُ قالَ القاضي عياضٌ ويحتملُ أنْ يكونَ كفُّهُ وكفُّ من اقتدى بهِ لما كانَ شجرَ بينهم في ذلكَ منَ الاختلافِ والتعصبِ انتهى وقد مالَ إلى التوقفِ بينهما إمامُ الحرمينِ، فقالَ الغالبُ على الظنِّ أنَّ أبا بكرٍ أفضلُ، ثمَّ عمرَ وتتعارضُ الظنونُ في عثمانَ وعليٍّ انتهى والذي استقرَّ عليهِ مذهبُ أهلِ السنَّةِ تقديمُ عثمانَ، لما روى البخاريُّ وأبو داودَ والترمذيُّ من حديثِ ابنِ عمرَ، قالَ كنا في زمنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا نعدلُ بأبي بكرٍ أحداً، ثمَّ عمرَ، ثمَّ عثمانَ، ورواهُ الترمذيُّ بلفظِ كُنَّا نقولُ ورسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيٌّ أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ، قالَ هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ ورواهُ

الطبرانيُّ بلفظٍ أصرح في التفضيلِ، وزادَ فيهِ اطلاعهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتقريرهُ لذلكَ ولفظُهُ كنَّا نقولُ ورسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيٌّ أفضلُ هذهِ الأمةِ بعدَ نبيها أبو بكرٍ، وعمرُ وعثمانُ، فيسمعُ ذلكَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا ينكرُهُ، فهذا حكمُ الخلفاءِ الأربعةِ وأما ترتيبُ مَنْ بعدَهم في الأفضليةِ، فقالَ الإمامُ أبو منصورٍ عبدُ القاهرِ التميميُّ البغداديُّ أصحابنا مجمعونَ على أنَّ أفضلهم الخلفاءُ الأربعةُ، ثمَّ الستةُ الباقونَ إلى تمامِ العشرةِ، ثمَّ البدريونَ، ثمَّ أصحابُ أحدٍ، ثمَّ أهلُ بيعةِ الرضوانِ بالحديبيةِ وقولي فأُحُدٌ فالبيعةُ المرضيهْ، هوَ على حذفِ المضافِ، أيْ فأهلُ أحدٍ فأهلُ البيعةِ ... قَالَ: وَفَضْلُ السَّابِقِينَ قَدْ وَرَدْ ... فَقِيلَ: هُمْ، وَقِيلَ: بَدْرِيٌّ وَقَدْ 805.... قِيلَ بَلْ اهْلُالقِبْلَتَيْنِ، واخْتَلَفْ ... أَيَّهُمُ أَسْلَمَ قَبْلُ؟ - مَنْ سَلَفْ ... قِيلَ: أبو بَكْرٍ، وقِيلَ: بلْ عَلِيْ ... وَمُدَّعِي إجمَاعَهُ لَمْ يُقْبَلِ 807.... وَقِيلَ زَيْدٌ وَادَّعى وِفَاقا ... بَعْضٌ عَلَى خَدِيجَةَ اتِّفَاقا قالَ ابنُ الصلاحِ وفي نصِّ القرآنِ تفضيلُ السابقينَ الأولينَ منَ المهاجرينَ والأنصارِ، وهم الذينَ صلُّوا إلى القبلتينِ في قولِ سعيدِ بنِ المسيبِ وطائفةٍ، منهمْ

أول الصحابة إسلاما

محمدُ بنُ الحنفيةِ، ومحمدُ بنُ سيرينَ، وقتادةُ، وفي قولِ الشعبيِّ همُ الذينَ شَهِدوا بيعةَ الرضوانِ وهذا معنى قولي فقِيْلَ هم وعن محمدِ بنِ كعبٍ القرظيِّ وعطاءِ بنِ يسار أهلُ بدرٍ، قالَ ابنُ الصلاحِ روى ذلكَ عنهما ابنُ عبدِ البرِّ فيما وجدناهُ عنهُ قلتُ لمْ يوصلِ ابنُ عبدِ البرِّ إسنادَهُ بذلكَ، وإنَّما ذكرَ ذلكَ عنْ سُنيدٍ وساقَ سَنَدَ سُنيدٍ فقطْ عن شيخٍ لهُ لمْ يُسَمَّ، عن موسى بنِ عُبيدةَ، وضعَّفَهُ الجمهورُ وقدْ روى سُنيدٌ أيضاً قولَ ابنِ المسيِّبِ، وابنِ سيرينَ، والشعبيِّ بأسانيدَ صحيحةٍ، وكذلكَ روى ذلكَ عنهم عبدُ بنُ حُميدٍ في تفسيرهِ بأسانيدَ صحيحةٍ، وكذلكَ رواهُ عن قتادةَ عبدُ الرزاقِ في تفسيرهِ، ومن طريقِهِ عبدُ بنُ حُميدٍ وفي المسألةِ قولٌ رابعٌ رواهُ سُنيدٌ أيضاً بإسنادٍ صحيحٍ إلى الحسنِ، قالَ فرقُ ما بينَهم فتحُ مكةَ وأمَّا أوَّلُ الصحابةِ إسلاماً فقدْ اختلفَ فيهِ السلفُ على أقوالٍ

أحدُها أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، وهوَ قولُ ابنِ عباسٍ، وحسَّانَ بنِ ثابتٍ والشعبيِّ والنخعيِّ في جماعةٍ آخرينَ، ويدلُّ لهُ ما رواهُ مسلمٌ في صحيحهِ من حديثِ عمرِو بنِ عبسةَ في قصةِ إسلامِهِ، وقولِهِ للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ معكَ على هذا؟ قالَ حرٌّ وعبدٌ ومعهُ يومئذٍ أبو بكرٍ، وبلالٌ ممَّنْ آمنَ بهِ، وروى الحاكمُ في المستدركِ منْ روايةِ مجالدِ بنِ سعيدٍ، قالَ سُئِلَ الشعبيُّ مَنْ أولُ مَنْ أسلمَ؟ فقالَ أَمَا سمعتَ قولَ حسانَ إذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوَاً مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... فاذْكُرْ أخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلاَ خَيْرُ البَرِيَّةِ أتْقَاهَا وَأَعْدَلَهَا ... بَعْدَ النَّبيِّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلاَ وَالثَّانِيَ التَّالِيَ المَحْمُوْدَ مَشْهَدُهُ ... وَأَوَّلُ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلاَ والقولُ الثاني أولهم إسلاماً عليٌّ، روي ذلكَ عن زيدٍ بنِ أرقمَ، وأبي ذَرٍّ، والمقدادِ بنِ الأسودِ، وأبي أيوبَ، وأنسِ بنِ مالكٍ، ويعلى بنِ مُرَّةَ، وعفيفِ الكنديِّ، وخزيمةَ بنِ ثابتٍ، وسلمانَ الفارسيِّ، وخَبَّابِ بنِ الأَرَتِ، وجابرِ بنِ عبدِ اللهِ، وأبي سعيدٍ الخدريِّ وأنشدَ المَرْزُبَانيُّ لخزيمةَ بنِ ثابتٍ في عليٍّ رضي اللهُ عنهما أَلَيْسَ أوَّلَ مَنْ صَلَّى لِقِبْلَتِهِم ... وأعْلَمَ النَّاسِ بالفَرقَانِ والسُّنَنِ؟

وروى الحاكمُ في المستدركِ من روايةِ مسلمٍ الملائيِّ، قالَ نُبِّئَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومَ الاثنينِ، وأسلمَ عليٌّ يومَ الثلاثاءِ وقالَ الحاكمُ في علومِ الحديثِ لا أعلمُ خلافاً بَيْنَ أصحابِ التواريخِ أنَّ علياً أوَّلُهم إسلاماً قالَ وإنَّما اختلفوا في بلوغهِ، قالَ ابنُ الصلاحِ واسْتُنْكِرَ هَذَا منَ الحاكمِ وإلى هَذَا أشرتُ بقولي ومُدَّعِي إجماعَهُ لَمْ يقبلْ أيْ الحاكمُ، ثمَّ قالَ الحاكمُ بعدَ حكايتِهِ لهذا الإجماعِ والصحيحُ عندَ الجماعةِ أنَّ أبا بكرٍ الصديقَ أولُ مَنْ أسلمَ منَ الرجالِ البالغينَ لحديثِ عمرِو بن عبسةَ والقولُ الثالثُ أنَّ أولَهم إسلاماً زيدُ بنُ حارثةَ ذكرَهُ مَعْمَرٌ عنِ الزهريِّ والقولُ الرابعُ أنَّ أوَّلَهُم إسلاماً أُمُّ المؤمنينَ خديجةُ بنتُ خويلدٍ، رُويَ ذلكَ عنِ ابنِ عباسٍ، والزهريِّ أيضاً، وهوَ قولُ قتادةَ ومحمدِ بنِ إسحاقَ في آخرينَ، وقالَ النوويُّ إنَّهُ الصوابُ عندَ جماعةٍ منَ المُحَقِّقِيْنَ وادَّعى الثعلبيُّ المفسِّرُ اتفاقَ العلماءِ على ذلكَ، وأنَّ اختلافهم إنَّما هو في أولِ مَنْ أسلمَ بعدها قالَ ابنُ عبدِ البرِّ اتفقوا على أنَّ خديجةَ أوَّلُ مَنْ آمَنَ، ثمَّ عليٌّ بعدَها وجُمِعَ بينَ الاختلافِ في ذلكَ بالنسبةِ إلى أبي بكرٍ وعليٍّ، بأنَّ الصحيحَ أنَّ أبا بكرٍ أولُ مَنْ أظهرَ إسلامَهُ، ثمَّ رُوِيَ عن محمدِ بنِ كعبٍ القرظيِّ أنَّ عليّاً أخفى إسلامَهُ

من أبي طالبٍ، وأظهرَ أبو بكرٍ إسلامَهُ؛ ولذلكَ شُبِّهَ عَلَى الناسِ قالَ ابنُ الصلاحِ والأورعُ أنْ يقالَ أوَّلُ مَنْ أسلَمَ منَ الرجالِ الأحرارِ أبو بكرٍ، ومنَ الصِّبْيَانِ أوِ الأحداثِ عليٌّ، ومنَ النساءِ خديجةُ، ومنَ الموالي زيدٌ، ومنَ العبيدِ بلالٌ، واللهُ أعلمُ وقالَ ابنُ إسحاقَ أوَّلُ مَنْ آمنَ خديجةُ، ثمَّ عليُّ بنُ أبي طالبٍ، قالَ وكانَ أولُ ذَكَرٍ آمنَ برسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهوَ ابنُ عشرِ سنينَ، ثمَّ زيدُ بنُ حارثةَ، فكانَ أولَ ذَكَرٍ أسلَمَ بعدَ عليٍّ ثمَّ أبو بكرٍ فأظهرَ إسلامَهُ ودعا إلى اللهِ فأسلمَ بدعائهِ عثمانُ بنُ عفانَ، والزبيرُ بنُ العوامِ، وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ، وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ، وطلحةُ بنُ عبيدِ اللهِ، فكانَ هؤلاءِ النفرُ الثمانيةُ الذينَ سبقوا الناسَ بالإسلامِ وذكرَ عمرُ بنُ شَبَّةَ أن خالدَ بنَ سعيدِ بنِ العاصِ، أسلمَ قبلَ عليٍّ وقولي مَنْ سَلف، هو فاعلُ اختلفَ، وقبلُ مبنيٌّ على الضمِّ ... وَمَاتَ آخِراً بِغَيْرِ مِرْيةِ ... أبُو الطُّفَيْلِ مَاتَ عَامَ مِائَةِ 809.... وقَبْلَهُ السَّائِبُ بالمَدِينَةِ ... أَوْ سَهْلٌ اوْ جَابِرٌ اوْ بِمَكَّةِ ... وقِيلَ: الاخِرُ بِهَا: ابنُ عُمَرَا ... إنْ لا أبُو الطُّفَيْلِ فِيهَا قُبِرَا 811.... وأَنَسُ بنُ مالِكٍ بالبَصْرَةِ ... وابنُ أبي أوْفَى قَضَى بالكُوْفَةِ

بيان آخر من مات من الصحابة

.. والشَّامِ فَابْنُ بُسْرٍ اوْ ذُو باهِلَهْ ... خُلْفٌ، وقِيلَ: بِدِمَشْقٍ وَاثِلَهْ 813.... وَأنَّ في حِمْصَ ابنُ بُسْرٍ قُبِضَا ... وأنَّ بِالجَزِيرَةِ العُرْسُ قَضَى ... وبِفِلَسْطِينَ أبُو أُبَيِّ ... ومِصْرَ فابنُ الحارِثِ بنِ جُزَيِ 815.... وقُبِضَ الهِرْمَاسُ باليَمَامَةِ ... وقَبْلَهُ رُوَيْفِعٌ ببَرْقةِ ... وقِيلَ: إفْرِيقِيَّةٍ وسَلَمَهْ ... بادِياً اوْ بِطِيبَةَ المُكَرَّمَهْ ...... في هذا الفصلِ بيانُ آخرِ مَنْ ماتَ من الصحابةِ مطلقاً ومقيَّداً بالبلدانِ والنواحي، فأمَّا آخرهم موتاً على الإطلاقِ: فأبو الطُّفيلِ عامرُ بنُ واثلةَ الليثيُّ ماتَ سنةَ مائةٍ منَ الهجرةِ، كذا جزمَ بهِ ابنُ الصلاحِ، وكذا رواهُ الحاكمُ في " المستدركِ " عن شَبَابٍ العُصْفُريِّ، وهوَ خليفةُ بنُ خياطٍ، وكذا رويناهُ في " صحيحِ مسلمٍ " من روايةِ إبراهيمَ بنِ سفيانَ قالَ: ((قالَ مسلمٌ: ماتَ أبو الطُّفيلِ سنةَ مائةٍ، وكانَ آخرَ مَنْ ماتَ مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) ، وكذا قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: إنَّ وفاتَهُ سنةُ مِائةٍ. وقالَ خليفةُ بنُ خياطٍ في غيرِ روايةِ الحاكمِ: إنَّهُ تأخَّرَ بعدَ المائةِ، وقيلَ: توفّيَ سنةَ اثنتينِ

ومائةٍ، قالهُ مصعبُ بنُ عبدِ اللهِ الزبيريُّ، وجزمَ ابنُ حبانَ وابنُ قانعٍ، وأبو زكريا ابنُ منده: أنَّهُ توفيَ سنةَ سبعٍ ومائةٍ، وقدْ روى وهبُ بنُ جريرِ بنِ حازمٍ عن أبيهِ، قالَ: كنتُ بمكةَ سنةَ عشرٍ ومائةٍ، فرأيتُ جنازةً فسألتُ عنها، فقالوا: هذا أبو الطفيلِ، وهذا هو الذي صحَّحَهُ الذهبيُّ في الوفياتِ: أنَّهُ في سنةِ عشرٍ ومائةٍ. وأمَّا كونُهُ آخرَ الصحابةِ موتاً فجزمَ بهِ مسلمٌ، ومصعبُ بنُ عبدِ اللهِ الزبيريُّ، وأبو زكريا بنُ منده، وأبو الحجاجِ المِزِّيُّ وغيرُهم، وروينا في "صحيحِ مسلمٍ" بإسنادِهِ إلى أبي الطفيلِ، قالَ: رأيتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما على وجهِ الأرضِ رجلٌ رآهُ غيري. فتبينَ أنَّهُ آخرهم موتاً على الإطلاقِ، وماتَ بمكةَ، فهو آخرُ مَنْ ماتَ بها منَ الصحابةِ كما جزمَ بهِ ابنُ حبانَ، وأبو زكريا بنُ منده، وكذا ذكرَ عليُّ بنُ المدينيِّ: أنَّهُ ماتَ بمكةَ، وأمَّا ما حكاهُ بعضُ المتأخرينَ عنِ ابنِ دريدٍ، مِنْ أنَّ عِكْرَاشَ ابنَ ذُؤَيْبٍ، تأخرَ بعدَ ذلكَ، وأنَّهُ عاشَ بعدَ الجَمَلِ مائةَ سنةٍ، فهذا باطلٌ لا أصلَ لهُ، والذي أوقعَ ابنَ دُرَيْدٍ في ذلكَ ابنُ قتيبةَ، فقدْ سبقهُ إلى ذلكَ، وقالهُ في كتابِ "

آخر من مات مقيدا بالنواحي،

المعارفِ "، وهو إمَّا باطلٌ أو مؤوَّلٌ بأنَّهُ استكملَ بعدَ الجملِ مائةَ سنةٍ لا أنَّهُ بقيَ بعدَها مائةَ سنةٍ، والله أعلمُ. وأما آخرُ مَنْ ماتَ مقيَّداً بالنواحي، فاختلفوا في آخرِ مَنْ ماتَ بالمدينةِ الشريفةِ على أقوالٍ: فقيلَ: السائبُ بنُ يزيدَ، قاله أبو بكرٍ بنُ أبي داودَ واختُلِفَ في سنةِ وفاتِهِ، فقيلَ: سنةُ ثمانينَ، وقيلَ: ستٍّ وثمانينَ، وقيلَ: ثمانٍ وثمانينَ، وقيلَ: إحدى وتسعينَ، قاله الجعدُ بنُ عبدِ الرحمنِ، والفلاَّسُ، وبه جزمَ ابنُ حبَّانَ، واخْتُلِفَ أيضاً في مولدهِ، فقيلَ: في السنةِ الثانيةِ منَ الهجرةِ، وقيلَ: في الثالثةِ. والقولِ الثاني:: أنَّ آخرَهم موتاً بالمدينةِ: سَهْلُ بنُ سعدٍ الأنصاريُّ، قاله عليُّ بنُ المدينيِّ، والواقديُّ، وإبراهيمُ بنُ المنذرِ الحِزَاميُّ، ومحمدُ بنُ سعدٍ، وابنُ حبَّانَ، وابنُ قانعٍ، وأبو زكريا بنُ منده، وادَّعى ابنُ سعدٍ نفيَ الخلافِ فيهِ، فقالَ: ليسَ بيننا في ذلكَ اختلافٌ، وقدْ أطلقَ أبو حازمٍ أنَّهُ آخرُ الصحابةِ موتاً، وكأنَّهُ أخذهُ مِنْ قولِ سهلٍ، حيثُ سَمِعَهُ يقول: لو متُّ لم تسمعوا أحداً يقولُ: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والظاهرُ أنَّهُ أرادَ أهلَ المدينةِ إذ لم يكنْ بقيَ بالمدينةِ غيرهُ. وقدِ اختُلِفَ في سنةِ وفاتهِ أيضاً،

فقيلَ: سنةُ ثمانٍ وثمانينَ، قالهُ أبو نُعَيمٍ والبخاريُّ والترمذيُّ، وقيلَ: سنةُ إحدى وتسعينَ قالهُ الواقديُّ، والمدائنيُّ، ويحيى بنُ بُكيرٍ، وابنُ نميرٍ، وإبراهيمُ بنُ المنذرِ الحِزَاميُّ ورجَّحهُ ابنُ زَبْرٍ، وابنُ حبَّانَ. وقدِ اختُلِفَ في وفاتهِ أيضاً بالمدينةِ فالجمهورُ على أنَّهُ ماتَ بها، وقالَ قتادةُ: بمصرَ، وقالَ أبو بكرِ ابنُ أبي داودَ: بالإسكندريةِ، ولهذا جُعِلَ السائبُ آخرَ مَنْ ماتَ بالمدينةِ كما تقدَّم. والقولُ الثالثُ: إنَّ آخرهم موتاً بها جابرُ بنُ عبدِ اللهِ، رواهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ عن قتادةَ، وبهِ صدَّر ابنُ الصلاحِ كلامَهُ، فاقتضى ترجيحهُ عندهُ، وكذا قالهُ أبو نعيمٍ وهو قولٌ ضعيفٌ؛ لأنَّ السائبَ ماتَ بالمدينةِ عندهُ بلا خلافٍ، وقدْ تأخَّرَ بعدهُ، وقدِ اختُلِفَ أيضاً في مكانِ وفاةِ جابرٍ، فالجمهورُ عَلَى أنَّهُ ماتَ بالمدينةِ، وقيلَ: بقُبَاءَ. وقيلَ: بمكةَ، قالهُ أبو بكرِ ابنُ أبي داودَ، وإليهِ أشرتُ بقولي: (او بِمكةَ) . واخْتُلِفَ في سنةِ وفاتِهِ، فقيلَ: سنةُ اثنتينِ وسبعينَ، وقيلَ: ثلاثٌ، وقيلَ: أربعٌ، وقيلَ: سبعٌ، وقيلَ: ثمانٍ، وهو المشهورُ، وقيلَ: سنةُ تسعٍ وسبعينَ. قلتُ: هكذا اقتصر ابنُ الصلاحِ على ثلاثةِ أقوالٍ في آخرِ مَنْ ماتَ بالمدينةِ، وقد تأخرَ بعدَ الثلاثةِ

آخر من مات بمكة

المذكورين بالمدينةِ محمودُ بنُ الربيعِ الذي عَقَلَ مجَّةَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وجههِ، وهوَ ابنُ خمسِ سنينَ، وتوفيَ سنةَ تسعٍ وتسعينَ، بتقديم التاءِ فيهما، فهوَ إذاً آخرُ الصحابةِ موتاً بالمدينةِ. وتأخرَ أيضاً بعدَ الثلاثةِ محمودُ بنُ لبيدٍ الأشهليُّ، ماتَ بالمدينةِ سنةَ ستٍّ وتسعينَ أو خمسٍ وتسعينَ، وقدْ قالَ البخاريُّ: إنَّ لهُ صحبةً. وكذا قالَ ابنُ حبَّانَ وإنْ كانَ مسلمٌ وجماعةٌ عدَّوهُ في التابعينَ. وأمَّا آخرُ مَنْ ماتَ بمكةَ منهم، فقيلَ: جابرُ بنُ عبدِ اللهِ، قالهُ ابنُ أبي داودَ. والمشهور وفاتهُ بالمدينةِ كما تقدَّمَ، وقيلَ: آخرهم موتاً بها عبدُ اللهِ بنُ عمر بن الخطابِ، قاله قتادةُ وأبو الشيخِ ابنُ حيَّانَ في " تاريخهِ "، وبهِ صدَّرَ ابنُ الصلاحِ كلامَهُ. وقدِ

آخر من مات منهم بالبصرة:

اختُلِفَ في سنةِ وفاتِهِ، فقيلَ: سنةُ ثلاثٍ وسبعينَ، وقيلَ: أربعٌ، ورجَّحهُ ابنُ زَبْرٍ. وممَّن جزمَ أنَّهُ ماتَ بمكةَ، ودُفِنَ بفخٍّ، ابنهُ سالمُ بنُ عبدِ اللهِ، وابنُ حبَّانَ، وابنُ زَبْرٍ، وغيرُ واحدٍ، وكذلكَ مصعبُ بنُ عبدِ اللهِ الزبيريُّ؛ ولكنهُ قالَ دُفِنَ بذِي طَوًى، وإنَّما يكونُ جابرٌ أو ابنُ عمرَ آخرَ مَنْ ماتَ بمكةَ إنْ لمْ يكنْ أبو الطفيلِ ماتَ بِهَا، كَمَا قدْ قيلَ، والصحيحُ: أنَّ أبا الطفيلِ ماتَ بمكةَ، كَمَا قالَهُ عليُّ بنُ المدينيِّ وابنُ حبَّانَ وغيرُهما، وإلى هَذَا أشرتُ بقولي: (إنْ لا أبو الطفيلِ فِيْهَا قبرا) . وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بالبصرةِ: أنسُ بنُ مالكٍ، قالهُ قتادةُ، وأبو هلالٍ، والفلاَّسُ، وابنُ المدينيِّ وابنُ سعدٍ، وأبو زكريا بنُ منده، وغيرهم،

آخر من مات منهم بالكوفة:

واختلفَ في وقتِ وفاتهِ، فقيلَ: سنةُ ثلاثٍ وتسعينَ، وقيلَ: سنةُ اثنتينِ، وقيلَ: إحدى، وقيلَ: سنةُ تسعينَ، قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: وما أعلَمُ أحداً ماتَ بعدَهُ ممَّنْ رأى رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلاَّ أبا الطفيلِ. قلتُ: قدْ ماتَ بعدَهُ محمودُ بنُ الربيعِ بلا خلافٍ في سنةِ تسعٍ وتسعينَ، كما تقدَّمَ، وقدْ رآهُ وعقلَ عنهُ وحدَّثَ عنهُ، كما في "صحيح البخاريِّ"، واللهُ أعلمُ. وكذا تأخرَ بعدَهُ عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ المازنيُّ في قولِ عبدِ الصمدِ بنِ سعيدٍ، كما سيأتي. وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بالكوفةِ: عبدُ اللهِ بنُ أبي أوفى، قالهُ قتادةُ والفلاَّسُ وابنُ حبانَ وابنُ زَبْرٍ وابنُ عبدِ البرِّ، وأبو زكريا بنُ

منده. وذكر ابنُ المدينيِّ: أنَّ آخرَهُم موتاً بالكوفةِ: أبو جُحَيفةَ، والأولُ أصحُّ، فإنَّ أبا جُحَيْفةَ توفيَ سنةَ ثلاثٍ وثمانينَ، وقيلَ: أربعٍ وسبعينَ، وبقيَ ابنُ أبي أوفى بعدَهُ إلى سنةِ ستٍّ وثمانينَ، وقيلَ: سبعٍ، وقيلَ: ثمانٍ، نعم.. بقي النظرُ في ابنِ أبي أوفى، وعمرِو بنِ حُريثٍ، فإنَّهُ أيضاً ماتَ بالكوفةِ، فإنْ كانَ عمرُو بنُ حريثٍ توفيَ في سنةِ خمسٍ وثمانينَ، فقد تأخَّرَ ابنُ أبي أوفى بعدَهُ، وإنْ كانَ توفيَ سنةَ ثمانٍ وتسعينَ، كما رواهُ الخطيبُ في " المتفقِ والمفترقِ "، عن محمدِ بنِ الحسنِ الزعفرانيِّ؛ فيكونُ عمرُو بنُ حريثٍ آخرَهم موتاً بها، واللهُ أعلمُ. وابنُ أبي أوفى آخرُ مَنْ بقيَ ممَّنْ شَهِدَ بيعةَ الرضوانِ.

وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بالشامِ: عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ المازنيُّ، قالهُ الأحوصُ بنُ حكيمٍ، وابنُ المدينيِّ، وابنُ حبَّانَ، وابنُ قانعٍ، وابنُ عبدِ البرِّ، والمزيُّ، والذهبيُّ. واختُلِفَ في وفاتهِ، فقيلَ: سنةُ ثمانٍ وثمانينَ وهو المشهورُ، وقيلَ: سنةُ ستٍّ وتسعينَ، قالهُ عبدُ الصمدِ بنُ سعيدٍ، وبهِ جزمَ أبو عبدِ اللهِ بنُ منده، وأبو زكريا بنُ منده، وقالَ: إنَّهُ صلَّى للقبلتينِ. فعلى هذا هوَ آخرُ مَنْ بقيَ ممَّنْ صلَّى للقبلتينِ. وقيلَ: إنَّ آخرَ مَنْ ماتَ بالشامِ منهم: أبو أُمامَةَ صُدَيُّ بنُ عَجْلانَ الباهليُّ، رويَ ذلكَ عنِ الحسنِ البصريِّ وابنِ عيينةَ، وبهِ جزمَ أبو عبدِ اللهِ ابنُ منده، وأشرتُ إلى الخلافِ بقولي: (أو ذو باهِلَهْ) ، والصحيحُ الأولُ، فقدْ قالَ البخاريُّ في "

آخر من مات بدمشق منهم:

التاريخِ الكبيرِ " قالَ عليٌّ: سمعتُ سفيانَ، قلتُ لأحوصَ: كانَ أبو أمامةَ آخرَ مَنْ ماتَ عندكم منْ أصحابِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالَ: كانَ بعدَهُ عبدُ اللهِ بنُ بُسْرٍ، قدْ رأيتُهُ. واخْتُلِفَ في سنةِ وفاةِ أبي أمامةَ، فقيل: سنةُ ستٍّ وثمانينَ، وقيلَ: إحدى وثمانينَ. وقولي: (بدمشقَ واثلهْ) ، إشارة إلى طريقَةٍ أخرى سلكها بعضُهم في آخرِ مَنْ بقيَ في نواحٍ منَ الشامِ بالنسبةِ إلى دمشقَ، وحِمْصَ، وفلسطينَ، وهوَ أبو زكريا بنُ منده، فقالَ في جزءٍ جَمَعَهُ في آخرِ مَنْ ماتَ منَ الصحابة فيما رويناهُ عنهُ: آخرُ مَنْ ماتَ بدمشقَ منهم: واثلةُ بنُ الأسقعِ الليثيُّ، وكذا قاله قتادةُ؛ ولكنْ قدِ اخْتُلِفَ في مكانِ وفاتهِ، فقالَ قتادةُ ودُحَيْمٌ، وأبو زكريا بنُ منده: ماتَ بدمشقَ، وقالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ: ماتَ ببيتِ المقدسِ. وقالَ ابنُ قانعٍ: بحمصَ. واخْتُلِفَ أيضاً في سنةِ وفاتِهِ، فقيلَ: سنةُ خمسٍ وثمانينَ. وقيلَ: ثلاثٍ. وقيلَ: سنةُ ستٍّ وثمانينَ. وآخرُ مَنْ ماتَ بحمصَ منهم: عبدُ اللهِ بنُ بسرٍ المازنيُّ، قالهُ قتادةُ، وأبو زكريا بنُ منده.

آخر من مات منهم بفلسطين:

وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بالجزيرةِ: العُرْسُ بنُ عَميرةَ الكِندِيُّ، قالهُ أبو زكرياْ بنُ منده. وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بفلسطينَ: أبو أُبيٍّ عبدُ اللهِ بنُ أمِّ حَرَامٍ، قالهُ أبو زكريا بنُ منده، وهو ابنُ امرأةِ عبادةَ بنِ الصامتِ. واختُلِفَ في اسمهِ، فقالَ ابنُ سعدٍ، وخليفةُ، وابنُ عبدِ البرِّ: هوَ عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ قيسٍ وقيلَ: عبدُ اللهِ بنُ أُبيٍّ، وقيلَ: بنُ كعبٍ، وقدِ اختلِفَ أيضاً في مكانِ وفاتهِ. فقيلَ: إنَّهُ ماتَ بدمشقَ. وذكرَ ابنُ سُميعٍ: أنَّهُ توفيَ ببيتِ المقدسِ، قلتُ: فإنْ كانَ توفيَ بدمشقَ، فآخرُ مَنْ ماتَ بفلسطينَ قيسُ بنُ سعدِ بنِ عبادةَ، فقد ذكرَ أبو الشيخِ في " تاريخهِ " عن بعضِ ولدِ سعدٍ: أنَّ قيسَ بنَ سعدٍ توفيَ بفلسطينَ سنةَ خمسٍ وثمانينَ في ولايةِ عبدِ الملكِ؛ لكنَّ المشهورَ أنَّهُ توفيَ في المدينةِ في آخرِ خلافةِ معاويةَ، قاله الهيثمُ بنُ عديٍّ، والواقديُّ، وخليفةُ ابنُ خياطٍ، وغيرهم. وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بمصرَ: عبدُ اللهِ بنُ الحارثِ بنُ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيُّ، قاله سفيانُ بنُ عيينةَ، وعليُّ بنُ المدينيِّ، وأبو زكريا بنُ منده. واختُلِفَ في سنةِ وفاتِهِ، فالمشهورُ: سنةُ ستٍّ وثمانينَ، وقيلَ: سنةُ خمسٍ، وقيلَ: سبعٍ، وقيلَ: ثمانٍ، وقيل: تسعٍ. وذكرَ الطحاويُّ أنَّهُ ماتَ بسَفْطِ القدورِ، وهي التي تُعرفُ اليومَ بسفطِ أبي

آخر من مات منهم باليمامة:

ترابٍ، وقدْ قيلَ: إنَّهُ ماتَ باليمامةِ، حكاهُ أبو عبدِ اللهِ بنُ منده، وقالَ أيضاً: إنَّهُ شهدَ بدراً، فعلى هذا هوَ آخرُ البدريينَ موتاً، ولا يصحُّ شهودُهُ بدراً، واللهُ أعلمُ. وقولي: (جزي) ، هو بإبدالِ الهمزةِ ياءً لموافقةِ القافيةِ. وآخرُ مَنْ ماتَ منهم باليمامةِ: الهِرْمَاسُ بنُ زيادٍ الباهليُّ، قالهُ أبو زكريا ابنُ منده، وذُكِرَ عن عِكْرِمَةَ بنِ عمارٍ، قالَ: لقيتُ الهرماسَ بنَ زيادٍ سنةَ اثنتينِ ومائةٍ. وآخرُهم موتاً بِبَرْقَةَ: رُوَيفعُ بنُ ثابتٍ الأنصاريُّ، وقالَ أبو زكريا ابنُ منده: إنَّهُ توفيَ بإفريقيةَ، وإنَّهُ آخرُ مَنْ ماتَ بها منَ الصحابةِ، وقالَ أحمدُ بنُ البَرْقيِّ: توفيَ بِبَرْقةَ، وصحَّحهُ المِزِّيُّ، وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((إنَّهُ لا يصحُّ وفاتُهُ بإفريقيةَ)) ، وكذا ذكرَ ابنُ يونسَ: أنَّهُ توفيَ ببرقةَ، وهوَ أميرٌ عليها لِمَسْلَمةَ بنِ مُخَلَّدٍ سنةَ ثلاثٍ وخمسينَ، فإنَّ قبْرَهُ معروفٌ ببرقةَ إلى اليومِ، ووقعَ في " تهذيبِ الكمالِ " نقلاً عنِ ابنِ يونسَ: أنَّ وفاتهُ في سنةِ ستٍّ وخمسينَ. وفي مكانِ وفاتِهِ قولٌ آخرُ لمْ يحكهِ ابنُ منده، ولا ابنُ الصلاحِ، وهوَ أنَّهُ ماتَ بِأَنْطَابُلُسَ، قالهُ الليثُ بنُ سعدٍ. وقيلَ: إنَّهُ ماتَ بالشامِ. وآخرُ مَنْ ماتَ منهم بالباديةِ: سَلَمَةُ بنُ الأكوعِ، قالهُ أبو زكريا بنُ منده، والصحيحُ أنَهُ ماتَ بالمدينةِ، قالهُ ابنُهُ إياسُ بنُ سلمةَ، ويحيى بنُ بكيرٍ، وأبو عبدِ اللهِ بنُ منده. ورجَّحهُ ابنُ الصلاحِ. وأشرتُ إلى الخلافِ بقولي: (او بطيبةَ المكرمهْ) .

آخر من مات بخراسان منهم:

واخْتُلِفَ أيضاً في سنةِ وفاتِهِ، فالصحيحُ: أنَّهُ توفيَ سنةَ أربعٍ وسبعينَ، وقيلَ: سنةُ أربعٍ وستينَ. وهذا آخرُ ما ذكرهُ ابنُ الصلاحِ من أواخرِ مَنْ ماتَ منَ الصحابةِ مقيَّداً بالأماكنِ، وبقيَ عليهِ مما ذكرهُ أبو زكريا بنُ منده أنَّ آخرَ مَنْ ماتَ بِخُرَاسانَ منهم: بُرَيْدَةُ بنُ الحُصَيْبِ، وأنَّ آخرَ مَنْ ماتَ منهمْ بالرُّخَّجِ منهم: العدَّاءُ بنُ خالدِ بنُ هَوْذَةَ، والرُّخَّجُ: من أعمالِ سجستانَ. وممَّا لمْ يذكرْهُ ابنُ الصلاحِ، ولا ابنُ منده أيضاً: أنَّ آخرَ مَنْ ماتَ منهم بأصبهانَ: النابغةُ الجعديُّ، وقد ذكرَ وفاتَهُ بأصبهانَ أبو الشيخِ في " طبقاتِ الأصبهانيينَ "، وأبو نُعَيمٍ في " تاريخِ أصبهانَ ". وآخرُ منْ ماتَ منهم بالطائفِ: عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ. مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ 817.... والتَّابعُ اللاَّقِي لِمَنْ قَدْ صَحِبَا ... وَلِلْخَطِيبِ حَدُّهُ أنْ يَصْحَبَا

حد التابعي،

اخْتُلِفَ في حدِّ التابعيِّ، فقالَ الحاكمُ وغيرهُ إنَّ التابعيَّ مَنْ لقيَ واحداً منَ الصحابةِ فأكثرَ، وسيأتي نقلُ كلامِ الحاكمِ في البيتِ الذي يلي هذا، وعليهِ عملُ الأكثرينَ وقدْ ذكرَ مسلمٌ وابنُ حِبَّانَ سليمانَ بنَ مِهْرَانَ الأعمشَ في طبقة التابعينَ وقالَ ابنُ حبانَ أخرجناهُ في هذهِ الطبقةِ؛ لأنَّ لهُ لقياً وحفظاً رأى أنسَ بنَ مالكٍ، وإنْ لَمْ يصحَّ لهُ سماعُ المسندِ عن أنسٍ انتهى وقالَ عليُّ بنُ المدينيِّ لمْ يسمعْ من أنسٍ، وإنما رآهُ رؤيةً بمكةَ يصلِّي وليسَ لهُ روايةٌ في شيءٍ من الكتبِ الستةِ عن أحدٍ منَ الصحابةِ إلاَّ عن عبدِ اللهِ ابنِ أبي أوفى في سننِ ابنِ ماجه فقطْ وقالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ إنَّه لمْ يسمعْ منهُ وقالَ الترمذيُّ إنَّهُ لمْ يسمعْ من أحدٍ منَ الصحابةِ، وعدَّهُ أيضاً في التابعينَ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ وعدَّ فيهم يحيى بنَ أبي كثيرٍ؛ لكونهِ لَقِيَ أنساً وعدَّ فيهم موسى بنَ أبي عائشةَ؛ لكونِهِ لقيَ عَمْرَو بنَ حُريثٍ وعدَّ فيهم جريرَ بنَ حازمٍ لكونهِ رأى أنساً، وهذا مصيرٌ منهم إلى أنَّ التابعيَّ مَنْ رأى الصحابيَّ ولكنَّ ابنَ حبَّانَ يشترطُ أن يكونَ رآهُ في سنِّ مَنْ يحفظُ عنهُ، فإنْ كانَ صغيراً

لمْ يحفظْ عنهُ فلا عبرةَ برؤيتِهِ، كخلفِ بنِ خليفةَ، فإنَّهُ عدَّهُ في أتباعِ التابعينَ، وإنْ كانَ رأى عمرَو بنَ حريثٍ؛ لكونهِ كانَ صغيراً وقالَ الخطيبُ التابعيُّ مَنْ صَحِبَ الصحابيَّ، والأولُ أصحُّ، ورجَّحهُ ابنُ الصلاحِ فقالَ والاكتفاءُ في هَذَا بمجردِ اللقاءِ والرؤيةِ أقربُ منهُ في الصحابةِ نظراً إِلَى مقتضى اللفظينِ فيهما وقالَ النوويُّ في التقريبِ والتيسيرِ إنَّهُ الأظهرُ انتهى وَقَدْ عدَّ الخطيبُ منصورَ بنَ المعتمرِ منَ التابعينَ، ولمْ يسمعْ من أحدٍ منَ الصحابةِ وقولُ الخطيبِ لهُ منَ الصحابةِ ابنُ أبي أوفى، يريد في الرؤيةِ لا في السماعِ والصحبةِ وَلَمْ أرَ مَنْ ذكرهُ في طبقةِ التابعينَ وقالَ النوويُّ في شرحِ مُسْلِم إنَّهُ ليسَ بتابعيٍّ؛ ولكنَّهُ من أتباعِ التابعينَ، وقدْ أشارَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الصحابةِ والتابعينَ بقولهِ طُوبى لمنْ رآني وآمَنَ بي، وطوبى لمَنْ رأى مَنْ رآني ... الحديث، فاكتفى فيهما بمجردِ الرؤيةِ ... وَهُمْ طِبَاقٌ قِيلَ: خَمْسَ عَشَرَهْ ... أَوَّلُهُمْ: رُوَاةُ كلِّ العَشَرَهْ 819.... وَقَيْسٌ الفَرْدُ بِهَذا الوَصْفِ ... وَقِيلَ لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ عَوْفِ ... وَقَوْلُ مَنْ عدَّ سَعِيداً فَغَلَطْ ... بَلْ قِيلَ: لَمْ يَسْمَعْ سِوَى سَعْدٍ فَقَطْ 821.... لَكِنَّهُ الأَفْضَلُ عِنْدَ أَحْمَدَا ... وعَنْهُ قَيْسٌ وَسِوَاهُ وَرَدَا ... وَفَضَّلَ الحَسَنَ أَهْلُ البَصْرَةِ ... والقَرَنِيْ أُوَيْساً اهْلُ الكُوفَةِ

التابعين طباق،

ثمَّ إنَّ التابعينَ طِباقٌ، فجعلهم مسلمٌ في كتابِ " الطبقاتِ " ثلاثَ طبقاتٍ. وكذا فعلَ ابنُ سعدٍ في " الطبقاتِ "، وربَّما بلغَ بهم أربعَ طبقاتٍ. وقالَ الحاكمُ في " علومِ الحديثِ ": هم خمسَ عشرةَ طبقةً، آخرهم مَنْ لقيَ أنسَ بنَ مالكٍ من أهلِ البصرةِ، ومَنْ لقيَ عبدَ اللهِ ابنَ أبي أوفى من أهلِ الكوفةِ ومَنْ لقيَ السائبَ بنَ يزيدَ من أهلِ المدينةِ)) وعدَّ الحاكمُ منهم ثلاثَ طبقاتٍ فقطْ. وسيأتي نقلُ كلامهِ. فالطبقةُ الأولى منَ التابعينَ مَنْ روى عنِ العشرةِ بالسماعِ منهم، وليسَ في التابعينَ أحدٌ سمعَ منهم إلاَّ قيسَ بنَ أبي حازمٍ. ذكرهُ عبدُ الرحمنِ بنُ يوسفَ ابنُ خِرَاشٍ. وقالَ أبو عُبيدٍ الآجُريُّ عن أبي داودَ: روى عن تسعةٍ منَ العشرةِ، ولمْ يروِ عن عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ)) . وأمَّا قولُ الحاكمِ في النوعِ السابعِ من " علومِ الحديثِ ": وقدْ أدركَ سعيدُ بنُ المسيبِ أبا بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليَّاً، وطلحةَ، والزبيرَ إلى آخرِ العشرةِ. قالَ: ((وليسَ في جماعةِ التابعينَ مَنْ أدركهم وسمعَ منهم غيرُ سعيدٍ، وقيسِ بنِ أبي حازمٍ)) . انتهى، فهو غلطٌ صريحٌ، وكذا قولهُ في النوعِ الرابعَ عشر: ((فمنَ الطبقةِ الأولى قومٌ لحقوا العشرةَ منهم سعيدُ بنُ المسيِّبِ، وقيسُ بنُ أبي حازمٍ، وأبو عثمانَ النَّهْديُّ، وقيسُ بنُ عُبَادٍ، وأبو سَاسَانَ حُضَيْنُ بنُ المنذرِ، وأبو وائلٍ،

أفضل التابعين،

وأبو رَجَاءٍ العُطَارِديُّ)) . انتهى. وقد أُنكِرَ ذلكَ على الحاكمِ؛ لأنَّ سعيدَ بنَ المسيبِ إنما وُلِدَ في خلافةِ عمرَ، بلا خلافٍ، فكيفَ يسمعُ مِنْ أبي بكرٍ؟ والصحيحُ أيضاً: أنَّهُ لَمْ يسمعْ منْ عمرَ، قالهُ يحيى بنُ سعيدٍ القطانُ ويحيى بنُ معينٍ وأبو حاتمٍ الرازيُّ، نَعَمْ ... ، أثبتَ أحمدُ بنُ حنبلٍ سماعهُ منهُ. وبالجملةِ فلمْ يسمعْ من أكثرِ العشرةِ، بلْ قالَ بعضُهُمْ فيما حكاهُ ابنُ الصلاحِ: أنَّهُ لا يصحُّ له روايةٌ عن أحدٍ منَ العشرةِ إلاَّ سعدَ بنَ أبي وقاصٍ. المسألةُ الثالثةُ: اختلفوا في أفضلِ التابعينَ، فقالَ عثمانُ الحارثيُّ: سمعتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ يقولُ: أفضلُ التابعينَ سعيدُ بنُ المسيبِ، فقيلَ لهُ: فعلقمةُ والأسودُ، فقالَ: سعيدُ وعلقمةُ والأسودُ)) ، وهوَ المرادُ بقولي: (لكنَّهُ الأفضلُ) ، فالضميرُ لسعيدٍ، وقالَ عليُّ ابنُ المدينيِّ: هوَ عندي أجلُّ التابعينَ، وقالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ: ((ليسَ في التابعينَ أنبلُ من ابنِ المسيِّبِ)) . وقالَ ابنُ حبَّانَ: ((هو سيِّدُ التابعينَ)) ووردَ عنْ أحمدَ أيضاً أنَّهُ قالَ: أفضلُ التابعينَ قيسُ بنُ أبي حازمٍ وأبو عثمانَ النَّهْديُّ، ومسروقٌ، هؤلاءِ كانوا فاضلينَ ومِنْ عِلْيةِ التابعينَ. وعنهُ أيضاً قالَ: لا أعلمُ في التابعينَ مثلَ أبي عثمانَ وقيسٍ.

بيان لأفضل التابعيات،

وقالَ الإمامُ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ خَفِيْفٍ الشيرازيُّ: اختَلَفَ الناسُ في أفضلِ التابعينَ، فأهلُ المدينةِ يقولونَ: سعيدُ بنُ المسيِّبِ، وأهلُ البصرةِ يقولونَ: الحسنُ البصريُّ، وأهلُ الكوفةِ يقولونَ: أويسٌ القرنيُّ. واستحسنهُ ابنُ الصلاحِ. قلتُ: الصحيحُ، بلِ الصوابُ ما ذهبَ إليهِ أهلُ الكوفةِ، لما روى مسلمٌ في " صحيحهِ " من حديثِ عمرَ بنِ الخطابِ، قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: ((إنَّ خيرَ التابعينَ رجلٌ يقالُ لهُ: أُويسٌ ... )) الحديث. فهذا الحديثُ قاطعٌ للنِزاعِ. وأمَّا تفضيلُ أحمدَ لابنِ المسيِّبِ وغيرِهِ فلعلَّهُ لمْ يبلغْهُ هذا الحديثُ، أوْ لَمْ يصحَّ عنهُ، أو أرادَ بالأفضليةِ: الأفضليةَ في العلمِ لا الخيريةِ، وقدْ تقدَّمَ في " معرفةِ الصحابةِ " أنَّ الخطابيَّ نقلَ عن بعضِ شيوخهِ أنَّهُ: كانَ يُفرِّقُ بينَ الأفضليةِ والخيريةِ، واللهُ أعلمُ. 823.... وفي نِسَاءِ التَّابِعِينَ الأَبْدَا ... حَفْصَةُ مَعْ عَمْرَةَ أُمِّ الدَّرْدَا هذا بيانٌ لأفضلِ التابعياتِ، فقولي الأبدا أي أبداهُنَّ، بمعنى أولهنَّ في الفضلِ وقدْ روى أبو بكرِ بنُ أبي داودَ بإسنادِهِ إلى إيَّاسِ بنِ معاويةَ قالَ ما أدركتُ أحداً أُفَضِّلُهُ على حفصةَ، يعني بنتَ سيرينَ، فقيلَ لهُ الحسنُ وابنُ سيرينَ، فقالَ أما أنا فلا أفضِّلُ عليها أحداً وقالَ أبو بكرِ ابنُ أبي داودَ سيدتا التابعينَ من النساءِ

أكابر التابعين،

حَفْصَةُ بنتُ سيرينَ، وعَمْرَةُ بنتُ عبدِ الرحمنِ، وثالثتُهما وليستْ كهما أُمُّ الدرداءِ، يريدُ الصُّغرى، واسمها هُجَيْمَةُ، ويقالُ جُهَيْمَةُ فأمَّا أُمُّ الدرداءِ الكُبْرى، فهيَ صحابيةٌ واسمها خَيْرَةٌ ... وَفِي الكِبَارِ الفُقَهَاءِ السَّبْعَهْ ... خَارِجَةُ القَاسِمُ ثُمَّ عُرْوَهْ 825.... ثُمَّ سُلَيْمَانُ عُبَيْدُ اللهِ ... سَعِيدُ والسَّابِعُ ذُو اشْتِبَاهِ ... إمَّا أَبُو سَلَمَةٍ أَوْ سَالِمُ ... أَوْ فَأَبو بَكْرٍ خِلاَفٌ قَائِمُ منَ المعدودينَ في أكابرِ التابعينَ، الفقهاءُ السبْعَةُ مِنْ أهلِ المدينةِ، وهمْ: خارجةُ بنُ زيدِ بنِ ثابتٍ، والقاسمُ بنُ محمدِ بنِ أبي بكرٍ، وعروةُ بنُ الزبيرِ، وسليمانُ بنُ يسارٍ، وعبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عتبةَ، وسعيدُ بنُ المسيِّبِ وأبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، فهؤلاءِ همُ الفقهاءُ السبعةُ عندَ أكثر علماءِ الحجازِ كما قالَ الحاكمُ، وجعلَ ابنُ المباركِ: سالمَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ مكانَ أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، فقالَ: كانَ فقهاءُ أهلِ المدينةِ الذينَ يصدرونَ عن آرائهم سبعةً، فذكرهمْ. وذكرَهمْ أبو الزِّنادِ، فجعلَ أبا بكرِ بنَ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ مكانَ أبي سلمةَ، أو سالِمٍ، فروى ابنهُ عبدُ الرحمنِ عنهُ، قالَ: أدركتُ منْ فقهائنا الذينَ يُنْتَهى إلى قولِهم فذكرَهمْ، وقالَ: همْ أهلُ فقهٍ وصلاحٍ وفضلٍ.

المخضرمون من التابعين -

وقدْ بلغَ بهم يحيى بنُ سعيدٍ: اثني عشرَ فنقصَ وزادَ، فروى عليُّ بنُ المدينيِّ عنهُ، قالَ: فقهاءُ أهلِ المدينةِ اثنا عشرَ: سعيدُ بنُ المسيبِ، وأبو سلمةَ والقاسمُ بنُ محمدٍ، وسالمٌ وحمزةُ وزيدٌ وعبيدُ اللهِ وبلالٌ بنو عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، وأبانُ بنُ عثمانَ بنِ عفَّانَ، وقَبِيْصةُ بنُ ذُؤَيبٍ وخارجةُ وإسماعيلُ ابنا زيدِ بنِ ثابتٍ. 827.... والمُدْرِكُونَ جَاهِلِيَّةً فَسَمْ ... مُخَضْرَمِينَ كَسُوَيْدٍ في أُمَمْ المخضرَمونَ منَ التابعينَ بفتحِ الراءِ وهمُ الذينَ أدركوا الجاهليةَ وحياةَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليستْ لهم صُحبةٌ، ولَمْ يشترطْ بعضُ أهلِ اللغةِ نفيَ الصُّحبةِ قالَ صاحبُ المحكم رَجُلٌ مُخَضْرَمٌ إذَا كَانَ نِصْفُ عُمُرِهِ في الجَاهِلِيَّةِ، ونِصْفُهُ في الإسلامِ فمقتضى هذا أنَّ حكيمَ بنَ حزامٍ، ونحوَهُ مخضرمٌ، وليسَ كذلكَ منْ حيثُ الاصطلاحُ؛ وذلكَ لأنَّهُ مترَدِّدٌ بينَ طبقتينِ لا يُدْرى مِنْ أيتهما هوَ، فهذا هوَ مدلولُ الخَضْرَمَةِ، قالَ صاحبا المحكمِ والصحاحِ لحمٌ مخضرمٌ، لا يُدْرَى مِنْ ذَكَرٍ هوَ أو من أنثى انتهى، فكذلكَ المخضرمونَ مترددونَ بينَ الصحابةِ للمعاصرةِ وبينَ التابعينَ، لعدمِ الرؤيةِ، وفي كلامِ ابنِ حبَّانَ في صحيحهِ موافقةٌ لكلامِ صاحبِ المحكمِ، فإنَّهُ قالَ والرجلُ إذا كانَ في الكفرِ لهُ ستونَ سنةً، وفي الإسلامِ ستونَ سنةً يدعى مخضرماً؛ لكنَّهُ ذكرَ ذلكَ عندَ ذكرِ أبي عمرٍو الشيبانيِّ، وإنَّهُ كانَ منَ المخضرمينَ فكأنَّهُ أرادَ ممَّنْ ليستْ لهُ صحبةٌ

وحكى الحاكمُ عنْ بعضِ مشايخهِ أنَّ اشتقاقَ ذلكَ من أنَّ أهلَ الجاهليةِ كانوا يُخضرِمونَ آذانَ الإبلِ، أيْ يقطعونها؛ لتكونَ علامةً لإسلامهم إنْ أُغِيْرَ عليها أو حُورِبوا انتهى فعلى هذا يحتملُ أنْ يكونَ المخضرِمُ - بكسر الراءِ -كما حكاهُ فيهِ بعضُ أهلِ اللغةِ؛ لأنَّهم خضرموا آذانَ الإبلِ، ويحتملُ أنْ يكونَ بالفتحِ وأنَّهُ اقْتُطِعَ عنِ الصحابةِ وإنْ عاصرَ لعدمِ الرؤيةِ، واللهُ أعلمُ وذكرَ أبو موسى المدينيُّ في الصحابةِ نحوَ ما حكاهُ الحاكمُ عن بعضِ شيوخهِ، فقالَ فيهِ فسُمُّوا مخضرمينَ، قالَ وأهلُ الحديثِ يفتحونَ الراءَ، وأَغْرَبَ ابنُ خَلِّكانَ، فقالَ قدْ سُمِعَ محضرِمٌ بالحاء المهملة وكسرِ الراءِ أيضاً وقولي كَسُوَيْدٍ أيْ ابنَ غَفَلَةَ، في أممٍ أيْ في جماعاتٍ، وقدْ عدَّهم مسلمُ بنُ الحجاجِ فبلغَ بهم عشرينَ، وهم أبو عَمْرٍو سعدُ بنُ إياسٍ الشيبانيُّ، وسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وشُرَيْحُ بنُ هانئ، ويُسَيْرُ بنُ عمرِو بنِ جابرٍ، وعمرُو بنُ ميمونٍ الأوديُّ، والأسودُ بنُ يزيدَ النخعيُّ، والأسودُ بنُ هلالٍ المُحَاربيُّ، والمعرورُ بنُ سُوَيدٍ، وعَبْدُ خَيْرِ بنُ يزيدَ الخَيْوَانيُّ، وشُبَيْلُ بنُ عوفٍ الأحمسيُّ، ومسعودُ بنُ

أتباع التابعين

خِرَاشٍ أخو رِبْعِي، ومالكُ بنُ عُميرٍ، وأبو عثمانَ النهديُّ، وأبو رجاءٍ العُطَارِديُّ، وغُنَيْمُ بنُ قَيْسٍ، وأبو رافعٍ الصائغُ، وأبو الحَلالِ العتكيُّ واسمهُ ربيعةُ بنُ زُرَارةَ، وخالدُ بنُ عُمَيْرٍ العَدَويُّ، وثُمَامَةُ بنُ حَزْنٍ القُشَيْرِيُّ، وجُبَيْرُ بنُ نُفَيرٍ الحَضْرَميُّ، وممَّنْ لمْ يذكرْهُ مسلمٌ أبو مسلمٍ الخَوْلانيُّ، والأحنفُ بنُ قيسٍ، وعبدُ اللهِ بنُ عُكَيْمٍ، وعمرُو بنُ عبدِ اللهِ بنِ الأصمِّ، وأبو أميةَ الشَّعْبَانيُّ ... وَقَدْ يُعَدُّ في الطِّبَاقِ التَّابِعُ ... في تابِعِيهِمْ إذْ يَكُونُ الشَّائِعُ 829.... الحَمْلَ عَنْهُمْ كأَبِي الزِّنَادِ ... والعَكْسُ جَاءَ وَهْوَ ذُوْ فَسَادِ أيْ قدْ يَعدُّ مَنْ صنَّفَ في الطبقاتِ بعضَ التابعينَ في أتباعِ التابعينَ؛ لكونِ الغالبِ عليهِ والشائعِ عنهُ روايتهُ عنِ التابعينَ، وحملهُ عنهم كأبي الزّنادِ عبد اللهِ بنِ ذَكْوانَ قالَ خليفةُ بنُ خيَّاطٍ طبقةٌ عدَدُهم عندَ الناسِ في أتباع التابعينَ، وقد لقوا الصحابةَ، منهم أبو الزِّنادِ، وقد لقيَ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ، وأنسَ بنَ مالكٍ، وأبا أُمامةَ بنَ سَهْلِ بنِ حُنَيْفِ، وقالَ الحاكمُ نحوَهُ، وزادَ أنَّهُ أُدخِلَ على جابرِ بنِ عبدِ اللهِ أيضاً وقالَ العِجْليُّ تابعيٌّ ثقةٌ سَمِعَ من أنسِ بنِ مالكٍ، وذكرهُ مسلمٌ في الطبقةِ الثالثةِ منَ التابعينَ، وكذا ذكرهُ ابنُ حبَّانَ في طبقةِ التابعينَ

ومثَّلَ الحاكمُ أيضاً بموسى بنِ عقبةَ، فقالَ وقدْ أدركَ أنسَ بنَ مالكٍ، وأمَّ خالدِ بنتَ خالدِ بنِ سعيدِ بنِ العاصِ وقالَ ابنُ حبَّانَ إنَّهُ أدركَ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ، وسهلَ بنَ سعدٍ وقولي والعكسُ جاءَ أيْ وقدْ عدَّ بعضُهم في التابعينَ مَنْ هوَ منْ أتباعِ التابعينَ، وذلكَ صنيعٌ فاسدٌ وخطأٌ ممَّنْ صنعَهُ قالَ الحاكمُ طبقةٌ تُعَدُّ في التابعينَ، ولَمْ يصحَّ سماعُ أحدٍ منهم منَ الصحابةِ، منهم إبراهيمُ بنُ سويدٍ النَّخَعِيُّ، ولَمْ يدركْ أحداً منَ الصحابةِ، قالَ وليسَ هذا بإبراهيمَ بنِ يزيدَ النَّخَعِيِّ الفقيهِ، وبُكَيرُ بنُ أبي السَّمِيطِ، لَمْ يصحَّ لهُ عن أنسٍ روايةٌ، إنما أسقطَ قتادةَ من الوسطِ، قلتُ هوَ بفتحِ السينِ وكسرِ الميمِ كذا ضبطهُ ابنُ ماكولا وغيرهُ قالَ الحاكمُ وبُكَيْرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الأشجِّ لَمْ يثبتْ سماعُهُ منِ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ جَزْءٍ، وإنما رواياتُهُ عنِ التابعينَ وثابتُ ابنُ عَجْلاَنَ الأنصاريُّ، لَمْ يصحَّ سماعُهُ منِ ابنِ عباسٍ، إنما يروي عن عطاءٍ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، وسعيدُ بنُ عبدِ الرحمنِ الرقاشيُّ، وأخوهُ واصلٌ أبو حُرَّةَ، لم يثبتْ سماعُ واحدٍ منهما من أنسٍ انتهى كلامُ الحاكمِ وفيهِ نظرٌ منْ وجوهٍ

الأولُ قولُهُ في بكيرِ بنِ الأشجِّ إنما رواياتُهُ عنِ التابعينَ، قلتُ قَدْ روى عنِ السائبِ بنِ يزيدَ، وأبي أُمامةَ أسعدَ بنِ سهلِ بنِ حُنَيْفٍ، ومحمودِ بنِ لبيدٍ، كما ذكرهُ المزيُّ وغيرهُ، وهم معدودونَ في الصحابةِ؛ ولكنْ ذكرهُ ابنُ حبانَ في أتباعِ التابعينَ الثاني ثابتُ بنُ عَجْلاَنَ، روى عن أبي أمامةَ الباهليِّ، وأنسِ بنِ مالكٍ فيما ذكرهُ المِزِّيُّ وغيرُهُ؛ ولكنْ قالَ ابنُ حبَّانَ ما أرى سماعهُ من أنسٍ بصحيحٍ وذكرهُ في طبقةِ أتباعِ التابعينَ أيضاً الثالثُ قولهُ سعيدُ بنُ عبدِ الرحمنِ الرَّقَاشيُّ وأخوهُ واصلٌ أبو حُرَّةَ، وَهِمَ الحاكمُ في نسبةِ سعيدٍ أنَّهُ الرقاشيُّ، وأنَّهُ أخو أبي حُرَّةَ الرقاشيِّ، وليسَ واحدٌ منهما رقاشياً، وأبو حُرَّةَ الرقاشيُّ اسمهُ حنيفةُ وأما واصلٌ فليسَ بأبي حُرَّةَ الرقاشيِّ، وقدْ وَهِمَ فيهِ أيضاً عبدُ الغنيِّ المقدسيُّ في الكمالِ فنسبَ واصلاً أبا حُرَّةَ الرقاشيَّ، وغلَّطَهُ المزيُّ وقدْ ذكرَ ابنُ حبانَ في أتباعِ التابعينَ سعيدَ بنَ

قد يعد بعض الصحابة في طبقة التابعين،

عبدِ الرحمنِ البصريَّ، وأخاهُ واصلاً أبا حُرَّةَ البصريَّ، وقالَ أمهُما بَرَّةُ مولاةٌ لبني سُلَيمٍ ... وَقَدْ يُعَدُّ تَابِعِيَّاً صَاحِبُ ... كَابْنَي مُقَرِّنٍ ومَنْ يُقَارِبُ قدْ يُعدُّ بعضُ الصحابةِ في طبقةِ التابعينَ، إمَّا لغلطٍ من بعضِ المصنفينَ، كما عدَّ الحاكمُ في الأخوةِ من التابعينَ النُّعْمَانَ وسُوَيْداً ابنَيْ مُقَرِّنٍ المزنيِّ، وهما صحابيانِ معروفانِ من جملةِ المهاجرينَ، كما سيأتي في نوعِ الأخوةِ والأخواتِ. وإما لكونِ ذلكَ الصحابيِّ من صغارِ الصحابةِ، يقاربُ التابعينَ في كونِ روايتِهِ أو غَالِبِهَا عنِ الصحابةِ، كما عدَّ مسلمٌ في " الطبقاتِ " يوسفَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، ومحمودَ بنَ لبيدٍ في التابعينَ، وإلى هذا الإشارة بقولي: وَمَنْ يقاربُ، أيْ: ومنْ يقاربُ التابعينَ في طبقتهم، واللهُ أعلمُ. وقدْ يُعدُّ بعضُ التابعينَ في الصحابةِ وكثيراً ما يقعُ ذلكَ فيمنْ يرسلُ منَ التابعينَ، كما عدَّ محمدُ بنُ الربيعِ الجيزيُّ عبدَ الرحمنِ بنَ غَنْمٍ الأشعريَّ فيمَنْ دخلَ مصرَ من الصحابةِ، وهوَ وَهَمٌ منهُ على أنَّ الإمامَ أحمدَ قدْ أخرجَ حديثهُ في المسندِ، وذكرَ ابنُ

رواية الأكابر عن الأصاغر

يونسَ أيضاً: أنَّ لهُ صحبةً. وكذا حكى ابنُ منده عنْ يحيى بنِ بُكَيْرٍ، والليثِ، وابنِ لَهِيْعَةَ. رِوَايةُ الأَكَابِرِ عَنِ الأَصاغِرِ 831.... وَقَدْ رَوَى الكَبِيرُ عَنْ ذِي الصُّغْرِ ... طَبَقَةً وَسِنّاً اوْ في القَدْرِ ... أَوْ فيهِمَا وَمِنْهُ أَخْذُ الصَّحْبِ ... عنْ تابعٍ كَعِدَّةٍ عَنْ كَعْبِ الأصلُ في هذا البابِ روايةُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تميمٍ الداريِّ حديث الجَسَّاسَةِ، وهوَ عندَ مسلمٍ. ثمَّ إنَّ روايةَ الأكابرِ عنِ الأصاغرِ على أضربٍ منها: أنْ يكونَ الراوي أقدمَ طبقةً وأكبرَ سنّاً منَ المرويِّ عنهُ، كروايةِ الزُّهْرِيِّ، ويحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ، عنْ مالكِ بنِ أنسٍ.

