شرح الأربعين النووية - عبد الكريم الخضير

عبد الكريم الخضير

شرح الأربعين النووية (1)

شرح الأربعين النووية (1) المقدمة الشيخ / عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. قال الإمام النووي -رحمه الله-: عن أمير المؤمنين أبي حفص المقدمة، المقدمة الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، قيوم السموات والأرض، مدبر الخلائق أجمعين، باعث الرسل صلواته وسلامه عليهم إلى المكلفين لهدايتهم، وبيان شرائع الدين بالدلائل القطعية، وواضحات البراهين، أحمده على جميع نعمه، وأسأله المزيد من فضله. المزيدَ، المزيدَ. الطالب: وأسأله المزيدَ من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، الكريم الغفار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، أفضل المخلوقين، المكرم بالقرآن العزيز المعجزة المستمرة على تعاقب السنين، وبالسنن المستنيرة للمسترشدين، المخصوص بجوامع الكلم، وسماحة الدين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين، وآل كل وسائر الصالحين أما بعد: فقد روينا عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنهم- من طرق كثيرات بروايات متنوعات، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء))، وفي رواية: ((بعثه الله فقيهاً عالماً)) وفي راوية أبي الدرداء: ((وكنت له يوم القيامة شافعاً وشهيداً))، وفي رواية ابن مسعود: ((قيل له: ادخل من أي أبوب الجنة شئت))، وفي رواية ابن عمر ((كتب في زمرة العلماء، وحشر في زمرة الشهداء)).

واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرة طرقه، وقد صنف العلماء -رضي الله تعالى عنهم- ما لا يحصى من المصنفات، فأول من علمته صنف فيه عبد الله بن المبارك، ثم محمد بن أسلم الطوسي العالم الرباني، ثم الحسن بن سفيان النسوي، وأبو بكر الآجري، وأبو بكر محمد بن إبراهيم الأصفهاني، والدارقطني، والحاكم، وأبو نعيم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو سعيد الماليني. سعدٍ، سعدٍ أبو سعد بدون ياء الطالب: وأبو سعد الماليني، وأبو عثمان الصابوني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبو بكرٍ البيهقي، وخلائق لا يحصون من المتقدمين والمتأخرين، وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثاً اقتداء بهؤلاء الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام، وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث بل على قوله -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة: ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب)) وقوله -صلى الله عليه وسلم- ((نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها))، ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة -رضي الله تعالى- عن قاصديها. وقد رأيت جمع أربعين أهم من ذلك كله، وهي أربعون حديثاً مشتملة على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وقد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام، أو ثلثه، أو نحو ذلك، ثم ألتزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيح البخاري ومسلم، وأذكرها محذوفة الأسانيد؛ ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها -إن شاء الله تعالى-، وينبغي لكل راغب في الآخرة. ثم، ثم أتبعها بباب في ضبط خفي ألفاظها. الطالب: ثم أتبعها بباب في ضبط خفي ألفاظه، وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث؛ لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات، وذلك ظاهر لمن تدبره، وعلى الله اعتمادي وإليه تفويضي واستنادي، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم"، "مقدمة"، وقد تفتح الدال "مقدَمة" فهي مقدِمة باعتبار أنها متقدمة على الكلام كله، وهي مقدَمة باعتبار أن المؤلف قدمها على هذا الكلام فيجوز في الدال الفتح والكسر، وإن كان الأشهر والأكثر هو الكسر. ثم بعد ذلك قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الحمد لله رب العالمين" ولسنا بحاجة إلى إعادة ما مر بنا مراراً من الكلام على الحمد، وأن كثيراً من أهل العلم يفسره بالثناء على الله -جل وعلا-، وأن ابن القيم -رحمه الله تعالى- انتقد هذا التعريف بحديث أبي هريرة في صحيح مسلم: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال: حمدني عبدي، فإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال: أثنى علي عبدي)) فالثناء ليس هو الحمد، الحمد المكرر المثنى مرتين وثلاثاً، تكرار المحامد هي: الثناء على الله -جل وعلا - ولذلك لم يفسر النبي -عليه الصلاة والسلام-، الله -جل وعلا- في الحديث الصحيح ما قال: إذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال: أثنى علي عبدي، إنما قال: حمدني عبدي، فإذا قال: {الرحمن الرحيم} يعني كرر هذا الثناء وهذا الحمد سمي ثناءً، قال: أثنى علي عبدي، والتعريف المرضي عند ابن القيم -رحمه الله- أن الحمد: هو ذكر الله -جل وعلا- بأوصافه، بأوصافه التي بجميعها يستحق المدح، فجميع أوصاف الله -جل وعلا- متضمنة للمدح والحمد، فذكره -جل وعلا- بهذا الأوصاف هو حمده، وتكرار هذا الحمد هو الثناء، فالثناء هو الحمد المكرر، والحمد والشكر بينهما عموم وخصوص عند أهل العلم، والكلام في هذه المسألة يطول. "الحمد لله" أل هذه للاستغراق فجميع أنواع المحامد لله -جل وعلا-، وهذه اللام {لله} لام الملك والاختصاص، فالحمد مملوك كله لله -جل وعلا- ومختص به -سبحانه وتعالى-.

"رب العالمين" بدل من لفظ الجلالة ولذلك جر؛ لأن البدل له حكم المبدل أو عطف بيان، "العالمين" جميع ما سوى الله -جل وعلا-، كل ما سوى الله عالم وقد يطلق على الخلائق من أولهم إلى أخرهم عالم -وهذا هو الإطلاق الأصلي-، وقد يطلق على أهل جيل من الناس أو أمة من الأمم يقال لهم عالم، فبنوا إسرائيل فضلوا على العالمين يعني على عالمي زمانهم، وإلا فهذه الأمة أفضل منهم بلا شك، "قيوم السموات والأرضيين" يعني القائم بأمر السموات وأهل السموات، والأرضيين وأهل الأرضيين، "السموات والأرضيين" السموات السبع {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] يعني سبع كذلك، "مدبر الخلائق أجمعين" لا يخرج أحد عن تدبيره وتصرفه -جل وعلا- فهو المدبر لجميع الخلائق، ولا يمكن أن يستقل شيء من المخلوقات بنفسه دون الله -جل وعلا-. "باعث الرسل"، باعث الرسل إلى أممهم، وباعث النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- إلى الثقلين الجن والإنس، "وصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين"، "الصلوات" جمع صلاة، "وصلوات الله" يختلف فيها أهل العلم، منهم من يقول: إنه الثناء عليهم، ومنهم من يقول: الدعاء لهم بالرحمة، وسلامه عليهم أجمعين.

"إلى المكلفين" من بلغ سن التكليف فالمكلفون هم الإنس والجن ممن تعدى مرحلة رفع القلم، فهم جميع الإنس والجن ماعدا الثلاثة الذين رفع عنهم القلم: ((الصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ)) مع أن النائم مكلف، بمعنى أن رفع القلم عنه مؤقت، زوال رفع القلم عنه أسرع من زواله عن الصغير وعن المجنون، الصغير قد يقرب من بلوغ الحلم وقد يبعد لكنه رفع عنه القلم حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق، قد يفيق وقد لا يفيق، أما النائم فنومه ساعات ثم يستيقظ فيعود عليه التكليف، لكنه أثناء النوم القلم عنه مرفوع وهذا في حقوق الله -جل وعلا-، أما في حقوق الخلق وما يكون التكليف فيه من باب ربط الأسباب بالمسببات فيكون من الحكم الوضعي لا من التكليفي، فجمهور أهل العلم يرون أن الصبي والمجنون تجب عليهم الزكاة، والثلاثة تلزمهم قيم المتلفات وأروش الجنايات، ولا يقال: إن القلم مرفوع عنهم فلا تجب عليهم هذه الأمور؛ لأنها ليست من الأحكام التكليفية وإنما هي من الأحكام الوضعية، ربط الأسباب بالمسببات فإذا وجد السبب وجد المسبب، نائم انقلب على أو تحرك فكسر متاعاً لغيره يضمن، صغير يضمن في مثل هذه الصورة، مجنون جنا يضمن والمراد بالضمان ضمان وليه في المال، على كل حال هذه مسألة معروفة عند أهل العلم.

يقول: "لهدايتهم"، "باعث الرسل إلى الخلق أجمعين لهدايتهم"، ودلالتهم وإرشادهم إلى الصراط المستقيم، إلى تحقيق الهدف الذي من أجله خلقوا وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، "لهدايتهم" ودلالتهم وإرشادهم وبيان شرائع الدين لهم، فهم يهدونهم ويدلونهم ويبينون لهم الشرائع ليعملوا بها، "شرائع الدين" {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [(48) سورة المائدة] كل نبي رسول من هؤلاء الرسل له شريعة ومنهاج وإن كان أصل الدين واحداً كما جاء في الحديث الصحيح: ((نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، أولاد علات وديننا واحد)) وهو الإسلام الذي هو الأصل، وإن كانت الشرائع تختلف من شريعة إلى أخرى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [(48) سورة المائدة] في صحيح البخاري سبيلاً وسنة، شرعة ومنهاجاً: سبيلاً وسنة، فالشرعة هي السنة، والمنهاج هو السبيل؛ لأن أهل العلم يقولون: إن هذا من اللف والنشر المشوش، شرعة ومنهاجاً: سبيلاً وسنة، الشرعة هي السنة، والمنهاج هو السبيل. "بالدلائل القطعية وواضحات البراهين"، "بالدلائل القطعية" التي يأتي بها الرسل عن الله -جل وعلا-، وما يقوله أو ما ينقله الرسول عن ربه -جل وعلا- بلفظه مثل: القرآن، والكتب المنزل: كالتوراة والإنجيل والزبور قبل التحريف هذه كلها من عند الله -جل وعلا-، وغيرها كصحف إبراهيم وموسى، وغيرها مما يعرف ومما لا يعرف كلها من عند الله -جل وعلا- يجب الإيمان بها، بل الإيمان بالكتب ركن من أركان الإيمان. "الدلائل القطعية" تكون بنصوص الوحي المنزل وبما ينقله النبي عن ربه -جل وعلا-؛ لأن ما يقوله ويتكلم به وينطق به هو وحي كما في قوله -جل وعلا-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم].

ثم كرر الحمد فقال: "أحمده على جميع نعمه"، "أحمده على جميع نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه" هو المستحق للحمد فهو المنعم الحق، وما يحمد به الناس أو يمدحون عليه فباعتبارهم تولوا القسمة وإلا فالمعطي هو الله -جل وعلا- كما جاء في الحديث الصحيح ((إنما أنا قاسم والله معطي، إنما أنا قاسم والله معطي))، والله -جل وعلا- يقول للأغنياء: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] فالبشر المال بأيدهم عارية، وضع في أيدي بعض الناس ليبتليهم ويبتلي بهم، ووجد من الناس من لا مال عنده ليبتلى هل يصبر؟ الأول مبتلى، الغني يبتلى هل يشكر ويستعمل هذا المال فيما يرضي الله -جل وعلا-، أو يكفر هذه النعمة فيجحدها ويجحد نسبتها إلى الله -جل وعلا-، ويستعملها فيما لا يرضي الله -جل وعلا-؟ كما أنه يبتلي الفقير هل يصبر ويرضى ويسلم ويحمد الله على نعم كثيرة لا يستطيع عدها؟ يقول ابن عبد القوي -رحمه الله-: وكن صابراً للفقر وادرع الرضى ... بما قدر الرحمن واشكره واحمدي لأن بعض الناس قد يبلغ به من الفقر والحاجة مبلغاً عظيماً، ثم إذا قيل: له احمد ربك واشكر ربك {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل] قال: على إيش أحمد ربي أنا فقير مدقع محتاج، لا يا أخي ما تدري لو أن الأذن دخل فيها حشرة وطلب منك ما على وجه الأرض من أمول لبذلتها، لو احتبس فيك البول وطلب منك ما على وجه الأرض من المليارات من الذهب والفضة دفعتها، أليست هذه نعم؟ نعمة البصر، نعمة السمع، نعمة ... ، نعم لا تعد ولا تحصى.

تصور أن أصبعاً من أصابعك أصغر الأصابع عندك صلب لا تستطيع أن تثنيه ماذا يكون من دون ألم؟ تتأذى به أذىً شديداً ولو لم يؤلم، ولذا هذه النعم يعني نعم المفاصل نعم لا يقدر قدرها إلا من فقدها، تصور شخص الرجل عنده متصلبة لا تنثني يواجه من العنت والحرج ما لا يدرك ولو لم يكن فيها ألم، ولذا يصبح على كل سلامى على سلام كل واحد منكم صدقة، ثلاثمائة وستين مفصل تحتاج إلى ثلاثمائة وستين صدقة، لكن الله -جل وعلا- لطيف لا يكلف الفقير أن يتصدق بالدراهم وهو لا يجده، كل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة .... إلى أخره، ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى في مقابل ثلاثمائة وستين صدقة، ركعتان من الضحى فعلى الإنسان أن يحمد الله -جل وعلا-، وأن يلهج بذكره وشكره، ولا يجحد هذه النعم وإن كان يغفل عنها، كثير من الناس في غفلة تامة عن هذه النعم، لكن مع ذلك عليه أن يتذكر وعليه أن يشكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم]. يقول: "أحمده على جميع نعمه"، هناك النعم الظاهرة، وهناك النعم الخفية والله -جل وعلا- أسبغ النعم على عباده، وأعظم هذه النعم على الإطلاق نعمة الإسلام، نعمة الإسلام وهذا هو رأس المال، افترض أن المسلم كما هو الأصل فيه أنه مبتلى بالمصائب، مبتلى بالأمراض، هل يمكن أن تقارن حالة أقل المسلمين شأناً في أمور الدنيا بأعظم الكفار شأناً في أمور الدنيا؟ أبداً، ولذا المؤمن كخامة الزرع، المصائب تعتريها من كل وجه، وأما الكافر مثل الأرزة -شجرة صلبة متينة عريضة لا تحركها الرياح- فلا تعتريها العوارض، لكن الإنسان يحمد الله -جل وعلا- أن جعله من هذه الأمة ويفتخر بإسلامه ويرفع رأسه بدينه {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [(33) سورة فصلت]، يعتز بدينه ويفتخر به.

"احمده على جميع نعمه وأسأله المزيد من فضله وكرمه"، "أسأله" يطلب ويسأل الله -جل وعلا- وما يحقق المزيد بأعظم من الشكر، الدعاء ينفع لكن المضمون هو الشكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}، والدعاء قد يجاب بما طلب وقد لا يجاب بنفس الطلب، قد يؤخر الطلب إلى يوم القيامة، وقد يدفع عنه من الشر والمكروه أعظم مما طلبه، لكن الشكر نتيجته {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}، وضده الكفر ليس معناه الكفر المخرج من الملة، إنما كفر هذه النعمة في مقابل الشكر، "وأسأله المزيد من فضله وكرمه" يسأل بلسانه وبفعله. "وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بدأ بالبسملة، ثم ثنى بالحمد، ثم ثلث بالشهادة وجاء في ذلك الأحاديث المعروفة من طرق كثيرة: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر، وكل أمر ذي بال -يعني شأن يهتم به شرعاً- لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع أو أجذم)) كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذمى، على كل حال يمتثلون هذه الأحاديث وإن كانت لا تسلم من مقال، بل بعض العلماء حكم على جميع ألفاظها بالضعف، وأما لفظ الحمد على وجه الخصوص فقد حسنه النووي وجمع من أهل العلم ابن الصلاح وغيرهما، ولا يعني أننا إذا ضعفنا الأحاديث بجميع ألفاظها وطرقها أننا لا نبدأ بالبسملة، القرآن ابتدئ بالبسملة، والحمد ابتدئ به القرآن بفاتحة الكتاب وخطب النبي -عليه الصلاة والسلام- تفتتح بالحمد والشهادة أيضاَ.

لإن بعض الناس إذا سمع التضعيف قال: لا داعي لأن نبدأ بالبسملة والحمد له والشهادة ما له داعي ما دام الأحاديث الضعيفة، والعمل بالحديث الضعيف لا يجوز العمل به على ما سيأتي تقريره في هذه المقدمة، المؤلف يرى العمل بالحديث الضعيف لكن يأتي تقرير هذه المسألة، من يقول: إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقاً، ثم يأتي إلى هذا الحديث ويقول: الأحاديث ضعيفة فيبدأ بغير البسملة والحمد له والشهادة يدخل في مراده مباشرة، ومع الأسف أنه وجد بعض الكتب، أنا وقفت على كتاب واحد حقيقة وموضوعه شرعي، يقول: كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمد له، لكن هذا المجدد رأى أن والبسملة الحمد له لا داعي لها مع ضعف الأحاديث، هذا قصور قصور في الفهم، لا يفرق بين ما ثبت بأصول متضافرة متكاثرة، وبين ما لم يرد إلا في هذا الحديث الضعيف. "وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار"، هذه الشهادة المنجية ((أمرت أن أقاتل الناس: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) " لا شريك له الواحد القهار الكريم الغفار"، "وأشهد أن سيدنا محمداً" وأشهد أن سيدنا محمداً الشهادة الأولى لا تصح إلا بالثانية، كما أن الثانية لا تصح إلا بالأولى فمن يشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، ولا يشهد أن محمداً عبده ورسوله هذا شهادته باطل؛ لأن الأولى مستلزمة للثانية والثانية من شرطها النطق بالأولى وكل واحد منهما مستلزمة ومتضمنة للأخرى، "وأشهد أن سيدنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) فهو سيد الثقلين، وأشرف الخلق أجمعين، وأعلم الناس وأعرفهم وأتقاهم وأخشاهم لله -جل وعلا- فهو السيد فهو سيدنا. وفي الكلام المرسل المطلق الذي لا يتعبد بلفظه لا مانع من قول سيدنا محمد، لكن في الألفاظ المتعبد بها كالتشهد مثلاً لا يجوز أن تقول: وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله؛ لأن هذه متعبد عبادات توقيفيه لا يجوز الزيادة عليها.

"وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله" مقام العبودية، ومقام الرسالة في أشرف المواضع يدعى بالعبد -عليه الصلاة والسلام-، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [(19) سورة الجن] {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [(1) سورة الإسراء] ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، "وحبيبه وخليله" "وخليله أفضل المخلوقين" بلا نزاع فهو أفضل الرسل فضلاً عن غيرهم، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- ((لا تفضلوا بين الأنبياء ولا تفضلوني على يونس بن متا)) فمنع التفضيل -عليه الصلاة والسلام- وهذا محمول على حالة واحدة وهي: إذا ما اقتضى المقام تنقص المفضل عليه، إذا اقتضى المقام تنقص المفضول، يقال: لا تفضلوا الأنبياء، وإلا فالتفضيل بين الأنبياء في منطوق الكتاب العزيز {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة] والمنع من تفضيل الأنبياء ((لا تفضلوا بين الأنبياء)) معروف أنه حينما يقتضى هذا التفضيل التنقص للمفضول كما هو ظاهر في قوله: ((لا تفضلوني على يونس بن متا))؛ لأن ما حصل من يونس -عليه السلام- قد يتطاول عليه بعض السفهاء الذي لا يعرف منازل الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، الذي يقرأ عنه قد يقع في نفسه شيء من التنقص، لكن الله -جل وعلا- أنجاه {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [(143 - 144) سورة الصافات] {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [(87) سورة الأنبياء] دعوة أخي ذو النون، وليست خاصة به بل له ولغيره ممن يقولها في هذه المضايق {وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [(88) سورة الأنبياء] ليست خاصة بيونس، على كل حال إذا اقتضى التفضيل تنقص المفضول منع وحسمت مادته ((لا تفضلوا بين الأنبياء))، وإلا فالأصل أن التفضيل واقع وثابت في منطوق القرآن. "أفضل المخلوقين المكرم بالقرآن العزيز"، هذا القرآن شرف لمحمد -عليه الصلاة والسلام- ولأمته {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [(44) سورة الزخرف] يعني شرف لك ولقومك فهو مكرم مفضل على غيره.

"بالقرآن العزيز" بكلام الله -جل وعلا- المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، المعجز بألفاظه ومعانيه وأحكامه وأسراره، المعجزة المستمرة على تعاقب السنين، الرسالة خالدة إلى قيام الساعة فمعجزة نبيها خالدة؛ لأن المعجزة تبقى وتدوم ببقاء الدين، فلما كان هذا الدين إلى قيام الساعة فالمعجزة قائمة إلى قيام الساعة، بخلاف معجزات الأنبياء فهي باقية ببقائهم. "المستمرة على تعاقب السنين وبالسنن المستنيرة للمسترشدين"، "وبالسنن المستنيرة للمسترشدين"، "مكرم بالقرآن العزيز" ومكرم أيضاً بالسنن، والمراد بالسنن سنته -عليه الصلاة والسلام- شقيقة القرآن، شقيقة القرآن، "المستنيرة للمسترشدين"، المبينة للقرآن يعني دلالات القرآن في كثير منها إجمال بين هذا الإجمال بالسنة فهي منيرة، "ومستنيرة للمسترشدين" لطالبي الرشاد. سيدنا محمد "المخصوص بجوامع الكلم"، الكلم الجامع من إضافة الصفة إلى موصوفها، والكلم الجامع الذي يجمع المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة.

"وسماحة الدين" النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث بالحنيفية السمحة، ((والدين يسر -ولله الحمد- ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه وعليكم من الدين ما تطيقون))، ((بشرا ولا تنفرا، يسرا ولا تعسرا)) الدين سمح ميسر كما أن دستوره الخالد القرآن ميسر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] والدين يسر والله الحمد، لكنه أيضاً هو دين تكاليف ((حفت الجنة بالمكاره)) حفت الجنة بالمكاره، لا يعني أن الدين يسر أن الإنسان يتفلت من الأوامر والنواهي ويقول: الدين يسر لا، يقول الله -جل وعلا- عن الحج -بيته-: {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [(7) سورة النحل] والحج فيه مشقة، الصيام في أيام الصيف الحارة فيه مشقة، الصلاة في الليالي الشديدة البرد شاقة، الجهاد شاق، إذاً الدين يسر يعني فيما يحتمله الإنسان في ظروفه العادية، يعني اليسر حده ما يحتمله المكلف في ظروفه العادية؛ لأن الإنسان مستعد أن يعمل من طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يعمل من طلوع الشمس إلى نصف الليل في تجارته، ويحمل الأثقال ويصبر على الحر والبرد هذا محتمل، ولا يقول: إننا لا نطيق الصيام في الحر ومع ذلك يزاول تجارته في الحر، يعني الضابط لهذا اليسر، أما ما أوجبه الله -جل وعلا- فلا مساومة عليه، لكن ما يفعله المكلف مما وراء ذلك من مستحبات ((اكلفوا من العمل ما تطيقون))، ((لن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) يعني الإنسان طاقة، النبي -عليه الصلاة والسلام- منع من أراد أن يصوم النهار ويقوم الليل، يصوم ولا يفطر يقوم ولا ينام، ومنع ابن عمر أن يقرأ القرآن في أقل من سبع ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) كل هذا من أجل الاستمرار؛ لأن أحب الدين إلى الله أدومه وإن قل، فهذه الشريعة ولله الحمد هذه سمتها أنه ليس فيها أصار ولا أغلال ولا تكليف بمحال وما لا يطاق، فيها تكاليف، فيها ما فيه مخالفة لهوى النفس وهذا من أشق الأمور، مخالفة هوى النفس من أشق الأمور ولذا صبر الكفار على القتل في مقابل ألا يخالفوا هواهم، والله المستعان.

"صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين وآل كل وسائر الصالحين" جمع بين الصلاة والسلام امتثالاً للأمر في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] فلم يقتصر على الصلاة فقط دون السلام أو العكس، بل أطلق النووي -رحمه الله تعالى- الكراهة على من صلى فقط ولم يسلم أو العكس كما في شرحه على صحيح مسلم، الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يسلم فأطلق النووي الكراهة؛ لأن الصلاة فقط أو السلام فقط لا يتم به الامتثال امتثال الأمر في الآية، وإن كان الحافظ ابن حجر خص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك يعني يصلى دائماً ولا يسلم، أو يسلم دائماً ًولا يصلي هذا تتجه الكراهة في حقه، أما من كان يجمع بينهما أحياناً، يصلي أحياناً، يسلم أحياناً هذا لا تتجه الكراهة في حقه.

ثم بعد ذلك عطف عليه -عليه الصلاة والسلام- سائر النبيين، فالأنبياء يصلى عليهم استقلالاً، يصلى عليهم ويسلم استقلالاً، وأما من عداهم فيصلى عليهم ويسلم تبعاً، إذا ذكروا بعده -عليه الصلاة والسلام- يصلى عليه: اللهم صلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، يصلى عليهم تبعاً لا استقلالاً في قول أكثر أهل العلم، ومنهم من جوز الصلاة على غير الأنبياء، والمسألة بحثها ابن القيم -رحمه الله تعالى- في "جلاء الأفهام" وفي غير موضع من كتبه، فمنهم من يرى جواز الصلاة على غير الأنبياء على جهة الاستقلال، لكن لا يتخذ شعاراً لواحد بعينه، ما يقال أبو بكر -صلى الله عليه وسلم- باستمرار ولا يقال لغيره، أو صلى الله على عمر أو على علي -عليه الصلاة والسلام- لا؛ لأن هذا يبين عن شيء في النفس، يبين عن شيء في النفس، لكن لو قيل مرة ذكر أبو بكر وقيل -صلى الله عليه وسلم- أو عمر أو ما أشبه ذلك، أكثر أهل العلم على أن الصلاة خاصة على سبيل الاستقلال بالأنبياء، والترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم هذا العرف العلمي عند أهل العلم، كما أنه لا يقال: محمد -عز وجل- لا يقال: أبو بكر -صلى الله عليه وسلم-، محمد لا يقال: -عز وجل- وإن كان عزيزاً جليلاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال الله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [(103) سورة التوبة] جاء أبو أوفى بزكاته فامتثل النبي -عليه الصلاة والسلام- الأمر وقال: اللهم صلي على آل أبي أوفى، اللهم صلي على آل أبي أوفى، هذا يستدل به من يرى الجواز على ألا يكون شعاراً لواحد بعينه. "وآل كل"، الآل الأصل هم الأهل، ويدخل فيهم الأزواج والذرية والأقارب، ويدخل فيهم الأتباع، يدخل فيهم الأتباع، "وآل كلٍ" التنوين هذا تنوين عوض، "وآل كل" واحد منهم، "وسائر الصالحين" "سائر" تطلق ويراد بها الباقي، وتطلق ويراد بها الكل، يعني باقي الصالحين بعد أن صليت وسلمت على الآل الذي يبقي من الصالحين يصلى عليه ويسلم تبعاً للأنبياء.

"وسائر الصالحين"، "الصالح" هو القائم بحقوق الله -جل وعلا- وحقوق عباده، هو القائم بحقوق الله -جل وعلا- وحقوق عباده، فهذا الوصف ليحرص المسلم على الاتصاف به؛ ليكون صالحاً لئلا يحرم نفسه من دعاء الناس له بالسلامة "السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين"، وهذه الجملة تقال من محمد -عليه الصلاة والسلام- إلى آخر مسلم يقولها ويكررها في كل صلاة، فالذي يتصف بضد الصلاح قد حرم نفسه من دعوات المسلمين على مر العصور والأزمان، وهذا حرمان عظيم ألا تحب أن يدعى لك وأنت لا تشعر من قبل الملايين، تحرم نفسك من هذه الدعوة، عليك أن تسعى جاهداً لتحقيق هذا الوصف. "أما بعد": "أما": حرف شرط وتفصيل، "بعد" قائم مقام الشرط، وجوابها المتصل بالفاء "فقد روينا" إلى أخره ... ، و "بعد": قائم مقام الشرط مبني على الضم لحذف المضاف مع نيته؛ لأن بعد وقبل والجهات الست كلها لا تخلوا إما أن تضاف فتعرب {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} [(137) سورة آل عمران]، أو تقطع عن الإضافة يعني يحذف المضاف إليه مع عدم نيته، وحينئذ تعرب منونة. فصاغ لي الشراب وكنت قبلاً ... . . . . . . . . . أو يحذف المضاف مع نيته وبقائه وكأنه مذكور وحينئذ تبنى على الضم. و"أما بعد" الإتيان بها في الخطب والمراسلات والدروس، الإتيان بها سنة ثبتت عن أكثر من ثلاثين صحابياً عنه -عليه الصلاة والسلام-، فالإتيان بها سنة ولا يقوم غيرها مقامها، وإبدال الواو مكان أما هذا عرف عند المتأخرين، ويقولون: إن الواو تقوم مقام أما، لكنه لا يحصل به الامتثال والإقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والأصل أن "أما بعد" تابعة للانتقال من موضوع إلى موضوع، من المقدمة إلى صلب الموضوع، أو من موضوع إلى موضوع أخر. "أما بعد" قد اختلف العلماء في أول من قالها على أقوال: جر الخُلف أما بعد من كان بادئاً ... بها عد أقوال وداود أقرب ويعقوب أيوب الصبور وآدم ... وقس وسحبان وكعب ويعرب ولكن الأكثر على أنه داود وهي فصل الخطاب الذي أوتيه.

"أما بعد: فقد روينا عن علي بن أبي طالب" النووي يروي "عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس ... إلى آخره، يروى عنهم مباشرة وإلا بواسطة؟ بوسائط روينا يعني بالوسائط، بالأسانيد، ولذا رأي ابن الصلاح في مثل هذا أن يقول: روّينا، ما يقول: روَينا: يقول: إيش، يقول: روّينا عن علي بن أبي طالب -أمير المؤمنين-، وعبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري -رضي الله عنهم- من طرق كثيرات بروايات متنوعات"، مروي عن جمع غفير من الصحابة، وكل صحابي له رواة، وكل تابع له رواة، فالأسانيد كثيرة جداً، والطرق لهذا الحديث كثيرة، لكنه ضعيف بجميع طرقه وألفاظه اتفق الحفاظ على ضعفه، وكلها شديدة الضعف، كلها شديدة الضعف ولذا ابن الجوزي أورد الحديث في العلل المتناهية بطرقه وبين أنها كثير منها موضوع، ومنها ما هو شديد الضعف فلا يجبر بعضها بعضاً، وإلا فالضعيف الذي ليس ضعفه بشديد إذا جاء من طرق يجبر بعضها بعضاً ويرتقي إلى الحسن لغيره، وإن كان السيوطي وبعض المتأخرين يجعلون شديد الضعف كالضعيف لا سيما إذا تعددت طرقه تعدداً كثيراً؛ لأنه إذا وجد ضعيفاً ليس ضعفه بشديد ووجد مثله يرتقي به إلى الحسن لغيره، لكن افترضنا أنه شديد ضعف مع شديد ضعف، نعم على طريقة السيوطي ومن يقول بقوله، إنه شديد ضعف مع شديد ضعف ارتقى إلى ضعيف ليس ضعفه بشديد على جهة الترقية، ثم الثاني والثالث كل واحد يخفف هذا الضعف إلى أن يكون كالذي بُدئ كما يقول السيوطي في ألفيته، يعني يكون مثل الضعيف خفيف الضعف، يعني إذا قلنا: إن الضعيف بحديث أخر مثله مساويٍ له أو فوقه يرتقي إلى الحسن لغيره، الشديد الضعف بمثله يرتقي إلى الضعيف، يعني على طريقتهم في ترقية الضعيف إلى الحسن، والحسن إلى الصحيح، الشديد الضعف يرتقي إلى الضعيف، ومثله ومثله ومثله يخف الضعف، يخف، يخف إلى أن يصل إلى الحسن عند الحسن لغيره عند السيوطي، وعامة أهل العلم على أن الضعيف شديد الضعف وجوده مثل عدمه، وجوده مثل عدمه، ولذا حكم أو اتفق الحفاظ كما سيأتي في كلام المؤلف أنه

ضعيف وإن كثرت طرقه، وهذا هو المعمول به عند أهل العلم أن شديد الضعف وجوده مثل عدمه، "بروايات متنوعة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء)) "، في أمر دينها يعني: لو جمع شخص أربعين حديثاً في البيوع، أو في الطعام في الأطعمة، أو في الطب يدخل في مثل هذا الحديث أو لا يدخل؟ المعاملات من الدين، المعاملات من الدين إذا قصد بذلك معرفة ما يجوز وما لا يجوز، وجمعت الأحاديث الدالة على العقود الصحيحة والفاسدة والباطلة هذا من الدين، فالدين أعم من أن يكون عبادات أو معاملات أو جنايات أو غير ذلك، الدين بجميع أبوابه على ما سيأتي في حديث جبريل لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم))، يعني بجميع أبوب الدين، فيطلق الدين على جميع الأبواب، لكن من جمع أربعين حديثاً في الطب كتب السنة فيها أبواب للمرضى والطب، هل نقول: إن الطب من الدين؟ هذا جمع أربعين حديثاً في الأطعمة، حديثاً في العسل، حديثاً في كذا، حديثاً في يعني ما جاء في الأطعمة، فينظر في الباعث إن كان من أجل أن يتدين بمعرفة الحلال منها والحرام، وما يحبه النبي -عليه الصلاة والسلام- وما يكره فهذا داخل، وإن كان يقصد بذلك منفعة بدنه غير ناظر إلى أمر دينه فلا يدخل.

((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها)) من حفظ هل يكفي أن يعمد إلى الحفظ، ويحفظ هذه الأربعين أو غيرها من الأربعينيات، فيدخل في الحديث لعموم من حفظ والحفظ حفظ الصدر كما هو الأصل، أو يكون يؤلف ويجمع للناس أربعين حديثاً مثل ما فعل النووي وغيره؟ الحفظ أعم من أن يكون حفظ صدر، أو حفظ كتاب ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء))، وكما هو معلوم هذا حديث ضعيف شديد الضعف عند أهل العلم، وفي رواية ((بعثه الله فقيها عالماً))، وفي راوية أبي الدرداء ((وكنت له يوم القيامة شافعاً وشهيداً))، وفي رواية ابن مسعود -رضي الله عنه- ((قيل له: ادخل من أي أبواب الجنة شئت)) وفي رواية ابن عمر -رضي الله عنه- ((كتب في زمرة العلماء، وحشر في زمرة الشهداء)). ولا شك أن هذا ترغيب عظيم في جمع الأربعين لو صح، لكنه كما قال النووي: "اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف"، "اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه"، "وإن كثرت طرقه"، فهو مروي عن جمع غفير من الصحابة وعن كل صحابي جمع من التابعين وهكذا، مما لم يحصل مثله لكثير من الأحاديث الصحيحة، يعني الحديث الأول حديث عمر ما رواه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مما يثبت بالأسانيد إلا عمر بن الخطاب، وما رواه عن عمر إلا علقمة على ما سيأتي، وما رواه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، وما رواه عنه إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، واتفق العلماء، أجمع العلماء على صحته وهذا مروي عن جمع غفير من الصحابة، واتفق الحفاظ على ضعفه فالعبرة بالأسانيد ونظافتها وصحتها، وصحة النسبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، طيب.

"اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه" لماذا عمل به أهل العلم، وصنفوا الأربعينات؟ صنفوا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وقد صنف العلماء -رضي الله عنهم- في هذا الباب ما لا يحصى من المصنفات"، كتب كثيرة في الأربعين لا يمكن حصرها ولا عدها في أبواب متفرقة متنوعة متكاثرة من أبواب الدين، يقول: "وقد صنف العلماء -رضي الله عنهم- في هذا الباب ما لا يحصى من المصنفات فأول من علمته صنف فيه عبد الله بن المبارك" الإمام الزاهد المجاهد عبد الله بن المبارك، "ثم محمد بن أسلم الطوسي العالم الرباني"، العالم الرباني الذي تعلم وعلم وعمل وعلم، أو ربى الناس على العلم بدء بصغاره قبل كباره كما يقول ابن عباس، المقصود أنه متصف بهذا الاسم، "ثم الحسن بن سفيان النسوي أو النسائي وأبو بكر الآجري"، الأول: صاحب النسائي، والثاني: صاحب أبي داود، "وأبو محمد بن إبراهيم الأصفهاني"، "والدارقطني" الإمام أبو الحسن المعروف، "والحاكم" أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع النيسابوري، "وأبو نعيم الأصبهاني"، "وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو سعد الماليني، وأبو عثمان الصابوني، وعبد الله بن محمد الأنصاري، وأبو بكر البيهقي، وخلائق لا يحصون من المتقدمين والمتأخرين"، حتى ألف بعضهم أربعين أربعين، أربعين أربعين يعني أربعين كتاباً كلها أربعين، وكل أربعين في باب من أبواب الدين، ثم يقول -رحمه الله تعالى-: "وقد استخرت الله تعالى، وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثاً عملاً بالحديث، وإلا إقتداء بهؤلاء الأئمة الأعلام، يقول: "اقتداء بهؤلاء الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام"، لكن هل العبرة بما ثبت عن الله وعن رسوله، أو بما ثبت عن غيره عن غير الله وعن غير رسوله -عليه الصلاة والسلام- مهما رسخت قدمه في الإسلام وعلا شأنه، العبرة بما ثبت عن الله وعن رسوله. العلم قال الله قال رسوله ... . . . . . . . . .

هذه هي الحجج الملزمة أما كونه ثبت عن فلان أو علان أو فعل كذا، لا شك أن كون الإمام السابق من أهل الإقتداء والإئتساء والإتباع تستروح النفس وتميل إلى تقليده؛ لأن عادته وديدنه ألا يعمل إلا بشيء له أصل، لكن يبقى أن الإقتداء وأن الأسوة إنما تكون بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "اقتداءً بهؤلاء الأعلام وحفاظ الإسلام، وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال" وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. أولاً: هذا الاتفاق منقوض لوجود المخالف، فمن أهل العلم من لا يرى العمل بالضعيف مطلقاً، بل منهم من لا يرى العمل بالحسن مطلقاً، ومنهم من لا يرى العمل بالحسن لغيره ويرى العمل بالحسن لذاته، كل هذا وارد على قوله: "وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالضعيف بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال". أولاً: المخالف موجود أبو حاتم الرازي لا يرى العمل بالحسن يعني ومن باب أولى الضعيف، البخاري ومسلم صنيعهما يدل على أن الضعيف لا يعمل به مطلقاً، شنع الإمام مسلم في مقدمة صحيحه على من يروي الأحاديث الضعيفة ويلقي بها إلى العامة شدد في هذا الأمر في مقدمة الصحيح، أبو بكر بن العربي أيضاً شدد على من يحتجون بالضعيف في الفضائل وغيرها، شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أيضاً لا يرون العمل بالضعيف مطلقاً، الشوكاني والألباني جمع من أهل العلم يرون عدم العمل بالضعيف مطلقاً، كيف ينقل النووي الاتفاق على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؟ أولاً: النووي -رحمه الله تعالى- متساهل في نقل الإجماع، عرف عنه التساهل في نقل الإجماع، هذا الاتفاق الذي ذكره نقله عنه أيضاً الملا على قاري في "شرح المشكاة" نقل الاتفاق أيضاً، لكن إذا وجد المخالف يوجد اتفاق لا يمكن، إذا وجد المخالف انتفى الاتفاق.

الأمر الثاني: أن النووي -رحمه الله- متساهل ويذكر في كتبه لا سميا شرح المهذب، وشرح مسلم، ينقل الاتفاق ثم ينقل القول المخالف، ثم ينقل قول المخالف، وقد ينقل الاتفاق في مسائل الخلاف فيها معروف، نقل الاتفاق على أن عيادة المريض سنة، مع أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه باب "وجوب عيادة المريض"، باب "وجوب عيادة المريض" ونقل الاتفاق على أن صلاة الكسوف سنة مع أن أبا عوانة في صحيحه ترجم باب "وجوب صلاة الكسوف"، ومسائل كثيرة يعني بالاستقراء والتتبع ظهر أن عند النووي مسائل ينقل فيها الاتفاق وقد ينقل الخلاف هو بنفسه ممن يعتد بخلافه، أما كونه ينقل الاتفاق ثم ينقل رأي الظاهرية هذا لا يستدرك به عليه لماذا؟ لأنه لا يعتد بقولهم، وصرح بأنه لا يعتد بقول داود؛ لعدم عمله بالقياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، فما دام الأمر كذلك ومتساهل في النقل وعرفنا أيضاً أن من العلماء من خالف في هذه المسألة وفي غيرها مما نقل فيه الاتفاق هذا يجعلونا لا نهاب هذا الاتفاق، لا نهاب هذا الاتفاق، مع أن الأصل أن على طالب العلم أن يهاب الاتفاق والإجماع؛ لئلا يشذ، لكن هذا الاتفاق الذي ذكره النووي -رحمه الله- لوجود المخالف بكثرة يجعلنا لا نهاب مثل هذا الاتفاق، وإن كان الشوكاني توسع في مثل هذا وقال: دعاوى الإجماع، دعاوى الإجماع تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع، مع أن الأصل أن على طالب العلم أن يهاب الإجماع، لكن إجماع بعينه منقوض لا يهاب، ويبقى أنه قول الأكثر وحينئذ نقول: إن العمل بالضعيف في فضائل الأعمال هو قول الأكثر هو قول الجمهور بشروط يشترطونها، بشروط يشترطونها ألا يكون الضعف شديداً. ألا يكون الضعف شديداً. وأن يندرج تحت أصل عام. وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته.

نأتي إلى الشرط الأول ألا يكون الضعف شديداً حديث الباب، حدثينا ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً)) شديد الضعف، شديد الضعف فلا يصلح أن يستدل به للعمل بمثل هذه الأربعين، ولذلك ما قال النووي -رحمه الله- ألفتها عملاً بالحديث لا، وإن كان قوله: إن الحديث الضعيف ونقل الاتفاق عليه أن يُعمل به في فضائل الأعمال، أنه يستروح إلى العمل بهذا الحديث بعينه، لكن قدم الإقتداء بأهل العلم بهؤلاء الأئمة الأعلام، قدم الإقتداء بهم على العمل بهذا الحديث لشدة ضعفه، فهذا الحديث شديد الضعف فأول شرط من شروط العمل بالضعيف انتفى. الأمر الثاني: أن يندرج تحت أصل عام، الاندراج تحت أصل عام ذكره النووي في مقدمته، "ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث بل على قوله -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب))، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها))، " يعني هذا الحديث اندرج تحت هذه الأصول الشرط الثاني متحقق. أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، يعني وأنت تألف أربعين لا تعتقد ثبوت حديث ((من حفظ على أمتي)) وإنما أعتقد الاحتياط؛ لأنه إن ثبت ثبت الموعود به وإلا فلا ضرر هذا مراده، يعني لو أن إنساناً استصحب الحث على النوافل، نوافل الصيام أو نوافل الصلاة مثلاً فقال: أنا استصحب هذا الأصل العام، وأصلي في كل يوم ما بين الساعة التاسعة إلى العاشرة عشر ركعات يصح وإلا ما يصح؟ يعني جعل هذا ديدن له من تسع إلى عشر لا يخلفه في سفر ولا حضر، يجوز وإلا ما يجوز؟ أن يستصحب الترغيب بكثرة الصلاة ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) واتخذ هذا الوقت المحدد من تسع إلى عشر سواء كان في النهار أو في الليل وقت لهذه العشر الركعات لا يقدم ولا يؤخر، نقول استصحب أصل عام وهو الحث على الصلاة أو نقول ابتدع؟ نعم. طالب. . . . . . . . .

كيف؟ لكنه في وقت محدد؛ لأن العبادة ينظر إليها من جهات في كيفيتها وفي قدرها في وقتها وفي مكانها، لو التزم مكاناً معيناً يقول: أنا جاء الحث على الصلوات فأصلي عشرين ركعة كل يوم في هذه الزاوية لا أتعداها، يعني كونه يرى أن هذه الزاوية أبعد له وأحفظ لصلاته هذا مقصد شرعي، لكن ليست لها ميزة بحيث لا يتعدها، الأمور العبادية ينظر فيها إلى مقاصد الشرع من جهة وما ورد عن الشرع هو الأصل، فلا بد أن نهتم بهذا. هذا يصلي عشر ركعات من الساعة التاسعة والعاشرة صباحاً ومساءً -خله مرتين- بحيث لا يتعداه، بصلوات ثابتة -يعني بركعتين بركوع وسجود وقراءة ليس لها صفة زائدة-، يعني لو قال: أنا أصلي صلاة الرغائب، أو صلاة التسبيح، جاء الحث على الصلاة والحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، وهذه من الفضائل ولا أعتقد ثبوته، أعتقد الاحتياط نقول: مصيب وإلا غير مصيب؟ على كلام النووي نصلي صلاة الرغائب ونصلي صلاة التسبيح؛ لأنها تندرج تحت الأصل العام مع أن الحديث ضعيف، وهم يشترطون أن لا يكون شديد الضعف، ولا يعتقد عند العمل به ثبوته إنما يعتقد الاحتياط. نعم طالب. . . . . . . . . نعم تخصيص المكان أو الزمان بدون مخصص شرعي ابتداع -إحداث في الدين-، طيب تخصيص يوم من أيام الأسبوع لختم القرآن بدعة وإلا ليست ببدعة؟ طالب: فيه تفصيل إن كان هذا هو اليوم المناسب لظرفه فلا بأس وإن قصده من غير. . . . . . . . . أفترض أن هذا الشخص يختم القرآن في كل يوم جمعة أو في كل يوم سبت أو في كل يوم اثنين أو هكذا، يعني هل هذا يدل عليه نص أو لازم دلالة النص؟ الطالب. . . . . . . . . لازم دلالة النص، كيف؟ الطالب. . . . . . . . .

نعم، ((اقرؤا القرآن في سبع)) والأسبوع سبعة أيام، ومن لازم قراءة القران في سابع أن يكون يوم الختم واحد هذا ماشي، يعني ليس من عمل السلف إنما هو من لازم عملهم حينما يحزبون القرآن إلى سبعة أقسام -سبعة أحزاب-، مقتضاه أن الحزب الأول في يوم السبت مثلاً الحزب الأخير في يوم الجمعة فهذا من لازم النص ومن لازم عمل السلف أيضاً، يعني لو كان الأسبوع ثمانية أيام وقال: أنا أختم يوم الجمعة، كل يوم جمعة قلنا لا؛ لأنه ليس من لازم النص، يلزم النص إذا كانت أسباب وعلى أسبوع والأسبوع سبعة أيام، المقصود أن مثل هذه الأمور ينتبه لها فلا ينزلق الإنسان في بدعة وهو لا يشعر. وقولهم: كونه يندرج تحت أصل عام، الأصل العام لا يخلوا إما أن يدل عليه دلالة مطابقة أو دلالة موافقة في الجملة، موافقة من وجه ومخالفة من وجه، فإذا دل النص -الأصل العام- على مطابقة فهذا لا مانع من العمل به، مثل إيش مثل من جلس حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، ركعتين ليس لهما صفة زائدة عما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ركعتين كما يصلي تحية المسجد، كما يصلي ركعتي الفجر، كما يصلي ليس لها صفة زائدة، فنقول: إذا جلس حتى تطلع الشمس بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم صلى ركعتين سواء كانت المذكورة في حديث: ((من صلى الصبح في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين فكان له أجر حجة))، المقصود إن كان يقصد هذا الثواب فلا إشكال فيه؛ لأن هاتين الركعتين ليست لهما صفة زائدة وجاءت نصوص تدل عليها باعتبارها صلاة الضحى، سواء كانت هذه أو ذاك لا إشكال فيها؛ لأنه ليس لها صفة زائدة لكن ماذا عن صلاة التسابيح أو صلاة الرغائب؟ فيه أوصاف كثيرة زائدة عما شرعه الله -جل وعلا- فمثل هذه لوجود هذه المخالفة لا يتعبد بها؛ لأن الأصل العام لا يدل عليها، الأصل العام يدل على الركعتين بعد طلوع الشمس، لكن الأصل العام لا يدل على صلاة الرغائب ولا على صلاة التسابيح لماذا؟ لأن لها صفات زائدة لم ترد في الأصل العام، فيفرق بين هذا وهذا.

ألا يعتقد عند العمل به ثبوته وإنما يعتقد الاحتياط، الاحتياط، الاحتياط معروف عند أهل العلم فقول النبي -عليه الصلاة والسلام- ((هو لك يا عبد بن زمعة واحتجبي منه يا سودة)) هذا احتياط، احتياط شرعي؛ لأن له سبب، هذا الاحتياط له سبب، ما السبب؟ الشبه البين بعتبة، يعني الحكم الشرعي هو ابن لزمعة، ومقتضى ذلك أن يكون أخاً لسودة وما دام أخاً لها فهي تكشف له، ولكن قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((احتجبي عنه يا سودة)) لأن له شبه بين بعتبة، الحكم الظاهر الشرعي هو لزمعة، والشبهة قائمة وقوية أن يكون لعتبة، الشبه بين به وهذا الشبه بمفرده لا يؤثر في الحكم وإن كان شبهة يؤثر في الطرف الأخر فيحتجب منه هذا احتياط، لكن إذا أدى الاحتياط كما يقول شيخ الإسلام: إذا أدى الاحتياط إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، الاحتياط في ترك هذا الاحتياط، أحياناً ما تستطيع ما في مفر إن احتطت للواجب فرطت في المحرم أو العكس، فأنت حينئذ لا بد أن تعمل بالراجح، لا بد أن تعمل بالراجح ولا تحتاط في مثل هذه المسألة؛ لأن الاحتياط يلزم عليه ارتكاب محظور أو ترك مأمور، فليس العمل بالاحتياط جادة مضطردة وإنما إذا وجد المبرر، والأحوط لا يترتب عليه ارتكاب محظور ولا ترك مأمور، فيعمل بالاحتياط. هناك شروط زادها السخاوي في "القول البديع" وقبله ابن حجر في "تبيين العجب فيما جاء في فضل رجب" شروط أوصلوها إلى عشرة، المقصود أن هذه الشروط لا يمكن تحقيقها؛ لأن أصل المسألة فيه ما فيه، كيف فيه ما فيه؟ لأن فضائل الأعمال ما الذي يراد بها؟ فضائل الأعمال ما يرتب عليه ثواب أو ما يرجى ثوابه، في ثواب يرجى وإلا ما فيه. طالب: فيه. إذاً في ثواب يرجى وليس في تركه عقاب، إذاً هو إيش المندوب والمندوب حكم من الأحكام التكليفية، كيف نقول نتساهل في الفضائل، ولا نتساهل في الأحكام والفضائل حكم من الأحكام؟ إذا ما دام الفضائل هي المندوبات وهي السنن التي نرجوا ثوابها ولا نخشى عقاب تركها هذا هو حد السنة -حد المندوب-، والمندوب والسنة من الأحكام التكليفية، فأصل المسألة يشاحح فيه، أصل المسألة يشاحح فيه ينازع فيه.

يذكر عن الإمام أحمد -رحمه الله- وابن مهدي جمع غفير من أهل العمل أنهم يقولون: إذا روينا في الأحكام تشددنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا، مما يُصنف به هؤلاء ممن يقولوا بالتفريق بين الفضائل والأحكام، نعم هم يقولون بالتفريق لكن أي تفريق، شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن الإمام أحمد لا يعمل بالضعيف في الأحكام ويعمل به في الفضائل، لا يعمل بالضعيف في الأحكام وإنما يعمل به في الفضائل، لكنه يرى أن الضعيف عند الإمام أحمد ليس هو الضعيف عند المتأخرين المردود قسيم المقبول، إنما هو قسم من أقسام المقبول فهو الحسن عند من جاء بعده. ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ كل هذا لأن شيخ الإسلام يرى عدم العمل بالضعيف مطلقاً، الضعيف المصطلح عليه عند المتأخرين، فهو يقول: إن الضعيف عند الإمام أحمد وغيره من المتقدمين المراد به قسم من أقسام المقبول لا المردود فيجعله هو الحسن، فالحسن بالنسبة إلى الصحيح ضعيف ضعيف لكنه في إطار القبول، لكن، ويذكر شيخ الإسلام أن الحسن لم يكن معروفاً قبل الترمذي، نعم الحسن معروف قبل الترمذي عند طبقة الإمام أحمد معروف الحسن، الأمر الثاني: أن قول شيخ الإسلام يترتب عليه أن الإمام أحمد لا يرى العمل بالحسن في الأحكام وهذا غير معروف عنده ولا عند أصحابه، كيف الإمام أحمد لا يرى العمل بالحسن في الأحكام، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم. طالب. . . . . . . . . كيف. طالب. . . . . . . . . إذا قال الشيخ -رحمه الله-: الضعيف يساوي الحسن، الضعيف يساوي الحسن، مو بهذا تقرير شيخ الإسلام أن الضعيف يساوي الحسن، الضعيف لا يحتج به في الأحكام، إذاً الحسن لا يحتج به في الأحكام وهذا غير معروف في مذهبه -رحمه الله-، لا عنده ولا من قوله ولا من قول أتباعه من بعده. فالضعيف في كلامه -رحمه الله تعالى-: المراد به الذي لم يصل إلى درجة القبول، أما من وصل إلى درجة القبول فهو الحسن وقد يرتقي إلى الصحيح كما هو معروف.

يتفقون على أن الضعيف لا يحتج به في العقائد والأحكام أيضاً، إلا أن الباحث في كتب الفقه في الأحكام في الحلال والحرام يجد أن هذه الكتب مملوءة بالأحاديث الضعيفة، كيف يقررون ويقعدون أن الضعيف لا يعمل به في الأحكام، ومع ذلك كتب الأحكام فيها أحاديث ضعيفة، حتى كتب أحاديث الأحكام فيها أحاديث ضعيفة؟ كيف نقرر كلام نظري ثم عند العمل والتطبيق نخالف؟

يعني لو رجعت إلى المجموع للنووي وجدت فيه أحاديثاً ضعيفة، وهو ممن يجمع بين الفقه والحديث، وإذا رجعت إلى المغني فيه أحاديث ضعيفة، إذا رجعت إلى كتب الحنيفة كذلك، كتب المالكية كذلك، كيف يقولون: إن الضعيف لا يعمل به في الأحكام يتفقون على هذا ثم بعد ذلك كتبهم مملؤة، مرد ذلك إلى عدم علمهم بهذه الصنعة، يوردون الأحاديث يتناقلونها ينقلها بعضهم عن بعض وهم لا يعرفون ضعفها، وقد يحتاجون إلى تعليل الأحاديث، قد يقول قائل: النووي من أهل الصنعة ويعلل الأحاديث ويصحح ويضعف، لكنه قد يتساهل في التصحيح، قد يكتفي بتصحيح الترمذي، قد يكتفي بسكوت أبي داود ثم يدخل عليه الدخل من هذه الحيثية، بينما المغنى وغيره ليس بمثابة النووي في علم الحديث، لكنه مع ذلك له يد في التصحيح والتضعيف بالنقل عن غيره، وأكثر ما تجده يتعرض للتصحيح والتضعيف في أحاديث أللي يسميها الفقهاء الخصوم -يعني تسمية غير مقبولة-، لكن جروا على هذا، من الفقهاء من يسميهم الخصوم، يعني الزيلعي في "نصب الراء" يكثر من قوله: استدل الخصوم، ولنا وللخصم، وكذا، هذا على طريق سبيل المناظرة يعدونه خصم وهو في الأصل من أهل العلم ومن أهل الفضل، يعني يخاصم ينازع في حكم هذه المسألة، يعني بينهما نزاع في حكم هذه المسألة والنزاع هو الخصام، بس النزاع أخف والخلاف أخف من النزاع {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ} [(46) سورة الأنفال]، المقصود أن من الفقهاء من يتعرض للتصحيح والتضعيف يصحح أحاديث التي يستدل بها، وقد ينقد الأحاديث التي يستدل بها مخالفه، وإن كان ابن قدامة يعني عنده شيء من الاعتدال والإنصاف، وقد يخرج عما يقرره في المذهب لقوة دليله، وإن كان النووي أوضح في هذا يعني مخالفة النووي للشافعية أكثر من مخالفة ابن قدامة للحنابلة تبعاً للدليل. قلنا: إن إيراد هذه الأحاديث الضعيفة في كتب الأحكام مع أنه لا يحتج بها في الأحكام اتفاقاً إنما هو من باب غفلة مؤلفيها عن الصنعة الحديثية، ناهيك عما في كتب التفسير، وما في كتب المغازي، وما في السير، وما في التواريخ والأدب من الأخبار الضعيفة والباطلة والواهية هذا فيه كثير.

وإذا قلنا: إن الضعيف لا يحتج به مطلقاً سد الباب على أمثل أولئك الذين يشغلون طلاب العلم بما لم يثبت عما ثبت، يشغلون طلاب العلم بما لم يثبت عما ثبت، ويشغلون العامل بالعمل بما لم يثبت عن العمل بما ثبت، تجد كثيراً ممن غلب عليه جانب العمل عنده شيء من الغفلة عن العلم، فتجد كثيراً من أعماله مبناه على أحاديث ضعيفة، وإذا تشبث الإنسان بالضعيف لا شك أنه سيغفل لا محالة عن ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا لو كان معول طالب العلم وعمدته على الصحيحين قبل غيرهما، فإذا أتقن الأحاديث الصحيحة طلب المزيد مما صح من غيرهما كان تمسكه بالصحيح فيه مشغلة عن التمسك بما لم يصح، بخلاف من اعتمدوا على أحاديث وعلى كتب وعظية، وكتب ترغيب، وكتب ما يكتبه العبّاد ويستدلون به وغالبه من الضعيف، بل فيه كثير من الموضوعات، وانشغلوا بأعمال بناء على ما رتب عليها من أجور اشتغلوا بها عما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. فالقول بحسم المادة وعدم العمل بالضعيف مطلقاً، هو الذي يجعل طالب العلم يعمل بما صح ويسدد ويقارب ويحرص على استيعاب ما صح، وفيه ما يشغله عما لم يصح. "ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث، بل على قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب)) " نعم هذا أصل لتبليغ لكن هل يصلح أن يكون أصلاً للعدد؟ ما يصلح أن يكون أصلاً للعدد، نعم أصل للتبليغ، هذا بلغ أربعين حديثاً، نعم يدخل في ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب)) لكن العدد، الالتزام بالعدد ما الذي يصلح أن يكون أصلاً له، وقد قلنا إن الحديث ضعيف بل شديد الضعف؟ فالمعول في هذه المسألة على هؤلاء العلماء الأعلام، ونعود إلى أنهم جمع غفير لا يحصون، فإن ثبت الخبر فهذا هو المطلوب، وإن لم يثبت فلمن صنف في الأربعين سلف من هؤلاء الأئمة، وهو أعلام مشهود لهم بالفضل والعلم والورع، وعلى كل حال لو أنشغل الإنسان بما هو أصح من هذا وألف تأليفاً مرسلاً مطلقاً كان أولى من أن يقتصر على هذا العدد؛ لأن الاقتصار على هذا العدد لا يوجد ما يدل عليه.

الأمر الثاني: أنه يكون على حساب غيره، ولذا التقيد بالأربعين يحرم من أحاديث كثير منها أهم مما ذكر في الأربعين، ولذا النووي -رحمه الله تعالى- ما تقيد بالأربعين بدقة جعلها اثنين وأربعين حديثاً، وإن كان هذا جاري على طريقة العرب في حذف الكسر، لكن يبقى أن الإنسان يؤلف وهو مرتاح، صارت ستين، صارت سبعين، يؤلف بقدر الحاجة هذا هو الأصل، أما أن يحصر نفسه بعدد معين ثم يترتب على ذلك تسطير المرجوح وترك الراجح كل هذا محافظة على العدد، هذا لاشك أن الذي جر إليه هو اعتماد هذا العدد الذي لا يدل عليه دليل. اعتنى العلماء بهذه الأربعين وشرحوها بشروح كثيرة، يعني لا يحصى كم من شرح مطول ومختصر ومتوسط على الأربعين للنووي من المتقدمين ومن المتأخرين، من المطبوع ومن المخطوط، ومن المسموع والمقروء كتب كثيرة جداً. حتى من أشد الناس تحرياً للإتباع يشرحون الأربعين؛ لأنها أربعين، أو لأن هذه الأحاديث التي جمعت في الأربعين أحاديث في غاية الأهمية، نعم في غاية الأهمية، لو إنها سبعين بهذه القوة والجودة وهذه الانتقاء، هل نقول: إن العالم الفلاني الذي شرحها على أساس أنها أربعين لو عرف أنها سبعين ما شرح؟ لا، إنما شرحت وأهتم بها أهل العلم لما لها من ميزة، فهذه أحاديث كما سيأتي في كلام المؤلف أنها من جوامع الكلم، وقيل في كثير منها أن مدار الأسبوع عليها، وربع الإسلام، وثلث الإسلام أو يدخل في جميع أبواب الدين، وهكذا على ما سيأتي إجمالاً في المقدمة، وتفصيلاً عند قراءة كل حديث. ((نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها)) فوعاها: يعني عقلها وحفظها فأداها إلى غيره كما سمعها يعني بحروفها، كما سمعها لم يغير فيها شيئاً، الذي يروي الحديث بالمعنى يدخل في هذه الدعوة وإلا ما يدخل؟ طالب. . . . . . . . . نعم، كيف؟ لا، عندنا أن نظر في النص الآن ((نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها)) كما. طالب. . . . . . . . .

الظاهر، ظاهر اللفظ أن من روى الحديث بالمعنى لا يدخل؛ لأنه لا بد أن يؤديها كما سمعها والذي يؤدي بالمعنى لا يدخل لا يكون أداها كما سمعها، لكن قد يدخل ليبلغ الشاهد الغائب، يدخل في نصوص كثيرة ولذا جمهور أهل العلم على أن رواية الأحاديث بالمعنى جائزة بشروطها هو رأي الجمهور، رأي الجمهور أن رواية الحديث بالمعنى جائزة، ولذا حديث الأعمال بالنيات مروي في سبعة مواضع يختلف بعضها عن بعض زيادة ونقص، امرأة ينكحها، امرأة يتزوجها، دنياً يصيبها المقصود أنها الألفاظ في صحيح البخاري فضلاً عن غيره متفاوتة، أيضاً حديث النعمان بن بشير ((مشتبهات)) ((متشابهات)) ((مشبهات)) وألفاظ كثيرة فيها زيادة ونقص، وسيأتي شيء من ذلك -إن شاء الله تعالى-. على كال حال من روى الحديث بلفظه كما هو الأصل، ومن رواه بالمعنى بشروطه: أن يكون عارفاً بمدلولات الألفاظ وما يحيل المعاني. وألا يكون المتروك يعني المحذوف، أو المغير المذكور في الحديث له ارتباط بالمغير، يعني.

وألا يكون أيضاً النص مما يتعبد بلفظه، ألا يكون النص مما يتعبد بلفظه، ففي حديث النوم حديث البراء بن عازب لما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- الحديث ((ونبيك الذي أرسلت)) قال عند عرض الحديث على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ورسولك الذي أرسلت قال: ((لا، قل: ونبيك الذي أرسلت)). "ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، الأربعين في أصول الدين يعني في العقائد، وبعضهم في الفروع في أحاديث الأحكام، وبعضهم في العبادات، بعضهم في المعاملات، بعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد" جيدة ومن أخر ما أُلّف "الأربعين في فضائل البلد الحرام" "الأربعون المكية" يعني كتاب فيه أربعون حديثاً في فضائل البلد الحرام، وألف من قبل مشروع تعظيم البلد الحرام هذه من أخر ما أُلّف، يقول المؤلف: "وكلها مقاصد صالحة"، فالذي يؤلف في الأصول له مقصد حسن وأن الأصل الاعتقاد هو الأصل، ومن ألف في الفروع، من ألف في العبادات، من ألف في الجهاد كل واحد منهم ألف في باب يرى أن الحاجة داعية إلى التأليف فيه، فمقصده صالح -رضي الله عن قاصدها-، -رضي الله- عن هؤلاء المؤلفين. قال: "وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله"، هذه الأحاديث الأربعين جوامع وهي أصول للدين، لكن هل هي أهم من الأربعين في أصول الدين في العقائد؟ يقول: "وقد رأيت جمع أربعين" وهي في حقيقتها اثنان وأربعون حديثاً لكنه جاري على طريقة العرب في حذف الكسر، "أهم من هذا كله وهي أربعون حديثاً مشتملةٌ على جميع ذلك"، يعني فيها من جميع الأبواب المذكورة، منتقاة من الأبواب المذكورة وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وسيأتي تقرير ذلك أثناء شرح الأحاديث، يقول: قد وصفه العلماء يعني كل حديث منها قد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه. عمدة الدين عندنا كلمات ... أربع من قول خير البرية اتق الشبهات وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنية

سيأتي هذا -إن شاء الله تعالى- بأن مدار الإسلام عليه أو هو نصف الإسلام، أو ثلثه، أو نحو ذلك، ثم ألتزم في هذه الأربعين، ثم ألتزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، اشترط المؤلف أن تكون هذه الأربعين صحيحة لكنه من وجهة نظره صحح بعض الأحاديث التي يخالف ويختلف معها في تصحيحها وهي يسيرة، اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة لا تزيد على الخمسة لكن المحقق اثنان والثالث يعني النزاع فيه قوي. "ثم ألتزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيحي البخاري ومسلم، وأذكرها محذوفة الأسانيد؛ ليسهل حفظها"، وأذكرها محذوفة الأسانيد يعني من بعد الصحابي ما في أحد، لا يذكر التابعي إلا إذا دعت الضرورة إليه بأن يكون طرفاً في المتن يعني سأل الصحابي فأجابه. "محذوفة الأسانيد؛ ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها -إن شاء الله تعالى-"، يعني صغر الحجم، قلة الألفاظ مما يعين على الحفظ، "ثم أتبعها بباب في ضبط خفي ألفاظها" يعني بعد أن ذكر الأحاديث الاثنين والأربعين ذكر باباً فيه الألفاظ الغريبة التي وردت في ثنايا الكتاب -في الأحاديث-، ولو ذكر هذه اللفظة مع الحديث لكان أولى، لو ذكر هذه اللفظة مع الحديث لكان أولى بدلاً من، بعض الناس لا يخطر على باله أن المؤلف شرح هذا الكلمة في أخر الكتاب، ولا شك أن ذكرها بعد الحديث أيسر، أو التعليق بها على الحديث أسهل. "ثم أتبعها بباب في ضبط خفي ألفاظها، وينبغي لكل راغب في الآخرة" يعني كل حريص على نجاته، "أن يعرف هذه الأحاديث" يحفظ هذه الأربعين، ويفهم هذه الأربعين، ويقرأ ما كتب حولها لا سيما ما كتبه الحافظ ابن رجب في: "جامع العلوم والحكم" يحرص طالب العلم ويعضه بنواجذه.

"لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات"، صحيح احتوت على جميع الطاعات، يأتي في حديث جبريل أنه اشتمل على كثير من أبواب الدين، ويأتي حديث بني الإسلام على خمس، ويأتي في غيرهما من الأحاديث ما يدل على ذلك، "وذلك ظاهر لمن تدبره، وعلى الله اعتمادي"، اعتمادي على الله لا على غيره، وتقديم الجار والمجرور المعمول على عامله لإفادة الحصر، مثل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة] "وإليه تفويضي واستنادي، وله الحمد النعمة، وبه التوفيق والعصمة". والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. الآن عدد الأحاديث كثيرة والأيام الأربعة ما تفي بالأحاديث، فإن أردتم أن يكون الشرح مجرد تعليق وتنتهي الأحاديث، بحيث يشرح في كل يوم عشرة أحاديث على سبيل التعليق الخفيف، أو تريدون شرح بمعنى الشرح ولو اكتفينا بعشرة أحاديث مثلاً أو، نعم. طالب. . . . . . . . . لأنه سبق أن شرحنا الأربعين، وشرحنا العشرة الأولى منها بعشرة أشرطة، يعني بعشرة دروس-كل حديث بشريط-، فإن رأيتم أننا نطول، وإن رأيتم أننا نختصر ويكون هذا شرح تعليق، ويتداول في ألبوم صغير ينفع الله به مع هذه المقدمة فالأمر إليكم. طالب: الثاني. التعليق أيه تعليق خفيف يحل بعض الألفاظ المشكلة، ونكون بهذا نشرح كل يوم عشرة أحاديث، وننهيه -إن شاء الله تعالى-. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب. . . . . . . . .

شرح الأربعين النووية (2)

شرح الأربعين النووية (2) حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) الشيخ / عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: لو ذكرت لنا بعض الشروح على متن الأربعين النووية؟ الشروح على الأربعين مثل ما أشرنا بالأمس كثيرة جداً للمتقدمين والمتأخرين، منها: المطول والمتوسط والمختصر، ومنها المكتوب المقروء، ومنها المسموع المسجل، ومنها المطبوع وهو كثير، ومنها المخطوط وهو أكثر، المقصود أن هذه الأربعين حظيت بعناية فائقة لأهل العلم، فمن الشروح شرح المؤلف شرح النووي نفسه وهذا شرح مختصر، لكنه على طريقة المؤلف في الانتقاء وضبط العبارات، فالكتاب متين ونفيس كطريقته في شرح مسلم يختصر، لكنه مع ذلك يحرص على جمع القواعد، أقول الكتاب مختصر، شرح النووي مختصر جداً لكنه مع ذلك فيه فوائد ونفائس واستنباطات للمؤلف لا توجد لغيره، على ما يؤخذ عليهم من مسألة التأويل في الصفات كما يؤخذ على شرحه على مسلم هذا الأمر وغيره من مؤلفاته؛ لأنه أشعري -رحمه الله- وهذه من المأخذ عليه، وإن كان ليس إماماً مجتهداًً في الباب منظراً يعني لا يساوى النووي بالرازي مثلاً في هذا الباب، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن هذه المسألة، هذه القضية قضية التأويل عنده بالنسبة لحسناته، وما عنده من علم وعمل على عظمها، يعني مسألة هو أولاً: ليس بالمجتهد وإنما هو في عداد المقلدين في هذا الباب. الأمر الثاني: أنه ليس إنكاره للصفات على جهة العناد، وإنما هو على طريقة التأويل. الأمر الثالث: أنه عنده من الحسنات من علم وعمل ونفع وإخلاص فيما يبدو، ويغلب على الظن وإن كنا لم نطلع على السرائر، لكن إفادة الناس من كتبه وكثرة ما كتبه من المؤلفات النافعة في عمره القصير يدل على شيء من هذا، وأظن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في فتاويه سئل عنه وأجاب بشيء قريب من هذا، المقصود أن مسألة الاعتقاد عندنا لها شأن عظيم، لها شأن عظيم، والعقيدة رأس المال وهي أصل الأصول، والأصل أن يقتدى فيها بسلف الأمة وأئمتها، فما أجمعوا عليه لا يجوز بحال أن ينازع فيه، وما دل عليه الدليل الصحيح الصريح لا يجوز أن يخالف بحال، والاجتهاد بابه مفتوح لا سيما في مسائل الفروع.

شرح النووي هذا شرح متين وجيد ويفيد منه طالب العلم فائدة كبيرة، أيضاً شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله- شرح الحافظ ابن رجب: "جامع العلوم والحكم" من أطول ما كتب على الأربعين، ومن أنفس ما كتب فابن رجب يكتب بنفس السلف، لا على طريقة المتأخرين الذين تأثروا بشروحهم بأساليب المتكلمين وطرائقهم، لا، ابن رجب كأنك تقرأ للسلف، وله كتاب في الباب اسمه: "فضل علم السلف على الخلف" على كل طالب علم أن يعنى به؛ ليتم له محاكاة السلف في طريقتهم في الاستنباط، وفي الاستدلال، وفي الكلام على النصوص، المقصود أن ابن رجب -رحمه الله تعالى- أبدع في هذا الكتاب، وجمع جمعاً لا نظير له في الشروح. وهناك شرح للسعد التفتازاني ميزته أنه مرتب مرتب على الفنون، مثل طريقة العيني في شرح البخاري، وإن كان تأثر السعد بعلم الكلام واضح، لكن كتابه ينتفع به جيد يستفاد منه. هناك شرح منسوب لابن دقيق العيد وأنا شك في هذه النسبة؛ لوجود نقول عمن تأخر عن ابن دقيق العيد في الكتاب، وأيضاً طريقة ابن دقيق العيد ومتانة علم ابن دقيق العيد التي نلمسها في شرح العمدة لا نحس بها في هذا الكتاب، على كل حال أنا في شك من نسبة هذا الكتاب، وأكاد أجزم أنه ليس له. من الشروح، شروح للمعاصرين، من أنفعها لطلاب العلم شرح الشيخ/ ابن عثيمين، والشيخ/ عبد المحسن العباد، وفيه أيضاً شرح للشيخ/ محمد يسرى "الجامع" اسمه في مجلدين، فيه فوائد وفيه نقول يفيد منها طالب العلم. هذا سؤال من الإنترنت من مصر. يقول: ما هو أفضل شرح للكتاب؟ يعني إن أردت الاختصار فعليك بشرح المؤلف، وإن أردت البسط فعليك بشرح ابن رجب، وإن أردت أن تفهم العلم بكل يسر وسهولة فعليك بشرح الشيخ: ابن عثيمين، وبقية الشروح كلها لا تسلم من فائدة. وما رأيكم في كتاب الجامع للأربعين النووية للشيخ/ محمد يسري إبراهيم؟ أنا تصفحت الكتاب تصفحاً، لكن ما استوعبت الكتاب، رأيت فيه النقول الكثيرة وفيه التحريرات أيضاً للمؤلف، وهو كتاب مطول يقع في مجلدين، ويستفاد منه.

يقول: لي بنات بالمتوسطة، قلت: لهن حرام علي أن أسمح لكن بالذه اب إلى بيت جدكن، هذه القائلة امرأة تقول: حرام علي أن أسمح لكن بالذهاب إلى بيت جدكن، قلتها من قلب بقصد تربيتهن وردعهن عن كثرة الزيارات، بعد فترة سمحت لهن بزيارة بيت الجد ما الذي يلزمني؟ يلزمك كفارة يمين: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم إن لم تستطيع ذلك كلهن فالصيام ثلاثة أيام؛ لأنه في سورة التحريم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [(1) سورة التحريم] ثم بعد ذلك قال الله -جل وعلا-: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [(2) سورة التحريم] فجعله من اليمين. يقول: هل من نصيحة لمن يقول: إن مناهج الجامعة كافية لتحصيل العلم؟ أولاً: المناهج إنما وضعت لتناسب الوقت الذي تدرس فيه، والوقت إذا نظرنا إليه الفصل الدراسي ثلاثة أشهر يتخلله الخميس والجمعة يبقى منه شهران -ستون يوماً-، وكل مقرر من هذه المقررات له سويعات من هذه الأيام، وهذه السويعات يخرم منها من أولها ومن أخرها ما لا يخفى، فالجاد يصفو من محاضرته نصف ساعة، والهازل قد يقضي على المحاضرات دون فائدة، فالدراسة النظامية لا شك أن الوقت يحكمها، فالمقرر إذا افترضنا مثلاً: مقرر التفسير في الجامعة، الجامعة ثمانية فصول، وكل فصل ما يصفو منه إلا مقدار شهرين، والشهران يضيع النصف، ومدة الدراسة لا تزيد بحال صافية على ثلاث ساعات في اليوم، على ثلاث ساعات؛ لأن أول المحاضرة المدرس قد يتأخر خمس دقائق، والطلاب يتأخرون، ثم مسألة التحضير، ومسألة انتبه يا ولد، وأنت وين كتابك يا ولد،. . . . . . . . . من هذه الدراسية النظامية، لكن الدراسة النظامية تخرج باحثاً، الطالب النابه يستطيع أن يتعامل مع الكتب بنيله الشهادة الشرعية، يستطيع أن يبحث، يستطيع أن ينظر في الكتب ويعرف مظان المسائل.

أما أنه يحمل في نفسه علماً يكتفي به فلا، كثير من الطلاب لا ينتبه لنفسه وأنه يطلب علماً يتعبد به لله -جل وعلا-، ويستطيع بواسطته أن ينجو من عذاب الله ويكون سبباً في خلاص غيره لا ينتبه لذلك إلا في أخر الأمر، وبعضهم قد لا ينتبه إلا إذا تخرج؛ لأن سلوك الطريق من أوله هو الذي يعين طالب العلم على السرعة في التحصيل، يعني طالب العلم يقرأ يبدأ في المرحلة الابتدائية، ثم المتوسطة، ثم الثانوية وهو شاب لا يدرك شيئاً من قيمة العلم، ثم ييسر له الالتحاق بكلية شرعية فيها من العلوم ما ينفع، ويبنى طالب علم، لكن طالب العلم أين وجوده في المدة الماضية؟ يعني يبدأ العلم من منتصفه لا يبدأه من أوله، ولذلك تجد مثلاً من التحق بكلية الشريعة درس في الدراسة النظامية الابتدائية والمتوسطة والثانوية أشبه ما تكون بالثقافة، يعني من كل علم شيء يسير إلى أن يتدرج في العلم على طريقة المتقدمين بقراءة كتب المبتدئين، ثم المتوسطين، ثم المنتهين، ثم يدرس دروس الجامعة، وهي تعادل دروس المتوسطين من طلاب العلم، يعني ما قراء كتب المبتدئين يعني أللي ييسر الله لهم من يأخذ بيده من أول الأمر، وفي أثناء دراسته العامة يجعله يقرأ كتب، ويحضر الدروس على طريقة أهل العلم، الكتب المؤلفة للمبتدئين لأمثاله يحضر دروسها ويحفظها، هذا إذا جاء للجامعة يمسك الطريق بدون إشكال، ولذا تجدون في دروس الجامعة ما هو بالنسبة لبعض الطلاب كالألغاز، ثم بعد ذلك يضطر المدرس إلى أن ينزل إلى مستوى هؤلاء الطلاب فيكون على حساب المقررات، فالقول بأن الدراسة المنهجية مناهج العلم لا تكفي، لا تكفي، لا تكفي، لكنها نافعة مثل ما قلت: إن الطالب يتخرج وإن لم يكن فقيهاً بالفعل يكون فقيهاً بالقوة، هذا الطالب النابه المتميز من الطلاب، أما آحاد الطلاب وأفرادهم لا بد لهم من طلب العلم بقوة وجد أثناء طلبهم للجامعة، كثير من طلاب العلم إذا تخرج أحس بالمسئولية قال: أنت طالب متخرج من الشريعة، أنا طالب متخرج من أصول الدين الناس ينظرون إلي والمجتمع ينظر، فلا بد من أن أتعلم من جديد وقد فعله كثير من طلاب العلم.

ومع العلم بأن بعضهم يأنف أن يقرأ في كتب المبتدئين وقد تخرج في الجامعة، فهذا يضيع عمره بدون فائدة، لا بد من أن تؤتى البيوت من أبوابها، والعلم لا بد أن يتدرج فيه من البداية مبتدئين ثم متوسطين ثم متقدمين، وإذا نظرنا إلى مؤلفات أهل العلم وجدناها على هذا النسق. كيف يبدأ طالب العلم بقراءة كتب ابن القيم، وشيخه ابن تيمية؟ كتب ابن القيم أسهل وأسمح وأسلس من كتب شيخه -رحم الله الجميع-، فبإمكانه أن يقرأ من كتب ابن القيم عن البداية مثل: "الوابل الصيب"، مثل: "طريق الهجرتين"، ومثل: "مفتاح دار السعادة"، ويقرأ هذه الكتب النافعة، ومثل: "بدائع الفوائد" يقرؤوها. وكتب شيخ الإسلام يبدأ بالأسهل، يبدأ بالواسطية، ثم الحموية، ثم على التدريج الذي ذكره أهل العلم؛ لأن بعض الطلاب قد يسمع مدح ابن القيم وإشادة ابن القيم، بـ "درأ تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ثم يبدأ به وقد حصل لبعض الطلاب أن بدؤوا به ثم تركوا القراءة عزفوا عنها بالكلية، التدرج لا بد منه، المسألة مسألة العلم منزلته رفيعة، ما كان كذلك لا يمكن أن يصعد إليه بدرجة أو درجتين. ما حكم العمل في الشركات التي فيها بعض المعاملات الربوية، إذا لم يكن الشخص يعمل على هذه المعاملات الربوية؟ على كل حال هذا من التعاون، التعاون على الإثم والعدوان، ولو لم يجدوا من يعمل معهم لصلحت أحوالهم، لكنهم لم يعترضهم في طريقهم وفي معاملاتهم ما يجعلهم يعيدون النظر في تعاملهم. هل كونه -عليه الصلاة والسلام- أفضل المخلوقين محل إجماع؟ نعم، محل إجماع عند جميع من يقول بتفضيل صالحي البشر على الملائكة، أما من يقول بتفضيل الملائكة هذا عاد محل نظر، حتى ممن يقول بتفضيل الملائكة على البشر، على الناس، حتى من يقول هذا، يقول: إن النبي-عليه الصلاة والسلام- أفضل من البشر، ومن الملائكة، ويجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- خارج عن محل الخلاف. سمعت بعض طلبة العلم يقول: أما بعد ليست سنة، وإنما تكلم بها النبي -صلى الله عليه وسلم- جريئاً على لسان قومه فما توجيهكم؟

لو تكلم بها مرة أو مرتين، أو تركها أحياناً، وفعلها أحياناً، يمكن أن نقول هذا، لكنه ما دام التزم بها في خطبه، وفي مكاتباته، نقول إن التزامها سنة. هل الحديث الضعيف ضعفاً يسيراً إذا جرى عليه العمل، هل يكون ذلك كاف بترقية الحديث إلى درجة الاحتجاج به، فمثل هذا لو صح الحديث ولم يجري عليه العمل، هل هذا كافي في رده، وكيف نوجه كلام الشافعي وغيره "الحديث إذا ثبت فهو حجة بنفسه"؟ أولاً: عمل العالم بمقتضى حديث لا يدل على صحته؛ لأنه قد يوجد في الباب أدلة أخرى، كما أن تركه للعمل بحديث لا يدل على ضعفه؛ لأنه قد يكون تركه لمعارض راجح، أو لم يبلغه، أو تأوله أو ما أشبه ذلك من الأعذار التي ذكرها أهل العلم. فليس العمل ولا تركه بقادح في الخبر، أو مصحح له، إنما أهل العلم يستروحون بعمل أهل العلم بالحديث كصنيع الترمذي حينما يقول: وعليه العمل يستروحون إلى تقوية الخبر بمثل هذا، لكن إذا كان الضعف ظاهراً فلا يمكن أن يتقوى إلا بما يجبر هذا الضعف، لا بمجرد العمل، نعم إذا الأمة تلقت هذا الخبر بالقبول، وعمل به عامة أهل العلم، واستدلوا به وأوردوه بمعرض الاحتجاج والاستدلال، نعم يدل على ثبوته، والحافظ ابن حجر يقول: تلقي الأمة بالقبول للحديث أقوى من مجرد كثرة الطرق، ومعروف كلام أهل العلم في حديث ((لا وصية لوارث))، وأن العلماء تلقوه بالقبول، وإن كان لا يسلم. كيف أنظم برنامجاً لطلب العلم؟ هذا في المغرب، عليك أن تبحث أولاً: عن العالم المحقق الذي تقرأ عليه؛ لأن العلم لا يؤخذ من الصحف ولا من الكتب، بل لا بد من عالم تمثل بين يديه، لكن عليك أن تبحث عن أهل التحقيق، عن أهل تحقيق التوحيد، أهل الإقتداء، أهل الإتباع, وحينئذ تقرأ عليه المتون التي ألفت لمثل مستواك، فإن كنت مبتدأً تقرأ عليه في كتب المبتدئين، إن كانت لديك سابق خبرة ومعرفة بكتب المبتدئين تقرأ عليه كتب المتوسطين، وهكذا. أنا عندي رغبة في الزواج، وأنا ليس عندي الآن، وأنا عندي اختبار في العمل، وهذا العمل أختص في مكانيك السيارات؟

إيش لون، عنده رغبة الآن في الزواج وليس عندي إيش ليس عنده الآن؟ يعني ما تدفعه مهراً وتكاليفاً للزواج، إن وجدت من يقرض فأقدم {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(32) سورة النور]، حتى قال بعض أهل العلم: إنه لتضيق بي المسالك وتشتد على الحاجة فأتزوج، لكن إذا غلب على ظنك أنك لن تجد من يقرضك ولا من يمهلك فحينئذ الآية الثانية: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(33) سورة النور]. هناك بعض الأسئلة تطرح عندما يريدون إجازة أحد لتحفيظ القرآن في بعض الأماكن، وبدأ يصير المنهج يمشي عليه بعض المختبرين ومنها أكمل {الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [(19) سورة النور]. {الَّذِينَ آمَنُوا}! ماذا يقصد؟ طالب. . . . . . . . . في {الَّذِينَ آمَنُوا} نعم، يعني يبتر أول الكلام، لا هذا نسأل الله العافية ضلال، يعني كمن يقف على {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} [(4) سورة الماعون] سواء حذف المبتدأ أو حذف الخبر هذا تلبيس وتضليل. قال: وهناك من يسأل ما هي الآية التي احتوت على ثلاث مدري والله إيش، يقول: فالآية الأولى التي في سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [(19) سورة النور]، والآية الثانية في سورة البقرة لأنه قال: بعدها قلبي: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ} [(260) سورة البقرة] السؤال الثالث المقصود به الآية في سورة النساء: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ} [(104) سورة النساء]؟ يقول: آية، هو كاتب احتوت على ثلاثة لمونات لمون، لمون، لمون، تألمون، {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ}، ثلاث لمونات.

هل طبيعة هذه الامتحانات طيبة يعني ما في انتقاص فيها لقدر القرآن العظيم، وإفقاد الآيات المعنى الذي تحويه، ولا يوجد فيها حرج شرعاً لمن أتاها أما فيها إساءة؟ نعم فيها إساءة، فيها إساءة وليس بمثل هذا يختبر طلاب العلم. واحد يسأل يقول: آية واحدة فيها مائة وأربعين عين، مائة وأربعين عين؟ يمكن تجتمع مائة وأربعين عين في آية واحدة؟ {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} [(155) سورة الأعراف] سبعين لهم مائة وأربعين عين، لا مثل هذا لا شك أنه من الفضول وليس من متين العلم الذي يختبر به الطلاب، وقد يكون فيه شيء من التضليل كما في الآية الأولى. ما حكم قول: لا إله إلا الله بعد نهاية الإقامة من قبل المأمومين؟ التعبد بهذا الكلمة كلمة التوحيد كلمة الإخلاص لا شك أنه جاءت به النصوص، وهي أعظم كلمة، هي كلمة التوحيد المنجية التي يدخل بها المرء في الإسلام، ومع ذلك إذا تعبد بها في وقت محدد كهذا الوقت بحيث لا يتركها أبداً هذا لا يصح؛ لأنه تحديد لوقت لم يحدده الشارع، اللهم إلا على القول بأن الإقامة تجاب كالأذان فإذا قال المقيم: "لا إله إلا الله " قال مثله. يقول: لقد ذكر شيخ الإسلام مثالاً على جواز العمل بالحديث الضعيف، في وروود أجر عظيم على ذكر من أذكار الثابت، يعني الذكر بالنص على ألا يكون في الحديث تقييد إلا ذكر الأجر؟ يعني مثل ما قالوا في حديث: ((من صلى الصبح في جماعة، ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تتطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كان له أجر حجة)) هذا تضمن ذكر الأجر، وإلا فالجلوس إلى انتشار الشمس من فعله-عليه الصلاة والسلام- ثابت في صحيح مسلم، وصلاة الضحى ثابتة بحديث أخرى، والجمع بينهما وترتيب الثواب هذا هو الحديث الذي فيه الكلام لأهل العلم وإن كان قابلاً للتحسين، فعلى كلام الشيخ هذا أن مجرد ترتيب الثواب على الذكر الثابت أصله في نصوص صحيحة هو الذي يعمل به، ومع ذلك لا يجزم بهذا الثواب إنما يرجو مثل هذا الثواب، يعمل بالجلوس إقتداء بجلوسه-عليه الصلاة والسلام-، ويصلى الركعتين باعتبار أنهما ركعتا الضحى، ويرجو ثواب الله -جل وعلا- لعل الخبر أن يصح، وإن لم يصح فعمله شرعي بدونه. سم.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمراسلين. قال الإمام النووي -رحمه الله-: عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)). "رواه إماما المحدثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة أعد رواه، رواه إماما المحدثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن؛ لأنها تابعة لما قبلها، فمحمد محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بنِ المغيرة لا محمد مرفوع صح محمد مرفوع، محمدُ بنُ إسماعيل بنُ بغيت سمع قل وصف، أو بدل، أو بيان كل هذا صحيح؛ لأنها تابع لما قبلها ابن إسماعيلَ ابن مضاف وإسماعيل مضاف إليه ممنوع من الصرف، وابن الثانية تابعة لإسماعيل، وإسماعيل مجرورة لازم تكون مجرورة ابنِ، وإبراهيم مضاف إليه ممنوع من الصرف والذي بعده تابع له مجرور وهكذا، في الموضع الأول ترفع أو تنصب أو تجر على حسب العوامل الداخلة على المتبوع، في الموضع الثاني باستمرار مجرورة مجرورة؛ لأنها تابعة لما قبلها ومضاف إليه، ابن الأولى مضاف إلى الاسم الثاني، اللهم إلا في بعض الأسماء التي ينسب فيها الرجل إلى أبيه ثم يوصف وصفاً أخر. عبد الله بنُ أبي بنُ سلول لأن ابن الثانية وصف لعبد الله كلاهما وصف لعبد الله وهو مرفوع، وليست وصف لأبي الثانية، مثلاً عبد الله بنُ عباسِ ابنُ عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكن لو قلت ابنِ عبد المطلب فهي تابعة لما قبلها باستمرار إلا إذا تبعت ما قبل الذي قبلها. نعم. رواه إماما المحدثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما الذين هما أصح الكتب المنصفة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول من الأربعين: "عن أمير المؤمنين"، "أمير المؤمنين" الإمارة والولاية معروفة، ويراد بهذا المنصب الإمامة العظمى، وهو أول من لقب بهذا اللقب أمير المؤمنين، وكانت ولايته بتولية أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- له، بإشارات من خلال نصوص كثيرة في أحاديث التفضيل، جاء تفضيل عمر على غيره بعد أبي بكر في نصوص كثيرة، وهذا هو الذي جعل أبا بكر ينص عليه بالخلافة، وهو أول من لقب بأمير المؤمنين، ثم توسع الناس في ذلك حتى أطلقوا هذا اللقب على غير الإمام الأعظم، فقالوا: أمير المؤمنين في الحديث مثلاً: سفيان، وأمير المؤمنين في التفسير؛ لأن المسألة مسألة إمارة يعني كونه رأس في هذا الشأن يتبعه ثلة من المؤمنين والمسلمين يكون أميراً لهم من هذه الحيثية، وإلا فالأصل أنه إذا أطلق إنما ينصرف إلى الإمام الأعظم. ثم بعد ذلك هذا الإمام الأعظم ينيب عنه أمراء كانوا يسمونهم في أول الأمر في صدر الإسلام عمال، كان فلان عاملاً لعمر على البصرة، كان فلان عاملاً لكذا لكذا إلى أخره، على كل حال الاختلاف في الاصطلاحات ما لها أثر. "عن أمير المؤمنين أبي حفص، هذه كنيته -رضي الله عنه وأرضاه- عمرَ"، "عن أمير عمرَ ""أمير" مجرور بعن، و "عمر" أيضاً مجرور بدل عن أمير أو بيان له وهو ممنوع من الصرف للعلمية والعدل، وإن قال بعضهم: بأنه مصروف؛ لأن عمر جمع عمرة، لكن الأكثر على أنه ممنوع عمرَ بنِ، التابع للمجرور مجرور "ابن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". . . . . . . . . لسنا بحاجة إلى ذكر ترجمة لأمير المؤمنين في هذه الدروس المختصرة؛ لأن سيرته كتبت في مجلدات، وأودعت بطون الأسفار وأفيض فيها، أفاض فيها العلماء إفاضة زائدة، يعني أطالوا في ترجمته، كتب في سيرته ومناقبه المجلدات.

"عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: أولاً: هذا هو أول حديث مخرج في الصحيح في البخاري، وهو مخرج عند غيره من أهل العلم، ولا يثبت إلا من طريق عمر بن الخطاب، لم يثبت عن غيره من الصحابة مع أنه جاء في بعض طرقه ما يدل على أن النبي-عليه الصلاة والسلام- خطب به، وعمر -رضي الله عنه- خطب به على المنبر. ولم يصح عن عمر إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي، ولم يصح عن علقمة إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولا يصح عنه إلا عن طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه انتشر حتى قال بعضهم أبو إسماعيل الهروي، قال: إنه يروى من، عن يحيى بن سعيد عن أكثر من سبع مائة شخص، عن أكثر من سبع مائة شخص، مع أن الحافظ ابن حجر يشكك في هذه النسبة وأنه حرص على جمع الطرق فلم تبلغ المائة، على كل حال الخبر صحيح مجمع على صحته متفق عليه لا ينازع في ثبوته، ثبوته قطعي عند أهل العلم، سواء ورد من طريق واحد، أو من طرق متعددة. هذا الحديث غريب غرابة مطلقة كما سمعنا، وهو أول حديث في الصحيح ونظيره أخر حديث في الصحيح حديث أبي هريرة: ((كلمتان: خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) لم يثبت إلا عن أبي هريرة، وعنه لم يثبت إلا عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير البجلي، ومنه عنه لم يثبت إلا عن عمارة بن القعقاع، وعنه لم يثبت إلا عن محمد بن فضيل, وعنه انتشر، يعني التنظير مطابق بين الحديثين أول حديث وأخر حديث، وكأن البخاري -رحمه الله تعالى- إما على سبيل القصد أو لمجرد الاتفاق، يعني حصل اتفاقاً من غير قصد الرد على من زعم اشتراط التعدد، وأنه لا يقبل خبر الواحد إذا تفرد به، بل لا بد أن يأتي الخبر من طرق، هذا الكلام مردود بأول حديث وأخر حديث وغيرهما من غرائب الصحيح.

هذا القول يتبناه المعتزلة أن الذي يتفرد بالخبر لا يقبل حتى يتعدد المخرج، وقال به بعض العلماء: إما مطلقاً أو شرط لصحيح البخاري، وأن البخاري لا يخرج إلا الأحاديث التي لها أكثر من راوي، ويومئ إليه كلام الحاكم، وبعض الإشارات تدل عليه من كلام البيهقي، ويتبناه الكرماني الشارح شارح البخاري، وكأن كلام ابن العربي في حديث أبي هريرة: ((هو الطهور ماؤه)) يدل عليه، قال: لم يخرجه البخاري لأنه لم يرد إلا عن أبي هريرة، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، عندنا أدلة عملية ترده، الصنعاني في نظم النخبة لما ذكر العزيز قال: وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقد رمي من قال بالتوهم وفي بعض النسخ: وليس شرطاً للصحيح فاعلم ... وقيل شرط وهو قول الحاكمِ على كل حال هذا القول ضعيف لا يلتفت إليه. "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول" سمعت هذه صيغة الأداء لمن تحمل بطريق السماع من لفظ الشيخ التي هي الأصل في الراوية، يقول سمعت: ولو قال حدثني، أو أخبرني، أو عن النبي-عليه الصلاة والسلام- قال، كلها تدل على مقصود لكن هذه أصرحها، "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول؛ لأنه سمعه بدون واسطة، بدون واسطة، وعمر -رضي الله عنه- كان يتناوب في العلم مع جاره، فجاره يخبره بما صدر عن النبي-عليه الصلاة والسلام-، وهو يخبر جاره في اليوم الذي يليه وهكذا، لكن هذا الحديث مما سمعه من النبي-عليه الصلاة والسلام- من دون واسطة، يقول حال كونه يقول: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات)). ((إنما الأعمال بالنيات)) ((إنما)) هي الكافة والمكفوفة، وهي أداة حصر تحصر الحكم في المذكور، وتنفيه عما عداه -يعني بمنطوقها حصر للحكم فيما ذكر، وفي مفهومها نفي له عما عداه-. ((إنما الأعمال))، ((الأعمال)) ((أل)) هذه للجنس، جنس الأعمال بالنيات، فإذا قلنا: إنها جنسية، قلنا: تشمل الأعمال التي يتعبد بها، والأعمال التي لا يتعبد بها.

((بالنيات))، إذا قلنا: إن أل الجنسية، قلنا: الأعمال يشمل جميع الأعمال المتعبد بها وغير المتعبد بها، كيف تكون جميع الأعمال بالنيات ومنها ما لا يتعبد به؟ قالوا: نعم بالنيات، فهي مصححة للأعمال المتعبد بها، وضامنة للثواب في الأعمال التي لا يتعبد بها في أمور العبادات، وأمور العادات،، في أمور العبادات النية مصححة، فالعبادات لا تصح إلا بالنية. وأما بالنسبة لأمور العادات للأعمال العادية فإنما الثواب يرتب عليها إذا قصد بها وجه الله تعالى، والأعمال يدخل فيها الأعمال البدنية، والأعمال القلبية، وعمل اللسان الذي هو القول، ويدخل فيها أيضاً الترك، يدخل فيها الترك، فالترك عمل. لئن قعدنا والنبي يعمل ... فذاك منا العمل المضللُ فالترك عمل، لكن أهل العلم لا يشترطون لإزالة النجاسة نية، ولا يشترطون لسداد الديون والبراءة منها نية، نعم تصحيح ذلك لا يشترط له نية، لكن ترتيب الثواب عليه لا بد له من نية، إذا دفع المبلغ الذي في ذمته لزيد من غير قصد ما نوى بذلك شيء إلا أنه ليسلم من شره ومطالبته تبرأ ذمته، لكن إذا قصد بذلك أن هذا عقد وعهد والله -جل وعلا- أمر بالوفاء بالعقود والعهود يؤجر علي ذلك امتثالاً لهذا الأمر، فالنية لا شك أن لها مدخل في كل شيء، في كل عمل، عمل بدن، عمل جوارح، عمل اللسان، عمل القلب وما أشبه، كلها لا بد فيها من نية، لا بد فيها من إخلاص لله -جل وعلا-، فالنية شرط لصحة كل عبادة. والشرط الثاني: هو المتابعة: أن يكون العمل خالصاً لوجه الله -جل وعلا-، وصواباً على سنة النبي-عليه الصلاة والسلام-، هما شرطان للقبول، وإن كان بعضهم يكتفي بالمتابعة عن اشتراط الإخلاص؛ لأن العمل الذي ليس بخالص لله -جل وعلا- لم يتحقق فيه شرط المتابعة، لكن التنصيص على الإخلاص واستحضار النية لأهميتها؛ لأن لو لم تذكر في كل مجال، واكتفي بالشرط الثاني لغفل المكلف عنها، وظن أن مجرد المتابعة في الظاهر يكفي، وهذا لا يقول به أحد من أهل العلم.

يقول: ((إنما الأعمال بالنيات))، هذا حصر، وجاء في بعض الروايات: ((لا عمل إلا بنية))، لا عمل إلا بنية، فالنفي والإثبات مثل الحصر بإنما، هما من أساليب الحصر فلا عمل إلا بنية، أما الذي لم ينوي بعمله النية الصالحة الخالصة لله -جل وعلا- هذا لم يعمل، قد يقول قائل: إنه عَِمل، فكيف تنفى حقيقة عمل وهو موجود؟ نقول العمل الذي لا يقبل وجوده مثل عدمه ((صلِّ فإنك لم تصلِّ))، لو قال قائل: بأنه صلى ركعتين، لو قال لما قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لم تصل، قال: صليت، النفي إنما هو للحقيقة الشرعية، وأما مجرد الصورة في الظاهر، إذا لم توافق ما جاء عن الله وعن رسوله فليس لها حكم ووجودها مثل عدمها، ولذا قال: ((صلِّ فإنك لم تصلِّ))، وسواء كان الخلل في القصد في النية، أو في المتابعة، قد يكون المسيء مخلص لله -جل وعلا- لما كبر وصلى، لكن شرط المتابعة اختل فوجود هذا العمل مثل عدمه، ولذا صح نفيه ((صلِّ فإنك لم تصلِِّّ))، الذي يصلي بدون نية، الذي يتوضأ بدون نية، الذي يصوم بدون نية هذا ليس بصيام ولا بصلاة ولا بوضوء شرعي؛ لأن العمل الشرعي إنما هو ما أقترن بالنية، ولذا قال: ((إنما الأعمال بالنيات)). ((بالنيات)) جمع نية، والنية يعرفونها: بالقصد والعزم، ويقولون في كتب اللغة: النية في اللغة: القصد، وحتى الشراح يقولون هذا يقال: نواك الله بخير، أي: قصدك به، يعني هل هذا الكلام يحتاج إلى توقيف؟ يحتاج إلى دليل؛ لأنه مما يضاف إلى الله -جل وعلا-، أو لا نحتاج إلى دليل؟ يعني لماذا لا نقول نواك زيد بخير مثلاً، أي: قصدك، وما يضاف إلى المخلوق لا يحتاج إلى دليل، إلا إذا كان زيد من الناس معلوم بذاته فنحتاج إلى مطابقة هذا الخبر للواقع أن يكون صدقاً، إذا قلنا: نواك الله بخير، أي: قصدك هل نحتاج إلى نص أن مثل هذا المسند، يمكن يسند إلى الله -جل وعلا- أو لا نحتاج؟ الأسماء والصفات توقيفية لا يخالف في هذا أحد، لكن مثل هذا الإخبار يحتاج إلى توقيف، وإلا دائرة الإخبار أوسع؟ الطالب: أوسع نعم دائرة الإخبار أوسع، ولذا يرددونها في الشروح من غير نكير.

((إنما الأعمال بالنيات)) ولا بد من تقدير يتعلق به المجار والمجرور، لا بد من تقدير المتعلق متعلق الجار والمجرور ((بالنيات))، فالذي يشترط النية لأي عمل من الأعمال يقدر الصحة، "إنما صحة الأعمال بالنيات"، أو "إنما الأعمال تصح بالنيات" وهكذا، والذي يجعل النية ليست بشرط وإنما هي مكملة، وهذا يمكن أن يندرج في ((أل)) الأعمال على ما ذكرنا، أن الأعمال إذا كانت شرعية فلا تصح إلا بالنيات، وإذا كانت عادية فلا يثاب عليها إلا بالنيات، فيتجه القول بأنها تصح أو تكمل يتم ثوابها بالنيات إذا كانت أعمالاً عادية، وإذا قلنا: إن أل في الأعمال هي العهدية فتقتصر على الأعمال التي يتعبد بها لله -جل وعلا-، فلا شك أن مثل هذا شرط صحة. ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) هذا أيضاً حصر، والحصر عند أهل العلم ينقسم إلى: حصر حقيقي. وحصر إضافي. لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله -جل وعلا- حصر حقيقي؛ لأنه لا يخرج عن هذا الحصر أحد، وهناك حصر إضافي {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ} [(7) سورة الرعد]، إضافي لأن له صفات أخرى غير النذارة، ((إنما الربا في النسيئة))، "إنما الشاعر حسان" هذا يسمونه حصر إضافي للاهتمام والعناية بشأن من حصر فيه الوصف وإن وجد غيره، النبي-عليه الصلاة والسلام- له صفات أخرى غير النذارة له بشارة مثلاً، وله أوصف كثيرة جداً مذكورة في شمائله -عليه الصلاة والسلام-، وهناك شعراء كثر غير حسان.

((وإنما لكل امرئ ما نوى))، الذي ينويه من عمله يحصل له أجره، يحصل له أجره، ومفهومه أن الذي لا ينويه لا يحصل له أجره، فإذا افترضنا أن عملاً من الأعمال يحقق هدفين في آن واحد، يحقق هدفين في آن واحد، أنت في طريقك إلى المسجد لتؤدي الصلاة، وفي طريقك مريض تزوره في الله، أو في المسجد جنائز يصلى عليها بعد الصلاة، أنت رحت إلى، خرجت من بيتك لا ينهزك إلا الصلاة فقط، لكن لما وازنت البيت الذي فيه المريض قلت: فرصة الآن باقي على الصلاة ربع ساعة أمر وأزور هذا المريض، أنت من بيتك ما نهزك إلا الصلاة فليس لك إلا أجر الصلاة من بيتك، لكن زيارة المريض هذه التي طرأت لها أجرها منذ طرأت عليك وقصدتها وأما قبل ذلك فلا، ذهبت إلى المسجد تعرف هذا المسجد أنه يصلى فيه على الجنائز، وخرجت من بيتك بقصد الصلاة الفريضة، والصلاة على الجنائز تؤجر على الأمرين، وهذه النية من بيتك، وصلاة الجنازة إذا صليت عليها ثبت لك أجرها، يعني هل يستوى شخص ذهب إلى المسجد للصلاة فقط، وبين أجر شخص من ذهب إلى الصلاة، وصلاة الجنازة معاً، وخص هذا المسجد؛ لأنه تصلى فيه الجنائز؟ نقول هذا أجره أعظم، وأما من خرج إلى الصلاة، من خرج إلى الجامع الذي تصلى فيه على الجنائز له أجر نية الصلاة، وأجر نية صلاة الجنازة، لكن ليس له أجر الجنازة إلا إذا صلى على الجنازة يؤجر على النية الصالحة؛ لخروجه للصلاة الجنازة، لكن قدر أن ما في جنازة هل نقول: إن له قيراط، لا ليس له قيراط، إنما له أجر القصد والنية إلى هذا المسجد الذي تصلى فيه على الجنائز، مع الأجر أجر الصلاة حينما خرج من بيته قاصداً الصلاة، والصلاة على الجنازة، لكن من لم تخطر له الجنازة على باله وخرج لا ينهزه إلا الصلاة له أجر الصلاة، إن وجد جنازة وصلى عليها له قيراط وإن لم يقصدها من بيته، لكن هناك فروق بين هذه المقاصد.

((وإنما لكل امرئ ما نوى)) أنت ما نويت إلا الصلاة ما لك إلا أجر الصلاة، نويت أجر الصلاة والصلاة على الجنازة احتمال قوي أن يوجد جنائز في هذا المسجد لك أجر نية وقصد الصلاة على الجنازة ولو لم يوجد جنازة، لكن لا نقول لك قيراط المرتب على الصلاة على الجنازة، هذا مفاده قوله: ((وإنما لك امرئ ما نوى)). طيب معلم يعلم الناس الخير وقصد نفع الأخوة الحاضرين، هذا له أجره بهذا القصد وبهذه النية، لكن لو استحضر نية من ينتفع بهؤلاء الحاضرين يؤجر عليها وإلا ما يؤجر؟ يؤجر عليها ولذلك فضل الله واسع، فاستحضار مثل هذه الأمور، ومثل هذا الجمل حقيقة يفتح آفاقاً وأبواباً للأجور مما لا يخطر على بال، يعني لو شيخ مثلاً قال: والله ما أنا بجالسٍ علشان واحد، طالب واحد ما حضر إلا وحده أنا والله ما أنا بجالس، أنت استحضر نية نفع هذا الطالب ومن ينتفع بهذا الطالب، وقد يتسلسل الأمر إلى قيام الساعة وأجورك ماشية وهذه فائدة قوله: ((وإنما لكل امرئ ما نوى))، ليس لك من عملك إلا ما نويت.

((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله)) وهذه الجملة حذفت من الموضع الأول من صحيح البخاري، حذفت من الموضع الأول من صحيح البخاري، والحافظ ابن حجر يرجح أن البخاري هو الذي حذفها لا شيخه الحُميدي، وبعضهم يقول: الحميدي، لكن لماذا حذف البخاري هذه الجملة ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله))، حذفها من أول موضع، وذكرها في المواضع الأخرى؟ لأنه لم يحذفها لعلة قادحة فيها، لا أثبتها في مواضع أخرى، إنما قالوا: إن البخاري لم يذكر مقدمة لكتابة فجعل حديث: ((الأعمال بالنيات)) كالمقدمة، فجعل حديث الأعمال بالنيات كالمقدمة؛ لأنه يؤلف في علم وأي علم، وحي السنة، عبادة محضة تحتاج إلى نية، فأراد أن يبين أن العمل هذا الذي نعمله من العبادات التي تحتاج إلى نية، لكن حذف ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله)) لئلا يظن به أنه زكى عمله بهذه الجملة، بينما ذكرها في مواضع أخرى لا إشكال في ذكرها، لكن الآن وهو يضع هذا الحديث كالمقدمة لكتابه ليبين أن الإخلاص لا بد منه في جميع الأعمال، وحذف هذه الجملة لئلا يظن به أنه زكى نفسه، وجزم لنفسه بأن هجرته إلى الله ورسوله، وعمله خالص لوجهه، تركه. ((فهجرته إلى الله ورسوله)) من كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، الجزاء نفس الشرط هذا صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ يعني يصح أن أقول: من قام قام، من أكل أكل، من شرب شرب يصح وإلا ما يصح؟ ما يجوز أن يتطابق الشرط مع الجزاء؛ لأن الجملة ما تفيد شيئاً من قام قام، وبعدين ماذا يستفيد السامع من قولنا: من قام قام، من جلس جلس؟ وبعدين ويش يصير، هل لهذا الكلام فائدة؟ إلا إذا قدرنا يعني ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) نية وقصداً، ((فهجرته إلى الله ورسوله)) ثواباً وأجراً فاختلف الجزاء عن الشرط، وحينئذ يستقيم الكلام ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله))، يعني مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-، مهاجراً إلى رسوله من مكة إلى المدينة ((فهجرته إلى الله ورسوله)). ((الهجرة)): عمل شرعي، وأصلها الترك، في اللغة: الترك.

وفي الاصطلاح: الانتقال من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وهي واجبة إلى قيام الساعة، حكمها باقي إلى قيام الساعة، وأما حديث: ((لا هجرة بعد الفتح)) فإنما المراد به من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، أما البقاء بدار الكفر، والإقامة بدار الكفر فلا تجوز بحال ولا يعفى عن أحد يستطيع، أما الذي لا يستطيع ولا بالحيلة فإنه معذور {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] الذي لا يستطيع ما يستطيع {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة]، لكن المستطيع القادر على الهجرة يجب عليه أن يهاجر، وذلك لعظم أمر البقاء بين ظهراني الكفار، كم من إنسان انحرف؟ كم من شخص ارتد؟ كم من إنسان ابتلي وامتحن حتى صرف عن دينه؟ وأما ما يحصل لذراري المسلمين في بلاد الكفر فحدث ولا حرج، والوقائع التي تنقل عنهم يندى لها الجبين، ويعتصر لها القلب ألماً. يعني شخص من أصل لبناني مسلم يعرض بنته الوحيدة الصغيرة على شيخ كبير زائر، يريد أن يزوجه إياها، فقال له: ما الذي دعاك إلى أن تعرض هذه البنت في سن ما قبل العشرين على شخص يقرب من الستين، ما الذي حملك على ذلك؟ قال: أنت بتسافر إلى بلاد المسلمين، وتعيش بنتي في بلاد المسلمين؛ لأن معي من الزملاء خمسة جئنا قبل خمسين سنة، وسكنا في هذه البلاد، فمات أولئك، وارتد أولادهم، وبناتهم تنصروا، وأنا خائف على هذه البنت، مسائل التربية والتعليم في بلاد الكفر كارثة يعني فيما يذكر، ولذلك عظم أمر الهجرة وشأنها في الإسلام. وقد برء المعصوم من كل مسلم ... يقيم بدار الكفر غير مصارم المقصود أن الهجرة حكمها معروف وهي باقية إلى قيام الساعة، ((فهجرته إلى الله ورسوله)). ((ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها))، ((ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها))، لشيء من حطام الدنيا، يقصد بذلك شيئاً من حطام الدنيا. ((أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)) كرر، فقال: من كنت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، كرر ذلك تعظيماً لشأن هذه الهجرة إلى الله ورسوله.

أما في الجملة الثانية: ((من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها أو ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))، ما قال: ((إلى دنيا))، أو ((إلى امرأة)) ما كرر مثل الجملة الأولى تحقيراً لشأن الهدف والقصد من هذه الهجرة، قد يقول قائل: إن الشخص إذا ضاقت به المسالك في بلده، وضاقت عليه أسباب المعيشة، وانتقل إلى بلد أخر من أجل الدنيا، من أجل أن يكتسب مالاً يعيش به يذم وإلا ما يذم؟ شخص ماتت زوجته، أو بحث عن زوجة فلم يجد فقيل له: إن في البلد الفلاني تجد، فسافر من أجل أن يتزوج يلام وإلا ما يلام؟ لا يلام، لا يلام السياق عندنا في الحديث سياق مدح وإلا سياق ذم؟ الطلاب: سياق ذم سياق ذم بلا شك؛ لأنه جعل في مقابل الهجرة إلى الله ورسوله، سياق ذم، لكن متى يتجه الذم بالنسبة لمن هاجر من أجل الدنيا، أو هاجر من أجل امرأة يتزوجها، متى يتجه الذم بالنسبة له؟ طالب. . . . . . . . . ويش هو. طالب: إذا كان محققاً في بلده. . . . . . . . . طيب محقق في بلده يجد زوجة في المدينة، وقال: أنا أذهب إلى الشام وأتزوج، أو إلى مصر وأتزوج وأبقى هناك، وهذا محقق في بلده يعني دعونا ممن ترك بلد فاضل إلى بلد مفضول، خلهم بلاد مستوية مثلاً، يجد زوجة في الشام وسافر إلى مصر وتزوج، هو محقق في بلده، يلام وإلا ما يلام؟ ما يلام لكن يلام إذا. طالب. . . . . . . . .

((لله ورسوله)) نعم، إذا أظهر أن هذه الهجرة لله ورسوله، إذا أظهر للناس وأبدى للناس، أو من سكان نجد مثلاً، أو مصر، أو الشام، وقال: أنا والله أريد أن أجاور في المسجد الحرام، المضاعفات مائة ألف صلاة، والجنائز وما الجنائز، وهو في حقيقة أمره إنما هاجر؛ لأن الأعمال التجارية متاحة بشكل أكبر في مكة، أو لأن امرأة أعجبته ولن توافق على الزواج به حتى يسكن مكة مثلاً، وسافر، وقال: والله أنا أريد أن أجاور ما بقي من العمر يكفي ما مضى، والصلاة بمائة ألف صلاة، وصار ينثر هذا في المجالس نعم يذم ويلام، يذم ويلام، ونظير ذلك مثال: يمكن أني قلته لكم أكثر من مرة، يأتي قبيل آذان المغرب بنصف ساعة ومعه الكيس فيه التمر والقهوة والماء، ثم بعد ذلك يدخل المسجد قبل آذان المغرب يوم الاثنين بنصف ساعة، ويأتي يفل السماط ويضع التمر والقوة والشاهي ويجهز أموره، حتى إذا أذن قال: بسم الله، وأكل من التمر، وشرب من القهوة وهو ما صام، الأكل في هذا الوقت ليس بممنوع، وليس بممنوع في المسجد، لكنه أظهر للناس أنه صائم فيذم ويلام، فإذا أظهر للناس خلاف الواقع لا شك أنه يذم ولذا سيقت الهجرة إلى الدنيا أو إلى المرأة التي يتزوجها مساق الذم. ((من كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) يذكر في هذا المقام حديث مهاجر أم قيس، وعند الطبراني كما قال الحافظ ابن حجر بسند جيد: أن رجلاً هاجر من أجل امرأة تدعى أم قيس، تدعى أم قيس لم تقبل به زوجاً حتى هاجر فكان يسمى مهاجر أم قيس، وبعض العلماء يجعله هو سبب الحديث، يعني سياقه لدلالة أو لوجود ما يدل عليه في الحديث جعل بعض العلماء يجعله سبباً لورود الحديث، وابن حجر يقول: لا أعرف أن الحديث أورد بسبب هذه القصة. أم سلمة مع أبي سلمة قالت: لا أتزوجك حتى تسلم، قالت: لا أتزوجك حتى تسلم، فإذا أسلمت لا أريد مالاً، كانت هي مسلمة ولم يسلم بعد فأسلم وتزوجها، هل يقال: إن هذا مسلم أم سلمة ويذم بهذا أولا يذم؟ يذم وإلا ما يذم؟ نعم. طالب. . . . . . . . . لماذا. طالب. . . . . . . . . الآن إذا هاجر بسبب امرأة يلام ويذم، فكيف إذا أسلم بسبب امرأة؟!! نعم. طالب. . . . . . . . .

