شرح البيقونية - محمد حسن عبد الغفار

محمد حسن عبد الغفار

مدخل إلى علم المصطلح

شرح المنظومة البيقونية - مدخل إلى علم المصطلح علم الحديث من أشرف العلوم، وهو أنواع كثيرة فصلها أهل العلم، ومعرفة علومه من أهم ما يجب على طالب العلم، حتى يعرف الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، ويعرف أنواع الأسانيد، ومراتب الرواة، وكيفية التحمل والأداء، وغير ذلك مما يدرس في علم مصطلح الحديث.

شرف علم الحديث

شرف علم الحديث إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب، الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فنبدأ في شرح المنظومة البيقونية للشيخ طه بن محمد البيقوني. قال الناظم رحمه الله: [أبدأ بالحمد مصلياً على محمد خير نبي أرسلا وذي من اقسام الحديث عده وكل واحد أتى وحده أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله] علم الحديث علم شريف، قال علماؤنا: أشرف الناس على الإطلاق هم الذين يكثرون من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم أهل الحديث، فما من كتابة حديث أو إلقاء حديث أو إملاء حديث إلا وهم يصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي مرة صلى الله بها عليه عشراً). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، قال بعض العلماء: هم أهل الحديث، وهم الطائفة المنصورة، وهم الذين يرفع الله ذكرهم. والحديث له إسناد ومتن، فمثلاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، هذا متن وله إسناد. فعلم الحديث علم دراية ورواية، فعلم الرواية هو علم الإسناد؛ ينظرون في إسناد الحديث من المصنف إلى الصحابي، مثلاً يروي البخاري عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر. فهذه سلسلة الإسناد يعتني بها أهل الحديث، وبينوا في علم الرجال حال الرواة من التوثيق والتضعيف حتى يحفظوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم. والإسناد خصيصة فاضلة لهذه الأمة وليست لغيرها من الأمم السابقة؛ لأن له قيمة كبرى في دين الله عز وجل، ولهذا سميت الأمة الإسلامية بأمة الإسناد، ولا تجد أمة من الأمم لها إسناد، ولا يروون كتابهم عن نبيهم بإسناد متصل، فمثلاً الإنجيل إسناده منقطع بعدة قرون بين الذي يروي الإنجيل وبين عيسى عليه السلام، وكذلك موسى عليه السلام.

جهود علماء الحديث في حفظ السنة

جهود علماء الحديث في حفظ السنة إن الله امتن على هذه الأمة بأن خلق جهابذة يعيشون لهذه السنة ويحفظونها، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، فكانوا يعتنون بالرجال الذين يروون حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من أنفق كل ماله، ومنهم من أنفق عمره وجهده، وأسهر ليله، وأتعب نفسه من أجل هذا الإسناد. فمثلاً يحيى بن معين كان رجلاً فاضلاً فحلاً في علم الأسانيد وعلم النقد والرجال، كان يمتلك ألف ألف درهم أو ألف ألف دينار فأنفقها عن بكرة أبيها في علم الإسناد، وكان يجوب مشارق البلاد ومغاربها حتى ينقي حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلم من الثقة الذي يأخذ منه الحديث ومن الضعيف الذي لا يأخذ منه الحديث. ومن ذلك القصة المشهورة عن البخاري عندما دخل بغداد، وهذه القصة قال الحافظ ابن حجر: إسنادها فيه كلام، لكن هذه القصة تبين لك أن المحدثين كانوا يعتنون جداً بضبط المحدث وعدالة المحدث. لما دخل البخاري عليهم قلبوا له الأسانيد والمتون في مائة حديث؛ يأخذون إسناد الحديث الأول ويجعلونه لمتن الثاني، ومتن الثاني يجعلونه في إسناد الأول إلى آخر المائة حديث، والتف الناس حول البخاري يسمعون عنه، فصيته قد وصل إليهم، فوقف أمامهم وكل منهم يسرد عليه عشرة أحاديث، والبخاري في كل حديث يقول: هذا الحديث لا أعرفه، فقال الأغرار الأغمار الذين لا يعرفون عن العلم شيئاً: هذا البخاري من أجهل الناس، ما من حديث يمر عليه إلا ويقول: لا أعرفه! ثم بعدما انتهت المائة قال البخاري: انتهيتم؟ قالوا: نعم، فقال للأول: أما أحاديثك فالأسانيد كذا والمتون كذا، فأخذ متون هذه الأسانيد فركبها تركيباً صحيحاً، ثم أخذ العشرة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة، إلى تمام المائة. قال الحافظ ابن حجر: ليس العجب من أن البخاري يعلم بأن الأحاديث مركبة في غير أسانيدها؛ لأن له حافظة قوية، وإنما العجب كل العجب أن يحفظ العشرة الأولى والعشرة الثانية والثالثة إلى تمام المائة، ثم يأتي بالمتون الصحيحة فيركبها على الأسانيد الصحيحة!! وقد كان دأب المحدثين اختبار المحدث في ضبطه وإتقانه، من ذلك أن يحيى بن معين عندما دخل على الفضل بن دكين وهو ثقة ثبت حافظ، فسأله يحيى عن بعض الأحاديث، فكان يسرد الأحاديث فانتبه وقال: أدخل علي في حديث، ثم وقف فنظر إلى أحمد بن حنبل فقال له: أنت أورع من أن تفعل ذلك، ثم نظر إلى يحيى بن معين فرفسه برجله فألقاه في الأرض وقال: أنت تجرؤ على ذلك، فلما لامه أحمد بن حنبل قال: دع قولك، والله لرفسته عندي أفضل من مائة حديث أحفظه؛ لأنه تأكد أن هذا جهبذ يحفظ للأمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم. وللمحدثين طرق يعدلون بها الراوي أو يضعفونه، منها أن ينظروا إلى حفظ الراوي، فأنفقوا الغالي والنفيس من أجل حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم أبو حاتم وأبو زرعة الرازي وعلي بن المديني ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وشعبة، فهؤلاء وغيرهم اهتموا جداً بعلم الحديث، وصنفوا في ذلك كتب الجرح والتعديل. فـ علي بن المديني صنف كتباً في علل الحديث، وابن القطان أيضاً له كلام في الجرح والتعديل، وصنف أبو زرعة، وصنف ابن أبي حاتم، ونقل أقوال أبي زرعة وأقوال أبيه أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل، والبخاري صنف كتاب التاريخ الكبير وكتاب التاريخ الصغير. فكانوا يهتمون برجال الإسناد، وكانوا يقولون: سموا لنا رجالكم، حتى نرى هل هذا الحديث يمكن أن ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم أم لا. قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقال ابن سيرين: كانوا في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد؛ لكي يأخذوا أحاديث أهل السنة ويتركوا أحاديث أهل البدعة. وقد بذل المحدثون غاية الجهد في تتبع الأسانيد وتقصيها حتى رحلوا من أجلها في البلاد، وجابوا الآفاق لكي يعثروا على الإسناد، وقد لاقوا المشاق والمصاعب في هذه الرحلات. قال الإمام النووي: علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا، ومن حرمه فقد حرم خيراً كثيراً، ومن رزقه الله هذا العلم فقد نال فضلاً جزيلاً.

تدوين السنة النبوية

تدوين السنة النبوية إن الله امتن على هذه الأمة بأن خلق جهابذة يعيشون لهذه السنة ويحفظونها، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، فكانوا يعتنون بالرجال الذين يروون حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من أنفق كل ماله، ومنهم من أنفق عمره وجهده، وأسهر ليله، وأتعب نفسه من أجل هذا الإسناد. فمثلاً يحيى بن معين كان رجلاً فاضلاً فحلاً في علم الأسانيد وعلم النقد والرجال، كان يمتلك ألف ألف درهم أو ألف ألف دينار فأنفقها عن بكرة أبيها في علم الإسناد، وكان يجوب مشارق البلاد ومغاربها حتى ينقي حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلم من الثقة الذي يأخذ منه الحديث ومن الضعيف الذي لا يأخذ منه الحديث. ومن ذلك القصة المشهورة عن البخاري عندما دخل بغداد، وهذه القصة قال الحافظ ابن حجر: إسنادها فيه كلام، لكن هذه القصة تبين لك أن المحدثين كانوا يعتنون جداً بضبط المحدث وعدالة المحدث. لما دخل البخاري عليهم قلبوا له الأسانيد والمتون في مائة حديث؛ يأخذون إسناد الحديث الأول ويجعلونه لمتن الثاني، ومتن الثاني يجعلونه في إسناد الأول إلى آخر المائة حديث، والتف الناس حول البخاري يسمعون عنه، فصيته قد وصل إليهم، فوقف أمامهم وكل منهم يسرد عليه عشرة أحاديث، والبخاري في كل حديث يقول: هذا الحديث لا أعرفه، فقال الأغرار الأغمار الذين لا يعرفون عن العلم شيئاً: هذا البخاري من أجهل الناس، ما من حديث يمر عليه إلا ويقول: لا أعرفه! ثم بعدما انتهت المائة قال البخاري: انتهيتم؟ قالوا: نعم، فقال للأول: أما أحاديثك فالأسانيد كذا والمتون كذا، فأخذ متون هذه الأسانيد فركبها تركيباً صحيحاً، ثم أخذ العشرة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة، إلى تمام المائة. قال الحافظ ابن حجر: ليس العجب من أن البخاري يعلم بأن الأحاديث مركبة في غير أسانيدها؛ لأن له حافظة قوية، وإنما العجب كل العجب أن يحفظ العشرة الأولى والعشرة الثانية والثالثة إلى تمام المائة، ثم يأتي بالمتون الصحيحة فيركبها على الأسانيد الصحيحة!! وقد كان دأب المحدثين اختبار المحدث في ضبطه وإتقانه، من ذلك أن يحيى بن معين عندما دخل على الفضل بن دكين وهو ثقة ثبت حافظ، فسأله يحيى عن بعض الأحاديث، فكان يسرد الأحاديث فانتبه وقال: أدخل علي في حديث، ثم وقف فنظر إلى أحمد بن حنبل فقال له: أنت أورع من أن تفعل ذلك، ثم نظر إلى يحيى بن معين فرفسه برجله فألقاه في الأرض وقال: أنت تجرؤ على ذلك، فلما لامه أحمد بن حنبل قال: دع قولك، والله لرفسته عندي أفضل من مائة حديث أحفظه؛ لأنه تأكد أن هذا جهبذ يحفظ للأمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم. وللمحدثين طرق يعدلون بها الراوي أو يضعفونه، منها أن ينظروا إلى حفظ الراوي، فأنفقوا الغالي والنفيس من أجل حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم أبو حاتم وأبو زرعة الرازي وعلي بن المديني ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وشعبة، فهؤلاء وغيرهم اهتموا جداً بعلم الحديث، وصنفوا في ذلك كتب الجرح والتعديل. فـ علي بن المديني صنف كتباً في علل الحديث، وابن القطان أيضاً له كلام في الجرح والتعديل، وصنف أبو زرعة، وصنف ابن أبي حاتم، ونقل أقوال أبي زرعة وأقوال أبيه أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل، والبخاري صنف كتاب التاريخ الكبير وكتاب التاريخ الصغير. فكانوا يهتمون برجال الإسناد، وكانوا يقولون: سموا لنا رجالكم، حتى نرى هل هذا الحديث يمكن أن ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم أم لا. قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقال ابن سيرين: كانوا في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد؛ لكي يأخذوا أحاديث أهل السنة ويتركوا أحاديث أهل البدعة. وقد بذل المحدثون غاية الجهد في تتبع الأسانيد وتقصيها حتى رحلوا من أجلها في البلاد، وجابوا الآفاق لكي يعثروا على الإسناد، وقد لاقوا المشاق والمصاعب في هذه الرحلات. قال الإمام النووي: علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا، ومن حرمه فقد حرم خيراً كثيراً، ومن رزقه الله هذا العلم فقد نال فضلاً جزيلاً.

أول من دون السنة النبوية

أول من دون السنة النبوية أول من اعتنى بجمع الأحاديث النبوية وتدوين الأحاديث محمد بن مسلم الزهري، وكان بحراً في العلوم ثقة، لكن قال العلماء: كان مدلساً، وهذا التدليس الذي نسب للزهري من المرتبة الثانية، وهي طبقة المكثرين؛ لأن الإمام الزهري كان واسع العلم في الحديث، ولما اتهم بالتدليس قال العلماء: هذا التدليس يغتفر في كثرة أحاديثه، فهو أول من دون الأحاديث بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز.

نبذة مختصرة عن أهم دواوين السنة

نبذة مختصرة عن أهم دواوين السنة الكتب الستة هي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة. والكتب التسعة هي الستة السابقة مع الموطأ ثم المسند ثم سنن الدارمي، ويجمع الكتب التسعة كتاب يساعد المرء على تخريج الأحاديث، وهو كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي. وكتاب البخاري يسمى الجامع الصحيح، وصحيح مسلم اسمه الجامع الصحيح المسند، وسنن الترمذي اشتهر على ألسنة الناس تسميته بالسنن، واسمه الحقيقي الجامع الصحيح، والبقية تسمى سنناً: وهي سنن ابن ماجة وسنن النسائي، وسنن أبي داود. وترتيبها في الصحة: البخاري ثم مسلم، خلافاً للمغاربة الذي يقدمون مسلماً على البخاري، ثم سنن أبي داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجة. قال العلماء: مراتب الصحة كالتالي: ما اتفق عليه الشيخان، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما كان على شرطهما -شرط البخاري ومسلم -، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، ثم ما كان في السنن الأربع. وسنن أبي داود تقدم على سنن الترمذي، مع أن سنن أبي داود اهتمت بأحاديث الأحكام، وليس فيها أحاديث الفضائل والزهد، وسنن أبي داود تجمع الصحيح والحسن والضعيف. لكن هناك نكتة في كتاب سنن أبي داود، وهي الأحاديث التي سكت عنها، فـ النووي يعتمد على سكوت أبي داود ويجعله تصحيحاً لما سكت عنه، والصحيح الراجح أن سكوت أبي داود ليس تصحيحاً للحديث، بل لا بد أن يبحث في الأحاديث التي سكت عنها ليحكم عليها بالصحة أو الضعف. وبعده سنن الترمذي، فقد اهتم الترمذي كثيراً بالعلل؛ لأنه كان تلميذاً للبخاري، والبخاري كان أقوى الناس في مسألة العلل، واستفاد ذلك من شيخه علي بن المديني، فكان الترمذي يأخذ منه هذا العلم؛ ولذلك ترى شرح علل الترمذي لـ ابن رجب مستقى من هذا الكتاب. وأما النسائي فإنه يأتي بالأسانيد الكثيرة؛ والباحث الذي يريد أن يبحث عن أسانيد كثيرة يجدها في سنن النسائي. أما سنن ابن ماجة فهو أقل السنن الأربع مرتبة على الإطلاق؛ لكثرة الأحاديث الضعيفة فيه كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية. أما الموطأ للإمام مالك فقد قال فيه الشافعي: أصح كتاب بعد كتاب الله هو موطأ الإمام مالك، وهو كتاب عظيم جليل لكن فيه بلاغات، والبلاغ هو إسقاط السند فيروي عن ابن عباس أو عن أبي هريرة أو عن نافع، فيقول: بلغني عن نافع، بلغني عن ابن عباس، بلغني عن أبي هريرة، ولا يذكر الإسناد، وهذه البلاغات ضعيفة إلا إذا نظرنا إلى الإسناد فنحكم عليه بالصحة أو الضعف. وتوجيه قول الشافعي: أصح كتاب بعد كتاب الله هو موطأ الإمام مالك، أن الشافعي من طبقة شيوخ الإمام البخاري، فلم يصنف الإمام البخاري كتابه في حياة الشافعي. ومسند الإمام أحمد بن حنبل من أجمع الكتب للمسانيد، بدأ فيه بمسند أبي بكر ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم بعد ذلك مسانيد الصحابة، قال أحمد لابنه عبد الله: إن هذا الكتاب سيكون مصدراً يرجع إليه الناس في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان ذلك، لكن أخذ عليه بعض العلماء أن فيه أحاديث موضوعة، وقد ذكرها ابن الجوزي، ورد عليه ابن حجر في كتاب الذب المسدد عن المسند، والصحيح أن فيه الصحيح والحسن والضعيف، ويغلب عليه الصحة والحسن، والمسند فيه كثير من الأحاديث الصحيحة والحسنة، وفيه أيضاً بعض الأحاديث الضعيفة. وسنن الدارمي فيه الصحيح والحسن والضعيف، ويغلب عليه الحسن والضعيف.

الرد على من يطعن في صحيحي البخاري ومسلم

الرد على من يطعن في صحيحي البخاري ومسلم أصح الكتب بعد كتاب الله جل في علاه هما صحيحا البخاري ومسلم، وقد خرج بعض الرعاع الذين لا يعرفون من دين الله شيئاً، يهرفون بما لا يعرفون، وصاروا يطعنون في الجبال التي نستند عليها، يطعنون في البخاري، ويطعنون في مسلم، ويقولون: صحيح البخاري مليء بالأحاديث الضعيفة، ومسلم مليء بالأحاديث الضعيفة. وبعضهم متنطع أخرج خمسة وعشرين حديثاً زعم أنها موضوعة وهي في صحيح البخاري، وذكر من ذلك حديث أم حرام أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يدخل على أم حرام فتفلي رأسه)، قال هذا المتنطع: النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه أنه نهى عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، فكيف يخلو بالمرأة الأجنبية؟! والأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن لمس المرأة الأجنبية وقال: (لأن يطعن أحدكم بمخيط في رأسه خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)، وقد مسته هذه المرأة، فكيف نصحح هذا الحديث؟! أيضاً رد حديث لطم موسى لملك الموت، وقال: هو حديث ضعيف جداً؛ لأن موسى لا يستطيع أن يجابه قوة ملك الموت ويلطمه على وجهه. أيضاً رد أهل البدع حديث الرؤية، ردوه إما بالتأويل وإما بالتضعيف، فهؤلاء خرجوا علينا ليطعنوا في الأسس والثوابت وهي كتب الصحاح وكتب السنن، فكيف نرد عليهم إن لم نعلم هذه الدرجات، ونعلم أن صحيح البخاري هو أصح الكتب بعد كتاب الله جل في علاه؟! منذ مدة قريبة كان الناس يقسمون بـ البخاري، ويحسبونه قرآناً، فعندما يأتي هذا ليهدم علينا هذا الأصل فمعناه أنه لا هوية إسلامية عندنا، ولا قوة لنا في استدلالنا، وهذا يعني أن نرجع إلى القرآنيين ولا نأخذ بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم خالد الجندي قال: البخاري يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة في سن السادسة، وأنا عندي عقل يقبل ويرد، فهذا الحديث لا يمكن أن يقبل، ولا يمكن أن يكون صحيحاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم الشفوق الرحيم بالأمة لا يمكن أن يتزوج طفلة عمرها ست سنوات! فإذا لم تتعرفوا على هذه الكتب كيف ستردون على هؤلاء المبتدعة الذي تمكنوا الآن، وهم يضربون السنة في قلبها بتضعيف أحاديث في البخاري أو في مسلم.

مصطلحات حديثية

مصطلحات حديثية

الحديث النبوي

الحديث النبوي الحديث النبوي هو كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو صفة خلقية. مثال القول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). مثال الفعل: وصف عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (توضأ فغسل يديه ثلاثاً، ثم مضمض واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاثاً)، وهذا الحديث متفق عليه، وفيه أنه مسح رأسه، وجاءت رواية أنه مسح رأسه ثلاثاً، والصحيح أنها ليست بشاذة، فيصح مسح الرأس ثلاثاً. ومعنى التقرير: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لصحابي يراه يفعل شيئاً أو يقول شيئاً، مثاله ما في سنن أبي داود بسند صحيح أن عمار بن ياسر وعباد بن بشر كانا مرابطين، فنام عمار وقام عباد بن بشر يصلي الليل، فضربه كافر بسهم فجعل جرحه يثعب دماً ولم يقطع الصلاة، ولم يوقظ عمار بن ياسر حتى انتهى من صلاته، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه القصة، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة عباد بن بشر وهو يثعب دماً. فهذه سنة تقريرية، حيث قرر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة مع وجود الدماء، وهذه مسألة خلافية فقهية، لكن هذا الحديث فاصل في النزاع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما أنكر عليه، بل أقره على ذلك. ومثال الصفة الخلقية حديث أنس رضي الله وأرضاه: (نظرت إلى وجه النبي ونظرت إلى القمر، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل من القمر). وكما وصف علي بن أبي طالب رسول الله فقال: (كان أكحل العينين، وكان ربعة؛ ليس بالطويل البائن، وليس بالقصير). ومثال الصفة الخُلقية: سئلت عائشة رضي الله عنها وأرضاها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خلقه القرآن).

السند

السند السند لغة: المعتمد، وسمي إسناد الحديث بذلك لأن الحديث يستند إليه ويعتمد عليه، لأن الإنسان لا يستطيع أن يقول حديثاً إلا بنقل السند. نقل عن الزهري بسند صحيح أنه كان إذا حدث بالحديث قال: حدثني فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لا أحدث بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بسند، لا أستطيع أن أرتقي السطح إلا بالدرج، والسطح هو المتن، والدرج هو السند.

المتن

المتن المتن لغة: ما ارتفع من الأرض. واصطلاحاً: ما ينتهي إليه السند من الكلام، مثاله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، فهذا حكم من الأحكام النبوية أنه لا يجوز لغير المتوضئ أن يمس القرآن، فهذا هو المتن. فالمتن هو القول الذي خرج من فم النبي صلى الله عليه وسلم.

المسند

المسنَد المسنَد لغة: اسم مفعول من أسند الشيء إليه، بمعنى عزاه ونسبه إليه. واصطلاحاً: له تعريفات ثلاثة: التعريف الأول: كل كتاب جمع فيه مرويات كل صحابي على حدة، مثل مسند أحمد ابتدأه بمسند أبي بكر. الثاني: الحديث المرفوع، فيطلق على الحديث الذي اتصل سنده، سواء كان قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفة خلقية أو صفة خلقية. وهذا وصف زائد، يعني: كل تلميذ حدث عن شيخه بقوله: سمعت أو حدثني، مثاله: قال مالك: حدثني نافع، حدثني ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. هذا معنى اتصال السند. مثال آخر: قال مالك: حدثني الزهري، حدثني أنس، حدثني النبي صلى الله عليه وسلم. فهذه سلسلة الإسناد المتصلة. التعريف الثالث للمسند: أن يراد به السند نفسه، أي سلسلة رجال السند، مثلاً: البخاري يروي الرباعيات عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأعلى شيء عند البخاري الثلاثيات، وتوجد رسالة مطبوعة فيها ثلاثيات البخاري.

المسند

المسنِد المسنِد بالكسر اسم فاعل، وهو من يروي الحديث بسنده، سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد الرواية، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها).

المحدث

المحدث المحدث، مثل محدث ديار الشام الألباني، ومفخرة المصريين المحدث أحمد شاكر، فما معنى المحدث في الاصطلاح؟ المحدث هو: من تضلع في علم الحديث رواية ودراية، وما علمه من السنة أكثر مما غاب عنه.

الحافظ

الحافظ الحافظ قيل: هو مرادف للمحدث، أي: من تضلع في علم الحديث دراية ورواية، وما علمه أكثر مما غاب عنه. وعند أهل التحقيق أنه أرفع درجة من المحدث، بحيث يكون ما يعرفه في كل طبقة أكثر بكثير مما يجهله.

الحاكم

الحاكم الحاكم: هو من أحاط علماً بجميع الأحاديث حتى لا يفوته منها إلا اليسير، وهذه يمكن أن تطلق على الإمام الألباني، وما أحد أطلق عليه ذلك، ونحن نقول: حق له أن يطلق عليه هذا الوصف. فالحاكم أكثر اطلاعاً من المحدث ومن الحافظ، ويمكن أن يوصف ابن حجر بالحاكم، وكذلك ابن تيمية يمكن أن يطلق عليه ذلك، والذهبي في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية قال فيه: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث!

لقب أمير المؤمنين في الحديث

لقب أمير المؤمنين في الحديث لقب أمير المؤمنين في الحديث أطلق على شعبة وسفيان الثوري يقدم على شعبة. وأمير المؤمنين في الحديث لا بد أن يكون ضابطاً ثقة ثبتاً في الجرح والتعديل، ولا يقال: أمير المؤمنين في الحديث إلا أن يجتمع فيه وصفان: الوصف الأول: سعة الحفظ والاطلاع. الوصف الثاني: أن يكون ناقداً قوياً ثبتاً في الجرح والتعديل، وهذا الوصف ما قيل إلا في شعبة والثوري، وهما في طبقة واحدة.

الثلاثيات والرباعيات

الثلاثيات والرباعيات كتب السنة فيها الثلاثيات وفيها الرباعيات. فالثلاثيات في البخاري، والرباعيات في سنن أبي داود وسنن ابن ماجة فقط، والترمذي ليس فيه غير حديث واحد رباعي، ومسلم فيه رباعيات، وليس فيه ثلاثيات. وفي سنن ابن ماجة ثلاثيات، لكنها كلها بأسانيد ضعيفة، وهذا الذي يميز البخاري عن غيره، فثلاثياته كلها صحاح، ورباعيات أبي داود فيها الضعيف وفيها الحسن.