ومنها: أنْ يكونَ الراوي أكبرَ قدراً منَ المرويِّ عنهُ لعلمهِ وحفظهِ، كروايةِ مالكٍ، وابنِ أبي ذِئْبٍ عن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، وأشباهِهِ، وروايةِ أحمدَ، وإسحاقَ عن عُبيدِ اللهِ بنِ موسى العبسيِّ. ومنها: أنْ يكونَ الراوي أكبرَ منَ الوجهينِ معاً، كروايةِ عبدِ الغنيِّ بنِ سعيدٍ، عن محمدِ بنِ عليٍّ الصُّوَرِيِّ، وكروايةِ أبي بكرٍ الخطيبِ، عنْ أبي نصرِ ابنِ ماكولا، ونحوِ ذلكَ. وقولي: (ومنهُ أخذُ الصَّحْبِ) أيْ: ومنْ هذا النوعِ، وهوَ روايةُ الأكابرِ عنِ الأصاغرِ، روايةُ الصحابةِ عنِ التابعينَ، كروايةِ العبادلةِ الأربعةِ، وأبي هريرةَ، ومعاويةَ بنَ أبي سفيانَ وأنسِ بنِ مالكٍ، عنْ كعبِ الأحبارِ، وكروايةِ التابعينَ عن أتباعِ التابعينَ، كما تقدَّمَ من روايةِ الزهريِّ، ويحيى بنِ سعيدٍ عنْ مالكٍ، ومثَّلَ ابنُ الصلاحِ أيضاً بعَمْرِو ابنِ شُعَيْبٍ، فقالَ: ((لمْ يكنْ منَ التابعينَ، وروى عنهُ أكثرُ من عشرينَ نفساً منَ التابعينَ)) . هكذا قالَ: إنَّهُ ليسَ منَ التابعينَ، وتبعَ في ذلكَ أبا بكرٍ النقاشَ، فإنَّهُ قالَ: لَمْ يكنْ منَ التابعينَ، وقدْ روى عنهُ عشرونَ رجلاً منَ التابعينَ، وحكاهُ عبدُ الغنيِّ ابنُ سعيدٍ، وأقرَّهُ على كونهِ ليسَ منَ التابعينَ، ثمَّ قالَ: جمعتُهم ووجدتُ زيادةً على العشرينَ، ثمَّ عدَّهم فبلغَ بهم تسعةً وثلاثينَ رجلاً. قلتُ: وعمرُو بنُ شعيبٍ - وإنْ عدَّهُ غيرُ واحدٍ في أتباعِ التابعينَ - فهوَ منَ التابعينَ، فقدْ سَمِعَ مِنْ زينبَ بنتِ أبي سلمةَ، والرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذِ بنِ عَفْراءَ ولهما صحبةٌ، وقدْ حكى المِزِّيُّ كلامَ عبدِ الغنيِّ، فجعلهُ عنِ الدارقطنيِّ، قالَ: وكانَ الدارقطنيُّ قدْ

رواية الأقران

وافقَهُ على أنَّهُ ليسَ منَ التابعينَ، وليسَ كذلكَ. انتهى. وقولُ ابنِ الصلاحِ: ((روى عنهُ أكثرُ من عشرينَ منَ التابعينَ جمعَهم عبدُ الغنيِّ)) ، ليسَ بجيدٍ، فإنَّهُ قدْ بلغَ بهمْ تسعةً وثلاثينَ رجلاً، كما تقدَّمَ. قلتُ: وقدْ جمعتُهم في جزءٍ فبلغتُ بهمْ فوقَ الخمسينَ، قالَ ابنُ الصلاحِ: وقرأتُ بخطِّ الحافظِ أبي محمدٍ الطَّبَسيِّ: أنَّه روى عنهُ نيفٌ وسبعونَ رجلاً منَ التابعينَ، واللهُ أعلمُ. ومنْ فائدةِ معرفةِ روايةِ الأكابرِ عنِ الأصاغرِ تَنْزَيلُ أهلِ العلمِ منازلهم، وقدْ روى أبو داودَ من حديثِ عائشةَ قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ)) . رِوَايَةُ الأَقْرَانِ 833.... والقُرَنَا مَنِ اسْتَوَوْا في السَّنَدِ ... والسِّنِّ غَالِباً وقِسْمَينِ اعْدُدِ ... مُدَبَّجاً وَهْوَ إِذَا كُلٌّ أخَذْ ... عَنْ آخَرٍ وغيرَهُ انْفِرادُ فَذْ

القرينانِ: مَنِ استويا في الإسنادِ والسِّنِّ غالباً، والمرادُ بالاستواءِ في ذلكَ على المقاربةِ، كما قالَ الحاكمُ: ((إنما القرينانِ إذا تقاربَ سنُّهما وإسنادهما)) . وقولي: (غالباً) متعلقٌ بالسنِّ فقطْ، إشارةٌ إلى أنَّهم قدْ يكتفونَ بالإسنادِ دونَ السنِّ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وربما اكتفى الحاكمُ بالتقاربِ في الإسنادِ، وإنْ لمْ يوجدِ التقاربُ في السنِّ)) . ثمَّ إنَّ روايةَ الأقرانِ تنقسمُ إلى قسمينِ: أحدُهما: ما يسمونهُ المُدَبَّجُ - بضمِّ الميمِ وفتح الدالِ المهملةِ وتشديدِ الباءِ الموحدةِ وآخرَهُ جيمٌ - وذلكَ: أنْ يرويَ كلُّ واحدٍ منَ القرينينِ عن الآخرِ، وبذلكَ سمَّاهُ الدارقطنيُ وجمعَ فيهِ كتاباً حافلاً في مجلدٍ. ومثالُهُ في الصحابةِ: روايةُ أبي هريرةَ عنْ عائشةَ، وروايةُ عائشةَ عنهُ، وفي التابعينَ: روايةُ الزهريِّ عن أبي الزبيرِ، وروايةُ أبي الزبيرِ عنهُ، وفي أتباعِ التابعينَ: روايةُ مالكٍ عَنِ الأوزاعيِّ، وروايةُ الأوزاعيِّ عنهُ، وفي أتباعِ الأتباعِ: روايةُ أحمدَ عنْ عليِّ بنِ المدينيِّ، وروايةُ ابنِ المدينيِّ عنهُ. وتمثيلُ الحاكمِ هذا بأحمدَ وعبدِ الرزاقِ ليسَ بجيدٍ. والقسمُ الثاني من روايةِ الأقرانِ: ما ليسَ بمدبجٍ، وهو أنْ يرويَ أحدُ القرينينِ عنِ الآخرِ، ولا يروي الآخرُ عنهُ فيما يعلمُ، ومثالهُ روايةُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عنْ مِسْعَرٍ، قالَ الحاكمُ: ولا أحفظُ لِمِسْعرٍ عن سليمانَ روايةً. وقدْ يجتمعُ جماعةٌ منَ الأقرانِ في

الإخوة والأخوات

حديثٍ واحدٍ، كحديثٍ رواهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ عن أبي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بنِ حَرْبٍ، عن يحيى بنِ مَعِينٍ، عن عليِّ بنِ المدينيِّ، عن عبيدِ اللهِ بنِ مُعَاذٍ، عنْ أبيهِ، عن شعبةَ، عن أبي بكرِ بنِ حفصٍ، عن أبي سلمةَ، عن عائشةَ قالتْ: ((كُنَّ أزواجُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأخذنَ من شعورِهِنَّ حتَّى يكونَ كالوفرةِ)) . وأحمدُ والأربعةُ فوقَهُ خمستُهم أقرانٌ، كما قالَ الخطيبُ. وقولي: (وقسمين) مفعولٌ مقدَّمٌ لاعْدُدْ، و (مدبجاً) بدل من قسمينِ، وغيرَهُ منصوبٌ عطفاً على: مدبجاً تقديرهُ. واعْدُدْ ذلكَ قسمينِ مدبجاً، وغيرَ مدبجٍ، و (انفرادُ) خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أيْ: وهوَ انفرادُ، (فذْ) أيْ: انفرادُ أحدِ القرينينِ عنِ الآخرِ. الإِخْوَةُ والأَخَوَاتُ 835.... وَأَفْرَدُوا الأخْوَةَ بالتَّصْنِيفِ ... فَذُوْ ثَلاَثَةٍ بَنُو حُنَيْفِ ... أَرْبَعَةٌ أَبُوهُمُ السَّمَّانُ ... وخَمْسَةٌ أَجَلُّهُمْ سُفْيَانُ

837.... وسِتَّةٌ نَحْوُ بَنِي سِيْرِيْنَا ... واجْتَمَعُوا ثَلاَثَةً يَرْوُونا ... وَسَبْعَةٌ بَنُو مُقَرِّنٍ، وَهُمْ ... مُهَاجِرُونَ لَيْسَ فِيهِمْ عَدُّهُمْ 839.... وَالأَخَوَانِ جُمْلَةٌ كَعُتْبَةِ ... أَخِي ابْنِ مَسْعُودٍ هُما ذُوْ صُحْبَةِ قدْ أفردَ أهلُ الحديثِ هذا النوعَ بالتصنيفِ، وهوَ معرفةُ الأخوةِ منَ العلماءِ والرواةِ، فصنَّفَ فيهِ عليُّ بنُ المدينيِّ ومسلمُ بنُ الحجاجِ، وأبو داودَ والنَّسَائيُّ، وأبو العباسِ السَّرَّاجُ فمثالُ الأخوةِ الثلاثةِ سهلٌ وعبادٌ وعثمانُ بنو حُنيفٍ مُصَغَّراً ولا يضرُّ عندَ أهلِ العلمِ بالقوافي فتحُ نونِهِ في مقابلةِ كسرِ نونِ التصنيفِ، قالَ حسَّانُ بنُ ثابتٍ صَلَّى الإلَهُ عَلَى الَّذِيْنَ تَتَابَعُوْا ... يَوْمَ الرَّجِيْعِ فأُكْرِمُوا وأُثِيْبُوا رَأْسُ السَّرِيَّةِ مَرْثَدٌ وَأَمِيْرُهُمْ ... وَابْنُ البُكَيْرِ أَمَامَهُمْ وَخُبَيْبُ ومثالُ الأربعةِ أولادُ أبي صالحٍ السَّمَّانِ، وهم سهيلٌ ومحمدٌ وصالحٌ وعبدُ اللهِ الذي يقالُ له عبَّادٌ، وفي الكاملِ لابنِ عَدِيٍّ إنَّهُ ليسَ في أولادِ أبي صالحٍ مَنِ اسْمُهُ محمدٌ؛ إنما هوُ سهيلٌ وعبادٌ وعبدُ اللهِ ويحيى وصالحٌ بنو أبي صالحٍ وليسَ فيهم محمدٌ انتهى فأَبدَلَ يحيى بمحمدٍ، وجَعَلَ عَبَّاداً وعبدَ اللهِ اثنينِ، وهو وَهَمٌ، وسيجيء في فصلِ الألقابِ أنَّ أحمدَ ويحيى وأبا داودَ في آخرينَ، قالوا إنَّ عبدَ اللهِ هو عبادٌ، ومما

يُستغربُ في الأخوةِ الأربعةِ بنو راشدٍ أبي إسماعيلَ السُّلَمِيِّ، وُلِدُوا في بَطْنٍ واحِدٍ وكانوا علماءَ، وهم محمدٌ وعمرُ وإسماعيلُ ولَمْ يسمِّ البخاريُّ والدارقطنيُّ الرابعَ، ومثالُ الخمسةِ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ وأخوتُهُ آدمُ وعِمرانُ ومحمدٌ وإبراهيمُ، وقدْ حدثوا كلُّهُم وقولي أجلُّهم أيْ في العلمِ، واقتصر ابنُ الصلاحِ على كونهِم خمسةً؛ لكونهم همُ الَّذينَ رووا، وإلاَّ فقدْ ذكرَ غيرُ واحدٍ أنَّ أولادَ عُيينةَ عَشْرَةٌ ومثالُ الستةِ بنو سِيْرِيْنَ، كلُّهم منَ التابعينَ، وهمْ محمدٌ وأنسٌ ويحيى ومَعْبَدٌ وحفصةُ وكريمةُ، هكذا سمَّاهم يحيى بنُ معينٍ، والنسائيُّ في الكنى، والحاكمُ في علومِ الحديثِ؛ ولكنَّهُ نقلَ في التاريخ عن أبي عليٍّ الحافظِ تسميتَهم فزادَ فيهم خالدَ بنَ سيرينَ مكانَ كريمةَ، فاللهُ أعلمُ، وذكرَ ابنُ سعدٍ في الطبقاتِ عمرةَ بنتَ سيرينَ، وسودةَ بنتَ سيرينَ، أمُهُمَا أمُّ ولدٍ كانتْ لأنسِ بنِ مالكٍ؛ ولكنْ لم أرَ مَنْ ذكرَ لهاتينِ روايةً، فلا يرِدانِ على ابنِ الصلاحِ وقولي واجتمعوا ثلاثةً يروونَ أي اجْتَمَعَ منهم ثلاثةٌ في إسنادِ حديثٍ واحدٍ، يروي بعضهم عن بعضٍ، وقدْ يطارحُ بذلكَ، فيقالُ أي ثلاثةُ أخوةٍ روى بعضُهُمْ عَنْ بعضٍ أو يُقيدُ السؤالُ بكونِهم في حديثٍ واحدٍ وذلكَ فيما رواهُ الدارقطنيُّ في كتابِ العللِ بإسنادهِ من رِوايةِ هشامِ بنِ حسَّانَ، عنْ محمدِ بنِ سيرينَ، عنْ أخيهِ يحيى بنِ سيرينَ، عنْ أخيهِ أنسِ بنِ سيرينَ، عنْ أنسِ بنِ مالكٍ، أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لَبَّيْكَ حَجَّاً حقَّاً تَعَبُّداً وَرِقّاً وذكرَ محمدُ بنُ طاهرٍ المقدسيُّ في بعضِ تخاريجهِ أنَّ هذا الحديثَ رواهُ محمدُ بنُ سيرينَ عنْ أخيهِ

يحيى بنِ سيرينَ، عنْ أَخيهِ معبدٍ، عنْ أخيهِ أنسِ بنِ سيرينَ فعلى هذا اجتمعَ منهم أربعةٌ في إسنادٍ واحدٍ، وهوَ غريبٌ ومثالُ السبعةِ بنو مُقَرِّنٍ المُزَنيِّ وَهُمْ النَّعْمَانُ، ومَعْقِلٌ، وعقيلٌ، وسويدٌ، وسنانٌ، وعبدُ الرحمنِ، قالَ ابنُ الصلاحِ وسابعٌ لم يسمَّ لنا قلتُ قد سمَّاهُ ابنُ فتحونَ في ذيلِ الاستيعابِ عبدَ اللهِ بنَ مقرنٍ، وذكرَ أنَّهُ كانَ على ميْسرةِ أبي بكرٍ في قتالِ الرِّدَّةِ، وأنَّ الطبريَّ ذكرهُ كذلكَ، وذكرَ ابنُ فتحونَ قولاً أنَّ بني مُقَرِّنٍ عشرةٌ، فاللهُ أعلمُ وذكرَ الطبريُّ أيضاً في الصحابةِ ضرارَ بنَ مقرنٍ، حضرَ فتحَ الحيرةِ، وذكرَ ابنُ عبدِ البرِّ ضرارَ بنَ مُقَرِّنٍ خَلَفَ أخاهُ لما قُتِلَ بنَهَاوَنْدَ

ومثالُ السبعةِ في التابعينَ بنو عبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطابِ، وهم سالمٌ، وعبدُ اللهِ، وحمزةُ، وعبيدُ اللهِ، وزيدٌ، وواقدٌ، وعبدُ الرحمنِ ومثالُ الأخوينِ كثيرٌ في الصحابةِ ومَنْ بعدهم، كعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وعتبةَ بنِ مسعودٍ، كلاهما صحابيٌّ ومما يستغربُ في الأخوينِ أنَّ موسى بنَ عُبيدةَ الرَّبَذيَّ بينهُ وبينَ أخيهِ عبدِ اللهِ ابنِ عُبيدةَ في العُمرِ ثمانونَ سنةً قالَ ابنُ الصلاحِ ولمْ نطوِّلْ بما زادَ على السبعةِ لندرتِهِ، ولعدمِ الحاجةِ إليهِ في غرضِنا هنا قلتُ وأكثرُ ما رأيتُ من الأخوةِ الذكورِ المشهورينَ عشرةً، ومنهم بنو العبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ، وهمْ الفَضْلُ، وعبدُ اللهِ، وعبيدُ اللهِ، وعبدُ الرحمنِ، وقُثَمُ، ومعبدٌ، وعونٌ، والحارثُ، وكَثيرٌ، وتَمَّامٌ وكانَ أصغرهمْ وكانَ العباسُ يحملهُ ويقولُ تَمُّوا بِتَمَّامٍ فَصَارُوا عَشَرَهْ ياربِّ فاجْعَلهُمْ كِرَامَاً بَرَرَهْ واجْعَلْ لَهُمْ ذِكْرَاً وانمِ الثَّمَرَهْ وكانَ لهُ ثلاثُ إناثٍ أمُّ كلثومَ، وأمُّ حبيبٍ، وأميمةُ

رواية الآباء عن الأبناء وعكسه

ومنهم بنو عبدِ اللهِ بنِ أبي طلحةَ، وقدْ سمَّاهُم ابنُ عبدِ البرِّ وغيرُهُ عشرةً وسمَّاهُم ابنُ الجوزيِّ اثني عشرَ، وهم القاسمُ، وعميرٌ، وزيدٌ، وإسماعيلُ، ويعقوبُ، وإسحاقُ، ومحمدٌ، وعبدُ اللهِ، وإبراهيمُ، وعمرُ، ويعمرُ، وعُمَارةُ، قالَ أبو نعيمٍ وكلُّهمْ حُمِلَ عنهُ العلمُ رِوَايَةُ الآبَاءِ عَنِ الأبْنَاءِ وَعَكْسُهُ ... وَصَنَّفُوا فِيمَا عَنِ ابْنٍ أَخَذَا ... أبٌ كَعَبَّاسٍ عَنِ الفَضْلِ كَذَا 841.... وائِلُ عَنْ بَكْرِ ابْنِهِ والتَّيْميْ ... عَنِ ابْنِهِ مُعْتَمِرٍ في قَوْمِ صنَّفَ أبو بكرٍ الخطيبُ كتاباً في روايةِ الآباءِ عنِ الأبناءِ، روى فيهِ منْ حديثِ العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ عنِ ابنِهِ الفَضْلِ أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمعَ بينَ الصلاتينِ بالمُزْدَلِفَةِ وذكرَ أبو الفرجِ ابنُ الجوزيِّ في كتابِ التلقيحِ أنَّ العباسَ روى عنِ ابنِهِ عبدِ اللهِ حديثاً

وكذلكَ روى وائلُ بنُ داودَ عنِ ابنِهِ بكرِ بنِ وائلٍ ثمانيةَ أحاديثَ، منها في السننِ الأربعةِ حديثهُ عنِ ابنِهِ عنِ الزهريِّ عن أنسٍ أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولَمَ على صَفِيَّةَ بسَوِيْقٍ وتَمْرٍ ومنها ما رواهُ الخطيبُ منْ طريقِ ابنِ عُيَيْنَةَ عنْ وائلِ بنِ داودَ عنِ ابنِهِ بكرٍ، عنِ الزُّهريِّ، عنْ سعيدِ بنِ المسيبِ، عنْ أبي هريرةَ، قالَ قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخِّرُوا الأَحمالَ فإنَّ اليدَ معلَّقةٌ، والرِّجلَ مُوثقةٌ قالَ الخطيبُ لا يُروى عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما نعلمُهُ إلاَّ من جهةِ بكرٍ وأبيهِ

وكذلكَ روى سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عنِ ابنِهِ مُعْتَمِرٍ حديثينِ، وقدْ روى الخطيبُ من روايةِ معتمرِ بنِ سليمانَ التَّيميِّ، قالَ حَدَّثَنِي أبي، قالَ حدَّثَتْنِي أنتَ عَنِّي، عنْ أيوبَ، عنِ الحسنِ، قالَ وَيْحٌ كلمةُ رحمةٍ، قالَ ابنُ الصلاحِ وهذا ظريفٌ يجمَعُ أنواعاً

وقولي في قومٍ أيْ في جماعةٍ رووا عنْ أبنائهمْ، فروى أنسُ بنُ مالكٍ عنِ ابنِهِ غيرَ مسمَّى حديثاً، وروى زكريا بنُ أبي زائدةَ عنِ ابنِهِ حديثاً وروى يونسُ بنُ أبي إسحاقَ، عنِ ابنِهِ إسرائيلَ حديثاً، وروى أبو بكرِ بنُ عياشٍ عنِ ابنِهِ إبراهيمَ حديثاً وروى شجاعُ بنُ الوليدِ، عن ابنِهِ أبي هشامٍ الوليدِ حديثاً وروى عمرُ بنُ يونسَ اليماميُّ، عن ابنهِ حديثاً وروى سعيدُ بنُ الحكمِ المصريُّ، عنِ ابنِهِ محمدٍ حديثاً وروى إسحاقُ بنُ البهلولِ، عنِ ابنِهِ يعقوبَ حديثينِ وروى كثيرُ بنُ يعقوبَ البصريُّ، عنِ ابنِهِ يحيى حديثاً وروى يحيى بنُ جعفرِ بنِ أعينَ، عنِ ابنِهِ الحسينِ حديثينِ، وروى عليُّ بنُ حربٍ الطائيُّ عنِ ابنِهِ الحسنِ حديثاً وروى محمدُ بنُ يحيى الذُّهْليُّ، عنِ ابنِهِ يحيى حديثاً وروى أبو داودَ السجستانيُّ، عنِ ابنِهِ أبي بكرٍ عبدِ اللهِ حديثينِ وروى عليُّ بنُ الحسنِ بنِ أبي عيسى الدَّرَابجِرْديُّ، عنِ ابنِهِ الحسنِ حديثاً وروى الحسنُ بنُ سفيانَ، عنِ ابنِهِ أبي بكرٍ حديثينِ وروى أحمدُ بنُ شاهينَ، عنِ ابنِهِ محمدٍ حديثاً وروى أبو بكرٍ بنُ أبي عاصمٍ عنِ ابنِهِ عبدِ الرحمنِ حديثاً وروى عمرُ بنُ محمدٍ السمرقَنْديُّ، عنِ ابنِهِ محمدٍ حديثاً وروى محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ الصَّفَّارُ، عنِ ابنهِ أبي بكرٍ أبياتاً قالها وروى أبو الشيخِ ابنُ حيَّانَ، عنِ ابنِهِ عبدِ الرزاقِ حكايةً وروى الحافظُ أبو سعدِ بنُ السمعانيِّ، عنِ ابنِهِ عبدِ الرحيمِ في ذيلِ تاريخِ بغدادَ وروى قاضي القضاةِ بدرُ الدينِ بنُ جماعةَ، عنِ ابنِهِ قاضي القضاةِ عزِّ الدينِ حكايةً عجيبةً

قالَ ابنُ الصلاحِ وأكثرُ ما رويناهُ لأبٍ عنِ ابنِهِ، ما روينا في كتابِ الخطيبِ عنِ أبي عمرَ حفصِ بنِ عمرَ الدوريِّ المقرئ عنِ ابنِهِ أبي جعفرٍ محمدٍ ستةَ عشرَ حديثاً، أو نحو ذلكَ ... أَمَّا أَبُو بَكْرٍ عَنِ الحَمْرَاءِ ... عَائِشَةٍ في الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ 843.... فَإنَّهُ لاَبْنُ أَبي عَتِيقِ ... وغُلِّطَ الوَاصِفُ بالصِّدِّيقِ قالَ ابنُ الصلاحِ وأما الحديثُ الذي رويناهُ عن أبي بكرٍ الصدِّيقِ، عنْ عائشةَ، عن رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّهُ قالَ في الحبَّةِ السوداءِ شفاءٌ منْ كلِّ داءٍ فهوَ غَلَطٌ ممَّنْ رواهُ، إنما هو عن أبي بكرِ بنِ أبي عتيقٍ، عن عائشةَ، وهو عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ ابنِ أبي بكرٍ الصدِّيقِ قلتُ وهكذا رواه البخاريُّ في صحيحهِ، وفيهِ التصريحُ بأنَّهُ ابنُ أبي عتيقٍ؛ ولكنْ ذكر ابنُ الجوزيِّ في التلقيحِ أنَّ أبا بكرٍ الصدِّيقَ روى عنِ ابنتِهِ عائشةَ حديثينِ قالَ وروتْ أُمُّ رومانَ عنِ ابنتها عائشةَ حديثينِ، وأبو عتيقٍ هذا، وآباؤُهُ همُ الذينَ قالَ فيهم موسى بنُ عُقْبةَ لا نعلمُ أربعةً أدركوا النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا هؤلاءِ الأربعةَ، فذكرَ أبا بكرٍ الصدِّيقَ وأباهُ وابنَهُ عبدَ الرحمنِ وابنَهُ محمداً أبا عتيقٍ

.. وَعَكْسُهُ صَنَّفَ فِيهِ الوَائِلي ... وهوَ مَعَالٍ لِلْحَفِيدِ النَّاقِلِ صنَّفَ أبو النَّصْرِ الوائليُّ كتاباً في روايةِ الأبناءِ عنِ الآباءِ. وروايةُ الرجلِ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ منَ المعالي، كما أخبرني الحافظُ أبو سعيدٍ خليلُ بنُ العلائيِّ بقراءتي عليهِ ببيتِ المقدسِ، قالَ: أخبرنا محمدُ بنُ يوسفَ، قالَ: أخبرنا الإمامُ أبو عمرِو بنُ الصلاحِ، قالَ: حَدَّثَنِي أبو المُظَفَّر عبدُ الرحيمِ بنُ الحافظِ أبي سعدٍ السمعانيِّ، عنْ عبدِ الرحمنِ ابنِ عبدِ الجبارِ الفاميِّ، قالَ: سمعتُ أبا القاسمِ منصورَ بنَ محمدٍ العلويِّ، يقولُ: الإسنادُ بعضُهُ عوالٍ، وبعضُهُ معالٍ. وقولُ الرجلِ: حَدَّثَنِي أبي عن جدِّي منَ المعالي. 845.... وَمِنْ أَهَمِّهِ إذا مَا أُبْهِمَا ... الأبُ أَوْ جَدٌّ وَذَاكَ قُسِمَا ... قِسْمَينِ عَنْ أَبٍ فَقَطْ نَحْوَ أَبِي ... العُشَرَا عَنْ أَبِهِ عَنِ النَّبِيِّ 847.... واسْمُهُما على الشَّهيرِ فاعْلَمِ ... أُسَامَةُ بنُ مَالِكِ بنِ قِهْطَمِ ومنْ أهمِّ هذا النوعِ، وهوَ روايةُ الأبناءِ عنِ الآباءِ، ما إذا أبهم اسمُ الأبِ أو الجدِّ، فلمْ يُسمَّ بلِ اقتُصِرَ على كونِهِ أباً للراوي، أو جداً لهُ، فيحتاجُ حينئذٍ إلى معرفةِ اسمِهِ وينقسمُ ذلكَ إلى قسمينِ

أحدُهما أن تكونَ الروايةُ عن أبيهِ فقطْ دونَ جدِّهِ كروايةِ أبي العُشَراءِ الدارميِّ، عنْ أبيهِ، عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهوَ عندَ أصحابِ السننِ الأربعةِ، فإنَّ أباهُ لمْ يسمَّ في طرقِ الحديثِ، واختُلِفَ في اسمِ أبي العشراءِ، واسمِ أبيهِ على أقوالٍ أحدُها وهو الأشهرُ، كما قالَ ابنُ الصلاحِ إنَّهُ أسامةُ بنُ مالكِ بنِ قِهْطمٍ وهو بكسرِ القافِ، فيما نقلهُ ابنُ الصلاحِ من خطِّ البيهقيِّ وغيرِهِ وقيلَ قِحْطَمٌ بالحاءِ المهملةِ موضعَ الهاءِ والثاني أنَّ اسمَهُ عُطاردُ بنُ بَرزٍ، بتقديمِ الراءِ على الزاي، واختُلِفَ في الراءِ، هلْ هيَ ساكنةٌ أو مفتوحةٌ؟ وقيلَ اسمُ أبيهِ بَلزٍ باللامِ مكانَ الراءِ والثالثِ اسمهُ يسارُ بنُ بلزِ بنِ مسعودٍ

.. وَالثَّانِ أنْ يَزِيدَ فيهِ بَعْدَهُ ... كَبَهْزٍ اوْ عَمْرٍو أبَاً أَوْ جَدَّهُ 849.... والأَكْثَرُ احْتَجُّوا بِعَمْرٍو حَمْلاَ ... لَهُ على الجَدِّ الكَبِيرِ الأَعْلَى أيْ والقسمُ الثاني مِنْ روايةِ الأبناءِ أنْ يزيدَ فيهِ بعدَ ذكرِ الأبِ أباً آخرَ فيكونَ جَدّاً للأوَّلِ، أو يزيدَ جَدّاً للأبِ فمثالُ زيادةِ الأبِ روايةُ بهزِ بنِ حكيمٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جدِّهِ، عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحكيمُ هوَ ابنُ معاويةَ بنِ حَيْدةَ القُشَيريُّ فالصحابيُّ هوَ معاويةُ، وهوَ جدُّ بهزٍ ومثالُ زيادةِ الجدِّ روايةُ عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جدِّهِ، وشُعَيبٌ هو ابنُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، فالصحابيُّ هوَ عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو، وهوَ جدُّ شعيبٍ وفي البيتِ المذكورِ لفٌّ ونشرٌ وتقديمٌ وتأخيرٌ، تقديرهُ والثاني أنْ يزيدَ بعدَ الأبِ أباً كبهزِ بنِ حكيمٍ، أو جَدَّاً كعمرِو بنِ شعيبٍ ولعمرِو بنِ شعيبٍ عنْ أبيهِ عن جدِّهِ نسخةٌ كبيرةٌ قدِ اختُلِفَ في الاحتجاجِ بها على أقوالٍ أحدُها أنَّها حجةٌ مطلقاً إذا صحَّ السندُ إليهِ، قالَ البخاريُّ رأيتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ، وعليَّ بنَ المدينيِّ، وإسحاقَ بنَ راهويهِ، وأبا عبيدٍ، وعامةَ أصحابنا، يحتجونَ بحديثِ عمرِو بنِ شعيبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جدِّهِ ما تركهُ أحدٌ منَ المسلمينَ قالَ البخاريُّ فَمَنِ النَّاسُ بعدهم؟ زادَ في روايةٍ والحميديُّ وقالَ مرةً اجتمعَ عليٌّ ويحيى

ابنُ معينٍ وأحمدُ، وأبو خَيثمةَ، وشيوخٌ منْ أهلِ العلمِ، فتذاكروا حديثَ عمرِو بنِ شعيبٍ فثبَّتوهُ وذكروا أنَّهُ حجةٌ ورُويَ عنْ أحمدَ ويحيى بنِ معينٍ، وعليِّ بنِ المدينيِّ، خلافُ ما نَقَلَهُ البخاريُّ عنهم، مما يقتضي تضعيفَ روايتِهِ عن أبيهِ عن جدِّهِ، وقالَ أحمدُ ابنُ سعيدٍ الدارميُّ احتجَّ أصحابنا بحديثهِ، قالَ ابنُ الصلاحِ احتجَّ أكثرُ أهلِ الحديثِ بحديثهِ حملاً لمطلقِ الجدِّ على الصحابيِّ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو دونَ ابنِهِ محمدٍ والدِ شعيبٍ، لما ظهرَ لهمْ منْ إطلاقِهِ ذلكَ والقولُ الثاني تركُ الاحتجاجِ بها، وهوَ قولُ أبي داودَ فيما رواهُ أبو عُبيدٍ الآجريُّ عنهُ قالَ قيلَ لهُ عمرُو بنُ شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ حجةٌ عندكَ؟ قالَ لا، ولا نصفَ حجَّةٍ، وروى عباسٌ الدوريُّ عن يحيى بنِ معينٍ، قالَ روايتُهُ عن أبيهِ عن جدِّهِ كتابٌ فمنْ ههنا جاءَ ضعفهُ، وقالَ ابنُ عديٍّ إنَّ روايتهُ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ مرسلةٌ؛ لأنَّ جدَّهُ محمداً لا صحبةَ لهُ وقالَ ابنُ حبانَ في الضعفاءِ بعدَ ذكرِهِ لعمرٍو إنَّهُ ثقةٌ إذا روى عنِ الثقاتِ غيرِ أبيهِ، وإذا روى عن أبيهِ عن جدِّهِ، فإنَّ

شعيباً لَمْ يلقَ عبدَ اللهِ فيكونُ منقطعَاً، وإنْ أرادَ جدَّهُ الأدنى محمداً، فهوَ لا صحبةَ لهُ فيكونُ مرسلاً قلتُ قدْ صحَّ سماعُ شعيبٍ من عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، كما صرَّحَ بهِ البخاريُّ في التاريخِ وأحمدُ، وكما رواهُ الدارقطنيُّ، والبيهقيُّ في السنن بإسنادٍ صحيحٍ والقولُ الثالثُ التفرقةُ بينَ أنْ يفصحَ بِجَدِّهِ أنَّهُ عبدُ اللهِ أو لا وهوَ قولُ الدارقطنيُّ حيثُ قالَ لعمرِو بنِ شعيبٍ ثلاثةُ أجدادٍ الأدنى منهم محمدٌ، والأوسطُ عبدُ اللهِ، والأعلى عمرٌو وقدْ سمعَ يعني شعيباً من محمدٍ، ومحمدٌ لمْ يدركِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسمعَ من جدهِ عبدِ اللهِ، فإذا بيَّنهُ وكشفهُ فهوَ صحيحٌ حينئذٍ، ولم يتركْ حديثهُ أحدٌ منَ الأئمةِ، ولمْ يسمعْ من جدِّهِ عمرٌو انتهى، فإذا قالَ عن جدهِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو فهوَ صحيحٌ حينئذٍ، وكذلكَ إذا قالَ عن جدهِ، قالَ سمعتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحوَ ذلكَ ممَّا يدلُّ على أنَّ مرادَهُ عبدُ اللهِ لا محمدٌ وفي السننِ عِدَّةُ أحاديثَ كذلكَ والقولُ الرابعُ التفرقةُ بينَ أنْ يستوعبَ ذكرَ آبائهِ بالروايةِ، أو يقتصرَ على أبيهِ عن جدِّهِ، فإنْ صرَّحَ بهمْ كلِّهِم، فهوَ حجةٌ، وإلاَّ فلا، وهوَ رأيُ أبي حاتمِ بنِ حبَّانَ البُستيِّ، وروى في صحيحهِ لهُ حديثاً واحداً، هكذا عن عمرِو بنِ شعيبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، عنْ أبيهِ مرفوعاً ألاَ

أُحَدِّثُكُمْ بأَحَبِّكمْ إليَّ وأقْرَبِكُمْ مِنِّي مجلساً يومَ القيامةِ؟ ... الحديث قالَ الحافظُ أبو سعيدٍ العلائيُّ في كتابِ الوَشِي المُعَلَّمِ فيما قرأتُهُ عليهِ ببيتِ المقدسِ ما جاءَ فيهِ التصريحُ بروايةِ محمدٍ عن أبيهِ في السندِ، فهوَ شاذٌّ نادرٌ، قالَ وذكرَ بعضُهم أنَّ محمداً ماتَ في حياةِ أبيهِ، وأنَّ أباهُ كَفَلَ شعيباً، وربَّاهُ ثمَّ قالَ شيخُنا ولَمْ يذكرْ أحدٌ منَ المتقدمينَ محمداً في كتابِهِ، ولا ترجمَ لهُ قلتُ قدْ ترجمَ لهُ ابن يونسَ في تاريخِ مصرَ، وابنُ حبانَ في الثقاتِ، قالَ ابنُ يونسَ روى عن أبيهِ، وروى عنهُ حكيمُ بنُ الحارثِ الفهميُّ في أخبارِ سعيدِ بنِ عفيرٍ، وابنهُ شعيبُ بنُ محمدٍ والقولُ الأولُ أصحُّ والضميرُ في قولي حملاً لهُ، يعودُ إلى جدِّهِ المذكورِ في آخرِ البيتِ قبلهُ ... وَسَلْسَلَ الآبَا التَّمِيمِيُّ فَعَدّْ ... عَنْ تِسْعَةٍ قُلْتُ: وَفَوْقَ ذَا وَرَدْ روى عبدُ الوهابِ التميميُّ عنْ آبائهِ حتَّى عدَّ تسعةَ آباءٍ؛ وذلكَ فيما رويناهُ في " تاريخِ الخطيبِ " قالَ: حدثنا عبدُ الوهابِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ الحارثِ بنِ أسدِ بنِ

الليثِ بنِ سليمانَ بنِ الأسودِ بنِ سفيانَ بنِ يزيدَ بنِ أُكَيْنَةَ ابنِ عبدِ اللهِ التميميُّ من لفظهِ، قالَ: سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ أبي يقولُ: سمعتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ، وقدْ سُئِلَ عن الحنَّانِ المنَّانِ، فقالَ الحنَّانُ: هوَ الذي يُقبِلُ على مَنْ أعرضَ عنهُ، والمنَّانُ: الذي يبدأُ بالنوالِ قبلَ السؤالِ. قالَ الخطيبُ بينَ أبي الفرجِ - يعني: عبدَ الوهابِ - وبينَ عليٍّ في هذا الإسنادِ تسعةُ آباءٍ آخرُهم أُكَينةُ بنُ عبدِ اللهِ، وهو الذي ذكرَ أنَّهُ سمعَ عليَّاً - رضي الله عنه -. وقدِ اقتصرَ ابنُ الصلاحِ فيما ذكرهُ منَ التسلسلِ بالآباءِ على هذا العددِ، وهوَ تسعةٌ، وقدْ وردَ التسلسلُ بأكثرَ منْ ذلكَ من هذا الوجهِ ومنْ غيرِهِ: فأمَّا منْ هذا الوجهِ فوردَ التسلسلُ فيهِ باثني عشرَ أباً في حديثٍ مرفوعٍ من طريقِ رزقِ اللهِ بنِ عبدِ الوهابِ التميميِّ المذكورِ. أخبرنا بهِ جماعةٌ منهم: شيخنا العلامةُ برهانُ الدينِ إبراهيمُ بنُ لاجينَ الرشيديُّ قالَ: أخبرنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ إسحاقَ الأبرقوهيُّ، قالَ: أخبرنا أبو بكرٍ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ القلانسيُّ قراءةً عليهِ، وأنا حاضرٌ بشيرازَ، أخبرنا عبدُ العزيزِ بنُ منصورِ بنِ محمدٍ الآدميُّ قالَ: حدثنا رزقُ اللهِ بنُ عبدِ الوهابِ التميميُّ، قالَ: سمعتُ أبي -أبا الفرجِ عبدَ الوهابِ- يقولُ: سمعتُ أبي -أبا الحسنِ عبدَ العزيزِ- يقولُ: سمعتُ أبي - أبا بكرٍ الحارثَ - يقولُ: سمعتُ أبي - أسداً - يقولُ: سمعتُ أبي - الليثَ - يقولُ: سمعتُ أبي - سليمانَ - يقولُ: سمعتُ أبي - الأسودَ - يقولُ: سمعتُ أبي - سفيانَ - يقولُ: سمعتُ أبي - يزيدَ - يقولُ: سمعتُ أبي - أكينةَ -

يقولُ: سمعتُ أبي - الهيثمَ - يقولُ: سمعتُ أبي - عبدَ اللهِ - يقولُ: سمعتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: ((ما اجتمعَ قومٌ على ذكرٍ إلاَّ حفَّتهمُ الملائكةُ وغَشِيَتْهمُ الرحمةُ)) . قالَ الحافظُ أبو سعيدٍ العلائيُّ في " الوشي المُعَلَّمِ " فيما قُرِئَ عليهِ وأنا أسمعُ: هذا إسنادٌ غريبٌ جَدّاً، ورزقُ اللهِ كانَ إمامَ الحنابلةِ في زمانِهِ من الكبارِ المشهورينَ متقدماً في عدةِ علومٍ، ماتَ سنةَ ثمانٍ وثمانينَ وأربعمائة، وأبوهُ أبو الفرجِ إمامٌ مشهورٌ أيضاً؛ ولكنَّ جدَّهُ عبدَ العزيزِ مُتَكَلَّمٌ فيهِ كثيراً، على إمامتهِ، واشتهرَ بوضعِ الحديثِ، وبقيةُ آبائهِ مجهولونَ لا ذكرَ لهمْ في شيءٍ منَ الكتبِ أصلاً، وقدْ تخبَّطَ فيهم عبدُ العزيزِ أيضاً بالتغييرِ، أيْ: فزادَ في الثاني أباً لأكينةَ، وهوَ الهيثمُ، وجعَلَهُ منْ روايتِهِ عنْ أبيهِ عبدِ اللهِ وجعلَهُ صحابياً فحصلَ التسلسلُ في هذا باثني عشرَ أيضاً. وقدْ وجدْتُ التسلسلَ في عدةِ أحاديثَ، بأربعةَ عشرَ أباً من طريقِ أهلِ البيتِ، منها ما رواهُ الحافظُ أبو سعدٍ ابنُ السمعانيِّ في " الذيلِ " قالَ: أخبرنا أبو شجاعٍ عمرُ بنُ أبي الحسنِ البِسْطاميُّ الإمامُ بقراءتي عليهِ، وأبو بكرٍ محمدُ بنُ عليِّ بنِ ياسرٍ الجَيَّانيُّ من لفظهِ، قالا: حدثنا السَّيِّدُ أبو محمدٍ الحسينُ بنُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ من لفظهِ ببلخَ، قالَ حدَّثني سيدي والدي أبو الحسنِ عليُّ بنُ أبي طالبٍ سنةَ ستٍ وستينَ وأربعمائةٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أبي - أبو طالبٍ - الحسنُ بنُ عبيدِ اللهِ سنةَ أربعٍ وثلاثينَ وأربعمائةٍ، قالَ: حَدَّثَنِي والدي أبو عليٍّ عبيدُ اللهِ بنُ محمدٍ، قالَ: حَدَّثَنِي أبي - محمدُ بنُ عبيدِ اللهِ - قالَ: حَدَّثَنِي أبي عبيدُ اللهِ بنُ عليٍّ، قالَ حَدَّثَنِي أبي عليُّ بنُ الحسنِ، قالَ: حَدَّثَنِي أبي - الحسنُ بنُ الحسينِ - قالَ: حَدَّثَنِي أبي - الحسينُ بنُ جعفرٍ، وهوَ أولُ مَنْ دخلَ بلخَ من هذهِ الطائفةِ قالَ: حَدَّثَنِي أبي - جعفرٌ الملقبُ بالحجةِ، قالَ: حَدَّثَنِي أبي - عبيدُ اللهِ -، قالَ: حَدَّثَنِي أبي - الحسينُ الأصغرُ -، قالَ: حَدَّثَنِي أبي - عليُّ بنُ الحسينِ بنِ عليٍّ، عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ عليٍّ - رضي الله عنه -

السابق واللاحق

قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ليسَ الخبرُ كالمُعَاينةِ)) . وهذا أكثرُ ما وقعَ لنا في عدةِ التسلسلِ بالآباءِ، واللهُ أعلمُ. السَّابِقُ واللاَّحِقُ 851.... وَصَنَّفُوا في سَابِقٍ وَلاَحِقِ ... وَهْوَ اشْتِرَاكُ رَاوِيَيْنِ سَابِقِ 852.... مَوْتَاً كَزُهْرِيٍّ وَذِي تَدَارُكِ ... كَابْنِ دُوَيْدٍ رَوَيَا عَنْ مَالِكِ 853.... سَبْعَ ثَلاَثُونَ وَقَرْنٍ وَافِي ... أُخِّرَ كَالجُعْفِيِّ وَالخَفَّافِ صنَّفَ الخطيبُ كتاباً سمَّاهُ " السَّابق واللاَّحق "، وموضوعُهُ: أنْ يشتركَ راويانِ في الروايةِ عنْ شخصٍ واحدٍ، وأحدُ الراوِيَيْنِ متقدِّمٌ، والآخرُ متأخِّرٌ، بحيثُ يكونُ بينَ وفاتيهما أمدٌ بعيدٌ. قالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ومِنْ فوائدِ ذلكَ تقريرُ حلاوةِ علوِّ الإسنادِ في القلوبِ. ومثالُ ذلكَ: أنَّ الإمامَ مالكَ بنَ أنسٍ روى عنهُ أبو بكرٍ الزهريُّ أحدُ شيوخهِ، وروى عنهُ أيضاً زكريا بنُ دُوَيْدٍ الكِنديُّ، وقدْ تأخرتْ وفاةُ زكريا ابنِ دُوَيْدٍ بعدَ موتِ الزهريِّ مائةً وسبعاً وثلاثينَ سنةً أو أكثر، فإنَّ وفاةَ الزهريِّ في سنةِ أربعٍ وعشرينَ ومائةٍ، وتأخَّرَ زكريا بنُ دُوَيْدٍ إلى سنةِ نيفٍ وستينَ ومائتينِ، قلتُ: هكذا مثَّلَ ابنُ الصَّلاَحِ تبعاً للخطيبِ بزكريا بنِ دُوَيْدٍ، وهوَ وإنْ كانَ روى عنْ مالكٍ،

فإنّهُ أحدُ الكذَّابينَ قالَ ابنُ حِبَّانَ: ((كانَ يضعُ الحديثَ، بلْ زادَ وادَّعى أنَّهُ سَمِعَ منْ حُميدٍ الطويلِ، وروى عنهُ نسخةً موضوعةً)) . فلا ينبغي حينَئذٍ أنْ يُمَثَّلَ بهِ والصوابُ: أنَّ آخرَ أصحابِ مالكٍ أحمدُ بنُ إسماعيلَ السهميُّ، كما قالهُ المزيُّ، وكانتْ وفاةُ السهميِّ سنةَ تسعٍ وخمسينَ ومائتينِ؛ فيكونُ بينهُ وبينَ وفاةِ الزهريِّ مائةٌ وخمسٌ وثلاثونَ سنةً، والسهميُّ وإنْ كانَ ضعيفاً أيضاً فإنَّ أبا مصعبٍ شَهِدَ لهُ أنَّهُ كانَ يحضرُ معهم العَرْضَ على مالكٍ. وقولي: (أخِّر) أي: ابْنَ دُوَيْدٍ، وقولي: (كالجُعْفِيِّ والخَفَّافِ) أيْ: كما تقدمتْ وفاةُ محمدِ بنِ إسماعيلَ الجعفيِّ البخاريِّ على وفاةِ أبي الحسينِ أحمدَ بنِ محمدٍ الخفافِ النيسابوريِّ، بهذا المقدارِ، وهوَ مائةٌ وسبعٌ وثلاثونَ سنةً. وقدِ اشتركا في الروايةِ عنْ أبي العباسِ محمدِ بنِ إسحاقَ السَّرَّاجِ، فروى عنهُ البخاريُّ في "تاريخهِ" وآخرُ مَنْ روى عنِ السَّرَّاجِ الخفَّافُ، وتوفيَ البخاريُّ سنةَ سِتٍّ وخمسينَ ومائتينِ، وتوفيَ الخفافُ سنةَ ثلاثٍ وتسعينَ وثلاثمائةٍ، ومن أمثلةِ ذلكَ في زمانِنَا: أنَّ الفخرَ بنَ البخاريِّ سمعَ منهُ الزكيُّ عبدُ العظيمِ المنذريُّ، وروى عنهُ جماعةٌ موجودونَ بدمشقَ في هذهِ السنةِ، وهي سنةُ إحدى وسبعينَ وسبعمائةٍ، منهم: عمرُ بنُ الحسنِ بنِ مَزيدٍ المزيُّ، ونجمُ الدينِ ابنُ النجمِ، وصلاحُ الدينِ إمامُ مدرسةِ الشيخِ أبي عمرَ، وقدْ توفيَ الزكيُّ عبدُ العظيمِ سنةَ سِتٍّ وخمسينَ وستمائةٍ.