وهذا ما أسلم إلا من أجل الزواج. طالب: تاب. نعم، لا لا في ملحظ دقيق، يعني لو قدر أنه أسلم وعقد عليها فمات، إنما أسلم من أجل الزواج بها فمات مباشرة، قلنا: إنه إنما أسلم من أجلها، لكن إذا طال به العمر، وحسن إسلامه، ووقر الإيمان في قلبه انته، قضيت الإسلام يعني مثل: المؤلفة قلوبهم كثير منهم يسلم من أجل المال، ثم بعد ذلك يحسن إسلامه وتصلح حاله، لا شك أن مثل هذا حكمه ما آل إليه الأمر، حكمه ما آل إليه الأمر، ولو انتهى أمره بمجرد الدخول بالإسلام لا شك أنه يلام؛ لأنه إنما أسلم طمعاً لكنه حسن إسلامه بعد ذلك، وأبلى في الإسلام بلاءً حسناً، وعاش عيشة إسلامية سعيدة. ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)). طالب: يعني شيخ لو مات إسلامه غير صحيح. إسلامه صحيح، لكن يلام يعني ما هو مثل من أسلم رغبة، ليس مثل من أسلم رغبة، والأمر يرجع إليه إن كان دخوله في الإسلام لمجرد الزواج دون أي قصد للدين، هذا لا شك أن في إسلامه نظر، وهذا أمر خفي بينه وبين ربه، لكن ما دام طال به العمر وحسن إسلامه، كثير من المؤلفة قلوبهم حسن إسلامهم، أسلموا رغبة في المال أو رهبة من السيف، ثم بعد ذلك حسن إسلامهم، ورسخت أقدامهم، وباشر الإيمان بشاشة قلوبهم فصلحت أحوالهم. يقول: "رواه أماما المحدثين"، يعني بلا نزاع البخاري ومسلم "إماما المحدثين"، لذاتهما، أو لكتابيهما، أو لهما معاً نعم، يعني إذا نظرنا إليهما مجردين، البخاري منزلته بين أهل الحديث بغض النظر عن كتابه نعم، بغض النظر عن كتابه. طالب. . . . . . . . . نعم أنظر إلى مسلم بمفرده، هل نقول: إن البخاري أعلم الأمة بالحديث، إمام الأمة في الحديث ما يوجد أعلم منه، ومسلم كذلك، أو بالنظر إلى كتابيهما، لاشك أنهما إمامان، وإماما هدى لا شك في هذا، لكن هل نقول: إنهما إماما المحدثين بمعنى أنهما أعلم أهل الأرض بالحديث، أما البخاري فصحيح، يعني ما سطره في كتابه، وما نقل عنه بالأسانيد الصحيحة يدل على رسوخه في ذلك.

أما مسلم فهو إمام بلا نزاع، لكن كونه أعلم من غيره بهذه الصناعة، كتابه ثاني الكتب المصنفة بلا نزاع أيضاً عند من يعتد بقوله من أهل العلم، وإن جعله بعضهم هو الأول، لكن يبقى أن الإمام مسلم له أنداد، وله نظراء من كبار المحدثين من الأئمة، فالنظر في هذه الإمامة بالنظر إلى الكتابين، مع أن إمامتهما مجزوم بها لا البخاري ولا مسلم، لكن قولنا: "إماما المحدثين" يعني أنهما أعلم الناس بالحديث، يعني إذا نظرنا إلى الحفظ فالبخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث ليس بصحيح، مع أنه يوجد من يحفظ سبعمائة ألف حديث. إذا نظرنا في العلل الإمام البخاري إمام في العلل، لكن أيضاً هناك أئمة علي بن المديني إمام، أبو حاتم إمام، يحيى بن معين وغيرهم أئمة كبار، ومن باب أولى الإمام مسلم، وهذا يدلنا على فضل التأليف، على فضل التأليف. لو أقول لمجموعة من الطلاب من يذكر لي اسم ابن واره رباعي من يذكره، وما منزلته بين أهل الحديث؟ إمام جبل كبير ليس بالسهل، لكن التأليف خلد ذكر الإمامين، وجعلهما في كل وقت، وفي كل حين، وفي كل بلد يقال: قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-، لكن من يقول ابن واره -رحمه الله-، إلا إذا ورد ذكره في كتب أهل العلم؟ فهذا يدل على أن للتأليف شأناً، وهو الذي يخلد الرجال إذا كان نابعاً من إخلاص لله -جل وعلا-، فأول من يستفيد من المؤلَف المؤلِف، ولذا يقول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: وإذا عزم لي تمامه فأول من يستفيد منه أنا.

المؤلف أول من يستفد من تأليفه، ولو لم يستفيد من تأليفه إلا قال -رحمه الله تعالى-، قال -رحمه الله تعالى-، مع أنه هداية ودلالة وإرشاد الناس إلى الحق، وكم من إنسان على مر القرون استفاد من صحيح البخاري؟ وكم من عالم وإمام استفاد أي فائدة من صحيح مسلم؟ المسألة لا شك أن التأليف له شأن عظيم. يعني في معارض الكتب عندنا تدخل المعرض أسبوعاً كاملاً، تتردد عليه ما تجد من يقول: فلان -رحمه الله- وهو من الأئمة الكبار سواء كان من المتقدمين أو من المعاصرين، لنا شيوخ ما ألفوا ما يعرف منهم انتهوا، يعرفهم طلابهم، وطلاب طلابهم، وجيل جيلين ثم ينتهون، لكن هناك شباب من طلاب العلم ألفوا وما شاء الله هذا كتاب فلان -جزاه الله خيراً- الله يوفقه، ما شاء الله كان، والناس تمر وتمشي وتقلب وكل يدعوا له، فضلاً عمن يقرأ ويستفيد من هذا الكتاب وينتفع به، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، وليس معنى هذا أن الإنسان يبادر بالتنصيف قبل أن يتأهل، أو يصنف ليقال مكثر، أو مؤلف هذا -نسأل الله العافية- وبال على صاحبه، وهذا يدخل دخولاً أولياً في حديثنا الذي معنا. طالب العلم إذا كان يطلب العلم ليقال: طالب علم، أو ليقال: عالم، هذا من أخسر الناس صفقة ومن يكون ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندم فعلى الإنسان أن يطلب العلم مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-، وعليه أيضاً أن يعلم متى تأهل، وأن يؤلف متى تأهل، ولا يكون قصده إلا ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- مخلصاً في ذلك. "إمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري" بردزبة أعجمي، والمغيرة هذا أسلم على يد اليمان الجعفي، فقيل للبخاري: الجعفي مولاهم -يعني بالولاء-؛ لأن جده المغيرة أسلم على يد اليمان الجعفي جد عبد الله بن محمد المُسندي شيخ البخاري، فالجد أسلم على يد الجد، نعم، البخاري نسبة إلى بخارى ولد بها، ومات بقرية يقال لها: خرتنك سنة ست وخمسين ومائتين.

وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، قشيري قشير قبيلة عربية، وأما بالنسبة للإمام البخاري فليس بعربي، إنما نسبته إلى جعف بالولاء، ونسبته نسبت مسلم إلى قشير صلبية "القشيري النيسابوري". "في صحيحيهما" في صحيحيهما تجدون أحياناً من يقول في صحيحهما فأيهما أولى وأدق، "صحيحيهما" هما: صحيحان لاثنين، صحيحان لمؤلفين، وإذا قلنا: صحيحهما صحيح واحد، كتاب واحد اشتركا في تأليفه الاثنان، صحيح واحد -كتاب وأحد- اسمه الصحيح اشتركا في تأليفه البخاري ومسلم، وهذا واضح إذا وجدت مسألة بحثها مؤلف في كتاب له ومستقل، وأخر في كتاب مستقل قلت: بحثها فلان، وفلان في كتابيهما، لكن إذا اشتركا في تأليف كتاب واحد، قلت: بحث فلان وفلان في كتابهما، فالصحيح أن يقال: صحيحيهما. الجمع والتثنية في المتضايفين، الجمع والتثنية في المتضايفين إنما يكون الجمع والتثنية في المضاف، في المضاف، مثل إيش؟ مثل ما تقول: طلاب الجامعة، نعم طلاب الجامعة، الجمع يكون للمضاف، ما يكون للمضاف إليه، إلا إذا كان المضاف إليه أيضاً مجموعاً، وقد يجمع المضاف ويثنى المضاف إليه {فَقَدْ صَغَتْ} [(4) سورة التحريم] إيش {قُلُوبُكُمَا} هما قلبان فقط، ومع ذلك جمع المضاف وثنى المضاف إليه، فهل نصح أن نقول في صحاحهما نجمع المضاد مثل ما قال الله -عز وجل-: {قُلُوبُكُمَا} طالب. . . . . . . . . كيف. الطالب. . . . . . . . . لا لا مو بالأحاديث علشان الكتب، لأن أقول: رواه المحدثين في صحاحهما مثل: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [(4) سورة التحريم] قلوب جمع مضاف إلى مثنى، وهنا مثنى مضاف إلى مثنى، لكن هل نقول أن الأفصح كما جاء في القرآن أن نقول: في صحاحهما؟ لا شك أن مثل هذا التعبير أدق باعتبار أنه يكشف عن الحقيقة بدقة، لكن لو قيل في صحاحيهما ألمس أن لهما أكثر من كتاب في الصحيح، لكل واحد منهما أكثر من كتاب. الطالب: أنت قصدك جمع الكلمة. . . . . . . . . لا أنا أقصد جمع الصحاح، جمع المضاف إلى المثنى، جمع المضاف إلى المثنى مثل: {قُلُوبُكُمَا} الطالب: طيب وإذا كان الاثنين عندهما صحاح. . . . . . . . . مجموعة. الطالب: إيه

تجمع، تجمع هذا هو الأصل، لكن هل في المرأتين أكثر من قلب؟ كل واحدة لها قلب، وقال: {قُلُوبُكُمَا}، لماذا لا نقول في صحاحهما؟ الطالب: يصح يا شيخ. . . . . . . . . الطالب: إذا كان رواه البخاري وليس للامرأتين إلا القلبين {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [(4) سورة الأحزاب] فهل التنظير مطابق لأفصح الكلام أن نقول في صحاحهما أو في صحيحيهما؟ الط الب:. . . . . . . . . نحن ما ننظر إلى مفردات الأحاديث، نحن ننظر إلى الكتب هما كتابان لمؤلفين، كما أن هناك قلبين لامرأتين، وهنا قال: {قُلُوبُكُمَا}، ونقول: في صحيحيهما، ها لا نطيل يا الأخوان، ترى المسألة، احنا اتفقنا على الاختصار. طيب، إذا قلت: هلم هذا تسميه إيش. طالب. . . . . . . . . اسم فعل، اسم فعل أمر يعني أقبل، وإذا قلت: صه اسم فعل بمعنى اسكت، وإذا أردنا أن نقول هما نتحدث عنهما هلما وصه، وإيش المعنى نقول: أسما فعل وإلا فعلين؟ يعني القاعدة تقول: أسماء فعل؛ لأنك تثني المضاف، وابن هشام يقول: هما اسما فعلين، يعني يطلقون قواعد نظرية، ويقعدون على أساس أنها أغلبية وقد يخالفونها، وإلا ابن هشام هو الذي يقرر أن الجمع والتثنية للمضاف، وهو الذي قال: أسما فعلين، فثنى المضاف والمضاف إليه، لا سيما وأن الفعل لا يتعدد مثل: تعدد البخاري ومسلم هنا.

"في صحيحيهما الذين هما أصح الكتب المصنفة"، "أصح الكتب المصنفة"، يعني لو قال: أصح الكتب بدون المصنفة، لزم أن يقول: بعد كتاب الله -جل وعلا-، أصح الكتب بعد كتاب الله -جل وعلا- انتهى الإشكال، لكن لما ذكر المصنفة، يعني هل نستطيع، يمكن أن نقول المصحف مصنف؟ لا، لا ولذلك خرج القرآن بالوصف المصنفة، فلا نحتاج أن نستثنيه فهما أصح الكتب المصنفة التي ألفها البشر، وإن كان جل ما فيها من كلام النبوة، وكلام النبوة وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] أصح الكتب بالإجماع، والمفاضلة بين الصحيحين مسألة معروفة، والجمهور على أن البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد، ولذا يوصى طالب العلم أن يكون ديدنه ومحور بحثه البخاري، ويضيف إليهما ما في الكتب الأخرى من الزوائد، يضيف إليهما ما في الكتب الأخرى من الزوائد، يجعل محور العمل كله في البخاري، وينظر من وافقه من الأئمة.

ويضيف مسلم، ويضيف أبا داود، ويرجع إلى هذا، ثم بعد إذا كمل صحيح البخاري يكون لديه حصيلة ورصيد كبير من سنة النبي-عليه الصلاة والسلام- من أصح الكتب، ثم بعد ذلك صحيح مسلم، وكثير من أهل العلم يعنى بمسلم أكثر من البخاري باعتبار أن خدمته أسهل، يعني معاناة صحيح مسلم أسهل من معاناة صحيح البخاري، البخاري يفرق الأحاديث، الحديث الواحد في سبعة مواضع كما هنا، وقد يزيد إلى عشرين موضعاً، قد يخرج الحديث، و. . . . . . . . . حديث جمل جابر في أكثر من عشرين موضعاً خرجه البخاري، فجمع شتات هذه المواضيع لا شك أنه فيه كلفة على طالب العلم، وإن كانت الخدمات الموجودة في خدمة الأطراف ميسرة، فيكون البخاري هو الذي يعول عليه، ويعتمد عليه، ويضاف إليه الزوائد من غيره من مسلم، ومن السنن الأربع وغيرها، بعضهم يقول: لا نعنى بمسلم؛ لأنه يجمع لك الحديث الواحد بطرقه في موضع واحد، فيسهل عليك أن تنظر في الحديث، ثم تأتي بما زاده البخاري، وكان العمل عند الحفاظ على هذا يعنون بمسلم، ثم يضيفون إليه زوائد البخاري، لكن أقول هذا عكس المطلوب، أهم شيء البخاري لأنه أصح، ثم تضيف إليه، تبقى على صحيح البخاري، لأن التراجم فقه، فقه متين، فقه نفيس، وتزيد تضيف إليه ما في الكتب الأخرى، بعضهم يقول: إن مسلم أدق في تحرير العبارات، فتجد مسلماً يقول: حدثنا فلان وفلان، واللفظ لفلان، البخاري ما يقول مثل هذا الكلام، فلماذا لا نعتني بصحيح مسلم؛ لأنه أدق في تحرير الألفاظ، وأحياناً يقول، زاد فلان كذا، زاد فلان كذا كلمة أو حرف، يعني بهذا العناية الفائقة؟

البخاري ما يلتفت إلى حدثنا فلان، وفلان، واللفظ لفلان، وعرف بالاستقراء من صنيعه أن اللفظ للأخر منهما للثاني من الاثنين، لكن مسلم يبين بدقة اللفظ لفلان، وفلان وفلان، كلهم عن فلان، واللفظ لفلان، ما يمر حديث وإلا ويقول فيه مثل هذا، إذا اشترك في روايته أكثر من واحد، وإذا لم ينبه فالذي يغلب على الظن أنهما اشتركا في لفظه اللفظ لهما جميعاً، بدليل أنه ينبه على الدقائق، لماذا لا نعنى بمسلم إذا كان بهذه المثابة، ونظيف إليه زوائد البخاري؟ أنا أقول يبقى العناية بالبخاري، تبقى العناية بالبخاري، إذاً مسلم ما له مزية في بيان صاحب اللفظ، مسلم يبين اللفظ لفظ شيخه الذي حدثه، يبين لفظ شيخه الذي حدثنا فلان عن فلان، واللفظ لفلان، ومسلم كالبخاري يجيز الرواية بالمعنى، فالذي فوق شيخ مسلم يساوي ما صنعه البخاري، ما في بيان إنما هو مسلم يبين لفظ أحد شيخه، وماعدا ذلك لا يبين لا يستطيع بيانه، ما سمعه ممن فوق الشيخ، فهو يستوي في هذا مع البخاري، وكلهم يشتركون في الراوية بالمعنى فلا مزية لمسلم من هذه الحيثية على البخاري، ظاهر وإلا ماهو بظاهر؟ يعني مسلم حينما يبين صاحب اللفظ من شيوخه، لكنه لا يستطيع أن يبين صاحب اللفظ في جميع طبقات السند، وإذا بين صاحب اللفظ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وقتيبة بن سعيد واللفظ لقتيبة مثلاً، طيب هذا لفظ قتيبة الذي حدثك به، لكن هل هذا لفظ الرسول-عليه الصلاة والسلام-؟ نعم. لا ليس بلفظ الرسول؛ لأن العلماء أجازوا الرواية بالمعنى، فالمسألة مسألة احتمال، ونرجع إلى أنهما مسويان في هذا، يعني كون المسلم يُعنى ببيان لفظ شيخه لا شك أن هذا من دقته وتحريه، لكنه من حيث الفائدة العملية يدل على أن مسلم ضبط الحديث وأتقنه بدليل على أنه نبه على صاحب اللفظ، لكن لا يدل على أن جميع الرواة أدوه باللفظ، بلفظ النبي-عليه الصلاة والسلام- فينتبه لهذا، ولذلك أنا سمعت من يقرر ترجيح صحيح مسلم من هذه الحيثية، وأقول هذه الحيثية لا تقتضي الترجيح، ما دام مسلم يوافق البخاري، ويوافق على جواز الرواية بالمعنى بشروطها المعروفة عند أهل العلم هم سواء في هذا.

"أصح الكتب المصنفة" هذا أمر متفق عليه، وصحيح البخاري عند الجمهور أصح من صحيح مسلم، وصحيح مسلم يليه ولا واسطة بينهما، وبعض المغاربة مع أبي علي النيسابوري فضلوا صحيح مسلم في نزاع طويل، واستدلالات كثيرة، لكن عامة أهل العلم على ترجيح صحيح البخاري. أول من صنف في الصحيح ... محمد وخص بالترجيح ومسلم بعد وبعض الغرب مع ... أبي علي فضلوا ذا لو نفع لكنه لم ينفع لماذا؟ لأن الصحة مردها إلى صحة الأسانيد، ثقة الرواة، اتصال الأسانيد، نظافة المتون ولا شك أن البخاري في هذا الباب أدخل، بدليل أن من انتقد سوى من الرجال من الرواة، أو من الأحاديث في صحيح مسلم أكثر ممن انتقد في صحيح البخاري. تشاجر قوم في البخاري ومسلم لدي ... وقالوا: أي ذين تفضلوا أو تقدموا فقلت: لقد فاق البخاري صحة ... وفاق في حسن الصناعة مسلم مسلم في حسن الصياغة الصناعة، وترتيب المتون والأسانيد -يعني دقة متناهية-، دقة متناهية، يعني صاحب البصيرة إذا قرأ يعني له يد في هذا الشأن، إذا قرأ في صحيح مسلم يذهل حتى أن مسلم -رحمه الله- ذهل في كتاب المواقيت، مواقيت الصلاة من صحيحه في أثناء الكتاب ذكر كلاماً. طالب. . . . . . . . . نعم لا يستطاع العلم براحة الجسم، لا يستطاع العلم براحة الجسم؛ لأن هذه أمور: السياق، وترتيب المتون، والأسانيد، وجودة التصرف هذه ما تأتي من فراغ، ما تأتي لشخص إذا صلى العشاء التفت يميناً وشمالاً, وذهب إلى فلان وعلان وسهر عنده إلى قرب الصباح، ثم صلى الصبح ونام، وهكذا يكون ديدنه. ما يأتي العلم بهذه الطريقة، يأتي العلم بالسهر عليه، وصرف الجهد، وبذل نفيس الأوقات على العلم، ومعاناة العلم، فعلى طالب العلم أن يعنى بهذا ويهتم به، ويجعل الصحيحين بعد القرآن ديدنه، وتكون دراسته للبخاري، ثم يضم إليه ما زاده الإمام مسلم، ثم ما زاده أبو داود وهكذا، في طريقة شرحنها وبينها في مناسبات كثيرة من أراد الإفادة منها يرجع إليها. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

استحضار الاتفاق الذي اتفقنا عليه بالأمس ما خفي علي، ولا غاب عن بالي، وكانت النية أنه، لكن أحاديث عظيمة مثل: حديث الأعمال بالنيات، مثل حديث الأعمال بالنيات يمكن أن يقال في عشر دقائق، أو ربع ساعة هذا ما يمكن ما يمكن إطلاقاً، أنا لا أستطيع أن أفعل مثل هذا، وأنا أعرف من الشيوخ من جعلت له الأربعين في أسبوع فأنجزها في يومين، لكن الناس مدارس، بعض الناس يحسن أن يجمع أطراف الكلام في كلام قصير مختصر، ويفيد منه الطلاب وينتفعون به، أما أنا فلا أحسن مثل هذا، ولا شك أن هذا نقص؛ لأن بعض الأوقات تحتاج إلى إجمال. اللهم صل على محمد ...

شرح الأربعين النووية (3)

شرح الأربعين النووية (3) حديث بيان الإسلام والإيمان والإحسان الشيخ / عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول: ما معنى قول ابن حجر في شروط المتواتر: وأن يصحب ذلك إفادة العلم خبره، من إفادة العلم، مع أن إفادة العلم لازمة للتواتر؟ لا شك أن هذا مشكل وتكلمنا فيه كثيراً؛ لأنه يلزم منه الدور، يعني من شرط كون الخبر متواتراً أن يفيد العلم، ولا يفيد العلم إلا إذا كان متواتراً، والسبب في ذلك أن العدد ليس له حد محدد ليصل الخبر إلى حد التواتر عند أهل العلم، بل هو ما يرويه جماعة تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم -يعني في جميع طبقات السند-، وأن يسند إلى أمر حسي، فكونه لا يصل إلى درجة التواتر حتى يفيد العلم مع أنه لا يفيد العلم إلا إذا كان متواتراً، هذا يلزم عليه الدور، وإن قال في شرح مختصر التحرير: ولا دور، نقول فيه دور. الأخبار عموماً نموها مثل: نمو الأجسام، مثل: نمو النبات تنمو شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى النتيجة المثمرة، فمثلاً إذا طلب الإنسان العطشان ماءً فأعطي كوباً من الماء، أو إناء فيه ماء، جرت عادته أن هذا القدر يرويه، وإلا فكيف يعرف أن هذا يرويه وهو ما بعد استعمله بعد، لكن العادة جرت بأن هذا القدر يكفيه، فأحياناً تكون النتائج معلومة، وإن ترتبت على الوسائل، وترتبت الوسائل عليها مثل التواتر، هم يقولون: لا دور، لكن الذي ينظر بدقة يجد أن الدور متحقق والدور ممنوع، ترتيب الشيء على شيء مترتب عليه، ترتيب الشيء على شيء مترتب عليه هذا الدور، يقول: لولا مشيبي ما جفا ... لولا جفاه لم أشب

ما السبب في الشيب؟ الجفاء، وما السبب في الجفاء؟ الشيب، إذا السبب الحقيقي والغاية بينهما دور لا ينتهيان إلى شيء، وهنا نقول: لا يبلغ حد التواتر حتى تسكن النفس إليه وتطمئن بحيث لا تتردد فيه، نعم في أول الأمر قد يلزم عليه الدور، لكن إذا عرف من العادة المستقرة أن هذا العدد يحصل التواتر -بغض النظر عن تحديد العدد-؛ لأنه قد يكون خبر عشرة يفيد التواتر؛ لما اشتملوا عليه من صفات، وقد يكون خبر مائة لا يفيد التواتر لما اشتملوا عليه من بعض الصفات التي تفت في خبرهم، مثل ما قلنا في الإناء إذا تكامل، أنت تعرف أن معدتك لا تستوعب أكثر من هذا جيء لك بصحن فيه طعام، وقلت هذا كثير عليّ هل يحتاج أن يقال لك جرب هو كثير وإلا ما هو بكثير؟ أنت تعرف عادتك. السفاريني في شرح منظومته في العقيدة يقول: إن العلم يحصل عنده لا به، العلم يحصل عنده لا به، هذا مقتضى قول الأشعرية الذين يقولون: إن الري يحصل عند الشرب لا به، والشبع يحصل عند الأكل لا به، كل هذا من أجل إلغاء تأثير الأسباب، الإبصار يتم عند البصر لا به، البصر لا يتم به إبصار إنما يتم الإبصار عنده، ولذا يجوزون هذه المسألة منصوصة عندهم ما هي بإلزام وإلا شيء، يقصون على أن أعمى الصين يجوز أن يرى بقة الأندلس، لماذا؟ لأن الإبصار لا يتم بالبصر إنما يتم عنده لا به، يجوز أن يشبع الإنسان وهو ما أكل، والأكل لا يحصل به الشبع إنما يحصل عنده، في كلام مخالف للعقل والنقل، لكن يقال به. يقول: حصل لبس عند بعض طلبة العلم في مسألة ذكر اسم المخالف؛ لأن فيه غيبة؟ فما هي السنة في ذلك، وهل يكتفى بالتعميم عن الخطأ دون ذكر المخطئ؟

معروف أن السنة والجادة أن لا يذكر الشخص بعينه، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما بال أقوام)) وإن كان معروفاً عند الناس، أو معروفاً عند بعضهم ما بال أقوام يفعلون كذا، يقولون كذا، ولو عرف القائل من خلال القول هذا لا يتعلق به حكم، اللهم إلا إذا وصف بوصف يختص به بحيث يعرفه الخاص والعام وقدح فيه، فمثلاً عرف عن شيخ من المشايخ أنه يقول بمسألة خالف فيها، ثم يأتي شخص يذمه ويقول: أنا لا اسميه لئلا تكون غيبة، ثم يسأل بعض الشيوخ الحاضرين أنتم ما رددتم عليه في مسألة كذا، خلاص انكشف ما يحتاج يسميه، المقصود أن أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، يقول: ابن دقيق العيد وقف على شفيرها العلماء والحكام؛ لأن العلماء والحكام بصدد كلام الناس فيهم كثير، يتكلم الناس بكثرة في العلماء والحكام من القدم، فهم يقفون على شفير هذه الحفرة، وهم يقذفون فيها من يتلكم فيهم على أحد التأويلين، والتأويل الثاني: معروف أن العلماء والحكام يحتاجون إلى الكلام في الناس بكثرة هذه وظيفتهم؛ لأنهم بصدد أن يولوا، بصدد أن يحكموا، فهم بحاجة إلى الكلام في الناس، وقد يتكلمون اجتهاداً أو عن هوى؛ لأنهم ليسوا بمعصومين في الناس فيقعون في المحظور، على كل حال المسألة الأصل ألا يذكر الاسم، إذا خشي، إذا فندت، أو فند هذا الخطأ وهذه المخالفة بالأدلة، ونوقش صاحبها، وبذلت له النصيحة فلم ينتصح، وخشي من انتشار شره واغترار الناس به؛ لأن بعض الناس ما يفهم إلا بالتصريح، إذا رجحت المصلحة بالتصريح بحيث يخشى شره أن ينتشر في الناس، وتنتشر بدعته في الناس لا مانع من التصريح باسمه، والعلماء صرحوا بأسماء الرواة، وقدحوا فيهم، وجرحوهم؛ لأن المصلحة راجحة بل متعينة، فالشخص المبتدع الذي يخشى من نشر بدعته، أو عنده أمور يخشى من ضرر الناس بسببها، هذا لا مانع أن يصرح باسمه بعد أن تبذل الأسباب لإيقاف هذه البدعة، والتحذير من البدعة، ونصح هذا المبتدع، إذا لم يرتدع وأصر وعاند ما معنا إلا التصريح؛ لأن كثير من الناس ما يفهم بالتلميح. يقول: الأخطاء التي وقع فيها ابن حجر والنووي -رحمهما الله- في تأويل بعض الصفات، هل هو جهل منهم أم هي عقيدة السلف؟

هو النووي معروف أن مذهبه في العقيدة مذهب البيئية بيئته، مذهب شيوخه وعلماء عصره في مصره الشام، ذلك الوقت مذهب الأشعرية منتشر، وفي مصر أيضاَ منتشر، فتجد الناس يتتابعون على دراسة هذا المذهب من غير روية ولا نظر، لكن منهم من يوفق إلى من يأخذ بيده إلى جادة الصواب، ومنهم من يستمر على ذلك، وعلى كل حال هم ليسوا من المؤسسين للمذهب ولا من المنظرين للمذهب، هم أشبه ما يكون بالمقلدين على أن بينهما بوناً في تقرير المذهب. النووي أشعري بكل ما تحويه هذه الكلمة في جميع أبواب العقيدة، ابن حجر لا ليس له مذهب معين، فتجده ينقل عن الأشاعرة، وينقل عن أهل السنة، وينقل عن غيرهم فهو على حسب ما ينقل ما يتيسر له من نقل، مذهبه ليس متقرراً وإن كان الأصل في مذهب بيئته وعلماء عصره في مصره أنه مذهب الأشاعرة في الجملة، وعلى كل حال هذه هفوة، وهذه زلة، وهذه زلة عظيمة، لكن مع ذلك أن أرى الرجال لهم حسنات، لهم بحار من الحسنات اهتمامهم بالسنة واهتمامهم بتوضيح السنة، وشرح السنة، والدفاع عن السنة، على كل حال هذه حسنات {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [(49) سورة الكهف]. يقول: ماذا يفعل من سحب من مكينة صرف مائتين ريال، ولكن صرف له أربع مائة بدون أي تغيير في حسابه، مع أن المكينة لبنك غير البنك الذي فيه حسابه؟ يذهب إلى هذه الجهة ويسلمها القدر الزائد مما سجل عليه، يعني سجل في حسابه مائتين ريال بعد ذلك يذهب بمائتي ريال ويسلمها إلى هناك ويقول: أنا سحبت، وهذا الوصل، وهذه زائدة، كما أنه لو نقص له شيء لذهب إلى البنك وطالبهم بالنقص. إذا نوى في غسلٍ واحد رفع الجنابة وغسل الجمعة هل يجزئه ذلك؟

غسل الجنابة شرط لا تصح الصلاة إلا به، وغسل الجنابة عند غسل الجمعة عند الجمهور سنة وأوجبه بعض أهل العلم، على كل حال إذا نوى رفع الجنابة دخل فيه غسل الجمعة؛ لأنه إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد، ليست أحداهما مقضية والأخرى مؤداة فأن الصغرى تدخل في الكبرى، وغسل الجمعة هو طاهرة صغرى بالنسبة لغسل الجنابة، ولا يقال حتى على رأي من أوجبه لا يقول: إنه مثل غسل الجنابة؛ لأن عند من أوجب غسل الجمعة الصلاة صحيحة، لكنه يأثم بتركه بينما غسل الجنابة الصلاة باطلة، وهذا مثل اجتماع تكبيرة الإحرام مع تكبيرة الركوع، لابد أن ينوي تكبيرة الإحرام وتدخل فيها تكبيرة الركوع، وهنا لا بد أن ينوى رفع غسل الجنابة ويدخل فيه غسل الجمعة، من أهل العلم من يرى أنه إن نوى غسلاً مسنوناً أجزأ عن واجب باعتبار أن الهيئة والصورة واحدة، وعلى كل حال هذا القول مرجوح، إذا نوى بالغسل رفع الحدثين جمعياً فهل يجزئه ذلك؟ الأصل أن ينوي الرفع إذا الحدثين يعني اغتسل، ونوى بذلك رفع الحدث الأكبر والأصغر يدخل فيه الوضوء نعم، إذا عم بدنه بالماء ناوياً بذلك رفع الحدث الأكبر والأصغر نعم يدخل فيه؛ لأن هذا على القاعدة ماشي. يقول: يقول هل يجوز حذف شيء من الأحاديث من أي طالب علم مهما بلغت منزلته كما فعل البخاري -رحمه الله-؟ أولاً: اختصار الأحاديث، والاقتصار منها على ما يريده الراوي، الاختصار معروف، والحذف عند أهل العلم معروف، البخاري قد يقطع الحديث الواحد إلى عشرين جملة، لكنهم يشترطون في ذلك ألا يكون فهم المذكور المثبت مترتباً على المحذوف، فلا يكون استثناء مثلاً أو وصفاً مؤثراً في الحكم لا يجوز حذفه حينئذ، وأما تقطيع الأحاديث واختصارها فهو جائز عند جمهور العلماء، وصحيفة همام بن منبه مشتملة على "مائة واثنين وثلاثين حديثاً"، مائة واثنين وثلاثين جملة هي موجودة في موضع واحد في المسند، لكنها في البخاري مفرقة على أبواب كثيرة، في مسلم كذلك، فصنيع أهل العلم يدل على الجواز. يقول: إذا كنت أدرس على شيخ أو عالم معين، فهل آخذ بكل فتاويه أم لي أن أخذ بفتاوى علماء أجلاء آخرين؟

على كل حال إذا كنت مبتدأً فرضك التقليد فأنت تقلد من تبرأ الذمة بتقليده، تقلد أرجح من تراه وطريقك في ثبوت الأرجحية هو الاستفاضة، يعني استفاض بين الناس عامتهم وخاصتهم أن هذا من أهل العلم الذين تبرأ الذمة بتقليدهم وهو أعلم من غيره هذا تقلده، أما شيخك الذي تلازمه فلا شك أن لك به عناية، ولولا أنه مقدم عندك ما لزمته وتركت غيره، فإذا قلدته وهو ممن تبرأ الذمة بتقليده، وهو من أهل النظر والموازنة بين النصوص يستطيع الترجيح؛ لأن ما كل من يدرس تكون لديه الأهلية التامة للإفتاء، لا، التدريس أمره أسهل من الفتوى أو القضاء. على كل حال إذا كان هذا الشخص ممن بلغ مرتبة من يقلد وتبرأ الذمة بتقليده، لك أن تأخذ بفتاويه، وإذا عرفت أو سمعت من خلال كلام الناس، عموم الناس لا سيما طلاب العلم أن هذا الشيخ أفتى بهذه الفتوى بقول مرجوح، وفلان أفتى بقول راجح فتعمل بالقول الراجح بالاستفاضة أيضاً؛ لأنه قد يقول قائل: أنا والله لا أعرف، والاستفاضة دلت على أن هذا العالم يقتدى به وتبرأ الذمة بتقليده، وذاك العالم كذلك، نقول في هذه الحالة خالف هوى نفسك، يعني إذا عملت محظوراًً في الحج مثلاً، وذهبت إلى شيخ تبرأ الذمة، من كبار أهل العلم وقال: ما عليك شيء، وذهبت إلى أخر وقال: عليك دم، أو عليك صوم، أو عليك فدية أذى، أو ما أشبه ذلك، انظر فإن كان ترجيحك للأول نابع من هوى؛ لأنه أعفاك من التبعة هذا لا يجوز تقليده؛ لأنك لم تأخذ بقول العالم، إنما أخذت بهواك، إنما أخذت بهواك. الأسئلة كثيرة جداً وتزيد، نعم، والكتاب فيه طول، لعلنا نقتصر على هذا القدر، وحديث الأعمال بالنيات الذي سبق في الدرس الماضي أقول: محل عناية من أهل العلم، منهم من قال: هو ربع الدين، ومنهم من قال: نصفه، ومنهم من قال: ثلثه، ومنهم من قال: يدخل في جميع أبواب الدين، والشافعي يقول: يدخل في سبعين باباً، ولا شك أن هذا الحديث يدخل في كل مسائل الدين، ومسائل الدنيا أيضاً، إذا أريد من جرائها الثواب حتى مسائل الدنيا يدخل فيها النية ويدخل في المسائل الكبار، ويدخل في مسائل صغار، يعني لا فرق هي النية تغير الحكم من كونه ردة إلى كونه مباح كيف؟ نعم إلى كونه مباحاً.

طالب. . . . . . . . . يعني لو قال شخص: الله -جل وعلا- يقول في كتابه العظيم: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات]، فقال: وأنا أقول ليس بعض الظن إثم، ماذا نقول؟ مرتد وإلا غير مرتد؟ نعم، حسب النية إن كان يقصد البعض الذي أثبته الله -جل وعلا- فهو مرتد، لكن إن كان يقصد البعض الثاني؛ لأن البعض يقتضي البعض الثاني فكلامه صحيح، وهذا الفرق في إيش في النية، النية دخلت في العلوم، دخلت في العربية وبكثرة، يعني فكلامنا على أما بعد إذا حذف المضاف إليه ونوي مع نيته يبنى على الضم، مع عدم نيته يعرب مع التنوين، والنية لا شك أنها شرط لصحة العبادات كما ذكرنا بالأمس، وهي شرط للطهارة الكبرى والصغرى، شرط للوضوء وللتيمم، خلافاً للحنفية الذين لا يشترطونها في الوسائل كالوضوء، لكنهم يشترطونها للتيمم، وأما كونها شرط لصحة الصلاة فلا خلاف فيه، وإن قال بعضهم: إنها ركن، وأهميتها الصيام أيضاً لا يصح بدون نية، الزكاة تصح بدون نية وإلا لا تصح؟

يعني لو أخذها الإمام قهراً عن الممتنع تصح وإلا ما تصح؟ يعني من حيث الحكم تصح، من حيث الحكم بمعنى أنها تسقط الطلب فلا تأخذ منه مرة أخرى صحيح، لكن الإثم حاصل وإجزاؤها عند الله -جل وعلا- هذا أمر غيبي، وتجدون فرق في هذا الباب بين الفقهاء وبين علماء السلوك الذين يتعاملون مع الأعمال القلبية بكثرة، تجدون بوناً شاسعاً الفقيه يصحح باكتمال الشروط والأركان والواجبات، وذلك ينظر إلى ما هو أخص من ذلك، مسألة الإخلاص لله -جل وعلا- ينظرون إليه، وذكرنا مراراً الشخص الذي حج من بغداد ثلاث مرات ماشياً، حج ثلاث مرات من بغداد ماشياً، لم رجع من الحجة الثالثة دخل البيت برفق فإذا الأم نائمة فنام بجوارها انتبهت فأحست به، فقالت له: يا فلان، اسقني ماء، الماء خطوات، الماء خطوات، الرجل جاء من ألوف الكيلوات ماشياً وتعباناً وكأنه لم يسمع، ثم انتبهت ثانية فقالت: يا فلان، اسقني ماء كذلك، ثم الثالثة هب من نومه وجاء بالماء، ثم أخذ يحاسب نفسه يقول: تعبت ماشياً نفلاً على قدميك ألوف الكيلوات، والواجب الذي بينك وبينه خطوات تتقاعس فيه، هذا إذا سأل فقيه إيش يقول: الحج صحيح وإلا باطل؟ صحيح شروط، وأركان، وواجبات كلها متضافرة، وحج لله-جل وعلا- هذا المظنون به، فسأل واحداً من النوع الثاني فقال: أعد حجة الإسلام، أعد حجة الإسلام، كثير منا يحس في بعض المواضع أنه اهتم بأمر وضيِّع بسببه ما هو أوجب منه؛ لأنه قد تكون هذه المرأة، هذه الأم العجوز الكبيرة بحاجة ماسة إلى هذا الولد الذي حج على قدميه، وهو يحتاج في حجه إلى ستة أشهر أو أكثر.

الآن في صفوف طلاب العلم لا أعني المغرم مثلاً بالكتب، تجده يذكر له تركة في البلد الفلاني فيسافر ويترك بعض الوجبات، أو في طرف البلد في الحي الفلاني فتجده في طريقه إلى هذه المكتبة قد تفوته الصلاة، فالموازنة بين الواجب وبين ما هو أوجب هذا أمر لا بد منه، والمفاضلة بين العبادات مسألة كبرى في الشرع، يعني لو دخل أحدكم المسجد النبوي وبينه وبين الصفوف ما يتسع لمائة صف من أجل أن يدرك الركعة يصلى عند الباب، أو يذهب ليتقدم ليصل الصفوف الأولى، أيهما أولى؟ هو في السور، وليس بفذ صلاته صحيحة، وإن كان بينه وبين الإمام فجوات؛ لأنه داخل المسجد، وليس بفذ صلاته صحيحة، لكنه كل ما تقدم أفضل، كلما وصل صفاً وصله الله، لكن إذا نظر إلى المسألة من جهات أخرى، قال: إذا تقدمت فاتني ركعة أو ركعتين، وقام السرعان وشوشوا علي صلاتي ومروا بين يدي، وإن كان هناك جنازة فاتت، وأخذ يوازن بين هذه المصالح والمفاسد، قد يترجح له المفضول في مقابل هذا الفاضل لأمور أخرى، وأهل العلم يقررون أن المفوق قد يعرض له ما يجعله فائقاً، هذه مسألة المفاضلة مسألة كبيرة، وفيها أيضاً الكلام الكثير لأهل العلم، وأما التمييز بالنية فهذه أيضاً فيها مصنفات، وللنية أحكام كثيرة من أجود ما كتب فيها: "نهاية الإحكام في ما للنية من أحكام" هذا مطبوع قديم بمصر وأظنه جدد طبعه، فالكتاب جامع لأحكام النية. العلماء تكلموا فيه بما يحتمل مجلدات، لو أدخلناه في جميع أبواب الدين نحتاج إلى ذكر جميع الأبواب. النية: تميز عبادة من عبادة، تميز عبادة من عادة، وتميز العمل الصحيح من الباطل، وهكذا فنقتصر على هذا وننتقل إلى الحديث الثاني. سم. بسم الله الرحمن الرحيم

عن عمر -رضي الله عنه- أيضاًَ قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى -صلى الله عليه وسلم-، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذية، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً))، قال: صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان قال: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، قال: فأخبرني عن الساعة قال: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل))، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: ((أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان))، ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) رواه مسلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني: عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أيضاً، في الموضع الأول على طريقة أهل العلم يذكرون الاسم كاملاً وما يحتاج إليه فقال: عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ثم بعد ذلك يقولون: عن عمر -رضي الله عنه-، وفي أكثر الأحيان يقتصرون على الكناية التكنية عنهم بالضمير، فيقولون: وعنه -رضي الله عنه-، وعنه -رضي الله عنه-.

النووي -رحمه الله- بمؤلفاته في الموضع الأول يذكر الاسم كاملاً، وقد يذكره رباعياً، أو خماسياً أحياناً بالكنية والنسب، ثم يخفف شيئاً فشيئاً، الأوائل هذا يذكرون هذا حسب التيسير قد يختصرون في أول الأمر، قد يقول: حدثنا قتيبة بن سعيد، ثم يقول: حدثنا قتيبة، ثم في الموضوع الثالث يقول أو الرابع أو العاشر: حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن. . . . . . . . .، فلا شك أن أول موضع هو الأولى بالبسط، هو الأولى بالبسط، ولذلك تجدون الشراح يطيلون في تراجم الرواة في الموضع الأول، ثم بعد ذلك يختصرون على ما يبين حال الراوي باختصار شديد، ويحيلون على ما تقدم وهذا نافع لمن أراد أن يقرأ الكتاب من أوله إلى أخره، وبعضهم لا يمل من التكرار، فتجده يترجم للراوي كلما مر، نعم لا يطيل في التراجم، لكن هو يلاحظ أن بعض الناس لا يقرأ الكتاب من أوله وهو بحاجة إلى معرفة شيء عن حال هذا الراوي، فعلى كل حال المختصرات لها أسلوبها ولها وضعها، والمطولات أيضاً لها ظرفها، فهم في المختصرات في الغالب التي أولفت للحفظ يقتصرون على الضمير، وهنا صرح به لكن باختصار شديد. قال: يوجد سيارة مرسيدس رقم اللوحة هـ ـ ط ـ و 941 الرجاء إخراجها من جوار المسجد وشكراً. يقول: "عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أيضاً قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". "بينما" أصلها بين وأضيفت إليها ما، "نحن جلوس" جمع جالس، "عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هنا دقيقة في أمر المتضايفين، "رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر المتضايفين فيه إشكال، إذا قلت شرح الأربعين للنووي، شرح الأربعين للنووي لأبن رجب ما يحصل فيه إشكال، شرح الأربعين للنووي لابن رجب هذا الإشكال يوقعه التضايف، وهي مسألة كبيرة في العربية يعني الوصف هل هو للمضاف أو للمضاف إليه؟ مثلاً "رأيت غلامَ زيدِ الفاضل" الفاضل: منصوب وإلا مجرور؟ طالب. . . . . . . . . أي نعم هذا كله يرجع إلى مقصود المتكلم، لكن كيف نعرف مقصود المتكلم؟ هل هناك قاعدة تضبط؟ ما في، وهذا مما للنية فيه أثر.

الأمر الثاني: في قوله -جل وعلا- {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(27) سورة الرحمن] {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(78) سورة الرحمن]، في الموضع الأول: النعت للمضاف، في الموضع الثاني: النعت للمضاف إليه، الآن وأنت بين مضاف ومضاف إليه عند رسول الله، مضاف ومضاف إليه تصلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنك مأمور بالصلاة ومثاب عليها، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلى عليه، فماذا عن تعظيم الله -جل وعلا- يعني ماذا تقول عند رسول الله -عز وجل- -صلى الله عليه وسلم-. نعم. عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- زوج النبي، عن عائشة زوج النبي -رضي الله عنها-، -صلى الله عليه وسلم-، يعني لكن هنا يحصل اضطراب أحياناً في الكتب هذا كثير يعني متى تجعل الوصف الأول للثاني وهكذا؟ يعني شرح الأربعين للنووي لابن رجب، عادة القارئ يمكن يسمع أن هذه الأربعين لابن رجب أو للنووي يحصل فيه شيء من الاضطراب، فمثل هذه الأمور ينبغي أن يعبر عنها بدقة لئلا يحصل فيها اللبس، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلى عليه، فالله -جل وعلا- يُثنى عليه، فكيف نثني على الله في مثل هذا، "عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"؟ يعني الثناء على الله -جل وعلا- أمور مطلوب وعظيم في الشرع. ماذا نقول؟ طالب. . . . . . . . . لكن هل هذا، مثل هذا الأسلوب مؤلف عند أهل العلم قاطبة؟ طالب. . . . . . . . . إيه، لأنها مأمور بها وامتثال الأمر لا بد منه، وتعظيمه -عليه الصلاة والسلام- من تعظيم مرسله -جل وعلا-، يعني لو قلنا عند رسول الله -عز وجل- واكتفينا، وقلنا -عز وجل- لله -جل وعلا- هذا ما فيه إشكال والعرف يخصه بها، وقلنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- عزيز جليل بعد يدخل تبعاً.

يعني إخوانهم يقرؤون الكتب في الدروس جهراً، يحصل عندهم إرباك أحياناً حينما، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما قالا فكيف هذا مجموع وهذا؟ يعني يحصل شيء من الخلط، لكن ينبغي أن يتنبه لمثل هذا بدقة، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- يصلى عليه، والصحابة يترضى عنهم، والله -جل وعلا- يثنى عليه، لكن في مثل هذا التركيب فيه شيء من الصعوبة، يعني عند رسول الله -عز وجل- وصلى الله عليه وسلم-، يعني إذا قلت عن أم المؤمنين عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنها، أو عن أم المؤمنين -رضي الله عنه- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ممكن، هذه ممكن ما فيها إشكال، لكن تدخل الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بين المتضايفين لتعقبه بالصلاة ثم المضاف إليه وهو الله -جل وعلا- تثني عليه هذا ما يصح؛ لأن الفصل بين المتضايفين لا يجوز، يعني ورد شاذاً نجوت وقل بل المراديُ سيفه ... بدم ابن أبي شيخ الأباطح طالب بدم ابن أبي طالب شيخ الأباطح ففصل بين المتضايفين، وهذا خاص ضرورة الشعر، لكن تصلى على الرسول عندما تذكره، وتثنى على الله بعد ما تذكره هذا فيه فصل بين المتضايفين وهو غير جائز. "ذات يوم"، "ذات" تثنية ذو، ذات تثنية ذو، ومعروف أن ذو لمذكر، وذات للمؤنث، واليوم مذكر فهل يصلح أن نقول: "ذا يوم"؟ كيف قالوا: ذات يوم وذات مؤنث واليوم مذكر؟ ذات ليلية ما فيها إشكال، ذات ليلة ما فيها إشكال، ذات يومٍ، أو نقول: إن الذات هنا ليست مؤنث ذو وإنما هي بمعنى النفس، الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فالذات الذي يذكرونها لا يقصدون بها مؤنث ذو، جاء زيدُ ذاته فإن كان من هذا الباب لا إشكال، وإن كان مؤنث ذو فلا يناسب؛ لأن اليوم مذكر قد يقول قائل: إن اليوم مشتمل على الليل وعلى النهار، فالليلة واحدة الليل مؤنثة، وقد يغلّب أحد الأمرين التذكير أو التأنيث فيتعامل معه دون غيره، وهذا أيضاً له وجه. "ذات يوم إذ طلع علينا"، "إذ" هذه. طالب. . . . . . . . . ها كيف؟ لا إذا فجائية. "إذ طلع علينا رجل"، إذ طلع. طالب. . . . . . . . .

ها تجيء فجائية "خرجت فإذا زيد واقف"، لا ليست فجائية "إذ طلع" نعم ظرف لما مضى، أو لما يستقبل، "إذ طلع" ها حين بمعنى حين، بمعنى الوقت. "إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب" بمعنى حين، أقول: "رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد"، يعني أوصاف فيها شيء من التعمية؛ لأنه شديد بياض الثياب-نظيف الثياب-، "ولا يعرفه أحد" وليس بمسافر؛ لأن المسافر في الغالب يكون أشعثاً أغبراًً، "شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر" لكن قد يقول قائل مثلاً: إن هذه الأمور لا تستلزم، نعم الأصل في المسافر أنه أشعث أغبر، لكن هذا الأمر ليس بلازم؛ لأنه قبيل دخوله البلد يصلح من حاله فلا يرى عليه أثر السفر كما هو الحاصل الآن. يقول: "شديد بياض الثياب" وهذا لا شك أن العناية بالثياب أمر مطلوب، وعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها، فيجانب أهل الترف الذي ذكر عن بعضهم أنه يلبس في السنة ثلاثمائة وخمسين ثوباً -بعدد أيام السنة- بحيث لا يعود إليه أبداً، هذا لا شك أنه إسراف مذموم، ولا يمتهن نفسه بحيث يستقذر ويذم بسبب ذلك، فالمسلم لا شك أن له شأن عند الله، وله عزة، فلا ينبغي أن يعرض نفسه لامتهان الناس وازدرائهم إياه، "شديد بياض الثياب" والبياض مطلوب ((البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم)) فإنها أطيب وأنقى، هي أنقى باعتبار أن الأثر يبين فيها، فيسارع إلى إزالته بخلاف الثياب الملونة.

"شديد سواد الشعر" يعني ما في شيب، ولا في غبار، ولا شيء وعلى الإنسان أن يعنى بشعره ويرجل شعره كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يكون ذلك على حساب غيره، فلا يكون جل وقته في التنظف والتسريح وغير ذلك، فالتسريح ينبغي أن يكون غِِِباً لا يكون يومياً، والآن بعض الناس لا سيما من الشباب ومن غيرهم تجده يسرف من الوقت، وينفق من الوقت الشيء الكثير في تجميل الهيئة والثوب والشعر، وبالمقابل التفريط تجد بعضهم يقول: والله الشعر له مؤنة وله كلفة وإذا نبي نصبغ نحتاج إلى ساعات متى ينشف؟ ومتى، مع أنه مأمور بتغير الشيب، مع الأسف بعض أهل العلم يتعذر بهذا، يقول له: كلا فإذا صبغت تبي لك ثلاث ساعات أربع ساعات ما تعمل، لكن أنت ممتثل أمر أنت في عبادة الآن، وأقل أحواله السنية المؤكدة إذا لم يقل بوجوبه، فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها. "ولا يعرفه منا أحد" هو جبريل -عليه السلام- لا يعرفونه، يأتي بصورة رجل غريب لا يعرف كما في هذا الحديث، وقد يأتي بصورة دحية الكلبي، ويأتي على كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يتمثل لي رجلاً)) ومعلوم أن جبريل خلقته عظيمة جداً له ستمائة جناح، رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذه الهيئة مرتين، مرة على كرسي بين السماء والأرض في أول الأمر سد الأفق، ورآه ليلة الإسراء مرة ثانية كذلك، والشراح يتكلمون كثيراً في القدر الزائد أين ذهب؟ يعني هو يسد الأفق ستمائة جناح، ويأتي على هيئة رجل! يعني غاية ما يصل إليه أربعة أذرع في نصف ذراع أين يذهب الزائد؟! وهذا كله من البحث الذي ليس من متين العلم، ولا ينبغي أن يسترسل فيه فالقدرة الإلهية قادرة أو فوق مثل هذا الأمر، كما أن الله -جل وعلا- أرسل الملائكة على هيئة أعمى، وعلى هيئة أقرع، وعلى هيئة أبرص فالله -جل وعلا- يبتلي ويختبر عباده بمثل هذه الأفعال.

"حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني جلسة المتعلم المتأدب، "فأسند ركبتيه إلى ركبتيه" الضمير في ركبتيه يعود إلى ركبتيه الأولى، إلى جبريل "إلى ركبتيه" إلى ركبتي النبي -صلى الله عليه وسلم-، "ووضع كفيه على فخذيه"، "وضع كفيه" الضمير يعود إلى جبريل، "على فخذيه" على فخذي النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هكذا، وإلا "على فخذيه" هو؟ طالب. . . . . . . . . الاحتمال قائم بلا شك والجملة الأولى، الضمير الأول لجبريل، والثاني للنبي -عليه الصلاة والسلام- فهل يقال مثل هذا في الجملة الثانية، "وضع كفيه" كفي نفسه على فخذي نفسه أو على فخذي النبي -عليه الصلاة والسلام-، منهم من يقول: إنه على فخذي نفسه وهذا هو اللائق، هذا هو الأصل أن الإنسان يضع يديه على فخذي نفسه، ومن الشراح من يقول: على فخذي النبي -عليه الصلاة والسلام- كالجملة السابقة، وهذا مبالغة في إخفاء الأمر إنه إن كان إنساناً عادياً بيسوي مثل هذا؟ ما يسوى مثل هذا إنسان عادي، فالجمل الأولى "شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، لا يعرفه منا أحد" كل هذه تخفية وتعمية في أمره، فإذا جاء ووضع يديه على فخذي النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يقول بعض الشراح هذا أيضاً فيه زيادة في إخفائه وتعميته، لكن الأصل والأدب أن يجعل كفيه على فخذي نفسه وهذا هو الظاهر، "وقال يا محمد"، ومنزلة النبي -عليه الصلاة والسلام- معروفة عند كل أحد، ومن أعرف الناس بمنزلته عند ربه جبريل -عليه السلام-، وقد جاء النهي عن تسميته ودعاء باسمه الصريح {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [(4) سورة الحجرات] "يا محمد" , "يا محمد" فهو يقول: يا محمد، وهذا أيضا ًمن زيادة المبالغة في خبائه، لو قال: يا رسول الله، قال: والله هذا شخص يعرف الرسول -عليه الصلاة والسلام- وإذا وجدت المعرفة من أحد الطرفين خف الخفاء.

"وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام"، "أخبرني عن الإسلام" الإسلام كما هو معروف هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك فأصله الاستسلام، ولذا يقول أهل العلم: قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم. "أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الل هـ)). . . . . . . . . إلى أخره. هذا تعريف على طريقة الحدود، يعني لو قيل: عرف الإسلام؟ فقيل الإسلام يعني في الامتحان، عرف الإسلام قال المجيب الطالب: أن تشهد ألا إله إلا لله عرفه بأركانه، يعني لو قيل عرف البيع، نعم، فقال: جاء بأركان البيع المتعاقدة الصيغة والثمن والمثن يصح وإلا ما يصح؟ يعني بالأركان. عرف الحج: هو الإحرام والوقوف والطواف والسعي عرفه بأركانه، نعم إذا كانت هذه الأركان حاصلة لا يخرج منها شيء، فيعرف بالأجزاء كما يقول. . . . . . . . . الأركان.

لكن الأصل الذي درجوا عليه العمل، الذي درج عليه أهل العلم في الحدود يختلف عن هذه الطريقة، ولا شك أن الحدود جرت عند المتأخرين على طريقة المناطقة، وإلا فالحدود والتعاريف أصلها غير معروفة للحقائق الشرعية عند المتقدمين، كيف؟! يعني هل تجد في موطأ مالك في كتب الأئمة قاطبة حتى في الأم للشافعي تعريف الصلاة، أو تعريف الزكاة، أو تعريف الحج، أو تعريف غيرها من الأبواب؟ لأن هذه الحقائق لا يجهلها خاص ولا عام، والمتأخرون جعلوا معرفة الحكم مبنى على التصور الذي هو الحد، مع أن هذا الحد قد يعقد المسألة، قد يعقد المعرف أكثر، يعني لما يقال الصلاة شروطها، أركانها، واجباتها ... إلى أخره، خلاص الكل يعرفها، لكنهم درجوا على هذا وقد يوجد من بين المسلمين من لا يعرف هذه الحقائق إلى أن يعرف بها، وهذا اصطلاح ولا مشاحاة في الاصطلاح، لكن الأصل أنه على طريقة التعاريف الجامعة المانعة، لا يعرف بمثل هذه وما دام هذا التعريف من قبل من لا ينطق عن الهوى، فيجب أن تعدل الإصلاحات على ما يوافق ما جاء في الشرع، إذاً عندنا اصطلاحات إما أن تأتي على من باب الحقائق اللغوية، أو تتضافر فيه الحقائق الثلاث، أو تكون حقيقتها عرفية أو شرعية، ثم بعد ذلك يقع الخلط من بعض الناس أن المراد في هذا السياق الحقيقة اللغوية، المراد في هذا السياق الحقيقة العرفية، المراد من هذا السياق الحقيقة الشرعية، فـ ((إذا دعا أحدكم أخوه فليجب)) فليجب فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصلي، وإن كان صائماً فليصلي، تجيب الدعوة دعوة العرس لأخيك تجيبه على سبيل الوجوب، لكن إن كنت صائماً، إن كنت مفطراً تأكل يلزمك الأكل، إلا في حالة الضرر إذا كان يضرك الأكل، إن كنت صائماً فصلي، هل نقول أنه يأتي ويصلي ركعتين؟ أو يرفع يديه ويدعو لهم، يعني هل المراد في السياق الحقيقة الشرعية أو الحقيقة اللغوية؟ الحقيقة اللغوية عند الأكثر.

{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [(103) سورة التوبة] هل يكبر ويصلى عليهم صلاة جنازة، وإلا صلاة ركعتين، وإلا يدعو لهم؟ فالحقائق تتفاوت من سياق إلى سياق، ولذا حتى الجواب في تعريف الإسلام هنا، الجواب جاء جواباً لتعريف الإيمان في حديث وفد عبد قيس ((أن تؤمن بالله وحده))، قال: وما الإيمان، قال: ((أن تشهد ألا إله إلا الله، وتقيم الصلاة .... )) إلى مثلما جاء عندنا هنا في تعريف الإيمان، حتى أن بعض أهل العلم جعل الإسلام والإيمان شيئاً واحداً، الإمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي وبعض العلماء جعلوا الإسلام والإيمان واحداً، والجمهور على التفريق بينهما على ما سيأتي. "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله" يعني اختلاف الحقائق عن اللغوية مع العرفية مع الشرعية أوقع في حرج كبير، يعني لو أن أعرابياً قلت له: أريد جملاً أصفراً وضحك عليك، قال أنت أنت مجنون في جمل أصفر؟! ما في جمل أصفر، والله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات]، هل نقول: إن هذا ناقض القرآن، أو بناء على الحقيقة التي يعتقدونها، وذلك الصحابة -رضي الله عنهم- لما سألهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ((عن المفلس))؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع. هذا السيارة المرسيدس التي أعلنا عنها ما تحتاج إلى إخراج؛ لأن الجار متضايق جداً، وبحاجة إلى أن يخرج فلا شك أن هذا أذى إذا كانت إماطة الأذى عن الطريقة صدقة، فكيف بإيقاع مثل هذا الأذى، فعلى طالب العلم أن يهتم لمثل هذا. أذكر مرة كنا في الكلية طلعنا بعد صلاة الظهر بساعتين، وبعد واحد من المشايخ جاء من منطقة أخرى وسيارته مكفة على بيت في سيارة لشخص مستأذن من عمله وجاء ليحمل أمه على سيارة مدري كيف جاء المقصود أنه الأم هذه عندها موعد في المستشفى قبل الصلاة، وجلس إلى الساعة الثانية ينتظر صاحب السيارة هذه، أي ضرر بالغ مثل هذا يعني لا شك أن هذا مقلق، لذا يقول أحد الجيران: مستاء من هذا الفعل، فنهتم قبل الوقوف أن نجعل السيارة في مكان، ولو بعيد المشي خطوات أسهل من أن يتضرر بك أحد.

الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما سأل الصحابة ((عن المفلس؟ )) قالوا: من لا درهم له ولا متاع، قال: ((لا المفلس من يأتي بأعمال -في بعض الروايات- أمثال الجبال، من صلاة وصيام، وحج، جهاد ثم يأتي شتم هذا، وضرب هذا، أخذا مال هذا، سفك دم هذا ... )) إلى أخره.

هذا مفلس، وهذه حقيقة شرعية وإلا غير شرعية، طيب المفلس من لا درهم له ولا متاع حقيقة عرفية وإلا شرعية؟ عرفية هذا متفق عليه، لكن هي أيضاَ شرعية ما في باب في كتب أهل العلم باب الحجر والتفليس؟ هذا هو، هذا التفليس، وحديث ((من وجد بضاعته، أو سلعته عند رجل قد أفلس، من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق بهذا الفلس)) فهي حقيقة شرعية، واللفظ قد يكون له أكثر من حقيقة شرعية، على كل حال التعريف هنا بالأجزاء، بالأركان، وإذا كانت حاصرة ومحصورة ومبينة للمطلوب عند السامع يكفي، المقصود توضيح المراد عند السامع "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا))، فعجبنا له يسأله ويصدقه" أجاب عن الإسلام بالأعمال الظاهرة، وسيأتي بيان هذه الأركان الخمسة في الحديث الذي يليه، حديث عبد الله بن عمر: ((بني الإسلام على خمس)) أجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأعمال الظاهرة من سأله عن الإسلام، كما أنه أجاب بها من سأله عن الإيمان كما في حديث وفد عبد القيس، ولذا بعض أهل العلم كما أسلفنا جعل الحقيقة واحدة، حقيقة الإسلام هي حقيقة الإيمان بدليل أن الجواب واحد، وجمهور أهل العلم على أن الإيمان حقيقته الشرعية تختلف عن حقيقة الإسلام وبينهما تبيان وإلا تداخل؟ يعني إذا قلنا تباين قد تجد رجلاً مسلماً كامل الإسلام ما عنده من الإيمان شيء، ورجل مؤمن كامل الإيمان ما عنده من الإسلام شيء، يمكن هذا التبيان؟ لا النسبة بينهما ليست بالتبيان، في تداخل، وترابط بحيث إذا أطلق أحدهما دخل فيه الآخر على جهة الإفراد، إذا قيل: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) فالمرد به أيضاً المؤمن، وأيضاَ إذا أطلق الإسلام فالمراد به الإيمان {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [(19) سورة آل عمران] وغير ذلك من النصوص التي يمدح فيها المسلم يدخل فيها المؤمن.

الحديث من أدلة من يقول: إن الإيمان غير الإسلام، حقيقة الإيمان غير الإسلام ولا شك أنه إذا جمعا يفترقان وإذا افترقا يجتمعان كما يقرر أهل العلم كالفقير والمسكين، كالفقير والمسكين. "قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه" يعني هذا أمر غير مألوف، السائل إنما يسأل عما خفي عليه فكيف يقول: صدقت، قوله: "صدقت" يدل على أن عنده علم بما سأل عنه، وهذا السائل عما عنده به علم إذا سأل عن شيء عنده به علم إما أن يكون على جهة إفادة السامعين كما هو حال جبريل -عليه السلام-، أو على جهة إعنات المسئول؛ لأن بعض من ينتسب إلى طلب العلم يبحث عن غرائب المسائل ويدونها ويعرف جوابها من خلال كلام أهل العلم، ثم يأتي يمتحن بها الشيوخ وهذا مذموم، وجاء النهي عنه فجبريل -عليه السلام- يعرف الجواب وإنما سؤاله كما جاء التنبيه عليه في أخر الحديث: ((هذا جبريل آتاكم يعلمكم دينكم)). "قال: فأخبرني عن الإيمان، المرتبة الثانية من مراتب الدين، الأولى الإسلام وهي التي فيها، يدخل فيها جميع من يحكم بإسلامه ما لم يرتكب مخرجاً عن الملة، "قال: فأخبرني عن الإيمان وهذا الدائرة أضيق، بحيث لا يصل إليها كثير ممن يصدق عليه أنه مسلم. قال: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)). يعني أركان الإيمان الستة: تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره هذه الأركان الستة، لو أخل شخص بواحد منها لم يصح إيمانه.

الإيمان بالله أن تؤمن بربوبيته، وأنه المستحق للعبادة، وتؤمن بما جاء عنه وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- فيما يتعلق به من أسماء وصفات وغير ذلك، جميع ما جاء عن الله -جل وعلا-، وعن رسوله على مراد الله، وعلى مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وتؤمن بالملائكة، تؤمن بالأوصاف التي جاءت بها النصوص، وتؤمن بأنهم جمع غفير {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [(6) سورة التحريم]، وتؤمن أيضاً بالكتب المنزلة من عند الله -جل وعلا- على رسله وأنبيائه، ما تعرفه منها بالنص على سبيل التفصيل، والبقية إجمالاً، وتؤمن بالرسل أيضاً وبالأنبياء؛ لأن قوله: "كتبه ورسله" قد يقول قائل: من الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان، لكن ماذا عن الإيمان بالأنبياء الذين هم ليسوا برسل ركن وإلا ما هو بركن؟ نعم، الإيمان بالأنبياء ركن؟ نعم، ركن نعم يعني، التنبيه بالأعلى على الأدنى ما في إشكال، وهم أيضاً يدخلون في الرسل على خلاف بين أهل العلم في الفارق بين النبي والرسول، وإن كان الأكثر على أن الرسول: يوحى إليه بشرع ويؤمر بتبليغه، والنبي: يوحى إليه بشرع لكن لا يؤمر بتبليغه هذا كلام الأكثر، ومنهم من يقول: إن الرسول يأتي بشرع جديد، والنبي يأتي بشرع مكمل لما قبله إلى غير ذلك من الأقوال المعروفة، على كل حال الإيمان بالأنبياء والرسل ركن من أركان الإيمان، والاقتصار على الرسل لا يعني عدم وجوب الإيمان بهم. من سمي منهم كم عددهم؟ "خمسة وعشرون" من لم يسمى منهم جمع غفير، جمع غفير جاء فيه حديث أبي ذر وهو حديث فيه كلام لأهل العلم، المقصود أنهم كثر {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [(78) سورة غافر] فيؤمن بهم إجمالاَ فيمن لا نعرف عينه، وتفصيلاً فيمن عرفناه وعرفنا شيئاً عنه.

"واليوم الأخر"، إيش معنى اليوم الأخر؟ يعني إذا قلنا: اليوم الأول الدنيا، واليوم الأخر الآخرة، عندنا يوم أول ويوم آخر، فالأول إذا قلنا: إن الأول هو الدنيا، والأخر هو الآخرة حصلت المقابلة، وإلا فالأصل أن اليوم الأخر هو اليوم الأخير نعم من هذه الدنيا، وقد يطلق الآخر على أول جزء من الذي يليه، فيكون اليوم الأخر أول يوم من أيام الآخرة، يعني إذا جاء في الحديث: ((المغرب وتر النهار)) يعني جاء الحديث بهذا ((فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر إلا الفجر فإنه تطول فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار)) طيب هي في النهار وإلا في الليل؟ في الليل، لكن باعتبارها في أول جزء من الليل ملاصق للنهار قيل لها: وتر النهار، وهنا لما كان أول أيام الآخرة ملاصق لأخر أيام الدنيا قيل له: اليوم الأخر. ((وتؤمن بالقدر خيره وشره))، ((تؤمن بالقدر)) الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إلا به، وأنكره طوائف من أهل الزيغ والضلال، وحصل إنكاره قديماً في عهد الصحابة لما جاء إلى ابن عمر أناس قال: إنهم أو في جهتهم قوم أهل عمل، ويتقفرون العلم، لهم عناية بالعلم والعمل، ومع ذلك يقولون: بأن الأمر أنف يعني مستأنف -ينفون القدر- فقال: ابن عمر كما في صحيح مسلم أخبرهم أنني بري منهم، وأنهم برآء مني، ولو كان لهم أمثال الجبال من ذهب وأنفقوها لم يقبل منهم حتى يؤمنوا بالقدر، فالإيمان بالقدر ركن كما في هذا الحديث، وفي غيره من الآيات والأحاديث، أركان الإيمان مذكورة ولا بد من الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن الكل من عند الله -جل وعلا- وأنه بتقديره وبعلمه وكتابته ومشيئته وإيجاده كل حصل بتقدير الله -جل وعلا- وقضائه.

بالغ في نفيه القدرية النفاة ويتزعمهم المعتزلة والرافضة القديرية، وبعض فرق الزيدية ينفون القدر يبالغون في النفي، والمتقدمون من أهل العلم يقولون: ناظروهم بالعلم إن نفوه كفروا، وإن أثبتوه خصموا، وفي مقابلهم من يبالغ في الإثبات وينفي القدرة عن المخلوق، وأن المخلوق لا مشيئة له ولا إرادة ولا قدرة، وأن حركته وأعماله كحركة الورق، ورق الشجر في مهب الريح وهؤلاء -يسمون الجبرية-، ومذهب أهل السنة والجماعة وسط بين المذهبين يثبتون القدر، وأن الله خلق العباد، وأفعال العباد، والعباد أيضاً لهم مشيئة وإرادة، لكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته، وأنهم أعطوا من حرية الاختيار ما يكفي، ويقيم الحجة للمطيع بالثواب والعاصي بالعقاب.

القدرية النفاة حينما نفوا القدر، وجعلوا للعبد حرية وقدرة واختيار مستقل لا ارتباط لها بمشيئة الله -جل وعلا- من أجل نفي الظلم عن الله -جل وعلا-؛ لأنه لو قدر عليه ثم عذبه صار ظالم له عنده، ومع ذلك ليس باللازم، الله -جل وعلا- كتب عليهم، وقدر عليهم، وقضى عليهم بما هم عاملون، وترك فيهم من الحرية والاختيار ما يجعلهم يختارون أحد النجدين، وأحد الطريقين، يعني الكافر هل هو أرغم على كفره؟ تارك الصلاة في أحد شده وأوثقه ألا يذهب إلى المسجد ويصلى مع المسلمين؟ في أحد يمنعه من الوضوء والقيام والذهاب؟ ما في أحد فلديه حرية واختيار كافية في مؤاخذته، وكل إنسان يحس هذا بنفسه، يحسه من نفسه يعني حينما يقول: أن والله هو كتب الله عليه أنه ما يصلي، نعم لو أخذه النوم وأخذ بنفسه من أخذ بنفسه غيره ممن نام، وقد فعل الاحتياطات وبذل الأسباب نعم نقول: غير مكلف، لكن صحيح غير مريض، غير معذور ليس لديه أي عذر يتعذر به، سليم معافى ومع ذلك يترك الصلاة ويقول: هذا أمر كتبه الله علي، ما الذي يمنعه من أن يتوضأ ويذهب إلى؟ ما في ما يمنع، فلا ظلم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت] {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [(49) سورة الكهف]، وهذا واضح لكل منصف يدرك هذا الأمر من نفسه، وتجد هذا الذي يحتج بالقدر ويقول: إنه مجبور لو ضربه أحد، أو أخذ ماله أحد، أو قتل ولده أحد يستسلم ويقول: هذا أمر مكتوب، ولا لأحد كلام لا يمكن، لا يمكن طيب القدر الذي تحتج به على المعايب تفعل المعاصي وتترك الواجبات وتقول: أنا مجبور، لماذا لا تحتج به في المصائب؟ ولذا جاء في الحديث الصحيح أن موسى -عليه السلام- قال لآدم: ((يا آدم خلقك الله بيده وأسكنك جنته، أخرجت نفسك وذريتك من الجنة فقال: يا موسى، اصطفاك الله بكلامه، وكتب لك التوراة بيده، كم تجد هذا مكتوب علي قبل أن أخلق؟ قال: بأربعين عاماً، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- فحج آدم موسى، فحج آدم موسى)) كيف حج آدم موسى؟ يعني هل آدم -عليه السلام- احتج بالقدر على المعصية؟ الاحتجاج بالقدر على المعاصي طريقة المشركين {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام]، هل آدم احتج

بالقدر على المعصية؟ لا المعصية تاب منها، تاب الله عليه وهداه واجتباه، المعصية انتهى أثرها بالتوبة فلا احتجاج بقية المصيبة، المصائب احتج عليها بالقدر ما في ما يمنع، مثلاً إنسان يمشي في طريق مظلم فعثر في صخرة، أو في حفرة انكسرت رجله، يجئ واحد يلومه يقول: وين عيونك، وين أنت، وليش تطلع، وليش، قال: هذا شيء مكتوب يا أخي هذا ما في إشكال يحتج بالقدر، لكن إذا زنا وقال: هذا شيء مكتوب ليس له أن يحتج بالقدر، فالاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، لا على المعائب، وآدم احتج بالقدر على المصيبة التي ترتبت على المعصية التي تاب منها وبرئي من. . . . . . . . . بالتوبة النصوح، فحج آدم موسى، ومنهم من أشار إلى أن آدم حج موسى؛ لأن اعتراض موسى على آدم -عليهما السلام- لا ينبغي أن يعترض عليه، وهكذا حال الولد مع والده لا ينبغي أن يعترض عليه، لكن هذا الكلام وإن أشير إليه في بعض كتب التفسير إلا أنه لا وجه له، نعم حق الأب والوالد محفوظ بنصوص أخرى، لكن قوة الحجة مع آدم -عليه السلام- بسبب أن موسى أعترض على مسألة كتبت على آدم قبل أن يخلق، وأن آدم -عليه السلام- احتج بالقدر في المصيبة لا على المعصية.

"قال: صدقت قال فأخبرني عن الإحسان" المرتبة الثالثة من مراتب الدين التي لا يتصف بها إلا الأفذاذ من أهل هذه الملة، مرتبة الإحسان، مرتبة المراقبة، "قال: فأخبرني عن الإحسان؟ يعني إذا كانت دائرة الإيمان أضيق من دائرة الإسلام، فدائرة الإحسان أضيق بكثير من دائرة الإيمان؛ لأنا إن ننظر إلى الحد قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، ((أن تعبد الله كأنك تراه)) يعني تراقب الله -جل وعلا- وتستحضر اسمه الرقيب، فمنزلة المراقبة لا تحصل لكل أحد؛ لأن الغفلة غطت على قلوب كثير من الناس، تجد الجسم في المسجد والقلب في الشارع، في السوق، في البيت، في التجارة، في الزراعة، في الدراسة، القلب حضوره قليل عند كثير من الناس في هذا الوقت، والعبرة به بالقلب وخطاب الشرع جميعه متجه إلى القلب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88 - 89) سورة الشعراء] فلا بد من المراقبة، مراقبة الله -جل وعلا- فإنه هو المطلع على السرائر، {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [(7) سورة طه]، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [(19) سورة غافر] فعلى الإنسان أن يراقب الله -جل وعلا- وأن يعبده بمرتبة الإحسان: أن يعبد الله كأنه يراه، كأنه يرى الله -جل وعلا- عياناً، إذا لم يستطع مثل هذا، ولم يتيسر له تحقق هذا الأمر، فأقل الأحوال أن يتصور أن الله يراه، ويطلع عليه، ويطلع على سريرته وعلانيته، فيتعامل معه على ضوء هذا، يعني لو أن الإنسان، الإنسان في مكتبه وقد أغلق الباب يتصرف بما شاء، نعم في مكتبه وقد أغلق الباب قد يحدث وهو في مكتبه ما دام ما عنده أحد، لكن يفترض أنه فجأة دخل عليه المدير، أو المدير بجانبه وهو يعمل ويعمل بما وكل إليه، هل يستطيع أن يخل بشيء من الآداب والمروءة فضلاً عن الواجبات التي وكلت إليه، لا يستطيع، ولا تجعل كما يقول بعض السلف: لا تجعل الله أهون الناظرين إليك.

نعم في معاملة الخلق الذين لا يطلعون على سرائر ولا على ظواهر إلا إذا كانت بقرب منهم، تجد الإنسان كلما بعد عن الناس تبسط أكثر، يتبسط أكثر، تجده في غرفة نومه قد يتجرد من الثياب، وقد يحدث بصوت أو بغير صوت، ثم إذا خرج عن الغرفة إلى الصالة مثلاً لا يخرج إلا وقد استتر، لكنه يتخفف من كثير من الأمور، قد يخرج بسروال وفنيلة إلى الصالة، قد يخرج إلى الفناء بحيطة أكثر من ذلك، ثم يخرج إلى باب المنزل بثيابه العادية، لكن لا يخرج إلى المجتمعات التي يجتمع فيها الملأ، أو يروح إلى الدوام بثياب أقل، ما يمكن، ومع الأسف أن الناس يحتاطون للمجامع والمحافل إذا أراد أن يذهب إلى مناسبة، إلى الدوام تجده يلبس أحسن ثيابه، لكن إذا ذهب لصلاة الفجر قد يذهب بقميص النوم، والله -جل وعلا-يقول: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] يعني عند كل صلاة، ولا شك أنه كلما بعد عن أخص اختصاصاته يحتاط أكثر، ولذلك الإمام مالك -رحمه الله- له ملحظ دقيق في الموطأ يقول: للإنسان إن يلبس الثوب الذي فيه شيء من المخالفة في بيته وفنائه، يلبس أحمر وما في مانع، يلبس ثوب نازل شوي لكن ما يطلع به إلى الناس ويقابل به الناس. فالله -جل وعلا- المطلع على السراير، على كل مسلم أن يستحضر هذه المنزلة، ويحاول تطبيقها بقدر الإمكان، وإن كان الرآن قد غطى على القلوب فصارت لا تفرق في أي مجلس كان، فيخشون الناس ولا يخشون الله، والله المستعان {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ} [(108) سورة النساء]-جل وعلا-.

"قال: فأخبرني عن الساعة، الساعة لم يطلع عليها أحد لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، لا يعلمها إلا الله -جل وعلا-، ولا تأتي إلا بغتة، وبعض من كتب في اشراط الساعة قال: إن بغتة في حساب الجُمّل "ألف وأربعمائة وسبعة " فتقوم الساعة سنة "ألف وأربعمائة وسبعة" يعني في حدود حساب الجمل لو قطعناها عرفنا أنها "ألف وأربعمائة وسبعة"، لكن هذا كلام مردود بالنصوص القطعية، حساب الجُمّل غير معتبر في الشرع إنما استعمله اليهود لما أنزل عليها {الم} [(1) سورة البقرة]، قالوا: سبعين سنة وينتهي حكمه، تنتهي نبوته بسبعين سنة، سهلة ننتظر سبعين سنة على حساب الجُمّل، لكن هذا الذي كتب وقال: إن الساعة تقول سنة "ألف وأربعمائة وسبعة"، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل)). فالساعة خفية على كل أحد لا يعلمها إلا الله -جل وعلا-، فماذا عن قوله -جل وعلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا}؟ [(15) سورة طه] التعبير هذا يدل على أنها ليست خفية، لكنها من الغموض والخفاء تقرب من الخفي، {أَكَادُ أُخْفِيهَا} كيف نجيب عن هذا؟ نعم. طالب. . . . . . . . . لا أنا أريد الآية {أَكَادُ أُخْفِيهَا} الآن هي خفية وإلا ليست خفية؟ خفية بإجماع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل)) يعني أنا بأعلم من السائل أنت، كلنا نستوي في هذه، يستوى في هذا محمد -عليه الصلاة والسلام- وأجهل أعرابي، وأجهل أعجمي في معرفة الساعة، كلهم يستوون في هذه نعم. {أَكَادُ أُخْفِيهَا} حتى عن نفسي، يعني هذا مبالغة في إخفاءها، حتى عن نفسي، أما غيري لم يطلع عليها أحد البتة، ((ما المسئول عنها بأعلم من السائل)).

"قال: فأخبرني عن أماراتها"، يعني عن علاماتها وأشراطها قال: ((أن تلد الأمة ربتها)) يعني ذكر من أشراطها ((أن تلد الأمة ربتها))، الأمة المملوكة الرقيقة تلد بنتاً تكون سيدة لها، أو ولداً كما في بعض الروايات ((ربها)) ولداً يكون سيداً لها، وأكثر العلماء والكلام في هذه الجملة وقالوا: إن الرق يكثر في أخر الزمان حتى أن الولد ليطأ المرأة بملك يمنيه، ثم يتداولها الناس، وتمر على كثير من الناس، ثم تعود إليه وقد ولدت منه قبل ذلك ولداً يكون سيداً، المقصود كلام كثير وهو في الجملة ظاهر. هذه الأمة تلد من يكون سيداً لها مدبراً لها، وملك اليمين إذا وطئها السيد، وولدت له، وأعتقت بسببه فصارت أم ولد، وهي باعتبار ما كان أمة وهذا الولد باعتباره ولداً لسيدها فهو سيد لها، لكن مثل هذا ليس مختصاً بأخر الزمان، يعني هذا مما قيل، لكن هذا موجود في أول الزمان، لكن الذي يختص به أخر الزمان فساد الناس، فهذا الولد الذي ولدته هذه الأمة يعاملها معاملة الآمة؛ لأنها ملك يمين لأبيه فهي ملك يمين له، فيعقها ويأمرها ويضربها وينهاها كما يأمر السيد أمته. ((وأن ترى الحفاة العراة العالة)) البادية سكان البوادي أهل الشجر، وبيوت الشعر، تجدهم بينما كانوا عالة عراة رعاء الشاة في البادية، ((يتطاولون في البنيان)) يعمرون القصور الشاهقة، يعمرون النواطح وقد حصل، يعني في دول الخليج هذا ظهر بكثرة، تجدهم قبل عشرين ثلاثين سنة راعي من رعاة الغنم، ثم بعد ذلك يدخل في التجارة، ويبني العمارات الشاهقة، وموجود أيضاً على مستوى أوساط الناس بسبب هذه الإعانات من هذه الدول، تمكنه أن يبني بيتاً بعد أن كان في بيت شعر، ويرعى الغنم يأتي فيسكن قصر منيفاً، ((يتطاولون في البنيان)).

"ثم انطلق" ذهب هذا الرجل الذي لا يعرفه أحد، "فلبث ملياً" في بعض الروايات "ثلاثاً"، وفي بعضها "فلبثت ملياً" يعني عمر لبث ثلاثة ليال، ثم سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- من ذلك الرجل؟ أو بدون سؤال كما تدل عليه هذه الراوية، ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يا عمر أتدري من السائل))؟ في بداية الحديث يقول: لا يعرفه منا أحد إذا لا يدري، ولكنه يرد العلم إلى عالمه "الله ورسوله أعلم" هكذا ينبغي أن يجيب من لا يعرف الجواب، الله أعلم أهله العلم في كلامهم كثيراً ما يختمون الكلام وهو علم إذا انتهوا منه، قالوا: الله أعلم، قالوا: الله أعلم، موسى -عليه السلام- ((لما سئل في ملأ من بني إسرائيل عن أعلم من على وجه الأرض؟ قال: أنا، )) ما قال: -الله أعلم- فأمر بالذهاب إلى الخضر في القصة المشهورة في الصحيح، وهي في القرآن أيضاً. "قلت: الله ورسوله أعلم"، يعني في حياته -عليه الصلاة والسلام- هو أعلم، وهو في الأحكام الشرعية أعلم، ولا نحتاج إلى قيد إذا كانت المسألة شرعية متعقلة بوحي من عند الله -جل وعلا- الله ورسوله أعلم، فهو أعلم بالأحكام الشرعية، قال: ((فإنه جبريل -يعني هذا السائل جبريل- آتاكم يعلمكم دينكم))، يعلمكم دينكم يعني بجميع أبوابه، يعلم الدين فالدين شامل للإسلام والإيمان والإحسان، الدين شامل لجميع الأبواب من العقائد والعبادات والمعاملات وغيرها من أبواب الدين، ولذا تخصيص حديث: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) في الأحكام هذا ليس بصحيح، نعم صار عرف إذا طلق الفقه فالمراد به الأحكام، إذا أطلق الفقه عرفاً فالمراد به الأحكام، والفقهاء يصدرون كتبهم الحمد الله الذي فقه من شاء بدينه، ويشيرون إلى أن علمهم هو الفقه، وفي هذا الحديث ما يدل على أن الفقه في الدين يعني بجميع أبوابه والعقائد هي الفقه الأكبر عند أهل العلم، ((فمن يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) يعني في جميع أبوابه في العقائد، في الإيمان، في التوحيد، في العبادات، في المعاملات، في التفسير، في المغازي، في الفتن، في الاعتصام، في غيره، في جميع أبواب الدين. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ....

شرح الأربعين النووية (4)

كتاب الأربعين النووية (4) حديث: ((بني الإسلام على خمس)) الشيخ / عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب --رضي الله عنه-ما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا لله، وأن محمداً رسول الله، وإقامَ الصلاة، وإيتاءَ الزكاة. وإقامٍ الصلاة وإيتاءِ الزكاة. وإقامٍ وإيتاءِ الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان " رواه البخاري ومسلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثالث، "عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((بني الإسلام على خمس)) كما قلنا في الحديث السابق قوله: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني أنه تلقاه عنه بدون واسطة، وابن عمر صحابي مدرك للنبي -عليه الصلاة والسلام- تابع مؤتسي مقتدي، يحرص على الإتباع وإن كان في بعض ما أداه إليه اجتهاده لا يوافق عليه، وعلى كل حال هو من مشاهير الصحابة، ومن المكثرين لرواية الحديث، وهو أحد العبادلة من الصحابة الذين تأخروا حتى أحتاج الناس إلى علمهم، عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، ابن مسعود ليس منهم وإن كان من الجلالة والمكانة العظيمة البينة الواضحة في الدين، في القران وما يتعلق به في الأحكام في الحلال والحرام إمام، لكن مع ذلك تقدمت وفاته توفي قبلهم بنحو من أربعين سنة، فاحتاج الناس إلى علم هؤلاء الذين تأخروا، وهذا سبب من أسباب انتشر علمهم؛ لأن الناس احتاجوا إليه، أما من مات قديماً فهذا مع توافر الكبار قد لا تحصل له المنزلة التي تحصل لمن تأخر بعده.

"يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((بني الإسلام على خمس))، بني من البناء وهو وضع الشيء على مثله حتى يرتفع، والإسلام المراد به ما تقدم في الحديث السابق: "الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وهذه أركانه. "على خمس"، يعني دعائم على خمس دعائم بعض الروايات على خمسة يعني أركان، وركن الشيء جانبه الأقوى، جانبه الأقوى، الذي هو جزء منه داخل في ماهيته، داخل في ماهيته. ((شهادةِ أن لا إله إلا الله)) بالجر بدل من خمس والبدل له حكم المبدل، أو بيان، وعلى كل حال هو تابع لما قبله ((على خمسٍ شهادة أن لا إله إلا الله))، لكن لو قال أحدها: بني الإسلام على خمس أحدها شهادة أن لا إله إلا الله، ويجوز الجر لكن الرفع أفصح {ٍٍٍٍٍٍٍٍ َضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا} [(76) سورة النحل] ((شهادةِ أن لا إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) وهذه كلمة التوحيد لا إله إلا الله لا يصح الإسلام بدونها، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) لابد من النطق بها، لا بد من النطق، ولا بد من معرفتها معناها، والعمل بمقتضاها، النطق لا بد منه ((حتى يقولوا: لا إله إلا الله))، ولا يكفي في الإسلام أن يقر الإسلام في قلب الشخص ويعتنقه باطناً ولا يعلن الشهادة، وإن قال بعضهم: بأن هذا كافي إلا أنه على كل قول، على جميع الأقوال أن المعاملة في الدنيا مبنية على النطق ((كيف تصنع بلا إله إلا الله))، المعاملة في الدنيا مبنية على النطق بالشهادتين.

وسائل يسأل يقول: إن له زميلاً نصرانياً والسائل مسلم، يقول: له زميل نصراني أعجب بالإسلام، ووقر الإيمان في قلبه، وعزم على الدخول فيه، فذهبت أنا وإياه وذهبنا لشيخ يلقنه الشهادة، فذهبنا إلى الشيخ قال الشيخ: الآن باقي على آذان الظهر ربع ساعة، أنا الآن أتجهز لصلاة الظهر فبعد الصلاة تأتون ليلقنه الشهادة، هذا لا شك أنه حرم نفسه وحرم هذا المسكين، يقول: خرجنا من عند الشيخ فإذا هناك تبادل إطلاق نار فقتل ولم ينطق بالشهادة، هذا جاء راغب في الإسلام لكن حصل أو حال دون نطقه بالشهادة ما حال، فهذا حكمه في الظاهر أنه لم يسلم، وأما في الباطن فالله -جل وعلا- يتولاه، لكن الحرمان من خلال هذا العمل الذي عمله الشيخ الآن تلقين الشهادة وتعليمه الوضوء والخروج به معه إلى الصلاة يكلف شيئاً ذا، يقول: باقي على صلاة الظهر ربع ساعة، باقي على الآذان ربع ساعة والآن أتجهز للصلاة، يعني ما المانع أن يلقنه الشهادة ويعلمه الوضوء، ويذهب به معه إلى المسجد، ويكون سبباً في إنقاذه؟ لكن هذا الحاصل، فكان الجواب أنه من حيث المعاملة في الدنيا ما دخل في الإسلام؛ لأنه ما قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" التي هي الغاية في قوله: ((حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) إنما وصل إلى هذه الغاية.

((شهادة أن لا إله إلا الله)) تنفي جميع ما يعبد من دون الله -جل وعلا-، وتثبت العبادة لله وحده، وكان العرب حتى المشرك منهم يعرف معنى لا إله إلا الله، ويعرف ما يفيده النفي والإثبات، ولذلك لما طلبها النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم استنكروا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [(5) سورة ص]، ومع الأسف أن كثير فئام من المسلمين يقولون: لا إله إلا لله وهم لا يعرفون معناها، ولا يعملون بمقتضاها، بل يأتون بما يناقضها فتجد من يطوف على القبر وهو يقول: لا إله إلا الله، وتجد من يذبح لغير الله -جل وعلا- ويقول: لا إله إلا الله، وتجد من يستعين بغير الله - حل وعلا- وهو يقول: لا إله إلا الله، يأتي بالنواقض وهو لا يعرف أنها نواقض، يطوف على قبر ولي أو تدعى له الولاية أو تطلب منه الحوائج، ومع ذلك يقول: لا إله إلا الله، فتباً لما كان أبو جهل وأبو لهب أعرف منه بمعنى لا إله إلا الله التي هي رأس المال، كلمة التوحيد، كلمة الإخلاص المنجية من عذاب ((من كان أخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) هذه الكلمة على كل مسلم لا سيما طلاب العلم أن يهتموا بمعرفتها وجميع ما يتعلق بها.

((شهادةِ إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)) لا يكفي أن يقول: لا إله إلا الله، ولا يكفي أن يقول: أشهد أن لا إله إلا لله بل لا بد من الشهادة لمحمد -عليه الصلاة والسلام- بالرسالة؛ لأن النصارى لا سيما من لا تحريف عنده يقول: لا إله إلا الله، أما أهل التحريف من اليهود والنصارى هؤلاء يعبدون مع الله غيره، -يشركون مع الله غيره-، فلا بد من الاعتراف برسالة محمد-صلى الله عليه وسلم- إلى الناس أجمعين، فالذي لا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله هذا لم يدخل في الإسلام، والدين عند الله الإسلام، ولذا أهل الكتاب من اليهود والنصارى كفار بالإجماع، كفار بالإجماع حتى قال أهل العلم: من شك في كفرهم كفر إجماعاً لماذا؟ لأنهم لا يعترفون برسالة محمد -عليه الصلاة والسلام-، وقد يعترف منهم من يعترف بها إلا أنه يزعم أنه خاص بالعرب، ورسالته ليست للناس أجمعين، هذا أيضاً لا يجدي شيئاً، لا يجدي ((لو كان موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي، والذي نفس بيده لا يسمع بي يهود ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار)) فلا بد من الإتيان بالشهادتين ولو عمل جميع الأركان، وجميع الواجبات، وترك جميع المحرمات ولم يعترف، أو يشهد بالشهادتين، أو أتي بما يناقض هاتين الشهادتين لا ينفعه {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [(65) سورة الزمر] {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ} [(54) سورة التوبة] فالكافر عمله حابط {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [(23) سورة الفرقان] الذي لا يقر بالشهادتين هذا لم يدخل في الإسلام أصلاً، ولذلك لم يختلف في الشهادتين كما اختلف في بعض الأركان، فالشهادتان لا خلاف بين أهل العلم في أن من لم ينطق بهما، أو نطق بهما وأتى بما يناقضهما أنه ليس بمسلم، بقية الأركان العملية هي أركان، ومقتضى الركن أنه الجانب الأقوى في الماهية، أنه لا يصح إلا بتوافر جميع أركانه، يعني إذا قلنا أركان الصلاة الأربعة عشر ترك مصلٍ ركناً من أركانها عمداً لا تصح، وسهواًٍ إن أمكنه تداركه

الركن وإلا بطلت الركعة التي تركه منها؛ لأن أهل العلم يقولون: من شك في ترك ركن فتركه، فالصلاة لا تصح بدون أركانها، جميع الأعمال لا تصح من دون توافر أركانها. أركان الحج الأربعة: الإحرام، والوقوف، والطواف، والسعي لو ترك واحداً منها ما صح حجه، إلا إذا كان لا نهاية لوقته ثم أتى به. هذه الأركان الخمسة الركن الأول: لا خلاف في كون تاركه كافر غير مسلم، وأما الركن الثاني: ((وإقام الصلاة)) فنقل اتفاق السلف على كفر تاركها، وكانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))، ((بين المسلم والشرك والكفر أو الشرك ترك الصلاة)) فالقول بكفره كفراً أكبر مخرجاً عن الملة قول معروف عند أهل العلم، ومنقول عن سلف هذه الأمة، وخالف فيه من خالف بالنسبة لمن تركها تكاسلاً وكسلاً، أما من تركها جحوداً فهذا محل اتفاق، أما من تركها تهاوناً أو كسلاً فالنصوص الصحيحة الصريحة تدل على أنه يكفر، وهو المفتى به الآن وهو المنقول عن سلف الأمة قوله: كانوا يعني -من تقدم من صدر هذه الأمة من الصحابة وكبار التابعين- لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، وخالف في هذا من خالف، وبسط الأدلة من الطرفين ليس هذا محله. ((إيتاء الزكاة)) من أهل العلم من يرى أن الأركان العملية الباقية، ولا شك أن الخلاف فيها أقوى من الخلاف في الصلاة، الخلاف فيها أقوى من الخلاف في الصلاة، وعلى كل حال قول في مذهب مالك، ورواية عن أحمد أن من ترك ركناً من هذه الأركان كفر ولو اعترف بوجوبه، قول في مذهب مالك ورواية عن الإمام أحمد أنه يكفر، تارك الزكاة يكفر، تارك الصيام يكفر، تارك الحج يكفر، لكن أكثر أهل العلم على أنه لا يكفر يعني -من ترك أحد الأركان الثلاثة مع اعترافه بوجوبه-. ((إقام الصلاة)) هو أداؤها على وجه الاستقامة؛ لأنه يقول إقام، إقام الصلاة، أقيموا الصلاة يعني على وجه الإقامة والاعتدال التام، على الوجه المشروع ((صلوا كما رأيتموني أصلي))، لكن هل هو بهذا المفهوم إقام الصلاة هو الركن، أو الإتيان بالصلاة المجزئة الركن أيهما؟

الطالب. . . . . . . . . إقامتها كما في النصوص أو الإتيان بالمجزئ منها هو الركن؟ الثاني لماذا؟ لأن من أخل بصلاته بما يبطلها صلاته صحيحة مسقطه للطلب فضلاً عن كونه يكفر، ونقول أنه مثل ترك الصلاة أنه لم يقمها، نعم إذا أخل بركن من أركانها فيتجه القول بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صل فإنك لم تصل)) هذه الصلاة وجودها مثل عدمها، لكن المطلوب الإتيان بالصلاة على الوجه المشروع ((صلوا كما رأيتموني أصلي))، فالإتيان بها بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها هذا الأصل، لكن إذا أخل بشيء من السنن، أو بشيء من الواجبات من غير قصد، وجبره بسجود مثل هذا صلاته صحيحة، والتأكيد على إقام الصلاة بهذا اللفظ وأقيموا الصلاة لاشك أنه من باب الاهتمام بشأن الصلاة، والعناية بها، وأدائها على الوجه الأكمل. ((وإيتاء الزكاة)) يعني إعطاء الزكاة لمستحقها من الأصناف الثمانية، من الأصناف الثمانية:

الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها العاملين على الفقراء -معروفون الذين لا يجدون شيئاً-، والمساكين من لا يجد ما يكفيه وإنما يجد بعض الكفاية، والعامل عليها المولى من قبل الإمام، المولى من قبل ولي الأمر، العامل عليها لا بد أن يكون مولى من قبل ولي الأمر وإلا لضاعت المسألة، لو ترك المجال كان كل واحد يجمع زكواته ويأخذ نصيبه، أو يكلف من قبل من لم يؤكل له هذا الأمر ويعطى نصيبه من الزكاة باعتباره عاملاً عليها وهذا ليس بصحيح -هذه فوضى-، وسمعنا من بعض الناس أنهم يكلفون بعض الأشخاص يعني إما إمام مسجد أو رئيس مركز أو شيء من هذا، يقول: لشباب عنده أجمعوا الزكوات للمشروع الفلاني، ثم بعد ذلك يعطيهم نصيب العمل هذا ليس بصحيح، هذا ليس بصحيح، إنما العمالة موكولة بتصرف ولي الأمر هو الذي يرسل العمال دون غيره، وهذه التصرفات لاشك أنها فوضى ما الحد، وما النسبة التي يأخذها هذا المكلف، ومن خول من كلفه؟! لابد أن يكون موكل من قبل الإمام {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [(60) سورة التوبة]، المقصود أنهم الثمانية الأصناف المعرفون، في سبيل الله، توسع بعض أهل العلم في مفهوم سبيل الله ويجعله شامل لكل شيء فيه قربه، من تعليم، وتحفيظ، ومصالح عامة، وبناء مساجد، وأربطة وغير ذلك، لكن جماهير أهل العلم على أن في سبيل الله خاص بالجهاد، خاص بالجهاد.

منهم أيضاً الغارمون لمصلحتهم أما لمصلحته أو لمصلحة غيره، لكن إذا كان لمصلحته لا بد أن يكون فقيراً، أما لمصلحة غيره للإصلاح مثلاً فإن هذا يأخذ بقدر ما غرم ولو كان غنياً، المؤلف على الدين يأخذ يعطى منها، وربط تقدير هذه المصالح بولاة الأمر ومن ينيبونهم أمر لا بد منه؛ لأن الأصل أن الزكاة إنما تدفع لولي الأمر {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةًٌ} [(103) سورة التوبة]، نعم للإنسان أن يتصدق من ماله بما شاء، يخرج من الزكاة ما شاء بمصرف لا خلاف فيه، أما المصارف التي فيها خلاف فهذه ليست للناس يقول: أنا والله يترجى، قال لي الشيخ فلان أن تحفيظ القرآن تصرف له زكاة أذهب وأعطيه لا بد من فتوى بهذا الأمر؛ لأن الاجتهادات لا تنتهي وهذا ركن من أركان الإسلام، والله أنا وجدت فلان أذى الناس ولا يكف لسانه إلا أن أعطيه من الزكاة، من يقدر هذا الأمور ومن يقررها الأمر موكول لولاة الأمر ومن يولونهم على ذلك، وتقرير المصالح في هذه المسائل لأهل العلم الذين يدركون ما قاله أهل العلم في تفسير هذه الآية، وما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-. ((وحج البيت، وصوم رمضان)) الرواية المتفق عليها هي هذه في الصحيحين وغيرهما، ((وحج البيت وصوم رمضان)) يعني الركن الأول: الشهادتان. الثاني: إقام الصلاة. الثالث: إيتاء الزكاة. الرابع: حج البيت. والخامس: صوم رمضان هذا المتفق عليه في الصحيحين من حديث ابن عمر، وجاء من حديثه في صحيح مسلم تقديم الصوم على الحج، تقديم الصوم على الحج، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بناء ترتيب كتابه على هذه الرواية على تقديم الحج على الصيام، وفي صحيح مسلم قال: ((وصوم رمضان، والحج)) قدم الصوم فقال رجل لابن عمر: الحج وصوم رمضان، حج البيت، وصوم رمضان قال: لا، صوم رمضان والحج، صوم رمضان، والحج، الآن روايته المتفق عليها وهي المرجحة عند التعارض هذا الأصل أن يرجح المتفق عليه على ما في أحد الصحيحين، الرواية المتفق عليها ((وحج البيت وصوم رمضان)) وفي صحيح مسلم قال: ((صوم رمضان والحج))، قال رجل: يا ابن عمر، صوم رمضان يا ابن عمر قال: لا، صوم رمضان والحج.

والعلماء يختلفون يعني هذا الذي استدركه ابن عمر على هذا المعترض، يعني الاعتراض صحيح وإلا غير صحيح؟ صحيح ومقتضى الرد أن تقديم الحج على الصوم ليس بصحيح مع أنه في الصحيحين عن ابن عمر نفسه، يعني لو كان من رواية غيره قلنا: أن ابن عمر ما بلغته هذه الرواية أو لا يرى هذا التقديم، لكن كلاهما من روايته في الصحيحين يقول: ((حج البيت وصوم رمضان))، وفي صحيح مسلم يقول: ((صوم رمضان والحج)) ثم يستدرك عليه فيقول: لا، صوم رمضان والحج فمن أهل العلم من يرى أن ابن عمر نسي، نسي الرواية الثانية ومنهم من يقول: إن ابن عمر أراد أن يؤدب هذا المعترض، أراد أن يؤدب هذا المعترض؛ لأنه تكلم بشيء لا علم له به، فمن يعترض على العالم لا سيما إذا كان الأسلوب غير مناسب -لا يا ابن عمر- ((الحج وصوم رمضان)) هذا يؤدب فأراد ابن عمر أن يؤدبه بقوله: لا، صوم رمضان والحج، طيب موقف ابن عمر أثبت ونقل عنه في الصحيحين تقديم الحج، ورد هذا الإعتراض بتقديم الصيام فمن باب التأديب، والواو لا تقتضي ترتيباً سواء قدم هذا أو ذاك أراد أن يؤدبه؛ لئلا يعترض، ولا يتكلم بحضرة الكبار الذين ضبط علم ابن عمر متقن، فالعالم إذا كان ضابطاً لمسألته، باحثاً لها، واعترض عليه من بعض طلاب العلم، وأرد أن يؤدبه بمثل هذا له ذلك لا سيما إذا رأي، أو لمس من حال هذا الطالب أنه كثير الإعتراض لذات الاعتراض، أما المناقشة مع أهل العلم من قبل الطلاب والعكس هذا أمر لا بد منه، بهذا تحيا الدروس، وليس العلم مجرد تلقين، الشيخ يحدث والطالب يستمع، ولا أخذ ولا رد ولا استشكال ولا مناقشة ولا، لكن إذا عرف من هذا الطالب بعينه أنه صاحب عناد، أو صاحب ترفع، أو إظهار ما عنده من علم مثل هذا يؤدب بمثل هذا الأسلوب.

ذكرنا أن الإمام البخاري بناء ترتيب كتابه على حديث الباب في تقديم الحج على الصيام، وعامة أهل العلم قدموا الصيام على الحج، قدموا الصيام على الحج، ولكل وجه وجاء من التشديد في ترك الصيام ما جاء، وجاء أيضا من التشديد في ترك الحج ما جاء، فمن كثرة عنده وعظمة عنده أحاديث التشديد في الصيام أكثر من أحاديث التشديد في الحج قدم الصيام، ولا شك أن للأولية دخل في الأولوية، إذا قدم الشيء في الذكر لا شك أنه من حيث الأولوية والأرجحية له نصيب من ذلك، والبداءة بما بدأ الله به معروفة، فالتقديم وإن كان العطف بالواو له شأنه. ((حج البيت)) ركن من أركان الإسلام، يقال فيه مثل ما قيل في إيتاء الزكاة أن عامة جمهور أهل العلم على أن تارك الحج مع الاعتراف بوجوبه لا يكفر، وقال بعضهم بكفره، والرواية التي سقناها عند الحنابلة، والقول عند المالكية يشمل الحج ويشمل الصيام. جاء أخبار تعظم من شأن الحج، وأن عمر كتب إلى الأمصار أن ينظروا إلى من كان عنده جده وسعة فلم يحج فليضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين، ويروى مرفوعاً لكنه ضعيف ((من شاء فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً)) وعلى كل حال الأركان شأنها عظيم سواء المتفق عليها أو المختلف عليها شأنها عظيم وخطر ومزلة قدم، فعلى الإنسان أن يحرص وهذه الأركان التي تم الإسلام بشأنها، والعناية بها، وإبراء الذمة من تبعتها، تجد التساهل لا سيما في الحج، وأما مسالة الزكاة فكثير من أهل المال والثراء أصيبوا بالشح والجشع ولم يخرجوا زكاة أموالهم على الوجه المطلوب بدقة، فتجد الواحد يخرج حتى يظن أن ذمته برئت، لا بد من الحساب الدقيق أعطاك الكثير ورضي منك بالقليل، وأثابك عليه، اثنين ونصف بالمائة، تجد الإنسان يدفع اثنين ونصف بالمائة سعي وهو يضحك، فإذا جاءت الزكاة تصعبها وقد يتحايل عليها -نسأل الله العافية-.

والحج بعض طلاب العلم في الكليات الشرعية، تجده إذا قيل له لماذا لا تحج ما تستطيع؟ قال: والله أستطيع، لكن تسليم البحث بعد الحج مباشرة ما عندي وقت، ما عندي وقت، هذا عذر في ترك ركن من أركان الإسلام، يعني حتى على قول من يقول: إنه فرض على التراخي إبراء الذمة من هذا الركن العظيم، ما تدري ما يعرض لك؟ تتعذر والله تسليم البحث، باقي عليه، في أول الدراسة بعد الحج هذا ليس بعذر، وسمع من يقول: والله السنة هذه ربيع والجاية أحج -إن شاء الله- هذا أسوء، يعني هذه أعذار يعجل يؤجل من أجلها ركن من أركان الإسلام -نسأل الله العافية- فلا بد من الاهتمام؛ لأن الإسلام بني على هذه الأركان، فماذا عن بنا انهدم منه ركن أو أكثر من ركن؟ لا شك أنه يسقط وصوم رمضان، صوم رمضان ركن مجمع عليه، فالمسلمون في الجملة يهتمون به، ويعتنون به، ويصومون لكن قد يستصحب الإنسان الغفلة في أول تكليفه فلا يصوم يؤجل، أو يأتي بمبطل لصيام، وقد تكلف المرأة تصل إلى حد التكليف ثم لا تصوم، أو تصوم ولا تقضي، أو أمر مشترك بين الناس وهذا يجب التنبيه عليه في كل مناسبة؛ لأن كثير من الشباب، وحتى يوجد من الجنس يستعملون ما يبطل الصوم، ويوجب الغسل ومع ذلك لا يعرفون أنه يوجب للغسل، أو مبطل للصيام. يعني بعض الشباب يستعمل مثلاً في نهار رمضان العادة السرية الإستمناء، ثم بعد ذلك لا يعرف أن هذا موجب للغسل، وتبعاً لذلك لا يعرف أنه مبطل للصيام فينبغي أن ينبه، تكثر الأسئلة حينما يعرف الناس هذا الحكم ثم بعد ذلك يسألون والله في أول الأمر، والله ها كنت أستعمل، ولا أغتسل، ولا أصوم، يتم صومه على هذه الحالة؟ لا شك أن هذا مبطل للصيام من جهة، وموجب للغسل من جهة، وهو مبطل للصلاة أيضا مع أنه أمر محرم يعني -في الصيام وغير الصيام محرم-، الاستمناء محرم لكنه إذا حصل هذه أثاره موجب للغسل، ومبطل للصيام. سم.

وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق والصدوق: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)) رواه البخاري ومسلم. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع: عن أبي عبد الرحمن وجرى على عادته في ذكر الكنية والكنى مما ينبغي أن يهتم به طالب العلم؛ لأنه يأتي في بعض الأسانيد الكنية مقتصر عليه عن أبي عبد الرحمن مثلاً، فإذا عرفت أن كنية ابن مسعود هذه، أو كنية ابن عمر، أو كنية ابن عباس، أو كنية فلان أو علان سهل عليك تمييز المهمل، والعلماء ألفوا في الكنى كتباً كثيرة لابن عبد البر كتاب: "الاستغناء في معرفة المشهورين بالكنى" في ثلاث مجلدات، هناك كتب أخرى" "الكنى والأسماء" للدولابي وغيرهم، المقصود أن هذا محل عناية لأهل العلم، وعلى طالب العلم أن يعنى به ويهتم به؛ لأن هذه الكنى قد تأتي من غير ذكر للاسم، فإذا جاء الخبر عن أبي عبد الرحمن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنت إذا كانت تعرف من الصحابة من كنى بأبي عبد الرحمن ضاق الأمر عليك جداً، يعني تبحث بين هل هو من حديث ابن عمر أو حديث ابن مسعود؟ وقد تأتي هذه الكنية في أثناء الإسناد، الطبقة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، فإذا عرفت من يكنى بهذه الكنية لا شك أنه يسهل عليك الأمر؛ لأن البحث يكون متردداً بين أشخاص معدودين، ومن الرواة من اشتهر بكنيته حتى ضاع اسمه، الآن الخلاف في اسم أبي هريرة على أكثر من ثلاثين قولاً!! سببه شهرته بالكنية، وقد تكون الشهرة بالاسم حتى تضيع الكنية، قتادة مثلاً اختلف في كنيته لكن المرجح أنه كنيته. طالب. . . . . . . . .

أبو الخطاب، نعم أبو الخطاب من الرواة من ضاع اسمه، ولا يعرف لشهرته بالكنية حتى قال بعض المترجمين: أن اسمه كنيته أبو عبيده ابن عبد الله بن مسعود، اسمه كنيته على ما قالوا، ويختلفون عاد بما قيل في اسمه فمعرفة الكنى من الأهمية بمكان لطالب العلم، وأهل العلم ما قصروا إذا ترجموا ذكروا الخلاف في الكنية، وإذا كان من المشهورين بالكنى ذكروا الخلاف في الاسم، ما تركوا شيئاً، وألفوا كتباً خاصة في الكنى، وفي الألقاب.

عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي -ابن أم عبد-، توفي في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين، وهو من كبار الصحابة -من جلتهم-، وجاء فيه: ((من أراد أن يقرأ أو من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد))؛ لأنه وجد من بعض الظلمة من كان يضرب من يقرأ بقراءة ابن أم عبد، وقال كلاماً قبيحاً وقال: وددت أن أحك قراءة ابن مسعود ولو بضلع خنزير، هذه محادة نسأل الله العفو والعافية، مجاوزة في الظلم والطغيان، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ يحث ويثنى على قراءة ابن مسعود، وهذا يقول ما يقول، قراءاته التي جعلها أهل العلم من باب التفسير، ليست من باب القراءة هذه يعمل بها على الخلاف بين أهل العلم، هل تعامل معاملة القراءة، أو معاملة الخبر فيحتج بها وإن لم تثبت بها، أو يقال أنها قراءة لكن ليست بمتواترة فيحكم عليها بالشذوذ، ولا يعمل بها مطلقاً؟ المقصود أن الكلام في هذه المسألة معروف، وابن مسعود من الدين بمكان، وجاء في فضائله ومناقبه ما جاء، وهو أيضاً محل عناية من الخلفاء بدأً بأبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وفي الصحيح أن عثمان قال لابن مسعود: يا أبا عبد الرحمن، ألا نزوجك فتاتي تعيد لك ما مضى من شبابك، العرض وكان عمره سبعين فقال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج))، وأقول في هذا العرض منقبة للطرفين، منقبة للعارض، ومنقبة للمعروض عليه، العارض ما يتردد في كون هذا كبير سن إنما اشتراه واشترى دينه، اشترى الإرث الذي في صدره، والمعروض عليه ما قال فرصة أنا عمره سبعين سنة لو يخطب من الناس كلهم ما زوجوه -هذه فرصة العمر-، فالطرفين كلاهما يدرك حقائق الأمور والله المستعان.

يقول ابن مسعود: "حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وحدثنا بالجمع يقولها: من يروي بطريق السماع من لفظ الشيخ مع غيره، ولو كان منفرداً لقال حدثني، أو سمعت إذا كان معه غيره، قال حدثنا: وإذا شك هل معه غيره، وليس معه غيره منهم من يقول: حدثني؛ لأنه هو المتيقن ومن عداه مشكوك فيه، ومنهم من يقول: حدثنا؛ لأن حدثني أقوى عند أهل العلم من حدثنا؛ لأن حدثني تدل على أنه مقصود بالتحديث الكلام موجه إليه، وعلى كل حال هذا بصدد صحابي -رضوان الله عليه- لا يفرق بين أن يقول: حدثني، أو حدثنا، أو سمعت ما في فرق، "حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق" في جميع ما يأتي به، سواء كان فيما ينقله عن الله -جل وعلا- من القرءان، أو ما ينطق به على أنه سنة من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، وأصله من الله -جل وعلا- فالسنة وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم]، وصادق وأبو بكر لقب بالصديق، لأنه صدق النبي -عليه الصلاة والسلام- في أمر لم يشهده -يعني مبالغة في التصديق-، "الصادق المصدوق" الذي صدقه الله -جل وعلا-، وصدقه من سمعه من أهل الإيمان، "الصادق المصدوق". الصحابي حينما يقول: "حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق" ما الفائدة من قوله: "وهو الصادق المصدوق"؟ نعم. طالب. . . . . . . . . تأكيد الخبر، وهذا الخبر وإن تضمن ما تضمن مما يخفى على البشر إلا أنه -عليه الصلاة والسلام- صادق فيه، وفي وقتهم لا يوجد أجهزة تكشف ما في البطن، لا يتلقى مثل هذا إلا من الوحي، ما يمكن يتنبأ أحد ويقول: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بط أمه أربعين يوماً ... )) إلى أخره، فهو صادق مصدوق فيما أدركناه، وفيما لم ندركه هو صادق على كل حال، ومصدق في جميع أحواله -عليه الصلاة والسلام-.