المقدمة

شرح المنظومة البيقونية - المقدمة اختلف العلماء في تعريف الأثر والخبر، وفي علاقتهما بالحديث الذي أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالأثر والحديث -على قول بعض أهل العلم- بينهما عموم وخصوص، فكل حديث أثر لا العكس، وأما الخبر فيأتي عاماً على تعريف عند العلماء، ويأتي مرادفاً للحديث في تعريف آخر.

الفرق بين الحديث والأثر والخبر

الفرق بين الحديث والأثر والخبر

تعريف الأثر وعلاقته بالحديث

تعريف الأثر وعلاقته بالحديث إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: إخوتي الكرام! انتهينا في التعريفات إلى تعريف الأثر والخبر، فالأثر: بقية الشيء، وله عند علماء الحديث تعريفان: التعريف الأول: كتعريف الحديث. والتعريف الثاني: هو كل ما جاء عن غير النبي صلى الله عليه وسلم. فالتعريف الأول كتعريف الحديث، بمعنى أن الأثر: هو كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة وغيره. (وغيره) يعني: سواء نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو نسب إلى أبي بكر أو عمر. ولو قلنا بهذا التعريف الأول لكانت علاقته بالحديث علاقة عموم وخصوص، يعني: أن كل حديث أثر وليس كل حديث أثراً. والتعريف الثاني: الأثر: كل ما نسب أو أضيف إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم من صحابي أو تابعي أو تابع تابعي، فيدخل في ذلك الموقوف والمقطوع، فمثلاً: قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: لا يكن أحدكم إمعة؛ إذا أصلح الناس أصلح، وإذا أفسد الناس أفسد، وليوطن نفسه، إذا أصلح الناس أصلح، وإذا أفسد الناس أصلح. فهنا نقول: جاء في الأثر عن ابن مسعود. وجاء في الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. والفرق بين الأثر والحديث على التعريف الأول للأثر أن ما جاء عن رسول الله يسمى أثراً وهو حديث مرفوع، وما جاء عن ابن مسعود يسمى أثراً لكنه موقوف وليس مرفوعاً، وأيضاً يقال: جاء في الأثر عن سعيد بن المسيب، فالأثر يدخل تحته حديث مرفوع وموقوف ومقطوع، هذا التعريف الأول. أهل التعريف الثاني قالوا: لا، نختصر، فكل ما جاء عن غير النبي يسمى أثراً، وكل ما أضيف إلى النبي يسمى حديثاً. إذاً: على هذا إذا قلت: قال علي بن أبي طالب، نقول: جاء في الأثر عن علي، جاء في الأثر عن ابن مسعود. فمثلاً: قال علي بن أبي طالب: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله. فهذا نقول: جاء في الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه. وروى مسلم عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: لا ينال هذا العلم براحة الجسد. نقول: قد جاء في الأثر عن يحيى بن أبي كثير. فهذا تعريف الأثر.

تعريف الخبر وعلاقته بالحديث

تعريف الخبر وعلاقته بالحديث والخبر له ثلاثة تعريفات: الخبر في اللغة بمعنى: النبأ. وهو في الاصطلاح بمعنى الحديث؛ يعني: كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسمى خبراً. وقيل: بل هو كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن غيره، فأصبح هنا الخبر أعم من الحديث، إذاً كل حديث خبر لا العكس. التعريف الثالث: الخبر كل ما جاء عن غير النبي صلى الله عليه وسلم فينزل بذلك تعريفه إلى الأثر، ولا مشاحة في الاصطلاح.

تعريف الحديث الصحيح

تعريف الحديث الصحيح تعريف الحديث الصحيح: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية، واستجمع خمسة شروط: الشرط الأول: اتصال السند. الشرط الثاني: عدالة الرواة. الشرط الثالث: ضبط الرواة. الشرط الرابع: من غير شذوذ. الشرط الخامس: من غير علة. فعلم الحديث علم شريف يبحث في قواعد وضوابط الإسناد، أي: سلسلة الإسناد والمتن. أثره: تنقيح السنة المحمدية من غير المحمدية، أي: التمييز بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وبين قول غير النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح استهلال نظم البيقونية

شرح استهلال نظم البيقونية

أقوال العلماء في كون البسملة من القرآن

أقوال العلماء في كون البسملة من القرآن أولاً: الناظم قبل أن يبدأ في نظمه قال: [بسم الله الرحمن الرحيم]. وهذا من ورائع البيان! يبتدئ باسم الله جل في علاه اقتداء بكتاب الله، واقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم. أما بكتاب الله فقد بدأ الله كتابه بالبسملة، وقد اختلف العلماء هل هي آية من كل سورة، أم هي آية من الفاتحة فقط، أم هي آية مستقلة تفصل بين السور على أقوال ثلاثة؟ القول الأول: قول الشافعية، قالوا: بأن البسملة آية من الفاتحة وآية من كل سورة، واستدلوا على ذلك بأدلة سنبينها بإيجاز. القول الثاني: قول الأحناف، قالوا: البسملة آية مستقلة تفصل بين السور. القول الثالث: قول المالكية، قالوا: هي آية من سورة النمل، وهذا بالاتفاق، وأيضاً آية مستقلة تفصل بين السور دون سورة براءة. الأدلة على ذلك: أما أدلة الشافعية: فقالوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الفاتحة هي السبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها) أو قال (إحدى آياتها)، فدل بالتصريح من قول النبي أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من سورة الفاتحة. كذلك يستدلون بأن الله جل في علاه أنزل بسم الله الرحمن الرحيم وقرأ القارئ الآيات وفصل بين السور ببسم الله الرحمن الرحيم. أما المالكية والحنفية فاستدلوا بقول ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: إن الله أنزل البسملة يفصل بها بين السور، وهي آية في سورة النمل. والقول الوسط الصحيح الراجح أن البسملة آية من الفاتحة يجب على كل مصل أن يقرأ هذه البسملة، ومن لم يقرأ البسملة في ركعة من الركعات فعليه أن يعيد هذه الركعة، فهي آية من الفاتحة، وهي آية مستقلة تفصل بين السور، وهذا هو الراجح الصحيح. فالناظم بدأ بالبسملة اقتداءً بكتاب الله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى أحد يدعوه إلى الإسلام إلا وهو يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى)، فكان يصدر الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم، (وفي صلح الحديبية أيضاً قال لـ علي بن أبي طالب: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم). فهذا الفعل من الناظم اقتداء بكتاب الله وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ثناء الناظم على الله في أول النظم

ثناء الناظم على الله في أول النظم ثم ثنى أدباً مع ربه جل في علاه بالحمد، وهذا أيضاً من الآداب عند كل مصنف، فيبتدئ بالحمد لله جل في علاه، فما من داع يدعو ويريد أن يقبل دعاؤه إلا لا بد أن يصدر دعاءه بالحمد والثناء على الله جل في علاه. وما من خطيب يخطب إلا ويصدر خطبته بالحمد والثناء على الله جل في علاه. وما من عامل يعمل إلا ويستفتح عمله بالحمد والثناء على الله جل في علاه، فتأدب المصنف بأن أثنى على الله جل في علاه، فيحمد الله على أشياء كثيرة، يحمد الله أولاً على طلب العلم، ويحمد الله على إتقان هذا العلم، ويحمده هذا على التصنيف الذي يصنفه، فيخرج للناس مصنفاً يكون مداداً لحسناته فيقرؤه وينتفع به الناس، ولا شيء ينفع المرء في قبره مثل العلم الذي ينتشر بين الناس، فيحمد الله على ذلك. والحمد معناه في اللغة: الثناء. وفي الشرع: الثناء الجميل على الله جل في علاه بنعوت جماله وجلاله! إذاً: الحمد: هو الثناء الحسن على الله أو على صفات الله اللازمة والمتعدية. والفرق بين الحمد والشكر: أن الشكر لا يكون إلا للصفة المتعدية، يعني: للإنعام والإفضال، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة العظيم: (فيقولون: ألا تشفع لنا؟! فأقول: أنا لها أنا لها! فآتي عرش ربي فأسجد، فأحمد الله بمحامد) يعني: أثني على الله ثناءً ما كنت أعلمه، (فأحمد الله بمحامد ما كنت أعلمها، فأحمد الله بها، علمني الله إياها) يعني: وقت السجود، (فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع)، فيثني على الله خيراً. فالثناء على الله جل في علاه هو الحمد، والشكر هو الثناء بمقابلة النعمة التي أجزلها الله لك أو أنعم عليك بها. إذاً: الحمد أعم هنا من الشكر، فالشكر للصفة المتعدية، والحمد للصفة اللازمة والمتعدية، أي أنك تحمد الله جل في علاه على كماله وجلاله، وتحمد الله على إفضاله وإنعامه عليك، أما الشكر فتحمده على إفضاله عليك. وإذا نظرت إلى الآلة وجدت الحمد لا يكون إلا بإقرار القلب واللسان، وأما الشكر فيكون بإقرار القلب، والتلفظ باللسان، والعمل بالجوارح، فهنا يكون الشكر أعم من ناحية الآلة، وقد قال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ:13]، فتأدب المصنف فبدأ مصنفه بالحمد لله جل في علاه.

الصلاة على النبي وفضلها

الصلاة على النبي وفضلها قال المصنف رحمه الله: [أبدأ بالحمد مصلياً على] فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن تثني به، ولذلك لما مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يدعو فحمد الله وما صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجل هذا) أي لا يمكن أن يجاب. ولما جاءه الآخر يقول: (يا رسول الله! أجعل لك ثلث صلاتي؟ قال: خير. قال: أجعل لك شطر صلاتي؟ قال: خير. قال: أجعل لك صلاتي كلها -يعني: دعائي كله صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم- قال: إذاً تكفى همك، ويغفر ذنبك)؛ لأنك ابتدأت بالأدب مع الله بالثناء، ثم بعد ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لها ست صيغ، وأقل هذه الصيغ أن تقول: صلى الله عليه وسلم، فتكون قد أديت الصلاة كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]. وأفضل الصيغ أن تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. واختلف العلماء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هل هي واجبة أم مستحبة؟ والصحيح الراجح في ذلك أنها واجبة؛ لأنها أمر من الله وأمر من النبي صلى الله عليه وسلم استصحبه عقاب إذا لم يفعله العبد. أما أمر الله فقد قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا))، لفظ أمر، والقاعدة عند الأصوليين تقول: الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب، إذاً: فهو يدل على الوجوب، ولم نعلم ما هي القرينة التي صرفته من الوجوب إلى الاستحباب. الدليل الآخر: ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد وارتقى على المنبر فقال: (آمين! آمين! آمين! فلما سئل عن ذلك، قال: أتاني جبريل فقال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصل عليك). ولذلك فأشد الناس قرباً من النبي صلى الله عليه وسلم هم المحدثون، لأنهم من أكثر الناس صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أيضاً: (البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي)، صلى الله عليه وسلم. واختلف العلماء في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على قولين بين جمهور أهل العلم وبين المحققين، أما الجمهور فيرون أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم معناها الرحمة من الله جل في علاه، فهم يقولون: الصلاة من العبد طلب المغفرة، وكذلك الملائكة، والصلاة من الله الرحمة على العبد الذي صلي عليه. والمحققون يرون أن معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الثناء الحسن في الملأ الأعلى، وهذا الراجح الصحيح، كما رواه البخاري عن أبي العالية. فإذا قلت: صلى الله على محمد كأنك تقول: اللهم اثن على محمد في الملأ الأعلى ثناءً حسناً، والدليل على ذلك التفريق في القرآن بين الصلاة وبين الرحمة، قال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:157]، والأصل في العطف المغايرة، فالرحمة تغاير معنى الصلاة إلا إذا دلت قرينة على أنهما شيء واحد. وقيل: جاءت للتأكيد، والصحيح الراجح المغايرة، فالصلاة هي الثناء الحسن من الله في الملأ الأعلى، والرحمة غير الصلاة. قال الناظم: [أبدأ بالحمد مصلياً على محمد خير نبي أرسلا] فذكر أن محمداً خير نبي أرسل، وهذه دلالتها من الكتاب والسنة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم ولا فخر، قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح:29]، وبين صفته العظيمة أنه خاتم النبيين: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40]، وقال الله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]، فما أقسم الله بحياة أحد من خلقه إلا بحياة النبي صلى الله عليه وسلم قال العلماء: دل هذا الأمر على أن أفضل سنين في الدنيا بأسرها هي السنين التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أفضل خلق الله جل في علاه. كذلك يدل على فضله الآية التي أخذ الله فيها الميثاق على النبيين أن يتبعوه، ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني). وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر). وكذلك حديث الشفاعة الذي في الصحيحين أراد الله فيه إعظام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإظهار كرامته ومكانته، حيث يأتي البشر أجمعون إلى رسول الله فيقول: (أنا لها! أنا لها!) فظهرت له السيادة بذلك. كذلك النبي صلى الله عليه وسلم أم بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج، وهذا من الدلالة على السيادة، لكن كيف نرد على هذا الإشكال العظيم عندما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوني على يونس بن متى)، وهو سيد البشر أجمعين؟ قال النووي: ممكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يوحى إليه أنه سيد البشر أجمعين. وهذه الإجابة وإن كانت جيدة لكنها غير مرضية؛ لأنه قال: (لا تفضلوني)، والصحيح أن التفضيل المنفي هنا إذا كان على سبيل التنقيص، يعني: لا تفضلوني وتنتقصوا من قدر يونس بن متى، وهذه الإجابة هي المرضية. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

شروط الحديث الصحيح

شرح المنظومة البيقونية - شروط الحديث الصحيح يشترط في الحديث الصحيح خمسة شروط، وهي: اتصال السند، وعدالة الرواة، وضبطهم، وعدم الشذوذ والعلة، وقد شرح العلماء هذه الشروط وبينوا المقصود منها.

الحديث الصحيح

الحديث الصحيح إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. قال الناظم رحمه الله تعالى: [أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله] كأن المصنف يقول: سأفتتح الكلام على علم الحديث الشريف بالبداية الأولى وهو الكلام على الحديث، إذ مدار المصطلح بأسره على الحديث، يعني: على كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الحديث المرفوع، فكأنه يقول: سأصدر الباب بالأقوى فالأقوى، وأبين لكم مراتب علم الحديث.

شروط الحديث الصحيح

شروط الحديث الصحيح (أولها الصحيح) يعني: الحديث الصحيح، وقد ضبطه المصنف بأكثر من شرط: الشرط الأول: أنه قال: (ما اتصل إسناده). والشرط الثاني قال: (لم يشذ). والشرط الثالث: (ولم يعل). يعني: عطف على (يشذ). والشرط الرابع قال: (يرويه عدل). الشرط الخامس: (ضابط) والضابط لابد أن يشترط فيه تمام الضبط. قوله: (عن مثله) هو شرط الاتصال. فقوله: (معتمد في ضبطه ونقله) عائد على شروط الاتصال. فالشروط عندنا خمسة. وهذا هو الصحيح المعتمد عند علماء الحديث والمحققين أنها خمسة شروط: الشرط الأول: اتصال السند، الثاني: عدالة الرواية، الثالث: ضبط الرواة، الرابع: عدم الشذوذ، الخامس: عدم العلة.

الشرط الأول: اتصال السند

الشرط الأول: اتصال السند ونقول: اتصال السند معناه: إسناده للنبي صلى الله عليه وسلم، يعني: ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون هذا شرطاً في الحديث الصحيح، وعليه فالشرط الأول: أن يرفع للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: أن يكون مرفوعاً ومنسوباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقولنا: اتصال السند يخرج بذلك المنقطع، وهو ما انقطع من أحد طبقات السند راو واحد. وخرج المعضل وهو ما سقط من أحد طبقات السند راويان على التتابع أو التوالي. وخرج أيضاً المعلق، وهو أن يسقط رجال من أول السند. وخرج المرسل وهو ما سقط فيه رجال من مؤخرة السند. فالاتصال معناه: رواية التلميذ مباشرة عن الشيخ سماعاً بالأذن، أو وجادة، أو كتابة، يقرأ عليه الحديث أو هو يقرأ على المحدث، والمقصود أن اتصال السند لا يكون إلا من التلميذ الذي يروي سماعاً من شيخه. فمثلاً: مالك يقول: حدثني نافع، ونافع يقول: حدثني ابن عمر. مثال آخر: حماد بن زيد يقول: حدثني ثابت البناني حدثني أنس. فمثلاً: إذا جاء بقية فقال: عن فلان، وهو لا يصل إليه مباشرة، قلنا له: لا نقبل حديثك؛ لأنه إن لم يكن الانقطاع حتمياً فهناك احتمال انقطاع؛ لأنك أسقطت الواسطة بينك وبين شيخك، والعلماء قد اشترطوا شرطاً وثيقاً لصحة الحديث، وهو اتصال السند كما سنبين عملياً.

الشرط الثاني: عدالة الراوي

الشرط الثاني: عدالة الراوي الثاني: رواية العدل، والعدالة: ملكة تكون في المرء باعثة له على ملازمة التقوى والمروءة. وهذه المسألة فيها نظر وإن كان أكثر المحدثين عليها؛ لأن التزام هذا الشرط في تعريف العدالة يجعلك لا تجد محدثاً بحال من الأحوال، فلسنا بملائكة فلنا الهنات، ولنا الزلات، ولنا السقطات، وأيضاً المحدثون لهم ذلك، وما من محدث إلا وتجده يهم مرة وتخدش مروءته مرة. فالمسألة أن الحكم على الإنسان يكون على الغالب، وما أروع ما قاله الذهبي: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، فنحن ننظر إلى الغالب فنقول: هي ملكة في الإنسان تحمله على التقوى والمروءة، وهم قالوا: تحمله على ملازمة التقوى والمروءة. فأسقطنا الملازمة؛ لأننا نقول: يمكن أن تحدث منه هنات، لكن الغالب هو الذي يحكمنا بأن نقول: هذا عدل، والتقوى عند علمائنا: العمل على طاعة الله بنور من الله -يعني: ببصيرة وعلم-، يرجو ثواب الله، ويبتعد عن معصية الله بنور من الله يخاف عقاب الله، وهذا مجمل ما يقال في التقوى. فالتقوى البعد عن المعاصي، واختلف العلماء في إطلاق التقوى على فاعل الصغائر، فبعض الشافعية يرون أن الذي ينظر إلى المرأة الأجنبية فاسق، فقد قال ابن حجر الهيتمي: من نظر إلى المرأة الأجنبية وكرر النظر فهو من الفساق، بمعنى: أسقط عدالته بالنظر، وهذا الكلام مقلق ومؤلم ومفزع؛ لأن به يكون أغلب الناس غير عدول. والصحيح الراجح: أن كتاب ربنا وسنة نبينا تضبط لنا العدالة قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31] وعليه فالصغائر لا يمكن أن تسقط العدالة. وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] قال أبو هريرة: القُبلة من اللمم، واللمس أقوى في المعصية من الرؤية ومن النظر، والنظرة من اللمم. فالصحيح الراجح أن هذه من الصغائر وليست من الكبائر ولا تسقط العدالة بها، وهناك ضابط ضبطه ابن عباس لنا أيضاً فقال: لا كبيرة مع الاستغفار، وهذا يدل على أن التقي إن وقع في الكبيرة فتاب توبة نصوحاً رجع إلى السلطة مرة ثانية ولا يتهم بالفسق. فقال: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، كأن نرى رجلاً ينظر إلى امرأة أجنبية عنه ونقول له: حرام عليك، اصرف بصرك، فيصرف بصره ثم يرجع ثانياً، وينظر ثم يصرف، وينظر ويصر على النظر للأجنبيات، فهذا يفسق بذلك، وهذا من الفساق وإن كان بائعاً، أو مدرساً، أو شيخاً، فإذا أصر على أي معصية صغيرة فهو من الفساق، فلا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. أما المروءات فهناك ضوابط عامة وضوابط عرفية لها، فالضوابط العامة للمروءات كأن يحمل المرء نفسه على ألا يهتك عرضه عند أحد، ويحمل نفسه على الحياء والاستحياء، ويحمل نفسه على الأدب مع الكبار، ويحمل نفسه على الخلق الحسن مع الآخرين، فهذه من المروءات التي هي ضوابط عامة في الكل. وهناك ضوابط خاصة يحكمها العرف، مثل الضوابط في القديم والضوابط في عصرنا، فمثلاً: الآن في بلد الإمارات إذا رأى الرائي طلبة العلم بغير غطاء الرأس قال: هؤلاء ليسوا بطلبة علم، فهؤلاء مخدوشو المروءة عندنا، ففي عرفهم أن المرء إذا خرج بشعره أصبح رجلاً مخدوش المروءة، وهذا العرف كان سائداً في عصر الأولين الأخيار، فعندما دخل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه على نافع وهو يصلي بغير غطاء الرأس، فقال له: أتخرج في الأسواق هكذا؟ قال: لا، قال: الله أحق أن تستحي منه، وهذا يدل على أنه كان خادشاً من خوادش المروءة عندهم. وقول ابن عمر معناه: أحق أن تكون كامل المروءة عند الله من غيرك، وهذا الذي نقوله لإخواننا، فإذا كان لك قسط من الليل فلا تقم بسروالك وردائك الذي ترتديه عند نومك، ولا بمنظرك الذي لا يعلم به إلا الله جل في علاه فتقف وتقول: أنا أناجي ربي الذي يراني على حالتي. فهذا لا ينبغي، بل كن مؤدباً مع ربك، واجعل قميصاً خاصاً بقيامك، واجعل طيباً معيناً تتطيب به أمام ربك مروءةً منك عندما تقف أمام الله جل في علاه، وأقول للذي يصلي بالرداء الداخلي -أي: الحمالات-: لا تصح صلاتك وإن قال به الحنابلة؛ لأنه لابد أن تكون لك زينة عندما تقف أمام ربك جل في علاه مروءة منك أمام الله. ومن المروءات أيضاً: ألا يأكل المرء في الشارع إلا ما ظهر في العرف أنه لا يخدش المروءة. فمثلاً لو أن معي لباً فلا بأس أن آكله إذا علمت أن ذلك لا يخدش مروءتي عند الناس. وقد قال الألباني نفسه: العرف بين الناس الآن أن الأكل في الشارع ليس فيه ثمة شيء إلا إذا ظهر أمام الناس في العرف أن هذا من الأمور التي تخدش المروءة، فإن كان عند الناس أنه من خدش المروءات وينظرون إليك نظرة النكارة، فلا يجوز لك أن تفعل ذلك؛ لأنها تسقط مروءتك ولا يؤخذ منك الحديث بذلك. وخلاصة الأمر أن الشرط الثاني: العدالة، والعدالة تجمع بين المروءة وبين التقى.

الشرط الثالث: ضبط الرواة

الشرط الثالث: ضبط الرواة والضبط معناه: أن يعي المحدث الحديث الذي سمعه من شيخه ويتقنه ويضبطه حتى إذا طلب منه استدعاء هذا الحديث يرويه كما هو ولا يسقط منه حرفاً، إلا من يقول بالمعنى، وإذا قال بالمعنى فهذا صحيح؛ لأن فحول أهل العلم قالوا به. والغرض أنه لا يدخل عليه غيره ولا يسقط معناه، فإن أتى ووفى بمعناه صحت روايته. وهذا الضابط يستقى من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها)، فهذه دليل على الضبط، ولذلك كان ابن عمر إذا سمع راوياً يزيد واواً في الحديث يقول: ليست في الحديث؛ لأن ابن عمر هو الذي رفع راية عدم جواز رواية الحديث بالمعنى. يعني: لما سمع في الرواية زيادة (و) يقول: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقد كان يضبط اللفظ بذاته.