من لم يرو عنه إلا راو واحد

مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلاَّ رَاوٍ وَاحِدٌ 854.... وَمُسْلِمٌ صَنَّفَ فِي الوُحْدَانِ ... مَنْ عَنْهُ رَاوٍ وَاحِدٌ لاَ ثانِ 855.... كَعَامِرِ بْنِ شَهْرٍ اوْ كَوَهْبِ ... هُوَ ابْنُ خَنْبَشٍ وَعَنْهُ الشَّعْبِي 856.... وَغُلِّطَ الحَاكِمُ حَيْثُ زَعَمَا ... بأنَّ هَذَا النَّوْعَ لَيْسَ فِيْهِمَا 857.... فَفِي الصَّحِيحِ أخْرَجَا المُسَيِّبَا ... وأخْرَجَ الجُعْفِيُّ لابْنِ تَغْلِبَا منْ أنواعِ علومِ الحديثِ معرفةُ مَنْ لم يروِ عنهُ إلا راوٍ واحدٌ منَ الصحابةِ والتابعينَ ومَنْ بَعدهمْ، وصَنَّفَ فيهِ مسلمٌ كتابَهُ المسمَّى بكتابِ " المنفرداتِ والوُحْدانِ "، وعندي بهِ نسخةٌ بخطِّ محمدِ بنِ طاهرٍ المقدسيِّ، ولمْ يرهُ ابنُ الصَّلاَحِ كما ذكرَ. ومثالُهُ في الصحابةِ: عامرُ بنُ شهرٍ الهمدانيُّ، ووَهْبُ بنُ خَنْبشٍ الطائيُّ، عدادهما في أهلِ الكوفةِ، تفرَّدَ الشَّعبيُّ بالروايةِ عنْ كلِّ واحدٍ منهما فيما ذكرهُ مسلمٌ وغيرُهُ. وحديثُ عامرِ بنِ شَهْرٍ في السننِ لأبي داودَ، وهوَ وإنِ انفردَ عنهُ الشعبيُّ،

فهوَ مذكورٌ في السِّيَرِ، فقدْ ذكرَ سيفٌ، عَنْ طلحةَ الأعلمِ، عنْ عكرمةَ، عنِ ابنِ عباسٍ: أنَّ أوَّلَ مَنِ اعترضَ على الأسودِ العَنْسِيِّ وكابرَهُ عامرُ بنُ شَهْرٍ في ناحيتهِ، وكانَ أحدَ عُمَّالِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على اليمنِ، وحديثُ وَهْبِ بنِ خَنْبَشٍ عندَ النسائيِّ وابنِ ماجه. ووقعَ عندَ ابنِ ماجه في روايةٍ لهُ: هَرِمُ بنُ خَنْبَشٍ، وكذا ذكرهُ الحاكمُ في "علومِ الحديثِ" وتبعهُ أبو نعيمٍ في " علومِ الحديثِ " لهُ أيضاً. قالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وذلكَ خطأٌ)) . قالَ المزيُّ: ((ومَنْ قالَ: وهبٌ أكثرُ وأحفظُ؟)) . وقدْ مثَّلَ ابنُ الصَّلاَحِ ذلكَ بأمثلةٍ في الصحابةِ والتابعينَ، وعليهِ في كثيرٍ منها اعتراضٌ أوضحتها في كتابٍ مفردٍ يتعلقُ بكتابِ ابنِ الصَّلاَحِ. وقد زعمَ الحاكمُ في كتابهِ " المدخل إلى كتابِ الإكليلِ " بأنَّ أحداً من هذا القبيلِ لم يخرِّجْ عنهُ البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحهما. وأشرتُ إلى ذلكَ بقولي: (ليسَ فيهما) أي: ليسَ في الصحيحينِ. وتبعهُ على ذلكَ البيهقيُّ فقالَ في كتابِ الزكاةِ من "

سننه " عندَ ذكرِ حديثِ بهزٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ: ((ومَنْ كتمها فإنَّا آخذُوها وشطرَ مالِهِ ... )) الحديث. ما نصّهُ: ((فأما البخاريُّ ومسلمٌ فإنهما لم يخرجاهُ جرياً على عادتهما في أنَّ الصحابيَّ أو التابعيَّ إذا لَمْ يكنْ لهُ إلاَّ راوٍ واحدٌ لَمْ يخرّجا حديثَهُ في الصحيحينِ ... إلى آخرِ كلامِهِ)) ، وغلَّطَ الحاكمَ في ذلكَ جماعةٌ منهم: محمدُ بنُ طاهرٍ والحازميُّ. ونُقِضَ ذلكَ عليهِ بأنَّهما أخرجا حديثَ المسيِّبِ بنِ حَزْنٍ في وفاةِ أبي طالبٍ معَ أنَّهُ لا راويَ لهُ غيرُ ابنِهِ سعيد بنِ المسيِّبِ. وكذلكَ أخرجَ أبو عبدِ اللهِ الجعفيُّ البخاريُّ حديثَ عمرِو بنِ تَغْلِبَ مرفوعاً: ((إنَّي لأعطي الرَّجُلَ، والذي أدعُ أحبُّ إليَّ)) . ولم يَروِ عن عمرِو بنِ تَغْلِبَ سوى الحسنِ البصريِّ، فيما قالهُ مسلمٌ في كتابِ " الوُحْدانِ "، والحاكمُ في " علومِ الحديثِ " وغيرُهما. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: إنَّهُ روى عنهُ أيضاً الحكمُ ابنُ الأعرجِ، ولم أرَ لهُ روايةً عنهُ في شيءٍ من

من ذكر بنعوت متعددة

طرقِ أحاديثِ عَمْرِو بنِ تغلبَ؛ فلذلكَ مثلتُ بهِ، ومثَّلَ ابنُ الصَّلاَحِ بأمثلةٍ في الصحيحِ، عليهِ فيها مؤاخذاتٌ فتركتُها. مَنْ ذُكِرَ بِنُعُوتٍ مُتَعَدِّدةٍ 858.... وَاعْنِ بِأَنْ تَعْرِفَ مَا يَلْتَبِسُ ... مِنْ خَلَّةٍ يُعْنَى بِهَا المُدَلِّسُ 859.... مِنْ نَعْتِ رَاوٍ بِنُعُوتٍ نَحْوَ مَا ... فُعِلَ في الكَلْبِيِّ حَتَّى أُبْهِمَا 860.... مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ العَلاَّمَهْ ... سَمَّاهُ حَمَّاداً أبُو أُسَامَهْ 861.... وَبِأَبِي النَّضْرِ بنِ إِسْحَاقَ ذَكَرْ ... وبِأَبي سَعِيدٍ العَوْفِيْ شَهَرْ هذا النوعُ لبيانِ مَنْ ذُكِرَ منَ الرواةِ بأنواعٍ منَ التعريفاتِ منَ الأسماءِ، أو الكُنى، أو الألقابِ، أو الأنسابِ: أما مِنْ جماعةٍ مِنَ الرواةِ عنهُ يعرفهُ كلُّ واحدٍ بغيرِ ما عرفَهُ الآخرُ، أو مِنْ راوٍ واحدٍ عنهُ، فيعرِّفُهُ مرةً بهذا، ومرةً بذاكَ، فيلتبسُ ذلكَ على مَنْ لا معرفةَ عندهُ، بلْ على كثيرٍ منْ أهلِ المعرفةِ والحفظِ، وإنَّما يفعلُ ذلكَ كثيراً المدلِّسونَ. وقدْ تقدَّم عندَ ذكرِ التدليسِ أنَّ هذا أحدُ أنواعِ التدليسِ ويسمى: " تدليسَ الشيوخِ "، وقدْ صَنَّفَ في ذلكَ الحافظُ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ الأزديِّ كتاباً نافعاً سمَّاهُ " إيضاح الإشكالِ " عندي بهِ نسخةٌ. وصنَّفَ فيهِ الخطيبُ البغداديُّ كتاباً كبيراً

سمَّاهُ: " المُوضِح لأوهامِ الجمعِ والتَّفريقِ "، بدأَ فيهِ بأوهامِ البخاريِّ في ذلكَ، وهوَ عندي بخطِّ الخطيبِ. فمنْ أمثلةِ ذلكَ: ما فعلهُ الرواةُ عنِ محمَّدِ بنِ السَّائبِ الكَلْبيِّ العلاَّمةِ في الأنسابِ، أحدِ الضعفاء، فقدْ روى عنهُ: أبو أسامةَ حمادُ بنُ أسامةَ فَسمَّاهُ: حمَّادَ بنَ السائبِ وروى عنهُ: محمدُ بنُ إسحاقَ بنِ يسارٍ فسمَّاهُ مرةً، وكنَّاهُ مرةً: بأبي النضرِ، ولم يسمِّهِ. وروى عنهُ: عَطِيَّةُ العَوْفيُّ فكنَّاهُ: بأبي سعيدٍ، ولمْ يسمِّهِ. فأما روايةُ أبي أسامةَ عنهُ، فرواها عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ عنْ حمزةَ بنِ محمدٍ، هوَ الكنانيُّ الحافظُ، بسندهِ إلى أبي أسامةَ، عنْ حَمَّادِ بنِ السائبِ، قالَ: حدثنا إسحاقُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ، عنِ ابنِ عباسٍ مرفوعاً: ((ذكاةُ كلِّ مَسْكٍ دِبَاغُهُ)) . ثمَّ قالَ: ((قالَ لنا حمزةُ بنُ محمدٍ: لا أعلمُ أحداً روى هذا الحديثَ عنْ حمادِ بنِ السائبِ غيرَ أبي أسامةَ، وحمادٌ هذا ثقةٌ كوفيٌّ، ولهُ حديثٌ آخرُ عنْ أبي إسحاقَ عن أبي الأحوصِ، عنْ عبدِ اللهِ في التشهدِ)) ، قالَ عبدُ الغنيِّ: ثمَّ قدمَ علينا الدارقطنيُّ، فسألتهُ عن هذا الحديثِ، وعنْ حمادِ بنِ السائبِ، فقالَ لي: الذي روى عنهُ أبو أسامةَ، هوَ محمدُ بنُ السائبِ الكلبيُّ إلاَّ أنَّ أبا أسامةَ كانَ يُسمِّهِ حماداً. قالَ عبدُ الغنيِّ: فَتَبَيَّنَ لي أنَّ حمزةَ قدْ وَهِمَ من وجهينِ: أحدهما: أنْ جعلَ الرجلينِ واحداً. والآخر: أنْ وثَّقَ مَنْ ليسَ بثقةٍ؛ لأنَّ الكلبيَّ عندَ العلماءِ غيرُ ثقةٍ، قالَ عبدُ الغنيِّ: ثمَّ إنِّي نظرتُ في كتابِ " الكنى " لأبي عبدِ الرحمنِ النَّسَوِيِّ، فوجدتُهُ قدْ وَهِمَ فيهِ وَهَمَاً أقبحَ مِنْ

وَهَمِ حمزةَ، رأيتُهُ قدْ أخرجَ هذا الحديثِ عنْ أحمدَ بنِ عليٍّ، عنْ أبي مَعْمَر، عنْ أبي أسامةَ حمادِ بنِ السائبِ، وإنما هوَ عنْ حمَّادِ ابنِ السائبِ، فأسقطَ قولَهُ: عنْ، وخفيَ عليهِ أنَّ الصوابَ عنْ أبي أسامةَ حمَّادِ ابنِ أسامةَ، وأنَّ حمادَ بنَ السائبِ هوَ الكلبيُّ، قالَ عبدُ الغنيِّ: والدليلُ على صحةِ قولِ الدارقطنيِّ: أنَّ عيسى بنَ يونسَ رواهُ عنِ الكلبيِّ مصرِّحاً بهِ غيرَ مخفيهِ. انتهى. وأما روايةُ ابنِ إسحاقَ عنهُ، فقالَ البخاريُّ في " التاريخ الكبير ": ((روى محمدُ بنُ إسحاقَ عن أبي النَّضْرِ، وهوَ الكلبيُّ)) ، قالَ الخطيبُ - فيما قرأتُ بخطِّهِ -: وهذا القولُ صحيحٌ. - قالَ -: فأمَّا روايةُ ابنِ إسحاقَ، عنِ الكلبيِّ التي كنَّاهُ فيها، ولمْ يسمِّهِ ثمَّ رواها بإسنادِهِ إلى محمدِ بنِ إسحاقَ، عنْ أبي النَّضْرِ، عنْ بَاذَانَ عنِ ابنِ عباسٍ، عنْ تميمٍ الدَّاريِّ في هذهِ الآيةِ: {يَا أيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا شَهَدَةُ بَيْنِكُمُ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ} وقِصَّةِ جَامِ الفِضَّةِ.

وأما روايةُ عطيةَ العوفيِّ عنهُ، فروى الخطيبُ - فيما قرأتُ بخطِّهِ - في كتابِ " الموضح " قالَ: أخبرنا أبو سعيدٍ الصيرفيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ يعقوبَ الأصمُّ، قالَ: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبلٍ، قالَ: حدثنا: أبي، قالَ: بلغني أنَّ عطيةَ كانَ يأتي الكلبيَّ، فيأخذُ عنهُ التفسيرَ، قالَ: وكانَ يُكَنِّيْهِ بأبي سعيدٍ، فيقولُ: قالَ أبو سعيدٍ، وكانَ هُشَيْمٌ يضعِّفُ حديثَ عطيةَ، وقالَ عبدُ اللهِ: حَدَّثَنِي أبي، قالَ: حدثنا أبو أحمدَ الزُّبَيْرِيُّ، قالَ: سمعتُ سُفْيَانَ الثوريَّ، قالَ: سمعتُ الكلبيَّ، قالَ كنَّاني عطيةُ أبا سعيدٍ، قالَ الخطيبُ: إنما فعلَ ذلكَ ليوهمَ الناسَ أنَّهُ إنما يروي عن أبي سعيدٍ الخدريِّ. انتهى. قلتُ: وممَّا دُلِّسَ بهِ الكلبيُّ ممَّا لم يذكرهُ ابنُ الصَّلاَحِ تكنيتُهُ بأبي هِشَامٍ، وقد بَيَّنَهُ الخطيبُ فقالَ - فيما قرأتُ بخطِّهِ -: وهوَ أبو هشامٍ الذي روى عنهُ القاسمُ بنُ الوليدِ الهمدانيُّ، وكانَ للكلبيِّ ابنٌ يسمَّى هشاماً، فكنَّاهُ القاسمُ بهِ في روايتهِ عنهُ ثمَّ روى بإسنادِهِ إلى القاسمِ بنِ الوليدِ، عنْ أبي هشامٍ، عنْ أبي صالحٍ عنِ ابنِ عباسٍ، قالَ: لمَّا نزلتْ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً} فذكرَ الحديثَ. ثمَّ روى وِجَادةً إلى ابنِ أبي حاتمٍ أنَّهُ سألَ أباهُ عن هذا الحديثِ، فقالَ: أبو هِشَامٍ هوَ الكلبيُّ، وكانَ كنيتُهُ أبو النضرِ، وكانَ لهُ ابنٌ يقالُ لهُ: هشامُ بنُ الكلبيِّ، صاحبُ نحوٍ وعربيةٍ، فكنَّاهُ بهِ. قالَ: وهوَ محمدُ بنُ السائبِ بنِ بِشْرٍ الذي روى عنهُ ابنُ إسحاقَ. وقدْ

أفراد العلم

وَهِمَ البخاريُّ في التفريقِ بينهُ وبينَ الكلبيِّ؛ لأنَّهُ رجلٌ واحدٌ، بيَّنَ نسبَهُ محمدُ بنُ سعدٍ، وخليفةُ بنُ خياطٍ. وقولي: (واعْنِ) أي: اجعلْهُ من عنايتِكَ، وقدْ تقدَّمَ قبلَ هذا نقلاً عن الهرويِّ وغيرهِ، أنَّهُ يقالُ: عُنِيَ بكذا وعَنِيَ بهِ، والخَلةُ: بفتح الخاءِ المعجمةِ: الخَصْلةُ. أَفْرَادُ العَلَمِ 862.... وَاعْنِ بِالافْرَادِ سُماً أو لَقَبَا ... أوْ كُنْيَةً نَحْوَ لُبَيِّ بْنِ لَبَا 863.... أوْ مِنْدَلٍ عَمْرٌو وَكَسْراً نَصُّوا ... في المِيمِ أوْ أَبِي مُعَيْدٍ حَفْصُ العَلَمُ: هوَ ما يعرفُ بهِ مَنْ جُعِلَ علامةً عليهِ منَ الأسماءِ والكُنَى والألقابِ فالاسمُ: ما وضعَ علامةً على المُسَمَّى، والكُنْيَةُ: ما صُدِّرَ بِأَبٍ أو أُمٍّ، واللَّقَبُ: ما دلَّ على رفعةٍ أو ضعةٍ.

ومعرفةُ أفرادِ الأعلامِ نوعٌ من أنواعِ الحديثِ، صنَّفَ فيهِ جماعةٌ، منهم: الحافظُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ هارونَ البَرْدِيجيُّ، صنَّفَ فيهِ كتابَهُ المترجمَ " بالأسماءِ المفردةِ " وهوَ أوَّلُ كتابٍ وُضِعَ في جمعِها مفردةً، وإلاَّ فهيَ مفرقةٌ في " تاريخ البخاريِّ الكبير "، وكتابِ " الجرحِ والتعديلِ " لابنِ أبي حاتمٍ في أواخرِ الأبوابِ، وقدِ استدركَ أبو عبدِ اللهِ بنُ بُكَيْرٍ وغيرهُ على كتابِ البرديجيِّ في مواضعَ ليستْ أفراداً، بلْ هيَ مثانٍ ومثالثٌ فأكثرُ من ذلكَ، وفي مواضعَ ليستْ أسماءً، وإنما هيَ ألقابٌ، كالأجْلَحِ لُقِّبَ بهِ لِجَلَحَةٍ كانتْ بهِ، واسمهُ يحيى، وقدْ مثَّلَ ابنُ الصَّلاَحِ بجملةٍ منَ الأسماءِ والكنى مرتبةً على حروفِ المعجمِ وبعِدَّةِ ألقابٍ، واقتصرتُ منْ ذلكَ على مثالٍ واحدٍ لكلِّ قسمٍ. فمِنْ أمثلةِ أفرادِ الأسماءِ: لُبَيُّ بنُ لَبَاً، صحابيٌّ من بني أسدٍ، وكلاهما باللامِ والباءِ الموحدةِ، وهوَ وأبوهُ فردانِ، فالأولُ مُصَغَّرٌ على وزنِ أُبَيِّ بنِ كعبٍ، والثاني مُكَبَّرٌ على وزنِ فَتًى وعَصًا. ومثالُ أفرادِ الألقابِ: مِندلُ بنُ عليٍّ العَنَزيُّ، واسمُهُ عمرٌو، ومِنْدلٌ لقبٌ لهُ وهوَ بكسرِ الميمِ، كما نصَّ عليهِ الخطيبُ وغيرُهُ، قالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((ويقولونهُ كثيراً بفَتْحِهَا)) . انتهى. ورأيتُ بخطِّ الحافظِ أبي الحجَّاجِ يوسفَ بنِ خليلٍ الدمشقيِّ نقلاً عن خطِّ الحافظِ محمدِ بنِ ناصرٍ: أنَّ الصوابَ فيهِ فتحُ الميمِ.

الأسماء والكنى

ومثالُ الأفرادِ في الكنى: أبو مُعِيدٍ - بضمِّ الميمِ وفتحِ العينِ المهملةِ وسكونِ الياءِ المثناةِ من تحتُ وآخرهُ دالٌ مهملةٌ - واسمهُ: حفصُ بنُ غَيلانَ. فقولي: (سُما) - بضمِّ السينِ - لغةٌ في الاسمِ، وهو منصوبٌ على التمييزِ. وقولي: (أو مِنْدلٍ) ، هوَ مجرورٌ عطفاً على (لُبَيّ) ، وكذلكَ قولي: (أبي مُعيدٍ) . و (عمرٌو) و (حفصُ) : مرفوعانِ على الخبريةِ، لمبتدأ محذوفٍ، أي: هوَ عَمْرٌو وهوَ حَفْصٌ، (وكسراً) : نُصِبَ على نزعِ الخافضِ، أي: ونصُّوا على كسرٍ في الميمِ. الأَسْمَاءُ والكُنَى 864.... وَاعْنِ بالاسْماوالكُنَى وَقَدْ قَسَمْ ... الشَّيْخُ ذَا لِتِسْعٍاوْ عَشْرٍ قَسَمْ 865.... مَنِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ انْفِرَادَا ... نَحْوُ أَبِي بِلاَلٍ اوْ قَدْ زَادَا 866.... نَحْوَ أَبِي بَكْرِ بنِ حَزْمٍ قَدْ كُنِي ... أبَا مُحَمَّدٍ بِخُلْفٍ فَافْطُنِ

867.... وَالثَّانِمَنْيُكْنَى ولااسْمَاًنَدْرِي ... نَحْوُ أَبي شَيْبَةَ وَهْوَ الخُدْرِي 868.... ثُمَّ كُنَى الأَلْقَابِ وَالتَّعَدُّدِ ... نَحْوَ أَبي الشَّيْخِ أَبي مُحَمَّدِ 869.... وابْنُ جُريْجٍ بِأَبِي الوَلِيدِ ... وَخَالِدٍ كُنِّيَ للتَّعْدِيدِ 870.... ثُمَّ ذَوو الخُلْفِ كُنًى وعُلِما ... أسْمَاؤُهُمْ وَعَكْسُهُ وَفِيْهِمَا 871.... وَعَكْسُهُ وَذُو اشْتِهَارٍ بِسُمِ ... وعَكْسُهُ أَبُو الضُّحَى لِمُسْلِمِ منْ فنونِ أصحابِ الحديثِ: معرفةُ أسماءِ ذوي الكنى، ومعرفةُ كنى ذوي الأسماءِ، وتنبغي العنايةُ بذلكَ، فربما وردَ ذكرُ الراوي مرَّةً بكنيتِهِ، ومرةً باسمِهِ فيظنَّهما مَنْ لا معرفةَ لهُ بذلكَ رجلينِ، وربما ذُكرَ الراوي باسمِهِ وكنيتِهِ معاً فتوهمَهُ بعضُهم رجلينِ، كالحديثِ الذي رواهُ الحاكمُ من روايةِ أبي يوسفَ عن أبي حنيفةَ، عنْ موسى بنِ أبي عائشةَ، عنْ عبدِ اللهِ بنِ شدَّادٍ، عنْ أبي الوليدِ، عنْ جابرٍ مرفوعاً: ((مَنْ صلَّى خَلْفَ الإمامِ، فإنَّ قراءَ تَهُ لهُ قراءةٌ)) ، قالَ الحاكمُ: ((عبدُ اللهِ بنُ شدادٍ هوَ نفسُهُ

أبو الوليدِ)) ، بيَّنَهُ عليُّ بنُ المدينيِّ. قالَ الحاكمُ: ((ومَنْ تهاونَ بمعرفةِ الأسامي، أورثهُ مثلَ هذا الوهمُ)) . قلتُ: وربَّما وقعَ عكسُ ذلكَ كما تقدَّم قبلَهُ بنوعٍ في قولِ النسائيِّ: عنْ أبي أسامةَ حمادِ بنِ السائبِ. فوهمَ في ذلكَ، وإنما هوَ عنْ حمادِ بنِ السائبِ، وأبو أسامةَ إنَّما اسمُهُ حمادُ بنُ أسامةَ، وحمادُ بنُ السائبِ هوَ محمدُ بنُ السائبِ الكلبيُّ، واللهُ أعلمُ. ولَقَدْ بَلغني عنْ بعضِ مَنْ دَرَّسَ في الحديثِ ممَّنْ رأيتُهُ أنَّهُ أرادَ الكشفَ عنْ ترجمةِ أبي الزنادِ، فلمْ يهتدِ إلى معرفةِ ترجمتِهِ من كتبِ الأسماءِ؛ لعدمِ معرفتِهِ باسمِهِ معَ كونِ اسمِهِ معروفاً عندَ المبتدئينَ منْ طلبةِ الحديثِ، وهوَ عبدُ اللهِ بنُ ذكوانَ، وأبو الزنادِ لقبٌ لهُ، وكنيتُهُ: أبو عبدِ الرحمنِ. وقدْ صنَّفَ في ذلكَ جماعةٌ منهم: عليُّ بنُ المدينيِّ، ومسلمُ بنُ الحجَّاجِ، والنسائيُّ، وأبو بشرٍ الدُّولابيُّ، وأبو أحمدَ الحاكمُ، وأبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ. وكتابُ أبي أحمدَ الحاكمِ أجلُّ ما صُنِّفَ في ذلكَ، وأكبرهُ، فإنَّهُ يذكرُ فيهِ مَنْ عُرِفَ اسمُهُ، ومَنْ لَمْ يعرفِ اسمُهُ، وكتابُ مسلمٍ والنسائيِّ لمْ يُذكرا فيهما غالباً إلا مَنْ عُرِفَ اسمُهُ غالباً.

أقسام أصحاب الكنى

والذينَ صنَّفُوا في ذلكَ بوَّبوا الأبوابَ على الكنى، وبيَّنوا أسماءَ أصحابها، إلاَّ أنَّ النسائيَّ رتَّبَ حروفَ كتابِهِ على ترتيبٍ غريبٍ ليسَ على ترتيب حروفِ المعجمِ المشهورةِ عندَ المشارقةِ، ولا على اصطلاحِ المغاربةِ، ولا على ترتيبِ حروفِ أبجدَ، ولا على ترتيبِ حروفِ كثيرٍ من أهلِ اللغةِ، ك‍" العينِ " و" المحكمِ "، وهذا ترتيبها: أل ب ت ث ي ن س ش ر ز د ذ ك ط ظ ص ض ف ق وه م ع غ ج ح خ، وقدْ نظمْتُ ترتيبها في بيتينِ في أولِ كلِّ كلمةٍ منها حرفٌ وهيَ: إذَا لَمَّ بِي تَرحٌ ثَوى يومَ نأيهم ... سَرَتْ شَمْألٌ رقَّتْ زَوَتْ دَاءَ ذي كَمَدْ طَوَتْ ظِئْرَ صَدْرٍ ضاقَ في قَيدِ وَجْدِهِ ... هَدَتْ مَنْ عَمَى غَيٍّ جَوَى حَرَّها خَمَدْ وقدْ قسمَ ابنُ الصَّلاَحِ معرفةَ الأسماءِ والكنى إلى عشرةِ أقسامٍ من وجهٍ وإلى تسعةِ أقسامٍ منْ وجهٍ آخرَ. فقولي: (لتسعٍ او عشرٍ) ليس ذلكَ للشكِّ في كلامِ ابنِ الصَّلاَحِ؛ ولكنَّهُ فرَّقَ ذلكَ في نوعينِ، وجمعتُهما في نوعٍ واحدٍ فذكرَ في النوعِ الأولِ، وهو: النوعُ المُوَفِّي خمسينَ من كتابِهِ. وهوَ "بيانُ أسماءِ ذوي الكنى" تسعةُ أقسامٍ. ثمَّ قالَ -في النوعِ الذي يليهِ-: وهوَ "معرفةُ كنى المعروفينَ بالأسماءِ"- وهذا من وجهٍ ضدَّ النوعِ الذي قبلهُ - ومِنْ شأنِهِ أن يبوبَ على الأسماءِ ثمَّ يبينَ كناها بخلافِ ذلكَ، ومِنْ وجهٍ آخر يصلحُ لأنْ يجعلَ قسماً من أقسامِ ذلكَ من حيثُ كونُهُ قسماً من أقسامِ أصحابِ الكُنى وقَلَّ مَنْ أفردَهُ بالتصنيفِ، قالَ: وبلغنا أنَّ لأبي حاتمِ بنِ حِبَّانَ البستيِّ فيهِ كتاباً.

قلتُ: وإنما جمعتُهُ معَ النوعِ الذي قبلهُ؛ لأَنَّ الذينَ صنَّفوا في الكنى جمعُوا النوعينِ معاً: مَنْ عُرِفَ بالكنيةِ، ومنْ عُرِفَ بالاسمِ. القسمُ الأولُ: مَنِ اسمُهُ كنيتُهُ، وهذا القسمُ ينقسمُ إلى قسمينِ: أحدُهما: مَنْ لا كنيةَ لهُ، غيرُ الكنيةِ التي هيَ اسمُهُ، وإليهِ أشرتُ بقولي: (انفرادا) أي: ليسَ لهُ كنيةٌ إلاَّ ذلكَ، ومثالُ ذلكَ أبو بلالٍ الأشعريُّ، وأبو حصينِ بنُ يحيى الرازيُّ، فقالَ كلٌّ منهما: - اسْمِي وكُنْيَتِي - واحدٌ. وكذا قالَ أبو بكرِ بنُ عَيَّاشٍ المقرئُ: ليسَ لي اسمٌ غيرَ أبي بكرٍ. وقدِ اختُلِفَ في اسمِهِ على أحدَ عشرَ قولاً. وصحَّحَ أبو زرعةَ أنَّ اسمَهُ شعبةُ، وقد ذكرهُ ابنُ الصَّلاَحِ في القسمِ السادسِ وصحَّحَ أنَّ اسمَهُ كنيتُهُ، كما تقدَّمَ. والقسمُ الثاني من القسمِ الأولِ: مَنْ لهُ كنيةٌ أخرى زيادةً على اسمِهِ الذي هوَ كنيتُهُ، ومثالُهُ أبو بكرِ بنُ محمدِ بنِ عمرِو بنِ حزمٍ الأنصاريُّ، فقيلَ: اسمُهُ أبو بكرٍ، وكنيتُهُ أبو محمدٍ. ونحوهُ: أبو بكرِ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ، أحدُ الفقهاءِ السبعةِ، اسمهُ أبو بكرٍ وكنيتهُ أبو عبدِ الرحمنِ على ما قالَهُ ابنُ الصَّلاَحِ. وذكرَ الخطيبُ: أنَّهُ لا

نظيرَ لهذينِ الاسمينِ في ذلكَ، قالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وقدْ قيلَ: إنَّهُ لا كنيةَ لابنِ حَزْمٍ غيرُ الكنيةِ التي هيَ اسمُهُ)) انتهى، وأشرتُ إلى هذا بقولي: (بِخلفٍ) أي: اختُلِفَ في تكنيتِهِ بأبي محمدٍ. والقسمُ الثاني من أصلِ التقسيمِ: مَنْ عُرِفَ بِكنيتِهِ ولَمْ نقفْ لهُ على اسمٍ فلَمْ ندرِ هلْ اسمُهُ كنيتُهُ كالأولِ، أوْ لَهُ اسمٌ ولَمْ نقفْ عليهِ؟ مثالهُ: أبو شَيْبَةَ الخُدْرِيُّ مِنَ الصحابةِ، ماتَ في حصارِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ، ودُفِنَ هناكَ، وكأبي أُنَاسٍ -بالنونِ-، وأبي مُوَيْهِبَةَ منَ الصحابةِ أيضاً، وكأبي بكرِ ابنِ نافعٍ مولى ابنِ عمرَ، وأبي النَّجِيْبِ - بالنونِ -، وقيلَ: بالمثناةِ من فوقِ المضمومةِ مولى عبدِ اللهِ بنِ سَعْدِ بنِ أبي سَرْحٍ، وأبي حَرْبِ بنِ أبي الأسودِ، وأبي حَرِيْزٍ المَوْقِفيِّ. والقسمُ الثالثُ: مَنْ لُقِّبَ بكنيةٍ كأبي الشيخِ ابنِ حيَّانَ، اسمُهُ عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ جعفرٍ، وكنيتُهُ أبو محمدٍ، وأبو الشيخِ لقبٌ لهُ، وممَّنْ لُقِّبَ بكنيتِهِ: أبو ترابٍ عليُّ بنُ

أبي طالبٍ - رضي الله عنه -، وأبو الزِّنادِ، وأبو الرِّجالِ، وأبو تُمَيْلَةَ، وأبو الآذانِ، وأبو حازمٍ العَبْدُوِيُّ. والقسمُ الرابعُ: مَنْ لهُ كنيتانِ فأكثرُ، وهوَ المرادُ بقولي: (والتعددِ) أي: تعددتْ كنيتُهُ، وفي الكلامِ لفٌ ونشرٌ، أي: ثمَّ كنى الألقابِ كأبي الشيخِ وكُنى التعددِ، كابنِ جُرَيْجٍ، كُني بأبي الوليدِ وبأبي خالدٍ، وهوَ عبدُ الملكِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ جُرَيْجٍ، وكانَ يقالُ: المنصورُ بنُ عبدِ المنعمِ الفُرَاويُّ ذو الكُنى؛ كانَ لهُ ثلاثُ كنًى: أبو بكرٍ، وأبو الفتحِ، وأبو القاسمِ. والقسمُ الخامسُ: مَنِ اختُلِفَ في كنيتِهِ على قولينِ، أو أقوالٍ، وقدْ عُلِمَ اسمُهُ فلمْ يُخْتَلَفُ فيهِ. قالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((ولعبدِ اللهِ بنِ عطاءٍ الإبراهيميِّ الهرويِّ منَ المتأخرينَ فيهِ مختصرٌ؛ وذلكَ كأسامةَ بنِ زيدٍ الحِبِّ، أبي زيدٍ أو أبي محمدٍ أو أبي عبدِ اللهِ أو أبي خَارِجةَ، أقوالٌ. وكأُبيِّ بنِ كعبٍ أبي المنذرِ، وقيلَ: أبو الطُّفيلِ. وكقبيصةَ بنِ ذؤيبٍ أبي إسحاقَ، وقيلَ: أبو سعيدٍ. وكالقاسمِ بنِ محمدٍ، أبي عبدِ الرحمنِ، وقيلَ: أبو محمدٍ. وكسليمانَ بنِ بلالٍ أبي أيُّوبَ، وقيلَ: أبو محمدٍ. قالَ ابنُ الصَّلاَحِ: ((وفي بعضِ مَنْ ذُكِرَ في هذَا القسمِ مَنْ هوَ في نفسِ الأمرِ ملتحقٌ بالذي قَبْلَهُ)) ، وقولي: (كُنًى) ، في موضعِ نصبٍ على التمييزِ.

والقسمُ السادسُ: عكسُ الذي قبلهُ، وهوَ مَنِ اختُلِفَ في اسمِهِ وعُرِفتْ كنيتُهُ فلمْ يُختلَفُ فيها: كأبي هريرةَ الدوسيِّ، اختلفَ في اسمهِ واسمِ أبيهِ على نحوِ عشرينَ قولاً، قالَهُ ابنُ عبدِ البرِّ. وقالَ النوويُّ: ثلاثينَ قولاً، وذكرَ ابنُ إسحاقَ: أنَّ اسمَهُ عبدُ الرحمنِ بنُ صخرٍ، وصحَّحهُ أبو أحمدَ الحاكمُ في " الكنى "، والرافعيُّ في " التذنيبِ "، والنوويُّ، وآخرونَ. وصحَّحَ الشيخُ شرفُ الدينِ الدمياطيُّ - أعلمُ المتأخرينَ بالأنسابِ -: أنَّ اسمَهُ عميرُ بنُ عامرٍ. وكأبي بَصْرَةَ الغفاريِّ، اسمُهُ حُميلُ - بضمِّ الحاءِ المهملةِ - مصغراً على الأصحِّ، وقيلَ: بالجيمِ مكبراً. وكأبي جُحَيْفَةَ وَهْبٍ، وقيلَ: وهبُ اللهِ، وكأبي بُردةَ بنِ أبي موسى الأشعريِّ: عامرٍ، عندَ الجمهورِ، وقالَ ابنُ مَعينٍ:

الحارثُ. وكأبي بكرِ بنِ عياشٍ المقرئ، وقدْ تقدَّمَ في القسمِ الأولِ. والقسمُ السابعُ: مَنِ اختُلِفَ في كنيتِهِ واسمِهِ معاً، وإليهِ الإشارةُ بقولي: (وفيهما) ، ومثالهُ: سفينةُ مولى رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهوَ لقبٌ لهُ، واسمُهُ: عُميرٌ أو صالحٌ أو مهرانُ، أقوالٌ، وكنيتُهُ أبو عبدِ الرحمنِ، وقيلَ: أبو البَخْتَرِيِّ. والقسمُ الثامنُ: مَنْ لَمْ يُختلفْ في كنيتِهِ ولا في اسمِهِ بل عُلِمَا معاً، وإليهِ أشرتُ بقولي في أول البيتِ الأخيرِ: (وعكسُهُ) أي: لَمْ يختلفْ في واحدٍ منهما؛ وذلكَ كأئمةِ المذاهبِ أبي حنيفةَ النعمانِ، وآباءِ عبدِ اللهِ سفيانَ الثوريِّ ومالكٍ، ومحمدِ بنِ إدريسَ الشافعيِّ، وأحمدَ بنِ محمدِ بنِ حنبلٍ - رضي الله عنهم -. والقسمُ التاسعُ: مَنِ اشتهرَ باسمِهِ دونَ كنيتِهِ، وقولي: (بسُمِ) - بضمِّ السينِ - لغةً في الاسمِ، وهيَ غيرُ لغةِ القصرِ فيهِ. وهذا القسمُ هوَ الذي أفردَهُ ابنُ الصَّلاَحِ بنوعٍ على حدةٍ، كطلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ، وعبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ، والحسنِ بنِ عليٍّ في آخرينَ. كنيةُ كلِّ واحدٍ منهمْ أبو محمدٍ، وكالزبيرِ بنِ العوامِ، والحسينِ بنِ عليٍّ، وحذيفةَ، وسلمانَ، وجابرٍ في آخرينَ، كُنُّوا بأبي عبدِ اللهِ، وكعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عُمرَ في آخرينَ، كُنُّوا بأبي عبدِ الرحمنِ، وفي هذا النوعِ كثرةٌ لا يحتاجُ مثلهُ إلى مثالٍ. والقسمُ العاشرُ: عكسُ الذي قبلَهُ وهوَ مَنِ اشتهرَ بكنيتِهِ دونَ اسمِهِ، كأبي الضُّحَى: مُسلمِ بنِ صُبَيْحٍ، وأبوهُ -بضمِّ الصادِ المهملةِ- وأبي إدريسَ الخولانيِّ:

الألقاب

عائذِ اللهِ. وأبي إسحاقَ السَّبِيعيِّ: عمرٍو. وأبي حازمٍ الأعرجِ سلمةَ، وخلقٍ لا يُحْصَونَ. الأَلْقَابُ 872.... وَاعْنِ بِالالْقَابِ فَرُبَّمَا جُعِلْ ... الوَاحِدُ اثْنَيْنِ الذِيْ مِنْهَا عُطِلْ 873.... نَحْوُ الضَّعِيفِ أيْ بِجِسْمِهِ وَمَنْ ... ضَلَّ الطَّرِيْقَ بِاسْمِ فَاعِلٍ وَلَنْ 874.... يَجُوزَ مَا يَكْرَهُهُ المُلَقَّبُ ... وَرُبَّمَا كَانَ لِبَعْضٍ سَبَبُ 875.... كَغُنْدَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ ... وصَالِحٍ جَزَرَةَ المُشْتَهِرِ ممَّا تنبغي العنايةُ بهِ معرفةُ ألقابِ المحدثينَ، والعلماءِ، ومَنْ ذُكِرَ معهم، وربما وهمَ العاطلُ من معرفةِ الألقابِ، فجعلَ الرجلَ الواحدَ اثنينِ، إذ يكونُ قدْ ذُكرَ مرةً باسمهِ، ومرةً بلقبِهِ. وقدْ وقعَ ذلكَ لجماعةٍ من أكابرِ الحفَّاظِ، منهم: عليُّ بنُ المدينيِّ، وعبدُ الرحمنِ بنُ يوسفَ بنِ خراشٍ، فرَّقوا بينَ عبدِ اللهِ بنِ أبي صالحٍ أخي سهيلٍ، وبينَ عبادِ بنِ أبي صالحٍ، فجعلوهما اثنينِ. وقالَ الخطيبُ -فيما قرأتُ بخطِّهِ- في " الموضح ": ((وعبدُ اللهِ بنُ أبي صالحٍ، كانَ يُلَقَّبُ عبَّاداً، وليسَ عبادٌ بأخٍ لهُ، اتفقَ على ذلكَ أحمدُ بنُ حنبلٍ، ويحيى ابنُ معينٍ، وأبو حاتمٍ الرازيُّ، وأبو داودَ السجستانيُّ، وموسى بنُ هارونَ بنِ عبدِ اللهِ البغداديُّ، ومحمدُ بنُ إسحاقَ السراجُ)) . وقدْ تقدَّمَتِ الإشارةُ إلى ذلكَ في فصلِ الأخوةِ والأخواتِ.

وقدْ صنَّفَ في الألقابِ جماعةٌ منَ الحفَّاظِ: أبو بكرٍ الشيرازيُّ، وأبو الفضلِ الفَلَكِيُّ، وأبو الوليدِ بنُ الدباغِ، وأبو الفرجِ بنُ الجوزيِّ، ومثالُ ذلكَ: الضَّعِيْفُ والضَّالُّ، وإليهِ أشرتُ بقولي: (ومَنْ ضلَّ الطريقَ باسمِ فاعلٍ) أي: مَنْ ضلَّ، فحَذْفُ الجارِّ والمجرورِ؛ لدلالةِ الكلامِ عليهِ، قالَ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ: رجلانِ جليلانِ لَزِمَهُمَا لَقَبَانِ قَبِيْحَانِ: معاويةُ بنُ عبدِ الكريمِ الضَّالُّ، وإنما ضَلَّ في طريقِ مكةَ، وعبدُ اللهِ بنُ محمدٍ الضَّعيفُ، وإنما كانَ ضعيفاً في جسمهِ لا في حديثهِ. انتهى. وقيلَ: إنَّهُ مِنْ بابِ الأضدادِ، كما قيلَ في الزنجيِّ مسلمِ بنِ خالدٍ، قالَهُ ابنُ حِبَّانَ، وإنهُ قيلَ لهُ: الضعيفُ؛ لإتقانِهِ وضبطِهِ. ثمَّ الأَلقابُ تنقسمُ: إلى ما لا يكرههُ الملقَّبُ بهِ، كأبي ترابٍ - لقبُ عليٍّ - رضي الله عنه - فقدْ قالَ سهلُ بنُ سعدٍ في الحديثِ المتفقِ عليهِ ما كانَ لهُ اسمٌ أحبَّ إليهِ منهُ، وكبُنْدارٍ - لقبُ محمدِ بنِ بشارٍ - فهذا لا إشكالَ في جوازِ تعريفِهِ بهِ. وإلى ما يكرهُهُ الملقَّبُ بهِ، فلا يجوزُ تعريفُهُ بهِ، وقدْ تقدَّمَ الكلامُ على ذلكَ في أواخرِ آدابِ المُحَدِّثِ. ثمَّ الألقابُ قدْ لا يعرفُ سببُ التلقيبِ بها؛ وذلكَ موجودٌ في كثيرٍ منها، وقدْ يُذكَرُ السببُ في ذلكَ، ولِعَبدِ الغنيِّ بنِ سعيدٍ في ذلكَ كتابٌ مفيدٌ؛ وذلكَ كغُندَرٍ وجزرةَ، فأما غُنْدَرٌ - فهوَ لقبُ محمدِ بنِ جعفرٍ البصريِّ - وكانَ سببُ تلقيبهِ

بذلكَ: أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ قَدِمَ البصرةَ، فحدَّثَ بحديثٍ عنِ الحسنِ البصريِّ، فأنكروهُ عليهِ وشغبوا، قالَ ابنُ عائشةَ: إنما لَقَّبَ غُنْدَراً ابنُ جُرَيْجٍ من ذلكَ اليومِ الذي كانَ يكثرُ الشَّغَبَ عليهِ، فقالَ: اسكتْ يا غُنْدَرُ. وأهلُ الحجازِ يُسَمُّونَ المُشْغِّبَ غُنْدَرَاً. ثمَّ كانَ بعدهُ جماعةٌ يلقبُ كلٌّ منهم غُنْدَراً، فمنهمْ مَنِ اسمُهُ محمدُ بنُ جعفرٍ: أبو الحسينِ الرازيُّ، وأبو بكرٍ البغداديُّ الحافظُ، وأبو الطيبِ البغداديُّ. وأما جزرةُ: فهو لقبُ أبي عليٍّ صالحِ بنِ محمدٍ البغداديِّ الحافظِ. وروى الحاكمُ: أنَّ صالحاً سُئِلَ: لِمَ لُقِّبْتَ بجزرةَ؟ فقالَ: قَدِمَ عمرُو بنُ زُرارةَ بغدادَ فاجتمعَ عليهِ خلقٌ عظيمٌ فلمَّا كانَ عندَ الفراغِ منَ المجلسِ سُئِلْتُ: منْ أينَ سَمِعْتَ؟ فقلتُ: من حديثِ الجَزَرَةِ، فَبَقِيَتْ عليَّ. انتهى، وذلكَ في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ بسرٍ: أنَّهُ كانَ يَرْقِي بِخَرَزَةٍ -بالخاءِ المعجمةِ وتقديمِ الراءِ- فَصَحَّفَها صالحٌ - بالجيمِ وتقديم الزاي -. وذكرَ ابنُ الصَّلاَحِ عدةً صالحةً منَ الألقابِ، فحذفتها اختصاراً، وهيَ غُنْجَارٌ: اثنانِ، وَشَبابُ وزُنَيْجٌ، ورُسْتَهْ وسُنَيدٌ، وبُنْدَارٌ، وقَيْصَرُ، والأخفشُ: جماعةٌ، ومُرَبَّعٌ، وعُبَيْدٌ العِجْلُ، وكِيْلَجَةُ، وَمَاغَمَّهْ، وعَلاَّنُ وسَجَّادةُ، ومُشْكُدَانَه، ومُطَيَّنٌ، وعَبْدَانُ، وحَمْدَانُ، ووَهْبَانُ.

المؤتلف والمختلف

الْمُؤْتَلِفُ والمُخْتَلِفُ 876.... وَاعْنِ بِمَا صُورَتُهُ مُؤْتَلِفُ ... خَطَّاً وَلَكِنْ لَفْظُهُ مُخْتَلِفُ 877.... نَحْوُ سَلاَمٍ كلُّهُ فَثَقِّلِ ... لاَ ابْنُ سَلاَمِ الحِبْرُوالمُعْتَزِلي 878.... أَبَا عَلِيٍّ فَهْوَ خِفُّ الجَدِّ ... وَهْوَ الأَصَحُّفي أَبِي البِيكَنْدِي 879.... وَابْنُ أَبِي الحُقَيْقِ وابْنُ مِشْكَمِ ... والأَشْهَرُ التَّشْدِيدُ فِيهِ فَاعْلَمِ 880.... وابْنُ مُحَمَّدِ بنِ نَاهِضٍ فَخِفْ ... أَوْ زِدْهُ هَاءً فَكَذا فِيهِ اخْتُلِفْ 881.... قُلْتُ: ولِلْحِبْرِ ابْنِ أُخْتٍ خَفِّفِ ... كَذَاكَ جَدُّ السَّيِّدِي والنَّسَفِي مِنْ فنونِ الحديثِ المهمةِ: معرفةُ المؤتلفِ خطَّاً والمختلفِ لفظاً منَ الأسماءِ والألقابِ والأنسابِ ونحوِهَا، وينبغي لطالبِ الحديثِ أنْ يعتنيَ بمعرفةِ ذلكَ، وإلاَّ كَثُرَ عِثَارُهُ، وافتضحَبينَ أَهلِهِ. وصنَّفَ فيهِ جماعةٌ منَ الحفَّاظِ كُتُباً مفيدةً، وأوَّلُ مَنْ صنَّفَ فيهِ: عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ، ثمَّ شيخهُ الدارقطنيُّ. وقدْ تَقَدَّمَ أنَّ أكملَ ما صُنِّفَ فيهِكتابُ " الإكمالِ " لأبي نَصرِ بنِ ماكولا. وذيَّلَ عليهِ الحافظُ أبو بكرِ بنُ نُقْطَةَ بذيلٍ مفيدٍ ثمَّ ذُيِّلَ على ابنِ نقطةَ بذيلينِ صغيرينِ: أحدِهما للحافظِ جمالِ الدينِ ابنِ الصابونيِّ، والآخرِ للحافظِ

المؤتلف والمختلف ينقسم إلى قسمين:

منصورِ بنِ سُلَيْمٍ، المعروفِ بابنِ العماديةِ. وقدْ ذَيَّلَ عليهما الحافظُ عَلاَءُ الدينِ مغلطاي بذيلٍ كبيرٍ؛ لكنَّ أكثرَهُ أسماءُ شعراءٍ، وفي أنسابِ العربِ، وجَمَعَ فيهِ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ مجلداً سمَّاهُ "مشتبه النسبةِ"؛ ولكنَّهُ أجحفَ في الاختصارِ واعتمدَ على ضبطِ القلمِ، فلا يعتمدُ على كثيرٍ منْ نُسَخِهِ، وقدْ فاتَ جميعَ مَنْ صَنَّفَ فيهِ ألفاظٌ كثيرةٌ، علقتُ منها جملةً وإنْ يَسَّرَ اللهُ تعالى جمعْتُها معَ ما تقدَّمَ في مجموعٍ واحدٍ؛ ليكونَ أسهلَ لتناولها إنْ شاءَ اللهُ تعالى. ثمَّ المؤتَلِفُ والمختَلِفُ ينقسمُ إلى قسمينِ: أحدهما: ما ليسَ لهُ ضابطٌ يرجعُ إليهِ، وإنما يُعرَفُ بالنقلِ والحفظِ، وهوَ الأكثرُ. والثاني: ما يدخلُ تحتَ الضبطِ، وقدْ ذكرتُ مِنْ هذا القسمِ الثاني جملةً منهُ تبعاً لابنِ الصلاحِ، ثمَّ هذا القسمُ على قسمينِ: أحدُهما: على العمومِ من غيرِ تقييدٍ بتصنيفٍ، ويُضبطُ بأنْ يُقالَ: ليسَ لهم فلانٌ إلاَّ كذا والباقونَ كذا. والثاني منَ القسمِ الثاني: مخصوصٌ بما في الصحيحينِ، " والموطَّأ "، فَمِنَ القسمِ الأولِ: سَلاَّمٌ وسَلاَمٌ، وجميعُهُ بالتشديدِ إلاَّ خمسةً، وهمْ: سَلاَمٌ والدُ عبدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ الحبرُ الصحابيُّ، وسَلاَمٌ جدُّ أبي عليٍّ الجُبَّائيِّ المعتزليِّ، واسمُ أبي عليٍّ محمدُ بنُ عبدِ الوهابِ بنِ سَلاَمٍ، وسَلاَمٌ والدُ محمدِ بنِ سلامِ بنِ الفرجِ البِيْكَنديِّ البخاريِّ شيخِ البخاريِّ على خلافٍ فيهِ، فجزمَ غُنْجَارٌ في " تاريخِ بُخَارَى "، والخطيبُ، وابنُ ماكولابالتَّخفيفِ، وقالَ ابنُ الصلاحِ: إنَّهُ أثبتُ، وذكرهُ ابنُ أبي حاتمٍ في "الجرحِ والتعديلِ"في محمدِ بنِ سلاَّمٍ بالتشديدِ. وكذا قالَ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ في

"تقييدِ المهملِ": إنَّهُ بالتشديدِ، وقالَ صاحبُ " المشارقِ "و " المطالعِ ": إنَّالتثقيلَ أكثرُ. قلتُ: وكأنَّهُ اشتبهَ عليهما بشخصٍ آخرَ، يسمَّى: محمدَ بنَ سلاَّمٍ البِيكَنديَّ أيضاً، فإنَّهُ بالتشديدِ فيما ذكرهُ الخطيبُ في " التلخيصِ "وغيرِهِ، ويُعرفُ بالبيكنديِّ الصغيرِ، وهوَ محمدُ بنُ سلاَّمِ بنِ السكنِ البيكنديُّ، حدَّثَ عنِ الحسنِ بنِ سوَّارٍ الخراسانيِّ، وعليِّ بنِ الجَعْدِ الجوهريِّ، روى عنهُ عبيدُ اللهِ بنُ واصلٍ البخاريُّ، فأمَّا البيكنديُّ شيخُ البخاريِّ، فقدْ روينا بالإسنادِ إليهِ أنَّهُ قالَ: أنَا محمدُ بنُ سلامٍ بالتخفيفِ، وهذا قاطعٌ للنِزَاعِ فيهِ، وسلامُ بنُ أبي الحقيقِ اليهوديُّ، وقالَ المبردُ في " الكاملِ ": ليسَ في العربِ سلامٌ مخففُ اللامِ إلاَّ والدُ عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ، وسلامُ بنُ أبي الحُقَيْقِ، قالَ: وزادَ آخرونَ: سلامَ بنَ مِشْكم خَمَّاراً كانَ في الجاهليةِوالمعروفُ فيهِ التشديدُ، واللهُ أعلمُ. وسلامُ بنُ محمدِ بنِ ناهضٍ المقدسيُّ، هكذا روى عنهُ أبو طالبٍ أحمدُ بنُ نصرٍ الحافظُ فسمَّاهُ سلاماً، وروى عنهُ الطبرانيُّفَسَمَّاهُ سلامةَ بزيادةِ هاءٍ في آخرِهِ، وإلى هذا أشرتُ بقولي: (وكذا فيهِ اخْتُلِفْ) أي: الخلفُ في هذا إنما هوَ في زيادةِ الهاءِ في آخرِهِ وحذفها لا في التشديدِ والتخفيفِ، هكذا اقتصرَابنُ الصلاحِفي ضبطِ سلامِ المخفَّفِ على هذا المقدارِ، ولهم ثلاثةُ أسماءٍ مخفَّفةٍ أيضاً، ذكرتُهَا منَ الزياداتِ عليهِ في البيتِ الأخيرِ، وهم: سلامُ ابنُ أختِ عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ، معدودٌ في الصحابةِ عدَّهُ فيهم ابنُ فتحونَ في تذييلِهِ على " الاستيعابِ "، ولعبدِ اللهِ بنِ سلامٍ أخٌ يقالُ لهُ: سلمةُ بنُ

سلامٍ، وإنما لَمْ استدرِكْهُ على ابنِ الصلاحِ؛ لأنَّ والدَهُما مذكورٌ، ولا حاجةَ إلى ذكرِ سلمةَ، وقدْ ذَكَرَ سلمةَ في الصحابةِ ابنُ منده؛ ولكنْ قالَ ابنُ فتحونَ في تذييلِهِ على "الاستيعابِ": إنَّ سلمةَ هوَ ابنُ أخي عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ، فاللهُ أعلمُ. وَجَدُّ السَّيِّدِيِّ وهوَ سَعْدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سلامٍ السَّيِّدِيُّ، روى عنِ ابنِ البطيِّ، وماتَ سنةَ أربعَ عشرةَ وستمائةٍ، ذكرهُ ابنُ نُقْطَةَ في " التكملةِ "-فيما قرأتُ بخطِّهِ- لهُ. وكذلكَ جدُّ النَّسَفِيِّ الأعلى وهوَ: أبو نصرٍ محمدُ ابنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ محمدِ بنِ موسى بنِ سلامٍ النسفيُّ السلاميُّ، نُسِبَ إلى جدِّهِ، روى عن زاهرِ بنِ أحمدَ، توفيَ بعدَ الثلاثينَ وأربعمائةٍ، ذكرهُ الذهبيُّ في " مشتبهِ النسبةِ ". والبِيْكَنْدِيُّ - بكسرِ الباءِ الموحدةِ وسكونِ الياءِ المثناةِ من تحتُ وفتحِ الكافِ وسكونِ النونِ وبعدها دالٌ مهملةٌ، هكذا قيدهُ بكسرِ أوَّلِهِ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ. والنَّسَفيُّ - بفتحِ النونِ والسينِ - قيّدهُ السمعانيُّوغيرُهُ، وهوَ منسوبٌ إلى نِسفٍ - بكسرِ النونِ - فتحتْ للنسبِ كالنَّمَرِيِّ. 882.... عَيْنَ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ اكْسِرِ ... وَفي خُزَاعَةَ كَرِيْزٌ كَبِّرِ ومنْ ذلكَعُمَارَةُ وعِمَارَةُ، وليسَ لنا عِمارَةُ - بكسر العينِ - إلاَّ أُبَيَّ ابنَ عِمَارَةَ منَ الصحابَةِ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ومنهم مَنْ ضمَّهُ، قالَ: ومَنْ عَدَاهُ: عُمَارَةُ - بالضمِّ -.

قلتُ: يَرِدُ على كلامِهِ عَمَّارةُ - بفتحِ العينِ وتشديدِ الميمِ - وهم جماعةٌ منَ النسوةِ، منهنَّ: عَمَّارةُ بنتُ عبدِ الوهابِ الحمصيةُ، وعَمَّارَةُ بنتُ نافعِ بنِ عمرَ الجُمَحِيِّ، وعَمَّارَةُ جدَّةُ أبييوسفَ محمدِ بنِ أحمدَ الصيدنانيِّالرقِّيِّ. ومنَ الرجالِ: يزيدُ، وعبدُ اللهِ، وبَحَّاثٌ بنو ثعلبةَ بنِ خزمةَ بنِ أصرمَ ابنِ عمرِو بنِ عَمَّارَةَ، معدودونَ في الصحابةِ. وعبدُ اللهِ بنُ زيادِ بنِ عمرِو ابنِ زمزمةَبنِ عمرِو بنِ عَمَّارةَ البَلوَيُّ، شهدَ بدراً. ومُدركُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ القمقامِ بنِ عَمَّارةَ ولاَّهُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ الجزيرةَ. وجعفرُ بنُ أحمدَ بنِ عليِّ ابنِ عبدِ اللهِ بنِ عَمَّارةَ الحربيُّ، روى عن سعيدِ بنِ البناءِ، وولداهُ قاسمُ وأحمدُ ابنا جعفرِ بنِ أحمدَ بنِ عَمَّارةَ. وأبو عمرَ محمدُ بنُ عمرَ بنِ عليِّ بنِ عَمَّارةَ الحربيُّ. وأبو القاسمِ محمدُ بنُ عَمَّارةَ البخاريُّ النجَّارُ الحربيُّ. وبنو عَمَّارةَ البلويِّ بطنٌ. ومنْ ذلكَ: كَرِيزٌ - بفتحِ الكافِ وكسرِ الراءِ - مكبَّراً، وكُرَيْزٌ مصغَّراً، وكلُّهُ مصغرٌ إلاَّ في خُزاعَةَ فقطْ. وحكى الجيانيُّ في " تقييدِ المهمل " عنْ محمدِ بنِ وضَّاحِ فَتْحَ الكافِ في خُزَاعَةَ، وضمّها في عبدِ شمسِ بنِ عبدِ منافٍ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وضمُّهَا موجودٌ أيضاً في غيرِهما، قالَ: ولا يُستدركُ في المفتوحِ بأيوبَ بنِ كريزٍالراوي عن عبدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ؛ لكونِ عبدِ الغنيِّ ذكرهُ بالفتحِ؛ لأنَّهُ بالضمّ كذلكَ ذكرهُ الدارقطنيُّوغيرهُ)) ، أي: كابنِ ماكولا.

883.... وَفِي قُرَيْشٍ أَبَدَاً حِزَامُ ... وَافْتَحْ فِي الانْصَارِ بِرَا حَرَامُ ومنْ ذلكَ: حِزامٌ -بكسرِ الحاءِ وبالزاي-، وحَرامٌ - بالفتحِ وبالراءِ - ففي قريشٍ الأولُ، وفي الأنصار الثاني، وليسَ المرادُ بذلكَ إلاَّ ضبط ما في قريشٍ والأنصارِ وإلاَّ فقدْ وَقَعَ حزامٌ - بالزاي - في خزاعةَ وبني عامرِ بنِ صعصعةَ وغيرهما، ووقَعَ حرامٌ - بالراءِ - في بَلِيٍّ: اسمُ قبيلةٍ، وخثعمَ، وجذامَ، وتميمِ بنِ مرَّ. وفي خُزاعةَ أيضاً، وفي عذرةَ، وبني فزارةَ، وهذيلٍ وغيرهِم، كما هوَ مُبَيَّنٌ في كتابِ "الأميرِ" وغيرهِ، واللهُ أعلمُ. 884.... فِي الشَّامِ عَنْسِيٌّ بِنُونٍ، وبِبَا ... فِي كُوْفَةٍ وَالشِّيْنِ وَاليَا غَلَبَا 885.... فِي بَصْرَةٍوَمَا لَهُمْ مَنِ اكْتَنَى ... أَبَا عَبِيْدَةٍ بِفَتْحٍ والكُنَى 886.... فِي السَّفْرِ بالفَتْحِ وَمَا لَهُمْ عَسَلْ ... إلاَّ ابْنُ ذَكْوَانٍوَعِسْلٌ فَجُمَلْ ومِنْ ذلكَ: عَنْسيٌّ - بالنونِ والسينِ المهملةِ -، وعَبْسيٌّ - بالموحدةِ والمهملةِ أيضاً -، وعَيْشِيٌّ - بالمثناةِ من تحتُ والشينِ المعجمةِ -.

فالأولُ في الشاميينَ، منهم: عُمَيرُ بنُ هانيءٍ، وبلالُ بنُ سعدٍ، كلاهما تابعيٌّ. والثاني: في الكوفيينَ، منهم: عُبيدُ اللهِ بنُ موسى. والثالثُ: في البصريينَ، منهم: عبدُ الرحمنِ بنُ المباركِ، كذا قالَ الحاكمُ في " علومِ الحديث "، وللخطيبِ البغداديِّ نحوهُ فيما حكاهُ عنهُ أبو عليِّ بنُ البردانيِّ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهذا على الغالبِ)) . وأشرتُ إلى ذلكَ بقولي: (غلبا) . وزادَ الحاكمُفي هذه الترجمةِ: والقيسيونَ، أي: بالقافِ بطنٌ من تميمٍ. وممَّا وقعَ نادراً مخالفاً للغالبِ عَمَّارُ بنُ ياسرٍ، فإنَّهُ عنسيٌّ - بالنونِ - وهوَ معدودٌ في أهلِ الكوفةِ، وقدِ احترزَ ابنُ ماكولا عنْ ذلكَ بقولهِ: وَعُظْمُ عَنْسٍ في الشَّامِ، وكذا قالَ السمعانيُّ، وقالَ ابنُ ماكولا في العَيْشِيِّ - بالمثناةِ والمعجمةِ - عامتُهم بالبصرةِ، وقالَ السمعانيُّ: نزلوا البصرةَ. ومن ذلكَ: مَنِ اكتنى بأبي عُبيدةَ، فكلُّهم بضمِّ العينِ مصغَّراً، قالَ الدارقطنيُّ: ((لا نعلمُ أحداً يُكنَّى بأبي عَبيدةَ بالفتحِ)) . ومن ذلكَ: السَّفْر - بإسكانِ الفاءِ -، والسَّفَرُ - بفتحها -، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وجدتُ الكنى مِنْ ذلكَ بالفتحِ والباقي بالإسكانِ، قالَ: ومِنَ المغاربةِ مَنْ سكَّنَ الفاءَ منأبي السفْرِسعيدِ بنِ يُحْمِدَ. قالَ: وذلكَ خلافُ ما يقولُ أصحابُ الحديثِ

حكاهُ الدارقطنيُّعنهم)) . قلتُ: لهم في الأسماءِ والكنى: سَقْرٌ -بسكونِ القافِ-، وقدْ يردُ ذلكَ على إطلاقِهِ، فمِنَ الأسماءِ: سَقْرُ بنُ حبيبٍ الغنويُّ، وسَقْرُ بنُ حبيبٍ آخرُ، وسَقْرُ بنُ عبدِ اللهِ، وسَقْرُ بنُ عبدِ الرحيمِ ابنُ أخي شعبةَ، وسَقْرُ بنُ عبدِ الرحمنِ شيخٌ لأبي يعلى، وسَقْرُ بنُ حسينٍ الحذاءُ، وسَقْرُ بنُ عداسٍ. وفي الكنَى: أبو السَّقْرِ يحيى بنُ يزدادَ. ولهمْ أيضاً: شَقَرٌ - بفتحِ الشينِ المعجمةِ والقافِ -: حيٌّ منْ بني تميمٍ يُنسبُ إليهِ الشَّقَرِيونَ. ومعاويةُ الشَّقِرُ - بكسرِ القافِ -: شاعرٌ. ومنْ ذلكَ: عِسْلٌ - بكسرِ العينِ وسكونِ السينِ المهملتينِ -، وعَسَلٌ- بفتحهما -. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وجدتُ الجميعَ مِنَ القبيلِ الأولِ إلاَّ عَسَلَ بنَ ذكوانَ الأخباريَّ البصريَّ، فإنَّهُ بالفتحِ، ذكرَهُ الدارقطنيُّوغيرُهُ. قالَ: ووجدتُهُ بخطِّ الإمامِ أبي منصورٍ الأزهريِّ في كتابِهِ " تهذيبِ اللغةِ ": بالكسرِ والإسكانِ أيضاً، قالَ: ولا أراهُ ضَبَطَهُ، واللهُ أعلمُ)) . 887.... وَالعَامِرِيُّ بْنُ عَلِيْ عَثَّامُ ... وَغَيْرُهُ فَالنُّونُوَالإعْجَامُ ومِنْ ذلكَ: غَنَّامٌ - بالغينِ المعجمةِ والنونِ المشدَّدةِ -، وعَثَّامٌ - بالعينِ المهملةِ والثاءِ المثلثةِ المشددةِ -، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ولا نَعرفُمن هذا القبيلِ الثاني غيرَ عثَّامِ ابنِ عليٍّ العامريِّالكوفيِّ والدِ عليِّ بنِ عثَّامٍ الزاهدِ، والباقونَ من الأولِ منهم: غَنَّامُ ابنُ أوسٍ، صحابيٌّ بدريٌّ)) .