((إن أحدكم)) يعني من بني آدم سواء ذكر أو أنثى، مسلم أو كافر ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة))، ((يجمع خلقه في بطن أمه)) من ما الرجل وما المرأة يجتمع نطفة، مدة أربعين يوماً، ((ثم يكون علقة مثل ذلك))، العلقة: مثل الحشرة الصغيرة التي توجد في الماء أحياناً، ((ثم يكون مضغة مثل ذلك)) بقدر ما يمضغه الإنسان من الطعام أربعون، ثم أربعون، ثم أربعون، المجموع مائة وعشرون يوماً، مائة وعشرون يوماً، بعد المائة والعشرين يوماً أربعة أشهر، ((يرسل إليه الملك)) يعني بعد تمام أربعة أشهر يرسل إليه الملك، قبل الأربعة أشهر هو في عالم الغيب لم يطلع عليه أحد، وهو المراد من قوله -عليه الصلاة والسلام- ((في خمس لا يعلمهن إلا الله)) ثم ذكر آية لقمان {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [(34) سورة لقمان] الآن في الآية هي فيها حصر بمعنى أن غيره لا يعلم، الأسلوب ليس فيه حصر وإن كان اقترانها مع بقية الأمور يدل على أنه لا يعلمه إلا الله، لكن الحصر في الحديث في خمس لا يعلمهن إلا الله، قد يقول قائل: الآن الأطباء بأجهزتهم يعرفون، يعرفون ما في الأرحام، أولاً: معرفة الأطباء ليست دقيقة وليست محققة، فكثير ما يقولون: ذكر ثم يظهر أنثى والعكس. الأمر الثاني: أنه بعد اطلاع الملك عليه، وإرسال الملك إليه خرج عن دائرة الغيب، لا مانع أن يطلع عليه الأطباء، أما في مرحلة الغيب التي هي الأربعة أشهر هذه لا يمكن أن يطلع عليه، والإخبار عن الحمل في هذه المرحلة لا شك أنه ضرب من ادعاء علم الغيب، ومحاولة لكشف ما ستر عن المخلوق. ((ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح)) ((ينفخ فيه الروح)) إذا تم أربعة أشهر، ولذلك جعلت عدة الوفاة أربعة أشهر وإيش؟ وعشر، وعشر ليالي هذه العشر؛ لأن نفخ الروح ينتج عنه الحركة، قد تكون الحركة ضعيفة في أول يوم وثاني يوم ولا يحس بها، لكن إذا تمت العشرة اليالي لا بد أن يحس بها، وحينئذ نعرف أن هناك حمل، وإذا لم يوجد حمل في هذه المدة فهذه دلالة على براءة الرحم.

أربعة أشهر وعشر إذا نفخ فيه الروح ترتبت عليه أحكامه، ترتبت عليه أحكامه، فإذا سقط بعد نفخ الروح فإنه حينئذ يغسل، يكفن، يصلى عليه، ويدفن، وقبل ذلك لا تترتب عليه أحكام، أحكام الأم تبدأ من التخليق إذا تبين فيه خلق الإنسان، إذا تبين فيه خلق الإنسان مخلّقة وغير مخلّقة. ((ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربع كلمات: بكتب رزقه)) ((رزقه)) المكتوب له، المقدر له من ولادته إلى وفاته، وهو رزق سواء كان من طريق حلال، أو من طريق حرام هو رزق، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن كسب الحرام ليس برزق، على هذا لو أن السُراق سرقوا طفلاً، وأعاشوه من السرقات إلى أن مات هذا ما استوفى من رزقه شيء عند المعتزلة؛ لأن رزق الحرام ليس برزق، وعند أهل السنة هو زرق سواء كان حلالاً أو حراماً هذا المكتوب له، والآثار المترتبة على الحلال والحرام هذه أمور أخرى.

((بكتب رزقه)) الآن رزقه مكتوب، وعليه أن يبذل السبب لأجل تحصيل هذا الرزق، قد يقول قائل: ما دام الرزق مكتوب لماذا أتعب؟ ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له))، ((ولو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً، وتروح بطاناً)) ما قال كما يرزق الطير تجلس في عشها، ويأتيها رزقها لا تبذل السبب، فالمخلوق المسلم مطالب ببذل السبب، والسماء لا تمطر ذهباً، ولا فضة، وليس في هذا معارضة للكتاب -لكتابة الزرق-، أنت مكتوب عليك أن تسعى، ومكتوب لك أن ترزق، رزقك محدود لن يفوتك شيء منه، لن تموت حتى تستكمل هذا الرزق، لكن مع ذلك ابذل السبب بكتب رزقه وأجله، أجل محدد لا يزيد ولا ينقص {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(61) سورة النحل]، فلان رزقه كذا، وأجله كذا ستون سبعون سنة، خمسون ثلاثون مائة مكتوب مفروغ منه، قد يقول قائل: ما دام أجلي مكتوب، ولن أموت قبل يومي كما يقول الناس، صحيح لن يموت قبل يومه لماذا لا يغامر، ويلقي بنفسه إلى مواضع الهلكة ما دام الأجل مكتوب، كان لمائة سنة ما هو بميت قبل مائة سنة، ولو دخل تحت سيارة؟ ألا يمكن أن يقال مثل هذا، يمكن مثل الزرق، قال: ما دام محدد والله أنا بأجلس بالفراش إلى أن يجي ها المكتوب نقول هذا ليس بصحيح، أنت مأمور بالسعي، مأمور بالسبب والسماء لا تمطر ذهب ولا فضة، والمسبب مرتب على السبب، وأيضاً الأجل مكتوب وحرام عليك أن تلقي بنفسك إلى التهلكة؛ لأن نفسك لا تملكها أنت فعليك أن تبذل أسباب الوقاية، وتدفع أسباب التلف؛ لأن هذه النفس أن مؤتمن عليها، ولن يتغير عما في علم الله شيء سواء فعلت أو لم تفعل، لن يتغير شيء، لكنك أنت مأمور أمر تكليف أن تبذل السبب، وإن كان السبب في أصله حكم وضعي، أمرك به تكليف ووقوعه منك حكم وضعي عشان ما نخلط بين الأمور.

((بكتب رزقه وأجله)) ما دام مكتوب له ستون أو سبعون سنة ماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام- ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره -أو في أجله-، فليصل رحمه))؟ قد يقول ما الداعي إلى هذه الصلة، وأنا مكتوب لي ستين سنة، أو سبعين لا تزيد ولا تنقص {فإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(61) سورة النحل] هي أنفاس محدودة، أنفاس محدودة لا تزيد ولا تنقص، وبعض العامة قيل له: هي أنفاس محدودة، قال: سهل بدل ما أنفس نفس متتابعة أكتم يعني -لا أسرع بالنفس-؛ لئلا تنتهي هذه الأنفاس، فقال له أحد الحاضرين: اذهب إلى العناية المركزة، تشوف أللي يكملون الأنفاس بسرعة، سواء تنفس تنفساً طبيعي، أو أسرعت، أو كتمت لا تزيد ولا تنقص؛ لأن بعض الناس يتصور هذه الأمور بمقدوره أن يتصرف فيها، أبداً ما له لا يستطيع أن يتصرف، يعني ما يلاحظ في مواضع العناية المركزة، والإنعاش أناس يتنفسون بسرعة نعم؛ لإكمال هذه الأنفاس، فالإنسان إذا كتم على حد زعمه أنه بدل ما ينفس في الدقيقة عشرة أنفاس، خله ينفس خمسة علشان تطول مدته لا لا ما باليد شيء ما باليد أدنى شيء.

((وأجله)) طيب إذا وصل رحمه زاد ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره أو في أجله فليصل رحمه))، يقول: عمري مكتوب وأنا في بطن أمي، فكيف يعني أصل ما أصل؟ يعني شو دخله ولذا يختلف أهل العلم في المراد بالزيادة وتأخير الأجل، فمنهم من يرى أنها زيادة حقيقة يعني -يكتب له أجل من خلال ما يطلع عليه الملك-، يقال: اكتب له ستين سنة، وفي علم الله -جل وعلا- أنه يصل رحمه ويزاد من أجل ذلك عشر سنوات، فالذي في علم الله -جل وعلا- لا يتغير، إنما يتغير ما في علم الملك وهذا ما فيه إشكال {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} [(39) سورة الرعد]، ومنهم من يقول: إن الزيادة ليست في عدد السنين، ولا في عدد الأيام، ولا في عدد الأنفاس هذه لا تتغير، لكن البركة، الزيادة معنوية ليست حسية فيكون عمر فلان من الناس أربعون سنة ويصل رحمه، وشخص عاق وقاطع ويعيش مائة سنة، هل في هذا خلف مع هذه الأخبار؟ لا، لكن شوف ها الأربعين السنة هذه ماذا يصنع بها؟ وانظر إلى المائة سنة ما أثرها على صاحبها؟ تجده يعيش مائة سنة كأنه دخل من باب وخرج من باب لا يذكر بشيء البتة، فضلاً عن كونه يذكر بما يذم به، ويعيش عمر بن عبد العزيز أربعين سنة وذكره الطيب إلى قيام الساعة، ويعيش كثير من علماء المسلمين الأربعين بل الثلاثين والخمسين وتجد أثره وذكره إلى أخر سنة، والنفع المتعدي الأمة بكاملها تنتفع من علمه ويتخرجون على كتبه وهو ما عاش إلا ثلاثين سنة، أو أربعين سنة، لا شك أن هذه الزيادة المعنوية أنفع للواصل من الزيادة الحسية؛ لأن العمر هو عبارة عن هذه الأيام، فماذا عما يوضع في هذه الأيام، -التي هي في الحقيقة خزائن يودع فيها الإنسان ما شاء مما يسوء أو مما يسر-؟ افترض أن شخصاً عاش مائة سنة، وبعدين السبت الأحد الاثنين، السبت الأحد الاثنين، صيف شتاء، صيف شتاء، ثم بعدين انتهى لا شيء، فالعبرة بمن يستغل هذه الأيام {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ* ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [(205 - 206 - 207) سورة الشعراء] ما يفيد هذا، ما ينفع، لو عمروا عمر نوح ما يفيد، العبرة بما يودع في هذه

الخزائن، العبرة بما يودع في هذه الخزائن، فعلى الإنسان أن يستغل هذه الأوقات، وهذه الأنفاس، التي هي في الحقيقة عبارة عن عمره ونفسه، والله المستعان. ((وأجله، وعمله)) يكتب عمله فقد يكون العمل الذي كتب صالحاً، وقد يكون سيئاً، قد يكون موصلاً إلى مرضات الله وجناته، قد يكون موصلاً إلى سخطه ونيرانه، وقد يعترض معترض ويقول: ما دام مكتوب علي العمل وأنا في بطن أمي فكيف أواخذ عليه؟ -هذا هو قول القدرية النفاة-؛ لأنه إن آخذه وقد كتب عليه هذا ظالم، يكون ظالم له {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت]، إذاً لا يؤاخذ عليه، نقول: يؤاخذ عليه؛ لأن الله -جل وعلا- ركب فيه حرية الاختيار، وهداه النجدين، ودله على ما ينفعه وما يضره، ووضح له وبين له الطريق ومع ذلك اختار ما يضره، وترك ما ينفعه مع أنه لا يوجد ما يمنع من سلوك ما ينفعه؛ لأن هذه الكتابة أمور غيبية، أمور غيبية، أنت ما تدري ويش كتب لك، لكن عليك أن تبذل ما تعرف وما تستطيع. المطيع لماذا لم يقل مثل العاصي؟ أنا مكتوب علي أنا ويش اعمل، إلا أن هذا اختار ما ينفع وذاك اختار ما يضر، وفي النهاية تكون النتائج على ما كتبه الله -جل وعلا- وقدره، ولم يجبر المخلوق على فعل ما يضره، يعني لو أن إنساناً أحضر سكيناً فقطع أصبعه قال: هذا مكتوب علي، مجبر ... ، مجبر على هذا، لو يأتي أحد ليقطع ليجرح أصبعك فررت منه، وبذلت جميع الأسباب ما قلت: والله هذا مكتوب علي، فهذه. . . . . . . . . سواء بسواء، فأبذل الأسباب، وسل ربك التثبيت، وتوفق بإذن الله -جل وعلا-. ((وعمله وشقي أو سعيد)) النتيجة، يعني لو دخل مدرس على قاعة درس في أي مرحلة من المراحل، وقال: أنا قررت أن الجهة اليمني أن هؤلاء ناجحون، وهؤلاء راسبون، نقول: هذا مدرس ظالم وإلا غير ظالم؟

نعم ظالم بلا شك لماذا؟ لأنه لا يعرف العواقب، الله -جل وعلا- كتب هؤلاء لأهل الجنة وهؤلاء لأهل النار، هؤلاء سعداء وهؤلاء أشقياء، هل نقول: إنه مثل المدرس الظالم؟ لا، الله -جل وعلا- يعرف ما هم عاملون، العمل الذي يعملونه يعرفه فالنتيجة معروفة سلفاً، هو مثل المخلوق الذي لا يعرف ما في غد، فهذه شقي أو سعيد النتيجة للعمل نتيجة العمل الذي يعمله، لكن باعتبار أن الله -جل وعلا- يعلم ما كان وما يكون، فإنه يعرف النتائج وشقي أو سعيد. ((فوالله الذي لا إله غيره، فوالله الذي لا إله غيره)) يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- ويحلف من غير استحلاف، ويحلف على الأمور المهمة من غير استحلاف، وفي هذا جواز القسم بالله -جل وعلا- على الأمور المهمة؛ لئلا يجعل الله عرضة للأيمن فيقتصر على الأمور المهمة. ((فوالله الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة))، ((يعمل بعمل أهل الجنة)) عاش من

تكليفه إلى أن بلغ تسعين سنة وهو صوام قوام، متصدق محسن، يكف شره عن الناس ويسدي خيره إليهم، ((ليعمل بعمل أهل الجنة)) مؤدي للفرائض مجتنب للمنهيات، تسعين سنة، مائة سنة ((حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)) ما بقي إلا أن تقبض روحه فيسبق عليه الكتاب؛ لأنه كتب عليه شقي ((فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) وهذا يشمل الخالفة الكبرى بالردة والشرك، وما دونها بالمعاصي والبدع. ((يعمل بعمل أهل النار فيدخل النار)) والله شخص مائة سنة، تسعين سنة، كلها طاعات، ثم في النهاية يختم له بالشقاوة، وفي المقابل وإن أحدكم يعمل بعمل النار سبعين، ثمانين، تسعين سنة سكير عربيد شرير تارك للواجبات، مرتكب للمحرمات يعمل بعمل أهل النار طيلة عمره، هذه المدة الطويلة حتى ما يكون بينه وبين النار إلا قدر ذراع فيسبق عليه الكتاب؛ لأنه كتب سعيد ((فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها))، قد يقول: هذا ما في إنصاف، ولا في عدل، ولذا جاءت الراويات الأخرى: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، فيما يبدو للناس، وإن وأحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس))، إذ كان عمله الظاهر عمل أهل الجنة وفي نفسه دخلية وطوية ينطوي عليها قلبه هذه تخونه في آخر الوقت، والعكس قد يعمل العمل الصالح وإن كان يسيراً في عينه أو في عين غيره ثم يدخل به الجنة، امرأة باغية دخلت الجنة في كلب، وامرأة دخلت النار في هرة، أعمال يسيرة لكنها عند الله -جل وعلا- عظيمة، لأنه احتفى بها ما احتف من تعظيم الله -جل وعلا-، أو الاستهانة بأمره، وأذى المخلوقات فمثل هذا سبب من أسباب دخول الجنة، وذلك سبب من أسباب دخول النار.

الحديث المقيد: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس)) حديث ابن مسعود هذا مخيف مخيف، الإنسان لا يأمن ولا يضمن ولو عاش طول عمره، ولو اتفقت ألسنة الناس على مدحه طيلة عمره فلان وفلان، فلان يفعل كذا، وفلان، لا هذا حديث مخيف سوء العاقبة كان السلف يخافونها، ويلهجون بحسن الخاتمة، طيب خفي عليهم حديث: ((فيما يبدو للناس)) ما خفي عليهم، قيدوا المطلق بالمقيد وإلا ما قيدوا؟ لأن الخوف من سواء العاقبة يجب أن يستصحبه كل أحد، واللهج بالدعاء بحسن الخاتمة ينبغي أن يكون ديدن كل مسلم، وكان سلف على الأمة على وجل عظيم من سوء الخاتمة، وما قالوا والله الرسول يقول: فيما يبدو للناس، واحنا لا محنا، نحن هذا ليس وصف لنا، احنا نعمل من قلب وإخلاص، لا هذه تزكية للنفس، هو ما يدريك أن يزل بك قدمك في آخر لحظة، ما تدري أنه يختم لك فسلف هذه الأمة فيما يؤثر عنهم من نصوص كثيرة لم يقولوا بتقييد المطلق هنا، بل صاروا على وجل عظيم وخجل شديد من سوء العاقبة، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم لا سيما من عنده شيء من العلم؛ لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، وكثيراً ما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))، فيسأل الله الثبات في كل لحظة من لحظاته، ويسأل الله -جل وعلا- أن يحسن له الخاتمة، وأن يستعمله فيما يرضيه، هو لا يعتمد على مثل الرواية المقيدة، ويزكي نفسه يقول: أنا أعمل مخلص، وظاهري مثل باطني هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن هذا اغترار، وإعجاب بالنفس، إعجاب بالنفس. والعجب فاحذره إن العجب مجترف ... أعمال صاحبه في سيله العرم

فالإنسان مع الإحسان عليه أن يخاف وهذه حال السلف، وابن أبي ملكية يقول: أدركت ثلاثين يعني -من الصحابة- كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما يقول أنا صحابي، ما يقول: أنا صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- أنا مضمون، لا، حتى البدري منهم ما يقول هذا الكلام، أدركت ثلاثين كلهم يخاف النفاق على نفسه، فالسعيد من جمع بين حسن العمل وإساءة الظن بنفسه وإحسان الظن بربه {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [(60) سورة المؤمنون] خائفة، تقول عائشة: أهم الذين يزنون، أهم الذين يشربون، أهم الذين يسرقون، قال: ((لا، يا ابنة الصديق، هم الذين يصلون ويتصدقون ويصومون ويخافون ألا تقبل منهم عباداتهم))، فعلى الإنسان أن يكون خائفاً وجلاً، لأنه ما يدريه، الإنسان يطمئن أنه يرتاح لهذا العمل، ثم يتحقق فيه يوم القيامة {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] واحد يعلم الناس الخير، وأنت أنه وين مع النبيين والصديقين، وفي النهاية يكون في نفسه ليقال، فيكون من أول من تسعر بهم النار؛ لأن الميزان دقيق يعني هفوة يسيرة في القصد، في الإخلاص، يزل ينتهي -والله المستعان-. اللهم صلى على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: هل في قول النبي صلى الله -عليه الصلاة والسلام- لابن عباس ((اللهم فقه في الدين، وعلمه التأويل)) دلالة على أنه أعلم العبادلة الأربعة، وكذلك في إدخال عمر له مع أهل بدر؟

لاشك أن لابن عباس منزلة عظيمة بين الصحابة في العلم والعمل، واستجاب الله -عز وجل- دعوة نبيه في تعليمه الكتاب: ((اللهم علمه الكتاب، وفقه في الدين))، ((اللهم علمه الحكمة)) دعوات استجيبت، وظهرت أثارها في حياة ابن عباس، التي طالت بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-عاش بعده ما يقرب من ستين سنة يبلغ الدين، يبلغ ما سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويشرح للناس، ويفسر لهم كلام رب العالمين، ويفتيهم، ويبين لهم الحلال والحرام فأثر الدعوة ظاهر، لكن قد يكون أعلم العبادلة من جهة، وغيره أعلم من جهة، وغيره أعلم من جهة، المقصود أن التفضيل لا من جهة لا يقتضي التفضيل المطلق، التفضيل من جهة لا يقتضى التفضيل المطلق، وعمر -رضي الله عنه- كان يدخل ابن عباس وهو صغير السن مع الأشياخ، مع الكبار من الصحابة، مع أهل بدر فوجد الصحابة في أنفسهم؛ لأن لهم أولاد، لهم أولاد في سن ابن عباس، لماذا لا يدخلهم معهم؟ فأراد أن يبين فضل ابن عباس فطرح سؤال عن معنى {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [(1) سورة النصر]، ففسرها كل واحد بما يظهر من معناها، فقال: ما تقول: يا ابن عباس، قال: هذا نعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى نفسه، يعني إذا وجدت هذه الغاية فسبح أكثر من التسبيح والاستغفار؛ لأن المسألة قربت، والرحيل أزف، فهو نعي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال عمر: أنا والله ما أفهم إلا كما يفهم هذا -ابن عباس-. يقول: إذا دخلت المسجد وأردت أن أشرب قبل تحية المسجد، فهل أشرب وأنا واقف، أم أجلس وأشرب ثم أصلي؟ أولاً: الشرب قائماً جاء النهي عنه والتشديد في أمره حتى جاء ((من شرب قائماً فليق))، ثم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب من زمزم وهو قائم، وشرب من شن معلق وهو قائم، فدل على أن النهي إما منسوخ كما يقول بعض أهل العلم، أو مصروفاً من التحريم إلى الكراهة، وحينئذ لو شرب قائماً أو أدى الركعتين ثم شرب أولى. يقول: امرأة وجب عليها الحج، ولكن لم يأذن لها زوجها فهل تقضي، أو فهل تمضي في حج فرضيتها؟ نعم، عليها أن تمضي، لكن لا يلزمها أن يحج معها، إذا وجدت محرماً لغيره تمضي في فرضيتها، ولا تلتفت إلى نهيه.

يقول: كيف يجمع طالب العلم بين طلبه للعلم والعبادة والدعوة، خصوصاً في زمن كثرة فيه الحاجة للدعوة بين كثير من طلبة العلم زهدوا في الدعوة، ونشط أهل الباطل في الدعوة إلى باطلهم؟ على كل حال الأصل العلم، العلم، ثم عليه أن يبلغ ما تعلم، وعليه أن يأمر بما يعرفه من معروف، وينهى عما يعرفه من منكر، بالأساليب المجدية المحققة للمصلحة التي لا تترتب عليها المفسدة، وعليه أن يجمع ويضرب من أبواب الخير بسهم في كل مجال، عليه أن يتعلم، يحضر الدروس، ويقرأ في بيته، ويحضر للدروس، وعليه أن يؤدي الصلوات مع الجماعة، وعليه أن يأتي بالرواتب، وعليه أن يجعل له نصيب من قراءة القرءان والأذكار، ويصلى على الأموات، ويزور المرضى، ويزور القبور، ويعين الملهوف، ويصل الرحم عليه أن يضرب من هذه الأبواب بسهم وافر، والعمر يستوعب، العمر يستوعب، العمر فيه بركة لمن أراد أن يستغله. يقول: ما هي المتون التي يجب على طالب العلم حفظها؟ ميمية الحكمي أين هي هل مطبوعة، وفيما هي؟ أما بالنسبة لما يجب على طالب العلم حفظه، فعليه أن يعنى بحفظ كتاب الله -جل وعلا-، وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وأيضاً ما يعينه على فهم الوحيين من الفنون المعروفة عند أهل العلم، التي فيها رتبة الكتب على طبقات المتعلمين المبتدئين المتوسطين المنتهين وهكذا، على الجادة المعروفة عند أهل العلم، ويأخذ العلم عن أهله الثقات؛ لأن هذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك، ميمية الحكمي في الوصايا والآداب العلمية مطبوعة ضمن المجموع، في شيء اسمه: "المجموع" للشيخ حافظ الحكمي فيه مجموعة متون، فيه السبل السوية، وفيه الأسئلة والأجوبة في العقيدة، وفيه أيضاً القصيدة الميمية، وفيه أيضاً اللؤلؤ المكنون، وفيه نظم أصول الفقه مجموعة للشيخ حافظ، طبع أول ما طبع في حياة المؤلف على نفقة الملك سعود في مطابع الحكومة، ثم طبع مراراً. بعض العلماء يقول: إن قول: السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة لا يصح راوية عن عمر، ولا رواية من حيث أن قدرة الله -عز وجل- شاملة ومشيئة ... ؟

هذا هو الأصل، الأصل السنة الكونية جرت بهذا أنها لا تمطر ذهباً ولا فضة، كون هذه السنة تخرق مثلاً لداود -عليه السلام- فيتنزل عليه جراد من ذهب هذا ما فيه إشكال، هذا خرق للسنة الإلهية، أما السنة الإلهية التي لا تتغير ولا تتبدل معروفة، السماء لا تمطر ذهباً ولا كلام صحيح، القدرة الإلهية صالحة لكل شيء، يعني الذي أوجد الأكل عند مريم، وأوجده أيضاً كرامة لبعض أولائه ما في ما يمنع، لكن مع ذلك تبقى السنن الإلهية هي الأصل، والله ما تقول أجلس في المحراب من أجل أن يأتيك رزقك وأنت جالس، الله قادر على ذلك، نعم الله قادر على ذلك، لكن هل عاقل من يجلس في بيته، ويقول: إن الطعام بيجي؟ في النهاية يموت من الجوع، لا لا، وإذا ادعى ذلك فهو اغترار وتزكية لنفسه أنه ممن يستحق هذه الكرامة، فالكلام من حيث هو في الجملة في السنة المطردة الإلهية كلام صحيح -السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة-. من حيث أن قدرة الله -عز وجل- شاملة، ومشيئته نافذة، ولا يتعاظمه شيء أعطاه لعبده، وقد يرزق عبده من حيث لا يحتسب؟ كل هذا الكلام صحيح، لكن ما فيه معارضة ولا مناقضة للسنة الإلهية. يقول: هل ورد عن الصحابة -رضوان الله عليهم- وعن التابعين أنهم كانوا يجيزون الاستمناء، وبعضهم كان يفعل ذلك، وماذا ننصح من لا يستطيع أن يتخلص من ذلك؟

أولاً: آية سورة المؤمنون والمعارج فيها دلالة ظاهرة فيما استدل به أهل لعلم على تحريم الاستمناء، وحديث: ((فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) أيضاً استدل به أهل العلم على التحريم، ويذكر عن بعض الصحابة، وبعض التابعين أنهم كانوا يأمرون به في المغازي، يعني خشية من الوقوع في المحرم؛ لأن المغازي التحام بين مسلمين وكفار وقد يتعرض الإنسان لفتنة فيحتاج إلى شيء من ذلك، ولا شك أن ارتكاب أخف الضررين هذا إن صح؛ لأنه نقل ولا أدري عن صحته، هذا نقل ولا أدري عن صحته، على كل حال إن صح فباب ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، فلو أن شاباً أو شابة رأى ما يثير شهوته ولم يستطع التغافل عنها، مع أنه يحرم عليه أن يعرض نفسه لمثل هذه الفتن، ما استطاع أن يسكن هذه الشهوة إلا باستخراج المني بهذه الطريقة، فارتكاب أخف الضررين أمر مقرر شرعاً، ولا يعني أنه مباح، يعني إذا استعمله فمع التأثم، ويرجى أن يعفو الله عنه؛ لأنه دفع بذلك ما هو أعظم. يقول: أنتشر في هذا الزمان الاجتماع للعزاء، والتكلف لهذا الاجتماع بالسجاد، والإنارة، والجلوس من قبل المعزين، وشرب القهوة، وتحديد الوقت بثلاث ليالي فقط، السؤال أليس هذا الأمر مخالف للسنة؟ الصحابي يقول: كنا نعد الاجتماع وصنع الطعام، الاجتماع وصنع الطعام من النياحة، يعني إذا اجتمع الأمران فهو نياحة، فالعلة مركبة من أمرين لا تتحقق إلا باجتماعهما، ومن اجتمع من ذوي الميت من أجل بنية التخفيف على المعزي، يعني افترضنا في بلد كبير مثل الرياض، واحد من الأولاد بالشفاء، والثاني بالعلية، والثالث بالنظيم، والرابع بالدخل محدود، لاشك أنهم عليهم مشقة عظيمة من هذه المشاوير الطويلة، لو اجتمعوا في بيت أحدهم فمشايخنا يفتون بجوازه على ألا يصنع الطعام، كونهم يصنع لهم الطعام، كونهم يصنع لهم الطعام، لا يصنعون الطعام وإنما يصنع لهم، فالأصل في ذلك أصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد جاءهم ما يشغلهم. يقول: بماذا يدعى الخلائق يوم القيامة بأسماء آبائهم أو بأمهاتهم؟

هم يدعون بالأسماء التي عرفوا بها في الدنيا، والمسلم يدعى بأحب الأسماء إليه، يدعى بأحب الأسماء إليه، والأصل أن يدعى بما عرف به، واشتهر به، ويدعون أيضا بأئمتهم {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [(71) سورة الإسراء] من قال: إن الإمام جمع أم هذا ليس بصحيح إنما يدعون بالأئمة، وليس المراد بالأئمة الذين يدعى لهم العصمة، ويصرف لهم أنواع العبادة التي لا تصرف إلا لله -جل وعلا-، لا، إنما كل إنسان يتبع إمامه، يبتع إمامه، إن كان على حق أو على باطل. من قال: إن الناس يدعون بأمهاتهم دون أبائهم استدل بالآية، والإمام معروف ليس المراد به الأم، يستدلون أو يوجهون هذا القول بإظهار تكريم عيسى بن مريم أنه يدعى بأمه، وأيضاً الستر على أولاد الزنا الذين ليس لهم أباء، وكل هذا في مقابل النصوص، ولا يقوى على معارضة النصوص، فالأصل أن يدعى الإنسان بأبيه {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [(5) سورة الأحزاب]. يقول: ذكرتم في الدرس الأول حديث: ((لا تفضلوا الأنبياء بعضهم على بعض))، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-، وقلتم أنه يعمل هذا النهي على إذا كان للتنقص من المفضول عليه، فما الحامل على هذا؟ لماذا لا يكون النهي على الحقيقة أي عدم المفاضلة مطلقاً؟ طيب التفضيل جاء في النص القطعي في القرءان {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة] ((أنا سيد ولد آدم))، هذا مو بتفضيل، هو أفضل الخلق أجمعين على الإطلاق وبالإجماع، لماذا نحمله على حقيقته؟ على كل حال هذا الكلام ليس بصحيح، التفضيل موجود ومنصوص عليه في النصوص القطعية، ولكن إذا تضمن التفضيل تنقص فإنه يكف عنه؛ لا تفضلوا بين الأنبياء. يقول: هل استدبار الكعبة جهلاً في طواف الوادع، أو طواف الوداع يؤثر في صحة الطواف أم لا، مع أنه قد مر بي ستة أشهر من أحج؟ لعله يقصد طواف الإفاضة؛ لأنه قال: طواف الوداع، أو طواف الوادع كأنه يقصد طواف الإفاضة، أو طواف الوداع، على كل حال إذا كان الطواف طواف الإفاضة، الذي هو ركن من أركان الحج لا بد من إعادته، ولو مر عليك ستة أشهر. كيف يتخلص طالب العلم من كثرة النوم؟

عليه أن يعالج، أولاً يعالج نفسه بنفسه، تنشط، يستعمل ما يعينه من وضوء، ومن غسل لوجهه، يغسل النوم من وجهه، ويشرب من المنبهات ما يعينه على الاستيقاظ، المنبهات المباحة مثل: القهوة، والشاهي، وما أشبه ذلك إلا ما يستطيع يعرض نفسه على الأطباء. وهذا يسأل، عن بعض الكتب وطبعاتها؟ وهذه بينت في أكثر من مناسبة، ولها مناسباتها في الأشرطة وغيرها، وذكر بعضها في بعض المواقع فلا داعي لأن نعيدها. يقول: نتمنى أن نرى شيخنا في قناة المجد؟ إن كان القصد تتمنى أن تسمع من العلم ما ينفعك فهو موجود -الدروس الصوتية موجود-، والصورة لا خير فيها. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح الأربعين النووية (5)

شرح الأربعين النووية (5) حديث ((إبطال المنكرات والبدع)) الشيخ / عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من أفطر يوماً من رمضان هل تلزمه الكفارة؟ إن كان عالماً بالتحريم وعالماً بأنه مفطر هذا ارتكب أمراً عظيماً ((من أفطر يوماً من رمضان -يعني متعمداً- لم يقضه صيام الدهر وإن صامه)) الأمر عظيم، والإخلال بهذا الركن من أركان الإسلام موبقة من الموبقات، لكن الكفارة لا تلزم إلا بالجماع، يلزمه القضاء دون الكفارة. يقول: نسأل الله السلامة والعافية، كثر في هذا الزمان الزنا في بلاد الإسلام، فهل الولد الناشئ عن الزنا بين الشاب وصديقته يلحق بالرجل، خاصة إذا علم أن هذا الابن منه؟ لا لا يلحق به الولد للفراش، وللعاهر الحجر، لا يلحق به. يقول: هل يطلب العلم عند الشيخ الصالح مع قلة علمه؟ أما مع شيخ قليل الصلاح كثير العلم؟ لا شك أن العلم هو ما نفع، والعلم الذي لا ينفع صاحبه لا يستحق أن يسمى علماً -وهو في الحقيقة جهل-، فالعالم العامل هو الذي يستمسك بغرزه ويقتدي به، وإن كان أقل علماً من غيره، هذا بالنسبة إذا كان المراد بقلة الصلاح هنا يعني -ضعف الاستقامة بارتكاب بعض المحرمات، وترك بعض الواجبات-، هذا لا يطلب عنده العلم؛ لأنه ليس بكفء أن يسمى عالماً فغيره أولى منه وإن كان أقل منه علماً، وأما إذا كان المراد بقلة الصلاح يعني -قلة العمل في النوافل، والأخر أكثر منه عملاً بالنوافل-، فلا شك أن العلم هو الذي يدل على العمل، ومع ذلك إذا كان الخلل في النوافل فهذا لا يضر -إن شاء الله تعالى-. يقول: شخص مستواه العلمي الثالث الثانوي يريد التقدم إلى وظيفة مؤذن، مع أنهم يشترطون مستوى المتوسطة؟ الآن مستواه العلمي الثالث الثانوي يريد التقدم إلى وظيفة مؤذن، مع العلم أنهم يشترطون مستوى المتوسط، السؤال يريد أن يقدم لهم شهادته المتوسطة فقط، فهل هذا جائز مع أنهم لو علموا أنه في مستواه الثانوي يرفضون؟

إحنا الذي نعرف أنه أقل ما يطلب لهذا المستوى المتوسط، وأما الأعلى فلا حد له، وهناك عدد من الخريجين من الجامعات، من الكليات الشرعية يؤذنون بوظائف رسمية من قبل المسئولين ما في إشكال، لكن كان فهم أن اشتراطهم للكفاءة المتوسطة ينفي ما عدا هذا ليس بصحيح فيما نعلم، إن كان هناك أنظمة جديدة، الله اعلم. ما ضابط كون الشخص تلميذاً لشيخه، وهل حضور الدورات والدراسات الجامعية تخوله أن يقول: قال شيخي؟ نعم، يقول: قال شيخي فيما سمعه منه. يقول: تكلم البعض في صحة الحديث الذي ذكرتموه ((من أفطر في نهار رمضان لم يجزه صيام الدهر ولو صامه))؟ لا شك أن الكلام فيه ظاهر لأهل العلم، لكن أقل أحواله الحسن وإلا فهو مضعف من قبل جمع من أهل العلم. هل تجوز سنة الفجر بعد صلاة الفجر، وما حكم سنة الفجر؟ سنة الفجر سنة مؤكدة لا تترك سفراً ولا حضراً كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يداوم عليها، وإذا فاتت، فإذا فات فعلها قبل الصلاة تصلى بعد الصلاة، تصلى بعد الصلاة، ورأى النبي من يصلي بعد الصبح قال: ((الصبح أربعاً؟ )) قال: لا إنه لم يصلي الركعتين، فأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو أخرها إلى أن يرتفع وقت النهي وترتفع الشمس لا بأس -إن شاء الله-. يقول: ما حكم جلسة الاستراحة في الصلاة؟ حكمها سنة مطلقا؛ لأنه ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومن قوله، ففي بعض طرق حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءت في بعض الطرق: "وعلمها النبي -عليه الصلاة والسلام- المسيء لصلاته فهي سنة مطلقاً، وأما من يقول: إنها عند الحاجة، فأقول الحاجة داعية إلى تركها لا إلى فعلها لأنها زيادة عبء، المحتاج المريض الثقيل كبير السن الذي يوصى بتركها عند من يقول بأنها، الذي يقال له أفعل هذه الحاجة دائماً، يقول: لا الحاجة تدعو إلى تركها، ولذا مريض الرمتيز، والثقيل، وكبير السن، ترونهم يفضلون القيام من السجود إلى القيام مباشرة؛ لأن ثني الركبة صعب عليهم، فالترك أدعى مع الحاجة إلى الفعل، وما دام ثبتت من قوله وفعله -عليه الصلاة والسلام- فلا كلام لأحد.

يقول: وما الجواب عن اعتراض أن الصحابة لم يكونوا يرفعون من السجود حتى يسمعون تكبير النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجلسة الاستراحة تكون قبل التكبير؟ نعم إذا سمعوا التكبير قاموا، وثنوا الرجل، وجلسوا جلسة خفيفة، وتبعوه، وهذا لا يؤثر في الإقتداء. بعضهم يقول: إذا كان الإمام لا يرى جلسة الاستراحة أليس هذا من المخالفة؟ أولاً: أنت لا تدري في، هل الإمام جلس وإلا ما جلس؟ فقد تتركها والإمام يراها، وقد تفعلها والإمام لا يراها، والمعول في ذلك على النص، يفترض أن الإمام لا يرفع يديه عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، ما ترفع يديك تقول: مخالفة للإمام لا، العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول: ما رأيك فيمن يقول: إن من حفظ ألفية العراقي فقد أضاع وقته؟ وأيهما أفضل فقط ألفية العراقي، أو ألفية ابن مالك؟ أما من تسعفه الحافظة حافظته قوية، هذا يحفظ يحفظ من المتون ما يعينه على فهم الفنون، واستمرار ضبطها، وألفية العراقي من خير ما يحفظ إذا اتجهت همة طالب العلم إلى الحفظ، وأما ألفية ابن مالك فهي أيضاً في غاية الأهمية لطالب العلم، في غاية الأهمية لطالب العلم، وكلاهما سوى، هذا يقرر علوم الحديث ومصطلح الحديث، وهذا يقرر قواعد العربية كلها يعني -ما فيه تنافر ولا تناقض-، لكن إذا كانت الحافظة لا تسعف فليعتني بما هو أصغر من هاذين الكتابين. يقول: بعض طلاب المدارس يحتاج لبعض الدرجات عند المراجعة النهائية، كخمس درجات، أو أربع درجات حتى ينجح، ولو لم يأخذ هذا الدرجات يرسب، وقد يعيد السنة، فهل تجوز الزيادة له في هذه الحالة؟

إذا كان هناك نظام يتيح مثل هذه الزيادة فهذا لا إشكال فيه، هذا لا إشكال، وإن لم يكن هناك نظام فلا تجوز الزيادة لأحد دون أحد، والخمس في تقديري كثيرة -يعني ثلاث ممكنة-، أما خمس فهي كثيرة، وجرت العادة عندنا في جامعة الإمام أنه إذا كان الطالب يتضرر ضرراً بالغاً بالرسوب من أجل ثلاث درجات يزاد، لكن خمس ما أعرف أنه يزاد خمس، وأنا عندي أيضاً أنه لا يزاد طالب دون أخر ولو كان محتاجاً، فإذا زدنا طالب في مقرر من المقررات ثلاث درجات، علينا أن نزيد الجميع لماذا؟ لأن هذا الطالب الذي زيد ثلاث درجات، والطالب الذي ما زيد ثلاث درجات، وقد يكون أكثر منه بدرجتين يكون هذا الذي الطالب الذي زيد ثلاث درجات يكون أكثر منه، وهذا له أثر في التقدير، وقد يكون يحتاج إلى شيء يسير ليرتقي عن تقديره إلى الذي فوقه، فالعدل مطلوب فإذا زيد طالب زاد جميع الطلاب. يقول: هل تنصح بحفظ متون الفقه كزاد المستقنع؟ ذكرنا مراراً أن الطالب إذا كانت حفظته قوية لا يكلفه الحفظ، يعني الحفظ لا يكلفه -بمعنى أنه يستطيع أن يحفظ الكتاب في مدة وجيزة- فلا علم إلا بحفظ، وإذا كان الحفظ يشق عليه بحيث يعوقه حفظ الزاد عن حفظ أكبر قدر من الأحاديث التي عليها المعول في التفقه، فهذا يقدم حفظ الأحاديث، ويعنى بدراسة كتاب الزاد على طريقة شرحناها مراراً في كيفية التفقه. يقول: جاءنا الترمذي بجامعه في كتابه: "المناقب" أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صعد على جبل حراء هو وعدد من الصحابة، وقد قرر شيخ الإسلام في الفتوى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصعد، لم يصعد على جبل حراء من بعد هجرته؟ يعني يحتمل أن يكون صعوده قبل الهجرة، ولا تنافي بين ما قرره شيخ الإسلام وما جاء عند الترمذي. يقول: هل نقول للذي يجتهد في طلب العلم، لكن لا يستطيع أن يفهم المسائل التي يدرسها بسهولة بأن الله تعالى لم يرد به خيراً لحديث ابن عباس: ((من يرد الله به خيرا يفقه في الدين))، حديث معاوية في الصحيح، من حديث ابن عباس؟

لا شك أن الفهم والحفظ من مواهب الله -جل وعلا- لعباده، وليست نعمة مطلقاً كسائر النعم الظاهرة كالبصر والسمع وغيرها، فليست نعم مطلقاً إنما إذا استعملت فيما يرضي الله -جل وعلا- صارت نعمة وإلا فقد تكون نقمة، قد يحفظ ما يضره، قد يعاني فهم ما يضره أيضاً، لكن إذا استعمل هذه الحافظة، وهذا الحفظ، وهذا الفهم فيما يعينه، ويوصله إلى مرضات الله -جل وعلا-، ويحقق به الخيرية التي أشير إلى الحديث، وموهبة من الله -جل وعلا-، لكن الذي لا يوجد لديه الفهم، أو الحفظ المطلوب لنيل العلم بسرعة ويسر وسهولة، إذا كان يشق عليه الفهم، ويشق عليه الحفظ هذا من الله -جل وعلا-، لكن عليه أن يجاهد نفسه، ويتابع، ولا ييأس، ولا يقنط فجاء في الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق هذا له أجران، والماهر به مع السفرة الكرام البررة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. فالذي فهمه فيه عسر عليه أن يحاول، ويكرر، يراجع الشروح والحواشي، ويسأل عما يشكل عليه الشيوخ، ويلازم الدروس ويدرك -إن شاء الله تعالى-، أما كونه لم يرد به الله خيراً ما دام بذل السبب هذا أراد الله به خيراً، ما دام بذل السبب وليس على الإنسان إلا بذل السبب، وأما النتائج فبيد -الله تعالى-، بإذن الله -جل وعلا- ليس بيده أن يكون عالماً، ليس بيده أن يكون فقيهاً، ليس بيده أن يكون إماماً، لا هذا ليس بيده، لكن إذا بذل ما يستطيع من سبب لا يلام، وحديث: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) هل مفهومه أن الذي لا يتفقه في الدين أراد الله به شراً؟ لا، لم يرد الله به خيراً، لأن الخير والشر ليسا بنقيضين، وإنما هما ضدان نعم لا يجتمعان، لكن قد يرتفعان، فهذا شخص عنده الأموال، وعنده نصيب من التعبد والإنفاق في سبيل الله، لكنه عامي لا يقرأ، ولا يكتب، نقول: هذا أراد الله به شراً لا، هذا أريد به خيراً من جهة، ولم يرد به خيراً من جهة. هذا سؤال يقول: هل يجوز إمامة المتنفل بالمفترض حديث معاذ، وأنه يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم العشاء؟

دليل من أجاز ذلك وإن كان المعروف عند الحنابلة لا يجوز، لكن اختيار شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم أنه يجوز وقصة معاذ دليل على ذلك. وعند أبي العباس ذلك جائز ... لفعل معاذ مع صحابة أحمد صلي بهم نفل وهم ذو فريضة ... وكان قد صلى الفرض خلف محمد سم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: وعن أم المؤمنين، أم عبد الله عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الخامس: "عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة -رضي الله عنها-"، "أم المؤمنين" هذا لقب، أو كنية لأمهات المؤمنين زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- اللواتي دخل بهنّ، لا من عقد عليها ولم يدخل بها، ولا من خطبها ولم يعقد عليها، إنما أزواجه اللواتي دخل بهن وهن أمهات المؤمنين، وهل هن أمهات للمؤمنات؟ فيه خلاف، وقد جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أنا أمهات للمؤمنين، ولسنا بأمهات للمؤمنات" لكنه ضعيف ضعيف، والصواب أنهن أمهات للمؤمنين والمؤمنات تبع يعني -النساء يدخلن في خطاب الرجل-، ومريم كانت من القانتين، كانت من القانتين، فهن داخلات في المؤمنين، وهل يقال للنبي -عليه الصلاة والسلام- أبو المؤمنين؟ أيضاً خلاف {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [(40) سورة الأحزاب]، ولكن المقصود بذلك أبوة التبني بعد إلغائه، وأما في الاحترام والتعظيم والتقدير فهذا ثابت له، ((وأنا كالوالد لكم)) كما جاء في بعض الأحاديث، "أم عبد الله عائشة -رضي الله عنها-" "عائشة" لم يولد لها، وإن قال بعضهم: إنها أسقطت، لكن لم يثبت ذلك وليس لها ولد، وأولاده -عليه الصلاة والسلام- كلهم من خديجة، وإبراهيم من مارية القبطية، وكنية أم المؤمنين بأم عبد الله بولد أختها عبد الله بن الزبير كناها به النبي -عليه الصلاة والسلام-، عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، ((من أحدث)) يعني ابتدع، اخترع شيئاً لم يسبق له شرعية، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة فهذا محدث هذا مبتدع، فالإحداث والابتداع في الدين، يعني أبتداع واختراع ما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، ((في أمرنا هذا)) يعني في الدين لا في أمور الدنيا، فأمور الدنيا لا يدخلها الابتداع، إنما الابتداع خاص بأمور الدين التي يتعبد بها ((هذا ما ليس منه))، يعني ما ليس من ديننا الذي دل عليه الدليل من الكتاب، أو السنة، أو شملته القواعد العامة التي أخذت واستنبطت من النصوص، ((فهو رد)) رد مصدر يعني مردود، رد يعني مردود.

المصدر يأتي ويراد به اسم المفعول كالحمل يراد به المحمول، فكل من عمل شيئاً مما يتعبد به، ويتقرب به إلى الله -جل وعلا- فهو مردود عليه وهو آثم به، والرواية الأولى خاصة بمن يبتدئ العمل، والراوية الثانية رواية مسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) ولو سبق إليه، ولو سبق إليه فالرواية الأولى في رؤوس البدع الذين يخترعونها، والرواية الثانية شاملة لهم ولأتباعهم، فالذي يعمل البدعة المتوارثة من قرون يقول: ما أحدثت، من أحدث في أمرنا، أنا ما أحدثت عند شيوخنا، أو في كتبهم يعملون به من غير نكير، أنا ما أحدثت فلا أدخل في الحديث نقول: تدخل في الرواية الأخرى: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، ومقتضى الحديث ذم البدع كبيرها وصغيرها، والبدع أنواع: منها: البدع المغلظة. منها: البدع المكفرة المخرجة عن الملة. ومنها: البدع الغليظة الكبرى وإن كانت لا تخرج عن الملة. ومنها: البدع الصغرى وقد بينها الحافظ الذهبي في أوائل كتاب: "الميزان في ترجمة أبان بن تغلب" ذكر البدع الكبرى والبدع الصغرى. فهذا الذي أحدث في الدين ما ليس منه فهو مبتدع، والبدع شر من الذنوب والمعاصي التي يعترف مرتكبها بالمخالفة؛ لأن هذا المبتدع يتدين بهذا، ويظن أنه يحسن صنعاً ومع ذلك هو خاسر عامل ناصب، عامل في الدنيا وخاسر في الآخرة -نسأل الله العافية-. فعلى المسلم لا سيما طالب العلم الذي يعرف من النصوص ما يغنيه مما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذه البدع والمبتدعات، وألا يعبد الله إلا بما شرع، هذا مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته بما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، ويوصي سلف هذه الأمة العمل بالأثر، والاقتصار على الخبر"من استطاع منكم أن لا يحك رأسه إلا بأثر فليفعل، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع"، والدين ولله الحمد أكمل في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس بحاجة إلى مزيد {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمٌْ} [(3) سورة المائدة]، فالذي يبتدع في دين الله ما ليس منه لازم بدعته أنه يرى أن الدين ناقص، وهو يكمله بهذه البدعة.

ولاشك أن الابتداع كما هو نقص في الدين نقص في العقل، إذ كيف يشعر المرء نفسه بما لا يعود عليه نفعه في دنياه ولا في أخرته؟ ولا شك أن الاشتغال بالبدع على حساب السنن، فما أوحي بدعة إلا على حساب سنة، وجرب نفسك إذا اشتغلت بذكر لا أصل له، أو دليله ضعيف لا يثبت به، أختبر نفسك حاول أن تحفظ ذكراً صحيحاً سوف يصعب عليك جداً أن تحفظ من الأذكار الصحيحة وأنت مشتغل بالأذكار التي لا أصل لها، وحاول أن تعمل عملاً ثبت بالدليل الصحيح وأنت منشغل بعمل بما لا يثبت دليله، ولا شك أن هذا على حساب هذا، وكل ما بعد الإنسان على العمل الصحيح الثابت في الكتاب والسنة لا شك أنه يشغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه في الدنيا ولا في الآخرة، وكما يقال: النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، ولا شك أن بعض الناس عندهم ميول إلى التعبد، فمثل هؤلاء عليهم أن ينشغلوا بما ثبت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتجدون في أقطار الأرض من يتعبد بأمور يعرف الصبيان والجهال أنها باطلة، فكيف خفيت عليهم؟ لأنهم عملوا بأمور أخف منها لكنها لا أصل لها، ثم عوقبوا بما هو أشد منها، ثم عوقبوا بما هو أشد منها إلى أن وقعوا في المضحكات، يعني يذكر في طبقات الشعراني وغيره، وكرامات الأولياء المزعومة التي ألفها النبهاني والنابلسي وغيرهما يذكرون أشياء لا يفعلها ولا المجانين ممن تعتقد فيه الولاية، وأما بالنسبة لما تفوهوا به من أقوال فشيء لا يخطر على البال، يعني يذكر عن بشر المريسي أنه يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل -نسأل الله العافية-، هذه البدع يجر بعضها إلى بعض، يعني مجرد ما تفارق الأدلة الصحيحة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- شيء يسير، لا شك أنك تستدرج إلى ما هو أعظم من ذلك.

ابن عربي يقول: ألا بذكر الله تزداد الذنوب، ألا بذكر الله تزداد الذنوب الله -جل وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد]، وهذا يقول: ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب، هذا كله سببه التساهل في أول الأمر، فليكن الإنسان حازماً في أمره، مقتدياً بنبيه -عليه الصلاة والسلام-، لا يفعل أي عمل يتدين به إلا بنص، ثم يبحث عن هذا النص هل يثبت أو لا يثبت؟ لان المبتدعة عندهم نصوص لكنها ضعيفة أو باطلة، فتجدهم ينشغلون بها، ويحرمون بركة العلم النافع والعمل الصالح فتجدهم من أجهل الناس بالعلم، ومن أضلهم في العمل، والمؤلفات في طبقاتهم، وطبقات من يدعى لهم الولاية كثيرة، وتجدون أشياء يعني في بعض كتب الطبقات وقفت على كلام، يقول: وكان -رضي الله عنه- مرتكباً لجميع المحرمات، لم يصم لله يوماً قط، ولم يسجد لله سجدة، يعني هل هذا الكلام يقوله عاقل، هذا كلام يصدر من عاقل؟ فمالك النسخة الأولى صاحبها الأول -جزاه الله خيراً-قال: إذا كان هذا -رضي الله عنه- فلعنة الله على من؟ ضلال، ضلال يعني شيء ما يخطر على البال، يمكن الذين وفدوا الآن من الإخوان، الذين جاؤا من الآفاق يمكن اطلعوا على أكثر مما نقول، وأكثر مما نعرف من واقعهم العملي، يعني ديدنهم الرقص والغناء، بعضهم عراة -نسأل الله العافية- كل هذا سببه شؤم المخالفة، وقد تبدأ هذه المخالفة بشيء يسير ثم يعاقب بما هو أعظم من ذلك، إلى أن يصل إلى ما وصل إليه من يقول: سبحان ربي الأسفل، سبحان ربي الأسفل -نسأل الله العافية-.

أو ابن عربي عندما يقول من الشعر الذي لا يقبله ولا المجانين والله المستعان، ومع ذلكم لا يستطيع بعض الناس في بعض الأقطار أن يتكلم فيهم بكلمة؛ لأنهم مقدسون، ويصرف لهم من العبادات ما لا يجوز صرفه إلا لله -جل وعلا-، يعني من نظر في كتب الرحلات مثلاً رحلة ابن بطوطة التي هي أشهر الرحلات على الإطلاق، يعني الأمثلة لما ينقض توحيد العبادة بجميع أبوابه التي ألفها عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- كتاب التوحيد، يقرأ في رحلة ابن بطوطة، يعني ما يرد على بلد إلا ويذهب على قبر ويطلب المدد، وإذا وصل إلى جبل صعده إلى أن يصل إلى مكان مسه قدم فلان أو علان، فالإنسان عليه أن يحمد الله -جل وعلا- على نعمة التوحيد التي ربط بها الأمن التام في الدنيا والآخرة {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام]، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور] يعني من يطلب الأمن ويخل بالتوحيد، أو يتساهل بأمور الشرك هذا متطلب في الماء جذوة نار ... . . . . . . . . . هذا غلط، هذا مناقض للسنة الإلهية، مخالف للنصوص الشرعية، فعلى المسلم أن يحقق التوحيد، وأن يخلصه من جميع شوائب الشرك صغيره وكبيره، والبدع كبيرها وصغيرها.

((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) العمل بما يخالف النص، قد يوجد من بعض الأئمة من يقول بقول والنص الصحيح بخلافه، وهذا كما قال شيخ الإسلام في إيش: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" يقول: احتمال أن النص لم يبلغه، أو فهم من النص ما لم يفهمه غيره، الفهوم متباينة ومختلفة، أو عنده ما يعارض هذا النص مما هو أقوى منه عنده، ولكن طالب العلم عليه أن يعمل بالراجح إذا تأهل لذلك، أو يسعى في بحث المسائل مع من تأهل لذلك، على كل حال يوجد الراجح والمرجوح وإن كان في اصطلاح بعض أهل العلم أن أي حكم، أو أي مسألة فيها مخالفة لدليل من أي وجه من الوجوه فهو بدعة، ولو عمل إنسان شخص عملاً مكروهاً في صلاة، أو في صيام، أو في حج، أو ما أشبه ذلك يقول ابتدع، هذا توسع في مفهوم البدعة، توسع في مفهوم البدعة، يعني لو ارتكب مكروهاً من مكروهات الصلاة، قالوا: هذا ابتدع، هذا صحيح أنه عمل عملاً ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا شك أن الأعمال الأصل أن يعمل بمثل ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))، لكن أجزاء الصلاة هل هي على درجة واحدة، هل يمكن أن يقول: الصلاة كلها أركان من التكبير إلى التسليم، وأي عمل نعمله الصلاة باطله؟ لأن مقتضى فهو رد أننا نبطل صلاته، يعني مقتضى قول من يقول: إن من عمل مكروهاً، أو محرماً في الصلاة أن صلاته باطلة مردودة، وهذا جاري على قواعد أهل الظاهر الذين يرون أن كل نهي يقتضي الفساد، كل نهي يقتضي الفساد، وجمهور أهل العلم يفرقون بين النواهي، فالنهي إذا عاد إلى ذات العبادة أو إلى شرطها اقتضى الفساد، لكن إذا عاد إلى أمر خارج يقتضي الفساد وإلا ما يقتضي؟ يعني لو صلى وعلى رأسه عمامة حرير على مذهب الظاهرية صلاته باطلة، وهو مبتدع في هذا؛ لأنه عمل عملاً ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل هذا الكلام يجري على قواعد أهل العلم؟ لا هذا الجهة منفكة، له أجر صلاته، وعليه إثم لبس الحرير، لكن لو عاد النهي إلى ذات المنهي عنه صلى صلاة منهياً عنها أصلاً، صلى في وقت نهي مغلظ مثلاً بدون سبب، أو صلت حائض، أو صلى جنب وهو يعرف ذلك، هذا صلاته مردودة. صام

يوم العيد هذا كله مردود؛ لأن النهي عاد إلى ذات المنهي عنه، وكذلك إذا عاد إلى الشرط الذي لا تصح إلا به، نعم هنا تبطل الصلاة، تبطل العبادة، يبطل العقد بهذا، لكن إذا عاد إلى أمر خارج فالجهة منفكة له أجر صلاته، وصلاته صحيحة، ولا ترد حينئذ ووزر عمله عليه، فإذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه فإن العمل يكون باطلاً، وما عدا ذلك إذا عاد إلى أمر خارج صلى وبيده خاتم ذهب، صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ صحيحة؛ لأنه لا يتقرب إلى الله بنفس العمل الذي نهي عنه، لكن إذ اتحدت الجهة، اتجه الأمر والنهي إلى شيء واحد نقول: باطل؛ لأن الله لا يتقرب إليه بما حرم، لكن إذا تقرب إليه بعمل صحيح، وشاب هذا العمل من جهة أخرى شيء محرم نقول: العمل صحيح والمحرم عليه أثمه. ((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد))، ((من أمرنا هذا)) هو الدين، ((وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط))؛ لأن هذا قد يقول: ((في أمرنا هذا)) الدين -يعني العبادات-، لا نقول هذا شامل للعبادات والمعاملات، إلا أن الأصل في العبادات الضيق، الأصل فيها الحظر، والأصل في المعاملات السعة، الأصل فيها الإباحة. والأطعمة يختلفون فيها منهم من يرى أن الأصل الإباحة، ومنهم من يرى أن الأصل الحظر، فمن العلماء من يقول: الحلال ما أحله الله، ومنهم من يقول: الحرام ما حرمه الله، عرفنا أن الأصل في العبادات الحظر -المنع- ألا يعبد الله -جل وعلا- ولا يتقرب إليه بشيء من العبادات إلا بما شرعه، المعاملات وأمور الدنيا الأصل فيها الإباحة، ويبقى أن هناك ممنوعات بالشرع من هذه المعاملات.

الأطعمة محل خلاف بين أهل العلم منهم من يقول: الحرام ما حرمه الله، ومنهم من يقول: الحلال ما أحله الله، وقد يقول قائل: هل هناك فرق بين الجملتين، فيه أحد يقول: الحلال ما حرمه الله، والحرام ما أحله، لا، إذاً ما معنى الحلال ما أحله الله على قول، والحرام ما حرمه الله على قول، الذي يقول: الحلال ما أحله الله، يرى أن الأصل الحظر -المنع- فلا تأكل إلا بنص، ومن يقول الحرام ما حرمه الله الأصل عنده الإباحة فكل ما لم تجد نص يمنعه، وأنت في رحلة تتنزه فيها مع أهلك، ومع أصحابك، وجدت نبات أعجبك لونه، رائحته، فقلت: أجرب آكل منه، هل يصلح أولا يصلح؟ هل نقول تحتاج إلى دليل يبيح لك أكل هذا النبات، كل على أصله، كل على أصله فالذي يقول: الحلال ما أحله الله لا تأكل إلا بدليل يبيح، والذي يقول: الحرام ما حرم الله يقول كل، ومثل هذا في الحيوانات والطيور واللحوم وسائر. . . . . . . . .، احد يقول الحرام ما حرم الله، كل حتى يرد الدليل الذي يحرمه، والثاني يقول: لا لا تأكل حتى تجد دليل يبيحه لك، ويختلفون في كثير من الأطعمة أهل العلم، وكل على مذهبه في هذه، يبقى أن ما حرم بالنص هذا أمر متفق عليه، متفق عليه الذي حرم بالنص أو أبيح بالنص هذا لا إشكال فيه، لكن ما لم يدل دليل على إباحته، ولا على حرمته، كل يستصحب أصله في ذلك، فمثال ضربناه مراراً ويباع عند العطارين، يباع عند العطارين شيء يسمونه السقنقور، يقولون: إن فيه علاج، ويدعى فيه ما يدعى من أجل أن يسوق، على كل حال هل يجوز أكله أو لا يجوز؟ هو ليس فيه نص، هو معروف السقنقور -دويبة تشبه الوزق تعيش في الصحاري-؟ طالب. . . . . . . . .

لا، لا صغير صغير في حجمه بقدر الوزقة، وهو أملس، وأكثر ما يكون في الرمال يندس في الرمل ويخرج من جهة ثانية، كثير من الناس يأكله، السقنقور الذي ذكره في حياة الحيوان، يقول: إنه يوجد في دمياط، وفي الهند، وطولوه مدري قال: ثلاثة أشبار، أو أربعة أشبار قريب من المتر، لا ليس هذا هو، ليس هذا هو المعني، على كل حال السقنقور الذي يباع الآن في الأسواق، ويذكر على أساس أنه علاج هو مشبه للوزق من جهة، وأيضاً عيشته تشبه الضب من جهة، فهل يستعمل فيه قياس الشبه فيلحق بأقربهما، أو نقول كل على أصله. الذي يقول: الأصل الحل يأكل حتى يمنع بدليل، والذي يقول: الأصل الحظر لا يأكل إلا بدليل، وأيهما أقرب إلى الورع؟ لأن هذا يكون دخوله في الحديث الثاني من المشبهات، أو المشتبهات، تأتي الإشارة إلى شيء من هذا، على كل حال الورع ألا يأكل الإنسان إلا بدليل، إلا عاد إذا أشرف على هلاك في حال تباح له الميتة فمثل هذا أولى وأسهل. ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) يعني مردود عليه، ((في أمرنا هذا)) يدل على أن أمور الدنيا والتوسع فيها ليس من هذا الباب، وإن كان دخول التوسع فيها على ما سيأتي في الحديث الذي يليه من باب الورع، وأن التوسع يجره إلى ما ورآه، التوسع في المباحات يجر إلى ارتكاب المكروهات، والمشتبهات، ثم الجرأة على المحرمات. بعضهم يتورع عن ركوب السيارة باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يركب هذه المراكب، فضلاً عن الوسائل الأخرى، وبعضهم يتورع عن الكهرباء، والتكييف، ومكبرات الصوت وغيرها، يوجد من يتورع عن هذه الأمور، وعلى كل حال هذا لا يدخل في الحديث يقول سبحانه: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [(32) سورة الأعراف]، لكن أيضاً التوسع غير مرضي المدخل في السرف، والذي يجعلك تطلب هذه الأمور، على كل حال من أي وجه ولو لحقتك الديون؛ لأن التوسع بعضه يجر إلى بعض، يجر بعضه إلى بعض، ولما سيأتي الحديث الذي يلي هذا.

بعضهم يتورع، وفي شيء من التداخل بين الحديثين نعم، في المشتبهات يتورع عن أمور، ويكلف نفسه، ويكلف من تحت يده أمراً قد لا يطيقه، أو يشق عليه مشقة بالغة، وإذا تأملنا في الصيام في السفر وجدنا أن الشرع لا يقر مثل هذا التشديد على النفس، وعلى من تحت اليد، الصيام في السفر الأصل فيه أنه جائز وصام النبي -عليه الصلاة والسلام- في السفر، وسافر معه الصحابة منهم المفطر، ومنهم الصائم، والمفطر لا يعيب على الصائم، والصائم لا يعيب على المفطر، لكن إذا وجدت المشقة المحتملة ذهب المفطرون بالأجر إذا زادت المشقة ((ليس من البر الصيام في السفر))، إذا زادت المشقة أولئك العصاة. فالمشقة منتفية في شريعتنا، ولله الحمد إن الدين يسر، الدين يسر، فلا يسوغ للإنسان أن يرتكب على حد زعمه عزيمة تشق عليه، وتعوقه عن تحصيل ما ينفعه من أمور الدين والدينا وكذلك إذا ألزم غيره بذلك فهو الأمر أشد؛ لأن الإنسان قد يتحمل، لكن كيف يحمل نساء وذراري لا يتحملن ذلك؟ ونقول هذا الكلام وقد لا يوجد من يفعل هذا إلا نادراً، وإن كنا بحاجة إلى الإفاضة في الضد في المقابل؛ لأن التوسع هو سمعة العصر لانفتاح الدنيا على الناس. ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) طيب، قد يقول قائل: إن عثمان -رضي الله عنه- أحدث الأذان الأول يوم الجمعة، أحدث الأذان الأول يوم الجمعة فهل هذا يدخل في الحديث، أو لا لماذا؟ لأنه خليفة راشد، خليفة راشد وقد أمرنا بالإقتداء به ((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ))، عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح كان الناس في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعهد أبي بكر، وصدر من خلافة عمر يصلون أفراداً ثم جمعهم عمر -رضي الله عنه- على إمام، فخرج ذات يوم فإذا هم يصلون فقال: نعمت البدعة وهذا في الصحيح، فهل نقول: إن هذه بدعة يعاتب عليها ويلام عليها؟ هذا ينتقد الكلام في بعض المتصوفة، وما يضاف إليهم في كتب الشعراني، وغيرها؟ في كلام طويل لا داعي لذكره ولسنا بحاجة إلى قراءته ... ، قال: هؤلاء أئمة وسادة. . . . . . . . . -والله المستعان-.

على كل بيواجه حكم عدل {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [(49) سورة الكهف]، والعبرة بما ثبت عن الله، وعن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، والحمد لله أننا ما وقعنا في أحد من أهل التحقيق. عمر -رضي الله تعالى عنه- جمع الناس على صلاة التراويح، وخرج ذات يوم وقال: "نعمت البدعة" لما رآهم يصلون أعجب،. . . . . . . . . فخشي أن يقال: ابتدعت يا عمر، فقال: نعمت البدعة، هذه البدعة يقرر شيخ الإسلام -رحمه الله- التي قالها عمر يقرر أنها بدعة لغوية، وتبعه على ذلك كثير من الشيوخ من أهل العلم، ومنهم من قال مجاز مثل الشاطبي، وإذا نظرنا في حد البدعة اللغوية وأنه: ما عمل على غير مثال سابق، ما عمل على غير مثال سابق فنجد هذا التعريف لا ينطبق على صلاة، على جمع عمر الناس على صلاة التراويح، فالبدعة اللغوية لا تتجه، البدعة الشرعية أبعد لماذا؟ لأن هذا العمل سبق له شرعية من فعله -عليه الصلاة والسلام- جماعة بأصحابه صلى بهم ليلتين، أو ثلاث ثم ترك خشية أن تفرض عليه، فليست ببدعة لا شرعية ولا لغوية، إذا كيف يقول عمر: ابتدعت؟ عمر خشي أن يقال: ابتدعت يا عمر، فقال: نعمت البدعة، ومثل هذا يسمى في عمل البديع: "المشاكلة"، المشاكلة والمجانسة. قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

هذه المشاكلة {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] فالأولى سيئة وجزائه ليست بسيئة معاقبة الجاني ليست بسيئة، لكن من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير؛ لأنه سبق لها شرعية من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك فهو خليفة راشد أمرنا بالإقتداء به، والإتساء به، وهو أيضاً له موافقات جاء منها في الصحيح عدد، على كل حال يخطئ من يقول وقد قيل: والبدعة بدعة ولو كانت من عمر، البدعة بدعة ولو كانت من عمر، ولا إخال لمن كتب هذه الورقة بينكر على هذا الذي ينكر على من ينتقد المخالفين للنصوص، لن ينتقد من يوافق النصوص، أنا أجزم جزماً بهذا وقد صدرت من مثله هذه الكلمة، والبدعة بدعة ولو كانت من عمر، وعنده من البدع ما الله به عليم، المقصود أن مثل هذا الدرس لا يحتمل مثل هذه الأمور، وإلا تفنيدها سهل، وكتب كلها موجودة، ومنشورة، وموجودة بأيدي الخاصة، والعامة ولسنا أول من تكلم فيهم.

يقول: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، يعني ماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة))؟ في ظاهر الخبر ما يتعارض مع، لكن المراد بالسنة الحسنة ما كان أصله في الشرع، يعني أصل المسألة موجودة في الشرع، والحديث على سبب، النبي -عليه الصلاة والسلام- طلب الصدقة فجاء رجل بصدقة وافية وهو الأول، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من سن في الإسلام سنة فله أجرها وأجر من عمل بها)) يعني من اقتداء بها، ولذا الأصل في الأعمال الصالحة الإخفاء؛ لأنه الأقرب إلى الإخلاص، لكن إذا ترتب على إعلانها الإقتداء فهذا له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، فهذه السنة ليست محدثة وإنما هي ثابتة بشرع، لكن ترك هذه السنة، تركت ثم أحيائها من أحياها؛ لأنه قد يقول قائل: أن الأمة عاشت قروناً يعني جمهورها عاشوا قروناً على شيء من البدع، ثم بعد ذلك ظهر شيخ الإسلام وجدد ما أندرس من معالم السنة، هل يقال ابتدع شيخ الإسلام؟ هل جاء بشيء من عنده، سواء كان شيخ الإسلام ابن تيمية، أو الإمام المجدد الشيخ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب؟ لا ما يقال، هذا أحيا سنة، لا يقال: أحدث في الدين، إنما يقال: أحيا هذه السنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. نزع بعضهم من قول عمر: "نعمت البدعة"، ومن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من سن سنة حسنة)) إلى أن من البدع ما يستحسن كيف؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة، كل بدعة ضلالة)) ونقول: هناك بدعة حسنة، هناك بدعة واجبة، هناك بدعة مستحبة؛ لأن منهم من قسم البدعة إلى بدع مستحسنة -حسنة-، وبدع مذمومة، ومنهم من قسمها إلى الأحكام الخمسة قال: بدع واجبة، بدع مستحبة، بدع مباحة، بدع مكروهة، بدع محرمة.

طيب البدع الواجبة قال مثالها: الرد على المخالفين، الردود على من حاد عن الطريق المستقيم، نقول: القرآن مملوء بالردود على المخالفين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في المناسبات التي وجد فيها مخالفة يخطب خطبة يرد عليهم، فهل يقال مثل هذه بدعة، قالوا: بدع مستحبة: كالمدارس -بناء المدارس والأربطة-، نقول هذه ثبتت بأصول شرعية؛ لأنها مما لا يتم الواجب، أو المستحب إلا به، وهذا مقرر عند أهل العلم. طيب الصلاة أمرت بالصلاة، وأمرت بالسعي إليها، وأنت مأمور بكل ما تطلبه هذه الصلاة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ندبت إلى قيام الليل وأنت مندوب إلى كل ما يحقق هذا القيام، ندبت إلى طلب العلم أنت مأمور بجميع ما يحقق هذا العلم فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب. بدع مباحة قال: التوسع في أمور الدنيا هل هو على المأكل والمشارب والملابس هذه بدع؟ لكن هل هي مما يدخل في الدين من أمرنا ((من أحدث، أو من عمل عملاً ليس عليه أمرنا))؟ لا تدخل؛ لأن المراد الابتداع في الدين مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- هذه هو الممنوع، والشاطبي في الاعتصام رد هذا التقسيم، وقوض دعائمه، ونقضه نقضاً مبرماً ولو لم يكن فيه إلا أنه قول مخترع، التقسيم قول مخترع فهو بدعة، ومع ذلكم العموم في قوله -عليه الصلاة والسلام- ((كل بدعة ضلالة)) عموم محفوظ، عموم محفوظ. قول من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ركب هذه الوسائل الحديثة فهي مبتدعة، هو يذكرنا بقول من يقول: إن الوضوء من الأنهار مبتدع، ومشاريع المياه وغيرها كلها مبتدع، النبي -عليه الصلاة والسلام- يؤخذ له الماء بالإداوة والتور وما أشبه ذلك، هذا مذكور في كتب الشروح شروح الحديث مذكور، لكن هل البدعة تدخل في مثل هذا؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ليست عنده أنهار، ليس عنده أنهار يتوضأ منها، وعلى كل حال العبرة بالماء من حيث الطهارة والنجاسة، ومن حيث الحل والحرمة، فإذا ثبت أن الماء طاهر مطهر حلال مباح ليس بمغصوب فهذا تصح الطهارة به على أي وجه كان.

يقول: بعض الإخوة يقول: إن المحاريب والمآذن بدعة؛ لأنها لم تكن موجودة في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، كيف يجاب عن هذا الإشكال؟ نعم هذه ليست موجودة على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن بالنسبة للمآذن مطلوب من المؤذن أن يرفع الصوت، مطلوب من المؤذن أن يرفع الصوت بحيث يسمع الناس من جميع الجهات للحضور إلى الصلاة، ولا شك أن هذا مما يحقق هذا الهدف الشرعي، ولذا لما أحدثت أو استحدثت هذه المخترعات التي تعين على رفع الصوت من المكبرات بادر الناس إليها ولم ينكروها، أنكرها بعض أهل العلم بلا شك، مكبر الصوت مات بعض أهل العلم وهو منكر لها؛ لأنها تستعمل في عبادة محضة فلا يراها، لكنها تحقق هدف شرعي، لماذا يؤذن للصلاة من أجل أن يحضر الناس إليها، والمؤذن مطلوب من الأوجه المرجحة عند المشاحة في كثرة المؤذنين رفع الصوت فما يحقق هذا الهدف الشرعي يكون مطلوباً. طالب:. . . . . . . . . ما في شك أن هذا يحقق الهدف الشرعي، المحاريب، المحاريب المذكورة في النصوص سواء كانت في قصة مريم أو في {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ} [(13) سورة سبأ] نعم قصة سليمان، ليست هي المحاريب التي يصلي فيها الإمام هي غيرها، فلا يستدل بها على شرعيتها، لكن المحاريب مصلحتها ظاهرة باعتبار أنها توفر المكان، توفر المكان، كيف توفر المكان؟ الإمام واحد فلا يأخذ صفاً كاملاً، ولا يتعبد بمثل هذا المحراب لا يجعل على أنه سنة، لكنه من باب المصلحة أن يكون الإمام في مكان مناسب؛ لأن الأصل في أن يتقدم على المأمومين لو لم يوضع هذا المحراب احتاج الإمام إلى صف كامل، وقد يكون الناس بحاجة إلى هذا الصف، فمثل هذا لا يدخل في مثل هذه البدعة؛ لأنه مما لا يتعبد به، نعم. طالب:. . . . . . . . . نعم، أيضاً من الأهداف من هذه المحاريب، ما ينص عليه أهل العلم في مسألة القبلة كل الفقهاء يقولون: إذا وجد المحاريب إسلاميه عمل بها؛ لأنها إلى جهة القبلة، والهدف الأصلي من وجود المحراب هو أن يقف فيه الإمام فلا يأخذ صفاً كاملاً من المسجد. يقول: ما حكم صبغ اللحى بالسواد؟

جاء النهي عنه ((غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد)) فأهل العلم الآن المفتى به على أنه حرام. يقول: ما هي الطريقة الصحيحة لطالب العلم في دارسة المتون، هل يدرس المتن على شرح واحد أم يتوسع في الشروحات، وما هو الحد الأقصى من الشروحات للمتن الواحد حتى يستوعبه فهماً، مع العلم أنني طالب مبتدئ؟ طالب مبتدئ ولم تقرأ من المتون ما قرر للطلاب المبتدئين، المتون الصغيرة وتقرأ عليها الشروح المبسطة الميسرة، وتسمع عليها التسجيل للشروح المختصرة، ثم بعد ذلك تنتقل إلى ما بعدها، وما يشكل عليك تسأل عنه، وتحضر الدروس في هذه المتون إلى أن تنهي كتب المرحلة الأولى التي هي طبقة المبتدئين، إلى المرحلة التي تليها المتوسطين فتتوسع قليلاً، وأما كوننا نقتصر على شرح واحد أو أكثر من شرح فهذا الذي يحدده الحاجة، قد يكون هذا المتن له شرح وافي لا نحتاج معه إلى غيره، وقد يكون هذا المتن له شروح يكمل بعضها بعضاً، فلا يقول قائل: إن شرح النووي على مسلم مثل فتح الباري مثلاً، يعني طالب العلم إذا اكتفي بالنسبة للبخاري بفتح الباري نقول فيه غنية، وإن كانت الشروح الأخرى فيها فوائد، لكن كيف يكتفي طالب العلم بشرح النووي على مسلم، وفيه إعواز كبير؟ ولذلك ألفت السلسلة المكملة بعضها لبعض بالنسبة للمسلم، فهناك المعلم، وهناك إكمال المعلم، وإكمال الإكمال، ومكمل إكمال الإكمال، مع النووي، مع القرطبي إذا اجتمعت هذه الكتب كلها ما تعادل فتح الباري، فنحن بالنسبة إلى صحيح مسلم بحاجة إلى أن نراجع هذه الشروح كلها، وبالنسبة للبخاري إذا اقتصرنا على فتح الباري فيه كفاية؛ لأنه فيه مادة كبيرة، وإن أضفنا إليه عمدة القاري، وإرشاد الساري، فضلا عن شرح الإمام الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-. يقول: لماذا اختص المؤلف هذه الأربعين النووية ألصحتها أم لأفضليتها؟ أولا: ألف الأربعين اقتداء بمن سبقه من أهل العلم، واختار وانتقى هذه الأحاديث؛ لأنها من جوامع الكلم وقد سبقه إلى كثير منها ابن الصلاح. يقول: ما المتن الصحيح لحديث: ((خير القرون قرني))، أم ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم))؟ لا شك أن المتن الأصح هو: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم)).

يقول: من لا يتمكن من المثول بين يدي عالم للقراءة عليه بسبب ظروف عمل، وظروف صحية، وهو شغوف بالعلم، فماذا يعمل ليتمكن من نيل العلم الموثوق أفتونا مأجورين؟ أولا: عليه أن يقتني الكتب سواء كنت من المتون أو من الشروح، فيحفظ المتن، ويقرأ الشرح، ويتابع الدروس من خلال الأشرطة، ومن خلال الآلات الحديثة التي تبث فيها هذه الدروس، وعنده الهاتف إذا أشكل عليه شيء يسأل عنه، فالأمور متيسرة ولله الحمد، مع أنه لا يكفي من المثول بين يدي الشروح، والجثي بين أيديهم كما هو معلوم عند القدرة على ذلك. هذا من الجزائر يقول: ما حكم حديث أكل نبات المردقوش فإنه جيد؟ ويشه المردقوش، مردقوش فإنه جيد، أما بالنسبة للأطعمة وضع فيها أحاديث كثيرة وأكثرها من الباعة، باعة هذه الأطعمة، عليكم بالعدس فإنه قدِّس على لسان سبعين نبياً، كلها موضوعات هذه. هذا من استراليا يقول: كيف تكون النية في الأعمال الصالحة؟ النية هي القصد لهذا العمل الصالح، مخلصاً فيه لله -جل وعلا- من غير إشراك أحد به. هذا من تونس يقول: ذكر النووي أثراً عن الفضيل بن عياض "عمل العمل لأجل الناس شرك، وترك العمل لأجل الناس رياء"؟ العكس، المأثور أن العمل من أجل الناس رياء، وتركه من أجل الناس شرك، على كل حال سواء كان هذا أو ذاك عندنا من النصوص ما يكفي، عندنا من النصوص ما يكفي، والرياء شرك أصغر. فمن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو مردود عليه ولا يكفي في مثل هذا، وإنما يأثم بفعله شرع لم يشرع الله ولا رسوله. يقول: وكيف نجمع بين هذا الأثر وبين فعل الأئمة من ترك العمل خشية الوقوع في الرياء، كقول ابن القيم إذا أعجبك كلامك فاصمت، وإذا أعجبك صمتك فتكلم وغير ذلك من فعل الأئمة؟ أقول الترك ليس بحل، الترك ليس بالحل، إنما الحل المجاهدة بالإخلاص، المجاهدة بالإخلاص. يقول: ماذا إذا خرجت من البيت، وجاءني من يسأل وأعطيته هل يكتب لي أجر النية؟ يكتب أجر النية إذا كان هذا في قرارة نفسك أنك لا ترد سائلاً مستحقاً، ثم وقف بين يديك سائل فأدخلت يدك في جيبك فلم تجد شيئاً يكتب لك أجر النية، لكن إذا أعطيته بالفعل يكتب لك النية والعمل.

يقول: امرأة توفي زوجها يوم اثنين وعشرين من المحرم عصراً متى تنتهي عدتها؟ تنتهي بعد مضي أربعة أشهر وعشرا، أربعة أشهر في اثنين وعشرين من ربيع، لا جماد من شهر خمسة. الطالب:. . . . . . . . . ها من جماد الأولى، فتكون في الثاني بغروب شمس اليوم الثاني من جماد الثانية. هل هجرت الرجل ليتزوج امرأة صالحة تدخل في الذم؟ إذا أظهر للناس أنه هاجر لله ورسوله دخل في الذم، وإلا فلا. يقول: يوجد شرح للشيخ سعد الحجري هل هو صالح للمبتدئ؟ أنا ما أطلعت عليه فلا أستطيع الحكم عليه. يقول: أخت فرنسية اعتنقت الإسلام تزوجت رجل من فرنسا، وبعد الزواج اكتشفت أنه يخالط نساء ويكلمهن عبر النت، وأنه لا يلبي طلبات زوجته، وكذلك الشيء المؤسف أنه يرقي الناس ويستعين بالجن في رقيته، عندما سألته الأخت وقال: إن الجن يسعدونه في شفاء مريض، ونصحته ولكن قال لها: أنت فرنسية معتنقة الإسلام لا تعرفين شيئاً من أمر المسلمين، وأنه يشتمها ويقول لها: انزعي غطاء الوجه لكي تشتغلي معي في المحل، ويقول: لا بد أن ترجعي وتسوقي السيارة، وهي الآن هل تطلب الطلاق؟ على كل حال لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذا أصر عليها علها أن تطلب الطلاق. يقول: هل تعاد الصلاة خلف إمام يلحن في سورة الفاتحة؟ إذا كان لحنه مما يحيل المعنى فتعاد الصلاة. يقول: ما رأيكم في ألعاب البلستيشن بما أن الإجازة على الأبواب، علما أنها بيع منها خمسين. والله ما ايش خمسين نسخة على الأقل، كيف ما أعرف والله هذا ها؟ طالب. . . . . . . . .

أيه على كل حال هذا من العبث إذا كان ما فيها جعل ورهان وقمار، حكمها مثل حكم الورقة الذي يلعبون بها الآن، ويعبثون بها يعني -للصبيان من باب إشغالهم وإلهائهم بعض الوقت وتسليتهم-، لا المكلفين الذين طولبوا بفعل أوامر ونهوا عن نواهي، على كل حال الترك هو الأصل، لكن إذا لم تشغل عن ذكر الله، ولا يترتب عليها جعل وجعلت للصغار يلتهون بها، وليس فيها محذورات من صور وما أشبه ذلك فالأمر -إن شاء الله- يكون بالنسبة للصغار خفيف، أما بالنسبة للكبار فشأنهم أعظم، والأصل في المسلم أنه جاد ساعي فيما ينفعه، مخلوق للتحقيق العبودية، مأمور بتحقيق هذا الهدف. يقول: حكم خروج الزوجة من بيت زوجها إلى بيت أهلها إذا كانت غضبانة من الزوج؟ هذا لا يجوز لها الخروج إلا بإذنه، لا يجوز لها الخروج إلا بإذنه. يقول: ماذا تنصحون من درس آداب المشي إلى الصلاة، ومنهج السالكين، وعمدة الفقه، وزاد المستقنع علماً بأنه لم يدرسها على شيخ لانعدام من هو متفرغ للتدريس لمثل هذه الكتب، -هذا في الجزائر- يقول: وإنما أعتمد على أشرطة أهل العلم وأقارن بين الشروح؟ عملك جيد، وأنت الآن على الجادة، ابدأ بالمشي إلى الصلاة، ثم منهج السالكين، ثم عمدة الفقه كلها على الجادة. يقول: سأشتري سيارة من صديق لي بمبلغ مائة ألف عن طريق البنك، بحيث البنك يسلم المبلغ كاملاً لصديقي وأنا سأقوم بدفع أقساط شهرياً، ثم سأكتب السيارة باسمي، ثم صديقي سيشتريها مني ويعطيني المبلغ مرة ثانية؟ هل يجوز العمل؟ أولاً: أنت. . . . . . . . . سأشتري سيارة من صديق لي، أنت تشتري السيارة من صديقك، والبنك يسلم المبلغ لصديقك فهو نائب عنك في تسليم المبلغ، فالبنك أعطاك دراهم ما أعطاك سيارة، لو أن البنك هو الذي اشترى السيارة من هذا الصديق، وملكها البنك ملكاً تاماً مستقراً ثم باعها عليك بقيمة أكثر نظير الآجل، هذه يسمى عند أهل العلم مسألة التورق فإن رجعت إلى صاحبها الأول -الطرف الأول- صارت مسألة العينة. يقول: هل يدخل شعر الرأس في عموم قوله سواد الشعر، أما يقيده بشعر اللحية كما في الرواية؟

على كل حال الشعر جنس جميع ما في البدن من شعر، قول بعض الشراح جاء جبريل معلماً، هل يستقيم مع قوله: يا محمد، وجاء معلماً هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم هو معلم بالنص، وأما كونه يقول: يا محمد، فهذا من باب المبالغة في تعمية أمره؟ يقول: ما هو القلب السليم، وكيف يصل المؤمن إلى أن يكون قلبه سليماً كي يكون ممن نجا يوم القيامة؟ يعني {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88 - 89) سورة الشعراء] يعني قلب سليم، خالص من الغل، والحقد، والحسد، وشوائب البدع، والشهوات، والشبهات فضلاً عن الشرك بأقسامه. والله أعلم. وصلى الله، وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

شرح الأربعين النووية (6)

شرح الأربعين النووية (6) شرح حديث: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين)) الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام النووي- رحمه الله تعالى-: الحديث السادس. عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) [رواه البخاري ومسلم]. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف النووي - رحمه الله تعالى- في الحديث السادس من أحاديث الأربعين الجوامع التي جمعها في كتابه المختصر النافع الماتع الجامع لهذه الأحاديث التي عليها مدار الإسلام: الحديث السادس, يقول - رحمه الله تعالى-: عن أبي عبد الله النعمان بن بشير - رضي الله عنهما-، عن أبي عبد الله النعمان بن بشير - رضي الله عنهما-، الكنية بالولد هي الأصل لأن الذكر أفضل جنس من الأنثى، وسيأتي في الحديث الذي يليه الكنية بالأنثى عن أبي رقية، التكني بالأنثى جائز عند أهل العلم, لكن الأصل التكني بالذكر لأن جنس الذكر أفضل من جنس الأنثى، والمقصود بالكنية, كما يقصد بالاسم, واللقب هو: التعريف فإذا عرف بكنيته والأصل أن تكون بالذكر بها ونعمة، إذا عرف بالأنثى بشهرتها وقد تكون البنت أفضل من أخيها لأن تفضيل الجنس لا يعني تفضيل الأفراد, لا يعني تفضيل الأفراد، ولذا يقول أبو حيان في كتاب جمعه في بيان محاسن ابنته واسمها النظار يقول: هي أفضل من أخيها حيان أفضل من أخيها حيان، فيوجد في الجملة يعني: من النساء من تفضل بعض الرجال لكن يبقى أن الجنس جنس الرجال أفضل من جنس النساء, {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} [سورة البقرة: 228] تفضيل شرعي لكن لا يعني أنه تفضيل أفراد في مقابل أفراد، تفضيل جملي، يعني: في الجملة الرجال أفضل من النساء، وهنا كني النعمان بولده عبد الله, وفي الحديث اللاحق كني تميم الداري بابنته رقية، وقد يكنى الرجل للتعريف به ولما يولد له فعائشة أم عبد الله, ولم يولد لها ليس لها ولد، وقد ويكنى بشيء له في أدنى ملابسة ولو كان حيوان كما كني عبد الرحمن بن صخر الدوسي, بأبي هريرة، وقد يكنى بمجموع ولد ويقال: أبو الرجال مثلاً أبو الأشبال وما أشبه ذلك وهذه الكنى معروفة لكن عندنا في الحديث الأول الكنية بالولد, والثاني بالبنت، الأصل في الكنية أن تكون بأكبر الأولاد, كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام- قال: ((هل لك من ولد؟ قال: نعم قال: فمن أكبرهم قال: الحكم، قال: أنت أبو الحكم)) قال: أنت أبو شريح قال: شريح لأنه كان يكنى يلقب بالحكم، قال: فما أكبرهم, قال: شريح, قال: أنت أبو شريح، لأن

الأكبر لا منازع له بين أخوته الصغار لأن السن له دور والذي جاء في الحديث الصحيح: ((كبر، كبر)) لكن لقب الرجل بأصغر أولاده أو بأوسطهم لميزة له مثلاً كما كني الإمام أحمد وصالح أكبر من عبد الله فلا مانع من ذلك، إذا كان هناك مبرر وخلت المسألة من المفسدة لأن هذا قد يجر إلى مفسدة بين الأولاد يكون فيها شحناً وإذا عرف الأب بالابن الصغير مع أنه يوجد من هو أكبر منه هذا قد يوغر نفس الكبير على أبيه, وعلى أخيه، على كل حال الأمر في هذا تدرس في الأحوال والظروف المحيطة به فيقول هنا: عن أبي عبد الله النعمان بن بشير - رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الحلال بين، وإن الحرام بين))، تأكيد "إن"، لأنه قال: ((إن الحلال بين والحرام))، وجاءت فيه بعض الروايات لكن التأكيد هنا متى تحتاج الجملة إلى التأكيد وقد يوجد مؤكد ثاني غير إن، إن حرف توكيد لكن لو قال إن الحلال لبين وإن الحرام لبين صار فيها أكثر من مؤكد كما صار في قوله: ((ألا وإن لكل ملك حمى))، هذه أكثر من مؤكد هنا فيه التأكيد بإن الناسخة، متى تحتاج الجملة إلى التأكيد؟ إذا كان المخاطب خالي الذهن فإنه لا يحتاج إلى تأكيد، إذا كان عنده شيء من التردد أكد له بمؤكد واحد، إذا كان التردد أكثر احتاجت الجملة إلى أكثر من مؤكد، وهنا يقول - عليه الصلاة والسلام-: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين))، لأن الحلال قد يدعي بعض الناس أنه ليس ببين، والواقع عند عامة الناس الحلال المجمع عليه الذي دلالة نصوصه الصحيحة عليه صريحة هذا لا إشكال فيه، عند من يعيش في أوساط المسلمين بخلاف من يعيش خارج المسلمين, وبين الكفار فقد يخفى عليه ما علم من الدين بالضرورة, لكن الكلام على المسلم الذي يعيش بين ظهراني المسلمين، الحلال بين بالنسبة له، المجمع عليه من مأكولٍ ومشروبٍ وملبوسٍ, وما يحتاج إليه من أمور الحياة فهذا لا خفاء فيه، هذا لا خفاء فيه حتى على عامة الناس، وكذلك الحرام المتفق عليه الذي لدلالة النصوص عليه الصحيحة صريحة هذا أيضاَ بين، كالزنا, وشرب الخمر, وغير ذلك من الأمور التي جاءت الأدلة بتحريمها صراحةً، والحلال هو المباح الذي لا إثم في تناوله،

والحرام هو: المحظور الذي يأثم فاعله، الذي يأثم فاعله، ويختلف أهل العلم في الأصل في الأشياء في الأعيان التي ينتفع بها، هل الأصل فيها الحل أو الأصل فيها الحضر، الأصل فيها الحل أو الحضر مسألة خلافية بين أهل العلم، فأبو حنيفة يقول: الحلال ما أحله الله، وغيره يقول: الحرام ما حرمه الله، الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، ما معنى هذا الكلام؟ هل بين الجملتين فرق؟ فرق يسير وإلا فرق كبير؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

. . . الكلام صحيح ذكرت الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، في أحد يحلل أو يحرم غير الله -جل وعلا-؟ ما في أحد {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} [سورة الأنعام: 57] فالحرام ما حرمه الله والحلال ما أحله الله، لكن مفهوم الجملتين بينهما فرق كبير، مفهوم الجملتين بينهما فرق كبير، فأبو حنيفة عندما يقول: "الحلال ما أحله الله"، معناه: أن ما عدا ما نص على حله يبقى على المنع على الحضر حتى يرد دليل يبيحه، حتى يرد دليل يبيحه، والقول الثاني: وهو قول الشافعي معه جمع من أهل العلم، يقولون: "الحرام ما حرمه الله"، معناه: أنك إذا وجدت شيء لا دليل ينص على تحريمه، فلك أن تنتفع به فلك أن تنتفع به، بخلاف قول الإمام أبي حنيفة أنك إذا وجدت ما تنتفع به فإنه لا يجوز لك الإقدام على الانتفاع به حتى يرد دليل يبيحه، وقالوا: مثال ذلك الحشيشة، الحشيشة من العجب أن شخص حقق كتاب ورد فيه مثل هذا الكلام، وقال: إن الحشيشة كل على أصله, فالشافعي على أصله يبيحها، وأبو حنفية على أصله يحرمها، ثم علق المحقق بصفحات, كيف يقال مثل هذا الكلام في الحشيشة التي أجمع العلماء على أنها محرمة, وأنها أشد تحريماً من الخمر؟ ونقل كلام شيح الإسلام، ونقل كلام ابن البيطار، ونقل كلام الإجماع على تحريمها لكنه لم يفهم المقصود أنت في البر في الخلافي نزهة وجدت نوع من الحشائش أعجبك لونه, وطعمه, ورائحته, ولا عندك نص يمنع، ولا نص يحرم، تأكل وإلا ما تأكل، ليس المقصود بها الحشيشة المسكرة, أو المخدرة، أو المفطرة لا الحشيشة واحدة الحشيش وهو الكلأ، هل تأكل وإلا ما تأكل؟ إن كنت حنفياً لم تأكل حتى يرد دليل يقول: إن هذا من الحشيش المباح، وإذا كنت على رأي غيره فكر حتى تجد ما يمنع، حتى تجد ما يمنع إما بعينها أو بجنسها الضار مثلاً كما تضر فتمنع للضرر، هذا هو المقصود في كلام أهل العلم حينما يمثلون في كلام أهل العلم حينما يمثلون بالحشيشة ولا يريدون بها الحشيشة المسكرة التي أجمع العلماء على تحريمها, وعلى أنها أضر من الخمرة، وجدت حيوان أو دويبة وأنت مشتهي لأكلها مثلاً هل تقدم لأكلها؟ أو تنظر حتى ترى الدليل الذي يبيح أو يمنع كل على مذهبه،

أبو حنيفة يقول: لا تأكل إلا بدليل، والشافعية ومن معهم كل حتى يرد الدليل على منعها، يوجد في بعض المركبات مركبات الأدوية مستخلصات أو أجزاء من بعض الحشرات أو بعض الحيوانات الصغيرة, وبعض الزواحف, وهذا كثير عندهم، وقد يوجد عندهم بكامله محنط ويستعمل في بعض الأدوية، وهو على ما يقولون مجرد لمرض كذا أو مرض كذا، أنت لا تجد نص يدل على الإباحة ولا ما يدل على المنع ففي محلات الأدوية في الشعبية والأعشاب والتداوي بها أمثله كثيرة، تجدون عندهم في أواني كبيرة كتنك مثلاً فيها من الزواحف البرية أشيا وأنواع تستعمل شيء للظهر, وشيء للبصر, وشيء للركب, وشيء أمور عندهم أشياء يكتبون عليها أن هذا نافع لكذا, وأن هذا نافع لكذا, وقد يستندون إلى بعض كتب الطب القديم، يعني: من خواص هذا الحيوان كذا، تجدون في حياة الحيوان الشيء الكثير لكن ما حكم استعمال هذا الحيوان في هذا الدواء؟ هل هو من المباح أو من المحظور؟ لأن الله لم يجعل شفاء أمتي محمد - عليه الصلاة والسلام - فيما حرم عليها، فكل على مذهبه أبو حنفية يقول لا تأكل الأصل المنع، وأنه لا يجود الانتفاع إلا بدليل، وغيرهم يقولون: انتفع حتى يجد الدليل المانع، وأيهما أحوط نعم؟ مذهب أبي حنفية أحوط في الأطعمة، في باب الأطعمة مذهب أبي حنفية أحوط، مع أنه في باب الأشربة غيره أحوط، غيره أحوط، إن الحلال بين، معلوم أن الحلال مستوى الطرفين الذي لا إثم في تناوله ولا إثم في تركه، مما دلت النصوص الصحيحة عليه صراحة هذا بين لا خفاء فيه لا أحد، فلا يتردد في تناوله إلا من باب أنه قد يجر إلى ما ورائه، قد يجر إلى ما ورائه فالاسترسال في المباحات يجر إلى المشتبهات, والاسترسال أيضاً في المشتبهات يجر إلى المحرمات على ما سيأتي في بقية الحديث، ولذا كان السلف - رحمهم الله تعالى - فيما يذكر عنهم أنهم يتركون كثير من الأمور المباحة خشية أن تجرهم إلى الأمور المحرمة، والنفس لها ضراوة على ما تعتاد، وقد تعتاد شيء مباحاً ثم تطلبه في وقت من الأوقات لا تجده إلا من طريق فيه شبهة أو فيه حيلة ثم بعد ذلك ترتكب بناء أن هذا ليس بمجزوم بتحريمه فيه شك فيه تردد, ثم إذا استرسل في هذا النوع جرها هذا

الاسترسال إلى الأمور المحرمة، إن الحلال بين وإن الحرام بين، وإن الحرام بين كذلك الحرام الذي دلت النصوص الصحيحة الصريحة على تحريمه هذا لا يختلف فيه الناس، يعني: هل يتخلف الناس في تحريم الخمر كما يختلفون في تحريم الدخان مثلاً؟ الخمر دلت النصوص القطعية الصريحة على تحريمه، بينما الدخان لا سميا في أول اكتشافه تردد بعض الناس في حكمه, ثم بعد ذلك لم اكتشف من الناحية الطبية الضرر العظيم المترتب على شربه جزم أهل العلم بتحريمه، وهكذا قد يكون الشيء في أول أمره مما يشك فيه فيكون من نوع المشتبهات ثم بعد ذلك ينتقل إلى نوع المحرمات أو المباحات حسب ما يتبين لأهل العلم من حقيقته هذا بالنسبة لذات المحرم، وقد يكون الحلال بين ظاهر في أول الأمر ثم بعد ذلك يكتشف فيه ما يضر أو العكس، قد يتخوف الناس من شيء يرون ضرره ثم بعد ذلك يطمئن الناس من الناحية الطبية أنه لا ضرر فيه, فينتقل من كونه مشتبهاً إلى كونه مباحاً, أو العكس، ((وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات)) وفي بعض الروايات: ((مشبهات))، وفي بعضها: ((متشابهات)) وهنا: ((مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس))، هذه الأمور المشتبه المترددة بين النوع الأول وبين النوع الثاني هذه يخفى أمرها على كثير من الناس، لا يعلمها كثير من الناس مفهوم ذلك أنه يعلمها أيضاً كثير من الناس، إذا كان الحلال البين يعلمه جميع الناس، والحرام البين يعلمه جميع الناس, فهذه المشتبهات لترددها بين النوع الأول, والنوع الثاني يخفى أمرها على كثير من الناس, وأمرها ظاهر جلي على عند كثير من الناس، فمفهوم قوله: ((لا يعلمهن كثير من الناس)) مفهومه: أنه يعلمهن كثير من الناس أيضاً لأن الناس فيهم .... لكن لو كانت العبارة لا يعلمهن أكثر الناس، لقنا أنه يعلمهن القليل من الناس، لأن الكثير يقابله الكثير، كثير يقابله كثير، بينما الأكثر يقابله الأقل، ولا شك أن هناك مشتبهات لا يعلمهن إلا قليلٌ من الناس وذلكم لشدة الخفاء في هذه المشتبهات، يعني: قوله: ((لا يعلمهن كثير من الناس)) قالوا: مفهومه أنه يعلمهن كثير من الناس، يعني: هل المقابل الكثير هنا القليل، أو أنه يوجد كثير من الناس وبمقابلهم أيضاً كثير بخلاف

أقل وأكثر، بخلاف الأكثر والأقل، يعني حينما يقول الله -جل وعلا-: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [سورة الحجرات: 12] إن بعض الظن إثم، مفهومه: أن البعض الأخر من الظن ليس بإثم، فعلى هذا لو قال شخص: الله - جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} وأقول: أن بعض الظن ليس بإثم، فنقول: أنت أحد شخصين إما أن يكون كلامك كفراً, أو يكون صحيحاً, كيف يكون كفر؟ إذا قصد البعض الذي قرر وحكم عليه بأنه إثم تكفر بهذا أنت مكذب لله، لكن إذا قصدت البعض الآخر الذي يفهم من هذا البعض، نقول: كلامك صحيح، لأن مفهوم البعض أن هناك بعض آخر ليس بإثم، وهنا مفهوم كثير من الناس أنه هناك من الناس كثير أيضاً يعلمون هذه المشتبهات، لكن هذا من حيث تحليل اللفظ بخلاف ما لو قال: لا يعلمهن أكثر الناس, فيفهم منه: أنه يعلمهن القليل من الناس، لكن بالنسبة للواقع أن المشتبهات يعلمها كثير من الناس أو القليل؟ المشتبهات نقول: من هذه المشتبهات من يعلمها أكثر الناس ومن المشتبهات من يعلمها كثير من الناس ومن المشتبهات مالا يعلمها إلا أقل الناس، أقل القليل من الراسخين من أهل العلم وذلكم لأن الاشتباه أمر نسبي, الاشتباه أمر نسبي، قد يجد اشتباه, يشتبه على كثير من الناس ثم بعد ذلك يأتي من أهل العلم من يجليه ويوضحه للناس فينكشف هذه الاشتباه ويبقى عدد قليل لا يستوعب هذا البيان فيبقى مشتبه عليه، والكثرة وإن كانت بالنسبة لأوساط العلماء وطلاب العلم هم أمر نسبي لكنها بالنسبة لعامة الناس الذين لا يستمعون لتوضيح أهل العلم ولا لبيان أهل العلم ولا يطالعون ولا يبحثون عن البيان النبوي وبيان من يقوم مقامه من ورثته - عليه الصلاة والسلام - يبقى الكثرة فيهم ظاهرة لعموم الناس، لا يعلمهن كثير من الناس، سبب هذا الاشتباه، سبب هذا الاشتباه أولاً: عدم بلوغ الدليل، عدم بلوغ الدليل فإذا كانت المسألة خالية من الدليل المانع أو المبيح، صارح الحكم فيه بالنسبة للعالم الذي لا يستطيع أن يحكم لعدم وجود الدليل صارت من المشتبهات حتى يقف على الدليل، الاختلاف في فهم الدليل لكن اختلفوا في فهمه، أيضاً الاختلاف في الفهم يورث الاشتباه فمثلاً"عرفت كلها موقف. . . . .

عن بطن عرنة، ورفعوا عن بطن عرنة، عموم المسلمين الذين يتبعون المذاهب الثلاثة لا إشكال عندهم في أن عرنة ليست في موفقهم، وأما من يتبع الإمام مالك الذي يرى أن هذه موقف لكنه منهي عن الوقوف فيه ولو لم يكن من عرفه هذا ما استثنى هذا الفهم عند هذا الإمام المعروف بالاطلاع الواسع عن السنة، والفهم الدقيق للسنة يورث اشتباه عند من يسمع كلام الإمام مالك فسبب الاشتباه هنا فهم الدليل، الدليل موجود وصحيح وشبه الصريح عند عامة أهل العلم لكن فهم الإمام مالك عن هذا الدليل أورث اشتباها عند بعض الناس، فمما يسبب الاشتباه الاختلاف في فهم الدليل، قد يوجد الدليل المانع وله دليل مخصص، أو مقيد أو ناسخ, بمعنى: يوجد رافع كلي أو جزئي لدلالة هذا الدليل الصحيح الصريح, لكن بعض الناس لم يتطلع عليه، هذا أيضاً يورث اشتباه يورث اشتباه، من الاختلاف في فهم الدليل عند تعارض الأدلة اختلاف العلماء في التعامل مع هذا الأدلة واختلافهم في القواعد والأصول التي يبنون عليها مذاهبهم هذا أيضاً يورث اشتباه، فمثلاً لو دخل الآن شخص لو دخل شخص، فإما أن يصلي ركعتين امتثالاً للحديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وقد يدخل اثنان واحد يصلي وواحد يجلس لا يصلي، وهذا عنده أدلة, وهذا عنده أدلة, والتعارض يورث اشتباه، فهاتان الركعتان اللتان يصليهما الداخل في وقت النهي، من الأمور المشتبه، قد تكون واضحة عند بعض الناس وقد يكون فعلها واضحاً عند بعض الناس وقد يكون تركها واضحاً عند بعض الناس فتكون إما من القسم الأول عند بعض, أو من القسم الثاني عند بعض، وقد تكون من المشتبهات لخفاء وجه الجمع بين هذه النصوص المتعارضة، ونحن نرى الإخوان يدخلون الآن المسجد بعضهم يجلس وبعضهم يصلي، فبعضهم يعمل بـ: ((لا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وبعضهم يعمل بـ: ((لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) كل معه حق, وكل معه دليل، لكن ما الحق في هذه المسألة لأن الحق لا يتعدد, وليس كل مجتهد مصيب, الحق واحد لا يتعدد فمن الذي يقرر أن فلان هو الموافق لما عند الله - جل وعلا- أو أن فلان الذي فعل ضد ما فعله هو الموافق لما عند الله - جل وعلا- هذا أيضاً مما

يورث الاشتباه، والمسألة طويلة الذيول، يعني: حينما يقول الشافعية ومن يقول بقولهم مثل شيخ الإسلام - رحمه الله-: أن أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، هذا نقل المسألة من حيز الاشتباه إلى حيز الحلال البين، لكن حينما يقول الطرف الآخر: وهم جمهور أهل العلم أن أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذا الأوقات والخاص مقدم على العام, انتقلت عندهم من النوع الأول إلى النوع الثاني، وبقية بالنسبة لكثير من الناس مشتبهة، حتى أن بعضهم قال: لا تدخلوا المسجد في هذه الأوقات؛ لئلا تقع في الحرج، وبعضهم قال: إذا دخلت المسجد تضل واقفاً لا تجلس، ومنهم من قال: إذا دخلت المسجد اضطجع يا أخي، على شان ما تخالف النص فلا تجلس، هذا أيضاً مما يورث الاشتباه ومن استبان عنده الدليل واتضحت له دلالته صار من الذين يعلمونه هذه المشتبهات, وهذا لكل عالم من أهل العلم نصيبه من هذا العلم من هذا العلم الذي نص عليه في هذا الحديث، لأن الحلال بين هذا ما يكلف المجتهد شيء، والحرام بين لما يكلف المجتهد شيء، لكن هل هناك مشتبهات أو شبهات، أو مشبهات، أو متشبهات تخفى على جميع الناس؟ تخفى على جميع الناس، قلنا: لا يعلمهن كثير من الناس يعلمهن كثير من الناس في المقابل، هناك أشياء مشتبهة تخفى على أكثر الناس ولا يعلمها إلا القليل النادر، وبعضها يمنع أن يوجد في النصوص ما يستغلق على جميع أهل العلم، في جميع الأقطار وفي جميع العصور، لأن القرآن تبياناً لكل شيء، {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [سورة الأنعام: 38] والنبي -عليه الصلاة والسلام- أُنزل إليه القرآن ليبين للناس هو ما ترك شيء مما تحتاجه الأمة إلا بينه، وأهل العلم لاسيما أهل التأويل يختلفون في وجود مثل هذا تبعاً للوقف في سورة آل عمران على قوله. طالب:. . . . . . . . .

وأخر متشابهات، إلا الله الوقوف على لفظ الجلالة يدل على أن هناك من المتشابه مالا يعلمه إلا الله، هل يرد هذا المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله على كون القرآن نزل بيان لكل شيء وما فرط في الكتاب من شيء ويطعن في وظيفة النبي - عليه الصلاة والسلام - في بيانه للناس ما نزل إليهم، أو نقول: أنه وجود مثل هذا وهو قليل نادر لامتحان إيمان بعض الناس، لامتحان إيمان بعض الناس، {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا} [سورة آل عمران: 7] هذا لامتحان الإيمان وهذا بنائناً على الوقف على لفظ الجلالة أما الوقف على: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} كما يقول مجاهد وغيره: يدل على أنه لا يوجد هناك من المتشابه ما يعجز عنه جميع أهل العلم حتى الراسخين، حتى الراسخين، يعني: وجود القليل النادر لا يقدح في القواعد العامة، كما أن كون القرآن بلسان عربيٍ مبين، لا يعني: أن وجود كلمة أو كلمات بغير العربية تقدح في كونه: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [سورة الشعراء: 195] الشيء القليل النزر اليسير هذا لا يقدح في القواعد العامة، على خلاف بينهم في وجود كلمات أعجمية في القرآن بعد إجماعهم أنه لا يوجد تراكب أعجمية، جمل أعجمية غير موجودة، وأعلام أعجمية موجودة، لكن الكلام في الألفاظ الأعجمية هل هي موجودة في القرآن أو غير موجودة؟ تدخل تحت النفي أولا تدخل؟ والشيء اليسير يقرر جمع من أهل العلم أنه لا يؤثر في الحكم على أن ما قيل في القرآن من الكلمات الأعجمية, من أهل العلم من يقول: إنها مما اتفقت عليه اللغات، مما اتفقت عليه اللغات، يعني: تكلم به العجم, وتكلم به العرب, أو أن أصله أعجمي ثم عرب، وكون الشيء القليل النادر لا يؤثر في كون القرآن نزل بلسان عربي لاسيما مع وجود الأعلام الأعجمية وثنى بها العرب وتداولها ولاكتها أنفسهم لا يبرر لما يقوله بعض الناس: من استعمال بعض الاصطلاحات والألفاظ الأعجمية، مع وجود ما يقوم مقامها من الألفاظ العربية، يعني: تجد بعض الناس يخاطب ببعض الألفاظ الأعجمية, يقول: إن هذا لا يؤثر في كون اللغة العربية هي الأصل، نقول: إن هذا لو وجد في غير هذا العصر الذي ظهرت فيه الأمة مظهر الضعف وأن من تكلم

بهذه الألفاظ يقتدي بالكفار ويلهج بلهجتهم من باب الإعجاب بهم كما هو ظاهر، يعني: مرة في سؤال على الهاتف سأل واحد سؤال شرعي يسأل عن حكم شرعي لما انتهى من السؤال قال: أوكي، هذا لا يليق بشخص لاسيما في مثل هذا المقام، لا شك أن هذا يدل على شيء من الانهزامية, وعلى المسلم أن يعتز بدينه بدينه, ولغته التي حملت هذا الدين، تجدون بعض الألفاظ يتشدق بعض الناس من باب الإعجاب، نقول: هذا لا شك من منعه لكن قد تكون الحاجة داعية إلى بعض تعلم أو تعلم بعض اللغات والتخاطب بها والتحدث بها عند الحاجة هذا أمر لا إشكال فيه إن شاء الله - تعالى- لكن لا لجميع الناس وإنما لمن يحتاجه فقط، الأصل المنع والحاجة تقدر بقدرها لكن المشكلة في حينما يتخاطب الناس به بين أهليهم وذويهم وأقرانهم, وأمثالهم ونظرائهم يتشدقون بها هذا هو محل النظر.

((وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه))، اتقى الشبهات هذه الأمر المشبه عليك الذي لم يتبين ولم يتحرر لك أنه من النوع الأول أو من النوع الثاني عليك أن تتقيه استبراء للدين طلباً لبراءة دينك, وعرضك، ولا شك أن طلب البراءة لدين هذا أمر مطلوب عيني لتخرج من العهدة بيقين اترك هذا الأمر، اترك هذه الشبهة وعليك أن تجعل بينك وبينها وقاية طلب لبراءة دينك, وأنت مطالب بهذا، لكن ما معنى استبراء العرض؟ استبراء العرض يعني: أن الناس إذا رأوك تتناول هذه الأمور وتزاول هذه الأمور لاكتك ألسنتهم فمنهم من يقول: فلان يرتكب حرام، لأن ميله إلى أن هذا الأمر المشتبه من النوع الثاني ومنهم من يقول: يرتكب حلال، ومنهم من يقول: هذا لا يحتاط لدينه، فتبقى حديثاً للناس في مجالسهم ينالون من عرضك الذي هو محل المدح, أو الذم ما ينالون, فأنت عليك أن تطلب البارئة لعرضك, لكن هل نلحظ العرض، ملحظ الدين شرعي، ملحظ الدين شرعي, لكن هل ملاحظة الناس وتركك العمل من أجل ألا يقول الناس فلان يفعل كذا أو فلان يفعل كذا، هل هذا شرعي أو غير شرعي؟ كونك تترك المباح، لئلا يقول الناس الحلال بين أو تترك المأمور به لئلا يقول الناس رياء، رياء, كما أنك لو فعلت شيئاً من أجل الناس ولو كان أصله شرعياً فإنه من باب الرياء، لكن الأمر المتردد فيه هل يلاحظ فيه كلام الناس، وهل لكلام الناس أثر في الفعل أو الترك؟ ((فقد استبرأ لدينه وعرضه))، الاستبراء للدين شرعي والاستبراء للعرض شرعي, وإلا غير شرعي، كونه دافع للفعل أو دافع للترك لئلا يقول الناس أنه يفعل كذا أو يترك كذا, هذا في الأصل ليس بشرعي لأن المنظور إليه هو الله وحده - جل وعلا-، لكن باعتبار أن هذا الأمر صار سبب لتأثيم بعض الناس، وصار سبب لضررك لأن الكلام يجر بعضه بعضاً إلى أن يصل إلى حد أن ما يتضرر به الإنسان فعليك أن تستبرئ لاسيما مسألته في أمر لم يتبين لك فيه الترك أو الفعل، أما ما تبين لك فيه الفعل, أو الترك من النوع الأول أو الثاني فلا تلتفت إلى كلام أحد، لا تلتفت إلى كلام أحد لاسيما في المأمورات والمنهيات, فعليك أن تفعل ما أمرت به ولو قال الناس ما

قالوا وعليك أن تنتهي عما نهيت عنه لو قال الناس ما قالوا يبقى الأمور المشتبه التي ليس ما يدل عليها صراحة إما أن تفعل وإما أن تترك فمثل هذا عليك أن تتقي وتستبرئ لعرضك.

ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، وقع لا محالة أو كاد أن يقع؟ من المعلوم أن النفس تقود الإنسان إذا اعتادت على شيء, وقد لا يكون مقصود له من أول الأمر، أن تعتاد المباح وتكثر منه وتستغرق وتوغل فيه فتعتاده نفسك، وتكون لها ضراوة فيه بحيث تجبرك على تناوله في كل وقت، إذا اعتدته وهذا ما يعرف بنوع الإدمان، والإدمان هو المداومة على الشيء وإن اقترن ببعض الأمور دون بعض لكن هن إدمان، إدمان في مباحات والإدمان على هذه المباحات تجعلك تطلبها في أول الأمر من حلها لأنك مسلم تتدين بالإسلام وتأتمر وتنتهي هذا الأصل، لكن قد لا تجد هذا المباح الذي عوت نفسك عليه من أمر حلال بين، فتطلبه بوسائل أو بطرق قد لا تسلم قد تتأول قد تقول الجمهور يبيحون هذا، هذه الطريق أنت في أول الأمر تتورع عن مسألة التورق مثلاً, لأن فيها كلام لأهل العلم، كلام لابن عباس وكلام لعمر بن عبد العزيز، وكلام لشيخ الإسلام, هذا كلام يورق شبهة، لكن ليست من القوة بحيث يتركها الإنسان إذا اضطر إليها مع عدم وجود البديل لأن الأئمة وعموم أهل السلف والخلف على جوازها، يعني: عرف بالمنعي منها ابن عباس، عمر بن عبد العزيز، شيخ الإسلام بن تيمية، هؤلاء يحرمونها, ومن عداهم يقولون: بأنها هي الحل الوحيد حينما تستغرق الطرق من القرض, أو السلم, أو غيرهما من الحلول الشرعية، لكن إذا استغلقت الأبواب وأنت مضطر إلى مبلغ من المال, عامة أهل العلم على جوازها، فأنت تتورع في أول الأمر فلا تجب فلا تسلكها ثم بعد ذلك تجد نفسك مع التوسع في المباحات أنك محتاج إلى هذه المسألة مع أنك كنت ممن يتورع عنها، وإذا توسعت قد تأخذ أموال الناس لتكثر لا للحاجة, ولا للضرورة مع أنه قد جاء المنع منه، قد طيب ما وجدت من تتعامل معه هذه المعاملة على جهة التورق، وأنت عودت نفسك على هذه الأمر الذي لا تستطيع أن تتخلى عنه، تذهب إلى مسألة أشد منها تقول: العينة يبيحها الشافعي, يعني: انتقلنا من مسألة يبيحها عامة أهل العلم ويمنعها القليل، انتقلنا إلى العكس مسألة العينة، يعني: باع عليك السلعة فبدل من أن تبيعها على غيرك في مسألة التورق يشترط عليك أن تبيعها

عليه؛ هذه مسألة العينة تقول والله الشافعي إمام من أئمة المسلمين يبيحها الشافعي وأتباعه ويش المانع ما نستعملها؟ ولست بأروع من الشافعي، ترتكب العينة ثم تتدرج العينة ثم تتدرج في الأمر إلى أن ترتكب الربا المجمع على تحريمه؛ ولذلك ترك كثير من السلف كثير من المباحات ليس من باب العبث ولا من باب التضييق على النفس، إذا وجد في عصرنا من يترك كثير من المباحات ويقتصر على القليل لأن الدنيا ممر ومعبر إلى الآخرة، تجد الناس يسخرون منه ويتحدثون به في المجالس وهل مثل هذا الترك مما يستبرأ به العرض، هو لا يستبرأ به الدين إلا إذا قلنا أنه يحرم ما أحل الله، لكن إذا كان يرى هذه الأمور مباحة لكن يقول: لأنه مالوا داعي أمرن نفسي على أمور تنقطع فيما بعد ثم أبحث عنها فلا أجدها وقد تجرني إلى أشياء وأنا لست بحاجة ولست بملزم أن أستعمل هذا المباح, هكذا يكون التدرج والخوف من الاسترسال في المباحات من هذا فيكف بالشبهات، إذا استرسل الإنسان في الشبهات يوشك أن يقع في الحرام، فالذي يسترسل ويتعامل مع الناس طول عمره في مسألة التورق وهذا وجد من بعض التجار أنه استعمل هذه المسألة مع الناس خمسين سنة مثلاً, هل يتيسر له في كل وقت سلعة يملكها ملك تام يحوزها إلى رحله ثم يبيعها على المحتاج، محتاج للقيمة ثم يحوزها المحتاج إلى رحله ثم يبيعها على طرف ثالث لتتيسر هذه العمليات بهذه الطريقة في كل وقت، لا تجد, أحياناً يضيق عليه الوقت, وأحياناً لا يتيسر له, وأحياناً التاجر الأول لا يمكنه من حيازة السلعة, وأحياناً, ثم بعد ذلك يريد أن يمشي هذا الزبون لا يفوت لأنه اعتاد هذه الطريقة فيتجاوزها فيقع في الحرام، ((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام))، يعني: نقول: وقع لا محالة, أو أنها تجره إلى الوقع في الحرام كما أن المباحات تجره إلى الوقوع في المشبهات والمكروهات, كما جاء في الحديث: ((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده))، يعني: قال أهل العلم: أن البيضة ليست بنصاب تقطع فيه اليد، وإنما يعتاد سرقة الشيء اليسير حتى يقوده ذلك إلى سرقة ما هو أكبر منه حتى يصل إلى النصاب التي تقطع به اليد، ومن وقع في الشبهات وقع في

الحرام، يعني: يكاد أن يقع في الحرام أو أن هذه الشبهات تجره إلى الوقوع في الحرام، تجره إلى الوقع في الحرام كما أن سرقة الشيء اليسير يجره إلى الوقع في سرقة الشيء الكبير التي تقطع به اليد، لأنا لو قلنا أنه وقع في الحرام لا محالة, قلنا: أن الشبهات من النوع الثاني ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، إذاً الشبهات حرام فانتقلت إلى النوع الثاني بدلاً من أن تكون من النوع الثالث، ((ومن وقع في الشبهات وقع الحرام كالراعي يرعى حول الحمى))، الحمى ما يحميه من يقدر عليه، بحيث يمنع الناس منه من الأمور المباحة، الإنسان يحمي ماله, ولا يلام في ذلك اشترى أرضاً فسورها ومنع الناس من دخولها, يمنع من ذلك لا المقصود حمى المباح, ومنع الناس من دخوله والرعي فيه، كالراعي يرعى حول الحمى، راعي الإبل, أو الغنم, أو البقر, أو الخيل, أو غيرها من الحيوانات يرعى حول حمى هذا البهائم, وهذه الحيوانات لا تملك من أن تدخل هذا الحمى لاسيما إذا كان هذا الدخول ممكن، هذا تستدرج تأكل مما حولها ثم تنتقل إلى الذي بعده، ثم تنتقل إلى الذي بعده حتى تدخل في هذا الحمى، ومثل هذا يعني: متصور أن هذه بهائم لا عقل لها, لا تأتمر ولا تنتهي إلا بما تراه من حولها إذا كان الراعي معه العصا ويذوده عن هذا المكان تنزجر, وإلا هي تسترسل وترعى تجد الرعي، ((كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه))، قد لا يستطيع منع هذه الدواب وهذه المواشي وقد يستطيع لكن لا يملك نفسه، يتركها يقول الذي حماها لا يراقبون ولا يدري ويش المانع, والأرض واحدها وكلها لله، ويتأول لاسيما إذا كان الحمى بحق، لأن الحمى قد يكون بحق, ومباح إذا كان لمصالح المسلمين العامة, كإبل الصدقة, أو منع الحاكم من دخول هذه الأرض, لأنه ينوي فيها إقامة مشروع للعموم المسلمين, ينفعهم هذا له أن يحمي هذه الأرض، أما بغير حق كأن يحميها لأمواله الخاصة, فهذا لا يجوز، والحديث لم يسق لبيان حكم الحمى، وهنا نقول: أن النص قد تكون دلالته على المسألة أصلية وقد تكون دلالته على المسألة تبعية، دلالته على المسألة تبعية ومن الأخبار ما يساق لبيان الواقع لا لدلالة على حكم أصلاً، لا لدلالة على حكم أصلاً, وهنا

إنما هو لبيان الواقع, لا لبيان حكم الحمى كما ذكر النبي - عليه الصلاة والسلام-، ما يكون في أخر الزمان، ما يكون في آخر الزمان ذكر فيه أمور محرمة, هل معنى هذا أن ذكر النبي - عليه الصلاة والسلام - لها يدل على إباحتها؟ وأن الظعينة تركب من المدينة إلى عدن, أو من المدينة إلى كذا, هذا يدل على جواز سفر المرأة بلا محرم؟ هذا حكاية واقع، حكاية واقع لا يدل على الحكم الشرعي، وليس في مثل هذا الدليل دلالة لا أصلية ولا تبعية، لا أصلية ولا تبعية, والدلالة الأصلية مجمع على العمل بها, ولزومها وأما بالنسبة للدلالة التبعية فهي محل خلاف بين أهل العلم, والشاطبي فيما قرره في الموافقات أنها لا يستدل بها, إنما يستدل بالدليل على ما سيق لأجله، ونجد أهل العلم يستنبطون من الآية أو من الحديث المسائل الكثيرة منها: ما يقرب استنباطه, ومنها: ما يكون الاستنباط ظاهر، وقريب لكنه أبعد من الذي قبله, لكنه يكون وجه الدلالة منه بعيداً, ولا شك أن النص الشرعي حينما يساغ إذا كان من آية أو من حديث ثابت انه من قول الله - جل وعلا- أو من قول من لا ينطق عن الهواء, {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم: 4] لا يخفى عليه ما ينتاب هذا الدليل, وما يعرض له، إذا كان سيق لبيان حكم من الأحكام فتجد من الأحاديث ما استنبط منه أهل العلم أكثر من مائة فائدة، مائة حكم، مائتي حكم, أحكام كثيرة يستنبطون من الدليل الواحد, منها: ما دلالة الخبر عليه ظاهرة ومنها: ما دلالة الخبر عليه متوسطة، ومنها: ما دلالة الخبر عليها خفية، هذا فيما إذا لم يعارض هذا الدليل بمدلوليه الأصلي والتبعي, أما إذا عورض فلا شك أن العمل بالأقوى من حيث الثبوت ومن حيث الدلالة، فمثلاً الحائض تصنع أو تفعل لا يفعله الحاج غير ألا تطوف بالبيت، أستدل به من يقول: أن الحائض تقرأ القرآن، تقرأ القرآن؛ لأن الحاج يقرأ القرآن، لكن الوصف المؤثر في المسألة الحج, وهل من أعمال الحج المقصودة للحج قراءة القرآن, يعني: ليس من أعمال الحج قراءة القرآن ولذا لو حج شخص ولم يقرأ إلى في الصلاة في الصلاة لابد من قرائه فيها, أو أن حائض حجة وفور أن طهرت طافت ولم تتكلم بكلمة، ومع هذا منذ أحرمت

إلى أن حلت ما قرأت شيء من القرآن, حجها صحيح وإلا غير صحيح؟ صحيح فليس القرآن من متطلبات الحج، فالدلالة هنا تبعية ملغاة باعتبار المعارضة, عدا على خلاف بين أهل العلم في ثبوت المعارض وعدم ثبوته، ومثل ذلك حينما يستدل الحنفية على امتداد وقت الظهر إلى مصير ظل الشيء مثليه بحديث: ((إنما مثلكم ومثل من كان قبلكم كمثل من استأجر أجيراً إلى نصف النهار - يعني: إلى الزوال- بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى وقت العصر بدينا، ثم استأجر أجيراً إلى غروب الشمس بدينارين، فاحتج أهل الكتاب, فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجرا))، ولا يمكن أن يكون المثل الأول الذي نصف النهار مثل لليهود، والمثل الثاني من نصف النهار إلى وقت العصر مثل للنصارى، ومثل من وقت العصر إلى غروب الشمس هو غروب المسلمين فحتج اليهود واحتجاجهم ظاهر، وقتهم أطول وأجرهم أقل، احتجاج النصارى, يقول الحنفية: لا يمكن أن يكون ظاهراً وجيهاً إلا أذا قلنا: أن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، لأنه قلنا: وقت الظهر ينتهي إلى مصير ظل الشيء مثله ما قلنا: أنهم أكثر عملاً، هل يمكن أن يستدل بمثل هذا الحديث على وقت الظهر إلى مصير ظل الشيء مثله مع وجود أحاديث صحيحة صريحة، حديث عبد الله بن عمر بن العاص في مسلم: ((ووقت الظهر إلى مصير كل شيء مثله))، يعني: يعارض تعارض هذه الدلالة التبعية التي لن يساق الحديث من أجلها إنما سيق الحديث لبيان فضل هذه الأمة، هذه دلالة تبعية معارضة بدلالة أصح وأصرح منها، أصرح منها فمثل هذا تكون الدلالة تبعية ملغاة على القول بأنه يمكن أن يكون في بعض الأوقات, أو في بعض الأماكن أن وقت الظهر يساوي أو أكثر من وقت العصر, إذا قلنا أنها ينتهي بمصير كل شيء مثله، على أن ابن حزم وهو والواقع يشهد بأن وقت الظهر أطول في كل زمان وفي كل مكان من وقت العصر، حتى على قول الجمهور الذين يرون أن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله، ((ألا وإن لكل ملك حمى))، قلنا: أن هذا بيان للواقع وأن الملوك يحمون، ومنهم: من يحمي بحق فيكون من نوع المباح, ومنهم: من يحمي ظلم, وعدوان, لا حق له في هذا الحمى لمنع المسلمين مما أباحه الله لهم من مصالح الخاصة, وهذا من النوع

المحرم، ((ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه))، ألا وإن حمى الله محارمه، المحارم التي جاءت الأدلة بتحريمها هذه هي الحمى الذي لا يجوز أن يقترب منه, ولذا جاء النص على قوله تعلى: {فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [سورة البقرة: 187] القرب من المحرم يوقع فيه لا محالة، ولذا جاءت الشريعة بسد الذرائع، جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة إلى المحرمات، نسمع الآن الأقوال والمقالات فيما يسمع, ويرى ويقرأ الحملة على موضوع سد الذرائع, حتى قال من قال: بأننا ضيعنا على أنفسنا بسد الذرائع والمحرمات قليلة, فلماذا هذا التضييق؟ وكتب من كتب في الصحف وغيرها بعنوان فتح الذرائع، لماذا؟ لأن المحرمات المنصوصة بعينها قليلة, وهو يريد أن يتنصل عن هذه المحرمات ويترك الحرية لنفسه يفعل ما يشاء، لماذا حرم النظر إلى المرأة الأجنبية؟ هل حرم النظر لمجرد النظر؟ لماذا حرم الاستماع إلى ما يثير الغرائز كل هذا إنما حرم من أجل الفاحشة من أجل الفاحشة الموبقة من الموبقات, - نسأل الله السلامة والعافية-، فالأبواب الموصلة إليها كلها موصدة, وهؤلاء يريدون أن تفتح هذه الأبواب، وهل يعقل أن الإنسان إذا وقع على شفير الشيء أن يملك نفسه دونه؟!!

تقول عائشة: "كان النبي - عليه الصلاة والسلام- يأمرني فأتزر ثم يباشرني وأنا حائض" حتى قرر جمع من أهل العلم أنه يجوز الاستمتاع بما فوق السرة وما تحت الركبة، ويبقى ما دون ذلك حمى لئلا تقرب المرأة وقت المحيض، هذا حمى, وهذا من باب سد الذرائع, وإن كان يوجد ما يدل على استعمال ما فوق ذلك لمن يملك نفسه، لمن يملك نفسه, والعلماء يقررون بالنسبة للقبلة للصائم أنها تجوز لمن يملك إربه, ويمنع لمن لا يملك خشية أن يقع فيما يبطل صومه، سد الذرائع بابه معروف في الشرع ومقرر، {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍَ} [سورة الأنعام: 108] سب آلة المشركين لا شك أنه حصل من الأنبياء، حصل تكسيرها, وتحطيمها, لكن لما كان ذريعة إلى أن يسب الرب - جل وعلا- منع من هذه الحيثية سداً لهذه للذريعة، ألا وإن حمى الله محارمه, فالحرام البين هذا مما لا يختلف فيه ولا يجوز أن يقرب، بل يجب أن يبتعد عنه، الوسائل الموصلة إلى المحرمات لها أحكام هذه المحرمات، والوسائل لها أحكام الغايات، والمحرم والمحارم كلها من الحرمان الذي هو المنع، فيمنع منها ومن قربانها، من أن يقرب منها أو يستعمل الوسائل الموصلة إليها، ((ألا وإن حمى الله محارمه)) فمن يستعمل وسائل هذه المحرمات لا شك أنه يجد نفسه في يوم من الأيام مقارف لهذه المحرمات، مثل ما قلنا: في التدرج في كسب الأموال، تجده يحرص على الحلال في أول الأمر يستبرأ لدينه وعرضه، ثم يقوده النهم، ومنهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب مال، يقوده النهم بعد ذلك إلى أن يأتي إلى الأمور المختلف فيها والراجح جوازها، ثم ينتقل إلى الأمور المختلف فيها والمرجح تحريمها, ثم بعد ذلك يقوده ذلك إلى المحرم المجمع عليه، ((ألا)) وهذه حرف تنبيه وتوكيد أيضاً وإن حرف توكيد حمى الله محارمه، ((ألا وإن في الجسد مضغة))، ألا وإن في الجسد، الجسد والبدن واحد, والمراد به: المحسوس, وهو قسيم الروح والنفس التي يتركب منهما الإنسان، ((ألا وإن في الجسد مضغة))، يعني: بقدر ما يمضغ قطعة لحم صغيرة, بقدر ما يمضغه الإنسان، بقدر ما يمضغه من الطعام، مضغة ((إذا صلحت صلح الجسد

كله))، وصلحت وصلح تضبط بفتح اللام وضمها, والفتح أكثر وأشهر، ((صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) , وإذا كان الأمر كذلك فعلى المسلم أن يُعنى بإصلاح قلبه، أن يكون همه بإصلاح قلبه أكثر من همه بإصلاح بدنه، وصلاح القلب لابد أن يكون الاهتمام به أكثر من الاهتمام بصلاح العمل، وللقلب آفات، أوصلها بعضهم إلى نحو من الأربعين فعلى الإنسان أن يعرفه، وأن يعرف كيف يعالج قلبه منها ليبرأ منها، ومن تبعاتها، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة الشعراء: 88 - 89] فسلامة القلب هي محط النجاة, وهي السبب في نجاة الإنسان يوم لا ينفعه ماله ولا بنوه، ((ألا وإن في الجسد مضغة, إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))، بعضهم يمثل القلب بالملِك، والأعضاء بالرعية، وأن هذا الملك إذا أمر هذه الرعية امتثلت، امتثلت هل يأمر القلب ولا تتحرك اليد، ترفض اليد، إذا لم تتحرك اليد فمعناه: أن هذا الأمر ملغى، ألغي هذه الأمر أرد أن يتناول شيء بأمر من القلب ثم عدل عنه، وبهذا يكون أبلغ من الملك لأن رعيته لا يمكن أن تخلفه بينما الملك يوجد في رعيته من يخالفه، ((إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))، القلب هذا المضغة في بدن الإنسان هي الآمر, وهي الناهي بالنسبة للأعضاء، ,ولا يمكن لعضو من الأعضاء إلا إذا كان هذا العضو معطل وأمره حينئذ يكون لغواً وعبثاً, يعني إذا كانت اليد مشلولة, هل يمكن أن يقول القلب لهذه اليد ارتفعي فتناولي كذا؟ هل يمكن؟ إذا كانت اليد معطلة مشلولة لا يمكنه ومن السفه أن تأمر هذه اليد كما يقال للمقعد اجري، يمكن أن يأتي ملك بكامل عقله يأمر المقعد بأن يجري, أو يأمر الأعمى أن يبصر, إلا على القول بأن الأسباب لا أثر لها كما يقوله الأشعرية، يقولون: الأمر سهل، يقال للأعمى: انظر ما الذي أمامك هذا مقتضى قولهم، لأنهم يقررون أن أعمى الصين في أقصى المشرق يجوز أن يرى بقرة الأندلس، إذا كان يجوز عقلاً عندهم أن يرى بقرة الأندلس, لماذا لا يأمر أن يرى؟ إذا يجوز أمره بأن يرى لأن العقل إذا أجاز هذا

أجاز هذا، إذا أجاز الغاية أجاز الوسيلة، لكن هل هذا من العقل في شيء؟ يمكن إلغاء الأسباب إلغاء كلياً هذا خلل في العقل، كما أن الاعتماد على الأسباب خلل في الشرع كقول المعتزلة، فعلى هذا القلب لا يأمر اليد المشلولة أن ترتفع لتناول ما يحتاج إلى رفع اليد، لكن اليد السليمة التي يمكن أن تتناول، والرِجل السليمة التي يمكن أن تمشي, والعين السليمة التي يمكن أن تنظر, والأذن السليمة التي يمكن أن تسمع, لاشك أنها تأتمر بأمره, ولا يمكن ولا يتصور أن تتأخر عن أمره إلا إذا ألغى هذا الأمر، والقلب الذي هو بهذه المثابة هو محل العقل الذي هو مناط التكليف، هو محل العقل الذي هو مناط التكليف، وهذه المسألة كبرى مسألة محل العقل من البدن مسألة كبيرة جداً ومعضلة من المعضلات فالنصوص الشرعية كلها تخاطب القلب، النصوص الشرعية كلها تخاطب القلب، مع أنها تقرر أن مناط التكليف العقل، رفع القلم عن ثلاثة والمجنون حتى يعقل، فهناك ارتباط بين القلب والعقل لا محالة، يعني: من نظر إلى النصوص جزم بهذا وقطع به بدون تردد، ولذا يقرر أهل العلم أن محل العقل القلب، ويشكل على هذا من حيث الواقع, أنه لو نقل قلب من إنسان إلى إنسان ما تأثر المنقول إليه بأفكار المنقول منه، ولو تعرض الرأس لخلل تأثر العقل وإن كان القلب سليماً, فاعلاً, الذي هو المضغة, هذا إشكال لكن هل من أجل هذا الإشكال نقضي على النصوص التي منها: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَاَ} [سورة الأعراف: 179] هل يمكن أن نقضي على مثل هذا؟ وعلى الجمع بين النصوص التي تخاطب القلب, وتجعل مناط التكليف القلب مما يدل على أنهما شيء واحد، أو أحدهما ظرف, والثاني مظروف, كل النصوص على هذا, هل نقضي عليها بمثل قولهم: أن القلب قد يكون سليماً والعقل مختل أو العكس، قد يكون القلب سقيماً من الناحية الطبية, والعقل سليم الذي هو مناط ومتعلق التكاليف الشرعية، هل نقول: أن العقل شيء مستقل استقلال تام كما يقوله الأطباء عن القلب الذي هو المضغة، حتى قرر بعضهم: أن هناك قلب متعلق بالبدن قلب محسوس قلب متعلق بالبدن محسوس وهو المضغة، وقلب متعلق بالشعور, وهو المعقول ألا محسوس المتعلق بالدماغ، هذا يقوله

بعضهم لكن الحديث يقول في الجسد ومضغة, يعني: محسوسة، وهذا واقع القلب المعروف المعقل في داخل القفص الصدري مضغة, يعني: إذا فتح الرأس يوجد فيه مضغة تعرف بالقلب؟ نعم؟ بإجماع الأطباء لا، فهذا الحديث الصحيح المتفق عليه يقرر أن القلب الذي يتعلق به الصلاح والفساد هو هذه المضغة، وهل مع هذا البيان ما يحتاج إليه من بيان، مع النصوص الأخرى الواردة في الكتاب والسنة؟ لا، لكن ما موقف المسلم من مثل هذه الأمور التي تشاع بين فينة وأخرى على يد الأطباء, أو على غيرهم ممن يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا، هل تختل عقيدة المسلم واتباعه للنصوص الكتاب والسنة بمثل هذا الكلام؟ يعني: أحياناً يظهر لك أشياء محسوسة الحمل يخبر عنه قبل خروجه من بطن أمه بستة أشهر, خمسة أشهر, يقال: ما في بطنها ولد أم بنت ثم يقع الواقع كذلك، وقد يصور بآلاتهم وأجهزتهم والنبي - عليه الصلاة والسلام- يقول: ((في خمس لا يعلمهن إلا الله، لا يعلم ما في الأرحام إلا الله,)) هل تختل عقيدتنا بمثل ما يقرره الأطباء بمثل هذا؟ الاستمطار الذي يدعونه في سورة الواقعة {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ*لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ} [سورة الواقعة: 68 - 70] ما قال: لجعلناه لأنه ما يحتاج إلى تأكيد ما في يمكن أحد أن يتردد في هذا من أجل أن يؤكد له الكلام هو يدعون الاستمطار الآن، هل تختل عقائدنا بمثل هذه الاكتشافات؟ أبداً، نصوصنا على العين والرأس إذا استوعبنا استطعنا أن نوفق بها ونعمة, وإلا فالنصوص قاضية على كل قول، وقد م الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التثبيت، ولذلك إذا تعارضت هذه الأقوال مع النصوص الصريحة الصحيحة نضرب بها عرض الحائط، نضرب بها عرض الحائط، ونقرر أن العقل في القلب كما اتفقت على ذلك النصوص كلها، يعني: وإن قلنا: بقول هو رواية عن الإمام أحمد أن له اتصال بالدماغ، محله القلب وله اتصال بالدماغ، بمعنى: أنه يتأثر بتأثر الدماغ وبذلك تجتمع الأقوال، ويكون المحل الأصلي، والمقر الأصلي للقلب للعقل هو القلب, ويكون هناك مؤثر أخر وهو الدماغ، يعني: كما يتركب الكهرباء من السالب والموجب,

يعني: لا يمكن أن يقوم الكهرباء بواحد منهما, وعلى كل حال القول المحقق أن العقل محله القلب كما يقرره عامة أهل العلم.

إذا كان القلب بالنسبة للمسلم بهذه المثابة مدار الصلاح والفساد عليها, فلماذا يغفل كثير من الناس عن إصلاح قلبه، وتجد كثير من الأمراض المتعلقة بالقلب مستعصية لدى كثير من المسلمين حتى من بعض من ينتسب إلى العلم وطلبه, تجده يقول: حاولنا وعجزنا، حاولنا إصلاح النية, وعجزنا طيب، حاولنا الإقبال على الله والخشوع في الصلاة عجزنا، حاولنا ترك الحسد عجزنا، حاولنا محاربة العجب عجزنا، وتجده يسعى جاهداً لمعرفة أحكام الصلاة, وأحكام الصيام هذا مطلوب: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) لكن المدار على القلب، لماذا لا نسعى في إصلاحه؟ ونجد الكتابات مع أن القرآن والسنة الاهتمام فيهما ظاهر بالقلب وما يصلح القلب ظاهر, لكن نجد المؤلفات عند أهل العلم أقل بكثير من كتب الفقه العملي الظاهر، ونحن بحاجة إلى إصلاح الباطن، لأن المدار على هذا الباطن، والنبي - عليه الصلاة والسلام- يقول: ((التقوى هاهنا)) نعم التقوى خفية محلها القلب لكن علامتها, وعلامات صدق هذه الدعوة تظهر على الجوارح، ولذا يخطأ كثير من يقول: التقوى هاهنا، والأمارات والعلامات عليه ظاهرة بضد ما ادعى، تجده يرتكب المحرم ويقول هذه أمور ظاهر ما في مشكلة، التقوى هاهنا كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام-، يا أخي لو اتقيت لما فعلت، كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام- لابن مظعون لما تأول وشرب الخمر قال: ((لو اتقى الله ما شرب الخمر))، فيكف تعصي الرب بالمعاصي الظاهرةِ وتزعم التقوى, وحقيقة التقوى: فعل الأوامر, واجتناب النواهي، نعم, محلها القلب لكن آثارها تظهر على الجوارح كالشهود، كالشهود للدعوة فإذا كان على الجوارح ما يناقض التقوى فأنت كاذب في دعواك، وإذا ظهر على جوارحك ما يوافق التقوى من فعل الأوامر واجتناب النواهي فدعواك صادقة، فدعواك صادقة، رواه البخاري ومسلم فهو متفق عليه، وفي الصحيح ألفاظ كثيرة لهذا الحديث مثل ما مثلنا: بالمشبهات, والشبهات, ومتشابهات, ومشتبهات, وترجم عليه الإمام البخاري في مواضع من كتابه خمسة كلها استنباطات وأورده في كتاب الإيمان ومحله الأصلي، لأن الإيمان محله القلب, والحديث نص على القلب، وإن كان للجوارح نصيب من الإيمان لأنه

قول باللسان, واعتقاد بالجنان, الذي هو القلب, وعمل بالأركان، فالعمل بالأركان كالأدلة على ما في القلب، والقلب سمي قلب إنما هو لتقلبه ولذا كان كثير ما يدعوا النبي - عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) القلب أيضاً يقال له: فؤاد. بنقل عدلاٍ ضابط الفؤاد، وهو القلب. منهم من يقول إن القلب سمي بذلك لأنه يوجد مقلوب في البدن، لكن هذا ليس بصحيح, لأنه ليس له أعلى وأسفل ليعرف أنه مقلوب, أو غير مقلوب. قررنا أن ينتهي الدرس في تمام الساعة السادسة، فالبخاري - رحمه الله تعالى- أورد الحديث في باب الإيمان وأورده أيضاً في أوائل المعاملات، من أجل اتقاء الشبهات، من أجل اتقاء الشبهات، وأورد حديث أو خبر عن حسان بن أبي سنان حسان بن أبي سنان قال: " ما رأيت شيئاً أهون من الورع" ما رأيت شيئاً أهون من الورع، ((دع ما يريبك إلى مالا يريبك)) هذا يتكلم من مقامه هو لا من مقام عامة الناس أو جل الناس، يعني: إذا كان الورع يستصعبه سفيان وابن المبارك وغيرهما, فضلاً عما دونهما, فكيف يقول حسان بن أبي سنان: "ما رأيت شيئاً أهون من الورع", لأن هناك أمور صعبة وعسيرة لكنها بالمقابل يسيرة على من يسرها الله عليه، يسيرة على من حسان بن أبي سنان سهل عليه الورع يترك أي شيء يشك فيه, يتركه لكن هل هذا سهل على عموم الناس؟ هذا ليس بسهل, يعني: كم نجد في الناس من مرضى يمنعون من أشياء تؤثر على صحتهم ومع ذلك يرتكبونها, فيكف بما يؤثر في الدين، مع أن الدين رأس المال ينبغي أن يكون الاعتناء به والاهتمام به أكثر، لكن واقع الناس يدل على أن اهتمامه بصحتهم بأكثر من اهتمامه بسلامة دينهم، هذا واقع عموم الناس.

تقول: ما رأيت شيئاً أهون من علاج السكر, مثلاً ويش علاجه مثلما قال حسان بن سنان: " كف يدك وأرسل رجلك" يعني: امش كثيراً ولا تأكل كثيراً، هل يطيقه كثير من المرضى هذا العلاج؟ لو أطاقوه ما مرضوا أصلاً, وتجده يمرض ويغمى عليه من هذا المرض ويعود فيأكل، لأن هذه أمورفيها نزاع نفسي وصراع، بعضهم الناس يتغلب عليه, وبعضهم لا يتغلب عليه فحسان بن أبي سنان يستطيع أن يتغلب على ما يوقعه في هذه الشبهات فضلاً عن المحرمات, ولذا تجده يقول: "ما رأيت شيئاً أهون من الورع"، ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) , هذا أمر سهل, إذا كان الإنسان يحمل إلى المستشفى مغمى عليه لأنه أكثر من التمر، وهو مريض سكر، تقول يا أخي: لا تأكل اترك الأكل اقبض يدك وأرسل رجلك, مثل نظير ما قال حسان بالنسبة للورع، يقول: إن شاء الله، إذا طلع من المستشفى, وتجد سبحان الله الابتلاء كان قبل الابتلاء الرغبة في الحلويات والنشويات أقل من الرغبة فيها بعد, هذا الابتلاء بعد هذا المنع، ثم بعد ذلك لا يستطيع أن يملك نفسه, فكيف يملك نفسه أمام مغريات الدنيا بالورع، وحسان بن أبي سنان يقول: "ما رأيت شيء أهون من الورع"، هذا هو الذي قطع أعناق العلماء والعباد فضلاً عن عامة الناس, فكل يتحدث من مقامه، كل يتحدث من مقامه نسأل الله - جل وعلا- أن يستعملنا وإياكم فيما يرضيه، وأن يجنبنا وإياكم ما يغضبه من معاصيه والله وأعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: هل من الشبهات تعتبر وجه من أوجه التحليل فبعض الناس يستحل بعض المنكرات بحجة كونها من المتشابهات واختلف فيها علماء هذا العصر؟

في الحديث الشبهات قسيم للحلال وليست بقسم منه، الشبهات قسيم للحلال، كما أنها قسيم للحرام, وليس بقسم منه فلا يقال: بأنها حلال, ولا يقال: بأنها حرام, ولا يتذرع بكون هذه الشبهة يجوز ارتكابها إلا إذا ظاقت المسالك فبين أن يرتكب أمر فيه شبه، أو أمر محرم سواء، إذا ضاقت به المسالك فارتكاب الشبهات أسهل من ارتكاب المحرم المجمع عليه، مثال ذلك: مسألة التورق التي ذكرناها وأباحاها عامة العلماء منهم الأئمة الأربعة وأتباعهم, وحرمها ابن عباس, وعمر بن عبد العزيز، وشيخ الإسلام ابن تيمية, إذا ما وجد إلا تورق, أو ربا محرم, ماذا ترتكب؟ ترتكب هذه التي عامة أهل العلم على جوازها، فهي أسهل من الربا المحرم بكثير، لكن ليست من الحلال البين لوجوب من يخالف فيها، وإن كان الراجح جوازها فأنت ترتكب هذه الشبهة في مقابل المحرم، لكن لا ترتكبها في مقابل المباح المجمع على حله. يقول: نحن كمسلمون. هذا خطأ كمسلمين، وأيضاً التشبيه هنا بل نحن مسلمون. نعلم أن جميع الأديان اليوم باطلة غير الإسلام؟. لا شك أن جميع الأديان منسوخة، منسوخة بعد بعثة النبي - عليه الصلاة والسلام-: ((والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار)) , {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [سورة آل عمران: 85]، كلها باطلة وأهل العلم ينقلون الإجماع على أن اليهود والنصارى كفار، حتى قالوا: من شك في كفرهم كفر، هذا ما في إشكال. يقول أن جميع الأديان باطلة غير الإسلام فكيف ندعو اليوم للاعتراف بأديانهم؟ لالا لا تجوز الدعوة للاعتراف بأديانهم، يعني: إذا كان الاعتراف من باب إقرارهم بإقرار الشرع لهم بالجزية هذا ما في إشكال، هذا شرع، مجرد إقرارهم في هذه الدنيا، أما في الآخرة لا نصيب لهم فيها, وإن كان المراد بالاعتراف: أنهم على حق فلا, ولا يجوز بحال أن يظن بأهل الفجور خيراً كما قال الحافظ بن كثير: ومن عظائم الأمور أن يظن بأهل الفجور خيراً. للاعتراف بأديانهم الباطلة فما هي حقيقة هذه الدعوات؟

هذا الدعوات التي تقال الآن يعني: حقيقتها فيما يظهر والعلم عند الله – تعالى-، وأنا ما شاركت في هذا، لكن ما سمعنا عنهم, ممن شارك يقول: أننا نتحاور في الأمور المشتركة، الأديان كلها تحرم الظلم، تحرم القتل بغير حق، نتفق على هذا ونبين لأولئك أن ديننا يحرم هذه الأمور فننفي ما نتهم به من الإرهاب واستحلال الدماء وما أشبه ذلك، هذا الذي يقولونه. يقول: إذا كان الإنسان يعيشون معه في مجتمعه كفار, فهل يتعايش معهم؟ وهل يخالطهم؟ وهل تلغى الفروق بينهم؟ المسألة مسألة هجرة, وخلطة, ولكل منهما ما يبرره والهجر علاج، فإذ كان هو الأنفع والأجدى لاسيما من يخالطهم يخشى على تأثره بهم, ولا يرجى تأثيره فيهم, مثل هذا يلزمه أن يعتزلهم كما يلزمه أن يعتزل الفساق من المسلمين, بل من باب أولى وإذا كان يستطيع التأثير فيهم ولا يتأثر بما لديهم من عادات, ومن أفكار فإن هذا يخالطهم ويدعوهم، مع أنه ينبغي أن يحافظ على القدر المطلوب من مبغضهم، لأن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، ولا يمنع ذلك أن يصلهم تأليف لهم، لا يمنع أن يصلهم تأليف لهم إذا كانت هذا الصلة تُجدي وتنفع في دعوتهم. يقول نقرأ الكتب، يعني إذا كان قصده باعتبار أننا مسلمين, أو لأننا مسلمون؟ هذا لا إشكال يعني: إذا كانت الكاف للتعليل هي تأتي فالعبارة صحيحة. يقول: نقرأ الكتب وننتهي من القراءة لكن نحس بأننا لم نضبط الكتاب، نحس أننا لم نضبط الكتاب وأعني بالقراءة القراءة العادية؟

لا شك أن الناس يتفاوتون فمنهم من إذا قرأ الكتاب أدرك منه يعني: قراءة مرور، قراءة عرض, منهم: من يدرك عشرة بالمائة، ومنهم: من يدرك واحد بالمائة، ومنهم: من يدرك عشرين بالمائة, ومنهم: من يدرك خمسين بالمائة, كل على حسبه باعتبار قوة الحفظ والفهم وضعف ذلك، فمن لديه قوة في الحافظة، قوة في الفهم يدرك, ومن كانت حافظته أضعف كان إدراكه أقل، ولكن لن تحم الفائدة إذا قرأت، فقد تختبر نفسك إذا انتهيت من الكتاب, تستذكر لا تذكر شيء، قد لا تذكر شيء وقد تذكر مسألة, أو مسألتين, أو مسائل لكن فرق بينك وبين من لم يقرأ الكتاب أنه إذا طرح مسألة في مجلس أنه طرح مسألة في مجلس أنه إذا طرح مسألة في مجلس أنك تذكر, أن هذه المسألة مرة عليك بينما الذي لم يقرأ الكتاب لا يذكر شيئاً ولو كان من أذكاء الناس وأشد الناس حافظة، لأن تذكر أن هذه المسألة مرة في الكتاب الفلاني قد لا تذكرها بالتفصيل لكن تذكرها إجمالاً، ولابد من التركيز أثناء القراءة، القراءة النافعة يكون فيها تركيز ويكون فيها أيضاً نقل للرؤوس الفوائد ويكون في الكتاب علامات على أن هذا الكلام مهم يحتاج إلى حفظ, أو مهم يحتاج إلى فهم، أو مهم يحتاج إلى نقل في كراسة تذكر فيها الفوائد والنوادر، وغير ذلك من الفنون والمعارف التي يحتاجها الإنسان حسب أهميتها. يقول: ما حكم اللحوم المستوردة من الخارج؟

أما المستوردة من البلدان غير أهل الكتاب, وغير المسلمين فهذه لا شك تحريمها، لأن أكل ذبحية المشرك حرام على المسلم، يبقى ذبحية المسلم وذبيحة الكتابي، {حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ} [سورة المائدة: 5] مباح ثم بعد ذلك حسب ما يغلب على الظن, لأن من البلدان التي كانت بلدان كتابية، منها من تخلت عن دينها, ومنهم من تمرد على دينه، ويغلب على الظن أنهم يذبحون بطرق لا تجوز عندنا, على خلافٍ بين أهل العلم أنه له يلزم أن يذبح الكتابي بطريقة موافقة لطريقتنا, أو لا يلزم بطريقته هو وطعامه حل لنا، لكن الأكثر على أنه لا بد أن يذكي تذكيةً شرعية، ومع ذلك إذا وردنا الطعام من بلاد، من بلاد كتابية, أهلها يهود أو نصارى فإننا نأكل؛ لأن طعامهم حل لنا، من تورع باعتبار أنهم دخلهم ما دخلهم من تنصل وتنكب لأدنياهم من جهة، ومن غل وحقد على المسلمين, تجدهم يصدرون لنا شيء قد يضر بنا سواء, كان يضر بنا من الناحية الصحية, أو من ناحية الدين, قد يدخلوه في هذه الأطعمة التي يصدرونها لنا ما يضر بأدياننا وأبداننا, فمن اتقاها من أجل هذا لاسيما إذا قويت الشبهة فاستبرأ لدينه وعرضه، وإذا ضعفت الشبهة فإن ترك مثل هذا إنما هو كما يقرر بعض أهل العلم من الوسواس، من الوسواس، وبعض الناس يحمله الورع على ترك، ترك الأطعمة التي تزرع في بلده من مسلمين, وهي لا تحتاج إلى تذكية، زروع وثمار هذا الورع وسواس، يقول لماذا؟ يقول: لأن هذا الزرع تدوسه الحيوانات، قد تدوسه الإبل قد تدوسه البقر، ويحتمل أن هذه الحيوانات بالت أو راثت على هذه الزرع أثناء الدياسة، والشافعية يرون أن بول ما يؤكل لحمه حرام، فمن هذا الباب يتقيه، أولاً: كون هذا البول وقع أو ما وقع احتمال، الأمر الثاني: أنه يمكن أن تداس بطرق أخرى، الأمر الثالث: أن القول بحلها راجح والأدلة ظاهرة على ذلك احتمال أيضاً أن تكون دياستها بواسطة الحمر، لكن على حسب ما يقوى، إذا كان أنت تعرف أن هذا المزارع يدوس الزرع بحمر, واحتمال أن تبول هذه الحمر وبولها نجس، على حسب ما يغلب على ظنك, أما إذا كان الغالب على الظن فإن ترك هذه الأطعمة من أجل هذا إنما هو وسواس، وبعضهم يقول: إن هذه الزروع

والحروث في بعضها أوقاف، وبعض الموقوف عليهم أيتام, وقد يظلم هؤلاء الأيتام فلا أخذ منه هذا أيضاً نوع من الوسواس، نعم, إذا عرفت فلان بعينه من المزارعين يغش, أو يرتكب كذا, أو محرمات, أو كذا اجتنب زرعه. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.

شرح الأربعين النووية (7)

شرح الأربعين النووية (7) شرح حديث: "الدين النصيحة" الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول هذا: هل الأسهم من الأمور المشتبه التي يجب الابتعاد عنها؟ أولاً: الأمور المشتبهة ليست على درجة واحدة, فمنها: ما يجب الابتعاد عنه, إذا قويت فيه الشبهة، ومنها: ما ينبغي الابتعاد عنه, وهو ما إذا كانت الشبهة ضعيفة، فالأسهم لا شك أن الشبهة فيها واردة؛ لأن أركان البيع من حيازة المبيع, وقيام هذه المعاملات على أمور أشبه ما تكون بالوهمية فيها: الغرر, وفيها: الخداع، وفيها: النجش، وفيها: أمور كثيرة, ووجد في الواقع ما يجعل الإنسان يجزم بالمنع، لكن المنع على العموم يحتاج إلى شيء من مزيدٍ من النظر في بعض الشركات، أما الشركات التي تسمونها مختلطة لا أدنى ريب ولا شك في منعها, والتي يسمونها النقية, والسلمية هذه الشبهة فيها واردة، وهي التي ينبغي اجتنابها، أما ما وجد فيه الاختلاط بين المباح والمحرم, فإن مثل هذا يجب اجتنابها. يقول: رجل يعمل أجيراً عند رجل غير مسلم ويؤجره على تربية الخنازير, فما حكم أجرته هذه؟ الأجير هذا مسلم ويعمل عند مستأجر غير مسلم، هذا لا يجوز له أن يعمل في تربية الخنازير، ولا يجوز له أن يستأجر على أمر محرم, وامتلاكها وتربيتها, كلها من الأمور المحرمة. يقول: أثبتت إحدى الندوات للإعجاز العلمي أن الفؤاد غير القلب، واستدلوا بأن في القرآن كلمة قلب, وأيضاَ الفؤاد ليس في القرآن كلمة. والكلمتين مختلفتين تؤديان إلى معنى واحد, وهذا على القول بنفي الترادف في اللغة، الترادف يثبته كثير من أئمة اللغة, ومنهم من ينفيه عن الترادف من كل وجه، وأن الفؤاد يأتي بعد السمع, والبصر, في كل الآيات أما إذا ورد القلب فإنه لا تكون بهذه الترتيب {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [سورة الجاثية: 23]. الكتابة ليست واضحة, لكن لا يعني أن الكلمة قدمت, أو أخرت, أن هذا يدل على اختلاف المعنى. دعاء الذهاب إلى المسجد, هل يكرر حتى يستوعب كل الطريق؟ أو يقال مرة وحدة فقط؟ ثم يأتي بما شاء من أذكار مطلقة؟

نعم الأمر كذلك مرة واحدة, ثم يستغل ما بقي من الوقت بالذكر. ما حكم الجمع بين أكثر من دعاء من أدعية الركوع والسجود؟ ((الركوع عظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء))، فيؤتى من الدعاء بما لا يشق, وليحرص الإنسان على الأدعية الجوامع؛ لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. يقول: كثير من الطلبة المتخرجين في الجامعة عندنا نأتي .... بل عندنا هنا في المدينة، يتخلفون بعد تخرجهم سنوات بحجة طلب العلم فهل هذا جائز، وهل يعتبر خروجاً عن ولي الأمر؟

إذا اشترط عليهم ولي الأمر الرجوع إلى بلادهم بمجرد التخرج فلا شك أن هذه معصية؛ لأن المنظور إليه في هذا الشرع نفع البلد الذي جاؤوا منه والذي من أجله جيء بهؤلاء الطلاب للدراسة، مثل هؤلاء الطلبة الذين جاؤوا للتعلم إنما جيء بهم لنفع بلدانهم، وإذا اشترط عليهم أن يعودوا بمجرد التخرج فعليهم أن يعودوا، وهناك حيل يسلكها بعض الطلاب، طلاب العلم ولا شك أنهم يسلكونها للوصول إلى الانتفاع، والأمور بمقاصدها، بعضهم يسلكها للانتفاع في أمور دينه وعلمه ومنهم من يسلكها للانتفاع في أمر الدنيا، بعض الطلاب رأينا مجموعة منهم الجامعة بدلاً من أن تكون أربع سنوات يجعلها في سبع أو ثمان سنوات، يعيد كل فصل، من أجل أن يكون مكثه في هذا البلد فإن كان قصده الإفادة من العلم والتحصيل خارج الجامعة وهذا الأمور بمقاصدها، هذا يؤجر على ذلك، لكن لا شك أن بلده. . . . . . . . . وما في علم الله - جل وعلا - لا يتغير وقد يقع الشيء أو المقضي موقوفاً على سبب، فإن حصل السبب حصل المسبب وإلا فلا، والدعاء سبب من الأسباب، سبب فيكتب له كذا, أو عليه كذا, إلا إن دعا, وفي حديث الصلة صلة الرحم، الخلاف بين أهل العلم معروف باعتبار أن الآجال والأرزاق كلها محددة, حينما أرسل الملك إلى الحمل وهو في بطن أمه, بكتب أجله, ورزقه, وشقي, أم سعيد، {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [سورة الأعراف: 34] , فإذا جاء الأجل لا راد له, إذا حضر، وقبل ذلك قبل مجيئه يمكن أن يؤجل إذا فعل السبب وهو الصلة، هذا القول على القول بأن الزيادة حقيقة في المدة, ومنهم من يقول: إن الزيادة عبارة عن البركة في العمر, بمعنى: أنه يبارك له في عمره, وإن كان قصيراً فقد يعيش الإنسان أربعين سنة، مثل عمر بن عبد العزيز عمره أربعون لما مات, لكن هل هذه الأربعون مثل الأربعين بالنسبة لفلان, أو مثل الستين, أو السبعين , بل المائة, بالنسبة لكثير من الناس؟ النووي أيضاً مات وعمره ست وخمسين, أو أقل ستة وأربعين, ما أدري نسيت أنا، المقصود أنهم أن مثل هؤلاء بورك لهم في أعمارهم البركة ظاهرة، وعلى القول بأن الزيادة ((ينسأ له في أثره)) , زيادة معنوية,

وأن المقصود به البركة هذا لا إشكال, مع تحديد الأجل, وقل مثل هذا في بسط الرزق بسط الصلة سبب من أسباب بسط الرزق، الصلة سبب من أسباب بسط الرزق, فإذا وجد السبب وجد المسبب. يقول: هل يأثم من يتخيل عند جماع زوجته أنها امرأة أخرى يزني بها، - نسأل الله العافية-؟ إذا كان يتصور أنه يزني هذا يأثم، وإذا كان يتصور ويتخيل أن امرأته على شكل غير واقعها وأنها أجمل من واقعها فهذا قد يلحق بحديث النفس، لكنه يواقع زوجته، أما إذا كان يتخيل أنه يجامع فلانة, أو فلانة ممن يحرم عليه هذا لا يجوز بحال، لكن قد يتخيل ويتصور أن زوجته أجمل وأفضل من واقعها، وقد يتخيل صورة يرسمها في ذهنه لا وجود لها في الخارج فمثل هذا قد يعفى عنه, ويكون من باب حديث النفس، أما أن يتصور أنه يجامع امرأة أجنبية معينة تحرم عليه فهذا لا يجوز. يقول: ما المراد بقولكم أن قول أبي حنيفة أحوط في المأكولات؟ لأنه يرى أن الأصل المنع, وغيره يرى أن الأصل الإباحة، وأما في المشروبات فقول الحنفية في النبيذ معروف, وغيرهم يمنعون النبيذ، القواعد التي يطلقها أهل العلم مثل قول الحنفية: الحلال ما أحله الله, وقول غيرهم: الحرام ما حرمه الله، هذه لا تنتقض بوجود مثال أو مثالين يخرج عنها, لا يمكن أن تنقض القواعد, ولكل قاعدة ما يخرج عنها. يقول: هل التورية على الوالدين حتى لا تغضبهم من العقوق؟ التورية في محلها للخروج من مظلمة, هذه شرعية حيلة شرعية، في المعاريض مندوحة عن الكذب، وإذا كنت في عمل خير فقدك أبوك, ولا حاجة له بك في هذا الوقت، وأنت تحضر درس مثلاً, وأبوك لا يرغب في حضورك الدروس، وأنت محتاج إلى هذا الدرس, وليس هو بحاجة إليك بحيث لا يتعارض أمره الواجب تنفيذه مع حضورك الدرس المستحب حضوره, إذا كنت في درس ووالدك لا يحتاجك لكنه لا يرغب في حضورك الدروس لا لحاجة إليك, فإذا وريت جمعت بين الحسنيين, ويكون هذا حينئذٍ من البر. يقول: إذا تلفظ الشخص عند نومه وقال: أما إني متصدق بعرضي على جميع من أخطأ علي أو اغتابني، وهو لم يخطأ عليه أحد هل هذا يعتبر تلفظ بالنية؟

هذا إباحة وتحليل لمن يعتدي عليه على سبيل العموم، سواء وجد أم لم يوجد وهذا يدل على سلامة الصدر, وفعله بعضهم، بعض العلماء فعل هذا وعلى كل حال هذا دليل على أن الإنسان سليم الصدر لا يحمل غلاً ولا حقداً على أحد. يقول: أشكل علي قولكم بأن المتشابهة هو الذي يراعى فيه نظر الناس؟ أولاً: يراعى فيه الشرع، ((فقد استبرأ لدينه)) ثم بعد ذلك قد يراعى فيه قالة الناس, ولذا قال: ((وعرضه))، فإذا خشي أن تقرضه الألسنة بفعله هذا الأمر فليتركه، يعني: ولو كان مباحاً ما لم يضر به فيتركه من أجل أن لا يقع فريسة لألسن الناس، ولئلا يقع في أمر يأثم به الناس من أجله، هذا استبراء للعرض يقول: مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - امتنع عن قتل المنافقين حتى لا يقال أن محمداً يقتل أصحابه مع أنه بين لكن لما يترتب على ذلك. . . . . . . . . النبي - عليه الصلاة والسلام - لما قال هذا الكلام لئلا يقال: إن محمداً يقتل أصحابه, لم يراع في ذلك - عليه الصلاة والسلام – شخصه, وإنما راعى الدين خشية أن يكن ذلك صاداً عن دخول بعض الناس في الإسلام؛ لأنهم إذا سمعوا أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قتل من هم معه في الظاهر خشوا على أنفسهم من القتل فامتنعوا عن الدخول في الدين. يقول: ماذا نقول في تحية المسجد من متشابهات؟

أمس تعرضنا من اعتبار أنها من المتشابهة لتعارض الأدلة، ما من المتشابهة لتعارض الأدلة, فليست من الحلال البين لا سميا في أوقات النهي, ولا من الحرام البين، ليست من الحلال البين؛ لوجود المعارض، وليست من الحرام البين لوجود المعارض، فعندنا أحاديث النهي صحيحة, وصريحة عن الصلاة في الأوقات الخمسة، وعندنا أوامر تأمر الداخل وهذا أيضا الصلاة في أوقات النهي، تأمر الداخل أن يجلس أو تنهاه أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فإذا دخل الإنسان في مثل هذا الوقت حديث صحيح يقول: ((لا تجلس حتى تصلي ركعتين)) , وحديث صحيح يقول: ((لا صلاة بعد العصر)) هذا يورث التشابه، لا شك أن هذا يورث التشابه؛ لأنه ليس من الحلال البين, ولا من الحرام البين، لكن لا يمكن أن يبقى التشابه وأن يكون هذا التشابه لدى جميع العلماء, بل لا بد من التصرف تجاه هذه النصوص, وهناك قواعد للتعامل مع هذه النصوص المتعارضة معروف قول جمهور أهل العلم, وهو المنع مطلقاً من التنفل في هذه الأوقات الأوقات الخمسة، ((لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس, ولا صلاة بعد الفجر أو بعد الصبح حتى تطلع الشمس)) , " وثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا" الأوقات المضيقة الثلاثة، حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيق الشمس للغروب حتى تغرب، حتى تغرب، فهذه الأوقات الثلاثة جاء النهي عن الصلاة فيها، أما الفرائض فلا تدخل للأدلة الدالة على أنها تصلى في أي وقت، ((إذا نام أحدكم عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) يعني: متى ذكرها يصليها، لكن مثل تحية المسجد حديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) يشمل هذه الأوقات وغيرها من الأوقات عام في جميع الأوقات، وحديث الخسوف: ((فإذا رأيتموهما فصلوا فادعوا الله وصلوا)) , في أي: وقت هذا أيضاً عام في الأوقات لكنه خاص بهذه الصلوات، خاص بهذه الصلوات، فالشافعية يقولون: ما دام هذا خاص بهذا الصلوات, وأحاديث النهي عامة في جميع الصلوات فالخاص مقدم على العام, ويصلون في أي وقت هذه الصلوات، ويقولون: أنها من ذوات الأسباب ويطردون في

ذلك في كل ما له سبب, كركعتي الطواف, وركعتي الوضوء، وركعتي الإحرام، كل ما له سبب والجمهور يرون المنع مطلقاً حتى ما له سبب، بناء على أن أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات, والخاص مقدم على العام، وليس قول هؤلاء بأولى من قول هؤلاء، من حيث العموم والخصوص؛ لأنه ليس العموم والخصوص الذي بين هذه النصوص مطلق، لنقول: إن الخاص مقدم على العام، إنما هو عموم وخصوصٌ وجهي، وهذه المسألة مثلما ذكرنا سابقاً يقرر جمع من أهل العلم أنها من عضل المسائل، ما يأتي طالب علم مبتدئ ويقول: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة والخاص يقدم على العام, ويصلي في أي وقت بنفس مرتاحة حتى ولا العكس؛ لأن هذه المسألة ليست بالمسألة السهلة الهينة, وما يقوله الشافعية: بفعل ذوات الأسباب بالجمع والطريقة التي يسلكونها هي معارضة لما يقوله الجمهور بنفس المستوى، بنفس المستوى لكن نحتاج في مثل هذا التعارض إلى مرجح خارجي، يعني: لا نقول أن هذه المسألة من المتشابهات ونسكت؟ مثل من يقول: لا تدخل المسجد في هذه الأوقات، أو مثل من يقول: اضطجع لا تجلس هذه ليست حلول؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - ما ترك شيء إلا بينه، ووجود مثل هذا المتشابه لا يظن أنه من الحرج الذي نفي عن الأمة فينبغي أن ينتفي لا، وجود هذا المتشابهة لا شك أنه لتعظم أجور المجتهدين؛ لأنه لو كان العلم كله سهل وواضح, صار الناس كلهم علماء، صار الناس كلهم علماء، وإذا وجد الترغيب في شيء لا بد أن يوجد في طريقه ما يعوق عن تحصيل كثير من الناس من أجل المجاهدة، من أجل المجاهدة، لماذا؟ لأن الجنة حفت بالمكارة، يعني: لو أن الجنة حفت بالشهوات ما دخل أحد النار، ولو أن النار حفت بالمكارة ما دخلت أحد النار، لكن الحكمة الإلهية, وهذا هو مقتضى التكليف وإلزام ما فيه كلفة أن تحف الجنة بالمكارة، فطريق الاجتهاد فيه شيء من الوعورة وفيه شيء من الصعوبة, لكن الإنسان إذا عرف المقابل، وهو رفعة الدرجات في الدنيا والآخرة، فضل العالم على العابد: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [سورة المجادلة: 11] {شَهِدَ

اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [سورة آل عمران: 18] يعني: مقامات رفيعة جداً, إذا عرف الطالب للعلم هذه الوعود ممن لا يخلف الميعاد هانت في سبيل تحصيله الصعاب، ووجد هذا المتشابهة كالعوائق في طرق التحصيل لمن لا يصبر ولا يصابر، أما من صبر وصابر وثابر, ولديه الأهلية للتحصيل, فإن هذا لا شك أنه يدرك لأنه لا يوجد متشابهة يستغلق على جميع أهل العلم حتى الراسخين, إلا الشيء اليسير عند من يقول به والتشابه نسبي قد يكون متشابهة بالنسبة لفلان، ومحكم, وواضح عند آخرين والعكس. على كل حال مسألة ذوات الأسباب وأوقات النهي, يعني: بدلاً من أن نطيل في المرجحات الخارجية نأتي بالخلاصة, وهو أن الوقتين الموسعين الأمر فيهما سهل، لأن المنع من الصلاة فيهما إنما هو من باب الوسيلة, للمنع من الصلاة في الأوقات المضيقة، فالأصل أن النهي من أجل مخالفة المشركين، والمشركون إنما يسجدون للشمس عند طلوعها, وعند غروبها، فلئلا يسترسل الإنسان في الصلاة حتى يصل إلى الوقت المضيق منع من الصلاة من بعد طلوع الصبح إلى طلوع الشمس وارتفاعها, ومنع أيضاً من صلاة العصر إلى أن تتضيق للغروب فيأتي الوقت المضيق، فالصلاة في هذين الوقتين الموسعين أمرها سهل وأما بالنسبة للصلاة في الأوقات المضيقة, وهي قصيرة فالأمر فيها أشد، والذي يترجح عندي أن الإنسان لو صلى تحية المسجد في الوقتين الموسعين ألا حرج عليه، لكن إذا دخل المسجد في الأوقات المضيقة الثلاثة عليه أن ينتظر، عليه أن ينتظر. هل يجوز الاقتداء بالمسبوق؟ إذا دخلت مع شخص وقد فاتكما شيء من الصلاة فلما سلم الإمام من صلاته قمتما لقضاء ما فاتكما، نعم يجوز أن يقتدي أحد المسبوقين بالآخر إذا كان يصلح أن يكون إماماً له؛ لأنهما في حكم المنفردَين بعد سلام الإمام، الذي يقضي الصلاة في حكم المنفرد ويجوز له أن يقتدي بمن بجواره، لكن النبي - عليه الصلاة والسلام - في غزوة تبوك فاته بعض الصلاة مع عبد الرحمن بن عوف ولم يقتدي بمن بجواره ولم ينقل ذلك لكن لو اقتدى، الأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-.

يقول: متى يقوم المسبوق إلى إتمام صلاته؟ أبعد سلام الإمام الأولى أم الثانية؟ بعد الثانية، بعد السلام الثاني. هل يجوز زواج زوج العم؟ المقصود: أنه ينبغي أن يكون السؤال، هل يجوز الزواج بزوجة العم هكذا؟ لعل المراد هذا، هل يجوز الزواج بزوجة العم؟ زوجة العم ليست بمحرم فإذا طلقها, أو مات عنها وفرغت من عدتها لك أن تتزوجها. يقول: كيف نتقي الشبهات في مسائل الاختلاف مثلاً في ركعتي دخول المسجد بعد العصر؟ إذا كنت أهل للنظر في الأدلة والاستدلال فتعمل ما يؤديك إليه اجتهادك، تعمل بما تدين الله به من علم، وإذا كنت لست بأهل للنظر والاجتهاد ففرضك تقليد من تبرأ الذمة بتقليده، ممن جمع بين العلم والدين والورع. يقول: وجدت ملصق كتب عليه: لا يليق مد الرجلين تجاه المصاحف فما الحكم في ذلك؟ لا شك أن مد الرجلين تجاه المصاحف امتهان، امتهان ولو لم يقصد, أما إذا قصد فالأمر أعظم، سم. بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: قال الإمام العلامة الحافظ النووي - رحمه الله تعالى-: الحديث السابع: عن أبي رقية تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)) [رواه مسلم]. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين: أما بعد.

فيقول النووي - رحمه الله تعالى- في الحديث السابع من الأربعين: وعن أبي رقية تميم بن أوس الداري، الكنية بالبنت سبق الحديث عنها في الدرس الماضي, تميم بن أوس الداري كان نصرانياً فأسلم, وله منقبة لا يشاركه فيها أحد، له منقبة لا يشاركه فيها أحد، وهي أن النبي - عليه الصلاة والسلام - روى عنه، روى عنه حديث الجساسة في صحيح مسلم وهذه منقبة - رضي الله عنه - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((الدين النصيحة))، الدين أشمل وأعم من الإسلام والإيمان والإحسان، بل هو مجموع ما ذكر، الدين هو الإيمان والإسلام والإحسان مجتمعة، بجميع أبوابه وتفاصليه وتفاريعه؛ لأن جبريل لما سأل النبي - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الذي تقدم عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، قال النبي - عليه الصلاة والسلام - في آخر الحديث: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فدل على أن الألفاظ الثلاثة داخلة في الدين، والأمر كذلك في حديث: ((من يرد الله به خير يفقه في الدين))، من يرد الله خير يفقه في الدين، فالدين أشمل من الفقه, والدين أشمل من باب أو أبواب من أبواب العلم، فلا يُستدل على من يُعنى بالتفسير وما يتعلق بالقرآن ما يستدل عليه بأن الفقه أفضل؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) , فهو يتفقه في الدين وإن كان يعاني التفسير، ولا يستدل بحديث: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) , على من يتخصص في العقيدة مثلاً؛ لأنه يتفقه في الدين؛ لأن الدين أعم، ولا يورد هذا الاستدلال على من يتخصص بالسنة والحديث؛ لأنه يتفقه في الدين، فالدين أعم من أن يكون المراد به الاصطلاح العرفي المقصور على الأحكام العملية، المراد بالدين بجميع أبوابه الشامل للفقه العملي, والفقه العقدي, الذي يسميه أهل العلم الفقه الأكبر، وما يؤخذ منه من أصول من الكتاب والسنة, وما يعينه على فهم الكتاب والسنة كل هذا تفقه في الدين، كل هذا تفقه في الدين، الدين بما يشمله مما ذكر النصيحة، ((الدين النصيحة))، الدين مبتدأ, والنصيحة خبر، الدين مبتدأ والنصيحة خبر، والجزءان للجملة من المبتدأ والخبر معرفتان، وإذا كان الأسلوب بتعريف جزأي

الجملة فإنه من أساليب الحصر، أساليب الحصر, فكأن الدين كله النصيحة، وكأنه قيل: ما الدين إلا النصيحة، أو قيل: إنما الدين النصيحة, هذا حصر كما في قوله: "أنما الأعمال بالنيات" أسلوب حصري وتعريف جزأي الجملة من أساليب الحصر الدين النصيحة، وجاء في الحديث: ((الحج عرفة))، الحج عرفة هذا أيضاً حصر, لكن إذا تأملنا في الحديثين الحج عرفة فقط، يعني: الحاج يأتي إلى عرفة ويجلس فيها ويقف فيها ويرجع لا يحرم، لا ينوي الدخول في النسك وهو ركن، ولا يطوف، ولا يسعى وهو ركن، ولا يبيت في منى ومزدلفة وهما من الواجبات، ولا يحلق أو يقصر من شعره وهو واجب من الواجبات، إذا قلنا بمقتضى الأسلوب الحصري, قلنا: للإنسان أن يأتي إلى عرفة ويرجع؛ لأن الحج عرفة، لكن الأمر كذلك أولى، ليس الأمر كذلك، بل أركان الحج كما هو معروف، نية الدخول في النسك، والوقوف بعرفة, والطواف, والسعي، يعني كلها لا بد منها كلها أركان، إذا ما فائدة الحصر في قوله: ((الدين النصيحة)) أو ((الحج عرفة))؟ يعني: هناك حصر حقيقي, وهناك حصر إضافي، الحصر الحقيقي إذا اقتضى مفهومه انتفاء ما عداه، هذا حصر حقيقي، لا إله إلا الله، يعني: لا معبود بحق إلا الله, هذا حصر حقيقي؛ لأنه لا يوجد غيره من يعبد بحق لا يوجد سوى الله - جل وعلا -، وأما بالنسبة لـ ((الدين النصيحة))، و ((الحج عرفة))، والشاعر حسان، والكريم حاتم، وهكذا من الأسانيد التي يفهم منها الحصر, لكنه حصر إضافي، حصر إضافي وليس بحصر حقيقي، فرق بين الحصر الحقيقي الذي له مفهوم والحصر الإضافي الذي لا مفهوم له.

الدين النصيحة، الدين عرفناه أنه بعمومه يشمل جميع أبواب الدين، كله محصور في النصيحة وهي حيازة الحظ للمنصوح له، حيازة الحظ للمنصوح له، من قولهم: نصحت العسل إذا خلصته من الشوائب، أو نصحت الثوب إذا خطته، وكل هذا فيه تسديد للنقص الحاصل، سواء كان في المنصوح, أو في العسل المخلص من الشوائب، أو في الثوب المرفو بالخياطة، هذه حيازة حظ للمنصوح له، ((الدين النصيحة)) قالوا: ولا يوجد كلمة تجمع الخير كله مثل هذه الكلمة, ومثل كلمة: "الفلاح" النصيحة بجميع ما تحمله هذه الكلمة من حيازة للحظ، لمن أسديت له هذه النصيحة، في بعض الروايات ثلاثاً، ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة))، ثلاث مرات كررها لأهميتها، وسكت - عليه الصلاة والسلام -، سكت -عليه الصلاة والسلام-، لكن الصحابة -رضوان الله عليهم- لا يتركون مثل هذا الأمر المجمل حتى يبيَن، وهذا فيما يُحتاج إليه، يقيض الله - جل وعلا - من يسأل ويستفصل، أما ما لا يحتاج إليه فقد يستمر فيه الإجمال لعدم الحاجة إليه؛ لأن هناك أمور مجملة في الكتاب والسنة ليس المكلف بحاجة إلى معرفتها، وهناك مبهمات في الكتاب والسنة ما قال الصحابة - رضوان الله عليهم- من هو؟ {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} [سورة القصص: 20] ما قالوا: من هو يا رسول الله، لماذا؟ لأنه لا يترتب على معرفته فائدة للمكلف، ولو ترتب على ذلك فائدة لبينه النبي - عليه الصلاة والسلام - ابتداء أو لقيض الله له من يسأل عنه، ولا أحرص من الصحابة، يعني بعض طلاب العلم اليوم تجد وده يتمنى أن ينتهي الدرس بسرعة، فتمر أمور مجملة في كلام المعلم فلا يستفصل خشية أن يطول الكلام، صحيح هذا موجود، فهمت يا أخي يقول لك: والله ما فهمت، ليش ما سألت، ما سأل على شان ينتهي الدرس، لكن هل هذا يتصور في الصحابة؟ لا يمكن. ((قلنا: لمن يا رسول الله! ))، النصيحة لمن ما دام الدين النصيحة من ننصح؟، ((قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)). [رواه مسلم].

فهذا يدلنا على أن ما لم يسأل عنه الصحابة لا سيما بعد جمع الطرق للخبر، الذين لم يسألوا عنه نجزم بأننا لسنا بحاجة إلى معرفته، ولو كنا بحاجة إلى معرفته لقيض الله من يسأل عنه كما هنا. ((قلنا: لمن يا رسول الله))؟ النبي - عليه الصلاة والسلام - أخر البيان إلى وقت الحاجة، وأهل العلم يقولون: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، لكنه يجوز تأخيره إلى وقت الحاجة، ((قال: لله، ولكتابه، ولرسوله))، النصيحة لله تكون باعتقاد وحدانيته, وألوهيته، والإيمان بجميع ما جاء في كتابه، وعلى لسان رسوله - عليه الصلاة والسلام - مما يتعلق بالذات الإلهية من أسماء وصفات وأفعال مما صحت به الأخبار، ولا بد من تحقيق ذلك، ولا بد من تخليصه وتنقيته، من شوائب الشرك والبدع، والمعاصي، وهذا تمام النصيحة لله، اعتقاد ربوبيته, وأنه هو الخالق, الرازق, المدبر, المحي, المميت, إلى غير ذلك من أسمائه الحسنى، وكذلك الصفات العلى التي ثبتت لله - جل وعلا - في كتابه وعلى لسان نبيه، وكذلك ما يتعلق به من أفعال العباد من إفراده بالألوهية فلا يدعى إلا الله ولا يصلى إلا لله، ولا يصرف أي نوع من أنواع العبادة إلا لله - جل وعلا-، فلا يشرك به معه غيره كائناً من كان، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، ومع الأسف أننا نجد في أوساط المسلمين من يصرف بعض حقوق الرب لبعض المخلوقين، لبعض المخلوقين, من الأولياء, والصالحين، والأنبياء وغيرهم, ولا شك أن هذا تشريك بل شرك إذا صرف لمخلوق ما لا يجوز أن يصرف إلا لله - جل وعلا- من حقوقه هذا هو الشرك وهذا غش، وليس بنصح، والنصيحة على خلاف هذا، بل لا بد من الإقرار بالربوبية, والألوهية، وما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله - عليه الصلاة والسلام - من أسماء وصفات واعتقاد أنه هو المدبر، وأنه هو الخالق، لا خالق سواه، ولا رب إلا إياه.

نعم يوجد من يصرف بعض حقوق الله كالدعاء, يدعو المخلوق، ويرجو المخلوق، ويخاف المخلوق، ويذبحُ للمخلوق، ويطوف على قبر المخلوق، كل هذه عبادات لا تجوز إلا لله - جل وعلا، ويلبس الشيطان على هؤلاء الذين يعتقدون في الأنبياء والأولياء والصالحين، وأنه من احترامهم وتعظيمهم وتقديرهم أن تبنى عليهم المشاهد, والقباب وغيرها، وتعدى الأمر ذلك إلى أن بنيت على الأوهام، بنيت على الأوهام, ففي كشمير ضريح الشعرة، ضريح من أعظم وأكبر الأضرحة، إيش الشعرة هذه؟ قالوا: إنها شعرة من شعر الشيخ عبد القادر الجيلاني، وعليها ضريح كبير، فوصفوا ما وصفوا من أن المياه تجري من تحت هذا الضريح فإذا جرت وخرجت من الطرف الآخر بيعت كما يباع الطيب، يباع الماء هذا كما يباع الطيب، وهذا غلو، ((إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو))، ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) , اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد, وبنيت المساجد على القبور, ودفن الأموات في المساجد، وعظموا وصرف لهم بعض ما يختص بالله - جل وعلا-.

((لله، ولكتابه))، الكتاب: هو القرآن المحفوظ بين الدفتين الذي نزل به جبريل من عند الله - جل وعلا - على قلب محمد - عليه الصلاة والسلام-، وتناقلته الأمة جيلاً بعد جيل، ووصل إلينا كما نزل محفوظ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر: 9]، محفوظ كما أنزل، مصون من الزيادة والنقصان، لا يجوز أن يزاد فيه حرف, ولا يجوز أن ينقص منه حرف، وقد تكفل الله بحفظه, فلم يتطرق إليه التغيير والتبديل، بينما الكتب السابقة استحفظوا عليها، وُكِلَ حفظها إلى البشر, فما حفظوها بل غيروا, وبدلوا, وحرفوا, وزادوا ونقصوا، ولا أدل على ذلك أنك لا تكاد تجد نسختين من كتاب واحد متطابقتين، وذكر البيهقي في الشعب, في دلائل النبوة، ذكر البيهقي في الدلائل: أن القاضي يحيى بن أكثم دعا يهودياً إلى الإسلام فما استجاب، ولما كان على رأس السنة, يعني: بعد مضى سنة كاملة جاء هذا اليهودي ليعلن إسلامه عند يحيى بن أكثم فقال له: ما الذي منعك من الإسلام لما دعوتك في العام الماضي، وجئت مسلماً في هذا العام؟ قال: في هذه المدة نسخت نسخاً من التوراة، وزدت فيها ونقصت وقدمت وأخرت فذهبت بها إلى اليهود فاشتروها مني واعتمدوها, وصاروا يقرؤونها ويعملون بها، ثم عمدت إلى نسخ نسختها من الإنجيل وفعلت فيها كما فعلت بالتوراة، ثم ذهبت بها إلى النصارى في سوقهم فاشتروها مني تخطفوها من يدي وقرؤوها وعملوا بها، وقد صنعت فيها ما صنعت، ثم عمدت إلى نسخ من القرآن نسختها وغيرت فيها شيئاً يسيراً, لا يكاد يفطن له, فلما عرضتها على الوراقين من المسلمين كل من رآه رماه في وجهي، وقال هذا محرف، فجزمت بأن هذا الدين هو الحق، وأنه هو المحفوظ وهو الباقي.

يقول: يحيى بن أكثم لما حججت عرضت القصة على سفيان بن عيينة فقال لي: هذا موجود في القرآن، هذا موجود في القرآن {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر: 9] تكفل الله بحفظه، وقال في الكتب الأخرى: {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ} [سورة المائدة: 44]، فلم يحفظوا؛ فالقرآن كلام الله تكلم به - جل وعلا - بصوت وحرف مسموع، سمعه جبريل، سمعه جبريل من الله - جل وعلا -، ونزل به جبريل إلى النبي - عليه الصلاة والسلام -، ومنه - جل وعلا- بدأ وإليه يعود، منزل غير مخلوق إلى غير ذلك مما يتعلق بعقيدة سلف هذه الأمة وأئمتها في القرآن فعلينا أن نعتقد ذلك وهو عين النصيحة لكتاب الله, إضافة إلى العمل به، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، إضافة إلى تلاوته حق تلاوته, على الوجه المأمور به, بالتدبر والترتيل، وتعظيمه وعدم امتهانه، وكل ما فيه تعظيم للقرآن فهو مطلوب وهو من النصيحة لكتاب الله، وكل ما يفهم منه ما يخل بهذا التعظيم فإنه ممنوع، فلا تمد الأرجل كما جاء في السؤال إلى القرآن؛ لأنه امتهان, ولا يكتب على ورق فيه قذر, أو شيء من نجاسة, أو ما أشبه ذلك، أو يوضع في مكان متنجس، أو يدخل به في أماكن غير محترمة، كل هذا من امتهان القرآن وعدم النصح له، فاحترامه وتعظيمه, واعتقاد أنه منزل من عند الله - جل وعلا - غير مخلوق، ومنه بدأ ومنه يعود في آخر الزمان, والعمل به بجميع الأوامر فتفعل, وجميع النواهي فتترك على ما سيأتي في حديث: ((إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم, وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)) سيأتي بالحديث في الدرس القادم - إن شاء الله تعالى-.

((ولرسوله))، النصيحة للرسول - عليه الصلاة والسلام-، يعني: كونه يشار إليه بمقتضى الحكمة إذا استشار هذا ظاهر، وإلا فقد يقول قائل: كيف يتم النصح لله - جل وعلا-، وكيف يتم النصح لكتابه، وكيف يتم النصح لرسوله - عليه الصلاة والسلام- ونحن إنما نتلقى الهدى الذي منه النصح من الله, وكتابه, ورسوله؟ النصيحة على الوجه الذي ذكر لا إشكال فيه، ليس معنى أن الله - جل وعلا - بحاجة إلى أن ينصح ويوجه كما أن المخلوق بحاجة إلى ذلك، والكتاب الكامل الشامل، الذي من قام يقرؤوه كأنما خاطب الرحمن بالكلم, هذا ليس بحاجة إلى نصح بمعنى: تسديد فهو الكامل الذي لا يحتاج إلى تسديد؛ لأن أصل النصح التخليص من الشوائب, أو إزالة النقائص، كالخرق بالثوب بالخياطة ونحوها، والله - جل وعلا - وكتابه ورسوله ليسوا بحاجة إلى النصيحة بهذا المعنى, وإنما النصيحة لهم بالمعنى الذي تقدم، النصيحة للرسول - عليه الصلاة والسلام - باعتباره بشر ينوبه ما ينوب البشر، ويعتريه ما يعتري البشر، النص ظاهر, يعني: استطب - عليه الصلاة والسلام -، وطب غيره واستشار في الحروب، وأشير إليه, وحينئذ يجب بذل النصيحة، وإذا حرم الغش لآحاد الناس, فلن يحرم بالنسبة له - عليه الصلاة والسلام - من باب أولى, هذا من هذه النواحي وهي أمور يسيرة، لكن هل النبي - عليه الصلاة والسلام - باعتباره مؤيداً بالوحي هو بحاجة إلى نصيحة آحاد الناس، فيما استشار فيه - عليه الصلاة والسلام، لا شك أنه مأمور بالمشورة، وأن المستشار لا بد أن ينصح له من هذه الحيثية، وما عدا ذلك فالمراد بنصيحته الإيمان به, والاقتداء, والائتساء به, واعتقاد أنه معصوم فيما يبلغ به عن الله - جل وعلا -, وأنه أكمل الخلق, وأعظم الخلق, وأكرم الخلق, وأتقاهم, وأخشاهم لله - جل وعلا -، واعتقاد تعظيمه من غير غلو يخرجه, من كونه عبداًً لله - جل وعلا - رسولاً منه، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [سورة الإسراء: 1] لا يجوز أن يصرف له باسم التعظيم شيء من حقوق الرب - جل وعلا -، لا له ولا لغيره, وإنما اعتقاد كماله البشري، وإلا فقد قال - عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع))، فهو بشر من هذه

الحيثية, لكن بالنسبة للبشر هو أكملهم, وهو خيرهم, وهو أفضلهم، وهو سيد ولد آدم، وفضائله وشمائله، ومعجزاته ودلائل نبوته أكثر من أن تحصر. ((ولرسوله)) أيضاً ما يتعلق بسنته، تعظيم السنة من النصح للرسول - عليه الصلاة والسلام-، إذا كان النصح للكتاب جاء على سبيل الاستقلال, فالنصح للسنة جاء تبعاً للنصح له - عليه الصلاة والسلام - ومعنى النصح للسنة العناية بها، العناية بها, والاهتمام بشأنها, والعمل بمقتضاها، العمل بمقتضاها.

((ولأئمة المسلمين وعامتهم)) وهؤلاء بحاجة إلى النصح, بمعناه العرفي، ((ولأئمة المسلمين))، أئمة المسلمين طائفتان من الناس كما يقرر ذلك أهل العلم، هم ولاة الأمور, ممن ولاهم الله - جل وعلا - أمور المسلمين، هؤلاء هم الأئمة, وأئمة المسلمين هم علماؤهم، علماء الأمة المجتهدون, المخلصون الناصحون لله ولرسوله، كلا الطائفتين داخلتان في أئمة المسلمين, فكيف ينصح أئمة المسلمين سواء قلنا: هم العلماء, أو الحكام؟ ينصحون، بالنسبة للحكام لا شك أنهم بشر، يعتريهم ما يعتري البشر، وقد يزيدون على البشر باعتبار أن الله - جل وعلا - مكنهم، مكنهم من دماء الناس, وأموالهم, وأعراضهم؛ لأن بأيديهم القوة, والسلطة, فهذه الأعمال مظنة لوقوع ما يُمنع شرعاً، فالنصيحة لهم تكون ببيان الحق لهم، وتنبيههم على ما يقعون فيه من مخالفات، ويجب أن يكون هذا بأسلوب يحقق المصلحة ولا يترتب عليه مفسدة؛ لأن المنكر لا يجوز أن يزال بمنكر، المنكر لا يجوز إزالته بمنكر، وقالوا: أيضاً من النصح لولي الأمر جمع الكلمة عليه، وعدم تفريق الناس عنه، ونشر محاسنه لتجتمع عليه الكلمة, والكف عن ذكر مساوئه لئلا تنفر القلوب عنه، مع بيان أن هذا العمل من غير تنصيص على أن يكون من فلان أوعلان، أن هذا العمل محرم؛ لأن البيان لا بد منه وقد أخذ العهد والميثاق على أهل العلم أن يبينوا؛ لأنه إذا ارتكب محرم ولم يبين عامة الناس يظنونه مباح، لكن لا يلزم أن يقال: أن الأمير فلان، أو الوزير فلان, أو فلان أوعلان ارتكب كذا, أو فعل كذا؛ بل الأسلوب الشرعي: "ما بال أقوام يفعلون كذا" , البيان لا بد منه, بما يحقق المصلحة، وولي الأمر ينصح، وكذالك عامة الناس الأصل في النصيحة أن تكون سراً؛ لأنها أقرب إلى الإخلاص وأدعى إلى القبول؛ لأن الإنسان إذا نصح علناً ولو كان من آحاد الناس الاحتمال الأقوى أنه يصر ويعاند, ويستكبر, لكن إذا نصح سر بالأسلوب المناسب فإنه في الغالب يقبل، وولي الأمر من أولى الناس بذلك، لكن لا يعني: أنها تمر الأمور المحرمة وتمشي على عامة الناس من غير بيان لحكمها، يبين أن هذا الأمر محرم، لكن قد يقول قائل: أنه قد لا يمكن البيان في بعض الأمور إلا بمعرفة أصحابها،

يعني: بعض الأمور يستقل بها شخص من الناس، يصرح بتصريح أو يأمر بأمر فيه معصية، وتتناقله الوسائل ويعرف الناس كلهم أن هذا صدر من فلان، فإذا بين على المنبر عرف الناس أن المقصود فلان، مثل هذا لا شك أنه يبادر بالنصيحة سراً ليرجع عنه ويبين هو بنفسه للناس، لكن لا يمنع أنه إذا مرت هذه المسألة وجاء لها مناسبة بين حكم الله فيها، لتقوم الحجة على من أراد أن يفعل مثل هذا الفعل، ولعل من فعله أن يرتدع من غير تسمية له, ومن غير إجلاب عليه, وإثارة لعموم الناس.

((ولأئمة المسلمين)) بالنسبة للطائفة الثانية من أئمة المسلمين وهم العلماء، كيف يتم النصح لهم وهم أهل العلم الذين يتوقع منهم ويتوخى منهم النصح لغيرهم؟، لا شك أنهم بشر وظروفهم هي ظروف الناس، وحاجاتهم ومطالبهم هي حاجات الناس، وأُسرهم وما تتطلب هذه الأسر هي ما يتطلبه عامة الناس، لكن يبقى أن أهل العلم باعتبار ما عندهم من علم الأصل فيهم الخير، الأصل فيهم الخير، وإن وقع خلافه فهو قليل نادر مع تأويل لارتكابه, أو مع ضغط عليه رأى أنه لا يستطيع الوقوف أمامهم، الآن بيوت بعض طلاب العلم فيها ما ينكر مثل ما في بيوت الناس، والسبب في ذلك التوسع في المباحات، وفتح الباب لأمور الدنيا لما فتحت على الناس فتح الباب على مصراعيه، فصارت بيوت بعض طلاب العلم مثل بيوت عامة الناس، بل مثل بيوت علية القوم، ويحصل فيها ما يحصل من مخالفات، هؤلاء بحاجة إلى نصيحة، هؤلاء بحاجة إلى نصيحة، وهم أولى من غيرهم بالنصيحة لماذا؟ لأنهم قدوات ويضل بسببهم فئام من الناس, بخلاف عامة المسلمين إذا ضل هو قد يقتدي به من يعجب به, لكن عموم الناس ما يقتدون به، ما يتقدون بعامي لكن يقتدون بعالم، فإذا حصل منه مخالفة اقتدى به، وأنا أعرف أسرة كبيرة مكونة من أُسر لا يوجد عندهم خادمات, لما وجدت خادمة في بيت واحد منهم من طلاب العلم, كلهم استقدموا خادمة لماذا؟ لأنه قدوة بالنسبة لهم، وكلهم يتداولون هذه المقالة لو أن الخادمة فيها شيء ما استقدمها فلان، والمسألة في الاستقدام بغير محرم، وهذا حرام لا يجوز أن تستقدم بغير محرم، أما وجود الخادمة في البيوت مع الحاجة إليها مع الحاجة إليها فهذا قيد لأنها أجنبية، وذريعة لأن يوجد شيء من الفساد, وقد وجد وأيضاً مع انتفاء الخلوة المحرمة, والاحتشام الكامل, والحيطة, والحذر, كل هذا بالنسبة للحاجة تبيحه الحاجة مع وجود هذه الاحتياطات مع أن السلامة لا يعدلها شيء، السلامة لا يعدها شيء، يعني: لو أن إنساناً قال: إن زوجته لا تطيق عمل البيت، فهي إما أن تغسل الثياب, وتنظف البيت, أو تطبخ الطعام، أو نحضر خادمة لتتولى بعض الأعمال، وقد يقوم مقام الخادمة شراء الطعام جاهزاً وما يصرف للخادمة يدفع فرق لهذا الطعام الجاهز,

نقول: هذا حلال؛ لأنه كم وقع من المصائب والكوارث في بيوت المسلمين بسبب الخدم والسائقين، ووجد أيضاً أنواع وضروب من السحر, ووجد ظلم في البيوت من قبل أربابها لهؤلاء الخدم والسائقين؛ فالأخطاء مشتركة بين الجهتين، إذا وجدت هذه الأمور في بيت عالم من علماء المسلمين لا شك أن الناس يبادرون بالاقتداء به ويقلدونه فيما يصنع، فإذا وجدت هذه عند العامة فضررها لا شك أنه أخف من أن توجد عند عالم، ولذا نُص عليهم على جهة الاستقلال، أئمة المسلمين, من أئمة المسلمين من يقع عنده الخطأ في نفسه, أو فيمن تحت يده فتسدى إليه النصيحة بالرفق واللين من صغير إلى كبير، يستشعر هيبة من أمامه بالأسلوب المناسب، وإذا أفتى بفتوى مخالفة للدليل فينصح وتتخذ الإجراءات المناسبة، أولاً: يتثبت من صدور هذه الفتوى، يتثبت من صدور هذه الفتوى، وقبل ذلك ينظر في هذه الفتوى, وموافقتها للدليل أو مخالفتها للدليل؛ لأنه قد يصدر فتوى يستغربها بعض الناس، فإذا تأملت وبحثت وجد أن لها أصل، وأنها ليست بخطأ، ولو خالف ما عليه غالب الناس، ثم إذا تثبتنا وتأكدنا من أن هذه الفتوى مخالفة لدليل شرعي, أو يترتب عليها إثارة، يترتب عليها مفسدة نتأكد من صدورها عنه. وما آفة الأخبار إلا رواتها.

فقد يشاع عن فلان أنه أفتى بكذا، ثم إذا ذُهب إليه ونُصح نفى، قال: لم أقل هذا, وإن وجد في بعض صفوف طلاب العلم, من يقول الكلام ثم ينفيه، يقول: ما قلت فيزيد الطين بِله، يزيد المخالفة الشرعية يزيد يضيف إليها الكذب, - نسأل الله العافية -، هذا حُفظ على بعض من يتصدر الفتوى في وسائل الإعلام ثم بعد ذلك ينفي، لكن العبرة بأهل العلم الصالحين المصلحين المخلصين، أهل العلم والدين والتقوى والورع والعمل، هؤلاء ليسوا بمعصومين، ليسوا بمعصومين، يصدر منهم الفتوى التي لم يستفرغ وسعه وجهده في دارستها والنظر في عواقبها, فيذهب إن كانت النصيحة بواسطة من يهابه هذا العالم لعلمه أو سنه، أو لطريقته في معالجة الأمور, كان أفضل وإلا فعلى من سمع أن يذهب إلى هذا العالم, ولا يقول له: أنت قلت كذا وهو خطأ، لا، يأتي على سبيل الاستفهام، يقول: يا ... يسأله مسائل, يدخل هذه المسألة من بين هذه المسائل؛ لأن النفس تأنف من المواجهة، النفس البشرية جبلت على هذا، وهو موجود وملاحظ في عصرنا، النصيحة ثقيلة حتى عند طلاب العلم، يعني تأتي إلى إمام مسجد وتقول له: حصل منك كذا، لا يطيق مثل هذا الكلام، وهو في الأصل طالب علم حافظ القرآن كل هذا لأن النفوس والنيات مدخولة, ليست صافية وإلا فالمفترض أن يفرح بمن أهدى إليه هذه النصيحة، إذا جاء إلى العالم يقول له: ما رأيك في كذا؟ وما قولك في كذا؟ وينبسط معه في الكلام حتى ينشرح له صدره، ويسأله عن مسائل يجيدها هذا العالم ويميل إليها, ويرتاح إليها, حتى يجد الطريق والمسلك إلى قلبه، ثم يقول: ما رأيك في كذا؟ ما رأيك في كذا؟ يعني معالجة الأمور لا بد منها بالحكمة؛ لأن الهدف الإصلاح, فليس الهدف أن يقول: والله فلان ذهب إلى الشيخ الفلاني الكبير وغير رأيه، هل هذا هو القصد؟ هل هذه هي الغاية؟ أبداً الغاية أن المنكر يزول، فعلينا أن نستعمل الوسائل المناسبة، والناس يتفاوتون في قدراتهم, وإدراكهم، بعض الناس من أول وهلة تستطيع أن تدلي بما تقول من أول كلمة، والأمر عنده سهل ولا ينتبه لما تصبو إليه وتريد من أول الأمر، وبعضهم لا، لا بد أن تأتي بمقدمات وتشرق وتغرب ثم في النهاية تعطيه ما عندك، كل هذا من أجل أن

ينفتح الصدر، ويستعد لقبول ما يلقى إليه، ما رأيك في كذا وقد قيل به في هذا الوقت، وقال به فلان من المتقدمين؟ لا يشعر أنه هو المقصود مباشرة، لكنه لكن عامة أهل العلم على خلافه والدليل الفلاني يقتضي رده وهكذا .. المقصود أنه يأتي بأسلوب مناسب ليدخل إلى قلب هذا الشيخ, لا سيما إذا كان كبيراً في السن كبيراً في العلم، وكل وإنسان يعامل بما يليق به. العامة نصيحتهم ظاهرة بدلالتهم على الخير, وكفهم على الشر باللين, والحكمة, والرفق، فيدلون على ما يصلح شأن دينهم ودنياهم، حتى لو وجدت إنساناً دخل في مشروع يغلب على ظنك أنه يخفق فيه تنصحه، تقول: هذا المشروع والذي يظهر والله أعلم وقد جُرب, أنه لا جدوى من ورائه هذه نصيحة، وإذا كان ينشغل بأمور مفضولة ويترك أمور فاضلة تُسدى له النصيحة, بأن يهتم بالأهم فالأهم. وجدت على هذا الشخص ملاحظة, أو نقل من قبل أهلك نقلوا لك ملاحظة على أهله إن كان أهلك ممن يستطيع التغيير والنصح يقدم النصيحة للأهل مباشرة، وإذا كانوا لا يستطيعون ونقلوا لك فعليك أن تسدي النصيحة لقيِّم هذه المرأة, وولي أمرها؛ فيحصل الخير لا سيما مع الرفق واللين، ولا مانع من أن تبدى بعض المحاسن، يقال: والله يا فلان أنت يلاحظ عليك ما شاء الله المبادرة إلى المسجد, والمحافظة على الصلوات، والإكثار من قراءة القرآن، وما شاء الله كل يدعو لك ويثني عليك, لكن يلاحظ أن ثوبك نازل قليلاً عن الكعب, ولا يخفى عليك ما جاء من قوله - عليه الصلاة والسلام-: ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)) , ولا يظن بك أنك تجر ثوبك خيلاء, لكن هذا النص وعليك أن تمتثل بالأسلوب الذي يحقق المصلحة, بمثل هذه الطريقة يقبل الحق، لكن لو قلت له مباشرة: هل تعلم أن جُزأك الأسفل في النار، وأبو طالب عليه نعلين من نار يغلي منهما دماغه، مباشرة إيش يرد؟ هذا في الغالب لن يقبل، لكن بالأسلوب المناسب يبين له ما عنده من محاسن لكي تستطيع أن تلج إلى قلبه.

أيضاً بعض الشباب يكون عندهم حماس، يرون بعض المنكرات فيأتون إلى العالم أو طالب العلم مندفعين، بعضهم يرى أن هذا منكر، وهو في الحقيقة ليس بمنكر أو مما اختلف فيه, أو الأثر المترتب عليه ما يستحق كل هذه الحماسة، وبعض المشايخ لا يوفق لمعالجة أوضاعهم فيزيد الطين بلة، يعني: بدلاً من أن يكون متحمس على مسألة يتحمس على مسائل ثم على هذا العالم, ويجر إليه بقية العلماء، يقول بقية العلماء بهذه الطريقة, ثم ينقم على المجتمع كله، لكن ماذا لو إذا جاء هذا الشاب المتحمس وقد رأى منكراً، ولا يظن به أنه جاء إلا لتغيير هذا المنكر، والنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه)) هذا العالم أو طالب العلم الذي أتى إليه هذا الشاب أو هؤلاء الشباب لا بد أن يتعامل معهم بأسلوب يمتص هذا الحماس منهم، لا يقال: أن الغيرة تزال من قلوبهم لا، الغيرة لا بد منها لكن بإزاء هذا المنكر يدعى لهم ويقول: أنتم ما جئتم إلا غيرة لله, وعلى محارم الله, وعلى أعراض المسلمين, وعلى كذا وجزاكم الله خير، لكن تعلمون أن كذا وكذا, يعني: يقدم بمقدمة ثم يلج إلى قلوبهم, ويملي عليهم ما شاء، وهو بدوره بلغته هذه الرسالة منهم, وعليه أن يوصلها إلى من فوقها وتنحل الأمور والإشكالات بهذه الطريقة، أما أن توصد الأبواب في وجوه الشباب هذه آثارها ليست بجيدة, ينقمون على هذا العالم، ويطردون يقولون كل العلماء بهذا الطريقة ما وجدنا من يستقبلنا, ثم بعد ذلك ينقمون على المجتمع ويحصل منهم ما يحصل، وليس هذا بمبرر لمن يحصل منه ما يحصل، أنه استعمل معه هذا الأسلوب وأن يكون مبرر له أبداً، هو المسئول الأول عن عمله، ويسأل عن عمله أيضاً المتسبب، لكن لا يعفيه أنه سلك معه هذا المسلك أن يخرج بأعمال تخريبية, أو ما أشبه ذلك, أبداً هذا لا يعفيه من المسئولية هو المسئول الأول عن عمله لكن أيضاً المتسبب له دور في مثل هذا، فعلينا أن نعالج الأمور كلها بالحكمة، فمثل هذا الشاب المتحمس الغيور, الذي رأى رجل مثلاً يخاطب امرأة, أو رأى امرأة كاشفة متبرجة, وأراد أن يحد من هذه المظاهر السيئة يأتي، هو لا يستطيع أن يصل

إلى المسئولين يأتي إلى من فوقه من طلاب العلم أو من العلماء, عليهم أن يبادلونه نفس الشعور، ويمتصوا ما عنده من حماس ويعدوه خيراً وبذلك تنتهي الأمور، ثم من بلغه مثل هذا الأمر ممن يصل إلى صاحب القرار أن يبلغه، وبهذا تزول المنكرات بهذه الطريقة، وهذا من النصح لعامة المسلمين, وطلاب العلم في أوائل الطلب هو محسوبين على العامة، يعني: ليسوا من أهل العلم، هم محسوبين من العامة والنصح معهم يكون بهذه الطريقة. أيضاً العالم عليه أن ينصح، ولي الأمر عليه أن ينصح, ويحرم عليه أن يغش، وكل من ولاه الله شيئاً يجب عليه أن ينصح، ولا يجوز أن يغش من ولاه ومن استرعاه الله عليهم؛ فالوالد عليه أن ينصح الأولاد, والأم عليها أن تنصح الأولاد، والمعلم عليه أن ينصح الطلاب, وولي الأمر عليه أن ينصح للرعية وهكذا، فالنصح عام لكل أحد، ولذا جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي في البيعة: ((والنصح لكل مسلم))، والنصح لكل مسلم، حتى أن جريراً من باب النصح ماذا صنع؟ اشترى فرساً بثلاثمائة، ثم لما تم العقد قال لصاحبه: فرسك يستحق أكثر من ثلاثمائة، أتبيعه بأربع مائة؟ قال: نعم، فلما قال: نعم، قال: فرسك يستحق أكثر من ذلك، فما زال به إلى أن صارت القيمة ثلاثة أضعاف، كل هذا من النصح، وهذا من النصح، والباعة لا أقول كلهم بل غالبهم، مسالكهم تختلف عن هذا كثيراً، تجد الشخص يجد سلعة عند شخص لم يعرف ارتفاع قيمة هذه السلعة ارتفعت قيمتها لكن صاحب هذا المحل ما عرف وهي موجودة عنده من قديم، فإذا قال له: هذه السلعة بخمسمائة ويعرف المشتري أنها وصلت إلى ألف، قال: لا يا أخي خمسمائة كثير، علها أن تكون بثلاثمائة، ما يقول سلعتك تستحق أكثر مثلما قال جرير لا، لعلها تكون بثلاثمائة هو يبي يشتري بخمسمائة, لكن لو قال اشتريت مباشرة أعاد النظر, قال: ما جزم وشرى بهذه السرعة إلا أن فيها غبن ونزول، فتجد المشتري يماكس وإن كانت القيمة نازلة؛ بل بعضهم قد يدلس, ويقول: إنه رآها تباع بكذا، وقد رآها قبل عشر سنوات مثلاً، أنا والله حظرتها بيعت بثلاثمائة هذا يمكن قبل عشر سنوات نعم. طالب:. . . . . . . . .

هو ما كذب رآها، رآها لم يكذب، لكن متى؟ فيختلف، والأقيام تختلف من وقت إلى آخر، فعلى الإنسان أن ينصح، فعلى الإنسان أن ينصح لكل مسلم، وثق ثقة تامة أن النصيحة لن تخسِّرك في دنياك أبداً، بل الربح هو الظاهر، رأينا من أرباب التجارات من ينصح المشتري، يقول: أنا والله السلعة عندي هذه اشتريتها بسعر مرتفع ولا أبيعها بخسارة, لكن هي عند فلان يبيعها بأقل؛ لأنه تيسر له أن يشتريها بأقل، هذا نصح للمشتري، فكما يحصل النصح للبائع يحصل النصح للمشتري، وهكذا فالنصح لعامة المسلمين مطلوب كالنصح لخاصتهم. يقول: رجل يمتلك أرضاً وأراد بنائها، فوجد فيها قبراً وظهر رفاته، وتبين، فهل يتركه أم يحمله إلى المقابر المجاورة؟ أولاً: عليه أن يسأل ويتأكد أن هذه الأرض ليست مقبرة، ولا وقفت للدفن بها، فإن كانت مقبرة ووقفت للدفن فيها, فإنه لا يجوز بيعها؛ لأنها وقف, فلا يجوز بيعها, وإذا تأكد أنها مباحة وليست وقفاً من أجل الدفن, فيجوز بيعها وكان الناس يدفنون في بيوتهم, وأفنيتهم, ومزارعهم, القبر والقبرين، وهذا لا يجعل الأرض وقف، لكن المكان الذي فيه هذا القبر وقف، لا يجوز بيعه، لا يجوز بيعه، محل هذا القبر لا يجوز بيعه، فهو مستثنى من الأرض, ماذا عما لو اشتريت الأرض ولم يعرف أن فيها قبر؟ أنت بالخيار تردها إلى صاحبها, وتقول: فيها قبر، والقبر هذا لا شك أنه لا يجوز بيع موضعه؛ لأنه بمجرد الدفن فيه صار وقفاً على هذا القبر، على هذا المقبور، هذا المكان، ويمكن أن لو نبش الأرض ووجد فيها قبور أخرى احتمال، فإذا لم يوجد فيها إلا قبر واحد، ولا يوجد فيه إلا رفات وعظام يسيرة ويتضرر بوجودها، وقدا شتراها وانقرض البائع وانتهى, أو اشتريت من قديم ولم يطلع على هذا القبر إلا .. فلو نقل هذه الرفات إلى مقبرة مجاورة أرجو أن لا باس به. رجل قائم على حلقات التحفيظ للقرآن الكريم وشارك في الأسهم بمبلغ قدره مائة ألف، وذهب هذا المال فهل يعد ضامناً له أم لا؟

أولاً: هل صرح له بالعمل في هذه الأموال أو لا؟ خول له أن يعمل في هذا الأموال أو لا؟ إذا لم يخول له أن يعمل بها ولو عمل بها لمصلحة التحفيظ فإنه يضمن, عليه الضمان، أما إذا خول من جهة تملك، وقيل له: اتشغل بها وضارب بها, فإن كان أميناً فلا شيء عليه إلا اليمين, وإن كان مفرطاً فإنه حينئذ يضمن. يقول: هل يجوز أخذ الجنسية في دولة كافرة لمن يعيش فيها وليس من أهلها للضرورة كأن يتمكن من استقدام أهله ونحوه؟ على كل حال المكث والبقاء بين أظهر المشركين لا يجوز إلا لمن عجز, كالمستضعف مستثنى في القرآن، المستضعف الذي لا يستطيع الهجرة ولا بالحيلة هذا مستثنى، يجوز له أن يبقى وإذا اضطر لأخذ الجنسية لعدم تمكنه من الهجرة, وعدم بقائه بدون جنسية فالضرورة لها أحكامها. يقول: هل هناك تعريف عام للعالم أو العلامة لمن يقال: هو عالم، هل هناك مرتبة معينة من الدراسة أو حفظ بعض الكتب، أو في قراءة. . . . . . . . .؟ لا، ليس فيه هناك حد محدود، لكن إذا اشتهر بالعلم وكان لديه بالفعل علم بدليله يقال: له عالم وإذا استفاض في الأمة علمه, وانتشر نفعه قيل له علامة بصيغة المبالغة. يقول: وهل المحدث كما قيل في كتب المصطلح من كتب عشرين ألف حديث إملاءً, وهل الشيخ الألباني يصح أن يطلق عليه؟ في عصر الأئمة قد يقال: إن من يكتب عشرين ألف حديث في تسميته محدث نظر؛ لأنه يوجد من يحفظ خمسمائة ألف حديث، سبعمائة ألف حديث، مائة ألف حديث فهذا عشرين ألف حديث طويلب بالنسبة لعصرهم, لكن ماذا عن عصرنا الذي يحفظ الأربعين يقال له إمام، - والله المستعان-، المسائل نسبية كل عصر له أهله، ولكل زمان دولة ورجال، يعني: الذي يحفظ مثلاً ألف حديث بأسانيدها يمكن أن يقال: له محدث الآن، وإذا لم يصح تسمية الشيخ الألباني - رحمه الله - وهو الإمام المجدد في هذا الباب إذا لم يصح أن يقال له: محدث، فلا أعرف أحد يستحق هذا الوصف إلا أن يكون الشيخ ابن باز- رحمة الله عليه - الذي يجمع بين الرواية والدراية فالشيخ الألباني – رحمه الله - رأس من رؤوس الحديث في هذا العصر.

يقول: هل يعتبر تصوير ذوات الأرواح من المشتبه الذي يجب تجنبه لأن بعض طلاب العلم إذا فعل ذلك وأنكر عليه يقول: إنه لا إنكار في موضع الخلاف؟ أولاً: كون التصوير محرم هذا مما لا خلاف فيه، جاءت فيه النصوص الصحيحة الصريحة لكن الاختلاف في تحقيق المناط في هذه المسألة، هل التصوير بالآلة يدخل في النصوص أو لا يدخل، وهل الذي صور صاحب الآلة أو الذي صورت الآلة، أو هل هذا تصوير مضاهي لخلق الله؟ أو أنه هو خلق الله حفظ بهذا الصورة على هذه الورقة؟ أو على هذا الشريط؟ هذا محل الإشكال، والذين صُوروا من أهل العلم يرون أن هذا لا يدخل في النصوص؛ لأن هذا في الحقيقة هو خلق الله, لا يقال أنه مضاه لخلق الله، وأقول أن الفرق بين الصورة وبين المصور هو الفرق بين الاسم والمسمى، الفرق بين الصورة والمصور هو الفرق بين الاسم والمسمى، فإذا كان من أهل العلم من يرى أن الاسم هو المسمى يقول: بأن الصورة هي المصور، حقيقتها هي, والذي يقول: بأن الاسم غير المسمى بدليل أنك لو كتبت زيد في ورقة وأحرقتها في النار، يتألم زيد, إذاً الاسم غير المسمى والصورة إذا أحرقتها يتألم المصور إذن الصورة غير المصور، فهي صورته وليست بعينه. الأمر الثاني: كونهم يقولون أن الذي صور الآلة ولم يصور المكلف والمباشر غير مكلف, إذا كان المباشرة من غير المكلف فالإثم ينتقل إلى المتسبب، وبالفعل هو المباشر للتصوير والآلة لا ينسب إليها المباشرة، ونظير ذلك من قتل نفساً معصومة، معصومة الدم بضغطة زر في المسدس كمن صور التقط صورة لذي روح بضغطة زر من الكمرة, ولا فرق يعني: كون هذا الإثم العظيم ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون))، ما هو معقول تضغط لك زر وتكون أشد الناس عذاباً، أيضاً إذا ضغطت زر وقتلت مسلم صرت خالداً في النار- نسأل الله العافية - قد تقول كلمة لا تلقي لها بال تهوي بها في النار سبعين خريفاً, فالعقوبة ليست على قدر الذنب من حيث نظر الناس إليه، لكنه بما في علم الله - جل وعلا -، هذا ذنب عظيم يستحق عليه عقوبة عظيمة.

يقول: الجمعة الماضية نصحت رجلاً مسبل الثوب، فقال لي: هل الإسبال حرام أم حلال؟ فقلت: حرام، فقال لي: أنا عالم لا تتكلم ولا تنبه أحداً غيري, وليس هو حرام، أرجو التوجيه عن نصيحة مثل هذا وجزاكم الله خير، يقول: وقد كان حالقاً للحيته ومع هذا يزعم أنه عالم؟ أولاً: مرتكب المحرم فاسق، مرتكب المحرم فاسق، وما يحمله الفساق من علم لا يستحق أن يسمى علماً، وحامله ليس بعالم وإنما هو جاهل، {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [سورة النساء: 17] طيب, هل نقول: إن الذي يشرب الخمر إذا كان يعرف الحكم ولا يجهل الحكم, أو يزني وهو يعرف أن الزنا حرام له توبة وإلا ليست له توبة؟ له توبة؟ نعم، والآية الذين يعملون السواء بجهالة، من عصى الله فهو جاهل، ولو قلنا: بذلك لقلنا: إن الذي يزني وهو يعرف أن الزنا حرام لا توبة له، والذي يشرب الخمر ويعرف أن الخمر حرام لا توبة له بمنطوق الآية، لكن هذا جاهل شاء أم أبى, العاصي جاهل، شاء أم أبى, ولذا فالمقرر أنما يحمله الفساق ليس بعلم؛ لأن العلم ما نفع، والعلم الذي لا ينفع صاحبه هذا لا يستحق أن يسمى علماً. وفي الحديث: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) , والمراد به: حث العدول على حمل العلم, وعدم ترك المجال للفساق بحمله, بدليل الرواية الأخرى: ((ليحمل)) بلام الأمر ((هذا العلم من كل خلف عدوله)) وإن رأى ابن عبد البر أن كل من يحمل العلم يحكم له بالعدالة، لكن هو قول مردود عليه ضعيف، قلت: ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهن فإنه عدل بقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولف والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

شرح الأربعين النووية (8)

شرح الأربعين النووية (8) شرح حديث: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ... )) الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يسأل سؤال عن التحويل يقول: إذا أراد أحد أن يرسل إلي فلوساً من بلاد الغرب فله طريقان، أحدهما: أن يدفع المبلغ إلى أحد البنوك التحويل المصرفي، ولكن المشكلة أنه إذا أرسل الدولار لا أستطيع أن أخذه إلا بالريالات, فهل يجوز هذا؟ وهل فيه شبهة الربا؟ وما المخرج، والبنك الموكل يأخذ على هذا عمولة؟ يقول: والغالب أنه في بلاد الغرب لا يستطيع أن يرسل إلا الدولار أو اليورو؟ إذا أرسل إليك الدولار فلا مانع أن تصرفه وأنت واقفٌ عنده, من غير أن تنصرف إذا ذهبت لتقبض مالك المُحول، لا مانع أن تقبض عنه ريالاً بالصرف، وإذا كانوا يبتاعون الإبل بالدراهم ثم يقبضون بدلها الدنانير فجاء في الخبر: "لا بأس على أن لا يفترقا وبينهما شيء"، فكأن الصرف وقع في هذه اللحظة، الصرف وقع في هذه اللحظة، فإذا حول الدولار من أي دولة إلى أخرى، وهذه الدولة المحول إليها, لا تتعامل بالدولار، والمحول إليه لا بد من أن يصرف، لا شك أن الأحوط أن يقبض الدولار ثم يصرفه, وفي مكان الصرف يداً بيدٍ، يأخذ العملة التي يستفيد منها في هذا البلد، لكن إذا حُول المبلغ بالدولار ثم أخذ بدله الريالات على أن لا يفترقا وبينهما شيء, ولا يحصل الصرف إلا في وقت مجيء هذا المستلم الذي حول إليه نظير ما بيع بالدراهم أو بالدنانير ثم عند الوفاء يؤخذ العكس، إذا بيع بالدراهم يجوز أن يستوفي بالدنانير على أن لا يفترقا وبينهما شيء, وإذا بيعت السلعة بالدنانير يجوز أن يستوفي بالدراهم على ألا يفترقا وبينهما شيء، أما بالنسبة للعمولة هذه إذا كان الإنسان مضطراً لمثل هذه المعاملة, ولا بد أن يحول فهذه العمولة إن كانت بنية أتعاب هذا البنك ومصاريف الموظفين وغيرها وأجور، له أن يأخذ بقدر أجرة المثل؛ بقدر أجرة المثل, وإن كانت من باب الزيادة على المطلوب فهذا هو الربا.

ثانيهما: عبر الحساب البنكي وذلك كأن يكون لديه حساب في أحد البنوك بالدولار, ويتم تحويله إلى حسابي، ولكن المشكلة تكمن أيضاً في الصرف حيث هو سيرسل دولار وأنا لا أستطيع أن أخذ إلا الريال، وقد استفسرت في بنك الراجحي عن هذا, فقال أحد المسئولين: إنني لا أستطيع أن أخذ الريال إلا بعد عدة ساعات من إرسال الأخ، ذلك أن الدولار سيذهب أولاً إلى بنك الراجحي في مركزه الموجود في الرياض ويتم هناك تحويل الدولار بالريال, وبعد عدة ساعات أستطيع أن أخذ ريالات ولا أستطيع غيرها, والتأخر بحسب الوسائط البنكية فإذا كانت هناك الوسائط بين بنكي وبنك الراجحي كثيرة سيتأخر الاستلام أكثر؟ هذا لا يجوز، لا بد أن يكون إذا أراد أن يغير العملة المُحولة لا بد أن يكون في الوقت نفسه، لا يجوز أن يفترقا وبينهما شيء, وفي هذا الحالة عليه أن يقبض الدولار, يمنعون أن يسلموا لك دولار ما يمنعون حول لك دولا استلم دولار، ثم اصرفه فوراً، وقد يقولون: إن مثل هذا قد يكون هناك فرق في الصرف بين أن يكون في بلد المحول وبلد المحول عليه نتحمل هذا الفرق. يقول: أنا أطلب العلم وتأتيني أوقات يبلغ مني النهم في الطلب مبلغه، وما أن أرى منظراً في شاشة أو نحوها إلا فترتُ، وأخذت بعدها فترة طويلة حتى أعود عليه ما كنت عليه، فما الحل مع العلم بكثرة هذه الفتن في كل بيت وتعم بها البلوى ونرجو الدعاء إلى آخره؟ نقول: هذه الفتن على طالب العلم بل على المسلم عموماً لا سيما طالب العلم أن ينصرف عنها، ويحتاط لدينه منها؛ لأنها وإن كان في بعضها ما يظن نفعه, لا شك أن فيها ما يضر وهو الأكثر، وإذا نظر الإنسان إلى شيء محرم فإنه يعاقب لهذا الذنب، طالب العلم يعاقب بالحرمان، العابد يعاقب بحرمان لذة العبادة، العابد والمتعلم يحرم لذة العلم وقد يحال دونه ودونه، وإذا كان في السلف من نظر نظرة مرة واحدة محرمة ووجد غبها بعد حين ونُُُُُُسي بسببها القرآن, كما ذكر عن نفسه، هذه لا شك أنها عقوبات لهذه المعاصي, فعلى المسلم أن يحتاط لدينه لا سيما طالب العلم. يقول: ظهر أحد المفتين على إحدى القنوات الفضائية ويقول: إن الغناء المحرم ما يثير الغرائز، أما ما عداه فجائز؟

أصلاً ما فيه غناء لا يثير الغرائز, لا بد أن يؤدى بلحون مثيرة, وإلا ما صار غناء، إذا أنشد بلحون العرب التي لا تثير، كما أُنشد بين يدي النبي - عليه الصلاة والسلام - هذا ليس بغناء، الإنشاد ليس بغناء، فإذا أُدي بلحون الأعاجم ولحون أهل الفسق لا شك أنه سوف يثير, هذا إذا لم تصحبه آلة أما إذا صحبته آلة فلا إشكال في منعه, ولا بد مع ذلك أن يكون لفظه مباحاً، يعني لجواز الإنشاد أن يكون لفظه مباحاً, ويخلو عن الآلة المحرمة ويؤدى بلحون العرب. يقول: ما العلة في امتناعكم من النداء بأرقام الفائزين بالجوائز أمس؟ وهل التحكم يرتفع للمجيز وضع أسئلة يجيب عليها الطلاب بلا تحديد؟ فالاختيار لا بد منه في كلا الحالتين؟ أنا طلب مني أن أختار أرقام من بين واحد إلى ثلاث مائة ومدي كم على أي أساس أختار؟ إذا كان لا على أساس البينة هذا هو التحكم، وهذا التفريق بين المتماثلات كلهم طلاب, وكلهم على حد سواء بالنسبة لنا، أما إذا كان هناك أسئلة وأجاب بعضهم عليها دون بعض، هذا مبرر. يقول: إحدى الأخوات مصابة بعيب خلقي, وهو سقوط شعر الحاجبين فما حكم غرز مادة مكانها، وتستمر إلى سنتين أو ثلاث ثم تبدأ بالاضمحلال؟ على كل حال إذا كانت مما تقذر به هذا إن صبرت واحتسبت هذه هو الأصل ولها الأجر من الله - جل وعلا-، وإن كانت مما تقذر به فلو وضعت مكانه مادة, يعني غرز الشعر قد يلحق بالوصل, وإن كان ليس بوصل في الحقيقة لكن الشبهة قائمة، لو وضعت مكانه مثل الكحل أو ما أشبه ذلك, لكان الأمر أسهل إن شاء الله. تشقير الحاجب بلون البشرة، بحيث تعد هذه المشقرة نامصة أو لا شعر في حاجبها, هذا ملحق بالنمص. يقول: عالم مات ولكن أفكاره الباطلة شائعة بين الناس وتقبل، فيكف ينصح للعالم المتوفى؟ أولاً: من يشيع هذه الأفكار, ومن يبث البدع لا شك أن عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، هذه من النصيحة لهذا العالم لا سميا إذا كان فضله راجح, مثل هذا يبين ما في كتبه من المخالفات, لئلا يكثر المقتدي به فيها فتزداد ذنوبه بسببه، وأما بالنسبة للأحياء فلا بد من بذل النصيحة لهم.

قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)) هل يفيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لن يعبد البتة لأنه - عليه الصلاة والسلام - استجاب الله دعائه، أم أن الواقع يشهد أن من أمته من عبده ودعاه بمغفرة الذنوب وقضاء الحاجات؟ ابن القيم - رحمه الله تعالى- يرى أن الدعوة أجيبت, فلا يتمكن أحد من عبادته, ومن أهل العلم من يرى أن الدعوة لم تجب، على كل حال ما يتعلق به - عليه الصلاة والسلام - من غلو وأمور حصلت من بعض الغلاة تصل إلى حد الشرك هذا موجود ولا ينكر، سواء كان في المصنفات والمؤلفات. يا أكرم الخلق ما لي لمن ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم هذا ليس له إلا هو، يعني: ما أبقى لله - جل وعلا-؟، يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها. يعني: الدنيا والآخرة كلها من جود النبي - عليه الصلاة والسلام - ماذا أبقى لله - جل وعلا-؟ هذا لا شك أنه صرف بحق الله - جل وعلا- إلى عبده ورسوله - عليه الصلاة والسلام-، الذي صرح بأنه لا يملك لأقرب الناس إليه شيئاً، وحاول جاهداً هداية عمه الذي له اليد عليه وعلى دعوته فلم يستطع: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [سورة القصص: 56] فالأمور أزمتها كلها بيد الله - جل وعلا-. يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله-: وقد أجاب رب العالمين دعائه ... فأحاطه بثلاثة الجدران هذا رأي ابن القيم, وأنت ترون ويُرى في بعض الأحيان من يسجد جهة القبر إما مستدبراً عن الكعبة أو جاعلاً لها عن يساره، هذا إذا كان خارج المسجد، ورأيناه ورآه غيرنا، ووجد من يسجد باتجاه غرفة اللي يسمونها غرفة المولد، والكعبة خلفه, فصرف شيء من العبادة للنبي -عليه الصلاة والسلام- هذا موجود، أما العبادة بكامل أنواعها وفروعها فقد تكون الدعوة قد أجيبت فيه. يقول: قد جربني الله في الوسوسة، لعله ابتلاني نعم؟ ابتلاه الله بالوسوسة واضطراب القلب حتى أحياناً من أجل ذلك لا أفهم الدروس فهماً صحيحاً وإذا كان الشيخ يتكلم فلا أدري ماذا يقول، فأرجو منكم أن يساعدني إخواني بالدعاء؟

أسأل الله - جل وعلا - أن يشفيه من هذا المرض, وعليه أن يسعى جاهداً بطرد هذه الوسوسة وعدم الالتفاف إليها, واللجوء إلى الله - جل وعلا- بالدعاء بصدقٍ وإخلاصٍ, ويتحرى الأدعية الجامعة, ومواطن الإجابة, وأماكنها، وعليه أيضاً أن يكثر من الذكر بحضور قلب، ومن تلاوة القرآن على الوجه المأمور به. يقول: جاء في كتاب السنة بسند صححه الألباني عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك))، ثم قال أبو الدرداء: صدق الله ورسوله لقد تركنا على مثل البيضاء, السؤال: ما الرد على من يستدل مثل هذا الأثر على صحة قول أحدهم عقب قراءة القرآن: صدق الله العظيم؟ أما التزام هذا التصديق فلم يرد به نص، التزامه على كل قراءة يقول: صدق الله العظيم، وأما التصديق أحياناً, فقد قال ابن مسعود: حدثنا الصادق المصدوق، يعني: ما في بأس أن يقال مثل هذا أحياناً مع اعتقاد أنه هو الصادق المصدوق: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} [سورة النساء: 122] , {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [سورة النساء: 87] لكن مع ذلك لا يلتزم بعد كل قراءة. يقول: هل السلام على المقابر التي يفصل بيني وبينها أسوار وأنا مار بالسيارة بدعة؟ لا، ليس ببدعة, ولو قلنا بهذا لقلنا: إن السلام على النبي - عليه الصلاة والسلام - مستحيل؛ لأنه محوط بأسوار فإذا تابع السلف على السلام عليه - عليه الصلاة والسلام - خارج هذه الأسوار فليسلم على هذه المقابر خارج الأسوار. هذا يقول: أخبرني زوجي، تقول هذه امرأة تقول أم مالك: أخبرني زوجي ذات يوم عن سر لزوجته الثانية ولا يريد أن يعلم عنه وخصوصاً أهله وأهلي ولكني أخبرت صديقاتي وبعد فترة عرف أن أمه قد علمت بهذا السر؟ أولاً: الزوج لا يجوز له أن يفضي بسرٍ لزوجة عند الثانية، الأمر الثاني: إذا ائتمنها على هذا السر لا يجوز لها أن تفضي به إلى غيره, ولا شك أن السر إذا علم به الثالث لا يؤمن أن يعلم به الألف.

وبعد فترة عرف أن أمه قد علمت بهذا السر ووبخني وقال: لو أنت أخبرتي أحد غير أمي وأختي بالكلام الذي قلته لك فأنت طالق، وخفت أن أخبره أنني قلت لصديقاتي، وكان زوجي ساعتها مسافراً حيث يقيم في دولة ثانية وبعد مرور ثلاثة أشهر تقريباً أو زيادة كلمته هاتفياً وصارحته بالأمر بأني أخبرت صديقاتي، فقال: لماذا لم تخبريني قبل مضي ثلاثة أشهر على الأقل أرجعك ثم لم يرجع إلى البيت على أنني أصبحت طليقة، وقد حاول أن يخرج لي ورقة الطلاق من بلده الأصلي بعد مرور سنتين من التلفظ بالطلاق، فحكى الموضوع للمأذون, فقال: هذا طلاق وعليك أن تتلفظ بالطلاق أمامي، وأمام الشهود، فقال له زوجي: لا لن أتلفظ بالطلاق ولكن الشهود يشهدون بإثبات الواقعة, إن كانت طلاقاً على فتواك فقال: هي طلاق طلقة واحدة وتلفظ أمامي بالطلاق؟

يعني: هذا إشكال يرد عند مثل هؤلاء المأذونين, وهو أنه إذا كان الطلاق مشكوكاً فيه، مشكوك في وقوعه، رجل طلق امرأته وهي حائض, فأفتاه من أفتاه بأن هذا الطلاق لا يقع، ثم بحث المسألة فترجح عنده أن الطلاق يقع، هذه مسألة واقعة هل لا بد أن يتلفظ بالطلاق ليكون على يقين وتحل المرأة لمن يخطبها بعده ببينة ووضوح, أو أن نقول: ما دام الطلاق وقع فتحل للخطاب بعده، هنا الطلاق علق على شرط يقصد منه المنع، يقصد منه المنع، وإذا كان الطلاق بهذه الصورة وهو ما يسميه العلماء بالحلف بالطلاق؛ لأن مفاده مفاد اليمين يقصد منه المنع لا يقصد منه الطلاق، وهذا عند شيخ الإسلام ومن يقول بقوله: الطلاق لا يقع وهو المفتى به الآن, لكن الجمهور على وقوعه إذا وقع الشرط، فمثل هذا هل يحتاج المطلق إذا أفتي بأن هذا الطلاق واقع خروجاً من الخلاف أن يصرح بالطلاق أو لا يقال؟ أو يقال له لا تصرح لئلا تقع طلقة ثانية؟ هذه مسألة لا شك أنها مشكلة وهو يقول: المأذون قال له: عليك أن تتلفظ بالطلاق أمامي، لماذا؟ لأنه وإن حكم بالطلاق في هذه الصورة إلا أنه في شك من وقوعه لأن ممن يفتي بعدم الوقوع أئمة علماء تبرأ الذمة بتقليدهم, والخلاف في المسألة قوي، فإذا قلنا بوقوع الطلاق، فهل يلزم أن يصرح لتبين منه على بينة وتحل لمن بعده بدون أدنى شك؟ أو نقول: ما دام حكم، فالحكم الشرعي يبيح المرأة كما جاء في الحديث الصحيح: ((إنما أنا بشر أحكم على نحو ما أقضي بنحو ما أسمع، فمن حكمت له بشيء من حق أخيه فإنما أحكم له بقطعة من نار فليأخذها أو يذرها)) فإذا حكم الحاكم حلت، يعني: إذا حكم في مسألة مالية حلت للمحكوم له، وإن كان الوقع خلاف ذلك، إذ كانت المقدمات شرعية ما هو بحكم بهوى، مقدمات شرعية، ادعى أن في مذمته أو في ذمة زيد له مبلغ كذا وطلبت منه البينة, فقال: ما عندي بينة, ثم طلب من المدعى عليه اليمين فحلف، حكم القاضي بهذا الحلف, إن كان المدعى عليه في يمينه كاذبًا لا تحل له بحال, وإن كان من أهل العلم من يقول: تحل له بالحكم لكن عامة أهل العلم على أنها لا تحل له؛ لأنها قطعة من نار، ولو كانت حلالاً ما صارت من نار، وهنا هل يلزم أن يصرح إذا تلفظ بالطلاق لتحل

لمن بعده بيقين؟ أو نقول: هذا من باب الوسوسة؟ كمن أصابه ماء لا يدري, أو مر بجوار ميزاب لا يدري هل أصابه منه شيء أو لم يصبه شيء، يقول: ارجع تحت الميزاب وخليه يصيبك بيقين من أجل أن يرتفع الوسواس, هذا لا يجوز بحال, أما في مسألة الطلاق لا سيما مع القول بقوة الرأي الآخر، على كل حال بالنسبة للمفتي عليه أن يفتي بما يدين الله به ولا يلتفت إلى غيره، يفتي بما يدين الله به ولا يلتفت إلى غيره, يوجد مثل هذا التردد عند من لم تكمل عنده آلة الاجتهاد، فيكون عنده شيء من الاضطراب وحينئذ يأمره بلفظ صريح يسجله بلفظه من أجل أن لا يستدرك عليه؛ لأنه لو حكم بالطلاق في مثل هذه الصورة لكانت فتواه مخالفة لما يفتى به في الدوائر الرسمية، فيخشى من السؤال والجواب فيقول: تلفظ من أجل أن يكتب اللفظ الصريح, يا أخي إذا أنت ما أنت مرتاح أحله إلي غيرك، تقول: مثل اللفظ يفتي به فلان اذهب إليه، فقال له زوجي: لا لن أتلفظ بالطلاق, وإذا تلفظ استجابة لطلب هذا, هل تعد طلقة ثانية أو لا تعد؟ أو هي تأكيد للأولى، نعم, هو ما قصد طلاق ثاني الذي يظهر أنه تأكيد للطلاق الأول. لن أتلفظ بالطلاق ولكن الشهود يشهدون بإثبات الواقع إن كانت طلاقاً على فتواك، قال: هي طلاق طلقة واحدة وتلفظ أمامي بالطلاق؟ أنا أقول: مثل التصرف إنما يبعثه مسألة التردد في الوقوع وعدمه فيريد أن يقع الطلاق بدون تردد, أو يخشى من المساءلة أوقع طلاق الفتوى على خلافه، فيريد أن يثبت في الوثيقة التي يكتبها طلاقاً صريحاً لا يستدرك عليه. وثبت في الصك أنه حضر لدي فلان ابن فلان لإثبات واقعة الطلاق بدون تلفظ به أمام القاضي ولكن المحكمة لم تصادق على الصك ثم سافر إلى مكان ع مل هـ وإقامته وأخبر القاضي بالقصة كاملة فقال القاضي: ماذا كنت تنوي طلاقاً أو تهديداً؟ فقال له: تهديد، فقال: هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل فقال له زوجي: خلاص سأطلق الآن، فقال له القاضي اعتبرنا ما حصل طلاقاً فلا يجوز لك تطليق مطلقتك، ولا يحق ذلك، وإذا اعتبرنا الأمر ليس بطلاق فلا بأس وهذا لن يعرف إلا بسؤال مفت إبراء للذمة فما تقولون في هذه المسألة؟

هو مثل ما ذكر, يعني: المسألة لا شك أن الفتوى على عدم وقوع الطلاق المعلق بشرط يقصد منه الحث أو المنع، ويكون حكمه حكم اليمين، يكفر بكفارة يمين، وهذه المسألة لا يحلها إلا الجهة المخولة لذلك، فيكتب للمفتي ويجيبهم إن شاء الله تعالى-. يقول: ما المقصود بكلمة: ((وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم)) في هذا الحديث؟ وكيف يطبق ذلك الإمام، وعن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات))؟ هذا بالنسبة للمأموم, بالنسبة لصلاة الصبح, وباق على افتراشه كالتشهد، وفي صلاة المغرب وهو متورك، لا يغير جلسته وثني رجليه قبل السلام يستمر حتى يقول: لا إله إلا الله إلى آخره عشر مرات بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب, وأما بالنسبة للإمام فهذا معارض بالانصراف إلى المأمومين لفعله - عليه الصلاة والسلام-، فلا يدخل في هذا؛ فالنبي - عليه الصلاة والسلام - يقتدي به كل مسلم فيما يخصه، السلطان يقتدي بالنبي - عليه الصلاة والسلام - في الأحكام، القاضي كذلك، الإمام في الصلاة يقتضي به في الإمامة، والمأموم يقتدي بأقواله التي لا تختص بالإمام وأفعاله, وأيضاً ما يوجه المأموم إليه مما لا يصلح أن يفعله الإمام هذا يكون مما يختص به المأموم كما هنا. يقول: هل يجوز, أو تقول هذه أُم أحمد تقول: هل يجوز للمرأة الإنكار على الرجل الأجنبي, وهي مع مجموعة نساء أو مع محرمها كأن تكون في سيارة أجرة وهو مشغل موسيقى فتنكر عليه ليغلقه، وما ضابط إنكار المرأة على الرجل الأجنبي؟

أولاً: وجود المرأة مع الرجل الأجنبي إن كان مع خلوة فهذا منكر يجب إنكاره، وإن كان معها محرمها فلتخبر محرمها لينكر، تقول: أنكر عليه، فتنكر بواسطة المحرم، وأما إذا كانت في مكان عام وسمع فبالكتابة, أو بتبليغ من تجوز لها محادثته, على أن من أهل العلم من يرى أن صوت المرأة ليس بعورة إذا كان صوتاً عادياً من غير خضوع، فالمنهي عنه الخضوع, إذا أنكرت بأسلوب مناسب من غير خضوع لا يظهر منعه لا سيما على القول بأن صوت المرأة ليس بعروة، وأما عند من يقول: بأنه عروة، فتنكر بكتابة, أو بإشارة, أو بواسطة من يسوغ له الإنكار. يقول: وجدت اختلافا في المتن والسند عند حفظنا لمتن الأربعين والعمدة وذلك باختلاف الطبعات ودور النشر، فما هو التحقيق المناسب، وهل لهذا الاختلاف أثر في حفظنا؟ على كل حال يوصى الطالب، طالب العلم الذي يريد الحفظ إذا أراد أن يحفظ هذه المتون أن يرجع إلى الأصول، النووي عزا الحديث إلى البخاري ومسلم, يرجع إلى البخاري ومسلم، ويتأكد من صحة اللفظ, وأنه نقل بحروفه، وإذ وجدت هناك فرق فليتصور هذا الفرق ويحفظ الصحيح. يقول: هل يجب على طالب العلم أن يتبنى قول إذا كان هناك خلاف قوي بين العلماء؟ نعم, عليه أن يعمل بقول واحد ولا يكون عائراً بين قولين مرة يعمل بهذا, ومرة يعمل بهذا, والترجيح الأصل فيه الدوران مع الأدلة، فإذا كان طالب العلم مبتدئ لا يستطيع أن يتصرف ويتعامل مع الأدلة ويرجح, فإن هذا يرجح باعتبار القائلين, فيقلد أوثقهما وأعلمهما؛ لأنه حينئذ يكون فرضه فرض العامي, سؤال أهل العلم فإذا اختلف أهل العلم فيقلد الأوثق، يقلد الأوثق ولا يعمل بمقتضى هواه. يقول: كما تعلمون أن فصل الصيف موسم للزواج، وعندنا في ليبيا بعض الأمور ونريد الحكم في هذه الأمور: أولاً: الذبح عند دخول الزوجين لموقع العرس الخيمة .. هذي إذا كانت لوليمة العرس فهذه شرعية بل واجبة، وليمة العرس واجبة, وإذا كانت لأمر آخر إما لطرد عين, أو تقرب إلى جن, لئلا يصيبوهم بشيء فهذا هو الشرك - نسأل الله العافية-. يقول: جلوس الرجل بجانب زوجته على المنصة مع وجود النساء الأجانب؟

دخول الرجال على النساء ممنوع، نعم إذا كُن متحجبات وأمنت الفتنة، والحاجة داعية إلى ذلك, وإلا فالأصل أن المرأة لا ترى الرجال ولا يرونها. يقول: موكب السيارات بالدوران حول المقبرة؟ هذا إشكال كبير، لماذا يدور حول المقبرة, هل هذا بنية طواف, أو بنية تبرك, أو بنية ... لا شك أن هذا بدعة. يقول: هذا من جنوب إفريقيا يقول: فتحنا دكاناً أنا وزميلي نقتسم الربح خمسين بالمائة والخسارة أيضاً، أنا أعمل بالدكان, وهو لا يعمل وآخذ ألفين مقابل عملي شهرياً ثم نقسم الربح بيننا على نصفين، هل هذا صحيح؟ نعم صحيح, الأجرة في مقابل العمل، الأجرة في مقابل العمل, والربح يكون على قدر الأموال. يقول: أنا شاب من الله علي بالاستقامة وكنت لا أعرف حكم الغسل من الجنابة فربما صليت وأنا على جنابة فما حكم ذلك؟ هل علي إعادة الصلوات مع أنني لا أدري العدد كنت على ذلك حوالي سبع سنين؟ إذا كنت لا تعرف العدد, أو تعرفه ولكن يشق عليك مشقة بالغة فأنت تغتسل فوراً, وتستقبل الصلوات اللاحقة بطاهرة تامة, ولا تعود إلى مثل ذلك، وتكثر من النوافل. يقول: لم أفهم كيف يكون النصح للبائع والمشتري؟ النصح للبائع كما جاء في قصة جرير بن عبد الله البجلي، ذهبت إلى محل تجاري ووجدت عنده سلعة فإما أن يكون من باب الخطأ, أو لا يعلم قيمتها الحقيقية أو آلت إليه بإرث أو هبة أو ما أشبه ذلك, فوضع عليها قيمة رخيصة جداً فيها غبن، فمن النصح له أن تقول: هذه السلعة تستحق أكثر، كما فعل جرير بن عبد الله البجلي، لما اشترى الفرس بثلاث مائة, وتم الإيجاب والقبول فقال له: إن فرسك يستحق أكثر، فما زال به حتى وصل إلى الثمانمائة، هذا نصح للبائع.

نصح للمشتري, إذا دخلت محل تجاري ووجدت السلعة مكتوب عليها قيمة وأنت لا تعرف قيمتها، لا تعرف قيمتها، فقلت: بكم هذه القيمة؟ قال: بألف، قلت: هذا ألف, فإذا كانت هذه السلعة قيمتها غير مطابقة لما في الأسواق، يعني: كانت هذه السلعة عند صاحبها قديمة أو جديدة بسعر مرتفع، ويوجد عند غيره ما هو أرخص من ذلك, فمن النصح للمشتري أن يقال: هذه القيمة عندي، بهذا المبلغ ولا أستطيع أن أبيع بأقل، لكن عند فلان تجد أرخص, تجد أرخص, لكن ما السائد في أسواق المسلمين اليوم، السائد في الغالب العكس, يعني: تأتي إلى محل وهذا في الغالب من يتعامل مع النساء, وبعض الرجال يرون أن الجودة تابعة للقيمة، الجودة تتبع القيمة، فتأتي المرأة أو الرجل إلى محل الأقمشة مثلاً فتشتري المرأة لنفسها قطعة من القماش أو يشتري الرجل لزوجته، فإذا قال له صاحب المحل: المتر بثلاثمائة ريال اشترت المرأة بدون تردد، قالت له: لو صار مائتين وخمسين, يعني: يمكن تماكس مائتين وخمسين مائتين وستين، مائتين وسبعين ثم يبيعها، وهي في الحقيقة قيمتها لا تصل إلى عشرين ريال، وهذا واقع لكن ما السبب الذي جعل صاحب المحل يرفع القيمة إلى هذا الحد؟ يقول: لو أقول قيمتها عشرين ريال ما اشترت, تقول: هذا رديء، ويحدثنا شخص من زملائنا جلس عند صاحب محل فجاءت امرأة لتشتري قالت: بكم هذا القماش؟ قال: المتر بعشرين ريال بمائة وعشرين, قال: بمائة وعشرين قالت: أعطنا أربعة أمتار ثلاثة أمتار بقدرها فقطع لها ثلاثة أمتار ووضعها في الكيس وذهبت, يقول: فقلت له أما تخاف الله, هذه نفس القماش الذي معي في الكيس أنا اشتريته من جارك بخمسة عشر ريال المتر، قال: تبي بعشرة، لكن لو أقول لها: بخمسة عشر، بعشرة، بعشرين ما اشترت، فهذا لا يخول بحال من الأحوال أن ترفع الأسعار، هذا لا يخول، والرزق بيد الله - جل وعلا - والبركة من عنده، وجاء النص على البركة مقرونة بالصدق: ((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما)) ولن يبارك لهذا بهذا العلة أبداً, وليست بمبرر لرفع الأسعار. يقول: ما هيئة اليدين في الجلسة بين السجدتين؟ على الركبتين, مبسوطتين على الركبتين.

يقول أيضاً هذا في ليبيا: أو تقول: عندنا عادة في أفراح الزواج وهو إذا أراد الزوج أن يدخل زوجته إلى مكان العرس، قام أحد الرجال بذبح شاة, ويقوم الزوجان بالدوس على الدم المراق من الشاة؟ ما حكم هذا الذبح، مع العلم أن الزوج يجلس مع زوجته على المنصة إلى آخره؟ هذه السائلة هي السائلة للسؤال الأول, فتبين أن المراد بالذبح ليس المراد به من أجل وليمة العرس, وإنما هو من أجل الدوس على الدم، وهذا هو الشرك بعينه، والله أعلم, سم. بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الحافظ العلامة النووي - رحمه الله تعالى-: الحديث الثامن. عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى)) [رواه البخاري ومسلم]. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد: فيقول المؤلف - رحمه الله تعالى- في الحديث الثامن من الأربعين: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وقد سبقت كنيته في أي حديث؟ عن أبي عبد الرحمن حديث: بني الإسلام على خمس، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فهو في أول موطن يذكر الاسم كامل ويذكر الكنية، ولذا جرده من الكنية هنا، وقد يأتي في موضع آخر يقول: عن ابن عمر مكتفياً بذلك عن ذكر اسمه؛ لأن هذه عادة جرى عليها أهل العلم يذكرون الاسم كامل في الموضع الأول, وبعد ذلك يحيلون على الموضع الأول فيقتصرون في المواضع اللاحقة على ما يحدد العَلَم المراد.

عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - تثنية الضمير؛ لأن الراوي ووالده كلاهما من المسلمين لكن تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه- ما قيل - رضي الله عنهما- لماذا؟ لأن والده مسلم وإلا غير مسلم؟ لو كان مسلماً لقال - رضي الله عنهما-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أمرت أن أقاتل الناس))، أمرت الآمر للنبي - عليه الصلاة والسلام - هو الرب - جل وعلا-، لا آمر فوقه - عليه الصلاة والسلام - إلا الله - جل وعلا-، بينما لو قال غيره - عليه الصلاة والسلام - غير الرسول: أمرت, أو أمرنا, يعني: لو قال الصحابي: أمرنا أن نفعل كذا, ونهينا عن كذا, إذا قال الصحابي ذلك فالغالب على الظن أن الآمر والناهي هو الرسول - عليه الصلاة والسلام -؛ لأنه هو الذي له الأمر والنهي لا سيما في المسائل الشرعية، والمقرر عند جمهور أهل العلم أنه مرفوعٌ حكماً. قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر

يعني: ولو قاله بعد عصر النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا قال الصحابي في عصر النبي - عليه الصلاة والسلام - من السنة أو أمرنا فلا يريد بذلك إلا سنة النبي - عليه الصلاة والسلام-، ولا يريد بذلك إلا الأمر النبوي، في عصره منهم من يخالف إذا كان قول الصحابي أمرنا أو من السنة بعد وفاته - عليه الصلاة والسلام-، لاحتمال أن يكون الآمر الخليفة، وله أمر على الرعية لا مانع أن يقول: أمرنا بكذا، والآمر له الوالي، والسلطان، والولاة لهم أوامر، لكن الأوامر الشرعية إنما تتلقى عن الله, وعن رسوله - عليه الصلاة والسلام-، لوجود هذا الاحتمال قال بعضهم: إن الصحابي إذا قال: أمرنا, أو قال من السنة بعد وفاة النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه لا يأخذ حكم الرفع لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول - عليه الصلاة والسلام -, لكن الجمهور يقولون: له حكم الرفع؛ لأنه لا يتصور أن يأمر أحد بمسألة شرعية, وللرسول - عليه الصلاة والسلام - فيها قول، فالأمر والنهي إليه - عليه الصلاة والسلام - في حياته في مسائل الشرع وبعد مماته، أمرنا أو نهينا لكن إذا قال الصحابي: أمرني رسول الله, أو أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، هنا معلوم أُمرت، في بعض الأحاديث: ((أمرني ربي)) , ((ونهاني ربي، عن قتل المصلين)) هذا ما فيه إشكال أن الآمر والناهي سواء كان مبرزاً ظاهراً مبنياً للمعلوم, أو مستتراً, والفعل مبنى للمجهول لا يختلف الحال, فالنبي - عليه الصلاة والسلام - لا يمكن أن يؤمر من قبل أحد إلا من الله - جل وعلا-، سواء قال: ((أمرني ربي)) أو قال – عليه الصلاة والسلام-: ((أُمرت)) , فهذا مفروغ منه, ولا إشكال فيه، لكن قول الصحابي: أمرني - صلى الله عليه وسلم-، أو نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أو أمرنا بالتصريح بالآمر والناهي، هذا لا يختلف في كونه من قبيل المرفوع، لا يختلف في كونه من قبيل المرفوع، لكن الاختلاف من بعض المتكلمين, وداود الظاهري يقولون: لا يحمل على حقيقة الأمر المقتضية للوجوب حتى يصرح الصحابي باللفظ النبوي، يعني: لو قال أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كذا لا

يحمل على الأمر, ولا على النهي المقتضي للوجوب والتحريم حتى ينقل لنا اللفظ النبوي لماذا؟ قالوا: لأن الصحابي قد يسمع لفظاً يظنه أمراً فيعبر عنه بالأمر، أو يظنه نهياً فيعبر عنه بالنهي، والحقيقة ليست كذلك في الواقع ليست كذلك، هذا على حسب دعوى ما نسب إلى داود الظاهري, وبعض المتكلمين، لكن هذا القول له وجه أو لا وجه له؟ ليس له حظ من النظر، ليس له حظ من النظر؛ لأنه إذا جاء اللفظ الذي فهم من الصحابي أنه أمر أو نهي، واستغلق ذلك على الصحابي من يفهمه بعد الصحابي؟ من يفهمه بعد الصحابي؟، الصحابي عاصر النبي - عليه الصلاة والسلام - وعرف أحواله, وسيرته, ومنهجه, وعرف مدخله ومخرجه، وأهدافه ومقاصده فإذا لم يكن الصحابي أعرف من غيره في هذه الأمور في المصطلحات الشرعية, من يعرفها؟، وهم عرب أقحاح يفهمون الكلام، يعني يترك الفهم لمن جاء بعدهم بعد الاختلاط بالأعاجم، لا، ومثل هذا الخلاف لا ينبغي أن يعد خلافاً. قال - عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أقاتل الناس))، ((أمرت أن أقاتل حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله))، أولاً: أقاتل الناس المراد بهم الكفار، أو من ارتكب ما يستدعي المقاتلة، ما يستدعي المقاتلة من المسلمين؛ لأنه ثبت في الصحيح: "أن النبي - عليه الصلاة والسلام- إذا غار على قوم، انتطر حتى يأتي وقت الصبح، فإن سمع الأذان كف، وإن لم يسمع الأذان قاتل"، فالشعائر الظاهرة إذا اتفق على تركها فئام أو جماعة من المسلمين فإنهم يقاتلون, حتى يذعنوا, أو اتفق قوم على ترك صلاة العيد مثلاً, حتى على القول بأنها سنة, أو فرض كفاية يقاتلون؛ لأنها شعيرة ظاهرة من شعائر الدين لا يجوز تعطيلها، مثل الأذان على الخلاف بين أهل العلم في وجوبه, وسنيته, نظريه سواء بسواء، وهكذا الشعائر الظاهرة. ((أن أقاتل الناس))، وأل هذه جنسية يعني جميع الناس ((حتى يشهدوا))، حتى هذه الغاية حتى توجد هذه الغاية والقتال هنا قتال طلب أو قتال دفع؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم، قتال طلب, بلا شك وما الذي أخرج الصحابة من المدينة إلى الآفاق إلا قتال الطلب, وهل قتال الطلب للتشفي والانتقام من الأعداء أو رحمة للعالمين، من أجل جرهم إلى الجنة بالسلاسل وإبعادهم عن النار، وزحزحتهم عن النار, ليفوزوا في الدنيا والآخرة، يعني: فرق بين قتال المسلمين لغيرهم لإدخالهم في الإسلام، وبين قتال غيرهم من الكفار للتغلب عليهم, والتسلط عليهم، والتحكم في أموالهم, ودمائهم, وأعراضهم، فرق بين هذا وهذا، فحينما تُشن الحرب على الجهاد, لا سيما جهاد الطلب لأنه إرهاب مثلاً, هل هذا الكلام صحيح؟ هل القتل والتسلط على الآخرين هل هو هدف من أهداف الجهاد؟ أبداً كلا والله، وإنما الهدف منه رحمة العالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء: 107] كيف يرحم من يُقاتل ويُقتل؟ يرحم، نعم حتى يشهد إن لا إله إلا الله، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله))، هناك خيارات إما لعموم الناس على قول، أو لفئام أو فئات من الناس، إما لأهل الكتاب, ومن يلحق بهم كالمجوس، فيكون البدل على المقاتلة الجزية: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة: 29] هذا مثل إما لليهود والنصارى والمجوس على قول، أو للعموم لعموم الكفار تأخذ منهم الجزية, على خلاف بين أهل العلم. على كل حال هناك بدل للقتال، بدل للغاية التي هي الشهادة والدخول في الإسلام. ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)) ((يشهدوا)) , هل نقول إن الشهادة لا بد من مطابقتها للواقع؟ أو نقول: تُفسر الشهادة بالرواية الأخرى: ((حتى يقولوا لا إله إلا الله)) فإذا نطقوا بها كفى؟ حتى ينقطوا بالشهادتين، وأما ما في القلوب فلا يمكن الإطلاع عليه إلا من قبل علام الغيوب، ولذلك قال في آخر الحديث: ((وحسابهم على الله))، ((وحسابهم على الله تعالى))، نحن نقبل الظاهر إذا قالوا، إذا قال الواحد منهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة, وآتى الزكاة يجب الكف عنه، مهما كان الدافع له، وحديث أسامة لما قتل الذي قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال أسامة: إنه

قالها اتقاءً للسيف، وشدد النبي - عليه الصلاة والسلام - في أمره حتى تمنى أنه لم يسلم قبل اليوم، فإراقة الدم شأنها عظيم عند الله - جل وعلا-: ((ولا يزال المسلم في فسحة من دينه وأمره حتى يصيب دماً حراماً)) , فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, ثم جاء وقت الصلاة فصلى مع المسلمين, وأدى الزكاة فإنه يجب الكف عنه، ولا يقال: هذا شهد حقناً لدمه, نعم الشهادة وما أضيف إليها تحقن الدم، ولا يقال أيضاً: يصلي, أو يزكي تقية, أو مراءً, أو ما أشبه ذلك, هذا ليس إلينا إنما حسابه على الله - جل وعلا- الذي يعلم السر وأخفى، وأنت لست بمأمور أنت تنقب عما في قلوب العباد أو تستدل بأمارات, أو قرائن تظهر لك دون غيرك، لا، الحكم ليس إليك, ((أمرت أن أقاتل الناس)) , فرق بين القتال والمقاتلة، ما قال: أمرت أن أقتل الناس لا، ((أقاتل))، والمقصود من المقاتلة: الإذعان، والمقصود من القتل: الإبادة، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله))، من أجل إخراجهم من عبودية العباد إلى عبودية الله - جل وعلا- الواحد الأحد, الفرد الصمد، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, ينطق بهذه الكلمة, وأن محمداً رسول الله, يشهد أن لا إله إلا الله فينفوا جميع ما يعبد من دون الله, ويثبتوا العبادة لله وحده - جل وعلا-، وأن يعتقدوا اعتقاداً جازماً بأنه لا معبود بحق إلا الله - جل وعلا-، وأن محمداً رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة، شهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة, وآتى الزكاة, وأتى بناقض من نواقض الإسلام, هذا يأتي في الاستثناء ((إلا بحق الإسلام)) يحقن دمه, إلا إذا ارتكب ما يقتضى القتل من حق الإسلام على ما سيأتي.

((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله))، ولا بد من هذه الشهادة أن يعرف معناها, وأن يعمل بمقتضاها, الأعجمي الذي لا يفهم يجب أن يفَّّهم معنى الشهادة؛ لأنه لا أقول لا يمكن أو لا يمتنع من الشرك الأكبر وهو يشهد أن لا إله إلا الله إذا كان لا يعرف معناها, وإذا وجد في البلاد التي تنتسب إلى الإسلام, من يقول: أشهد أن لا إله إلا الله أثناء طوافه على القبر, أو أثناء ذبحه للجن، يقول: لا إله إلا الله, مثل هذا لا تفيده، وحينئذٍ أبو جهل أعرف منه بمعنى لا إله إلا الله، فلا بد من معرفة معنى لا إله إلا الله، على طريقة المسلمين المستمدة من الكتاب والسنة، لا على طريقة المتكلمين الذين يقولون: لا بد أن يبدأ, أو يتوصل إلى إسلامه وإيمانه بالنظر, أو القصد إلى النظر, أو الشك, فلا بد أن يشك ثم يدخل في الإسلام، لا بد أن ينظر في أدلتهم, وبراهينهم العقلية, ثم بعد ذلك يدخل في الإسلام، لا بد أن يقصد إلى النظر, وينوي النظر ثم بعد ذلك يدخل في الإسلام, كل هذه لا أثارة عليها من علم, لا من الكتاب ولا من السنة, ولا من أقاويل سلف الأمة، وإنما هي مما ابتكره المتكلمون وابتدعوه, وكان الرجل من العرب يفهم لا إله إلا الله, ويدخل في الإسلام بمجرد النطق بها؛ لأنه يعرف معناها، ولذا لما طلبها النبي - عليه الصلاة والسلام - من المشركين قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [سورة ص: 5] يعرفون المعنى لكن ممن يعيش بين ظهراني المسلمين -مع الأسف الشديد- من يخفى عليه معنى لا إله إلا الله, وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, يشهد بأن محمداً رسول الله, وأنه خاتم الأنبياء, ويعتقد أنه هو القدوة والأسوة, وأنه لا يقتدى بأحد سواه, فأركان أو شروط القبول بالنسبة للعبادات كلها؛ الإخلاص لله - جل وعلا-, والاقتداء, والمتابعة للنبي - عليه الصلاة والسلام-، ((وأن محمداً رسول الله))، لو قال: لا إله إلا الله، ولا قال: محمداً رسول الله، لا إله إلا الله لا يدخل في الإسلام حتى يأتي بمحمد رسول الله, أشهد أن محمداً رسول الله عند قوله -جل وعلا-: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [سورة الشرح: 4] قال:

لا أُذكر حتى تذكر معي، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، لكن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله, من لازمها أن يشهد أن محمداً رسول الله؛ لأنه إذا أقر أنه لا إله إلا الله وقد أمره الله, هذا الإله الذي لا غيره، لا إله غيره أمره بالاعتراف بالنبي - عليه الصلاة والسلام - مرسل منه، لزم من شهادة أن لا إله إلا الله شهادة أن محمداً رسول الله، ويلزم من شهادة أن محمداً رسول الله تصديقه فيما أخبر, ومن ذلك شهادة أن لا إله إلا الله, ومع ذلك لا بد من النطق بالجملتين, وإن كانت كل واحدة متطلبة للأخرى, لكن لا بد من النطق بهما معاً لحقن الدم، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله)) يكفي؟ لا بد مع ذلك من إقامة الصلاة، يعني في الدخول في الإسلام يكتفى بالشهادتين, لكن إذا جاء وقت الصلاة لا بد أن يصلي، فإذ لم يصلي فإنه يقتل؛ لأن إقامة الصلاة جزء من الغاية التي رُتبت عليها المقاتلة، جزء من الغاية التي رُتبت عليها المقاتلة, فلا يتم الكف حتى يقيم الصلاة، والمراد بإقامة الصلاة المأمور بها في الكتاب والسنة، الإقامة يعني: جعلها قويمة, قائمة, مستقيمة على مراد الله ومراد رسوله - عليه الصلاة والسلام-، بأركانها, وشروطها, وواجباتها, هذه إقامة الصلاة، وتكمل أيضاً: بسننها: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).

((ويقيموا الصلاة))، الركن الثاني من أركان الإسلام إقامة الصلاة، فيه دليل على أن تارك الصلاة يكفر وإلا ما يكفر؟ تارك الشهادتين إجماعاً، كافر بالإجماع، وتارك الصلاة يقتل؛ لأن مما رتب عليه حقن الدم إقامة الصلاة، فدل على أن الذي لا يقيم الصلاة لا يحقن دمه, بل يقتل، لكن هل يقتل كفراً وردة أو يقتل حداً مع كونه في دائرة الإسلام على ما يقوله بعض أهل العلم؟ لكن جاء عنه - عليه الصلاة والسلام-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) , ((بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)) ترك الصلاة. بعض المغاربة في القرن السابع فيما نقله الحافظ العراقي في طرح التثريب قال: إن الخلاف في حكم ترك الصلاة نظري ليس بعملي، كيف نظري؟ لأنه لا يُتصور مما يدعي الإسلام أن يترك الصلاة، هذا نظري، ما يمكن أن يوجد مسلم ما يصلي، إلا أن يكون قرب قيام الساعة, وفي وقت الدجال، حينما تقوم الساعة على شرار الناس، لكن كيف لو رأى حال المسلمين اليوم؟! والقول بكونه يقتل مرتداً كافراً هذا هو الذي يدل عليه النصوص التي ذكرنا من قوله - عليه الصلاة والسلام-: ((بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)) , وقوله - عليه الصلاة والسلام-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) , ومن أهل العلم من يرى أنه كفر دون كفر، أما الركن الأول لا خلاف في كونه يكفر بتركه، وأما الثاني فالخلاف فيه موجود، وإن كان المرجح أن يكفر كفراً أكبر وهو المفتى به, مخرج من الملة. وأما بالنسبة لبقية الأركان، هنا أضاف إلى الصلاة إيتاء الزكاة.

((وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ)) ويؤتوا الزكاة، مقتضى ما ذكر أن ترك الزكاة مثل ما قرن معه، إذا قلنا: بدلالة الاقتران, قلنا: إنه ما دام ترك الشهادتين كفر، وترك الصلاة كفر، إذاً ترك الزكاة كفر، هذا ما تقتضيه دلالة الاقتران, ومعلوم أن دلالة الاقتران ضعيفة عند أهل العلم، لكن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة، قاتل مانعي الزكاة، أما من جحدها كفر إجماعاً؛ لأنها معلومة من دين الإسلام بالضرورة، ودلت عليها الأدلة القطعية، هذا من جحدها كفر اتفاقاً كالصلاة, وأما من تركها بخلاً لا جحوداً، فإنه يقاتل ويرغم على دفعها، لكن هل يكفر أو لا يكفر؟ القول بفكر تارك الأركان الأربعة, قلنا: إن الشهادتين أمر مجمع عليه، القول بكفر تارك الأركان الأربعة، الصلاة والزكاة، والحج، والصيام، قول معروف في مذهب مالك, ورواية في مذهب أحمد، قول معروف في مذهب مالك, أي: من ترك الصلاة كفر، من ترك الزكاة كفر، من ترك الصيام كفر، من ترك الحج كفر، {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران: 97]، على كل حال هذا قول معروف في مذهب مالك, ورواية عن أحمد, وقال به جمع من السلف. وعامة أهل العلم أنه لا يكفر بترك الأركان الأربعة عدا ما تقدم من الخلاف القوي في الصلاة، وأنه المرجح وأنه المفتى به، أما بقية الأركان فمن عظائم الأمور أن لا يزكي من عنده زكاة, ووجدت الأحاديث الصحيحة الصريحة المشددة في شأن الزكاة، وكذلك في شأن الصيام, وكذلك في شأن الحج، لكن الكفر، وإن قال به من قال، لكن عامة أهل العلم على عدم كفر تارك الأركان الثلاثة.

((ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة))، هؤلاء الذين امتنعوا من دفع الزكاة بعده - عليه الصلاة والسلام-، اختلف الصحابة في شأنهم وفي قتالهم، حتى قال من قال كعمر- رضي الله عنه-: "كيف تقاتل من يقول: لا إله إلا الله"؟، فقال أبو بكر: "والله لأُقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليها"، استدلال أبي بكر - رضي الله عنه - وإذعان عمر لهذا الاستدلال, وما إن عرف أن الله - جل وعلا- شرح صدر أبي بكر للقتال إلا وقد عرف أن الحق معه, هذا عمر، واستدلال أبي بكر على قتالهم بأنهم فرقوا بين الأختين، الصلاة لا تكاد تذكر إلا ويذكر معها الزكاة، "والله لو منعوني" استدل بهذا النصوص وهذا يدل على أنه لا يحفظ حديث الباب، أو نسيه أو لم يبلغه، وإلا فالحديث صريح على قتال مانع الزكاة، ((أمرت أن أقاتل)) يعني: لو كان هذا الحديث حاضر عنده, أو بلغه هذه الحديث لقال: قتالهم منصوص عليه، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)) , وهذا يدل على أنه قد يخفى على الكبير ما يعرفه الصغير، فأبو بكر أفضل الأمة بعد نبيها - عليه الصلاة والسلام - وابن عمر حفظ، عمر - رضي الله تعالى عنه - الذي يلي أبا بكر في المنزلة خفي عليه حديث الاستئذان, الذي حفظه أبو موسى، وأبو سعيد من صغار الصحابة، هذا لا يعني: أن الإنسان إذا كان كبيراً في قدره, وفي علمه, وفي دينيه, أنه يكون أعلم من غيره مطلقاً، حتى لو قرر أن فلاناً أعلم من فلان، فهذا تفضيل جُمْلي, لا تفصيلي، لا تفصيلي, فقد يكون عند المفضول ما ليس عند الفاضل, كما هنا، عند ابن عمر هذا النص ولم يستشهد به ويستدل به أبو بكر دليل على أنه لم يستحضر, إما نسياناً, أو لعدم بلوغه إياه، ولهذا لا يُقال: أن العالم لا يُنكر عليه, ولا يُنصح، وهو أعرف منا، هذه كثير من العوام يحتجون بها، كثير من العوام يحتجون بها، إذا اُستدل على حكم بحديث صحيح قال: الإمام أحمد أعرف منا بالحديث، لا لا يلزم قد يخفى عليه الحديث, وقد يفهم من الحديث ما لا يفهمه غيره، وقد يكون فهم غيره

أرجح من فهمه، ((ورب مبلغ أوعى من سامع))، وسليمان -عليه السلام - استمع إلى الهدهد واستفاد منه, ودخل بسببه الإسلام أمة، على كل حال من علم ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، حجة على من لم يحفظ, فابن عمر - رضي الله عنهما- حفظ هذا الحديث وخفي على أبي بكر, ومع ذلك وفق أبو بكر في اجتهاده, واستنباطه إلى ما ثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام-. ((فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام)) هناك نفس يقال لها: معصومة، معصومة ولو لم تكن مسلمة بعهد, أو ميثاق, أو ذمة, أو ما أشبه ذلك, فضلاً عن المسلم المعصوم، معصوم الدم؛ لأن بعض الصغار من طلاب العلم، يعني كيف نقرر أنه لا معصوم إلا النبي - عليه الصلاة والسلام -، ونقول: نفس معصومة، كيف نفس معصومة؟ يقول: ((فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم، وأموالهم)) هي معصومة من هذا الباب، معصومة الدم، معصومة المال, يعني: ممنوعة من انتهاك الدم, أو المال, أو العرض، ((وإن دمائكم، وأموالكم، وأعراضكم, عليكم حرام كحرمة يومكم هذا, في بلدكم هذا في شهركم هذا)) فإذا فعلوا ما تقدم من الشهادتين, والصلاة, والزكاة, بعضها أفعال، وبعضها أقوال، بعضها أفعال، وبعضها أقوال, والتغليب للاثنين ظاهر على أن القول يطلق عليه الفعل, وهو فعل اللسان وحركته، فهو فعل فيدخل قول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول باعتبار أنه فعل وإن كان قولاً، فيطلق القول على الفعل، ويطلق الفعل على القول، فإذا فعلوا أطلق على القول الذي هو التلفظ بالشهادتين، كما أنه يطلق القول على الفعل كما في حديث التيمم, فقال: بيديه هكذا، قال: بيديه هكذا، وهو فعل، فيطلق هذا على هذا، وهذا على ذاك ((فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم))، فعلوا ذلك, يعني: ما تقدم من الأمور الثلاثة، وماذا عن بقية أركان الإسلام كالصيام والحج؟ الصيام فرض في السنة الثانية, وصام النبي - عليه الصلاة والسلام - تسع رمضانات, والحج فرض في السنة السادسة على قول, أو التاسعة. . . . . . . . .

فهل نقول: أن هذا الحديث قبل فرض الصيام والحج؟ كما في حديث بعث معاذ إلى اليمن، ((فليكن أول ما تدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، ثم إن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات, فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم)) وما ذكر الصيام ولا الحج كما هنا سواء بسواء، من الشراح من يقول: إن هذا كان قبل فرض الصيام, وقبل الحج، ومنهم من يقول: إنه إذا أذعن واعترف لله بالوحدانية, والألوهية, ولرسوله بالرسالة, وأدى الصلاة التي تتكرر في اليوم الواحد, وهي عمود الدين، أقامها ودفع الزكاة جاد بماله, فإنه في هذه الحالة إذا أدى ذلك فإنه لن يتردد في صيام شهر في السنة, أو حج في عمره مرة واحدة، ولا شك أن الحديثين فيهما الدلالة على أن الأهمية لما ذكر أكثر مما لم يذكر، لكن يبقى أن مما لم يذكر الصيام, والحج، وهما من أركان الإسلام وقد تقدم حديث عبد الله ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان)) , أو صوم رمضان والحج على الخلاف بين الروايتين على ما تقدم شرحه. ((فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم)) بعض من منع الزكاة تمسك بشبهة وهي أن الزكاة إنما هي مقرونة بوجوده - عليه الصلاة والسلام - ولا تطلب بعد وفاته استدلالاً بقوله - جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة: 103] خذ من أموالهم صدقة، فإذا كان الأمر متجه إلى - النبي عليه الصلاة والسلام - فغيره لا يقوم مقاومه, وهذه قد تكون شبهة حتى تُجلى، وإن كانت الشبهة ضعيفة، الشبهة ضعيفة واهية؛ لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام باقية إلى قيام الساعة، ومن يقوم مقامه - عليه الصلاة والسلام - في جميع الأمور، يقوم مقامه في أخذ الزكاة.

واستدل بعضهم على عدم استمرار صلاة الخوف بعده - عليه الصلاة والسلام، بقوله - جل وعلا-: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [سورة النساء: 102] إلى آخر الآية, إذا كنت فيهم مفهومها هذا ينسب لأبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة, مفهومها إن إذا لم تكن فيهم فلا تكن صلاة خوف، والجواب عنه مثل الجواب عن قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة: 103] هذا وإن كان موجهاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام - فإن في حكمه من يقوم مقامه من ولاة الأمور. ((فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم)) نعم, الدماء, والأموال, والأعراض, حرام إلى يوم القيامة، ونبه عليها النبي - عليه الصلاة والسلام - ونوه بها في المجمع العظيم في حجة الوداع في الخطبة المشهورة المسطورة في صحيح مسلم وغيره، نبه على أن الدماء, والأموال, والأعراض, كلها حرام إلى يوم القيامة، وضرب لذلك أمثلة مبادرة في الامتثال، مبادرة في الامتثال، وأول دم أضع دم ابن الحارث بن عبد المطلب، اللي ابن عمه، وضعه النبي - عليه الصلاة والسلام - فلا يطالب به؛ لأنه من أمور الجاهلية, والامتثال يكون بالأقرب فالأقرب, ((وأول رباً أضعُ ربانا)) , ربا العباس بن عبد المطلب عمه, فإذا كان الذي يأمر بالأوامر هو أول من يمتثل وأول من يطبق على الأقربين صارت أوامره نافذة, وأما إذا كان الآمر ينتهك هذه الأمور، أو يستثني الأقربين فإن هذه الأوامر في الغالب لا نفوذ لها ولن تمتثل؟ ولذلك مثل النبي - عليه الصلاة والسلام - بأقرب دم إليه, وأقرب مالٍ إليه.

((عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام)) إلا بحق الإسلام، هذا الاستثناء يدخل فيه ما يستدعي القتل والمقاتلة، وإن وجدت الغاية المذكورة في الحديث؛ لأنه قد يقول: هذا الزاني المحصن يشهد أن لا إله إلا الله, ويصلي, ويزكي، هذا القاتل يشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله ويصلي, ويزكي, ((إلا بحق الإسلام))، يعني: ما يوجب القتل في الإسلام، كالنفس بالنفس والزاني المحصن يرجم، والتارك لدينه المفارق للجماعة يقتل، كل ما يُوجد القتل في الإسلام مستثنى، يعني ما دل الدليل على استثنائه ودخوله لقوله - عليه الصلاة والسلام-: ((إلا بحق الإسلام)) لا يمكن أن يعترض عليه في صدر الحديث؛ لأنه مستثنى، فالزاني المحصن يرجم إجماعاً, والقاتل يقتل، والمرتد يقتل: ((من بدل دينه فاقتلوه)) , لكن هل يستثنى ممن بدل دينه فاقتلوه المرأة أو لا تستثنى؟ جاء النهي عن قتل الشيوخ في القتال، وجاء النهي عن قتل النساء, والذراري، فمن ارتد من هؤلاء، من المكلفين كالشيخ الكبير الهرم الفاني، هل يدخل في النهي عن قتل الشيوخ؟ والمرأة إذا ارتدت هل تدخل في النهي عن قتل النساء؟ أو نقول: هم داخلون فيمن بدل دينه فاقتلوه، عندنا النهي عن قتلهم ثابت, وعندنا الأمر بقتلهم إذا ارتدوا أيضاً ثابت، فهل نقول: إن من بدل دينه و"من" هذه من صيغ العموم عام، عامة، والنهي عن قتل النساء والشيوخ هذا خاص والخاص مقدم على العام؟ كما يذكر عند الحنفية، فالمرأة إذا ارتدت لا تقتل، الشيخ الكبير إذا ارتد لا يقتل؛ لأن النهي عن قتل الشيوخ والنهي عن قتل النساء، أو نقول: إن ((من بدل دينه فاقتلوه)) خاص بالمرتدين, والنهي عن قتل الشيوخ, والنساء, والذراري لفظه يعم المرتدين والكفار الأصليين، والخاص مقدم على العام، فالمرتد مخصص من النهي عن قتل النساء، المرأة إذا ارتدت نعم نهينا عن قتل النساء، لكن إذا ارتدت تدخل في: ((من بدل دينه فاقتلوه)) فالذي بين هذه النصوص عموم وخصوص, كيف, وجهي ليس بعموم وخصوص مطلق، لنقول الخاص مقدم على العام لا، فالمرتدة تدخل في عموم النهي عن قتل النساء، كما أنها تدخل في عموم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) , ويخصها النهي عن قتل النساء, ويخصها

باعتبارها مرتدة ((من بدل))، فينتابها العموم والخصوص على حد سواء في النصين، وحينئذ يطلب مرجح خارجي، هل النهي عن قتل النساء محفوظ؟ أو دخله خصوص مخصصات، المرأة إذا قتلت تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل إجماعاً, المرأة إذا زنت وهي محصنة تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل, إذاً عموم من بدل دينه فقتلوه محفوظ، وعموم النهي عن قتل النساء دخله الخصوص, وقد ضعف فيرجح عليه: ((من بدل دينه فقتلوه)) , وعلى هذا تقتل المرتدة؛ لأنه بحق الإسلام، ((بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى))، هؤلاء الذين شهدوا أن لا إله إلا الله, وشهدوا أن محمداً رسول الله, وأقاموا الصلاة, وآتوا الزكاة, هؤلاء يقبل منهم الظاهر، وتوكل سرائرهم إلى الله – تعالى-، حسابهم على الله، فمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله، وصلى, وآتى الزكاة بصدق, ويقين, وإقرار, وإذعان, وخضوع, لله - جل وعلا-، هذا صدق في دعواه ظاهراً, وباطناً, ومآله إلى الجنة، وأما من قالها بلسانه ولم يقر الإيمان في قلبه, فهذا يُعصم دمه, وماله, وحسابه على الله، ولذلك النبي - عليه الصلاة والسلام - لم يقتل المنافقين - عليه الصلاة والسلام-، النبي - عليه الصلاة والسلام - لم يقتل المنافقين؛ لأنهم يشهدون في الظاهر, ويصلون في الظاهر, ومعه في الظاهر, والباطن والسريرة لها الله - جل وعلا-، ولئلا يُتحدث أن محمداً يقتل أصحابه.

على كل حال الخفي لا يعلمه إلا الله، ((حتى يشهدوا)) يتلفظوا، طيب لو وقر الإيمان في قلبه واعترف بأنه لا إله إلا الله, وشهد أن محمداً رسول الله بقلبه ولم يتلفظ بذلك يكفي وإلا ما يكفي؟ في الدنيا لا يكفي، في الدنيا لا يكفي؛ لأن الغاية الشهادة، والشهادة لا بد أن يكون منطوقاً بها, ما الذي يدرينا أنه شهد أو لم يشهد؟ وفي بعض الروايات حتى يقول: والقول لا بد أن يكون ملفوظاً به، وعلى هذا لو وقر الإيمان في قلبه ولم يتلفظ فإنه حينئذ يقاتَل حتى يتلفظ، ولو مات وقد وقر الإيمان في قلبه فإن أمره إلى الله، أما الكف في الدنيا, وأحكام الدنيا, والمعاملة في الدنيا, فإنما هي على ما يظهر, والسرائر إلى الله - جل وعلا - ولذا قال: ((وحسابهم على الله تعالى)) وحسباهم على الله - تعالى-، ومنهم من يقول: حتى لو وقر الإيمان في قلبه، وصدق, وأذعن، ولا يوجد ما يمنعه من التلفظ فإنه كافر ظاهراً وباطناً، ما الذي منعه أن يشهد أن لا إله إلا الله, وهو يستطيع الشهادة، يكون حينئذ كافراً في الظاهر والباطن، أما بالنسبة للظاهر وهو الذي يهمنا, وهو التعامل معه في الدنيا على هذا الأساس هو كافر بلا شك، لكن يبقى أن أمره إلى الله - جل وعلا - ولذا قال في آخر الحديث: ((وحسابهم على الله تعالى))، وحسابهم على الله تعالى، والبشر لا يكلفون إلا الظاهر، والنبي - عليه الصلاة والسلام - إنما يحكم على الظاهر، ولا يحكم على الباطن, ولذا الحكام من القضاة وغيرهم ليس لهم أن يحكموا إلا بالمقدمات الشرعية، ليس لهم أن يحكموا إلا بالمقدمات الشرعية، وليس للقاضي أن يحكم بعلمه, فإذا أحضر المدعي الشهود حكم له إذا كانوا ممن تقبل شهاداتهم, وإن لم يجد شهوداً عدل إلى المدعى عليه، وطلب منه اليمين، ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر))، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. يقول: ما الفرق بين من ترك ركن من أركان الإيمان، ومن ترك ركن من أركان الإسلام؟

الذي يترك ركن من أركان الإيمان بأن آمن بالله ولم يؤمن بالملائكة مثلاً هذا كافر، هذا ليس بمؤمن، هذا كافر, ولم يدخل في الإسلام بعد، وإذا ترك ركن من أركان الإسلام خرج من الإسلام بتركه على الخلاف في بعض الأركان دون بعض، إذا شهد أن لا إله إلا الله، إذا لم يشهد ألا إله إلا الله هذا لم يدخل في الإسلام أصلاً, لكن إذا شهد أن لا إله إلا الله وترك الصلاة خرج من الإسلام الذي دخل فيه بترك الصلاة، وأما بقية الأركان فلا شك أن الخلاف فيها قوي بين أهل العلم وعرفناه, ومن ترك ركن من أركان الإيمان فهو لم يؤمن أصلاً, بالاتفاق. يقول: كيف نوفق بين هذا الحديث المتضمن مقاتلة الناس حتى يدخلوا في الإسلام، وقوله -جل وعلا-: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة: 256]؟ {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، لا إكراه في الدين، يعني: مع وجود الخيار؛ لأن هناك خيار هناك جزية، من دفع الجزية لا يُكره، لكن من امتنع عن الدخول في الإسلام وامتنع عن الجزية فإنه يقاتَل. يقول: كيف يرد على من يقول: إن دخول الناس بهذه الطريقة في الإسلام، أي: دخولهم بمجرد تلفظهم بالشهادة يزيد من عدد المنافقين بين المسلمين؛ لأنهم إنما قالوها لحقن دمائهم فقط وإن الصلاة يقومون بها شكلياً فقط ويكذبون في أداء الزكاة ويقولون: أديناها؟ على كل حال هذه ليست بحجة من مقاتلة الناس حتى يصلوا إلى هذه الغاية, ولا شك أن وجود المنافقين وإن كانوا ضرراً على الإسلام والمسلمين إلا أن فيه ما يدل على قوة الإسلام والمسلمين، وإلا ما الداعي للنفاق، هذا يدل على قوة الإسلام، وفي الوقت الذي يضعف فيه المسلمون لا داعي للنفاق، لا داعي للنفاق، فوجودهم لا شك أن فيه قوة، دلالة على قوة الإسلام والمسلمين, مع أنه أُمرنا بدعوتهم والحرص على هدايتهم, ومن أظهر شيء ينقض الإسلام فإنه منهم يقاتل. يقول: ما أفضل الحلول والطرق لبلوغ منزلة التقوى والثبات عليها؟

التقوى هي: امتثال الأوامر, واجتناب النواهي، فاحرص على ما سيأتي في حديث: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) يحرص جاهداً أن يمتثل كل ما يسمع من الأوامر إذا كان يطيق ذلك، ويجتنب جميع ما نُهي عنه، وهذه حقيقة التقوى, ويلزمها ويثبت عليها، ويصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي؛ لأن صحبة الأخيار من أعظم أسباب الثبات على التقوى، بخلاف صحبة الأشرار فإن هؤلاء من أقوى الأسباب على الانحراف، ويكثر من الدعاءمن أن يثبت الله قلبه كما يكثر النبي - عليه الصلاة والسلام - من قول: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) ويكثر من ذكر الله, وشكره, والاعتراف بفضله ومنِّه، ومع ذلك يعان على الثبات. ما هي الأسباب التي تجعل طالب العلم يحب الطلب وتزداد همته في ذلك؟ أولاً: الإطلاع على النصوص التي تحث على العلم، وفيها جزاء أهل العلم, وفضل العلم وأهله، هذه لا شك أنها تجعل طالب العلم يهتم، وتزداد همته في ذلك لتحصيل هذه المنازل التي رُصدت لمن تحلى واتصف بالعلم؛ إضافة إلى القراءة في سير الأخيار في سير العلماء، وعلى رأسهم النبي - عليه الصلاة والسلام - ومن تبعه بإحسان من أهل العلم والفضل. ما حكم من ذهب لمسجد الفتح مكان واقعة الخندق وصلى ودعا، ويستدل على فعل جابر بن عبد الله؟ أولاً: لو كان خيراً لسبقونا إليه، كون بعض الصحابة يجتهد دون غيره من سائر الصحابة هذا لا يدل على شرعية هذا الاجتهاد، ولابن عمر - رضي الله عنهما - نصيب من تتبع هذه الآثار التي جلس فيها النبي - عليه الصلاة والسلام - أو مر بها. على كل حال مثل هذا لم يفعله أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا غيرهم ممن هم أفضل من جابر - رضي الله عن الجميع-, فلا يُفعل. يقول: رجل مسلم تزوج بامرأة مسلمة إلا أن أسرتها غير مسلمين، فهو تزوجها على عقد الكفار؟ إذا وجد الإيجاب والقبول من الولي المسلم؛ لأن الذي يعقد لها لا بد أن يكون مسلماً، فإذا كان وليها كافر ينتقل إلى غيره، وإذا وجد الإيجاب والقبول من الولي ومن المتزوج, بحضور الشهود كفى.

يقول: ما حكم الاستفادة واستعمال الانترنت اللاسلكي، علماً بأنني غير مشترك في خدمة، وأستفيد من هذه خلال الخدمة من خلال جيراني المشتركين في هذه الخدمة؟ هناك أمور جاء الشرع بأنها لا تمنع ممن يستفيد منها، إذا أمكن الإفادة منها من غير ضرر بصاحبها، رجل مستظل بجدار بيت، هل لصاحب البيت أن يقول لهذا المستظل: قم عن هذا الظل هذا ظل جداري؟ أو مستصبح بمصباحه، السور عليه كهرباء فأراد أن يقرأ ورقة معه استصبح، هل لصاحب البيت أن يطرده من غير تضرر؟ لكن إذا كان يتضرر لا, فإذا كانت هذه الخدمة يمكن استخدامها من غير ضرر بوجه من الوجوه فلا تزاد عليه الرسوم, ولا يختل استعماله لهذه الخدمة بحال من الأحوال, فاستخدامه لها مستواه لا يتغير باستخدام غيره, فهذا مثل الاستظلال بجداره والاستضاءة بنوره. يقول: إذا تعذر وجود العلماء، إذا تعذر وجود العلماء في بعض البلاد التي يحارب فيها الإسلام, فما هي الطريقة المثلى لطلب العلم، مع العلم أن أكثر كتب السنة يمنع نشرها وبيعها؟ وذكر بعض الأمثلة، مثل كتب شيخ الإسلام والمشايخ المعروفين يمنعون في بعض البلدان؟ أولاً: الحمد لله لما أغلقت هذه الأبواب فتح الله أبواباً أخرى، فهناك استخدام الآلات من الانترنت, وأجهزة التسجيل, وإذا كان التسجيل العادي يكلف بحمله ويصادر إذا وصل إلى تلك الأماكن فإنه هناك تسجيلات ما تكلف شيء على أقراص صغيرة تحمل الألوف من الساعات، فتيسرت الأمور -ولله الحمد- وفرجت، نعم كان الأمر مستغلق لا يمكن الخروج من هذا البلد, ولا يمكن أن يرد إليه شيء, هذه لا شك أنه مصيبة وكارثة، لكن الآن البدائل موجودة. يقول: أنا طالب في أحد المعاهد الشرعية قررت الزواج في هذا الصيف، ولم يكن عندي مال كاف للزواج, فهل الأولى أن استدين أقترض مالاً، أو أطلب ممن يعينني مع أني لا استطيع قضاء الدين؟ لا إذا أمكن أن تأخذ بدون مقابل, والزواج حاجة أصلية يجوز لك أن تأخذ من الزكاة لتتزوج فهو أفضل وأيسر لك من الاقتراض، لكن إن لم تجد من يقرضك بدون فائدة, أو يعطيك من مال الله الذي آتاه, فإذا استندت يعينك الله على القضاء. ونترك باقي الوقت للأخوة الصائمين؛ لأنه اليوم يلاحظ على بعض الإخوان في يوم الاثنين, نترك لهم الفرصة للاستعداد للفطور والله أعلم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛؛

شرح الأربعين النووية (9)

شرح الأربعين النووية (9) شرح حديث: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ... )) الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . . . . . . . . . تعلم العربية ولا يعرفون منها شيئاً. . . . . . . . . للقراءة, قراءة القرآن لا تجوز بغير العربية وحينئذٍ يعجز عنها, كمن يعجز عن حفظ الفاتحة يعدل التسبيح والتحميد والتهليل، والتكبير .... وله أن يدعو بلسانه, ويذكر الله بلغته، هذا إذا كان الأمر بالنسبة له مستغلقاً، لا يستطيع أن يتعلم, من استطاع أن يتعلم العربية لزمه أن يتعلم ما تصح به صلاته. يقول: نرجو إرشادنا لمنهجية لطلب العلم حتى نصبح علماء -إن شاء الله-. المنهجية معروفة أنها لا بد أن تكون على الجادة بحفظ المتون المؤلفة لطلاب الطبقة الأولى من المتعلمين, يبدأ بصغار العلم قبل كباره, ثم بعد ذلك يلزم شيخاً أو أكثر من شيخ, يرى أن الفائدة تحقق بلزومهم بقراءة هذه المتون وحفظها عليهم, وتوضيحها من قبلهم, ثم بعد ذلك يترقى إلى كتب الطبقة الثانية, ثم الثالثة على ما بينه أهل العلم وفصلوه في كتب مناهج التعليم. ما هو القول الراجح عند النزول للسجود في الصلاة، يكون على الأيدي أم على الركب؟

المسألة فيها الحديثان المشهوران، حديث أبي هريرة: " كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه"، وفي حديث أيضاً وائل: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) والحديث الثاني أرجح من الحديث الأول, وإن زعم ابن القيم - رحمه الله- وقرر أنه منقلب لكنه في الحقيقة ليس بمنقلب، بل آخره يشهد لأوله، المقصود: أن أول الحديث ينهى عن مشابهة البعير وجاء النهي عن مشابهة الحيوانات في نصوص كثيرة، والمجرد وضع اليد قبل الركبة ليس فيه مشابهة للبعير، وإلا لقلنا: إن مجرد وضع الركبة قبل اليد فيه مشابهة للحمار وهو أسوأ من البعير، المسألة مسألة وضع وليست بروك؛ لأن البروك النزول بقوة، ولذا نزل عمر- رضي الله عنه- برك عمر - رضي الله عنه- على ركبتيه بين يدي النبي - عليه الصلاة والسلام- لما نزل بقوة قال: برك وهو على ركبتيه ليس على يديه فالبروك المراد به النزول بقوة على الأرض، يقال: برك البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى، فإذا وضع يديه قبل ركبتيه لا يقال: إنه برك كما يبرك البعير وإنما يقال: وضع يديه قبل ركبتيه فهذا هو الأرجح؛ لأن الحديث أرجح من الحديث الثاني كما قرره أهل العلم، وعلى كل حال المسألة فيها سعة، هذا من فعله - عليه الصلاة والسلام - وذاك من قوله. يقول: نرى بعض طلاب العلم أثناء مراجعته للقرآن يقلب المصحف أو ينكسه؟

إن كان يقبله على الأرض فلا شك أن هذا امتهان للقرآن, ولا يجوز بحال، وإن كان القصد منه أنه يقلبه بأن يجعل أعلى صفحة أسفل والأسفل أعلى فهذا أخف، أما كونه ينكسه على الأرض فهذا شر من أن يبقيه منشوراً, وقد نص أهل العلم على كراهية أن يفتح المصحف ويبقى منشوراً كما يفعله كثير من القراء إذا أرادوا سجود التلاوة، إذا سجد للتلاوة ترك المصحف منشور, وهذا فيه شيء من الامتهان، الحمد لله الآن هناك أشياء وضعت للدلالة على الموضع والموقف الذي وقف فيه, الخيط الموجود في المصاحف إنما وضع لهذا, فلا يبق منشوراً فضلاً عن أن ينكس، وتكون الصفحات إلى جهة الأرض، وكلام الله - جل وعلا- يباشر به الأرض، أما وضع المصحف على الأرض لعدم وجود شيء مرتفع يوضع عليه فهذا نص أهل العلم على أنه خلاف الأولى، خلاف الأولى يعني الأولى أن يجعل على شيء مرتفع ويبحث عن شيء مرتفع لكن لا شيء فيه. يقلب المصحف أو ينكسه فإذا أراد أن يفتح على نفسه نظر فيه, ثم يعود وينكسه فما حكم تنكيس المصحف؟ وذلك بأن يجعل أوراق القرآن وكتاباته على الأرض؟ هذا لا يجوز، هذا امتهان ظاهر, ومنعه ظاهر. يقول: ما الفرق بين الجرح والتعديل, والتحذير من البدع وأهلها, وهل يجوز إعمال الجرح والتعديل في هذا الزمان؟ الجرح والتعديل يحتاج إليه في مواطن, وهو من الغيبة المستثناة من النصوص المحرمة المحرمة للغيبة؛ بل من النصيحة الواجبة، من النصيحة الواجبة، الجرح والتعديل عند الحاجة إليه، فرواة الحديث أطبق الأئمة على جرحهم وتعديلهم, وإن قال بعض من لا علم له ولا خبرة لديه ولم يحس بالحاجة الماسة إلى الجرح والتعديل قال: إنه غيبة، نعم, هو ذكر للراوي بما يكره لا سيما الجرح، لكنه مع ذلك المصلحة راجحة, ولولا الجرح والتعديل لما عرف الصحيح من الضعيف, والمقبول من المردود, وتبقى الحاجة إذا كانت راجحة فإنه حينئذٍ يباح الكلام في أعراض من يحتاج إلى جرحه حاجة ماسة, وإلا فالأصل المنع وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، كما قال ابن دقيق العيد: وقف على شفيرها العلماء والحكام. وهل يجوز إعمال الجرح والتعديل في هذا الزمان؟

نعم إذا قامت المصلحة، يعني هناك شخص مبتدع يخشى من انتشار بدعته وحذر من البدعة، بدأ في أول الأمر يحذر من البدعة ولا يذكر الأشخاص إلا إذا تعين ذكرهم بحيث استمر ضرره ولم يفهم المخاطب إلا بالتصريح باسمه يصرح باسمه، وكتب أهل العلم طافحة بالرد على المبتدعة. يقول: ما الضابط في الخلوة؟ الخلوة أن يخلو رجل بامرأة أجنبية عنه, سواء كان في بيت أو في ملاذ كسيارة ونحوها، هذه خلوة ولا يجوز أن تركب المرأة مع السائق بمفردها. وهنا يقول: وهل يعتبر خروج بعض الطالبات مع السائق من الخلوة؟ الطالبة الأولى التي تركب مع السائق وليس معها غيرها هذه خلوة، وآخر من ينزل من السيارة وليس مع السائق أحد هذه خلوة، لكن مجموعة طالبات إذا لم يكن هناك سفر؛ لأن السفر محرم بدون محرم ولو ارتفعت الخلوة، ولو كانت مع مجموعة نساء، لا بد من المحرم، أما إذا لم يوجد الوصف الذي هو السفر فالممنوع الخلوة, فإذا اجتمع مجموعة من النساء أو من الطالبات ارتفعت الخلوة, لكن معلوم أنه يوزع هذه الطالبات أو هذه المدرسات حتى لا يبقى إلا واحدة وحينئذ تكون في خلوة معه، إذا كانت آخر واحدة أو أول واحدة تركب معه هذه خلوة، لذلك يشترطون أن يكون معه محرم له كزوجته، أو أمه, أو أخته أو ما أشبه ذلك. يقول: هل لبس العمامة من السنة؟ وما حكم لبس الشماغ هل يعتبر سنة؟ الذي قرره أهل العلم أن هذه من العادات, والألبسة تخضع للأعراف، فإذا كان العرف في البلد في المكان، في الزمان, يعتمد العمامة فالخروج عن هذا المألوف شهرة ممنوعة، وإذا اعتادوا الشماغ فالأمر كذلك، على كل حال الألبسة ما لم يرد فيه نص بخصوصه بمنعه أو الحث عليه يخضع للعرف, إذا سلم من التشبه. يقول: رجل تزوج ثم بعد الدخول بها طلق، هل تعتبر أم زوجته المطلقة محرم له؟ حرام عليه؟ بعد الدخول وايش معنى الدخول؟ معنى معروف أن الدخول مع الزوجة وكل على رأيه في المراد بالدخول, وعلى كل حال أم الزوجة محرمة عليه تحريماً مؤبدا فهو محرم لها؛ لأن المحرم هو الزوج, أو من تحرم عليه على التأبيد وهذا منه.

يقول: أنا رجل مضى من عمري أربعون سنة، أريد إرشادي على أفضل الطرق لطلب العلم الشرعي, وحفظ كتاب الله؟ وما رأيكم بالتحاقي بالجامعة الإسلامية منتسباً مع الدروس، أم أقتصر على أحدهما؟ ونحب أن نشارك في دورتكم العلمية بالرياض فكيف نشارك فيها؟ أما المشاركة بالحضور هذه متاحة، ويدعى إليها جميع من يستطيع من طلاب العلم وهذا المتصور أن الطالب يشارك بالحضور والإفادة، وأما الالتحاق بالجامعة الإسلامية أو حضور الدروس, أو الجمع بينهما، المطلوب الجمع؛ لأن كلها خير وكلها من وسائل تحصيل وكسب العلم، وكونه مضى من عمرك أربعون سنة هذا لا يعوقك عن التحصيل, فمن برز في العلم وصار ممن يشار إليه من أهل العلم من طلب العلم وهو كبير، ابن قفال من أئمة الشافعية طلب العلم كبيراً، صالح بن كيسان من كبار الآخذين عن الزهري كبير أكبر من الزهري، طلب العلم وهو كبير جداً، يعني: أقل ما قيل فيه خمسون سنة، وإلا قال بعضهم في ترجمته: أنه طلب العلم وهو ابن تسعين سنة وهو يعد من كبار الآخذين عن الزهري، ومن الحفاظ المعروفين المشهورين, فهذا لا يعوق عن التحصيل, إذا عوض ما فات بالحرص والدأب على التحصيل وصدقت النية وأخلص في قوله وعمله فإنه يدرك -إن شاء الله-. يقول: هناك بعض المعبرين للرؤى يحددون الوقت بالساعة والدقيقة, فهل هذا من ادعاء علم الغيب وهل يجوز سؤالهم؟ إذا بان من عرض الرؤيا علامات وأمارات وقرائن تدل على الوقت، فيمكن تحديدها, مع ذلك لا يجزم به؛ لأنه أمر مستقبل لكن قد تدل الأمارات والعلامات والقرائن من خلال ما يعرضه الرائي على العابر أنها في وقت كذا إما في العصر أو في الليل أو بالنهار أو ما أشبه ذلك، ومع ذلك لا يلزم بشيء من هذا؛ لأن التعبير ليس بقطعي بل هو غلبة ظن. يقول: نرجو التحدث عن شروح الأربعين النووية وذكر شيء من مميزاتها؟ أظننا في الدرس الأول من العام الماضي ذكرنا بعضاً منها. يقول: أشارك في الدورات في الرياض ويدفع بعض الدورات أجرة السيارة؟ هل يجوز أن نأخذ الأجرة كاملة، علماً بأن بعض الشركات قد لا يؤخذ من الطالب إلا نصف الأجرة؟ تأخذ ما دفعت، تأخذ ما دفعت، وترد الباقي.

يقول: المدينة التي أسكن فيها مقسمة بين الكفار والمسلمين, ويتوسطها نهر جار, وأخي قد وجد عقداً من ذهب كان موجوداً في كيس في هذا النهر وهو يجري, فماذا يصنع هل يعرفه، علماً بأن التعريف قد يصعب ولا ندري هل هذا العقد للمسلمين أو الكفار؟ وإذا وجب التعريف كيف يكون؟ إذا دلت القرائن على أنه لمسلم فلا بد من تعريفه، إذا دلت القرائن على أنه لمسلم فلا بد من تعريفه، وإذا دلت القرائن على أنه لكافر حربي فهو يملك بمجرد أخذه، وإذا كان لذمي أو معاهد فهو يرد إليه، وعلى كل حال إذا خفي الأمر يحتاط لنفسه، يذهب إلى من تبرأ الذمة بتقليده في بلده, ويذهب بهذا العقد ويستشيره وما يذكره له هو الخير -إن شاء الله تعالى-. يقول: امرأة نامت وهي ترضع مولوداً لها حتى الصبح وإذا بالمولود أصبح ميت ويغلب على ظنهم أنها نامت عليه حتى خرج الدم من أنفه، وعلى شقه علامة مخضرة من الدم فما الحكم عليها؟ هذه عليها أن تكفر, عليها الدية لوالده إلا إذا سمح بذلك, وعليها الكفارة، تعتق رقبة إن وجدت, وإلا فتصوم شهرين متتابعين. يقول: هل تنصحونا بالدخول في دورة حفظ السنة، الجمع بين الصحيحين في هذه الإجازة؛ مع العلم أن فيها فروعاً متفق عليه مفردات البخاري ومسلم زوائد السنن الأربع على الصحيحين؟ نعم, هذه الدورات المباركة سواء كانت في حفظ الكتاب أو في حفظ السنة من أنفع ما يقضي به طالب العلم وقته, فليحرص عليها. هذا من أستراليا يقول: نحن في بلد تكثر فيه الكلاب -أكرمكم الله- في الطرقات والشوارع، أحياناً تأتي الكلاب وتلتصق بالناس؛ لأنها ألفت الناس وألفت اللعب معهم فتأتي وتعلب مع أي أحد؟ والسؤال: هل من نجاسة هنا، وهل يلزم من غسل اللباس أو تبديله عند الصلاة؟

أولاً: كانت الكلاب كما في صحيح البخاري: " تغدوا وتروح في مسجده - عليه الصلاة والسلام-"، فوجود الكلاب أمر مألوف، لكن المنهي عنه اقتناء الكلب، اقتناء الكلب وأنه ينقص من عمله كل يوم قيراط، من عمل المقتني إلا ما استثني كلب صيد أو زرع أو ماشية، وأما ما عدا ذلك فلا يجوز اقتناؤه، كونها تغدو وتروح في الأسواق وتخالط الناس, وتعاشرهم فإذا كانت ببدنها والبدن يابس, فاليابس فلا ينجس اليابس وإن كانت رطبة أو كان ذلك بلعابها, فهي تنجس ما مسته من يد أو بدن، فلا بد من غسله، فإن كان من اللعاب فلا بد من التسبيع والتتريب، وماعدا ذلك يبقى على النجاسة الأصلية يغسل ثلاثاً. وهذا من السودان: ما حكم السفر إلى بلاد الكفار من أجل إكمال التخصص في التخصصات الطبية؟ نقول: هذا التخصص ما دام موجود في بلاد المسلمين فلا يجوز السفر من أجله إلى بلاد الكفار. وهذا من الكويت يقول: شرعنا بدراسة منهج السالكين للسعدي شرح الشيخ ابن جبرين فقيل: لنا أنه أخطا في العقيدة, ولا بد من اختيار شرح آخر، وماذا نفعل في مثل هذه الأمور فما نصيحتكم لنا؛ علماً بأننا وجدنا الشرح نافع ومفيد؟ الشرح نافع, ومفيد، والمؤلف والشارح كلاهما من علماء المسلمين المقتدى بهم، وليسا بالمعصومين, العصمة ليست متوقعة من أحد كائناً من كان سوى الرسول - عليه الصلاة والسلام-، والخطأ يقع ممن دونه -عليه الصلاة والسلام-. وهذه من السعودية تقول: نود من فضيلتكم أن تبينوا لنا طريقة الاستفادة من قراءة الكتاب، هل يكون التلخيص بعد الانتهاء من قراءة الكتاب بأكمله أم بعد الانتهاء من الجزء المقرر من القراءة في اليوم، وكيف أختبر نفسي أنني استفدت وكيف أستفيد من قراءة كتب ابن القيم حيث عباراته سهلة وواضحة ومختصرة فهل يكون بالتلخيص أيضاً؟ المنهجية في قراءة الكتب، المنهجية في قراءة الكتب، مسجلة بشريط متداول نرجو أن يكون فيه إجابة على هذا السؤال. والمرأة نفسها تقول: ذكرتم من قبل في محاضراتٍ سابقة طريقة لمدارسة العلم عن طريق الأقران كما ذكرها الشيخ عبد القادر بن بدران في المدخل, فهل هذه الطريقة تصلح للمبتدئين أم أنها خاصة للمتوسطين والمنتهين؟

لا يمنع أن يكن الطالب المبتدئ يسأل زميله عما استفاده، وزميله يسأله ثم يراجعون الكتاب, يصححون ما أبدوه من معلومات هل هي صحيحة أم خاطئة. هذا يقول: لي سبع سنوات وأنا أطلب العلم ومع ذلك أحس أني لم أحصل شيء, وأحس أني في بداية الطلب الإيمان أفضل من حالي الآن، وأجد نفسي تميل إلى الشهوات لكن بفضل الله أصبر وما زلت مستمراً في الطلب لكن القلب يميل إلى الدنيا؟ أتمنى أن تدلني على ما هو أنفع لي؟ أولاً: إذا كنت تطلب شيئاً فلا بد أن تعرف الثمرة والغاية من هذا الشيء، وإذا عرفت الثمرة من طلب العلم حرصت على المتابعة, وإذا حرصت على طلب العلم, ومنتك نفسك أن تكون عالماً عاملاً ربانياً فإنك حينئذ لا بد أن تأتي على العوائق عن التحصيل فتبرأ منها, وتجاهد نفسك في محاربتها والتنصل منها، فلا بد من بذل الأسباب, ولا بد من انتفاء الموانع، لا بد من هذا كله، وكونه في بداية الطلب إيمانه أقوى منه الآن لا شك أن هذه عقوبة لمعصية زاولها, فعليه أن يفتش عن نفسه, وعليه أن يصحح ويسعى في تكميل إيمانه, ومع ذلك يجد هذه اللذة وهذه الحلاوة, سواء كانت في العلم أو العمل، سم. بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين. قال الإمام العلامة الحافظ النووي -رحمه الله تعالى-: الحديث التاسع، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم-يقول: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أخبرتكم به فأتوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) [رواه البخاري ومسلم]. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فيقول المؤلف - رحمه الله تعالى-: ونسمع بعض طلاب العلم وهم يقرؤون في الكتب على الشيوخ, يقولون للمؤلف كبيراً كان أو صغيراً, تابعاً أو متبوعاً، يقولون: الإمام, والإمامة إذا كان هذا العالم متبوعاً, فلا شك في كونه إمام، وإذا كان له أثر في العلم والدين يتبعه على ذلك الأثر طلاب العلم فهو إمام، وما عدا ذلك إن كان أثره ضعيفا فالإمامة لا تطلق عليه، النووي - رحمه الله تعالى- له أثر في العلم وفي طلابه فهو من هذه الحيثية يمكن أن يطلق عليه إمام؛ لأنه ألف كتباً صارت هذه الكتب نبراساً لطلاب العلم, كالمجموع لا سيما طلاب العلم من الشافعية، وله أيضاً رياض الصالحين, الذي لا يخلو مسجد من مساجد المسلمين من قراءة فيه، وله أيضاً الأذكار الذي بالغ الأئمة من عصره إلى يومنا هذا في مدحه والثناء عليه, ومنها: هذه الأحاديث الجوامع وشرح مسلم وغيرها من الكتب فلا مانع من هذه الجهة أن يقال إمام، لكن باعتباره ليس من الأئمة المتبوعين الذين لهم تبع الإمامة يمكن يتحفظ عليها بعض الناس لا سيما وأن عنده شيء من الخلل في مسائل الاعتقاد، أن ندعو له ونترحم عليه ومع ذلك الخلل موجود، يعني: التأويل في الصفات موجود في كتبه وشرحه لمسلم واضح فيه أن كونه أشعرياً -رحمه الله- وعفا عنا وعنه، على كل حال هذا لا يخرجه عن دائرة الإسلام التي تجعلنا ندعو له مكافأةً له على صنيعه وعلى نفعه للأمة، وعلى كل حال من أطلق له وجه ومن امتنع منها وجه.

يقول -رحمه الله تعالى- من الحديث التاسع من الأربعين: عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر -رضي الله عنه-. أبو هريرة هذه الكنية ليست بولد لا ذكر ولا أنثى، وإنما هي من باب الملابسة والمصاحبة، والإنسان قد ينسب وقد يكنى بشيء له فيه أدنى ملابسة، بشيء له به أدنى ملابسة، وأبو هريرة -رضي الله عنه- كني بهذه الهرة المصغرة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، على كل حال هريرة، كني بها لأنها لزمته وصارت تلاعبه ويحسن إليها، وبعضهم يقول: إنه يحملها في كمه, على كل حال هذه الكنية وجدت وهذه الملابسة وهذه المناسبة بينه وبين هذه الهرة جعلت من رآه على هذا العمل يكنيه بها, وقد اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافاً كبيراً, قالوا: على نحو من ثلاثين قولاً وهذه هي العادة أن من اشتهر بالكنية فإنه يضيع اسمه، كما أن من اشتهر بالاسم تضيع الكنية، من اشتهر بالكنية يضيع الاسم، أبو قتادة، أبو هريرة، إلى غير ذلك من الأسماء التي أبو حنيفة كثير من طلاب العلم ما يعرف اسمه، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف. أبو حنيفة النعمان بن ثابت، قتادة اشتهر بالاسم كثير من طلاب العلم لا يعرفون كنيته، كنيته؟ طالب:. . . . . . . . . هذه العادة, العادة يعني: الناس إذا ألفوا شيء لم يسمعوا غيره خلاص, لو قيل إن بعض المسلمين ما يعرف اسم أبي بكر يستغرب وإلا ما يستغرب نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

هو ما يستغرب باعتبار واقع المسلمين, ما يسمعون إلا قال أبو بكر فعل أبو بكر لكن باعتبار الواقع ما يستغرب كثير من المسلمين ما سمع عن اسمه، لكنه بالنسبة لطلاب العلم مستغرب، يعني: أفضل الأمة بعد نبيه لا يعرف اسمه هذه سبة، والتقصير في معرفة الأعلام، أعلام هذه الأمة القدوات حاصل حتى أن ناشئة المسلمين يعرفون من أعلام اليهود والنصارى أكثر مما يعرفون من فضلاء الأمة وخيارها لا سيما المعاصرين, تجدهم في الأخبار تردد هذه الأسماء ويحفظونها وإذا سأل أحدهم عن خيار الأمة من الصحابة والتابعين قد يقف, فما يجيب فضلاً عن ما يسمون النجوم سواء كان في الفن أو في الكرة أو في غيرها, ناشئة المسلمين يعرفونهم ولو تقول لطالب في الثانوية عدد أو في الجامعة عدد لي الفقهاء السبعة ما عرفهم من التابعين, أو العبادلة ما يعرفهم ويعرف أعضاء النادي الفلاني فرداً فرداً، وهذا كله سببه الاهتمام ومن الناشئة بل من الكبار من يعدد السيارات, ومميزاتها, وموديلاتها, ولا يعرف كثير مما يتعلق بما أوجب الله عليه.

أبو هريرة اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً والذي اختاره المؤلف أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي يختاره كثير من أهل العلم وهو المتجه المرجح، وإن كان لا يجزم به، عبد الرحمن بن صخر الدوسي حافظ الأمة على الإطلاق، والذي لا يحبه بعد دعوة النبي - عليه الصلاة والسلام - لا شك أن في قلبه شعبة من شعب النفاق, وفي إيمانه خلل لماذا؟ لأنه بواسطته نقل لنا الدين, أو على الأقل قل نصف الدين ولذلك تتجه السهام من أعداء الملة إلى أبي هريرة أكثر من غيره لماذا؟ لأنه بالقضاء عليه -على حد زعمهم- يقضون على نصف الدين، تجد الطعون في أبي هريرة من الفرق الضالة من القديم، ولكل قوم وارث، ما زال الكلام فيه والمؤلفات تصدر في القدح فيه، والطعن فيه وليس الهدف شخص أبي هريرة إنما الهدف الطعن في الدين، والمستشرقون لهم كلام طويل والطوائف والفرق الضالة لهم أيضاً كلام يقدحون في دينه، وفي أخلاقه ووصل الأمر أن قدح في جميع ما يتعلق به وليس المراد شخص أبي هريرة أبداً, إنما المراد الدين ولذا لا تجدون مثل هؤلاء يقدحون في المقلين من الصحابة, أبيض بن حمال ما طعن فيه أحد لماذا؟ لأنه ما يروي إلا حديث واحد فيحتاج الطاعن أن يطعن في خمسة آلاف صحابي مثل الأبيض بن حمال ليكون مساوياً لأبي هريرة، فالطعن في أبي هريرة طعنٌ في الدين، عبد الرحمن ابن صخر الدوسي, هل أبي هريرة يعد من المهاجرين أو الأنصار أو لا؟ هو دوسي من اليمن من جهة الجنوب، يعني: هل الصحابة ينقسمون إلى قسمين فقط مهاجرين وأنصار، وأبو هريرة إما من المهاجرين أو من الأنصار أو هناك قسيم ثالث؟ لأننا نسمع من يقول بعد الصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام- اللهم صلى على محمد ما تعاقب الليل والنهار، هذا تسمع دائماً وعلى صحابته من المهاجرين والأنصار, فإذا قلنا: أن أبا هريرة ليس من المهاجرين ولا من الأنصار بقي عندنا جمع غفير من الصحابة لا يدخلون في هذا الدعاء، وإذا قلنا أن الصحابة ينقسمون إلى القسمين فقط، دخل جميعهم في المهاجرين أو الأنصار, ولا شك أن أبا هريرة هاجر من بلده إلى المدينة ولزم النبي - عليه الصلاة والسلام- فهو بالمعنى الأعم مهاجر، وقد نصر النبي - عليه

الصلاة والسلام - ونصر دينه فهو بالمعنى الأعم من الأنصار، وإذا أطلق المهاجرون فيراد بهم من هاجر مع النبي - عليه الصلاة والسلام - من مكة إلى المدينة، وإذا أطلق الأنصار انصرف إلى من نصره من أهل هذه المدينة من الأوس والخزرج ولا يراد بالإطلاق الخاص عموم النصرة, وإلا دخل فيها المهاجرون؛ لأنهم نصروا النبي - عليه الصلاة والسلام-، وإذا أردنا بالهجرة المعنى الأعم وهي الهجرة إلى الله ورسوله دخل فيها كل مسلم إلى قيام الساعة، فعلى هذا الدعاء بهذا الصيغة صحيح وإلا غير صحيح؟ حاصل وإلا غير حاصل؟ الداعي مو بيحتاج أن يدعو لجميع الصحابة، هل يريد أن يخصص بعض الصحابة دون بعض؟ لا لا يريد أن يخصص, لكن الوصف بالهجرة والنصرة, هل تتحقق لجميع من هاجر إلى النبي - عليه الصلاة والسلام- من أي جهة هاجر إلى المدينة والنصرة تتحقق بجميع من نصره من اتصف بهذا الوصف، ولو لم يكن من أهل المدينة, لا شك أنها بالمعنى الأعم تشمل الجميع، من هاجر إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - من الجنوب من اليمن من نجد من الشمال هذا المهاجر يشمل وإن كان العرف خص الهجرة بمن هاجر معه من مكة إلى المدينة، هذا مهاجر وكذلك الأنصار، جاء تخصيص الذين مع النبي - عليه الصلاة والسلام - في ساعة العسرة بأنهم المهاجرون, والأنصار، من المهاجرين والأنصار, ولا يراد به تخصيص المهاجر من مكة دون من هاجر غيرها, ولا من نصر النبي - عليه الصلاة والسلام- من أهل المدينة دون غيرهم، إنما جميع من خرج معه بنية صادقة طلباً لإعلاء كلمة الله دخل في هذا الوصف، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه)) ما نهيتكم عنه فاجتنبوه هذا يدل على أن النهي يقتضي التحريم، وأنه لا خيار فيه, ((وما أمرتكم به فافعلوا أو فأتوا منه ما استطعتم))، النواهي لا بد من الكف عنها، دون تقييد بالاستطاعة، والأوامر لا بد من فعلها بشرط الاستطاعة، والسبب في ذلك أن النواهي كف، والكف لا يعجز عنه أحد، والأمر إيجاد فعل قد يستطاع هذا الفعل, وقد لا يستطاع ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم)) امتثال الأوامر واجتناب النواهي هو التقوى، هو

التقوى والله -جل وعلا- يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن: 16] الحديث ما فيه تقييد بالنسبة لاجتناب النواهي بالاستطاعة، فهل في النواهي ما لا يستطاع؟ لأن من الناس من لا يستطيع الثبات أمام بعض المعاصي، هل نقول أن هذا مثل ما جاء من قيد في اتباع الأوامر؟ الحديث ما فيه قيد فيه جزم ما فيه، {فاجتنبوه} من غير تقييد بالاستطاعة, لكن التقوى وهي فعل الأوامر واجتناب النواهي {اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} الآن الآية فيها معارضة مع الحديث أو ما فيها معارضة؟ يعني عموم التقوى يشمل فعل الأوامر وترك النواهي, وكلاهما المعبر عنه بالتقوى معلق بالاستطاعة, والحديث ليس فيه التقييد بالاستطاعة بالنسبة لاجتناب النواهي, فهل نقول: إنه لا يعذر أحد في ارتكاب المحرم؟ اللهم إلا مع الإكراه, والمراد بالإكراه الإكراه الخارجي, وإلا قد يوجد إكراه داخلي تكرهه نفسه الأمارة بالسوء وشيطانه يلجئانه إلى ارتكاب هذا المحرم، لكن ليس هذا هو الإكراه المنصوص عليه بما استكرهوا عليه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [سورة النحل: 106] هذا لا بد أن يكون المكره أمر خارجي، القيد: ((ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم)) والتفريق بين الأوامر والنواهي ظاهر, باعتبار أن النواهي مطلوبة الترك، والترك لا يحتاج إلى أن يقيد بالاستطاعة لا يعجز عنه أحد، وإن كان فيه عسر على كثير من الناس, لكن ليس فيه عدم استطاعة منهي عن شرب الخمر يستطيع أن يترك الخمر, ما في أحد يقول إنه لا يستطيع أن يترك الخمر، مأمور بترك الزنا, أو منهي عن مباشرة الزنا، ولا في أحد يقول إنه مكره على الزنا بغير إكراه خارجي على الخلاف بين أهل العلم في إمكان الإكراه على الزنا بالنسبة للرجل، فما يطلب تركه هذا لا يعجز عنه، وما يطلب إيجاده وفعله هذا يتصور العجز عنه ولذا قال: ((فافعلوا منه ما استطعتم)) , وإن كان العموم النواهي والأوامر داخلة في مسمى التقوى، والتقوى معلقة بالاستطاعة، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن: 16] لو تذرع شخص قال: أنا لم أستطع أن أملك نفسي عن هذه المعصية والله -جل وعلا- يقول:

{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن: 16] نقول كلامه صحيح, وإلا غير صحيح؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . صحيح الله -جل وعلا- يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن: 16] وأنا ما استطعت أملك نفسي، نقول الآية فيها إجمال، التقوى تشمل الأوامر والنواهي لكنها على سبيل الإجمال الذي بينه حديث أبي هريرة، وعلى هذا لا يقبل من أحد كائناً من كان أنه قتل إنسان قال: ما استطعت أن أرى قاتل أبي ولا أقتله، يعذر؟ يقول ما استطعت نقول: لا ما في ما استطعت بالنسبة للمحرمات، يقول: رأيت هذه المرأة متبرجة متبذلة ما استطعت أن أملك نفسي، نقول: ما قيد بالاستطاعة, يقول: هو اعتاد وأدمن الخمر وتعود عليه ثم تاب وتركه لما رأى الشراب يقول: والله ما استطعت, يعذر وإلا ما يعذر؟ في كل هذا لا يعذر ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم)) هذا الحديث عمدة من يقول: أن ترك المحرمات أعظم وأولى من فعل الواجبات، بمعنى أنه إذا أوجب عليك الشرع شيئا ولا يمكن تحقيقه إلا بارتكاب محرم, فترك المحرمات أوجب من فعل الواجبات، وهذا يقول به الإمام أحمد وغيره, والحديث يدل عليه؛ لأنه ما في مثنوية ترك المحرمات بينما فعل المأمورات مربوط بالاستطاعة, وهذا قول الإمام أحمد بل هو قول أكثر العلماء، ويرى جمع من أهل العلم العكس, وهذا ما يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: إن فعل الواجبات أولى وهذا معلوم أنه عند التعارض، عند التعارض, وعند الموازنة، عند الموازنة في الأعمال فعل المأمورات أولى من ترك المحظورات لأمور, منها: أن معصية آدم بارتكاب محظور, ومعصية إبليس بترك مأمور، ولا شك أن معصية إبليس أشد من معصية آدم.

الأمر الثاني: أن فعل المأمور الجزاء عليه مضاعف، مضاعف الحسنة بعشر أمثالها, وفعل المحظور السيئة سيئة واحدة, هذا ما قرره أهل العلم في هذه المسألة، والحق في هذه المسألة أنه لا يقال بإطلاق، أن ترك المأمور أعظم أو فعل المحظور أشد، بل المأمورات والمحظورات متفاوتة، فينظر في المعارض هل هو أقوى، أو أضعف؟ يعني: عند التعارض ولا بد أن ترتكب أحد الأمرين أنظر، إذا كان في طريقك إلى المسجد بغي, وعندها ظالم يجبر على الوقع عليها كل من أراد الصلاة في المسجد، هل نستطيع أن نقول ترك المأمور وهو الصلاة في الجماعة أعظم من فعل المحظور وهو الوقوع في البغي؟ هل يمكن أن يقول شيخ الإسلام مثل هذا؟ لا يمكن أن يقول لا شيخ الإسلام ولا غيره، وإذا كان في طريقك إلى المسجد منكر لا تستطيع تغييره بيدك، قد لا تستطيع بلسانك، والعلماء يقررون أنه إذا كان ثم منكر إجابة الدعوة في وليمة العرس وهي في الأصل واجبة لا تجاب هذه الدعوة, إذا كانت ثم منكر لتعارض الواجب مع المنكر، لكن إذا كان هناك منكر لا تستطيع إزالته في طريقك إلى المسجد صورة لا تستطيع تغييرها, صورة مثلا امرأة عارية أو ما أشبه ذلك، هل نقول اترك صلاة الجماعة من أجل هذه الصورة، لا شك أن الأوامر متفاوتة, والنواهي متفاوتة فينظر في المأمور والمحظور أيهما أقوى, يعني: لو كان في طريقك أو في طريقك إلى فعل الصلاة لا فعلها مع الجماعة فعل الصلاة التي تركها كفر، ومن عظائم الأمور محرم من المحرمات، تتجاوز هذا المحرم الذي أكرهت عليه في سبيل تحصيل الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام، وقد يقول قائل: إن مثل هذه الصلاة التي تكره بسببها على الوقوع في المحرم أنت عاجز عن أدائها, فعلى هذا تترك المحظور ولو منعت من الصلاة، وهنا سؤال يسأله بعض النساء اللواتي أصبن بالمس - نسأل الله لنا ولهن العافية - تسأل واحدة تقول: إن الجني لا يمكنني من الصلاة حتى يقع علي، يقال لها: لا تمكنيه من الوقوع وحاولي جاهدةً أن تصلي فإذا عجزتي فأنتي معذورة فأتوا منه ما استطعتم، على كل حال مثل هذه الأمور ينظر في كل مسألة والتعارض فيها بين المأمور والمحظور على حدة، يعني: لو قال قائل: شخص يحلق لحيته وقد نهي عن

ذلك، وشخص لحيته بيضاء لا يسبغها وقد أمر بالصبغ بتغيير الشيب، هذا مأمور وهذا محظور، أيهما أشد؟ نعم؟ الذي يحلق أو الذي لا يصبغ؟ منها لا يتردد أحد في هذا لا يتردد أحد في هذا ومقتضى الإطلاق أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور, مقتضى الإطلاق يقتضي أن عدم الصبغ أشد من حلق اللحية, وهذا لا يمكن أن يقول به عالم، أي: حتى من يرجح هذا القول من المعاصرين واقع في شيء من هذا لا يصبغ لحيته, هل نقول: إنك أنت أشد وأنت مأمور بالتغيير أشد ممن حلق لحيته؟ لا يمكن أن يقال هذا، وعلى هذا لا يمكن القول بإطلاق أن فعل المحظور أشد من ترك المأمور أو العكس، بل ينظر إلى كل مسألة على حدتها، في المأمور وما يعارضه، في المحظور وما يعارضه، ((وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم))، يندرج تحت هذا مسائل كثيرة جداً افعلوا منه ما استطعتم، قد لا يستطيع المأمور فعل ما أمر به جملة وتفصيلاً لا يستطيع, هذا يسقط بكامله، هذا يسقط بكامله، قد يستطيع البعض ولا يستطيع البعض، وجد ماء للوضوء أو الغسل لكنه لا يكفي جميع البدن أو أعضاء الوضوء نقول: افعل ما استطعت, توضأ واغسل وجهك ويديك وامسح رأسك وإذا بقي الرجلان تيمم لهما، إذا انتهى الوضوء الوضوء الذي هو الماء قبل غسل الرجلين تيمم من أجل الرجلين، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن: 16] ((واتوا منه ما استطعتم)) إذا وجد نصف صاع ولا يجد تكملة الصاع في الفطرة, زكاة الفطر يدفع نصف صاع، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} , لكن وجد نصف رقبة وعليه عتق رقبة يعتق نصف وإلا يعدل إلى البدل؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

يعدل إلى البدل، وجد نصف نفقة حج نقول له: اذهب بهذا النصف من بلدك إلى أن ينتهي هذا المال ثم ارجع ولو ما أكملت الحج لا لا, هذا لا يتبعض فالذي يمكن تبعيضه يبعض والذي لا يمكن تبعيضه لا يبعض، وبالمقابل إذا وجد أكثر من الواجب عليه وأخرجه عليه صاع زكاة الفطر فأخرج صاعين، عليه نصف دينار زكاة فأخرج دينار كاملا، الزيادة على الواجب, هل داخلة في حيز الواجب أو في حيز المندوب؟ يعني: هذه مقابل المسألة الأولى، في المسائل الأولى لا يجد إلا البعض وهذا يجد الكل وزيادة، يعني: من أدى ديناراً عن عشرين وهذا مثل من أمثلة المسألة التي نص عليها في كتب الأصول، من أدى ديناراً عن عشرين يلزمه عن العشرين نصف دينار، أدى صاعين أو ثلاثة آصع عن نفس واحدة زكاة فطر، هل الكل واجب؟ أو الواجب ما أوجبه الشرع والقدر الزائد على ذلك مندوب؟ مسألة خلافية بين أهل العلم وأما بالنسبة للمتميز فالقدر الزائد مندوب اتفاقاً يجب عليه صاع زكاة فطر، فدفع هذا الصاع إلى فقير ثم دفع صاع ثاني إلى فقير ثاني، هذا واجب وهذا مندوب صح وإلا لا؟ وهذا لا يدخل .... الزيادة المتميزة لا تدخل في الخلاف لكن جاء في الصاعين وخلطهما في كيس واحد ودفعهما إلى شخص واحد, هذا الذي يختلف فيه، هل الكمية كلها هي الواجبة أو النص واجب، والباقي مستحب؟ يترتب على ذلك مسائل كثيرة، يعني يظن بعض الناس ويش الفائدة من هذا الخلاف ويش الفائدة من المسائل التي تصل إلى ها الحد؟ الواجب في الركوع تسبيحه واحدة, لكن إذا سبح سبع هل نقول: أن التسبيحة الأولى هي الواجبة والباقي هي ندب؟ نقول مثل ذلك في الإمام إذا أطال الركوع، ولحق به من لحق بعد أداء الواجب لحقه في القسم المستحب من الركوع، عند من يقول: لا تصح إمامة المفترض بالمتنفل، هل نقول: إن الكل صار في حكم الواجب؛ لأنه غير متميز, أو نقول يبقى القدر الواجب واجب, وما عداه سنة هذه مسألة كثيرة الفروع وطويلة الذيول تراجع في كتب الأصول، ((وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم, الذين من قبلنا هم الأمم السابقة, والمدرك منهم بالنسبة

لمن نزل عليهم القرآن في وقت التشريع هم اليهود والنصارى، وإن كان "الذين" من صيغ العموم يشمل جميع الأمم السابقة، لكن كثر العناء وكثرة السؤال وجدت في اليهود والنصارى, وهي في اليهود أكثر، هل هذا السبب هو الذي أهلكهم بينما ورد أمور نص على أنهم هلكوا بسببها، فيكون من ضمن الأمور التي هلكوا بسببها كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، كثرة مسائلهم كثرة مضاف، ومسائلهم مضاف ومضاف إليه أيضاً، كثرة مضاف ومسائل مضاف إليه، ومسائل مضاف والضمير مضاف إليه، واختلافهم أو واختلافهم؟ ها؟ طالب:. . . . . . . . . ها. كيف؟ واختلافهم أو واختلافهم؟ طالب:. . . . . . . . . ها. طالب:. . . . . . . . . بالضم، إيه بالضم يعني: عطفاً على المضاف، وبالكسر عطفاً على المضاف إليه, وأيهما أولى؟ وهل هناك من قاعدة مضطردة في هذا؟ طالب:. . . . . . . . . هل هناك من قاعدة مضطردة في تابع المتضايفين، هل يتبع المضاف أو يتبع المضاف إليه؟ في قاعدة وإلا ما في أو السياق والمعنى هو الذي يحدد؟ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو} [سورة الرحمن: 27] فالوصف تابع للمضاف، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي} [سورة الرحمن: 78] الوصف تابع للمضاف إليه، مررت بغلام زيد الفاضل، الفاضل زيد وإلا غلامه؟ طالب:. . . . . . . . .

ها. حسب السياق حسب مراد المتكلم، لا سيما إذا كان الإعراب إما مشترك بين المضاف والمضاف إليه كما في المثل، مررت بغلام زيد كلاهما مجروران الفاضلِ يصلح أن يكون وصفاً لغلام ويصلح أن يكون وصفاً لسيده زيد، أما {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} ذو وذي هذا واضح يعني في الموضع الأول تابع للمضاف, وفي الموضع الثاني تابع للمضاف إليه, لأنه يعرب بالحروف، نعم؟ يعرب بالحروف، الأول مرفوع, والثاني مجرور، والوصف في الموضع الأول مرفوع، وفي الموضع الثاني مجرور، وهنا من حيث المعنى: ((فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم)) , هذا إذا قلنا: إن مجرد الاختلاف, ولو مجرد الاختلاف على الأنبياء ولو كان قليلاً صار سبباً في هلاكهم, وإذا قلنا: إن السبب في هلاكهم كثرة اختلافهم على أنبيائهم, قلنا: واختلافهم والعطف على نية تكرار العامل فكأنه قال: كثرة مسائلهم وكثرة اختلافهم، ويقولون: إن ضم الفاء والعطف على المضاف أولى؛ لأن الاختلاف على الأنبياء شر، قليله وكثيره، قليله وكثيره، طيب هل من الاختلاف على الأنبياء الاختلاف في فهم كلامهم؟ الأئمة قاطبة يختلفون تختلف أفهامهم في فهم كلام نبيهم، أو المراد به النزاع والشقاق المورث للفشل, الذي لا يستند إلى أصل ولا يقصد به وجه الله والوصول إلى الحق؟ هل هذا المقصود به أو أن مجرد اختلاف الفهوم في فهم النصوص يدخل في عموم اختلافهم على أنبيائهم؟ المقصود: أن من فهم من النص غير ما فهمه غيره لا لهوى يتبعه ولا لتعصب لفلان أو لعلان أو لرأي أو لنفس، ومع ذلك له أصل يرجع إليه من شرع أو لغة فإن هذا لا يدخل, ورب مبلغ أوعى من سامع، قد يفهم الراوي شيء والذي يروي عنه يفهم منه شيء آخر، ولا يدخل في المذموم، لا يدخل في المذموم بل هو من الاجتهاد المطلوب الذي يرتب عليه الأجر سواء كان المجتهد مصيباً وحينئذ يكون له أجران, أو يكون مخطئ فيكون له أجرٌ واحد، ((فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم)) المسائل من المسائل ما أمر به، ومنها ما نهي عنه {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [سورة النحل: 43 - الأنبياء: 7] يدخل في هذا وإلا ما يدخل؟ يعني: من أراد أن يسأل عن مسألة شرعية يحتاج إليها

يدخل وإلا يدخل في قوله: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} المأمور به؟ نعم يدخل في المأمور به السؤال عما لم يقع أو السؤال في وقت التشريع الذي يتسبب في التضييق على المسلمين، في الحديث الصحيح: ((إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ )) أكل عام يا رسول الله؟ هذا السؤال داخل لماذا؟ لأنه لو قال نعم: ولذلك جاء في الحديث: ((ذروني ما تركتكم)) ثم ذكر شطر الحديث: ((فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم))، فجعلوا الحديث, والسؤال عن الحج أفي كل عام يا رسول الله؟ جعلوه سبباً لحديث الباب، قد جاء في بعض الروايات ما يدل عليه فإذا خشي لا سيما في وقت التشريع من السؤال أن يشدد على الأمة بسبب هذا السؤال أو يفرض عليها ما ليس بفرض فإن هذا من السؤال المنهي عنه، و ((أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء فحرم بسببه))، يعني: ضيق على الأمة بسببه ((فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم))، يعني: ظاهر بالنسبة لليهود حينما أمرهم موسى بأمر الله -جل وعلا- أن يذبحوا بقرة: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [سورة البقرة: 67] لو قالوا: سمعنا وأطعنا وذهبوا إلى السوق وأول بقرة صادفوها اشتروها فذبحوها ما صار شيء، تم الامتثال، وما كلفوا ما تكلفوا فيما بعد، لكنهم سألوا: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ} [سورة البقرة: 68] ثم جاء بسنها {لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} [سورة البقرة: 68]، {مَا لَوْنُهَا} [سورة البقرة: 69] لما سأل عن السن ضاقت الدائرة, يعني طلب سن معين, يعني في الأول لو ذبحوا فارض وإلا بكر أجزأ، لكن هذا الآن لا يجوز أن يذبحوا فارض ولا بكر بسبب السؤال الأول صفراء، السؤال الثاني ما لونها صفراء، لو ذبحوا أي لون من الألوان أجزأ, لكن بعد السؤال خلاص لا يجوز أن يذبح غير الصفراء، ثم بعد ذلك {يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [سورة البقرة: 70] طيب محددة بالسن واللون وتشابه، وكل هذا من طبعهم عنادهم, الذي جبلوا عليه، جبلوا على الشقاق والعناد فضيق عليهم أكثر, ضيق عليهم أكثر بسبب مسائلهم، وكل هذا تبرم بالتكليف وعدم طيب

نفس بامتثال الأمر فأمة كاملة يؤمرون بذبح بقرة: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [سورة البقرة: 71] ما كادوا يفعلون هم يتصورون أن الله -جل وعلا- مع كثرة الأسئلة - تعالى الله عما يعتقدون - أنه مثل بعض الناس إذا أكثرت عليه قال: خلاص ما أبي منك شيء، إذا طلب منك شيء تردد عليه كذا, وإلا كذا, وإلا كذا, ثم ترجع ثم تروح ثم تأتي كذا وإلا كذا, حتى يمل ويقول خلاص ما أبي منك شيء، هم يتبرمون بكثرة هذه الأسئلة من أجل أن يتنصلوا عن الامتثال {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} شخص واحد يؤمر بذبح ولده الوحيد الذي جاءه بعد أن هرم وكبرت سنه لما أمر بذبح ابنه تله للجبين ما يحتاج أن يراجع، يعني: فرق بين امتثال وامتثال يعني زيد وعمرو من المسلمين يصلون مع المسلمين, لكن هذا إذا سمع الأذان شمر وتجهز وخرج للمسجد، وهذا إذا سمع الأذان اضطجع, وتلين شويه كأنه يريد أن ينقل صخرة وإلا شيء من هذا, إلى أن تفوته الصلاة كحال المنافقين {قَامُواْ كُسَالَى} [سورة النساء: 142] فرق بين هذا وهذا وإن كان الكل منهم يصلي, لكن فرق بين أن يمتثل يأخذ ما أمر به بقوة وبين من يأخذ ما أمر به على التراخي، كثرة المسائل لا شك أنها تضيق على هذا السائل وإلا لو امتثل من أول الأمر لكفى ما يقع عليه المسمى، امتثل بما يقع عليه المسمى.