أنواع الضبط

أنواع الضبط والضبط ضبطان: ضبط صدر وضبط كتابة. أما ضبط الصدر فهو استيعاب الحديث في الصدر بحيث إذا أراد المرء أن يأتي به أتى به على تمامه، وقد قالوا: حدثنا الزهري فلما راجعناه بعد سنين بالحديث حدث به كما حدث به في أول مرة ما أسقط منه حرفاً واحداً. وكان الذهبي يقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية: كانت الكتب الستة والمسند أمام عينيه، فإذا جلس يتكلم عن المسألة ينتزع الدليل انتزاعاً، ويستدعي ما يريده من الأحاديث في الكتب الستة والمسند، ابن تيمية فهذا ضبط الصدر. وقد قال علماؤنا: ما العلم إلا ما دخل به صاحبه الحمام، فلو كان المرء حافظاً لمسائل الأم ودخل الحمام نقول: دخل الحمام والأم في صدره؛ وهذا كانوا يحتاجون إليه قبل التدوين؛ لأن العالم الذي لا يحفظ علمه ليس بضابط، ولن تكون ميزته كميزة الأولين، وقد قيل للشيخ الألباني: رجل يحفظ الكتب الستة والكتب التسعة وغيرها، فقال: ضعه على الرف جانب البخاري فليس الحبر الذي يحفظ كذا، أو يسرد علينا كذا فإنه لن يأتي بغير الأحاديث المكتوبة، لكن أين علمه؟ وأين قلمه؟ ولذلك نحن نقول: كثير من المؤلفين اليوم ظل لرأس، إما جمع أو ترتيب -أو في لغة الكمبيوتر: قص ولصق- لكن أين قلمه؟ وأين تحريره للمسألة؟ وأين ترجيحه؟ وأين قلمه الفقهي أو الحديثي؟ وأين كلامه في الرواة، وهل هذا يحتج به أو لا يحتج به؟ وأين توجيهه وفهمه لكلام العلماء؟ فالعلم ليس بالحفظ فقط، بل هو حفظ وعلم، فكان الحفظ وضبط الصدر مرموقاً جداً قبل التدوين، وبعد التدوين هو يبين علم الرجل وفحولة الرجل. الضبط الثاني: ضبط الكتاب: وهو أن يكون التلميذ من أهل الكتابة، فيحضر درس الحديث عند المحدثين ويكتب كل حديث يمليه الشيخ، أو يكتب كل حديث قرئ على الشيخ. لكن لا بد من قيود في ضبط الكتاب، وهي أن هذا الكتاب الذي كتبه التلميذ لابد أن يبين لنا أنه قد نقله من أصل معتمد آخر، يعني: من نسخة الشيخ، حتى يضبط الكتاب الذي كتبه لينسبه لهذا الشيخ. فمثلاً: مالك هو الذي تبنى مذهب القراءة على الشيخ وليست قراءة الشيخ على التلاميذ، وكان يرى أن القراءة على الشيخ أضبط وأفضل؛ لأن التلميذ لو قرأ ووهم يمكن للشيخ أن يصحح له، لكن لو أن الشيخ هو الذي يملي على التلميذ، فالتلميذ ليس عنده علم فلا يستطيع أن يقول للشيخ: أنت وهمت في كذا. وهذا يعتريه ما يعتريه، فيمكن أن يكون الشيخ جالساً والذي يقرأ مثلاً أجش الصوت، فينام الشيخ ويقع الإبهام، ويقول الطالب: قرأت على الشيخ هذا الحديث، فيعتريه ما يعتريه. فالمقصود أن مالكاً كان يقرأ عليه التلميذ، فقرأ على مالك وبجانبه الرجل الذي في المؤخرة يكتب، وبعد أن كتب جاءنا فعقد جلسة التحديث فقال: أحدثكم الآن عن شيخي مالك، قلنا: تحدثنا سماعاً أم قراءة عليه؟ قال: قراءة عليه، فقال: حدثني مالك يقرأ عليه وأنا أكتب، فقلنا له: أنت تكتب؟ قال: نعم، قلنا: لا نأخذ منك حديثاً، قال: لم؟ فهذا ضبط الكتاب وأنتم خالفتم أهل المصطلح، قلنا: لا نأخذ منه حديثاً لأنه جلس في المؤخرة، قال: ولم؟ قلنا: لأنه قد حدثت واقعة مع الإمام مالك بسبب ذلك، فقد كان يجلس مالك مجلس التحديث وطلاب العلم الذين يهتمون ويجدون يجلسون بجانب الشيخ أو أمامه ولا يجلسون في المؤخرة، وكان يعرف في مجالس التحديث في القرون الأولى أن الذي يجلس في المؤخرة صاحب النوم أو الرجل المهمل. فكان هناك رجل جالس في المؤخرة، وكان دأب علمائنا أن يختبروا طلبة العلم، فكان مالك يقرأ عليهم الحديث ثم يختبرهم في مسألة فإذا قاموا وأجابوا فقال: أخطأتم، فجاء الرجل من المؤخرة وقال: الإجابة كذا يا شيخ! قال مالك: يا بني! قد أصبت وأخطئوا. ثم تلا عليهم أحاديث أخرى فسألهم سؤالاً ثانياً فأجابوا فأخطئوا، فقال الذي في المؤخرة: الإجابة كذا يا شيخ! فقال: يا بني! قد أصبت وأخطئوا، وامتلأ دهشة، لأن الذي في المؤخرة هو الذي يجيب! فسأل السؤال الثالث فأجابوا فأخطئوا، فجاء صاحب المؤخرة فقال له الإجابة سديدة وصحيحة، قال: يا بني! ليس هذا مقامك، فأنت لا تستحق أن تكون في المؤخرة، تعال فاجلس هنا، فأجلسه في المقدمة أمام عينيه، وهو يتلو الأحاديث فأراد أن يختبره مرة ثانية، فاختبرهم بسؤال، فقاموا يجيبون قال: لا، أجب أنت، فأجاب إجابة خاطئة وأجابوا إجابة صواباً، فقال: يمكن ترتيب المكان هو الذي عمل في الرجل هذا. سأله سؤالاً ثانياً فلم يجد إلا إجابة خاطئة فقال له: يا بني! ما حالك؟ وما بالك؟ أسألك وأنت في المؤخرة فتجيب وهنا لا تجيب، فقال: الصراحة يا شيخ! ما كنت أنا المجيب، المجيب هذا الرجل الذي في المؤخرة، وكان الشافعي يجلس بجانبه فيلقنه فيجيب الرجل الإجابة السديدة. فلما رأى مالك أن الشافعي هو الذي يجيب قام من على كرسيه قيام الشيخ لتلميذه الذي علمه وقال له: أنت المؤهل الآن وتتصدر، فقام يضرب مثلاً لكل شيخ علم تلميذاً ألا يخفض حقه وألا يبخس حقه ويصغره؛ لأن بخس الحقوق يدخل في قول الله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1]. وأيضاً هو مخالف لقول عائشة رضي الله عنها: (أمرنا أن ننزل الناس منازلهم). فقام مالك فعانق الشافعي وأخذه وأبى عليه إلا أن يجلس مجلسه، فأجلسه مجلسه وجلس يطرح عليه الأحاديث. فلما ذكرناه بالواقعة، قال: نعم، لست بضابط لكتابه، فلم يقرأ عليه، لكن جاء الآخر يقرأ الكتاب فقلنا له: ضبطتها من النسخة الأصلية؟ قال: نعم، ضبطتها من نسخة أخرى معتمدة؟ قال: نعم، قلنا له: تجلس في المقدمة أم في المؤخرة، قال: أنا صاحب المقدمة، قلنا: إذاً نسمع منك، فأنت ضابط ضبط كتاب. إذاً الضبط ضبط ضبطان: ضبط صدر، وضبط كتاب.

ما يعرف به ضبط الراوي

ما يعرف به ضبط الراوي كان علماؤنا يعرفون ضبط الراوي بأمور ثلاثة: الأمر الأول: الاختبار بالقلب، أي: بقلب الأسانيد والمتون، وقصة البخاري وإن تكلم العلماء في سندها مشهورة جداً، وأنهم قلبوا له الأسانيد والمتون فضبطها ورد كل متن إلى إسناده وقد ذكرناها. وكذا قصة أحمد بن منصور الرمادي فقد كان مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين بعد أن رجعوا من الرحلة إلى عبد الرزاق وسمعوا منه، فقال لهم يحيى بن معين: إني أشتهي الاختبار. قال أحمد: إلى من؟ قال: لـ أبي نعيم قال: لا تفعل، إن الرجل ثقة أمين، قال: والله إني فاعل، ودق الباب عليه، فلما نظر أبو نعيم إلى أحمد بن حنبل فتح، ولو رأى يحيى بن معين وحده لصك الباب في وجهه، فقد كان شديداً مع يحيى بن معين. ثم قال لهم: اجلسوا عند الدكان، والدكان المرتبة أو أشبه ما يكون بها، فجلسوا على المرتبة أو الكراسي حتى خرج إليهم. وقبل أن يخرج قام يحيى بن معين، فأخرج أحاديث أبي نعيم وكتب على رأس كل عشرة أحاديث من أحاديثه حديثاً ليس من أحاديثه، ثم قال: أأملي عليك؟ فقال: اقرأ وكان يقرأ عليه، فأخذ يحيى بن معين يقرأ، وأحمد بن حنبل يسمع، وأبو نعيم الفضل بن دكين يسمع ويقر أن هذه أحاديثه، فلما وصل إلى الحديث المدسوس قال لـ يحيى بن معين: قف واضرب على هذا، فليس من حديثي. فأتاه بالثانية فوقف عند الحديث المدسوس وقال له: اضرب على هذا فليس من حديثي. ثم جاء في الثالث فقال يحيى في نفسه: فطن الرجل، وقام أبو نعيم فنظر إليه فقال: هذا ليس من حديثي، وعلم أن المسألة فيها ريب. فقال: هات الأحاديث، فنظر فيها فوجد هذه الأحاديث المدسوسة، فأخذ الورقة ونظر إلى أحمد فقال: أما أنت فأنت أورع من أن تفعل ذلك، وقال للرمادي: أنت أضعف وأضأل من أن تفعل ذلك؛ لأنه كان تلميذ أبي نعيم. ثم نظر إلى يحيى بن معين فرفسه في بطنه برجله فأسقطه على الأرض وقال: أنت أجرأ على هذا. فلما خرجوا وأغلق الباب عليهم، قال أحمد: أما نصحتك وقلت لك: إن الرجل ثقة أمين؟ فقال يحيى بن معين: والله! إن رفسته عندي بألف حديث أو قال: خير من كذا وكذا. وفي رواية أخرى دخل عليه فقبله بين عينيه، قال: هكذا يكون المحدث، يعني: هكذا نحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بمثلك، فإذاً بالقلب وبالاختبار كانوا يعرفون ضبط الراوي. الأمر الثاني: بالمذاكرة، فقد كانوا يتذاكرون فيأتي المحدث إلى المحدث فيذاكره، ويمكن أن تحدث الآن كأن يأتي رجل إلى آخر فيتكلم في مسألة فقهية لينظر في الرجل أيعرفها أو لا يعرفها، أو يأتي له بما يعرفه هو في مسألة مصطلح مثلاً، فيتذاكرون حتى يظهر الراجح من المرجوح والمتقن من غيره. فالمذاكرة كانت دأب الصالحين، فقد كان يفعلها البخاري، وكان يفعلها أبو زرعة، وأحمد، بل وسفيان الثوري ذهب إلى المدينة ودخل على عبد الرحمن بن مهدي فقال سفيان الثوري لـ ابن مهدي: ائتني برجل للمذاكرة. وهو ما أراد عبد الرحمن فهو يعرف قوته بل قال: أنا أريد أن أثبت الحفظ عندي، فأتني برجل للمذاكرة، فأتى له برجل من الفحولة بمكان، ومن الحفظ بمكان، ومن القوة بمكان حتى كان أحمد بن حنبل يطأطئ رأسه أمامه، وهو يحيى بن سعيد القطان فارس الميدان. فقام سفيان يذاكر أحاديث الزهري وغيره مع القطان إلى أن انبثق الفجر. فدخل ابن مهدي على سفيان فقال: كيف وجدت الرجل؟ فتمعر وجه سفيان وغضب غضباً شديداً وقال له: طلبت منك أن تأتيني برجل للمذاكرة وقد أتيتني بشيطان، ويقصد بشيطان أي: شيطان الحفظ فلا تفوته شاردة بحال من الأحوال. وهذا من قمة التوثيق لـ يحيى بن سعيد القطان، وكانت المذاكرة تأخذ شغاف القلوب، فيعرف الضبط بالمذاكرة كما عرف عند علمائنا. الأمر الثالث: التلقين، وهو إدخال حديث للرجل ليس بحديثه، وهذه حدثت أيضاً من العلماء، وأشهر المصريين الذي حدث معه ذلك هو عبد الله بن لهيعة فقد اختلفوا فيه؛ لتثبته بالتلقين، فـ ابن لهيعة كان ضابطاً حسناً وهذا الذي غر الشيخ أحمد شاكر ليوثق ابن لهيعة، فـ ابن لهيعة كان ضابطاً حقاً لكتابه وكان ثقة، لكنه اتهم بالتدليس وقد غفل عن هذا كثير من علماء الجرح والتعديل، فهو متهم بالتدليس. والمقصود أنه لما احترقت عليه الكتب، كانوا يدخلون عليه الأحاديث فيتلقنها، فلما عاتبوه قال: وماذا أفعل؟ يأتوني بالكتاب ويقولون: هذه أحاديثك، فأحدث بها على أنها أحاديثي، فإن صحت هذه الرواية فهذا تلقين فاحش لـ ابن لهيعة يسقط ضبطه. وأيضاً ممن أدخلوا عليه ثابت البناني فقد أدخل عليه حماد بن سلمة بعض الأحاديث، وقال: أدخلت على ثابت فوجدته صلداً لا يمكن أن يدخل عليه شيء، قال: ثم دخلت على أبان بن أبي عياش فأدخلت عليه فلقنه فتلقن. وهذا كما قلت: المحدث إذا لقنوه فتلقن، فهذه دلالة أنه ليس بضابط لأحاديثه، لكن إذا انتبه وقال: هذا حديثي وهذا ليس بحديثي، كما قال الزهري: لو رأيت المحدث يتمسك بالخطأ فاعلم أنه حافظ وأنه متقن. وهذه المقولة تدلنا على أن طالب العلم لابد أن تكون لديه الشخصية المستقلة المهذبة التي تجعله يعتز بعلمه ويتمسك به إذا كان معه دليل، قائلاً: لو قام الناس في الدنيا بأسرها علي ووجدت أن العلم الذي أقول به قال الله وقال الرسول، فلن أنحاز ولن أحيد عنه بحال من الأحوال. ولذلك قال الزهري: إن رأيت المحدث يتمسك بما قال ويعض عليه بالنواجذ وسواء كان خطأً أو صواباً فاعلم أنه من الإتقان بمكان، أما الذي يتلقن فكلمة تذهب به وكلمة تأتي به وتراه متغيراً في أي وقت، فهذا ليس طالباً للعلم ولا متقناً.

الشرط الرابع: عدم الشذوذ

الشرط الرابع: عدم الشذوذ وللشذوذ تعريفات كثيرة جداً ومفصلة، والصحيح الراجح هو تعريف الشافعي بأنه: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه وأكبر وأتقن وأحفظ منه. مثال ذلك: اختلف شعبة مع سفيان الثوري في اسم راو، فقال العلماء: خذوا من الثوري فهو أضبط من شعبة في الرجال. فهذا أمير المؤمنين في الحديث، وهذا أمير المؤمنين في الحديث، لكن لما اختلفا رجحنا كفة الثوري؛ لأنه كان أضبط في الرجال من شعبة فمخالفة شعبة للثوري تعتبر شذوذاً. وضرب له بعض العلماء في علم الحديث حديثين، الحديث الأول: (أن الله جل وعلا قبض قبضة بيمينه فقال: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وقبض بيده الأخرى وقال: إلى النار ولا أبالي)، وهذا في صحيح البخاري فقال: (بيده الأخرى) أما في صحيح مسلم صرح فقال: (وقبض بيده الشمال)، عن الأخرى باسمها الشمال أو بوصفها أنها شمال. فهذه عند المحققين من المحدثين كـ البيهقي من المتقدمين وغيره شاذة، والصحيح الراجح لو رجعت للحديث لرأيت أن الراوي فيها ضعيف، فهو غير ثقة، يعني: غير مقبول، لكن هو قال بالشذوذ لأن الحديث في البخاري ومسلم فلجلالة قدر البخاري ومسلم، قال: إنها شاذة، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلتا يدي ربي يمين)، وكل رواية ذكر فيها شمال فهي ليست صحيحة وهي شاذة مخالفة، وكما قال الخطابي: فإن الشمال توهم بالنقص وهي مخالفة لرواية الثقات الأثبات. ويضربون أيضاً مثلاً في ذلك بحديث مسلم أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (سبعون ألفاً يدخلون الجنة)، وقال في وصفهم: (لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون)، وفي رواية: (لا يرقون)، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية بالشذوذ في هذا. فقوله: (لا يرقون) شاذة؛ لشذوذ في المتن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رقى وجبريل رقى فلا يصح أن يقال: إنها تصح من الحديث. ومثلوا لذلك أيضاً بتحريك الإصبع في التشهد. والمقصود أن الشذوذ هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه إما في الضبط وإما في العدد. أما في العدد فحديث الإشارة هو أهم ما يضرب مثلاً لذلك؛ لأنه خالف تسعة، والمجلس واحد، فلا يصح أن نقول: هذه المخالفة ليست شذوذاً.

الشروط الخامس: انتفاء العلة

الشروط الخامس: انتفاء العلة الشرط الأخير: انتفاء العلة. والعلة في اللغة: المرض، يقال: رجل عليل أي: مريض، فلا يستطيع أن يسير أو يقف على قدميه ونفس الأمر في الحديث. فالحديث الذي فيه علة لا يستطيع أن يتصدر أمام الناس. والعلة في الحديث هي شيء غامض خفي يضعف به الحديث مع أن ظاهره الصحة. وبهذا التعريف يخرج قول كثير من أهل العلم الذين يقولون: هذا الحديث فيه علة، وعلته مثلاً مجالد بن سعيد، أو علته ابن لهيعة؛ لأن هذا ضعف ظاهر، ونحن نقول: العلة هي سبب خفي غامض كما قال ابن مهدي وغيره العلة شيء ينقدح في قلب المحدث، ويقولون: هذا الحديث لا يشبه حديث الأعمش، وهذا الحديث ليس من حديث الزهري، فقد علموا السلاسل وعرفوا من يحدث عنه، فيعرفون أشبه ما يكون بحديث الأعمش، وأشبه ما يكون بحديث أنس، وأشبه ما يكون بحديث نافع، فصيارفة الحديث من التبحر الشديد يعرفونها ولا يذكرون لك سبباً. ولذلك قالوا: هذا العلم إلى الجنون أقرب منه إلى العلم؛ لأنهم يقولون: هذا حديث ضعيف، فلما سألوا أبا زرعة كيف نعرف أن هذا هو الحق؟ قال: تسألني، فأقول لك هذا الحديث فيه علة، ثم تذهب لـ ابن مهدي فتسأله فيقول لك: هذا الحديث فيه علة، ثم تذهب لـ أحمد فتسأله فيقول: هذا الحديث فيه علة، وتذهب لـ يحيى بن سعيد القطان فتسأله فيقول هذا الحديث فيه علة، فتتفق كلمة الفحول من أساطين هذا العلم على العلة فتعلم أن هذا الأمر من الله جل وعلا قد قذفه في قلوب هؤلاء الذين انبروا وانفردوا بهذا العلم. إذاً: العلة شيء غامض في الحديث يقدح في صحة الحديث مع أن الظاهر الصحة. والعلة تنقسم إلى قسمين: علة قادحة، وعلة غير قادحة. أما العلة الغير قادحة فهي التي لا تؤثر على صحة الحديث. مثال ذلك في السند: أن يأتي الحديث فيرويه الراوي عن عمرو بن دينار عن جابر مثلاً والحديث عن عبد الله بن دينار لا عن عمرو بن دينار كحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته). فالحديث ليس عن عمرو بن دينار، بل هو عن عبد الله بن دينار فنقول: هذا الحديث فيه علة، وهي أن المحدث أبدل الراوي بغيره. أو يكون الحديث عن سفيان الثوري، فأتى به عن سفيان بن عيينة، فنقول: هذا الحديث فيه علة، فقد أبدل الثوري بـ ابن عيينة، لكن هذه العلة علة غير قادحة؛ لأن الإبدال كان في الثقة، ونحن اشترطنا أن يكون الراوي ثقة وهو ثقة هنا. فلو أن عبد الله بن دينار ثقة وعمرو بن دينار ثقة فنأخذ بالحديث ويكون الحديث صحيحاً لكن فيه علة وهي إبدال الراوي بغيره. وثمرة هذه العلة أن يجعلنا نقول: إن هذا الراوي فيه وهم، فهو يهم قليلاً وربما أخطأ. ومثالها في المتن: أن يقول في حديث جمل جابر بأنه باعه في المدينة، فنقول: لا، بل باعه وهو يسير، أو يقول: باعه بأوقية أو بدراهم، فنقول: هذا الخلاف ليس علة قادحة في الحديث. لأن مضمون الحديث أن جابراً باع، والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى، فأصل الحديث موجود، فلا تكون علة قادحة في الحديث، والعلة الغير قادحة لا تؤثر على صحة الحديث متناً ولا إسناداً، والعلة القادحة تؤثر على الحديث متناً وإسناداً وهذا له باب واسع ليس هذا محل التفصيل فيه.

تدريبات عملية في تصحيح الأحاديث

تدريبات عملية في تصحيح الأحاديث نأتي إلى التدريب العملي ونضرب مثلاً على ذلك: روى البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد والسير قال: حدثنا مسدد، حدثنا معتمر -وهو المعتمر بن سليمان بن طرخان - قال: سمعت أبي -يعني: سليمان بن طرخان - قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر). فانظر عملياً لهذا الحديث ودعك الآن أنه من البخاري، وكأننا لا نعرف شيئاً عن البخاري ونريد أن نكشف عن هذا الحديث، -ومجنون في عقله من يذهب يبحث عن أحاديث البخاري، ولا يكون ذلك إلا للفحول الذين انتقدوا الأحرف اليسيرة التي يمكن أن ينظر فيها متكلم-. فـ البخاري روى الحديث هنا عن مسدد، فنحن نريد أن نقول في النهاية: هذا الحديث حديث صحيح، وكيف نقول: إنه حديث صحيح؟ قلنا: أولاً: لابد من اتصال السند، واتصال السند معناه أن يصرح التلميذ أنه سمع الحديث من شيخه. وننظر هنا، فـ البخاري جبل الحفظ أمير المؤمنين في الحديث ومفخرة كل محدث يقول: حدثنا مسدد، فهذا ليس فيه انقطاع؛ لأن قول الراوي حدثنا يعني: أنه حدثه وسمعه بأذنه. إذاً البخاري قال: حدثنا مسدد، فنقول: الراوي الأول قد سمع من الثاني. ومسدد بن مسرهد قال: حدثنا معتمر بن سليمان. فنقول: سمع مسدد من معتمر واتصل السند إلى هنا. ونأتي إلى الثالث وهو معتمر بن سليمان يقول: سمعت أبي. فإذاً يكون سماعاً لا شك فيه، إذاً: الاتصال بين معتمر وأبيه قد وجد. ثم نأتي إلى سليمان، وسليمان قال: سمعت أنس بن مالك، وأنس بن مالك يحدث عن رسول الله. إذاً سليمان سمع من أنس فاتصل الإسناد إلى أنس ويبقى لنا أن نبحث عن أنس، وهنا نقول: إذا قال أنس (قال) أو (عن) أو (أن) فكلها عندنا بمنزلة (حدثنا) لأنه إن قال أحد الألفاظ السابقة فقد قالها عن غيره من الصحابة، والصاحب سمع من النبي صلى الله عليه وسلم. فالقاعدة هي أنك إن كنت تبحث لتصحح أو تضعف، فلا تبحث في الصحابي عن أي شيء؛ لا اتصال السند ولا عدالة الراوي، فكل هذا متوفر فيه. وإلى هنا نقول: اتصال السند قد توفر، وبقي لنا شرط آخر وهو عدالة الراوي. وبإيجاز ننظر: فـ البخاري قد تكلم بعض العلماء فيه، لكن الكلام فيه لا يفيد ولا يؤثر، فـ البخاري جبل الحفظ وأمير المؤمنين في الحديث ثقة ثبت. ومسدد روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. فـ مسدد ثقة ثبت. ومعتمر من الثقات الأثبات، وأبوه سليمان بن طرخان ثقة ثبت، وأنس بن مالك ثقة ثبت ثبت. وقول العلماء: ثقة، تساوي عدالة زائد ضبط، فمن قال فيه العلماء ثقة فقد عدلوه وشهدوا له بالضبط. وبهذا انتهينا من العدالة والضبط. ويبقى لنا عدم الشذوذ فنقول: هذا الحديث ليس عندنا أي حديث يخالفه، فليس هناك ثقة خالفه، فيكون الحديث بهذا قد توفر فيه عدم الشذوذ. ثم ننظر في شرط عدم العلة، فنقول: الحديث رواه البخاري فإذاً هو غير معلول، فأي حديث فيه البخاري فليست فيه علة، فـ البخاري قد جاوز القنطرة. وعليه فقد توفرت الشروط الخمسة وصح الحديث من حيث الإسناد.

الحديث الحسن

شرح المنظومة البيقونية - الحديث الحسن الحديث الحسن هو ما توافرت فيه شروط الحديث الصحيح إلا أن أحد رواته خف ضبطه بما لا يوجب رد حديثه، وقد بين المحدثون ضوابط الحديث الحسن وأحكامه، وبينوا أن الحسن لذاته قد يرتقي بالمتابعات والشواهد إلى صحيح لغيره، كما يرتقي الضعيف بها إلى حسن لغيره.

حكم الحديث الحسن

حكم الحديث الحسن إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: انتهينا من الكلام على الحديث الصحيح، وبينا أن الحديث له شروط خمسة لا بد أن تتوافر فيه حتى يكون صحيحاً. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذّ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله] وحكم الحديث الصحيح قبوله والعمل به وجوباً، سواء في الاعتقادات التي تسمى الأصول أو في الفروع على قول العلماء الذين قسموا الدين إلى الأصول والفروع، فسواء في الاعتقادات أو في العبادات يجب العمل به. والحديث الحسن حكمه حكم الحديث الصحيح.