قلتُ: ولهم منَ القبيلِ الثاني أيضاً حفيدُ المذكورِ، وهوَ عثَّامُ بنُ عليِّ بنِ عَثَّامِ بنِ عليٍّ العامريُّ، وهذا لا يردُ على كلامي في النَّظْمِ؛ لأنَّ كلاًّ منهما عَثَّامُ بنُ عليٍّ العامريُّ، فهوَ داخلٌ تحتَ كلامي، ويَرِدُ على ابنِ الصلاحِ؛ لتقييدِهِ الترجمةَ بوالدِ عليِّ بنِ عثَّامٍ، ولا نعرفُ لعثَّامٍ الثاني ولداً اسمهُ: عليٌّ. 888.... وَزَوْجُ مَسْرُوقٍ قَمِيْرٌ صَغَّرُوا ... سِوَاهُ ضَمَّاً وَلَهُمْمُسَوَّرُ 889.... ابنُ يَزِيدَ وابْنُ عَبْدِ المَلِكِ ... وَمَا سِوَى ذَيْنِفَمِسْوَرٌ حُكِي ومِنْ ذلكَ قَمِيْرٌ مُكَبَّراً، وقُمَيْرٌ مُصَغَّرَاً، والجميعُ: بضمِّ القافِ مُصَغَّراً إلاَّ امرأةَ مسروقِ بنِ الأجدعِ: قَمِيْرَ بنتَ عَمْرٍو، فإنَّها - بفتحِ القافِ وكسرِالميمِ -، واللهُ أعلمُ. ومنْ ذلكَ مُسَوّرٌ، ومِسْوَرٌ. فالأولُ: - بضمِّ الميمِ، وفتحِ السينِ المهملةِ، وتشديدِ الواوِ - مُسَوّرُ بنُ يزيدَ المالكيُّالكاهليُّ لهُ صحبةٌ، وَمُسَوّرُبنُ عبدِ الملكِ اليربوعيُّ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ومَنْ سواهما فيما نعلمُ بكسرِ الميمِ وإسكانِ السينِ، واللهُ أعلمُ)) . قلتُ: لم يذكرِ ابنُ ماكولا بالتشديدِ إلاَّ ابنَ يزيدَ فقط. ولَمْ يستدركْهُ ابنُ نُقْطَةَ، ولا مَنْ ذيَّلَ عليهِ. وقدْ ذكرَ البخاريُّ في "التاريخِ الكبيرِ"مسورَ بنَ عبدِ الملكِ في

بابِ مسورِ بنِ مخرمةَ، وهذا يدلُّ على أنَّهُ عندهُ مخفَّفٌ، وذكرَ في بابِ الواحدِ: مسورَ ابنَ يزيدَ، ومسورَ بنَ مرزوقٍ، وهذا يقتضي أنْ يكونَ ابنُ مرزوقٍ بالتشديدِ عندهُ، واللهُ أعلمُ. وأمَّا الذهبيُّ فتبعَ ما قالَهُ ابنُ الصلاحِ، وكأنَّهُ قلَّدَهُ في ذلكَ. 890.... وَوَصَفُوا الحمَّالَ في الرُّوَاةِ ... هَارُونَ والغَيْرُ بِجِيمٍ يَاتي وَمِنْ ذلكَ الحَمَّالُ والجَمَّالُ، قالَ ابنُ الصلاحِ: لا نعرفُ في رواةِ الحديثِ، أو فيمَنْ ذُكِرَ منهم في كتبِ الحديثِ المتداولةِ، الحمالَ - بالحاءِ المهملةِ - صفةً لا اسماً إلاَّ هارونَ بنَ عبدِ اللهِ الحمالَ، والِدَ موسى بنِ هارونَ الحمالِ الحافظِ، وكانَبزَّازاً فلمَّا تَزهَّدَ حَمَلَ)) . حكاهُ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ، عنِ القاضي أبي الطاهرِ. وحكى ابنُ الجارودِ في " الكنى "، عنْ موسى بنِ هارونَ: أنَّهُ كانَ حمالاً ثمَّ تحوَّلَ إلى البزِّ. وزعمَ الخليليُّ وابنُالفلكيِّ: أنَّهُ لُقِّبَ بالحَمَّالِ؛ لكثرةِ ما حَمَلَ منَ العلمِ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ولا أرى ما قالاهُ يصحُّ، قالَ: ومَنْ عداهُ: فالجمالُ- بالجيمِ -، منهمْ: محمدُ بنُ مهرانَ الجَمَّالُ)) . قلتُ: وقولهُ: صفةً لا اسماً، احترز بهِ عمَّنْاسمُهُ حمالٌ كأبيضَ بنِ حَمَّالٍ المأربيِّلهُ صحبةٌ، وحمالِ بنِ مالكٍ ونحوِهما.

واحترزَ بـ " رواةِ الحديثِ " عنْ غيرهِم منَ الفقهاءِ والزهَّادِ، كرافعِ بنِ نصرِ الحمالِ الفقيهِ، صاحبِ أبي إسحاقَ، وأيوبَ الحمالِ أحدِ الزهادِ ببغدادَ، وبُنَانِ الحَمَّالِ أحدِ أولياءِ مصرَ، على أنَّ بُناناً الحمالَ قدْ روى عنِ الحسنِ ابنِ عَرَفةَ وغيرِهِ، وإنما لمْ أورِدْهُ على كلامِ ابنِ الصلاحِ؛ لأنَّهُ لمْ يكنْ مشهوراً بروايةِ الحديثِ، واللهُ أعلمُ. وكذلكَ سَمِعَ رافعٌ الحَمَّالُ منْ أبي عُمَرَ بنِ مهديٍّ، وممَّنْ رَوَى أيضاً: أبو القاسمِ مَكِّيُّ بنُ عليِّ بنِ بُنانٍالحَمَّالُ، وأحمدُ بنُ محمدِ بنِ الدبسِ الحمالُ أحدُ شيوخِ أُبَيِّ بنِ النَّرْسِيِّ. 891.... وَوَصَفُوا حَنَّاطاً اوْخَبَّاطا ... عِيسَى ومُسلِمَاً كَذَا خَيَّاطَا ومنْ ذلكَ: الحنَّاطُ - بالحاءِ المهملةِ والنونِ -، والخبَّاطُ - بالمعجمةِ والموحدةِ -، والخَيَّاطُ - بالمعجمةِ والمثناةِ من تحتُ - وذلكَ مذكورٌ في مظانِّهِ. والمقصودُ بذكرِ هذا البيتِ أنَّهُ قدْ تجتمعُ الأوصافُ الثلاثةُ في اسمٍ واحدٍ، فيؤْمَنُ الغلطُ فيهِ، ويكونُ اللافظُ مصيباً كيفَ ما وصفهُ، وذلكَ في اسمينِ وهما: عيسى بنُ أبي عيسى الحَنَّاطُ، ومسلمُ بنُ أبي مسلمٍ الخبَّاطُ، هكذا ذكرهُ الدارقطنيُّ، وابنُ ماكولا: أنَّهُ اجتمعَ في كلٍّ منهما الأوصافُ الثلاثةُ وذلكَ مشهورٌ بالنسبةِ إلى عيسى، قالهُ فيهِ يحيى بنُ معينٍ، وقالهُ هوَ عنْ نفسِهِ فيما حكاهُ محمدُ بنُ سعدٍ. ولكنَّ عيسىاشتهرَ بمهملةٍ ونونٍ، واشتهرَ مسلمٌ بمعجمةٍ وموحدةٍ، ورجَّحَ الذهبيُّ في كلِّ واحدٍ ما اشتهرَ بهِ.

892.... والسَّلَمِيَّ افْتَحْ في الانْصَارِوَمَنْ ... يَكْسِرُ لامَهُ كأَصْلِهِ لَحَنْ أي: إنَّ السَّلَمِيَّ إذا جاءَ في الأنصارِ فهوَ بفتحِ السينِ واللامِ أيضاً، كجابرِ بنِ عبدِ اللهِ، وأبي قتادةَ وغيرِهما، وهوَ نسبةٌ إلى بني سَلِمَةَ بفتحِ السينِ وكسرِ اللامِ، وفُتِحَتْ في النسبِ كالنَّمَرِيِّ والصَّدَفِيِّ وبابهما. قالَ السمعانيُّ: ((وهذهِ النسبةُ عندَ النحويينَ، قالَ: وأصحابُ الحديثِ يكسرونَ اللامَ)) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وأكثرُ أهلِ الحديثِ يقولونَهُ بكسرِ اللامِ على الأصلِ، وهوَ لَحْنٌ)) ، واقتصرَ ابنُ باطيشَ في " مشتبهِ النسبةِ " على كسرِ اللامِ، وجعلَ المفتوحَ اللامِ نسبةً إلى سَلَمِيَّةَ - من عملِ حماةَ -، وتشتبهُ هذهِ الترجمةُ بالسُّلَميِّ - بضمِّ السينِ وفتحِ اللامِ - نسبةً إلى بني سُلَيمٍ، كعباسِ بنِ مرداسٍ، وبالسَّلْمِيِّ - بالفتحِ وسكونِ اللامِ - نسبةً إلى بعضِ أجدادِ المنتسبِ، واللهُ أعلمُ. وهذهِ النسبةُ أدخلها ابنُ الصلاحِفي القسمِ الثاني فنقلتُها إلى هذا القسمِ الأولِ؛ لكونها لا تتعلقُ بما في الصحيحينِ، والموطَّأ، واللهُ أعلمُ. 893.... وَمِنْ هُنَا لِمَالِكٍ وَلَهُمَا ... بَشَّاراً افْرِدْأَبَ بُنْدَارِهِمَا 894.... وَلَهُمَا سَيَّارُ أيْ أَبُو الحَكَمْ ... وَابْنُ سَلاَمَةٍوَبِالْيَاقَبْلُ جَمْ هذا هوَ القسمُ الثاني الذي ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ، وهوَ المخصوصُ بما في " الموطأ " والصحيحينِ للبخاريِّ ومسلمٍ، وهما المرادانِ منْ قولي: (لهما) فمِنْ ذلكَ بَشَّارٌ، وسَيَّارٌ، ويَسَارٌ.

فالأوَّلُ: بالباءِ الموحدةِ بعدها شينٌ معجمةٌ مشددةٌ، وليسَ في الصحيحينِ منهُ إلاَّ اسمٌ واحدٌ، وهوَ بَشَّارٌ والدُ بُنْدارٍ، واسمُهُ: محمدُ بنُ بشَّارٍ، أحدُ شيوخِهِمَا. قالَهُ أبو عليٍّ الغَسَّانيُّ في "تقييدِ المهملِ". قالَ الذهبيُّ: وبشارٌ نادرٌ في التابعينَ معدومٌ في الصحابةِ. انتهى. والثاني: بسينٍ مهملةٍ ثمَّ ياءٍ مثناةٍ من تحتُ مشدَّدةٍ، وفي الصحيحينِ منهُ: سَيَّارُ بنُ أبي سَيَّارٍ، وَرُدَّ: أنَّ كنيتَهُ أبو الحكمِ. وسيَّارُ بنُ سلامَةَ. والثالثُ: بتقديمِ الياءِ على السينِ المخففةِ، وهوَ (جَمْ) أي: كثيرٌ في الصحيحينِ والموطأ، كسليمانَ بنِ يسارٍ، وأخيهِ عطاءٍ، وسعيدِ بنِ يسارٍ وغيرهِم. وقدْ أدخلَ ابنُ ماكولافي هذهِ الترجمةِ: سناناً - بنونينِ -، وقدْ يُشْتَبَهُ بذلكَ، وقالَ الذهبيُّ: لا يلتبسُ. 895.... وَابْنُ سَعِيدٍ بُسْرُمِثْلُ المَازِنيْ ... وابْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَابْنُ مِحْجَنِ 896.... وَفِيهِ خُلْفٌ. وَبُشَيْراً اعْجِمِ ... في ابْنِ يَسَارٍ وابْنِ كَعْبٍ واضْمُمِ 897.... يُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو اوْأُسَيْرُ ... والنُّونُ فيأَبِي قَطَنْنُسَيْرُ ومِنْ ذلكَ بِشْرٌ وبُسْرٌ. فالأوَّلُ: - بكسرِ الباء الموحدةِ وسكونِ الشينِ المعجمةِ -. والثاني:

- بضمِّ الموحدةِ وسكونِ المهملةِ -. وجميعُ ما في الصحيحينِ " والموطأ " منَ الأولِ إلاَّأربعةَ أسماءٍ، وهمْ: بُسْرُبنُ سعيدٍ، وبسرٌ المازنيُّ -والِدُ عبدِ اللهِ بنِ بسرٍ-، وبُسْرُ بنُ عبيدِ اللهِ الحضرميُّ، وبسرُ بنُ محجنٍ الدِّيليُّ. وقدِ اختُلِفَ في هذا الرابعِ، فذهبَ مالكٌ والجمهورُ إلى أنَّهُ بالمهملةِ. وقالَ سفيانُ الثوريُّ: بشرٌ - كالجادةِ -، وقالَ الدارقطنيُّ: إنَّ الثوريَّ رجعَ عنهُفيما يقالُ؛ وكونُهُ بالمعجمةِ حكاهُ أحمدُ بنُ صالحٍ المصريُّ، عنْ جماعةٍ منْ ولدِهِ ورهطِهِ، وابنُ مِحْجَنٍ حديثهُ في "الموطَّأ"فقطْ، وليسَ في واحدٍ منَ الصحيحينِ، ولمْ يذكرِ ابنُ الصلاحِ بسراً المازنيَّ، وحديثُهُ في "صحيحِ مسلمٍ" على ما ذكرهُ المزيُّ في "التهذيب"، إنما ذكرَ ابنَهُ

عبدَ اللهِ بنَ بسرٍ. [وكانَ حقُّهُ أنْ يذكرَهُ حتَّى يُعرَفَ أنَّهُ في الصحيحِ، وإنْ كانَ يُعْرَفُ ضبْطُهُ منْ ضبطِ ابْنِهِ عبدِ اللهِ، قلتُ] : وقدْ تشتبهُ هذهِ الترجمةُ بأبي اليَسَرِ. كعبِ بنِ عَمْرٍو وهوَ بالمثناةِ منْ تحتُ والسينِ المهملةِ المفتوحتينِ، وحديثُهُ في " صحيحِ مسلمٍ "؛ ولكنَّهُ ملازمٌ لأداةِ التعريفِ غالباً بخلافِ القسمينِ الأوليينِ، واللهُ أعلمُ. ومِنْ ذلكَ بُشَيْرٌ، ويُسَيْرٌ، ونُسَيْرٌ، وبَشِيْرٌ. فالأولُ: - بضمِّ الباءِ الموحدةِ وفتحِ الشينِ المعجمةِ - بُشَيرُ بنُ يسارٍ الحارثيُّ المدنيُّ حديثُهُ في الصحيحينِ " والموطأ "، وبُشَيْرُ بنُ كعبٍ العدويُّ عندَ البخاريِّ. والثاني: - بضمِّ الياءِ المثناةِ من تحتُ، وفتحِ السينِ المهملةِ -، وهوَ يُسَيرُ بنُ عمرٍو، وقيلَ: يُسَيْرُ بنُ جابرٍ، حديثهُ في الصحيحينِ، ويقالُ فيهِ أيضاً: أُسير بالهمزةِ. والثالثُ: - بضمِّ النونِ وفتحِ السينِ المهملةِ -، وهوَ نسيرٌ والِدُ قطْنِابنِ نُسَيْرٍ. والرابعُ: - بفتحِ الباءِ الموحدةِ، وكسرِ الشينِ المعجمةِ -، وهوَ الجادةُ. وجميعُ ما في الصحيحينِ " والموطَّأ " خلا الأسماءِ الأربعةِ المتقدمةِ، فهو من هذا القسم الرابع، منهمْ: بشيرُ بنُ أبي مسعودٍ، وبشيرُ بنُ نَهيك، وغيرُهُمَا. 898.... جَدُّ عَلِيْ بنِ هَاشِمٍ بَرِيْدُ ... وَابْنُ حَفِيْدِ الأَشْعَريْ بُرَيْدُ 899.... وَلَهُمَا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَهْ ... بْنِ البِرِنْدِ فَالأَمِيْرُ كَسَرَهْ

ومِنْ ذلكَ: بَرِيْدٌ، وَبُرَيْدٌ، وَبِرِنْدٌ، ويَزِيْدُ. فالأولُ: - بفتح الباءِ الموحدةِ وكسرِ الراءِ بعدها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ -، وهوَ جَدُّ عليِّ بنِ هاشمِ بنِ البريدِ، روى لهُ مسلمٌ. والثاني: - مُصَغَّرٌ بضمِّ الباءِ وفتحِ الراءِ -، وهوَ بُرَيْدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أبي بردةَ بنِ أبي موسى الأشعريُّ، روى لهُ الشيخانِ، قلتُ: وروى البخاريُّحديثَ مالكِ بنِ الحويرثِ في صفةِ صلاةِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي آخرهِ: ((كصلاةِ شيخنا أبي بُرَيْدٍ عمرِو بنِ سلمةَ، فذكرَ أبو ذرٍّ الهرويُّ، عنْ أبي محمدٍ الحمويِّ، عنِ الفِرَبْرِيِّ، عنِ البخاريِّ: أبي بُرَيْدٍ - بضمِّ الموحدةِ وفتحِ الراءِ -، وكذا ذكرَ مسلمٌ في " الكنى "كنيةَ عمرِو بنِ سلمةَ، والذي وقعَ عِندَ عامَّةِ رواةِ البخاريِّ: يَزِيْدُ - بفتحِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ وكسرِ الزاي -، كالجادةِ، وقالَ عبدُ الغنيِّ: لَمْ أسمعْهُ من أحدٍ بالزاي، قالَ: ومسلمُ بنُ الحجاجِ أعلمُ. والثالثُ: - بكسرِ الباءِ الموحَّدةِ والراءِ بعدَها نونٌ ساكنةٌ -، وهوَ جَدُّ محمدِ بنِ عَرْعَرَةَ بنِ البِرِنْدِ السامِيِّ، اتفقا عليهِ أيضاً هكذا ذكرَ الأميرُ أبو نصرِ بنُ ماكولاأنَّه بكسرِ الباءِ والراءِ، وفي كتابِ " عمدةِ المحدثينَ ": أنَّهُ بفتحِ الباءِ والراء. وحكى أبو عليٍّ الجيانيُّ، عنِ ابْنِ الفرضِيِّ أنَّهُ يقالُ: بالفتحِ والكسرِ، قالَ: والأشهرُ الكسرُ. وكذا قالَ القاضي عياضٌ، وابنُ الصلاحِ أيضاً: إنَّهُ الأشهرُ.

والرابِعُ: يَزيدُ - بفتحِ المثناةِ من تحتُ وكسرِ الزاي -، وهوَ الجادةُ، وكلُّ ما في الصحيحينِ " والموطأ "، فهو من هذا إلاَّ الأسماءَ المذكورةَ. 900.... ذُوْ كُنْيَةٍ بِمَعْشَرٍ وَالعَالِيَهْ ... بَرَّاءَ أُشْدُدْ وَبِجِيمٍ جَارِيَهْ 901.... ابْنُ قُدَامَةٍكَذَاكَ وَالِدُ ... يَزِيْدُ قُلْتُ وكَذَاكَ الأَسْوَدُ 902.... ابنُ العَلاوابْنُ أبِي سُفْيَانِ ... عَمْرٌو، فَجَدُّ ذَا وذَا سِيَّانِ ومِنْ ذلكَ: البرَّاءُ، والبرَاءُ. فالأولُ: بتشديدِ الراءِ، وهوَ أبو معشرٍ البرَّاءُ، واسمُهُ: يوسفُ بنُ يزيدَ، وحديثُهُ في الصحيحينِ، وأبو العاليةِ البَرَّاءُ، قيلَ: اسمُهُ زيادُ بنُ فيروزَ، وقيلَ: غيرُ ذلكَ، وحديثُهُ أيضاً في الصحيحينِ. والثاني: بتخفيفِ الراءِ، جماعةٌ، منهمُ: البراءُ بنُ عازبٍ. وجميعُ ما في الصحيحينِ " والموطَّأ " من هذا القسمِ إلاَّ الكُنيَتينِ المذكورتينِ. ومنْ ذلكَ: جَارِيَةُ، وحَارِثَةُ. فالأولُ: بالجيمِ وبالمثناةِ منْ تحتُ بعدَ الراءِ، وهوَ: جاريةُ بنُ قُدامةَ، ويَزيدُ بنُ جاريةَ، هكذا ذكرَ ابنُ الصلاحِ. تبعاً لصاحبِ " المشارقِ ". ويَزيدُ بنُ جاريةَ مذكورٌ في " الموطَّأ "، وقدْ روى مالكٌأيضاً والبخاريُّ أيضاً من روايةِ القاسمِ بنِ محمدِ عنْ عبدِ الرحمنِ ومجمعِ ابنَي يزيدَ ابنِ جاريةَ، عنْ خنساءَ بنتِ خِذَامِ، فذِكْرُهُ ليزيدَ بنِ جاريةَ صحيحٌ. وأما جاريةُ بنُ قدامةَ، فوقعَ ذِكْرُهُ في كتابِ الفتنِ منَ البخاريِّ.

قلتُ: وفي الصحيحِ اسمانِ آخرانِ لمْ يذكرْهُمَا ابنُ الصلاحِ، أشرتُ إليهما بقولي: (قلتُ: وكذاكَ الأسودُ ... ) إلى آخرهِ، وهما: الأسودُ بنُ العلاءِ بنِ جاريةَ الثَّقَفِيُّ، روى لهُ مسلمٌ، عنْ أبي سلمةَ، عنْ أبي هريرةَ حديثَ: ((البِئْرُ جُبَارٌ ... )) الحديث في الحدودِ، وعمرُو بنُ أبي سفيانَ بنِ أسيدِ بنِ جاريةَ الثقفيُّ، روى لهُ البخاريُّعنْ أبي هريرَةَ قِصَّةَ قَتْلِ خُبيبٍ، وروى لهُ مسلمٌعنْ أبي هريرةَ حديثَ: ((لِكُلِّ نَبيٍّ دَعوةٌ يدعو بِها ... )) الحديث. وأُريدَ بجَدِّ عَمْرٍو: جدَّهُ الأعلى، على أنَّهُ وقعَ في البخاريِّ في موضعٍمنهُ: عمرُو بنُ أُسيدِ بنِ جاريةَ. والثاني: حَارِثَةُ - بالحاءِ المهملةِ والثاءِ المثلثةِ -، وهمْ من عدا المذكورينَ منهم: زيدُ بنُ حَارِثَةَ الحِبُّ، وحَارِثَةُ بنُ وَهْبٍ الخُزاعيُّ، وحَارِثَةُ بنُ النعمانِ وحَارِثَةُ بنُ سراقةَ. 903.... مُحَمَّدَ بْنَ خَازِمٍ لا تُهْمِلِ ... والِدَ رِبْعِيٍّ حِرَاِشٍ اهْمِلِ 904.... كَذَا حَرِيْزُالرَّحَبِيْ وكُنْيَهْ ... قَدْ عُلِّقَتْ وَابْنُ حُدَيْرٍ عِدَّهْ ومنْ ذلكَ: خَازِمٌ، وحَازِمٌ. فالأولُ: بالخاء المعجمة، وهوَ محمدُ بنُ خازمٍ، أبو معاويةَ الضريرُ. والثاني: بالحاء المهملةِ، منهم: أبو حازمٍ الأعرجُ، وجريرُ بنُ حازمٍ، وكلُّ ما فيها من هذا القسمِ إلاَّ محمدَ بنَ خازمِ المذكورَ. ومنْ ذلكَ: حِرَاشٌ، وخِرَاشٌ.

فالأولُ: بكسرِ الحاءِ المهملةِ، وفتحِ الراءِ، وآخرهُ شينٌ معجمةٌ، وهوَ حِرَاشٌ والدُ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ وليسَ في الكتبِ الثلاثةِ منْ هذا غيرُهُ. والثاني: خِرَاشٌ - بكسرِ الخاءِ المعجمةِ -، والباقي كالذي قَبْلَهُ، منهم: شهابُ بنُ خِرَاشٍ، وآخرونَ. قلتُ: أدخلَ ابنُ ماكولافي هذا البابِ: خِدَاشاً - بكسرِ الخاءِ المعجمةِ وبالدالِ موضعَ الراءِ -، وقدْ روى مسلمٌفي " صحيحهِ " عنْ خالدِ بنِ خداشٍ، ولكنْ قالَ الذهبيُّ في " مُشتبهِ النسبةِ ": إنَّ خداشاً بالدالِ لا يلتبسُ، فلذلكَ لَمْ استدرِكْهُ على ابنِ الصلاحِ. ومِنْ ذلكَ: حَرِيْزٌ، وجَرِيْرٌ. فالأولُ: بفتحِ الحاءِ المهملةِ وكسرِ الراءِ بعدَها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ ساكنةٌ وآخرُهُ زايٌ، وهوَ: حريزُبنُ عثمانَ الرحبيُّ الحمصيُّ، روى لهُ البخاريُّ، وكذلكَ أبو حَرِيْزٍ عبدُ اللهِ بنُ الحسينِ الأزديُّ قاضي سِجِسْتَانَ، علَّقَ لهُ البخاريُّ وهوَ المرادُ بقولي: (وكُنيَه قدْ علقتْ) ، وقولي: (كذا حريزُ) أي: كذا أَهْمِلَ حاءَ هُ. والثاني: بفتحِ الجيمِ وكسرِ الراءِ وتكرارِهَا وهوَ الموجودُ في الكتبِ الثلاثةِ ما عدا المذكورينَ أولاً، منهمْ: جريرُ بنُ عبدِ اللهِ البجليُّ، وجريرُ بنُ حازمٍ، وربَّما اشتبهَ بهذهِ

الترجمةِ: حُدَيرُ - بضمِّ الحاءِ المهملةِ وفتحِ الدالِ وآخرُهُ راءٌ - منهم: عمرانُ بنُ حُدَيْرٍ، روى لهُ مسلمٌ، ومنهمْ: زيدٌ وزيادُ ابنا حُدَيْرٍ، لهما ذكرٌ في المغازي من " صحيحِ البخاريِّ " من غيرِ روايةٍ، وهوَ بعيدُ الاشتباهِ فلهذا لَمْ أُسَمِّهِمْ. 905.... حُضَيْنٌاعْجِمْهُ أَبُو سَاسَانَا ... وَافْتَحْ أَبَا حَصِيْنٍ ايعُثْمَانَا 906.... كَذَاكَ حَبَّانُ بنُ مُنْقِذٍ وَمَنْ ... وَلَدَهُ وابْنَ هِلاَلٍ وَاكْسِرَنْ 907.... ابنَ عَطِيَّةَ مَعَ ابْنِ مُوسَى ... وَمَنْ رَمَى سَعْداً فَنَالَ بُؤْسَا ومنْ ذلكَ: حُضَينٌ، وحَضِينٌ، وحَصِيْنٌ. فالأولُ: بضمِّ الحاءِ المهملةِ، وفتحِ الضادِ المعجمةِ، وسكونِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ، وآخرُهُ نونٌ، وهوَ حُضَيْنُ بنُ المنذرِ أبو سَاسَانَ، روى لهُ مسلمٌ. قالَ الحَافِظُ أبو الحَجَّاجِ المِزِّيُّ: ((لا نعرفُ في رواةِ العلمِ مَنِ اسمُهُ: حُضَيْنٌ بضادٍ معجمةٍ سواهُ)) . انتهى، وفي الصحيحينِ في قِصَّةِ عِتْبَانَ بنِ مالكٍ من طريقِ ابنِ شهابٍ، قالَ: سألتُ الحضينَ بنَ محمدٍ الأنصاريَّ عنْ حديثِ محمودِ ابنِ الرَّبيعِ فَصَدَّقَهُ، فزعمَ الأصيليُّ والقابسيُّ - فيما حكاهُ صاحبُ " المشارقِ " وغيرهُ عنهما: أنَّهُ بالضادِ المعجمةِ، قالَ القابسيُّ: وليسَ في الكتابِ - أي: البخاريِّ - غيرُهُ، قالَ المِزِّيُّ: ((وذلكَ وهمٌ فاحشٌ)) . قالَ القاضيعياضٌ: وصوابهُ كما للجماعةِ بصادٍ مهملةٍ.

والثاني: بفتحِ الحاءِ وكسرِ الصادِ المهملتينِ، وهوَ أبو حَصِيْنٍ عثمانُ بنُ عاصمٍ الأسديُّ، حديثُهُ في الصحيحينِ، قالَ أبو عليٍّ الجيانيُّ: ولا أعلمُ في الكتابينِ بفتحِ الحاءِ غيرَ هذا. والثالثُ: حُصَيْنٌ - بضمِّ الحاءِ وفتحِ الصادِ المهملتينِ - وهوَ الموجودُ في الكتبِ الثلاثةِ فيما عدا الترجمتينِ المذكورتينِ، منهمْ: عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ. قلتُ: وقدْ يشتبهُ هذا البابُ بحُضَيْرٍ، كالقسمِ الأولِ، إلاَّ أَنَّهُ بالراءِ مكانَ النونِ، وفي الكتبِ الثلاثةِ: أُسَيدُ بنُ حضيرٍ الأشهليُّ، أحدُ النقباءِ ليلةَ العقبةِ، ولكنَّهُ لا يلتبسُ في الغالبِ فلمْ استدرِكْهُ، واللهُ أعلمُ. ومِنْ ذلكَ حَبَّانُ، وحِبَّانُ، وحَيَّانُ. فالأولُ: بفتحِ الحاءِ المهملةِ، وتشديدِ الباءِ الموحدةِ، وهوَ حَبَّانُ ابنُ منقذٍ، لهُ ذِكْرٌ في " الموطَّأ ": أنَّه كانَ عندَهُ امرأتانِ، وابنهُ: واسعُابنُ حَبَّانَ بنِ منقذٍ، حديثُهُ في " الموطأ "والصحيحينِ. وهوَ المرادُ بقولي: (ومِنْ ولدِهِ) وابنُهُ حَبَّانُ بنُ

واسعِ بنِ حَبَّانَ، روى لهُ مسلمٌ. وابنُ عمِّهِ محمدُ بنُ يحيى بنِ حَبَّانَ بنِ منقذٍ، حديثهُ في " الموطَّأ " والصحيحينِ. وحَبَّانُ بنُ هلالٍ الباهليُّ حديثُهُ في الصحيحينِ، وقدْ يَرِدُ حَبَّانُ هذا في الصحيحِ مطلقاً غيرَ منسوبٍ إلى أبيهِ، فيتميزُ بشيوخِهِ، وذلكَ: حَبَّانُ، عنْ شعبةَ. وحَبَّانُ، عنْ وهيبٍ. وحَبَّانُ، عن هَمَّامٍ. وحَبَّانُ، عنْ أبانَ. وحَبَّانُ، عنْ سُليمانَ بنِ المغيرةِ. وحَبَّانُ، عن أبي عوانةَ. قالهُ القاضي عياضٌ في " المشارق "، وتبعهُ عليهِ ابنُ الصلاحِ، والمرادُ بهِ في الأمثلةِ المذكورةِ: حَبَّانُ بنُ هلالٍ. والثاني: حِبَّانُ - بكسرِ الحاءِ المهملةِ والباقي كالذي قبلَهُ - وهوَ: حِبَّانُ ابنُ عطيةَ السلميُّ، لهُ ذِكْرٌ في البخاريِّ في قصةِ حاطبِ بنِ أبي بلتعةَ. وقدْ جزمَ بما تقدَّمَ فيهِ من أنَّهُ بالكسرِ ابنُ ماكولاوالمشارقةُ، وبهِ صدَّرَ صاحبُ " المشارقِ " كلامَهُ، وذكرَ أبو الوليدِ الفرضيُّ: أنَّهُ بالفتحِ، وحكاهُ أبو عليٍّ الجَيَّانيُّ، وصاحبُ " المشارقِ " عنْ بعضِ رواةِ أبي ذرٍّ، قالا: وهوَ وهمٌ. وحِبَّانُ بنُ موسى السلميُّ المروزيُّ، روى عنهُ الشيخانِ في صحيحيهما، وهوَ حِبَّانُ غيرُ منسوبٍ أيضاً عنْ عبدِ اللهِ بنِ المباركِ. وبالكسرِ أيضاً: حِبَّانُ بنُ العَرِقَةِ، لهُ ذِكْرٌ في الصحيحينِفي حديثِ عائشةَ أنَّ سعدَ بنَ معاذٍ رماهُ رجلٌ من قريشٍ يقالُ لهُ: حِبَّانُ بنُ العرقةِ، هذا هوَ المشهورُ. وحكى ابنُ ماكولا أنَّ ابنَ عقبةَ ذكر في المغازي: أنَّهُ جبَارُ - بالجيمِ - قالَ: والأولُ أصحُّ.

انتهى. والعَرِقَةُ هذهِ أمُّهُ فيما قالهُ أبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سلاَّمٍ، واختُلِفَ في ضبطِ هذا الحرفِ، فالمشهورُ أنَّهُ بعينٍ مفتوحةٍ ثمَّ راءٍ مكسورةٍ بعدَها قافٌ. وحكى ابنُ ماكولا عنِ الواقديِّ: أنَّهُ بفتحِ الراءِ، والأولُ أشهرُ. وقيلَ لها ذلكَ لطيبِ رائحتها، واسمها فيما قالَ ابنُ الكلبيِّ: قِلاَبةُ - أي: بكسرِ القافِ - بنتُ سُعَيدٍ - أي: بضمِّ السينِ - ابنِ سهمٍ، وتكَنَّى أمَّ فاطمةَ. واختُلِفَ في اسمِ أبيهِ، فقيلَ: حِبَّانُ بنُ قيسٍ، وقيلَ: ابنُ أبي قيسٍ. والثالثُ: حَيانُ - بفتحِ الحاءِ المهملةِ بعدها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ - وهوَ بقيةُ ما في الكتبِ الثلاثةِ بعدَما تقدمَ ضبطُهُ هنا. قلتُ: وقدْ يشتبهُ بهذهِ المادةِ: جَبَّارٌ، وخِيَارٌ. فالأولُ: بفتحِ الجيمِ وتشديدِ الباءِ الموحدةِ وآخرُهُ راءٌ، وهوَ: جَبَّارُ بنُ صخرٍ، شَهِدَ بدراً، لهُ ذِكْرٌ عندَ مسلمٍفي حديثِ عبادةَ بنِ الوليدِ بنِ عبادةَ بنِ الصامتِ، قالَ: خرجْتُ أنا وأبي نطلبُ العلمَ في هذا الحيِّ منَ الأنصار ... الحديثَ في أواخرِ الكتابِ. والثاني: بكسرِ الخاءِ المعجمةِ بعدها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ، مخفَّفَةٌ وآخرُهُ راءٌ أيضاً، وهوَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ، وحديثُهُ في الصحيحينِ. 908.... خُبَيْباً اعْجِمْ في ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنْ ... وابْنِ عَدِيٍّ وَهْوَ كُنْيَةً كَانْ 909.... لابْنِ الزُّبَيْرِ وَرِيَاحَ اكْسِرْ بِيا ... أَبَا زِيَادٍ بِخِلاَفٍ حُكِيَا

ومِنْ ذلكَ: خُبَيْبٌ، وحَبِيْبٌ. فالأولُ: بضمِّ الخاءِ المعجمةِ وفتحِ الباءِ الموحدةِ بعدَها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ ساكنةٌ وآخرُهُ باءٌ موحدةٌ، وهوَ خُبيبُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ خُبيبِ بنِ يسافٍ الأنصاريُّ، حديثُهُ في الصحيحينِ " والموطَّأ "، وهوَ الواردُ ذكرُهُ في الصحيحينِ غيرَ منسوبٍ، عنْ حفصِ بنِ عاصمٍ، وفي " صحيحِ مسلمٍ " أيضاً: عنْ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ معنٍ، وجدُّهُ خُبيبٌ، كذلكَ بمعجمةٍ إلاَّ أنَّهُ ليسَ لهُ روايةٌ في شيءٍ من الكتبِ الثلاثةِ المذكورةِ. وخبيبُ بنُ عديٍّ، لهُ ذكرٌ في البخاريِّ في حديثِ أبي هريرةَ في سرِيَّةِ عاصمِ بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ، وقَتْلِ خُبَيبٍ وهوَ القائلُ: وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمَاً ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلّهِمَصْرَعِي وكذلكَ أبو خُبيبٍ كنيةُ عبدِ اللهِ بنِ الزبيرِ، كُنِّيَ بابنِهِخبيبِ بنِ عبدِ اللهِ، وليسَ لابنِهِ خُبيبٍ ذِكْرٌ في شيءٍ من الكتبِ الثلاثةِ المذكورةِ، وإنما روى لهُ النسائيُّ حديثاً واحداً، ولمْ يسمِّهِ، وإنما قالَ: عنِ ابنِ عبدِ اللهِ، وسمَّاهُ غيرُهُ خُبيباً، واللهُ أعلمُ.

والثاني: حَبِيْبٌ - بفتحِ الحاءِ المهملةِ وكسرِ الباءِ الموحدةِ -، وهوَ الموجودُ في الكتبِ الثلاثةِ فيما عدَا مَنْ ذُكِرَ أنَّهُ بالمعجمةِ، منهمْ: حَبيبُ بنُ أبي ثابتٍ، وحبيبُ بنُ الشهيدِ، وحبيبٌ المُعَلِّمُ، ويزيدُ بنُ أبي حبيبٍ، وغيرهمْ. ومِنْ ذلكَ: رِياحٌ، ورَبَاحٌ. فالأولُ: بكسرِ الراءِ بعدَها ياءٌ مثناةٌ من تحتُ، وهوَ زيادُ بنُ رياحٍ القَيْسِيُّ البصريُّ، ويكنَّى أبا رِياحٍ أيضاً كاسمِ أبيهِ، وقيلَ: كنيتُهُ أبو قيسٍ تابعيٌّ، لهُ في " صحيحِ مسلمٍ " عنْ أبي هريرةَ حديثانِ، أحدهُما حديثُ: ((مَنْ خَرَجَ منَ الطاعةِ وفارقَ الجماعةِ)) ، والثاني: حديثُ: ((بادروا بالأعمالِ ستاً)) . وما ذكرناهُ منْ أنَّهُ بكسرِ الراءِ وبالمثناةِ، هوَ قولُ الأكثرينَ، وبهِ جزمَ عبدُ الغنيِّ وابنُ ماكولا. وحكى صاحبُ "المشارقِ" عنِ ابنِ الجارودِ أنَّهُ بباءٍ موحدةٍ، كالقسمِ الثاني، وأنَّ البخاريَّ ذكرَ فيهِ الوجهينِ، وفي التابعينَ منْ أهلِ البصرةِ أيضاً رجلٌ سُمِّيَ زيادُ بنُ رياحٍ الهذليُّ، كنيتُهُ: أبو رياحٍ أيضاً، وهوَ بكسرِ الراءِ، وبالمثناةِ أيضاً، رأى أنسَ بنَ مالكٍ، وروى عنِ الحسنِ البصريِّ وهوَ متأخرُ الطبقةِ عنْ القيسيِّ، ذكرَهُ الخطيبُ في " المتَّفقِ والمفترقِ "؛ ولكنَّهُ جعلَ هذهِ الكنيةَ لهذا، وجزمَ في الأولِ بأنَّهُ أبو قيسٍ،

وكذلكَ فعلَ ابنُ ماكولا، وخالفهما المزيُّ فصدَّرَ كلامَهُ في الأولِ بأنَّهُ أبو رياحٍ، فاللهُ أعلمُ. والثاني: بفتحِ الراءِ بعدها باءٌ موحدةٌ، وهوَ الموجودُ في الكتبِ الثلاثةِ بعدَ زيادِ بنِ رياحٍ منهم: رباحُ بنُ أبي معروفٍ، عندَ مسلمٍ، وعطاءُ بنُ أبي رباحٍ في الصحيحينِ و" الموطأ "، وزيدُ بنُ أبي رباحٍ عندَ مالكٍ والبخاريِّ وغيرُ ذلكَ. 910.... وَاضْمُمْ حُكَيْمَاً في ابْنِ عَبْدِ اللهِ قَدْ ... كَذَا رُزَيْقُ بْنُ حُكَيمٍ وَانْفَرَدْ 911.... زُبَيْدُ بْنُ الصَّلْتِ وَاضْمُمْ وَاكْسِرِ ... وَفي ابْنِ حَيَّانَ سَلِيمٌ كَبِّرِ ومِنْ ذلكَ: حُكَيمٌ، وحَكِيمٌ. فالأولُ: مصغَّرٌ بضمِّ الحاءِ المهملةِ وفتحِ الكافِ، وهوَ حُكَيْمُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ قيسِ ابنِ مخرمةَ القرشيُّ المصريُّ. روى لهُ مسلمٌ في صحيحهِ ثلاثةَ أحاديثَ، ويسمَّى أيضاً الحُكَيْمُ - بالألفِ واللامِ -، وهوَ كذلكَ في بعضِ طُرُقِ حديثِهِ. ورُزَيقُ بنُ حُكَيْمٍ الأيليُّ والي أَيْلةَ لعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، وذكرَ ابنُ الحَذَّاءِ: أنَّهُ كانَ حاكماً بالمدينةِ، ورُزَيْقُ: مصغَّرٌ أيضاً -بتقديمِ الراءِ-، ويُكَنَّى أبا حُكَيمٍ أيضاً، كاسمِ أبيهِ، لهُ ذِكْرٌ في " الموطَّأ " في الحدودِ، روى مالكٌ عنْ رُزَيْقِ بنِ حُكَيمٍ: أنَّ رجلاً يُقالُ لهُ: مِصْبَاحٌ ... فذكرَ القِصَّةَ. ولهُ ذِكْرٌ في البخاريِّ في بابِ الجمعةِ في

القرى والمدنِ. قالَ يونسُ: كتبَ رُزَيقُ بنُ حُكَيْمٍ إلى ابنِ شهابٍ، وأنا معهُ يومئذٍ بوادي القُرَى: هلْ ترى أنْ أُجَمِّعَ؟ ورُزَيْقٌ يومئذٍ على أيلةَ ... فذكرَ القِصَّةَ. وما ذكرناهُ من أنَّهُ بضمِّ الحاءِ هوَ الصوابُ، كما قالهُ عليُّ بنُ المدينيِّ. وحكى صاحبُ " تقييدِ المهملِ " عنهُ: أنَّ سفيانَ - يعني: ابنَ عيينةَ - كثيراً ما كانَ يقولُ: حَكِيْمٌ - يعني: بالفتحِ -. والثاني: مُكَبَّرٌ بفتحِ الحاء وكسرِ الكافِ، وهوَ جميعُ ما في الكتبِ الثلاثةِ ما عدا الاسمينِ المذكورينِ، منهمْ: حَكِيمُ بنُ حزامٍ، وحكيمُ ابنُ أبي حرَّةَ، لهُ عندَ البخاريِّ حديثٌ واحدٌ، وَبَهْزُ بنُ حَكِيمٍ، علَّقَ لهُ البخاريُّ، وغيرُ ذلكَ، واللهُ أعلمُ. ومِنْ ذلكَ: زُِيَيْدٌ، وزُبَيْدٌ. فالأولُ: بضمِّ الزاي وكسْرِهَا أيضاً وفتحِ الياءِ المثناةِ من تحتُ بعدَهَا ياءٌ مثناةٌ من تحتُ أيضاً ساكنةٌ، وآخرهُ دالٌ مهملةٌ. وهوَ زُيَيْدُ بنُ الصلتِ بنِ معديْ كرب الكنديُّ، لهُ ذِكْرٌ في " الموطَّأ " من روايةِ هشامِ بنِ عروةَ عنهُ أنَّهُ قالَ: خَرجْتُ معَ عمرَ بنِ الخطابِ إلى الجُرُفِ فنظرَ فإذا هوَ قدِ احتلمَ وصلَّى ... فذكرَ القِصَّةَ. وروى مالكٌ أيضاً في " الموطَّأ " عنِ الصلتِ بنِ زُيَيْدٍ، عنْ غيرِ واحدٍ من أهلِهِ: أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ وجدَ ريحَ طِيْبٍ، وهوَ بالشجرةِ وإلى جنبهِ كثيرُ بنُ الصلتِ، قالَ عمرُ: مِمَّنْ ريحُ هذا الطِيْبِ؟ ... فذكرَ القِصَّةَ. قالَ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ: إنَّ الصلتَ بنَ زُيَيْدٍ، هوَ ابنُ زُيَيْدِ بنِ الصلتِ المتقدمِ. وحكى ابنُ الحَذَّاءِ قولينِ آخرينِ فيهما بعدُ، والصلتُ بنُ زُيَيْدٍ هذا ولِّيَ قضاءَ المدينةِ. وأمَّا قولُ ابنِ الحَذَّاءِ: أنَّ أباهُ زُيَيْدَ بنَ الصلتِ كانَ قاضيَ المدينةِ في زمنِ هِشَامِ

ابنِ عبدِ الملكِ، فوَهَمٌ منهُ، واللهُ أعلمُ. وقولي: (واضمم واكسر) أي: الزايَ من زُيَيْدٍ، ففيهِ وجهانِ. والثاني: زُبَيْدٌ - بضمِّ الزاي بعدَهَا موحدةٌ مفتوحةٌ -، منهم: زُبَيْدٌ اليامِيُّ، وأبو زُبَيْدٍ عَبْثَرُ بنُ القاسمِ، واللهُ أعلمُ. ومنْ ذلكَ: سَلِيمٌ، وسُلَيْمٌ. فالأولُ: مكبَّرٌ - بفتحِ السينِ المهملةِ وكسرِ اللامِ -، وهوَ سَلِيْمُ بنُ حيَّانَ حديثُهُ في الصحيحينِ، وليسَ فيهما سَلِيْمٌ غيرُهُ. والثاني: مُصَغَّرٌ - بضمِّ السينِ وفتحِ اللامِ -، وهوَ بقيةُ ما في الكتبِ الثلاثةِ، منهم: سُلَيْمُ بنُ عامرٍ الخبَائريُّ، وأبو الشعثاءِ سُلَيْمُ بنُ أسودَ المحاربيُّ، وسُلَيْمُ بنُ أخضرَ، وسُلَيْمُ بنُ جبيرٍ، وغيرُهمْ. وقدْ ذكرَ ابنُ الصلاحِ بعدَ هذا: سَلَمٌ وسَالِمٌ، ولا يشتبهُ لزيادةِ الألفِ، فلهذا حذفتُهُ. 912.... وَابْنُ أَبي سُرَيْجٍ احْمَدُ إئْتَسَا ... بِوَلَدِ النُّعْمَانِ وَابْنِ يُونُسَا ومنْ ذلكَ: سُرَيْجٌ، وشُرَيْحٌ. فالأولُ: - بضمِّ السينِ المهملةِ وآخرهُ جيمٌ - وهوَ أحمدُ بنُ أبي سُرَيْجٍ، روى عنهُ البخاريُّ في " صحيحهِ "، واسمُ أبي سُرَيْجٍ: الصَّبَاحُ، وقيلَ: هوَ أحمدُ بنُ عمرَ بنِ أبي سُرَيْجٍ، وكذلك: سُرَيْجُ بنُ النُّعْمَانِ، روى عنه البخاريُّ أيضاً. وذكرَ الجيَّانيُّ: أنَّ مسلماً روى عن رجلٍ عنهُ، فاللهُ أعلمُ. سُرَيْجُ بنُ يونسَ حديثُهُ في الصحيحينِ، وهوَ أحدُ مَنْ سَمِعَ منهُ مسلمٌ، وروى عنهُ البخاريُّ بواسطةٍ. والثاني: شُرَيْحٌ - بضمِّ الشينِ المعجمةِ وآخرهُ حاءٌ مهملةُ -، وهوَ بقيةُ ما في الكتبِ الثلاثةِ، منهم: شُرَيْحٌ القاضي، وأبو شُرَيْحٍ الخزاعيُّ، وعبدُ الرحمنِ ابنُ شُرَيْحٍ:

أبو شُرَيْحٍ الإسكندرانيُّ، وغيرُهُمْ. وقولي: (ائتَسا) أي: لهُ أسوةٌ بالمذكورينَ في كونِهِ بالسينِ المهملةِ والجيمِ. وذكرَ ابنُ الصلاحِ هنا: سَلْمَانَ وسُلَيْمَانَ، ولا يشتبهانِ لزيادةِ ياءِ التصغير في الثاني، فلهذا أسقطتهُ. 913.... عَمْرٌو مَعَ القَبِيلَةِ ابْنُ سَلِمَهْ ... وَاخْتَرْ بِعَبْدِ الخَالِقِ بْنِ سَلَمَهْ ومنْ ذلكَ: سلِمَةُ، وسَلَمَةُ. فالأولُ: بكسرِ اللامِ، وهوَ عمرُو بنُ سلِمَةَ الجَرْميُّ إمامُ قومِهِ، اخْتُلِفَ في صحبتِهِ، وكذلكَ القبيلةُ بنو سَلِمةَ منَ الأنصارِ، واخْتُلِفَ في عبدِ الخالقِ بنِ سلمة أحدِ مَنْ روى لهُ مسلمٌ، وليسَ لهُ عندَهُ إلاَّ حديثٌ واحدٌ في قدومِ وفدِ عبدِ القيسِ، وسؤالُهم عنِ الأشربةِ، فقالَ فيهِ يزيدُ بنُ هارونَ: ابنِ سَلَمةَ - بفتحِ اللامِ -، وقالَ ابنُ عُلَيَّةَ: سَلِمَةُ - بكسرِها -، وممَّنْ حكى فيهِ الوجهينِ: ابنُ ماكولا. وقولي: (واختر) أي: إنْ شِئتَ فتحتَهُ، وإنْ شئتَ كَسَرْتَهُ، واللهُ أعلمُ. وذكرَ ابنُ الصلاحِ بعدَ هذا سناناً وشيبانَ، ولا يلتبس لزيادةِ الياءِ في شيبانَ، ولذلكَ لَمْ أذْكرْهُ، واللهُ أعلمُ. 914.... وَالِدُ عَامِرٍ كَذَا السَّلْمَانِي ... وَابْنُ حُمَيْدٍ وَوَلَدْ سُفْيَانِ 915.... كُلُّهُمُ عَبِيْدَةٌ مُكَبَّرُ ... لَكِنْ عُبَيْدٌ عِنْدَهُمْ مُصَغَّرُ

ومِنْ ذلكَ: عَبِيْدةُ، وعُبَيْدةُ. فالأولُ: عَبِيْدُةُ مُكَبَّرٌ - بفتحِ العينِ وكسرِ الباءِ وآخِرهُ هاءُ التأنيثِ -، وليسَ في الكتبِ الثلاثةِ منهمْ إلاَّ أربعةُ أسماءٍ: الأولُ: عامرُ بنُ عَبِيْدةَ الباهليُّ، وقدْ ضُبِطَ عنِ المهلبِ: عُبَيْدةَ بالضمِّ. قالَ صاحبُ " المشارقِ ": ((وهوَ وهمٌ)) . وقعَ ذكرهُ عندَ البخاريِّ، في كتابِ " الأحكام " فقالَ: ((قالَ معاويةُ بنُ عبدِ الكريمِ القرشيُّ: شهدتُ عبدَ الملكِ بنَ يَعلى، قاضي البصرةِ وإياسَ بنَ معاويةَ، والحسنَ، وثمامةَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ أنسٍ، وبلالَ بنَ أبي بُردةَ، وعبدَ اللهِ بنَ بُرَيْدةَ الأسلميَّ، وعامرَ بنَ عَبِيْدةَ، وعَبَّادَ بنَ مَنْصُوْرٍ، يُجِيْزُوْنَ كُتُبَ القُضَاةِ بغيرِ مَحْضَرٍ منَ الشهودِ)) . والثاني منَ الأسماءِ: عَبيدةُ بنُ عمرٍو، ويقالُ: ابنُ قيسٍ السلمانيُّ، حديثُهُ في الصحيحينِ. والثالثُ: عَبيدةُ بنُ حُميدٍ، روى لهُ البخاريُّ. والرابعُ: عَبيدةُ بنُ سفيانَ الحضرميُّ، حديثُهُ في الموطأ، وصحيحِ مسلمٍ وليسَ لهُ عندهما إلاَّ حديثٌ واحدٌ، وهوَ حديثُ أبي هريرةَ في تحريمِ: ((كُلِّ ذي نابٍ منَ السِّبَاعِ)) . وفي " صحيحِ البخاريِّ ": أنَّ الزبيرَ، قالَ: لقيتُ يومَ بدرٍ عَبيدةَ بنَ سعيدِ ابنِ العاصِ ... الحديثَ. والمعروفُ فيهِ الضمُّ. وذكرَ صاحبُ " المشارقِ ": أنَّ البخاريَّ ذكرَهُ بالضمِّ، وأنَّهُ حَكَى عنهُ الحُمَيديُّ الفتحَ والضمَّ.

والثاني منْ لفظَي الترجمةِ: عُبَيْدَةُ مصغَّرٌ - بضمِّ العينِ وفتحِ الباءِ -، وهوَ بقيَّةُ مَنْ ذُكِرَ في الكتبِ الثلاثةِ، منهم: عُبَيْدَةُ بنُ الحارثِ بنِ المطلبِ، وعُبَيْدةُ بنُ مُعَتِّبٍ، وسعدُ ابنُ عُبَيْدَةَ، وعبدُ اللهِ بنُ عُبَيْدَةَ بنِ نَشِيْطٍ، وغيرهم. ومِنْ ذلكَ عُبَيْدٌ، وعَبِيْدٌ، كلاهما بغيرِ هاءِ التأنيثِ. فالأولُ: مصغَّرٌ، وهوَ جميعُ ما في الكتبِ الثلاثةِ، حيثُ وقعَ، قالَهُ ابنُ الصلاحِ تبعاً لصاحبِ " المشارق ". والثاني: عَبِيْدٌ مكبَّرٌ، وليسَ في واحدٍ منَ الكتبِ الثلاثةِ، وهوَ اسمُ جماعةٍ منَ الشعراءِ: عَبِيْدُ بنُ الأبرصِ، وعَبِيْدُ بنُ زهيرِ، وعَبِيْدُ بنُ قماصٍ، وفي الصحابةِ جماعةٌ يُنسبونَ إلى عوفِ بنِ عَبِيْدِ بنِ عويجٍ. 916.... وَافْتَحْ عَبَادَةَ أبَا مُحَمَّدِ ... وَاضْمُمْ أَبَا قَيْسٍ عُبَاداً أَفْرِدِ ومن ذلكَ: عَبادةُ، وعُبَادةُ. فالأولُ: بفتحِ العينِ المهملةِ، وتخفيفِ الباءِ الموحدةِ، وهوَ محمدُ بنُ عَبَادةَ الواسطيُّ شيخُ البخاريِّ. وليسَ فيها بالفتحِ غيرُهُ. والثاني: بضمِّ العينِ، وهوَ بقيةُ الموجودِ في الكتبِ الثلاثةِ، منهم: عُبَادةُ ابنُ الصامتِ، وحفيدُهُ عُبادةُ بنُ الوليدِ، وعُبادةُ بنُ نسيٍّ. ومِنْ ذلكَ: عُبَادٌ، وعَبَّادٌ. فالأولُ: بضمِّ العينِ المهملةِ، وتخفيفِ الباءِ الموحدةِ، وهوَ قيسُ بنُ عُبَادٍ القيسيُّ الضُّبَعيُّ البصريُّ. حديثُهُ في الصحيحينِ، وليسَ فيها بالضمِّ والتخفيفِ غيرهُ، إلاَّ أنَّ صاحبَ " المشارقِ " حَكَى: أنَّهُ وقعَ عندَ أبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ مُطَرّفِ بنِ المرابطِ في " الموطأ ": عُبَادُ بنُ الوليدِ بنِ عُبَادَةَ، قالَ: وهوَ خطأ، وللكلِّ عُبَادةُ بنُ الوليدِ - كما تقدَّمَ - وهوَ الصوابُ.