كثرة مسائلهم، يعني عرف عن سلف هذه الأمة الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا لا يسألون النبي - عليه الصلاة والسلام -؛ لأنه جاء النهي عن كثرة المسائل، النهي عن: ((قيل وقال وكثرة السؤال)) فصاروا لا يسألون، إلا في مسائل يسيرة نُص عليها في القرآن, ونقلت في السنة لكن بالنسبة لطول الزمان وكثرة العدد تعتبر أسئلة نادرة, وكانوا يحبون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية فيسأل النبي - عليه الصلاة والسلام - فيجيبه يستفيدون من الجواب، ثم جرى على ذلك الصدر الأول, إذا سأل الواحد منهم قال: هل وقعت هذا المسألة وإلا ما وقعت؟ فإن قال: واقعة اجتهد أو دفع السؤال إلى غيره، وإن كانت المسألة غير واقعة قال: اذهب حتى تقع, ثم بعد ذلك نتكلف لك الجواب، نتجشم لك الجواب، والآن نسمع من يسأل فلا نسمع في كلامه الله أعلم، بل نسمع بعض من يجيب قبل أن يتم السؤال، وقد يقع خلل في الجواب بسبب ذلك، وكثيراً ما يسأل النبي - عليه الصلاة والسلام – فيسكت, وفي هذا يقول أهل العلم من شراح الحديث: أنه يسكت أحيانا انتظاراً للوحي، انتظاراً للوحي، وقد يكون من فوائد هذا السكوت تربية لمن يتولى الأمر بعده بالتوقيع عن الله -جل وعلا- أن يتريث ويسكت ويتأمل السؤال, وينظر في الجواب ويستفهم, ويستفصل من السائل, ليكون الجواب مطابقاً للسؤال، كثرة مسائلهم, يعني: كانوا في الصدر الأول يكرهون الأسئلة, بل يمنعون الأسئلة التي جاء النهي عنها من الأغلوطات, وعضل المسائل التي يقصد منها إظهار التعالم, أو إعجاز أو تعجيز المسئول, هذا لا يجوز بحال، هذا خلل في القصد، خلل في النية، كثرة المسائل التي يقصد منها التفقه، لكن مع ذلك فيها تشقيق, وإبعاد في النظر إبعاد عن الواقع, فتشقيق المسائل عند سلف هذه الأمة ممنوع، ولذا تجدون كلامهم قليل جداً وبركته كثيرة، وبين ذلك ابن رجب – رحمه الله - في فضل علم السلف على الخلف, وقال: "إن علمهم وكلامهم قليل, لكنه مبارك"، وتجد الواحد في العصور المتأخرة يتكلم على المسألة في مجلد يمكن تلخيصه تخليص الكلام كله بجملة, أو سطر, أو سطرين, أو ما أشبه ذلك، وأُلف كتب يسمونها كتب فكرية, كتاب كامل يدور حول فكرة واحدة يمكن الإفصاح

عنها بجملة تعوق عن تحصيل العلم, وإن استفاد منها القارئ كثرة كلام وإنشاء واستطاعة في التحدث في كل مجال يريده سواء كان يأوي إلى دليل, أو لا يأوي إلى دليل, المقصود أن مثل هذا لا يفيد طالب العلم شيئاً، فكل خير في اتباع من سلف. ولذا يقول الحافظ بن رجب -رحمه الله تعالى- في فضل علم السلف: "إن من فضل عالماً على آخر بكثرة كلامه فقد أزرى بسلف هذه الأمة, أزرى بسلف هذه الأمة، وكانوا مما يكرهونه تشقيق المسائل"، وكانوا يرون أن الشخص المتحري لألفاظه الذي ألفاظه قليلة ويتحرى فيها، هذا هو الذي يوفق في الغالب للإصابة بخلاف من كثر كلامه، وفي المثل: "من كثر كلامه كثر سقطه وزلَله" وهذه مسألة قد تشكك على كثير من المعلمين والمتعلمين، والمعلمون في هذه العصور متورطون فيها، يعني: مثل صنيعنا الآن ساعة، ساعة ونصف في حديث واحد وتجد من يستطيع أن يتكلم على الحديث بخمس دقائق، فهل هذا مما يمدح أو مما يذم؟ يعني: إحنا صنيعنا واقع في الممدوح أو في المذموم؟ هل هذا نقول تشقيق مسائل لا فائدة منها وتضييع أوقات وتضييع جهود وبدلاً من أن تشرح الأربعين في دورة واحدة تحتاج إلى دورات؟ ونسمع من يشرح الأربعين في يومين، يعني: وضعت دورة لبعض المشايخ الأربعين لمدة خمسة أيام شرحها في ثلاثة أيام واعتذر عن يومين وانتهى، يعني: هل نقول أن هذه القلة مطلقا هي صنيع السلف والإسهاب والتطويل هو صنيع الخلف، يعني إذا قارنا كلام الإمام أحمد بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً الإمام أحمد يجيب عن المسألة بجملة, وقد يجيب بكلمة يعجبني أو لا يعجبني، وشيخ الإسلام يجيب عن فتوى بمائتين وثلاثين صفحة، يقول: "كتبت الجواب وصاحبه صاحب السؤال مستوفز يريده", يعني: ما جلس على الأرض فكتب هذا الجواب طبع بمائتين وثلاثين صفحة من الفتاوى، كتاب الحموية جواب، والتدمرية جواب، الواسطية جواب، هل نقول إن هذا من التطويل الذي لا ينفع ومن تشقيق المسائل؟ أو نقول لما احتاج الناس إلى التفصيل ألجأ أهل العلم إلى التفصيل وكانوا يذعنون لمجرد الكلام من العالم في السابق العالم الموثوق به إذا قال: يعجبني خلاص انتهى الإشكال أو لا يعجبني، لكن الآن إذا قال يعجبني يكفي؟ ما

يكفي فاحتاج الناس إلى التفصيل، فاضطر أهل العلم إلى التفصيل, هل يقال: إن شيخ الإسلام ليس على طريقة السلف، طريقة السلف هذه قد يتذرع بها من لا يكلف نفسه عناء المراجعة أو عناء البحث في الكتب، أو يستطيع أن ينهي الكتب أو يسمع أكبر قدر من الكتب ويعلق على هذه القراءات بكلمة أو كلمتين ويقول إنه على طريقة السلف، يعني قد يتذرع بمثل هذا الكلام الكسول، يعني: لا يظن بشخص بعينه، يعني: إذا نظرنا إلى العلم المبارك مثلاً علم الشيخ ابن باز مثلا، يقرأ عليه حديث يعلق عليه بخمس دقائق، حديث ثاني وثلاثة وأربعة وخمسة في جلسة واحدة ولا تستغرق شيئاً بعد صلاة العصر ربع ساعة يعلق على خمسة أحاديث, ولا شك أن هذه طريقة السلف, وعلم مبارك ومعوله على الكتاب والسنة، ما أحد يشك في هذا، لكن إذا احتاج طلاب العلم إلى التفصيل والتنظير في المسائل وتوضيح المسائل بكثرة الأمثلة, هل نقول إن هذا من تشقيق المسائل الداخل في الحديث؟ يعني مثال ذلك شيخ الإسلام احتاج في وقته إلى بسط المسائل، الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يبسط المسائل، هل نقول: إن هذا من البسط وتشقيق المسائل المذموم أو من التوضيح المطلوب لما احتاج طلاب العلم إلى مثل هذا التوضيح؟ ولذلك الإنسان قد تراوده أحيانا الفكرة أنه يجمل في كثير من المسائل ويرجع الطلاب إلى المصادر, ويقول اقرؤوا في شروح الأربعين وتستفيدون, ونتكلم عليها الحديث في خمس دقائق وننتهي من الأربعين بسرعة والنفس لا شك أنها توجس ريبة من بعض التصرفات التي نرتكبها والإبعاد في النجعة والأمثلة والاستطرادات قد تكون عائقاً عن تحصيل بعض العلم لكن الله -جل وعلا- يعلم أن الباعث لذلك هو إفادة طلاب العلم لا أكثر ولا أقل، لكن مع ذلك نجد في كلام ابن رجب – رحمه الله - سواء كان في فضل علم السلف أو في شرح الأربعين ما نقع في مخالفته أحياناً ونسأل الله -جل وعلا- العفو, ((فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم))، يعني: إذا نظرنا إلى كتب الفقه والمسائل والفروع والاستطرادات الكثيرة, هل نقول إن هذا مما جاء ذمه في هذا الحديث؟ أو نقول: إن المقصود منه إيقاع مسائل والكلام على نظائر ولو لم تقع لكن

احتمال أنها تقع؟ يعني: بعضهم ذكر من المسائل أن مسافة القصر يومين قاصدين ولو قطعها في ساعة، هذا من الفقهاء المتقدمين, هل يمكن أن تقطع في ساعة في وقته؟ مستحيل ساعة يقطع ثمانين كيلو مستحيل، هل نقول: إن هذا من ضرب الأمثلة الخيالية التي لا يمكن أن تقع؟ وقعت تقطع في ساعة الآن، بل يمكن أن تقطع بأقل بكثير، بعضهم ذكر مثال" لو رمى الجمرة فالتقمها طائر فوضعها في الحوض، وبعضهم قال: لو سجد حيوان قرأ آية سجدة, هل يسجد السامع أو لا يسجد؟ هذه مسائل موجودة في كتب أهل العلم ولا شك أن منها ما يمكن وقوعه, ومنها ما يستحيل وقوعه فلا شك أن الواقع لا بد من الكلام فيه، الواقع والنوازل لا بد من الكلام فيها، وما يمكن أن يقع إذا كان وقوعه متصوراً ومحتملاً لا مانع من الكلام فيه أما ما يستحيل وقوعه فلا.

((كثرة مسائلهم واختلافهم)) المؤلف النووي في قاموس الألفاظ الغريبة التي شرح بها الألفاظ الغريبة في آخر الأربعين قال: هو بضم الفاء لا بكسرها، لماذا؟ ليكون العطف على المضاف، فمجرد الاختلاف على الأنبياء سبب للهلاك، وإذا قلنا: واختلافهم صار كثرة الاختلاف سبب الهلاك لا مجرد الاختلاف، واختلافهم على أنبيائهم، اختلفوا على الأنبياء عارضوهم بآرائهم, وبأفهامهم وكل يدلي برأيه غير مستند لنص أو لما يمكن أن يستند إليه في فهم النصوص ويوجد الآن مع الأسف من يشبه هؤلاء, فتجده يتكلم في القرآن والسنة برأيه المجرد وبفهمه الضعيف الذي لا يستند إلى عقل ولا نقل، فلا شك أن هذا طريق من طرق الهلاك إذا تكلم في الدين وفي العلم تكلم في الكتاب والسنة من ليس بأهل, فلا شك أن هذا من أسباب الهلاك، وجاء التحذير والتشديد في الكلام في كتاب الله وفي كلامه وكلام رسوله - عليه الصلاة والسلام - بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى نقل ولا إلى عقل فإن مثل هذا لا شك أنه من المحرمات, تجد من لا ناقة له ولا جمل, ولا يعرف مبادئ العلوم يتكلم في عضل المسائل التي يسمونها المسائل المصيرية، بمجرد أنه تابع الأحداث من خلال قنوات أو وسائل إعلام تجده يتكلم في الأمور المستقبلة التي فيها نصوص يحلل برأيه وكثيراً ما يتكلم من يسمى محلل، المحلل السياسي, أو الكاتب الفلاني، يتكلمون في أمور مصيرية هي ليست لهم قد تهلك الأمة بسببهم من تحليلاتهم، وقد يتجرؤون فيذكرون بعض النتائج الغيبية، والأمر في هذا مرده إلى كتاب الله وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - وإلى حملة الكتاب والسنة، لا لهؤلاء الذي يتخبطون في آرائهم ويتكلمون في مسائل الدين باجتهاداتهم التي لا تستند إلى أصول ثابتة، أهل العلم يتوقون ويتحرون من أن يتكلم الواحد منهم برأيه في آيةٍ أو في حديث, لورود التشديد في الكلام بالقرآن بالرأي أو في السنة, والكلام في كلام الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا بد له من الجمع بين معرفة السنة, مع معرفة اللغة، لا يكفي أن يتكلم لغوي في السنة، ولا يكفي أن يتكلم محدث لا علم له بلغة العرب بالسنة، سأل الأصمعي عن السقب في الحديث: ((الجار أحق بسقبه)) فقال: أنا لا أفسر

كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولكن العرب تزعم أن السقب اللصيق، أن السقب اللصيق، يعني الأصمعي يحفظ ستة عشر ألف قصيدة, منها ما عدد أبياته بالمئين, يعني: يحفظ كم هائل الملايين من الأبيات ومع ذلك والشعر ديوان العرب, ومع ذلك لا يجرؤ أن يفسر الحديث: ((الجار أحق بسقبه)) وتجد من أيسر الأمور على صغار الطلاب أو على العامة أو على أشباه العامة, وإن كانوا يكتبون ويقرؤون هم في ميزان الشرع عامة، من صحفيين ومن يدعون محللين وغيرهم, تجدهم من أيسر الأمور إذا ذكرت الآية باشر بتفسيرها, أو ذكر الحديث بادر بتأويله، ولا شك أن هذا مهلكة ومزلة قدم, يعني: ما الذي يلجئك أن تقحم نفسك فيما لا تحسنه, يعني لو احتاج ولدك إلى عملية بسيطة سهلة عميلة زائدة ليست معقدة, هل تجرأ أن تقول هذه عملية سهلة آتي بالسكين وأشق البطن وأزيليها وأخيط وانتهى الإشكال؟ أم يحتاج ... يعني لو تحتاج إلى قطرة تقطر بها في عينك, وتذهب إلى الصيدلي وعنده خبرة وينظر إلى عينك ما تثق به حتى تذهب إلى طبيب ما يكفي طبيب عام ولا أخصائي، تحتاج إلى استشاري؛ لأن هذا خطر يقطر بالعين, حتى كان من وصايا بعضهم أنه لو أعطاك الاستشاري قطرة لا تقطر بالعينين معا قطر بواحدة جرب ثم إذا سلمت قطر، يعني يحتاطون لأبدانهم والدين أعظم ومن أجله خلقوا لتحقيق العبودية ومع ذلك يتجرؤون على كلام الله وكلام رسوله - عليه الصلاة والسلام - بالهوى، والرأي المجرد الذي لا يستند إلى عقل صريح ولا إلى نقل صحيح، لا شك أن مثل هذا مؤدي إلى الهلاك ((فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) [رواه البخاري ومسلم]، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . بعد المغرب إيه، خلاص يا الله. . . . . . . . . يقول في السؤال الأول: هو بانتظار الإجابة, يقول: إخواني ينبه الطلاب على أن المغرب لا يوجد درس ويعرض على الشيخ قبل إذا كان يريد المواصلة بعد المغرب.

أنا لا أستطيع المواصلة؛ لأن عندي ارتباط بعد صلاة المغرب فتكون فرصة لكم لمراجعة ما قرأ وما يقرأ وإن صرف في قراءة القرآن على الوجه المأمور به فخير ما تمضى فيه الساعات والدقائق. هل يجب على المرأة طاعة زوجها بمجرد العقد عليها, أو لا يكون ذلك إلا بعد الدخول؟ على كل حال هي زوجة من العقد, لكنها إذا سلمت نفسه لها والتزم بجميع متطلباتها, من سكن, ونفقة وغيرها, مما تحتاجه لزمها طاعته. فتاة مبتدئة في طلب العلم وأصيبت بالعين, فهي إذا تعمقت في الطلب واجتهدت تصرع, وتصيح وتبكي علما بأنها تحب العلم الشرعي ولديها همة عالية للطلب فحفظت تسعة متون وحفظت القرآن ونخاف أن يكون هذا الصرع صارف لها عن العلم فما توجيهكم؟ إذا بذلت الأسباب بالرقية الشرعية بأن ترقي نفسها, أو تسعى لرقيتها من قبل من يوثق به، من أهل الدين والعلم والورع والمعرفة في هذه الأمور، فبذل السبب مطلوب, وإن صبرت واحتسبت والصرع كما جاء في المرأة التي تصرع في عهده - عليه الصلاة والسلام - قال: ((إن صبرت فلك الجنة)) قالت: "أصبر" لكنها تصبر على الصرع ولا تصبر على التكشف فقالت: "ادع الله لي أن لا أتكشف"، هذا غاية ما تسمو إليه، ونحن في كمال العقل في كمال الإدراك نسعى إلى التكشف بأيدينا وبطوعنا واختيارنا، - نسأل الله السلامة والعافية-، على كل حال قال: أجبرها والدها وذهب بها إلى راقي يقرأ عليها لكن لم تستمر لارتكابه بعض المنكرات؟ ولهذا ينص على أن يكن الراقي ثقة، ثقة؛ لأنه وجد يعني وإن كان نادر وقليل, لكنه وجد من بعض غير الثقات من يتصدى للرقية، فحصل منه ما حصل من بعض المنكرات كما ذكرت. وقال لها والدها: بأنه سيذهب بها إلى السعودية ليبحث لها عن راقي وهي ترفض ذلك، فكيف تبر أباها؟ قل تطع أباها؛ لأنه لم يأمرها بمعصية, يذهب بها إلى راق موثوق سواء كان في بلده, أو في السعودية أو في غيرها شريطة أن يكون موثوقاً. لي قريبة متزوجة لها زوج غني ولكنه بخيل جداً, ولا يعطيها مالاً يعني لا يعطيها مالاً حتى للمستلزمات الأساسية مثل الأكل وغيرها؟ هل يجوز إعطاؤها من الزكاة؟

العلماء يختلفون في المرأة تحت الغني غير المنفق، فإن نظرنا إلى حالها فهي محتاجة في حكم الفقراء، وإذا نظرنا إلى من تجب عليه النفقة وهو الزوج وهو غني فلا يجوز أن تصرف الزكاة، وحينئذ عليها أن تذهب إلى المحكمة وتطالبه بتقرير ما يكفيها ويكفي ولدها بالمعروف فيأخذ منه قهراً؛ لأن هذا مما يجب عليه، وإن تيسر لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي ولدها بالمعروف, ولو من غير علمه فلها ذلك كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام - لهند امرأة أبي سفيان لما جاءت وقالت له: "إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفي ولدي ويكفيني وولدي بالمعروف"، قال: ((خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)). يقول: حديث أبي هريرة الذي نحن بصدده يمثل بعض علماء المصطلح بأنه مقلوب فما توجيه قولهم ذلك؟ وما توضيح السياق الذي فيه القلب؟ ابن القيم أطال في حديث أبي هريرة وقال: إنه مقلوب: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) يقول: إنه مقلوب باعتبار أن البعير يضع يديه قبل ركبتيه فيكون آخره معارض لأوله, ونقول: إنه ليس بمقلوب؛ لأن مجرد وضع اليدين على الأرض ليس ببروك، ولا يلزم من التشبيه أن يكون من كل وجه، والأمثلة على ذلك كثيرة, ونقول: مجرد وضع اليدين هذا ليس ببروك، وإنما البروك النزول على الأرض بقوة, سواء كان على اليدين أو على الركبتين، وفي صحيح البخاري: "فبرك عمر بين يدي النبي - عليه الصلاة والسلام - على ركبتيه" على ركبتيه, يعني: نزل على الأرض بقوة؛ فالذي ينزل على يديه بقوة هذا يبرك كما يبركم البعير، ونسمع من ينزل بقوة على ركبتيه هذا ممنوع، ومن ينزل بقوة على يديه هذه ممنوع، والمطلوب في الصلاة عدم مشابهة البهائم، فالبعير ينزل بقوة يثير الغبار يفرق الحصى, وإذا وضع يديه المصلي قبل ركبتيه هذا لا يسمى باركاً بروك البعير، بل ممتثلاً لقوله: ((وليضع يديه على ركبتيه)). اللهم صل على محمد وعلى آله. طالب:. . . . . . . . . إيه . . . . . . . . . رمضان ما يصلي. بلغت عنه. طالب:. . . . . . . . . لكن بلغت عنه الهيئة.

شرح الأربعين النووية (10)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح الأربعين النووية (10) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [(51) سورة المؤمنون] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [(172) سورة البقرة] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنا يستجاب لذلك)) رواه مسلم. وعن أبي محمد الحسن بن علي سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) حديث حسن، رواه الترمذي وغيره. الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. الحمد لله، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد: الحديث العاشر يا شيخ؟ العاشر أيوه. أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء: عن أبي هريرة ... العنوان ليس من النص. الحديث العاشر عن أبي هريرة. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [(51) سورة المؤمنون] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [(172) سورة البقرة] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنا يستجاب لذلك)) رواه مسلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: نبهنا مراراً أنه لا يقال قبل (أما بعد) (ثم) ما نحتاج أن نقول: ثم أما بعد، أما بعد على طول، جاء فيها أكثر من ثلاثين حديث بدون (ثم) والإتيان بها سنة كما هو ديدنه -عليه الصلاة والسلام- في خطبه ورسائله، وإبدالها بالواو لأن كثير من الناس يقول: وبعد، لا يجزئ عن (أما) ولا تتأدى السنة إلا بهذا اللفظ (أما بعد). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الحديث العاشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً)) الله -جل وعلا- مقدس منزه عن العيوب والنقائص، لا يقبل ما كان بضد ذلك، لا من الأعمال، ولا من الأقوال، ولا من الاعتقادات، ولا أي شيء يمكن أن يوصف بغير هذا الوصف الذي هو الطيب. ((إن الله تعالى طيب)) يخبر عن الله -جل وعلا- بأنه طيب، لكن هل يسمى بالطيب؟ محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من أثبت الطيب في الأسماء الحسنى، ومنهم من قال: إن هذا على سبيل الخبر، وسبيل الإخبار أوسع من باب التسمية والوصف كما هو معلوم.

((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً)) وحذف المفعول للتعميم؛ ليسرح الذهن في كل مسرح مما يمكن أن يوصف بأنه طيب فيقبله الله -جل وعلا-، أو ما كان بضده من الخبيث والرديء فإن الله -جل وعلا- لا يقبله، ((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً)) لا يقبل من الاعتقادات إلا الطيب، وهو ما دلت عليه النصوص، نصوص الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة، ولا يقبل من الأعمال إلا ما دل عليه الدليل، ولا يقبل من الأقوال إلا الكلم الطيب، ولا يقبل من التصرفات من صدقات وغيرها إلا ما كان طيباً في مورده ومصرفه، لا يقبل إلا طيباً، {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فالمحرمات خبائث، والرديء خبيث، ((كسب الحجام خبيث)) {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] ولو لم يكن محرماً، يعني النفقة بالمال الرديء لو قدر أن عندك تمر من النوع الجيد، وتمر من النوع الرديء، واحتبست الجيد لنفسك ولأولادك وتصدقت بالرديء هذا {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] لكنها صدقة لها أجرها بقدرها، لكن {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [(92) سورة آل عمران] أنت تحب الطيب فأنفق طيب، يعني لن تنالوا كمال البر إلا بهذا، وإن كانت الصدقة بالدون مقبولة -إن شاء الله تعالى-، {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ} [(267) سورة البقرة] يعني المال الخبيث الذي هو رديء في هذه الآية، الذي هو الرديء، النوع الرديء من الطعام، ومن سائر الأموال، لكن لا يقال: إن هذا التمر الذي هو دون مما ادخرته لنفسك وولدك، لا تتصدق منه، بل ترميه للمزابل وغيرها، لا، هذا إذا لم تحتج إليه تصدق به تجد من يأكله، لكنه نفقة مفضولة، {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [(92) سورة آل عمران] وهذا يدل على سخاء النفس وجودها، وإيثارها لما عند الله -جل وعلا-، على حظ النفس كما هو معلوم.

الطيب يقابله الخبيث، الطيب الحلال والخبيث الحرام في قوله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فالمحرمات كلها خبائث، وقد يرد سؤال وهو أن العين الواحدة قد تكون مباحة في وقت محرمة في وقت كالحمر الإنسية مثلاً، كانت حلال ثم حرمت هل كانت طيبة ثم صارت خبيثة؟ يعني انقلبت عينها؟ أو أن العين لم تتغير ولم تتأثر؟ يعني هل الخبث حسي؟ لا شك أنها رجس، يعني أنها نجسة، ومع ذلك هل كانت طيبة لما كانت حلالاً ثم انقلبت عينها إلى نجاسة بعد أن صارت حراماً؟ وقل مثل هذا في الخمر فيما طرأ عليه التحريم بعد التحليل أو العكس، هل أعيانه انقلبت؟ لأنه لما كانت حلال فهي مندرجة في: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(157) سورة الأعراف] ولما صارت حراماً اندرجت في: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] أو نقول: إن الطيب والخبث أمر معنوي يتبع النص؟ يتبع النص، فما كان حلالاً فهو طيب، وما كان حراماً فهو خبيث، هل نقول هذا أو نقول: إن الله -جل وعلا- قادر على أن يحيل هذه الأعيان من الطيب إلى الخبث الحسي بعد أن حرمها بعد أن كانت حلالاً؟ أقوال أهل العلم ما فيها بت في مثل هذه المسألة، لكن النص ظاهر في أن الحلال طيب وأن الحرام خبيث، وقد يطلق الخبث على غير الحرام على الرديء من الشيء ((من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين)) يعني الثوم والبصل، ولذا ابن حزم يرى أن أكلهما حرام؛ لأنهما خبيثتان، والنص الصحيح الصريح في صحيح مسلم وغيره قال: أحرام هما يا رسول الله؟ قال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) وهما حلال، وإن كانا خبيثتين لكنهما دون، ليست من الطيب الذي هو فاضل مقدم على غيره مرغوب فيه عقلاً وشرعاً وحساً، على كل حال هذه الأمور تفصيلها يطول.

((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين)) لا يقبل إلا طيب، الطيب إن كان المراد فيما يقابله الخبيث الحرام فهذا مردود بلا شك، وإن كان فيما دون ذلك مما ليس بحرام وإن كان أقل فنفي القبول هنا لعله ينطبق إلى أو يندرج فيما دون ذلك وهو نفي الثواب المرتب عليه؛ لأنه يطلق نفي القبول ويراد به نفي الصحة، كما أنه يطلق نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العمل، فرق بين ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) و ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) هذا نفي للصحة؛ لأن النفي عاد إلى شرط، إلى شرط مؤثر في العمل، وبين ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)) أو ((صلاة عبد آبق)) النفي هنا لم يعد إلى شرط، فهنا ينفى الثواب المرتب على العبادة، ومن هذا قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] يعني الثواب المرتب على عباداتهم في مقابل معاصيهم لا يترتب عليها ثوابها، ولم يقل أحد من أهل العلم، ما عرف عن أحد من أهل العلم أن الفساق يؤمرون بإعادة العبادات لأن عباداتهم غير صحيحة، عباداتهم صحيحة ومجزئة ومسقطة للطلب، لكن النظر في الثواب المرتب عليها.

((وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين)) قال -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [(51) سورة المؤمنون] {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [(51) سورة المؤمنون] يعني لا تأكلوا من الخبيث، إنما الإنسان مأمور بأن يأكل من الطيب، ولا يأكل من الخبيث، والمنهي عنه المنهي عن أكله إنما هو الخبيث الذي هو المحرم، أما الدون فكون الإنسان يقصد إلى التمر الرديء أو البر الرديء، أو ما أشبه ذلك لنفسه ويرى أن هذا يعني يمكن يعينه على كسر نفسه، وعدم ترفعه على غيره مع أداء حق الله الذي أوجبه عليه، قد يكون هذا مسلك لبعض الصالحين، وإن كان الأصل أن الله -جل وعلا- يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وهنا يقول: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [(51) سورة المؤمنون] التي أحلها الله -جل وعلا- وأباحها، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [(172) سورة البقرة] نفس الأمر {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [(51) سورة المؤمنون] وقال للمؤمنين آمراً لهم: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [(57) سورة البقرة] فيستوي في هذا الأمر الرسل وأتباع الرسل، والرسل وأتباعهم. "ثم ذكر الرجل" ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- الرجل "يطيل السفر" وإطالة السفر، السفر في الجملة مظنة لإجابة الدعوة، وجاء ما يدل على ذلك في المرفوع "الرجل يطيل السفر" هذه من أسباب الإجابة "أشعث أغبر" منكسر القلب غير مترفع ولا متكبر، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما خرج لصلاة الاستسقاء خرج -عليه الصلاة والسلام- متواضعاً متذللاً متخشعاً متضرعاً؛ ليكون أدعى إلى إجابة الدعوة.

"أشعث أغبر" لأن الإنسان لا شك أنه يتأثر إذا لبس الجديد، أو ركب الفاخر الفاره، أو سكن المسكن الواسع الجميل، لا شك أن نفسيته تتأثر، بينما إذا لبس الوسط لا يقال: يلبس الرديء الخلق بحيث يزدريه الناس، لا، يتوسط في أموره، يركب المتوسط من المركوبات، يسكن المتوسط من البيوت، والدنيا ليست دار مقر وإنما هي ممر، فلا تكون محل عناية الإنسان وهمه الأول والآخر، إنما همه تحقيق ما خلق من أجله، وهو عبودية الله -جل وعلا-، والاستعانة بمتع هذه الدنيا؛ ليصل بذلك إلى تحقيق الهدف: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] وبعض الناس عكس جعل الهدف اللهث وراء هذه الدنيا، وجمع الحطام، والملبس الفاخر، والمسكن الواسع الفاخر، والمركب الفاره وهكذا. يعني يأتي الإنسان ليجاور في بيت الله الحرام أو في مسجد رسوله -عليه الصلاة والسلام- ثم يبحث عن أرقى الفنادق، الأمر أقل من ذلك، أهون من ذلك، قد يشغله هذا المسكن عما هو بصدده، وقد لا يعان على اجتماع قلبه، إذا وقف بين يدي الله -جل وعلا- في مثل هذا المسكن، فالتوسط في الأمور هو المطلوب. ((أشعث أغبر يمد يديه)) يعني جاء في الخبر: ((البذاذة من الإيمان)) ولا يعني أن الإنسان يلبس الرديء من كل شيء، أو يأكل الرديء من كل شيء، أو يسكن الرديء بحيث يمقته الناس، ويزدرونه، المسلم عزيز بدينه، عليه أن يتوسط في أموره كلها، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة]. ((أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء)) ورفع اليدين في الدعاء جاء في أكثر من مائة حديث، وجُمع فيه أجزاء لأهل العلم، أجزاء في رفع اليدين في الدعاء وهذا هو الأصل ما لم يكن في عبادة، فإن العبادة تؤدى كما جاءت عن القدوة -عليه الصلاة والسلام-، الصلاة ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فلا يرفع يديه في الصلاة إلا فيما جاء فيه الرفع، لا يرفع يديه في الخطبة إلا فيما جاء فيه الرفع وهكذا، أما ما عدا ذلك فالأصل في الدعاء رفع اليدين.

((يمد يديه إلى السماء)) والله -جل وعلا- يستحيي أن يرد يدي عبده إذا رفعهما إليه صفراً، ((يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء)) من أسباب إجابة الدعوة ((يا رب يا رب)) والدعاء بـ (يا رب) جاء في أكثر الأدعية القرآنية، يا رب، ربنا، ربنا، وجاء في خواتم سورة آل عمران في العشر الآيات الأخيرة منها تكرار ربنا خمس مرات، حتى قال جمع من أهل العلم أن الإنسان إذا ضمن دعاءه المصدر بربنا، أو يا رب خمس مرات فإنه حري بالإجابة؛ لأنه لما تمت الخمس قال الله -جل وعلا-: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [(195) سورة آل عمران] فاستعمال هذا الاسم من أسماء الله -جل وعلا- من أسباب الإجابة، فعندنا الأسباب متوافرة، يطيل السفر، وأشعث، ويمد يديه إلى السماء، ويستعمل هذه الصيغة: يا رب يا رب، الأسباب متوافرة، لكن الشأن في وجود المانع من قبول الدعاء كما هو الحاصل هنا. ((ومطعمه حرام)) في كسبه لا يتورع عما حرم الله -جل وعلا-، في ما يأكله لا يتورع في أكل ما حرم عليه، أو شرب ما حرم عليه، ((مطعمه حرام، ومشربه حرام)) هذه موانع ((وملبسه حرام)) يعني الحرام محيط به، محدق به من كل وجه، في باطنه وظاهره. ((وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)) استبعاد ((أنى يستجاب له)) الأسباب متوافرة {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] دعا، وبذل السبب في إجابة الدعوة، لكن المانع من قبولها موجود ((فأنى يستجاب لذلك)) أو ((أنى يستجاب له)) استبعاد لإجابة الدعوة إذا كان هذا وضعه، لوجود هذه الموانع، ((فأنى)) وهو مجرد استبعاد لا استحالة، لا ييأس المسلم من دعاء الله -جل وعلا-؛ لأنه قد يدعو الله -جل وعلا- أن ينفي عنه وأن يبعده عن هذه الموانع، وقد أجاب الله -جل وعلا- دعوة شر الخلق وهو إبليس، أجاب الله دعوته، فليس هنا استحالة لإجابة الدعاء، وإنما هو استبعاد.

بهذا نعرف خطأ من يقول وقد سُمعت من بعض طلاب العلم مع الأسف أننا إذا طُلب منا الاستسقاء، يعني طلب ولي الأمر من المسلمين الاستسقاء قال بعضهم: إن هذا استهزاء، واستخفاف بأمر الله وشأنه، نتخوض في الحرام من كل وجه، ثم بعد ذلك نخرج نستسقي، وقد استسقينا واستسقينا واستسقينا فلم نسق، هذا خطأ شنيع -نسأل الله العافية-، هذا هو الاستحسار من جهة، هذا هو الاستحسار دعوت دعوت فلم أر يستجاب لي، هذا من جهة، الأمر الثاني: أنه استبعاد واستحالة لما عند الله -جل وعلا-، نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فأنى يستجاب له)) ليحرص المسلم على التخلص من هذه الموانع، قال سعد: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، قال: ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) فالمطعم له شأن عظيم في إجابة الدعوة، لكن لا يعني أننا نتفوه بمثل هذا الكلام، وفينا من الأخيار ومن الصالحين من ترجى إجابة دعوته، نعم عموم الناس دخلت عليهم الشبهات، وبعضهم يزاول الحرام، ويأكل الحرام، ويتخبط في الحرام، لكن لا يعني أن هذا معناه استحالة إجابة الدعوة، نعم يسعى المسلم بل عليه أن يسعى لانتفاء هذه الموانع، لكن عليه أن يبدأ بإصلاح نفسه قبل غيره، ثم بعد ذلك يدعو الناس الأقرب فالأقرب. ((فأنى يستجاب له)) وعرفنا أن هذا مجرد استبعاد لوجود الموانع، وقد يغلب السبب المانع، وقد يغلب المانع فلا يستجاب له حينئذٍ، والله -جل وعلا- يبتلي عباده، فقد يستجيب لهم فوراً حتى مع انتفاء الموانع قد لا يستجاب للإنسان في ظاهر الأمر؛ لأنه ما من دعوة يدعو بها مسلم يعني بغض النظر عن وجود الموانع إلا أنه إما أن يستجاب له بما طلب، أو يدفع عنه من الشر مقدار ما طلب أو أعظم، وقد تدخر له هذه الدعوة إلى وقت هو أحوج بها منه إلى هذا الوقت. نعم اقرأ الحديث الذي يليه.

لأنه جاءنا اقتراحات من كثير من الإخوان أننا نشرح الأحاديث بطريقة مناسبة لهذا المختصر، ولا نصنع مثلما صنعنا في العام الماضي والذي قبله، فمعدل ثلاثة أحاديث -إن شاء الله- في كل يوم، إن استطعنا أن نشرح أربعة؛ لنقلل المدة التي يشرح بها هذا الكتاب الذي هو أخصر كتاب في الحديث، يعني إذا أخذنا عشر سنوات في هذا الكتاب، فماذا عن الكتب الأخرى؟ لا سيما وأن الأحاديث التي هي القواعد الكلية قد انتهت، يعني بقي أحاديث هي قواعد ومهمة في حياة المسلم، وهي من جوامع الكلم، لكن لعلنا نشرح في اليوم بدلاً من حديث واحد ثلاثة أحاديث، فنكون توسطنا في الأمر، وأنا أعرف واحد من المشايخ شرح الكتاب في ثلاثة دروس، وضعت دورة في أسبوع فانتهى منها في يوم الاثنين، لا هذا ولا هذا، لا عاد صنيعنا الأول كل درس حديث واحد، ولا أن نشرح في كل يوم عشرين حديث أو خمسة عشر حديث، يعني ثلاثة أربعة معدل طيب -إن شاء الله-، وفي سنتين نكون انتهينا منه. سم. أو ثلاث. سم. عن أبي محمد الحسن بن علي سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. في الحديث الحادي عشر يقول النووي -رحمه الله تعالى- في هذا الكتاب المختصر النافع:

"عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب" الحسن بن علي بن أبي طالب "سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" السبط ابن البنت، والحفيد ابن الابن، والسبط واحد الأسباط، وأسباط بني إسرائيل هم أولاد يعقوب -عليه السلام-، يقال لهم: الأسباط، فهم أولاد الأولاد، والمعروف أن الأسباط أولاد البنات، فيه مخالفة وإلا ما في؟ نعم، سبط رسول الله ابن بنت الرسول -عليه الصلاة والسلام- فاطمة -رضي الله عنها وأرضاها-، وهذا هو المعروف في السبط في لغة العرب أنه ابن البنت، وقد يكون في اصطلاح من تقدم يشمل ابن البنت وابن الولد وابن الابن بدليل أن أسباط بني إسرائيل أولاد أولاد، ما هم بأولاد بنات، ولعل هذه التسميات التي لا يترتب على الاختلاف فيها أحكام شرعية الاصطلاح فيها واسع، ولا مشاحة في مثل هذا الاصطلاح؛ لأنه لا يترتب عليه حكم شرعي يتغير من اصطلاح إلى اصطلاح.

مثال ذلك: العم أخو الأب لا يجوز بحال أن نسميه خالاً، والخال أخو الأم لا يجوز بحال أن نسميه عماً، لماذا؟ لأنه يترتب عليه أحكام شرعية، لكن أبو الزوجة بعض المجتمعات تسميه عم، وبعض المجتمعات تسميه خال، ومثله أبو الزوج، يعني هل يلام من يسميه عم أو يلام من يسميه خال؟ نقول: لا مشاحة في الاصطلاح، هو أبو الزوج أبو الزوجة لا يترتب عليه تغير في الحكم الشرعي، هل يترتب عليه تغير حكم؟ هل يتأثر ميراثه إذا قلنا: عم وإلا خال؟ هو لن يرث على كل حال، لن يرث سواءً سميناه عماً أو خالاً، بخلاف العم أخي الأب، والخال أخي الأم فإنه لا يجوز بحال أن نسمي أحدهما باسم الآخر، وهذه القاعدة التي يطلقها أهل العلم أنه لا مشاحة في الاصطلاح يجب تقييدها، يعني إذا قال شخص: أنا أصطلح لنفسي أن الأرض فوق والسماء تحت، يوافق وإلا ما يوافق؟ يقال: لا مشاحة في الاصطلاح؟ نعم؟ لا، لا بد وأن يشاحح، ولا بد أن يرد عليه، إذا سمى الشمال جنوب والجنوب شمال، هذا تترتب عليه أحكام كثيرة، نقول: يشاحح في الاصطلاح، لكن في الخارطة مثلاً الناس مطبقون على أن الشمال فوق في الخارطة، والجنوب تحت، لو عكس صار الجنوب فوق والشمال تحت، من غير تغيير للواقع، قلب الخارطة وجعل الجنوب فوق، والشمال تحت، نقول: لا مشاحة في الاصطلاح، ما يترتب عليه شيء، ما يغير من الواقع شيء، وابن حوقل من أوائل الجغرافيين العرب عاكس الخارطة، عنده فوق الجنوب. على كل حال هذه القاعدة يجب تقييدها، وعندنا سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا ابن البنت، كما هو واقعه -رضي الله عنه وأرضاه-.

"سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته -رضي الله عنهما-" -رضي الله عنهما- الضمير يعود على الحسن وأبيه؛ لأنه ذكر الأب، الحسن بن علي، لكن قد يقول قائل: إنه ذُكر أربعة محمد الابن، والحسن الأب، وعلي وأبو طالب، ذُكر أربعة، فالترضي يكون عمن؟ عن المسلم وغير المسلم لا يجوز الترضي عنه، ولا الترحم عليه، مع أن العرف عند أهل العلم أن الترضي إنما هو للصحابة، فعندنا من الصحابة اثنان الحسن وعلي، أبو طالب مات على الكفر -نسأل الله السلامة والعافية وحسن الختام- كما هو معروف في قصته في الصحيح، ومحمد ليس بصحابي، نعم يترحم عليه، كثيراً ما يقولون: "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنهما-" يعني على سبيل التبعية لعبد الله بن عمرو. "-رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) " وحفظ أحاديث كثيرة جداً، لكن أكثرها بواسطة؛ لأنه من صغار الصحابة، فكثير منها بواسطة، وإذا كان ابن عباس لم يثبت عنه أنه روى مباشرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا ما يقارب الأربعين حديثاً، وما عداه فبواسطة، فالحسن على قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- مثله، الصغير لا يحضر كل مجلس، ولا يحفظ كل ما يسمع، ولا ينتبه لكل ما يقال، على كل حال هذا الحديث الذي معنا مما حفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم-. "قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) " ((دع)) يعني اترك، والأمر مستعمل كما هنا، والمضارع مستعمل ((من لم يدع قول الزور)) والمصدر مستعمل ((لينتهين أقوام عن ودعهم)) والماضي منه أميت فلم يستعمل، ما استعمل الماضي من هذه المادة، ما في ودع بمعنى ترك، وقرئ في الشواذ: "ما ودعك ربك" لكنها قراءة شاذة، وأهل العلم ينصون على أن الماضي من هذه المادة قد أميت، واستعمل الأمر كما هنا ((دع ما يريبك)) اترك ما تشك فيه، و (ما) من صيغ العموم، كل شيء يريبك وتشك فيه دعه، بمعنى اتركه.

((يريبك)) من راب الثلاثي، وقد يقال: أراب يريب رباعياً إلى اترك هذا الشيء الذي ترتاب فيه، وتشك فيه إلى أمر أو إلى شيء لا تشك فيه، ولا ترتاب فيه، وهذا من أصعب الأمور على كثير من الناس، التخلي عن المشكوك فيه مع الحاجة إليه صعب على النفوس، مع أن البخاري ذكر عن حسان بن أبي سنان قال: ما رأيت شيئاً أهون من الورع، الورع سهل، ما رأيت شيئاً أهون من الورع ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) هذا الكلام من مثل حسان مقبول؛ لأن هذه منزلته، وعرف عنه الورع الشديد مع أن سفيان استغرب هذا الكلام، وهو سفيان الثوري من أئمة المسلمين ومن ساداتهم، ومن أزهد الناس وأورعهم، ومع ذلك يقول: كيف يقول حسان هذا الكلام؟ لكنها مقامات، بعض الناس يظن هذا الأمر ضرب من الخيال، يعني بعض الناس ما يستوعب مثل هذا الكلام؛ لأنه لا يستطيع ولا يتصور أن يحصل منه هذا الأمر، بعض الناس إذا سمع أن قراءة القرآن في سبع أمرها سهل جداً، قال: هذا ما هو بصحيح، هذا مستحيل، فضلاً عن أنه يقرأ القرآن في ثلاث وفي يوم، هذا شيء لا يطاق في عرف كثير من الناس؛ لأنه ما تعود هذا الأمر، ولا اطر نفسه على هذا العمل، يعني يتعجب بعض الناس من صيام بعض الناس النوافل في الصيف، وبعضهم يتعجب من قيام الليل في الليالي الشاتية الطويلة، ويرى أن هذا أمر لا يطاق، لكن المسألة كل له مقامه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه -عليه الصلاة والسلام-؛ لعلو مقامه ومنزلته ومكانه عند الله -جل وعلا-، وحسان بن أبي سنان يقول: ما رأيت شيئاً أهون من الورع، الكلام النظري سهل، ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) لكن المحك عند العمل، إذا وقع بيدك شيء أنت بحاجة إليه اختبر نفسك في هذا المقام، وليس الأمر خاص بأمر الدنيا، تجد متاع سيارة في كيفية عقدها شبهة ثم تتجاوز وتسكت لا، حتى عند بعض طلاب العلم يقع في يده الكتاب النفيس النادر فيكون في عقده شيء يبي يترك هذا الكتاب الذي وقع بيده بعد أن تعب عليه، وحرص عليه، وبحث عنه سنين؟! أو هذا يدع هذا البيت الذي ما صدق أنه يوقع العقد، هذه أمور يعني فيها منازعة في النفوس، وفيها مشادة، فيها جذب وأخذ ورد، لكن من يغلب نفسه وهواه هذا هو

السعيد، ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) أي شيء تشك فيه، أي شيء فيه أدنى شبهة أتركه، كما تقدم في حديث النعمان بن بشير: ((الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) هكذا ينبغي لطالب العلم على وجه الخصوص، والمسلم عموماً أن يأطر نفسه على هذا الأمر، يبتعد عن الشبهات ليضع لنفسه سياجاً يأمن معه ارتكاب المحرمات، والنفس لا نهاية لها، وعرفنا في دروس مضت أن سلف هذه الأمة يتركون من الحلال الشيء الكثير؛ لأن النفس إذا ضرت على شيء تعودت عليه لا تطيق فراقه، فقد لا يحصل هذا الشيء الذي عود نفسه عليه من وجه حلال بين، ثم بعد ذلك يرتكب شبهة، يقول: الشبهة الحمد لله ما ارتكبنا حرام، لكن الشبهة تجره إلى الحرام، ((كالراعي حول الحمى)) فكل شيء يقربك من الحرام ابتعد عنه {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [(187) سورة البقرة]. ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) من كل شيء، هذا ضابط، أي شيء تشك فيه اتركه، ولا تقدم على شيء إلا أن تجزم بأنه حلال، لا شبهة فيه ولا كراهية فضلاً عن أن يكون محرماً. بعض الناس يستفتي بعض من يتصدر للفتوى ويجيبه بكلام يوافق هواه ومع ذلك نفسه لا ترتاح لهذه الفتوى، ويقول: الحمد لله أفتاني من تبرأ الذمة بتقليده، ووين أروح أدور غير هذا؟ العامة عندهم مثل يقول: ضع بينك وبين النار مطوع، يعني اللي يفتيك خلاص أنت بذمته، صحيح أنت بذمته، وهو آثم إذا أفتاك بغير الحق، لكن مع ذلك ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) ((والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر ولو أفتاك الناس وأفتوك)) فإذا أفتاك بما يوافق هواك وفي نفسك شيء منه لم تقتنع به عليك أن تسأل غيره، عليك أن تسأل غير هذا الذي أفتاك.

نعود إلى حال حسان بن أبي سنان وهو يقول: ما رأيت شيئاً أهون من الورع، ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) هذا بالنسبة لأمور الآخرة، وما يتعلق بالثواب والعقاب ظاهر، لكنه من أشد الأمور على النفوس، ذكرنا أن سفيان استغرب هذا الكلام من حسان، لكن حسان بالمقام الذي يناسب مثل هذا الكلام، وقد يقوله قائل ومقامه دون، قد نقوله اتباعاً للنص، تسأل فتقول: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) هذا الأمر سهل، نعم في الكلام النظري سهل، لكن عند التطبيق من أصعب الأمور، يعني سهل على الإنسان أن يأتي إلى شخص مصاب ويصبره، ويقرأ عليه النصوص، لكن ماذا عنه نفسه لو أصيب؟ لو أصيب هو يستطيع أن يستحضر هذه النصوص ويصبر الصبر المطلوب؟ كثير من الناس لا يحتمل هذه الأمور، نعم عنده استعداد تام لتصبير غيره، ويظهر بمظهر هو من أرضى الناس بقدر الله، ثم إذا أصيب ظهرت النتيجة صفر؛ لأن الكلام النظري سهل، والتطبيق العملي هو المحك، يعني بعض الناس يأتي إلى مريض مريض سكري مثلاً، يقول: العلاج سهل اقبض يدك وأطلق رجلك، يعني لا تأكل كثيراً، وامش كثيراً، العلاج سهل، لكن خله يصاب هو وشوف، يعني يصاب بنهم شديد على كل ما له أثر في هذا المرض، وهذا مجرب عند المرضى كلهم، بعض من يصاب يستغفل أهله وزوجته وأولاده ويذهب إلى المستودع ويأكل مما يؤثر فيه، يصاب بنهم قد يكون قبل ذلك ليست الشهوة بمثل ما هي عليه الآن بعد المرض، فالعبرة بالتطبيق، بالعمل، أما الكلام النظري هذا أكثر الناس يحسنه، سهل، لكن ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) إذا قاله مثل حسان بن أبي سنان فمنزلته مثل ذلك، بل قيل عنه: إنه أرفع من ذلك، رحمه الله. هذا الحديث يدخل كسابقه ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) يدخل في كل شيء، حتى جعلوه من الأحاديث الأربعة التي جاءت في نظم طاهر بن المفوز الذي ذكرناه في أول الحديث: عمدة الدين عندنا كلمات ... أربع من قول خير البرية هاه؟ اترك الشبهات وازهد ودع ما ... جج ليس يعنيك واعملن بنية

((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) يدخل في الاعتقادات نفياً وإثباتاً، فلا تثبت لله -جل وعلا- إلا ما تجزم بثبوته عنه، وما كان مشكوكاً فيه ولم يتفق عليه علماء هذه الأمة من سلفها وأئمتها فإنك لا تثبته لله -جل وعلا-، إذا أردت أن تصلي صلاة يختلف فيها أهل العلم من الصلوات الخاصة الذي جاء فيها بعض النصوص التي يختلف أهل العلم في ثبوتها ونفيها، صلاة التسابيح، صلاة الرغائب، صلاة كذا، صلاة كذا، لا تقدم على هذه العبادة إلا مع عدم الشك في ثبوتها؛ لئلا تتعبد لله -جل وعلا- بما لم يشرعه، أمور المعاملات ظاهرة، مثلما قلنا في المقتنيات من المآكل والمشارب والملابس والمساكن لا تقدم على شيء إلا في عقد صحيح تبرأ به الذمة، والعقود التي تشك في صحتها، وإن أفتاك من أفتاك بأنها صحيحة فإنك لا تقدم عليها امتثالاً لهذا الأمر؛ لأن فيها ما يريب. "رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح". الذي يليه. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) حديث حسن، رواه الترمذي وغيره. الحديث الثاني عشر: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) حديث حسن، رواه الترمذي وغيره هكذا. يعني موصولاً عن أبي هريرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورواه غيره مرسلاً. اختلف فيه العلماء في وصله وإرساله، لكن الترمذي حكم عليه بأنه حسن، والمؤلف أيضاً -رحمه الله تعالى- النووي حكم عليه بأنه حسن، وقال بعضهم بأنه مرسل، لا يثبت موصولاً، وعلى كل حال أقل أحواله الحسن، وصححه بعضهم بشواهده.

عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، يعني من كماله وتمامه، وهو محمول على ما لا يعنيه من المباحات، تركه ما لا يعنيه من المباحات، لا يتدخل فيما لا يعنيه، لا يتدخل في شئون غيره، لا يسأل عما لا حاجة له به، لا ينظر إلى ما لا يحتاج للنظر إليه، لا يستمع إلى ما لا يحتاج استماعه، ما لا ينفعه في دينه أو دنياه، وليس بحاجة لهذه الأمور؛ لأنها لا تعنيه، فمن تمام إسلامه وحسن إسلامه وكماله ألا ينظر إلى هذه الأمور. كثير من الناس مغرم بتتبع هذه الأمور التي لا تعنيه، بل فيها إضاعة لوقته وجهده واهتمامه، ولها آثار على قلبه؛ لأن هذه الأمور منافذ للقلب إذا تكلم فيما لا يعنيه، ونظر إلى ما لا يعنيه، واستمع إلى ما لا يعنيه، هذه المنافذ إلى القلب التي تورثه تشتتاً وعدم اجتماع، فيصاب بالغفلة، إذا أكثر النظر في الأمور التي لا تعنيه، وهو ماش في طريقه هذه العمارة ما شاء الله كم دور؟ ولمن؟ ولماذا فعلوا كذا؟ ولماذا كان اللون كذا؟ هذا لا يعنيك، اشتغل بما يعنيك، لو أنت قلت: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم بدلاً من هذا الفضول لكان أكمل لإسلامك، وأحفظ لقلبك، ومثله الاستماع، بعض الناس يحب سماع كل شيء، وإذا فاته شيء ماذا قال فلان؟ ماذا حصل؟ ماذا؟ بعضهم فضول النظر، وهذه الأمور هي التي تصيب القلب بالتشتت والغفلة عما يراد من الإنسان، فمنافذ القلب السمع والبصر، واللسان، فضول القول، فضول النظر، فضول الاستماع، فضول النوم، فضول الأكل، كل هذه الفضول الإنسان ليس بحاجة إليها، إنما يقتصر على ما يحتاج إليه، ويقتصر على ما يعنيه.

((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) قد يقول قائل -وقد قيل- في بعض الوسائل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في شئون الغير، ويدخل في هذا الحديث ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) نقول: لا، هو مأمور به شرعاً فهو يعنيه، مأمور بالأمر بالمعروف فهو مما يعنيه، مأمور بالنهي عن المنكر فهو يعنيه، ولو تركه لأخل بواجب أوجبه الله عليه، فهو آثم بسببه على حسب قدرته واستطاعته، يعني يردد في الوسائل أن هذا الأمر والنهي تدخل في شئون الغير، فهو في الحقيقة لا يعنيه، نقول: لا، يعنيه، بل هو ملزم به شرعاً، ولذا طلب منه: ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) هذا نقول: لا يعنيه؟ وهو مأمور به أمر صريح، ما هو باستنباط، أمر صريح ((فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) فهذا يعنيه، ولا يمكن أن يقال: إن هذا الأمر يعني ما لك دخل بالناس، هذه كلمة يرددها، ما عليك من الناس، كل يبي يدفن بقبره لحاله، لا، أنت تبي تسأل عن هذا المنكر الذي رأيته فلم تغيره؛ لأنك مأمور وداخل في عموم (من) ((من رأى منكم)) والمراد بالرؤية هنا أعم من البصرية، قيل لك: إن فلان ارتكب منكراً، أو يوجد منكر في المكان الفلاني تقول: هذا لا يعنيني، نقول: يعنيك؛ لأنك مأمور بالتغيير، تقول: أنا ما رأيت، والرسول يقول: ((من رأى)) نقول: لا، الرؤية هنا أعم من أن تكون بصرية، إذا بلغك بطريق صحيح فكأنك رأيت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خوطب بالرؤية في أمور لم يرها؛ لأنها بلغته بما يثبت به الخبر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] ما رأى، لكنه بلغه بخبر قطعي كأنه رؤية، وإلا لو قلنا: إن ما جاء بالنصوص بلفظ الرؤية يقتصر على البصرية لقلنا: إن الأعمى لا يلزمه الأمر والنهي، ولا يلزمه الغسل إذا احتلم؛ لأنه لم ير المني "هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) طيب لو قدر أنها في ليل في ظلام، وجزمت يقيناً أن الماء قد خرج، أو جزم الأعمى، أو الرجل في الظلام أنه قد خرج منه الماء، نقول: لا، لا يغتسل؛ لأنه ما رأى

الماء، هل يمكن أن يقول بهذا أحد؟ ما يقول بهذا أحد. فالرؤية أعم من أن تكون بصرية، فإذا بلغك المنكر بمن يثبت بقوله الخبر عليك أن تنكر، نعم عليك أن تتثبت عليك أن تتريث لا تتعجل؛ لأن الأساليب الآن الكيدية تنوعت وتعددت، فيمكن أن يشاع خبر فإذا استعجل الإنسان في إنكاره خفت مصداقيته، ثم إذا تكرر منه ذلك صار كلامه وجوده مثل عدمه، فنقول: عليك أن تتثبت، فإذا ثبت لديك بما لا مجال فيه للشك، عليك أن تغير، عليك أن تنكر. ولو قلنا بأن مثل هذا لا يعني المسلم فأيضاً جميع أبواب الخير أيضاً المتعلقة بغيره إذا طردنا هذا قلنا: لا تعنيه، أمر فلان، أو أمر المجموعة من الطلاب لا يعنيك لماذا تعلمهم الخير؟ نفس الشيء، أنت في منعك إياه من مزاولة المنكر أنفع له من أن تعلمه العلم؛ لأنك تحول دونه ودون ما هو ضرر محض عليه، ومعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فأنت إذا رأيت عاصياً تبادر إلى إنكار المنكر قبل أن تسعى لتعليمه العلم، وحثه على طلب العلم، ثم إذا زال هذا المنكر تدعوه إلى أن يكمل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، يعني من حسن إسلام المرء، يعني من كماله وهذا قلنا أنه في المباحات، أما إذا كان في المحرمات أو في الواجبات فإنه من صميمه وصلبه، من صميم دينه، من صميم إسلامه تركه ما لا يعنيه في هذه الأمور المحرمة أو فعل أو ترك الواجبات، فإن هذا أمر ليس من كمال الإسلام، ولا من حسنه فقط، بل من صميمه من لبه، والله أعلم. وصلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نشوف بعض الأسئلة. هذا يقول: ظهرت في الآونة الأخيرة تُفرق بين طلاب العلم، أو تَفرق بين طلاب العلم، وأصبح كل فريق منهم يتعصب إما للشيخ أو لجماعة، وبعضهم يطعن في العلماء الذين عرف عنهم العلم والعمل، فما هو توجيهكم؟

على كل حال أعراض المسلمين كما قال ابن دقيق العيد: حفرة من حفر النار، حفرة من حفر النار، وما جاء في الغيبة من النصوص القطعية والنميمة ما جاء فيها معروف في نصوص الكتاب والسنة، ويبقى أن مثل هذا العلم أو مثل هذا الانشغال بالقيل والقال والوقوع في أعراض الناس، هذا علامة خذلان، علامة خذلان، يحرم طالب العلم من العلم والعمل، هذا مشاهد أن من اشتغل بهذه الأمور انصرف عنها وهي تدخل دخولاً أولياً في حديث الباب: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) هذا إذا كان الأمر مباح، أما إذا كان الأمر أشد من ذلك دخلت فيه الغيبة والنميمة وما أشبه ذلك، والوقيعة في الأعراض هذا أمره خطير جداً، حقوق الناس لا تقبل الغفران، بخلاف حقوق الله -جل وعلا-، إذا قصر الإنسان في حق الله فهو تحت المشيئة، لكن حقوق العباد لا بد من استيفائها، وهذا من التحريش الذي رضيه الشيطان بعد أن أيس أن يعبد في جزيرة العرب، فعلى طالب العلم أن يهتم بنفسه، وأن يهتم بتكميل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح. سؤاله الثاني يقول: حكم لبن الأتان؟ حكم لبن الأتان نجس لا يجوز شربه. يقول: ما الفرق بين المطعم والغذاء في قوله: ((ومطعمه حرام، وغذي بالحرام))؟ المطعم والمشرب هما الغذاء، فعطف الغذاء عليهما من باب عطف العام على الخاص. يقول: ما هو سبب خلاف أهل العلم في رفع اليدين عند دعاء الخطيب يوم الجمعة؟ وما الراجح في ذلك؟ الراجح أنه لا يرفع يديه لا الخطيب ولا المستمع إلا في الاستسقاء، إذا استسقى الخطيب في خطبة الجمعة يرفع يديه، ويرفع يديه أيضاً كل من يستمع إليه، أما إذا دعا بغير الاستسقاء فإنه لا يرفع، وقد أنكر الصحابي -رضي الله عنه- على الخطيب الذي رفع يديه. يقول: يذكر بعض أهل العلم أن النووي تراجع عن عقيدته الأشعرية، وألف رسالة في هذا ستخرج قريباً؟

على كل حال النووي في كتبه كلها يقرر عقيدة الأشعرية، وحري به أن يرجع، لكن مع ذلك هو النووي -رحمة الله عليه- له من الحسنات الشيء الكثير، والذي يغلب على الظن من خلال مؤلفاته أن نفس الإخلاص فيه ظاهر، نفس الزهد والعبادة واضح، وعلى كل حال ليس هو بمعصوم، كونه خالف الاعتقاد هذه زلة عظيمة، وهفوة كبيرة، والذي نراه أنه مقلد في هذا الباب، ليس بمجتهد. استشكل الشيخ ابن عثيمين في كون السبط هو ابن البنت، في كون أخوة يوسف أنبياء، وهذا في تفسير آل عمران. على كل حال مثلما ذكرنا هم أولاد أولاد يعقوب، الأسباط أولاد يعقوب فكونه يطلق عليهم أسباط في شرع من قبلنا، ويطلق السبط في شرعنا أو في لغتنا، عندنا في لغة العرب يطلق هذا مجرد اصطلاح، ولا يمنع أن يختلف الاصطلاح من جيل إلى جيل. الأمر الثاني: كون أخوة يوسف أنبياء شيخ الإسلام يرى هذا الرأي أنهم أنبياء، والحافظ ابن كثير يقول: لم أقف على ما يدل على نبوتهم. يقول: هل يجب على المسلم أن يتحرى في أكله، ويسأل من يدعوه لوليمة مثلاً فيقول له: ما نوع هذا اللحم؟ أو من أي بلد هو؟ وهل ذبح على الطريقة الإسلامية؟ وكذلك مثل هذا في المطاعم؟ المسألة مسألة غلبة ظن، إذا كان الإنسان في بلاد مسلمين، والذي يغلب على الظن أن الذي يذبح مسلم، أو كتابي، فإذا غلب على ظنه ذلك فإنه لا يسأل، لكن إذا كان في بلد مختلط، وقد يتناول ما يذبحه غير المسلم لكثرة من يزاول ذلك في هذا البلد، أو ما يرد إلى هذا البلد على كل حال المسألة تبعاً لغلبة الظن. يقول: هل صحيح ما يقال: إن الحسن بن علي أفضل من الحسين -رضي الله عنهما-؟ هو الأكبر، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن ابني هذا سيد)) وعلى كل حال هما سيدا شباب أهل الجنة، ومنزلتهما من النبي -عليه الصلاة والسلام- واحدة، وكل بعمله. يقول: يوجد معاملة في أحد البنوك ولا أدري عن حكمها، وهي أن الشخص يقول للبنك: أريد قرضاً، فيقول البنك: نحن نشتري أسهم بسعر وقدره تسعة وثلاثين ألف ونتملكها ثم نبيعها لك بسعر القسط وهو واحد وخمسين ألف، فهل هذا جائز؟ ومن وقع فيه ماذا عليه؟

المسالة مسألة تورق، والأسهم إذا كانت عروض تجارية يعني ما هي في وقت الاكتتاب قبل أن تكون عروض يشترى بهذه الدراهم التي اجتمعت من الاكتتاب، يشترى بها عروض، تباع وتشترى هذه العروض على أن السهم جزء مشاع من هذه الشركة إذا كانت الشركة نقية، والذي يفتى به جواز بيع وتداول هذه الأسهم، وإن كنت لست مرتاحاً لها. على كل حال إذا كانت من الأسهم النقية، وهي عبارة عن عروض تجارية تتداول فيها هذه الأسهم، والسهم جزء مشاع من هذه الشركة، فلا مانع من شرائه عند من يرتاح لمثل هذه الأمور، وإلا فالأسهم عندي كلها فيها ما فيها، أقل ما فيها الشبهة. المسألة تعود إلى مسألة التورق، مسألة التورق إذا جاء المحتاج لمبلغ من المال إلى شخص يملك هذا المال ولا يرضى أن يقرضه بغير زيادة، فإنه يبيع عليه سلعة وإن كان لا يحتاجها، وإنما يحتاج قيمتها لقضاء حاجته، فعامة أهل العلم على الجواز، يأتي إلى هذا التاجر وعنده هذه البضاعة يملكها ملكاً تاماًَ مستقراً فيبيعها عليه، ويقبضها قبضاً شرعياً معتبراً ثم يبيعها إلى طرف ثالث، هذه مسألة تورق جائزة عند عامة أهل العلم، وإن منعها ابن عباس وشيخ الإسلام ابن تيمية، لكن عامة أهل العلم على جوازها. يقول: حديث: ((دع ما يريبك)) بعض المؤسسات المصرفية استعملت هذا الحديث في الدعاية لها فهل يجوز لهم ذلك؟ العبرة بالواقع، إذا كان هذا المصرف ما فيه شبهات فليستعملوا هذا الحديث، وإذا كان عندهم شيء من الشبهات، وعندهم شيء مما يريب فهذا استهتار واستخفاف بالحديث. عمدة الدين عندنا كلمات ... أربع من قول خير البرية هذه الأحاديث: ((اتق الله حيثما كنت)) و ((ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس)) اتق الله وازهد ودع ما ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) واعملن بنية ((إنما الأعمال بالنيات)). هذا يسال عن علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. إذا بلغك الخبر الصادق الذي لا تشك فيه يقيناً هذا علم اليقين، وإذا رأيت ما بلغك عنه بالخبر صار عين اليقين، وإذا استعملته إضافة إلى رؤيته صار حق اليقين.

يمثلون بالعسل إذا جاءك جمع من الناس يستحيل تواطئهم على الكذب وقالوا: إن العسل موجود في الأسواق هذا علم اليقين، ثم إذا ذهبت بنفسك إلى السوق ورأيته صار علم اليقين، فإذا لعقته وطعمته صار حق اليقين. يقول: ما معنى قول المتكلمين: النظر والقصد إلى النظر والشك؟ يعني الخلاف في أول واجب على المكلف، يعني المعروف عند أهل الحق أن أول واجب النطق بالشهادتين ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) هذا أول واجب على المكلف، وبهما يدخل في الإسلام، المتكلمون يقولون: أول واجب النظر، أن تنظر في الدلائل التي تستدل بها وتتوصل إلى وجود الله -جل وعلا-، ولأنه هو الخالق، وأنه هو الرب المعبود، يعني ليست أدلة شرعية، أدلة عقلية وكونية، النظر في هذه الأدلة أو القصد إلى النظر الذي هو وسيلة النظر، ومنهم من يقول: قبل ذلك أن تشك فتكون المعبودات عندك على حد سواء، ثم بعد ذلك تؤسس وتنظر في الإله الحق، وهذا كله باطل، ليس عليه دليل، ولا أثارة من علم. شخص مذنب على نفسه وأهله وعمره ثلاثون عاماً ما نصيحتكم له؟ ويبدو أنه قد أيس من الدنيا والدين نسأل الله العافية؟

لا، لا، المجال مفتوح، التوبة مقبولة قبل أن يغرغر، وقبل أن تطلع الشمس من مغربها، وإذا تاب توبة نصوحاً بشروطها المعروفة عند أهل العلم فإن الله يتوب عليه، والتوبة تهدم ما كان قبلها، بل الأمر أعظم من ذلك، يتصور هذا الإنسان المسرف على نفسه أن السيئات التي ارتكبها وزاولها تقلب له حسنات، تبدل له حسنات، ومن الذي يحول بينه وبين ربه، وأي أمل أعظم من هذا، لا يكفي أن تهدم سيئاته، وإنما تبدل سيئاته حسنات، هذا الإسراف في هذه المدة التي زاول فيها هذه المعاصي تبدل سيئاته حسنات بالنص، حتى أن رأي شيخ الإسلام -رحمه الله- أن هذه الحسنات المنقلبة عن سيئات تضاعف، الحسنة بعشر أمثالها، فضل الله واسع، وإن كان المترجح أن البدل له حكم المبدل، وأن الحسنة حسنة واحدة؛ لأنها منقلبة عن سيئة، والسيئات لا تضاعف، والبدل له حكم المبدل، وبهذا ننفصل عن السؤال والإشكال الذي يورده بعضهم، يورد بعضهم إشكال حول تبديل السيئات حسنات، وأنه إذا افترضنا أن شخصين في السبعين من العمر، أو الثمانين أحدهما نشأ شاباً في طاعة الله، مقبلاً على ربه، عبادة ربه منذ أن وجد إلى أن بلغ الثمانين، وأعماله كلها طاعات لازمة ومتعدية، والثاني بلغ من العمر الثمانين وهو مسرف على نفسه في المعاصي والجرائم والكبائر والسيئات، ثم تاب لما بلغ الثمانين، قد يقول قائل: إذا كانت سيئات هذا الرجل العاصي المسرف أعماله السيئة ونشاطه فيها أكثر مما عمله ذلك من الحسنات، قد يكون أفضل منه، على كلام شيخ الإسلام، لو افترضنا أن عنده في خلال هذه الثمانين سنة مليون سيئة، والثاني عنده مليون حسنة، تاب هذا عن هذه المليون السيئة، وصارت عشر ملايين حسنة أقل شيء، ضوعفت، صارت حسنات ثم ضوعفت، صار أفضل من الثاني الذي نشأ في عبادة الله إلى الثمانين، والعدل الإلهي وعموم الشريعة ونصوصها وقواعدها لا يأتي بمثل هذا؛ لأن الشرع مدح من نشأ في طاعة الله، وقلبه معلق في المساجد، وجاء نصوص كثيرة في هذا الأمر، بينما هذا الشخص الذي نشأ على الشر والفساد وطيلة عمره، إذا قلنا: إن حسناته المبدلة من سيئات لا تضاعف، وحسنات الآخر مضاعفة انفصلنا عن هذا الإشكال، والقاعدة أن البدل له حكم المبدل.

يقول: رجل أراد العمرة لكن لم يحرم من الميقات ماذا عليه؟ أهل العلم يلزمونه بأنه ترك نسك عليه دم، وهذا هو القول الوسط في المسألة، يعني خلاف قول سعيد بن المسيب الذي يقول: لا شيء عليه، وقول سعيد بن جبير الذي يقول: لا حج له، المسألة بين هذين القولين قول جمهور أهل العلم أنه ترك نسكاً فعليه أن يريق دماً. هذا يقول: أعتقد بقول أهل السنة والجماعة في القدر، ولكن عندما يحاجني البعض من الناس على أن الله قدر كل شيء. {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(49) سورة القمر] قدر المقادير قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة. ولكن عندما يحاجني البعض من الناس على أن الله قدر كل شيء حتى قدر مصائر الناس في الجنة والنار، وأنه تعالى أعطى العبد المشيئة، ولكن مع ذلك لا يشاء العبد إلا تبعاً لمشيئة الله، فكيف يكون الجواب؟ إذا النهاية أن الأمر بيد الله، ولا يكون شيء إلا ما كتبه الله. الصحابة سألوا النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا كان كل شيء مقدر فلما العمل؟ فقال: ((أعملوا فكل ميسر لما خلق له)) وأنت حينما تحكم على نفسك بأنك محكوم عليك ومقدر عليك ومفروغ من أمرك، والله جعل لك مشيئة واختيار، هداك الطريقين، هداك السبيلين، هداك النجدين، وأنت حر ومختار، نعم لن تخرج عن قدر الله بحال، لكن لك أن تختار لنفسك أن تصلي أو لا تصلي، يعني إذا سمعت المؤذن هل في أحد يمنعك أن تقوم وتتوضأ وتذهب إلى المسجد وتصلي؟ فأنت إذا فعلت ذلك فأنت اخترت طريق الهدى، وإن قلت: إنه مكتوب علي في القدر في الأزل، لماذا أفعل؟ لماذا أصلي وأنا مكتوب علي ومقدر علي؟ قلت: أنت اخترت الطريق الثاني، طريق النار -نسأل الله السلامة والعافية-، فالله -جل وعلا- قدر عليك، لكن هداك النجدين، وأعطاك حرية تستطيع أن تزاول بها ما كلفت به، فعليك أن تفعل ما أمرت به، وما وراء ذلك اتركه لله -جل وعلا-، واحرص أن تكون ممن كتبت له الهداية، والطريق واضح، السبيل ظاهر. يقول: في حديث عمارة بن رؤيبة الذي أنكر رفع اليدين، وقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يثبت عنه إلا رفع الأصبع عند الدعاء. نعم ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يحرك أصبعه يدعو بها.

أنه يسن للخطيب رفع أصبعه عند الدعاء في الخطبة، وهل يقال مثل ذلك في حق المستمع؟ على كل حال المستمع عليه أن يستمع، عليه أن ينصت، وإذا رفع حرك أصبعه لا يضره -إن شاء الله تعالى-. يقول: كيف أنكر على أمر لم أره، ولا أستطيع أن أغيره؛ لعدم القرب والمباشرة؟ إذا لم تره ولم يبلغك بطريق صحيح لا يلزمك إنكاره، لكن إذا رأيته سواءً كان ببصرك أو بعلمك الذي لا تشك فيه فأنت داخل في حديث: ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) وكونك بعيداً عنه لا يمنع أن تنكره بوسيلة مناسبة، ولو بالاتصال الهاتفي، أو برسالة، أو ما أشبه ذلك. يقول: رأينا بعض العلماء يخرج في المساجد وفي القنوات الفضائية كث اللحية، ولا يأخذ منها شيء، ثم ما يلبث إلا وقد أخذ منها شيئاً فشيئاً مع العلم أن هذه الظاهرة تتزايد فما السبب؟ على كل حال يوجد من يفتي بالقص والأخذ من اللحية مستدلاً بما ذكر عن بعض الصحابة كابن عمر وأبي هريرة وغيرهما، وعدوا من الصحابة بضعة عشر، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو القدوة وهو الأسوة، وتعرف قراءته من خلفه باضطراب لحيته، وجاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- أنه كث اللحية، وجاء الأمر بإعفاء اللحية، توفير اللحى، وإكرام اللحى، فكيف يعارض قوله وفعله بقول غيره أو فعله؟! وما من مسألة من مسائل الدين إلا ويوجد من الصحابة -إلا ما ندر الأمور المجمع عليها إلا ما ندر- إلا ويوجد من الصحابة من لم يبلغه الخبر فتجده يخالف؛ لأنه لم يبلغه الخبر، أو بلغه الخبر لكنه تأول كابن عمر، ابن عمر حينما أخذ من لحيته في النسك خاصة متأولاً ما جاء في آية الفتح: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] فإذا حلق رأسه وهو يرى الجمع بينهما فماذا بقي للتقصير؟ ما بقي إلا اللحية، فإذا كان هذا تأويله فكيف يقتدى به باستمرار يعني في كل مناسبة وفي كل .. ؟! ويجعل هذا هو الأصل مع أن ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من فعله وقوله صريح وواضح.

يعني جاء مسائل لا يقول بها إلا أهل البدع، وذكر عن بعض الصحابة أنه كان يفعلها، يعني حينما يذكر عن ابن عباس أنه يرى المتعة مع أنه ثبت عنه الرجوع، هل نقول: إن المتعة حلال لأن ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يقول بها؟ وعمر يقول: لا أوتى بناكح المتعة إلا جلدته الحد، يعني ما من مسألة من المسائل إلا ويوجد من يخالف فيها، فهل العبرة بالمخالف أو العبرة بالأصل القدوة والأسوة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ والله المستعان، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

شرح الأربعين النووية (11)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح الأربعين النووية (11) شرح حديث رقم: (13 - 14 - 15 - 16) الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: ذكر بعض الشراح أن الطيب من أسماء الله استدلالاً بهذا الحديث فما مأخذ استدلاله؟ ذكرنا أن هذا قول لبعض أهل العلم، وأن من أهل العلم من ذكره في الأسماء الحسنى، ومنهم من يقول: إن هذا جاء على سبيل الإخبار، ولا تثبت التسمية بخبر ما لم ينص على أنه اسم؛ لأن دائرة الأخبار أوسع، والأمر في هذا فيه سعة -إن شاء الله-. يقول: توجد خاصية في أجهزة الحاسب الآلي توفر لك البحث عن شبكات الاتصال في الإنترنت، وبعض الناس إذا بحث عن الشبكات ربما يحصل عليها من جيرانه، أو ممن يستخدمون الإنترنت ممن هم قريبون منه، يقول: هل يجوز أن أستخدم هذه الشبكة وأتصل منها بالإنترنت بدون علم صاحبها الأساسي، وبعضهم يقول: إن صاحبها لم يضع الرقم السري للشبكة مما يعني أنه موافق لمن يبحث عن الشبكات أن يستفيد منها، ولكن هو لا يعلم هل أحد استفاد من شبكته؟ هل هذا الفعل يعتبر من التعدي على مال المسلم؟ على كل حال إذا كان المشترِك الذي دفع المال للاشتراك يستخدمها في الخير، ويتضرر من استخدامك لاشتراكه فهذا لا يجوز، أما إذا كان يستخدم هذا الاشتراك في غير الخير فلا مانع من مزاحمته حينئذٍ، وتقليل الشر بالنسبة له، ولو تضرر بذلك، هذا إن كان يستعملها في غير الخير، وإذا كان لا يتضرر بذلك فالأمر فيه سعة -إن شاء الله-. نعم يقول: ذكر بعض الشراح أن تشديد الذال في غذي غلط مع أنها وردت في المصابيح مشددة فما الصواب في ذلك؟ هل وردت في المصابيح قال: بتشديد الذال المعجمة، أو ضبطت بالشكل وعليها شدة؟ الشراح قاطبة يقولون: بالتخفيف. هذا يقول: نود توجيه كلمة عن الإجازة وما ينبغي للإنسان أن يعمل فيها؟

الإجازة كما هو معلوم نوع من الفراغ بالنسبة للارتباط الرسمي، والفراغ من نعم الله -جل وعلا- للإنسان، وكثير من الناس مغبون في هذه النعمة بحيث تضيع أوقاته سدى ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) هذا الفراغ من الارتباط الرسمي الذي يوفر لك الوقت؛ لتتقرب إلى الله -جل وعلا- بما ينفعك في دينك ودنياك، فالعاقل الذي عرف حقيقة هذه الدنيا، وعرفة حقيقة عمر الإنسان، وأنه دقائق وثوان تتصرم شيئاً فشيئاً إلى أن يقال: فلان مات، فماذا قدم في هذه الدقائق وهذه الثواني؟ غراس الجنة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، لا يكلفه شيئاً، كل جملة سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر شجرة في الجنة، هذا بدلاً من أن تمكث السنين في انتظار هذه الشجرة لتثمر من شجر الدنيا التي قد تثمر وقد لا تثمر، سبحان الله شجرة، مضمونة، ((الجنة قيعان، وغراسها التسبيح والتحميد والتهليل)) هذا لا يكلف شيء، فكثير من الناس مغبون تضيع هذه الأوقات دون أن يستغلها فيما يرضي الله ويقربه إليه، طالب العلم عليه أن يرتب هذا الوقت من صلاة الفجر إلى قدوم النوم في المساء، يقسم هذا الوقت على حسب الفنون والعلوم، ويحفظ ما يستطيع حفظه ويقرأ من الكتب ما يستطيع، ويحضر من الدروس ما يقدر عليه، ويضيف إلى ذلك الأعمال الأخرى من نوافل الصيام والصلاة والصدقة والبر والصلة وعيادة المرضى، وتشييع الجنائز وغير ذلك، قد يقول قائل: الوقت لا يستوعب، نقول: الوقت يستوعب، والموفق من وفقه الله -جل وعلا- لاستغلال وقته، والله المستعان. يقول: قوله: ((ما لا يعنيه)) هل يشمل الأقوال أو الأفعال أو الاعتقادات؟ أو مقيد بالكلام لرواية: ((من حسن إسلام المرء قلة الكلام بما لا يعنيه))؟ يعني التنصيص على الكلام لا ينفي ما عداه؛ لأنه فرد من أفراد (ما) التي هي للعموم، ما لا يعنيه من أي شيء، ينصرف عنه، ويهتم بما ينفعه، التنصيص على الكلام لأهميته، التنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص. يقول: هل المضاعفة فيما زاد على العشر حسنات لا يكون إلا لمن حسن إسلامه كما في رواية مسلم؟

نعم المضاعفة إلى العشر لكل مسلم، ويبقى أن المضاعفات الكثيرة على حسب قوة الإيمان، وصدق اليقين وصحة العمل وحسن الإسلام، إلى سبعمائة ضعف، وجاء في خبر مخرج في المسند وغيره، وهو مضعف عند أهل العلم، لكن أهل العلم يتداولونه في مثل هذا الباب يقولون: "إن الله ليضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة" مليوني حسنة، فضل الله لا يحد، والحديث ضعيف. هذا من بريطانيا يقول: يكثر عندنا تربية القطط في البيوت، فما حكم إطعامها من لحوم الميتة؟ أولاً: تربية القطط معروف أن لها وعليها، تنجس الأماكن وهي من الطوافين يحسن إليها بلا شك، وتأكل الحشرات المؤذية فلها وعليها، يبقى أن الأصل في مثل هذا الجواز، لكنها لا تباع ولا تشترى، لا يدفع فيها الأموال، وقد نهى عن ثمن السنور، وأما إطعامها للميتة فلا مانع منه؛ لأنها تأكل ما لا يجوز أكله من غير نكير، تأكل الفئران، وهو في حكم الميتة. وهذا من أمريكا يقول: جاري مشترك في إنترنت لا سلكي وبثه يصل إلى جهازي فهل يجوز لي أن أستخدمه من غير إذنه؟ هذا تقدم الجواب عليه. سم. الحمد لله، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، أما بعد: عن أبي حمزة أنس بن مالك -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) رواه البخاري ومسلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثالث عشر: "عن أبي حمزة" هذه كنية أنس بن مالك، خادم النبي -عليه الصلاة والسلام-، لما قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- المدينة، وكان عمر أنس في ذلك الوقت عشر سنين، جاءت به أمه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالت: إن ابني هذا يريد أن يخدمك، فخدم النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر سنين إلى وفاته -عليه الصلاة والسلام-، وكان سنه عند وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- عشرين سنة، عشر وعشر، استفاد من قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يفده غيره، وإن لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- مثل ما حفظ أبو هريرة.

على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم والله المعطي، ومع ذلك دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- بكثرة المال والولد والبركة، فبورك له في ذلك كله، فطال عمره إلى سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، ومات عن مائة وثلاث سنين، مناقبه وفضائله لا تكاد تحصى، على كل حال هو خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- له هذه المزية، وهذه المنقبة يشاركه بعض الصحابة في شيء من الخدمة، لكنه متفرغ لخدمة النبي -عليه الصلاة والسلام-. "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) رواه البخاري ومسلم" ((لا يؤمن)) الأصل في النفي نفي حقيقة الشيء، لكن النفي هنا لا ينفي حقيقة الإيمان، ولا أصل الإيمان، إنما ينفي كمال الإيمان الواجب، كما يقول أهل العلم، بدليل أن من لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه أنه لا يخرج بذلك عن دائرة الإيمان بل هو مؤمن، ولا يخرج بذلك عن دائرة الإسلام بل هو مسلم، لكنه ارتكب هذا الإثم، وهذا الذنب ونقص من إيمانه بقدر ذلك، فالمنفي هو كمال الإيمان. ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب)) فيصل إلى هذه الغاية، لا يكمل الإيمان حتى يصل إلى هذه الغاية مع غايات أخرى جاء فيها نفي كمال الإيمان، حتى يصل إليها، ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه)) ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)) الأحاديث في هذا كثيرة دليل على أن هذه من فروع الإيمان، ومن شعب الإيمان، لا تؤثر في أصل الإيمان وارتفاع أصل الإيمان، وإنما تؤثر في كماله وتخدش في تمامه.

((حتى يحب لأخيه)) لأخيه المسلم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] يحب للمسلمين، ومنهم من يقول، من أهل العلم من يرى أن هذا اللفظ يتناول جميع الناس، المسلم وغير المسلم؛ لأنه مفرد مضاف فيعم، نعم هو يعم جميع الإخوة، لكن من أهل العلم من يرى أنه يعم جميع الجنس، فيحب للكافر أن يسلم، ولا شك أن هذا مطلوب، هذه وظيفة الرسل، ووظيفة أتباعهم، الدعوة إلى الإسلام لإنقاذ البشرية من الضلال إلى الهدى، من النار إلى الجنة هذا مطلوب، لكن هل يدخل في هذا الحديث أو يدل عليه نصوص أخرى؟ هذا الكلام، وإلا كونه مطلوب مطلوب ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من)) إيش؟ من يضبطها لنا؟ طالب:. . . . . . . . . حُمُر كذا؟ حُمُر جمع حمار، حُمْر جمع أحمر وحمراء، يعني غالية عند أهلها، والنعم جمع بهيمة الأنعام، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . الميم ساكنة حمْر. طالب:. . . . . . . . . نعم صحيح. فهذا مطلوب أن تسعى لإنقاذ غير المسلمين من الكفر؛ لتكسب الأجور العظيمة، وهم أيضاً تكون رحمة لهم، كما بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- رحمة للعالمين، فهذا مطلوب، ومطلوب أيضاً إنقاذ المسلم من المخالفات التي تعرضه للعقوبة في الدنيا والآخرة، تحب لأخيك المسلم، تحب لأخيك في النسب، تحب لأخيك فيما هو أعم من ذلك، وإن كان الحصر في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] يدل على أن غير المسلم ليس بأخ لك ولو كان ابناً لأمك وأبيك.

((حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) يحب لأخيه ما يحب لنفسه من أمور الدين والدنيا، يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، إذاً طلب المنافسة والمسابقة والمسارعة ألا تقتضي أن تحب لنفسك أكثر مما تحب لأخيك؟ لأنك إذا أحببت لأخيك نظير ما تحبه لنفسك أين المنافسة؟ أين المسابقة؟ مسابقة مفاعلة من طرفين، كل واحد يحرص على أن يسبق الآخر، ومقتضى ذلك أن تحرص على أن تسبق أخاك {وَسَارِعُواْ} [(133) سورة آل عمران] {سَابِقُوا} [(21) سورة الحديد] فأنت من خلال هذه الأوامر بالمسارعة والمسابقة مطلوب منك أن تسبق أخاك، وأن تسرع إلى الخير قبل أخيك، هذا مقتضى المسارعة والمسابقة، ومن لازم ذلك أن تحرص على أن تسبقه وأن تصل إلى الخير قبله، هل فيه ما يضاد هذا الحديث أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ يعني مقتضى المسابقة مقتضى المسارعة يعني مقتضى المسابقة أن تسبقه بالخير، وتحرص على سبقه، ومن لازم ذلك أن يكون دونك في هذه المسابقة، ومقتضى المسارعة أن تصل إلى الخير قبله، ومن لازم ذلك ومن مفهومه أن يتأخر عنك، فأنت مأمور بتحقيق هذه الأوامر، ومن لازمها أن تتقدم عليه، وأن يتأخر عنك، فهل في هذا ما يعارض ما يدل عليه الحديث؟ في وإلا ما في؟ طالب: لا يعارضه. كيف؟ طالب:. . . . . . . . . أنت ما أنت مطالب بالمسابقة؟ ومن لازم هذا الطلب أن تحقق السرعة وتحقق السبق، وتحرص على السبق، ومن لازمه أن يتأخر أخوك عنك، يعني إذا قيل لك: سارع وسابق هل تتمنى أن يسبقك أخوك؟ طالب: لا أتمنى. أو يسير معك؟ طالب: أن أتقدم عليه. إذاً هو يتأخر عنك. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ما أسمعك. طالب:. . . . . . . . . فرق؟ طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نافس أبا بكر نعم، نافس أبا بكر فجاء أبو بكر بجميع ماله وجاء عمر بنصف ماله، هذه منافسة ومسابقة ومسارعة في الخير، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . والله يا الإخوان الظاهر أن البلاء بي، ما أسمع. طالب:. . . . . . . . .

المنافسة مطلوبة، المسابقة مطلوبة، المسارعة مطلوبة، لكن هل من لازم هذه المنافسة ومن لازم هذه المسابقة ومن لازم هذه المسارعة أن تحرص على أن تسبقه وتحرص على أن تصل إلى الهدف قبله، وأن تقدم أكثر مما قدم فيتأخر عنك؟ طالب: نعم يتقدم وأنا أتقدم، لكن لا يلزم أن يكون هو ... أن يتأخر عني، قد يتقدم عني. ويش لازم السبق؟ طالب: كلها النية. ويش لازم السبق؟ أن تسبقه، ويش المفهوم من أن تسبقه؟ طالب: المسابقة والمسارعة في العمل. أن يتأخر عنك، ما يفهم منه أن يتأخر عنك؟ طالب: لا. لا، مسابقة مسارعة، ويش معنى السبق؟ طالب: قد يسبق أحياناً، وقد أسبق أنا، قد تكون نيته هو تختلف عن نيتي، فهنا النية داخلة دخول أولي في العمل. يعني لا تتأثر إن وصل إلى الهدف قبلك؟ طالب: لا، في الخيرات؟ إيه. طالب: هذا يدعوني إلى التنافس والمسارعة. نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، يعني ما يلزم منها المشاحنة، ولا حسد، ولا شيء، هي مسألة حث على المبادرة إلى الخيرات، والمسارعة والمنافسة والمسابقة تكون بين طرفين فأكثر، ووجد شيء من هذا في الواقع العملي لبعض السلف، يتنافسون في صيام الهواجر، في قيام الليل، في التلاوة، وفي غيرها من أجل أن تشحذ الهمم؛ لئلا يسبق إلى الخيرات، على كل حال الحديث محكم، وإن كان أيضاً ثقيل على كثير من النفوس، يعني كثير من النفوس مثل هذا الأمر في غاية الصعوبة الحقيقة، تحب لأخيك ما تحب لنفسك، هذا ثقيل على كثير من النفوس لا سيما التي فيها شيء من الدخل والتخليط، أما النفوس والقلوب السليمة فإن هذا أمر يسير عليها، يعني لا يضيرك، بل تفرح بما يحصل لأخيك المسلم مما تفرح به لنفسك، وبعض القلوب التي فيها دخل، وفيها دخن، وفيها دغل هذه يسوءها ما يسر غيره من الناس، ولا شك أن هذا ضرب من الحسد المذموم الذي جاءت النصوص بذمه. ((حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) الطالب، طالب العلم يعني في الدراسات المعروفة التي فيها الترتيب على حسب المكتسب من العلم، الذي ترتيبه الأول هل يتمنى لجميع زملائه ويحب لجميع زملائه أن يكون كل واحد منهم الأول؟ الأول مكرر؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم إذا كان طلبه للعلم لله، ولا يرجو من وراء ذلك أمر دنيوي، قد يتمنى هذا، إذا كان قلبه سليماً، وطلبه للعلم خالص لله يتمنى ذلك؛ لأن هذا مما يقربه إلى الله -جل وعلا-، وهذا مقصد عنده، لكن إذا كانت المنافسة من أجل الدنيا، تمنى أن يكون الأول على دفعته من أجل أن يحقق من أغراض الدنيا قبل الثاني وقبل الثالث، إذا كانت المسألة دنيوية فيتصور مثل هذا، وقد يغفل الإنسان، وقد لا يكون له هدف لا دنيا ولا آخرة ويحب أن يكون الأول ويتقدم على غيره بناءً على ما جبل عليه الإنسان من حب للشرف، لكن على المسلم لا سيما طالب العلم ألا يغفل عن هذه الحديث؛ لأنه لو غفل عنه وقع في المخالفة شعر أو لم يشعر. ولا شك أن هذه منزلة عالية، كون الإنسان يصل على هذا الحد، وأن الخير يصل إليه، أو يصل إلى غيره من المسلمين على حد سواء، هذه مرتبة عليا، صعبة على كثير من الناس، ولا تتحملها كثير من النفوس، لكن مع ذلك إذا ربى الإنسان قلبه على التوجيهات الإلهية والتربية النبوية لا شك أنه لا يهتم بمثل هذا، بل يفرح بما يحصل لأخيه من الخير كما يفرح به لنفسه، ويسوؤه ما يحصل لأخيه من السوء ما يسوؤه إذا حصل له بنفسه. ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (ما) من صيغ العموم، كل ما يحبه لنفسه يحبه لأخيه.

الأصل في المسلم المؤمن الذي يفهم من قوله: ((لا يؤمن)) أنه لا يحب إلا الخير، ويكره الشر، لكن قد يوجد عند بعض المسلمين من المخالفات التي وصل به الأمر إلى أن يحبها، يحب بعض المحرمات، فهل مثل هذا يدخل في الحديث ((ما يحب لنفسه)) يحب هذا المحرم، يحب شرب الخمر مثلاً فهل نقول: إنه لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من هذا المحرم؟ لا؛ لأن الأصل في المسلم والمؤمن الذي يفهم من ((لا يؤمن)) أنه لا يحب إلا ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، وعليه أن يبغض ما يبعده من الله -جل وعلا-، فهو وإن أحب بعض المحرمات وبعض المنكرات، وبعض المظاهر المخالفة للشرع، فإن هذه المحبة ليست شرعية، فلا تدخل في الحديث، هناك بعض الأمور المباحة، يحبها بعض الناس، ويغرم بها، كمحبة بعض متع الدنيا، هذا مفتون بالإبل، وهذا مفتون بالغنم، وهذا مفتون بالبقر، وهذا بالسيارات، وهذا كذا، هل مما يدخل في هذا الحديث أنك إذا كنت تحب السيارات الفاخرة أن تحب لجميع المسلمين أن يركبوها، أو يلبسوا أفخر الثياب، أو يأكلوا أطيب المطاعم؟ أو أنت تحب الإبل تتمنى لجميع المسلمين مثل ما تحبه لنفسك من أن يكون عندهم إبل؟ المقصود أن تحب له ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، وتكره له كل ما يسوؤه، كل ما يسوؤه تكرهه له. سم. عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) رواه البخاري ومسلم. عن إيش؟ عن أبي مسعود؟ طالب: ابن مسعود. الصحابي. طالب: ابن مسعود. ابن؟ طالب: إيه. وإلا أبي مسعود؟ طالب: أبو مسعود. ابن مسعود وإلا أبي مسعود؟ طالب: ابن مسعود.

نعم هذا الحديث يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يحل دم امرئ مسلم)) ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم)) المسلم معصوم الدم، إذا دخل في الإسلام بالنطق بالشهادتين صار معصوم الدم والمال، لا يجوز أن يعتدى عليه لا على دمه ولا على ماله ولا على عرضه، فهو معصوم الدم والمال والعرض إلا بحقها، ومن حقها ما ذكر في هذا الحديث: ((لا يحل)) لا يباح دم المسلم ((دم امرئ)) ومثله المرأة؛ لأنها تدخل في خطاب الرجال، قد يقول قائل: لا يحل دم امرئ ذكر، لكن ماذا عن المرأة؟ ما قال: لا يحل دم امرأة، المرأة تدخل في خطاب الرجال، فهي مثله لا يحل دمها إلا بإحدى هذه الثلاث، يعني خصال، أولاها: الثيب الزاني، الثيب الزاني حكمه الرجم، والمراد بالثيب من وطئ في نكاح صحيح، ومن وطئ في نكاح صحيح هذا ثيب، ولو لم يطأ إلا مرة واحدة، بخلاف من وطئ بنكاح باطل، فإن هذا بكر ولو تكرر منه ذلك، لا بد من الوطء، وأن يكون في نكاح صحيح؛ ليكون ثيباً رجلاً كان أو امرأة، ((الثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة" في القرآن المنسوخ لفظه، وحديث عبادة في الصحيح: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) فالرجم ثابت في الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، فإذا زنا الثيب الذي وطئ في نكاح صحيح سواءً كان امرأة أو رجلاً، فإن حده الرجم، يرجم بالحجارة المتوسطة حتى يموت، ولا يقتل بغير الرجم، لا بسيف ولا بمسدس ولا بغيره، ولا بخنق ولا غرق، ولا شيء، ولا بإحراق، إنما يرجم بالحجارة المتوسطة، متوسطة الحجم الذي ليست كبيرة تقتله لأول مرة حتى يذوق العذاب، وليست صغيرة تزيد في عذابه مدة طويلة إلى أن يموت، هي متوسطة ((الثيب بالثيب)) الثيب الزاني، هذه الخصلة الأولى، الزنا -نسأل الله السلامة والعافية- ومن عظائم الأمور، ومن الفواحش {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [(32) سورة الإسراء] فشأنه عظيم وقد قرن بالقتل والشرك {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا

يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [(68) سورة الفرقان] فالزنا شأنه عظيم وعقوبته وخيمة في الدنيا والآخرة، فإذا زنى الثيب فإنه يرجم ويباح دمه، لكن ليس لكل أحد أن يتولى دمه ويباح له دمه، وإنما يقيمه من له إقامة الحدود وهو السلطان، أما آحاد الناس فليس لهم ذلك، نعم لهم أن يطالبوا السلطان في إقامة الحد عليه، أما أن يتولوه فلا، الحدود كلها إلى السلطان، ولو تركت لآحاد الناس واجتهادات الناس لصارت المسألة فوضى. ((الثيب الزاني)) وهل يكون في حكمه اللوطي؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، فعند الحنابلة حد اللوطي كالزاني، يفرق بين البكر والثيب، ومن أهل العلم وهو قول جمع من الصحابة أنه يقتل مطلقاً، سواءً كان ثيباً أو زانياً، وينقل بعض أهل العلم اتفاق الصحابة على ذلك أنه يقتل حتماً، وإن اختلفوا في كيفية قتله هل يحرق بالنار أو يقتل بالسيف، أو يرجم كالثيب والزاني، أو يلقى من شاهق؟ المقصود أنهم اختلفت أساليبهم في القتل مع اتفاقهم على أنه يقتل ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) ومنهم من يقول: يعزر كأبي حنيفة. على كل حال الخلاف فيه معروف والمعروف في مذهب الحنابلة أنه حكمه حكم الزاني.

((والنفس بالنفس)) يعني النفس تقتل بقتل النفس، فمن قتل مسلماً متعمداً بما يقتل غالباً فإنه يقاد به، النفس بالنفس يقاد به، المسلم يقتل بالمسلم، ولا يقتل مسلم بكافر، كما جاء في الحديث الصحيح، والحر لا يقتل بالرقيق كما هو قول جماهير أهل العلم، فالمكافئة هنا مطلوبة، الكافر ليس مكافئاً للمسلم، والعبد ليس مكافئاً للحر، وما عدا ذلك يقتل به، وهل يقتل بقتل أصله أو فرعه؟ يعني إذا قتل ولده يقتل وإلا ما يقتل؟ جمهور أهل العلم على أنه لا يقتل به؛ لأنه سبب في وجوده فلا يكون الولد سبباً في عدمه، ومن أهل العلم من يرى أنه يدخل في عموم النفس بالنفس، وكون الولد صار سبباً في قتل والده وعدمه ليس هو السبب في الحقيقة إنما السبب الأب الذي ابتدأ بالقتل، ولا شك أن القصاص هو الذي يضمن الحياة المستقرة والأمن بين الناس، فإذا قتل القاتل انحسمت المادة، وانتهى أثرها، لكن لو ترك القاتل كما هو في القوانين الوضعية، أولياء المقتول لا بد أن يقتلوا القاتل، ثم يعتدي أولياء المقتول الثاني على من قتل قتيلهم، وهكذا {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] نعم قتل واحد يضمن حياة جماعة من الناس، بينما تركه ولو قالوا: إنهم يحكمون عليهم بالسجن المؤبد أن هذا لا يكفي،، هو موجود، يأكل ويشرب وإن حبس، وقد تأتي المناسبة تشمله بالعفو فيخرج ليقتله أولياء المقتول، ثم يستشري الشر والقتل كما في حكمة العرب: القتل أنفى للقتل، وأبلغ من ذلك قول الله -جل وعلا-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] هذا أمر يدركه كل عاقل، كل عاقل يدرك هذا، قد يقول قائل: إن الشخص إذا قتل أخاه مثلاً شقيقه قتل الأخ الثاني القاتل لا شك أنه بالنسبة للأسرة نقص فيها، وبدلاً من أن تكون المصيبة واحدة تكون أكثر من مصيبة، نقول: إن هذا لا يكون إلا بطلبهم، وإذا عفوا عنه فالعفو بابه مفتوح؛ لأنه حينئذٍ لا تترتب عليه المفسدة، إذا حصل العفو، كما يعفى عن الأجنبي {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] لأن الإنسان قد يتصور المسألة مجردة فيقول: قد تكون الأسرة مصابة بقتيل واحد، ثم إذا قتل القاتل صار المصيبة أكثر، نقول:

الأمر إليهم، إن طالبوا بدمه قتل، وإن لم يطالبوا وعفوا عنه، ورأوا ترجيح مصلحة بقائه فالأمر إليهم، والشارع الحكيم ما حتم القتل جعل للعفو مجالاً، وجعل البديل وهو الدية مجالاً.

((والتارك لدينه المفارق للجماعة)) التارك لدينه المرتد، وجاء في الحديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) ((من بدل دينه فاقتلوه)) و (من) عامة تشمل الذكر والأنثى، تشمل الذكر والأنثى، وتشمل أيضاً عند بعض العلماء غير المسلمين، ممن له دين، فإذا تنصر اليهودي أو تهود النصراني فإنه يقتل؛ لأنه بدل دينه، فإنه بدل دينه، لا يقبل منه إلا الإسلام أو يقتل، وهذا على القول بأن الكفر ملل، ومن يقول أن الكفر ملة واحدة فإنه لا يدخل في هذا، على أن الحديث في بعض رواياته: ((لا يحل دم امرئ مسلم)) لا يحل دم امرئ مسلم، فهو خاص بالمسلمين، فإذا ارتد المسلم عن الإسلام فإنه يقتل، ويحل دمه بهذا النص، وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)) و (من) هذه من صيغ العموم تشمل الذكر والأنثى، عند جمهور أهل العلم، والحنفية لا يرون قتل المرأة إذا ارتدت؛ لعموم آخر وهو النهي عن قتل النساء، والذرية، النهي عن قتل النساء، والذرية، فعندنا عموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) يشمل النساء والرجال على حد سواء، والنهي عن قتل النساء والذرية خاص بالنساء، أما الذرية الذين لم يبلغوا الحلم فإنهم لا يقتلون، حتى لو قتل ما يقتل؛ لأن عمد الصبي والمجنون حكمه حكم الخطأ، يبقى المكلف من الرجال والنساء إذا ارتد، الرجل لا خلاف فيه وأنه يقتل، والمرأة جمهور أهل العلم على أنها تقتل لعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) والحنفية قالوا: إن هذا العموم مخصوص بالنهي عن قتل النساء، والخاص مقدم على العام عند أهل العلم، لكن ليس هذا من باب العموم والخصوص المطلق، وإنما هو من باب العموم والخصوص الوجهي، فإذا قال الحنفية: النهي عن قتل النساء خاص، وحديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام قال غيرهم: العكس، النهي عن قتل النساء في كل مجال، وفي كل مناسبة، و ((من بدل دينه)) خاص بالمرتدين، ويشمل المرتدات، فالمرتدة مستثناة من عموم النهي عن قتل النساء، فعندنا عموم وخصوص وجهي، وعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، ما خصص، بينما النهي عن قتل النساء مخصص، إذا قتلت المرأة تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل، إذا زنت وهي ثيب تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل، إذاً عموم النهي عن قتل النساء مخصوص بأكثر من

مخصص، وعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، ولا شك أن النص العام يضعف بقدر ما يدخله من المخصصات، فعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) أقوى من عموم النهي عن قتل النساء، فالمرجح في مثل هذا مذهب الجمهور على أن النص في النهي عن قتل النساء وارد في القتال في الجهاد، لا تقتل المرأة، ولا يقتل الشيخ الكبير، لو ارتد الشيخ الكبير يقتل وإلا ما يقتل؟ يقتل، -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا في الجهاد نعم لا تقتل المرأة إلا إذا كان لها أثر في الجهاد، في القتال، والغالب أن النساء لا أثر لهن، فجاء النهي عن قتلهن؛ لأنهن لا يقاتلن، كما أن الشيخ الكبير الفاني لا يقتل، إلا إذا كان له أثر في القتال، فقد قتل دريد بن الصمة وهو شيخ كبير؛ لأن له أثر في الحرب، فمن كان له أثر في القتال يقتل. على كل حال المرجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، وأن المرأة إذا ارتدت كالرجل إذا ارتد تقتل. ((التارك لدينه، المفارق للجماعة)) المفارق للجماعة، الجماعة في شريعة الإسلام لها أهمية كبرى، فالإسلام دين الاجتماع، ينهى عن الفرقة، وشرع الاجتماع، اجتماع الكلمة تحت لواء واحد، وسلطان واحد، وإمام واحد، شرعت الجُمع والجماعات من أجل الاجتماع، ومنع من إقامة جماعتين في آن واحد لئلا تتفرق الكلمة، و ((من جاءكم وأمركم جميع أراد أن يفرق كلمتكم فاقتلوه)) مثل هذا الذي يريد تفريق الكلمة يقتل، ((التارك لدينه، المفارق للجماعة)) فالذي يخرج على الإمام يقاتل، والذي يخلع البيعة من عنقه هذا يقاتل، بعد أن يدعى ويناصح عله وينظر ما لديه من شبهة لتكشف فإن أبى فيقاتل. سم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) رواه البخاري ومسلم. الحديث الخامس عشر من هذه الأحاديث الجوامع التي ضمها هذا الكتاب الصغير الحجم، الجليل القدر، العظيم الفائدة يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)) " هذا أسلوب يثير هذه الصفة العظيمة في قلب الإنسان لتتجه نحو ما أمرت به، ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) يعني في هذا الأسلوب استثارة للنفس، واستشعار لهذه الصفة العظيمة وهي الإيمان بالله واليوم الآخر، فالإيمان بالله هو الأصل؛ لأن من لا يؤمن بالله لا يتورع عن شيء؛ لأنه ما بعد الكفر ذنب، واليوم الآخر الذي يؤمن باليوم الآخر عليه أن يستشعر هذا الإيمان باليوم الآخر، وعليه أن يستعد لهذا اليوم الآخر، الذي فيه النعيم المقيم، أو العذاب السرمدي الأبدي الذي لا ينقطع، وهذا هو السبب في تخصيص الإيمان باليوم الآخر بالذكر دون سائر أركان الإيمان. ((فليقل)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب ((خيراً أو ليصمت)) (من) شرطية، كان يؤمن بالله فعل الشرط، وجواب الشرط ما دخلت عليه الفاء.

مفهوم الشرط أن الذي لا يقول خيراً ولا يصمت أنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر، مع أن مفهوم الشرط فيه ضعف عند أهل العلم، وليس مراداً هذا المفهوم ليس بمراد، لكنه من تمام الإيمان بالله واليوم الآخر قول الخير أو السكوت، يقابل قول الخير يقابله ما لا خير فيه سواءً كان فيه شر أو لا شر فيه، فعندنا الكلام ينقسم إلى ما فيه خير، وما فيه شر، وما لا خير فيه ولا شر فيه، قول الخير لا تتردد فيه؛ لأنه جاء الأمر به ((فليقل خيراً)) البديل إذا لم يقل خيراً يقابله إما أن يكون فيه شر أو لا خير فيه ولا شر وحينئذٍ يلزم السكوت، ولا شك أن ما لا خير فيه ولا شر من نوع المباح يختلف حكمه عما فيه شر، فما فيه خير مطلوب، مطلوب قوله، وما فيه شر مطلوب تركه، وما لا خير فيه ولا شر هذا مباح مستوي الطرفين، لكن الأولى تركه، ليصمت، داخل في قوله ((فليصمت)) فعلى الإنسان إذا أراد أن يتكلم أن يزن هذا الكلام بميزان الشرع، فإن كان خيراً يقربه إلى الله -جل وعلا-، ويكتب في كفة حسناته فليقدم عليه، ولا يتأخر عنه، وإذا كان شراً من أنواع الكلام المحرم غيبة ونميمة وغير ذلك من النطق بالكلام المحرم كتقرير البدع وغيرها مثل هذا أو الكف والأمر وأمر الإنسان بأن يكف عن الخير، أو أمره أن يفعل شراً كل هذا الكلام شر، لا يجوز له أن ينطق به؛ لأنه يكتب في ديوان سيئاته، إذا كان كلام لغو، إذا تأمله الإنسان ما وجده يقربه إلى الله -جل وعلا-، وليس فيه شيء يقتضي أن يأثم بسببه من الكلام المباح، فإن هذا أيضاً عليه أن يصمت، وإن كان أمره بالصمت يختلف عن الكلام الذي يأثم بسببه، فقوله: ((فليصمت)) ... ، ((فليقل خيراً)) هذا أمر ما فيه إشكال، مع أن هذا يختلف من حيث الوجوب والاستحباب إذا كان الكلام هذا واجب، فاللام لام الأمر وتقتضي الوجوب، وإذا كان الكلام في أمر مستحب فإنه يستحب ولا يجب عليه أن ينطق به، لكنه داخل في لام الأمر، وكذلك ما يقابله من الأمر بالصمت اللام لام الأمر فهل هي للوجوب أو للاستحباب؟ إن كان الكلام محرماً يجب عليه أن يصمت، وإن كان مكروهاً أو مباحاً يستحب له أن يصمت، وحينئذٍ نكون قد استعملنا اللفظ الواحد في أكثر من معنى، اللام لام الأمر،

والأمر يحتمل الوجوب والاستحباب، واستعملناه في الأمرين، وأيضاً "ليصمت" يحتمل الوجوب وجوب الصمت، أو استحباب الصمت، واستعملناه في الأمرين على حسب ما يترتب على هذا الكلام أو على هذا الصمت، واستعمال اللفظ في معنييه جائز وإلا غير جائز؟ استعمال اللفظ في أكثر من معنى، يعني في حقيقته ومجازه على ما يقولون في آن واحد يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز عند من؟ طالب:. . . . . . . . . لا، الأكثر على منعه، على منع استعمال اللفظ في معنييه في حقيقته ومجازه، في أكثر من معنى في آن واحد، لكن هو يستعمل في معنىً واحد، ويخرج من الصور بأدلة أخرى، فإما أن نستعمل ((فليقل)) للوجوب، ويخرج من ذلك الكلام المستحب بنصوص أخرى، ونقول: ((أو ليصمت)) الأمر للوجوب، ويخرج بعض الصور بنصوص أخرى على مقتضى كلام الأكثر، من يقول: إن اللفظ الواحد يستعمل في أكثر من معنى كالشافعية ما عندهم مشكلة في مثل هذا. ((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)) ((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر)) وهذا فيه كما في سابقه من استثارة حمية الإيمان بالله وباليوم الآخر لتنهض الهمة لامتثال هذا الأمر، وهو ((فليكرم جاره)) الجار له حق عظيم، وجاء في الحديث الصحيح: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) كالأقارب، والجار يختلف أهل العلم في تحديده، وجاء في بعض الآثار ما يدل على أنه يشمل أربعين داراً، ولا شك أن الدور في وقته -عليه الصلاة والسلام- تختلف عن الدور في وقتنا، غالب الدور من غرفة في وقته، وفي صدر هذه الأمة الدور صغيرة، وإلى وقت قريب إلى أن فتحت الدنيا على الناس والبيوت القصور منها مائة متر، وقد تصل إلى خمسين ستين متر، وأدركنا هذه، وما زالت موجودة، الدور الصغيرة، لكن فتحت الدنيا على الناس، فصار الأربعون داراً تعادل قرية فيما سبق؛ لأنها صارت بالألوف، الدور بألوف الأمتار، وبمئات الأمتار، فكلما زادت المشقة سهل الأمر.

وقل مثل هذا في صلة الأرحام، صلة الأرحام واجبة، والقطيعة محرمة، وتحريمها شديد، لكن هل يستوي من له عم واحد وخال واحد، مثل من له عشرة أعمام وكل واحد من هؤلاء الأعمام له جمع من الأولاد، وسبعة أو ثمانية أخوال وخالات وعمات هل يلزم بالصلة مثل ما يلزم به صاحب العم الواحد الذي ليس لديه إلا عم واحد أو خال واحد؟ لا، كلما زاد الأمر، وزادت المشقة على المكلف سهل الأمر، يعني بدل من أن تصل هذا العم الواحد في كل أسبوع تصل العم من عشرة أعمام كل شهر، والواحد من عشرات أبناء الأعمام مرة في السنة، لكن لو لم يكن إلا عم واحد وابن عم واحد، هذا تزيد التبعة، وقل مثل هذا فيما إذا كانت الجيران مجتمعين متقاربين غير متفرقين يشق عليك إكرامهم جميعاً. ((فليكرم جاره)) الجار قد يكون قريباً في النسب، فيجتمع له من الحقوق أكثر من الجار البعيد في النسب، وقد يكون الجار مسلماً فيكون له من الحقوق أكثر من الجار غير المسلم، فالجار القريب المسلم له ثلاثة حقوق، له بكل وصف حق، والجار البعيد في النسب المسلم له حقان: حق الإسلام وحق الجوار، والجار غير المسلم له حق واحد، وهو حق الجوار. ((فليكرم جاره)) وجاء من النصوص في هذا الباب الشيء الكثير، ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)) ومن أعظم صور الزنا الزنا بحليلة الجار، أعظم من المرأة البعيدة، وإن كان الزنا كله عظيم وفاحشة وموبقة من الموبقات لكن يتفاوت، فالزنا بالمحارم شأنه عظيم، وحده تحتم القتل وإن لم يكن ثيباً، والزنا بحليلة الجار أيضاً أمره وشأنه عظيم، والزنا كله أمره عظيم، وجرمه كبير -نسأل الله العافية-.

((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)) يكرم جاره لا يؤذيه بأي نوع من الأذى يصل إليه خيره، ويكف عنه شره، لا بد من هذا، ومن أنواع الإكرام للجار الكلمة الطيبة، الوجه الطلق، تسلم عليه، ترد -عليه السلام-، تسأل عن حاله وعن حال ولده، تدعو له، تدعوه، تزوره في بيته، هذه كلها من إكرام الجار، مع الأسف أن يطرق الباب ليسأل عن بيت أو عن فلان وين بيت فلان والله ما ندري؟ وقد حصل، وليس بينهما إلا جدار، وين بيت فلان؟ والله ما ندري، هذا بُعد عن تعاليم الشرع، لكن ما تعرف اسمه ولا تعرف، ولا تدري أن هذا فلان بن فلان كيف؟! هذه مرحلة أخيرة من القطيعة، والله المستعان. ((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) ومثلما تقدم يقال هنا، التنصيص على الإيمان بالله واليوم الآخر استثارة للحمية الإيمانية بالله واليوم الآخر ((فليكرم ضيفه)) اللام لام الأمر والأمر للوجوب، يقدم الضيف فيجب إكرامه لا سيما في اليوم الأول كما جاء بذلك النص، وما عدا ذلك فهو إحسان، وأهل العلم يفرقون بين الضيف النازل في قرية والنازل في مدينة، والنازل على شخص في باديته إذا كان يجد من يقوم بحاجته كالمطاعم والفنادق فهذا يختلف عن القرية التي ليس فيها مطاعم ولا فنادق، وعن بيوت البادية التي لا يوجد حولها من يحل الإشكال، فلا شك أنه إذا وجد من يقوم بإطعامه وإيوائه فإن الأمر يكون أخف، ولا يجب حينئذٍ أن يضيف وأن يطعم وفي جيبه الأموال، وبإمكانه أن يسكن، وبإمكانه أن يأكل؛ لأن الحاجة ارتفعت، أما إذا كان في قرية أو في هجرة بادية أو بيوت متفرقة من بيوت البادية التي لا يوجد حولها خدمات، فإنه حينئذٍ الأمر على أصله يجب.