تعريف الحديث الحسن

تعريف الحديث الحسن قال المصنف رحمه الله تعالى: [والحسن المعروف طرقاً وغدت رجاله لا كالصحيح اشتهرت وكل ما عن رتبة الحسن قصر فهو الضعيف وهو أقسام كثر] والحسن لغة: مأخوذ من الحسن بمعنى الجمال وهو ضد القبيح. وفي اصطلاح المحدثين: هو مثل الحديث الصحيح غير أننا نغير شرط تمام الضبط إلى خفيف الضبط، فنقول: هو ما اتصل سنده عن عدل خفيف الضبط إلى منتهاه ولا نقول: عن مثله، فلو قلنا: هو نقل العدل خفيف الضبط عن مثله؛ فهذا فيه إيهام أننا نشترط في الحديث الحسن أن يكون في كل طبقة من طبقات الرواة راو خفيف الضبط، والصحيح أن الحسن طبقة من طبقات الرواية يكون فيه خفة الضبط، فينزل الحديث من درجة الصحيح إلى درجة الحسن. إذاً: الحديث الحسن هو ما اتصل إسناده بنقل العدل خفيف الضبط إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة. وقد شرحنا كثيراً مسألة الشذوذ والعلة، وكيف يعرف الإنسان العلة، وذكرنا كيفية معرفة ضبط الرواة. والحديث الحسن هو حديث صالح في الاحتجاج صحيح في العمل به؛ لكن درجته تقل عن درجة الصحيح؛ لأن فيه راوياً في طبقة من طبقات السند خفيف الضبط، وخفيف الضبط كمن يقول عنه ابن حجر في التقريب: صدوق، فصدوق أنزل بثلاث مرات عن ثقة ثقة أو ثقة ثبت. وقد يقول في الراوي: صدوق ربما وهم، وهذا أنزل من صدوق. أو يقول مثلاً: فيه لين بعض العلماء يحسن حديثه، ومعنى ذلك أنه يحفظ لكن فيه اللين، وهذا بعض اللين لا نعرف هل هو في هذا الحديث أم في غيره. أو يقول: صدوق في حفظه شيء، فكل ذلك ينزل الراوي من درجة الصحة إلى درجة الحسن.

فائدة التمييز بين الحديث الحسن والصحيح

فائدة التمييز بين الحديث الحسن والصحيح ما الفائدة من التمييز بين الحديث الصحيح والحسن، وعندنا أن الحديث الحسن والحديث الصحيح يستويان في وجوب العمل، ويستويان في وجوب القبول، ويستويان في صحة الاحتجاج به؟ تظهر الفائدة عند التعارض، فإننا إن لم نستطع الجمع بين الأحاديث المتعارضة فمن المرجحات أن الحديث الصحيح أقوى من الحديث الحسن، فيقدم على الحديث الحسن. إذاً: الحديث الصحيح والحديث الحسن يتفقان في الاحتجاج والعمل بهما، ويفترقان أنهما إذا تعارضا فالصحيح يقدم على الحسن.

تعريف الحديث الصحيح لغيره

تعريف الحديث الصحيح لغيره الحديث الصحيح لغيره يعني: ليس لذاته، فهو الحديث الحسن لذاته إذا تعددت طرقه بشواهد أو متابعات. والأصل في الشواهد أن تكون على المتون، والمتابعات أن تكون على الأسانيد، فإذا جاءت الرواية بشاهد آخر، يعني: برواية من متن آخر يشهد لهذا الحديث، فنقول: هذا الحديث يرتقي من الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره. ومثال المتابعة أن يأتي راو من طبقة من طبقات الإسناد يتابع عبد الله بن محمد بن عقيل مثلاً، فيرفعه من الحسن إلى الصحيح لغيره. وعبد الله بن محمد بن عقيل الراجح فيه بعد الخلاف العريض بين علماء الجرح والتعديل أنه صدوق، يعني: حديثه لا ينزل عن درجة الحسن، فيأتي راو آخر يتابعه بنفس الحديث ونفس المشايخ، وهذه متابعة تامة، فيأتي هذا الراوي يرفع عبد الله بن محمد بن عقيل من درجة الحسن ليرقيه إلى درجة الصحيح، هذا معنى المتابعة، يعني: وضع يده في يده فتكاتفا حتى يتقوى الأول بالآخر فيرتقي إلى درجة الصحة. إذاً: الحديث الصحيح لغيره: أن يأتي حديث فيه راو خفيف الضبط فيأتي من طريق آخر راو خفيف الضبط مثله فيرفعه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح لغيره. والصحيح لغيره إذا تعارض مع الحسن فالصحيح لغيره يقدم على الحسن لذاته.

تعريف الحديث الحسن لغيره

تعريف الحديث الحسن لغيره الحديث الحسن لغيره هو: الحديث الذي في إسناده راو ضعيف، كـ ابن لهيعة أو مجالد بن سعيد أو حجاج بن أرطأة، ففي الإسناد في طبقة من طبقاته راو من الرواة ضعفه العلماء، كأن يقول فيه مثلاً يحيى بن معين: صالح، يعني: صالح للاعتبار لا صالح للاحتجاج، وإن قال فيه ابن أبي حاتم: صالح، فهو صالح للاعتبار لا صالح للاحتجاج، هذا هو الراجح الصحيح في معنى قولهم صالح. إذاً: إذا وجد راو ضعيف في طبقة من طبقات الإسناد وجاء راو آخر مثله ضعيف فاعتضد به وتقوى به فيرتقي الحديث إلى الحسن لغيره. واشترط العلماء في المتابعة أن يكون مثله أو أرقى منه لا دونه، يعني يقال في هذا: لين الحديث، والآخر يقال فيه: صدوق، أو يقال فيه: لين الحديث مثله، فيشترط في المتابع أن يكون مثله أو يكون فوقه، ولا يصح أن يعتضد بمن هو أدنى منه، هذا الشرط الأول. الشرط الثاني: ألا يكون الضعف شديداً، كأن يقال مثلاً في الراوي كـ نوح الجامع: كذاب وضاع، أو يكون الراوي متهماً بالكذب، والفارق بين الكذاب والمتهم بالكذب يسير. أو يقال مثلاً: اختلط، فالاختلاط ضعف، أو يقال مثلاً: ضعيف جداً، أو يهم كثيراً فترك، هذا الضعف شديد لا يمكن أن ينجبر. وقد مثل له بعضهم بحديث: (أشمي ولا تنهكي، فإنه أحظى للزوج وأنضر للوجه)، وهذا التمثيل مثل به بعض العلماء الذين يقولون بحرمة الاختتان للنساء، وهذا كلام باطل في أصل وجهه، قال أستاذ وهو رئيس قسم في الحديث: هذا حديث ضعيف لا يؤخذ به، فردت عليه امرأة، مع أن علم الحديث هو للذكران من العالمين وليس للإناث، لكن الحمد لله أن النساء هنا كالجبال. وقد كان الشيخ أبو إسحاق دائماً يقول: يا محمد، دعك من النساء في علم الحديث، هذا العلم خاص بالذكران من العالمين، فنقول: لا، الخير في الأمة كالمطر لا يدرى في الأول أم في الآخر، فكثير من النساء كن محدثات حافظات، والآن ترى أسانيد القرآن أكثر ما تكون في الإسكندرية بالذات مع النساء، فالنساء تفوقن حقاً على الرجال في الأسانيد، لكن إذا تنطعن يضربن حتى يقفن مكانهن. فالواقع أن النساء تفوقن على الرجال في مسألة الأسانيد، فممكن تتفوق المرأة أيضاً على الرجال في الاصطلاح والحديث. الشاهد أن امرأة قامت فقالت له: هذا الحديث ضعفه ضعف منجبر، فقد جاء من عدة طرق، وذكرت الطرق، فماذا قال لها؟ قال: هذه الطرق فيها وهم، ولا تزيد الحديث إلا وهماً على وهم، وكلامه هذا يرد السنة بأسرها؛ لأنه يوجد أحاديث كثيرة جداً حسنت وهي ضعيفة؛ لأنها جاءت من طرق كثيرة، فمن يقول: الضعف لا ينجبر بحال من الأحوال فهذا يرد السنة بأسرها، ولا بد أن يضرب على أم رأسه. فالصحيح أن الضعف الذي هو غير شديد ينجبر بغيره إن كان المتابع للضعيف مثله أو فوقه. إذاً: يوجد شرطان حتى يرتقي الحديث الضعيف إلى الحسن لغيره: الشرط الأول: ألا يكون الضعف شديداً، بل يكون الضعف ضعفاً منجبراً. الشرط الثاني: أن يأتي من طريق آخر، وهذا الطريق يكون مثله أو فوقه، فإن كان دونه لا يرتفع به، فلا بد أن يكون مثله أو فوقه.

أمثلة تطبيقية للحديث الحسن

أمثلة تطبيقية للحديث الحسن حديث يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفر بامرئ ادعى نسباً لا يعرفه أو جحده وإن دق). هذا الحديث لا بد أن نبحث في شروطه قبل أن نحتج به وهي: اتصال السند، وضبط الرواة، والعدالة، وعدم الشذوذ والعلة. أما اتصال السند فلا يوجد راو مدلس، فإن لم يكن الراوي مدلساً وعنعن أو حدث فهما سواء، فهل يعكر علينا أن يأتي الشافعي ويقول: عن مالك، ومالك يقول: عن نافع، ونافع يقول: عن ابن عمر؟ هل تعكر علينا العنعنة هنا ونقول: أين الاتصال؟ فالعنعنة تعكر علينا إن كانت من مدلس، وهؤلاء غير مدلسين. إذاً: الشرط الأول توفر، وهو اتصال السند. الشرط الثاني: العدالة، بفضل الله كل هؤلاء عدول لا مطعن في واحد من الرواة، وسلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اختلف فيها العلماء، فـ ابن القطان يضعف هذه السلسلة ويقول: شعيب ما سمع من جده وهي صحيفة كان يروي منها، لكن قد أثبت له السماع غير واحد من علماء الحديث، والمثبت مقدم على النافي، فأثبت سماعه أحمد وغيره، فنقول: كل هؤلاء عدول. الشرط الثالث: الضبط، يحيى بن سعيد هذا جبل ثقة ثبت، وعمرو بن شعيب متكلم في ضبطه، قال فيه الحافظ: صدوق، وأبوه ثقة، وجده صحابي، والصحابي لا نقول فيه ثقة وغير ثقة، لأن الصحابة كلهم عدول؛ والجد هنا هو عبد الله بن عمرو بن العاص. فعندنا راو ضبطه خفيف، وهو عمرو بن شعيب، والباقي ثقات. الشرط الرابع والخامس: عدم الشذوذ والعلة، هذا الحديث لم يقل فيه أحد بالشذوذ ولا فيه أي علة. إذاً: الشروط الخمسة كلها قد توافرت، فنحكم على الحديث بأنه حديث حسن؛ لأن أحد الرواة نزل من درجة تمام الضبط إلى خفيف الضبط. المثال الثاني: حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة). محمد بن عمرو خفيف الضبط، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف ثقة ثبت، من الفقهاء السبعة، وأبو هريرة صحابي، فهل توافرت الشروط؟ أولاً: اتصال السند تحقق، فلا يوجد مدلس، والعنعنة هنا كالتحديث. ثانياً: كلهم عدول. ثالثاً: أبو سلمة تام الضبط، وأبو هريرة لا يتكلم عنه، ومحمد بن عمرو خفيف الضبط، فإذا كان خفيف الضبط نزل حديثه من درجة الصحيح إلى درجة الحسن، فهذا الحديث حديث حسن. المثال الثالث: قال الترمذي: حدثنا علي بن عيسى بن يونس عن مجالد - وهو مجالد بن سعيد - عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال: (كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت المائدة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهرقه، فقلت: إنه ليتيم، فقال: أهرقه)، هو استشار النبي أن يبيع هذا الخمر حتى لا يضيع مال اليتيم فقال: (أهرقه)؛ لأنه محرم، ولا ضرورة هنا لإباحته. قال: الترمذي: هذا حديث حسن. وهو يقصد أنه حسن لغيره، ولا يمكن أن يقصد أنه حسن لذاته، فهذا مثال للحديث الضعيف الذي ارتقى إلى الحسن لغيره، لأنك إذا نظرت إلى رجال الإسناد تجدهم ثقات، وتجد التحديث موجوداً، والشذوذ غير موجود، والعلة الخفية غير موجودة، لكن العلة الظاهرة موجودة، وهي مجالد بن سعيد، فقد ضعفة العلماء. فهذا حديث إسناده ضعيف، لكن جاء من طريق آخر فارتقى من الضعف إلى الحسن، فهذا مثال للحديث الحسن لغيره.

الحديث الضعيف

شرح المنظومة البيقونية - الحديث الضعيف الحديث الضعيف قسم من أقسام الحديث المردود، وهو الذي لم تجتمع فيه شروط الحديث الحسن، وقد ميز علماء الحديث الحديث الصحيح من الحديث الضعيف، ووضعوا طرقاً لمعرفة ضبط الرواة وعدالتهم، فإن كان الراوي ضعيفاً وضعوا له ألفاظاً تدل على ضعفه وعدم قبول حديثه.

الحديث الضعيف

الحديث الضعيف

تعريف الحديث الضعيف وشروطه

تعريف الحديث الضعيف وشروطه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: [أبدأ بالحمد مصلياً على محمد خير نبي أرسلا وذي من أقسام الحديث عده وكل واحد أتى وحده أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله والحسن المعروف طرقاً وغدت رجاله لا كالصحيح اشتهرت وكل ما عن رتبة الحسن قصر فهو الضعيف وهو أقسام كثر]. أولاً: تعريف الحديث الضعيف: الضعيف لغة: مأخوذ من الضعف، ضد القوة. اصطلاحاً: هو الذي لم تجتمع فيه شروط الحديث الحسن. أي: أنه نزل عن درجة الحديث الحسن. والحديث الحسن هو ما اتصل إسناده بنقل العدل الخفيف الضبط إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، فالحديث الحسن يكون الراوي فيه خفيف الضبط، وهذا ليس شرطاً في جميع طبقات السند، بل يكفي وجوده في طبقة واحدة، فإذا تخلف شرط من شروط الحديث الحسن فهو الحديث الضعيف.

أسباب ضعف الحديث

أسباب ضعف الحديث

الضعف بسبب الضبط

الضعف بسبب الضبط والضعف يأتي في الرواة في طبقات الإسناد، وله أنواع كثيرة، منها: الضعف بسبب العدالة أو الضبط. وشروط الحديث الحسن: اتصال السند، وعدالة الراوي والضبط الخفيف، وعدم شذوذ الحديث وعدم علته. فاتصال السند سيخرج منه المنقطع والمعضل والمعلق والمرسل. فالضعيف بسبب ضبط الرواة لا يكون ضعفه في اتصال السند، بل في ضبط الراوي نفسه، وراوي الحديث الصحيح لا بد أن يستجمع شرطين: الضبط والإتقان. والضبط نوعان: ضبط صدر، وضبط كتاب، وكان علماء الحديث يعرفون ضبط الرواة من خلال ضبط الحفظ. ولهم في ذلك ثلاث طرق وهي: المذاكرة، وقلب الأسانيد والمتون بالاختبار والتلقين. والأمثلة على ذلك فيما يلي: رواية عبد الله بن وهب وعبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة روايات معتمدة؛ لأنها كانت قبل احتراق كتبه بعد المائة، ثم حدث من حفظه، وكان سيء الحفظ فخالف ووقع في أوهام، وكان تلاميذه يأتونه بالكراس ويقولون: هذا حديثك، فيرويه للناس على أنه حديثه، فقالوا: هذا إذا لقن يتلقن. الثاني: الثوري رحل فوجد ابن مهدي فقال: أريد رجلاً فحلاً للمذاكرة، فأدخل عليه يحيى بن سعيد القطان الذي كان يقف أمامه يحيى بن معين وإمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل كالطفلين الصغيرين، فأخذ يحيى بن سعيد القطان يذاكر الثوري طيلة الليل، والثوري يذاكره، فقال الثوري: ارحل عني، ثم أتى عبد الرحمن بن مهدي فقال له: قلت لك ائتني برجل أذاكره، قال: وما رأيت في الرجل؟ قال: هذا شيطان؛ لشدة حفظه وقوة قريحته! المثال الثالث: يحيى بن معين وأحمد بن حنبل مع أبي نعيم الفضل. فإذا ضعف ضبط الراوي فحديثه يضعف، وألفاظ ضعف ضبط الراوي عند علماء الجرح والتعديل هي: هذا الراوي فيه لين، أي: ضعيف لكن ضعفه منجبر. أو: خالف كثيراً، أي: أن أحاديثه تخالف أحاديث الثقات. أو: متروك فهذا ضعيف جداً. أو: يهم، أو سكت عنه، أو فيه وهم يخطئ، أو يهم، أو سيئ الحفظ، أو متهم بالكذب، وهذا حديثه إما موضوع وإما ضعيف جداً. أو كذاب أفاك أثيم، وهذا حديثه موضوع. وأشهر كذاب هو نوح الجامع، وسمي بذلك لأنه جمع كل شيء إلا الصدق. وأبو داود النخعي وضع بعض الأحاديث، فكل من قيل فيه متهم أو كذاب أو وضاع فحديثه موضوع، وهذا من الضعف في الضبط.

الضعف بسبب خوارم المرءوة

الضعف بسبب خوارم المرءوة كذلك مما يخص الراوي: العدالة، ولها مجال في صحة الحديث، فيضعف الحديث بنزع العدالة، وهي: التقوى والمروءة، فإن أتى بخوارم المروءة لم تؤخذ أحاديثه. مثال ذلك: ما يروى عن أن ابن عمر دخل على نافع فوجده يصلي حاسر الرأس، وكان العرف أنه إذا خرج الرجل إلى الأسواق بدون غطاء الرأس فهو مخدوش المروءة، فقال له: يا نافع! أتخرج في الأسواق هكذا؟ قال: لا، فعنفه وقال له: فالله أحق أن تستحي منه. فهذه فتوى ابن عمر خلافاً لفتوى بعض فقهاء العصر القائلين: للراقصة أن تصلي ببدلة الرقص بشرط أن تطفأ الأنوار. فـ ابن عمر يبين لنا أن هذا من خوارم المروءة، فإن كان عندنا كذلك فتسقط عدالة الرجل ولا يؤخذ حديثه ولا علمه ولا روايته، لكن أعرافنا لينة سهلة، وكثير منها تبيح حاجات كثيرة جداً. المثال الثاني: البخاري فإن له قصة عظيمة جداً، فقد رحل شهراً كاملاً ليأخذ الحديث من أحد الرواة، فوجده ومعه حماره، فأخذ الزنبيل الذي فيه الطعام، فقربه للحمار ليستدرجه حتى جاءه، ثم نظر البخاري في الزنبيل فلم يجد شيئاً، قال: ماذا تفعل؟ قال: أوهمه بالطعام حتى يأتي، فقال: إذا أوهم الحمار فيوهم البشر فلا آخذ حديثه، فجعلها خادشاً للمروءة واتهاماً في صدق الراوي. المثال الثالث: ابن خزيمة أو أبو عوانة رحل إلى راوٍ فجاء على باب بيته، فإذا هو واقف على باب بيته يأكل تمرات، فلما نزل عن بعيره ليأخذ الحديث وجده يأكل التمرات، وكان ذلك عندهم من خوارم المروءة، فلما ذهب إليه قال: أرحل كل هذه الرحلة لآخذ منك الحديث، لا والله لا آخذ منك الحديث وأنت تأكل التمرات على باب بيتك. الرجل لم يأكل في الأسواق بين الناس وإنما على باب بيته، ومع هذا فلم يأخذ حديثه لأن المروءات ماتت مع أهل المروءات.

الضعف بسبب الفسق أو البدعة

الضعف بسبب الفسق أو البدعة أما التقى، فقالوا: إن كان الراوي فاسقاً لا يؤخذ حديثه، وكانوا ينظرون دائماً في عباداته كصلاته وصيامه ونافلته وذكره ونفقاته، هل يتبع النافلة بالفريضة أم لا؟ وهل يكثر من عبادات الله جل في علاه وقيام الليل وصيام النهار أم لا؟ فإذا وجدوا ذلك وثقوه وأخذوا حديثه، وإلا فلا. وكانوا ينظرون في الراوي هل هو صاحب بدعة أم لا؟ فإن كان صاحب بدعة ردوا حديثه. والبدعة نوعان: إما بدعة مفسقة، وإما بدعة مكفرة. والبدعة المفسقة كبدعة الشيعة والخوارج؛ والشيعة من أكذب الناس، وكذلك بعض الخوارج، وإن قال الشافعي: إنهم أصدق الناس، ولهذا قال أحد رواتهم بعدما رجع إلى أهل السنة والجماعة وانتحل هذا المذهب: لا تأخذوا منا حديثاً، كنا في السمر إذا أعجبنا الحديث ركبنا له الإسناد، ورفعناه للرسول صلى الله عليه وسلم. وأشهر أحاديث الشيعة التي وضعوها على النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، وأحاديث كثيرة جداً في فضائل قم وضعوها ورفعوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والبدعة المكفرة: كغلو بشر المريسي ومن معه من غلاة الجهمية والمعتزلة، والصوفية الذين يعتقدون بأن الأولياء لهم قوة في تحريك الكون، كما قال قائلهم: إن الأولياء أعطاهم الله القوة لإحياء الجنين في بطن الأم. فهذه بدعة مكفرة، فنقول: القول قول كفر، والقائل ليس بكافر حتى تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهة، إلا في المعلوم من الدين بالضرورة. فالبدعة المكفرة أولى من البدعة المفسقة في رد حديث الراوي. إذاً: الحديث الضعيف: هو الذي اختل فيه شرط من شروط الحسن، أي: يوجد في طبقة من طبقات السند راو ضعيف، والراوي الضعيف يعرف إما بضعف حفظه مع صلاحه وورعه وتقواه، وإما بإتقانه وضبطه مع بدعته وفسقه وفجوره، فلا يؤخذ منهما معاً احتياطاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (من روى حديثاً يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين، أو أحد الكذابين). وحكم الحديث الضعيف أنه يرد، والضعف يكون بالرواة إما من ناحية الضبط أو من ناحية العدالة.

أمثلة على الحديث الضعيف

أمثلة على الحديث الضعيف والأدب في الأحاديث الضعيفة ألا تذكرها بقال رسول الله، ولا بذكر رسول الله، ولا تروي عن رسول الله، بل قل: روي، قيل، بصيغة التمريض، فمن الأمثلة العملية للحديث الضعيف: الحديث الذي روي في الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) فهذا الحديث ضعيف، لأن فيه بعض الرواة الضعفاء. وقد ضعف الترمذي هذا الحديث لضعف بعض الرواة، وهذا الحديث صدر به الباب للطيفة جميلة في المتن، وهي الشهادة بالإيمان لمن ذهب إلى المسجد؛ على أن للحديث شاهداً من كتاب الله وهو قوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة:18] ومع ذلك قال علماء الحديث: ليست الآية عاضداً له، أي: أن الشواهد القرآنية لا تعضد الشواهد الحديثية الضعيفة، فلا تقويه ولا تصححه، فهذه هي اللطيفة، وهنالك كتاب مختص بذلك اسمه: تقوية الأحاديث الضعيفة بالشواهد والمتابعات. وكذلك كتاب الشيخ طارق عوض الله في الشواهد والمتابعات، وهو من أفضل الكتب. الحديث الثاني: روى الترمذي بسنده عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد). لا يوجد حديث جاء في إتيان المرأة في الدبر إلا وهو ضعيف، وقد ضعف البخاري كل هذه الروايات، والإتيان من الدبر يمنع من باب القياس، وليس من باب الأثر، بل ورد بإسناد صحيح الجواز عن ابن عمر، وورد بإسناد صحيح عنه أيضاً المنع، والصحيح المنع، والروايات التي جاءت في إتيان المرأة في دبرها أعلها الإمام البخاري رحمه الله، فضعف كل هذه الأحاديث، وإنما حرم هذا الفعل بالقياس، والقياس من حرمة إتيان المرأة الحائض في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] فحرم إتيان الرجل امرأته وهي حائض للأذى، وأذى الدبر أعظم من أذى الحيض، فالدبر أشد نجاسة من دم الحيض، وإن كانت علة الأذى والنجاسة فيهما سواء، إلا أنه ورد من بعض الأطباء أنه قال: إتيان المرأة في الدبر يسبب أمراضاً شنيعة، فيمنع من باب القياس والطب فقط، أما من باب الأثر فلا، لأن الأحاديث كلها ضعيفة. وهذا الحديث قال فيه الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وفيه حكيم وهو ضعيف. فإذا ضعف الراوي في طبقة من طبقات الإسناد يضعف كل الإسناد. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الحديث المرفوع والمقطوع والموقوف

شرح المنظومة البيقونية - الحديث المرفوع والمقطوع والموقوف من أنواع الحديث: المرفوع والمقطوع والموقوف، وكلها من صفات المتن، وقد بين المحدثون الفرق بينها، وبينوا أن كلاً منها أقسام، فمنه الصحيح والضعيف والموضوع.