والثاني: عَبَّادُ - بفتحِ العينِ، وتشديدِ الباءِ -، وهوَ باقي مَنْ ذُكِرَ في الكتبِ الثلاثةِ، كعَبَّادِ بنِ تميمٍ المازنيِّ، وعَبَّادِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزبيرِ، وابنِ أخيهِ عَبَّادِ بنِ حمزةَ، وعَبَّادِ بنِ العوامِ في آخرينَ. 917.... وعَامِرٌ بَجَالةُ ابنُ عَبْدَهْ ... كُلٌّ وَبَعْضٌ بِالسُّكُونِ قَيَّدَهْ ومِنْ ذلكَ: عَبَدةُ، وعَبْدةُ. فالأولُ: بفتحِ العينِ المهملةِ، وفتحِ الباءِ الموحدةِ أيضاً، وليسَ فيها كذلكَ إلاَّ اسمانِ: الأولُ: عامرُ بنُ عَبَدةَ البَجَلِيُّ الكوفيُّ، روى لهُ مسلمٌ في مقدمةِ الصحيحِ، عنِ ابنِ مسعودٍ، قولهُ: ((إنَّ الشيطانَ ليتمثلُ في صورةِ الرجلِ، فيأتي القومَ، فيحدثهُم ... )) الحديث. هكذا ذكرَهُ بالفتحِ عليُّ بنُ المدينيِّ، ويحيى بنُ معينٍ، وأبو عليٍّ الجيَّانيُّ، والتميميُّ، والصدفيُّ، وابنُ الحَذَّاءِ، وبهِ صَدَّرَ الدارقطنيُّ، وابنُ ماكولاَ كَلاَمَيْهِمَا، وحكيا أَنَّهُ قِيلَ فيهِ: عَبْدَةُ بسكونِ الباءِ. قالَ صاحبُ " المشارقِ ": وحُكِيَ لنا عنْ بعضِ شيوخِنا: عَبْدَ - بِغيْرِ هَاءٍ -. قالَ: وهوَ وهمٌ. أمَّا عامرُ بنُ عَبْدةَ الذي روى عنهُ أبو أسامةَ، فهوَ بإسكانِ الباءِ ولكنْ ليسَ لهُ روايةٌ في الكُتُبِ الثلاثةِ، ولا في بقيةِ الستةِ. وقولُ الذهبيِّ - فيما قرَأتُهُ بخطِّهِ في "المشتبهِ": أنَّهُ يشتبهُ بعامرِ بنِ عَبْدةَ الباهِليِّ: وهمٌ، إنَّما الباهليُّ عامرُ بنُ عُبَيْدةَ بزيادةِ ياءٍ مثناةٍ منْ تحتُ بعدَ الباءِ الموحدةِ المكسورةِ، وقدْ تقدَّمَ في عُبيدةَ. والثاني منَ الاسمينِ: بجالَةُ بنُ عَبَدَةَ التميميُّ، ثمَّ العنبَريُّ البصريُّ، روى لهُ البخاريُّ في كتابِ " الجزية "، قالَ: كنتُ كاتباً لِجَزْءِ بنِ معاويةَ، فجاءنا كتابُ

عمرَ قبلَ موتِهِ بسنةٍ ... الحديث. وقدْ قيَّدَهُ بالفتحِ الدارقطنيُّ، وابنُ ماكولا، والجيَّانيُّ. وحَكَى صاحبُ " المشارقِ ": أَنَّهُ ذكرَهُ كذلكَ البخاريُّ في " التاريخِ " وأصحابُ الضبطِ، قالَ: وقالَ فيهِ الباجيُّ: عَبْدةُ، قالَ: وقالَ البخاريُّ فيهِ أيضاً: عَبْدةُ بالإسكانِ، قالَ: ويقالُ فيهِ أيضاً: عَبْدٌ. والثاني منْ لفظي الترجمةِ: عَبْدةُ - بفتحِ العينِ، وسكونِ الباءِ -، وهوَ بقيةُ ما في الكتبِ الثلاثةِ من ذلكَ، منهم: عَبْدَةُ بنُ سليمانَ الكلابيُّ، وعَبْدَةُ ابنُ أبي لُبَابةَ، وغيرُهما. وقولي: (ابن عَبدهْ) : هوَ بالألفِ؛ لأنَّ (ابنَ) ليسَ في موضعِ الصفةِ لِبَجَالةَ؛ وإنما هو ابتداءُ جملةٍ في موضعِ الخبرِ، أي: كلٌّ منَ المذكورينَ: ابنُ عَبْدةَ. وقولي: (وبعضٌ بالسكونِ قَيَّدَهْ) أي: في كُلِّ واحدٍ منَ الاسمينِ جميعاً. 918.... عُقَيْلٌ القَبِيْلُ وَابْنُ خَالِدِ ... كَذَا أبُو يَحْيَى وَقَافِ وَاقِدِ 919.... لَهُمْ كَذَا الأَيْليُّ لاَ الأُبُلِّي ... قَالَ: سوَى شَيْبَانَ وَالرَّا فَاجْعَلِ 920.... بَزَّاراً انْسُبْ ابْنَ صَبَّاحٍ حَسَنْ ... وَابْنَ هِشَامٍ خَلَفاً، ثُمَّ انْسُبَنْ 921.... بالنُّونِ سَالِماً وَعَبْدَ الوَاحِدْ ... ومَالِكَ بنَ الأَوْسِ نَصْرِيّاً يَرِدْ ومِنْ ذلكَ عُقَيْلٌ، وعَقِيلٌ. فالأولُ: مصغَّرٌ - بضمِّ العينِ المهملةِ وفتحِ القافِ -، منْ ذلكَ بَنُو عُقَيْلٍ القبيلةُ المعروفةُ، لهم ذكرٌ في حديثِ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ عندَ مسلمٍ: كانتْ ثَقِيْفُ حُلفاءَ لبني

عُقَيْلٍ، وذكرَ حديثَ العَضْبَاءِ، وأنَّها كانتْ لرجلٍ منْ بني عُقَيْلٍ. وكذا عُقَيْلُ بنُ خالدٍ الأيليُّ، حديثُهُ في الصحيحينِ، وكذا يحيى بنُ عُقيلٍ الخزاعيُّ البصريُّ، روى لهُ مسلمٌ. وهوَ المرادُ بقولي: (كذا أبو يَحْيَى) . والثاني: بفتحِ العينِ، وكسرِ القافِ، مكبَّرٌ، منهم: عَقِيْلُ بنُ أبي طالبٍ، مذكورٌ في الحديثِ المتفق عليهِ: ((وهَلْ تَرَكَ لنا عَقِيْلٌ مِنْ رِبَاعٍ)) . وليستْ لهُ روايةٌ عندهما. ومِنْ ذلكَ: واقدٌ، ووافدٌ. فالأولُ: بالقافِ، وهوَ جميعُ ما في الكتبِ الثلاثةِ، منهم: واقدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، وابنُ ابنِ أخيهِ: واقدُ بنُ محمدِ بنِ زيدٍ، وغيرهما. والثاني: وافِدٌ - بالفاءِ -، وليسَ في شيءٍ منَ الكتبِ الثلاثةِ، قالَهُ صاحبُ " المشارق "، وتبعهُ ابنُ الصلاحِ، ومنهمْ: وافِدُ بنُ موسى الذارِعُ، ووافدُ بنُ سلامةَ، ذكرهما الأميرُ وغيرُهُ. ومِنْ ذلكَ: الأَيْلِيُّ، والأُبُليُّ. فالأولُ: بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ، منهمْ: هارونُ بنُ سعيدٍ الأَيْلِيُّ، ويونسُ بنُ يزيدَ الأَيْلِيُّ، وعُقَيْلُ بنُ خالدٍ الأيْلِيُّ، وغيرُهم. قالَ القاضي عياضٌ في " المشارقِ ": وليسَ فيهَا أُبُلِّيٌّ، أي: في الكتبِ الثلاثةِ، وتعقبَهُ ابنُ الصلاحِ، فقالَ: ((روى مسلمٌ الكثيرَ عنْ شيبانَ بنِ فروخٍ، وهوَ أُبُلِّيٌّ - بالباءِ الموحدةِ - قالَ: لكنْ إذا لَمْ يكنْ في شيءٍ منْ ذلكَ منسوباً لَمْ يلحقْ عياضاً منهُ تخطِئةٌ، واللهُ أعلمُ)) .

ومِنْ ذلكَ: البَزَّارُ، والبَزَّازُ. فالأولُ: آخرهُ راءٌ مهملةٌ، وهوَ الحسنُ بنُ الصباحِ البَزَّارُ، منْ شيوخِ البخاريِّ، وخَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّارُ مِن شيوخِ مسلمٍ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((لا نعرفُ في الصحيحينِ بالراءِ المهملةِ إلاَّ هما)) . قلتُ: ذكرَ الجيَّانيُّ في " تقييدِ المهملِ " في هذهِ الترجمةِ: يحيى ابنَ محمدِ بنِ السَّكنِ البَزَّارَ منْ شيوخِ البخاريِّ. وبِشْرَ بنَ ثابتٍ البَزَّارَ، استشهدَ بهِ البخاريُّ. قلتُ: ولَمْ يقعْ ذكرهما في البخاريِّ منسوبينِ، بلْ خاليينِ منَ النسبةِ، فلذلكَ لَمْ استدركْهما في النَّظْمِ على ابنِ الصلاحِ، واللهُ أعلمُ. والثاني: البَزَّازُ - بزايٍ مكررةٍ -، وهوَ باقي المذكورينَ في الصحيحينِ، منهمْ: محمدُ بنُ الصَّباحِ البَزَّازُ، ومحمدُ بنُ عبدِ الرحيمِ البَزَّازُ المعروفُ بصاعقةَ وغيرهما. ومِنْ ذلكَ: النَّصْرِيُّ، والبَصْرِيُّ. فالأولُ: بالنونِ والصادِ المهملةِ، وذلكَ في ثلاثةِ أسماءٍ: الأولُ: سالمٌ النَّصْريُّ مولى النَّصْرِيِّيْنَ، وهوَ مولى مالكِ بنِ أوسٍ النَّصْريِّ، الآتي ذكرُهُ، روى لهُ مسلمٌ. واسمُ أبي سالمٍ: عبدُ اللهِ، قالَ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ في "إيضاحِ الإشكال": سالمٌ أبو عبدِ اللهِ المدينيُّ، وهوَ سالمٌ مولى مالكِ بنِ أوسٍ وهوَ سالمٌ مولى النَّصْرِيِّيْنَ، وهوَ سالمٌ مولى المَهْريِّيْنَ، وهوَ سالمٌ سَبَلان، وهوَ سالمٌ مولى شدادٍ الذي روى عنهُ أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، وهوَ أبو عبدِ اللهِ الذي روى عنهُ بكيرُ بنُ الأشجِ، وذكرَ: أنَّهُ كانَ شيخاً كبيراً. وهوَ

سالمٌ أبو عبدِ اللهِ الدوسيُّ، وهوَ سالمٌ مولى دوسٍ. وذكرَ صاحبُ " المشارقِ ": أنَّهُ وقعَ عندَ العُذريِّ مولى النَّضرِيينَ - بالضادِ المعجمةِ -، قالَ: وَهوَ وَهَمٌ. والثاني منَ الأسماءِ: عبدُ الواحدِ بنُ عبدِ اللهِ النصريُّ. لهُ في صحيحِ البخاريِّ حديثٌ واحدٌ، عنْ واثِلةَ بنِ الأسقعِ في أعظمِ الفِرَى. والثالثُ: مالكُ بنُ أوسِ بنِ الحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ، مخضرمٌ، وقدِ اختُلِفَ في صحبتِهِ، حديثُهُ في " الموطأ " والصحيحينِ. وليسَ فيهما بالنونِ إلاَّ هؤلاءِ الثلاثةُ، قالَهُ ابنُ الصلاحِ، وأوسُ بنُ الحدثانِ مذكورٌ في " صحيحِ مسلمٍ " في الصيامِ، غيرُ منسوبٍ. والثاني مِنْ لفظَي الترجمةِ: بالباءِ الموحدةِ وفيها الكسرُ والفتحُ، والكسرُ أصحُّ وهوَ بقيةُ ما في الكتبِ الثلاثةِ. 922.... وَالتَّوَّزِيْ مُحَمَّدُ بنُ الصَّلْتِ ... وَفِي الجُرَيْرِيْ ضَمُّ جِيْمٍ يَأْتِي 923.... فِي اثْنَيْنِ: عَبَّاسٍ سَعِيْدٍ وَبِحَا ... يَحْيَى بْنِ بِشْرِ بنِ الحَرِيْريْ فُتِحَا ومِنْ ذلكَ: التَّوَّزِيُّ، والثَّوْريُّ. فالأولُ: بفتحِ التاءِ المثناةِ منْ فوقُ، والواوِ المشدَّدةِ المفتوحةِ، والزاي، وهوَ أبو يعلى محمدُ بنُ الصلتِ التَّوَّزِيُّ، أصلُهُ مِنْ تَوَّزَ مِنْ بلادِ فارسَ. ويقالُ: تَوَّجُ -بالجيمِ-، سَكَنَ البصرةَ، روى عنهُ البخاريُّفي كتابِ الرِّدَّةِ حديثَ العُرَنيِّينَ. وليسَ فيها التوَّزيُّ غيرُهُ.

والثاني: بفتحِ المثلثةِ، وسكونِ الواوِ، بعدَها راءٌ مهملةٌ، وهوَ منْ عَدَا محمدِ بنِ الصلتِ المذكورِ، منهمْ: أبو يعلى الثوريُّ. قالَ صاحبُ " المشارقِ " وهوَ يلتبسُ بالمذكورِ أوَّلاً. يريدُ مِنْ حيثُ اتفاقُ كنيتِهِما أيضاً. واسمُ أبي يعلى هذا: منذرُ بنُ يعلى، حديثُهُ في الصحيحينِ. ومِنْ ذلكَ: الجُرَيْرِيُّ، والحَريْرِيُّ. فالأولُ: بضمِّ الجيمِ، وفتحِ الراءِ، وسكونِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ بعدَها راءٌ أيضاً، نسبةً إلى جُرَيْرٍ مصغَّراً. وهوَ جُرَيْرُ بنُ عُبَادٍ - بضمِّ العينِ وتخفيفِ الباءِ الموحدةِ -. وهوَ عبَّاسُ بنُ فَرُّوْخٍ الجُرَيرِيُّ، حديثُهُ في الصحيحينِ. وسعيدُ ابنُ إياسٍ الجُريرِيُّ، حديثُهُ في الصحيحينِ أيضاً. وكذا إذا وردَ في الصحيحينِ الجُريريُّ غيرُ مسمًّى، عنْ أبي نَضْرَةَ، فالمرادُ بهِ: سعيدٌ. هكذا اقتصرَ ابنُ الصلاحِ، تَبَعاً لصاحبِ " المشارقِ " على الجُريريِّ غير مسمًّى، عنْ أبي نَضْرَةَ وقدْ وردَ في الصحيحِ غيرَ مسمّى في غيرِ روايتِهِ، عنْ أبي نضْرَةَ في غيرِ ما موضعٍ، منها: في " مسلمٍ " في الكسوفِ، عنِ الجُريريِّ، عنْ حيَّانَ بنِ عُمَيْرٍ، وغيرِ ذلكَ. هكذا اقتصرَ أيضاً تبعاً لصاحبِ " المشارقِ " على ما فيها منَ الجُريريِّ بضمِّ الجيمِ. وزادَ الجيانيُّ في " التقييدِ ": حيانَ بنَ عُميرٍ الجريريَّ، لهُ عندَ مسلمٍ حديثٌ واحدٌ في الكسوفِ. وأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ الجريريُّ، مولاهم، روى لهُ مسلمٌ أيضاً وحدهُ، قلتُ: ولَمْ استدركْ هذينِ الاسمينِ على ابنِ الصلاحِ؛ لأنهما وإنْ كانا في كتاب " مسلم " فهما باسميهما غيرُ منسوبينِ.

والثاني: الحَرِيْرِيُّ - بفتحِ الحاءِ المهملةِ وكسرِ الراءِ -، وهوَ يحيى بنُ بشرٍ الحَرِيْرِيُّ، روى لهُ مسلمٌ في "صحيحهِ". وقولُ ابنِ الصلاحِ: أنَّهُ شيخُ البخاريِّ ومسلمٍ، تبعَ في ذلكَ صاحبَ "المشارقِ"، وتبعَ صاحبُ "المشارقِ" صاحبَ " تقييدِ المهملِ "، وسبقَهُمْ إلى ذلكَ الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ، فذكرَ يحيى ابنَ بشرٍ الحَريريَّ فيمَنِ اتفقَ على إخراجِهِ البخاريُّ ومسلم ٌ، وكذلكَ ذكرَهُ الكلاباذيُّ فيمَنْ أخرجَ لهُ البخاريُّ في " صحيحِهِ ". ولَمْ يصنعوا كلّهم شيئاً، ولَمْ يخرجْ لهُ البخاريُّ، وإنما أخرجَ ليحيى بنِ بشرٍ البلخيِّ، فجعلهما الجيانيُّ والكلاباذيُّ واحداً، وهوَ وهمٌ منهما. وممَّنْ تبعهما، وهما رجلانِ مختلفا البلدةِ والوفاةِ، وممَّنْ فرَّقَ بينهما ابنُ أبي حاتمٍ في " الجرحِ والتعديلِ "، والخطيبُ في " المتفقِ والمفترقِ "، وبهِ جزمَ الحافظُ أبو الحجَّاجِ المزيُّ في " التهذيبِ " وقدْ أوضحتُ ذلكَ فيما جمعتُهُ على كتابِ ابنِ الصلاحِ. وقدِ اقتصرَ ابنُ الصلاحِ في هذهِ الترجمةِ على الجُرَيريِّ والحَرِيريِّ، وزادَ الجيانيُّ في كتاب " تقييدِ المهملِ " الجَرِيْرِيَّ - بفتحِ الجيمِ - وكسرِ الراءِ، وهوَ يحيى بنُ أيوبَ الجَرِيْرِيُّ من ولدِ جريرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَليِّ. وقالَ: ذكرَهُ البخاريُّ مستَشهِداً بهِ في أولِ كتابِ " الأدبِ "، وكذا ذكرَهُ صاحبُ " المشارق "، فقالَ: وفي البخاريِّ يحيى بنُ أيوبَ الجَريريُّ - بفتحِ الجيمِ - في

أولِ كتابِ " الأدبِ "، قلتُ: وَلَمْ استَدْرِكْهُ على ابنِ الصلاحِ؛ لأنَّ البخاريَّ لَمْ يذكرْ نسبَتَهُ؛ إنما ذكرَهُ باسمِهِ، واسمِ أبيهِ فقطْ، فليسَ في البخاريِّ إذاً هذا اللفظُ. 924.... وَانْسُبْ حِزَامِيّاً سِوَى مَنْ أُبْهِمَا ... فَاخْتَلَفُوا وَالْحَارِثِيُّ لَهُمَا 925.... وَسَعْدٌ الْجَارِي فَقَطْ وفِيالنَّسَبْ ... هَمْدَانُ وَهْوَ مُطْلَقاً قِدْماً غَلَبْ ومِنْ ذلكَ: الحِزَامِيُّ والحَرَامِيُّ. فالأولُ: بكسرِ الحاءِ المهملةِ، وبالزاي، منهم: إبراهيمُ بنُ المنذرِ الحِزاميُّ، والضَّحَّاكُ بنُ عثمانَ الحِزاميُّ، وغيرُهما. وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((إنَّهُ حيثُ وقعَ فيهما فهوَ بالزاي غيرِ المهملةِ)) . انتهى. وقولي: (سوى مَن أُبهِما فاختلفوا) ، هوَ منَ الزياداتِ على ابنِ الصلاحِ، أي: سوى مَنْ وقعَ في الصحيحِ وأُبْهِمَ اسمُهُ، فَلمْ يُسمَّ بلْ فيهِ فلانٌ الحِزاميُّ، فإنَّ فيهِ خلافاً؛ وذلكَ في " صحيحِ مسلمٍ " في أواخرِ الكتابِ في حديثِ أبي اليَسَرِ، قالَ: كانَ لي على فلانِ بنِ فلانٍ الحِزاميِّ مالٌ، فأتيتُ أهلَهُ ... الحديث. وقدِ اختلفوا في ضبطِ هذهِ النسبةِ، فرواهُ أكثرُ الرواةِ - كما قالَ القاضي عياضٌ - بحاءٍ مهملةٍ مفتوحةٍ وراءٍ، وعندَ الطبريِّ: الحِزاميُّ - بكسرِها وبالزاي -. وعندَ ابنِ ماهانَ: الجُذاميُّ - بضمِّ الجيمِ وذالٍ معجمةٍ -. وقالَ ابنُ الصلاحِ في حاشيةٍ أملاهَا على كتابِهِ: لا يَرِدُ هذا؛ لأنَّ المرادَ بكلامِنَا المذكورِ ما وقعَ مِنْ ذلكَ في أنسابِ الرواةِ. وكذا قالَ النوويُّ في كتابِ

" الإرشادِ ". وهذا ليسَ بجيدٍ؛ لأنَّ ابنَ الصلاحِ وتبعَهُ النوويُّ ذكرا في هذا القسمِ غيرَ واحدٍ ليسَ لهمْ في الصحيحِ، ولا في " الموطأ " روايةٌ، بلْ مجردُ ذكرٍ، كما تقدَّمَ إيضاحُهُ في هذا الفصلِ؛ فلذلكَ استثنيتُهُ. والثاني: بفتحِ الحاءِ المهملةِ والراءِ، وهوَ فلانُ بنُ فلانٍ الحَراميُّ المتقدمُ عَلَى روايةِ الأكثرينَ. وعدَّ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ في هَذَا القسمِ مَنْ يُنسبُ إِلَى بني حَرَامٍ منَ الأنصارِ، مِنْهُمْ: جابرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ حَرَامٍ الحراميُّ، وجماعةٌ سواهم كَذَا ذكرَ أبو عليٍّ، وفيهِ نظرٌ؛ فإنِّي لا أعلمُ في واحدٍ منَ الصحيحينِ ورودَ هذهِ النسبةِ عندَ ذكرِهِ؛ وإنما يذكرُ أسماءَهم غيرَ منسوبةٍ، فلذلكَ لَمْ استدرِكْهُ على ابنِ الصلاحِ. وقدْ ذكرَ صاحبُ " المشارق " فيما يشتبهُ بهذهِ المادةِ: الجُذَاميَّ - بضمِّ الجيمِ وبالذالِ المعجمةِ -، فذكرَ: فروةَ ابنَ نعامةَ الجذاميَّ، وهوَ الذي أهدى للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغلَةً، وقدْ لا يلتبسُ فلهذا لَمْ أذكرْهُ. ومنْ ذلكَ: الحارِثِيُّ، والجاريُّ. فالأولُ: بالحاءِ المهملةِ، وكسرِ الراءِ، بعدها ثاءٌ مثلثةٌ، وهوَ جميعُ ما وقعَ من ذلكَ في الصحيحينِ، منهم: أبو أُمامةَ الحارثيُّ، صحابيٌّ لهُ روايةٌ عندَ مسلمٍ في كتابِ " الإيمان " - بكسرِ الهمزةِ - في حديثِ: ((مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مسلمٍ بيمينِهِ)) ... الحديث. والثاني: الجاريُّ - بالجيمِ وبعدَ الراءِ ياءُ النسبةِ -، وهوَ: سعدٌ الجاريُّ. روى لهُ مالكٌ في " الموطأ "، عنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عنْ سَعْدٍ الجاريِّ مولى عُمَرَ ابنِ الخطابِ، سألتُ ابنَ عمرَ عنِ الحيتانِ يقتلُ بعضها بعضاً ... الحديث قالَ صاحبُ " المشارق ": يُنْسَبُ إلى جدِّهِ. وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((منسوبٌ إلى الجارِ مُرْفَأ السفنِ بساحلِ المدينةِ)) . انتهى. والمُرْفَأُ: - بضمِّ الميمِ وإسكانِ الراءِ وفتحِ الفاءِ، مهموزٌ مقصورٌ، قالَ

الجوهريُّ: ((أرْفَأْتُ السفينةَ قَرَّبْتُهَا منَ الشطِّ. قالَ: وذلكَ الموضعُ مرفأٌ)) . وقالَ الذهبيُّ في " مشتبهِ النسبةِ ": ((الجارُ: موضعٌ بالمدينةِ)) . وذكَرَ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ فيما يشتبهُ بهذهِ المادةِ الخارفيُّ - بالخاءِ المعجمةِ وبالفاءِ مكانَ الياءِ - منهم: عبدُ اللهِ بنُ مُرَّةَ الخارفيُّ، وقدْ لا يلتبسُ. ومِنْ ذلكَ الهَمْدانيُّ، والهَمَذَانيُّ. فالأولُ: بإسكانِ الميمِ وإهمالِ دالِهِ، وَهُمُ المنسوبونَ إلى قبيلةِ هَمْدَانَ، وهوَ جميعُ ما في "الموطأ" والصحيحينِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وليسَ فيها الهمذانيُّ بالذالِ المنقوطةِ)) . قالَ صاحبُ "المشارقِ": لكنَّ فيهما مَنْ هوَ مِنْ مدينةِ همذانَ ببلادِ الجبلِ؛ إلاَّ أنَّهُ غيرُ منسوبٍ في شيءٍ منْ هذهِ الكتبِ. قالَ: إلاَّ أنَّ في البخاريِّ: مسلمَ بنَ سالمٍ الهَمْدانيَّ، ضبطَهُ الأصيليُّ بسكونِ الميمِ، بخطِّ يدِهِ وهوَ في الصحيحِ، قالَ: ووجدتُهُ في بعضِ النسخِ للنسفيِّ - بفتحِ الميمِ وذالٍ معجمةٍ-، وهوَ وهمٌ، وإنما نسبُهُ: نَهْدِيٌّ، ويُعرفُ بالجُهَنيِّ؛ لأنهُ كانَ نازلاً فيهمْ. انتهى. وهذا الاسمُ وقعَ عندَ البخاريِّ في كتابِ "الأنبياء" في ذِكْرِ إبراهيمَ في حديثِ كَعْبِ ابنِ عُجْرَةَ: ((ألاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً)) ؟، وفيهِ: حدثنا أبو فَرْوَةَ مسلمُ بنُ سالمٍ الهَمْدَانيُّ، قالَ الجيَّانيُّ: وأراهُ وهماً، قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: أبو فروةَ الهَمْدَانيُّ، اسمُهُ عُروةُ، وأبو فَرْوةَ النَّهْدِيُّ، اسمُهُ مسلمُ بنُ سالمٍ. قالَ: وكانَ ابنُ مهديٍّ لا يفصلُ بينَ هذينِ. وهذا اللفظُ في الجملةِ وقعَ في البخاريِّ على الوهمِ، وليسَ بهمْدانيٍّ على الوجهينِ معاً، وقدْ ذكرَ ابنُ أبي خيثمةَ حديثَ البخاريِّ هذا فقالَ: فيهِ أبو فروةَ الجهنيُّ، وهوَ الصوابُ، واللهُ أعلمُ. والثاني: بفتحِ الميمِ وبالذالِ المعجمةِ، قالَ أبو عليٍّ الجيَّانيُّ: منهم: أبو أحمدَ المرَّارُ بنُ حَمُّويَه الهَمَذانيُّ، يقالُ: إنَّ البخاريَّ حدَّثَ عنهُ عنْ أبي غسَّان في كتابِ"الشروط". انتهى.

قلتُ: ليسَ في جميعِ نسخِ البخاريِّ ذِكْرُ نَسَبِهِ والذي في أكثرِ الرواياتِ: حدثنا أبو أحمدَ، لَمْ يزدْ على كنيتهِ. وفي روايةِ أبي ذرٍّ: حدثنا أبو أحمدَ مَرَّارُ ابنُ حَمُّويَه، ويؤكدُ كونهُ المَرَّارَ بنَ حَمُّويَه، أنَّ موسى ابنَ هارونَ الحمَّالَ، روى هذا الحديثَ عنْ مَرَّارِ بنِ حَمُّويَه، عنْ أبي غسَّان محمدِ بنِ يحيى، كروايةِ البخاريِّ، وقدْ قيلَ: إنَّ أبا أحمدَ غيرُ المرارِ، فاللهُ أعلمُ. قالَ ابنُ ماكولا: ((والهمْدانيُّ في المتقدمينَ بسكونِ الميمِ أكثرُ، وبفتحِ الميمِ في المتأخرينَ أكثرُ)) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهوَ كما قالَ)) . وإليهِ أشرتُ بقولي: (وهوَ مطلقاً قِدْمَا غلبَ) أي: غلبَ همْدانَ بالسكونِ في المتقدمينَ. وقولي: (مطلقاً) أي: منْ غيرِ تقييدِ بالصحيحينِ و" الموطأ "، واللهُ أعلمُ. وقالَ الذهبيُّ في " مشتبهِ النسبةِ ": ((والصحابةُ، والتابعونَ، وتابعوهم، من القبيلةِ، وأكثرُ المتأخرينَ منَ المدينةِ. قالَ: ولاَ يمكنْ استيعابُ هؤلاءِ، ولاَ هؤلاءِ)) . وقرأتُ بخطِّهِ أنَّ شِيرويهِ-يعني: ابنَ شهردارَ الديلميَّ، أدخلَ في "تاريخِ همذانَ" لهُ خَلْقاً منَ القبيلةِ وَهَمَاً. قلتُ: وممَّا خرجَ عنِ الغالبِ: أبو العباسِ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ سعيدِ بنِ عقدةَ الهمدانيُّ، فهوَ متأخرٌ -بالسكونِ-، وأبو الفضلِ محمدُ بنُ محمدِ بنِ عطافٍ الهمدانيُّ، بعدَ الخمسمائةِ ٍ. وجعفرُ بنُ عليٍّ الهمدانيُّ. وعليُّ بنُ عبدِ الصمدِ السخاويُّ الهمدانيُّ. وعبدُ الحكمِ بنُ حاتمٍ الهمدانيُّ. وعبدُ المعطي بنُ فتوحٍ الهمدانيُّ. أربعتُهم منَ أصحابِ السِّلفيِّ، وأبو إسحاقَ بنُ أبي الدمِ الهمدانيُّ، قاضي حماةَ، ومنصورُ بنُ سُليمٍ الهمدانيُّ الحافظُ المعروفُ بابنِ العماديةِ، وآخرونَ.

المتفق والمفترق

الْمُتَّفِقُ وَالْمُفْتَرِقُ 926.... وَلَهُمُ الْمُتَّفِقُ الْمُفْتَرِقُ ... مَا لَفْظُهُ وَخَطُّهُ مُتَّفِقُ ... لَكِنْ مُسَمَّيَاتُهُ لِعِدَّةِ ... نَحْوُ ابْنِ أحْمَدَ الْخَلِيْلِ سِتَّةِ منْ أنواعِ فنونِ الحديثِ: معرفةُ المتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ: وهوَ ما اتفقَ خطُّهُ ولفظُهُ أيضاً، وافترقَ مسمَّياتُهُ. وللخطيبِ فيهِ كتابٌ نفيسٌ، وربما فاتَهُ بعضُ تراجمَ كانَ ينبغي لهُ ذكرُها؛ وإنما يُحسنُ إيرادُ ذلكَ فيما إذا اشتبهَ الراويانِ المتفقانِ في الاسمِ؛ لكونهما متعاصرينِ واشتركا في بعضِ شيوخِهما، أو في الرواةِ عنهما. وذلكَ ينقسمُ إلى ثمانيةِ أقسامٍ: الأولُ: مَنِ اتفقتْ أسماؤهمْ، وأسماءُ آبائهم، مثالُهُ: الخليلُ بنُ أحمدَ، سِتَّةُ رجالٍ، ذكرَ الخطيبُ منهم اثنينِ فقطْ، وهما الأولانِ، فالأولُ: الخليلُ بنُ أحمدَ بنِ عمرِو بنِ تميمٍ، أبو عبد الرحمنِ الأزديُّ الفراهيديُّ البصريُّ النَّحويُّ -صاحبُ العروضِ- وهوَ أولُ مَنِ استخرجهُ، وصاحبُ كتابِ " العَيْنِ " في اللغةِ، وشيخُ سيبويهِ، روى

عن عاصمٍ الأحولِ، وآخرينَ، ذكرَهُ ابنُ حِبَّانَ في " الثقاتِ "، مولدُهُ سنةُ مائةٍ، واخْتُلِفَ في وفاتِهِ، فقيلَ: سنةُ سبعينَ ومائةٍ، وقيلَ: سنةُ بضعٍ وستينَ، وقيلَ: سنةُ خمسٍ وسبعينَ، قالَ أبو بكرِ بنُ أبي خيثمةَ: أولُ مَنْ سُمِّيَ في الإسلامِ أحمدُ: أبو الخليلِ بنُ أحمدَ العروضيُّ، وكذا قالَ المبردُ: فَتَّشَ المفتشونَ فما وجدوا بعدَ نبيِّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنِ اسمُهُ أحمدُ قبلَ أبي الخليلِ بنِ أحمدَ. انتهى. واعْتُرِضَ على هذهِ المقالَةِ بأبي السَّفَرِ سعيدِ بنِ أحمدَ، فإنَّهُ أقدمُ، وأجيبَ: بأنَّ أكثرَ أهلِ العلمِ قالوا فيه: يُحْمَدُ - بالياءِ - وقالَهُ ابنُ معينٍ: أحمدُ. والثاني: الخليلُ بنُ أحمدَ أبو بشرٍ المزنيُّ، ويقالُ السلميُّ بصريُّ أيضاً، روى عنِ المُسْتَنِيْرِ بنِ أخضرَ، روى عنهُ محمدُ بنُ يحيى بنِ أبي سمينةَ، وعبدُ اللهُ بنُ محمدِ المسنديُّ،

والعباسُ بنُ عبدِ العظيمِ العَنْبَرِيُّ، ذكرهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ " أيضاً، وقالَ النسائيُّ في " الكُنى ": أبو بِشْرٍ خليلُ بنُ أحمدَ بنِ بصريٌّ - وليسَ بصاحبِ العروضِ - قالَ الخطيبُ: ورأيتُ شيخاً منْ شيوخِ أصحابِ الحديثِ، يشارُ إليهِ بالفهمِ والمعرفةِ قدْ جمعَ أخبارَ الخليلِ بنِ أحمدَ العروضيِّ، وما رُويَ عنهُ فأدخلَ في جمعهِ حديثَ الخليلِ بنِ أحمدَ هذا. قالَ: ولو أنعمَ النظرَ لعلمَ أنَّ ابنَ أبي سمينةَ، والمسنديَّ، وعباساً العنبريَّ، يصغرونَ عنْ إدراكِ الخليلِ بنِ أحمدَ العروضيِّ؛ لأنَّهُ قديمٌ. قلتُ: قدْ ذكرَ البخاريُّ في " التاريخِ الكبيرِ ": أنَّ عبدَ اللهِ بنَ محمدٍ الجعفيَّ - وهوَ المسنديُّ - سمعَ منْ خليلِ بنِ أحمدَ النحويِّ -صاحبِ العروضِ-، عن عثمانَ بنِ حاضرٍ، فاللهُ أعلمُ. وكلامُ البخاريِّ يقتضي: أنَّ هاتينِ الترجمتينِ واحدةٌ، وقدْ فرَّقَ بينهما النسائيُّ، وابنُ حبانَ، والخطيبُ، وهوَ الظاهرُ، واللهُ أعلمُ. والثالثُ: الخليلُ بنُ أحمدَ بصريٌّ أيضاً، يروي عن عكرمةَ، ذكرهُ أبو الفضلِ الهَرَويُّ في كتابِ " مشتبهِ أسماءِ المحدثينَ "، فيما حكاهُ ابنُ الجوزيِّ في " التلقيحِ " عن خطِّ شيخهِ عبدِ الوهابِ الأنماطيِّ عنهُ. قلتُ: وأخشى أنْ يكونَ هذا هوَ الخليلُ بنُ أحمدَ النَّحْويُّ، فإنَّهُ روى عن غير واحدٍ منَ التابعينَ. والرابعُ: الخليلُ بنُ أحمدَ بنِ الخليلِ، أبو سعيدٍ السِّجْزِيُّ الفقيهُ الحَنَفِيُّ، قاضي سمرقندَ، توفيَ بها سنةَ ثمانٍ وسبعينَ وثلاثمائةٍ، حدَّثَ عنِ ابنِ خُزيمةَ، وابنِ صاعدٍ والبغويِّ، وغيرِهمْ. سَمِعَ منهُ الحاكمُ وذكرهُ في " تاريخِ نيسابورَ ".

والخامسُ: الخليلُ بنُ أحمدَ، أبو سعيدٍ البُسْتِيُّ القاضي المهلَّبِيُّ. ذكرَ ابنُ الصلاحِ: أنَّهُ سَمِعَ منَ الخليلِ بنِ أحمدَ السجزيِّ المذكورِ، ومن أحمدَ بنِ المظَفَّرِ البكريِّ، وغيرِهما، حدَّثَ عنهُ البيهَقِيُّ. والسادسُ: الخليلُ بنُ أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ، أبو سعيدٍ البستيُّ الفقيهُ الشافعيُّ. ذكرَهُ الحُمَيديُّ في "تاريخِ الأندلسِ". وذكرَ ابنُ بَشْكُوَالَ في "الصلةِ": أنَّهُ قَدِمَ الأندلسَ منَ العراقِ في سنةِ اثنتينِ وعشرينَ وأربعمائةٍ، وروى عنْ أبي محمدِ بنِ النحاسِ بمصرَ، وأبي سعيدٍ المالينيِّ، وأبي حامدٍ الإسفرايينيِّ، وغيرِهم. وحكى عنْ أبي محمدِ بنِ خزرجٍ أنَّ مولدَهُ سنةُ ستينَ وثلاثمائةٍ، روى عنهُ أبو العباسِ أحمدُ بنُ عمرَ العُذْرِيُّ. قلتُ: وأخشى أيضاً أنْ يكونَ هذا هوَ الذي قبلهُ؛ ولكنْ هكذا فرَّقَ بينهما ابنُ الصلاحِ، فاللهُ أعلمُ. وقدْ أسقطتُ منَ السِتَّةِ الذينَ ذكرَهم ابنُ الصلاحِ واحداً، وهوَ الخليلُ ابنُ أحمدَ، أصبهانيٌّ يروي عنْ رَوْحِ بنِ عُبَادةَ؛ لأنَّهُ وهمَ فيهِ، وإنما هوَ الخليلُ ابنُ محمدٍ، ووهِمَ فيهِ قبْلَهُ ابنُ الجوزيِّ، وأبو الفضلِ الهرويُّ، فإنَّهُ عدَّهُ فيمَنْ اسمُهُ الخليلُ بنُ أحمدَ وهوَ في " تاريخِ أصبهانَ " لأبي نُعيمٍ على الصوابِ: الخليلُ ابنُ محمدٍ أبو العباسِ العجليُّ، وروى من طريقِهِ عِدَّةَ أحاديثَ. وجعلتُ مكانهُ الخليلَ بنَ أحمدَ البصريَّ، الذي يروي

الثاني من أقسام المتفق والمفترق، وهو أن تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم،

عن عكرمةَ كما ذكرهُ أبو الفضلِ الهَرَويُّ إنْ لَمْ يكنْ هوَ الخليلَ النحويَّ. وسأذكرُ بعدَ هذا جماعةً يعوضُ منهم عن هذينِ الاسمينِ، إنْ كانا مكررينِ. وقدْ وقعَ في أصلِ سماعنا من " صحيحِ ابنِ حبَّانَ " في النوعِ التاسعِ والمائةِ منَ القسمِ الثاني: أخبرنا الخليلُ بنُ أحمدَ بواسطَ، قالَ: حَدَّثَنَا جابرُ بنُ الكرديِّ فذكرَ حديثاً، قلتُ: والظاهرُ أنَّهُ الخليلُ بنُ محمدٍ، فإنَّهُ سَمِعَ منهُ بواسطَ عدةَ أحاديثَ متفرِّقةٍ في أنواعِ الكتابِ، ونبَّهتُ عليهِ لِئلاَّ يُغْتَرَّ بهِ ويُسْتَدْرَكُ. وممَّنْ سُمِّيَ أيضاً الخليلُ بنُ أحمدَ: الخليلُ بنُ أحمدَ البغداديُّ، يروي عن يسارِ بنِ حاتمٍ، ذكرَهُ ابنُ النجارِ في " الذيلِ ". والخليلُ بنُ أحمدَ أبو القاسمِ الشاعرُ المصريُّ روى عنهُ الحافظُ أبو القاسمِ بنُ الطحانِ، وذكرَهُ في ذيلِهِ على " تاريخِ مصرَ "، وقالَ: توفيَ سنةَ ثمانٍ وخمسينَ وثلاثمائةٍ. والخليلُ ابنُ أحمدَ ابنِ عليٍّ أبو طاهرٍ الجَوْسقَيُّ الصرصريُّ، سَمِعَ منْ أبيهِ، وابنِ البطيِّ وشُهْدَةَ وغيرِهم، روى عنهُ الحافظانِ: ابنُ النجارِ، وابنُ الدبيثيِّ، وذكرَهُ كلٌّ منهما في " الذيلِ "، وتوفيَ سنةَ أربعٍ وثلاثينَ وستمائةٍ، قالَهُ ابنُ النجارِ. 928.... وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَجَدُّهُ ... حَمْدَانُ هُمْ أَرْبَعَةٌ تَعُدُّهُ هذا مثالُ القسمِ الثاني مِنْ أقسامِ المتفقِ والمفترقِ، وهوَ أنْ تتفقَ أسماؤهمْ وأسماءُ آبائهم وأجدادِهمْ، نحوُ أحمدَ بنِ جعفرِ بنِ حَمْدانَ، أربعةٌ متعاصرونَ في طبقةِ واحدةٍ

فالأولُ أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حَمْدانَ بنِ مالكٍ، أبو بكرٍ البغداديُّ القطيعيُّ، سمِعَ من عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنَ حنبلٍ المسندَ، والزهدَ توفيَ سنةَ ثمانٍ وستينَ وثلاثمائةٍ، وروى عنهُ أبو نعيمٍ الأصبهانيُّ، وآخرونَ كثيرونَ والثاني أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حَمْدانَ بنِ عيسى السَّقَطيُّ البَصْريُّ، يُكنَّى أبا بكرٍ أيضاً، يروي عنْ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ الدَّوْرقيِّ وغيرهِ، وروى عنهُ أبو نُعيمٍ أيضاُ وغيرُهُ وتوفيَ سنةَ أربعٍ وستينَ وثلاثمائةٍ، وقدْ جاوزَ المائةَ والثالثُ أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حَمْدانَ الدِّيْنَوريُّ، حدَّثَ عنْ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ سنانٍ الروحيِّ، روى عنهُ عليُّ بنُ القاسمِ بنِ شاذانَ الرازيُّ وغيرُهُ والرابعُ أحمدُ بنُ جعفرِ بنُ حمدانَ أبو الحسنِ الطَّرَسُوْسيُّ، روى عنْ عبدِ اللهِ بن جابرٍ، ومحمدِ بنِ حصنِ بنِ خالدٍ الطَّرَسُوسيَّيْنِ، وروى عنهُ القاضي أبو الحسنِ الخطيبُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ الخصيْبيُّ المصريُّ ومنْ غرائبِ الاتفاقِ في ذلكَ محمدُ بنُ جعفرِ بنِ محمدٍ، ثلاثةٌ متعاصرونَ ماتوا في سنةٍ واحدةٍ، وكلٌّ منهمْ في عشرِ المائةِ، وهمْ أبو بكرٍ محمدُ بنُ جعفرِ بنِ محمدِ بنِ الهيثمِ الأنباريُّ البُنْدَارُ والحافظُ أبو عمرٍو محمدُ بنُ جعفرِ بنِ محمدِ بنِ مطرٍ النيسابوريُّ وأبو بكرٍ محمدُ بنُ جعفرِ بنِ محمدِ بنِ كنانةَ البغداديُّ ماتوا في سنةِ ستينَ وثلاثمائةٍ

الثالث: وهو أن تتفق الكنية والنسبة معا،

.. وَلَهُمُ الجَوْنيْ أَبُوْ عِمْرانَا ... اثْنَانِ وَالآخِرُ مِنْ بَغْدَانَا هذا مثالٌ للقسمِ الثالثِ: وهوَ أنْ تتفقَ الكُنْيَةُ والنِّسْبَةُ معاً، نحو أبي عِمْرانَ الجَوْنِيِّ، رجلانِ. فالأولُ: بصريٌّ، وهوَ أبو عِمْرانَ عبدُ الملكِ بنُ حبيبٍ الجَوْنِيُّ التابعيُّ المشهورُ، وسمَّاهُ الفلاَّسُ: عبدَ الرحمنِ، ولَمْ يُتَابَعْ على ذلكَ، وتوفي سنةَ تسعٍ وعشرينَ ومائةٍ، وقيلَ: سنةُ ثمانٍ وعشرينَ، وقيلَ: سنةُ ثلاثٍ وعشرينَ. والثاني: متأخرُ الطبقةِ عنهُ، وهوَ: أبو عمرانَ موسى بنُ سهلِ بنِ عبدِ الحميدِ الجَوْنيُّ، روى عنِ الربيعِ بنِ سليمانَ وطبقتِهِ، روى عنهُ الإسماعيليُّ والطبرانيُّ، وغيرهما. وهوَ بصريٌّ، سكنَ بغدادَ. وبغدانُ - بالنونِ - لغةٌ فيها. ومِنْ ذلكَ: أبو عمر الحوضيُّ اثنانِ ذكرهما الخطيبُ. 930.... كَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ... هُمَا مِنَ الأَنْصَارِ ذُوْ اشْتِبَاهِ هذا مثالٌ للقسمِ الرابعِ وهوَ أنْ يتفقَ الاسمُ واسمُ الأبِ والنسبةُ، نحوُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ، رجلانِ متقاربانِ في الطبقةِ

فالأولُ القاضي أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ المثنَّى بنِ عبدِ اللهِ بنِ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريُّ البصريُّ، شيخُ البخاريِّ، وصاحبُ الجزءِ المشهورِ، توفيَ سنةَ خمسَ عشرةَ ومائتينِ، عنْ سبعٍ وتسعينَ سنةً والثاني أبو سَلَمَةَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زيادٍ الأنصاريُّ مولاهُمْ، بصريٌّ أيضاً، ضعَّفَهُ العقيليُّ، وأبو أحمدَ الحاكمُ، وابنُ حبانَ، وغيرُهم قيلَ إنَّهُ جاوزَ المائةَ وقدِ اقتصرَ ابنُ الصلاحِ على هاتينِ الترجمتينِ تبعاً للخطيبِ وقالَ الحافظُ أبو الحجاجِ المزيُّ في التهذيبِ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ ثلاثةٌ، فذكرَ المتقدمينَ وزادَ محمدَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ حفصِ بنِ هشامِ بنِ زيدِ بنِ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريَّ، وهوَ بصريٌّ أيضاً، روى عنهُ ابنُ ماجه، وذكرَهُ ابنُ حبانَ في الثقاتِ قلتُ وممَّنِ اشتركَ معهمْ في هذا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ عبدِ ربِّهِ الأنصاريُّ، وإنما اقتصرَ الخطيبُ على المذْكُوْرَيْنِ أولاً؛ لتقاربهما في الطبقةِ، اشتركا في الروايةِ عنْ حُمَيْدٍ الطويلِ، وسليمانَ التيميِّ، ومالكِ بنِ دينارٍ، وقرَّةَ بنِ خالدٍ وأشرتُ إِلَى اشتِباهِ الأمرِ بَيْنَهُمَا بقولي ذو اشتباهِ وأمَّا الثالثُ فإنَّهُ متأخرُ الطبقةِ عنهما، روى عن محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ المثنى الأنصاريِّ المذكورِ أولاً وأمَّا الرابعُ فمتقدمُ الطبقةِ عليهما ذكرَهُ ابنُ حبانَ في ثقاتِ التابعينَ، واللهُ أعلمُ

الخامس: أن تتفق كناهم، وأسماء أبائهم

.. ثُمَّ أَبُوْ بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ لَهُمْ ... ثَلاَثَةٌ قَدْ بَيَّنُوا مَحَلَّهُمْ هذا مثالٌ لقسمٍ خامسٍ من هذا النوعِ لَمْ يفردْهُ ابنُ الصلاحِ بالتقسيمِ؛ وإنما أدخلهُ في القسمِ الثالثِ، وقالَ: ((إنَّهُ ممَّا يقاربهُ)) ، وهوَ أنْ تتفقَ كُناهمْ، وأسماءُ أبائهمْ، نحوُ أبي بكرِ بنِ عيَّاشٍ، ثلاثةٌ: فالأولُ: أبو بكرِ بنُ عياشِ بنِ سالمٍ الأسديُّ الكوفيُّ المقرئُ راوي قراءةِ عاصمٍ، اخْتُلِفَ في اسمِهِ على أحدَ عشرَ قولاً، وقدْ تقدَّمَ في القسمِ الأولِ منَ الأسماءِ والكنى أنَّ أبا زُرعةَ صحَّحَ أنَّ اسمَهُ شُعبةُ، وصحَّحَ ابنُ الصلاحِ، والمزيُّ أنَّ اسمَهُ كنيتُهُ. ماتَ في عشرِ المائةِ، قيلَ: سنةُ اثنتينِ وتسعينَ ومائةٍ، وقيلَ: ثلاثٌ، وقيلَ: أربعٌ. والثاني: أبو بكرِ بنُ عَيَّاشٍ الحِمْصِيُّ، روى عنْ عثمانَ بنِ شباكٍ الشاميِّ، وروى عنهُ جعفرُ بنُ عبدِ الواحدِ الهاشميُّ. قالَ الخطيبُ: وعثمانُ، وأبو بكرٍ مجهولانِ، وجعفرٌ كانَ غيرَ ثقةٍ. والثالثُ: أبو بكرِ بنُ عياشِ بنِ حازمٍ السلميُّ، مولاهمْ البَاجَدَّائيُّ، اسمُهُ حُسينٌ، روى عنْ جعفرِ بنِ بُرْقانَ، روى عنهُ عليُّ بنُ جميلٍ الرَّقِّيُّ، وغيرُهُ. قالَ الخطيبُ: وكانَ فاضلاً أديباً، ولهُ كتابٌ مصنفٌ في غريبِ الحديثِ. ماتَ سنةَ أربعٍ ومائتينِ، بباجدَّاءَ، قالَهُ: هلالُ بنُ العلاءِ.

السادس: وهو عكس ما قبله: أن تتفق أسماؤهم، وكنى آبائهم

932.... وَصَالِحٌ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمُ ... ابْنُ أَبِي صَالِحٍ اتْبَاعٌ هُمُ هذا مثالٌ لقسمٍ سادسٍ من هذا النوعِ وهوَ عكسُ ما قبلَهُ أنْ تتفقَ أسماؤُهمْ، وكنى آبائِهمْ، نحو صالحِ بنِ أبي صالحٍ، أربعةٌ، كلُّهمْ منَ التابعينَ، ولَمْ يذكرِ الخطيبُ في كتابِهِ إلاَّ الثلاثةَ الأولينَ فالأولُ صالحُ بنُ أبي صالحٍ، أبو محمدٍ المدنيُّ، واسمُ أبي صالحٍ نَبْهانُ وقالَ أبو زرعةَ هوَ صالحُ بنُ صالحِ بنِ نبهانَ، وكنيةُ نبهانَ أبو صالحٍ، وهوَ صالحٌ مولى التوأمةِ بنتِ أميةَ بنِ خلفٍ الجمحيِّ، روى عنْ أبي هريرةَ، وابنِ عباسٍ، وأنسٍ، وغيرِهمْ منَ الصحابةِ مختلفٌ في الاحتجاجِ بهِ، توفيَ سنةَ خمسٍ وعشرينَ ومائةٍ والثاني صالحُ بنُ أبي صالحٍ السَّمَّانُ، واسمُ أبي صالحٍ ذَكْوَانُ أبو عبدِ الرحمنِ المدنيُّ، روى عنْ أنسٍ، روى لهُ مسلمٌ، والترمذيُّ حديثاً واحداً والثالثُ صالحُ بنُ أبي صالحٍ السَّدُوسِيُّ، روى عنْ عليٍّ، وعائشةَ، روى عنهُ خلادُ بنُ عمرٍو، ذكرَهُ البخاريُّ في التاريخِ، وابنُ حبَّانَ في الثقاتِ

السابع: المهمل

والرابعُ صالحُ بنُ أبي صالحٍ المخزوميُّ الكوفيُّ، مولى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، واسمُ أبي صالحٍ مِهْرَانُ، روى عن أبي هريرةَ، روى عنهُ أبو بكرِ بنُ عَيَّاشٍ، ذكرَهُ البخاريُّ في التاريخِ، ولهُ عندَ الترمذيِّ حديثٌ ضعَّفَهُ يحيى بنُ معينٍ، وجهَّلَهُ النسائيُّ وهذا الرابعُ لَمْ يذكرْهُ الخطيبُ قلتُ وممَّا لَمْ يذكراهُ صالحُ بنُ أبي صالحٍ الأسديُّ، روى عنِ الشعبيِّ، روى عنهُ زكريا بنُ أبي زائدةَ، ذكرَهُ البخاريُّ في التاريخِ، وروى لهُ النسائيُّ حديثاً، وإنما لَمْ يذكراهُ؛ لكونهِ متأخّرَ الطبقةِ عنِ الأربعةِ المذكورينَ وأيضاً فَسَمَّاهُ بعضُهمْ صالحَ بنَ صالحٍ الأسديَّ، قالَ البخاريُّ وصالحُ بنُ أبي صالحٍ أصحُّ ... وَمِنْهُ مَا فِي اسْمٍ فَقَطْ وَيُشْكِلُ ... كَنَحْوِ حَمَّادٍ إذَا مَا يُهْمَلُ 934.... فَإِنْ يَكُ ابْنُ حَرْبٍ اوْ عَارِمُ قَدْ ... أَطْلَقَهُ فَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ أَوْ وَرَدْ ... عَنِ التَّبُوْذَكِيِّ أَوْ عَفَّانِ ... أَوْ ابْنِ مِنْهَالٍ فَذَاكَ الثَّانِي أي: ومنْ أقسامِ المتفقِ والمفترقِ - وهوَ القسمُ السابعُ منهُ -: أنْ يتفقَ الاسمُ فقطْ، ويقعَ في السندِ ذكرُ الاسمِ فقطْ، مهملاً من غيرِ ذكرِ أبيهِ أو نسبةٍ تُمَيِّزُهُ، ونحو ذلكَ. وكذلكَ: أنْ تتفقَ الكنيةُ فقطْ، ويذكرَ بها في الإسنادِ منْ غيرِ تمييزٍ بغيرها.