يذكر بعض أهل العلم أنه إذا طرق عليه الضيف مثلاً وقال له -وهذا موجود في بيوت المسلمين إكرامه بإطعامه وإيوائه- قال: البيت والله ما في مكان لإيوائك، البيت صغير والأسرة كبيرة، هل يلزمه أن يدفع له قيمة ما يسكنه، أو يبحث عن غيره ممن في بيته سعة فيؤيه؟ على كل حال لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لو افترضنا أن هذا ليس عنده ما يطعم ولده، هل نقول: يجب عليه أن يكرم ضيفه؟ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، هذا لا يستطيع، هذا الضيف الذي ليس له مأوى في البلد، وأما الذي له مأوى في البلد ويطرق عليك فأنت مخير بين أن تكرمه وتدخله المنزل، وبين أن تعتذر منه وينصرف. ((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) الآن الحمد لله توسعت الأمور ووجدت الفنادق، ووجدت المطاعم، حتى أن بعض الناس وهو في بلده وهذا موجود كان في البلدان المجاورة، لكن الآن موجود عندنا، يدعو الأضياف في مطعم، ويؤيهم ويطعمهم وبيته آهل بالسكان وآهل بأنواع المطاعم والمشارب، لكن الناس زاد عليهم الترف حتى صاروا يجتمعون في أماكن بعضها لا تليق ببعضهم؛ لأنه وجد من طلاب العلم من تكون مناسباتهم في المطاعم وفي الأماكن التي بعضها لا يليق بهم، فالتوسع في مثل هذا غير مرضي؛ لأنه ما دام عندك مسكن يشمل ويسع هؤلاء الضيوف لا داعي لأن تتكلف وتكلف غيرك، وتنزل نفسك بهذه المنزلة، في بعض البلدان انتشر فيهم هذا الأمر وأكلهم في هذه الأماكن لا يعد خرماً للمروءة، فالأمر فيها سعة -إن شاء الله تعالى-؛ لأنه وجد من أهل العلم الكبار في البلدان الأخرى في مصر والشام وغيرها من تكون اجتماعاتهم ومناسباتهم في هذه الأماكن. سم. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني، قال: ((لا تغضب)) فردد مراراً قال: ((لا تغضب)) رواه البخاري. في الحديث السادس عشر يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني

الرجل هذا المبهم لا يعرف اسمه، هناك كتب صنفت في المبهمات في الأسانيد والمتون، وحرص أهل العلم على تتبع الطرق لكشف المبهمات، لكن الرواة من الصدر الأول إذا كان هذا المبهم لا يحسن إظهار اسمه لأنه يسوؤه ما حصل، وقد يتعرض له بالسب والنيل منه فإنهم لا يكشفون عن اسمه يستمر مبهم، وهذا الذي قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) هذا لا يعرف ستراً عليه؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام- في وصيته له وتكرار قوله: ((لا تغضب)) يدل على أن الرجل عرف بذلك، فكل إنسان يجاب بما يناسبه، كما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات كثيرة عن أفضل الأعمال فيجيب كل سائل بما يليق به وما يناسبه، ولذا جاءت الأجوبة النبوية تختلف تبعاً لاختلاف أحوال الناس، وهذا لما قال للنبي -عليه الصلاة والسلام- أوصني، قال له: ((لا تغضب)) وصية الله -جل وعلا- للأولين والآخرين التقوى، التقوى يعني لو جاء طالب علم يقول لشيخ: أوصني، ثم أوصاه بأمر غير التقوى، هل تكون هناك مخالفة؟ إذا عرف منه أنه طالب علم ومؤهل يعرف عنه الفهم، أو يعرف عنه الحفظ، فيوصيه بما يعرف عنه، عليك بكثرة القراءة إذا كان يفهم، عليك بكثرة المحفوظ إذا كان يحفظ، عليك بكذا وكذا، عليك بالعناية بكتاب الله، عليك بالعناية بسنة رسوله ... إلى آخره، وكل له ما يناسبه. هذا الشخص يقول الشراح: كأن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف عنه كثرة الغضب، فقال له: ((لا تغضب)) هذه وصية من النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا الرجل ولغيره، لا تغضب، قد يقول الإنسان: أنا والله جبلة أثور لأدنى سبب، يعني كما جبل الأحنف بن قيس على الحلم والأناة يقول: جبلت على سرعة الغضب، وأثور لأدنى سبب، وقد أغضب لغير سبب، قد يخيل لي أن هذا أخطأ علي، أو قال كذا، ثم أغضب عليه، الحلم بالتحلم، كما أن العلم بالتعلم، عود نفسك الحلم، ثم تكون حليماً، ولو أقل الأحوال أن يقف عندك هذا الغضب، ثم إذا حصل عندك هذا الغضب اكظم هذا الغيظ، ولا ترتب الآثار على هذا الغضب لئلا تندم؛ لأن بعض الناس يغضب، لكنه يكظم الغيظ، وجاء مدح الكاظمين الغيظ، وبعضهم يغضب فينفذ ثم لا يلبث أن يندم.

كثيراً ما يقع الخلاف والنزاع والشقاق بين الزوجين بسبب في أصله ليس بشيء، يقول لزوجته -وهذا يكثر السؤال عنه-: أحضري شاي، ثم تحضر شاي أخضر، وهو يريد أسود ما قال لها: اللون أحمر وإلا أخضر تجيب أخضر، ثم يبني على ما اعتاده أنه في هذا الوقت مثلاً ما يشرب إلا هذا اللون بناءً على عادته، ثم تحصل الكارثة من لا شيء، ويحضر الشيطان، فيقول لزوجته -ثم يأتي بعد ذلك يستفتي- يقول لزوجته من أجل لون الشاي هل هو أخضر وإلا أحمر: أنت طالق، طالق، طالق، ثلاثاً بائناً، أنت علي كظهر أمي، ثم يأتي يسأل يقول: أنا والله غضبان، غضبان تقول كل هذه الكلمات وغضبان وعلى أي أساس؟! لأن العلماء يفرقون بين الأسباب الباعثة للغضب، يعني فرق أن يكون السبب مثل هذا، يطلب شاي فتأتي بلون لا يريده وهو ما حدد اللون، ثم يغضب ويحصل منه ما يحصل هذا ليس بسبب حقيقي للغضب، وبين من يقول: لعنتني ولعنت أمي وأبي، وقذفتنا بالعظائم، نعم هذا سبب للغضب، فيختلف هذا عن هذا، ثم بعد ذلك الغضب درجات منه ما يرفع عنه التكاليف، ومنه ما يبقى معه التكليف، وتحديد هذه الدرجات في غاية الغموض، فالأمر يتطلب دراسة المسألة من جذورها، ما يقول: والله أنا طلقت وأنا غضبان، ثم يقول له من يفتيه: ما عليك شيء ما دام غضبان، ما الباعث على هذا الغضب؟ ثم ماذا حصل بينك وبينها؟ ثم بعد ذلك ما وصل بك الغضب؟ هل أنت تعي تعقل؟ فهذه مسائل يعتنى بها، والسبب الباعث عليها هو هذه الخصلة الذميمة. فمن جبل على الغضب عليه أن يكثر من الاستغفار، وعليه أن يتصبر ويتحلم، ويتأنى في أموره لا يستعجل لئلا يندم، فالوصية النبوية على كل مسلم أن يعظ عليها بالنواجذ، إن تيسر ألا يغضب فهذا هو الأصل، لكن إن غلبه الطبع وغضب لا يرتب آثار على هذا الغضب، ويسعى في إزالة هذا الغضب بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وفي تغيير وضعه إن كان قائماً فليجلس، إن كان جالساً فليضطجع، إن كان في مكان يخرج إلى غيره، إن كان خارج يدخل وهكذا، المقصود أنه إذا تغير الوضع عنده فإنه يخف عنده الغضب، وقد يزول بالكلية.

فردد مراراً قال: ((لا تغضب)) كل هذا من أجل أن هذه الخصلة الذميمة يترتب عليها آثار سيئة، يعني قد يصل الأمر ببعض الناس إلى أن يفقد عقله، وإلا يحصل من عاقل أن يقتل أخاه المسلم بسبب علبة ببسي، لولا هذه الخصلة الذميمة، وحضور الشيطان، فالغضب من الشيطان، ويزيله الاستعاذة بالله من الشيطان، ((إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)) ثم بعد ذلك هذه الحرارة الغضبية التي تحمل على الانتقام تبرد بالماء يتوضأ، ويذهب عنه ما يجد، ويغير وضعه إن كان قائماً فليجلس، وإن كان جالساً فليضطجع، وإن كان في مكان ينتقل إلى غيره الذي حضر فيه الشيطان، كما انتقل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الوادي الذي نام فيه عن صلاة الفجر؛ لأنه واد حضر فيه الشيطان، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. يقول هذا: أعتقد كما يعتقد السلف الصالح أن الساعة أمرها إلى الله لا يجليها لوقتها إلا هو، ولا تأتينا إلا بغتة، وأود أن أخبركم بأنني رأيت اليوم فيما يرى النائم أني كنت مع والدتي فأخبرتني بأن الساعة قريبة، ثم رأيتها بعد لحظة يسيرة هي وأختي فأخبرتني الوالدة مرة أخرى وكررت ثلاثاً -ثلاث مرات- بإن الساعة قريبة. نعم الساعة قريبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) فالساعة قريبة، فهذا فيه حث لك على الاستعداد، وليس فيه تحديد لوقتها؛ لأنه لا يجليها لوقتها إلا هو، لا يعلمها أحد، لا جبريل ولا محمد -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن في مثل هذه الرؤيا مسألة حث على الاستعداد. يقول: رجل مسافر يصلي العشاء وراء إمام يصلي المغرب ولا يدري المسافر هل إمامه مقيم أو مسافر، يقول: ولما جلس للثانية انتظر إمامه فسلم معه؟ لا، هو في مثل هذه الصورة يلزمه الإتمام، فيأتي معه بالركعة الثالثة ثم يزيد رابعة. ما حكم الغيبة؟ ومتى تجوز؟ الغيبة محرمة بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، وابن دقيق العيد يقول: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام.

على كل حال الغيبة محرمة، وأكل لحوم الناس أمره خطير، ومن الديوان الذي لا يغفر؛ لأنه حقوق العباد، وتجوز في ستة مواطن بينها أهل العلم إذا ترتب عليها مصلحة راجحة لا سيما في مسائل الجرح والتعديل للرواة الذي بسببه يعرف الصحيح والضعيف، ومثله في مجال الاستشارة، ومجال الاستفتاء، والزوج على زوجته هذه مسائل الكذب. تبقى المسألة يعني الأصل فيها المنع والتحريم، وفيما يتعلق بالرواة في جرح الرواة هذا مستثنى، وكذلك في الاستشارة حينما يستشار شخص بالنسبة لشخص يبين ما فيه من عيب بقدر الحاجة. هذا يقول: الجرح مقدم على التعديل ما هو الجواب عن الأحاديث التي خالف فيها الإمام أحمد الشيخين البخاري ومسلم؟ الإمام أحمد إمام بقدر البخاري ومسلم إن لم يكن أعلى، فما خالفهما فيه مما نُقل عنهما في غير الصحيحين فهو ند ينظر في الترجيح، أما إذا خرجا الحديث في صحيحيهما وخالفهما الإمام أحمد فما في الصحيحين أو في أحدهما فهو مقدم على ما خرجه الإمام أحمد. يقول: حديث: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين)) الحديث يستدل به على أن الإيمان ينقص، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- علل نقص الدين بترك الصلاة إذا حاضت، فكيف يفسر بأنه ينقص إيمانها وهي امتثلت الأمر، بل إذا صلت وهي حائض كانت آثمة؟ لا شك أن الإيمان ينقص بنقص العمل، ويزيد بزيادة العمل الصالح، فإذا نقص عملها ومكثت مدة أسبوع أو أقل أو أكثر لا تصلي ولا تصوم لا شك أن هذا يكون سبباً في نقص دينها، والعلماء يختلفون في الحائض والنفساء هل يكتب لهما ما كانا يعملانه في حال الطهر كما يكتب للمسافر والمريض؟ الحديث يدل على أنه لا يكتب؛ لأنه لو كان يكتب ما سميت ناقصة، وجمع من أهل العلم يرون أنها منعها الشرع، والنية موجودة أن لو كانت طاهرة فإنها تصوم وتصلي، لكن ما دام منعها الشرع والعذر ليس بيدها فإنه يكتب لها، وعلى كل حال المرأة إذا امتثلت بالفعل والترك فهي مأجورة على الاحتمالين. هذا يقول: أختي فرنسية أسلمت وقد حول إليها مبلغ من المال تركه والدها الكافر بعد موته من قبل السلطات الفرنسية فهل تستفيد منه بالتصدق به في أبواب الخير وتعيش منه؟

أولاً: هي لا ترثه، فلا تستحقه إرثاً، لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، هو ليس لها، فعليها أن تتخلص منه. يقول: هل تدخل الخادمة في حليلة الجار ويكون أمرها أعظم من غيرها؟ نعم هذا القرب الذي يؤمن معه حصول مثل هذه الفاحشة لا شك أنه خيانة إضافة إلى كونها فاحشة، أنت اؤتمنت عليها، فخنت هذه الأمانة، فأمرها عظيم -نسأل الله السلامة والعافية-، مع أن حصول مثل هذا الأمر سببه المخالفة الشرعية، وهي الخلوة بالمرأة الأجنبية؛ لأنه لا يمكن أن يحصل هذا بحضور أحد. يقول: ما يحدث على ألسنة من لا خلاق لهم من الاستهزاء بشرع الله، والدعوة إلى الفساد والانحلال وترك التدين سواءً في وسائل الإعلام أو غيرها، ما واجبنا نحن طلاب العلم نحو ذلك؟ وهل تركهم يؤثر علينا في ديننا ودنيانا ويجلب لنا العقوبات؟ لا شك أنه لا يجوز تركهم يعيثون في الأرض فساداً، بل الواجب كفهم، وأطرهم على الحق، ومنعهم من مزاولة هذا الباطل، لكن كل بحسبه، الذي يستطيع ذلك باليد يجب عليه ذلك؛ لأن هذا منكر عظيم، يجب عليه أن يكفه، والذي يستطيع باللسان يجب أن يقارعهم بلسانه، والذي لا يستطيع هذا ولا هذا عليه أن يتصل بمن يستطيع، ويبلغ الأمر إلى من يستطيع، وتركهم لا شك أن له أثر عظيم في الدين والدنيا. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح الأربعين النووية (12)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح الأربعين النووية (12) شرح الأحاديث من (17 - 23) الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذا يقول: هل تأخذ ساحة المسجد حكم المسجد في التحية وغيرها يعني والاعتكاف ومكث الجنب والحائض وغير ذلك من أحكام المسجد؟ إذا كانت مسورة بسوره فحكمها حكمه ولو كانت مكشوفة، أما إذا كان سور المسجد لا يشملها فإنه ليس لها حكم المسجد. هذا يقول: أمر أزعجني جداً من بعض الطلاب طلاب صغار ويتكلمون في بعض المشايخ الكبار. على كل حال تحدثنا مراراً عن حكم الغيبة، وأن غيبة أهل العلم أشد، وأعراض المسلمين عموماً كما يقول ابن دقيق العيد: حفرة من حفر النار، يقول: وقف على شفيرها العلماء والحكام؛ لأن العلماء والحكام أكثر من يتكلم فيهم الناس، فهم يدفعون في هذه الحفرة من يتكلم فيهم، أو لأنهم أكثر من يحتاج إلى الكلام في الناس فقد يزلون، فيقعون في هذه الحفرة، على كل حال المعنى محتمل، فيتقي الإنسان ربه في هؤلاء العلماء لا سيما الذين عرفوا بالعلم والعمل والبذل، لا شك أن هذا أمره عظيم، -نسأل الله السلامة والعافية-؛ لأن في هذا تزهيداً فيهم وفي علمهم وفي الأخذ عنهم، فيكون هذا من الصد عن العلم الشرعي. يقول: أنا شخص كثير الغضب خاصة إذا ثار عندي القولون فهل يشرع لي أن أستخدم الحبوب المهدئة للقولون؟ لا مانع من استخدامها إذا لم تكن مركبة من مواد محرمة، أو فيها ضرر من جهات أخرى، فإذا انتفى تحريم تركيبها، أو الإضرار بها من جهات أخرى؛ لأن بعض العلاج ينفع لبعض الأمراض، لكنه يثير أمراضاً أخرى، ويزيد من أمراض أخرى، الله المستعان، إذا انتفى هذا الأمر لا بأس. يقول: جمعت شرحاً للأربعين النووية ملخص أو ملخصاً من خمسة عشر شرحاً، فهل أكون مؤهلاً لتدريس هذا المتن؟ على كل حال التدريس فن، قد يتقن الإنسان التأليف ولا يحسن التدريس، وقد يحسن التعليم ولا يحسن التأليف، فإذا كنت قد فهمت هذه الأحاديث وجمعت ما قاله أهل العلم فيها، وأنت لديك القدرة على التعليم فأقدم. يقول: في اليمن مسلم قتل يهودياً ويراد قتل المسلم فما الحكم؟

الأصل أنه لا يقتل مسلم بكافر هذا الأصل، لكن إذا رأى ولي الأمر أن هناك اعتداءات من قبل بعض من لا يمتثلون أوامر الشرع؛ لأن المعاهد، من قتل ذمياً، من قتل معاهداً جاءت فيه النصوص والوعيد الشديد، فإذا كان الإنسان لا يمتثل، ورأى ولي الأمر أن قتله تعزيراً يكف مثل هذه الاعتداءات فالأمر إليه، لكن الأصل في المسألة أن المسلم لا يقتل باليهودي. هذا يقول: هل يجوز لي أن أشتري اشتراك سنتين من التأمينات الاجتماعية اختيارياً لأني انقطعت عن دفع سنتين لسبب حصولي على عمل خارج بلدي. السؤال ما هو بواضح، لكن إن كان قصده دفع سنتين من أجل أن يتوفر له إضافة إلى خدمته وعمله زيادة سنتين فيزداد تقاعده فيما بعد فهذا شراء دراهم بدراهم لا يجوز، وهذا معروض ومطروح وموجود، يعني يتعامل به، لكنه عين الربا، يعني يبقى من مدته المقررة للتقاعد سنوات، فيشتريها، فيدفع مقابل هذه السنوات ما يؤخذ عنه للتقاعد، ثم تكمل له المدة هذا هو الربا، لكن إن اشتراها بما تباع به نسيئة فلا مانع حينئذٍ، لو قال: أنا أعطيكم سيارة وسيارتين في مقابل هذه المدة، فالسيارات مع الدراهم لا يجري فيها الربا. يقول: استظهر بعض الشراح أن قوله: ((المفارق للجماعة)) وصف عام يدخل فيه كل من خرج عن جماعة المسلمين، وإن لم يكن مرتداً كالخوارج وأهل البدع فهل هذا الاستظهار وجيه؟ ومن جعله وصفاً لتارك الدين هل يلزمه عدم مقاتلة الخوارج؟ أما مقاتلة الخوارج والبغاة فتؤخذ من أدلة أخرى، ومن فهمها من هذا الحديث لا حجر عليه، أما الأدلة على مقاتلتهم بعد مناقشتهم حتى يكفوا هذه الأدلة متظاهرة عليها، وعمل السلف على ذلك. يقول: للتوضيح لا أسأل عن حكم قتله فمعروف أن الصغير لا يقتل، لكن أسأل عن إطلاق اسم المرتد عليه هل له وجه؟ كأنه توضيح لسؤال سابق ولم يصلنا هذا السؤال إلا إذا كان القصد الذي بعده. التوضيح سبق السؤال؛ لأن السؤال الذي يليه يقول: هل يسمى مرتداً من غير دينه وهو صغير، بمعنى أن والده مسلم لكنه غير دينه قبل البلوغ؟ قبل البلوغ القلم مرفوع عنه، لا يؤاخذ، وكونه يسمى أو لا يسمى هذا لفظي يعني ما يترتب عليه حكم.

هذا يقول: كيف أتدرج في قراءة شروح المتون عامة، وفي شروح الأربعين النووية خاصة؟ التدرج في قراءة الشروح أن تبدأ بالأسهل، ثم تترقى إلى ما هو أمتن منه وأشد، وقل مثل هذا في المتون قبل الشروح، فتبدأ في شرح الأربعين للمؤلف للنووي نفسه، كتاب مختصر وواضح، وصاحب الدار أعرف بما في الدار، ثم بعد ذلك تقرأ من الشروح حتى تصل إلى جامع العلوم والحكم الذي هو أنفس الشروح على الإطلاق، وأجمع الشروح، وهو شرح بنفس السلف. هذا يقول: أرجو التكرم والإجابة على سؤالين مع أني عرضتهما أكثر من مرة ولم تجبني. على كل حال قد لا يسعف الوقت للإجابة عن كل شيء، وقد يرى بعض الأسئلة غير مناسب أن يعلن جوابه للجميع لأنه خاص، إما لضيق الوقت لا يجاب عليه، أو لأن الحاجة حاجة الحاضرين وهم أولى بالمراعاة ممن هو خارج عن المسجد ويستمع من خلال آلة، الأولى بالعناية والمراعاة من جاء ليحضر الدرس. على كل حال يقول سؤاله: من نذر على ألا يترك قيام الليل وفي حالة تركه لو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم عشرين مسكيناً. هذا إذا عجز، أما إذا كان قادراً ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) لا بد أن يفي بنذره. هل هذا النذر مكروه أم هو النذر الذي أثنى الله تعالى على أهله؟ النذر يقرر أهل العلم أنه باب من أبواب العلم غريب، باب غريب من أبواب العلم، الوسيلة مكروهة، والغاية واجبة، النذر مكروه عند أهل العلم، وجاء النهي عنه، وإنما يستخرج به من البخيل، لكن إذا نذر يجب عليه الوفاء من نذر أن يطيع الله فليطعه، وهذا منه؛ لأنك إذا نذرت أن تقوم الليل الشرع جاء بالحث على قيام الليل، لكن قد يعتري هذا الناذر في وقت من الأوقات ما يعوقه عن تحقيق هذا النذر، ولو لم يكن اضطراراً؛ أما المضطر من ترك الشيء عاجزاً عنه هذا لا إشكال فيه، لكن قد يتركه لأنه يشق عليه مشقة شديدة، وإن كان يستطيع مع اقتحام هذه المشقة أن يفي، فهذا النذر لا شك أنه تأكيد لما حث الشرع عليه، فعليك أن تفي بنذرك، أما إذا عجزت عن الوفاء بالنذر فإنك تكفر. وهل ما يأخذ الإمام من المكافأة جائزة؟

الإمام إن كان المراد به الإمام الأعظم فأبو بكر -رضي الله عنه- فرض له الصحابة في مقابل تفرغه لمصالح المسلمين العامة فرضوا له نصف شاة يومياً؛ لأنه صاحب تجارة ترك التجارة، يتفرغ لأمور المسلمين، فما يأخذه في مقابل عمله لا شيء، هذا بالنسبة للإمام الأعظم أما من دونه كإمام المسجد مثلاً، إمام الصلاة فهذا أذا أعطي من بيت المال جعلاً لا على سبيل المشارطة فلا مانع من ذلك -إن شاء الله تعالى-. يقول: وإذا كانت جائزة فما تعليقكم على كلام ابن القيم في إعلام الموقعين عند ما ذكر أنواع العمل لغير الله، وذكر النوع الثالث أن يبتدئ العمل مريداً به الله والناس، فيريد قضاء فرضه والأجر من الناس؟ أما بالنسبة للحج فهذا فيه النص لا مانع من أن يحج الفريضة ويبتغي من فضل الله، هذا لا إشكال فيه، هذا فيه النص، كمن يصلي بالأجرة إذا كان القصد أصل الصلاة، مأموم يقول: لا أصلي إلا بكذا هذا صلاته باطلة، إمام حبس نفسه على الإمامة أو مؤذن حسب نفسه على المأذنة، وانقطع من أسباب الرزق، وفرض له من بيت المال هذا لا إشكال فيه، أما أن يقول: لا أصلي بكم إلا بكذا فهذا كما قال الإمام أحمد رجل سوء من يصلي وراءه؟! قال: وذكر النوع الثالث أن يبتدئ العمل مريداً به الله والناس فيريد قضاء فرضه والأجر من الناس وهذا كمن يصلي بالأجرة، فلو لم يعط الأجرة صلى ولكنه يصلي لله وللأجرة فهذا لا يقبل منه العمل.

إذا كان الناهز له والباعث له على هذا العمل إنما هو الأجرة فلا شك أنه لا يقبل منه العمل، لكن إذا كان الناهز له الصلاة أولاً وآخراً هو مصلٍ مصلٍ، والمقصود بذلك الإمامة لا أنه يشترط على الناس ألا يصلي الفريضة إلا بكذا، نعم قد تجعل الحوافز سواءً كانت عامة أو خاصة فالأب يجعل لمن يصلي من أولاده مبلغ من المال ليحثه على ذلك، ويحفزه عليه، وقد يحرمه من بعض الأمور، هذه من وسائل التربية، والتعويد على الطاعة لا سيما إذا كان الولد غير مكلف، هذا شأن طيب على ألا يتعلق بهذه الدنيا، يبين له أن هذه عبادة، توصله إلى مرضاة الله، وإلى جنته ونعيمه، يربى على هذا، لكن لا يمنع أن يوضع المحفزات التي تجعل بين الإخوة والأخوات منافسة ومسابقة ومسارعة إلى الخيرات. هذا يقول: ما حكم إدخال الكاميرات وآلات التصوير إلى المساجد في المحاضرات وهل يجوز حضورها؟ هذه الآلات وهذه الكاميرات هذه كل يفتي بما يدين الله به، ومن يرى الجواز لا إشكال عنده في هذا، وهذا قول لكثير من المعاصرين الآن، لكن الذي ما زلت عليه أن التصوير وإن كان بالآلات، وإن كان بالفيديو كله داخل في النصوص ومحرم، وحينئذٍ لا يجوز إدخال الكاميرات سواءً كانت مخصصة للتصوير، أو للتصوير ولغيره، الجوالات مثلاً هي يسرت التصوير بأيدي الناس، واستمروه وصاروا لا يرون فيه شيئاً، وهونت من شأنه، كل هذا داخل في حيز المنع، فلا يجوز إدخال هذه الآلات إلى المساجد، ولا تصوير المحاضرات ولا غيرها، وإذا وجد التصوير فالذي يرى تحريمه لا يجوز له الحضور. يقول: بعض الطلاب يتابعون مباريات الكرة التي تذاع عبر التلفاز نرجو توجيه نصيحة لهم، وبيان الحكم الشرعي لهذا الفعل؟

أولاً: مسألة الكرة وتضييع الأوقات فيها، وما يترتب عليها من كلام بذي، ومن إيجاد للبغضاء، وما فيها من صد عن ذكر الله وعن الصلاة هذه هي العلل التي من أجلها حرم الخمر والميسر، فإذا اشتملت على هذه الأمور صارت محرمة، وإذا كانت محرمة إضافة إلى ما يعتري ذلك من كشف للعورات إذا اجتمعت هذه الأمور حرمت مشاهدتها، إذا اجتمعت هذه الأمور وعلى كل حال هذا الغالب أنها تجتمع؛ لأنها مبنية على هذه المنافسة التي فيها إيغار للصدور، وفيها ألفاظ شنيعة، وفيها أيضاً شحناء وبغضاء، وفيها موالاة ومعاداة، كل هذه تجتمع، ولذا يفتي جمع من أهل العلم بتحريمها، وإذا قلنا بتحريمها فإنه لا تجوز مشاهدتها. سم. عن أبي يعلى شداد بن أوس -رضي الله عنه- ... سم. سم الله. عن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال ... لو سميت، وصليت على النبي -عليه الصلاة والسلام- كان ... سم الله، وصل على نبيه. سم الله، وصل على نبيه -عليه الصلاة والسلام-. طيب، طيب. بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: عن أبي يعلى شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله -عز وجل- كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)) رواه مسلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السابع عشر: عن أبي يعلى شداد بن أوس -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله -عز وجل- كتب الإحسان على كل شيء)) كتب قدر وفرض وأوجب، فمن الإحسان ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، فالله -جل وعلا- قدره وشرعه وأوجبه على كل شيء، يعني في جميع الأمور، في معاملة الإنسان مع نفسه، في معاملته مع خالقه، في معاملته مع المخلوقين، مع الزوجة، مع الأولاد، مع الوالدين، مع الجيران، مع الأقارب، مع الناس كلهم، لا بد أن يكون الإنسان محسناً في جميع ذلك.

((كتب الإحسان)) في معاملة الخالق، كما جاء في حديث جبريل فيما تقدم سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإحسان، فقال: ((أن تعبد الله كأنك تراه)) بالمراقبة ((أن تعبد الله كأنك تراه)) هذا الإحسان في العبادة، في معاملة الخالق ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) يعني إذا لم تتصور أنك ماثل بين يدي ربك في صلاتك وأنك تخاطبه وتناجيه مباشرة فلا أقل من أن تتصور أنه يراك؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، الذي يعلم السر وأخفى. في معاملتك لنفسك توسط في أمورك، لا تشق عليها مشقة لا تحتملها، ولا تفرط فيما ينفعك في دينك ودنياك، فدين الله وسط بين الغالي والجافي، الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فعليك أن ترفق بنفسك ((اكلفوا من العمل ما تطيقون)) فلا تكلف نفسك ما لا تطيق، نعم قد تأخذ بالعزيمة، وقد تأخذ بعسف النفس على عدم التساهل والتراخي؛ لأن التساهل يجر إلى ما وراءه، على كل حال اكلف من العمل ما تطيق. لما جاء النفر الذين تقالوا عمل النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: إنه غفر له ما تقدم من ذنبه، فقال أحدهم: إنه يصلي ولا ينام الليل، وقال أحدهم: إنه يصوم ولا يفطر، وقال الثالث: إنه لا يأكل اللحم وهكذا، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) لكن هناك أوقات وهناك مواسم تستغل، ولو تعب فيها الإنسان، النبي -عليه الصلاة والسلام- قام في جوف الليل حتى تفطرت قدماه، وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شد المئزر، وأيقظ أهله، وسهر في عبادة الله -جل وعلا- من الصلاة والذكر والتلاوة، فهذه المواسم تستغل، لكن بقية العمر يؤخذ منه بقدر ما يبلغ الإنسان، بقدر ما جاء به الشرع، وعلى كل حال هناك حث على المزيد من العمل، لكن لا يصل إلى حد المشقة على النفس الذي يؤول بالإنسان إلى الترك. أيضاً على الإنسان ألا يفرط فيما جاء الحث عليه لا سيما فيما أوجب الله عليه، لا يجوز له أن يفرط بحال، وهذا من الإحسان إلى النفس، أن تحملها وتلزمها بما أوجب الله عليك، وبترك ما نهاك الله عنه.

أيضاً الإحسان إلى الوالدين، الإحسان إلى الأهل، الإحسان إلى الأولاد، الإحسان إلى الجيران، الإحسان إلى بعيد الناس وقريبهم، محبة الخير للناس، وبذل المعروف لهم، كل هذا مطلوب، هذا مما كتبه الله -جل وعلا- على الإنسان في كل شيء. ((فإذا قتلتم)) هذا مثال ((إذا قتلتم)) يعني من يستحق القتل في الجهاد مثلاً كافر حينما يراد قتله، والسبع الضاري والأفاعي التي تقتل وكل ما يجوز قتله. ((فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)) يعني هيئة القتل، الفِعلة الهيئة، والفعَلة المرة، الفعلة بالفتح المرة، والفعِلة الهيئة، أحسنوا هيئة القتل، يعني إذا كان الإنسان مستحقاً للقتل، سواءً كان مرتداً أو كافراً أصلياً غير معاهد ولا ذمي، يعني حربي، أو قاتل، فإنه لا بد من إحسان القتلة، فلا يعذب أثناء القتل، يقتل يحقق الغرض من القتل، ويحسن إليه في هذه الحالة، وأي دين أعظم من هذا؟ إذا كان عدوك تحسن إليه في قتله، قد يقول قائل: إنه ما وراء القتل شيء، ويش أعظم من القتل؟ فما الإحسان؟ الإحسان في القتل والإحسان في هذه الحالة له ولغيره؛ لأن قتله يردع غيره، والإحسان إليه في قتله يرفع عنه التعذيب، اللهم إلا إذا ارتكب في جريمته شيئاً من التعذيب كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بالعرنيين، وهذه مماثلة في القتل، وأما المثلى فلا تجوز، ونهى عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-. ((وإذا ذبحتم)) ما يحتاج إلى ذبحه من مأكول ((فأحسنوا الذبحة)) الجملة الأولى فيما يراد قتله ممن يجوز أو مما يجوز قتله من إنسان سواءً كان حربياً أو مرتداً أو قاتلاً أو حيوان مما لا يجوز أكله كصائل أو مما يخشى ضرره مما أذن بقتله.

((وإذا ذبحتم)) النسيكة، أو الحيوان لمأكلة، ولا يجوز ذبح الحيوان لغير مأكلة، ما يذبح إلا للأكل، إذا احتيج إليه ((فأحسنوا الذبحة)) يعني أحسنوا إليه ولا تعذبوه، وأمروا عليه الآلة مروراً سريعاً لا يتعذب في أثناء ذبحه ((وليحد أحدكم شفرته)) المراد بالشفرة السكين، الآلة التي يذبح بها، وكل ما أنهر الدم يجوز الذبح به سواءً كان من حديد أو من خشب إذا كان ينهر الدم أو من حصى أو من غير ذلك، إذا كان ينهر الذبح، ويقضي على المذبوح بسرعة ((ليس السن أو الظفر)) يعني ما عدا السن والظفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة، السن عظم، والعظم معلوم أنه لا يجوز أن يلوث بالنجاسة؛ لأن العظام زاد إخوانكم من الجن، قد يقول قائل: هل سن الإنسان الذي يستخدمه بعض الناس في ذبح الطيور الصغيرة، وقد جاء النهي عنه، ليس السن لا يجوز الذبح بالسن، ليس السن أما السن فعظم هذه هي العلة، والعظم لا يجوز تلويثه؛ لأنه جاء أنه لا يجوز الاستنجاء به، أو استنجى بعظم أو بروث، كل هذا لا يجوز؛ لأنه زاد إخواننا من الجن، كما طلبوا من النبي -عليه الصلاة والسلام- وأجابهم، فيعود هذا العظم أوفر ما كان قد، يقول قائل: إن السن الذي جاء فيه النص ليست فيه هذه العلة، يعني هل إذا سقط سن من إنسان ورمي أو دفن يعود أوفر ما كان عليه من لحم الفك وما أشبه ذلك ليأكله إخواننا الجن، التعليل بكونه عظم هذا منصوص، العلة منصوصة، أما السن فعظم، يعني بغظ النظر عن كونه زاداً أو غير ذلك، هذه علة منصوصة شرعية يدور معها الحكم، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة، سكاكين الحبشة، والحبشة في وقته -عليه الصلاة والسلام- كفار ما دخل عندهم الإسلام، ولا يجوز التشبه بهم، ويلزم من كونه مدية أن يطال الظفر، أن يطال الظفر فيقتل به وهو خلاف الفطرة، فعلى كل حال كونه مدى الحبشة يقتضي المنع؛ لأن فيه مشابهة للكفار.

قد يقول قائل: أنا أستعمل الظفر في غير الذبح فيما تستعمل فيه المدية التي هي السكين، فيما تستعمل فيه المدية السكين، إذا اشتريت سواكاً، وأردت أن تزيل اللحى الذي عليه تزيله بسكين، هذا ظاهر، إزالته بالظفر وهو في الأصل يزال بالسكين كالذبح، هل نقول: إنك لا تزيل هذا اللحى بالظفر لأنها مدى الحبشة؟ مقتضى عموم العلة ألا تزيله بظفرك، فهل يدخل مثل هذا إذا أردت أن تقطع شيئاً يقطع بالسكين، أي شيء كان غير الذبح، الذبح واضح النص فيه ظاهر، والعلة منصوصة يدور معها الحكم وجوداً وعدماً، لكن في غير المنصوص هل نقول: إن عموم العلة يمنع جميع الاستعمالات للظفر فيما تستعمل فيه المدية؛ لأنها مدى الحبشة؟ فإذا اشتريت سواكاً خاماً فيه لحاه، وأردت أن تزيل هذا اللحى وهو طري، يمكن أن يزال بالظفر، فهل نقول: إن هذا ممنوع لا تزيله بظفرك لأنه مدى الحبشة؟ أو نقول مثل ما قلنا في السن؟ مثل ما قلنا في السن؛ لأن العلماء حينما عللوا، حينما بنوا على العلة المنصوصة أما السن فعظم، قالوا: جميع العظام لا يجوز الذبح بها؛ لأنها زاد إخواننا من الجن، طيب الأصل في المسألة السن ليس بزاد للجن، هل يمكن أن يقال: سن الإنسان زاد للجن، يعود أوفر ما كان عليه لحماً ليأكله الجن؟ ما يمكن، هذا لا يمكن، يعني هل العلة في الفرع موجودة كوجودها في الأصل أو لا؟ لأن هذا نوع من التعليل غريب لا يجري على قواعد الفقهاء؛ لأنهم يرون أن العلة في الفرع يلزم أن تكون مماثلة للعلة في الأصل، والآن أيهما الأصل السن الذي وردت فيه العلة منصوصة أو العظم الذي جاء النهي عن تلويثه والاستنجاء به؟ هنا أيهما الأصل؟ وأيهما الفرع؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . .

العظم هو الأصل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحال إليه، وعلل به، وثبت النهي عن تلويثه، والدم المسفوح نجس، فلا يجوز تلويث العظم بالنجاسة، بالدم ولا بغيره، ولا باستنجاء ولا بغيره، لكن العلة التي موجودة في الفرع في سائر العظام المقيسة على السن المنصوص عليه في الحديث أظهر منها في الأصل، في الأصل علل بكونها عظم، وعلة منع تلويث العظم لا توجد في الأصل، وقل مثل هذا في الظفر مدى الحبشة، الظفر منصوص عليه في الذبح، والعلة كونه -كون الظفر- مدى الحبشة، مدى الحبشة سكاكين الحبشة، مقتضى كون الظفر مدى الحبشة ألا يستعمل فيما تستعمل فيه المدية؛ لأننا نشابههم في استعمال الظفر فيما تستعمل فيه السكين والمدية، فماذا نصنع إذا اشترينا سواك؟ هل نقول: نصلحه بالسن أو بالظفر؟ ما عندك إلا سن وإلا ظفر اختر أحدهما. طالب:. . . . . . . . . الظفر تتحقق المشابهة كيف تنتفي المشابهة؟ طالب:. . . . . . . . . هذا صار سكين، هذا هو سكينهم، الظفر هو سكين الحبشة. طالب:. . . . . . . . . يعني هل نقول: إنها مداهم في الذبح فقط أو نقول: إنه علل بكونه سكين فيمنع كل ما يستعمل فيه فيما يستعمل في السكين؟ طالب:. . . . . . . . . ويش ما له روح؟ طالب:. . . . . . . . . العلة أعم من كونه ما له روح، أحالنا على شيء يستعمل في استعمالات كثيرة، ومقتضى عموم العلة أن نمنع الظفر في كل ما تستعمل فيه السكين، يعني كوننا نصلحه بالسن هل تتحقق فيه العلة الأولى؟ ما في تلويث، فلا مانع من أن يصلح السواك بالسن، لكن هل يصلح بالظفر؟ هذا محل الإشكال. طالب:. . . . . . . . . مقتضى عموم العلة ألا يستعمل الظفر فيما تستعمل في السكين؛ لأن المشابهة حاصلة استعملها مدية، استعملناه سكين في الذبح وفي غير الذبح. طالب:. . . . . . . . . نحن أمام نص، نحلل نص أمامنا. طالب:. . . . . . . . . لكن كون الرسول -عليه الصلاة والسلام- أعطانا علة منصوصة، ما هي باجتهادية هذه العلة، علة منصوصة، هل نقول بعمومها، أو نقول: هي مقصورة على ما وردت فيه؟ طالب:. . . . . . . . . عندنا علة منصوصة بحديث صحيح صريح والمنع من الظفر لأنه مدى الحبشة، لوجود المشابهة.

طالب:. . . . . . . . . هو في الذبح، لكن العبرة بعموم اللفظ. على كل حال المسألة تحتاج إلى دقة في النظر، ما هي مسألة تأتي هكذا، ويمكن لا تجري على قواعد الفقهاء في العلة والتعليل، نعم؟ طالب: يمكن أن يقال: إن المدى سكين كبير التي تستعمل في الذبح وغير ذلك، فإزالة لحى السواك هذا لا تستعمل فيه المدى، إنما السكين الصغيرة التي لا يطلق عليها مدية. على كل حال أصغر سكين أكبر من الظفر وإلا أصغر؟ سم. قال: ((وليحد أحدكم شفرته)) يعني يجعلها ماضية نافذة بسرعة غير كليلة؛ ليكون أريح لما يراد قتله، أو ذبحه ((وليرح ذبيحته)) لا يعذب الذبيحة أثناء الذبح ولا يبادر بتقطيع أوصالها قبل أن تنتهي حياتها، قبل أن تبرد وتسكن. ذكر بعضهم من الإحسان أن يقلم أظافره إذا أراد حلب الدابة، إذا أراد حلبها يقلم أظافرها؛ لئلا يسيء إليها بأظافره، ولا شك أن هذا مطلوب إذا غلب على الظن أنها تتأذى بهذه الأظافر، مع أن الأظافر مطلوب تقليمها فطرة، نعم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثامن عشر:

"عن أبي ذر جندب بن جنادة" الصحابي الشهير الزاهد المعروف "وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل" أعلم الصحابة بالحلال والحرام "-رضي الله تعالى عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اتق الله حيثما كنت)) " التقوى امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وهي وصية الله للأولين والآخرين، اجتنب ما نهاك الله عنه، وامتثل ما أمرك به حيثما كنت، أينما وجدت، في كل مكان، فوق كل أرض، وتحت كل سماء، في الخلوة والجلوة، في الغيبة والحضور والشهود، يكون مستوى التقوى عندك واحد، سواءً كنت عند الناس أو في خلوتك؛ لأن من الناس من يكون بين الناس ممتثلاً مستقيماً ثم إذا خلا بمحارم الله انتهكها، وقد جاء فيه الوعيد الشديد، وقد يكون على حال في بلد، ثم إذا انتقل إلى بلد آخر كان على حال تختلف عن هذه الحال، وهذا لوحظ على كثير ممن يسافرون إلى البلدان سواءً كانت بلاد كفر، أو بلاد أهلها مسلمون وتكثر فيها المعاصي والمنكرات، تجد بعض من يسافر إلى هذه البلدان يتخفف من كثير من الأمور التي كان يلتزم بها في بلده، هذا خالف هذا الأمر: ((اتق الله حيثما كنت)) لماذا؟ لأن المنظور إليه أولاً وآخراً في الفعل والترك هو الله -جل وعلا-، ونظره إليك في بلدك وبين أهلك وعشيرتك كنظره إليك في أقصى البلدان؛ لأن بعض من يسافر حتى من بعض من ينتسب إلى العلم وطلبه إذا سافروا إلى بلدان أخرى يلاحظ عليهم بعض الأشياء من إخلال ببعض المأمورات، أو تساهل في بعض المحرمات.

((اتق الله حيثما كنت)) أينما وجدت في كل مكان عليك أن تتقي الله -جل وعلا-، فالله المعبود واحد في هذه البلاد وفي غيرها، ((اتق الله حيثما كنت)) وبعض الناس يضبط عليه فعل بعض الفواحش التي يرتب عليها حدود فيفعلها في البلدان الإباحية، فإذا ثبتت عليه بالبينة الشرعية يقام عليه الحد، هناك لم يقام عليه الحد، لكن إذا جاء وشهد عليه أربعة بأنه ارتكب فاحشة يقام عليه الحد؛ لأن الشرع واحد والمعبود واحد في كل مكان وفي كل زمان، ولا يعفيه كونه ارتكب هذه الفاحشة في بلد لا تقام فيه الحدود، فهو مطالب التقوى، مطالب بفعل الأوامر، مطالب باجتناب النواهي حيثما كان، فإذا ثبت بالبينة الشرعية أنه فعل كذا، فعل ما يوجب الحد فإنه يحد. ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) أتبع السيئة الحسنة إذا فعلت سيئة والإنسان معلوم أنه ليس بمعصوم أتبعها حسنة، استغفر وتب إلى الله -جل وعلا-، وأتبعها حسنة تمحها، والحسنة تمحو السيئة إذا كانت بقدرها ولو لم يصحبها توبة؛ لأن مفاد الخبر أتبع السيئة الحسنة تمحها، فعلت سيئة أتبعتها حسنة تمحها، لكن لا تكون هذه السيئة من الكبائر من الفواحش التي لا بد من التوبة فيها، لا يكفي فعل الحسنات، ((الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغش كبيرة)) فالكبائر لا يكفرها إلا التوبة، أو يتجاوز الله عنها جميعاً تحت المشيئة، لكن المراد بالسيئات التي تمحوها الحسنات هي هذه الصغائر، ولذا لما جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابي الذي قال له: إنه أصاب من امرأة كل شيء إلا الزنا، فقال: هل صليت معنا الصبح؟ قال: نعم، قال: إن الحسنات يذهبن السيئات.

وليس في هذا فتح باب لارتكاب هذه الذنوب وهذه المعاصي ولو كانت صغائر؛ لأن بعض الناس يعتمد على مثل هذا الوعد، الحسنات يذهبن السيئات فيرتكب ما يرتكب، يأكل الربا، ويقول: أصلي تمحها، يرتكب الفواحش ويقول: أصلي تمحها، أتبع السيئة الحسنة تمحها، نقول: لا، الكبائر والفواحش هذه لا بد فيها من التوبة، والمراد بالسيئات التي تمحوها الحسنات هي الصغائر، وإلا لا فائدة من شرعية الحدود، يزني ويصلي وينتهي الإشكال، والإشكال أنه يوجد في بعض المجتمعات من يفهم هذا الفهم، ويتساهل في مثل هذه الأمور، ويقول: إذا صليت الحمد لله، هذا موجود في بعض المجتمعات، لكن مع ذلك الكبائر لا بد فيها من توبة عند أهل العلم، ما رتب عليه الحدود لا تمحوها الحسنات التي أمر بها الإنسان يعني الصلاة ما تمسح جريمة الزنا ولا جريمة الربا، نعم إذا أديت على الوجه الشرعي الكامل هي في الأصل تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكن افترض أن الإنسان كما هو غالب حال الناس أنه يصلي صلاة مجزئة صحيحة مسقطة للطلب، لكن لا تترتب عليها آثارها، نقول: هذه الصلاة إذا كفرت نفسها يكفي كما قال شيخ الإسلام. ((وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان، وأقرب الناس مجلساً من النبي -عليه الصلاة والسلام- أحسنهم خلقاً، ((البر حسن الخلق)) ((وخالق الناس بخلق حسن)) من أجل أن تعيش مع الناس محبوباً مقدراً محترماً متقرباً بذلك قبل كل شيء إلى الله -جل وعلا-، " ((خالق الناس بخلق حسن)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن" والحسن عند الترمذي: ما سلم من الشذوذ، وروي من غير وجه، ولم يتفرد به راويه. . . . . . . . . . قال الترمذي ما سلم ... من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم يعني لم يكن راويه متهماً بكذب.

"ولم يكن فرداً ورد" يعني يروى من غير وجه، هذا الحسن "وفي بعض النسخ: حسن صحيح" وهذا التعبير مشكل عند أهل العلم، وقد بلغت أقوالهم فيه إلى خمسة عشر قولاً، خمسة عشر قول في مراد الترمذي بقوله: "حسن صحيح" لكن من أشهرها: أنه إذا كان قد روي الحديث من أكثر من طريق فيكون حسناً من طريق صحيحاً من طريق آخر، وإذا كان طريقه واحد فهو على سبيل التردد هل بلغ إلى مرتبة الصحة أو قصر دونها إلى مرتبة الحسن، إلى غير ذلك مما قاله أهل العلم. سم. قال الإمام النووي -عليه رحمة الله-: عن أبي العباس عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- ... عبدِ الله. عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)). يعرفْك، جواب الطلب يعرفْك. ((يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)). يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث التاسع عشر:

"عن أبي العباس عبد الله بن عباس" حبر الأمة وترجمان القرآن -رضي الله تعالى عنه-ما يعني عنه وعن أبيه، قال: كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً، إما رديفاً له في دابة، أو يمشي وراءه في يوم من الأيام غير محدد "فقال: ((يا غلام)) " ابن عباس غلام صبي، لم يبلغ الحلم، مات النبي -عليه الصلاة والسلام- وابن عباس قد ناهز الاحتلام، يعني في الثالثة عشر من عمره ((يا غلام)) يعني من باب المداعبة والملاطفة للصغير لينتبه ويعي، ويحفظ ما يقال له، ((يا غلام إني أعلمك كلمات)) وليس المراد ابن عباس فقط بهذه الكلمات، لكنه خوطب بها والمراد بذلك جميع من يبلغه الخبر؛ لأن ابن عباس أدى هذه السنة وحملت عنه، فهي لازمة للجميع ((إني أعلمك كلمات)) كلمات يعني جمل، جمع كلمة، والكلمة تطلق ويراد بها الجملة، كلمة الإخلاص، كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وأصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد وهي شطر بيت: . . . . . . . . . ... وكلمة بها كلام قد يؤم يعني قد يقصد في كلام ابن مالك، فتطلق الكلمة ويراد بها الجملة وهنا جمل، هذه الكلمات جمل. ((احفظ الله يحفظك)) احفظ الله يعني احفظ حدود الله، لا تقرب ما نهاك عنه، ولا تتعدى ما أمرك الله به، قف عند حدوده، إذا أمرك فأتمر، إذا نهاك فانته ((احفظ الله يحفظك)) يحفظك جواب الطلب، أو جواب شرط مقدر عند بعضهم، ((احفظ الله)) إن تحفظ الله يحفظك، والأول أيسر، إذا قلنا: جواب الطلب ما احتجنا إلى تقدير ((احفظ الله يحفظك)) يحفظك في دينك، يحفظك في عقلك، يحفظك في بدنك، يحفظك في أهلك ومالك، في جميع ما تحتاج إليه من حفظ. ((احفظ الله تجده تجاهك)) يعني كل ما تطلب منه قريب، فهو قريب منك -جل وعلا-، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [(16) سورة ق] ((احفظ الله تجده تجاهك)) يعني أمامك فإذا حفظت الله -جل وعلا-، وتصورت أنه أمامك سهل عليك كل مطلوب.

((إذا سألت فاسأل الله)) إذا سألت أي حاجة من الحوائج من أمور دينك أو دنياك فاتجه إلى الله -جل وعلا-؛ لأنه هو الذي بيده أزمة الأمور كلها، وإذا كان المسئول عنه لا يقدر عليه إلا الله فسؤال غير الله شرك، وإذا كان المسئول يقدر عليه المخلوق فلا مانع من أن يسأل، لكن السؤال أولاً وآخراً والاتجاه إلى الله -جل وعلا-؛ لأنه هو الذي يسخر هذا المسئول أن يعطي، فالله -جل وعلا- هو المعطي {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ} [(33) سورة النور] المال لله، ليس للخلق، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم، والله المعطي)) حتى فيما يملكه الإنسان لا يستطيع أن يعطي ولا يمنع من تلقاء نفسه، وإنما هو سبب في العطاء والمنع، والمعطي والمانع هو الله -جل وعلا-. ((وإذا استعنت فاستعن بالله)) إذا استعنت فاستعن بالله وحده؛ لأنه هو الذي يعينك {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] يعني لا نستعين بغيرك؛ لأن تقديم المعمول يقتضي الحصر، قد تكون الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه، أما إذا استعنت بمخلوق فيما لا يقدر عليه فهذا الشرك، وإذا استعنت بمخلوق فيما يقدر عليه يا فلان ناولني كذا، أو أعطني كذا، أو أحضر لي كذا، فهذا لا بأس به، لكن لتعلم أن هذا المستعان به لا يستطيع أن ينفعك، ولا يستطيع أن يعينك إلا بتقدير الله -جل وعلا-، وهو سبب. ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت)) الأمة والأمة أعم من أن تكون أمة إجابة أو أمة دعوة أو أمة إنس أو أمة جن، كل المخلوقات، جنس الأمة، فيشمل جميع الأمم، جميع المخلوقات.

((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك)) لو أصيب الإنسان بمرض عادي يصاب به كثير من الناس ويشفون، وهذا الذي أصيب بهذا المرض من أعظم ملوك الدنيا، أصيب بهذا المرض الذي شفي منه طبقات الناس الفقراء والمساكين والأغنياء والكبار والصغار، هذا الملك من حرصه على الشفاء أحضر جميع الأطباء على وجه الأرض، كل من عنده شيء من علم الطب أحضره، هل يستطيع أن يضمن أن يشفى من هذا المرض؟ أولاً: المرض ليس بمعضل، المرض عادي وشفي منه كثير من الناس، والآن أحضر الأطباء قاطبة، المهرة وغير المهرة، كل من له يد في الطب أحضرهم هذا الملك، هل يستطيعون أن يشفوه؟ لا والله ما يستطيعون، إذا كان الله كتب له الموت بسببه ولو كان في البروج المشيدة، فإن الموت سوف ينزل إليه. إذا علمنا أن الموت قد ينزل بلا سبب، ينزل فجأة، وهو ينزل في مثل هذه الصورة، ولو اجتمعت أطباء الدنيا كلها ما استطاعوا أن ينفعوه، ولا أن يدفعوا عنه، ولا أن يزيدوا فيما كتب له من حياة ولا لحظة {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(49) سورة يونس] لا يستطيع أن يقدم ولا يؤخر لنفسه شيء، ولا يستطيع أحد من المخلوقين أن يقدم له شيء في هذه الحالة. ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك)) تجدون بعض الناس يصاب بما يسميه الأطباء بالموت الدماغي، ويقررون أنه ميت، ويقررون قطع الأجهزة عنه، وقد يفاوضون على التبرع بأعضائه، ثم إن كان الله قد كتب له شيء من الحياة فإنه يشفى مع ذلك كله، وهنا وقائع حصلت قرر ثلاثة من الأطباء أنه انتهى خلاص، مات دماغياً ولا أمل في حياته، ثم بعد ذلك يفيق، وبعضهم يقررون له عكس ذلك، كم من واحد كتب له أمر بالخروج معافى من مرضه، ويموت قبل أن يخرج من المستشفى، والشواهد موجودة، يعني ما هو بضرب من الخيال.

يحدثنا واحد من الإخوان يعمل في مستشفى تخصصي، قال: إن الأطباء اجتمعوا حول مريض، وقرروا أنه ميت دماغياً، فاستدعوا إخوانه لأن والده ميت، إخوانه أربعة، فقالوا: ما دام الأمر كذلك، وعندنا مرضى واحد يحتاج إلى كلية، وواحد يحتاج إلى عين، وواحد يحتاج إلى كذا، فما رأيكم وهو ما يضيره الآن هو ميت، ثلاثة من الإخوة وافقوا، والرابع رفض، قال: والله ما نملك أن نتصرف فيه، علماً بأن مسألة التبرع بالأعضاء هذه لا يملكها أحد لا المريض ولا غير المريض، نفسه ليس بملكاً له، وإن أفتى من أفتى بجواز ذلك. على كل حال المسألة معروفة، لكن هذا الحاصل، ثلاثة وافقوا وواحد رفض، هذا المريض الذي يفاوض عليه يسمع الكلام، لكنه لا يستطيع أن يحرك شعرة، أراد الله -جل وعلا- له أن يفيق، والله إن المسألة حقيقية يا الإخوان، واحد وقف عليها وهو ثقة من الثقات، ويحدثني مباشرة، ولما أفاق وعوفي وشفي صارت العداوة بينه وبين إخوته الثلاثة، وصار الرابع أقرب الناس إليه، الرجل يبي يشلحونه، وهو يسمع الكلام، يسمع الكلام الآن سبحان الله، هؤلاء الأطباء ما استطاعوا أن يضروه، لماذا؟ لأن الله لم يكتب عليه هذا الضرر، وإلا كم من واحد تصرف فيه، بل كتب الله عليه الضرر فتضرر، والله المستعان. ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك)) ما يستطيعون، جميع الأسباب متوافرة للنفع، والله -جل وعلا- لم يرد له الانتفاع لا يمكن أن ينتفع ((إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)) اجتمعت الأمم من الجن والإنس من ناطق وأعجم كلهم اجتمعوا على أن يضروا فلاناً وأن يقتلوه، أو يسيئوا إليه، والله -جل وعلا- لم يكتب عليه هذا الضرر لا يمكن أن يصلوا إليه.

الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير سورة النساء عند قوله -جل وعلا-: {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [(78) سورة النساء] ذكر قصة لشخص من الأمم السابقة كان عبداً عند أسرة مملوك، وكانت المرأة في الشهر الأخير، في الأيام الأخيرة من حمل، فرأى هذا العبد رؤيا، فقال: إن هذه المرأة سوف تلد بنتاً، وسوف تزني هذه البنت مائة زنية، وتكون في النهاية هي زوجتك، هذه البنت، فولدت بنتاً، فقيل له: أحضر السكين من أجل قطع السرة، فأحضر السكين وبقر بها بطن البنت، لماذا؟ لأنه قيل له: إنك تتزوج هذه البنت وسوف تزني مائة زنية، أراد أن يتخلص منها، بقر بطنها وهرب إلى بلد اشتغل فيه بالتجارة، فصار من الأثرياء، وبعد عشرين سنة عاد إلى بلده، وأراد أن يتزوج من بلده، وعلى يقين أن تلك البنت قد ماتت، فأوصى امرأة أن تخطب له أجمل بنت في البلد، وكان من تمام الرؤيا أنها ستموت بسبب العنكبوت، الحشرة الضعيفة هذه، ألفى على امرأة عجوز قال لها: أريد أجمل بنت في البلد، فخطبت هذه البنت، عولجت البنت خيط بطنها وشفيت وعوفيت، فخطبت له هذه البنت، ودفع ما دفع، ودخل بها فرأى أثر شق البطن، عرف أنها هي، ما كان يظن أو يتوقع ولا واحد بالألف أن تلك البنت موجودة في الأحياء، لما رأى أثر شق البطن تذكر الرؤيا، ثم سألها هل حصل منها شيء؟ هل قارفت شيء؟ قالت: نعم، إنه حصل منها شيء، قال: مرة أو مرتين؟ قالت: الله أعلم كثير، قال: مائة، قالت: الله أعلم، لكن ليست ببعيد، الرجل لما رأى هذه البنت وأعجبته وأشرب قلبه حبها ما استطاع المفارقة؛ لأن هذه المشكلة أن الإنسان قد يفتن ببنت لجمالها، ثم لا يستطيع مفارقتها، وقد تؤثر عليه في دينه، وقد يغمض عن عينيه أشياء مخلة لدينه، وقد تكون مخلة بعرضه، إذا فتن بها، عمران بن حطان كان من خيار الناس، فخطب امرأة من الخوارج جميلة، وقال: نكتسب أجر الدعوة ندعوها إلى مذهب أهل السنة، والحاصل العكس ما زالت به حتى صار من رؤوس الخوارج، -نسأل الله السلامة والعافية-، وكثير من الإخوان يقول: نطلب الجمال والدين يجي بالدعوة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) أقدم على الزواج بهذه

البنت، مع أنه تيقن أنها هي التي في الرؤيا، فشيد لها قصراً منيفاً جزم أن العنكبوت لا تدخله، جزم أن العنكبوت من أي جهة تجئ؟! فإذا به في يوم من الأيام جالس مع زوجته، فإذا بالعنكبوت تنزل من السقف، تذكر الرؤيا قال لها: أنت تموتين بسبب هذه الحشرة، قالت: هذه حشرة أموت بسببها، فقامت ففركتها بعرقوبها في الأرض بعقبها فأصيبت بالعقب بالأكلة، هذه نوع من الجذام صار هذا العقب يتآكل شيئاً فشيئاً إلى أن ماتت بسببه. هذه القصة لم يرد بها حديث صحيح وإلا خبر عن الصادق، لكنها لها دلالات، ويؤتى بها في تفسير الآية للمناسبة؛ لأنه وضع القصر المشيد المنيف، ومع ذلك نزلت بها المنية مع هذه الاحتياطات. ((رفعت الأقلام، وجفت الصحف)) المقادير كتبت قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ((رفعت الأقلام، وجفت الصحف)) ما في الآن إلا أن كلاً ميسر لما خلق له، إذا تبي تغير مما كتب الله لك ما يمكن، إلا ما يقال في البر والصلة ((من أراد أن ينسأ له أثره، ويبسط له في رزقه فليصل رحمه)) على الخلاف بين أهل العلم في الزيادة الحاصلة عن الصلة، منهم من يقول: زيادة حقيقية، ومنهم من يقول: زيادة معنوية، بركة في الوقت، وليست زيادة حقيقية في عدد السنين، الخلاف في هذه المسألة معروف، والأمر فيها ثابت.

((رفعت الأقلام، وجفت الصحف)) ما عاد في كتابة ((وجفت الصحف)) فرغ من الكتابة قبل خلق الخلق بخمسين ألف سنة "رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي" يعني رواية الإمام أحمد في المسند: ((احفظ الله تجده أمامك)) بمعنى تجاهك ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) المشركون الذين نزل القرآن على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو بين ظهرانيهم كانوا يشركون في الرخاء، ويوحدون في الشدة، يدعون غير الله في الرخاء، ويدعونه ويخلصون في الشدة، لكن هذا ينفع وإلا ما ينفع؟ لا ينفع، ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) والإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في القواعد الأربع قال: "إن مشركي زماننا أعظم شركاً من الأولين؛ لأن الأولين يشركون في الرخاء ويوحدون في الشدة، ومشركي زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة" تجده يوطأ ويدهس بالأقدام في مواضع الزحام، ويقول: يا علي، يا حسين، يا بدوي، يا عبد القادر، يا فلان، الشرك الأكبر -نسأل الله السلامة والعافية-.

((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) يعرفك في الشدة، كثير من الناس إذا جاء وقت الحاجة والوقت الذي يستغله، يريد استغلاله في الخير للمضاعفات العظيمة، والمواسم يقول: نستغل هذه المواسم، ليلة القدر نحييها، أو نحيي العشر الأواخر كلها، لا نضيع منها شيء، ولا نفرط بشيء، ونترك القيل والقال، وإذا جاورنا في المسجد الحرام أو في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- نستغل كل لحظة، لكن أين أنت في الرخاء؟ أين موقعك من هذه العبادات؟ وموقعها منك في أيام الرخاء؟ ماذا تفعل في طول وقتك؟ في طول عمرك؟ في أيام الرخاء؟ هل عودت نفسك على الحزم؟ عودت نفسك على التلاوة؟ على الصلاة؟ على الذكر؟ إن كنت عودت نفسك في طول العام فأبشر، والواقع يشهد بذلك، يأتي بعض الناس ويجاور في أقدس البقاع، يقول: المسألة عشر ليالي، وترجى فيها ليلة القدر أستغلها، وأترك القيل والقال، وأنكب على المصحف، والسلف يختمون في كل ليلة، أنا أختم كل ليلة، هل يستطيع وهو ما عود نفسه في أيام الرخاء؟ ما يستطيع، ولا يعان على ذلك، ورأينا منهم أعداد كبيرة من طلاب العلم يقضون أوقاتهم في القليل والقال، يعتكفون في المساجد، لكن لا يصبرون عما كانوا يزاولونه قبل ذلك في حال الرخاء، تجد الكلام المباح موجود بكثرة، وقد يتعدونه إلى شيء مما فيه ما فيه، وقد لا يصبرون عن شيء كانوا يزاولونه، منهم من يأتي بالصحف والمجلات لأنه اعتادها، ومنهم من يحضر الآلات، ومنهم من يستعمل الجوال ليل نهار كل وقته، ونصيب القرآن منه كنصيبه في وقت الرخاء، ما يستطيع، رأينا من يجلس من بعد صلاة العصر في المسجد الحرام يريد أن يقرأ إلى الفطور، يعني في الصيف يستطيع أن يقرأ عشرة أجزاء، ثم تجده يفتح المصحف يقرأ خمس دقائق وهو ما تعود، ثم يغلق المصحف ويتلفت يمين شمال غادي وإلا رايح، ثم يعود إلى المصحف ما وجد أحد يعود إلى المصحف خمس دقائق إن جاء أحد، وإلا قام هو يبحث عن الناس؛ لأن هذه حاله في حال الرخاء، ثم إذا أوى إلى مضجعه أسف وندم على أن ضيع اليوم، وتوعد نفسه في الغد، ثم نفس ما كان تعوده في حال الرخاء ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).

((واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك)) ما أخطأك يعني ما حصل لك من خير أو شر ما يمكن أن يخطئك؛ لأن الله كتبه عليه، وهو حاصل لك لا محالة، يعني بعض الناس ما أخطأك لم يكن ليصيبك، يعني أمامه شخص أو مجموعة من الناس وقد تأخر عنهم، سقط عليهم جدار أو دهستهم سيارة، لو تقدم دقيقة واحدة كان معهم، جزى الله فلان خيراً الذي حبسني هذه الدقيقة، لو أنت بينهم ولم يكتب عليك ما حصل لهم لم يكن ليصيبك ما أصابهم، ((وما أصابك لم يكن ليخطئك)) ولو تأخرت، لو تقدمت ما في فائدة، (لو) ما تنفع، هذا مكتوب عليك لا بد أن يحصل، ومما يذكر أن شخصاً حجز على رحلة في سفر، فنعس في المطار وفاتته الطائرة، يعني مهتم وجاء وحضر قبل الموعد، لكن نعس في المطار، ففاتته الطائرة فرجع إلى بيته مهموماً مغموماً ودخل يدعو بالويل والثبور فاتته الطائرة، فذهب إلى فراشه، ما لبثوا أن أعلنوا عن الطائرة أنها حصل فيها خلل واحترقت، فجاءت أمه لتبشره بالخبر، فرحت أمه فرحاً شديداً أن ولدها وفلذة كبدها لم يكن معهم، فلما أيقظته لتخبره الخبر فإذا هو ميت، ((ما أصابك لم يكن ليخطئك)) ما تقول: والله ما رحت معهم جلست دونهم، أنت في فراشك ومت، أنفاس معدودة، دقائق محدودة لا تتقدم ولا تتأخر. ((واعلم أن النصر مع الصبر)) النصر مع الصبر بعض الناس يستعجل في أموره الخاصة، وفي أمور الأمة يستعجل بها، ويرجو النصر من قرب، لا، لا بد من الصبر والمصابرة {اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ} [(200) سورة آل عمران] ثم بعد ذلك يأتي الترجي {لَعَلَّكُمْ} [(200) سورة آل عمران] النصر مع الصبر، يقول: كيف ينصر كفار على مسلمين؟ المسلمون يحتاجون إلى صبر، يحتاجون إلى جهاد، يحتاجون إلى تضحية، يحتاجون إلى إخلاص، يحتاجون إلى إعادة نظر في واقعهم {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} [(40) سورة الحج].

((وأن الفرج مع الكرب)) إذا ازداد الكرب فاعلم أن الفرج قريب ((وأن مع العسر يسراً)) إذا وجد العسر فإن معه اليسر، إذا وجدت الشدة وجد الفرج، وإذا وجد العسر والضيق وجد اليسر والسعة، ولن يغلب عسر يسرين {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [(6) سورة الشرح] أعيد العسر معرفة، والمعرفة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى، نفس الأولى، العسر الأول هو العسر الثاني، والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت غيرها، فاليسر الأول غير اليسر الثاني، ولذا جاء في الخبر: ((لن يغلب عسر يسرين)) نعم. سم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري -رضي الله عنه- قال ... عقبةَ بن عمروٍ. عقبةَ بن عمروٍ الأنصاري البدري -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) رواه البخاري. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث العشرين: "عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري" نسبة إلى بدر، وهل هذه النسبة إلى الوقعة الغزوة غزوة بدرة أو المكان المسمى بهذا الاسم؟ الأكثر على أنه لم يشهد بدراً، وإنما نزلها فنسب إليها، وإن كان الإمام البخاري يثبته فيمن شهد بدر، لكن الأكثر على أنه لم يشهد بدر، وإنما نزلها فنسب إليها "-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن مما أدرك الناس)) " (إن) تأكيد، (مما) يعني بعض ما أدركه الناس من كلام النبوة الأولى، يعني ليس جميع ما أدركه الناس من كلام النبوة الأولى، إنما هذا شيء مما أدركه الناس من كلام النبوة الأولى، من كلام الأنبياء في الأمم السابقة، هذا مما أثر عنهم، وثبت عنهم. {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(14 - 15) سورة الأعلى] إلى أن قال: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [(18 - 19) سورة الأعلى] يعني هذا أيضاً مما وجد في النبوة الأولى وفي الكتب السابقة. ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) رواه البخاري.

لأننا قد نقرأ أنه أوحي إلى موسى، أوحي إلى عيسى، أوحي إلى داود، أوحي إلى غيرهم من الأنبياء، وما يؤثر عن الأمم السابقة إما أن يوجد في شرعنا ما يدل عليه فهذا حق ومقبول ما يدل عليه، وإن وجد في شرعنا ما يمنعه ويخالفه فهو مرفوض، وإن كان ليس في شرعنا ما يدل عليه ولا ما يمنعه، فهذا هو الكلام المباح الذي يحدث به بلا حرج؛ لأنه لا يعارضنا في شرعنا، ولا يوجد في شرعنا ما يدل عليه، فجاء في الحديث: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) وفي رواية: ((فإن فيهم الأعاجيب)) شريطة ألا يكون في شرعنا ما يرده ويرفضه. ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي)) الآن ويش عندنا؟ حاء وياء وإلا بدون ياء؟ ((إذا لم)) فيه ياء وإلا كسرة؟ طالب:. . . . . . . . . كل النسخ هكذا؟ طالب:. . . . . . . . . كسرة وإلا في ياء؟ طالب: نسخة فيها ياء. فيها ياء تستحي؟ طالب: أيوه. طيب عمل لم، الجزم، لم تجزم. طالب:. . . . . . . . . حرف نفي وجزم وقلب، كيف يجزم مثل هذا الفعل؟ بحذف حرف العلة، وإذا أثبتت الياء هل يكون حرف العلة محذوف وإلا موجود؟ يعني تكون لم عملت وإلا ما عملت؟ طالب: أيوه عملت. في صحيح البخاري في الأصل الترجمة: "باب إذا لم تستح" بدون ياء "فاصنع ما شئت" وفي الحديث الذي ذكره تحت هذه الترجمة ((إذا لم تستحي)) بالياء، لماذا؟ لأن هذا الفعل يختلف عند قريش عن تميم، فهو عند قريش بياءين {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [(26) سورة البقرة] بياءين، وعند تميم بياء واحدة {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ} وعلى هذا إذا دخل عليه الجازم فعلى لغة تميم تكون كسرة "إذا لم تستح" بدون ياء، وعلى لغة قريش يكون بياء واحدة، وتكون الياء الثانية هي التي حذفت للجازم، ولذلك قد يقول قائل وهو يقرأ في الصحيح: لماذا الترجمة حذفت الياء وفي الحديث أثبتت الياء؟ البخاري -رحمه الله- حينما ترجم استعمل لغة تميم، وفي الحديث استعمل لغة قريش؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم. على كل حال: ((إذا لم تستحي)) الرواية جاءت بالياء على لغة قريش، فالصواب أن تثبت الياء، ترجمة البخاري كونه على لغة تميم هذا ما يضر؛ لأنه يوردها من كلامه -رحمه الله-.

" ((إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) رواه البخاري" وهذا الأسلوب يحتمل معنيين: إما أن يكون قوله: ((فاصنع ما شئت)) تهديد، يعني إذا رفع عنك هذا الخلق العظيم الذي هو شعبة من شعب الإيمان اصنع ما شئت، كقوله -جل وعلا-: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت] تهديد، ويحتمل أن يكون إباحة، اصنع ما شئت إذا كان هذا العمل مما لا يستحيا منه فاصنعه، إباحة، إذا كان الإنسان سوياً على الفطرة، ورأى أن هذا العمل لا يستحيا منه؛ لأن الناس يتفاوتون في هذه الصفة وهذه الخلة، يتفاوتون تفاوتاً عظيماً، والمراد بذلك أوساط الناس الذين هم باقون على الفطرة ليس عندهم غلو في هذا الباب وشطط، وليس عندهم تساهل. ((إذا لم تستحي)) إذا كنت من هذا النوع، ورأيت أن هذا العمل مما لا يستحيا منه فاصنعه، والاختيار الأول وهو أن هذا تهديد، وأنه لا بد أن تستحيي، والحياء شعبة من الإيمان، فإذا نزع عنك هذا الخلق العظيم فأنت لم تتقيد بأوامر ولا بنواهي، ولا تستحي لا من الله ولا من خلقه، الآن اصنع ما شئت، والله بالمرصاد، نعم. سم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي عمرو، وقيل: أبي عمرة سفيان بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: ((قل: آمنت بالله، ثم استقم)) رواه مسلم. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الحادي والعشرين: "عن أبي عمرو، وقيل: أبي عمرة" خلاف في كنيته "سفيان بن عبد الله" يعني اشتهر باسمه، فاختلف في كنيته، -رضي الله عنه- هذه العادة أن من يشتهر بالكنية يضيع الاسم، ومن يشتهر بالاسم تضيع الكنية "-رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك" يعني قول واضح شامل لا أحتاج أن أسأل معه أحد، هذا سؤال عظيم، طلب عظيم، وجوابه عظيم، أجابه النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن الإنسان قد يسأل ثم يبقى في نفسه شيء من السؤال فيسأل غير المسئول الأول ليوضح له، لكن إذا كان المجيب من أعطي جوامع الكلم، أفصح الخلق، وأنصح الخلق، هل يحتاج أن يسأل بعده؟ لا.

قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك؟ قال: ((قل: آمنت بالله، ثم استقم))، ((قل: آمنت بالله)) قل، انطق بإيمانك، واعتقد بقلبك، واعمل بجوارحك، واستمر على ذلك، استمر على ذلك {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [(13) سورة الأحقاف] فمطلوب الإيمان والاستقامة من غير اعوجاج، الاعتدال على هذا الصراط المستقيم، وهذه هي العبارة الشرعية التي يعبر بها ويوصف بها الإنسان الملازم للصراط المستقيم، يقال: مستقيم، والناس يقولون: ملتزم، نعم هي تؤدي المعنى، لكن إذا كانت العبارة شرعية جاءت بها النصوص فهي أولى من غيرها، إذا قيل: فلان ملتزم، معناه أنه مستقيم، ملتزم للأوامر، ملتزم بترك النواهي، نعم، فهو مستقيم، لكن العبارة الشرعية التي جاءت بها النصوص أولى من غيرها، ولو أدت معناها. ((قل: آمنت بالله، ثم استقم)) على هذا الإيمان، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاستقامة في سورة هود؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . {كَمَا أُمِرْتَ} [(112) سورة هود] أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاستقامة، وهو أعظم مستقيم، إنما أمر بها من أجل أن يهتم بها من يقتدي به بهذا الأمر، وأن يلزم الاستقامة، ويستمر عليها، فالمسلمون قاطبة في كل ركعة يقولون: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [(6) سورة الفاتحة] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} [(136) سورة النساء] يعني الزموا هذا الإيمان، واستمروا عليه، لا يمنع أن يؤمر المستقيم بالاستقامة، ويؤمر المؤمن بالإيمان، والمراد بذلك الاستمرار على هذه الاستقامة، والاستمرار على هذا الإيمان. سم. قال الإمام النووي -عليه رحمة الله-: عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة؟ قال: ((نعم)) رواه مسلم. ومعنى؟ من المتن. ومعنى حرمت الحرام: اجتنبته. ومعنى أحللت الحلال: فعلته معتقداً حله، والله أعلم.

نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني والعشرين: "عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما-" يعني عن جابر وعن أبيه عبد الله بن حرام الشهيد "-رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت" يعني أخبرني يا رسول الله "إذا صليت المكتوبات" يعني اقتصرت على الفرائض ولم أزد عليها، لا سنن قبلية ولا بعدية، كما جاء في حديث الأعرابي في قوله بعد أن ذكر الصلوات الخمس، قال: هل علي غيرها؟ قال: ((لا إلا أن تطوع)) هذا أراد أن يقتصر على المكتوبات ولا يزيد نوافل لا قبل ولا بعد "وصمت رمضان" الفرض فقط، ما يصوم الست ولا عرفة ولا عاشوراء ولا أي يوم، ولا اثنين ولا خميس ولا بيض، يصوم رمضان، "وأحللت الحلال" يعني فعلته معتقداً حله "وحرمت الحرام" تركت الحرام، يعني تركت جنس الحرام، أحللت جنس الحلال، يعني جميع ما أحله الله أستحله معتقداً حله، أفعله معتقداً حله، وحرمت الحرام، يعني اجتنبته معتقداً حرمته "ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة؟ قال: ((نعم)) " لأن مقتضى التقوى فعل المأمورات وترك المحظورات، وهذا هو المعروف في النصوص بالمقتصد، المقتصد الذي لا يزيد على ما أوجب الله عليه، ولا يترك سوى ما حرم الله عليه، لا يفعل نوافل ومستحبات، ولا يترك المكروهات والمباحات، هذا مقتصد، هذا مثل الذي صرفه بقدر دخله، لا يزيد ولا ينقص، أفضل منه السابق بالخيرات، وهو الذي يزيد على الفرائض النوافل، ويزيد على ترك المحظورات ترك المكروهات، هذا سابق بالخيرات، ودون المقتصد الظالم لنفسه، عنده أصل الدين، عنده التوحيد، لكنه قد يخل ببعض الواجبات، وقد يرتكب بعض المحظورات، هذا ظالم لنفسه، هذا خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، هؤلاء الأقسام، فهذه الأقسام الثلاثة كلها مآلها إلى الجنة كما جاء في سورة فاطر، فهم الثلاثة كلهم إلى الجنة، أما بالنسبة للسابق هذا معروف من أول وهلة، وكذلك المقتصد، وأما الظالم لنفسه فإنه إما أن يدخل برحمة أرحم الراحمين من أول وهلة، تكفر عنه هذه الذنوب الناشئة عن ترك الواجبات وفعل المحظورات أو يطهر، يعذب بقدرها، ثم يكون مآله إلى الجنة.

"أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام" ما قال: وزكيت، أخرجت الزكاة المفروضة، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يعرف من حاله أنه ليس عنده ما يزكي، علماً بأن ما ترك يدخل في: حرمت الحرام؛ لأن منع الزكاة حرام، منع الزكاة من عظائم الأمور، فهو داخل في قوله: "حرمت الحرام" أما بالنسبة للحج فالذي يغلب على الظن أنه لم يكن فرض؛ لأنه ما فرض إلا في السنة التاسعة، وإذا كان قد فرض فإنه كالزكاة يدخل في حرمت الحرام. قد يقول قائل: لماذا ما أصنع هذا الشيء إذا كان هذا يكفي لدخول الجنة؟ لماذا أتعب نفسي بقيام ليل؟ وأتعب نفسي بطلب علم؟ وأتعب نفسي بصيام هواجر وقيام ليالي الشتاء وغير ذلك؟ لماذا أخرج قدر زائد على ما أوجب الله من مالي؟ ولماذا ولماذا؟ ألا تريد أن تكون سابقاً بالخيرات؟! أتضمن أن هذه الفرائض التي تؤديها تؤديها على الوجه المطلوب؟ ألا تريد أن تكمل هذه الفرائض من هذه النوافل إذا وجد الخلل؟ يعني لا وجه لقول من يقول: أنا أقتصر على هذه وكفى، من يضمن أنك تؤديها على الوجه الشرعي المطلوب، لا يكون فيها خلل، فالخلل في الفرائض يكمل من النوافل، فمن نعم الله -جل وعلا- أن شرع لعباده هذه النوافل. سم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الطَهور شطر الإيمان، والحمد لله)) ... الطُهور. ((الطَهور شطر الإيمان)) الطُهور. ((الطُهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)) رواه مسلم. يقول -رحمة الله عليه- في الحديث الثالث والعشرين من هذه الأربعين المباركة يقول: "عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الطهور شطر الإيمان)) " والمراد به التطهر، والطَهور هو الماء الذي يتطهر به، لكن المراد به فعل التطهر، ويراد به طهارة الظاهر وطهارة الباطن، طهارة الجوارح، وطهارة القلب.

((شطر الإيمان)) يعني نصف الإيمان، الذي لا يتطهر لا ظاهراً ولا باطناً، لا شك أن الطهور شرط لصحة الصلاة، وهذا شأنه عظيم، الذي يصلي بلا طهارة صلاته باطلة ((شطر الإيمان)) لكن هل يكفي الشطر الثاني دون الشطر الأول؟ يكفي نصف الإيمان؟ هاه؟ لا، لا يكفي؛ لأن الصلاة مردودة بدون الطهور ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)). ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان)) الحمد لله هذه الكلمة وصف الرب -جل وعلا- بصفات كماله ونعوت جلاله مع حبه وتعظيمه، هذه تملأ الميزان، وكثير من أهل العلم يعرف الحمد بأنه الثناء، وهذا رده ابن القيم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- غاير بين الحمد والثناء، في حديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي)) فالثناء غير الحمد، واختار ابن القيم أن الحمد وصف الرب -جل وعلا- بصفات الكمال ونعوت الجلال مع الحب والتعظيم له. ((الحمد لله تملأ الميزان)) كلمة ليس لها وزن يعني حسي، الكلام معنوي ليس له وزن حسي، ولا يمنع في قدرة الله -جل وعلا- أن تجسد هذه المعاني، وتوضع في كفة الميزان، كما جاء في البقرة وآل عمران، ((كأنهما غمامتان أو غيايتان تحاجان عن صاحبهما)) السموات والأرض قالتا: أتينا طائعين، القدرة الإلهية لا يقف دونها شيء، فتجسيد المعاني أمر سهل أمام هذه القدرة العظيمة. ((والحمد لله تملأ الميزان)) والميزان الذي له كفتان ولسان، هذا معتقد أهل السنة، وأنه حقيقة توزن به الأعمال، وإن كان المعتزلة ينكرون الميزان، ويرون أنه أمر معنوي، هو عبارة عن العدل ((تملأ الميزان)) إذا كانت كلمة هذه كلمة الحمد لله، يعني هي كلمة يسيرة جداً لا تكلف شيء، وأنت على وضعك تقول: الحمد لله تملأ الميزان، لكن كم من محروم ممن يعرف هذا الكلام ويسمع هذا الكلام، ويحرم النطق بهذه الكلمة وبغيرها من الباقيات الصالحات التي هي غراس الجنة.

((والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن)) هاتان الجملتان: ((تملآن، أو تملأ)) يعني شك من الراوي ((ما بين السماء والأرض)) يعني كم بين السماء والأرض؟ مسيرة خمسمائة عام، تصور الأرض ما هي بأرضك أنت التي توجد فيها، جميع الأرض المبسوطة هذه وما بينها وبين السماء سبحان الله والحمد لله تملآنه. طالب:. . . . . . . . . ترى ما بقي إلا شوي. طالب:. . . . . . . . . تملآن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام كلمة أو كلمتين فضل الله لا يحد، وجوده لا يقدر قدره، ((والصلاة نور)) وهذا النور ملاحظ على وجوه المصلين، وظاهر عليها وبين، وجاء في الخبر مما لا تصح نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)) والشاهد الواقع، الواقع يشهد بذلك، وإن لم تصح نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. ((والصدقة برهان)) دليل قطعي على صدق صاحبه، على صدق إيمانه؛ لأن النفوس جبلت على حب المال، فكون الإنسان يخرج هذا المال طيبة به نفسه، لا شك أن هذا دليل قاطع، برهان ساطع على صدق إيمانه. ((والصبر ضياء)) الصبر على الطاعة، الصبر عن المعصية، الصبر على الأقدار المؤلمة لا شك أنه ضياء ينير الطريق لصاحبه، لكن فيه نوع مشقة؛ لأن الله -جل وعلا- وصف الشمس بأنها ضياء، والقمر نور، فضياء الشمس معه شيء من الإحراق بخلاف نور القمر، ((الصلاة نور)) ليس فيها مشقة، لكن الصبر في كثير من أحواله فيه مشقة، ولذا وصف بما وصفت به الشمس، ففيه مع كونه ينير البصيرة وينير الطريق إلا أنه فيه شيء من الشدة. ((والقرآن حجة لك أو عليك)) القرآن كلام الله المنزل على نبيه -عليه الصلاة والسلام- بواسطة جبريل، المحفوظ بين الدفتين، الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن بالكلم، هذا أنت تقرأ، ولا يخلو إما أن يكون حجة لك، إذا كنت مؤمناً به مصدقاً بجميع ما فيه، عامل بأوامره، مجتنب لنواهيه، هذا حجة لك يوم القيامة، أو حجة عليك، إذا أخذته وحفظته ونمت عنه، ونمت عن الصلاة، أو فعلت ما يخالف من أوامره ونواهيه، فإنه يكون حينئذٍ حجة عليك.

((كل الناس يغدو)) ما في أحد ما يغدو، إذا أصبح الناس انتشروا في الأرض لطلب الرزق، لكن بعض الناس غدوه لمصلحته، وبعض الناس غدوه وبال عليه ((فبائع نفسه)) وكلهم يبيعون النفس، فإما أن تبيعها إلى الله -جل وعلا-، فتعتقها من ناره، أو تبيعها إلى الشيطان بفعل المعاصي والجرائم والمنكرات فتوبقها في النار -نسأل الله السلامة والعافية-. ((كل الناس يغدو)) كل الناس يتعبون {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ} [(104) سورة النساء] {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} [(140) سورة آل عمران] كل الناس تتعب، لكن الذي تعبه يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه هذا الذي يعتق نفسه، أما الذي تعبه يعود وبالاً عليه فهذا يوبقها في النار، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد .... يعني كأن العزيمة اتجهت إلى إنهاء الكتاب؛ لأن كثير من الإخوان ملوا، يعني كتاب صغير يحتاج إلى سنين، نكمل لهم الكتاب. طالب:. . . . . . . . . جزاكم الله خير، بارك الله فيكم. أقول: إن استطعنا أن نكمله في اليومين الباقيين وإلا إن احتجنا الخميس أخذناه، والغالب أننا على هذه الطريقة نكمله في غداً والذي يليه -إن شاء الله تعالى-. اللهم صل على محمد وعلى آله. ...

شرح الأربعين النووية (13)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح الأربعين النووية (13) الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: اللهم اغفر لشيخنا والسامعين والحاضرين. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -عز وجل- أنه قال: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أُكْسُكم. أَكسُكم. أَكسُكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) رواه مسلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع والعشرين من حديث أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري، هذا الحديث العظيم أعظم أحاديث أهل الشام كما قال أحمد وغيره.

"عن أبي ذر الغفاري -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -عز وجل-" إذا روى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ربه غير القرآن فإنه يسمى الحديث القدسي أو الإلهي، والأحاديث القدسية فيها مصنفات جمعها أهل العلم في أكثر من مصنف، وحكمها من حيث الإضافة إلى الله -جل وعلا- يميزها بهذه الإضافة عن الحديث النبوي، فأضيفت إلى الله -جل وعلا-، فقيل: هذا حديث إلهي أو حديث قدسي، إضافة إلى الإله أو القدوس، ومن حيث اللفظ ليست في حكم القرآن باعتبار أن القرآن منقول باللفظ متعبد بلفظه، وأما الأحاديث القدسية فحكمها من هذه الحيثية حكم الحديث النبوي، تجوز روايته بالمعنى، ولذا تجد هذا الحديث بلفظه عند مسلم وتجده عند غير مسلم بألفاظ مختلفة، وهو في حكم الحديث النبوي من حيث اللفظ، غير متعبد بلفظه، تجوز روايته بالمعنى كالأحاديث النبوية. "عن ربه -عز وجل- أنه قال: ((يا عبادي)) " هذه الإضافة إلى الله -جل وعلا- إضافة تشريف، هذه إضافة تشريف يقول الشاعر: ومما زادني فرحاً وتيهاً ... دخولي في قولك: يا عبادي وكدت بأخمصي أطأ الثريا ... وأن صيرت أحمد لي نبيا فهذا النداء من الله -جل وعلا- للعباد تشريف لهم بوصف العبودية الذي هو من أشرف الأوصاف، فالعبودية لله -جل وعلا- من أشرف الأوصاف ووصف الله بها نبيه -عليه الصلاة والسلام- في أشرف المواطن.

((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي)) الله -جل وعلا- حرم الظلم على نفسه مع أن حقيقة الظلم مستحيلة بالنسبة لله -جل وعلا-؛ لأن الظلم حقيقته التصرف في ملك الغير بغير إذنه، والكل ملك لله -جل وعلا-، فالله -جل وعلا- من كرمه وجوده وفضله وإحسانه وعدله امتنع، منع نفسه من الظلم، وهو الذي منع نفسه، وهو الذي حرمه على نفسه، ولا يتصور أن يوصف هذا التحريم من الله -جل وعلا- وكذلك الإيجاب على نفسه {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [(12) سورة الأنعام] يعني أوجبها على نفسه، فليس للعباد حق على الله -جل وعلا- أن يتصف بالمحرم الذي يتصف به المخلوق، أو الواجب الذي يتصف به المخلوق، مع أن المعتزلة من معتقدهم أنه يجب على الله -جل وعلا- كذا، يوجبون عليه تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فالله -جل وعلا- من كرمه وفضله أن منع نفسه من الظلم، امتنع من الظلم، وحرمه على نفسه، ومنعها منه، وأوجب على نفسه أشياء، وكتب على نفسه أشياء. ((إني حرمت الظلم)) وضع الشيء في غير موضعه، هذا حده، مع أن هناك أشياء قد تندرج في هذا التعريف ولا تدخل في الظلم، الذي هو مجرد وضع الشيء في غير موضعه، يعني لو أن إنساناً وضع شيئاً لا أثر له، وأبدل شيئاً بشيء لا أثر له، لنفترض أن سلعتين من السلع المباحة التي تباع في الأسواق جديدة، ما استعملت، فأخذ مثلاً قلم، أخذ قلمين يجربهما في المحل، ووضع غطاء هذا على الثاني والعكس، هذا في غير موضعه، لكن هل يسمى ظلم؟ هذا لا أثر له ألبتة، وبينه وبين الظلم الذي هو أعظم أنواع الظلم الذي هو الشرك بينها مراتب كثيرة جداً لا تعد ولا تحصى، منها ما يصل إلى الكراهة، ومنها ما يصل إلى التحريم، ومنها ما هو أعظم من ذلك، فهذا الحد يدخل فيه كل ما ذكر، لكن هناك أشياء معفو عنها. ولو نزيد قيد في تعريف الظلم مما له أثر، وضع الشيء الذي له أثر في غير موضعه، أما ما لا أثر له مثلما قلنا في القلم، أخذ قلمين وجربهما وحط غطاء كل واحد للثاني، وهذا لا أثر له؛ لأنهما متفقان في الصنعة وفي القيمة وفي اللون، ما يفرق.

((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي)) الله -جل وعلا- يصف أنه له نفسي {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} [(116) سورة المائدة] والمراد بذلك ذاته -جل وعلا- مع أن الذات يطلقها أهل العلم على الله -جل وعلا- فيقولون: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، مع أنها بمعنى النفس لم يرد بها دليل صريح، إبراهيم -عليه السلام- كذب ثلاث كذبات كلها في ذات الله، وليس المراد بها في نفس الله، وإنما من أجله، على كل حال حديث صحيح صريح قد يعوز في مسألة إثبات الذات، وأهل العلم يقولون عن الله -جل وعلا- أن له ذات لا تشبه الذوات. ((إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً)) يعني حرم الله الظلم على خلقه، كما حرم عليهم أشياء كثيرة ومنها الظلم، وأقبح أنواع الظلم الشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام]. ((وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)) اعتمدوا هذا التحريم والتزموه، فلا ترتكبوا شيئاً يتضمن ظلماً لأحد، لا للنفس ولا للغير ((فلا تظالموا)). ((يا عبادي كلكم ضال)) ضال تائه عن الصراط المستقيم إما يميناً وإما شمالاً، وهذا أعظم أنواع الضلال، يعني قد يوصف الإنسان بأنه ضال، يعني لم يهتد الطريق الذي يريد أن يسلكه يقال: ضال، ومن الرواة معاوية بن عبد الكريم الضال، ثقة، مع أنه وصف بالضال؛ لأنه ضل يعني ضاع في طريق مكة، وليس هذا هو المقصود، إنما المقصود الضلال الحيد والميل عن الصراط المستقيم. ((كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم)) قد يقول قائل: إن الناس ولدوا على الفطرة: ((كل مولود يولد على الفطرة)) والفطرة الدين، فكيف يقال: إن الناس كلهم ضلال؟ نعم يولدون على الفطرة ثم تجتالهم الشياطين في الغالب.

((كلكم ضال)) وإذا أردنا أن نأخذ الضلال بما هو أعم من الضلال التام فلا بد أن يوجد هذا الضلال حتى عند أصلح الناس، فيحتاج إلى طلب الهداية، الضلال بمطلقه وهو الحيد عن الصراط المستقيم ولو شيئاً يسيراً، هذا موجود عند الناس كلهم، حتى المولود على الفطرة يوجد عنده لا بد أن يوجد عنده شيء من الانحراف إلا من عصمه الله -جل وعلا- من الأنبياء ((يا عبادي كلكم ضال)) وقد حصل من بعض الأنبياء ما حصل قبل النبوة وقبل الرسالة، والخلاف بين أهل العلم في عصمتهم من الصغائر، المقصود أن هذا الوصف الثابت في هذا الحديث لا بد أن يتصف به كل عبد من عباد الله قل هذا الضلال أو كثر، صغر أو كبر، ((كلكم ضال)) هذا الأصل ((إلا من هديته)) فالله -جل وعلا- يهدي من يشاء بأنواع الهداية، هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والقبول. ((فاستهدوني)) يعني اطلبوا مني الهداية ولا تطلبوها من غيري، ((فاستهدوني أهدكم)) السين والتاء للطب ((فاستهدوني أهدكم)) فنطلب الهداية من الله -جل وعلا- في كل وقت وفي كل حين، ونلهج بها، وهذه مطلوبة من كل أحد، وفرض على كل مصل أن يقول في كل ركعة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [(6) سورة الفاتحة] على خلاف بين أهل العلم في مسألة المأموم. ((يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته)) الأصل أن الإنسان يولد في بطن أمه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ثم بعد ذلك يطعم من ثدي أمه ومن كسب أبيه، فالمطعم هو الله -جل وعلا-، والأم والأب ومن سواهم كلهم أسباب لهذا الطعام وهذا الشراب ((فاستطعموني)) يعني اطلبوا مني الطعام ((أطعمكم)) هذا بالنسبة للمولود ظاهر، بالنسبة للكبار يبذلون الأسباب، ويطلبون الكسب والطعام والشراب من الله -جل وعلا-، فمنه -جل وعلا- كل شيء، وهو مصدر، وهو الرازق -جل وعلا-، لكن من يكون على يديه الرزق من المخلوقين هو سبب، ولذا أشرف الخلق -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)).

((يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته)) الأصل أن الإنسان يولد ويخرج من بطن أمه عارياً هذا الأصل فيه، ثم بعد ذلك تحصل له الكسوة من الله -جل وعلا-، وإن وجد السبب الذي يتحقق به هذا الأمر من والد أو والدة أو قريب أو بعيد ((فاستكسوني أكسكم)) أطلبوا مني الكساء، ولا تطلبوه من غيري. ((يا عبادي إنكم تخطئون)) هذا المشهور، تخطئون من أخطأ الرباعي، وبعضهم يضبطها تخطَئون من خطئ الثلاثي، ويفرق بين خطئ وأخطأ، أخطأ من غير قصد {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] وخطئ خاطئ هذا من قصد الخطأ، وقوله: ((وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني)) يدل على أنه الخطأ الذي يترتب عليه الذنب الذي تطلب له المغفرة، وعلى كل حال تخطئون هذا هو الأشهر. ((بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً)) {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} [(53) سورة الزمر] الله -جل وعلا- يغفر الذنوب جميعاً، لكن لا بد من الاستغفار ((فاستغفروني أغفر لكم)) يعني اطلبوا مني المغفرة لما بدر منكم من خطأ ومن مخالفات فيغفر الله -جل وعلا- لمن استغفره. ((فاستغفروني أغفر لكم)) يستغفر، يستعتب، يندم، يستحضر قلبه عند الاستغفار، يحضر قلبه عند الندم ليتم الوعد ((فاستغفروني أغفر لكم)) ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وفوائد الاستغفار كثيرة جداً، ذكرها أهل العلم في كتب الأذكار، وممن ذكرها ابن القيم في الوابل الصيب، ذكر فوائد الذكر، ومنه الاستغفار. ((يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)) الله -جل وعلا- هو النافع وهو الضار، الله -جل وعلا- تعالى وتقدس لا يستطيع أحد أن يصل إليه فيحاول ضره، نعم قد يؤذيه ابن آدم كما جاء في الحديث: ((يؤذيني ابن آدم)) لا شك أن المعاصي وأعظمها الشرك أذية، ومن آذى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقد آذى الله، لكن ليس بمعناه الذي ندركه ونحسه، كما هو الحاصل للمخلوق. ((إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)) الله -جل وعلا- هو الغني عن خلقه.

((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم)) يعني بدون استثناء، جميع الثقلين من أول مخلوق إلى آخر مخلوق، ((كانوا على أتقى قلب رجل)) أتقى قلب رجل، يقول بعض الشراح: المراد محمد -عليه الصلاة والسلام-، لو كان الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم، من الثقلين من الجن والإنس كانوا على أتقى قلب رجل وهو محمد -عليه الصلاة والسلام- ((ما زاد ذلك في ملكي شيئاً)) الله -جل وعلا- لا تنفعه طاعة مطيع، ولا تضره معصية العاصي ((ما زاد ذلك في ملكي شيئاً)) ومعلوم أنه إذا كانت الرعية صالحين أتقياء فإن الملك من المخلوقين ينتفع بهم كثيراً في ملكه، وإذا كانوا كلهم خارجين عن الطاعة فاسدين مفسدين فإن الملك يتضرر بهم، هذا بالنسبة للمخلوقين، أما الرب -جل وعلا- ((لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل)) لو كانوا كلهم على مستوى واحد، على مستوى قلب محمد -عليه الصلاة والسلام- أتقى الخلق وأعلم الخلق وأخشاهم لله ما زاد ذلك في ملك الله شيئا، وكذلك لو كانوا على شاكلة قلب إبليس، أفجر مخلوق، ما نقص ذلك من ملك الله شيئاً. ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً)) كما هو مقرر ومعلوم بالضرورة أن الطاعة لا تنفع الله -جل وعلا-، الله غني عن الخلق، عن طاعتهم، ولا تضره معاصيهم.

((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم)) جميع المخلوقين ((قاموا في صعيد واحد)) أرض مستوية منبسطة تستوعبهم جميعهم، تستوعب جميع الخلق من الأولين والآخرين، من الإنس والجن ((قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته)) كل واحد يسأل من هؤلاء الخلق الذين لا يحصيهم إلا الله -جل وعلا-، لو كل واحد سأل وأعطي مسألته، وكل واحد يسأل غير ما سأله غيره ((ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيَط إذا أُدخل البحر)) تأتي بالإبرة الصقيلة التي لا يعلق بها ماء، ولا تشرب الماء، فالمراد بالمخيط الإبرة الكبيرة، المخيط الذي يخاط به، وأكثر ما يستعمل في بيوت الشعر، نعم، المخيط، أما الإبرة الصغيرة تخاط بها الثياب، ((إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)) هذا في الحقيقة لا ينقص من ملك الله شيئاً، لكن هذا مثال تقريبي، أدخل المخيط أو الإبرة أو أي شيء صقيل ثم أخرجه لا يعلق به شيء؛ لأنه صقيل ما يشرب الماء. ((يا عبادي إنما هي أعمالكم)) تقدم لنا في قصة موسى والخضر أشرنا إليها، وأن العصفور نقر بمنقاره من البحر، وأن الخضر قال لموسى: ما نقص علمي وعلمك أو ما علمي وعلمك بالنسبة لعلم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر. ((يا عبادي إنما هي أعمالكم)) أعمالكم، كل واحد بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. ((إنما هي أعمالكم أحصيها)) أضبطها وأحفظها في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ((أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها)) كل يجد جزاء عمله، ((فمن وجد خيراً فليحمد الله)) الذي وفقه على فعل الخيرات ((ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) لأن الله -جل وعلا- هداه ودله وأرشده وركب فيه من الاختيار والعقل الذي يدرك به ما ينفعه ويضره، ثم بعد ذلك اختار الطريق الثاني ((ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)).

نعم الله -جل وعلا- ما ترك له حجة يحتج بها، لا يمكن أن يأتي يوم القيامة ويقول: أنت كتبتني شقياً فكيف تلومني؟ كما تقول الجبرية، لا، ترك له من الحرية، بين له الطريق، هداه النجدين، وبين له الطريق كما لو وجد عنده الماء، وجد عنده الماء، ولا يوجد ما يمنعه منه، نعم، ثم لم يشرب فعطش، من يلوم حينئذٍ؟ لا يلومن إلا نفسه، هو الذي فرط، لو سافر سفراً بعيداً يقطع به المفاوز ولم يحمل معه ماء ولا زاد، فمات جوعاً وعطشاً من يلوم؟ يلوم نفسه؛ لأنه هو الذي فرط، وهو الذي خان نفسه، فالذي بُين له الحلال والحرام، وبُين له طريق الحق والصواب وطريق الضلال ثم اختار الضلال لا يلومن إلا نفسه، العبد له مشيئة وله حرية وله اختيار، لكنه لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، فإذا أذن المؤذن ثم جلس في بيته ولم يصل قال: إنه كتب، هذا مكتوب عليه أنه ما يصلي، واحتج بالقدر على هذه المعايب، ليس له ذلك؛ لأنه ما الذي يدريه أنه مكتوب عليه أنه لا يصلي؟ ومن الذي يمنعه من أن ينهض إلى المواضئ ويتوضأ ويذهب إلى المسجد؟ في أحد يمنعه؟ في أحد حاول أن يقوم للصلاة وعجز؟ هل يمكن أن يقول: والله حاولت أقوم وكلما قمت إلى الصلاة سقطت؟ هذا إذا حاول وعجز معذور، هذا مريض، يصلي على حسب حاله، لكن الذي أعطاه الله -جل وعلا- من القدرة ومن الحرية والاختيار أن يذهب ويتوضأ ويذهب إلى المسجد ويرجع من دون أي معترض، ثم يقول: أنا مكتوب علي أني ما أصلي، الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعايب، ولذلك لما تحاج آدم وموسى، موسى قال لآدم: أنت أبو البشر خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك جنته، أخرجتنا وذريتك من الجنة، يلومه، قال له آدم: كم تجد هذا قد كتب علي قبل أن أفعل؟ قال: قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، فحج آدم موسى، يعني ما احتج آدم على المعصية بالقدر، إنما احتج على المصيبة التي نشأت عن هذه المعصية بالقدر، وأما المعصية فذهب أثرها بالتوبة، ما صارت معصية؛ لأن الله تاب عليه واجتباه وهداه، فزال أثرها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تهدم ما كان قبلها، فاحتج بالقدر على المصيبة الناشئة عن هذه المعصية التي تاب منها ولم تكن بعد ذلك معصية، فلا

يلومن إلا نفسه. قد يتسبب إنسان في إضلال إنسان، ثم يتجه باللوم عليه، كما يفعل أهل النار -نسأل الله السلامة والعافية- يلومون الأتباع، يلومون المتبوعين، أنتم الذين أضللتمونا؛ لأنه قد يكون شخص سبب في إضلال شخص، سبب في إغواء شخص، أراد أن يصلي، قال: انتظر بعدين إن شاء الله، فما زال به حتى خرج الوقت، لا تلوم إلا نفسك، أنت الذي أطعته، فأنت مسئول عن ذنبك، وهو مسئول عن ذنبه وذنبك أيضاً؛ لأنه تسبب فيه، والله المستعان. سم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي ذر -رضي الله عنه- أيضاً أن ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: ((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة)) قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجراً)) رواه مسلم. بعد وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف، هاه؟ طالب: ونهي عن منكر. طيب. يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- أيضاً" لأنه هو راوي الحديث السابق "أن أناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني من الفقراء، من فقراء المسلمين يعملون من شرائع الله بما يستطيعون، الأعمال البدنية ما عندهم فيها إشكال، لكن ليست لديهم أموال يتصدقون بها، وينفعون غيرهم، فحز في أنفسهم أن يكون لدى الأغنياء ما يتصدقون به، وليس عندهم ما يتصدقون به، أناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا له -عليه الصلاة والسلام-: "يا رسول الله ذهب أهل الدثور -الأموال- بالأجور" يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون، يصلون ويصومون مثلما نفعل، ويزيدون علينا بالصدقة، يتصدقون بفضول أموالهم، القدر الزائد مما يحتاجون إليه من أموال يتصدقون به.

قال: ((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به)) يعني تتصدقون به، والتاء محذوفة هنا، وهي معلومة كما في تظالموا، تتظالموا أصلها. ((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن بكل تسبيحة صدقة)) تسبيحة صدقة منك على نفسك، صدقة منك على نفسك؛ لأنه يثبت بها الأجر العظيم، كما يثبت الأجر بدفع الأموال والصدقات. ((وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة)) الباقيات الصالحات، ولا يضرك بأيهن بدأت، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، غراس الجنة، لك في كل جملة شجرة في الجنة، ولك بها صدقة على نفسك، أنت الآن تتصدق على نفسك بهذا الكلام الذي لا يكلفك شيئاً، والذكر فوائده أكثر من أن تحصى، ابن القيم أحصى ما يقرب من مائة فائدة في مقدمة الوابل الصيب، وفي الذكر من الفوائد أكثر من ذلك. ((وأمر بالمعروف صدقة)) الأمر بالمعروف صدقة على نفسك وعلى غيرك، يعني إذا كان التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير صدقة منك على نفسك؛ لأن نفعه قاصر لك، وفيه أيضاً نفع متعدي، وإن لم يدركه الناس، قد يقول الإنسان: أنا أصلي، أقوم الليل، هذا نفعه قاصر، نقول: لا، فيه نفع متعدي لغيرك، لمجتمعك، لأمتك؛ لأن الله يدفع بعبادتك ويدفع بدعائك عنك وعن غيرك، فالأمور تبدو قاصرة وهي في حقيقتها متعدية. يأتي شخص لمن عنده قدرة لنفع الناس، يأتي إليه وهو يصلي أو يقرأ القرآن أو يذكر الله يقول: قم يا أخي ما هذا وقته، النفع المتعدي أفضل، اترك القرآن، اترك الصلاة لوقت غير هذا، نقول: لا يمكن أن يستعين على هذا إلا بهذا، فلا بد أن يضرب من جميع أبواب الخير بسهم، لا يمكن أن ينفع الناس إلا إذا أحسن ما بينه وبين ربه، وصدق في عبادة ربه، يستعين بهذا على هذا، فلا يقال: إن هذا نفع قاصر، مفضول، وهذا نفع متعدي أفضل، اترك القاصر ما هو بصحيح هذا، بل افعل هذا وهذا، وفي أركان الإسلام ما يدل، أو ما يخرم هذه القاعدة، الصلاة نفعها قاصر، يعني في رعف الناس وعرف أهل العلم، والزكاة نفعها متعدي، وأيهما أفضل الصلاة وإلا الزكاة؟ الصلاة بلا إشكال قولاً واحداً.

((ونهي عن المنكر صدقة)) ترى أخاك مقصراً في شيء فتحثه عليه، وتأمره به، تراه يرتكب مخالفة تكفه عنها، وتنهاه عن ذلك، صدقة منك على نفسك وعلى غيرك. ((وفي بضع أحدكم صدقة)) كل ما تقدم متصور عند الناس، التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه واضحة أنها صدقات، وواضحة أنها مما يبتغى بها وجه الله، لكن ماذا عن جماع الرجل امرأته؟ قال: ((وفي بضع أحدكم صدقة)) تعجب الصحابة الإنسان يأتي إلى ما يحتاجه ويتلذذ به ويكون له أجر، يعني إذا شرب الإنسان الماء هل يؤجر عليه؟ هل نقول: يمكن ما شربت ماء شربت خمر؟ لا يلزم، قد لا تشرب الماء، لكن لا يمكن تشرب الخمر، لكن هذه الغريزة الدافعة القوية إما صرفتها بالحلال انصرفت في حرام. ((وفي بضع أحدكم صدقة)) قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: ((أرأيتم)) يعني هذا لو شرب الماء ليتقوى به على العبادة، أكل الأكل ليتقوى به على الطاعة، نام ليستعد لوظائف اليوم اللاحق، كل هذا يؤجر عليه بالنية الصالحة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجراً)) رواه مسلم. هذا من باب القياس، قياس العكس، يعني لو أن الإنسان .. ، عندنا حلال وعندنا حرام، إذا عدل عن الحرام إلى الحلال يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- قاس الحلال بالحرام قياساً عكسياً، فإذا جامع زوجته أو أمته التي تحل له كان له أجر، قياساً عكسياً على استعمال الحرام، يعني لو أن إنساناً تعامل بالبيوع معاملات شرعية، يبيع مع الناس على وجه شرعي، وإن لم يبع معهم ويتعامل معهم على الوجه الشرعي اضطر إلى أن يتعامل بمعاملات غير شرعية من ربا وغش وخداع وغرر، فكونه ينشغل بما شرعه الله -جل وعلا- عن الحرام فيستحضر هذه النية الصالحة يؤجر عليها أجراً عظيماً، ومن أهل العلم من يقول: إنه رتب الأجر على مجرد الوطء، ما في حاجة أن تنوي به أنك تنصرف به عن الحرام، لكن إن نويت ذلك فالأجر أعظم.

((أرأيتم لو وضعها)) يعني وضع هذه النطفة أو هذه الشهوة ((في حرام أكان عليه وزر؟ )) الجواب؟ نعم عليه وزر، قال: ((فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) رواه مسلم. وهذه المسألة وهي الانشغال بالحلال عن الحرام، منه ما يحتاج إلى نية، ومنه ما لا يحتاج، فالجلوس في المسجد يؤجر عليه باعتباره عبادة، ينتظر الصلاة، يذكر الله في أشرف البقاع، لكن إذا قصد بجلوسه في المسجد الانكفاف عن المجالس وفضول الكلام، يقول: إن جلست في البيت جاءني أحد، إن رحت إلى أحد أو جيت لا نسلم من القيل والقال، فأنا أجلس في المسجد أحفظ لساني، وكثير من السلف يحفظ صيامه بالمكث في المسجد، إذا صام مكث في المسجد عن القيل والقال؛ لأن الإنسان لا بد أن يتكلم، وأن يبدر منه في كلامه شيء، فهم يحفظون، إذا استحضر هذه النية كان أجره أعظم، وإن قال: إن شهوته شديدة وقوية إذا لم يجلس في المسجد تعرض لرؤية النساء وافتتن بهن، استحضر هذه النية أيضاً يؤجر على ذلك، بخلاف ما إذا لم يخطر ذلك له على بال فإنما يؤجر على مجرد بقائه في المسجد، الأجر المقرر له، نعم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة)) رواه البخاري ومسلم.

في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل سلامى)) " المراد بذلك المفاصل التي اشتمل عليها البدن من العظام، وقدروها بثلاثمائة وستين مفصلاً –عضواً- يمكن فصله عن غيره، وهذه المفاصل وجودها في البدن من أعظم نعم الله -جل وعلا-، ومن أراد أن يتبين ذلك فلينظر إلى الضرر العظيم فيما إذا تصلب عنده مفصل، لو الأصبع الصغيرة، لا يستطيع الإنسان أن يثنيها، يتأذى به أذى لا يعرفه إلا هو، لو أن الرجل الذي يمدها ويكفها كيفما شاء ومتى أراد تصلبت، لا يستطيع أن يعطفها، تأذى بها أذى عظيماً، هذه نعم من الله -جل وعلا-، لا يقدرها ويعرف قدرها إلا من فقدها، هذه النعم تحتاج إلى شكر، شكر لله -جل وعلا- بأن تستعمل فيما يرضيه، وأن يتصدق عنها شكراً للواهب -جل وعلا-، فعلى الإنسان أن يتصدق يومياً بثلاثمائة وستين صدقة، يعني لو أن الأمر انتهى إلى هذا لصار فيه من المشقة على الناس الشيء العظيم، كثير من الناس لا يستطيع أن يتصدق، فكيف يتصدق بعدد السلامى، بعدد المفاصل، ثلاثمائة وستين صدقة، كل سلامى من الناس عليه صدقة، كيف نتصدق؟ كثير من الناس فقراء، قال: ((كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة)) تحكم بين اثنين بالعدل وتصلح بين اثنين صدقة، قد يقول قائل: متى نجد أناس متنازعين، وإذا تنازعوا لا يأتون إلينا لنصلح بينهم، يذهبون إلى المحاكم، فما يتيسر لنا مثل هذا. ((وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها)) رجل زمن مقعد، ترفعه إلى دابته وتضعه عليها، أو تجعل نفسك تكأة له يصعد على دابته بواسطتك، هذه صدقة، قد يقول قائل: أنا عمري كله ما قد صادفت واحد يقول: ارفعني على سيارتي أو على دابتي، في حلول، حلول كثيرة ولله الحمد، شرعنا ولله الحمد ما ضيق علينا، الدين يسر. ((تعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة)) امتطى الدابة وركب السيارة ونسي شيء في الأرض، قال: اعطني إياه جزاك الله خير، تعطيه إياه صدقة.

((والكلمة الطيبة صدقة)) كلمة طيبة، هذه كل يملكها، وكل يزاولها، يعني ما هي مثلما تقدم، قد لا تجد من يطلب الإعانة منك، يعني لو وجدت إنسان بحاجة إلى إعانة، صاحب سيارة ومعه أسرته في طريق ومنبشرة السيارة، هذه من أعظم الصدقات أن تعينه على إصلاحها، ما كل الناس لديه القدرة على إصلاح مثل هذا، أو تجد شخص على الطريق يشير إليك لتحمله هذه صدقة عظيمة منك عليه، شريطة أن تأمن على نفسك؛ لأنه كثر من يقطع مثل هذه الأمور بسبب سوء تصرفاته، يشير إلى الناس في الطريق ثم إذا ركب مع أحد أجبره على أن يحيد عن الطريق يميناً أو شمالاً، وأخذ ما معه من مال، وقد يقتله، وقد يتعرض له بالأذى، فإذا غلب على ظنك أن هذا الشخص صادق في أنه يريد أن يحمل إلى البلد الفلاني أو المكان الفلاني هذا من أعظم الصدقات. ((الكلمة الطيبة صدقة)) سواءً كانت في تعليم أو في أمر بمعرف ونهي عن منكر، كلها كلام طيب، أو دعاء تدعو له وتسلم عليه، كل هذا كلام طيب {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [(10) سورة فاطر]. ((والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة)) تصور كم بين بيتك وبين المسجد؟ كل خطوة ترفع خطوة حسنة، تضع الرجل الأخرى حسنة، فضل الله واسع، وبعض الناس يحرص على أن يكون البيت قريباً من المسجد، نعم هذا يعينه على الصلاة في المسجد، وقد يتثاقل إذا كان بيته بعيداًَ عن المسجد، لكن إذا عرف الإنسان أن بكل خطوة حسنة وصدقة فإنه يهون عليه الأمر، ولذا لما أراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى جوار المسجد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم)) الزموا دياركم ولو كانت بعيدة، نعم الناس ضعف عندهم إرادة الخير الوارد في مثل هذا النص، فتجده إذا أراد أن يخرج لصلاة الظهر إلى المسجد وبيته خطوات، حسب لها ألف حساب، في الصيف مثلاً الشمس حارة، والكسل عام، فتجده يحسب حساب، يمكن البيت عن المسجد مائة متر، ويتأول لنفسه يقول: هذه مشقة عظيمة، ليست مشقة، إذا تصورت الأجر المرتب على ذلك والإثم الناشئ عن ترك الصلاة في المسجد مع الجماعة، إذا تصورت ذلك هان عليك هذا الأمر، والله المستعان.

((والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة)) جاء في الجمعة: ((من بكر وابتكر، وغسل واغتسل، ومشى ولم يركب، ودنى واستمع من الإمام وأنصت كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها)) لكن كم ممن يسمع مثل هذا الخبر وكأنه خبر جريدة، لا يؤثر فيه شيئاً، لا يبكر، يأتي قرب دخول الإمام، أو بعد دخول الإمام، وتجده من العجلة لا يغتسل ولا يغسل، وتجده يركب ولا يمشي، ويكون بعيداً عن الإمام، وقد لا يوفق للإنصات، وهو يسمع هذا الأجر العظيم، مع أن الحديث فيه كلام لأهل العلم، لكن بعضهم أثبته، أجر سنة صيامها وقيامها، كل خطوة، والخير موجود في أمة محمد إلى قيام الساعة. نعرف من الشباب من يبعد عن المسجد كيلوات، في أقصى البلد، ويقصد إلى مسجد تصلى فيه على الجنائز، وهذا مقصد حسن، كونه يتجاوز عشرة جوامع إلى هذا الجامع من أجل أن يصلي على الجنائز هذا مقصد شرعي، بكل جنازة قيراط، ويمشي، يتجهز من طلوع الشمس، هو جلس في مسجده الذي صلى فيه الصبح إلى أن ارتفعت الشمس، ثم تجهز لصلاة الجمعة، ومشى ساعة أو ساعتين، كم خطوة في هذا؟ والذهاب والإياب حسابهما سواء، فلا يركب لا في ذهابه ولا في إيابه، أجور عظيمة، والموفق من وفقه الله، ويسر عليه هذا الأمر، وإلا فهو شاق، وتجد كثير من الناس بما في ذلك بعض من ينتسب إلى العلم تجده إنما يحضر إلى الجمعة راكباً مع الإمام أو قبيل الإمام، هذا حرمان بلا شك. ((وتميط الأذى عن الطريق صدقة)) إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، وهي صدقة منك على نفسك، حيث تصدقت عليها، وأيضاً صدقة منك على غيرك الذي قد يتأذى بهذا الأذى، والله المستعان. سم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس)) رواه مسلم.

وعن وابصة بن معبد -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((جئت تسأل عن البر والإثم؟ )) قلت: نعم، قال: ((استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك)) حديث حسن، رويناه في مسندي الإمام أحمد والدارمي بإسناد حسن. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السابع والعشرين: عن النواس بن سمعان -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البر حسن الخلق)) وجاء تفسير البر في آية البقرة {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} [(177) سورة البقرة] يعني جاء تفسيره في القرآن غير التفسير المذكور هنا، فالبر يشتمل على أشياء كثيرة، البر اسم جامع لكل خصال الخير بدأ من الإيمان بالله وبقية أركان الإيمان، وجميع شرائع الإسلام كلها بر، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- حصر البر هنا بحسن الخلق، وحسن الخلق أشمل من أن يكون في التعامل مع المخلوق، فتتلقى الشرائع الإلهية والأوامر والنواهي بصدر رحب، لا مع ضيق النفس، لا مع تأفف، لا مع تذمر، فحسن الخلق يشمل جميع المعاملات، معاملة الإنسان مع ربه، معاملة الإنسان مع نفسه، معاملته مع غيره، حسن الخلق، وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق. ((البر حسن الخلق)) هذا أسلوب حصر، تعريف جزئي الجملة يدل على الحصر، والحصر هنا إضافي للاهتمام بشأن ما حصر فيه المسند إليه، ليس بحصر حقيقي؛ لأن البر يكون بشرائع من شرائع الإسلام غير حسن الخلق، وإن كان حسن الخلق يمكن أن يدخل في جميع شرائع الإسلام، لكن مع ذلك هذا الحصر إضافي {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [(144) سورة آل عمران] هو رسول -عليه الصلاة والسلام-، وهو أيضاً له صفات أخرى بشرية ينتابه فيها ما ينتاب البشر، وما الشاعر إلا حسان، هناك شعراء غير حسان، على كل حال يسمونه في مثل هذه الحالة حصر إضافي. ((البر حسن الخلق، والإثم)) ما يقابل البر ((ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس)) لأنه لا بد أن يكون فيه شيء، إذا كرهت أن يطلع عليه الناس، وتخشى أن ينكر عليك لا بد أن يكون فيه شيء.

قد يقول قائل: يكره الإنسان المخلص أن يطلع الناس على أعماله الصالحة، صلى بالليل، وصام بالنهار، وكره أن يطلع الناس عليه، ليس من هذا الباب؛ لأنه جاء فضل الإخفاء، إخفاء الصلاة، إخفاء العبادة، إخفاء الصدقة ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) مطلوب الإخفاء، ويكره أن يطلع عليه الناس؛ لئلا يخدش إخلاصه، فإذا كان خوفه من اطلاع الناس على عمله أن يتأثر في إخلاصه، وأن ينتابه شيء من الشرك الخفي، فإن هذا شر، لكن إذا خشي أن يطلع الناس على عمله لئلا ينكروا عليه فهو المراد هنا: ((وكرهت أن يطلع عليه الناس)). أحياناً يكون العمل صالح، والأفضل أن يخفيه عن الناس؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص، قد يكون الأفضل له أن يظهره للناس من أجل أن يقتدى به، عمل صالح يقتدى به، فيكون له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، وصلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة، وقد تكون في المسجد أفضل منها في البيت إذا رأى الناس يتساهلون في النوافل أو يتهمونه بأنه لا يصلي النوافل وهو ممن يقتدى به، إذا أظهر ذلك أحياناً كان أفضل، يكون في حقه أفضل.

((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)) هذا الحديث حسن مخرج في سنن أبي داود وغيره ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)) هل المراد بالجاهر والمسر الذي يقرأ عند الناس في المسجد، يقرأ بين الناس إما برفع صوت أو بخفض صوت، أو أن يقرأ بين الناس في المسجد أو يقرأ في بيته؟ الجهر والإسرار كما يكون في الصوت يكون أيضاً في الظهور والخفاء، والمطابقة إنما تتم بين الجهر والإسرار بالقرآن، مع الجهر والإسرار بالصدقة أن تكون القراءة على الملأ، أو في الخلوة؛ لأنه لا يتصور أن يتصدق بصوت أو بعدم صوت، إنما يتصدق والناس ينظرون إليه، أو يتصدق فيخفي صدقته عن الناس، ومثل هذا قراءة القرآن، إذا قرأ بين الناس ولو أسر بصوته صار حكمه حكم المعلن بالصدقة، لكن قد يعتري رفع الصوت بالقرآن بين الناس ما يعتريه بخلاف الإسرار بالقراءة ولو كانت بين الناس؛ لأنه إذا قرأ بصوت يستحسنه الناس ويمدحونه به، ويثنون عليه، قد يتأثر بهذا المدح بخلاف ما إذا قرأ سراً، لا سيما إذا كان هناك من يتشوش بقراءته، فلا شك أن الإسرار أفضل. ((وكرهت أن يطلع عليه الناس)) رواه مسلم. "وعن وابصة بن معبد -رضي الله تعالى عنه- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فبادره النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخبره عما في نفسه؛ لأن الله -جل وعلا- أطلع نبيه على ما في نفسه، أو يكون بلغه بواسطة شخص تحدث إليه الواسطة، وإلا فما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب، النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم الغيب، لا يعلم الغيب إلا الله -جل وعلا-. قال: ((جئت تسأل عن البر؟ )) قلت: نعم، قال: ((استفت قلبك)) القلب السليم يدرك البر والإثم، القلب السليم لا القلوب المدخولة المنحرفة والفطر المتغيرة لا، هذا لا تدرك بذاتها.

((استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب)) إذا كنت ترتاح لهذا العمل وأنت قلبك سليم، وفطرتك مستقيمة ما اجتالتك الشياطين فالبر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب ((والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر)) يعني سألت عن حكم مسألة وارتحت واطمأن قلبك إلى جواب من أفتاك هذا البر، لكن إذا كنت سألت هذا العالم وأفتاك بكلام لم ترتح له، لا سيما إذا كان يوافق هواك، ارتكبت شيئاً في حج أو عمرة ثم سألت من تثق بعلمه، وقال: ما عليك شيء، وأنت ما زال في قلبك شيء، احتمال أن يكون عليك دم، فأنت إذا ترددت في هذا اسأل غيره، اسأل غير هذا العالم لتطمئن، فإذا أفتاك ثاني خلاص انتهت المشكلة، وأما إذا أفتاك بما يخالف هواك الأول قال: عليك دم، تقول: والله أنا ما أنا مرتاح لهذا الجواب، ليش ما أنت مرتاح؟ لأنه لا يوافق هواك، لا لأن صدرك مرتاح وقلبك مطمئن، فمثل هذا الذي يغلب على الظن أنك تبحث عن رخص. ((والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك)) يعني مهما أفتوك وأنت في تردد من هذا، فلو قدر أن شخصاً على مذهب لا يرى أكل مثل هذا الحيوان، ثم ذهب يستفتي من يرى حل هذا الحيوان، بيرتاح لهذه الفتوى وإلا ما يرتاح؟ حنبلي سأل شافعي مثلاً أو مالكي عن الثعلب يؤكل وإلا ما يؤكل؟ قال: يؤكل، هذا السائل بيرتاح لهذه الفتوى؟ إلا لهوى في نفسه، هو محتاج للأكل، قد يكون محتاج للأكل فيوافق هواه، حينئذٍ لا يرتاح، وإن أفتاه من أفتاه، لو أفتاه الإمام الشافعي برأسه، والإمام مالك نجم السنن، فإنه حينئذٍ لا يرتاح؛ لأنه شب على كراهية مثل هذا اللحم أو تحريم هذا اللحم. ((وإن أفتاك الناس وأفتوك)) حديث حسن، رويناه، وعلى اصطلاح ابن الصلاح يقول: "رويّناه في مسندي الإمامين أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن. والحديث فيه انقطاع، ولكن له شواهد، شواهد منها حديث النواس بن سمعان الذي قبله.

رويّناه في مسندي الإمامين أحمد، المسند يطلق ويراد به الكتاب الذي تروى فيه الأحاديث بالأسانيد، والبخاري الجامع الصحيح المسند؛ لأنه تروى فيه الأحاديث بالأسانيد، والاصطلاح عند أهل العلم الذي استقر عليه أن المسند ما رتبت فيه الأحاديث على مسانيد الصحابة، كمسند أحمد، الدارمي له مسند مرتب على المسانيد أشار إليه الخطيب البغدادي في ترجمته من تاريخ بغداد، وأما المشهور المستفيض بين يدي الناس هو الذي يخرج منه، فهو سنن، على الأبواب، وليس بمسند، اللهم إلا على الاصطلاح الأول القديم، الذي يسمى فيه البخاري مسند، تروى فيه الأحاديث بالأسانيد: ودونها في رتبة ما جعلا ... كمسند الطيالسي وأحمدا على المسانيد فيدعى الجفلا ... وعده للدارمي انتقدا ابن الصلاح عد الدارمي في المسانيد، مع أنه مرتب على الأبواب انتقد ابن الصلاح في هذا، اللهم إلا إذا كان يريد المسند الذي أشار إليه الخطيب، وهنا ذكر الدارمي باسم المسند، وقال: في مسندي الإمامين أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن. سم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ... الذي يليه، عن أبي نجيح، الذي بعده. عن أبي نجيح العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. في الحديث الثامن والعشرين يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن أبي نجيح العرباض بن سارية -رضي الله تعالى عنه- قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وعظنا ذكرنا بالقرآن، وبشيء من كلامه الموحى إليه من سنته -عليه الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وعظهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وذكرهم وخوفهم وأنذرهم وبشرهم، وأمرهم ونهاهم، وعظهم موعظة، يعني عظيمة مؤثرة، وجلت منها القلوب، خافت منها القلوب، لا سيما وأنها صادرة ممن لا ينطق عن الهوى، من أنصح الناس للناس، وأشفقهم عليهم، لا شك أن الموعظة إذا خرجت من قلب سليم ناصح أنها تؤثر. "موعظة وجلت منها القلوب" خافت خوفاً شديداً "وذرفت منها العيون" فاضت منها الدموع نتيجةً لهذا الخوف وهذا الوجل "فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع" يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- إذا خطبهم في الجمعة كأنه منذر جيش، اعتلى صوته، ويحمر وجهه -عليه الصلاة والسلام- كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، ليؤثر في خطبته -عليه الصلاة والسلام-، وهنا وعظهم موعظة، وذكرهم وخوفهم بهذه الموعظة المؤثرة التي ترتبت عليها آثارها، ونحن نسمع المواعظ، نسمع القرآن الذي جاء الأمر بالتذكير به، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] نسمع القرآن بأعذب الأصوات ومع ذلك لا نتأثر لقساوة في القلوب، وجفاف في الدموع والأعين، والسبب في ذلك الران الذي غطى على القلوب من المكاسب والمطاعم وغيرها. "كأنها موعظة مودع" كأنهم رأوا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء بكل ما عنده، كأنه لا يريد أن يلقاهم بعد هذه الموعظة.

"كأنها موعظة مودع فأوصنا" يعني تصوروا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد هذه الموعظة خلاص أدى كل ما عليه "فأوصنا، قال: ((أوصيكم بتقوى الله -عز وجل-)) " هذه وصية الله -جل وعلا- للأولين والآخرين، وسبق أنه أوصى من طلب منه الوصية بألا يغضب، فكل إنسان يوصى بما يليق به، إذا ظهرت على الإنسان شيء من المخالفات يوصيه بترك هذه المخالفات، فقال له: أوصني، أوصاه بما يظهر عليه من المخالفات، إذا رأى منه فتور في الطاعات أوصاه بالمبادرة إذا رأى عليه فتوراً في طلب العلم أوصاه بالاهتمام بالعلم، وغير ذلك كل يوصى بما يناسبه، لكن إذا كان طالب الوصية مجموعة، كل واحد منهم قد يحتاج إلى ما لا يحتاجه غيره، الجامع ذلك تقوى الله، التي هي وصية الله للأولين والآخرين.

((أوصيكم بتقوى الله -عز وجل-)) نظير ما يحصل منه -عليه الصلاة والسلام- من توجيه إما لأفراد، وإما لجماعات، حينما يخطب الجميع يحمر وجهه، ويعلو صوته، لكن إذا خاطب شخصاً واحداً يريد أن يوجهه وينكر عليه يختلف الأمر؛ لأن توجيه الخطاب إلى المجموع يختلف أثره عن توجيه الخطاب إلى الواحد، يعني إذا ارتفع صوته -عليه الصلاة والسلام-، واشتد غضبه، العادة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ينكر برفق، الأعرابي الذي بال في المسجد قال: ((دعوه، لا تزرموه)) يعني اتركوه، لما أراد الصحابة أن يوقعوا به، وشدوا عليه الكلام، قال: ((دعوه)) الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، لكن كل واحد من الحاضرين حينما يخطب النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه القوة وبهذه الشدة كل واحد من الحاضرين يقول: لست أنا المقصود، فيخف الأمر، لكن لو واجه شخص بعينه بقوة هذا خلاف الهدي النبوي، ولا يمنع أن يخطب الإنسان ويذكر بعض المنكرات الشائعة، ويشدد في إنكارها، ويرفع صوته في إنكارها؛ لأنه لا يخاطب شخص بعينه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما بال أقوام)) ويشدد، لكن لو واجه الشخص الذي فعل تجده يلطف به ويترفق به؛ لأن هذا أجدى وأدعى للقبول، ففرق بين هذا وهذا؛ لأن بعض الناس يقول: كيف النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب اشتد غضبه، وارتفع صوته، واحمر وجهه، وهو يقول: دعوه دعوه، يعني هذا اضطراب، نقول: لا، خطاب المجموع يختلف عن خطاب الأفراد، المجموع أنت لا تخاطب شخص بعينه، كل واحد من الحاضرين يقول: لعله لا يقصدني، فيخف الأمر، بينما إذا واجه شخصاً بعينه، نعم قد يغضب لغضب الله -عليه الصلاة والسلام- لكنه لا ينتقم لنفسه، والإنسان إذا أسدي له نصيحة برفق ولين، ثم بعد ذلك مرة ثانية ثم ثالثة لا مانع أن ينكر عليه بقوة، وأن يؤطر على الحق فيما بعد ذلك؛ لأنه في الحقيقة إنسان لا يستحق مثل هذا اللين.

((أوصيكم بتقوى الله -عز وجل-، والسمع والطاعة)) يعني لولي الأمر، ((وإن تأمر عليكم عبد)) وجاء في بعض الروايات: ((عبد حبشي رأسه كأنه زبيبة)) قد يقول قائل: تأمر، كيف يتأمر والأئمة من قريش؟ فهذا محمول على من دون الإمام الأعظم، أو الإمام الأعظم إذا تولى بالقوة والقهر والغلبة واستتب له الأمر فإنه لا يجوز الخروج عنه، وأما في حال الاختيار فالأئمة من قريش. ((وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم)) ممن تطول به الحياة ((فسيرى اختلافاً كثيراً)) يعني في عهد عثمان -رضي الله عنه- وجد هذا الخلاف، لما كسر الباب بقتل عمر -رضي الله تعالى عنه- وجد الاختلاف، وتغير الناس، تغيرت القلوب، وحوصر الخليفة في داره، وقتل في قعر داره، وهو يقرأ القرآن صائماً، بين المهاجرين والأنصار، وأي فتنة أعظم من هذه؟ والعهد ما بالعهد من قدم، العهد قريب، والله المستعان. فإنه من دلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-، ومن أعلام النبوة أنه أخبر بما سيحدث. ((فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)) والحل؟ ((عليكم بسنتي)) ((إنها ستكون فتن)) قلنا: يا رسول الله وما المخرج؟ قال: ((كتاب الله)) فالاعتصام بالكتاب وبالسنة كما في هذا الحديث هو الكفيل بإذن الله -جل وعلا- بالخروج خروج الإنسان المسلم سالماً من آثار هذه الفتن.

((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)) الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)) فسنتهم سنة بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، إذا لم تعارض أقوالهم أو أقوال بعضهم ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإلا فالعبرة بسنته -عليه الصلاة والسلام-، ثم إذا لم يوجد في الباب من سنته ما يستدل به يعمل بعمل الخلفاء الراشدين، ولذلك تقبلت الأمة الأذان الأول ليوم الجمعة ولا يوجد له أصل يدل عليه في هذا الوقت إلا فعل عثمان -رضي الله عنه-، وإن كان تكرار الأذان بالنسبة لصلاة الصبح كان يؤذن بلال ويؤذن ابن أم مكتوم، لصلاة الصبح لا مانع من أن يكون لها أذانين، ولها أصل من سنته -عليه الصلاة والسلام-، أما بالنسبة للأذان الأول يوم الجمعة فهذا لا أصل له إلا من فعل عثمان، ويندرج بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ)) يعني تمسكوا بها تمسكاً قوياً شديداً، لا يتزلزل ولا يتزحزح، بحيث لو كانت هذه السنة أمراً محسوساً فأطبقوا عليه بنواجذكم أقصى الأضراس.

((عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم) تحذير ((ومحدثات الأمور)) أحذروا محدثات الأمور، يعني أمور الدين، ما يستحدث ويبتدع في الدين احذروه، ((فإن كل بدعة ضلالة)) كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وجاء عند النسائي: ((وكل ضلالة في النار)) كل بدعة ضلالة، هذا التعميم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أهل العلم –مع وجود هذا النص الكلي العام الذي يشمل جميع المحدثات في الدين وأنها ضلالة وأن الضلالة في النار- يقول بعضهم: إن هناك بدع حسنة، بدع سيئة وبدع حسنة، منهم من يقول: هناك بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع ... إلى آخره، هذا التقسيم للبدع مخترع مبتدع، يعني قال به بعض أهل العلم، قسم البدعة إلى الأحكام التكليفية الخمسة بعض العلماء، العز بن عبد السلام والنووي وابن حجر، وجمع من أهل العلم، لكن العبرة بالتعميم في قوله: ((كل بدعة ضلالة)) كيف يقول: ((كل بدعة ضلالة)) وأنت نقول: بدعة واجبة؟ فإما أن يكون العمل بدعة فيكون ضلالة، أو يكون واجباً فلا يكون بدعة، يعني هذا تناقض. الشاطبي في الاعتصام رد هذا التقسيم وأبطله، وقوض دعائمه، وقال: هذا تناقض ومعارضة لما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مردود على قائله.

قد يستدلون بـ ((من سن سنة حسنة)) وقول عمر: "نعمت البدعة هذه" فأثنى عليها وسماها بدعة، من سن في الإسلام سنة حسنة معناها أنه بادر إلى العمل بها ولها أصل، كالصدقة مثلاً، سن في الإسلام سنة حسنة، لو قدر أنه في بلد من البلدان لا يوجد مدارس تعلم العلم الشرعي، أو تحفظ القرآن الكريم، ثم بادر إنسان فأنشأ مدرسة، نقول: هذا سن في الإسلام سنة حسنة؛ لأنه أحيا هذه السنة، وبادر إلى العمل بها، وهي في الأصل سنة مشروعة بدليل شرعي، وأما قول عمر: "نعمت البدعة" يعني صلاة التراويح حينما جمعهم على إمام واحد، فهي في الحقيقة ليست بدعة لا لغوية كما يقول شيخ الإسلام، ولا شرعية كما يقول بعضهم: والبدعة بدعة ولو كانت من عمر، لا، هي ليست ببدعة، لكن عمر سماها بدعة من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، يعني كأن قائل قال: ابتدعت يا عمر؟ فقال: نعمت البدعة، يعني إذا كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، وإلا فليست ببدعة؛ لأنها عملت على مثال سابق، صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه ليلتين أو ثلاث ثم تركها، لا نسخاً لها ولا عدولاً عنها، وإنما خشية أن تفرض. ((فإن كل بدعة ضلالة)) وتتمة الحديث عند النسائي: ((وكل ضلالة في النار)) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. نعم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-:

عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: ((لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)) ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] ... حتى بلغ: {يَعْمَلُونَ} [(17) سورة السجدة] ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ )) قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)) ثم قال: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ )) فقلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: ((كف عليك هذا)) قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ((ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن معاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار. هذه أسئلة الصحابة -رضوان الله عليهم- لحرصهم على الخير؛ ولأن الدين رأس المال عندهم، وما عداه يأتي تبعاً، تجد أسئلتهم حول هذا، حول الدين، وما ينفعهم في آخرتهم، وتجد أسئلة كثير من الناس اليوم عن التجارة الرابحة في الدنيا، في العمل المربح، في المشاريع المجدية، لا مانع من ذلك، لكنه ليس هو الهدف، وليس هو القصد الأول والآخر كما هو شغل كثير من الناس {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] لكن يبقى أن الأصل أن الإنسان خُلق لتحقيق العبودية. "أخبرني بعمل يدخلني الجنة" هذا هدف، العمل مما يتحقق به الهدف وهو العبودية لله -جل وعلا-. "أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار" أدخل الجنة، زحزح عن النار هذا الفائز الحقيقي، هذا هو الفائز الحقيقي.

"ويباعدني عن النار، قال: ((لقد سألت عن عظيم)) " لأن النتيجة عظيمة، فوز في الدنيا والآخرة، فهو عظيم، ((وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه)) يسير، يعني تجد الإنسان يعمر مائة سنة، ويتردد على المساجد، ويصوم الفرض وما تيسر له من نفل، ومائة سنة على هذه الطريقة وعلى هذه .. ، لا يمل ولا يكل، ويتصدق، ويضرب بأبواب الخير من كل باب بسهم وافر، الملل جبلي بالنسبة للمخلوقين، لكن هذا الأمر يسره الله عليه، يجد الإنسان من نفسه في بعض الأحيان فتور، لكن بعض الناس أمره سهل، مجرد ما يسمع الأذان يلقي ما في يده ويقوم، وفي أول عمره وآخره وأثنائه سواء، ما يتردد إذا سمع الداعي، حي على الصلاة، حي على الفلاح، ذكر عن بعض السلف أنه مكث أربعين سنة ما أذن إلا وهو في المسجد، وتوفي شخص قبل شهرين ذكر ولده الكبير أنه منذ أربعة وأربعين عاماً يقوم الليل في الحادية عشرة والنصف، صيفاً وشتاءً، ما أخل بذلك ولا ليلة، هذا يسر الله عليه هذا الأمر. القرآن بعض الناس يمر به اليوم واليومين والثلاثة ما فتح المصحف، وبعض الناس يسر الله عليه {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] يعني ما يؤتى على فرغة، وعلى شيء من الغفلة لا، مع تذكر ومع اهتمام وهمة، فإذا اختط الإنسان لنفسه برنامجاًَ لعبادته فإنه يسير عليه بكل هدوء وكل راحة، ويثبت عليه، يثبته الله -جل وعلا- عليه، أما أن يترك المجال، إن جاء إلى المسجد قبل الإقامة فتح المصحف وإلا فلا، هذا لا يقرأ المصحف، ولا ييسر عليه القرآن في الغالب، وتجده يفرح أن يجد من يحدثه بعد أداء السنة، أسهل عليه من أن يقرأ القرآن، لكن إذا كان له نصيب محدد من القرآن، وليكن جزء واحد أو جزأين أو ثلاثة أو أربعة، ومن السهل أن يقرأ القرآن في سبع، إذا حدد هذا النصيب لا بد أن يقرأه على أي حال، ولا يجد مع ذلك أي كلفة أو أي مشقة، ولا يعوقه عن ذلك عن أي مصلحة لا دينية ولا دنيوية ((وإنه ليسير لمن يسره الله عليه)). ((تعبد الله لا تشرك به شيئاً)) هذا الشرك نسأل الله العافية أعظم ذنب يعصى به الله -جل وعلا-، ولا يصح معه أي عمل، فلا بد من تحقيق التوحيد ونفي الشرك.

((وتقيم الصلاة)) التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام ((وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)) الأركان الخمسة لا بد منها، فالركن الأول الذي لا يحققه ليس بمسلم اتفاقاً، والركن الثاني القول المرجح عند أهل التحقيق وهو المنقول عن الصحابة أن من لا يصلي كافر كفر أكبر مخرج عن الملة، والثالث والرابع والخامس يعني غير الثلاثة من الأركان العملية القول بكفر تارك واحد منها قول معروف عند المالكية، ورواية عند الحنابلة، والجمهور على أنه لا يكفر، لكنه على خطر عظيم. "ثم قال: ((ألا أدلك على أبواب الخير؟ )) " أبواب الخير كثيرة جداً ((الصوم جنة)) جنة: درع واقٍ يقيك بإذن الله إذا حققته، مما يضرك في دينك ودنياك. ((الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة)) الصدقة الواجبة والمستحبة تطفئ الخطيئة؛ لأن الخطايا لها حرارة في القلب، ولذا في دعاء الاستفتاح: ((اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد)) بما يبرد هذه الذنوب وهذه الخطايا. ((والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل)) يعني يطفئ الخطيئة، معطوف على الصدقة ((وصلاة الرجل في جوف الليل)) ثم تلا -عليه الصلاة والسلام-: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] في سورة؟ السجدة، وجاء الحث على قيام الليل، وهو دأب الصالحين من قبلنا، وقام النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، و ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، بادر بالامتثال، وفي آية الزمر ما يدل على أنه –أعني قيام الليل- من سمات أهل العلم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] بعد إيش؟ {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ} [(9) سورة الزمر] هذه سمة أهل العلم، مما يدل على أن الذي لا يقوم الليل، وإن كان عنده شيء من العلم فإنه لا يستحق ذلك، لا يستحق هذا الوصف.

"ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ )) " ألا، تنبيه ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ )) قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام)) يعني تستسلم لله -جل وعلا- في جميع أمورك، وتسلم قيادك لله، لأوامره ونواهيه، هذا رأس الأمر، ((وعموده الصلاة)) أعظم أركانه العملية، ((وذروة سنامه الجهاد)) لأنه هو الذي يرتفع به شأن الأمة، وإذا تركت الجهاد ورضيت بالدنيا، ضرب عليها الذل الذي لا يرفع إلا بمعاودة هذا الأمر. "ثم قال: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ )) قلت: بلى يا رسول الله" الذي يجمع هذه الأمور كلها "قلت: بلى يا رسول الله" فأخذ بلسانه، بلسان نفسه؛ لئلا ينسى معاذ؛ لأنه لو أخبره مجرد خبر قد ينساه، لكن إذا تصور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمسك بلسان نفسه فإنه لن ينسى هذا الموقف، فأخذ بلسانه "وقال: ((كف عليك هذا)) قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ " يعني كثير من الناس لا يفتر عن القيل والقال، كأنه لا يدري أنه يحاسب على هذا الكلام، ولذا استبعد "وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ)) " يعني فقدتك، وهذا الدعاء يجري على اللسان من غير قصد، وهذا كثير في كلام العرب. ((ثكلتك أمك، وهل يكب الناس)) يلقيهم ((في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)) أو قال، يعني شك، هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام- على وجوههم، أو قال: على مناخرهم؟ والمناخر جزء من الوجه ((إلا حصائد ألسنتهم)) يعني ما يحصدونه من جراء ما يتكلمون به. "رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح". سم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها)) حديث حسن رواه الدارقطني وغيره. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثلاثين:

"عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر" العرب كانوا لا يهتمون ولا يحتاطون في الأسماء، ولا يكترثون لها، هذا اسمه جرثوم بن ناشر -رضي الله تعالى عنه-، يقولون: الآن هذه الأسماء بعضهم يلحظ ملحظ أن العدو إذا سمع مثل هذا الاسم الخشن يخاف "جرثوم بن ناشر -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله تعالى فرض فرائض)) " وما زال الأعراب على هذا، يسمون أسماء قريبة من هذا، بل عندهم ما هو شر من هذا، أو أشد منه. "عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله تعالى فرض فرائض)) " فرض فرائض، أوجب واجبات ((فلا تضيعوها)) التزموا بها، واعملوها، وحافظوا عليها، ولا تفرطوا فيها ((وحد حدوداً)) حرم محرمات ((فلا تعتدوها)) وأيضاً وضع أشياء محددة عقوبات على بعض المحرمات فلا تجوز الزيادة عليها، ((وحرم أشياء)) منعكم من أشياء، ورتب عليها الإثم، وقد يرتب عليها الحد فلا تنتهكوها، الحلال بين، والحرام بين، الواجب لا بد من العمل به، ويأثم تاركه، والمحرم لا بد من تركه، ويأثم فاعله، وسكت عن أشياء، ما عدا ذلك، ما نص على وجوبه، وما نص على تحريمه، وما جاء الشرع بطلبه، وما جاء الشرع بالكف عنه، كل هذا معروف ومقرر بالأدلة، وما عدا ذلك تركها وسكت عنها رحمة لكم، رحمة بعباده، فيبقى ما عداها على الأصل وهو الإباحة ((فلا تسألوا عنها)) فلا تبحثوا عنها، تنقروا عنها، تأتي في شيء لا نص فيه تسأل عنه، لا سيما في وقت التنزيل الذي قد ينزل نص بمنعه، وأشد الناس جرماً في المسلمين من سأل عن شيء فحرم من أجله. ((وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها)) لكن ما حرمه الله لا بد أن يجتنب، وما أمر به لا بد أن يفعل ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)) وقد تقدم، وما سكت عنه -جل وعلا- فلا تبحثوا عنه؛ لأنه لا يسكت عنه نسيان؛ لأن المخلوق قد يذكر أشياء، ثم ينسى أشياء يتأكد منها، هل هي مطلوبة أو غير مطلوبة؟ لكن الله -جل وعلا- ما سكت عنه فإنه إنما سكت عنه رحمة بعباده وخلقه، فليس نسياناً لها، فمثل هذه لا يبحث عنها، وإن كان تركها احتياطاً هو صنيع كثير من السلف، ترك كثير من الأمور التي ليس فيها نص، بل كثير من المباحات التي جاء النص بإباحتها احتياطاً وسياجاً لئلا يرتكب ما منع الإنسان منه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح الأربعين النووية (14)

بسم الله الرحمن الرحيم شرح الأربعين النووية (14) شرح الأحاديث: (32 - 42) الشيخ: عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين والحاضرين. قال الإمام النووي -عليه رحمة الله-: عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ فقال: ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)) رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الحادي والثلاثين ... هذا سؤال متعلق بالحديث السابق. يقول: الحديث الماضي: ((وسكت عن أشياء رحمةً بكم)) هل يؤخذ منه إثبات صفة السكوت؟ نعم؛ لأن الله -جل وعلا- يتكلم في الأزل، ويتكلم متى شاء إذا شاء، من لازم ذلك أنه يسكت، والحديث أيضاً: ((وسكت عن أشياء)) ففي هذا إثبات السكوت لله -جل وعلا-. الحديث الذي يليه قوله: "عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله" هذه اهتمامات الصحابة، يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يقربه إلى الله، كما مضى نظائره في أسئلة قريبة من هذا "دلني على عمل إذا عملته أحبني الله" لأن كون العبد يحب الله -جل وعلا- هذا فرض من فرائض الدين، والعبادة لا تكون إلا مع الحب والتعظيم. عبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده. . . . . . . . .

مع الذل والتعظيم لله -جل وعلا-، فكون العبد يحب الله -جل وعلا-، ويحب رسوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه ... )) الحديث، هذا من فرائض الدين، لا يستقيم دين الإنسان إلا بهما، وكذلك يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحب إخوانه المسلمين، ويحب في الله، ويبغض في الله، لكن الشأن كله أن تُحَب، الشأن في أن تُحَب ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) كيف تحقق محبة الله لك؟ "دلني على عمل إذا عملته أحبني الله؟ " وسيأتي في حديث الولي ما فيه مزيد إيضاح -إن شاء الله تعالى-. "أحبني الله وأحبني الناس" يعني محبة الناس للشخص، ومحبة الشخص للناس لا سيما المسلم منهم هذه مطلوبة شرعاً، وكون الناس يحبونه كما دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي هريرة، هذا ييسر له أموره، أمور دينه وأمور دنياه، فلا يقول: أنا أسعى لتحقيق محبة الله -جل وعلا- ولا يهمني الناس، نعم لا يهمك الناس في بعثك على العبادة، على عبادة الله -جل وعلا-، ليكن الباعث والناهز لك على هذه العبادات هو مرضاة الله -جل وعلا-، لكن أيضاً كون الناس يحبونك، وكونك تحبهم هذه من مطالب الدين. "وأحبني الناس، فقال: ((ازهد في الدنيا يحبك الله)) " ازهد في الدنيا، وارغب في الآخرة؛ لأن من مقتضى الزهد في الدنيا مزيد الرغبة في الآخرة ازهد في الدنيا، يعني اترك القدر الزائد الذي لا تحتاجه من الدنيا. ((ازهد في الدنيا)) الزهد والورع لفظان متقاربان، لكن الزهد فيما في اليد، والورع قبل أن يصل اليد، هذا المال الذي تسعى إلى كسبه كونك تتحرى في الكسب، ولا تكتسب إلا على وجه شرعي، وإذا شككت في شيء تركته، وإذا وجد في المعاملة أدنى شبهة تركتها لله -جل وعلا- هذا الورع، فإذا حصل المال في يدك كونك تتخلص من القدر الزائد يعني البلغة التي توصلك إلى تحقيق الهدف الذي من أجله خلقت هذا الزهد في الدنيا، يعني الزهد مع القدرة، لما قيل لسفيان الثوري: أنت زاهد، قال: لا، الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي في يده الدنيا، أما الذي ليس في يده الدنيا كيف يزهد؟

((ازهد في الدنيا يحبك الله)) يحبك، يعني لولا الإدغام إدغام الباء الأولى في الثانية؛ لأن يحبك الباء المشددة هذه عبارة عن بائين أولهما ساكن يحببك، والأصل أنه مجزوم جواباً للطب ازهد يحببك. ((وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)) كيف يزهد فيما عند الناس؟ يعني إذا أعرضت عن الدنيا وزهدت فيها، ورخصت في عينك في مقابل حرصك على الآخرة، وما يقربك إلى الله -جل وعلا- هذا سبب لمحبة الله -جل وعلا- لك، وأيضاً ما في أيدي الناس كون الإنسان ينظر إلى فيما أيدي الناس، ويتطلع إلى فيما أيديهم، إن رأى شيئاً يعجبه بيد أخيه قال: لو نحلتني إياه، لو أعطيتني إياه، سواءً كان بصريح العبارة أو بالتعريض، يعني ممكن يتحملك مرة مرتين، لكن يتثاقلك فيما بعد، ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس، والسؤال ثقيل على النفس، ولو كان شيئاً يسيراً. ولو سئل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل: هاتوا أن يملوا ويمنعوا فكيف إذا سئلوا ما فوق التراب؟ فإذا زهد الإنسان فيما أيدي الناس وأعرض عما في أيديهم أحبه الناس، لكن إذا كان يتشوف ويتطلع إلى ما في أيديهم أحياناً يصرح، وأحياناً يعرض، ولو كانوا من أقرب الناس إليه، فإنهم يملونه، ويكرهونه ويتثاقلونه، لكن إذا أعرض عنهم وعما في أيديهم فإنهم يحبونه. ((وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)) حديث حسن، رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة، قد تكون المفردات ليست حسنة، لكن بالمجموع يرتقي إلى درجة الحسن، نعم. وقال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ضرر ولا ضرار)) حديث حسن، رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً، ورواه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى. مرسلاً، مرسلاً عن عمرو بن يحيى. عن عمرو بن يحيى. مرسلاً عن عمرو بن يحيى. طالب: مش موجود هنا. أو عندك مرسل في الأخير؟ طالب: في الأخير. في مرسلاً في الأخير؟ طالب: إيه. لا بأس. عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً فأسقط أبا سعيد، وله طرق يقوي بعضها بعضاً.

وهذا كسابقه، يعني بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن، وفيه تعارض الوصل والإرسال، وعند ابن ماجه والدارقطني مسند، بمعنى أنه موصول، ذُكر فيه الصحابي أبو سعيد الخدري، وعند مالك مرسل، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- ما دام الدارقطني ذكره مسنداً، وهو من أشد الناس في هذا الباب، ومالك -رحمة الله عليه- لا يكترث من مسألة الوصل والإرسال؛ لأن المرسل عنده حجة، وكم من حديث في الصحيح في البخاري، وفي مسلم موصول بذكر الصحابي يرسله الإمام مالك -رحمه الله-؛ لأن المرسل عنده حجة، فالتعارض في مثل هذا، يعني إذا نظرنا من منهج من أرسل، وأن المرسل عنده حجة هان الأمر، لكن لو كان ممن يرد المرسل لقلنا: إن إرساله له شأن وله وقع، تجد الحديث في الصحيح موصول يذكر فيه الصحابي، في البخاري ومسلم، وقد يروونه من طريق مالك -رحمه الله- ويكون موصولاً، هو مالك في موطئه يسقط الصحابي؛ لأنه -رحمة الله عليه- يرى أن الإرسال لا يضر، وهنا يترجح الوصل في مثل هذه الصورة، وهذه الصورة من دقائق الصور في تعارض الوصل والإرسال، إذا عرفنا من منهج المرسل أنه يحتج بالمرسل، وأنه يكثر من الإرسال في الأحاديث التي يصلها غيره يكون الأمر سهل.

قال: "عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ضرر ولا ضرار)) " هذه قاعدة، الحديث بني عليه قاعدة من القواعد الشرعية التي ذكرها أهل العلم واهتموا بها، وفرعوا عنها، والحديث وإن اختلف في وصله وإرساله إلا أن في القرآن ما يدل عليه باللفظ، {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [(233) سورة البقرة] {أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ} [(12) سورة النساء] في مواضع من هذا النوع، فالضرر منفي ابتداءً ومكافئةً، يعني لا يبتدئ الإنسان بالضرر، ولا يجيب من ضره بالضرر؛ لئلا يسعى إلى ضرر لا ابتداءً ولا مكافئة، لا بمفرده ولا في مقابل من ضره، نعم {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] لكن لا تزد على ذلك، لك أن تنتصر لنفسك بقدر المظلمة، لكن تزيد على ذلك لا يجوز، هذا مضارة مفاعلة بين اثنين، فلا يجوز للزوج أن يضار زوجته، كما أنه لا يجوز لها أن تضاره، الحضانة للأم إذا حصل الفراق، لكن قد تسعى هذه الأم لمضارة الزوج من خلال حضانة أولاده بأن تجعل العوائق والحوائل دون رؤيته لهم، هذه مضارة، وكذلك لا يضار الزوج زوجته لا وهي في عصمته وكذلك الزوجة ولا بعد الفراق بالأولاد وغيرهم؛ لأن الزوج قد يضار الزوجة، ولذا لا يضار يحتمل أن يكون مبنياً للمعلوم، ويحتمل أن يكون مبنياً للمجهول، وإذا فك الإدغام تبين المراد، فإما أن يكون الأصل لا يضارِر والد بولده، ويحتمل أن يكون لا يضارَر من قبل الزوجة أو من قبل بعض أهلها، فالضرر منفي، الضرر منفي، ولا يجوز إيصال الضرر إلى أحد بالنسبة للمسلم ظاهر، بالنسبة لغيره إذا كان معاهداً أو ذمياً أو مستأمناً أيضاً جاءت فيه النصوص، وأما الحربي فهو بصدد أن يقتل، فالأمر فيه سهل، دمه وماله حلال، لكن ليس لكل أحد، وإن كان دمه مباحاً، وماله مباح، لكن ليس لأفراد الناس أن يتصرفوا مثل هذه التصرفات، هذه لمن ولاه الله -جل وعلا- الأمر، فالحديث فيه تحريم الضرر: ((لا ضرر)) وهو نفي يراد به النهي، والنهي إذا جاء بصيغة النفي كان أبلغ وأشد؛ لأن هذه الصورة من الشدة والبشاعة بحيث يصح نفيها عن المجتمع

الإسلامي، يعني أن الأصل أنها ما هي موجودة أصلاً فلا نحتاج إلى النهي عنها، هي منفية أصلاً، يعني لا يتصور أن المجتمع المسلم، أو مسلمين بينهم يحصل مثل هذا، كما قال بعض المغاربة بالنسبة لترك الصلاة في القرن السابع قال بعض المغاربة: إن الخلاف في كفر تارك الصلاة لفظي، وأهل العلم إنما يذكرونه من باب الإغراب في المسائل، إذ لا يتصور أن مسلماً يترك الصلاة، ما يتصور مسلم يترك الصلاة، يعني مثلما يقولون في الفرائض: توفي فلان، أو هلك هالك عن ألف جدة، يذكرونها من باب أنه لو ... ، كثير من المسائل التي يفترضونها مستحيلة الوقوع، وبعضها نادر الوقوع، ومن ذلك ترك الصلاة على قول هذا العالم المغربي، وهذا لا شك أنه نابع من طيبه وطيبة قلبه وسلامة مجتمعه، يعني ما سمع أن أحد يترك الصلاة، مسلم يترك الصلاة؟ ويش بقي له؟ كيف يدعي الإسلام وهو يترك الصلاة؟! وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، لكن خلوه يشوف عصرنا ويش لون، ينازع في كفر تارك الصلاة ثم يترك الصلاة، يعني ما كفر، وقد يكون ممن ينتسب إلى العلم، أما مسألة التهاون بالجماعة، مسألة التهاون بالوقت، ووجد في بيوت المسلمين من لا يصلي ألبتة، -نسأل الله السلامة والعافية-، وقبل أن تفتح الدنيا، وتبسط على الناس، ويكثر اختلاط المسلمين بغيرهم ما كان يتصور مثل هذا، وكانت الفتوى على طرد الولد من البيت إذا تساهل في الصلاة، يسأل يقول: أوقظه لصلاة الفجر ثم إذا جئت إذا به في فراشه، هذا ما يترك الصلاة، لكن يتكاسل، قال: هذا الولد لا خير فيه اطرده من البيت، ويش بقي بعد الصلاة؟ هذا قبل ثلاثين سنة؛ لأنه إذا طرد من البيت تأدب ثم يرجع إلى بيته، الآن إذا طرد من البيت تلقفه ألف شيطان، وخشي عليه من مصائب وجرائم متعدية، فلا يفتى الإنسان بأن يطرد ولده من البيت؛ لأنه تساهل في الصلاة وتهاون، والله المستعان. ((لا ضرر ولا ضرار)) يقول: حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً، ورواه مالك في الموطأ مرسلاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسقط أبا سعيد، وله طرق يقوي بعضها بعضاً.

على كل حال الحديث بمجموع هذه الطرق يصل إلى درجة القبول، وإن لم يكن صحيحاً، لكنه حسن، واعتمده أهل العلم، وبنوا عليه قاعدة، وفرعوا لها فروع كثيرة، والوقت لا يستوعب ذكر هذه الفروع. سم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي سعيد -رضي الله عنهما- ... انتهينا من هذا. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين. وغيرُه. وغيرُه هكذا، وبعضه في الصحيحين. في الحديث الثالث والثلاثين يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم)) يعني لو كل إنسان أعطي ما يدعي، كل إنسان يدعي شيئاً يعطاه، ((لادّعى رجال)) وأيضاً نساء، ((أموال قوم ودماءهم)) ولكن هناك قاعدة شرعية للخصومات، ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)) المدعي جانبه ضعيف؛ لأنه يدعي شيئاً ليس بيده، والمدعى عليه جانبه قوي؛ لأنه يدعى عليه شيء أنه ليس له وهو بيده وفي حزته وفي ملكه وفي قبضته، فاشترط لصاحب الجانب الضعيف البينة التي هي أقوى، وطلب من المدعى عليه صاحب الجانب القوي ما لا يطلب من المدعى عليه، فجانب المدعي ضعيف يحتاج إلى من يدعمه بشهادة غيره، وجانب المدعى عليه هو الأقوى فاكتفي بيمينه ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)) لأن الأصل أن من أنكر أن الذي بيده له، فيكتفى بيمينه، يقبل قوله لكن بيمينه، لتكون هذه اليمين في مقابل الدعوة، هناك احتمال أن يكون المدعي صادق في دعواه لكن ليست لديه بينة، فجعل في مقابل هذا الاحتمال اليمين، ولا يضيره أن يحلف ولا ينقصه أن يحلف إذا كان صادقاً ((البينة على المدعي)) ((لو يعطى الناس بدعواهم)) لأن كل إنسان غرس فيه حب المال ومتع الدنيا وما يستفاد منه فيها، فتجده من باب الأثرة والاستئثار بالشيء دون الغير قد يكذب في دعواه، قد يكذب فيقول: هذا المتاع لي، وهذه الدراهم لي، وهذه الأرض لي، فلو كل من قال: هذا لي يعطى لتطاول الناس على أملاك الغير وادعوها ((لادعى رجال أموال قوم ودماءهم)) يدعي على هذا أن هذا المال له، وأن هذا قتل أباه أو أخاه، لكن القاعدة الشرعية: ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)) ادعيت هات، الدعوة لا تقبل إلا ببينة {هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} [(111) سورة البقرة] فإذا لم يجد بينة، وبينة مقبولة شرعاً لها شروط، والأصل فيها الشهادة {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ} [(282) سورة البقرة] الأصل فيها الشهادة، هذه هي البينة، ومن أهل العلم من يرى أن كل ما يبين إصابة المدعي، وأنه محق يقوم مقام الميت، ويجعلون القرائن القوية بمثابة البينة، وقرر هذا ابن القيم في الطرق الحكمية، يعني لو أن شخصاً على

رأسه عمامة وبيده عمامة، والآخر أصلع ما عليه شيء، ادعى هذا الأصلع الذي ما على رأسه شيء أن هذا أخذ عمامته، في هذه الصورة يقوى جانبه، جانب المدعي، وما جرت العادة أن الإنسان يلبس عمامة وبيده عمامة، وجرت عادة هذا الشخص أنه لا يمشي إلا بعمامة، وقل مثل هذا في اختلاف الأعراف، لو أن شخصاً جاء حاسر الرأس، وشخص على رأسه شماغ، ومعروف أن هذا ليس من عادته أن يلبس الشماغ، وليس من عادة ذاك أن يحسر الرأس، يقوى جانبه، ولو كان العكس أن هذا الذي عليه شماغ جرى عرفهم وعادتهم في بلدهم واستمر على ذلك أنه يمشي حاسر الرأس، والثاني ما جرت العادة أنه يمشي حاسر الرأس، المقصود أن القرائن القوية تنزل منزلة البينات عند ابن القيم وجمع من أهل العلم، وإلا فالأصل أن البينات محددة في كل باب من أبواب الدين، منها ما يكون بشهادة رجلين، ومنها ما يكون بشهادة أربعة، ومنها ما يكون بشهادة رجل وامرأتين، ومنها ما يقبل فيه قول المرأة، ومنها ما يقبل فيه قول الرجل إذا ادعى على زوجته وهكذا، الأمور مفصلة في باب الدعاوى والبينات من كتب العلماء، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، إذا لم يحضر المدعي البينة طلب القاضي من المدعى عليه أن يحلف، افترض أن هذا المدعى عليه نكل عن اليمين، وقال: أنا ما أحلف، حطام الدنيا كله ما يسوى عندي أن أحلف بالله -جل وعلا- ولو كنت صادقاً، من أهل العلم من يحكم عليه بالنكول، ومنهم من يرد اليمين على المدعي، ما عندك بينة ما عندك بينة، احلف يا فلان، والله ما أنا بحالف، الدنيا كلها ما تسوى اليمين، طيب ترضى بيمين صاحبك؟ خلاص يرضى، منهم من يحكم عليه بمجرد النكول، ومنهم من يقول: ترد اليمين على المدعي، والمسألة خلافية، ولا شك أن رد اليمين على المدعي أقوى من مجرد الحكم بالنكول؛ لأنها قبلت في طرف، فلما رفض هذا الطرف الذي اكتفي بها منه تحول على الثاني، مع أن الإمام مالك -رحمه الله- قال: لا أعلم أحداً قال برد اليمين، مع أن القضاة في عصره كابن أبي ليلى وابن شبرمة يقولون برد اليمين، ولا شك أن كون المدعي يحلف أسهل من كونه يأخذ ما ادعاه من غير بينة ولا يمين.

قال: "حديث حسن رواه البيهقي وغيره، وبعضه في الصحيحين" بعضه فيه الصحيح: ((البينة على من ادعى)) هذه موجودة في الصحيح، وتكملته وأوله ليس في الصحيح، وعلى كل حال للمخرج أن يقول: وأصله في الصحيح، رواه البيهقي وغيره وأصله في الصحيح، يعني أصل الحديث وجزء منه، وجزء له أثر في الحكم في الصحيح، وعلى كل حال الحديث صالح للحجة، نعم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع والثلاثين:

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) (من) من صيغ العموم تتجه إلى كل من يندرج فيها، يصح اندراجه فيها ((من رأى منكم)) فلينكر كل مسلم وكل مسلمة، كل من يرى المنكر يجب عليه أن ينكر ((فليغيره)) الآن، اللام لام الأمر (فليغيره) يعني يسعى في تغييره، وإن لم يتغير؛ لأنه مطالب ببذل السبب، والنتيجة بيد الله -جل وعلا-، تغير أو ما تغير ليس إليك، ((من رأى)) رأى: الأصل فيها البصر، وفي حكمه الخبر الصحيح، فـ (رأى) أعم من أن تكون بصرية، (رأى) تأتي بصرية وتأتي علمية، فإذا بلغه المنكر بمن يثبت بقوله الخبر بواسطة من يثبت بقوله الخبر، وبواسطة الثقة فإنه يلزمه أن يغير، ولو قلنا: إنها بصرية فقط لقلنا: إن الأعمى معفى من الأمر والنهي، لا يأمر ولا ينهى، ولوقعنا في لوازم كثيرة، لقلنا: إن الأعمى أيضاً لا يلزمه الغسل إذا احتلم، ولو خرج منه الماء؛ لأنه ما يرى الماء، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) فإذا كان أعمى، أو كانت المرأة عمياء ما يلزمها غسل إذا قلنا: إن (رأى) خاصة بالبصر، لكن إذا بلغ بطريق يقيني أنه خرج الماء يلزمه الغسل ولو كان أعمى، ولو كانت عمياء، ولو كان في ظلام دامس لا يرى يده، فإذا تحقق أنه خرج منه الماء يلزمه الغسل، وإذا تحقق أن هذا المنكر وقع يلزمه تغييره، لكن على المنكر أن يحتاط؛ لأن أساليب الكيد كثرت من بعض المغرضين، الآن يشيع أن هناك منكر ليسارع أهل الغيرة في إنكاره، ثم يقال لهم: أنتم ناس تتسرعون، ما في شيء، وينه؟ فلا بد أن نتأكد من حصوله، لا بد من أن نتأكد، ولا نأخذ بإشاعات أو أقوال متعجلين لا يتثبتون، بل لا بد من أن نتأكد، لكن إذا تأكدنا يلزمنا الإنكار، وكم من قضية افتعلت ليس لها حقيقة ولا واقع أشيعت ثم سارع بعض من سارع إلى الإنكار وفي النتيجة لا شيء، ثم بعد ذلك المصداقية تضعف، إذا أخطأ مرة مرتين قيل له: خلاص فلان متسرع، حتى لو أنكر أمراً رآه بنفسه ما قبل منه؛ لأن فلان متسرع، تؤخذ عنه هذه الصورة، فعلينا أن نتحرى ونتثبت، ونحتاط من أهل المكر والخديعة الذين يحاولون إيقاع

الأخيار في مثل هذا الشباك. ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) لا بد من التغيير، لكن عليك أن تبذل السبب، تغير أو ما تغير هذا أمره إلى الله، يغيره بيده نعم إذا كان يستطيع التغيير باليد يلزمه أن يغير باليد، ولي الأمر يستطيع أن يغير باليد فيلزمه أن يغير باليد، بدءاً من الإمام الأعظم إلى من دونه من الولاة الذين يوليهم، ويكل إليهم الإمام الأعظم أمور المسلمين، إلى أن يصل الأمر إلى الوالد والوالدة في البيت يغيرون باليد، ولا أحد يمنعهم، لا بد أن يغير المنكر باليد عند من يستطيع، بالنسبة لمن يستطيع، أما مسألة حوار وجدال، وبعض الناس يقول: ما في إشكال مكن هؤلاء الشباب بل الأطفال يقول: مكنهم من هذه الآلات التي فيها شيء من الإباحية، أو شيء من الشبهات والشهوات، ثم حاور وناقش أقنعه، يعني بعدين .. ، الآن غيرت بيدك ثم كبر، ما عليك، ما دام في ولايتك يلزمك أن تغير باليد، موجود في أساليب بعض من ينتسب إلى التربية يقول: الطفل أربع سنوات خمس سنوات يعني إنسان له حقوقه وله، أعطه ما يشاء، مكنه أعطه جوال، أعطه آلة كمبيوتر وانترنت ومكنه من كل شيء، وخله يتصرف كيفما شاء، ثم أنت عليك تراقب وتبذل له النصيحة، إيش معنى (فليغيره بيده)؟ ألغينا هذه الجملة، يعني إذا ما استطعنا أن نغير على هذا الطفل الذي ما يشتري ولا يتصرف بشيء إلا من قبلنا حتى لو افترض أن هذا الطفل وارث يغير عليه باليد، ولو كان من خالص ماله، يغير عليه باليد؛ لأنه بالمقدور هذا يستطيع أن يغير بيده، يقال: يُعطى الآلة ثم اجلس أنت معه جلسة ودية وقل على أسلوبه هو تربوي، يا بابا خذ جوالي فتش واطلع وأعطني جوالك أفتش، وإذا رأيت شيء ناقشه، عله أن يقتنع، أربع سنوات خمس سنوات، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) هذا غش الرعية، أمكنه من الشر ثم بعد ذلك أناقشه؟! والله المستعان. ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) هذا من له القدرة على التغيير باليد يلزمه أن يغير باليد، ولا يكفي اللسان؛ لأن اللسان مرحلة ثانية إنما يكون مع عدم الاستطاعة، بالنسبة للذي يستطيع لا بد أن يغير باليد.

((فإن لم يستطع فبلسانه)) {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] ما تأتي إلى محل وفيه بعض المنكرات تباع، تكسر هذه المنكرات، نقول: لا، هذا ليس إليك، إلا إذا وكل إليك الأمر صاحب الأمر، يعني وظف ولي الأمر من يتتبع هذه المنكرات ويكسرها، فأهل العلم ينصون على أن هذه المنكرات ليست بأموال محترمة فلا تضمن. ((فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع)) حتى ولا باللسان ((فبقلبه)) ينكر بقلبه، يكره هذا المنكر، ويبغض المنكر، وصاحب المنكر، ويبيت في نفسه أنه لو استطاع التغيير باللسان لغير، ولو استطاع التغيير باليد لغير، لكنه لا يستطيع يخشى على نفسه، يكتفى منه ذلك. ((فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) هل إذا لم يستطع ونزل إلى المرتبة الثالثة يضعف إيمانه بسببها، أو أن هذا أقل المراتب لهذه الشعيرة من شعائر الإيمان؟ لأنه إذا لم يستطع حكمه، وأنكر بقلبه حكمه حكم من أنكر بيده بالنسبة للمستطيع، لكن باعتبار أنه لا يستطيع لا ينقص أجره، ولا يأثم بذلك، تبرأ ذمته، وأجره ثابت، أجر المنكر، لكنه هذا أقل ما يمكن أن يؤدى، رواه مسلم. نعم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ههنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)) رواه مسلم. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الخامس والثلاثين: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا)) كل هذه الصيغ صيغ المفاعلة التي تقتضي وقوع الفعل من طرفين.

((لا تحاسدوا)) لا تحسد أخاك، ولا يحسدك أخاك، مع أنه ليس بشرط أن يقع الفعل من طرفين، ولو وقع من طرف واحد، واحد حسد أخاه يحرم عليه، لا يلزم ألا يحصل الإثم إلا بوقوعه من الطرفين كما تقتضيه الصيغة، فالمقاتلة من طرفين، لكن سافر فلان مسافرة هل هذه من طرفين؟ لا، من طرف واحد؛ لأنه قد تأتي الصيغة وتكون من طرف واحد، وإن كان الأصل فيها أن تكون بين طرفين، طارق النعل، من طرف واحد، وهنا ((لا تحاسدوا)) فإذا وقع الحسد من الطرفين كان الأمر أشد، وإذا حصل من طرف واحد حرم من جهة هذا الحاسد ((لا تحاسدوا)) والحسد الأكثر على أنه تمني زوال النعمة عن الغير، يقولون: كل ذي نعمة محسود، الذي لا يحسد الذي لا شيء عنده، كل ذي نعمة محسود، فإذا تمنى فلان من الناس زوال هذه النعمة أي نعمة كانت سواءً كانت في ماله أو في بدنه أو في ولده أو في جاهه، إذا تمنى زوال هذه النعمة هذا حسد مذموم بالإجماع، ومنهم من يقول: إن المراد بالحسد وهذا ما اختاره شيخ الإسلام كراهية حصول النعمة للغير، ولو لم يتمن زوالها، وهذا لو لم يكن فيه إلا عدم الرضا بما قدر الرحمن. وكن صابراً للفقر وادرع الرضا ... بما قدر الرحمن واشكره واحمدِ {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ} [(32) سورة الزخرف] اعتبر مثل هذا الكلام {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ} [(32) سورة الزخرف] والمعطي والمانع والنافع والضار هو الله -جل وعلا-، فأنت إذا حسدت أخاك فإنك إنما تعترض على من أعطاه هذه النعمة.

الحسد جاء فيه ((لا حسد إلا في اثنتين)) والمراد بالحسد هنا الغبطة، الغبطة تغبط أخاك بما أعطاه الله -جل وعلا- من علم أو مال أو صحة أو جاه أو وظيفة أو شرف بأي نوع من أنواع الشرف تغبطه على ذلك، وتتمنى أن لو كنت مثله من غير كراهية لما أعطاه الله -جل وعلا-، ومن غير تمن لزوال هذه النعمة منه، هذا جاء فيه ((لا حسد إلا في اثنتين)) وأما إذا تمنى زوال النعمة فهذا الحسد المذموم بالاتفاق، وما يراه شيخ الإسلام لا شك أنه يعني أحوط؛ لأنه مجرد أن تكره أن تكون هذه النعمة عند فلان لو لم يكن في ذلك إلا عدم محبتك لأخيك ما تحبه لنفسك، وأيضاً الاعتراض على ما قدر الله -جل وعلا-.

قد يوجد الحسد في النفوس وهذا كثير، وأصحاب المهن المتشاكلة المتماثلة يحصل بينهم كثير حتى مهنة العلم التي هي أشرف المهن يحصل فيها بين طلاب العلم هذه الصفة وهذه الخصلة الذميمة، وقد يحصل بين أهل العلم، لكن صاحب القلب السليم لا يحصل عنده شيء من هذا، قد يقول قائل: أنا والله جبلت على هذا، جبلت على هذا الحسد، إذا رأيت عند شخص ما ليس عندي تمنيت أن يزول عنه، بعض النفوس القلوب المدخولة يحصل عندها هذا، لكن يقول: هذا في نفسي، لا أبديه لأحد، لا أتحدث به عند أحد، ولا أعمل بمقتضى هذا الحسد، فهل يكون مثل هذا من حديث النفس الذي عفي عن الأمة ما لم تتكلم أو تعمل، ما دام في النفس ما أبداه، يتمنى أن تزول هذه النعمة، لكن ما تكلم بهذا، ولا سعى لزوال هذه النعمة، ما عمل، هل نقول: إن هذا من حديث النفس أو نقول: إن هذا هو الحسد المذموم وهو من أعمال القلب وقد تحقق وجد، من أدواء القلوب، من أمراض القلوب وقد وجد؟ الجمهور على أنه فيه النصوص ولو لم يتكلم ولو لم يعمل، ومن أهل العلم من يقول: إنه داخل في حديث النفس، وينصر هذا القول ابن الجوزي أنه ما دام ما تكلم ولا عمل، يكون مجرد حديث نفس تكرر في نفسك لست مؤاخذاً عليه، لكن القول بمقتضى هذا وإن كان يدل له الحديث حديث النفس إلا أنه قد يقتضي الاستمرار؛ لأن إذا أدخلناه في الحسد المذموم، ورتبنا عليه الوعيد الثابت في الحسد سعى الإنسان في معاجلة قلبه، وإذا قلنا: إنه داخل في حديث النفس وجائز لن يسعى في معالجة قلبه، فقول الجمهور لا شك أنه أولى وأقوى من جهة أن هذا العمل الذي تردد في النفس، نعم لو خطر على نفسك ثم طردته هذا لا يضرك، لكن كونه يتردد ويصير ديدنك هذا، كل من رأيت عنده نعمة تمنيت أن تزول، ولو لم تتكلم ولم تعمل هذا عمل القلب، كما أنه يؤجر على النية الصالحة يأثم بمثل هذا التمني، ولو لم يكن في ترجيح هذا القول إلا أن الإنسان يسعى لمعالجة قلبه.

((لا تحاسدوا ولا تناجشوا)) النجش: رفع قيمة السلعة لمن لا يريد شراءها، إما نفعاً لصاحب السلعة أو إضراراً بالمشتري أو جمعاً بين الأمرين، رأيت هذه السيارة لصديقك تباع في الأسواق سامها زيد من الناس خمسين ألف، أنت لا تريدها، لكن هذا صديقك ودك ينتفع قلت: خمسة وخمسين، وأنت لا تريدها، لو قيل: نصيبك، قلت: لا، الفلوس ما هي بحاضرة، على شان يقال: ما إحنا ببايعينها عليك، ما تقدر تقول: والله أنا لا أريد شراءها، هذا نجش نسأل الله العافية، تريد أن تنفع زميلك على حساب ذمتك، ليقول الثاني الذي سامها على الخمسين ستة وخمسين أو ستين، هذا النجش المحرم، وإذا كنت لا تعرف صاحب السيارة وإنما رأيت المشتري الذي يسومها الخمسين، ودك يتضرر يدفع زيادة قلت: خمس وخمسين، وأنت لا تريد شراءها، وقد تجتمع الصورتان، كل هذا نجش محرم، الزيادة في قيمة السلعة ممن لا يريد شراءها قد لا يريد الإنسان شراء هذه السيارة، أو شراء هذه السلعة، لكن رآها تسام بثمن بخس، قال: أشتريها وأبيعها بربح، لا يريد السيارة، يريد أن يتكسب من ورائها، سيارة تستحق سبعين ألف رآها تسام خمسين، قال: خمس وخمسين، طيب أنت معك سيارة؟ قال: نتكسب، يمكن تجيب لي ستين أو خمسة وستين، هذا لا يلام، ولا يدخل في النجش المذموم، وإن كان لا يريدها لأنه لا يريد الإضرار بغيره، إنما يريد جلب مصلحة لنفسه ولا يلام على ذلك.

((ولا تباغضوا)) يعني لا يبغض بعضكم بعض، لا تبغض أخاك ويبغضك أخوك، اللهم إلا إذا كان البغض في الله، فهذا من أوثق عرى الإيمان، رأيته مصر على معصية، مجاهر بها، تبغضه لمعصيته لا لذاته ((ولا تباغضوا)) يعني لا تبذلوا أسباب البغض وانتشاره بينكم، بل المطلوب بذل أسباب المحبة ((لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا ألا أخبركم)) إلى أن قال: ((أفشوا السلام بينكم)) والهدايا تورث هذه المحبة، فعلى الإنسان أن يبذل الأسباب، يجتهد في بذل أسباب المحبة والمودة بين المسلمين، فضلاً عن أن يسعى في بغض أخيه أو نشر أسباب البغضاء بين المسلمين، ومن أسباب البغضاء نقل الكلام على جهة الإفساد كالنميمة، هذه من أسباب البغضاء، تجد اليوم أخاك يستقبلك بوجه طلق، ثم تراه من الغد كالكلب العقور، لماذا؟ لأنه بلغه، حمل واحد كلام عنك أنك قلت كذا -نسأل الله السلامة والعافية-، هذه هي النميمة التي هي من موجبات عذاب القبر، كان أحدهما لا يستبرئ من بوله، والثاني كان يمشي بالنميمة، وجاء نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة أن ينقلوا عنه شيئاً عن أصحابه ليخرج إليهم سليماً -عليه الصلاة والسلام-. ((ولا تدابروا)) يعني لا يولي كل واحد منكم أخاه دبره، لا حساً ولا معنىً، بل على الإنسان أن يستقبل أخاه بوجهه، وأن يبش في وجهه، وأن يعامله بالحسنى، وأن يسدي له النصيحة والكلمة الطيبة لتحصل المودة بينهم.

((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) وهذا سبب من أسباب التباغض والشحناء والتدابر والتقاطع، تأتي إلى شخص اشترى سلعة بعشرة فتقول: أنا عندي لك أفضل منها بتسعة، فتفسد هذه البيعة، أنت بعت على بيع أخيك، ومثله الشراء على الشراء، باع هذا الشخص هذه السلعة بعشرة، تأتي إلى البائع تقول: أنا أعطيك إحدى عشر، اثنا عشر ليفسخ البيع، وهل يستوي الأمر إذا كان هذا البيع على البيع أو الشراء على الشراء في مدة الخيار أو بعد لزوم البيع؟ من أهل العلم من يقول: إن النهي فيما إذا كان في مدة الخيار؛ لأن المشتري يملك الفسخ، والبائع يملك الفسخ، أما إذا لزم البيع ما يضر، نقول: لا، يضر، وقال بهذا جمع من أهل العلم، أنت إذا قلت: عندي لك سلعة بتسعة أفضل من هذه، أدخلت الغيظ والإساءة إلى قلب أخيك. ومثله العكس الشراء على الشراء، تدخل في قلبه ما يغيظه، ويكدر عليه، وقد يسعى لإرجاع السلعة، يحرج أخاه في إبطال البيعة من أجلك، فيشمل ما كان في زمن الخيار، وما بعده بعد لزوم البيع، والنص عام. ((ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله)) منادى، كونوا يا عباد الله؛ لأنكم كلكم عبيد لله، هذا الأصل، وأنتم إخوة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] ((كونوا إخواناً)) طيب عباد الله إخوان، يحتاج أن يؤمروا بأن يكونوا إخواناً؟ نعم قد يؤمر الإنسان بملازمة صفة هو يتصف بها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} [(136) سورة النساء] الذين لزموا الصراط المستقيم {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [(6) سورة الفاتحة] يراد بذلك الاستمرار، ولزوم هذه الصفة، ((وكونوا عباد الله إخواناً)) كونوا إخواناً، من لازم الأخوة التحاب والتوادد وعدم التحاسد ولا التقاطع ولا التدابر، كونوا إخواناً. ((المسلم أخو المسلم)) المسلم أخو المسلم، والمؤمنون إخوة، ويلزم من هذه الأخوة المحبة والمودة، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

((لا يظلمه)) يعني هذا الأصل في المسلم أنه ما دام أخاً له في الإسلام أنه لا يظلمه ((ولا يخذله)) في موطن يحب نصره فيه لا يخذله، بل ينتصر له، وفي بعض الروايات: ((ولا يسلمه)) يعني يتركه بيد من يؤذيه، ((ولا يكذبه)) يعني لا يكذب عليه لا بصريح الكذب ولا بتورية ولا بغيرها إلا عند الحاجة، المقصود أن الكذب ممنوع بجميع صوره، الكذب القولي والكذب العملي. ((ولا يحقره)) بمعنى أنه يزدريه، ويسخر منه، هو أخوك، قد تكون أنت من أذكى الناس وهو عنده شيء من التغفيل، وهذا مع الأسف موجود بين المسلمين، إذا كان هذا ذكي ونبيه والثاني عنده شيء من الغفلة تجده يحقره، ويتطاول عليه، وينكت عليه، ويضحك الناس عليه، ما تدري أيكما أفضل عند الله -جل وعلا-؟ جاء في حديث: ((أكثر أصحاب أهل الجنة البله)) الحديث فيه مقال، لكن سلامة الصدر لها شأن عند الله -جل وعلا-، هذا لا يخطر بباله كثير من الأمور المنكرة التي تدور في بالك أنت، وتخطط لها. ((ولا يحقره)) سواءً كان عنده شيء من النقص في البدن أو في الرأي أو في المال، وعندك شيء من الزيادة في هذه الأمور لا يجوز لك أن تحتقر أخاك. ((ولا يحقره)) سيأتي ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه)) يكفيه من الشر أن يحقر أخاه المسلم، يحتقره ويزدريه، وأيضاً عند الاستطاعة لا يليق بمسلم أن يظهر للناس بمظهر يحتقر فيه ويزدرى فيه؛ لأن بعض التصرفات التي يستطيع الإنسان درأها عن نفسه تجعل بعض الناس يزدرونه ويحتقرونه، تجد عنده الأموال الطائلة ثم يخرج إلى الناس بأسمال من الثياب ثياب خلقة من رآه احتقره وازدراه، أو يركب شيئاً لا يليق به، أو يسكن وهكذا، هذا مظنة لأن يزدرى وأن يحتقر، فأنت كف هذا الأمر عن نفسك ما دمت تستطيع، إذا كنت لا تستطيع يتجه الأمر إلى الآخر. على كل حال ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)).

((التقوى ههنا، التقوى ههنا، التقوى ههنا)) يشير النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى صدره وإلى جانبه الأيسر الذي فيه القلب، يشير إلى القلب، نعم التقوى والفجور كله في القلب ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) المعول على القلب، والجوارح أعوان لهذا القلب، وجنود له، ينفذ القلب بواسطتها ما يريد، لكن إذا ظهر على الجوارح شيء من المخالفات هل يمكن أن يحتج هذا المخالف بأن التقوى ههنا؟ نقول: لو كان في هذا المخفي شيء، أو أن التقوى موجودة في هذا القلب لظهرت على الجوارح؛ لأن ما ظهر على الجوارح من المخالفات برهان على تكذيب الدعوى التي هي التقوى، لما استدل الصحابي بقوله -جل وعلا-: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ} [(93) سورة المائدة] قال: يشرب الخمر وهو تقي، قال له عمر -رضي الله عنه-: "أخطأت أستك الحفرة، لو اتقيت ما شربت الخمر" وهذا الذي تظهر عليه علامات الفسوق يحلق لحيته، ويشرب ما يشرب علناً، ويسبل ثيابه، أو عنده مخالفات، يقول: التقوى ههنا! هذا لو اتقى الله ما حصلت منه هذه الأمور، فقد كذب دعواه بفعله، وليس في هذا مستمسك للعصاة المعلنين بمعاصيهم أن يقولوا: التقوى ههنا، لو اتقى الله -جل وعلا- ما فعل هذه المعاصي. ((كل المسلم على المسلم حرام)) كل ما يتعلق بالمسلم حرام عليك ((دمه وماله وعرضه)) ((ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) فدم المسلم حرام، لا يجوز أن يسفكه بغير حق، ولا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث على ما تقدم، وكذلك ماله فهو معصوم الدم والمال ما دام مسلماً، وعرضه كذلك، لا يجوز أن يغتاب، وإن كان عنده شيء من المخالفات، اللهم إلا من باب إذا ترتب على ذلك مصلحة راجحة، يعني من باب التحذير من هذه المعصية، فإن هذه المعصية تذكر ويحذر منها، ولو أدى ذلك إلى معرفة العاصي، ولا يجوز تسميته إذا أمكن أن يتأدى الغرض بغير تسمية. سم. وقال المؤلف -عليه رحمة الله-:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) رواه مسلم بهذا اللفظ. نعم في الحديث السادس والثلاثين يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)). في بعض الأحاديث: ((من فرج عن مسلم)) ((من نفس)) التنفيس التخفيف، فمن خفف هذه الكربة خفف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن أزال هذه الكربة بالكلية أزال الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والجزاء من جنس العمل، من نفس عن مؤمن كربة يدخل في هذا المسلم؛ لأن له من الحق على أخيه ما له، لكن كل ما كان الإنسان أكثر استقامة على دين الله وتحقيقاً لوصف الإيمان كان أولى بأن تنفس كربه وتقضى حاجاته. ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) جرت العادة الإلهية أن الحسنة بعشر أمثالها، هذا نفس كربة، لماذا لا ينفس عنه عشر كرب من كرب يوم القيامة؟ يقول أهل العلم: إن الكربة من كرب يوم القيامة تعادل العشرات من كرب الدنيا، بل قد لا تقاس كرب الدنيا بكرب القيامة، وحينما قال: ((ستره الله في الدنيا والآخرة)) ما قال هنا: نفس الله عنه كربة من كرب الدنيا والآخرة، لا؛ لأن كرب الدنيا مجتمعة لو اجتمعت كرب الدنيا على شخص ما تعادل كربة واحدة من كرب يوم القيامة، فكونه ينفس عنه كربة من كرب يوم القيامة أعظم بكثير من جميع كرب الدنيا.

((ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)) لك مال، لك حق عند أخ من إخوانك المسلمين، لكنه لما طلبته قال: والله ما عندي شيء، تيسر عليه، تؤجل الطلب {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] تنظره حتى يجد ما يوفي به دينك، ومن التيسير أيضاً أن تخفف عنه الدين، وتسقط عنه بعضه أو كله، هذا من التيسير. ((ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)) وكان فيمن قبلنا رجل يداين الناس وكان يعاملهم بالرفق واللين والتيسير والعفو فعفا الله عنه، فالجزاء من جنس العمل.

((ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) رأيت أخاك المسلم في وضع لا يحب أن يعرف الناس عنه أنه يزاول هذا العمل أو يتصف بهذا الوصف تستر عليه ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) لكن الستر ليس على إطلاقه كما قرر ذلك أهل العلم، فمن الناس من يستحق الستر، من حصلت منه هفوة أو زلة، وعرف منه أنه لا يعاود ذلك ولا يتكرر منه، مثل هذا يستحق الستر، لكن من عرف بالفواحش والمنكرات هذا لا يستحق الستر، هذا لا بد من إيقاع حد الله عليه، لا بد من ردعه؛ لأننا إذا سترنا مثل هذا عطلنا الحدود، الحدود ما شرعت إلا لردع مثله، فلا يستر عليه حينئذٍ، ونسمع من يطالب بالستر المطلق استدلالاً بمثل هذا الحديث، نقول: الستر المطلق توطئة للإباحية، ما له داعي أن تشرع حدود، وأنت إذا وجدت من يزاول المنكر تركته مطلقاً، هذا توطئة للإباحية، فلا بد من أن يردع مثل هذا، وأن يكف شره عن المجتمع، فيرتدع هو ويرتدع غيره ممن تسول له نفسه ارتكاب مثل هذا المنكر، ولذا شرع إعلان الحدود {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [(2) سورة النور] ليرتدع بنفسه في إقامة الحد عليه، ويرتدع أيضاً غيره، وبعض الناس يقول: إن عدم الستر من باب إشاعة المنكر، من باب إشاعة الفاحشة، لا، نقول: إن الستر في بعض أحواله هو الذي يحقق شيوع الفاحشة، إذا سترت على فلان وعلان وبدون قيد ولا شرط شاعت الفاحشة بين الناس، لكن إذا أقيم الحد على هذا المرتكب للمنكر امتنع، وقلت الفاحشة، وقد تنتهي الفاحشة من المجتمع، يعني بعض الناس يستعمل النصوص في غير مواردها، فالذي يطالب بالستر المطلق لا شك أن هذا يطالب بإلغاء الحدود، ويطالب أيضاً بانتشار الفاحشة بين الناس؛ لأنه لا يكف عن الفواحش إلا هذه الحدود التي شرعها الشارع الحكيم ((ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) مسلم وقعت منه هفوة وزلة وندم عليها، ما له داعي أن يشهر أمره، ويفضح بين الناس؛ لأنه يغلب على الظن أنه لن يتكرر منه، لكن إن تكرر لا يستر عليه.

((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)) إذا كان الإنسان في حاجة أخيه يقضيها له فإن الله -جل وعلا- يعينه على ذلك، ويعينه على سائر أموره؛ لأن الخلق كما جاء في الخبر عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله. ((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه)) فأنت تعين أخاك على كل ما ينوبه من أمور دينه وأمور دنياه، ما تستطيع، ما استطعت من ذلك. ((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً)) سلك الطريق، بذل السبب، وحضر إلى الدروس، واستمع إلى الدروس العلمية سواءً كانت، وقرأ في الكتب، وسمع ما سجل منها، وبذل السبب، وسلك الطريق الحسي والمعنوي، يعني يحضر إلى الدروس، الأصل في السلوك، سلوك الطريق أنه حسي، لكن أيضاً يدخل فيه الطريق المعنوي، يسلك طريق العلم بالذهاب إلى أماكن الدروس، وإلى القراءة في الكتب، وحفظ المتون، ومزاولة الشروح، وسماع الشروح المسجلة، ومتابعة الدروس من خلال الآلات كل هذا من سلوك الطريق، فبمجرد سلوك الطريق يسهل الله لك به طريقاً إلى الجنة ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريق)) مجرد سلوك الطريق، ما يلزم أن تكون عالماً، حتى لو سلكت الطريق تقول: والله ما فهمت، أنت سلكت الطريق؛ لأنه وجد من يطلب العلم عقود، خمسين سنة، ستين سنة، ومع ذلك ما أراد الله أن يكون من أهل العلم، هذا نقول: سلك الطريق، ويكفيه هذا، وسهل الله له به طريق إلى الجنة، لكن إن كان من أهل العلم فيرفع عند الله -جل وعلا- درجات.

((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله)) يقرؤون القرآن ((ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة)) ((يتلون كتاب الله)) الذي هو القرآن ((ويتدارسونه بينهم)) في ألفاظه، وفي أحكام هذه الألفاظ، وفي معاني هذه الألفاظ، وفيما يستنبط من هذه الألفاظ من أحكام وآداب وعبر ((يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة)) الطمأنينة ((وغشيتهم الرحمة)) من الله -جل وعلا- ((وحفتهم الملائكة)) وحفتهم الملائكة: يعني احتفت بهم، وصارت حولهم، ومن احتفت به الملائكة هل يحضره الشيطان؟ لا، بخلاف من جلب الأسباب التي تعين الشياطين عليه، الملائكة لا تدخل بيت فيه كلب ولا صورة، والبيت إذا لم تدخله الملائكة دخلته الشياطين، والمكان الذي فيه الملائكة لا تدخله الشياطين، فاختر لنفسك. ((وذكرهم الله فيمن عنده)) الذين يذكرهم الله -جل وعلا- عند ملائكته، يباهيهم بهم، انظروا إلى عبادي، تركوا الراحة، تركوا الأهل، تركوا الأولاد، تركوا الأموال، واجتمعوا يتدارسون كتاب الله في بيت من بيوته، في مسجد من مساجد المسلمين، هؤلاء يذكرهم الله فيمن عنده ذكر مباهاة، و ((من ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه، ومن ذكر الله في ملأ ذكره الله في ملأ خير منه)). الناس لتشبثهم بهذه الدنيا، وعدم التفاتهم إلى ما ينفعهم نفعاً حقيقياً تجد الواحد منهم لو قيل له: إن الملك فلان أثنى عليك البارحة في المجلس، أو الأمير فلان، أو الوزير فلان، أو الرئيس، أو المدير، أو الوجيه، ذكرك البارحة في المجلس وأثنى عليك، احتمال ما تنام تلك الليلة، احتمال هذا؛ لأن بعض الناس يؤثر فيه هذا الكلام تأثيراً بالغاً، لكن أين أنت من قوله: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) أين ذكر الرب -جل وعلا- الذي بيده كل شيء، هو المعطي وهو المانع، وهو النافع، هو الذي ينفع مدحه، ويضر ذمه، الأعرابي لما قال: يا محمد أعطني، فإن مدحي زين وذمي شين، قال: ((ذاك الله -جل وعلا-)) أما أنت مدحك لا ينفع وذمك لا يضر، لكن كون الإنسان يمدح من قبل الأخيار هذه علامة خير، لكن كونه يمدح من قبل الأشرار هذه ليست بعلامة خير.

((ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) ولنا في أبي لهب وأبي طالب عبرة، أعمام النبي -عليه الصلاة والسلام- في الذروة من جهة بالنسبة للنسب، ومع ذلك بطأت بهم أعمالهم فلم تنفعهم أنسابهم ((وسلمان منا أهل البيت)) كما جاء في الحديث. ((من بطأ به عمله)) يعني تأخر به عمله لو كانت أعماله صالحة لكنه أقل من غيره ممن ليس مثله في النسب غيره يتقدم عليه في النسب، وأهل العلم يبحثون أيهما أفضل العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بلال مؤذن الرسول -عليه الصلاة والسلام- الحبشي؟ أيهما أفضل؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب: العباس، العباس. العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مولى يباع ويشترى، أعتقه أبو بكر، منّ عليه أبو بكر بالعتق، أيهما أفضل؟ طالب:. . . . . . . . . من السابقين، يقول شيخ الإسلام: فرق بين من قاتل في بدر في صف النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن قاتل في صف أبي جهل، مع أن العباس يعني عم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، الرسول أوصى بعترته، وفضائله ومناقبه، لكن المسألة إسلام، والحديث حكم ((من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) نقول: العباس ما بطأ به عمله، أدرك هذا وهذا، لكن المسألة مفاضلة، من أهل العلم من يسكت عن مثل هذا لشرف العباس ومنزلته من النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: لا ينبغي أن يقال مثل هذا الكلام، وله وجه، وإن كان الحديث يعني نص في كون النسب لا ينفع حينما يتأخر العمل، والطعن في الأنساب والفخر في الأحساب من دعاوى الجاهلية، مما يؤثر عن الجاهلية، وهذه لا تنفع في الإسلام شيء، لكن إذا اجتمع النسب، وكون الإنسان من أهل البيت الذين وصى بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن لهم حق عظيم على الأمة، شريطة أن يكونوا من أهل البيت بالفعل، يعني من النسب الطاهر والعمل الصالح، أما إذا وجد من الذرية الطاهرة لكنه لوث نفسه بالأدناس والأرجاس، بالمعاصي والمنكرات، هذا لا يمكن أن يسرع به نسبه كما جاء في الحديث الصحيح. سم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-:

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى- قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة)) ... سبعِ، سبعِ، إلى سبعِمائة. ((إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة)) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السابع والثلاثين: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-. تقدم معرفة هذا النوع من الحديث، حديث أبي ذر السابق، وأن أهل العلم يسمونه الحديث القدسي، إضافة إلى الله -جل وعلا- القدوس، ومنهم من يقول: الحديث الإلهي، والحديث القدسي كما تقدم ما يضيفه ويرويه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ربه -تبارك وتعالى-. قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات)) فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى- قال، من القائل؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني اللفظ، الكلام هذا للرسول ((إن الله كتب الحسنات))؟ ويش الفائدة في كونه يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-؟ هناك قال: ((إني حرمت)) ما قال هنا: إني كتبت، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . الآن فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-، وحديث أبي ذر فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-، هناك قال: ((إني حرمت)) وهنا قال: ((إن الله كتب)). طالب:. . . . . . . . .

قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات)) يعني هل نقول: فيه التفات، التفات من الخطاب إلى الغيبة، وإلا فالأصل أن يقول: (إني كتبت) مثلما قال: ((إني حرمت)) هنا قال: ((إن الله كتب)) يعني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله كتب الحسنات)) ما نحتاج إلى قوله: فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-؛ لأن كل الأحاديث التي يسوقها النبي -عليه الصلاة والسلام- بلفظه هو يرويه عن الله -جل وعلا-، ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فقوله: فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-، يعني مقتضى هذه الرواية أن يسند الكلام إلى الله -جل وعلا- كما في حديث أبي ذر السابق، لكن هنا قال: إن الله كتب الحسنات، فإما أن يقال: إن هذا التفات، التفات من الخطاب إلى الغيبة، بدلاً من أن يقول: إني كتبت، قال: إن الله كتب، وفي معاملة المخلوق يمكن أن يسموا مثل هذا تجريد، إيش معنى تجريد؟ المتكلم يجرد من نفسه شخصاً يتحدث عنه، ففي الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى رهطاً وسعد جالس، ما قال: وأنا جالس، وسعد جالس، قالوا: هذا تجريد، جرد سعد من نفسه شخصاً آخر تحدث عنه. ((إن الله كتب الحسنات والسيئات)) كتبها عنده في اللوح المحفوظ، وأثبتها عنده، فمن هم بحسنة فلم يعملها، كتبها الله حسنة كاملة، همّ الهم مرتبة من مراتب القصد. مراتب القصد خمس هاجس ذكروا ... يليه هم فعزم كلها رفعت فخاطر فحديث النفس فاستمعا ... إلا الأخير ففيه الأخذ قد وقعا الذي هو العزم.

فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، لم يعملها، هم بها فلم يعملها، ما الذي منعه من عملها؟ إن كان ندم على هذا الهم، الداعي لتركها هو الندم، هم ببناء مسجد، هم ثم بعد ذلك قال: ما له داعي نبني مسجد، المساجد كثيرة ولا داعي لذلك، وكان أمضى في تخطيط المسجد مدة وبذل مال في تخطيط المسجد، ثم ندم على بذل هذا المال، وعلى بذل هذه المدة التي يفكر فيها في بناء المسجد، هل نقول: يدخل في هذا الحديث، فمن هم بحسنة؛ لأن تفاصيل هذا الحديث كثرة جداً جداً ((فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة)) وجد مانع من فعل هذه الحسنة، يكتبها حسنة كاملة إذا وجد ما يمنعه من فعلها، أما إذا ندم على التفكير فيها، والهم فيها هذا لولا أن الله -جل وعلا- فضله واسع لقلنا: إنه يعاقب على هذا الندم. ((فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات)) الحسنة بعشر أمثالها، وجاء في ذلك نصوص كثيرة ((إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة)) وهذه المضاعفات تزداد تبعاً لنوع العمل والعامل والزمان والمكان، كل هذه مؤثرات في زيادة المضاعفات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء، وجاء في حديث مضعف عند أهل العلم: ((إن الله ليضاعف لبعض عباده الحسنة بألفي ألف حسنة)) لا شك أن فضل الله لا يحد، وخزائنه لا تنفذ، لكن الحديث ضعيف. ((وإن هم بسيئة)) يعني دون العزم، وفوق حديث النفس، هم، ((وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة)) حسنة كاملة لم يعملها لأنه عجز عنها، حاول وعجز؟ لا، لم يعملها لوجود مانع، وهو خوف الله -جل وعلا- إنما تركها من جرائي، يعني من أجلي، نعم، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، إن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة. ولننظر الفرق بين حسنة كاملة، وبين سيئة واحدة، يعني تعظيم شأن الحسنات، مما يبين فضل الله -جل وعلا-، ويدل له ((إن رحمتي سبقت غضبي)). رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف.

المؤلف -رحمه الله- علق على هذا الحديث، يقول: فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى، وتأمل هذه الألفاظ، وقوله: ((عنده)) إشارة إلى الاعتناء بها، هذه حسنة قريبة منه، نعم، إلى الاعتناء بها، وقوله: ((كاملة)) للتأكيد وشدة الاعتناء بها. وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها ((كتبها الله عنده حسنة كاملة)) فأكدها بكاملة، ((وإن عملها كتبها سيئة واحدة)) فأكد تقليلها بواحدة، ولم يؤكدها بكاملة، فلله الحمد والمنة، لا نحصي ثناء عليه وبالله التوفيق، هذا تعليق نفيس من المؤلف -رحمه الله تعالى-، ولفتة إلى دقيقة من دقائق العلم، والله المستعان. النبي -عليه الصلاة والسلام- هم ولم يفعل، هم أن يحرق البيوت على المتخلفين عن الصلاة، لكنه لم يفعل، ومنعه من ذلك وجود النساء والذرية، هل نقول: إن الهم لا يترتب عليه حكم؟ أو نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله كما قرر ذلك أهل العلم؟ وإلا إذا قلنا: إن الهم مثل حديث النفس ما يترتب عليه حكم، قلنا: إن هذا الحديث ليس فيه، يعني مفرغ عن الدلالة. عرفنا أن المقاصد كلها أربع مراتب منها: لا مؤاخذة فيه؛ لأنه إذا هم بسيئة ولم يعملها لا يؤاخذ عليها، لكن لو عزم عليها ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)) قيل: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قيل: ((إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)) عازم على قتله. سم. وقال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته)) رواه البخاري. التكملة هذه عندك؟ وما ترددت؟ طالب: زيادة هنا. هاه؟ طالب: نعم. ليست في الأصل، ((ولئن استعاذني لأعيذنه)) رواه البخاري. طالب:. . . . . . . . .

ما وجد طبعة واحدة، الطبعات متعددة. طالب:. . . . . . . . . من أين؟ في أصل الأربعين ليست موجودة. طالب:. . . . . . . . . على كل حال هي موجودة في الحديث الصحيح. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثامن والثلاثين: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله تعالى قال)) هذا أيضاً حديث قدسي، وهذه صيغة من صيغ الرواية في الحديث القدسي فيما يرويه عن ربه -عز وجل-، فيما يرفعه إلى ربه "إن الله تعالى قال: ((من عادى لي ولياً)) " المعاداة نقيض الموالاة، الذي ينصب العداء لأولياء الله، فمن أولياء الله؟ ((من عادى لي ولياً)) {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ} [(257) سورة البقرة] {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [(62 - 63) سورة يونس] هؤلاء هم أولياء الله، فمن عادى من اتصف بالإيمان والتقوى ((فقد آذنته بالحرب)) وهل لأحد بحرب الله يد؟! هل يستطيع أن يبارز الله بالحرب؟! كما هو شأن أكلة الربا؟ هل للإنسان المسكين الضعيف الذي لو اعتراه أدنى ما يعتري البشر لأعلن العجز والضعف؟ هل له يد وطاقة في حرب الله -جل وعلا-؟ ومع ذلك نجد كثير من المسلمين يتعاملون بهذه المعاملة المتضمنة لحرب الله ورسوله، وهنا تجده يعادي أولياء الله، ويبغضهم ويكرههم ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) يعني أعلمته بالحرب، أنذرته بالحرب. ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)) التقرب بالفرائض لا شك أنه أقرب من التقرب بالنوافل؛ لأن الفرائض أفضل، وهي التي يأثم بتركها بخلاف النوافل التي لا يأثم بتركها، والفرائض أولى بالاهتمام من النوافل ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)) يعني أحب الأعمال إلى الله -جل وعلا- هذه الفرائض، فإذا أداها الإنسان وبرئ من عهدتها سلم، مثلما تقدم في حديث الذي لا يزيد على ما افترض الله عليه، الذي يفعل الواجبات ويترك المحرمات، يدخل الجنة، وهذا هو المقتصد، لكن إذا زاد على ذلك النوافل لا شك أنه كلما زاد كان أقرب إلى تحقيق الولاية.

((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل)) الفرائض ما فيها مسوامة، لكن النوافل هي التي تقبل الزيادة والنقص ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) ((ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)) ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)) هل يقال: إن الغسل أفضل من الوضوء؟ وهو مندوب والوضوء واجب شرط لصحة الصلاة؟ أو أن نقول: الغسل المشتمل على الوضوء كما هو معلوم وإلا ما يكفي غسل لا يشتمل على وضوء؟ نقول: إذا اجتمع النفل مع الفرض صار أفضل من الفرض وحده، قال: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) نعم، الإكثار من النوافل سبب لمحبة الله -جل وعلا- للعبد، والإخلال بالفرائض سبب لبغض الله -جل وعلا- للعبد ((فإذا أحببته)) يعني تحقق هذا الوصف بكثرة نوافل هذا الشخص ((فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)) يعني وفقه الله -جل وعلا- ويسر له استعمال هذه النعم فيما يرضيه -جل وعلا-، فلا يزاول بها ما يكرهه الله ويسخطه، إنما يستعملها فيما يحب الله -جل وعلا-.

((فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به)) فلا تجد مثل هذا يسمع إلا الطيب من الكلام، ما تجده يسمع المحرمات ((وبصره الذي يبصر به)) لا تجد يرى ويشاهد في هذه النعمة التي هي نعمة البصر ما يكرهه الله -جل وعلا- ويبغضه، وما أخل عبد بشيء من هذين المنفذين وغيرهما السمع والبصر يعني تجد بعض الناس طالب علم، لكن قد تغلبه نفسه على سماع محرم غيبة وإلا غناء وإلا مزامير وإلا شيء، سببه الإخلال بالسبب الموجود في هذا الحديث بالنوافل، أخل بالنوافل فاختل الوعد ((كنت سمعه الذي يسمع به)) لكن لو حافظ على النوافل وأكثر من النوافل ما وجد هذا الخلل عنده، كيف يشاهد قنوات إباحية تعرض صور عارية، تعرض صور مومسات، وتعرض أفلام فاحشة، وتعرض شبهات؟ كيف تسمح نفسه بهذا وهو من يتقرب إلى الله -جل وعلا-؟ لا بد أن يوجد الخلل في هذه النوافل التي هي سبب الوعد بحفظ السمع والبصر، فإذا تساهل بهذه النوافل، والنوافل لا شك أنها سياج واحتياط يمنع الإنسان من الإخلال بالواجبات والوقوع في المحرمات. ((وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها)) تجده لا يستعمل هذه اليد إلا فيما يرضي الله، تجده ما يكتب شيء يبغض الله -جل وعلا-، تجده ما يزاول شيء بيده يغضب الله -جل وعلا- إلا إذا أخل بالسبب. ((ورجله التي يمشي بها)) تجده يمشي إلى المساجد، يمشي إلى الدروس، يمشي إلى صلة الأرحام، يمشي إلى زيارة المرضى، وتشييع الجنائز، وما أشبه ذلك، يوفق لهذا كله، وتكون نوافله التي تقرب بها سياج ومانع له من أن يبطش بيده شيئاً مما لا يجوز، أو يمشي برجله إلى شيء لا يجوز. ((ولئن سألني لأعطينه)) إذا وصل إلى هذه المرتبة ما ترد دعوته ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني)) مما يكره، سألني شيئاً يطلبه مما ينفعه في دينه أو دنياه لأعطينه، ((وإن استعاذني)) مما يكرهه في دينه أو دنياه ((لأعيذنه)) رواه البخاري. نعم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)) حديث حسن، رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث التاسع والثلاثين:

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله تجاوز)) وعفا ((لي)) يعني بسببي ولأجلي، هذا من شرف هذه الأمة بسبب شرف نبيها -عليه الصلاة والسلام- ((إن الله تجاوز لي عن أمتي)) عفا عنهم، وتجاوز عن أمتي ثلاثة أشياء: ((الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي. على كل حال الحديث فيه كلام لأهل العلم، لكن شواهده في القرآن والسنة أيضاً. ((إن الله تجاوز لي عن أمتي)) {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [(106) سورة النحل].

((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) فلا إثم بسبب الخطأ ولا النسيان ولا بسبب الإكراه، الإثم مرتفع، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] قال: قد فعلت، يقول الله -جل وعلا-: قد فعلت، فلا مؤاخذة، وكذلك الإكراه، وهو الإلجاء وليس كل ما يدعيه الناس إكراهاً هو في الحقيقة إكراه، لا، وهناك أمور لا يمكن أن يكره عليها الإنسان، الخطأ والنسيان، ومثلهما الجهل {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] فالجهل يعذر به الإنسان لا يؤاخذ، وإذا أخطأ أو نسي فإنه لا يؤاخذ، أخطأ فعمل شيئاً لا يعرف حكمه، أو نسي ما يعرف حكمه وفعله أو تركه، وأكره على ما يعرف حكمه بدءاً من كلمة الإشراك إلى ما دونها، فإذا أكره على ذلك إكراهاً معتبراً شرعاً فإنه لا مؤاخذة عليه، أخطأ ففعل محظوراً، نسي ففعل محظوراً لا شيء عليه، لكن أخطأ في حق آدمي نسي فتناول شيئاً لمخلوق فإنه لا يؤاخذ بالنسبة لحق الله، فلا إثم عليه، لكنه يضمن حق المخلوق، وعند أهل العلم النسيان والخطأ ومثله الجهل ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، نسي فصلى بدون طهارة، نقول: صلاته صحيحة؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] قال: قد فعلت؟ تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان؟ النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، فلا بد أن يتوضأ ويصلي، ونسيانه لا يعفيه، لكن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، نسي فصلى الظهر خمس ركعات، نقول: يعيد؟ لا، لا يعيد؛ لأن هذه الركعة في حكم المعدوم؛ لأنه ما قصدها ولا تعمدها، لو تعمدها لأبطلت صلاته، وقل مثل هذا في المحرمات وترك الواجبات، نسي فترك واجباً لا بد أن يأتي به؛ لأنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، نسي ففعل محرماً ارتكب محرماً نقول: يعفى عنه؛ لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ما استكرهوا عليه، يعني الإكراه إلجاء ممن يقدر على التنفيذ، لكن لو أكره على إتلاف مال فإنه يضمن، لو أكره على قتل فإنه لا يجوز الإقدام على القتل؛ لأنه ليست روحه ونفسه

أولى بالصيانة من روح غيره، فإذا قتل ولو كان مكرهاً يقتل، أهل العلم يقولون: إن الرجل لا يتصور إكراهه على الزنا بخلاف المرأة، لا يتصور إكراه الرجل على الزنا، لماذا؟ لأنه إذا أكره لا ينتشر، ما يستطيع أن يزاول بخلاف المرأة، بعضهم يتساهل في هذا الباب تساهلاً شديداً، امرأة تسأل فقالت: إنها أحرمت مع زوجها بعمرة، فلما طافوا قال: خلاص لا تسعي، اذهبي إلى البيت تجهزي وأنا أسعى وأجي، أفتاها من أفتاها بأنها مكرهة لا شيء عليها، هذا تفريط، هذا تساهل في الفتوى، هذه الفتوى لا قيمة لها، ما دام مكنها من الإحرام، وأذن لها أن تحرم، يلزمه ويلزمها الإتمام ولا التفات إلى قوله لها: لا تسعي، لا يملك أصلاً، هو ملزم بالإتمام، وهي ملزمة بالإتمام، ما دام أذن لها، لكن لو قبل الإحرام والعمرة ليست الواجبة قال: لا تحرمين، يملك يمنعها، لكن لما طاف طواف العمرة وبدلاً من أن تسعى معه تذهب لتجهز له ما يريد أثناء سعيه، هذا لا يملك هو مثل هذا، وهي لا تملك بل عليها أن تسعى، فالإكراه له حد شرعي، إذا وصل إليه نعم يعذر إذا لم يصل إليه لا يعذر، نعم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" رواه البخاري. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الأربعين:

ومقتضى تسمية الكتاب بالأربعين أن يكون هذا آخر حديث، واستدلاله بحديث: ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً)) مقتضى ذلك أن يكون هذا آخر الأحاديث، لكنه زاد حديثين، والزيادة اليسيرة لا تخرج الشيء عن مسماه، ولذا كثيراً ما نجد في الألفيات زيادة بيت أو بيتين أو ثلاثة أو نقص بيت أو بيتين في الألفية؛ لأن الحكم للغالب، هذا زاد حديثين، رأى أن الحاجة داعية وماسة لهما، وإلا فالأصل أن يكون الحديث الأربعون هو آخر الكتاب، وهو مقتضى التسمية؛ لأن بعض الناس يستغرب يقول: أربعين حديث، الاثنين هذه من أين جابها؟ هي من أصل التأليف، يعني من المؤلف، رأى الحاجة داعية إلى هذين الحديثين، ولما جاء الحافظ ابن رجب فزادها ثمانية فصارت خمسين، ولا يمتنع أن يأتي من يزيدها عشرة فتصير ستين، إلى أكثر من ذلك، ومعروف عند أهل العلم الزيادات والزوائد معروفة عند أهل العلم. يقول: الحديث الأربعون: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي" طرف الكتف، المنكب ملتقى العاتق مع العضد "بمنكبي فقال" من باب التنبيه؛ لأنه أيضاً بعد يمكن أخذ بمنكبه وشده من أجل أن ينتبه، هذا أسلوب مستعمل إلى الآن، نعم. "قال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) " كوافد على هذا البلد لا تعرف ولا تعرف، والغريب ينبسط في بلد لا يعرف ولا يعرف فيه؟ ((أو عابر سبيل)) مررت بهذا البلد وأنت ماشي في طريقك، ومقتضى ذلك أن تأخذ الأهبة للغربة والسبيل الذي ينتظرك، فتأهب لما أمامك، والدنيا سفر يقطعه الإنسان يقطع منه في كل يوم مرحلة تقربه إلى الدار الحقيقية، الدار الآخرة ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يعني استعد لما أمامك، أما غير الغريب صاحب البلد والمقيم فيه غير عابر السبيل، هذا عنده بيت، وعنده أهل، وعنده عشيرة، وعنده متاع، فما شبه السائر إلى الله -جل وعلا- بالمقيم؛ لأن هذه الدنيا وهي المشبه ليست دار إقامة، وإنما هي ممر، كأنك عابر سبيل، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وابن عمر وهو المعروف بالمبادرة بالامتثال ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً، يبادر.

"يقول: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول" لما سمع هذا الكلام "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" يعني قصر الأمل، ومن لازم تقصير الأمل المبادرة بكل ما يستطيع المبادرة به "وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء" بخلاف حال كثير من الناس الذين آمالهم تطول فتجد الإنسان وهو طالب يخطط لما بعد التقاعد، لا يخطط لما بعد التخرج لا، لما بعد التقاعد، الله المستعان، وما يدري أنه يقوم من مجلسه أو لا يقوم، وكم من شخص عمر وشيد وأسس ولا سكن، وأكثر من قضية يتزوج وفي صباح الغد وهو يتناول الإفطار مع عرسه يموت بين يديها أو تموت بين يديه، وموت الفجأة يكثر، وبسبب حوادث السيارات التي تخترم الناس وهم في عنفوان الشباب، يعني أمور مهولة، فعلى الإنسان أن يهتم بهذا الأمر. "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" وليس معنى هذا أنك تقصر نظرك وعملك على هذه المدة بحيث لا تفكر فيما تفعله في الغد أو بعد غد، لا مانع أن تعمل، لكن تجعل نصب عينيك أن المنية أقرب إليك من شراك نعلك لتتأهب، ولا تتمادى في التسويف والمماطلة بفعل الصالحات، أو عدم الإسراع في إبراء الذمة من الحقوق، بادر سارع.

الآن يجلس بعض الناس سنوات يشيد المسكن، ويحمل ذمته من الديون بما يجزم عليه أنه يموت ما سدده، يشيد بيت بمليون وهو ما يحتاج ولا عشر هذا البيت، وديون المليون يصير عليه بسبب التأخير والآجال مليونين أو ثلاثة، ثم بعد ذلك يبقى محسوراً ملوماً، مفرط، ابن عمر شيد بيته بيده، عمر بيته، ويومين ثلاث وينتهي البيت، يومين ثلاث وينتهي البيت، الآن الملاحق في البيوت تحتاج إلى وقت طويل ولأموال، وتحتاج إلى أشياء فضلاً عن البيوت، ابن عمر يومين أو ثلاث وشيد بيته وسكن، الأمر ميسور، يعني قبل أن تنفتح الدنيا، ويتباهى الناس في البنيان، يتطاولون فيه، يقف الإنسان عند باب المسجد يقول: أعان الله من يعين، وهذا لبنة، وهذا طينة، وهذا يجيب ماء، وهذا كذا، ومدة يسيرة وينتهي البيت؛ لأنهم ينظرون إلى حقيقة هذه الدنيا أنها ممر، عابر سبيل، غريب، ينتقل عنها اليوم أو غداً، لكن الآن صارت غاية، إذا ما شيد البيت، ووسع البيت، يعني لو نظرنا في تسلسل البيوت بالنسبة للناس يعني كانت الأسر تسكن في بيت واحد، ثم توسعوا قليلاً فصارت كل أسرة تسكن في بيت، يعني الولد عنده خمسة من الأولاد مزوجين كلهم في بيت واحد، هؤلاء توسعوا قليلاً وصار كل واحد في بيت، لكن كم مساحة هذا البيت؟ رأينا من بيوت في الرياض وفي غيره ستين متر البيت، ثم بعد ذلك رأينا حمام في بيت ستين متر، يعني التوسع في أمور الدنيا هذه مشكلة، يدل على طول في الأمل واغترار بإمهال الله -جل وعلا- للناس، لكن إذا حضر الأجل ما نفعت هذه الأمور، يعني كانت البيوت خمسين ستين متر، التجار يمكن قد يصل إلى مائة، ورأينا بعض القرى التي هدمت السيول بيوتهم يعني القرية كلها ما تجي خمسة آلاف متر، وفيها خمسين ستين بيت، والدليل على ذلك أن الأماكن التي يوضع فيها التمر هذه لا تهدمها السيول باعتبار أنها حصى، يعني تشيد من حصى، وآجر وجص فهي قوية، وجدناها في بعض القرى ما بين الواحدة والثانية إلا خمسة أمتار عشرة أمتار، هذه في بيت وهذه في بيت، فالناس كانوا ينظرون إلى حقيقة الدنيا ما توسعوا، توسعوا خرجوا إلى المئات، قالوا: هذه قبورهم ما هذه ببيوت، توسعوا، خرجوا إلى. . . . . . . . . بعد ذلك، بدؤوا

يشيدون القصور من الآلاف، ما تكفي مئات، يبي مساحة للمشي، ومساحة للزراعة، ومساحة لما أدري إيش؟ وكأنه في قرارة نفسه أنه لن يموت. ابن عمر في أيام يسيرة شيد البيت وسكن، بيت يكنه هو وزوجته خلاص ينتهي الإشكال من الحر والقر، وما وراء ذلك يحاسب عليه، ترى في الزائد يحاسب عليه الإنسان فضلاً عن كونه يحتاج إلى أن يحمل ذمته الديون، يتكلم الإنسان مثل هذا الكلام، ومن يسمع الكلام يقول: هذا بيته أكيد أنه خمسين متر أو ستين متر، لا هو مثل الناس، الإنسان ابن بيئته، لكن الكلام في الجملة يعني، كان الناس على وضع ثم اختلف هذا الوضع، والله المستعان. "وخذ من صحتك لمرضك" خذ استعد لما أمامك في وقت الصحة ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) مغبون، صحة تضيع بدون عمل صالح، أو فراغ يضيع بدون عمل! كثير من الناس يضيع هذه الصحة من دون عمل، وإذا علم الإنسان أنه يكتب له إذا مرض مثل ما كان يعمله صحيحاً استغل وقت الصحة من أجل أنه إذا مرض يكتب له نفس العمل. "ومن حياتك لموتك" تحتاج إلى العمل الصالح الذي يبقى معك بعد الموت، يبقى معك يؤنسك في قبرك، ويكون سبباً في دخولك الجنة، ونجاتك من النار، إذا مات الإنسان وهو مقصر {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [(99 - 100) سورة المؤمنون] لا، ما في، تنتهي أيام المهلة بالغرغرة، إذا تغرغر الإنسان انتهى، التوبة لا تقبل، والعمل الصالح انتهى لا يقبل، فعلى الإنسان أن يبادر باستغلال أيام الصحة، أيام الفراغ، يأتي في يوم من الأيام يقول: يا ليت، كنت أنام الساعات الآن ما يتيسر، ليت هذه الساعات قسمتها نصفين، نصف للنوم ونصف عمل، ركعتان في جوف الليل، أو صيام في يوم شديد الحر ما يمدي، يندم ولات ساعة مندم. "ومن حياتك لموتك" تزود، وخير الزاد التقوى، نعم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) حديث صحيح رويناه. حسن، حسن صحيح وإلا صحيح؟ طالب:. . . . . . . . . كل النسخ كذا؟ طالب:. . . . . . . . . حسن صحيح.

حديث حسن صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح. يقول المؤلف -رحمة الله عليه- في الحديث الحادي والأربعين: "عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أولاً الحديث فيه كلام طويل لأهل العلم، وابن رجب -رحمه الله- في شرح الأربعين بين علل لهذا الحديث، وإن كان معناه يمكن حمله على وجه صحيح. يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن أحدكم)) " المراد به الإيمان الكامل ((حتى يكون هواه)) ورغبته النفسية تدور تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا حس تجد النفس الرغبة لما حث عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، إذا منع تجد النفس إذا منع النبي -عليه الصلاة والسلام- من شيء تجد نفسك تدور تبعاً للحث والمنع. ((لا يؤمن أحدكم)) يعني الإيمان الكامل ((حتى يكون هواه تبعاً لما)) من صيغ العموم ((لما جئت به)) يعني لجميع ما جئت به، لكن إذا كان هواه تبعاً لما أوجبه الله عليه وما حرمه الله عليه لا يستثني بذلك شيئاً، أما بالنسبة لما حث عليه من غير إيجاب، أو منع منه من غير كراهة فمثل هذا لا يخدش في الإيمان، ولا يؤثر فيه؛ لأن للإنسان أن يترك المستحب ولا يأثم، وله أن يرتكب المكروه لأدنى حاجة ولا يأثم، و (ما) من صيغ العموم، لكن إذا كان الهوى تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- من واجبات ومستحبات، وتاركاً لجميع ما جاء عنه من محرمات ومكروهات هذا هو الإيمان الكامل. ((حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) حديث حسن صحيح ... إلى آخره. وعرفنا أن الحافظ ابن رجب بين له بعض العلل، نعم. قال المؤلف -عليه رحمة الله-: عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في آخر الأحاديث:

"عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا آخر ما في الكتاب من الأحاديث، يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم)) وإذا أضيف الابن إلى جنس يشترك فيه الناس أو فئام من الناس فإنه يشمل الذكور والإناث، فيشمل الذكور والإناث وإلا فالأصل أن الابن خاص بالذكر، والبنت بالأنثى، فإذا قيل: ابن زيد، فالمراد ولده الذكر، بخلاف ما يقال: ابن آدم، فإنه يشمل، كما أذا أوصي إلى بني تميم مثلاً، فإنه يشمل الرجال والنساء، لكن إذا أوصي إلى بني فلان فإنه يختص بالأبناء دون الإناث، وهنا يقول: يا ابن آدم مما يشمل الذكور والإناث، والإناث في عموم خطابات الشرع تدخل في خطاب الرجال. ((يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني)) يعني الدعاء {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] عرفنا فيما تقدم أن الدعاء له أسباب للقبول، أسباب وهناك موانع، فلا بد من توافر الأسباب، وانتفاء الموانع، ومع ذلك من الأسباب اقتران الدعوة بالرجاء، ما يدعو الإنسان وقلبه غافل ساهي، فإنه حري ألا يستجاب له إذا غفل، لكن إذا اقترن مع الدعاء الرجاء وحضور القلب ((غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي)) الله -جل وعلا- يقبل التوبة ويغفر لمن استغفر له، ((ولا أبالي)) يعني لا أهتم بذلك؛ لأن هذا لا يثقله -جل وعلا-، ولا يكرثه، ولو اجتمعوا كلهم في صعيد واحد واستغفروا غفر لهم، لو طلبوا أعطاهم، ولا ينقص ذلك من ملكه شيئاً كما تقدم.

((يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء)) أذنبت الذنوب الكثيرة العظيمة التي ملأت الأرض وارتفعت إلى عنان السماء، إلى السحاب، إلى الأفق فإنك يقول: لو بلغت ذنوبك كثرة إلى عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، لكن بالشروط المعروفة، مع انتفاء الموانع المعروفة، غفرت لك ((يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض)) يعني بملء الأرض أو بما يقارب ملئها ((خطايا، ثم لقيتني)) بشرط ((لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)) لا تشرك بي شيئاً نكرة يشمل قليل الشرك وكثيره، صغيره وكبيره، وبهذا يستدل جمع من أهل العلم أن الشرك الأصغر لا يغفر {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] الكبائر كلها تحت المشيئة، لكن الشرك لا يقبل المغفرة، لكن الفرق بين الشرك الأصغر والذنوب أنه لا بد من أن يعذب عليها، والفرق بينه وبين الأكبر أن صاحب الشرك الأكبر مخلد في النار، لكن صاحب الشرك الأصغر إذا عذب مآله إلى الجنة. ((لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وهذا يبين عظمة التوحيد، وتحقيق التوحيد، وتصفية التوحيد من شوائب الشرك صغيره وكبيره، من البدع من المعاصي ليدخل الجنة وينجو من النار، وهنا أيضاً وعيد لمن لا يشرك بالله شيئاً، يعني جميع صور الشرك كفيلة بأن يغفر للإنسان ما اقترفه من ذنوب، قد يقول قائل: إما أنه قد لا يكون مشرك، لكنه يرتكب محرمات قد يترك الصلاة ولا يشرك، نقول: لا، إذا ترك الصلاة فهو مشرك، لماذا؟ لأنه اتخذ إلهه هواه، ولذا جاء في الحديث: ((بين الكفر وبين الشرك ترك الصلاة)) فلا يرد على هذا أنه إذا كان لا يشرك لكن لا يصلي أنه يغفر له عند من يقول بكفر تارك الصلاة، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . ما في شيء خلاص انتهينا.

§1/1