الحديث المرفوع

الحديث المرفوع إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب:70]. {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: [أبدأ بالحمد مصلياً على محمد خير نبي أرسلا وذي من أقسام الحديث عده وكل واحد أتى وحده أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله والحسن المعروف طرقاً وغدت رجاله لا كالصحيح اشتهرت وكل ما عن رتبة الحسن قصر فهو الضعيف وهو أقسام كثر وما أضيف للنبي المرفوع وما لتابع هو المقطوع والمسند المتصل الإسناد من راويه حتى المصطفى ولم يبن وما بسمع كل راو يتصل إسناده للمصطفى فالمتصل] المرفوع لغة: اسم مفعول من رفع، ضد وضع، وسمي بذلك لأنه نسب لصاحب المقام الرفيع النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث المرفوع اصطلاحاً: هو كل ما أضيف أو أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو صفة خُلقية. وهذا يغاير تعريف الأصوليين؛ لأن الأصوليين يقولون: من قول أو فعل أو تقرير، أما المحدثون فهم يبحثون عن أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وسنن النبي صلى الله عليه وسلم، ونوم النبي صلى الله عليه وسلم، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم، وصوم النبي صلى الله عليه وسلم، وأكل النبي صلى الله عليه وسلم، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك سمى البخاري صحيحه: الجامع الصحيح المسند من سنن النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه وأحواله. والصحابة كانوا ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى في نومه، فيقولون (كان إذا نام نفخ)، ويقولون: (كان يضطجع على شقه الأيمن) ويقولون: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعمم هكذا)، (ودخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر)، فكانوا يترسمون خطا النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء، في سكتاته في لمحاته في ضحكاته في كلماته بأبي هو وأمي. والحديث المرفوع قد يكون متصلاً أو منقطعاً أو معضلاً أو مدلساً، فمثلاً لو قال البخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فهذا الحديث مرفوع؛ لأنه أسنده للنبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه بهذه الطريقة معلق، أو يقول مالك مثلاً: بلغني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كذا وكذا، فهذا الحديث سقط منه رواة، لكنه مرفوع ولو سقط منه رواة.

أمثلة للحديث المرفوع

أمثلة للحديث المرفوع المرفوع ما أضيف للنبي صلى الله عليه وسلم من قول، كالحديث الذي في الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي). وكذلك ما أضيف للنبي عليه الصلاة والسلام من فعل، كحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين قال: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته ثم توضأ فمسح على الخفين)، وحديث ابن عمر: (ارتقى على بيت حفصة فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبلاً بيت المقدس مستدبراً الكعبة)، وحديث الصحيحين عن ابن عباس قال: (بت عند خالتي ميمونة فتوسدت وسادة، فنام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا نام نفخ). ومثال تقرير النبي صلى الله عليه وسلم حديث عباد بن بشر وعمار بن ياسر عندما رمي عباد بالسهم وصلى وجرحه يثعب دماً، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم. فهذه سنة تقريرية على أنه يجوز للمرء الملطخ بالدماء أن يصلي، وهذا فيه إشارة إلى أن الدم ليس بنجس، رداً على من يقول: هذا القول بدعة! أيضاً أبو لؤلؤة اللعين البغيض البئيس عندما طعن عمر بن الخطاب صلى وجرحه يثعب دماً، وابن مسعود يقول: كنا نصلي وثيابنا ملطخة بالدماء. مثال آخر لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم: حديث معاوية السلمي عندما صفع الجارية على وجهها وقال: (أريد أن أكفر عن ذلك يا رسول الله فهل أعتقها؟ فقال له: ائتني بها، فجاءت، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على قولها: الله في السماء، فهذه سنة تقريرية على علو الله جل في علاه. ومثال الحديث المرفوع في وصف النبي صلى الله عليه وسلم حديث أنس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً)، وقوله: (ما مست يدي ديباجاً ولا حريراً ألين من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذا من وصف خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: (ما فعلت شيئاً فقال لي: لم فعلته؟ وما تركت شيئاً فقال لي: لم لم تفعل؟)، ولما سئلت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: (كان خلقه القرآن)، فهذا من يصف خلق النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضاً حديث المرأة التي وصفت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان أبيض مليحاً) أو (كان أكحل العينين)، وفي حديث آخر: (وكان أجمل من القمر). إذاً: الحديث المرفوع لا ننظر فيه للاتصال، ولا ننظر للتدليس، ولا ننظر للإرسال، ولا ننظر للإعضال، ولا ننظر للانقطاع، ولا ننظر في صحته ولا في ضعفه، بل ننظر إلى النسبة، فإن نسب وأسند لرسول الله فهو مرفوع. فالمرفوع: كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو صفة خلقية، مثل أن يروي مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثلاً: (نعم الرجل الصالح ابن عمر لو كان يقوم من الليل). مثال آخر: حديث ابن عباس: (قام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل يصلي فصليت بجانبه الأيسر، فأهوى بيده اليسرى فأخذني من أذني وحركني حتى استدرت فكنت على جانبه الأيمن)، وهذا الحديث في الصحيحين، فهذا الحديث مرفوع. مثال آخر: حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (جاءني النبي صلى الله عليه وسلم في ليلتي، فقام من الليل فانسل فارتدى ثيابه ثم خرج، فانسللت خلفه فأسرع فأسرعت خلفه حتى ذهب إلى البقيع، فرفع يديه ونكس -يعني يرفع بيديه وينزل- ثم استدار فاستدرت، فأسرع فأسرعت، فدخل علي فقال: مالك يا عائش حاشية رابية!) ثم بعدما دار الحديث بينه وبينها قال: (أخفت أن يحيف الله عليك ورسوله؟! وقال لها: أخبريني أو ليخبرني العليم الخبير).

الحديث المقطوع

الحديث المقطوع المقطوع لغة: ضد الموصول. والمقطوع اصطلاحاً: هو ما أضيف إلى التابعي أو من هو دونه قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفة خلقية أو صفة خلقية. مثال ذلك: دخل سعيد بن المسيب على ابنته وهي تقرأ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] فقالت: يا أبت أما حسنة الآخرة فقد علمناها، فما هي حسنة الدنيا؟ فقال لها: الرجل الصالح للمرأة الصالحة. فهذا القول أضيف إلى سعيد، فهو مقطوع قولي. مثال آخر: كان سليمان بن مهران الأعمش شديداً على طلبة العلم، فكان إذا جاءه طالب يطلب الحديث يرسل عليه كلباً عظيماً حتى لا يعطيه الأسانيد ولا الأحاديث. وفي ذات مرة كسر عليه الباب ودخلت جيوش من طلبة العلم يطلبون منه الحديث، فقال للخادمة: أين الكلب؟ قالت: مات الكلب، فقال: مات الذي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر! فهذه رواية مقطوعة عن الأعمش، فـ الأعمش تابعي. مثال آخر: كان مسروق رجلاً عابداً زاهداً ورعاً، وإذا دخل بيته أرخى الستر بينه وبين أهله ثم قام يصلي، فهذا حديث مقطوع فعلي؛ لأنه من فعل مسروق. مثال آخر: سئل الحسن البصري عن الصلاة خلف المبتدع، فقال: إن لم تجد غيره فصل خلفه، وبدعته على نفسه. فهذا حديث مقطوع؛ لأننا قطعنا طريقه من الوصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأوقفناه على التابعي أو على من هو دونه.

الحديث الموقوف

الحديث الموقوف الحديث الموقوف هو: كل حديث أضيف إلى صاحب من أصحاب رسول الله، من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو صفة خُلقية. مثال ذلك: قول عبد الرحمن بن عوف: ما سبق أبو بكر القوم بكثير صلاة ولا صيام، ولكن سبقهم بشيء وقر في قلبه. فهذا حديث موقوف على صحابي. مثال آخر: أن علي بن أبي طالب عندما حرق الخوارج بالنار قيل له: إن ابن عباس يقول: لو كنت مكانه لقتلتهم بالسيف، فإنه لا يحرق بالنار إلا الله جلا في علاه، فقال: هذا الغواص! فهذا حديث موقوف على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.

حكم المقطوع والموقوف

حكم المقطوع والموقوف وحكم المقطوع أو الموقوف مثل المرفوع ينظر في إسناده، فإن كان متصلاً واستجمع الشروط فهو صحيح، وإلا فهو ضعيف أو حسن، فحكمه حسب الأسانيد.

حجية الحديث الموقوف

حجية الحديث الموقوف فإذا وقفت الحديث على الصحابي وما ارتقيت به إلى النبي فهذا الموقوف لا يرتقي لدرجة الحديث النبوي، لكنه قول للصاحب، وقول التابعي بالاتفاق ليس بحجة، وهذا الذي قال فيه أبو حنيفة: (هم رجال ونحن رجال)، فهذه الجملة قالها في التابعين. فقول التابعي ليس بحجة، وقول التابعي يذكر لا للاستناد ولكن للاستئناس. والفرق بين الاستناد والاستئناس: أن الاستناد حجة دامغة للمخالف، أما الاستئناس فأبين لمن أناظره أنني لست وحيداً فريداً، فتوجد بعض الأقوال تساندني أو بعض الأحاديث وإن كانت ضعيفة؛ لأنها تحتمل الصحة احتمالاً ضعيفاً، فأنا أستأنس بها حتى لا أقف أمام المناظر وحيداً فريداً، فأقوال التابعين تروى للاستئناس لا للاستناد. وأما أقوال الصحابة ففيها خلاف أصولي عريض، لكن الصحيح الراجح أن قول الصاحب إذا لم يخالفه صاحب آخر فهو حجة. فإذا وجدت عمر بن الخطاب يقول: ليس للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن، فقل: هذه حجة؛ لأنه قول صاحب. وإذا وجدت علي بن أبي طالب يقول: أما الجنب فلا يقرأ حرفاً واحداً، فهذا قول صاحب لم يخالفه أحد. إذاً الموقوف حجة إذا لم يخالفه أحد، فإذا خالفه أحد من الصحابة، فننظر في الأدلة والقرائن التي ترجح.

الموقوف الذي له حكم الرفع

الموقوف الذي له حكم الرفع الموقوفات التي لها حكم المرفوعات تقتصر على الغيبيات فقط، وهي أن يروى لنا حديث موقوف على صاحب لا يمكن أن يصل إليه بالاجتهاد، بل هو من الأمور الغيبية، فهذا موقوف له حكم المرفوع. مثاله: قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: (بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء وأخرى مسيرة خمسمائة عام إلى أن قال: والله فوق العرش ويعلم ما أنتم عليه). فهذا لا يمكن أن يكون من اجتهاد ابن مسعود لأنه في الغيبيات، ولا بد أن يكون من الوحي، فنقول: هذا موقوف وحكمه حكم المرفوع. لكن يوجد صحابيان كانا يأخذان من أهل الكتاب، فإن ذكرا حديثاً موقوفاً في الغيبيات فلا نقول له حكم المرفوعات. ط أولهما: عبد الله بن عمرو بن العاص؛ لأنه اشتهر عنه أنه كان يأخذ من أهل الكتاب، وأهل الكتاب عندهم كتب محرفة، وفيها الأكاذيب. الثاني: عبد الله بن عباس، لكن عبد الله بن عباس أقل أخذاً عن أهل الكتاب من عبد الله بن عمرو بن العاص، فقد يقبل منه بعض الأحاديث التي تحفها القرائن أنه لم يأخذها من أهل الكتاب؛ ولذلك قال العلماء: كل غيبيات ابن عباس في التفسير لا تقبل منه؛ لأنه كان يأخذ من أهل الكتاب، يعني مما لم يستند فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: الغيبيات من الموقوفات لها حكم المرفوع. ويلحق بذلك قول الصاحب: كنا نفعل كذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينسبه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو يقول: كنا نقول كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو نفعل كذا، كما في صحيح البخاري قال جابر: (كنا نعزل والقرآن ينزل)، فهذا حكمه حكم المرفوع التقريري؛ لأن هذا إقرار؛ لأنه نسبه إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم، فهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم، فحكمه حكم الحديث المرفوع التقريري.

الحديث المتصل والمسلسل

شرح المنظومة البيقونية - الحديث المتصل والمسلسل من أنواع الحديث: الحديث المتصل، وقد بين العلماء معنى الاتصال في السند وأنه لا يكفي في صحة الحديث. ومن أنواع الحديث: الحديث المسلسل، وله صور كثيرة، وغالب الأحاديث المسلسلة ضعيفة، ولم يصح منها إلا القليل.

الحديث المتصل

الحديث المتصل

تعريف الحديث المتصل

تعريف الحديث المتصل إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: [أبدأ بالحمد مصلياً على محمد خير نبي أرسل وذي من اقسام الحديث عده وكل واحد أتى وحده أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله والحسن المعروف طرقاً وغدت رجاله لا كالصحيح اشتهرت وكل ما عن رتبة الحسن قصر فهو الضعيف وهو أقسام كثر وما أضيف للنبي المرفوع وما لتابع هو المقطوع والمسند المتصل الإسناد من راويه حتى المصطفى ولم يبن وما بسمع كل راو يتصل إسناده للمصطفى فالمتصل مسلسل قل ما على وصف أتى مثل أما والله أنباني الفتى كذاك قد حدثنيه قائماً أو بعد أن حدثني تبسماً] الحديث المرفوع هو: الذي أضيف للنبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو صفة خلقية، ويشترط فيه أن ينسب للنبي فيقال: قال رسول الله ونحو ذلك، حتى لو سقط من إسناده راو أو أكثر، أي: سواء كان معلقاً، أو منقطعاً، أو مرسلاً. فالحديث المرفوع فيه الصحيح وفيه الضعيف وفيه الحسن بل وفيه المنكر وفيه الموضوع، فشرطه أن ينسب ويسند لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والمتصل: اسم فاعل من اتصل ضد انقطع، وهو الشيء الملتئم. أما اصطلاحاً: فالعلماء اختلفوا فيه على قولين: القول الأول: وهو الذي رجحه الناظم أنه المرفوع الذي أخذه كل راو عمن فوقه سماعاً، يعني المتصل هو الذي اتصل إسناده للمصطفى صلى الله عليه وسلم. وهذا فيه نظر؛ لأنه نفس تعريف المسند، فهو جعل المسند ما له شرطان: الشرط الأول: أن يكون مرفوعاً ينسب لرسول الله. الشرط الثاني: أن يتصل الإسناد برواية التلميذ عن كل شيخ مباشر له. وهنا ذكر: المتصل وغاير بينهما، فلا بد أن يغاير بينهما في التعريف، ولكنه سوى بينهما. القول الثاني: هو ما اتصل إسناده إلى منتهاه. وقولك: (منتهاه) يحتمل أن يكون للنبي ويحتمل أن يكون للصحابي، ويحتمل أن يكون للتابعي أو من تحت التابعي. فهذا هو التعريف الثاني: هو ما اتصل إسناده من رواية التلميذ عن الشيخ المباشر إلى المنتهى، سواء انتهى إلى ابن المسيب أو انتهى إلى الحسن البصري أو انتهى إلى الزهري أو انتهى إلى الأعمش، أو انتهى إلى أبي بكر أو انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالمتصل يشمل المرفوع ويشمل المقطوع ويشمل الموقوف.

الفرق بين المرفوع والمسند والمتصل

الفرق بين المرفوع والمسند والمتصل وهذا القول الثاني هو القول الراجح، وهو ما اتصل إسناده إلى منتهاه سواء رفع أو لم يرفع. فعندنا تعريفات ثلاثة فيها تداخل، ولا بد من التفريق بينها، وهي المرفوع والمسند والمتصل. فالمرفوع: ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والمسند: ما اتصل إسناده ورفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والمتصل: ما اتصل إسناده إلى منتهاه. فالمرفوع والمسند يتفقان ويفترقان. فيتفقان في النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم. فالمرفوع ينسب لرسول الله، والمسند ينسب لرسول الله، ويفترقان في أن المرفوع قد يتصل سنده وقد ينقطع، فقد يكون معضلاً، وقد يكون منقطعاً، وقد يكون معلقاً، وقد يكون مرسلاً، فشرطه أن يذكر في الآخر رسول الله، أما المسند فيشترط فيه اتصال السند. والمسند والمتصل يتفقان ويفترقان. يتفقان في شرط اتصال السند، ويفترقان في أن المسند يشترط فيه أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمتصل لا يشترط فيه هذا الشرط، فقد يصل إلى الصحابي أو لغير الصحابي.

مثال الحديث المتصل

مثال الحديث المتصل من أمثلة المتصل المرفوع في سلسلة الأحاديث: مالك عن ابن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر. هذه السلسلة متصلة والحديث فيها مرفوع، فـ مالك يروي عن شيخه المباشر الزهري، والزهري يروي عن شيخه المباشر سالم بن عبد الله، وسالم بن عبد الله من الفقهاء السبعة، يروي عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع، واتصل سنده، فهو مسند، ومتصل، ومرفوع. مثال للمتصل الموقوف: مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال كذا.

الحديث المسلسل

الحديث المسلسل

تعريف الحديث المسلسل

تعريف الحديث المسلسل المسلسل في اللغة: اسم مفعول مشتق من السلسلة، وهي اتصال الشيء بالشيء، ومنه سلسلة الحديد، وسمي بذلك لشبهه بالسلسلة من ناحية الاتصال، فكأن الهيئة واحدة، كل راو شبك بأصابعه فكانت سلسلة واحدة، وكل حلقة كالحلقة التي تليها. واصطلاحاً: هو الذي نقله كل راو عمن فوقه بصيغة معينة. يعني: أن الرواة اتفقوا من أولهم إلى آخرهم على وصف معين، أو على حال معين، أو على صيغة معينة، مثلاً: يقول: مالك: أنبأني نافع، ونافع يقول: أنبأني ابن عمر، وابن عمر يقول: أنبأني رسول الله، فهذه سلسلة اتفقت على صيغة الإنباء. أو يقول: حدثني أو يقول: حدثنا وأنا أسمع من وراء الجدار، مثل النسائي مع شيخه الحارث بن مسكين، وقد كان قاضياً محدثاً فقيهاً ورعاً تقياً زاهداً، وهو مفخرة بحق للمصريين، وكان النسائي دخل عليه بالطيلسان فاستاء منه الحارث وما أجلسه في مجلسه، وكان النسائي يحتاج لحديثه، فكان يجلس خلف الجدار دون أن يراه فيقول: حدثنا وأنا أسمع، فكان يجلس خلف الجدار، ويسمع الأحاديث، وقد عيب على الدارقطني أنه ما كان يقول: وأنا أسمع، في مثل هذه المسألة، وإنما كان يقول: حدثنا ويقصد: القوم، ولذلك أدخلوه في المدلسين. مثال آخر للمسلسل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر، ثم قبض علي لحيته ثم قال: آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره) ثم جاء الراوي أنس أو غيره فقال: (آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره)، ثم قال الراوي عن أنس أيضاً: (آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره) وهكذا، فكل راو قال هذه الرواية، فنقول هذه سلسلة قوليه. والحديث المسلسل منه الضعيف ومنه الصحيح، والغالب على المسلسل أنه ضعيف، والصحيح منه نادر جداً.

أنواع المسلسل وأمثلته

أنواع المسلسل وأمثلته الأحاديث المسلسلة أنواع، منها مسلسل بأحوال الرواة القولية، ومسلسل بأحوال الرواة الفعلية، ومسلسل بأحوال الرواة قولية وفعلية معاً، ومسلسل بصفات. مثال المسلسل بالقول: حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معاذ إني أحبك فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، والراوي عن معاذ قال له معاذ: إني أحبك فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول، وروى الحديث، والراوي عن معاذ قال ذلك للراوي عنه. ومثال المسلسل بأحوال الرواة الفعلية كتشبيك الأصابع، وكالابتسامة. أما تشبيك الأصابع فكما قال أبو هريرة: (شبك أبو القاسم بيدي وقال: خلق الله الأرض يوم السبت)، ثم أخذ أبو هريرة أخذ بيد الراوي عنه وشبك بيده وقال: شبك رسول الله بيدي هكذا وقال: (خلق الله الأرض يوم السبت)، ثم شبك الراوي عن أبي هريرة يده بالراوي الذي تحته وقال: شبك أبو هريرة بيدي هكذا، وشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أبي هريرة وقال: (خلق الله الأرض يوم السبت). ومثال المسلسل بأحوال الرواة القولية والفعلية فحديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره وقبض على لحيته)، فهذا فعل؛ لأنه قبض على اللحية، وقول لأنه قال بعد ذلك: (آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره)، فقبض أنس عندما روى الحديث على لحيته بعد رواية الحديث. وقال: (آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره)، والراوي عن أنس قبض لحيته وقال: قبضه أنس وقبض رسول الله وقال: (آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره). المسلسل بصفات الرواة القولية مثل الحديث المسلسل بقراءة سورة الصف، رواه كل راو بقراءة السورة. ومن المسلسل اتفاق أسماء الرواة، كالمسلسل بالمحمدين، مثلاً يقول محمد بن فلان: حدثني محمد بن أنس حدثني محمد بن علي حدثني محمد بن عبد الله حدثني محمد بن أبي بكر حدثني محمد بن مسلم. أو يكون مسلسلاً بالمدنيين، وهذا من لطائف الإسناد، ويذكره كثيراً الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فيقول وهو يشرح الحديث: ومن لطائف الإسناد أن هذا الحديث مسلسل بالبصريين، أو مسلسل بالمدنيين، أو مسلسل بالمكيين.

حكم الحديث المسلسل

حكم الحديث المسلسل الحديث المسلسل، يحكم عليه حسب الشروط الخمسة، فإن توافرت فيه الشروط الخمسة فهو صحيح، وإلا فهو حسن أو ضعيف أو موضوع.

الحديث العزيز والمشهور

شرح المنظومة البيقونية - الحديث العزيز والمشهور من أنواع الحديث: الحديث العزيز والحديث المشهور، وقد بين المحدثون أحكامهما والفرق بينهما، وبينوا أنواع الحديث المشهور، وذكروا الأمثلة على ذلك.

الحديث العزيز

الحديث العزيز

تعريف الحديث العزيز

تعريف الحديث العزيز إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: [أبدأ بالحمد مصلياً على محمد خير نبي أرسلا وذي من أقسام الحديث عده وكل واحد أتى وحده أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله والحسن المعروف طرقاً وغدت رجاله لا كالصحيح اشتهرت وكل ما عن رتبة الحسن قصر فهو الضعيف وهو أقسام كثر وما أضيف للنبي المرفوع وما لتابع هو المقطوع والمسند المتصل الإسناد من راويه حتى المصطفى ولم يبن وما بسمع كل راو يتصل إسناده للمصطفى فالمتصل مسلسل قل ما على وصف أتى مثل أما والله أنباني الفتى كذاك قد حدثنيه قائماً أو بعد أن حدثني تبسما عزيز مروي اثنين أو ثلاثه مشهور مروي فوق ما ثلاثه معنعن كعن سعيد عن كرم ومبهم ما فيه راو لم يسم]. يذكر المصنف قسماً آخر من أقسام الحديث وهو الحديث العزيز. وكلمة (العزيز) صفة مشبهة من عز يعز -بالكسر- بمعنى قل، ومن عز يعَز -بالفتح- بمعنى قوي واشتد؛ لأن المنفرد كان ضعيفاً فقوي جانبه بالآخر الذي تعزز به، وسمي بذلك إما لقلة وجود هذا الصنف وندرته، فهو نادر جداً يعد على الأصابع، حتى وإن كان ضعيفاً أو موضوعاً فهو نادر جداً لندرته وقلة وجوده، أو سمي بذلك لقوته لأنه قد جاء من طريق آخر، ودائماً المنفرد إذا عزز بغيره يتقوى إذا جاء من طريق آخر. والعزيز اصطلاحاً: هو ما انفرد بروايته عن راويه راويان في أي طبقة من طبقات السند. وهذا القيد مهم جداً. يعني: إذا كان السند فيه راويان إما في أول السند أو في آخر السند أو في وسط السند فيمكن لنا أن نقول: هذا من قسم العزيز من الأحاديث. وتوجد قاعدة عند أهل الحديث وهي: النظر في الطبقات لأقل طبقة، فإن كان أقل طبقة فيها راويان فإن هذا هو العزيز، حتى لو كانت طبقة الصحابة فيها راويان فهو عزيز. إذاً: العزيز هو ما انفرد بروايته عن راويه راويان إما في جميع طبقات السند وإما في طبقة من طبقات السند. ويشترط في العزيز شرط مهم جداً وهو ألا يكون في طبقة من الطبقات أقل من اثنين، وإذا كان فيه أكثر فلا يضر، لكن لو كان يروي مالك عن نافع عن ابن عمر وعن أبي هريرة، فليس عزيزاً، هنا يوجد راويان لكن أقل طبقة موجودة في السند راو واحد، فهو حديث غريب، والعزيز أن يكون في أقل طبقة من طبقات السند راويان.