فمثالُهُ في الاسمِ: أنْ يُطلقَ في الإسنادِ: حَمَّادٌ، من غيرِ أن يُنْسَبَ، هلْ هوَ ابنُ زيدٍ أو ابنُ سَلَمةَ؟ ويتميزُ ذلكَ عندَ أهلِ الحديثِ بحسبِ مَنْ أطلقَ مِنَ الرواةِ عَنْهُ، فإنْ كانَ الذي أطلقَ الروايةَ عنهُ سُليمانُ بنُ حَرْبٍ أو عارمٌ، فالمرادُ حينئذٍ: حَمَّادُ بنُ زيدٍ، قالَهُ محمدُ بنُ يحيى الذُّهْليُّ، وكذا قالهُ أبو محمدِ بنُ خلادٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ في كتابِ " المحدّثِ الفاصلِ "، والمزيُّ في " التهذيبِ ". وإنْ كانَ الذي أطلقَهُ أبو سلمةَ موسى بنُ إسماعيلَ التَّبُوذكيُّ، فمرادُهُ: حمادُ بنُ سلمةَ. قالَهُ الرَّامَهُرْمُزِيُّ إلاَّ أنَّ ابنَ الجوزيِّ قالَ في " التلقيحِ ": إنَّ التَّبُوذكيَّ ليسَ يروي إلاَّ عنْ حمادِ بنِ سلمةَ خاصةً، وكذلكَ إذا أطلقهُ عفانُ، فقدْ روى محمدُ بنُ يحيى الذهليُّ عنْ عفانَ، قالَ: إذا قلتُ لكمْ حدثنا حمادٌ، ولَمْ أنسبهُ، فهوَ ابنُ سلمةَ، وقالَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ: إذا قالَ عفانُ: حدثنا حمادٌ أمكنَ أنْ يكونَ أحدهما كذا، قالَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ: وهوَ ممكنٌ، لولا ما حكاهُ الذهليُّ عنْ عفانَ منِ اصطلاحِهِ، فزالَ أحدُ الاحتمالينِ، فلهذا اقتصرتُ في النَّظْمِ على أنَّ المرادَ: ابنُ سلمةَ، وإنْ كانَ ابنُ الصلاحِ حكى القولينِ، وكذا اقتصرَ المزيُّ في " التهذيبِ " على أنَّ المرادَ: ابنُ سلمةَ، وهوَ الصوابُ، واللهُ أعلمُ. وكذا إذا أطلقَ ذلكَ حجاجُ بنُ منهالٍ، فالمرادُ: ابنُ سلمةَ، قالَهُ

محمدُ بنُ يحيى الذهليُّ، والرَّامَهُرْمُزِيُّ والمزيُّ أيضاً. قلتُ: وكذا إذا أطلقهُ هُدْبةُ بنُ خالدٍ، فالمرادُ: ابنُ سلمةَ، قالَهُ المزيُّ في " التهذيبِ ". وقولي: (فذاكَ الثاني) ، أي: حمادُ بنُ سلمةَ، وقيلَ لهُ الثاني، أي: في الذِّكْرِ؛ لكونهِ قدْ تقدمَ ذكرُ ابنِ زيدٍ، وإلاَّ فابنُ سلمةَ أقدمُ وفاةً منِ ابنِ زيدٍ فليسَ المرادُ في الوفاةِ، بلْ في الذكرِ. قلتُ: وإنما يزيدُ الإشكالَ إذا كانَ مَنْ أطلقَ ذلكَ قدْ روى عنهما معاً. أما إذا لَمْ يروِ إلاَّ عنْ أحدِهما، فلا إشكالَ حينئذٍ عندَ أهلِ المعرفةِ. وممَّنِ انفردَ بالروايةِ عنْ حمادِ بنِ زيدٍ دونَ ابنِ سلمةَ: أبو الرَّبِيْعِ الزَّهْرانيُّ وقُتَيبةُ، ومُسَدّدٌ، وأحمدُ بنُ عبدةَ الضبيُّ، وآخرونَ. وممَّنِ انفردَ بحمادِ بنِ سلمةَ، دونَ حمادِ بنِ زيدٍ: بهزُ بنُ أسدٍ، وآخرونَ لهمْ موضعٌ غيرُ هذا. ومثَّلَ ابنُ الصلاحِ أيضاً بما إذا أُطْلِقَ عبدُ اللهِ في السندِ، ثمَّ حَكى عنْ سَلَمةَ بنِ سُليمانَ، قالَ: إذا قيلَ بمكةَ: عبدُ اللهِ، فهوَ ابنُ الزبيرِ، وإذا قيل بالكوفةِ، فهوَ ابنُ مسعودٍ، وإذا قيلَ بالبصرةِ، فهوَ ابنُ عباسٍ، وإذا قيلَ بخراسانَ، فهوَ ابنُ المباركِ. وقالَ الخليليُّ في " الإرشادِ ": ((إذا قالَ المِصْريُّ: عبدَ اللهِ، فهوَ ابنُ عمرٍو - يعني: ابنَ العاص - وإذا قالَهُ المكيُّ، فهوَ ابنُ عباسٍ - قلتُ: لكنْ قالَ النَّضْرُ بنُ شُميلٍ: إذا قالَ الشاميُّ: عبدَ اللهِ، فهوَ ابنُ عمرِو بنِ العاص - قالَ: وإذا قالَ المدنيُّ:

الثامن: أن يتفقا في النسب من حيث اللفظ، ويفترقا من حيث إن ما نسب إليه أحدهما، غير ما نسب إليه الآخر

عبدَ اللهِ، فهوَ ابنُ عمرَ)) . قالَ الخطيبُ: وهذا القولُ صحيحٌ، قالَ: وكذلكَ يفعلُ بعضُ المصريينَ في عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاص. ومثَّل ابنُ الصلاحِ لاتفاقِ الكنيةِ بأبي حمزةَ -بالحاءِ والزاي- عنْ ابن عباسٍ إذا أطلقَ، قالَ: وذَكَرَ بعضُ الحفاظِ أنَّ شعبةَ روى عن سبعةٍ كلُّهم أبو حمزةَ، عنْ ابنِ عباسٍ، وكلُّهمْ بالحاءِ والزاي إلاَّ واحداً، فإنَّهُ بالجيمِ - أيْ: والراء - وهوَ أبو جَمْرةَ نصرُ بنُ عِمرانَ الضُّبَعِيُّ. فإذا أُطلقَ، فهوَ نصرُ بنُ عمرانَ، وإذا رُويَ عنْ غيرِهِ، فهوَ يذكرُ اسمَهُ، أوْ نسبَهُ)) ، واللهُ أعلمُ. وللخطيبِ كتابٌ مفيدٌ في هذا القسمِ سمَّاهُ " المكمل في بيانِ المهملِ ". 936.... وَمِنْهُ مَا فِي نَسَبٍ كالْحَنَفِي ... قَبِيْلاً اوْ مَذْهَبَاً اوْ بِاليَا صِفِ أيْ ومنْ أقسامِ المتفقِ والمفترقِ وهوَ القسمُ الثامنُ منهُ أنْ يتفقا في النسبِ منْ حيثُ اللفظُ، ويفترقا من حيثُ إنَّ ما نُسبَ إليهِ أحدُهما، غيرُ ما نُسِبَ إليهِ الآخرُ ولمحمدِ بنِ طاهرٍ المقدسيِّ في هذا القسمِ تصنيفٌ حسنٌ نحوُ الحَنَفِيِّ، والحنفيِّ فلفظِ النسبِ واحدٌ

وأحدُهما منسوبٌ إلى القبيلةِ، وهمْ بنو حَنِيْفَةَ، منهمْ أبو بكرٍ عبدُ الكبيرِ ابنُ عبدِ المجيدِ الحنفيُّ، وأخوهُ أبو عليٍّ عُبيدُ اللهِ بنُ عبدِ المجيدِ الحنفيُّ أخرجَ لهما الشيخانِ والثاني منسوبٌ إلى مذهبِ أبي حنيفةَ، وفيهمْ كثرةٌ وقولي اوْ بِاليَا صِفِ، أي انسب إلى القسمِ الثاني وهوَ ما نُسِبَ للمذهبِ بزيادةِ ياءٍ مثناةٍ منْ تحتُ، فقلْ حَنِيْفِيٌّ، فقد كانَ جماعةٌ منْ أهلِ الحديثِ، منهمْ أبو الفضلِ محمَّدُ بنُ طاهرٍ المقدسيُّ، يفرِّقونَ بينَ النِّسْبةِ للقبيلةِ والمذهبِ بذلكَ قالَ ابنُ الصلاحِ ولَمْ أجدْ ذلكَ عنْ أحدٍ منَ النَّحْويينَ إلاَّ عنْ أبي بكرِ بنِ الأنبارِيِّ الإمامِ، قالَهُ في الكافي ومثَّلَ ابنُ الصلاحِ أيضاً بالآمُلِي، والآمُلِي فالأولُ آملُ طَبرسْتَانَ، قالَ السَّمْعانيُّ أكثرُ أهلِ العلمِ منْ أهلِ طَبرسْتَانَ منْ أهلِ آملَ والثاني إلى آمُلَ جيحونَ شُهِرَ بالنسبةِ إليها عبدُ اللهِ بنُ حمادٍ الآمُليُّ روى عنهُ البخاريُّ في صحيحِهِ، قالَ وما ذكرَهُ الغَسَّانيُّ، ثمَّ القاضي عياضٌ منْ أنَّهُ

منسوبٌ إلى آمُلَ طَبرسْتَانَ، فهوَ خطأٌ قلتُ لَمْ يروِ البخاريُّ في صحيحهِ عنهُ مصرحاً بنسبِهِ، ولا بأبيهِ، وإنما حدَّثَ في موضعٍ، عنْ عبدِ اللهِ غيرَ منسوبٍ عنْ يحيى بنِ معينٍ وفي موضعٍ آخرَ عنْ عبدِ اللهِ غيرَ منسوبٍ عنْ سليمانَ بنِ عبدِ الرحمنِ، فاختُلِفَ في مرادِهِ بعبدِ اللهِ، فقيلَ هوَ الآمُلي، قالَهُ الكلاباذيُّ، وقيلَ هوَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ القاضي الخوَارِزْميُّ، وهوَ الظاهرُ؛ فإنَّهُ روى في كتابِ الضعفاءِ مصرّحاً بهِ عدَّةَ أحاديثَ، عنْ سليمانَ بنِ عبدِ الرحمنِ، وغيرِهِ

تلخيص المتشابه

تَلْخِيْصُ المُتَشَابِهِ ... وَلَهُمُ قِسْمٌ مِنَ النَّوْعَيْنِ ... مُرَكَّبٌ مُتَّفِقُ الَّلَفظَيْنِ 938.... فِي الاسْمِ لَكِنَّ أَبَاهُ اخْتَلَفَا ... أَوْ عَكْسُهُ أوْ نَحْوُهُ وَصَنَّفَا ... فِيْهِ الْخَطِيبُ نَحْوُ مُوسَى بنِ عَلِيْ ... وَابْنِ عُلَيٍّ وَحَنَانَ الأَسَدِيْ هذا النوعُ يتركبُ منْ النوعينِ اللذينِ قبلَهُ، وهوَ: أنْ يتفقَ الاسمانِ في اللفظِ والخطِّ، ويفترقا في الشخصِ، ويأتلفَ أسماءُ أبويهما في الخطِّ، ويختلفا في اللفظِ، أوْ على العكسِ، بأنْ يأتلفَ الاسمانِ خطَّاً، ويختلفا لفظاً، ويتفقَ أسماءُ أبويهما لفظاً، أو نحوَ ذلكَ، بأنْ يتفقَ الاسمانِ والكنيتانِ لفظاً، وتختلفَ نسبتهما نطقاً، أو تتفقَ النسبةُ لفظاً، ويختلفَ الاسمانِ أو الكنيتانِ لفظاً، وما أشبهَ ذلكَ. وقدْ صنَّفَ في ذلكَ الخطيبُ كتابهُ المسمَّى بـ " تلخيصِ المتشابهِ " وهوَ منْ أحسنِ كُتُبِهِ. فمثالُ الأولِ: موسى بنُ عَليٍّ، وموسى بنُ عُليٍّ. فالأولُ: بفتحِ العينِ مكبراً، وهمْ جماعةٌ متأخرونَ، ليسَ في الكتبِ السِّتَّةِ منهمْ أحدٌ، ولا في " تاريخِ البخاريِّ "، ولا في كتابِ ابنِ أبي حاتمٍ، إلاَّ الثاني الذي فيهِ الخلافُ، منهمْ: موسى بنُ عليٍّ أبو عيسى الخُتَّلِيُّ، وموسى بنُ عليٍّ أبو عليٍّ الصوَّافُ.

والثاني: بضمِّ العينِ مصغَّراً، وهوَ موسى بنُ عُليِّ بنِ رباحٍ اللخميُّ المِصْريُّ - أميرُ مِصْرَ - اشتُهِرَ بضمِّ العينِ مصغَّراً، وصحَّحَ البخاريُّ، وصاحبُ " المشارقِ " الفتحَ، وروينا عن موسى، قالَ: اسمُ أبي: عليٌّ؛ ولكنْ بنو أميةَ قالوا: عُليُّ بنُ رباحٍ، وفي حرجٍ مَنْ قالَ: عُليٌّ. وروينا عنهُ أيضاً قالَ: مَنْ قالَ موسى بنُ عُليٍّ لَمْ أجعلْهُ في حلٍّ. وروينا أيضاً ذلكَ عن أبيهِ قالَ: لا أجعلُ أحداً في حلٍّ يصغرُ اسمي. وقالَ محمدُ بنُ سعدٍ: ((أهلُ مصرَ يَفْتَحونَ، وأهلُ العراقِ يَضُمُّونَ)) . وقالَ الدارقطنيُّ: كانَ يلقبُ بعُليٍّ، وكانَ اسمُهُ علياً، وقدِ اختلِفَ في سببِ تصغيرِهِ، فقالَ أبو عبدِ الرحمنِ المقرئُ: كانتْ بنو أميةَ إذا سَمِعوا بمولودٍ اسمُهُ عَليٌّ، قَتَلوهُ، فبلغَ ذلكَ رباحاً، فقالَ: هوَ عُليٌّ، وقالَ ابنُ حبانَ في "الثقاتِ": ((كانَ أهلُ الشامِ يجعلونَ كلَّ عَليٍّ عندهم عُليّاً لبغْضِهِم عليّاً - رضي الله عنه -، ومنْ أجلِهِ ما قيلَ لعليِّ ابنِ رباحٍ: عُليُّ بنُ رباحٍ، ولمسلمةَ بنِ عليٍّ: مسلمةُ بنُ عُليٍّ)) . ومثالُ الثاني: وهوَ عكسُ الأولِ، سُرَيْجُ بنُ النُّعمانِ، وشُرَيْحُ بنُ النُّعمانِ، وكلاهما مصغرٌ.

فالأولُ: بالسينِ المهملةِ والجيمِ، وهوَ سُرَيْجُ بنُ النعمانِ بنِ مروانَ اللؤلؤيُّ البغداديُّ، روى عنهُ البخاريُّ، وروى لهُ أصحابُ السننِ، تقدمَ ذكرُهُ في " المؤتلفِ والمختلفِ ". والثاني: بالشينِ المعجمةِ، والحاءِ المهملةِ: شُريحُ بنُ النعمانِ الصائديُّ الكوفيُّ - تابعيٌّ - لهُ في السننِ الأربعةِ حديثٌ واحدٌ عنْ عليِّ ابنِ أبي طالبٍ. ومثالُ الثالثِ: محمدُ بنُ عبدِ اللهِ المُخَرِّميُّ، ومحمدُ بنُ عبدِ اللهِ المَخْرَمِيُّ. فالأولُ: بضمِّ الميمِ، وفتحِ الخاءِ المعجمةِ، وكسرِ الراءِ المشددةِ، نسبةً إلى المُخَرِّمِ منْ بغدادَ، وهوَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ المباركِ أبو جعفرٍ القرشيُّ البغداديُّ المُخَرِّميُّ الحافظُ قاضي حُلْوَانَ، روى عنهُ البخاريُّ، وأبو داودَ والنسائيُّ. والثاني: محمدُ بنُ عبدِ اللهِ المَخْرَميُّ -بفتحِ الميمِ وسكونِ الخاءِ المعجمةِ وفتحِ الراءِ-المكيُّ، قالَ ابنُ ماكولا: لعلَّهُ مِنْ ولدِ مَخْرَمَةَ بنِ نوفلٍ، روى عن الشافعيِّ، روى عنهُ عبدُ العزيزِ بنُ محمدِ بنِ الحسنِ بنِ زبالةَ، ليسَ بالمشهورِ. ومثالُ الرابعِ: أبو عمرٍو الشَّيْبَانيُّ، وأبو عمرٍو السَّيْبَانيُّ. فالأولُ: بفتحِ الشينِ المعجمةِ، وسكونِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ بعدها باءٌ موحدةٌ وقبلَ ياءِ النسبةِ نونٌ، جماعةٌ منْهم: أبو عمرٍو سعيدُ بنُ إياسٍ الشيبانيُّ الكوفيُّ - تابعيٌّ مخضرمٌ - وحديثُهُ في الكتبِ الستةِ، توفيَ سنةَ ثمانٍ وتسعينَ.

وأبو عمرٍو الشيبانيُّ: هارونُ بنُ عنترةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، كوفيٌّ أيضاً منْ أتباعِ التابعينَ، حديثُهُ في سننِ أبي داودَ والنسائيِّ. وهذا هوَ المعروفُ مِنْ أنَّ كنيتَهُ أبو عمرٍو، وكذا كنَّاهُ يحيى بنُ سعيدٍ، وابنُ المدينيِّ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ والبخاريُّ والنسائيُّ، وأبو أحمدَ الحاكمُ، والخطيبُ، وغيرهم. وأمَّا ما اقتصرَ عليهِ المزيُّ مِنْ أنَّ كنيتَهُ: أبو عبدِ الرحمنِ، فوهمٌ. وأبو عمرٍو الشيبانيُّ النَّحْويُّ اللُّغَويُّ كوفيٌّ أيضاً، نَزَلَ بغدادَ، اسمُهُ: إسحاقُ بنُ مِرارٍ، بكسرِ الميمِ، عندَ عبدِ الغنيِّ بنِ سعيدٍ، وبفتحها عندَ الدارقطنيِّ، وشدَّدَ بعضُهم الراءَ على وزنِ عَمَّارٍ، لهُ ذكرٌ في " صحيحِ مسلمٍ " بكنيتهِ فقطْ، في تفسيرِ حديثِ: ((أخنعُ اسمٍ عندَ اللهِ، رجلٌ يُسمَّى ملِكَ الأملاكِ)) ، توفيَ سنةَ عشرٍ ومائتينِ. والثاني: بفتحِ السينِ المهملةِ، والباقي سواءٌ، وهوَ أبو عمرٍو السيبانيُّ - تابعيٌّ مخضرمٌ أيضاً - منْ أهلِ الشامِ، اسمُهُ زرعةُ، وهوَ عمُّ الأوزاعيِّ، ووَالِدُ يحيى بنِ أبي عمرٍو، لهُ عندَ البخاريِّ في كتابِ " الأدب "، حديثٌ واحدٌ موقوفٌ على عقبةَ ابنِ عامرٍ. ومثالُ الخامسِ: حَنَانٌ الأسديُّ، وحَيَّانُ الأسديُّ.

فالأولُ: بفتحِ الحاءِ المهملةِ، والنونِ المخففةِ، وآخرُهُ نونٌ أيضاً، وهوَ حَنَانٌ الأسديُّ، منْ بني أسدِ بنِ شُريكٍ - بضمِّ الشينِ - البصريُّ. روى عنْ أبي عثمانَ النهديِّ حديثاً مرسلاً، روى عنهُ حجاجٌ الصوَّافُ، ويُعرفُ بصاحبِ الرقيقِ، وهوَ عمُّ مُسْرَهَدٍ، والدِ مُسَدَّدٍ. والثاني: حيَّانُ - بتشديدِ الياءِ المثناةِ منْ تحتُ، والباقي سواءٌ -، وهوَ حيَّانُ بنُ حُصينٍ الأسديُّ الكوفيُّ، يُكنَّى أبا الهَيَّاجِ -تابعيٌّ- لهُ في " صحيحِ مسلمٍ " حديثٌ عنْ عليٍّ في " الجنائز ". وحيَّانُ الأسديُّ شاميٌّ تابعيٌّ أيضاً، لهُ في " صحيحِ ابنِ حبانَ " حديثٌ عنْ واثلةَ ابنِ الأسقعِ، ويُعرفُ بحيَّانَ بنِ أبي النضرِ. ومثالُ السادسِ: أبو الرِّجالِ الأنصاريُّ، وأبو الرَّحَّالِ الأنصاريُّ. فالأولُ: بكسرِ الراءِ، وتخفيفِ الجيمِ، اسمُهُ محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ مدنيٌّ، روى عنْ أُمِّهِ عمرةَ بنتِ عبدِ الرحمنِ، وغيرِها، حديثُهُ في الصحيحينِ. والثاني: بفتحِ الراءِ، وتشديدِ الحاءِ المهملةِ، بصريٌّ، اسمُهُ محمدُ بنُ خالدٍ، وقيلَ: خالدُ بنُ محمدٍ، لهُ عندَ الترمذيِّ حديثٌ واحدٌ، عنْ أنسٍ، وهوَ ضعيفٌ.

المشتبه المقلوب

وممَّا يشبهُ هذهِ الأقسامَ: ابنُ عُفَيْرٍ المِصْرِيُّ، وابنُ غُفَيْرٍ المِصْرِيُّ، وكلاهما مصغَّرٌ. فالأولُ: بالعينِ المهملةِ، سعيدُ بنُ كثيرِ بنِ عُفيرٍ، أبو عثمانَ المصريُّ، وقدْ يُنسَبُ إلى جدِّهِ، روى عنهُ البخاريُّ، وروى مسلمٌ عنْ واحدٍ عنهُ. والثاني: بالغينِ المعجمةِ، اسمُهُ الحسنُ بنُ غُفيرٍ المصريُّ، قالَ الدارقطنيُّ: ((متروكٌ)) ، ولهُ أقسامٌ أخرُ، لا حاجةَ بنا إلى التطويلِ بها. وقدْ أدخلَ فيهِ الخطيبُ، وابنُ الصلاحِ ما لا يأتلفُ خطُّهُ، كـ: ثَوْرِ بنِ يزيدَ، وثَوْرِ بنِ زيدٍ، وعَمْرِو بنِ زُرَارةَ، وعُمَرَ بنِ زُرَارةَ. فلمْ أذكرْهُ؛ لعدمِ الاشتباهِ في الغالبِ. المُشْتَبَهُ المَقْلُوبُ 940.... وَلَهُمُ المُشْتَبَهُ المَقْلُوْبُ ... صَنَّفَ فِيْهِ الحَافِظُ الخَطِيْبُ ... كابْنِ يَزِيْدَ الاسْوَدِ الرَّبَّانِيْ ... وَكَابْنِ الاسْوَدِ يَزِيْدَ اثْنَانِ هذا النوعُ ممَّا يقعُ فيهِ الاشتباهُ في الذهنِ، لا في صورةِ الخطِّ؛ وذلكَ أنْ يكونَ اسمُ أحدِ الراويينِ كاسمِ أبي الآخرِ خطَّاً ولفظاً، واسمُ الآخرِ كاسمِ أبي الأولِ فينقلبُ على بعضِ أهلِ الحديثِ، كما انقلبَ على البخاريِّ ترجمةُ مسلمِ ابنِ الوليدِ المدنيِّ فجعلهُ الوليدَ بنَ مسلمٍ، كالوليدِ بنِ مسلمٍ الدمشقيِّ المشهورِ، وخطَّأهُ في ذلكَ ابنُ أبي حاتمٍ في

كتابٍ لهُ في خطأ البخاريِّ في " تاريخه " حكايةً عنْ أبيهِ، وهذهِ الترجمةُ ليستْ في بعضِ نسخِ التاريخِ. وقدْ صَنَّفَ الخطيبُ في ذلكَ كتاباً سمَّاهُ: " رافع الارتيابِ في المقلوبِ منَ الأسماءِ والأنسابِ ". ومثالُهُ: الأسودُ بنُ يزيدَ، ويزيدُ بنُ الأسودِ. فالأولُ: هوَ النَّخَعيُّ المشهورُ خالُ إبراهيمَ النخعيِّ من كبارِ التابعينَ وعلمائِهمْ، حديثُهُ في الكتبِ الستةِ، والربَّانيُّ: هوَ العالِمُ العاملُ المعلِّمُ، قالَهُ ثعلبٌ. وقالَ الجوهريُّ: المُتَألِّهُ والعارفُ باللهِ تعالى. وقدْ كانَ الأسودُ يصلِّي كلَّ يومٍ سبعَمائةِ ركعةٍ، وسافرَ ثمانينَ حجةً وعمرةً منَ الكوفةِ، لَمْ يجمعْ بينهما. والثاني: يزيدُ بنُ الأسودِ الخزاعيُّ، لهُ صحبةٌ، ولهُ في السننِ حديثٌ واحدٌ، قالَ ابنُ حبَّانَ: ((عدادُهُ في أهلِ مكةَ)) ، وقالَ المزيُّ: ((في الكوفيين)) ، ويزيدُ بنُ الأسودِ الجُرَشيُّ - تابعيٌّ مخضرمٌ - يكنَّى أبا الأسودِ سكنَ الشامَ، واستسقوا بهِ فسُقُوا للوقتِ حتَّى كادوا لا يبلغونَ منازلهمْ. وقولي: (اثنانِ) ، إشارةٌ إلى أنَّ يزيدَ بنَ الأسودِ اثنانِ.

من نسب إلى غير أبيه

مَنْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيْهِ 942.... وَنَسَبُوا إِلَى سِوَى الآبَاءِ ... إمَّا لأُمٍّ كَبَنِيْ عَفْرَاءِ ... وَجَدَّةٍ نَحْوُ ابنِ مُنْيَةٍ، وَجَدْ ... كَابْنِ جُرَيْحٍ وَجَمَاعَةٍ وَقَدْ 944.... يُنْسَبُ كَالمِقْدَادِ بالتَّبَنِّيْ ... فَلَيْسَ للأَسْوَدِ أَصْلاً بِابْنِ المنسوبونَ إلى غيرِ آبائهمْ على أقسامٍ القسمُ الأولُ مَنْ نُسِبَ إلى أمِّهِ كبني عفراءَ، وهُمْ مُعاذٌ، ومُعَوِّذٌ، وعَوْذٌ، وقيلَ عَوْفٌ بالفاءِ، وعفراءُ أُمهمْ، وهيَ عفراءُ بنتُ عبيدِ بنِ ثعلبةَ منْ بني النجَّارِ، واسمُ أبيهم الحارثُ بنُ رفاعةَ بنِ الحارثِ منْ بني النجَّارِ أيضاً، وشهدَ بنو عفراءَ بدراً، فقُتِلَ منهمْ اثنانِ بها عوفٌ ومعوذٌ، وبقِيَ معاذٌ إلى زمنِ عثمانَ، وقيلَ إلى زمنِ عليٍّ، فتوفيَ بصفينَ، وقيلَ إنَّهُ جُرِحَ أيضاً ببدرٍ، ورجعَ إلى المدينةِ فماتَ بها ومِنْ أمثلةِ ذلكَ منَ الصحابةِ بلالُ بنُ حَمَامةَ، وسَهْلٌ، وسُهَيْلٌ ابنا بيضاءَ، وشُرَحْبِيْلُ بنُ حَسَنَةَ، وعبدُ اللهِ بنُ بُحَيْنَةَ، وسَعْدُ بنُ حَبْتَةَ ومِنَ التابعينَ فَمَنْ بعدَهُمْ محمدُ بنُ الحَنَفِيَّةِ، وإسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ، وإبراهيمُ بنُ هَرَاسةَ

وَقدْ صَنَّفَ فيمَنْ عُرِفَ بأُمِّهِ الحافظُ علاءُ الدينِ مُغُلْطَاي تصنيفاً حسناً، هوَ عندي بخطِّهِ في ثلاثٍ وستينَ ورقةً والقسمُ الثاني مَنْ نُسِبَ إلى جدَّةٍ دُنْيَا كانتْ أوْ عُلْيَا، كيعلى بنِ مُنْيَةَ الصحابيِّ المشهورِ، اسمُ أبيهِ أميةُ بنُ أبي عبيدةَ، ومُنْيةُ أمُّ أبيهِ في قولِ الزُّبَيرِ بنِ بَكَّارٍ، وكذا قالَ ابنُ ماكولا إنَّها جدتُهُ أمُّ أبيهِ الأدنى، وقالَ الطبريُّ إنَّها أمُّ يعلى نفسهِ، ورجَّحهُ المزيُّ، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ لَمْ يُصِبِ الزبيرُ وأما قولُ ابنِ وضَّاحٍ أنَّ منيةَ أبوهُ، فوهمٌ، حكاهُ صاحبُ المشارقِ، والمعروفُ الصوابُ أنَّ مُنْيَةَ اسمُ امرأةٍ، واختلِفَ في نسبِها، فقيلَ مُنْيَةُ بنتُ الحارثُ بنِ جابرٍ، قالَهُ ابنُ ماكولا، وقيلَ مُنْيَةُ بنتُ جابرٍ عمَّةُ عتبةَ بنِ غزوانَ، قالَهُ الطبريُّ وقيلَ منيةُ بنتُ غزوانَ أختُ عتبةَ بنِ غزوانَ، حكاهُ الدارقطنيُّ عنْ أصحابِ الحديثِ وأصحابِ التاريخِ، ورجَّحهُ المزيُّ

ومثالُ مَنْ نُسِبَ إلى جدتِهِ العليا بشيرُ بنُ الخَصَاصِيَةِ، الصحابيُّ المشهورُ، واسمُ أبيهِ معبدٌ، وقيلَ نذيرٌ، وقيلَ زيدٌ، وقيلَ شراحيلُ والخَصَاصِيَةُ أُمُّ الثالثِ منْ أجدادِهِ، قالَهُ ابنُ الصلاحِ، ويقالُ هيَ أُمُّهُ، حكاهُ ابنُ الجوزيِّ في التلقيحِ، وقالَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ الخَصَاصِيَةُ اسمُها كبشةُ، وقيلَ ماويةُ بنتُ عمرِو بنِ الحارثِ الغطريفِ ومِنْ ذلكَ في المتأخرينَ أبو أحمدَ عبدُ الوهابِ بنُ سُكَيْنةَ، فسَكُيْنةُ أُمُّ أبيهِ، واسمُ أبيهِ عليُّ بنُ عليٍّ ومِنْ ذلكَ فيما قيلَ الشيخُ مجدُ الدينِ بنُ تَيْمِيَّةَ صاحبُ المنتقى، وبقيةُ أهلِ بيتِهِ، فقيلَ إنَّ جدَّتَهُ مِنْ وادي التَّيْمِ والقسمُ الثالثُ مَنْ نُسِبَ إلى جدِّهِ، ومِنْ ذلكَ قولُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديثِ الصحيحِ أَنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المطلبْ، وكذلكَ قولُ الأعرابيِّ في الحديثِ الصحيحِ أيُّكُمْ ابنُ عبدِ المطلبِ ومثالُهُ في الصحابةِ أبو عُبَيدةَ بنُ الجَرَّاحِ، وهوَ عامرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ وَحَمَلُ بنُ النابغةِ، هوَ ابنُ مالكِ بنِ النابغةِ وَمُجَمَّعُ بنُ جَارِيةَ، هوَ ابنُ يَزيدَ بنِ جاريةَ، وقيلَ هما اثنانِ وأحمدُ بنُ جَزْءٍ، هوَ ابنُ سواءٍ بنِ جَزْءٍ

وفي الأئمةِ ابنُ جُرَيْجٍ، هوَ عبدُ الملكِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ جريجٍ ومثلُهُ ابنُ الماجِشُونَ، وابنُ أبي ذِئْبٍ، وابنُ أبي ليلى، وابنُ أبي مُليكةَ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ وأبو بكرِ ابنُ أبي شيبةَ، وأخواهُ عثمانُ والقاسمُ، وابنُ يونسَ صاحبُ تاريخِ مصرَ، وابنُ مسكينٍ من بيوتِ المصريينَ، اشتهروا ببني مسكينٍ منْ زمنِ النسائيِّ إلى زماننا هذا، وجدُّهُمْ الحارثُ بنُ مسكينٍ أحدُ شيوخِ النسائيِّ والقسمُ الرابعُ مَنْ نُسِبَ إلى رجلٍ لكونِهِ تَبَنَّاهُ، كالمِقْدَادِ بنِ الأسودِ، فليسَ هوَ بابنِ الأسودِ، وإنما كانَ في حِجْرِ الأسودِ بنِ عبدِ يَغُوثَ، وتَبَنَّاهُ فنُسِبَ إليهِ، واسمُ أبيهِ عَمْرُو بنُ ثَعْلبةَ الكِنْدِيُّ وكالحسنِ بنِ دينارٍ أحدِ الضعفاءِ - فدينارُ زوجُ أمِّهِ، واسمُ أبيهِ واصلٌ، قالَهُ يحيى بنُ معينٍ، والفلاَّسُ، والجوزجانيُّ، وابنُ حبانَ، وغيرُهم، قالَ ابنُ الصلاحِ وكأنَّ هذا خَفِيَ على ابنِ أبي حاتمٍ، حيثُ قالَ فيهِ الحسنُ بنُ دينارِ بنِ واصلٍ، فجعلَ واصلاً جدَّهُ قلتُ وقدْ جعلَ بعضُهُمْ ديناراً جدَّهُ، رواهُ أبو العربِ في كتابِ الضعفاء، عنْ يحيى بنِ محمدِ بنِ يحيى بنِ سلاَّمٍ، عنْ أبيهِ، عنْ الحسنِ جدِّهِ، قالَ الحسنُ بنُ واصلِ بنِ دينارٍ، ودينارٌ جَدُّهُ

المنسوبون إلى خلاف الظاهر

المَنْسُوبُونَ إِلَى خِلاَفِ الظَّاهِرِ ... وَنَسَبُوا لِعَارِضٍ كَالْبَدْرِيْ ... نَزَلَ بَدْرَاً عُقْبَةُ ابْنُ عَمْرِو 946.... كَذَلِكَ التَّيْمِيْ سُلَيْمَانُ نَزَلْ ... تَيْمَاً وَخَالِدٌ بِحَذَّاءٍ جُعِلْ ... جُلُوْسُهُ وَمِقْسَمٌ لَمَّا لَزِمْ ... مَجْلِسَ عَبْدِ اللهِ مَوْلاَهُ وُسِمْ قدْ يُنسبُ الراوي إلى نسبةٍ من مكانٍ، أوْ وقعةٍ، أوْ قبيلةٍ، أو صنعةٍ، وليسَ الظاهرُ الذي يسبقُ إلى الفهمِ من تلكَ النسبةِ مراداً، بلْ لعارضٍ عرضَ من نزولِهِ ذلكَ المكانِ، أوْ تلكَ القبيلةِ، أوْ نحو ذلكَ. ومثالُهُ: أبو مسعودٍ البَدْرِيُّ، واسمُهُ: عقبةُ بنُ عمرٍو الأنصاريُّ الخزرجيُّ، صاحبُ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنَّهُ لَمْ يشهدْ بدراً في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ، وهوَ قولُ ابنِ شهابٍ، ومحمدِ بنِ إسحاقَ، والواقديِّ، ويحيى بنِ معينٍ، وإبراهيمَ الحربيِّ، وبهِ جزمَ السمعانيُّ، وأمَّا البخاريُّ، فعدَّهُ في الصحيحِ ممَّنْ شَهِدَ بدراً، وروى في صحيحهِ حديثَ عروةَ بنِ الزبيرِ: أَخَّرَ المغيرةُ ابنُ شعبةَ العصرَ، وهوَ أميرُ الكوفةِ، فدخلَ عليهِ أبو مسعودٍ، عقبةُ بنُ عمرٍو الأنصاريُّ - جدُّ زيدِ بنِ حسنِ -، شَهِدَ

بدراً ... الحديث، وقالَ شعبةُ عنِ الحكمِ: كانَ أبو مسعودٍ بدرياً. وقالَ محمدُ بنُ سعدٍ: شَهِدَ أُحُدَاً وما بعدَهَا، ولَمْ يشهدْ بدراً، قالَ: وليسَ بينَ أصحابنا في ذلكَ اختلافٌ. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: ((لا يصحُّ شهودُهُ بدراً)) . انتهى. وذكرَ إبراهيمُ الحربيُّ أنَّهُ إنما نُسِبَ لذلكَ؛ لأنَّهُ كانَ ساكناً ببدرٍ، وقدْ شَهِدَ العقبةَ معَ السبعينَ، وكانَ أصغرَ مَنْ شهِدَهَا. ومنْ ذلكَ: سُلَيْمانُ بنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ أبو المُعْتَمرِ، قالَ البخاريُّ في التاريخِ: يُعرفُ بالتيميِّ؛ كانَ ينزلُ بني تَيْمٍ، وهوَ مولى بني مُرَّةَ، وروى السمعانيُّ أنَّ ابنَهُ - المعتمرَ - قالَ لهُ: يا أبتِ تكتبُ التيميَّ ولستَ بتيميٍّ؟ قالَ: تَيِّمُ الدارِ، وروى الأصمعيُّ، عنْ ابنِهِ المعتمرِ، قالَ: قالَ أبي: إذا كتبتَ فلا تكتبِ التيميَّ، ولا تكتبِ المريَّ، فإنَّ أبي كانَ مكاتباً لبُحيرِ بنِ حُمرانَ، وإنَّ أمِّي كانتْ مولاةً لبني سُليمٍ، فإنْ كانَ أدى الكتابةَ فالولاءُ لبني مرةَ، وهوَ مرةُ بنُ عبادِ بنِ ضبيعةَ بنِ قيسٍ، فاكتبْ القيسيَّ وإنْ لَمْ يكنْ أدى الكتابةَ، فالولاءُ لبني سليمٍ، وهمْ من قيسِ عَيلانَ، فاكتبِ القيسيَّ. ومِنْ ذلكَ: أبو عمرٍو الأوزاعيُّ، وفَيْرُوزُ الحِمْيَرِيُّ، وإبراهيمُ بنُ يزيدَ الخوزيُّ، وأبو خالدٍ الدَّالاَنيُّ، وعبدُ الملكِ بنُ سليمانَ العَرْزَميُّ، ومحمدُ بنُ سِنَانٍ العَوَقِيُّ -بالقافِ وفتحِ الواوِ - وأبو سعيدٍ المُقْبُرِيُّ، وإسماعيلُ بنُ محمدٍ المكيُّ، نزلَ كلٌّ منهمْ فيما نُسبَ إليهِ. ومِنْ ذلكَ أحمدُ بنُ يوسفَ السُّلَمِيُّ -شيخُ مسلمٍ- كانتْ أمُّهُ منهمْ، وحفيدهُ أبو عمرِو بنُ نُجَيْدٍ، وأبو عبدِ الرحمنِ السُّلَميُّ سِبْطُ ابنِ نُجَيْدٍ المذكورِ.

المبهمات

وقريبٌ منْ ذلكَ: خالدٌ الحَذَّاءُ، وهوَ خالدُ بنُ مِهْرانَ. واختلِفَ في سببِ انتسابِهِ لذلكَ فقالَ يزيدُ بنُ هارونَ فيما حكاهُ البخاريُّ في" التاريخ ": ما حذا نعلاً قطُّ، إنما كانَ يجلسُ إلى حَذَّاءٍ فنسبَ إليهِ، وكذا قالَ محمدُ بنُ سعدٍ: ((لَمْ يكنْ بحذَّاءٍ، ولكنْ كانَ يجلسُ إليهمْ)) ، قالَ: وقالَ فهدُ بنُ حيَّانَ: لَمْ يَحذُ خالدٌ قطُّ، وإنما كانَ يقولُ: احذُ على هذا النحوِ؛ فلقِّبَ: الحذَّاءَ. وقريبٌ منهُ أيضاً: مِقْسَمٌ مولى ابنِ عَبَّاسٍ، هوَ مولى عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ نوفلٍ، قالَهُ البخاريُّ وغيرُهُ، وقيلَ لهُ: مولى ابن عباسٍ؛ للزومِهِ لهُ. ومِنْ ذلكَ: يَزِيْدُ الفَقِيْرُ، كانَ يشكو فقارَ ظَهْرِهِ. المُبْهَمَاتُ 948.... وَمُبْهَمُ الْرُّوَاةِ مَا لَمْ يُسْمَى ... كَامْرَأَةٍ فِي الْحَيْضِ وَهْيَ أَسْمَا ... وَمَنْ رَقَى سَيِّدَ ذَاكَ الحَيِّ ... رَاقٍ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ 950.... وَمِنْهُ نَحْوُ ابْنِ فُلاَنٍ، عَمِّهِ ... عَمَّتِهِ، زَوْجَتِهِ، ابْنِ أُمِّهِ

منْ أنواعِ علومِ الحديثِ معرفةُ مَنْ أُبهمَ ذكرُهُ في الحديثِ، أوْ في الإسنادِ منَ الرجالِ والنساءِ، وقدْ صنَّفَ في ذلكَ جماعةٌ منَ الحفاظِ منهم عبدُ الغنيِّ ابنُ سعيدٍ، والخطيبُ، وأبو القاسمِ بنُ بَشْكُوالَ، وهوَ أكبرُ كتابٍ جمعَ فيهِ ثلاثمائةِ حديثٍ، وواحداً وعشرينَ حديثاً، ولكنَّهُ على غيرِ ترتيبٍ، ورتَّبَ الخطيبُ كتابَهُ على الحروفِ في الشخص المُبْهَمِ، وجملةُ ما في كتابِ الخطيبِ مائةٌ وواحدٌ وسبعونَ حديثاً، واختصرهُ النوويُّ ورتَّبهُ على الحروفِ في راوي الحديثِ وهوَ أسهلُ للكشفِ، وزادَ فيهِ بعضَ أسماءٍ ويُستدلُّ على معرفةِ الشخصِ المبهمِ بورودهِ مسمى في بعضِ طرقِ الحديثِ، وهوَ واضحٌ، أوْ بتنصيصِ أهلِ السِّيَرِ على كثيرٍ منهم، وربَّما استدلوا بورودِ حديثٍ آخرَ أُسندَ فيهِ لمعينٍ ما أسندَ لذلكَ الراوي المبهمِ في ذلكَ الحديثِ، وفيهِ نظرٌ، منْ حيثُ إنَّهُ يجوزُ وقوعُ تلكَ الواقعةِ لشخصينِ اثنينِ ومنْ أمثلةِ ذلكَ حديثُ عائشةَ أنَّ امرأةً سألتِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ غُسْلِها مِنَ المَحِيْضِ، قالَ خُذِي فِرْصَةً منْ مَِسْكٍ، فتطَهَّرِي بها ... الحديث، متفق عليهِ منْ روايةِ منصورِ بنِ صَفِيَّةَ، عنْ أمِّهِ، عنْ عائشةَ وهذهِ المرأةُ المبهمةُ في روايةِ منصورٍ، اسمها أسماءُ، والحجةُ في ذلكَ ما رواهُ مسلمٌ في أفرادِهِ منْ روايةِ إبراهيمَ بنِ المهاجرِ، قالَ سمعتُ صفيةَ، تحدِّثُ عنْ عائشةَ أنَّ أسماء سَأَلَتِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عنْ غُسْلِ الحَيْضِ، فذكرَ الحديثَ

وقدِ اخْتَلَفَ مَنْ صَنَّفَ في المبهماتِ في تعيينِ أسماءِ هذهِ، فقالَ الخطيبُ بنتُ يزيدَ بنِ السَّكنِ الأنصاريةُ، وقالَ ابنُ بَشْكوالَ هيَ أسماءُ بنتُ شَكَلٍ، وهذا هوَ الصوابُ، فقدْ ثبتَ ذلكَ في بعضِ طرقِ الحديثِ في صحيحِ مسلمٍ، وقالَ النوويُّ في مختصرِ المبهماتِ يجوزُ أنْ تكونَ القصةُ جرتْ للمرأتينِ في مجلسٍ أوْ مجلسينِ ومِنْ ذلكَ حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّ ناساً منْ أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا في سَفَرٍ فمرُّوا بحيٍّ منْ أحياءِ العربِ، فاستضافوهمْ، فلمْ يُضَيِّفُوهُمْ، فقالوا لهم هلْ فيكمْ راقٍ؟ فإنَّ سيِّدَ الحيِّ لديغٌ أو مصابٌ، فقالَ رجلٌ منهمْ نعمْ، فأتاهُ فرقاهُ بفاتحةِ الكتابِ، فبرئَ الرجلُ ... الحديث أخرجهُ الأئمةُ الستةُ، وهذا لفظُ مسلمٍ، وقدْ روى البخاريُّ القصةَ مِنْ حديثِ ابنِ عباسٍ، قالَ الخطيبُ الراقي هوُ أبو سعيدٍ الخدريُّ، راوي الحديثِ، وكذا قالَ ابنُ الصلاحِ تبعاً لهُ، وفيهِ نظرٌ من حيثُ إنَّ في بعضِ طرقِهِ عندَ مسلمٍ من حديثِ أبي سعيدٍ فقامَ معهُ رجلٌ منَّا، ما كنَّا نظنُّهُ يُحسِنُ رقيةً ... الحديث

وفيهِ فقلنا أكنتَ تحسنُ رقيةً؟ قالَ ما رقيتُهُ إلاَّ بفاتحةِ الكتابِ وفي روايةٍ لهُ ما كنَّا نأْبنُهُ برقيةٍ وهذا ظاهرٌ في أنَّهُ غيرُهُ إلاَّ أنْ يقالَ لعلَّ ذلكَ وقعَ مرتينِ، مرةً لغيرهِ، ومرةً لهُ، واللهُ أعلمُ ومِنْ أمثلةِ المبهمِ ابنُ فلانٍ غيرُ مسمًّى، مثالُهُ ما رواهُ أصحابُ السُّنَنِ الأربعةِمنْ حديثِ يزيدَ بنِ شَيْبَانَ، قالَ أتانا ابنُ مِرْبَعٍ الأنصاريُّ، ونحنُ بعرفةَ، فقالَ إنِّي رسولُ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليكمْ، يقولُ لكمْ قِفوا على مَشَاعِرِكُمْ ... الحديث وابنُ مِرْبَعٍ هذا بكسرِ الميمِ وسكونِ الراءِ وفتحِ الباءِ الموحدةِ وآخرهُ عينٌ مهملةٌ، واختلفَ في اسمِهِ، فقيلَ يزيدُ، وقيلَ زيدٌ، وقيلَ عبدُ اللهِ، قالَهُ الواقديُّ، ومحمدُ بنُ سعدٍ

ومنْ ذلكَ عمُّ فلانٍ، مثالُهُ ما رواهُ النسائيُّ منْ روايةِ عليِّ بنِ يحيى بنِ خلادٍ، عنْ أبيهِ، عنْ عمٍّ لهُ بدريٍّ، في حديثِ المسيءِ صلاتَهُ، وقولُهُ ارجعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ... نحوُ حديثِ أبي هريرةَ العمُّ المبهمُ في الحديثِ هوَ رفاعةُ بنُ رافعٍ الزُّرقيُّ، كما سُمِّيَ في سننِ أبي داودَ وغيرِها وفي الصحيحِ حديثُ رافعِ بنِ خَدِيجٍ، عنْ بعضِ عُمُومتِهِ في النهيِ عنِ المُخَابرةِ، واسمُ عمِّهِ ظُهَيرُ بنُ رافعٍ وفي الجامعِ للترمذي منْ روايةِ زيادِ بنِ عِلاقةَ، عنْ عمِّهِ مرفوعاً اللهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ منْ مُنْكراتِ الأخلاقِ ... الحديث، عمُّهُ هوَ قُطْبَةُ بنُ مالكٍ، كما في صحيحِ مسلمٍ في حديثٍ آخرَ ومِنْ ذلكَ عمَّةُ فلانٍ، مثالُهُ ما رواهُ النسائيُّ أيضاً منْ روايةِ حُصَيْنِ ابنِ مِحْصَنٍ، عنْ عمَّةٍ لهُ أنَّها أتتِ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحاجةٍ، فلما فرغتْ، قالَ أذاتُ زوجٍ أنتِ؟ قالتْ نعمْ ... الحديث، واسمُ عمَّتِهِ هذهِ أسماءُ، قالَهُ أبو عليِّ ابنِ السَّكنِ، وابنُ ماكولا وكذلكَ ذكرَهُ ابنُ بشكوالَ أيضاً في المبهماتِ

وفي الصحيحِ من حديثِ جابرٍ في قتلِ أبيهِ يومَ أُحدٍ، فجعلتْ عمَّتِي تَبْكِيْهِ ... الحديث اسمُ عمَّتِهِ فاطمةُ بنتُ عمرِو بنِ حرامٍ، وقعتْ مسماةً في مسندِ أبي داودَ الطيالسيِّ، وسمَّاها الواقديُّ هِنْداً ومِنْ ذلكَ زوجةُ فلانٍ، كحديثِ عُقْبةَ بنِ الحارثِ، قالَ تزوجتُ امرأةً فَجَاءَتْنَا امرأةٌ سوداءُ، فقالتْ إنِّي قدْ أَرْضَعْتُكُمَا ... الحديث، ووقعَ في البخاريِّ تكنيتها بأُمِّ يحيى بنتِ أبي إهابٍ، ولَمْ تُسمَّ فيهِ، قالَ ابنُ بشكوالَ، واسمها غنيةُ بنتُ أبي إهابِ بنِ عزيزِ بنِ قيسٍ قلتُ ووقعَ في بعضِ طرقِ الحديثِ من روايةِ إسماعيلَ بنِ أميةَ، عنْ ابنِ أبي مُلَيكةَ، عنْ عقبةَ بنِ الحارثِ، قالَ تزوجتُ زينبَ بنتَ أبي إهابٍ، فاللهُ أعلمُ وفي الصحيحِ جاءتْ امرأةُ رفاعةَ القُرظيِّ ... الحديث في تزوجها بـ عبدِ الرحمنِ بنِ الزَّبيرِ - بفتحِ الزَّاي - مُكَبَّراً، واختلِفَ في اسمها، فقيلَ تميمةُ بنتُ وهبٍ، وقيلَ تُميمةُ - بضمِّ التاءِ - وقيلَ سُهَيْمَةُ

تواريخ الرواة والوفيات

ومن ذلكَ أيضاً زوجُ فلانةَ، كحديثِ سُبَيْعةَ الأسلميةِ، أنها وَلَدَتْ بعدَ وفاةِ زوجِهَا بليالٍ ... الحديث، وهوَ في الصحيحِ، وزوجها هوَ سعدُ بنُ خَوْلةَ ومن ذلكَ ابنُ أُمِّ فُلانٍ، نحوُ حديثِ أُمِّ هانئ أنَّها قالتْ زعمَ ابنُ أمِّي أنَّهُ قاتلٌ رجلاً أَجَرْتُهُ ... الحديث ابنُ أمِّهَا هوَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - كما هوَ مسمًّى في روايةِ مالكٍ في الموطأ، وكذلكَ ابنُ أمِّ مكتومٍ الأعمى، مؤذنُ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يردُ في الصحيحِ غيرَ مسمًّى، واختلِفَ في اسمِهِ، فقيلَ عبدُ اللهِ، وقيلَ عمرٌو، وقيلَ غيرُ ذلكَ تَوَارِيْخُ الرُّوَاةِ وَالوَفَيَاتِ ... وَوَضَعُوا التَّارِيْخَ لَمَّا كَذَبَا ... ذَوُوْهُ حَتَّى بَانَ لَمَّا حُسِبَا 952.... فَاسْتَكْمَلَ النَّبِيُّ والصِّدِّيْقُ ... كَذَا عَلِيٌّ وَكَذَا الفَارُوْقُ

.. ثَلاَثَةَ الأَعْوَامِ والسِّتِّينَا ... وَفِي رَبِيْعٍ قَدْ قَضَى يَقِيْنَا 954.... سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةٍ، وَقُبِضَا ... عَامَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ التَّالِي الرِّضَا ... وَلِثَلاَثٍ بَعْدَ عِشْرِيْنَ عُمَرْ ... وَخَمْسَةٍ بَعْدَ ثَلاَثِيْنَ غَدَرْ 956.... عَادٍ بِعُثْمَانَ، كَذَاكَ بِعَلِيْ ... فِي الأَرْبَعِيْنَ ذُو الشَّقَاءِ الأزَلِيْ الحكمةُ في وضعِ أهلِ الحديثِ التاريخَ لوفاةِ الرواةِ ومواليدهِمْ وتواريخِ السماعِ وتاريخِ قدومِ فلانٍ مثلاً البلدَ الفلانيَّ؛ ليختبروا بذلكَ مَنْ لَمْ يعلموا صحةَ دعواه، كما روينا عنْ سُفيانَ الثوريِّ، قالَ لَمَّا استعملَ الرواةُ الكَذِبَ، استعملنا لهمُ التاريخَ أو كما قالَ وروينا في تاريخِ بغدادَ للخطيبِ، عنْ حسانِ بنِ يزيدَ، قالَ لَمْ نستعنْ على الكذابِيْنَ بمثلِ التاريخِ نقولُ للشيخِ سنةَ كمْ وُلِدتَ؟ فإذا أقرَّ بمولِدِهِ عرفنا صِدقَهُ من كذبِهِ وقالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ القاضي إذا اتَّهمتُمُ الشَّيخَ فحاسِبُوهُ بالسِّنَّيْنِ - بفتحِ النونِ المشددةِ تثنيةُ سِنٍّ وهوَ العُمُرُ - يريدُ احْسِبُوا سِنَّهُ وسِنَّ مَنْ كَتَبَ عنهُ، وسألَ إسماعيلُ بنُ عياشٍ رجلاً اختباراً أيَّ سنةٍ كتبتَ عنْ خالدِ بنِ مَعْدَانَ؟ فقالَ سنةَ ثلاثَ عشرةَ - يعني ومائة - فقالَ أنتَ تزْعُمُ أَنَّكَ سَمِعْتَ منهُ بعدَ موتِهِ بسبعِ سنينَ، قالَ إسماعيلُ ماتَ خالدٌ سنةَ ستٍّ ومائةٍ وقدْ روى يحيى بنُ صالحٍ عنْ إسماعيلَ أنَّهُ توفيَ سنةَ خمسٍ وقدْ وقعَ لِعُفَيْرِ بنِ مَعْدَانَ نظيرُ هذا معَ مَنْ ادَّعى أنَّهُ سمعَ من

خالدٍ؛ ولكنَّ عُفَيْراً قالَ إنَّهُ توفيَ سنةَ أربعٍ ومائةٍ وهوَ قولُ دُحَيمٍ، ومعاويةَ بنِ صالحٍ، وسليمانَ الخبائريِّ، ويزيدَ بنِ عبدِ ربهِ، وقالَ إنَّهُ قرأهُ في ديوانِ العطاءِ كذلكَ، ورجَّحهُ ابنُ حبانَ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ في العبر وأما ابنُ سعدٍ فحكى الإجماعَ على أنَّهُ توفيَ سنةَ ثلاثٍ ومائةٍ، وهوَ قولُ الهيثمِ بنِ عديٍّ، والمدائنيِّ، ويحيى بنِ معينٍ، والفلاسِ، ويعقوبَ بنِ شيبةَ في آخرينَ وأما أبو عبيدٍ، وخليفةُ بنُ خَيَّاطٍ، فقالاَ إنَّهُ بقيَ إلى سنةِ ثمانٍ ومائةٍ، ورجَّحهُ ابنُ قانعٍ، فاللهُ أعلمُ وقدْ سألَ أبو عبدِ اللهِ الحاكمُ محمدَ بنَ حاتمٍ الكَشِّيَّ عنْ مولدهِ، لَمَّا حدَّثَ عن عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ، فقالَ سنةَ ستينَ ومائتينِ، فقالَ سَمِعَ هذا من عبدٍ بعدَ موتِهِ بثلاثَ عشرةَ سنةً وقالَ أبو عبدِ اللهِ الحُمَيْديُّ إنَّهُ ممَّا يجبُ تقديمُ التَّهمُّمِ بهِ وفياتُ الشيوخِ، قالَ وليسَ فيهِ كتابٌ كأنَّهُ يريدُ الاستقصاءَ، وإلاَّ ففيهِ كتبٌ، كالوفياتِ لابنِ زَبْرٍ، والوفياتِ لابنِ قانعٍ، وقدِ اتصلتِ الذيولُ على ابنِ زَبْرٍ إلى زماننا هذا، فذيَّلَ عليهِ الحافظُ أبو محمدٍ عبدُ العزيزِ بنُ أحمدَ الكَتَّانيُّ، وذيَّلَ على الكتانيِّ أبو محمدٍ هبةُ اللهِ بنُ أحمدَ الأكفانيُّ ذَيْلاً صَغِيْراً نحو عشرينَ سنةً، وذيَّلَ على

الأكفانيِّ الحافظُ أبو الحسنِ عليُّ بنُ المفَضَّلِ، وذيَّلَ على ابنِ المفضّلِ الحافظُ أبو محمدٍ عبدُ العظيمِ ابنُ عبدِ القويِّ المنذريُّ بذيلٍ كبيرٍ مفيدٍ، وذيَّلَ على المنذريِّ الشريفُ عزُّ الدينِ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ الحسينيُّ، وذيَّلَ على الشريفِ المحدِّثُ شهابُ الدينِ أحمدُ بنُ أَيْبَكَ الدِّمياطيُّ إلى الطاعونِ، سنةَ تسعٍ وأربعينَ وسبعمائةٍ، وذيَّلتُ على ابنِ أَيْبَكَ والذيولُ المتأخرةُ أبسطُ منَ الأصلِ، وأكثرُ فوائدَ والضميرُ في قولي ذَوُوْهُ يعودُ على الكذبِ؛ لتقدمِ الفعلِ الدالِ عليهِ وقدْ ذكرَ ابنُ الصلاحِ عُيُوناً من ذلكَ هنا، فاقتصرَ على وفاة النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والعشرةِ المشهودِ لهمْ بالجنةِ، ومَنْ عاشَ منَ الصحابةِ ستينَ في الجاهليةِ، وستينَ في الإسلامِ والأئمةِ الفقهاءِ الخمسةِ، والأئمةِ الحفاظِ الخمسةِ وسبعةٍ بعدَهمْ منَ الحفاظِ، انْتُفِعَ بتصانِيْفِهِم، فاقتصرتُ على ذلكَ تَبَعاً لهُ وقدْ اخْتُلِفَ في مقدارِ سِنِّ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحِبَيْهِ - أبي بَكْرٍ وعُمَرَ - وابنِ عمِّهِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنهم - فالصحيحُ في سِنِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّهُ ثلاثٌ وستونَ سنةً، وهوَ قولُ عائشةَ، ومعاويةَ، وجريرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَليِّ، وابنِ عبَّاسٍ، وأنسٍ في المشهورِ عنهما وإنْ كانَ قدْ صحَّ عنْ أنسٍ أنَّهُ توفِّيَ على رأسِ ستينَ أيضاً، فالعربُ قدْ تتركُ الكسورَ، وتقتصرُ

على رؤوسِ الأعدادِ، وبهِ قالَ منَ التابعينَ ومَنْ بعدهم ابنُ المسيِّبِ، والقاسمُ، والشعبيُّ، وأبو إسحاقَ السبيعيُّ، وأبو جعفرٍ محمدُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِ، ومحمدُ بنُ إسحاقَ، وصحَّحهُ ابنُ عبدِ البرِّ، والجمهورُ وقيلَ ستونَ سنةً، ثبتَ ذلكَ عنْ أنسٍ، ورويَ عنْ فاطمةَ بنتِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهوَ قولُ عُرْوةَ بنِ الزبيرِ، ومالكٍ، وقيلَ خمسٌ وستونَ، رويَ ذلكَ عنِ ابنِ عباسٍ، وأنسٍ أيضاً ودَغْفَلِ بنِ حَنْظَلَةَ، وقيلَ اثنانِ وستونَ، رواهُ ابنُ أبي خيثمةَ، عنْ قتادةَ

وأمَّا أبو بكرٍ، فالأصحُّ فيهِ أيضاً أنَّهُ عاشَ ثلاثاً وستينَ، صحَّ ذلكَ عنْ معاويةَ، وأنسٍ، وهوَ قولُ الأكثرينَ، وبهِ جزمَ ابنُ قانعٍ، والمزيُّ، والذهبيُّ، وقيلَ عاشَ خمساً وستينَ، حكاهُ ابنُ الجوزيِّ، وقالَ ابنُ حبانَ في كتابِ الخلفاءِ كانَ لهُ يومَ ماتَ اثنانِ وستونَ سنةً وثلاثةُ أشهرٍ، واثنانِ وعشرونَ يوماً وأمَّا عمرُ، فالأصحُّ فيهِ أيضاً أنَّهُ عاشَ ثلاثاً وستينَ، صحَّ ذلكَ أيضاً عنْ معاويةَ، وأنسٍ، وبهِ جزمَ ابنُ إسحاقَ، وهوَ قولُ الجمهورِ، ويدلُّ عليهِ قولهمْ: وُلِدَ بعدَ الفيلِ بثلاثَ عشرةَ سنةً، وفي مبلغِ سِنِّهِ ثمانيةُ أقوالٍ أخرَ: قيلَ ستٌّ وستونَ، وهوَ قولُ ابنِ عبَّاسٍ وقيلَ خمسٌ وستونَ، وهوَ قولُ ابنِهِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، والزهريِّ، فيما حكاهُ ابنُ الجوزيِّ عنهما وقيلَ إحدى وستونَ، وهوَ قولُ قتادةَ وقيلَ ستونَ، وبهِ جزمَ ابنُ قانعٍ في الوفياتِ وقيلَ تسعٌ وخمسونَ وقيلَ سبعٌ وخمسونَ وقيلَ ستٌّ وخمسونَ وهذهِ الأقوالُ الثلاثةُ رُويتْ عنْ نافعٍ مولى ابنِ عمرَ وقيلَ خمسٌ وخمسونَ، رواهُ البخاريُّ في التاريخِ عنِ ابنِ عمرَ، وبهِ جزمَ ابنُ حبَّانَ في كتاب الخلفاء

وأمَّا عليٌّ، فقالَ أبو نُعَيمٍ الفَضَلُ بنُ دُكَيْنٍ، وغيرُ واحدٍ إنَّهُ قُتِلَ وهوَ ابنُ ثلاثٍ وستينَ سنةً، وكذلكَ قالَ عبدُ اللهِ بنِ عمرَ، وصحَّحَهُ ابنُ عبدِ البرِّ، وهوَ أحدُ الأقوالِ المرويةِ عنْ أبي جعفرٍ محمدِ بنِ عليِّ بنِ الحسينِ وبهِ صدَّرَ ابنُ الصلاحِ كلامَهُ وقيلَ أربعٌ وستونَ وقيلَ خمسٌ وستونَ ورويَ هذانِ القولانِ عنْ أبي جعفرٍ محمدِ بنِ عليٍّ أيضاً، واقتصرَ ابنُ الصلاحِ مِنَ الخلافِ على هذهِ الأقوالِ الثلاثةِ وقيلَ اثنانِ وستونَ، وبهِ جزمَ ابنُ حبانَ في كتابِ الخلفاءِ وقيلَ ثمانٍ وخمسونَ، وهوَ المذكورُ في تاريخِ البخاريِّ، عنْ محمدِ بنِ عليٍّ وقيلَ سبعٌ وخمسونَ، وبهِ صدَّرَ ابنُ قانعٍ كلامَهُ، وقدَّمَه ابنُ الجوزيِّ والمزيُّ عندَ حكايةِ الخِلافِ وأمَّا تاريخُ وفياتِهِمْ فتُوفِّيَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شهرِ ربيعٍ الأولِ سنةَ إحدى عشرةَ، ولا خلافَ بينَ أهلِ السِّيَرِ في الشهرِ، وكذلكَ لا خلافَ في أنَّ ذلكَ كانَ يومَ الاثنينِ، وممَّنْ صرَّحَ بهِ منَ الصحابةِ عائشةُ، وابنُ عباسٍ، وأنسٌ، ومنَ التابعينَ أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، والزهريُّ، وجعفرُ بنُ محمدٍ وآخرونَ، وإنما اختلفوا أيَّ يومٍ كانَ منَ الشهرِ؟ فجزمَ ابنُ إسحاقَ، ومحمدُ ابنُ سعدٍ، وسعيدُ بنُ عفيرٍ، وابنُ حبانَ، وابنُ عبدِ البرِّ، بأنَّهُ يومُ الاثنينِ، لا ثنتي عشرةَ ليلةً خلتْ منهُ، وبِهِ