مثال العزيز

مثال العزيز مثال العزيز: ما رواه الشيخان من حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده) وقد جاء هذا الحديث أيضاً عن أبي هريرة، فيعتبر راويان في طبقة واحدة. ولو أخذنا سلسلة الإسناد لهذا الحديث من طريق أنس نجد أن أنساً رواه عنه قتادة وعبد العزيز بن صهيب. وقتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي، ثقة ثبت مدلس، ومن أمتع ما قيل في قتادة: إن أنساً سئل: صف لنا رسول الله، فقال: أما شعره فكشعر قتادة، فانهال قتادة بالبكاء حتى كاد يقتله انظروا إلى حب هؤلاء القوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كثير من التابعين يقولون لـ ابن مسعود: أكنتم ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعينكم؟ أكنتم تجلسون بجانب رسول الله؟ والله لو كنا في عصره لحملناه فوق رءوسنا وما مشى على الأرض! وهذا من شدة حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كان الواحد منهم يسهل عليه أن يضحي بأهله وماله وكل الدنيا من أجل لحظة واحدة يرى فيها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فـ قتادة يروي عن أنس، وأيضاً في نفس طبقة قتادة متابعة تامة من عبد العزيز بن صهيب، فهو أيضاً يروي عن أنس متابعاً لـ قتادة. إذاً: حديث أنس له طريقان، الطريق الأول: عن قتادة، والطريق الثاني: عن عبد العزيز بن صهيب، ويرويه عن قتادة أيضاً راويان: شعبة بن الحجاج وسعيد بن أبي عروبة. وشعبة قد كفانا تدليس قتادة. ونأتي إلى طريق عبد العزيز بن صهيب فيرويه عنه راويان: إسماعيل بن علية وعبد الوارث وكل هؤلاء من رجال الصحيح. إذا نظرت إلى هذا التخطيط وجدت الطبقة الأولى فيها راويان، والطبقة الثانية فيها راويان، والطبقة الثالثة فيها راويان، إذاً كل الطبقات فيها راويان، فهذا الحديث حديث عزيز؛ لأن كل الطبقات فيها راويان. إذاً: العزيز هو ما كان في طبقة من طبقات الإسناد راويان ولم يقل عن ذلك في أي طبقة من طبقات الإسناد، وإن وجد في طبقة من الطبقات أكثر من راويين فهو أيضاً عزيز إن كان أقل الطبقات فيها راويان.

الحديث المشهور

الحديث المشهور

تعريف الحديث المشهور

تعريف الحديث المشهور المشهور لغة: هو اسم مفعول من شهرت الأمر أي: أعلنته وأظهرته، سمي بالمشهور لوضوحه وانتشاره بين الناس. واصطلاحاً كما رجح الحافظ ابن حجر: هو ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقات السند، ولو رواه اثنان لا يدخل في حد المشهور، بل يكون الحديث عزيزاً. فالشرط الأول: أن يرويه ثلاثة فأكثر، وشرط آخر: ألا يبلغ حد التواتر. إذاً: المشهور له شرطان: الشرط الأول: أن يرويه أكثر من ثلاثة في طبقة من طبقات السند. الشرط الثاني: ألا تبلغ الكثرة إلى حد التواتر. وبعض العلماء يقول: المشهور هو المستفيض، وبعضهم يغاير بينهما، فيجعل المستفيض الذي ابتداؤه كانتهائه، يعني كل طبقات السند ثلاثة عن ثلاثة، وبعضهم لا يغاير بينهما.

مثال الحديث المشهور

مثال الحديث المشهور مثال ذلك: حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبق عالماً) وفي رواية: (لم يَبق عالم) والفرق بينهما أن (لم يُبق عالماً) الذي لم يبق هو الله جل في علاه، وعالماً مفعول به، ورواية (لم يبق عالم) يكون عالم هو الفاعل، وتعريف الفاعل هو من أسند إليه الفعل، فإذا قلنا: مات محمد، فقد أسند الفعل إلى محمد. من أمثلة المشهور هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رواه أكثر من ثلاثة عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ولا يشترط أن كل سلسلة الإسناد يكون فيها ثلاثة رواة، الشرط الوحيد أن يكون في أقل طبقة من طبقات الإسناد ثلاثة فأكثر؛ لكن بشرط ألا يبلغ حد التواتر.

أنواع الحديث المشهور

أنواع الحديث المشهور للمشهور أنواع: مشهور عند الفقهاء، ومشهور عند الأصوليين، ومشهور عند العوام، ومشهور عند المحدثين، فالمشهور بين أهل الحديث مثل حديث أنس: (قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان)، فهذا حديث مشهور جداً عند المحدثين، وليس بمشهور على الاصطلاح الذي يكون في إسناده ثلاثة رواة، بل قد يكون في الإسناد عزيزاً أو غريباً لكن هو مشهور عند المحدثين بمعنى أنه اشتهر على ألسنة المحدثين. وهناك بعض الأحاديث اشتهرت على ألسنة الفقهاء كحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وهذا حديث ضعيف، بل بعضهم قال: موضوع، والصواب أنه حديث ضعيف، لكن المعنى صحيح؛ لأن الله جل وعلا يبغض ذلك ويكره ذلك، إلا في حالات الضرورة أو الحاجات الشديدة. ومثال المشهور عند الأصوليين حديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، فهذا الحديث مشهور جداً عند الأصوليين؛ لأنه يتفرع عليه أبواب كثيرة جداً وأحكام كثيرة جداً؛ ولذلك اشتهر جداً عند الأصوليين، وهم يجعلون الجهل مثل النسيان، ولذلك ترى أنهم لا يؤثمون من وقع في الخطأ إن كان جاهلاً، وأيضاً لا يجعلونه يعيد العبادة مرة ثانية، فلو تعبد أحد لله عبادة بجهل فقد وقعت خطأ ولا يجعلونه يعيدها مرة ثانية، ويقولون: أنت معذور. وهذه المسألة فيها تفصيل: فإذا كانت العبادة من الواجبات رفع عنه الإثم ويؤمر بالإعادة، وإن كان الفعل في المحظورات رفع عنه الإثم ولا يؤمر بالإعادة، وبالمثال يتضح المقال: لو صلى الظهر أربعاً لكن لم يسجد إلا سجدة واحدة، ثم بعد وقت طويل علم أنه سجد سجدة واحدة، فماذا نقول له؟ نقول: نسيت أو جهلت، والنسيان والجهل سواء، فرفع عنك الإثم لكن عليك أن تعيد الصلاة عند طول الفاصل، مثل ساعة ونصف أو ساعتين، فنقول له: أعد الصلاة؛ لأنك تركت واجباً، وحديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ينفعك في رفع الإثم فقط. مثال آخر: رجل كان يصلي العشاء فقال: زوجتي طالق، وكان مذهولاً، فلما انتهت الصلاة سلم الإمام وقال له: أكنت أقرأ في سورة البقرة أم في سورة الطلاق؟ فجاء الرجل وقال: سامحني، قد سهوت وذهلت عن نفسي أني في صلاة، فطلقت امرأتي بسبب مشاجرة وقعت بيني وبينها، فما حكم صلاتي؟ وما سأل عن امرأته، فهو لا يريدها، بل قال: الحمد لله أنا فصلت في المسألة، هي طالق بالثلاث، لكن ما حكم صلاتي؟ هنا يأتي الجواب فنقول له: أنت الآن عندما قلت: هي طالق هل كنت ناسياً أنك في صلاة؟ قال: والله كنت ناسياً أنني في صلاة، قلنا: يأتي الحديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، فأنت صلاتك صحيحة ولا إعادة عليك؛ لأنك أتممت أركان الصلاة وشروط الصلاة، والدليل على ذلك حديث معاوية بن الحكم السلمي عندما دخل فعطس رجل فقال: الحمد لله، فقال له: يرحمك الله، فالرجل ضرب على فخذه والصحابة ينظرون إليه شزراً لأنه تكلم في الصلاة، فقال: ويل أمي! لماذا تنظرون إلي؟ يعني: ما سكت، بل تكلم كثيراً، وبعدما انتهى من الصلاة وتكلم كثيراً أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال الرجل: والله ما كهرني ولا نهرني ولا زجرني ولا سبني ولا شتمني، قال له: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس). وجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة مع أنه تكلم، فنقول للرجل: هنيئاً لك، طلقت امرأتك، ووقعت طلقة واحدة ولك أن تردها، واتق الله ربك وأحسن إليها، وصلاتك صحيحة. ومثال المشهور عند النحاة حديث: (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه). ومثال الحديث المشهور عند عامة الناس حديث: (العجلة من الشيطان)، وبعض العلماء رفع هذا الحديث للنبي وصححه.

الحديث المعنعن والمهمل

شرح المنظومة البيقونية - الحديث المعنعن والمهمل من علم مصطلح الحديث ذكر الأحاديث المعنعنة والمؤنأنة، والأحاديث المبهمة والمهملة، ويسمى الحديث عالياً إذا قل رجاله أو كان علو صفة، ويسمى نازلاً إذا كثر رجاله.

الحديث المعنعن

الحديث المعنعن

تعريف الحديث المعنعن

تعريف الحديث المعنعن إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. قال المصنف رحمه الله تعالى: [معنعن كعن سعيد عن كرم ومبهم ما فيه راو لم يسم وكل ما قلت رجاله علا وضده ذاك الذي قد نزلا وما أضفته إلى الأصحاب من قول وفعل فهو موقوف زكن ومرسل منه الصحابي سقط وقل غريب ما روى راو فقط] الحديث المعنعن لغة: اسم مفعول من عنعن، يعني: أتى بصيغة العنعنة ولم تأت الصيغة للتحديث أو التصريح بالإخبار، كأنبأني، أخبرني، سمعت. واصطلاحاً: هو الحديث الذي روي بلفظ: عن مالك عن نافع عن ابن عمر، وعن مالك عن الزهري عن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبي. فإذاً: جاءت العنعنة، ولم يقل: أنبأني ولا حدثني. فإذاً: اصطلاحاً: هو الحديث الذي رواه التلميذ عن شيخه بالعنعنة، أو رواه الراوي بالعنعنة لا بالتصريح بالتحديث. وأيضاً يدخل في هذا النوع المؤنأن، وهو أن يقول فيه التلميذ: أن أن، لكن الأنأنة تدخل مع العنعنة. فالحديث المعنعن الذي في سنده عنعنة ولو في طبقة واحدة من طبقات السند، مثلاً: مالك يقول: حدثني نافع، ونافع يقول: حدثني ابن عمر، ابن عمر يقول: عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولنا أن نقول: هذا الحديث معنعن، لأن النظر في أقل طبقة، فأي طبقة من طبقات السند كانت فيها العنعنة سمي هذا الحديث حديثاً معنعناً. مثال ذلك ما رواه ابن ماجة، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا سفيان عن أسامة بن زيد، عن عثمان بن عروة عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف). فهنا قال ابن ماجة: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة شيخ مسلم فقط، وهو أخو أبي بكر بن أبي شيبة، وأبو بكر يعتبر أتقن من عثمان، لكنهما في الدرجة سواء، فـ عثمان يقول: حدثنا معاوية بن هشام. ومعاوية يقول: حدثنا سفيان، ثم سفيان يقول: عن عثمان بن عروة عن عروة، وعروة عن عائشة، وعائشة تقول: عن النبي صلى الله عليه وسلم. فيصبح الحديث معنعناً، لأنه ذكر الحديث بصيغة العنعنة.

حكم المعنعن والمؤنأن وشروطهما والأمثلة على ذلك

حكم المعنعن والمؤنأن وشروطهما والأمثلة على ذلك المعنعن والمؤنأن يمران بشرطين وقيدين: الشرط الأول: سلامة المعنعن من التدليس. الشرط الثاني: إمكان اللقي أو المعاصرة، يعني: يكون في عصره، كأن تقول مثلاً: الأعمش عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لم يتوفر فيه الشرطان؛ لأن الأعمش معاصر لـ أنس، ولكن لو جئنا للتطبيق فإن الأعمش مدلس ونحن اشترطنا سلامة التدليس. ومن الأمثلة كذلك: مالك يروي عن الزهري عن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ففي سلسلة الزهري عن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا: نشترط شرطين لتمر العنعنة: السلامة من التدليس، والمعاصرة واللقيا، فالمعاصرة واللقيا تحققت؛ لكن الزهري مدلس، والحقيقة أن الزهري مدلس، لكن تدليسه غير معتبر، يعني: العلماء لم يعتبروا تدليس الزهري فلا يرد بسببه حديث؛ لكثرة أحاديثه. ومن الأمثلة كذلك: عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبيدة من أخص الناس لـ علي ومن أصح الأسانيد: إسناد عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب، فهو ليس مدلساً عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: الشرط الأول سلامة المعنعن أو المؤنأن من التدليس، والشرط الثاني: إمكان اللقيا مع وجود المعاصرة.

الحديث المبهم

الحديث المبهم

تعريف الحديث المبهم

تعريف الحديث المبهم قال: [ومبهم ما فيه راو لم يسم]. المبهم لغة: ضد المعلوم. واصطلاحاً: هو الراوي الذي لم يسم، أي: لم يذكر اسمه، كأن يقال: فقام رجل، أو نقول: في حديث الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قال: تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) قال الراوي: فقامت امرأة من سطة النساء، يعني: من أرقى النساء وأرفعهن، هذا هو الراجح؛ لأن عقلها راجح من سطة النساء؛ ولأن الله جل وعلا مدح هذه الأمة وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]. فهذه المرأة قالت: علام يا رسول الله؟ وسألت عن نقص الدين ونقص العقل، فقال: (امرأة) فهنا تعتبر مبهمة، لأننا لم نعلم من هذه المرأة ولم يذكر الراوي اسمها. أيضاً: كحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، فقام رجل فقال: يا رسول الله أفي كل عام؟) فهذا الرجل أيضاً مبهم. فالمبهم: هو الذي لم يسم، يعني: لم يتضح اسمه في المتن أو في الإسناد. أما في المتن فكما مثلنا في المرأة أو الرجل. وفي الإسناد ينظر في هذا المبهم، إن كان من الصحابة فهذا لا يضر بالإسناد، لأن الصحابة كلهم عدول، كأن يقول مثلاً: تبايع الرجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، والرجل هذا من الصحابة، فإذا أبهم فلا ضرر في الإسناد. لكن إذا كان من غير الصحابة فيضر بالإسناد لجهالة الراوي، فجهالة حال الراوي تضعف الإسناد. وأما إذا كان في المتن فلا يضعف المتن، ولا يؤثر. مثاله في المتن: حديث ابن عباس المتقدم عن الحج. ويعرف المبهم بجمع الطرق، فالمبهم يعرف بذكر الراوي لاسمه، أو بجمع الطرق. ومثاله في السند: حديث رافع بن خديج عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن المخابرة) رافع يروي عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن ظهر اسمه، لكن روى رافع عن عمه، وعمه هنا مبهم غير معلوم، إذاً: الحديث المبهم. والإبهام في الإسناد له حالتان: الحالة الأولى: في الصحابي، فهذا لا يضر بالإسناد. الحالة الثانية: ما دون الصحابة، فيكون قد أضر بالإسناد.

الفرق بين المبهم والمهمل

الفرق بين المبهم والمهمل إذا ذكرنا المبهم فنذكر المهمل، المهمل: هو أن يروي الراوي عن شخصين متفقين في الاسم ولم ينسبهما. إذاً: المهمل راوٍ ذكر باسمه لكن لم ينسب، أي: لم يذكر اسم أبيه ولا اسم جده كأن يقول: عن حماد، ويسكت، فإما أن يكون حماد بن زيد، وإما حماد بن سلمة، أو يقول: عن سفيان، فإما أن يكون سفيان الثوري، وإما ابن عيينة. وللمهمل حالات ثلاث: أولاً: أن يكونا ثقتين، كـ حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وكـ سفيان الثوري وسفيان بن عيينة. ثانياً: أن يكونا ضعيفين. ثالثاً: أن يكون أحدهما ضعيفاً والآخر ثقة. فالحالة الأولى: أن يكونا ثقتين، فهذا لا يضر بالإسناد، وهو علة من علل الإسناد؛ لأنه فيه راو مهمل لم ينسب؛ لكنها علة غير قادحة بالإسناد. والحالة الثانية: إن كان ضعيفين، فهذا أيضاً لا يضر بالإسناد أو لا يضر بالباحث حتى ندقق القول، لأنهما إن كانا ضعيفين فالسند ضعيف في الحالتين. والحالة الثالثة: إن كانا أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً، وهذه هي المعضلة، فعلى الباحث أن يبحث ليعرف ويفرق من المقصود، هل هو الثقة أم الضعيف؟ ويعرف الباحث ذلك بجمع الطرق، فإذا جمع الطرق فمن الممكن أن يذكر الاسم منسوباً في إحدى الطرق، أو ينظر في المستخرجات أو بمعرفة التلميذ؛ لأن هناك تلاميذ لـ حماد بن زيد وحماد بن سلمة، فإذا رأى التلميذ الذي روى عن حماد كأنه لا يروي إلا عن حماد بن زيد، فيقول: هذا حماد بن زيد، لأن هذا الراوي لا يروي عن ابن سلمة، وليس من تلاميذ ابن سلمة. وهذا موجود في تهذيب الكمال، ولا تجده في تهذيب التهذيب لـ ابن حجر؛ لأن تهذيب الكمال للمزي، هو الذي استوعب معظم الشيوخ ومعظم التلاميذ. إذاً: للحديث المهم ثلاث حالات: الحالة الأولى: كانا ثقتين فلا يضر بالحديث. الحالة الثانية: إن كانا ضعيفين فلا يضر الباحث؛ لأن الحديث ضعيف. الحالة الثالثة: إن كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً، فلا بد من البحث والتنقيب؛ حتى يعرف هذا المذكور. مثال ذلك: ما في البخاري، وكثيراً ما يروي البخاري عن شيخ له اسمه أحمد، وله شيوخ آخرون لهم نفس الاسم، فيقول البخاري حدثني أحمد ويجعله غير منسوب، فهذا يكون من باب الراوية التي فيها المهمل.

الحديث العالي والحديث النازل

الحديث العالي والحديث النازل

تعريف الحديث العالي

تعريف الحديث العالي قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكل ما قلت رجاله علا وضده ذاك الذي قد نزلا] العالي لغة: ضد النازل، وهو الشيء المرتفع على غيره. وفي الاصطلاح: هو الذي قل عدد الرواة بالنسبة إلى سند آخر، يعني: بالمقارنة بسند آخر. فأنت تعرف أن هذا الحديث عال وهذا الحديث نازل عندما تنظر في سند وتقارنه بأسانيد أخرى، فتجد رجاله بالنسبة للأسانيد الأخرى أقل، يعني: بين الراوي وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أو أربعة، أو أقل عدد من الرجال بالنسبة للمصنف عند المتأخرين، فقد يكون بين الرجل وبين البخاري خمسة، وقد يكون بين الرجل وبين البخاري خمسة عشر أو سبعة عشر راوياً. وهذا قد يكون فيه شيء من الغرابة، فالحافظ ابن حجر كان بينه وبين النسائي ثلاثة، ولو روى حديثاً عن طريق النسائي فسيصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحوالي ثلاثة عشر أو أربعة عشر راوياً. والغرض المقصود: أن العلو تعرفه بالمقارنة بسند آخر، وهو قلة عدد الرجال، كالثلاثيات التي في البخاري، والمسند فيه ثلاثيات، وأبو داود له رباعيات، وابن ماجة له خمسة ثلاثيات وكلها ضعيفة، والترمذي له واحد فقط من الثلاثيات وهو ضعيف. والرباعيات عند مسلم وابن ماجة كثيرة. وكلمة رباعيات تعني: أن بين البخاري وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة، أو بين مسلم وبين النبي أربعة. فالإسناد العالي: هو أن تقل عدد الرجال، إما إلى المصنف وإما إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

أهمية العلو وحرص السلف عليه

أهمية العلو وحرص السلف عليه والسلف كانوا يعتنون جداً بالعلو، وكانوا يرحلون رحلات شاقة كما يقولون من أجل العلو، فـ جابر رحل من أجل حديث من المدينة إلى الشام، طلباً للعلو، وأبو أيوب الأنصاري رحل وتكبد المشاق من أجل العلو، ولما كان يحيى بن معين في مرض موته قالوا له: ما تتمنى؟ ولو شاء لقال: الفردوس الأعلى، ولكنه قال: إسناد عال وبيت خال. يتمنى الرحلة وهو يموت حتى يأخذ الإسناد العالي. ولذلك قال أحمد: من السنة الإسناد العالي؛ لأن الإسناد العالي يريح ويطمئن الباحث، كلما قل عدد الرجال فكلما قل الخطأ والوهم، فاحتمال الوهم عندما يكون بين النبي والراوي تسعة رواة هي تسعة احتمالات، لكن عندما يكون بين الراوي وبين النبي ثلاثة فاحتمال الوهم والخطأ ثلاثة احتمالات، فالعلو يقلل احتمال الخطأ فيه، فلذلك كان المدلسون يتشبعون بالعلو؛ لأن العلو له منقبة وله مكانة.

العلو علوان علو إسناد وعلو صفة

العلو علوان علو إسناد وعلو صفة ينقسم العلو إلى علو إسناد: وهو قلة الرجال. وعلو صفة، وهو أن يكون الحديث مسلسلاً بالذهب، أي: سلسلة الرجال الذين يرون الحديث ذهبية، وهو أن يكون الرجال كلهم اتصفوا بأنهم ثقات أثبات، بل نقول: اشتهر أمرهم بين العامة والخاصة، أنهم أجل الناس، كـ مالك، وأحمد، والشافعي، وابن معين، والمديني، والبخاري، ومسلم، وأبو زرعة، وابن أبي حاتم. يحيى بن معين لما سألوه: ماذا تقول في أحمد؟ قال: تسألوني عن ابن حنبل؟ قالوا: نعم، قال: أو أحمد يسأل عنه؟ وكما قال الشافعي: إذا ذكر الحديث فـ مالك النجم. وكما قال العلماء: سلسلة الذهب: مالك عن نافع عن ابن عمر، والشافعي أجل من يروي عن مالك. إذاً: الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر. وأحمد أجل من يروي عن الشافعي، فنقول: أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، فهذه سلسلة علو، لكن علو في الصفة، وكلهم ثقات أثبات. وينظر في الحديث العالي ويسكت عنه كما قال الذهبي، كأن يترجم مثلاً لـ هشام بن بشير، وغيره، ويقول مثلاً: هناك راو تكلم فيه، يقول: وهذا الراوي قد تجاوز القنطرة، وقال: قد وضعه البخاري في الصحيح، فهو من رجال البخاري أو من رجال مسلم، فرجال الصحيحين قد جاوزوا القنطرة، فهذا العلو أيضاً علو صفة، وهذا الذي استدركه الحاكم على البخاري ومسلم، وأتى بنفس الرجال الذين تجاوزوا القنطرة ولهم أحاديث لم يخرجها البخاري، فقال: هذا على شرط مسلم، أو هذا على شرط الصحيح. ولذلك لما صنف العلماء في ترتيب الصحة قالوا: ما اتفق عليه الشيخان، والشيخان هما: البخاري ومسلم، أو ما انفرد به البخاري، أو ما انفرد به بعد ذلك مسلم أو ما كان على شرطهما، أو ما كان على شرط البخاري، أو ما كان على شرط مسلم، أو ما كان في السنن على شرطهما. فقوله: (على شرطهما) له أيضاً حظ من النظر وحظ من الوجاهة؛ لأنه على شرط البخاري أو مسلم والغرض المقصود: أن هذا علو صفة؛ لأنهم ثقات أثبات.

تعريف الحديث النازل وحكمه

تعريف الحديث النازل وحكمه أما النزول، فالنازل لغة: ضد العالي، وهو السافل. واصطلاحاً: كثرة رجال السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ويعرف النازل بمقارنته بسند آخر، فالبنسبة للسند الآخر هو نازل لكثرة رجاله، فإذا قلنا: مالك عن نافع عن ابن عمر، فهم ثلاثة، فهذا الحديث العالي، وإذا قلنا: مالك عن ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فهم أربعة، فهذا الحديث نازل، لكثرة عدد رجاله. والنازل منه الصحيح ومنه الضعيف، والعالي منه الصحيح ومنه الضعيف ومنه الموضوع. والنازل قد نزل عن العالي درجة؛ لأن احتمال الخطأ فيه أكثر من احتمال الخطأ في العالي، مثال ذلك ما رواه البخاري، قال: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، أنه سمع علقة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات) وبين البخاري ورسول الله صلى الله عليه وسلم ستة رجال، فهذا الحديث نازل؛ لكثرة عدد رجاله. فإذا قلنا: مسلم يروي عن رجل عن الزهري عن حميد الطويل عن أنس، وبين مسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة رجال، إذاً: هذا الحديث طريقه عال بالنسبة لطريق الحديث الأول. وحكم الحديث النازل كحكم الحديث العالي، لا بد أن يبحث فيه، فمنه الضعيف، ومنه الصحيح. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصل اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحديث المرسل

شرح المنظومة البيقونية - الحديث المرسل من أنواع الحديث: الحديث المرسل والمنقطع والمعضل والمعلق، وقد بين المحدثون الفرق بينها، وضابط كل نوع منها، وبينوا حكم كل نوع، وضربوا على ذلك الأمثلة.

الحديث المرسل

الحديث المرسل

تعريف الحديث المرسل

تعريف الحديث المرسل إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: قال الناظم رحمه الله: [ومرسل منه الصحابي سقط وقل غريب ما روى راو فقط]. المرسل لغة: من أرسل بمعنى أطلق، وهو ما أضافه التابعي الكبير أو الصغير للنبي صلى الله عليه وسلم. وبعضهم يقول: هو الذي سقط منه الصحابي. والأول أولى؛ لأننا لو تأكدنا أن الصحابي هو الذي سقط فإن هذا الإسناد يكون صحيحاً؛ لأن الصحابة كلهم عدول، فسواء أبهم الصحابي أو سقط الصحابي فلا يضر، لكن الذي جعل المحدثين يقولون بضعف المرسل أنه يحتمل أن يكون الذي سقط هو الصحابي ويحتمل أن يكون الذي سقط التابعي، والأصل في الرواية الحيطة والتشديد؛ ولذا فإن الضعف يظهر في الإرسال. إذاً: المرسل هو: ما سقط منه راو من طبقة من طبقات الصحابة، أو ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كـ مالك عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو مالك عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن نافعاً والزهري من طبقات التابعين، فأضاف كل منهما الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يبين لنا الواسطة التي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم. أيضاً كأن تقول مثلاً: عن الأعمش عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مرسل؛ لأنه سقط هنا الواسطة بين الراوي وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم المرسل

حكم المرسل الصحيح الراجح ضعف الحديث المرسل؛ لأننا لا نعلم هل الذي سقط صحابي أم تابعي، فالانقطاع في الإسناد يدل على ضعف الإسناد، وقد اشترطنا خمسة شروط في الحديث الصحيح، ومن هذه الشروط الخمسة الاتصال، والسقط في الإسناد يدخل فيه الإرسال والإعضال والانقطاع والتعليق.

الحديث المنقطع

الحديث المنقطع

تعريف المنقطع

تعريف المنقطع المقطوع من صفات المتن، والمنقطع من صفات الإسناد. والمنقطع لغة: اسم فاعل من الانقطاع، وهو ضد المتصل. واصطلاحاً: هو ما سقط من أثناء السند راو واحد وإن كان في أكثر من طبقة. إذاً: شروط المنقطع: الشرط الأول: سقوط راو من الرواة لا أكثر، فلو سقط أكثر من راو على التوالي لا يكون منقطعاً. الشرط الثاني: ألا يكون من آخر السند. الشرط الثالث: ألا يكون من أول السند. والساقط من آخر السند يسمى معلقاً، والساقط من أول السند يسمى مرسلاً.

حكم الحديث المنقطع

حكم الحديث المنقطع الحديث المنقطع حديث ضعيف؛ لأنه يحتمل أن يكون الساقط ثقة ثبتاً، ويحتمل أن يكون ضعيفاً، ويحتمل أن يكون مجهولاً، ويحتمل أن يكون راوياً يهم أو يخطئ كثيراً أو متروكاً والأصل في الرواية الحيطة، فنقول بضعف الحديث، حتى يتبين لنا السقط. مثال ذلك: أن يروي البخاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، فهذا منقطع؛ لأن البخاري روى عن مالك بواسطة محمد بن مسلمة القعنبي الذي تاب من السكر على يد شعبة بن الحجاج عندما روى له حديث: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت). مثال آخر للمنقطع: أن يروي القعنبي عن مالك عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا منقطع؛ لأنه سقط من أثناء السند راو.

الحديث المعضل

الحديث المعضل الإعضال مأخوذ من أعضله أي أعياه، وهو الشيء المعجوز عنه، كالدواء الذي أعضل الأطباء مثل دواء الإيدز. واصطلاحاً: ما سقط من أثناء سنده اثنان فأكثر بشرط التوالي. إذاً: شروط المعضل: الشرط الأول: أن يكون السقط من أثناء الإسناد. الشرط الثاني: أن يكون سقوطهما على التتابع؛ لأنه لو سقط من الطبقة الأولى راو، ثم من الطبقة الثالثة راو، ثم من الطبقة الخامسة راو؛ فهذا السقوط غير متوالي، فلا يكون معضلاً. مثال ذلك: أن يروي القعنبي عن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا معضل؛ لأن بين مالك والنبي صلى الله عليه وسلم راويان، مثل الزهري عن أنس. وأنس عمر كثيراً، وهو ليس آخر الصحابة موتاً، لكن هو من آخر الصحابة موتاً، وبعض الصحابة صلى بالناس قيام الليل بعد أن بلغ المائة والعشرين، وهو سويد بن غفلة. الحديث المنقطع والمعضل ضعيف؛ لاختلال شرط من شروط الصحة وهو اتصال الإسناد.

الحديث المعلق

الحديث المعلق الإعضال مأخوذ من أعضله أي أعياه، وهو الشيء المعجوز عنه، كالدواء الذي أعضل الأطباء مثل دواء الإيدز. واصطلاحاً: ما سقط من أثناء سنده اثنان فأكثر بشرط التوالي. إذاً: شروط المعضل: الشرط الأول: أن يكون السقط من أثناء الإسناد. الشرط الثاني: أن يكون سقوطهما على التتابع؛ لأنه لو سقط من الطبقة الأولى راو، ثم من الطبقة الثالثة راو، ثم من الطبقة الخامسة راو؛ فهذا السقوط غير متوالي، فلا يكون معضلاً. مثال ذلك: أن يروي القعنبي عن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا معضل؛ لأن بين مالك والنبي صلى الله عليه وسلم راويان، مثل الزهري عن أنس. وأنس عمر كثيراً، وهو ليس آخر الصحابة موتاً، لكن هو من آخر الصحابة موتاً، وبعض الصحابة صلى بالناس قيام الليل بعد أن بلغ المائة والعشرين، وهو سويد بن غفلة. الحديث المنقطع والمعضل ضعيف؛ لاختلال شرط من شروط الصحة وهو اتصال الإسناد.

تعريف الحديث المعلق

تعريف الحديث المعلق الحديث المعلق هو: الحديث الذي سقط منه راو في أول السند. إذاً: الشرط الوحيد ليكون السند معلقاً هو سقوط الراوي من أول السند، كأن يروي أحمد عن مالك عن نافع عن ابن عمر. فـ مالك ليس شيخاً مباشراً لـ أحمد، فهو يروي عن مالك بواسطة الشافعي أو بواسطة ابن عيينة. وفي المسند ثلاثة عشر حديثاً بهذه السلسلة سلسلة الذهب: أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. مثال آخر: أن يروي البخاري عن نافع عن ابن عمر. والبخاري كثيراً ما يقول: قال رسول الله، أو يقول: قال ابن عباس ولا يأتي بالسند، أو لا يأتي بالشيخ المباشر له، فهذا أيضاً يسمى معلقاً؛ لأن السقط من أول السند. ولو كان الساقط راويين على التوالي فالحديث معلق معضل، لكن المشهور أنه يسمى معلقاً فقط.

حكم المعلق

حكم المعلق حكم المعلق الضعف؛ لأنه اختل فيه شرط من شروط الحديث الصحيح. ومعلقات البخاري لها حكم خاص، وهي كثيرة، ولها حالان: الحالة الأولى: أن يكون الحديث المعلق في البخاري بصيغة الجزم، كأن يقول: قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو يقول: ذكر ابن عباس، أو ذكر مالك، أو ذكر نافع. الحال الثانية: أن يرويه بصيغة التمريض، يقول: يروى، يقال، يذكر. ويوجد كتاب اسمه تغليق التعليق للحافظ ابن حجر اهتم بها جداً، ووصل جميع المعلقات، وبين أن كل المعلقات التي ذكرها البخاري بصيغة الجزم صحيحة. إذاً: الحالة الأولى: إذا علق البخاري الحديث بصيغة الجزم فهو صحيح، مثل حديث المعازف فإنه معلق لم يذكر البخاري أول السند، لكنه رواه بصيغة الجزم فقال: قال هشام بن عمار، وهشام بن عمار هو شيخ مباشر للبخاري. الحالة الثانية: إذا روى الحديث بصيغة التمريض، نحو: يقال، يذكر، يروى، فهذه لا بد فيها من التتبع والنظر إلى الأسانيد، ومنها الصحيح كما بين ابن حجر، ومنها الضعيف، ومنها الحسن.

الحديث المقلوب

شرح المنظومة البيقونية - الحديث المقلوب من أنواع الحديث: الحديث المقلوب، والقلب قد يكون في المتن، وقد يكون في السند، وقد بين المحدثون هذا بالأمثلة، وميزوا الأحاديث المقلوبة، وحكموا عليها.

الحديث المقلوب

الحديث المقلوب

تعريف الحديث المقلوب

تعريف الحديث المقلوب إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: من الأحاديث الضعيفة: الحديث المقلوب. والمقلوب لغة: القلب، والقلب لغة: تحويل الشيء عن وجهه. واصطلاحاً: هو إبدال لفظ بآخر في سند الحديث أو في متنه بتقديم أو تأخير، أو هو أن يبدل الراوي شيئاً بآخر في سند الحديث أو في متن الحديث.

أنواع الحديث المقلوب

أنواع الحديث المقلوب والحديث المقلوب نوعان: قلب في السند وقلب في المتن. أما القلب في السند: فهو إبدال راو بآخر، سواء عن قصد أو عن غير قصد، سهواً أو عمداً، والعمد يشبه الوضع، لكن قد يكون العمد لقصد الإغراب، وهذا فيه تدليس، ويدخل في الكذب، كأن يكون الحديث قد اشتهر بين الناس من رواية سالم بن عبد الله عن ابن عمر رضي الله وأرضاه، فيأتي آخر يغرب على الناس، حتى يلتف حوله الناس ليرووه عنه، فيأتي بهذا الحديث من رواية نافع عن ابن عمر لا من رواية سالم عن ابن عمر، وهذا محرم بالإجماع. مثال آخر: حديث عن عمرو بن دينار مشهور بين الناس، فيجعله عن عبد الله بن دينار، فهذا القلب في الإسناد. والصورة الثانية من القلب في الإسناد: أن يبدل اسم الراوي باسم أبيه، فيقدم ويؤخر كأن يروي عن مرة بن كعب فيقول: عن كعب بن مرة، فهذا جعل الأب بدل الابن، أو يروي عن عيينة بن حصن فيقول: حصن بن عيينة، فهذا من باب القلب في الإسناد. القسم الثاني: مقلوب المتن، وهذا أيضاً له صورتان: الصورة الأولى: أن يقدم الراوي في بعض متن الحديث ويؤخر، كحديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله) فهذا الحديث مقلوب، والصحيح في الحديث: (فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه). مثال آخر: حديث أبي هريرة في النزول على الركبتين قال: (وليضع يديه قبل ركبتيه)، وابن القيم قال: هذا الحديث مقلوب على الراوي، والصحيح: (وليضع ركبتيه قبل يديه) وهذا يعتبر من المقلوب في المتن. الصورة الثانية: أن يجعل الراوي متن الحديث لإسناد غير إسناد هذا الحديث، مثلاً يأخذ متن الحديث ويترك إسناده، ويأخذ إسناد حديث آخر فيركبه على هذا المتن، وهذا يقول عنه العلماء: يسرق الحديث. وهذا من أنواع الجرح والتعديل، يعني يقال: فلان سارق للحديث، ومن صور سرقة الحديث أن يأخذ المتن الذي هو بإسناد فيركبه على إسناد آخر، ويأخذ إسناد الآخر ويركبه على المتن الآخر، كحديث عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر فيأخذ متنه فيجعله عن أبي صالح عن أبي هريرة، ويأخذ إسناد حديث أبي صالح عن أبي هريرة فيجعله عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر فيركب عليه المتن الثاني. وأوضح مثل يضرب لهذا الباب هو قصة البخاري عندما ورد بغداد، فأراد جماعة من المحدثين أن يختبروه، فكل واحد منهم أخذ عشرة أحاديث، وقلب فيها المتن والإسناد، فكان كل واحد يسأل البخاري عن الحديث، فيقول: لا أعرف، لا أعرف، لا أعرف، حتى انتهوا، فقال: أما أنت فهذا المتن لهذا الإسناد. وهذه القصة متكلم فيها لأن فيها انقطاعاً، قال ابن حجر: ليس العجب من أن يعرف البخاري أن هذه الأسانيد مقلوبة أو المتون غير مركبة، العجب كل العجب أن يحفظ كل إسناد ويحفظ كل متن ويرتبه على نفس الإسناد، ويأخذ المتن ويضعه على الإسناد!

حكم الحديث المقلوب

حكم الحديث المقلوب إن كان القلب بقصد الإغراب للشهرة والظهور فهذا باتفاق العلماء أنه يحرم؛ لأنه من باب الغش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)، وأيضاً هو من باب التدليس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)، وقد قال الله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عمران:188]. وإن كان يقصد بالقلب الاختبار كقصة البخاري، فهذه جائزة ومطلوبة بشرط أن يبين الأسانيد والمتون الصحيحة في نفس المجلس، حتى لا يهم أحد فيأخذ هذا الحديث فيحسبه حديثاً صحيحاً فيرويه للناس. وإن وقع القلب في الحديث بسهو دون عمد ودون قصد، فالحديث يكون ضعيفاً؛ لأنه لم يرو على نفس الصورة التي رواها النبي صلى الله عليه وسلم. أما حكم الراوي فله حالتان: الحالة الأولى: أن يقل عنه الخطأ، فيوصف بالوهم، وكثيراً ما يقول ابن معين وغيره: ثقة ولكنه يهم. الحالة الثانية: أن يكثر عنه هذا الزلل وهذا الخطأ وهذا القلب، فهنا يضعف؛ ولذلك الذهبي كثيراً ما يقول في الراوي: خالف كثيراً فترك، أو يقول: وهم كثيراً، أو كثر وهمه وكثر خطؤه فترك. فمن ظهر القلب في أحاديثه فهذا يترك ولا يحتج بحديثه.

مثال للحديث المقلوب

مثال للحديث المقلوب من الأمثلة التي ذكرها ابن الصلاح في الأحاديث المقلوبة: حديث في البخاري عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: حدثنا أبو النضر جرير بن حازم حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني). قال الطباع: فسألت حماد بن زيد عن هذا الحديث فقال: وهم أبو النضر، قد كنا في مجلس نحن وثابت وحجاج بن أبي عثمان فحدثنا حجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث، قال حماد بن زيد: فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت البناني. فهذا قلب الإسناد، لكن المتن صحيح. فالآن الوهم الذي وقع فيه أبو النضر ننظر فيه، فنقول: هذا الإسناد متكلم فيه؛ لأن فيه وهم من أبي النضر، وهو ثقة ثبت، فلم يضره هذا الوهم؛ لأنه ما من إمام إلا وله أوهام. فـ شعبة كان يخطئ في الرجال، والثوري كانت له أوهام، وابن عيينة كانت له أوهام، ومالك له أخطاء؛ ولذلك قال العلماء: بحثنا أحاديث مالك وابن عيينة فوجدنا أخطاء مالك أقل من أخطاء ابن عيينة. إذاً: الأخطاء تقع من الثقة، والوهم يقع من الثقة، ولا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك توجد قاعدة، وهي: إذا اختلف مالك مع ابن عيينة قدم مالك؛ لأن أخطاءه أقل من أخطاء ابن عيينة. ولو اختلف الثوري مع شعبة قدم الثوري؛ لأن الثوري أخطاؤه أقل من أخطاء شعبة. وهنا أبو النضر وهم وقلب الإسناد، ومع ذلك فإننا لا نضعفه؛ لأن وهم أبي النضر كان قليلاً بالنسبة لرواياته.

العلة في الحديث

شرح المنظومة البيقونية - العلة في الحديث من أنواع علوم الحديث: معرفة العلل، وهو علم عظيم غامض لا يتصدى له إلا الجهابذة النقاد، وقد بينوا لنا كيفية معرفة علل الحديث.

العلة في الحديث

العلة في الحديث

تعريف العلة في الحديث

تعريف العلة في الحديث إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله, وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فالعلة: اسم مفعول من أعل فهو معل، والعلة: هي المرض. أما العلة في الاصطلاح: فهي سبب غامض خفي, يضعف به الحديث مع أن ظاهر الإسناد السلامة منه. فنخرج بقول: (غامض خفي) ما إذا ظهر السبب، كالانقطاع والإعضال. أما الحديث المعل: فهو الحديث الذي اطلع عليه العلماء, فوجدوا فيه علة خفية تقدح في صحته، مع أن ظاهر السند السلامة منها.

أقسام العلة وبيان أنواع كل قسم

أقسام العلة وبيان أنواع كل قسم القسم الأول: إما أن تكون في السند، وهذا ثلاثة أنواع: النوع الأول: علة في السند تقدح في السند والمتن. النوع الثاني: علة في السند لا تقدح في السند ولا في المتن. النوع الثالث: علة في السند تقدح في السند دون المتن، فالسند ضعيف لكن المتن صحيح، ويدخل في هذا النوع أحرف يسيرة في البخاري ومسلم , فقد يتكلم على شخص في سند البخاري ومسلم لكن المتن صحيح ظاهر كالشمس. والقسم الثاني من العلة: أن تكون في المتن، وهذا ثلاثة أنواع أيضاً: النوع الأول: علة في المتن لا تقدح في المتن ولا في السند. النوع الثاني: علة تقدح في المتن. النوع الثالث: علة في المتن تقدح في المتن والسند.

طرق الوصول إلى العلة

طرق الوصول إلى العلة والحق أنه لا يصل إلى معرفة هذه العلل الخفية إلا الجهابذة من العلماء الذين أفتوا أنفسهم بحثاً ومدارسة وطلباً وتدريباً على البحث في كتب أهل العلم الذين وضحوا وبينوا علل الأحاديث, كما قال علي بن المديني: علة الحديث تظهر بجمع الروايات. وهذا هو كلام طبيب العلل الذي علم البخاري كيف يكون ليثاً في هذا العلم، فإذا جمعت روايات الحديث فوجدت في السند الأول مدلساً والسند الثاني والثالث فاعلم أن هناك علة خفية يجب البحث عنها، وكذلك يتبين من خلال جمعك للروايات وجود الإرسال أو الإعضال، أو الحكم على الحديث بالرفع أو الوضع أو نحوه. إذاً: فأول الطرق لمعرفة علة الحديث: هي جمع روايات الأحاديث كما قال ابن المديني. الثاني: الرجوع إلى كتب العلل, كالعلل: للدارقطني، وهو أوسع الكتب التي تكلمت عن العلل في الأحاديث, وكتاب العلل لـ ابن أبي حاتم , وكتاب التاريخ للإمام البخاري , وكتاب الكامل في الضعفاء لـ ابن عدي، فمن رجع إلى هذه الكتب عرف العلل التي ضعف العلماء بها الأحاديث. الثالث: إعلال الحديث بالمتون, بأن ينظر في المتن، فإذا خالف القواعد الكلية للشريعة من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم المتفق عليها فإنه لا يقبل حينئذ.

أمثلة على العلل في الحديث

أمثلة على العلل في الحديث ومن أمثلة العلل في السند أو في المتن ما يلي: المثال الأول: حديث رواه قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض). فظاهر الإسناد الصحة؛ لأن رجاله ثقات, لكن العلة الموجودة في هذا الحديث هي عدم السماع, فقد رجح المحدثون على خلاف بينهم أن الأعمش لم يسمع من أنس، وهذا رأي أكثر من المحدثين؛ فلذلك أعلوا الحديث بعدم سماع الأعمش من أنس بن مالك رضي الله عنه. قال ابن المديني: الأعمش لم يسمع من أنس بن مالك , وإنما رآه بمكة يصلي خلف المقام. والرؤية لا تعد من الرواية، لابد أن يكون قد سمع من أنس. والعلة الثانية في هذا الحديث: هي عنعنة الأعمش، فحتى لو قلنا بثبوت سماع الأعمش عن أنس , فإنها تبقى لنا علة أخرى وهي العنعنة، وقد اشترط العلماء لقبول رواية المعنعن ومنهم الأعمش شروطاً أولها: اتفاق المحدثين على سماعه ممن هو فوقه. ثانيها: الملازمة لشيخه، وهو قول الذهبي؛ لأن الملازم لشيخه قلما تفوته الأحاديث، وإن فاتته سمعها من شيخه مرة ثانية. ثالثها: إذا روى الإمام شعبة عن الأعمش، فإنه قال: قد كفيتكم تدليس الأعمش. وهذه الشروط فيما لو روى الأعمش في غير صحيح البخاري فقط؛ لأن البخاري اشترط في صحة الأحاديث التي يرويها السماع، فتحمل عنعنة الأعمش في البخاري على السماع والله أعلم. مثال آخر للأحاديث التي فيها العلة: حديث رواه يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: (البيعان بالخيار). وعلة هذا الحديث: أن أصل راويه هو: عبد الله بن دينار , فالعلة في السند، وهنا قال: عن الثوري عن عمرو بن دينار , والرواية الصحيحة هي: عن عبد الله بن دينار , يعني: أن غير يعلى من أصحاب الثوري روى هذا الحديث عن الثوري عن عبد الله , فوهم يعلى وأخطأ، فرواه عن الثوري عن عمرو بن دينار. فهذه علة في السند لكنها لا تقدح في المتن, فالمتن صحيح على كل حال. ومن الأمثلة على العلة في المتن: حديث أنس في صحيح مسلم، وهذا الكلام للشيخ أحمد شاكر , وهو أن أنساً قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال: ولم يقرأ بـ {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:1])، فنفى قراءة البسملة. وهذا الحديث انفرد به مسلم عن البخاري , وهو من طريق الوليد بن مسلم. وقد أعل هذا الحديث الشافعي والدارقطني -والدارقطني هو الجبل في هذا الباب- وأعله كذلك البيهقي وغيرهم, فأعلوا الرواية التي صرح فيها أنس بعدم قراءة البسملة؛ لأن الحديث الذي في الصحيحين عن أنس يقول: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]) فزاد الراوي عن أنس اجتهاداً منه: (لا يقرءون {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:1])، وكأنه فهم من الحديث الأول أنه لا يقرأ بالبسملة في بداية السورة، وهذا فهم خاطئ. والصحيح في الرواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:1] يستسر بها)، كما روت أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها. إذاً: فهذا مثال من الأمثلة على العلة في المتن. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً.

الحديث المضطرب

شرح المنظومة البيقونية - الحديث المضطرب من أنواع الحديث الضعيف: الحديث المضطرب، وهو أنواع، ولا يحكم باضطرابه إلا بشروط بينها أهل العلم رحمهم الله.

معنى الحديث المضطرب

معنى الحديث المضطرب إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. من أنواع الحديث الضعيف الحديث المضطرب. قال الناظم رحمه الله تعالى: [وذو اختلاف سند أو متن مضطرب عند أهيل الفن] المضطرب لغة: اسم فعل من الاضطراب، وأصله من اضطراب الموج إذا كثرت حركته وضرب بعضه بعضاً، فالاضطراب اختلاف. والاضطراب اصطلاحاً هو: الحديث الذي جاء من وجوه مختلفة متساوية مع تعذر الجمع. إذاً: الحديث المضطرب اصطلاحاً له أربعة شروط: الشرط الأول: أن يأتي من أكثر من وجه. الشرط الثاني: الاختلاف. الشرط الثالث: أن يكون الاختلاف متساوياً في القوة، يعني رواة الوجه الأول ثقات، ورواة الوجه الثاني ثقات، ورواة الوجه الثالث ثقات، ورواة الوجه الرابع ثقات. والشرط الرابع: عدم إمكان الجمع. فلا يكون الاضطراب إلا إذا لم نستطع أن نجمع بين هذه الروايات التي ظاهرها التعارض. وينقسم الاضطراب إلى قسمين: اضطراب في السند. واضطراب في المتن.

مثال الحديث المضطرب

مثال الحديث المضطرب حديث أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه قال: (يا رسول الله! أراك شبت؟ قال: شيبتني هود وأخواتها) هذا الحديث أعله الدارقطني وضعفه في العلل وقال: هذا حديث مضطرب. ثم بين علة الاضطراب فقال: لم يرو إلا من طريق أبي إسحاق، وقد اختلف عليه فيه على نحو من عشرة أوجه، فبعضهم من رواه مرسلاً، وبعضهم رواه موصولاً، وبعضهم رواه من مسند أبي بكر، وبعضهم رواه من مسند أبي سعيد، وبعضهم رواه من مسند عائشة. وهذه الأوجه متساوية في القوة، فلم يمكن الجمع بين هذه الاختلافات، فقلنا: هذا الحديث فيه علة الاضطراب مع صحة السند، فكل سند مجرد وحده صحيح؛ لأن رجاله ثقات، ومع ذلك نقول: هذا الحديث ضعيف؛ لأنه جاء من أوجه مختلفة، ولم نتمكن من الجمع بين هذه الأوجه. مثال آخر: حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه مرفوعاً: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فليضع عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط بين يديه خطاً ثم لا يضره ما مر أمامه). هذا الحديث فيه اضطراب، فقد اختلف الرواة على إسماعيل بن أمية اختلافاً كثيراً، فقيل: عنه عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده عن أبي هريرة، وقيل عنه: عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو عن جده، وقيل: عن فلان بن فلان إلى أكثر من عشرة وجوه أيضاً، أيضاً. وهذه الطرق كلها طرق متساوية، فلما تساوت وما استطعنا أن نفرق بين هذه الاختلافات ولا نجمع بينها قلنا: تعارضا فتساقطا. والاحتياط في رواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن نعل الحديث بالاضطراب، ونقول: هذا حديث ضعيف. هذا مثال الاضطراب في الإسناد، أما الاضطراب في المتن فمثاله ما رواه الترمذي عن شريك بن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بيت قيس رضي الله عنها وأرضاها قالت (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال: إن في المال لحقاً سوى الزكاة)، والرواية الأخرى التي رواها ابن ماجة أيضاً وفيها: (ليس في المال حق سوى الزكاة). انظر إلى الاضطراب في المتنين: المتن الأول قال: (إن في المال حقاً سوى الزكاة)، والمتن الثاني: (ليس في المال حق سوى الزكاة)، ولا يمكن الجمع؛ ولذا قال الإمام العراقي: هذا الحديث مضطرب المتن، ولا يحتمل التأويل. إذاً: يكون هذا الحديث فيه علة الاضطراب.