جزمَ ابنُ الصلاحِ أيضاً، والنوويُّ في شرحِ مسلمٍ، وغيرِهِ، والذهبيُّ في العبرِ، وصحَّحَهُ ابنُ الجوزيِّ، وبهِ صدَّرَ المزيُّ كلامَهُ، واستشكلَهُ السُّهيليُّ، كما سيأتي وقالَ موسى بنُ عقبةَ إنَّهُ كانَ مستهلَ الشهرِ، وبهِ جزمَ ابنُ زَبْرٍ في الوفياتِ ورواهُ أبو الشيخِ ابنُ حيانَ في تاريخهِ، عنِ الليثِ بنِ سعدٍ وقالَ سليمانُ التيميُّ لليلتينِ خلتا منهُ، ورواهُ أبو مَعْشَرٍ عنْ محمدِ بنِ قيسٍ أيضاً والقولُ الأولُ وإنْ كانَ قولَ الجمهورِ،، فقدِ استشكلَهُ السهيليُّ منْ حيثُ التاريخُ؛ وذلكَ لأنَّ الوقفةَ كانتْ في حجةِ الوداعِ يومَ الجمعةِ بالاتفاق، لحديثِ عمرَ - المتفقِ عليهِ -، وإذا كانَ كذلكَ فلا يمكنُ أنْ يكونَ ثاني عشرَ شهرِ ربيعٍ الأول منْ سنةِ إحدى عشرةَ يومَ الاثنينِ، لا على تقديرِ كمالِ الشهورِ الثلاثةِ، ولا على تقديرِ نقصانها، ولا على تقديرِ كمالِ بعضها ونقصِ بعضها؛ لأنَّ ذا الحجةِ أولُهُ الخميسُ، فإنْ نقصَ هوَ والمُحَرَّمُ وصَفَرٌ، كانَ ثاني عشرَ شهرِ ربيعٍ الأولِ يومَ الخميسِ، وإنْ كمُلَ الثلاثةُ كانَ ثاني عشرهُ يومَ الأحدِ، وإنْ نقصَ بعضها وكَمُلَ البعضُ، كانَ ثاني عشرهُ إمَّا الجمعةُ، أوْ السبتُ، وهذا التفصيلُ لا محيصَ عنهُ، وقدْ رأيتُ بعضَ أهلِ العلمِ يجيبُ عنْ هذا الإشكالِ بأنَّهُ تُفْرَضُ الشهورُ الثلاثةُ كواملَ، ويكونُ قولُهُمْ لاثنتي

عشرةَ ليلةً خلتْ منهُ، أي بأيامها كاملةً، فتكونُ وفاتُهُ بعدَ استكمالِ ذلكَ، والدخولِ في الثالثَ عشرَ، وفيهِ نظرٌ منْ حيثُ إنَّ الذي يظهرُ من كلامِ أهلِ السِّيَرِ نقصانُ الثلاثةِ، أوِ اثنينِ منها، بدليلِ ما رواهُ البيهقيُّ في دلائلِ النبوةِ بإسنادٍ صحيحٍ إلى سليمانَ التيميِّ أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرِضَ لاثنتينِ وعشرينَ ليلةً منْ صَفَرٍ، وكانَ أولُ يومٍ مرضَ فيهِ يومَ السبتِ، وكانتْ وفاتُهُ اليومَ العاشرَ يومَ الاثنينِ لليلتينِ خلتا منْ شهرِ ربيعٍ الأولِ، فهذا يدلُّ على أنَّ أولَ صفرٍ يومُ السبتِ، فلزمَ نقصانُ ذي الحجةِ والمحرمِ، وقولُهُ فكانتْ وفاتُهُ اليومَ العاشرَ، أيْ منْ مرضِهِ، يدلُّ على نقصِ صفرٍ أيضاً، ويدلُّ على ذلكَ أيضاً ما رواهُ الواقديُّ عنْ أبي مَعْشَرٍ، عنْ محمدِ بنِ قيسٍ، قالَ اشتكى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يومَ الأربعاءِ لإحدى عشرةَ بَقِيَتْ منْ صَفر إلى أنْ قالَ اشتكى ثلاثةَ عشرَ يوماً، وتوفيَ يومَ الاثنينِ لليلتينِ خلتا من ربيعٍ الأولِ فهذا يدلُّ على نقصانِ الشهورِ أيضاً؛ إلاَّ أنَّهُ جعلَ مدةَ مرضِهِ أكثرَ ممَّا في حديثِ التيميِّ، ويُجْمَعُ بينهما بأنَّ المرادَ بهذا ابتداؤهُ، وبالأولِ اشتدادهُ، والواقديُّ وإنْ ضُعِّفَ في الحديثِ، فهوَ منْ أئمةِ أهلِ السِّيَرِ، وأبو مَعْشَرٍ نجيحٌ مختلفٌ فيهِ، ويرجِّحُ ذلكَ ورودُهُ عنْ بعضِ الصحابةِ؛ وذلكَ فيما رواهُ الخطيبُ في الرواةِ عنْ مالكٍ منْ روايةِ سعيدِ بنِ مسلمِ بنِ قتيبةَ الباهليِّ، حدثنا مالكُ بنُ أنسٍ، عنْ نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، قالَ لمَّا قُبِضَ رسولُ اللهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرِضَ ثمانيةً، فتوفيَ لليلتينِ خلتا من ربيعٍ الأولِ ... الحديث، فاتَّضحَ أنَّ قولَ سليمانَ التيميِّ ومَنْ وافقهُ راجحٌ، مِنْ حيثُ التاريخُ، وكذلكَ قولُ ابنِ شهابٍ مستهلُ شهرِ ربيعٍ الأولِ، فيكونُ أحدُ الشهورِ الثلاثةِ ناقصاً، واللهُ أعلمُ وكذلكَ مِنَ المشكلِ قولُ ابنِ حِبَّانَ، وابنِ عبدِ البرِّ ثمَّ بدأ بهِ مرضُهُ الذي ماتَ منهُ يومَ الأربعاءِ، لليلتينِ بقيتا من صَفَرٍ إلى آخرِ كلامهما، فهذا ممَّا لا يمكنُ؛ لأنَّهُ

يقتضي أنَّ أولَ صَفَرٍ الخميسُ، وهوَ غيرُ ممكنٍ، وقولُ مَنْ قالَ لإحدى عشرةَ ليلةً بَقِيَتْ منهُ أولى بالصوابِ، وهوَ يقتضي وفاتَهُ ثاني شهرِ ربيعٍ الأولِ، وأمَّا وقتُ وفاتِهِ منَ اليومِ، فقالَ ابنُ الصلاحِ ضُحًى، قلتُ وفي صحيحِ مسلمٍ منْ حديثِ أنسٍ وآخرُ نظْرَةٍ نظرْتُها إلى رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... الحديث وفيهِ فأَلْقَى السِّجْفَ، وتوفيَ منْ آخرِ ذلكَ اليومِ وهذا يدلُّ على أنَّهُ تأخَّرَ بعدَ الضحى، والجمعُ بينهما أنَّ المرادَ أولُ النصفِ الثاني، فهوَ آخرُ وقتِ الضحى، وهوَ منْ آخرِ النهارِ باعتبارِ أنَّهُ منَ النصفِ الثاني، ويدلُّ عليهِ ما رواهُ ابنُ عبدِ البرِّ بإسنادِهِ إلى عائشةَ، قالتْ ماتَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ - ارتفاعَ الضحى، وانتصافَ النهارِ يومَ الاثنينِ وذكرَ موسى بنُ عقبةَ في مغازيهِ، عنْ ابنِ شهابٍ توفيَ يومَ الاثنينِ حينَ زاغتِ الشمسُ، فبهذا يجمعُ بينَ مختلفِ الحديثِ في الظاهرِ، واللهُ أعلمُ وتوفِّيَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - سنةَ ثلاثَ عشرةَ، واختُلِفَ في أيِّ شهورِها توفيَ، فجزَمَ ابنُ الصلاحِ بأنَّهُ في جُمَادى الأولى، وهوَ قولُ الواقديِّ، وعمرِو بنِ عليٍّ الفَلاَّسُ، وكذا جزمَ بهِ المزيُّ في التهذيبِ، فقيلَ يومُ الاثنينِ، وقيلَ ليلةُ الثلاثاءِ لثمانٍ، وقيلَ لثلاثٍ بقينَ منهُ، وجزمَ ابنُ إسحاقَ، وابنُ زَبْرٍ، وابنُ قانعٍ، وابنُ حبانَ، وابنُ عبدِ البرِّ، وابن الجوزيِّ، والذهبيُّ في العبرِ بأنَّهُ في

جمادى الآخرةِ، فقالَ ابنُ حبانَ ليلةَ الاثنينِ لسبعَ عشرةَ مضتْ منهُ، وقالَ ابنُ إسحاقَ يومَ الجمعةِ لسبعِ ليالٍ بقينَ منهُ، وقالَ الباقونَ لثمانٍ بقينَ منهُ، وحكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ عنْ أكثرِ أهلِ السِّيرَِ، إمَّا عشيةَ يومِ الاثنينِ، أوْ ليلةَ الثلاثاءِ، أقوالٌ حكاها ابنُ عبدِ البرِّ زادَ ابنُ الجوزيِّ بينَ المغربِ والعشاءِ منْ ليلةِ الثلاثاءِ وتوفيَ عمرُ بنُ الخطَّابِ - رضي الله عنه - في آخرِ يومٍ منْ ذي الحِجَّةِ، سنةَ ثلاثٍ وعشرينَ، وقولُ المزيِّ، والذهبيِّ قُتِلَ لأربعٍ، أوْ ثلاثٍ بقينَ منْ ذي الحجةِ، فإنْ أرادا بذلكَ لمَّا طعنَهُ أبو لؤلؤةَ، فإنَّهُ طعنَهُ يومَ الأربعاءِ عندَ صلاةِ الصبحِ لأربعٍ، وقيلَ لثلاثٍ بقينَ منهُ، وعاشَ ثلاثةَ أيامٍ بعدَ ذلكَ، واتفقوا على أنَّهُ دُفِنَ مُسْتَهَلِّ المُحَرَّمِ سنةَ أربعٍ وعشرينَ، وقالَ الفلاسُ إنَّهُ ماتَ يومَ السبتِ غُرَّةَ المحرمِ سنةَ أربعٍ وعشرينَ وتوفيَ عثمانُ بنُ عفانَ مقتولاً شهيداً سنةَ خمسٍ وثلاثينَ في ذي الحِجَّةِ أيضاً، قيلَ يومُ الجمعةِ، الثامنَ عشرَ منهُ، وهذا هوَ المشهورُ، وادَّعى ابنُ ناصرٍ الإجماعَ على ذلكَ، وليسَ بجيدٍ، فقدْ قيلَ إنَّهُ قُتِلَ يومَ الترويةِ لثمانٍ خلتْ منهُ، قالَهُ الواقديُّ، وادَّعى الإجماعَ عليهِ عندهُمْ، وقيلَ لليلتينِ بقيتا منهُ، وقالَ أبو عثمانَ النَّهْديُّ، قيلَ في وَسَطِ أيَّامِ التشريقِ، وقيلَ لثنتي عشرةَ خلتْ منهُ، قالَهُ الليثُ بنُ سعدٍ، وقيلَ لثلاثَ عشرةَ خلتْ منهُ، وبهِ صدَّرَ ابنُ الجوزيِّ كلامَهُ، وقيلَ في أوَّلِ سنةِ ستٍّ وثلاثينَ، والأولُ أشهرُ

وأمَّا ما وقعَ في تاريخ البخاريِّ مِنْ أنَّهُ ماتَ سنةَ أربعٍ وثلاثينَ، فقالَ ابنُ ناصرٍ هوَ خطأ مِنْ راويهِ وأمَّا قاتلُهُ الذي أشرتُ إليهِ بقولي عَادٍ، فاختُلِفَ فيهِ، فقيلَ هوَ جبلةُ ابنُ الأيهمِ، وقيلَ سودانُ بنُ حمرانَ، وقيلَ رومانُ اليمانيُّ، وقيلَ رومانُ رجلٌ منْ بني أسدِ بنِ خزيمةَ، وقيلَ غيرُ ذلكَ، واختُلِفَ في مبلغِ سنِّهِ، فقيلَ ثمانونَ، قالَهُ ابنُ إسحاقَ، وقيلَ ستٌّ وثمانونَ، قالَهُ قتادةُ، ومعاذُ بنُ هشامٍ، عنْ أبيهِ، وقيلَ اثنتانِ وثمانونَ، قالَهُ أبو اليقظانِ، وادَّعى الواقديُّ اتفاقَ أهلِ السِّيَرِ عليهِ، وقيلَ ثمانٍ وثمانونَ سنةً، وقيلَ تسعونَ وتوفِّيَ عليُّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - مقتولاً شهيداً في شهرِ رمضانَ سنةَ أربعينَ، واختُلِفَ في أيِّ أيامِ الشهرِ، أو لياليهِ قُتِلَ؟ فقالَ أبو الطفيلِ، والشعبيُّ، وزيدُ بنُ وَهْبٍ ضُرِبَ لثماني عشرةَ ليلةً خَلَتْ منْ رمضانَ وقُبِضَ في أولِ ليلةٍ من العشرِ الأواخرِ وقالَ ابنُ إسحاقَ يومَ الجمعةِ لسبعَ عشرةَ خلتْ منهُ، وقالَ ابنُ حبانَ ليلةَ الجمعةِ لسبعَ عشرةَ ليلةً خلتْ منهُ، فماتَ غداةَ يومِ الجمعةِ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ في العبرِ، وقيلَ ليلةُ الجمعةِ لثلاثَ عشرةَ ليلةً خلتْ منهً، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ، وقيلَ لإحدى عشرةَ خَلَتْ منهُ، حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ أيضاً، وقيلَ لإحدى عشرةَ بقيتْ منهُ، قالَهُ الفلاَّسُ، وقالَ ابنُ الجوزيِّ ضُرِبَ يومُ الجمعةِ لثلاثَ عشرةَ بقيتْ منهُ، وقيلَ ليلةُ إحدى وعشرينَ، فبقيَ الجمعةَ والسبتَ، وماتَ ليلةَ الأحدِ، قالَهُ ابنُ أبي شيبةَ، وقيلَ

ماتَ يومَ الأحدِ، وأمَّا قولُ ابنِ زَبْرٍ قُتِلَ ليلةُ الجمعةِ لسبعَ عشرةَ مضتْ منهُ سنةَ تسعٍ وثلاثينَ، فوهمٌ، لَمْ أرَ مَنْ تابَعَهُ عليهِ، وكانَ الذي قتَلَهُ عبدُ الرحمنِ بنُ ملجمٍ المراديُّ أشقى الأخرينَ، كما في حديثِ صهيبٍ وذكرَ النسائيُّ منْ حديثِ عمارِ بنِ ياسرٍ، عنْ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّهُ قالَ لعليٍّ أشقى الناسِ الذي عَقَرَ الناقةَ، والذي يضربُكَ على هذا، ووضعَ يدهُ على رأسِهِ، حتَّى تخضبَ هذهِ، يعني لحيتَهُ، وأشرتُ إلى ذلكَ بقولي ذُو الشَّقَاءِ الأزَلِيْ 957.... وَطَلْحَةٌ مَعَ الزُّبَيْرِ جُمِعَا ... سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ مَعَا أي: توفيَ طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ، والزُّبيرُ بنُ العَوَّامِ في سنةٍ واحدةٍ، وهيَ سنةُ ستٍّ وثلاثينَ وفي شهرٍ واحدٍ، وقيلَ: في يومٍ واحدٍ، قُتِلَ كِلاهما في وقعةِ الجملِ، فكانَ طلحةُ أوَّلَ قتيلٍ قُتِلَ في الوقعةِ، وكانتْ وقعةُ الجملِ لعشرٍ خلونَ من جمادى الآخرةِ، هكذا جزمَ بهِ الواقديُّ، وابنُ سعدٍ، وخليفةُ بنُ خياطٍ، وابنُ زَبْرٍ، وابنُ عبدِ البرِّ، وابنُ الجوزيِّ، وآخرونَ.

قالَ خليفةُ: يومَ الجمعةِ، وقالَ ابنُ سعدٍ، وابنُ زَبْرٍ، وابنُ الجوزيِّ، والجمهورُ: يومَ الخميسِ. وقالَ الليثُ بنُ سعدٍ: إنَّ وقعةَ الجملِ كانتْ في جمادى الأولى، وكذا قالَ ابنُ حبانَ: إنَّ يومَ الجملِ لعشرِ ليالٍ خَلَوْنَ منْ جمادى الأولى، والأولُ هوَ المشهورُ المعروفُ في تاريخِ الجملِ، إنَّهُ في جمادى الآخرةِ. وتناقضَ فيهِ كلامُ ابنِ عبدِ البرِّ، فقالَ ما تقدمَ نقلُهُ عنهُ في ترجمةِ طلحةَ، وقالَ في ترجمةِ الزبيرِ: في جمادى الأولى، وَوَهِمَ في ذلكَ، وتَبِعَهُ ابنُ الصلاحِ في هذا فقالَ: إنَّ وفاتهما في جمادى الأولى، واختَلَفَ كلامُ المزيِّ أيضاً في " التهذيبِ " كابنِ عبدِ البرِّ، فقالَ في طلحةَ: جمادى الآخرةِ، وقالَ في الزبيرِ: جمادى الأولى، وسببُ ذلكَ كلامُ ابنِ عبدِ البرِّ، وكذلكَ قولُ أبي نُعيمٍ في طلحةَ: قُتِلَ في رجبٍ، وقولُ سليمانَ بنِ حربٍ: قُتِلَ في ربيعٍ، أوْ نحوِهِ، قولانِ مرجوحانِ. والذي رمى طلحةَ هوَ مروانُ بنُ الحكمِ على الصحيحِ، وأمَّا الزبيرُ فقتلَهُ عمرُو بنُ جُرْمُوْزٍ، فقيلَ: قتلَهُ يومَ الجملِ، قالَهُ الواقديُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، وابنُ الجوزيِّ، والمزيُّ، وقالَ البخاريُّ في "التاريخِ الكبيرِ": قُتِلَ في رجبٍ، وكذا قالَ ابنُ حبانَ في أولِ كلامِهِ، ثمَّ قالَ: إنَّهُ قُتِلَ منْ آخرِ يومٍ صبيحةَ الجملِ، وهذا يقتضي أنَّهُ في الحادي عشرَ منْ جمادى الآخرةِ، فاللهُ أعلمُ.

وأمَّا مبلغُ سِنِّهِمَا، فقالَ ابنُ حبانَ، والحاكمُ: إنَّهما كانا ابني أربعٍ وستينَ سنةً، وهوَ قولُ الواقديِّ في طلحةَ، وقيلَ فيهما غيرُ ذلكَ، فقيلَ: كانَ لطلحةَ ثَلاثٌ وستونَ، قالَهُ أبو نُعيمٍ، وقيلَ: اثنتان وستونَ، قالَهُ عيسى بنُ طلحةَ، وهوَ قولُ الواقديِّ، وقيلَ: ستونَ، قالَهُ المدائنيُّ، وبهِ صَدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ، وقيلَ: خمسٌ وسبعونَ، حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ، وقالَ: ما أظنُّ ذلكَ، وقيلَ: كانتْ للزبيرِ سبعٌ وستونَ، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ، وقيلَ: ستٌّ وستونَ، وقيلَ: ستونَ، وقيلَ تسعٌ وخمسونَ، وقيلَ: خمسٌ وسبعونَ. 958.... وَعَامَ خَمْسَةٍ وَخَمْسِيْنَ قَضَى ... سَعْدٌ، وقَبْلَهُ سَعِيْدٌ فَمَضَى ... سَنَةَ إحْدَى بَعْدَ خَمْسِيْنَ وَفِي ... عَامِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ تَفِي 960.... قَضى ابْنُ عَوْفٍ، والأَمِيْنُ سَبَقَهْ ... عَامَ ثَمَانِيْ عَشْرَةٍ مُحَقَّقَهْ أي توفيَ سعدُ بنُ أبي وقاصٍ سنةَ خمسٍ وخمسينَ، قالَهُ الواقديُّ، والهيثمُ ابنُ عديٍّ، وابنُ نميرٍ، وأبو موسى الزمنُ، والمدائنيُّ، وحكاهُ

ابنُ زَبْرٍ، عنْ عمرِو بنِ عليٍّ الفلاسِ، ورَجَّحهُ ابنُ حبانَ، وقالَ المزيُّ إنَّهُ المشهورُ وقيلَ في وفاتِهِ غيرُ ذلكَ، فقيلَ سنةُ خمسينَ، وقيلَ إحدى وخمسينَ، وقيلَ أربعٍ وخمسينَ، حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ، عنِ الفلاَّسِ، والزبيرِ بنِ بكارٍ، والحسنِ بنِ عثمانَ وقيلَ ستٍّ وخمسينَ، وقيلَ سبعٍ وخمسينَ، وقيلَ ثمانٍ وخمسينَ، قالَهُ أبو نعيمٍ وكانتْ وفاتُهُ في قصرِهِ بالعقيقِ، وحُمِلَ على أعناقِ الرجالِ فَدُفِنَ بالبقيعِ، واختُلِفَ في مبلغِ سِنِّهِ، فقيلَ ثلاثٌ وسبعونَ، واقتصرَ عليهِ ابنُ الصلاحِ، وقيلَ أربعٌ وسبعونَ، وبهِ جزمَ الفَلاَّسُ، وابنُ زَبْرٍ، وابنُ قانعٍ، وابنُ حبانَ، وقيلَ اثنانِ وثمانونَ، وقيلَ ثلاثٌ وثمانونَ، قالَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ وهوَ آخرُ العشرةِ موتاً - رضي الله عنهم - أجمعينَ وتوفِّيَ سعيدُ بنُ زيدٍ سنةَ إحدى وخمسينَ، قالَهُ الواقديُّ، والهيثمُ بنُ عديٍّ، والمدائنيُّ، ويحيى بنُ بكيرٍ، وابنُ نميرٍ وخليفةُ بنُ خياطٍ، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ سنةَ خمسينَ أو إحدى وخمسينَ، وكذا حكاهُ الواقديُّ عنْ بعضِ ولدِ سعيدِ بنِ زيدٍ،

وقالَ عبيدُ اللهِ بنُ سعدٍ الزهريُّ سنةَ اثنتينِ وخمسينَ وقالَ البخاريُّ في التاريخِ الكبيرِ سنةَ ثمانٍ وخمسينَ ولا يصحُّ فإنَّ سعدَ ابنَ أبي وقاصٍ شهدَهُ، ونزَلَ في حفرتِهِ، وتوفيَ قبلَ سنةِ ثمانٍ على الصحيحِ، وكانتْ وفاتُهُ أيضاً بالعقيقِ، وحُمِلَ إلى المدينةِ، وقيلَ ماتَ بالكوفةِ ودُفِنَ بها، ولا يصحُّ، واخْتُلِفَ في مبلغِ سِنِّهِ، فقالَ المدائنيُّ ثلاثٌ وسبعونَ، وقالَ الفلاسُ أربعٌ وسبعونَ وتوفِّيَ عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ في سنةِ اثنتينِ وثلاثينَ، قالَهُ عروةُ بنُ الزبيرِ، والهيثمُ بنُ عديٍّ، والفَلاَّسُ، وأبو موسى الزمنُ، والمدائنيُّ، والواقديُّ، وخليفةُ بنُ خياطٍ، وابنُ بكيرٍ في روايةِ ابنِ البَرْقِيِّ، وابنُ قانعٍ، وابنُ الجوزيِّ، وقيلَ توفيَ سنةَ إحدى وثلاثينَ، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ، قالَ يحيى بنُ بكيرٍ في روايةِ الذهليِّ وأبو نعيمٍ الأصبهانيُّ سنةَ إحدى أو اثنتينِ، وقيلَ توفيَ سنةَ ثلاثٍ وثلاثينَ واختُلِفَ في مبلغِ سِنِّهِ، فقيلَ خمسٌ وسبعونَ، قالَهُ يعقوبُ بنُ إبراهيمَ بنِ سعدٍ، والواقديُّ، وابنُ زَبْرٍ، وابنُ قانعٍ وابنُ حبانَ، وأبو نعيمٍ الأصبهانيُّ، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ وقيلَ اثنتانِ وسبعونَ رويَ ذلكَ عنِ ابنِهِ أبي سلمةَ بنِ

عبدِ الرحمنِ، وقيلَ ثمانٍ وسبعونَ، قالَهُ إبراهيمُ بنُ سعدٍ، والأولُ أشهرُ، وعليهِ اقتصرَ ابنُ الصلاحِ وتوفيَ أمينُ هذهِ الأمةِ أبو عبيدةَ بنُ الجراحِ، واسمهُ عامرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجراحِ، سنةَ ثماني عشرةَ في طاعونِ عمواسَ، وهوَ ابنُ ثمانٍ وخمسينَ سنةً قالَهُ الواقديُّ، ومحمدُ بنُ سعدٍ، والفَلاَّسُ، وابنُ قانعٍ، وابنُ حبانَ، وابنُ عبدِ البرِّ، وغيرُهم، وهوَ متفقٌ عليهِ ... وَعَاشَ حَسَّانُ كَذَا حَكِيْمُ ... عِشْرِيْنَ بَعْدَ مِائَةٍ تَقُوْمُ 962.... سِتُّوْنَ فِي الإِسْلاَمِ ثُمَّ حَضَرَتْ ... سَنَةَ أرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ خَلَتْ ... وَفَوْقَ حَسَّانَ ثَلاَثَةٌ، كَذَا ... عَاشُوْا، وَمَا لِغَيْرِهِمْ يُعْرَفُ ذَا 964.... قُلْتُ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ العُزَّى ... مَعَ ابْنِ يَرْبُوْعٍ سَعِيْدٍ يُعْزَى ... هَذَانِ مَعْ حَمْنَنَ وابْنُ نَوْفَلِ ... كُلٌّ إلى وَصْفِ حَكِيْمٍ فَاجْمِلِ 966.... وفِي الصِّحَابِ سِتَّةٌ قَدْ عَمَّرُوا ... كَذَاكَ في المُعَمِّرِيْنَ ذُكِرُوا

في هذهِ الأبياتِ ذِكْرُ مَنْ عاشَ منَ الصحابةِ مائةً وعشرينَ سنةً، ستينَ في الجاهليةِ، وستينَ في الإسلامِ، قالَ ابنُ الصلاحِ شخصانِ منَ الصحابةِ عاشا في الجاهلية ستينَ سنةً، وفي الإسلامِ ستينَ سنةً، وماتا بالمدينةِ سنةَ أربعٍ وخمسينَ أحدهما حكيمُ بنُ حِزامٍ، وكانَ مولدُهُ في جوفِ الكعبةِ قبلَ عامِ الفيلِ بثلاثَ عشرةَ سنةً والثاني حَسَّانُ بنُ ثابتِ بنِ المُنْذِرِ بنِ حَرَامٍ الأنصاريُّ، وروى ابنُ إسحاقَ أنَّهُ وأباهُ - ثابتاً - والمنذرَ، وحراماً، عاشَ كلُّ واحدٍ منهمْ عشرينَ ومائةَ

سنةٍ، وذكرَ أبو نعيمٍ الحافظُ أنَّهُ لا يُعرَفُ في العربِ مثلُ ذلكَ لغيرهمْ -قالَ ابنُ الصلاحِ وقَدْ قيلَ إنَّ حسانَ ماتَ سنةَ خمسينَ قلتُ اقتصرَ ابنُ الصلاحِ في هذا الفصلِ على اثنينِ، وقدْ زِدتُ عليهِ أربعةً اشتركوا معهما في ذلكَ، فصاروا ستةً مشتركينَ في هذا الوصفِ فالأولُ حَسَّانُ بنُ ثابتٍ الأنصاريُّ، قالَ الواقديُّ إنَّهُ عاشَ مائةً وعشرينَ، وحكى ابنُ عبدِ البرِّ الاتفاقَ عليهِ، فقالَ لَمْ يختلفوا أنَّه عاشَ مائةً وعشرينَ سنةً، منها ستونَ في الجاهليةِ، وستونَ في الإسلامِ انتهى وقدْ خالفَ ابنُ حبانَ في ذلكَ فقالَ ماتَ وهوَ ابنُ مائةٍ وأربعِ سنينَ، وماتَ أبوهُ وهوَ ابنُ مائةٍ وأربعِ سنينَ، وماتَ جدُّهُ وهوَ ابنُ مائةٍ وأربعِ سنينَ، قالَ وقدْ قيلَ لكلِّ واحدٍ منهمْ عشرونَ ومائةُ سنةٍ واخْتُلِفَ في وفاتِهِ، فقيلَ سنةُ أربعٍ وخمسينَ، قالَهُ أبو عبيدِ القاسمُ بنُ سَلاَّمٍ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ في العبرِ، وقيلَ سنةُ خمسينَ، حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ، وقيلَ سنةُ أربعينَ قالَهُ الهيثمُ بنُ عديٍّ، والمدائنيُّ، وأبو موسى الزمنُ، وابنُ قانعٍ، وكذا قالَ ابنُ حبانَ ماتَ أيامَ قُتِلَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وقيلَ إنَّهُ ماتَ قبلَ الأربعينَ في خلافةِ عليٍّ، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ والثاني حَكِيْمُ بنُ حِزامِ بنِ خويلدٍ، وهوَ ابنُ أخي خديجةَ بنتِ خويلدٍ، أسلمَ في الفتحِ، وعاشَ ستينَ سنةً في الجاهليةِ، وستينَ في الإسلامِ، قالَهُ البخاريُّ حكايةً عنْ إبراهيمَ بنِ المنذرِ الحزاميِّ، وقالَهُ أيضاً مصعبُ ابنُ عبدِ اللهِ الزبيريُّ، وابنُ حبَّانَ، وابنُ عبدِ البرِّ، واختُلِفَ في وفاتِهِ، فقيلَ سنةُ أربعٍ وخمسينَ، قالَهُ الواقديُّ، والهيثمُ بنُ عديٍّ، وابنُ نميرٍ، والمدائنيُّ، ومصعبُ الزبيريُّ، وإبراهيمُ بنُ المنذرِ الحزاميُّ، وخليفةُ بنُ خياطٍ، وأبو عُبيدٍ القاسمُ بنُ سلامٍ، ويحيى بنُ بكيرٍ، وابنُ قانعٍ، وقالَ ابنُ حبانَ إنَّهُ الصحيحُ، وبهِ جزمَ ابنُ عبدِ البرِّ وقيلَ سنةُ ستينَ،

قالَهُ البخاريُّ وقيلَ سنةُ ثمانٍ وخمسينَ وقيلَ سنةُ خمسينَ، وكانتْ وفاتُهُ بالمدينةِ والثالثُ حُويطِبُ بنُ عبدِ العُزَّى القرشيُّ العامريُّ منْ مسلمةِ الفتحِ، روى الواقديُّ عنْ إبراهيمَ بنِ جعفرِ بنِ محمودٍ عنْ أبيهِ، قالَ كانَ حُويطِبُ قدْ بلغَ عشرينَ ومائةَ سنةٍ، ستينَ سنةً في الجاهليةِ، وستينَ سنةً في الإسلامِ وقالَ ابنُ حبانَ سِنُّهُ سِنُّ حكيمِ بنِ حزامٍ، وعاشَ في الإسلامِ ستينَ سنةً، وفي الجاهليةِ ستينَ سنةً وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ أدركَهُ الإسلامُ وهوَ ابنُ ستينَ سنةً، أوْ نحوها وكانتْ وفاتُهُ سنةَ أربعٍ وخمسينَ، قالَهُ الهيثمُ ابنُ عديٍّ، وأبو موسى الزمنُ، ويحيى بنُ بكيرٍ، وخليفةُ بنُ خياطٍ، وأبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سلامٍ، وابنُ قانعٍ، وابنُ حبانَ، وغيرُهمْ وقيلَ إنَّهُ ماتَ سنةَ اثنتينِ وخمسينَ، وكانتْ وفاتُهُ بالمدينةِ والرابعُ سعيدُ بنُ يربوعَ القرشيُّ منْ مُسْلمةِ الفتحِ، ماتَ بالمدينةِ سنةَ أربعٍ وخمسينَ، ولهُ مائةٌ وعشرونَ سنةً، قالَهُ الواقديُّ، وخليفةُ بنُ خيَّاطٍ، وابنُ حبانَ، وكذا قالَ أبو عبيدٍ، وابنُ عبدِ البرِّ إنّهُ ماتَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ، وقيلَ بلغَ مائةً وأربعاً وعشرينَ سنةً، وبهِ صدَّرَ ابنُ عبدِ البرِّ كلامَهُ، وماتَ بالمدينةِ، وقيلَ بمكةَ

والخامسُ حَمْنَنُ بنُ عوفٍ القرشيُّ الزهريُّ أخو عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ، وهوَ بفتحِ الحاءِ المهملةِ، وسكونِ الميمِ وفتحِ النونِ الأولى قالَ الدارقطنيُّ في كتابِ الأخوةِ والأخواتِ أسلمَ ولَمْ يهاجرْ إلى المدينةِ، وعاشَ في الجاهليةِ ستينَ سنةً، وفي الإسلامِ ستينَ سنةً وكذا قالَ ابنُ عبدِ البرِّ إنَّهُ عاشَ في الجاهليةِ ستينَ سنةً، وفي الإسلامِ ستينَ سنةً، وذكرَ بعضُ أهلِ التاريخِ، أنَّهُ توفيَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ والسادسُ مَخْرَمَةُ بنُ نَوفَلٍ القرشيُّ الزهريُّ، والِدُ المِسْورِ بنِ مخرمةَ منْ مسلمةِ الفتحِ، توفيَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ، قالَهُ الهيثمُ بنُ عديٍّ، وابنُ نميرٍ، والمدائنيٌّ، وابنُ قانعٍ، وابنُ حبانَ وقدْ اختُلِفَ في مبلغِ سِنِّهِ، فقالَ الواقديُّ يقالُ إنَّهُ كانَ لهُ حينَ ماتَ مائةٌ وعشرونَ سنةً، وهكذا جَزَمَ بهِ أبو زكريا بنُ مَنْده في جزءٍ لهُ جمعَ فيهِ مَنْ عاشَ مائةً وعشرينَ منَ الصحابةِ وجزمَ ابنُ زَبْرٍ، وابنُ حبانَ، وابنُ عبدِ البرِّ بأنَّهُ بلغَ مائةً وخمسَ عشرةَ سنةً، وكانتْ وفاتُهُ بالمدينةِ، وقدْ ذكرَ ابنُ منده في الجزءِ المذكورِ جماعةً آخرينَ منَ الصحابةِ عاشوا مائةً وعشرينَ سنةً؛ لكنْ لَمْ يعلمْ كونُ نصفِهَا في الجاهليةِ، ونصفِها في الإسلامِ؛ لتقدُّمِ وفاتِهِمْ على المذكورينَ، أوْ تأخّرِها، أو عدمِ معرفةِ التاريخِ لموتِهِمْ، فمنْهُمْ عاصمُ بنُ عَدِيِّ بنِ الجدِّ العَجْلانيُّ،

صاحبُ عُويْمِرٍ العَجْلاَنيِّ في قصةِ اللِّعَانِ حكى ابنُ عبدِ البرِّ عنْ عبدِ العزيزِ بنِ عمرانَ، عنْ أبيهِ، عنْ جدِّهِ أنَّهُ عاشَ مائةً وعشرينَ سنةً، وكذا ذكرَ أبو زكريا بنُ منده، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ توفيَ سنةَ خمسٍ وأربعينَ، وقدْ بلغَ قريباً منْ مائةٍ وعشرينَ سنةً، وقالَ الواقديُّ، وابنُ حبانَ بلغَ مائةً وخمسَ عشرةَ سنةً ومنهمْ المُنتجعُ جدُّ ناجيةَ، ذكرَهُ العسكريُّ في الصحابةِ، وقالَ كانَ لهُ مائةٌ وعشرونَ سنةً، ولا يصحُّ حديثُهُ ومنهمْ نافعُ أبو سليمانَ العبديُّ، روى إسحاقُ بنُ راهويهِ، عنْ ابنِهِ سليمانَ، قالَ ماتَ أبي ولهُ عشرونَ ومائةُ سنةٍ، وكذا ذكرَهُ ابنُ قانعٍ ومنهمْ اللَّجْلاَجُ العامريُّ، ذكرَ ابنُ سُميعٍ، وابنُ حبانَ أيضاً أنَّهُ عاشَ مائةً وعشرينَ سنةً، وكذا حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ، عنْ بعضِ بني اللجلاَجِ ومنهمْ سعدُ بنُ جنادةَ العوفيُّ الأنصاريُّ، وهوَ والِدُ عطيةَ العوفيِّ، ذكرَهُ ابنُ مَنْده في الصحابةَ، ولَمْ يذكرْ عمرَهُ، وذكرهُ أبو زكريا بنُ مَنْده فيمَنْ عاشَ كذلكَ

ومنهمْ عَدِيُّ بنُ حاتمٍ الطائيُّ، توفيَ سنةَ ثمانٍ وستينَ، عنْ مائةٍ وعشرينَ سنةً، قالَهُ ابنُ سعدٍ، وخليفةُ بنُ خياطٍ وقيلَ سنةُ ستٍّ وستينَ وقيلَ سنةُ سبعٍ وستينَ، ولَمْ يذكرْهُ ابنُ منده في الجزءِ المذكورِ ... وَقُبِضَ الثَّوْرِيُّ عَامَ إحْدَى ... مِنْ بَعْدِ سِتِّيْنَ وَقَرْنٍ عُدَّا 968.... وَبَعْدُ في تِسْعٍ تَلِي سَبْعِيْنَا ... وَفَاةُ مَالِكٍ، وَفي الخَمْسِيْنَا ... وَمِائَةٍ أَبُو حَنِيْفَةٍ قَضَى ... والشَّافِعِيُّ بَعْدَ قَرْنَيْنِ مَضَى 970.... لأَرْبَعٍ ثُمَّ قَضَى مَأمُوْنَا ... أحْمَدُ في إحْدَى وأَرْبَعِيْنَا في هذهِ الأبياتِ وفياتُ أصحابِ المذاهبِ الخمسةِ، وقدْ كانَ الثوريُّ معدوداً فيهمْ، لهُ مقلدونَ إلى بعدِ الخمسمائةِ، وممَّنْ ذكرَهُ معهمْ الغزاليُّ في الإحياءِ، فتوفيَ أبو عبدِ اللهِ سفيانُ بنُ سعيدٍ الثوريُّ سنةَ إحدى وستينَ ومائةٍ بالبصرةِ، قالَهُ أبو داودَ الطيالسيُّ، وابنُ معينٍ، وابنُ سعدٍ وادَّعى الاتفاقَ عليهِ وابنُ حبانَ، وزادَ في شعبانَ في دارِ عبدِ الرحمنِ بنِ مهديٍّ، وقالَ يحيى بنُ سعيدٍ في أولها، واختُلِفَ في مولِدِهِ، فقالَ العجليُّ وغيرُ واحدٍ سنةَ سبعٍ وتسعينَ، وقالَ ابنُ حبانَ سنةَ خمسٍ وتسعينَ

وتوفي أبو عبدِ اللهِ مالكُ بنُ أنسٍ بالمدينةَ سنةَ تسعٍ وسبعينَ ومائةٍ، قالَهُ الواقديُّ، والمدائنيُّ، وأبو نعيمٍ، ومصعبُ بنُ عبدِ اللهِ، وزادَ في صَفَرٍ، وإسماعيلُ بنُ أبي أُوَيْسٍ، وقالَ في صبيحةِ أربعَ عشرةَ منْ شهرِ ربيعٍ الأولِ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ في العبرِ واختُلِفَ في مولِدِهِ، فقيلَ سنةُ تسعينَ، وقيلَ إحدى، وقيلَ ثلاثٌ، وقيلَ أربعٌ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ، وقيلَ سبعٌ وتوفيَ أبو حَنِيفةَ النَّعْمانُ بنُ ثابتٍ سنةَ خمسينَ ومائةٍ، قالَهُ روحُ بنُ عبادةَ، والهيثمُ بنُ عديٍّ، وقعنبُ بنُ المحررِ، وأبو نعيمٍ الفضلُ بنُ دكينٍ وسعيدُ بنُ كثيرِ ابنِ عفيرٍ، وزادا في رجبٍ، وكذا قالَ ابنُ حبانَ، وقالَ ابنُ أبي خيثمةَ عنِ ابنِ معينٍ سنةَ إحدى وخمسينَ وقالَ مكيُّ بنُ إبراهيمَ البلخيُّ سنةَ ثلاثٍ وخمسينَ والمحفوظُ الأولُ، وكانتْ وفاتُهُ ببغدادَ، وكانَ مولدُهُ سنةَ ثمانينَ، قالَهُ حفيدُهُ إسماعيلُ بنُ حمادِ بنِ أبي حنيفةَ وتوفيَ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إدريسَ الشافعيُّ، سنةَ أربعٍ ومائتينِ، قالَهُ الفَلاَّسُ، ويوسفُ القراطيسيُّ، ومحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الحكمِ، وزادَ في آخرِ يومٍ من رجبٍ، وقالَ ابنُ يونسَ في ليلةِ الخميسِ آخرِ ليلةٍ من رجبٍ، وأمَّا ابنُ حبانَ، فقالَ

في شهرِ ربيعٍ الأولِ، ودُفِنَ عندَ مغيبِ الشمسِ بالفسطاطِ، ورجعوا ورأوا هلالَ شهرِ ربيعٍ الآخرِ والأولُ أشهرُ، وقالَ ابنُ عديٍّ إنَّهُ قرأهُ على لوحٍ عندَ قبرِهِ وكانَ مولدُهُ سنةَ خمسينَ ومائةٍ، فعاشَ أربعاً وخمسينَ سنةً، قالَهُ ابنُ عبدِ الحكمِ، والفَلاَّسُ، وابنُ حبانَ، وقالَ ابنُ زَبْرٍ ماتَ وهوَ ابنُ اثنتينِ وخمسينَ سنةً، والأولُ أشهرُ وأصحُّ وتوفيَ أبو عبدِ اللهِ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ حنبلٍ ببغدادَ سنةَ إحدى وأربعينَ ومائتينَ على الصحيحِ المشهورِ، ولكنِ اختلفوا في الشهرِ الذي ماتَ فيهِ، وفي اليومِ، فقالَ ابنُهُ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ توفيَ يومَ الجمعةِ ضحوةً، ودفناهُ بعدَ العصرِ لاثنتي عشرةَ ليلةً خلتْ من ربيعٍ الآخرِ، وهكذا قالَ الفضلُ بنُ زيادٍ وقالَ نصرُ بنُ القاسمِ الفرائضيُّ يومَ الجمعةِ لثلاثَ عشرةَ بقينَ منهُ وقالَ ابنُ عمِّهِ حنبلِ بنُ إسحاقَ بنِ حنبلٍ ماتَ يومَ الجمعةِ في شهرِ ربيعٍ الأولِ وقالَ عباسٌ الدوريُّ، ومطينٌ لاثنتي عشرةَ خلتْ منهُ، زادَ عباسٌ يومَ الجمعةِ ببغدادَ، وأما مولدُهُ فكانَ في شهرِ ربيعٍ الأولِ سنةَ أربعٍ وستينَ ومائةٍ، نقلهُ ابناهُ عبدُ اللهِ، وصالحُ عنهُ

.. ثُمَّ البُخَارِيْ لَيْلَةَ الفِطْرِ لَدَى ... سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ بِخَرْتَنْكَ رَدَى 972.... وَمُسْلِمٌ سَنَةَ إحْدَى في رَجَبْ ... مِنْ بَعْدِ قَرْنَيْنِ وَسِتِّيْنَ ذَهَبْ ... ثُمَّ لِخَمْسٍ بَعْدَ سَبْعِيْنَ أبُو ... دَاوُدَ، ثُمَّ التِّرْمِذِيُّ يَعْقُبُ 974.... سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَهَا وَذُو نَسَا ... رَابِعَ قَرْنٍ لِثَلاَثٍ رُفِسَا في هذهِ الأبياتِ بيانُ وفياتِ أصحابِ الكتبِ الخمسةِ فَتُوفِّيَ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ ليلةَ السبتِ، عندَ صلاةِ العشاءِ ليلةَ عيدِ الفطرِ سنةَ ستٍّ وخمسينَ، قالَهُ الحسنُ بنُ الحسينِ البزَّارُ قالَ ووُلِدَ يومَ الجمعةِ بعدَ الصلاةِ لثلاثَ عشرةَ ليلةً خَلَتْ منْ شوالٍ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومائةٍ وكانتْ وفاتُهُ بخَرْتَنْكَ - قريةٍ بقربِ سَمرقَندَ وذكرَ ابنُ دقيقِ العيدِ في شرحِ الإلمامِ أنها بكسرِ الخاءِ، والمعروفُ فتحُهَا، وكذا ذكرَهُ السمعانيُّ، وما ذُكرَ مِنْ أنَّهُ ماتَ بخَرْتَنْكَ، هوَ المعروفُ، وبهِ جزمَ السمعانيُّ وغيرُهُ، وذكرَ ابنُ يونسَ في تاريخِ الغرباءِ أنَّهُ ماتَ بمصرَ بعدَ الخمسينِ ومائتينِ، ولَمْ أرَهُ لغيرِهِ، والظاهرُ أنَّهُ وهمٌ وقولي رَدَى، أي ذَهَبَ، فأمَّا بمعنى الهلاكِ فَرَدِيَ بكسرِ الدالِ وتوفيَ أبو الحسينِ مسلمُ بنُ الحَجَّاجِ القُشَيْرِيُّ، عشيةَ يومِ الأحدِ ودُفِنَ يومَ الاثنينِ لخمسٍ بقينَ منْ رجبٍ سنةَ إحدى وستينَ ومائتينِ، قالَهُ محمدُ بنُ يعقوبَ بنِ الأخرمِ،

فيما حكاهُ الحاكمُ عنهُ، واختُلِفَ في مبلغِ سِنِّهِ، فقيلَ خمسٌ وخمسونَ، وبهِ جزمَ ابنُ الصلاحِ، وقيلَ ستونَ، وبهِ جزمَ الذهبيُّ في العبرِ والمعروفُ أنَّ مولدَهُ سنةُ أربعٍ ومائتينِ، فعلى هذا يكونُ عمرُهُ بينَ السِّنَّيْنِ المذكورينِ، وكانتْ وفاتُهُ بنيسابورَ وتوفيَ أبو داودَ سليمانُ بنُ الأشعثِ السِّجِسْتَانيُّ بالبصرةِ يومَ الجمعةِ سادسَ عشرَ شوالٍ سنةَ خمسٍ وسبعينَ ومائتينِ، وكانَ مولدُهُ فيما حكاهُ أبو عبيدٍ الآجريُّ عنهُ في سنةِ ثنتينِ ومائتينِ وتُوفِّيَ أبو عيسى محمدُ بنُ عيسى السُّلَمِيُّ التِّرْمِذِيُّ بها ليلةَ الاثنينِ لثلاثَ عشرةَ ليلةً مضتْ منْ شهرِ رجبٍ سنةَ تسعٍ وسبعينَ ومائتينِ، قالَهُ الحافظُ أبو العباسِ جعفرُ بنُ محمدٍ المُسْتَغْفِرِيُّ، وغُنْجَارٌ في تاريخِ بخارى، وابنُ ماكولا في الإكمالِ وأمَّا قولُ الخليليِّ في الإرشادِ أنَّهُ ماتَ بعدَ الثمانينَ ومائتينِ فقالَهُ على الظنِّ، وليسَ بصحيحٍ وتُوفِّيَ أبو عبدِ الرحمنِ أحمدُ بنُ شُعَيْبٍ النَّسَائيُّ بفلسطينَ في صَفَرٍ سنةَ ثلاثٍ وثلاثمائةٍ، قالَهُ الطَّحَاويُّ، وابنُ يونسَ، وزادَ يومَ الاثنينِ لثلاثَ عشرةَ خَلَتْ منهُ، وكذا قالَ الحافظُ أبو عامرٍ العبدريُّ، أنَّهُ ماتَ في التاريخِ المذكورِ بالرَّمْلَةِ - مدينةِ فلسطينَ - ودُفِنَ ببيتِ المَقْدِسِ وقالَ أبو عليِّ الغَسَّانيُّ ليلةَ الاثنينِ وقالَ الدارقطنيُّ حُمِلَ إلى مَكَّةَ فماتَ بها في شعبانَ سنةَ ثلاثٍ وقالَ أبو عبدِ اللهِ بنُ مَنْده عنْ مشايخهِ

إنَّهُ ماتَ بمكةَ سنةَ ثلاثٍ وثلاثمائةٍ وكانَ مولدُهُ سنةَ أربعَ عشرةَ ومائتينِ، ونَسَا من كورِ نيسابورَ، وقيلَ منْ أرضِ فارسَ، قالَ الرشاطيُّ والقياسُ النَّسَويُّ وقولي رُفِسَا، بيانٌ لسببِ موتِهِ، وهو ما حكى ابنُ مَنْده، عنْ مشايخهِ أنَّهُ سُئِلَ بدمشقَ عنْ مُعاويةَ، وما رُويَ منْ فضائِلِهِ، فقالَ ألا يرضى معاويةُ رأساً برأسٍ حتَّى يُفَضَّلَ، فما زالوا يرفسونَهُ في خصيَيْهِ حتَّى أُخْرِجَ منَ المسجدِ، ثمَّ حُمِلَ إلى مكةَ وماتَ بها وذكرَ الدارقطنيُّ أنَّ ذلكَ كانَ بالرَّمْلَةِ، وعاشَ النَّسَائيُّ ثمانياً وثمانينَ سنةً ولَمْ يذكرِ ابنُ الصلاحِ وفاةَ ابنِ ماجه فتبعتُهُ، وكانتْ وفاتُهُ سنةَ ثلاثٍ وسبعينَ ومائتينِ، يومَ الثلاثاءِ، لثمانٍ بقينَ منْ شهرِ رمضانَ، قالَهُ جعفرُ بنُ إدريسَ، قالَ وسمعتُهُ يقولُ وُلِدتُ سنةَ تسعٍ ومائتينَ، وكذا قالهُ الخليليُّ في الإرشادِ أنَّهُ ماتَ سنةَ ثلاثٍ وسبعينَ، وقيلَ ماتَ سنةَ خمسٍ وسبعينَ ... ثُمَّ لِخَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ تَفِي ... الدَّارَقُطْنِيْ، ثُمَّتَ الحَاكِمُ فِيْ 976.... خَامِسِ قَرْنٍ عَامَ خَمْسَةٍ فَنِي ... وَبَعْدَهُ بِأرْبَعٍ عَبْدُ الغَنِيْ

.. فَفِي الثَّلاَثِيْنَ: أبُوْ نُعَيْمِ ... وَلِثَمَانٍ بَيْهَقِيُّ القَوْمِ 978.... مِنْ بَعْدِ خَمْسِيْنَ وَبَعْدَ خَمْسَةِ ... خَطِيْبُهُمْ والنَّمَرِيْ في سَنَةِ في هذهِ الأبياتِ بيانُ وفياتِ أصحابِ التصانيفِ الحسنةِ، بعدَ الخمسةِ المذكورينَ، قالَ ابنُ الصلاحِ سبعةٌ منَ الحُفَّاظِ في ساقتهم، أحسنوا التصنيفَ، وعَظُمَ الانتفاعُ بتصانيفِهِمْ في أعصارِنا فذكرهمْ، وهمْ أبو الحسنِ عليُّ بنُ عمرَ الدَّارَقُطنيُّ البغداديُّ، توفيَ بها يومَ الأربعاءِ لثمانٍ خَلَوْنَ منْ ذي القعدةِ سنةَ خمسٍ وثمانينَ وثلاثمائةٍ، قالَهُ عبدُ العزيزِ الأزجيُّ، وكانَ مولدُهُ في سنةِ ستٍّ وثلاثمائةٍ، قالَهُ عبدُ الملكِ بنُ بشرانَ، زادَ غيرُهُ في ذي القعدةِ أيضاً، فعاشَ ثمانينَ سنةً ثمَّ الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ النَّيْسَابوريُّ، المعروفُ بابنِ البَيِّعِ صاحبُ المستدركِ والتاريخِ وعلومِ الحديثِ وغيرها، توفيَ سنةُ خمسٍ وأربعمائةٍ بنيسابورَ، قالَهُ الأزهريُّ، وعبدُ الغافرِ في السياقِ، ومحمدُ بنُ يحيى المزكِي، وزادَ في صَفَرٍ وكانَ مولدُهُ أيضاً بنيسابورَ في شهرِ ربيعٍ الأولِ سنةَ إحدى وعشرينَ وثلاثمائةٍ ثمَّ أبو محمدٍ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدِ بنِ عليٍّ الأزديُّ المصريُّ، توفيَ لسبعٍ خَلَوْنَ من صَفَرٍ سنةَ تسعٍ وأربعمائةٍ، قالَهُ أبو الحسنِ أحمدُ بنُ محمدٍ العتيقيُّ، وعاشَ سبعاً وتسعينَ

ثمَّ أبو نُعيمٍ أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ الأصبهانيُّ، صاحبُ الحليةِ ومعرفة الصحابةِ، وغيرِ ذلكَ، توفيَ بُكْرَةَ يومِ الاثنينِ لعشرينَ منَ المحرمِ سنةَ ثلاثينَ وأربعمائةٍ، قالَهُ يحيى بنُ عبدِ الوهابِ بنِ منده وسُئلَ عنْ مولِدِهِ، فقالَ في رجبٍ سنةَ ستٍّ وثلاثينَ وثلاثمائةٍ ثمَّ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ بنِ عليٍّ البيهقيُّ، صاحبُ التصانيفِ المشهورةِ، توفيَ بنيسابورَ، عاشرَ جمادى الأولى سنةَ ثمانٍ وخمسينَ وأربعمائةٍ ونُقِلَ تابُوتُهُ إلى بَيْهَقَ، قالَهُ السمعانيُّ، قالَ وكانَ مولدُهُ سنةَ أربعٍ وثمانينَ وثلاثمائةٍ ثمَّ الخطيبُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ عليِّ بنِ ثابتٍ البغداديُّ، توفيَ بها في ذي الحجةِ سنةَ ثلاثٍ وستينَ وأربعمائةٍ، قالَهُ ابنُ شافعٍ، وقالَ غيرُهُ في سابعِ ذي الحجةِ، قالَ ومولدُهُ في جمادى الآخرةِ، سنةُ إحدى وتسعينَ وثلاثمائةٍ، وقيلَ سنةُ اثنتينِ، وهوَ المحكيُّ عنِ الخطيبِ نفسهِ وتوفيَ في هذهِ السنةِ أبو عمرَ يوسفُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ البَرِّ النَّمَرِيُّ القُرْطُبيُّ في سلخِ شهرِ ربيعٍ الآخرِ منها بشاطبةَ منَ الأندلسِ، عنْ خمسٍ وتسعينَ سنةً، وخمسةِ أيامٍ، وكانَ مولدُهُ - فيما حكاهُ عنهُ طاهرُ بنُ مفوزٍ - يومَ الجمعةِ، والإمامُ يخطبُ لخمسٍ بقينَ من شهرِ ربيعٍ الآخرِ سنةَ ثمانٍ وستينَ وثلاثمائةٍ

معرفة الثقات والضعفاء

مَعْرِفَةُ الثِّقَاتِ والضُّعَفَاءِ ... وَاعْنِ بِعِلْمِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ ... فَإِنَّهُ المِرْقَاةُ لِلتَّفْضِيْلِ 980.... بَيْنَ الصَّحِيْحِ وَالسَّقِيْمِ وَاحْذَرِ ... مِنْ غَرَضٍ، فَالجَرْحُ أَيُّ خَطَرِ ... وَمَعَ ذَا فَالنُّصْحُ حَقٌّ وَلَقَدْ ... أَحْسَنَ يَحْيَى فِي جَوَابِهِ وَسَدْ 982.... لأَنْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ لِي أَحَبْ ... مِنْ كَوْنِ خَصْمِي المُصْطَفَى إذْ لَمْ أَذُبْ ... وَرُبَّمَا رُدَّ كَلاَمُ الجَارِحِ ... كَالنَّسَئِيْ فِي أَحْمَدَ بنِ صَالِحِ 984.... فَرُبَّمَا كَانَ لِجَرْحٍ مَخْرَجُ ... غَطَّى عَلَيْهِ السُّخْطُ حِيْنَ يُحْرَجُ أي واجعلْ منْ عنايتِكَ معرفةَ الثقاتِ والضعفاءِ، فهوَ من أجلِّ أنواعِ الحديثِ، فإنَّهُ المِرْقَاةُ إلى التفرقةِ بينَ صحيحِ الحديثِ وسقيمهِ، وفيهِ لأئمَّةِ الحديثِ تصانيفُ، منها ما أُفرِدَ في الضُّعَفَاءِ، وصنَّفَ فيهِ البخاريُّ، والنَّسَائيُّ، والعُقَيليُّ، والسَّاجيُّ، وابنُ حِبَّانَ، والدَّارَقطنيُّ، والأزديُّ، وابنُ عَدِيٍّ؛ ولكنَّهُ ذكرَ في كتابِهِ الكاملِ كلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فيهِ، وإنْ كانَ ثقةً، وتَبِعَهُ على ذلكَ الذَّهبيُّ في الميزانِ، إلاَّ أنَّهُ لَمْ يذكرْ أحداً منَ الصحابةِ والأئمةِ المتبوعينَ، وفاتهُ جماعةٌ، ذيَّلْتُ عليهِ ذيلاً في مجلدٍ

ومنها ما أُفرِدَ في الثِّقاتِ، وصنَّفَ فيهِ ابنُ حبَّانَ، وابنُ شاهينَ، ومِنَ المتأخّرينَ صاحبُنَا شمسُ الدينِ محمدُ بنُ أيبكَ السَّرُوجيُّ، ولَمْ يُكْمِلْهُ، عندي منهُ بخطِّهِ الأحمدونَ في مجلدٍ ومنها ما جَمَعَ بينَ الثقاتِ والضعفاءِ، ك‍ تاريخِ البخاريِّ، وتاريخِ أبي بكرِ ابنِ أبي خَيْثَمةَ، وهوَ كثيرُ الفوائدِ، ووطبقاتِ ابنِ سعدٍ، وكتابِ الجرحِ والتعديلِ لابنِ أبي حاتمٍ، والتمييزِ للنسائيِّ، وغيرِها وليحذرِ المتصدي لذلكَ منَ الغَرَضِ في جانبَي التوثيقِ، والتجريحِ، فالمقامُ خَطَرٌ ولقدْ أحسنَ الشيخُ تقيُّ الدينِ بنُ دقيقِ العيدِ، حيثُ يقولُ أعراضُ المسلمينَ حُفرةٌ منْ حفرِ النارِ، وقفَ على شفيرها طائفتانِ منَ الناسِ المحدِّثونَ والحُكَّامُ، ومعَ كونِ الجرحِ خَطَرَاً، فلاَ بُدَّ منهُ للنصيحةِ في الدينِ، وقيلَ إنَّ أبا تُرَابٍ النَّخْشَبِيَّ، قالَ لأحمدَ بنِ حنبلٍ لا تغتابْ العلماءَ، فقالَ لهُ أحمدُ ويحكَ هذا نصيحةٌ، ليسَ هذا غيبةً انتهى وقدْ أوجبَ اللهُ تعالى الكشفَ والتبيينَ عندَ خبرِ الفاسقِ، بقولِهِ تعالى {إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وقالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجرحِ بئسَ أخو العشيرَةِ

إلى غيرِ ذلكَ منَ الأحاديثِ الصحيحةِ، وقالَ في التعديلِ إنَّ عبدَ اللهِ رجلٌ صالحٌ، إلى غيرِ ذلكَ منْ صحيحِ الأخبارِ وقدْ تكلَّمَ في الرجالِ جماعةٌ منَ الصحابةِ والتابعينَ، فمَنْ بعدهم، ذكرَهمْ الخطيبُ، وأمَّا قولُ صالحٍ جَزَرَةَ أوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ في الرجالِ شُعْبةُ ثمَّ تَبِعَهُ يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، ثمَّ بعدَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ، ويحيى بنُ مَعِينٍ، وهؤلاءِ فإنَّهُ يريدُ أوَّلَ مَنْ تصدَّى لذلكَ، وإلاَّ فقدْ تُكُلِّمَ في ذلكَ قبلَ شعبةَ ولقدْ أحسنَ يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، إذْ قالَ لهُ أبو بكرِ بنُ خَلاَّدٍ أمَا تَخْشَى أنْ يكونَ هؤلاءِ الذينَ تركتَ حديثَهمْ خُصَمَاءَكَ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ؟ فقالَ لأَنْ يكونوا خُصَمَائي أحبَّ إليَّ منْ أنْ يكونَ خَصْمي رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يقولُ لي لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكذبَ عن حديثي؟ ثمَّ إنَّ الجارحَ وإنْ كانَ إماماً معتمداً في ذلكَ، فربما أخطأ فيهِ، كما جرَّحَ النسائيُّ أحمدَ بنَ صالحٍ المصريَّ، بقولهِ غيرُ ثقةٍ ولا مأمونٍ، وهوَ ثقةٌ إمامٌ حافظٌ، احتجَّ بهِ البخاريُّ في صحيحهِ، وقالَ ثقةٌ، ما رأيتُ أحداً يتكلمُ فيهِ بحجةٍ، وكذا وثَّقَهُ أبو حاتمٍ الرازيُّ، والعِجْليُّ، وآخرونَ وقدْ قالَ أبو يعلى الخليليُّ اتفقَ الحفَّاظُ على أنَّ كلامَ النسائيِّ فيهِ تحاملٌ، ولا يُقدَحُ كلامُ أمثالِهِ فيهِ، وقدْ بَيَّنَ ابنُ عَدِيٍّ سببَ كلامِ النسائيِّ فيهِ، فقالَ سمعتُ محمدَ بنَ هارونَ البَرْقيَّ يقولُ حضرتُ

مجلسَ أحمدَ، فطردَهُ منْ مجلسهِ، فحملَهُ ذلكَ على أنْ تكلمَ فيهِ قالَ الذهبيُّ في الميزانِ آذى النسائيُّ نفسَهُ بكلامِهِ فيهِ، وقالَ ابنُ يونسَ لَمْ يكنْ أحمدُ عندنا، كما قالَ النسائيُّ لَمْ يكنْ لهُ آفةٌ غيرَ الكِبْرِ، وقدْ تكلمَ فيهِ يحيى بنُ معينٍ فيما رواهُ معاويةُ بنُ صالحٍ عنهُ، وفي كلامِهِ ما يشيرُ إلى الكِبْرِ، فقالَ كذَّابٌ يَتَفَلْسَفُ، رأيتُهُ يخطرُ في جامعِ مصرَ فنسبَهُ إلى الفلسفةِ، وأنَّهُ يَخْطِرُ في مشيتِهِ، ولعلَّ ابنَ معينٍ لا يدري ما الفَلْسَفَةُ؟ فإنَّهُ ليسَ من أهلِهَا وقدْ ذكرَ الشيخُ تقيُّ الدينِ بنُ دقيقِ العيدِ الوجوهَ التي تدخلُ الآفةُ منها في ذلكَ، وهي خمسةٌ أحدُهَا الهَوَى والغَرَضُ، وهوَ شرُّهَا، وهوَ في تواريخِ المتأخّرينَ كثيرٌ والثاني المخالفةُ في العقائدِ والثالثُ الاختلافُ بينَ المتصوفةِ، وأهلِ علمِ الظاهرِ والرابعُ الكلامُ بسببِ الجهلِ بمراتبِ العلومِ، وأكثرُ ذلكَ في المتأخرينَ؛ لاشتغالِهِمْ بعلومِ الأوائلِ، وفيها الحقُّ كالحسابِ، والهندسةِ، والطبِّ، وفيها الباطلُ كالطبيعياتِ، وكثيرٍ منَ الإلهياتِ، وأحكامِ النجومِ والخامسُ الأخذُ بالتوهمِ مع عدمِ الورعِ هذا حاصلُ كلامِهِ، وهو واضحٌ جليٌّ، وقدْ عقدَ ابنُ عبدِ البرِّ في كتابِ العلمِ باباً لكلامِ الأقرانِ المتعاصرينَ بعضهمْ في بعضٍ، ورأى أنَّ أهلَ العلمِ لا يُقبلُ جرحُهُمْ إلاَّ ببيانٍ واضحٍ

معرفة من اختلط من الثقات

وقولي فربَّما كانَ لجرحٍ مَخْرَجُ، كالجوابِ عنْ سؤالٍ مقدرٍ، وهوَ أنَّهُ إذا نُسِبَ مِثْلُ النَّسَائيِّ، وهوَ إمامٌ حجةٌ في الجرحِ والتعديلِ إلى مثلِ هذا فكيفَ يُوثقُ بقولِهِ في ذلكَ؟ وأجابَ ابنُ الصلاحِ بأنَّ عينَ السُّخْطِ تُبْدِي مساويَ لها في الباطنِ مخارجُ صحيحةٌ، تُعمى عَنْهَا بحجابِ السخطِ، لا أنَّ ذلكَ يقعُ من مثلِهِ تَعَمُّدَاً لِقَدْحٍ يَعْلَمُ بُطلانَهُ، واللهُ أعلمُ مَعْرِفَةُ مَنِ اخْتَلَطَ مِنَ الثِّقَاتِ ... وَفِي الثِّقَاتِ مَنْ أخِيْرَاً اخْتَلَطْ ... فَمَا رَوَى فِيْهِ أَوِ ابْهَمَ سَقَطْ 986.... نَحْوُ عَطَاءٍ وَهُوَ ابْنُ السَّائبِ ... وَكَالْجُرِيْرِي سَعِيْدٍ، وَأَبِي ... إِسْحَاقَ، ثُمَّ ابْنِ أبِي عَرُوبَةِ ... ثُمَّ الرَّقَاشِيِّ أَبِي قِلاَبةِ 988.... كَذَا حُصَيْنُ السُّلَمِيُّ الكُوْفِيْ ... وعَارِمٌ مُحَمَّدٌ والثَّقَفِيْ

.. كَذَا ابْنُ هَمَّامٍ بِصَنْعَا إذْ عَمِي ... وَالرَّأيُ فِيْمَا زَعَمُوا والتَّوْأمِي 990.... وَابْنُ عُيَيْنَةَ مَعَ المَسْعُودِي ... وَآخِراً حَكَوْهُ فِي الحَفِيْدِ ... ابنُ خُزَيْمَةَ مَعَ الغِطْرِيْفِي ... مَعَ القَطِيْعِيْ أَحْمَدَ المَعْرُوْفِ قالَ ابنُ الصلاحِ: ((هذا فنٌّ عزيزٌ مهمٌ، لَمْ أعلمْ أحداً أفردهُ بالتصنيفِ، واعتنى بهِ معَ كونِهِ حقيقاً بذلكَ جداً)) ، قلتُ: وبسببِ كلامِ ابنِ الصلاحِ، أفردهُ شيخُنَا الحافظُ صلاحِ الدينِ العلائيُّ بالتصنيفِ في جزءٍ، حدثنا بهِ، ولكنَّهُ اختصرهُ ولَمْ يبسطِ الكلامَ فيهِ، ورتَّبَهُمْ على حروفِ المعجمِ. ثمَّ الحكمُ فيمَنْ اختلطَ أنَّهُ لا يقبلُ منْ حديثِهِ ما حدَّثَ بهِ في حالِ الاختلاطِ، وكذا ما أُبهِمَ أمرُهُ وأُشْكِلَ، فلمْ ندرِ أحدَّثَ بهِ قبلَ الاختلاطِ، أوْ بعدَهُ؟ وما حدَّثَ بهِ قبلَ الاختلاطِ قُبِلَ، وإنما يتميزُ ذلكَ باعتبارِ الرواةِ عنهمْ، فمنهمْ مَنْ سَمِعَ منهم قبلَ الاختلاطِ فقطْ، ومنهم مَنْ سَمِعَ بعدَهُ فقطْ، ومنهمْ مَنْ سَمِعَ في الحالينِ، ولمْ يتميَّزْ. فممَّنِ اختلطَ في آخرِ عُمُرِهِ: عطاءُ بنُ السائبِ، قالَ ابنُ حبانَ: ((اختلطَ بأخرةٍ، ولَمْ يفحشْ خطَؤُهُ)) . انتهى. وممَّنْ سُمِعَ منهُ قبلَ الاختلاطِ: شُعبةُ وسُفيانُ الثَّوريُّ، قالَهُ يحيى بنُ مَعِينٍ، ويحيى بنُ سعيدٍ القطانُ، إلاَّ أنَّ القطانَ استثنى حديثينِ سمعهُمَا منهُ شعبةُ بأخرةٍ عنْ

زادانَ، وكذلكَ حمادُ بنُ زيدٍ سَمِعَ منهُ قبلَ أنْ يتغيَّرَ، قالَهُ يحيى بنُ سعيدٍ القطانُ، وكذا قالَ النسائيُّ: روايةُ حمادِ بنِ زيدٍ وشعبةَ وسفيانَ عنهُ جيِّدَةٌ. وممَّنْ سُمِعَ منهُ بعدَ الاختلاطِ: جريرُ بنُ عبدِ الحميدِ، وخالدُ بنُ عبدِ اللهِ الواسطيُّ، وإسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ، وعليُّ بنُ عاصمٍ، قالَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ، وكذلكَ سمعَ منهُ بعدَ التغيُّرِ: محمدُ بنُ فضيلِ بنِ غزوانَ، وممَّنْ سمِعَ منهُ أيضاً بأخرةٍ: هُشَيمٌ، قالَهُ أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ العجليُّ. قلتُ: قدْ روى لهُ البخاريُّ في صحيحهِ حديثاً من روايةِ هشيمٍ عنهُ، وليسَ لهُ عندَ البخاريِّ غيرُ هذا الحديثِ الواحدِ. وممَّنْ سمِعَ منهُ في الحالتينِ معاً: أبو عوانَةَ، قالَهُ عباسٌ الدوريُّ عنْ يحيى بنِ مَعينٍ، قالَ: ولا يُحتجُّ بحديثِهِ. أي: بحديثِ أبي عوانةَ عنهُ. وممَّنِ اختلطَ أخيراً: أبو مسعودٍ سعيدُ بنُ إياسٍ الجريريُّ، وهوَ ثقةٌ احتجَّ بهِ الشيخانِ، ولَمْ يشتدَّ تغيُّرُهُ، قالَ يحيى بنُ سعيدٍ عنْ كهمسٍ: أَنْكَرْنَا الجريريَّ أيامَ الطَّاعُونِ، وكذا قالَ النسائيُّ: ثقةٌ أُنْكِرَ أيامَ الطاعونِ. وقالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ: تغيَّرَ حفْظُهُ قبلَ موتِهِ، فمَنْ كَتَبَ عنهُ قديماً، فهوَ صالحٌ. قلتُ: وممَّنْ سَمِعَ منهُ قبلَ التَّغَيرِ: شعبةُ، وسفيانُ الثوريُّ، والحمَّادانِ، وإسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ، ومَعْمَرٌ، وعبدُ الوارثِ بنُ سعيدٍ، ويزيدُ بنُ زريعٍ، ووهيبُ بنُ خالدٍ، وعبدُ الوهابِ بنُ عبدِ المجيدِ الثقفيُّ؛ وذلكَ لأنَّ هؤلاءِ كلَّهُمْ سمعوا منْ أيوبَ

السَّختيانيِّ، وقدْ قالَ أبو داودَ، فيما رواهُ عنهُ أبو عبيدٍ الآجريُّ: كلُّ مَنْ أدركَ أيوبَ فسماعُهُ منَ الجريريِّ جيدٌ. انتهى. وممَّنْ سَمِعَ منهُ بعدَ التغيُّرِ: محمدُ بنُ أبي عديٍّ، وإسحاقُ الأزرقُ، ويحيى بنُ سعيدٍ القطَّانُ، ولذلكَ لَمْ يحدّثْ عنهُ شيئاً. وقدْ روى الشيخانِ للجريريِّ منْ روايةِ بشرِ ابنِ المفضلِ، وخالدِ بنِ عبدِ اللهِ، وعبدِ الأعلى بنِ عبدِ الأعلى، وعبدِ الوارثِ بنِ سعيدٍ عنهُ، وروى لهُ مسلمٌ فقطْ منْ روايةِ جَعْفَرِ بنِ سليمانَ الضبعيِّ، وحمَّادِ بنِ أسامةَ، وحمادِ بنِ سلمةَ، وشعبةَ، وسفيانَ الثوريِّ، وسالمِ بنِ نوحٍ، وابنِ المباركِ، وعبدِ الوهابِ الثقفيِّ، وَوُهَيْبِ بنِ خالدٍ، ويزيدَ بنِ زريعٍ، وعبدِ الواحدِ بنِ زيادٍ، ويزيدَ بنِ هارونَ وقدْ قيلَ: إنَّ يزيدَ بنَ هارونَ، إنما سَمِعَ منهُ بعدَ التَّغَيُّرِ، فقدْ روى ابنُ سعدٍ عنهُ، قالَ: سمعتُ منهُ سنةَ اثنتينِ وأربعينَ ومائةٍ، وهيَ أولُ سنةٍ دخلتُ البصرةَ، ولَمْ ننكرْ منهُ شيئاً، قالَ: وكانَ قيلَ لنا: إنهُ قدِ اختلطَ، وقالَ ابنُ حبَّانَ: كانَ قدِ اختلطَ قبلَ أنْ يموتَ بثلاثِ سنينَ، قالَ: وقدْ رآهُ يحيى القطانُ، وهوَ مختلطٌ، ولَمْ يكنِ اختلاطُهُ فاحشاً، ماتَ سنةَ أربعٍ وأربعينَ ومائةٍ. ومنهمْ: أبو إسحاقَ السَّبِيعيُّ، واسمُهُ عمرُو بنُ عبدِ اللهِ، ثقةٌ احتجَّ بهِ الشيخانِ، قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: ثقةٌ. لكنَّ هؤلاءِ الذينَ حملوا عنهُ بأخرةٍ وقالَ يعقوبُ الفَسَويُّ: قالَ ابنُ عيينةَ: حدَّثنا أبو إسحاقَ في المسجدِ، ليسَ معنا ثالثٌ، قالَ الفَسَويُّ: فقالَ بعضُ أهلِ العلمِ: كانَ قدِ اختلطَ، وإنما تركوهُ معَ ابنِ عيينةَ لاختلاطِهِ. انتهى. وكذا قالَ الخليليُّ: إنَّ سماعَهُ منهُ بعدَ ما اختلطَ.

قلتُ: ولَمْ يخرِّجْ لهُ الشيخانِ منْ روايةِ ابنِ عيينةَ عنهُ شيئاً، إنما أخرجَ لهُ منْ طريقهِ الترمذيُّ، وكذلكَ النسائيُّ في عملِ اليومِ والليلَةِ، وأنكرَ صاحبُ " الميزانِ " اختلاطَهُ، فقالَ: شاخَ ونسيَ، ولَمْ يختلطْ، قالَ: وقدْ سمِعَ منهُ سفيانُ بنُ عيينةَ، وقدْ تغيَّرَ قليلاً. واختُلِفَ في وفاتِهِ، فقيلَ: سنةُ ستٍّ وعشرينَ ومائةٍ. وقيلَ: سبعٍ. وقيلَ: ثمانٍ. وقيلَ: تسعٍ. ومنهمْ: سعيدُ بنُ أبي عَرُوبةَ، واسمُ أبي عَرُوبةَ: مهرانُ، ثقةٌ، احتجَّ بهِ الشيخانِ؛ لكنَّهُ اختلطَ، وطالتْ مدةُ اختلاطِهِ فوقَ العشرِ سنينَ على ما يأتي منَ الخلافِ، قالَ أبو حاتِمٍ: هوَ قبلَ أنْ يختلطَ ثقةٌ. وقدِ اختُلِفَ في ابتداءِ اختلاطِهِ، فقالَ دُحيمٌ: اختلطَ مَخْرَجَ إبراهيمَ سنةَ خمسٍ وأربعينَ ومائةٍ، وكذا قالَ ابنُ حبَّانَ: اختلطَ سنةَ خمسٍ وأربعينَ ومائةٍ، وبقيَ خمسَ سنينَ في اختلاطِهِ ماتَ سنةَ خمسينَ ومائةٍ. وقالَ يحيى بنُ معينٍ: خلطَ بعدَ هزيمةِ إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ حسنِ بنِ حسنٍ سنةَ اثنتينِ وأربعينَ، يعني: ومائة، ومَنْ سمعَ منهُ بعدَ ذلكَ ليسَ بشيءٍ. قلتُ: هكذا اقتصرَ ابنُ الصلاحِ حكايةً عنْ يحيى بنِ معينٍ أنَّ هزيمةَ إبراهيمَ سنةَ اثنتينِ وأربعينَ، والمعروفُ سنةَ خمسٍ وأربعينَ، كما تقدَّمَ هذا هوَ المذكورُ في التواريخِ أنَّ خروجَهُ فيها، وإنَّهُ قُتِلَ فيها يومُ الاثنينِ لخمسِ ليالٍ بقينَ من ذي القعدةِ، واحتزَّ رأسُهُ.

فمِمَّنْ سمعَ من ابنِ أبي عَرُوبةَ قبلَ اختلاطِهِ: عبدُ اللهِ بنُ المباركِ، ويزيدُ بنُ زُريعٍ، قالَهُ ابنُ حبانَ وغيرُهُ، وكذلكَ شعيبُ بنُ إسحاقَ سمعَ منهُ سنةَ أربعٍ وأربعينَ قبلَ أنْ يختلطَ بسنةٍ، وكذلكَ يزيدُ بنُ هارونَ صحيحُ السماعِ منهُ، قالَهُ ابنُ معينٍ، وكذلكَ عبدةُ ابنُ سليمانَ، قالَ ابنُ معينٍ: إنَّهُ أثبتُ الناسِ سماعاً منهُ، وقالَ ابنُ عديٍّ: ((أرواهم عنهُ عبدُ الأعلى السَّامِيُّ، ثمَّ شعيبُ بنُ إسحاقَ، وعبدَةُ بنُ سليمانَ، وعبدُ الوهابِ الخفافُ، وأثبتهمْ فيهِ يزيدُ بنُ زريعٍ، وخالدُ بنُ الحارثِ، ويحيى القطانُ)) . قلتُ: قدْ قالَ عبدةُ بنُ سليمانَ عنْ نفسِهِ، أنَّهُ سمعَ منهُ في الاختلاطِ، إلاَّ أنْ يريدَ بذلكَ بيانَ اختلاطِهِ، وأنَّهُ لَمْ يحدِّثْ بما سمعَهُ منهُ في الاختلاطِ، واللهُ أعلمُ. وسمعَ منهُ قديماً: سرارُ ابنُ مجشِّرٍ، أشارَ إليهِ النسائيُّ في " سننِهِ الكبرى "، وقالَ أبو عبيدٍ الآجريُّ، عنْ أبي داودَ: كانَ عبدُ الرحمنِ يقدِّمُهُ على يزيدَ بنِ زُريعٍ، وهوَ من قدماءِ أصحابِ سعيدِ بنِ أبي عَروبةَ، وماتَ قديماً. وممَّنْ سَمِعَ منهُ في الاختلاطِ: أبو نُعيمٍ الفضلُ بنُ دكينٍ، ووكيعٌ، والمعافى بنُ عِمْرَانَ المَوْصِليُّ. قلتُ: وقدْ روى لهُ الشيخانِ منْ روايةِ خالدِ بنِ الحارثِ، وروحِ بنِ عبادةَ، وعبدِ الأعلى الشاميِّ، وعبدِ الرحمنِ بنِ عثمانَ البكراويِّ، ومحمدِ بنِ سَوَاءٍ السدوسيِّ، ومحمدِ بنِ أبي عديٍّ، ويزيدَ بنِ زُريعٍ، ويحيى بنِ سعيدٍ القطانِ عنهُ. وروى لهُ البخاريُّ فقطْ منْ روايةِ بشرِ بنِ المُفَضَّلِ، وسهلِ بنِ يوسفَ، وابنِ المباركِ، وعبدِ الوارثِ بنِ سعيدٍ، ومحمدِ ابنِ عبدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، وكَهْمَسِ بنِ المنهالِ عنهُ. وروى لهُ مسلمٌ فقطْ من روايةِ ابنِ عُلَيَّةَ، وأبي أسامةَ، وسعيدِ بنِ عامرٍ الضبعيِّ، وسالمِ ابنِ نوحٍ، وأبي خالدٍ الأحمرِ، وعبدِ الوهابِ بنِ عطاءٍ، وعَبْدةَ بنِ سُليمانَ، وعليِّ بنِ مسهرٍ، وعيسى بنِ يونسَ، ومحمدِ بنِ بكرٍ البرسَانيِّ، وغُنْدَرٍ عنهُ.

قلتُ: وقدْ قالَ ابنُ مهديٍّ: سمعَ غندرٌ منهُ في الاختلاطِ. وأما مدةُ اختلاطِ سعيدٍ، فقدْ تقدَّمَ قولُ ابنِ حبَّانَ أنَّها خمسُ سنينَ، وقالَ صاحبُ " الميزانِ ": ثلاثَ عشرةَ سنةً، وخالفَ في ذلكَ في " العبرِ "، فقالَ: عشرَ سنينَ، معَ قولِهِ فيهما: أنَّهُ توفيَ سنةَ ستٍّ وخمسينَ، وكذا قالَ الفَلاَّسُ، وأبو موسى الزمنُ، وغيرُ واحدٍ في وفاتِهِ. وقيلَ: سنةُ سبعٍ وخمسينَ ومائةٍ. ومنهمْ: أبو قِلاَبةَ الرَّقاشيُّ، واسمُهُ: عبدُ الملكِ بنُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ أحدُ شيوخِ ابنِ خزيمةَ، قالَ فيهِ ابنُ خزيمةَ: حدَّثنا أبو قِلاَبةَ بالبصرةِ قبلَ أنْ يختلطَ ويخرجَ إلى بغدادَ. قلتُ: وممَّنْ سَمِعَ منهُ آخراً ببغدادَ: أبو عمرَو عثمانُ بنُ أحمدَ بنِ السماكِ، وأبو بكرٍ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الشافعيُّ، وآخرونَ. فعلى قَولِ ابنِ خزيمةَ سماعُهُمْ منهُ بعدَ الاختلاطِ. وكانتْ وفاتُهُ سنةَ ستٍّ وسبعينَ ومائتينِ ببغدادَ. ومنهمْ: حُصَيْنُ بنُ عبدِ الرحمنِ السُّلَميُّ الكوفيُّ، أحدُ الثقاتِ الأثباتِ، احتجَّ بهِ الشيخانِ، ووثَّقهُ أحمدُ، وأبو زرعةَ، والعِجْليُّ، وغيرُهمْ. وقالَ أبو حاتمٍ: ثقةٌ ساءَ حفظُهُ في الآخرِ، وكذا قالَ يزيدُ بنُ هارونَ: إنَّهُ اختلطَ. وقالَ النسائيُّ: تغيَّرَ،

وأمَّا عليُّ بنُ عاصمٍ، فقالَ: إنَّهُ لَمْ يختلطْ، كذا حكاهُ صاحبُ " الميزانِ " عنهُ. وقولي: (السُّلَميّ) ، منَ الزياداتِ على ابنِ الصلاحِ، وفائدتُهُ عدمُ الاشتباهِ، فإنَّ في الكوفيينَ أربعةً كلَّهمْ حُصَينَ بنَ عبدِ الرحمنِ، ليسَ فيهمْ بهذا النسبِ إلاَّ هذا. ومنهمْ: عارمٌ اسمهُ: محمدُ بنُ الفَضْلِ أبو النُّعْمَانِ السدوسيُّ، وعارمٌ لقبٌ لهُ، وهوَ أحدُ الثقاتِ الأثباتِ، روى عنهُ البخاريُّ في "صحيحهِ"، ومسلمٌ بواسطةٍ، قالَ البخاريُّ: ((تغيَّرَ في آخرِ عمرِهِ)) . وقالَ أبو حاتمٍ: اختَلَطَ في آخرِ عمرِهِ، وزالَ عقلُهُ، فمنْ سَمِعَ منهُ قبلَ الاختلاطِ فَسماعُهُ صحيحٌ، قالَ: وكتبْتُ عنهُ قبلَ الاختلاطِ سنةَ أربعَ عشرةَ، ولَمْ أسمعْ منهُ بعدَما اختلطَ. فمَنْ سمعَ منهُ قبلَ سنةِ عشرينَ ومائتينِ، فسماعُهُ جيدٌ، وأبو زرعةَ لقيهُ سنةَ اثنتينِ وعشرينَ. وقالَ الحسينُ بنُ عبدِ اللهِ الذَّارعُ، عنْ أبي داودَ: بَلَغَنَا أنَّ عارماً أُنكرَ سنةُ ثلاثَ عشرةَ، ثمَّ راجعهُ عقلُهُ، واستحكمَ بهِ الاختلاطُ سنةَ ستَّ عشرةَ، وقالَ ابنُ حبانَ: اختلطَ في آخرِ عمرِهِ، وتغيَّرَ حتَّى كادَ لا يدري ما يُحدِّثُ بهِ، فوقعَ في حديثهِ المناكيرُ الكثيرةُ، فيجبُ التنكُّبُ عنْ حديثِهِ فيما رواهُ المتأخرونَ، فإذا لَمْ يعلمْ هذا من هذا تُرِكَ الكلُّ. وأنكرَ صاحبُ "الميزانِ"، هذا القولَ منِ ابنِ حبانَ، ووصفهُ بالتسخيفِ والتهويرِ، وحكى قولَ الدارقطنيِّ: تغيَّرَ بأخرةٍ، وما ظهرَ لهُ بعدَ اختلاطِهِ حديثٌ منكرٌ، وهوَ ثقةٌ.

إذا تقرَّرَ ذلكَ، فممَّنْ سمعَ منهُ قبلَ اختلاطِهِ: أحمدُ بنُ حنبلٍ، وعبدُ اللهِ ابنُ محمدٍ المسنديُّ، وأبو حاتمٍ الرازيُّ، وأبو عليٍّ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ خالدٍ الزريقيُّ، وقالَ ابنُ الصلاحِ: ما رواهُ عنهُ: البخاريُّ، ومحمدُ بنُ يحيى الذهليُّ، وغيرُهما منَ الحفاظِ، ينبغي أنْ يكونَ مأخوذاً عنهُ قبلَ اختلاطِهِ. انتهى، وممَّنْ سَمِعَ منهُ بعدَ اختلاطِهِ: أبو زرعةَ الرازيُّ، وعليُّ بنُ عبدِ العزيزِ البغويُّ. وكانتْ وفاتُهُ سنةَ أربعٍ وعشرينَ ومائتينِ. ومنهمْ: عبدُ الوهابِ بنُ عبدِ المجيدِ الثقفيُّ، أحدُ الثقاتِ الذينَ احتجَّ بهمْ الشيخانِ. قالَ عباسٌ الدوريُّ، عنْ يحيى بنِ معينٍ: اختلطَ بأخرةٍ. وقالَ عقبةُ بنُ مكرمٍ العميُّ: اختلطَ قبلَ موتِهِ بثلاثِ سنينَ، أو أربعِ سنينَ، قالَ صاحبُ " الميزانِ ": لكنَّهُ ما ضرَّ تغيُّرُهُ حديثَهُ، فإنَّهُ ما حدَّثَ بحديثٍ في زمنِ التغيُّرِ، ثمَّ استدلَّ بقولِ أبي داودَ: تغيَّرَ جريرُ بنُ حازمٍ، وعبدُ الوهابِ الثقفيُّ، فَحُجِبَ الناسُ عنهمْ. وماتَ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومائةٍ، وقيلَ: سنةُ أربعٍ وثمانينَ. ومنهمْ: عبدُ الرزاقِ بنُ هَمَّامٍ الصنعانيُّ، احتجَّ بهِ الشيخانِ، قالَ أحمدُ: أتيناهُ قبلَ المائتينِ وهوَ صحيحُ البصرِ. ومَنْ سَمِعَ منهُ بعدَ ما ذهبَ بصرُهُ، فهوَ ضعيفُ السماعِ، وقالَ أيضاً: كانَ يُلقَّنُ بعدما عميَ، وقالَ النسائيُّ: فيهِ نظرٌ، لمنْ كتَبَ عنهُ بأخرةٍ. انتهى.

فممَّنْ سَمِعَ منهُ قبلَ اختلاطِهِ: أحمدُ بنُ حنبلٍ، وإسحاقُ بنُ راهويهِ، ويحيى بنُ معينٍ، وعليُّ بنُ المدينيِّ، ووكيعٌ في آخرينَ. وممَّنْ سمعَ منهُ بعدَ اختلاطِهِ: أحمدُ بنُ محمدِ بنِ شَبُّويةَ، وإبراهيمُ بنُ منصورٍ الرَّماديُّ، ومحمدُ بنُ حمادٍ الظَّهرانيُّ، وإسحاقَ بنُ إبراهيمَ الدَّبَريُّ، قالَ إبراهيمُ الحربيُّ: ماتَ عبدُ الرزاقِ وللدبَريِّ ستُّ سنينَ، أوْ سبعُ سنينَ. وقالَ ابنُ عديٍّ: استُصْغِرَ في عبدِ الرزاقِ، قالَ الذهبيُّ: إنما اعتنى بهِ أبوهُ فأسمَعَهُ منهُ تصانيفَهُ، ولهُ سبعُ سنينَ، أو نحوُها، وقدِ احتجَّ بهِ أبو عوانةَ في " صحيحهِ "، وغيرُهُ. انتهى. وكأنَّ مَنِ احتجَّ بهِ لَمْ يبالِ بتغيُّرِهِ؛ لكونِهِ إنَّما حدَّثهُ من كُتُبِهِ، لا مِنْ حفظِهِ، قالَ ابنُ الصلاحِ: وجدْتُ فيما روى الطبرانيُّ عنِ الدبَريِّ عنهُ أحاديثَ استنكرتُها جدَّاً. فأَحَلْتُ أمرَهَا على ذلكَ، وتوفيَ سنةَ إحدى عشرةَ ومائتينِ. ومنهمْ - فيما زعموا -: ربيعةُ الرأيِّ - شيخُ مالكٍ - وهوَ: ربيعةُ ابنُ أبي عبدِ الرحمنِ، واسمُ أبيهِ: فَرُّوخُ، وهوَ أحدُ الأئمةِ الثقاتِ، احتجَّ بهِ الشيخانِ، ولمْ أرَ مَنْ ذكرَ أنَّهُ اختلطَ إلا ابنَ الصلاحِ، فقالَ: ((قيلَ: إنَّهُ تغيَّرَ في آخرِ عمرِهِ، وتُركَ الاعتمادُ عليهِ لذلكَ)) ، فلذلكَ أتيتُ بقولي: (فيما زعموا) ، وقدْ وثَّقَهُ أحمدُ، وأبو حاتمٍ، والعجليُّ، والنسائيُّ، وآخرونَ. إلاَّ أنَّ ابنَ سعدٍ بعدَ أنْ وثَّقَهُ،

قالَ: ((كانوا يتَّقونَهُ لموضعِ الرأيِ)) ، وذكرهُ النباتيُّ في " ذيلِ الكاملِ "، وقالَ: إنَّ البستيَّ ذكرَهُ في الزياداتِ، قلتُ: قدْ ذكرَهُ البستيُّ في " الثقاتِ "، وقالَ: توفيَ سنةَ ستٍّ وثلاثينَ ومائةٍ. ومنهمْ: صالحٌ مولى التَّوْأَمةِ، وهوَ: صالحُ بنُ نبهانَ، اختُلِفَ في الاحتجاجِ بهِ، قالَ أحمدُ: أدركهُ مالكٌ، وقدِ اختلطَ وهوَ كبيرٌ، وما أعلمُ بهِ بأساً ممَّنْ سمعَ منهُ قديماً، فقدْ روى عنهُ أكابرُ أهلِ المدينةِ. وقالَ ابنُ معينٍ: ثقةٌ خَرِفَ قبلَ أنْ يموتَ، فمنْ سَمِعَ منهُ قبلُ، هوَ ثبتٌ. وقيلَ لهُ: إنَّ مالكاً تركهُ، فقالَ: إنما أدركَهُ بعدَ أنْ خَرِفَ، وقالَ ابنُ المدينيِّ: ثقةٌ إلاَّ أنَّهُ خَرِفَ وكَبرَ. وقالَ ابنُ حبانَ: ((تغيَّرَ في سنةِ خمسٍ وعشرينَ ومائةٍ وجعلَ يأتي بما يشبهُ الموضوعاتِ عنِ الثقاتِ، فاختلطَ حديثُهُ الأخيرُ بحديثِهِ القديمِ، ولَمْ يتميَّزْ، واستحقَّ التركَ)) . وحكى ابنُ الصلاحِ كلامَ ابنِ حبَّانَ مقتصِراً عليهِ. قلتُ: قدْ ميَّزَ الأئمةُ بعضَ مَنْ سمِعَ منهُ قديماً، ممَّنْ سَمِعَ منهُ بعدَ التغيُّرِ، فممَّنْ سَمِعَ منهُ قديماً: محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ذئبٍ، قالَهُ يحيى بنُ معينٍ، وعليُّ بنُ

المدينيِّ، والجوزجانيُّ، وابنُ عَديٍّ. وكذلكَ ابنُ جريجٍ، وزيادُ بنُ سعدٍ، قالَهُ ابنُ عديٍّ. وممَّنْ سمعَ منهُ بعدَ الاختلاطِ: مالكٌ، والسفيانانِ، وماتَ سنةَ خمسٍ وعشرينَ ومائةٍ، وقيلَ: سنةُ ستٍّ. ومنهمْ: سفيانُ بنُ عيينةَ أحدُ الأئمةِ الثقاتِ، قالَ يحيى بنُ سعيدٍ القطانُ: أشهدُ أنَّهُ اختلطَ سنةَ سبعٍ وتسعينَ، فمَنْ سمِعَ منهُ في هذهِ السنةِ، وبعدَ هذا، فسماعُهُ لا شيءَ، هكذا حكاهُ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمارٍ الموصليُّ، عنِ القطَّانِ. قالَ صاحبُ " الميزانِ ": ((وأنا أستبعدُهُ، وأعدُّهُ غلطاً منِ ابنِ عمارٍ، فإنَّ القطانَ ماتَ في صَفَرٍ منْ سنةِ ثمانٍ وتسعينَ، وقتَ قدومِ الحاجِ، ووقتَ تحدثهم عنْ أخبارِ الحجازِ، فمتى تمكنَ يحيى بنُ سعيدٍ مِنْ أنْ يسمعَ اختلاطَ سفيانَ؟ ثمَّ يشهدُ عليهِ بذلكَ، والموتُ قدْ نزلَ بهِ، ثمَّ قالَ: فلعلَّهُ بلغَهُ ذلكَ في أثناءِ سنةِ سبعٍ. وقالَ سَمِعَ منهُ فِيْهَا، أي: سنةَ سبعٍ، محمدُ بنُ عاصمٍ صاحبُ ذلكَ الجزءِ العالي، قالَ: ويغلبُ عَلَى ظنِّي أنَّ سائرَ شيوخِ الأئمةِ الستَّةِ سَمِعُوا منهُ قبلَ سنةِ سبعٍ، فأمَّا سنةُ ثمانٍ وتسعينَ ففيها ماتَ، ولَمْ يلقَهُ أحدٌ فِيْهَا، فإنَّهُ توفيَ قبلَ قدومِ الحاجِ بأربعةِ أشهرٍ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ويحصلُ نظرٌ في كثيرٍ منَ العوالي الواقعةِ عَمَّنْ تأخرَ سماعُهُ منِ ابنِ عيينةَ، وأشباهِهِ)) ، وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((إنَّهُ توفيَ سنةَ تسعٍ وتسعينَ)) .

قلتُ: والمعروفُ ما تقدَّمَ، فإنَّهُ ماتَ بمكةَ يومَ السبتِ، أولَ شهرِ رجبٍ سنةَ ثمانٍ وتسعينَ، قالَهُ محمدُ بنُ سعدٍ، وابنُ زَبْرٍ، وابنُ حبانَ، إلاَّ أنَّهُ قالَ آخرَ يومٍ من جمادى الآخرةِ. ومنهمْ: المسعوديُّ، وهوَ عبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، قالَ ابنُ سعدٍ: ثقةٌ إلاَّ أنَّهُ اختلطَ في آخرِ عمرِهِ، وروايةُ المتقدمينَ عنهُ صحيحةٌ. وقالَ أبو حاتمٍ: ((تغيَّرَ بأخرَةٍ قبلَ موتِهِ بسنةٍ، أوْ سنتينِ)) وقالَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ نُميرٍ: كانَ ثقةً، فلما كانَ بأخرةٍ اختلطَ. وقالَ أحمدُ: إنما اختلطَ ببغدادَ، ومَنْ سَمِعَ منهُ بالكوفةِ والبصرةِ، فسماعُهُ جيدٌ. وقالَ ابنُ معينٍ: مَنْ سمعَ منهُ زمانَ أبي جعفرٍ، فهوَ صحيحُ السماعِ، ومنْ سمعَ منهُ في زمانِ المَهْديِّ فليسَ سماعُهُ بشيءٍ. قلتُ: وكانتْ وفاةُ أبي جعفرٍ المنصورِ بمكةَ في ذي الحجةِ سنةَ ثمانٍ وخمسينَ، وكانتْ مدةُ اختلاطِهِ، كما قالَ أبو حاتمٍ، فإنَّ المسعوديَّ ماتَ سنةَ ستينَ ومائةٍ ببغدادَ، وقالَ ابنُ حبانَ: اختلطَ حديثُهُ فلمْ يتميَّزْ، فاستحقَّ التركَ. وكذا قالَ أبو الحسنِ بنُ القطانِ: كانَ لا يتميَّزُ في الأغلبِ ما رواهُ قبلَ اختلاطِهِ، مِمَّا رواهُ بعدُ.

قلتُ: قدْ ميَّزَ الأئمةُ بينَ جماعةٍ ممَّنْ سَمِعَ منهُ في الصحةِ، أو الاختلاطِ. فممَّنْ سَمِعَ منهُ قديماً قبلَ الاختلاطِ: وكيعٌ، وأبو نعيمٍ الفضلُ بنُ دكينٍ، قالَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ. وممَّنْ سَمِعَ منهُ بعدَ الاختلاطِ: أبو النَّضرِ هاشمُ ابنُ القاسمِ وعاصمُ بنُ عليٍّ، قالَهُ أحمدُ أيضاً، وكذلكَ سَمِعَ منهُ بأخرةٍ: عبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ، ويزيدُ بنُ هارونَ، قالَهُ ابنُ نميرٍ. وقدْ قيلَ: إنَّ أبا داودَ الطيالسيَّ سَمِعَ منهُ بعدَ ما تغيَّرَ، قالَهُ سَلَمُ بنُ قتيبةَ. ومنهمْ منَ المتأخرينَ: أبو طاهرٍ محمدُ بنُ الفضلِ بنِ محمدِ بنِ إسحاقَ بنِ خزيمةَ حفيدُ الحافظِ أبي بكرِ بنِ خزيمةَ، وكذلكَ أبو أحمدَ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ الحسينِ الغِطْرِيفيُّ الجرجانيُّ، فذكرَ الحافظُ أبو عليٍّ البرذعيُّ، ثمَّ السمرقنديُّ في " معجمهِ " أنَّهُ بلغَهُ أنهما اختلطا في آخرِ عمرهما. قلتُ: أمَّا الحفيدُ فقدِ اختلطَ قبلَ موتِهِ بثلاثِ سنينَ وتجنَّبَ الناسُ الروايةَ عنهُ، توفيَ سنةَ سبعٍ وثمانينَ وثلاثمائةٍ، وقدِ احتجَّ الإسماعيليُّ بالغطريفيِّ في " صحيحهِ "، وتوفيَ سنةَ سبعٍ وسبعينَ وثلاثمائةٍ. ومنهمْ: أبو بكرٍ أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حَمْدَانَ القَطِيعيُّ راوي " مسندِ أحمدَ " و" الزهدِ " لهُ. قالَ ابنُ الصلاحِ: اختلَّ في آخرِ عمرِهِ، وخَرِفَ، حتَّى كانَ لا يعرفُ شيئاً ممَّا يُقرأُ عليهِ، وقالَ صاحبُ " الميزانِ ": ذكرَ هذا أبو الحسنِ بنُ الفراتِ، ثمَّ قالَ: فهذا

طبقات الرواة

غلوٌّ وإسرافٌ، وقدْ وثَّقَهُ البرْقَانيُّ، والحاكمُ. وتوفيَ سنةَ ثمانٍ وستينَ وثلاثمائةٍ، لسبعٍ بقينَ منْ ذي الحجةِ، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((واعلمْ أنَّ ما كانَ من هذا القبيلِ محتجَّاً بروايتِهِ في الصحيحينِ، أو أحدِهما، فإنَّا نعرفُ على الجملةِ: أنَّ ذلكَ ممَّا تميَّزَ وكانَ مأخوذاً عنهُ قبلَ الاختلاطِ، واللهُ أعلمُ)) . طَبَقَاتُ الرُّوَاةِ 992.... وَلِلرُّوَاةِ طَبَقَاتٌ تُعْرَفُ ... بِالسِّنِّ وَالأَخْذِ، وَكَمْ مُصَنِّفُ 993.... يَغْلِطُ فِيْهَا، وَابْنُ سَعْدٍ صَنَّفَا ... فِيْهَا وَلَكِنْ كَمْ رَوَى عَنْ ضُعَفَا منَ المُهِمَّاتِ معرفةُ طَبَقاتِ الرواةِ؛ فإنَّهُ قدْ يتفقُ اسمانِ في اللفظِ، فيُظنُّ أنَّ أحدَهُما الآخرُ، فيتميَّزُ ذلكَ بمعرفةِ طبقتيهما، إنْ كانا منْ طبقتينِ، فإنْ كانا منْ طبقةٍ واحدةٍ فربَّما أُشْكِلَ الأمرُ، وربَّما عُرِفَ ذلكَ بِمَنْ فوقَهُ، أوْ دونَهُ منَ الرواةِ، فربَّما كانَ أحدُ المتفقَيْنِ في الاسمِ لا يروي عمَّنْ رَوَى عنهُ الآخرُ، فإنِ اشتركا في الراوي الأعلى وفيمنْ روى عنهما، فالإشكالُ حينئذٍ أشدُّ. وإنما يُمَيِّزُ ذلكَ أهلُ الحفظِ والمعرفةِ. ويُعرفُ كونُ الراويينِ أو الرواةِ منْ طبقةٍ واحدةٍ، بتقاربِهِمْ في السِّنِّ، وفي الشيوخِ الآخذينَ عنهمْ، إمَّا بكونِ شيوخِ هذا همْ شيوخُ هذا أو تقارب شيوخُ هذا منْ شيوخِ هذا في الأخذِ، كما تقدَّمتِ الإشارةُ إلى نحوِ ذلكَ في روايةِ الأقرانِ، فإنَّ مدلولَ الطبقةِ

لغةً: القومُ المتشابهونَ، وأما في الاصطلاحِ فالمرادُ: المتشابهُ في الأسنانِ، والإسنادِ، وربَّما اكتفوا بالمتشابهِ في الإسنادِ. وبسببِ الجهلِ بمعرفةِ الطبقاتِ غَلِطَ غيرُ واحدٍ منَ المصنفينَ، فربَّما ظنَّ راوياً راوياً آخرَ غيرَهُ، وربَّما أدخلَ راوياً في غيرِ طبقتِهِ. وقدْ تقدَّمَ لذلكَ أمثلةٌ في أواخرِ معرفةِ التابعينَ. وقدْ صنَّفَ في الطبقاتِ جماعةٌ، فمنهمْ منِ اختصرَ، كخليفةَ بنِ خياطٍ، ومسلمِ بنِ الحجاجِ، ومنهمْ مَنْ طوَّلَ كمحمدِ بنِ سعدٍ في " الطبقاتِ الكبرى "، ولهُ ثلاثةُ تصانيفَ في ذلكَ، وكتابُهُ الكبيرُ كتابٌ جليلٌ، كثيرُ الفائدةِ، وابنُ سعدٍ ثقةٌ في نفسهِ، وثَّقَهُ أبو حاتمٍ وغيرُهُ، ولكنَّهُ كثيرُ الروايةِ في الكتابِ المذكورِ عنِ الضعفاءِ، كمحمدِ بنِ عمرَ بنِ واقدٍ الأسلميِّ الواقديِّ. ويقتصرُ كثيراً على اسمهِ واسمِ أبيهِ من غيرِ نسبٍ، وكهشامِ بنِ محمدِ ابنِ السائبِ الكلبيِّ، ونصرِ بنِ بابٍ الخراسانيِّ في آخرينَ منهمْ. على أنَّ أكثرَ شيوخهِ أئمةٌ ثقاتٌ، كسفيانَ بنِ عيينةَ، وابنِ عليةَ، ويزيدَ بنِ هارونَ، ومعنِ بنِ عيسى، وهشيمٍ، وأبي الوليدِ الطيالسيِّ، وأبي أحمدَ الزبيريِّ، وأنسِ ابنِ عياضٍ، وغيرِهمْ، ولكنَّهُ أكثرَ الروايةَ في الكتابِ المذكورِ عنْ شيخَيْهِ الأولَيْنِ. ثمَّ إنَّهُ قدْ يكونُ الراوي من طبقةٍ؛ لمشابهتِهِ لتلكَ الطبقةِ منْ وجهٍ، ومنْ طبقةٍ أخرى غيرِها؛ لمشابهتِهِ لها من وجهٍ آخرَ.

الموالي من العلماء والرواة

وأنسُ بنُ مالكٍ ونحوُهُ من صغارِ الصحابةِ من طبقةِ العشرةِ عندَ مَنْ عدَّ الصحابةَ كلَّهُمْ طبقةً واحدةً، كابنِ حبانَ في " الثقاتِ " لاشتراكهمْ في الصحبةِ وهوَ من طبقةٍ أخرى دونَ طبقةِ العشرةِ، عندَ مَنْ عدَّ الصحابةَ طباقاً، والتابعينَ طباقاً، كابنِ سعدٍ، وقدْ تقدَّمَ في معرفةِ الصحابةِ أنَّهم اثنتا عشرةَ طبقةً، أو أكثرُ، وتقدَّمَ في معرفةِ التابعينَ أنَّهمْ خمسَ عشرةَ طبقةً، واللهُ أعلمُ. المَوَالِي مِنَ العُلَمَاءِ والرُّوَاةِ 994.... وَرُبَّمَا إلَى القَبِيْلِ يُنْسَبُ ... مَوْلَى عَتَاقَةٍ وَهَذَا الأغْلَبُ 995.... أَوْ لِوَلاَءِ الحِلْفِ كَالتَّيْمِيِّ ... مَالِكٍ اوْ لِلدِّيْنِ كَالْجُعْفِيِّ 996.... وَرُبَّمَا يُنْسَبُ مَوْلَى المَوْلَى ... نَحْوُ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ أَصْلاَ منَ المُهِمَّاتِ معرفةُ الموالي منَ العلماءِ والرواةِ، وأهمُّ ذلكَ أنْ يُنسبَ إلى القبيلةِ مولى لهمْ، معَ إطلاقِ النَّسبِ، فربَّمَا ظنَّ أنهمْ منهمْ صليبٌ بحكمٍ ظاهرِ الإطلاقِ، وربَّما وقعَ مِنْ ذلكَ خللٌ في الأحكامِ الشرعيةِ في الأمورِ المشترطِ فيها النسبُ، كالإمامةِ العظمى، والكفاءةِ في النكاحِ، ونحوِ ذلكَ. وقدْ صنَّفَ في الموالي أبو عمرَ الكنديُّ، ولكنْ بالنسبةِ إلى المصريينَ لا مطلقاً. ثمَّ الموالي المنسوبونَ إلى القبائلِ منهمْ مَنْ يكونُ المرادُ بهِ مولى العتاقةِ، وهذا هوَ الأغلبُ،

كأبي البَخْتَريِّ الطائيِّ، وأبي العاليةِ الرِّيَاحيِّ، والليثِ ابنِ سعدٍ الفَهْمِيِّ، وعبدِ اللهِ بنِ المباركِ الحَنْظَلِيِّ، وعبدِ اللهِ بنِ صالحٍ الجهنيِّ - كاتبِ الليثِ - ونحوِهمْ. ومنهمْ: مَنْ يكونُ المرادُ بهِ ولاءُ الحلفِ، كالإمامِ مالكِ بنِ أنسٍ، هوَ أصبحيٌّ صَلِيْبَةً، وقيلَ لهُ: التَّيْمِيُّ؛ لكونِ نَفَرهِ (أصبحُ) مواليَ لتَيْمِ قريشٍ بالحلفِ، وقيلَ: لأنَّ جدَّهُ - مالكَ بنَ أبي عامرٍ - كانَ أجيراً لطلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ التَّيْمِيِّ، وطلحةُ مختلفٌ بالتِّجارةِ، وهذا قسمٌ آخرُ غيرُ هذا القسمِ الثاني الذي تقدَّمَ. ومنهمْ: مَنْ أُريدَ بهِ ولاءُ الإسلامِ، كالإمامِ محمدِ بنِ إسماعيلَ البخاريِّ، وقيلَ لهُ: الجُعْفِيُّ؛ لأنَّ جدَّهُ كانَ مجوسِيّاً وأسلمَ على يدِ اليمانِ بنِ أخنسَ الجعفيِّ، وكالحسنِ ابنِ عيسى المَاسَرْجِسِيِّ، قيلَ لهُ: مولى ابنِ المباركَ لإسلامِهِ على يديهِ. وربَّما نُسِبَ إلى القبيلةِ مَوْلَى مَوْلاَها، كأبي الحُبَابِ سَعيدِ بنِ يَسَارٍ، قيلَ لهُ: الهاشميُّ؛ لأنَّهُ مولى شُقْرانَ مولى رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. هكذا اقتصرَ ابنُ الصلاحِ على هذا القولِ. وقيلَ: إنَّهُ مولى ميمونةَ زوجِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقيلَ: مولى الحسنِ بنِ عليٍّ، وقيلَ: مولى بني النجارِ. فليسَ حينئذٍ بمولًى لبني هاشِمٍ. ومِنْ هذا القسمِ: عبدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ القُرَشِيُّ الفِهْريُّ المِصْرِيُّ، فإنَّهُ مولى يزيدَ بنِ رمانةَ، ويزيدُ بنُ رمانةَ مولى يزيدَ بنِ أنيسٍ الفِهْرِيِّ، وقد أدخلهُ ابنُ الصلاحِ في أمثلةِ القسمِ الأولِ، وهوَ بهذا أليقُ.

أوطان الرواة وبلدانهم

ثمَّ ذكرَ ابنُ الصلاحِ قِصَّةَ الزُّهريِّ معَ عبدِ الملكِ بنِ مَرْوانَ، وسؤالَهُ عمَّنْ يَسودُ أهلَ مكةَ، ثمَّ اليَمَنَ، ثمَّ مصرَ، ثمَّ الشامَ، ثمَّ الجزيرةَ، ثمَّ خراسانَ، ثمَّ البصرةَ، ثمَّ الكوفةَ، وجوابَ الزهريِّ لهُ، وأنَّ كلَّهم موالٍ إلاَّ الذي بالكوفةِ، وهوَ إبراهيمُ النَّخَعِيُّ، فإنَّهُ منَ العربِ، وقولُ عبدِ الملكِ عندَ ذلكَ: ويلكَ يا زهريُّ فرَّجْتَ عنِّي، واللهِ ليسودَنَّ الموالي على العربِ، حتَّى يُخطَبَ لها على المنابرِ، والعَربُ تحتها، وهذا منْ عبدِ الملكِ، إمَّا فراسةٌ، أو بلَغَهُ منْ أهلِ العلمِ، أو أهلِ الكتابِ، فَاللهُ أعلمُ. أَوْطَانُ الرُّوَاةِ وَبُلْدَانُهُمْ 997.... وَضَاعَتِ الأَنْسَابُ في البُلْدَانِ ... فَنُسِبَ الأَكْثَرُ لِلأَوْطَانِ 998.... وَإنْ يَكُنْ في بَلْدَتَيْنِ سَكَنَا ... فَابْدَأْ بِالاوْلَى وَبِثُمَّ حَسُنَا 999.... وَإنْ يَكُنْ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ بَلْدَةِ ... يُنْسَبْ لِكُلٍّ وَإلَى النَّاحِيَةِ ممَّا يحتاجُ إليهِ أهلُ الحديثِ، معرفةُ أوطانِ الرواةِ وبلدانهم، فإنَّ ذلكَ ربَّما ميزَ بينَ الاسمينِ المتفقينِ في اللفظِ، فيُنظرُ في شيخِهِ وتلميذِهِ الذي روى عنهُ، فربَّما كانا - أو

أحدهما - من بلدِ أحدِ المتفقَيْنِ في الاسمِ، فيغلبُ على الظنِّ أنَّ بلديهما هوَ المذكورُ في السندِ، لا سيما إذا لَمْ يُعرفُ لهُ سماعٌ بغيرِ بلدِهِ. وأيضاً ربَّما اسْتُدِلَّ بِذِكْرِ وطنِ الشيخِ، أو ذكرِ مكانِ السماعِ على الإرسالِ بينَ الراوِيَيْنِ إذا لَمْ يُعرفْ لهما اجتماعٌ عندَ مَنْ لا يكتفي بالمعاصرةِ. وسمعتُ شيخَنَا الحافظَ أبا محمدٍ عبدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أبي بكرٍ القرشيَّ، يقولُ غيرَ مرةٍ: كنتُ أسمعُ بقراءةِ الحافظِ أبي الحجَّاجِ المزيِّ كتابَ " عملِ اليومِ والليلة " للحسنِ بنِ عليِّ بنِ شبيبٍ المعمريِّ، فمرَّ حديثٌ من روايةِ يونسَ بنِ مُحَمَّدٍ المؤدِّبِ، عنْ الليثِ بنِ سعدٍ، فقلتُ للمزيِّ: في أينَ سَمِعَ يونسُ منَ الليثِ؟ فقالَ: لَعلَّهُ سَمِعَ منهُ في الحجِّ، ثمَّ استمرَّ في القراءةِ، ثمَّ قالَ: لا الليثُ ذهبَ في الرُّسَيْلَةِ إلى بغدادَ فَسَمِعَ منهُ هناكَ. انتهى. وإنما حدَثَ للعربِ الانتسابُ إلى البلادِ والأوطانِ لما غلبَ عليها سكنى القرى، والمدائنِ، وضاعَ كثيرٌ منْ أنسابها، فلمْ يبقَ لها غيرُ الانتسابِ إلى البلدانِ، وقدْ كانتْ العربُ تنسبُ قبلَ ذلكَ إلى القبائلِ، فمنْ سَكَنَ في بلدتينِ، وأرادَ الانتسابَ إليهما فَليبدأْ بالبلدِ الذي سكنها أولاً، ثمَّ بالثانيةِ التي انتقلَ إليها، وحَسَنٌ أنْ يأتيَ بـ (ثمَّ) في النسبِ للبلدةِ الثانيةِ، فيقولُ مثلاً: المِصْرِيُّ ثمَّ الدِّمَشْقِيُّ. ومَنْ كانَ مِنْ أهلِ قريةٍ منْ قرى بلدةٍ، فجائزٌ أنْ ينسبَ إِلَى القريةِ، وإلى البلدةِ أيضاً، وإلى الناحيةِ الَّتِي مِنْهَا تلكَ البلدةُ، فمَنْ هوَ؟ مِنْ أهلِ داريا مثلاً، أنْ يقولَ في نسبهِ: الداريُّ، والدِّمشقيُّ، والشاميُّ، فإنْ أرادَ الجمعَ بينها، فليبدأْ بالأعمِّ، فيقولَ: الشاميُّ الدمشقيُّ الداريُّ.

خاتمة المصنف

1000.... وَكَمُلَتْ بِطِيْبَةَ المَيْمُوْنَهْ ... فَبَرَزَتْ مِنْ خِدْرِهَا مَصُوْنَهْ 1001.... فَرَبُّنَا المَحْمُودُ وَالمَشْكُوْرُ ... إِلَيْهِ مِنَّا تَرْجِعُ الأُمُوْرُ 1002.... وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ ... عَلَى النَّبِيِّ سَيِّدِ الأَنَامِ أي: كَمَلَتْ هذهِ الأُرجوزةُ بطيبةَ - مدينةِ سيدِنا رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانَ الفراغُ منها: يومَ الخميسِ ثالثِ جمادى الآخرةِ، سنةَ ثمانٍ وستينَ وسبعمائةٍ، وكانَ أوَّلُ بروزها إلى الخارجِ بالمدينةِ الشريفةِ على ساكنها أفضلِ الصلاةِ والسلامِ، وكَمُلَ هذا الشرحُ عليها في يومِ السبتِ التاسعِ والعشرينَ، في شهرِ رمضانَ المعظَّمِ قدرُهُ، سنةَ إحدى وسبعينَ وسبعمائةٍ، بالخانقاه الطَّشْتَمَريةِ خارجِ القاهرةِ المحروسةِ. وأجزْتُ لكلِّ مَنْ سَمِعَ منِّيَ الأُرجوزةَ المذكورةَ، أو بعضها أنْ يرويَ عنِّي جميعَ هذا الشرحِ عليها، وجميعَ ما يجوزُ لي وعنِّي روايتُهُ.

§1/1