الحديث المدرج

شرح المنظومة البيقونية - الحديث المدرج من أقسام الحديث الضعيف: المدرج، وهو إما إدراج إسناد بزيادة راو في المتن ليس منه، أو إدراج متن بإضافة لفظة في الحديث ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله خطأ لا يؤاخذ، وإذا تعمده للتوضيح والتفسير في المتن فلابد أن يبينه، أما إن كان عمداً بنية الإضافة فهو داخل في الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام.

تعريف الحديث المدرج لغة واصطلاحا

تعريف الحديث المدرج لغةً واصطلاحاً إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. من أقسام الضعيف: المدرج. والمدرج: اسم مفعول، من أدرجت الشيء في الشيء، أي: أدخلت الشيء في الشيء. واصطلاحاً: هو ما زاده بعض الرواة في المتن أو الإسناد. فالإدراج معناه: أن يأتي المحدث يحدث بالإسناد فيدخل أو يزيد في الإسناد رجلاً، كأن يروي مثلاً عن الأعمش عن أبي هريرة، ثم يأتي راو آخر فيرويه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. فالذي رواه عن الأعمش عن أبي صالح -إذا كان الإسناد مشهوراً عند الثقات- فهذا إدراج، فالإدراج: إدخال زيادة في الإسناد ليست منه، وأيضاً زيادة في المتن ليست منه، أي: كلمات لم يتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلها في المتن دون أن يفصل بين قول النبي وقول التابعي، أو قول الصحابي وقول الراوي.

أقسام المدرج والأمثلة على كل قسم

أقسام المدرج والأمثلة على كل قسم

الإدراج في الإسناد

الإدراج في الإسناد والمدرج قسمان: إدراج في الإسناد، وإدراج في المتن. والإدراج في الإسناد هو أن يحدث التغيير في سياق السند، كأن يتكلم الراوي عن سند معين ثم يعرض له عارض، فيتذكر مسألة فيتكلم فيها بصوت عال، أو ينظر إلى شيء فينتبه له فيتكلم عنه، فيظن الذي يجلس معه ويسمع الإسناد والحديث بأن هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو يحسب أن هذا من الحديث أو أنه متصل بالإسناد.

أمثلة الإدراج في الإسناد

أمثلة الإدراج في الإسناد مثال ذلك: القصة المشهورة عن ثابت بن موسى الذهبي في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من كثرت صلاته في الليل حسن وجهه بالنهار)، فهو رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وأصل القصة: أن ثابت بن موسى دخل على شريك بن عبد الله القاضي وهو يملي الأحاديث والأسانيد على الرواة، يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يقول المتن سكت، فلما سكت نظر فوجد ثابتاً قد دخل، وثابت قد استمع إلى سلسلة الإسناد، وأن شريكاً يحدث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، فلما نظر شريك في وجه ثابت قال: [من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه في النهار]، حيث إن شريكاً انتبه فوجد وجه الرجل كأنه قطعة قمر؛ لأن الله جل وعلا بعث في وجهه النور لأنه يقيم الليل، وهذه سنة تراها في وجوه الذين يعتادون مثل ذلك، فأخذها ثابت بن موسى فحدث بها عن شريك عن الأعمش بنفس السلسلة، فأدرج من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه في النهار، وهذا الكلام ليس من المتن أصلاً، بل هو من كلام شريك، أدرجه ثابت لوهم حدث له، هذا يعتبر من المدرج في الإسناد.

تابع الإدراج في الإسناد

تابع الإدراج في الإسناد هو أن يدخل الراوي بعض حديث في بعض آخر، يعني: يروى حديثاً من طريق وهو يحفظه، ويأتي بكلمة زائدة من طريق آخر، فيكون الحديث مثلاً من مسند أنس فيأتي بحديث من مسند أبي هريرة، ويأخذ منه كلمة زائدة ويدرجها في حديث أنس، وهذا أيضاً يعتبر من المدرج. وذلك مثل حديث سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا). وهناك رواية أخرى رواها أبو الزناد عبد الله بن ذكوان عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا). هذا الحديث من رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا) ونص الرواية عن مالك: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا)، وليس فيها: (ولا تنافسوا) فجاء سعيد بن أبي مريم فوهم فأدخل هذه اللفظة من حديث أبي هريرة (إياكم والظن) في حديث أنس، فأدرج هذه اللفظة التي هي من مسند أبي هريرة في مسند أنس. ومن الأمثلة على الإدراج في الإسناد: ما رواه الترمذي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري عن واصل الأحدب ومنصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود، قال: قلت: (يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ فقال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك) فالثلاثة رووا عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل، ورواه واصل عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود وعمرو بن شرحبيل مدرج في رواية منصور والأعمش.

إدراج المتن

إدراج المتن الصنف الثاني من أقسام الإدراج: الإدراج في المتن: وهو زيادة في سياق الحديث من غير النبي صلى الله عليه وسلم فتكون من التابعي أو من تابع التابعي. والإدراج في المتن يكون في أول المتن وهذا قليل جداً بل نادر. الثاني: إدراج في وسط الحديث. وهذا أكثر من الأول لكنه أيضاً قليل. وغالب الإدراج يكون في آخر الحديث. مثال الإدراج في أول الحديث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: (أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار) هذا المتن ظاهره عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن في رواية البخاري بينها شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: (أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم قال: ويل للأعقاب من النار). هذا واضح جداً أن أبا هريرة أمر الناس فقال: (أسبغوا الوضوء)، ثم قال: (فإن أبا القاسم قال: ويل للأعقاب من النار). النوع الثاني: إدراج وسط الحديث: كما في حديث عائشة رضي الله عنه وأرضاها في كيفية نزول الوحي، قالت: عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحنث في غار حراء) جاء في الحديث: (والتحنث التعبد)، وهذا ليس من عائشة بل من الزهري، فهو الذي فسر، وهذا الإدراج تفسير، لكن لا بد أن يبين الراوي ويوضح أن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. ومنه أيضاً: ما رواه هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة بن الزبير عن بسرة بنت صفوان مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم (من مس ذكره أو أنثييه أو رتقه -وهو أعلى الفخذ- فليتوضأ). هذا الحديث رواه عبد الحميد بن جعفر عن هشام والصحيح أن الحديث (من مس ذكره فليتوضأ) هذا الحديث المرفوع، لكن: (من مس ذكره أو أنثييه أو رتقه) هذا كلام عروة بن الزبير. والذي أظهر لنا ذلك: أن جماعة رووا عن هشام منهم أيوب السختياني وحماد بن زيد كل هؤلاء رووا عن هشام واختصروا في الحديث، قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، ولم يذكروا أنثييه ولا رتقه، فهذه دلالة على أن هذا إدراج، وأن هذا من قول عروة بن الزبير. من أمثلة الإدراج في آخر الحديث: حديث مشهور جداً عن أبي هريرة وهو صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للعبد المملوك أجران، والذي نفسي بيده! لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك). هذا الحديث فيه إدراج، ومن هنا يبدأ الإدراج: (والذي نفسي بيده! لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك)، وسبب معرفة ذلك أولاً: أن أم النبي كانت قد توفيت. ثانياً: أن مقام النبوة لا يلائم مقام الرق، بل هو فوقه فكيف يتمنى مقام الرق؟ فيظهر أن هذا مدرج من كلام أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه. أيضاً من الأمثلة للإدراج في آخر الحديث: حديث ابن مسعود أنه بعدما تعلم التشهد من النبي صلى الله عليه وسلم جاءه أبو خيثمة وهو زهير بن حرب فروى عن ابن مسعود التشهد إلى قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، ثم قال: وإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد. وهذا الكلام الأخير مدرج من كلام ابن مسعود.

حكم الحديث المدرج

حكم الحديث المدرج الحالة الأولى: إذا وقع من الراوي على سبيل الخطأ من غير عمد فلا حرج؛ لأنك قلما تجد ثقة لا يهم، وكثير من الثقات يهمون، فإذا وقع منه الوهم فلا حرج، أما إذا كثر الوهم على الثقة فلا يحتج بحديثه ويترك. الحالة الثانية: إذا أدرج لفظة ليست من الحديث للتفسير فلا شيء عليه، لكن بشرط وقيد: أن يبين أن هذا ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم بل من تفسيره. الحالة الثالثة: إذا أدرج عمداً وأدخل لفظة ليست للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا حرام بالاتفاق، وهذا له الوعيد الشديد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).

الحديث المنكر

شرح المنظومة البيقونية - الحديث المنكر إذا روى الأقران عن بعضهم فهذه الرواية تسمى: التدبيج. والحديث المنكر هو مخالفة الراوي الضعيف لمن هو أوثق منه، والحديث الشاذ هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.

رواية الأقران والمدبج

رواية الأقران والمدبج إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. بقي لنا بفضل الله سبحانه وتعالى في المنظومة الكلام على رواية الأقران والمدبج وأيضاً الحديث المنكر. أما رواية الأقران فهم الرواة الذين هم من طبقة واحدة اشتركوا في كثير من الشيوخ وسنهم متقارب، كـ مالك والأوزاعي وابن عيينة. ورواية الأقران بعضهم عن بعض تسمى بالمدبج، فإذا روى قرين عن قرينه ثم جاء القرين الثاني وروى عن قرينه فهو مدبج. مثلاً في طبقات الصحابة: تروي عائشة رضي الله عنها وأرضاها عن أبي هريرة، ويروي أبو هريرة عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فهذه الروايات نسميها بالمدبج؛ لأنها رواية القرين عن قرينه بالتبادل. أو مثلاً: يروي ابن عباس عن زيد بن ثابت ويروي زيد عن ابن عباس، فهذا يسمى بالمدبج. ورواية ابن عمر عن عمر، ورواية عمر عن ابن عمر، تسمى بالمدبج، ولكن المحدثين قد أخرجوا لها نوعاً يسمى رواية الآباء عن الأبناء. أيضاً في أتباع التابعين رواية مالك عن الأوزاعي والأوزاعي عن مالك. وفي رواية التابعين؛ مثل أن يروي الزهري عن عمر بن عبد العزيز، ويروي عمر بن عبد العزيز عن الزهري.

تعريف الحديث المنكر

تعريف الحديث المنكر تطلق النكارة عند المتقدمين على التفرد حتى ولو كان من الثقات، وأحمد كان يرى انفراد الثقة نكارة، وكان بعض المتقدمين يرى الانفراد من الضعيف نكارة. والمتأخرون يرون أن الحديث المنكر هو رواية الضعيف ما يخالف رواية الثقة، والانفراد يومئ بالضعف وعدم الضبط، فإن لم يشاركه الجهابذة في رواية الحديث، فهذا يومئ إلى أنه لم يضبط هذا الحديث. فانفراد الراوي عند المتقدمين يعتبر نكارة، وعند المتأخرين -وهذا الذي اعتمده أهل الحديث- أن الحديث المنكر هو مخالفة الضعيف لرواية الثقة، وهذا مقابل للشاذ، فالشاذ هو مخالفة المقبول لمن هو أوثق منه.

الفرق بين الشاذ والمنكر والمحفوظ والمعروف

الفرق بين الشاذ والمنكر والمحفوظ والمعروف عندنا شاذ ومنكر ومحفوظ ومعروف، فالشاذ يقابله المحفوظ، لأن الشاذ مخالفة الثقة للثقات، والمحفوظ: هو رواية الثقات مخالفين للثقة. والمنكر يقابله المعروف، والمنكر هو مخالفة الضعيف للثقة أو للثقات، والمعروف هو رواية الثقة المخالفة لرواية الضعيف. وبهذا بفضل الله نكون قد انتهينا من البيقونية، ونحمد الله على ذلك. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الحديث المتروك والموضوع

شرح المنظومة البيقونية - الحديث المتروك والموضوع من أنواع الحديث الضعيف: الحديث المتروك، والحديث الموضوع، وهي غير مقبولة ولا يحتج بها، وقد اجتهد العلماء لحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنهم تركوا حديث من يكذب على الناس مخافة أن يكذب على رسولنا صلى الله عليه وسلم.

الحديث المتروك

الحديث المتروك

تعريف الحديث المتروك

تعريف الحديث المتروك إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: وصلنا إلى الحديث المتروك، والحديث المتروك له أحوال، والترك له أسباب. المتروك اسم مفعول من الترك، حتى إن البيضة يسميها العرب: التريك، أي: المتروكة التي لا فائدة فيها. الحديث المتروك هو الذي في إسناده راو متهم بالكذب، سواء أجمع علماء الجرح والتعديل على ضعفه أم لم يجمعوا. نقول: إن الحديث المتروك إما أن يكون حديثاً ضعيفاً جداً، أو يكون راويه ضعيفاً جداً حيث كثر خطؤه فترك، أو يكون قد اتهم بالكذب.

علامات الحديث المتروك

علامات الحديث المتروك الحديث المتروك له علامات: العلامة الأولى: أن يكون فيه راو متهم، يعني: لم يقطع بأنه كذاب لكنه اتهم ولوحظ عليه أنه يكذب في حديث الناس، ولم ير عليه الكذب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك تجنبه العلماء. هذه العلامة الأولى. العلامة الثانية: أن يأتي بحديث يخالف فيه القواعد الشرعية الكلية كالنصوص القطعية في القرآن أو النصوص القطعية في السنة. فإذا أتى بحديث أو رواية تخالف هذه القواعد الكلية ففيها دلالة على أن هذا الحديث متروك. العلامة الثالثة: أن يكون الراوي الذي يروي هذا الحديث هو راو كثر خطؤه، كلما بحث العلماء في الأحاديث التي رواها وجدوها تخالف أحاديث الثقات، فلما كثر خلافه للعلماء الأثبات قلنا: حديثه متروك.

أمثلة للحديث المتروك

أمثلة للحديث المتروك من أمثلة الأحاديث المتروكة التي فيها الراوي المتهم: حديث عمرو بن شمر الجعفي الكوفي الشيعي عن جابر بن أبي الطفيل عن علي وعمار: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر، ويكبر يوم عرفة من صلاة الغداة -يعني: صلاة الفجر- ويقطع التكبير بعد صلاة العصر آخر أيام التشريق). هذا الحديث فيه راو متهم وهو عمرو بن شمر، قال فيه العلماء: متروك الحديث.

الحديث الموضوع

الحديث الموضوع الحديث الموضوع أو المختلق هو: الحديث الذي فيه راو كذاب. وهذا يعرفه الجهابذة الذين يجربون على الراوي الكذب، ويمحصون النظر في أحاديثه، فيعرفون كذبه من صدقه بالسبر، أو بأن يقر الراوي أنه قد وضع على النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأحاديث، يعني: كذب في بعض الأحاديث. إن الأحاديث التي تختلط على الناس لا يغربلها إلا الجهابذة، كما قال العلامة الربيع بن خثيم التابعي الفحل قال: إن للحديث ضوءاً كضوء النهار يعرف به، وإن له ظلمة كظلمة الليل تنكر. أي الحديث له ضوء كضوء النهار إذا كان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان كذباً واختلاقاً فله ظلمة كظلمة الليل تنكر.

طرق معرفة الحديث الموضوع

طرق معرفة الحديث الموضوع من الأساليب التي يعرف بها العلماء الحديث الموضوع: أولاً: أن يكون مخالفاً للقواعد الكلية أو الدلالة القطعية. ثانياً: ركاكة اللفظ تدل على الوضع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم. ثالثاً: ركاكة المعنى تدل على وضع الحديث. وركاكة المعنى أنه يجمع بين نقيضين، فيأتي بحديث بالحل والحرمة في أمر معين وهذا لا يمكن؛ لأنه لا يمكن لعاقل أن يجمع بين نقيضين، فضلاً عن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم الذي يأتيه الوحي من السماء. رابعاً: أن يجمع بين الاثنين: يأتي بركاكة اللفظ مع ركاكة المعنى. والوضع كما قلت كان كثيراً في هذه الأمة؛ لكن كشفه الجهابذة كما قال ابن المبارك وغيره، وأسباب الوضع كثيرة سنبينها.

أمثلة على وضع الحديث

أمثلة على وضع الحديث من الأمثلة على الأحاديث الموضوعة: ما وضعه بعض الأحناف تعصباً للإمام أبي حنيفة، وركبوا متناً على سند، وقالوا: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: سراج أمتي أبو حنيفة. يرفعون إمامهم مع أنه مرفوع. فالعلماء والفقهاء عيال على أبي حنيفة، لكنهم يريدون أن يكون أبو حنيفة كالشمس الساطعة وألا توجد نجمة بجانبه، فمن النجوم في سماء الفقه والحديث الإمام الشافعي، فأتوا بحديث موضوع على أبي حنيفة ثم بأحاديث موضوعة على الشافعي، وليتهم مدحوه، قالوا: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يخرج في هذه الأمة رجل أشر على هذه الأمة من إبليس، يدعى محمد بن إدريس. هذه مصيبة بل أم المصائب، هل التعصب يفعل ذلك؟! نعم. وممن رفع راية التعصب في زماننا هذا وكان متقناً في الحديث لكن التعصب أعماه، وحدا به الأمر إلى تضعيف أبي هريرة، ثم الطعن في بعض الصحابة. الكوثري، فعلى الإخوة أن يحذروا من هذا الرجل إذا نظروا في كتبه، وينتبهوا سقطاته التي يغفل عنها كثير من الذين يقرءون كتبه. أيضاً من الأحاديث والأكاذيب التي وضعها على النبي صلى الله عليه وسلم بعض المتعصبة لـ علي بن أبي طالب قالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: علي خير البشر؛ فمن شك في ذلك فقد كفر. أي: من قال: أبو بكر خير من علي خرج من الملة، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يقول: (لو كنت متخذاً من البشر خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)، لكن نحن نقول: علي من خير البشر، واختلف بعض أهل السنة والجماعة هل هو ثالث ثلاثة أو رابع أربعة؟ هل هو أفضل أم عثمان؟ فـ أبو حنيفة والثوري ومن المتأخرين الشوكاني يرون أن علياً أفضل من عثمان. وهذه المسألة مرجوحة وضعيفة جداً؛ لأن المهاجرين والأنصار قد اجتمعت كلمتهم على أفضلية عثمان، بل علي لم يفضل نفسه على عثمان؛ فقد خطب في الكوفة وقال: من فضلني على أبي بكر أو عمر جلدته حد المفتري، خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ثم الله أعلم وسكت، ولم يفضل نفسه على عثمان رضي الله عنه وأرضاه. والمقصود: أن المنازل عند الله جل في علاه، وهؤلاء هم خير الناس بحق، لكن أن يقال: علي خير البشر؛ فمن شك في ذلك فقد كفر، هذه مسألة ينظر فيها، فالذي وضع هذا الحديث كذاب خبيث. أيضاً من أمثلة الأحاديث الموضوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما تكون مقطوعة أو موقوفة على الصحابي أو التابعي، غير متصلة السند إلى النبي، فإذا رفعت إليه أصبحت من قبيل الموضوع، مثال ذلك: علي: (كل الناس هلكى إلا العالمين، والعالمون هلكى إلا العاملين، والعاملون هلكى إلا المخلصين، والمخلصون على خطر عظيم) هذا مرفوع موضوع، لكنه صحيح موقوف على علي رضي الله عنه وأرضاه. من أمثلة ذلك أيضاً: حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان لا يزيد ولا ينقص). هذا الحديث من غير أن تبحث في إسناده تقول فيه: موضوع؛ لأنه مصادم للأدلة القطعية من الكتاب ومن السنة. البخاري لما سمع هذا الحديث قال: قائل هذا الحديث لا بد أن يضرب ويحبس. والإمام أبو محمد الجويني يرى أن الكذاب على رسول الله كافر، ونحن لا نوافقه في هذا الأمر فهو تشدد، لكن الأمر خطير وليس بالهين؛ فهو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيضاً من هذه الأمثلة: ما رواه البيهقي مرفوعاً عن الحسن مرسلاً: (حب الدنيا رأس كل خطيئة) هذا موضوع، لكن الصحيح أنه من كلام مالك بن دينار وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

أسباب وضع الحديث

أسباب وضع الحديث أولها: الجهل بالشرع: بعض الجهلة يقولون: نحن نكذب لله ولرسوله، لا على الله ولا على رسوله. وهل يحتاج النبي أو الشرع أن تكذبوا له؟! يقولون: نرغب الناس في فضائل القرآن، كما قال من كذب أحاديث فضائل سور القرآن نوح بن مريم، حتى قال عنه ابن حبان: جمع كل شيء إلا الصدق، كل شيء جمعه من الذكاء والحفظ إلا الصدق فهو كذاب خبيث. هذا رجل وضع أحاديث فضائل السور، يقول: وجدت الناس قد ذهبوا إلى السنة وتركوا القرآن، فكأنه يكذب للقرآن، وما عرف هذا الغر المفتون المأفون أنه يقع في الوعيد الشديد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). ثانيها: الانتصار للمذهب: كما في حديث: سراج أمتي أبو حنيفة. ثالثاً: الطعن في الإسلام: كما يصنع المستشرقون الذين يريدون أن يضيعوا هذا الدين ويهدموه فيروجون للأحاديث التي تقلب الموازين في هذا الدين بسبب وضع الوضاعين، من ذلك البهائية في مصر الذين يضعون أحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم، فهم يروجون لهذه البدعة الشنعاء. من ذلك حديث روي عن حميد عن أنس مرفوعاً: (أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله)، نعم هو خاتم النبيين ولا نبي بعده، وهناك أحاديث كثيرة جداً تدل على ذلك، أما الذين يروجون لهذه البدعة وهذه الكفريات فيقولون: لا نبي إلا أن يشاء الله، فأتى محمد بهاء الدين ليقول: قد شاء الله أن يوحى إلي، وأنا نبي هذه الأمة، نعوذ بالله من الخذلان. فهذا من وضع الوضاعين الكذابين الأفاكين الآثمين الذين يطعنون في هذا الدين. رابعاً: حب المال، أو السلطة، أو الوجاهة، أو التزلف للرؤساء: وهناك قصص مشهورة جداً، أضاعت أصحابها في لحظة من أجل الكراسي، وممكن أن الإنسان يفتي بفتوى فإذا جلس على الكرسي أنكر أو غير، والناس ضعفاء، ولا معصوم إلا من عصمه الله جل في علاه، ولا أحد يثبت على الحق والدين إلا من ثبته الله جل في علاه -اللهم ثبت قلوبنا يا رب العالمين- فتتغير فتواهم عند إغراء الكرسي والسلطة. من ذلك: أن غاية بن إبراهيم دخل على المهدي فوجده يلعب بالحمام فنظر إليه فقال: حدثني فلان عن فلان عن جدك ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا سبق) يعني: لا جائزة ولا مكافأة (لا سبق إلا في خف أو حافر) الحديث إلى هنا صحيح لكنه زاد: (أو جناح)، فنظر إليه المهدي وأمر له بصرة من مال، فلما تولى قال: والله لا أرى قفاك إلا قفا كذاب! انظر كيف خسر الاثنين معاً لما علم أنه كذاب. من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، نعوذ بالله من الخذلان. قال: والله ما أرى قفاك إلا قفا كذاب، وكان الخليفة منصفاً رحمة الله عليه فقال: أنا الذي حملته على ذلك، فأمر بالحمام فذبح، ومنع ذلك حتى لا يفتح الباب للكذابين الذين يريدون التزلف للسلطان بمثل هذه الأحاديث الموضوعة. خامساً: التكسب والتجارة: وهذا كثير، فإن التجار هم أشد الناس وأعظم الناس كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم فوارس الميدان في الوضع والاختلاق، فترى الرجل بضاعته غير رائجة، فيريد أن تشتري الناس منه، كرجل حلواني صاحب هريسة والهريسة لا تباع، فيأتي يقول: والله لأعلمنهم كيف يشترون مني، فيقف وسط الميدان فيقول: حدثني فلان -من المشاهير- حدثني فلان عن فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الهريسة تشد الظهر) فتذهب الناس كلها لتشتري الهريسة. والخضري إذا رأى الناس تبتعد عن الخضرة يقول: (لو علمتم ما في الجرجير لزرعتموه تحت السرير) فالكل يشتريه من الخضري. كثير منهم يضع هذه الأحاديث من أجل أن يأكل بها، باعوا دينهم بثمن بخس دراهم معدودة. سادساً: داعي الشهرة: يريد أن يغرب على الناس، فيأتي بالأحاديث والأسانيد التي يركبها من تلقاء نفسه، ويضع المتون على الأسانيد، ويكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشتهر بين الناس أنه من المحدثين.

أقوال العلماء في توبة الوضاعين

أقوال العلماء في توبة الوضاعين آخر الفروع التي نتكلم عنها في باب الأحاديث المكذوبة: إذا تاب الراوي الذي عرف عنه الكذب هل تقبل توبته وروايته أم لا؟ أما النص الفاصل في هذه المسألة فهو ما قاله الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة رضي الله عنه وأرضاه قال: أما توبته فنقبلها، وأما روايته فلا نقبلها بحال، حيطة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الراجح عند جماهير المحدثين، وإن خالف بعضهم، وقال: إن تاب واشتهرت توبته وظهرت فإنا نقبل روايته، والصحيح الراجح في ذلك: أنه حتى وإن تاب لا تقبل روايته؛ لأن الأصل في رواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم الحيطة، (من روى حديثاً يرى أنه من الكذب فهو أحد الكاذبين). أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً.

§1/1